![]() |
كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
الكتاب يتحدث عن ثمار الروح القدس التسعة حسبما ذُكِرَت في (غل 5: 22-23): "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ". ← بيانات الكتاب: الطبعة الأولى، أكتوبر 1996 م.، القاهرة، مطبعة الأنبا رويس (الأوفست) بالعباسية، رقم الإيداع بدار الكتب: 11106/1996 م. - الترقيم الدولي: 977-5345-33-2. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164752040859231.jpg
مقدمة لا بُد للروح أن يكون لها ثمر في الإنسان، لأن السيد الرب يقول "من ثمارهم تعرفونهم" (مت 8: 20) وأيضًا: كل شجرة لا تصنع ثمرًا، تقطع وتلقى في النار" (مت 7: 19). والثمر الجيد هو ثمر الروح، وليس ثمر الجسد. والروح الإنسانية التي تصنع ثمرًا، هي التي تشترك مع الله في العمل، وتدخل في "شركة الروح القدس" (2كو 13: 4). وإن اشتركت روح الإنسان مع الروح القدس، سوف تستطيع أن تشترك الجسد معها وتقوده في العمل الروحي. إذن ثمر الروح، هو ثمر الروح التي قادت الجسد. وصارت هي وهو تحت قيادة الروح القدس. ذلك "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو 8: 14). فهل المقصود بثمر الروح، هو ثمر الروح الإنسانية، أم ثمر الروح القدس. الإجابة هي شركة الروح القدس مع الروح الإنسانية. ذلك لأن الروح الإنسانية. وحدها لا تستطيع وحدها أن تعمل شيئًا بدون شركة روح الله معها.. الإنسان هو هيكل لروح الله، وروح الله ساكن فيه (1كو 3: 16) (1كو 6: 19). روح الله ساكن في الإنسان ويعمل. ولكن يلزم استجابة الإنسان لعمل الروح فيه وذلك بأن يشترك مع روح الله في العمل. وهنا يأتي ثمر الروح نتيجة لهذه الشركة.. ذلك لأن الله لا يرغم الإنسان على عمل الخيربل لا بُد أن يعمله بإرادتهُ.. وإلا فقد العمل قيمته. ولم تعد له مكافأة. وقد شرح الرسول ثمر الروح فقال: وأما ثمر الروح فهو: محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفف" (غل 5: 22، 23) ونحن نود في هذا الكتاب أن نحدثك عن هذا كله، في إيجاز وتركيز. لأن كل واحدة من هذه الثمار التسع، قد تحتاج إلى كتاب خاص. وقد أصدرنا لك كتابًا عن المحبة، وآخر عن الإيمان وكان بودي أن أصدر لك كتابًا عن الوداعة. ولكن رغبة في تجميع الأفكار وعدم تشتتها، نشرنا لك هذه الكتاب عن ثمر الروح كله معًا. ونلاحظ أن كل ثمرة يمكن أن تتعلق بغيرها من الثمار. لأن الحياة الروحية مرتبطة ببعضها البعض في كل التفاصيل. أتركك الآن أيها القارئ العزيز لكي تتأمل في ثمار الروح، ولكي تجعلها جميعًا ثمرًا لحياتك مع الله ولعمل الروح فيك. وليكن الله معك، يعينك في كل ما تفعله. 31 أكتوبر 1996 عيد القديس الأنبا رويس البابا شنودة الثالث |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164752040859231.jpg البابا شنودة الثالث المحبة من ثمر الروح: - المحبة أود أن أبدًا معكم سلسلة جديدة عن "ثمار الروح". هذه التي شرحها الوحي الإلهي على لسان بولس الرسول قائلًا: "وأما ثمر الروح فهو: محبة، فرح، سلام، طول أناة لطف، صلاح، وداعة، تعفف. ضد أمثال هذه ليس ناموس" (غل 5: 22، 23). ويبدو واضحًا من هذه الآية أن المحبة هي أولى ثمار الروح. فلنتأمل إذن فضيلة المحبة أولى ثمار الروح: المفروض في الإنسان أن يكون هيكلًا للروح القدس، ويكون روح الله ساكنًا فيه. ولقد أرسل لنا السيد المسيح الروح القدس، لكي يسكن فينا إلى الأبد، ولكي يعمل فينا ويعمل بنا ويكون لعمله فينا ثِمار، هي ثمار الروح (1كو 3: 16) (يو 14: 16، 17). وفي مقدمة ثمار الروح: المحبة والفرح والسلام. ولنبدأ بفضيلة المحبة وعلاقتها بالفرح والسلام. أهم ما أريد أن أكلمكم عنه في المحبة، هو محبة الله، ومحبة الخير. وكل منهما تؤدى إلى الأخرى. محبة الله توصل إلى محبة الخير والفضيلة. ومحبة الخير والفضيلة توصل إلى محبة الله. وكل منهما تقوي الأخرى. إذا أحب إنسان الخير، لا يكون له صراع مع الشر. كثير من الناس يضيعون حياتهم في الصراع مع الخطية أو في مقاومة الشيطان، لكي يصلوا بهذا إلى حياة التوبة. وحياة التوبة هي البعد عن الخطية التي يحبونها. أما الإنسان الذي يحب الخير، فقد أرتفع فوق مستوى التوبة، وفوق مستوى الصراع مع الخطية. عبارة "الجسد يشتهى ضد الروح، والروح يشتهى ضد الجسد"، هي عبارة خاصة بالمبتدئين، الذين يجاهدون ضد الجسد غير الخاضع للروح. أما الجسد النقي، البار، الذي يحب الخير، فهو لا تشتهى ضد الروح (غل 5: 17). الإنسان الذي يحب الخير، لا يجاهد للوصول إلى التوبة، إنما كل جهاده هو للنمو في محبة الله ومحبة الخير. إنه جهاد إيجابي، وليس جهادًا سلبيًا.. إنه انتقال من درجة في القداسة إل درجة أعلى منها. إنه جهاد لذيذ بلا تعب.. إنما يتعب في جهاده، الإنسان الذي يقاوم نفسه، نفسه التي لا تحب الفضيلة، بل تحب الظلمة أكثر من النور" (يو 3: 19). أما الذي يحب الخير، فقد دخل إلى راحة الرب، دخل إلى سبته الذي لا ينتهي، يتدرج فيه من خير إلى خير أكبر، بلا تعب، بلا تغصب إن فضيلة "التَّغَصُّب" ليست للقديسين يحبون الخير، فالذين يحبون الخير، لا يغصبون أنفسهم عليه، بل يفعلونه تلقائيًا، بلا مجهود. الذي يحب الخير، لا يرى وصية الله ثقيلة، بل يحب ناموس الرب "في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا". صدق يوحنا الرسول عندما قال "ووصاياه ليست ثقيلة" (1يو 5: 3). إننا نشعر أن وصايا الرب ليست ثقيلة، حينما نحبها، ونتغنى بها ونقول "وصية الرب مضيئة تنير العينين، فرائض الرب مستقيمة، تفرح القلب" (مز 18). إن الذي يحب الرب ويحب الفضيلة، قد ارتفع فوق مطالب الناموس، ودخل في الحب. إنه يفعل الخير، بلا وصية، بل بطبيعته الخيرة. ليس هو محتاجًا إلى وصية تدعوه إلى الخير. إنه يفعل الخير، لأن الخير من مكوناته، كصورة لله. يفعل الخير كشيء عادى، طبيعي، كالنفس الذي يتنفسه، دون أن يشعر في داخله أنه يفعل شيئًا زائدًا أو عجيبًا. ولهذا فإنه لا يفتخر، إذ أنه في نظره شيء طبيعي.. أما الذي لا يحب الخير، فإن وصية الله ثقيلة عليه،لذلك فكثيرًا ما تكون بينه وبين الله عداوة!! يشعر أن الله يسلبه لذته (الميالة إلى الخطية). ويشعر أن وصية الله تقيده، وتحاول أن تسيره في طريق لا يريدها.. وهكذا يرى أن طريق الله صعب، وأنه لا يسير فيه إلا مضطرًا. من هذا النوع الذي لا يحب الخير، الإنسان الوجودي الملحد، الذي يرى أن وجود الله، عائق ضد وجوده هو.. أي أنه لا يشعر بوجوده إذا آمن بوجود الله، ولذلك يقول "الأفضل أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا". كل ذلك لأنه لا يحب الخير. وعدم محبته للخير أوصلته إلى عدم محبة الله. لهذا فإن الابن الضال، عندما أراد أن يتمتع بحريته وشخصيته، ترك بيت أبيه..! (لو 15: 13). أما الإنسان الذي يحب الخير، فليست بينه وبين الله عداوة. لأنه يوجد اتفاق بين مشيئته ومشيئة الله. إنه يحب الله، ويجد فيه مثالياته العليا، ويحب فيه الخير الذي يشتهيه. ويصبح الله شهوته، وهو لذته. الإنسان الذي يحب الخير يعيش في فرح دائم وفي وسلام.. وكما يقول الكتاب "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا". إنه يفرح بالرب، لأنه يجد لذته في المعيشة معه، ويجد أن مشيئة الله هي مشيئته، وأن مشيئته هي مشيئة الله. متى إذن يبدأ في أن يفقد محبة الله ومحبة الخير؟ لما يبدأ في معرفة الشر، وفي مذاقته، وفي الالتذاذ به. وهذه هي التجربة التي أوقع فيها الشيطان الإنسان الأول. كان آدم وحواء لا يعرفان إلا الخير، فأدخلهما في معرفة الخير والشر. أي أضيفت إلى معرفتها للخير، معرفة الشر (تك 3: 5) بدأ الإنسان يختبر الشر، وتكون بينه وبين الشر علاقة وعاطفة. هناك أشياء من الخير للإنسان ألا يختبرها. وعن هذه قال الكتاب "الذي يزداد علمًا يزداد غمًا" (جا 1: 18). قال الشيطان لحواء "يوم تأكلان تنفتح أعينكما". وكان خيرًا لهما ألا تنفتح أعينهما على ذاك اللون من المعرفة. يا ليت أن الإنسان لا يعرف سوى الخير، حينئذ يعيش سعيدًا. يعيش في محبة للناس، لأنه لا يعرف إلا الخير الذي فيهم، وليس غيره سيأتي وقت، في الأبدية السعيدة، حينما نتقيًأ ثمرة معرفة الخير والشر، ولا نعود نعرف سوى الخير فقط، وننسى معرفة الشر. سيمحو الله من ذاكرتنا كل الشر الذي رأيناه تحت الشمس، ولا يبقى فينا سوى الخير وحده، نعرفه، ونتأمله، ونختبره، ونذوقه، فنزداد حبًا له.. ونمارسه بالحب. نحن لا نفعل الخير مضطرين، ولا مأمورين، ولا متغصبين، وإنما نفعل الخير حبًا في الخير. تأكد أنه عندما يزن الله أعمالك في الأبدية، ليرى ما فيها من خير، سيزن الحب الذي فيها، ولا يأخذ الله من أعمالك سوى الحب فقط، ولا يكافئك إلا على ما فيها من حب. كيف يطبق هذا المبدأ في حياتنا وفي أعمالنا؟ خذ الخدمة كمثال: إنها ليست مجرد نشاط أو تعب أو عظات، إنما: أنت تخدم وأنت تحب الناس، وتحب خلاصهم، وتحب بنيان الكنيسة والملكوت؟ وتحب الله الذي يحبهم، والذي تريدهم أن يحبوه.. تأكد أن الله سوف لا يأخذ من خدمتك سوى الحب.. وهكذا ينجح في الخدمة، من يراها حبًا. حب الله والناس يقوده إلى خدمتهم. وكلما يخدمهم يزداد حبًا لهم، فيزداد خدمة لهم. ونفس الوضع نراه في الصدقة.. إنها ليست مجرد طاعة لوصية، فالكتاب يقول "المعطى المسرور يحبه الرب". ليس مالك الذي تعطيه هو الذي يحسب لك عند الله، وإنما الحب، الحب الذي يرتفع فوق مستوى العشور والبكور والنذور، وفوق مستوى الأرقام، ويعطى بسخاء ولا يعبر. أولى ثمار الروح القدس هي المحبة. لذلك عندما عاتب الرب ملاك كنيسة أفسس، ودعاه إلى التوبة، لخص عتابه كله في عبارة واحدة، لم يذكر فيها خطية معينة، إنما قال: "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى" (رؤ 2: 4) من أجل هذه المحبة قال الرب "يا ابني أعطني قلبك". وإن أعطيتني هذا القلب، فحينئذ "ستلاحظ عيناك طرقي" فتكون إطاعة الوصايا هي نتيجة طبيعة للمحبة (أم 23: 26). كثير من الناس سلكوا في حياة التوبة من الخارج، ولم يسلكوا في الحب الذي من الداخل، فأصبحت بينهم وبين الله علاقات وممارسات وطقوس، وليس بينهم وبينه حب، ففشلت حياتهم.. لما سئل السيد المسيح "أية وصية هي العظمى في الناموس؟".. أجاب إنها المحبة بشطريها: تحب الرب إلهك من كل قلبك.. وتحب قريبك كنفسك.. بهذه المحبة يتعلق الناموس كله والأنبياء (مت 22: 26 - 40). كثيرون سيقولون له في اليوم الأخير "يا رب باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين".. (مت 7). ولكنه سيترك كل هذا ويسألهم عن الحب الذي فيهم. إنها ليست مسألة معجزات ومواهب، فما أكثر الذين هلكوا على الرغم من مواهبهم. لذلك فإن الرسول بعد أن تحدث عن المواهب الروحية، قال "أريكم طريقًا أفضل".. وتحدث عن المحبة (1كو 13). وبمقدار محبتنا لله سيكون فرحنا به في الأبدية، وستكون سعادتنا. نجم سيمتاز عن نجم في الرفعة، وهذه الرفعة ستحددها المحبة. وإذا أحببت الله سوف لا تخاف، أن المحبة تطرح الخوف إلى خارج.. إذا أحببت سوف لا تخاف الله، ولا تخاف الخطية، ولا تخاف الناس، ولا تخاف الموت.. بالحب يعيش الإنسان في فرح دائم، يفرح بالرب الذي يقوده في موكب نصرته، من خير إلى خير، ويفرح لتمتعه بالرب، لأن الخطية لا مكان لها في قلبه ولا مكانة. حقًا قد تحدث له حروب ومقاومات من الشيطان، ولكنها ضيقات من الخارج فقط، وأما في الداخل فيملك عليه. وهكذا يجتمع في قلبه المحبة والفرح والسلام. أريدكم أن تدربوا أنفسكم على هذا الحب، أخرجوا من مظاهر الحياة الروحية، وادخلوا إلى عمق الحب. والمحبة لن تسقط أبدًا. لقد أذكر بطرس معلمه، وسب ولعن وقال: لا أعرف هذا الرجل. ولكن الرب لم يسأله سوى سؤال واحد "أتحبني؟".. وأجاب بطرس: أنت تعلم يا رب كل شيء. أنت تعلم أنى أحبك" (يو 21: 15 - 17) وبهذه المحبة نال الغفران، ورجع إلى رتبته الرسولية. لست أود استرسل معكم كثيرًا عن المحبة، فقد أصدرت لكم كتابًا كبيرًا بعنوان (المحبة قمة الفضائل). |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164752040859231.jpg
البابا شنودة الثالث الفرح:
ولذلك وضعه في جنة هي جنة عدن (تك2). وأحاطه بكل وسائل الراحة. ومن أجله خلق كل شيء: السماء والأنوار، والأنهار والثمار والأزهار وفي الأبدية يعد له أفراحًا أخرى لا يعبر عنها: "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر" (1كو 2: 9). بل بالموت مباشرة ينقله الرب إلى فردوس النعيم، حيث فرح العشرة مع الرب والملائكة وأرواح القديسين. بل وفي هذه الحياة الدنيا، أوجد الرب للإنسان ألوانًا من الفرح فجعل له يومًا في الأسبوع يستريح فيه ويفرح. ومنذ العهد القديم أعد الله للإنسان أعيادًا مقدسة يفرح فيها (لا 23)، مع أعياد أخرى في العهد الجديد. وأعطاه أيضًا أن يفرح بكل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس (جا 5: 18). وهنا نبدى ملاحظة، وهي الفرق بين اللذة والفرح. اللذة خاصة بالجسد وحواسه. أما الفرح الحقيقي فهو خاص بالروح. إنسان يتلذذ بالطعام والشراب، إنها لذة الجسد. وإنسان آخر يلتذ بالمناظر، ويشبع عينيه من أي منظر جميل. إنها أيضًا لذة تختص بحواس الجسد. وثالث يلتذ بالسمع والموسيقى، إنها لذة الحواس. ولكن تشترك هنا الروح إن كان ما يسمعه ألحانًا روحية، أو كلمات روحية تشبع روحه. وحينما نتكلم عن الفرح، إنما نتكلم عن فرح الروح. لأن هناك فرحًا نفسانيًا، وهو فرح باطل. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164752040859231.jpg البابا شنودة الثالث فرح باطل مثال ذلك الذي يفرح بسقطة عدوه أو بليته، وهذه خطيئة خاصة بالنفس، قال عنها سليمان الحكيم "لا تفرح بسقوط عدوك" (أم 24: 11). إنه فرح آثم، لأنه نوع من الشماتة وهو ضد المحبة، حسبما قال الرسول "المحبة لا تفرح بالإثم" (1كو 13: 6). من الفرح الباطل أيضًا: الفرح الممزوج بالكبرياء، بالذات. مثلما رجع التلاميذ السبعون فرحين يقولون للرب "حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فوبخهم على ذلك بقوله "لا تفرحوا بهذا.. بل افرحوا بالحري أن أسماءكم قد كتبت في ملكوت السموات" (لو 10: 7 - 20). مثال ذلك الذين يفرحون أيضًا بالتكلم بألسنة!! إنه أيضًا فرح ممزوج بالذات وعظمتها ومواهبها، وليس بملكوت الله.. هناك إنسان يفرح بالخطية!! هذا الفرح هو خطية أخرى تضاف إلى خطيته. إنه يذكرنا بأولئك الذين قال عنهم الرسول "الذين مجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (في 3: 19). نوع آخر هو الذين يفرحون بأمور تافهة مادية. مثال الابن الكبير الذي لم يفرح بعودة أخيه الضال، ولام أباه قائلًا "وقط لم تعطني جديًا، لأفرح مع أصدقائي" (لو 15: 19)!! هذا الذي يفرحه جدي، لا شك أن مستواه الروحي ضعيف، ورغباته أرضية.. هذا اللون من الفرح جربه سليمان الحكيم حينما قال.. ومهما اشتهته عيناي، لم أمنعه عنها "ووجد بعد ذلك أن كل ذلك باطل وقبض الريح هو" (جا2: 10، 11). ولذلك قال عن مثل هذا الفرح "وعاقبة الفرح حزن" (أم 14: 13). وقال أيضًا "قلب الجهال في بيت الفرح"، يقصد الفرح الباطل (جا 7: 4). وقال "الحماقة فرح لناقص الفهم" (أم 15: 21). إنه الفرح العالمي، الخاص بالحواس وبالجسد، أو الفرح النفساني غير الروحاني، إذن ما هو الروحاني؟ |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164752040859231.jpg البابا شنودة الثالث الفرح الروحي 1- هو بالرب. فرح الوجود في حضرة الرب، وفي عشرته. أو فرح الالتقاء بالرب. كما قيل عن التلاميذ إنهم فرحوا لما رأوا الرب (يو 20: 20). وتحقق بهذا وعده لهم "ولكنى أراكم فتفرح قلوبكم. ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22). هذا الفرح الذي قال عنه القديس بولس الرسول: "افرحوا بالرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4). إنه فرح بالرب، وفرح في الرب، كل حين. شاعرين بوجوده معنا، كما كان التلاميذ فرحين بالرب معهم "يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3). فهل أنت تفرح بوجود الله في حياتك، أو في حياة غيرك؟ اسأل نفسك كل يوم: هل فرحك بالرب، أم له أسباب أخرى؟ 2- في تسبحة العذراء، نجد هذا الفرح الروحي بالرب، إذ تقول: تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي (لو 1: 47) إنها تبتهج بالله وخلاصه. فهل أنت أيضًا تفرح بالخلاص وبالفداء، بالكفارة التي قدمها المسيح لأجلك. إن الكنيسة تذكرنا بهذا الخلاص كل يوم في صلاة الساعة السادسة، لكي نفرح به. نبتهج بهذه الكفارة التي حملت جميع خطايانا ومسحتها بالدم. الكريم. واشترانًا الرب بدمه، فصرنا له. صولحنا معه. 3-هناك فرح روحي آخر، وهو الفرح بالتوبة والتخلص من الخطية. فرح بالتخلص من خطية متكررة، أو عادة مسيطرة. فرح إنسان أمكنه أن يعترف، وأن ينال المغفرة. مثاله فرح الابن الضال بعودته إلى بيت أبيه (لو 15). يقول داود النبي في مزمور التوبة "اسمعني سرور وفرحًا فتبتهج عظامي المنسحقة"، "أردد لي بهجة خلاصك" (مز 50). حقا كم يكون فرح إنسان حينما يتخلص من عادة كانت مسيطرة عليه، أو من خطية كان يضعف أمامها وتتكرر في كل اعتراف. ما أكثر فرح إنسان تخلص من الإدمان مثلًا، أو من سيطرة الأفكار الشرير أو الأحلام النجسة. 4- وما أعظم الانتصار على النفس. كما يقول الحكيم "مالك نفسه خير ممن يملك مدينة" (أم 16: 32). إن الانتصار على النفس أعمق بكثير من الانتصار على الآخرين، لن به يتحرر الإنسان من الداخلى. إن الذي ينتقم لا يفرح مثل الذي يستطيع أن يضبط نفسه ويحتمل. لذلك فرح داود النبي لما منعته أبيجايل الحكيمة عن إتيان الدماء والانتقام لنفسه (1صم 25: 32، 33). 5- وهناك فرح برجوع الخطاة. وهو ليس فقط فرحًا على الأرض، إنما في السماء أيضًا "لأنه يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" (لو 15: 7). ولعلنا نرى في قصة رجوع الابن الضال، أن الآب قد قال: ينبغي أن نفرح ونسر، لأن أبني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد (لو 15: 5، 6). هكذا فعلت المرأة التي وجدت درهمها المفقود.. فرح لكل الأصدقاء. ما أعظم الفرح بالبحث عن الخطاة وردهم. هناك أشخاص عملهم هو هذا،كما قال القديس بولس الرسول "وأعطانا خدمة المصالحة.. و واضعًا فينًا كلمة المصالحة. إذن نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2كو 5: 18 - 20) نفرح كلما نجد إنسانًا قد اصطلح مع الله.. إذن الخدمة بالإضافة إلى مكافأتها في السماء، لها فرح أيضًا على الأرض. وكما يقول الكتاب "من رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20). ما أعمق فرح الذي يخلص نفسًا من الموت. الفرح بإنسان ارتد عن الإيمان وأعدته. أو الفرح بإنسانة سقطت وضاعت ثم رجعت مرة أخرى. 6- إن كل عمل خير تعمله، له فرحته: في الأرض وفي السماء. تفرح حينما تنقذ إنسانًا مسكينًا، أو تفرح قلب عائلة فقيرة، أو تريح إنسانًا من تعبه. تشعر بفرح داخلي، لأنك أفرحت قلوبًا منكسرة، أو أنصفت شخصا مظلومًا. بل تشعر بهذا الفرح حتى من جهة غير البشر، كما قال أحد الأدباء سقيت شجيرة كوب ماء. فلم تقدم لي عبارة شكر واحدة. ولكنها انتعشت، فانتعشت". الأم تشعر بفرح، حينما تفرح، حينما تفرح أبنها. وتفرح حينما تشبع رضيعها، وتفرح بنجاح أبنائها في حياتهم.. هذا هو الفرح بإسعاد الآخرين. إن الذي يدفع العشور وهو متضرر، لا يشعر بهذا الفرح. وقد يدفع، ولكن ماله لا يصل إلى الله لأن "المعطى المسرور يحبه الله" (2 كو 9: 7)، أي أنه يعطى، وفي قلبه فرح بهذا العطاء.. ليتك تختبر فرح العطاء.. والعطاء الروحي له فرح أيضًا نجده في فرح الآباء والمرشدين. 7- فرح الآباء والمرشدين الروحيين: أن القديس يوحنا الحبيب يقول في رسالته إلى غايس "أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا، كما أن نفسك ناجحة.. ليس لي فرح أعظم من هذا، أن أسمع عن أولادي أنهم يسلكون بالحق" (3 يو 2، 4).. إن هذا جزء من أفراح الخدمة والرعاية. ولذلك يقول القديس الرسول "أطيعوا مرشديكم واخضعوا، أنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا. لكي يفعلوا ذلك بفرح -غير أنين- لأن هذا غير نافع لكم" (عب 13: 17). يفرح المرشد الروحي بنجاح أولاده روحيًا. يفرح من أجلهم، وأيضًا من أجل نفسه، من أجل أدانه لرسالته التي أتت بنتيجة.. أما الابن الذي لا يطيع، أو يدخل في مجادلات عقيمة مع مرشده ولا ينفذ، فإنه يسبب لهذا الأب والمرشد ألما. إن الذي يطيع ويقبل الكلمة، ويأتي بثمر، يذكرنا بقصة الخصي الحبشي الذي استمع لفيلبس وآمن واعتمد "ومضى في طريقة فرحًا" (أع 8: 39). ليتنا نفرح بأفراح الناس، ولا ننسى مجاملاتهم في أفراحهم، وبمشاركة قلبية في ذلك الفرح. إن الطفل يشعر بفرح كبير حينما يجد مجموعة كبيرة حوله تفرح بعيد ميلاده، وتغنى له أنشودة وكذلك الكبار أيضًا يفرحون بمن يهنئهم في مناسباتهم المبهجة. يذكرنا هذا بذبيحة السلامة. كان يأكل منها مقدمها وأحباؤه أيضًا، وهو فرح بعمل الرب معه ويقر بها لأجل الشكر (لا 7: 12، 19). ويذكرني هذا بالذين كانوا يخبزون (فطير الملاك) ويوزعونه، يأكل منه أصدقاؤهم فرحين معهم بمعجزة أجراها الملاك معهم.. إن الفرح بفرح الآخرين يشعرنا أننا كلنا أسرة واحدة 8- درجة عالية من الفرح، أن نفرح بالتجارب واثقين من بركاتها وأكاليلها. كما قال القديس يعقوب الرسول "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2). لسنا فقط نحتملها، إنما أيضًا نفرح بها، نفرح بالصليب، وبالباب الضيق، وبكل الآلام والآلام والاضطهادات. نفرح بالرب "وشركة آلامه" (في 3: 10). واثقين أننا "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد معه أيضًا" (رو 8: 17). وبالأيمان نرى أن "كل الأشياء تعمل معًا للخير" (رو 8: 28). لا ننظر إلى الألم الموجود، إنما ننظر في رجاء إلى عمل الرب المقبل. لذلك قال الرسول: 9- "فرحين في الرجاء" (رو 12: 12). الرجاء يعطى أملا في مستقبل مشرق. وهذا الأمل مصدره الإيمان بتدخل الله وعمله. ونتيجة ذلك يفرح القلب. كما يقول المرتل في المزمور: "ليفرح بك جميع المتكلين عليك" (مز 5: 11) "لأن المتكل على الرب لا نخزى". إنه شاعر بفرح، لأن الرب لابد سيفرحه.. إن أولاد الله يعيشون دائمًا في فرح. لأن الفرح هو من ثمر الروح. يقول الرسول "ثمر الروح محبة فرح سلام.." (غل 5: 22). فالإنسان الروحي لمحبته لله، ومحبة الله له، يشعر بفرح. أيا كانت الأمور، لابد أن الرب سيعمل ونفرح بعمله. بل أن الرب فعلًا يعمل، حتى إن كنا لا نرى عمله الآن. سنراه ولو بعد حين، فتفرح قلوبنا، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحنا منا. على أن أولاد الله يفرحون دائمًا بالرب ذاته، وليس بمجرد عطاياه. 10- الفرح بنجاح الخدمة: إن المعمدان فرح كثيرًا ببشارة السيد المسيح ونجاحها. فقال "من له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحًا من أجل صوت العريس. إذن فرحى هذا قد كمل" (يو 3: 29). لقد فرح لأنه سلم العروس للعريس، حتى لو انتهت بذلك خدمته. هنا الفرح الروحي البعيد عن الاهتمام بالذات.. أما الإنسان الأناني فلا يفرح إلا بخدمته هو، كأنه الوحيد الذي يخدم. ومن هنا قد يحدث التنافس والحسد بين الخدام، ولا يفرحون بعمل غيرهم.. ولا يمكننا أن نتصور مقدار فرح الشعب حينما تم بناء هيكل زربابل بتعب كثير.. حتى أن الكتاب يقول أنهم "بكوا بصوت عظيم عند تأسيس هذا البيت أمام أعينهم. كثيرون كانوا يرفعون أصواتهم بالهتاف بفرح. ولم يكن الشعب يميز هتاف الفرح من صوت بكاء الشعب" (عز 3: 12، 13). وكما يقول المرتل "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز 126). إن الذين يخدمون في حقل الرب، يفرحون بثمار الخدمة، مهما كان تعبهم فيها، بل إن تعبهم يزيد من فرحهم. يقول الرسول: كحزانى ونحن دائما فرحون" (2كو 6: 10). في نظر الناس من الخارج حزانى، بسبب ما نبذله في الخدمة من ألم وتعب. ولكننا في الداخل فرحون. يقول القديس بولس أيضًا "أفرح في آلامي لأجلكم" (كو 1: 24). 11- كل إنسان أيضًا يفرح بثمر عمله، يفرح بعمل الرب معه. وهكذا قيل في المزمور" عظم الرب الصنيع معنا، فصرنا فرحين" (مز 126: 3). وهنا نرى أيضًا أن الفرح يمتزج بالشكر. اقرأ مزمور 103 تجده كله فرحًا بعمل الرب "باركي يا نفسي الرب، ولا تنسى كل إحساناته". إن الذي يعمل مع الله، يفرح بعمل الله معه. وتفرح أن تعبك لم يكن باطلًا. وكما يقول الرب "يفرح الزارع والحاصد معًا" (يو 4: 26). 12- الإنسان الروحي يفرح لفرح غيره كما يقول الكتاب "فرحًا مع الفرحين" (رو 12: 15). إننا جسد واحد. إن تألم عضو، تتألم معه باقي الأعضاء. وإن فرح عضو، تفرح له ومعه باقي الأعضاء. المشاركة في أفراح الناس فضيلة. قيل عن القديسة أليصابات العاقر لما ولدت، إنه "سمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها" (لو 1: 58). إن الفرح بمجرد العطايا أمر له خطره. لأنه إن لم نأت عطايا الرب أو نعمه، ربما يتغير القلب من الداخل، أو يتحول إلى حزن، أو يتذمر على الرب، ليس فقط لأنه لم يعط، بل حتى إن تأخر في عطائه. لذلك فالروحيون لا يفرحون لمجرد العطية، بل يفرحون بمعطيها. يفرحون بمحبة وحنو الله الذي يعطى. وهكذا يفرحون بالرب.. إنهم يفرحون بالرب كأب يهتم بهم ويرعاهم، ويعطيهم كل ما يحتاجون إليه.. ويفرحون بمحبته لهم التي يثقون بها تمامًا، حتى إن لم يعط، أو إن لم يروا عطاياه (على وجه اصح) لأن الله دائمًا يعطي. هنا ونسأل سؤالًا هامًا: ماذا عن الموت؟ هل هو سبب فرح ؟ أم هو سبب حزن أو خوف؟ الموت هو سبب فرح روحي، للذين يثقون بمصيرهم بعد الموت. مثل القديس بولس الرسول الذي اشتهى الموت قائلًا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23). ومثل سمعان الشيخ الذي طلب الموت قائلا "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام حسب قولك، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك.." (لو 1: 30) أما الذين لم يستعدوا للموت، ولم يستعدوا للقاء الرب، فإنهم يخافون الموت، لأنهم يخافون ما بعد الموت. عدم استعدادهم يمنع الفرح بالموت. الخطية عمومًا تمنع الفرح الروحي. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث السلام:
هكذا قال القديس بولس الرسول "ثمر الروح: محبة فرح سلام" (غل 5: 22). وقد تحدثنا عن المحبة والفرح.. ونود أن نتحدث الآن عن السلام. نذكر أولًا مقدمة عن أهمية السلام، وعن استعماله في الكتاب وفي الصلوات وفي الحياة.. ثم نتحدث عن ثلاثة عناصر هامة للسلام: 1- سلام مع الله، وسلام من الله. 2- سلام مع الناس. 3- سلام داخلي في القلب بين الإنسان ونفسه.. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
أهمية السلام السلام عنصر هام لحياة الناس. بدون لا يستقر مجتمع،، ولا يهدأ إنسان. والسلام هو شهوة الدول والشعوب حتى تعمل في هدوء. وبدونه يعيش العالم في شريعة الغاب. والله يريد لنا السلام، ويمنحنا إياه. هو الذي قال لتلاميذه القديسين "سلامي أترك. سلامي أنا أعطيكم.. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع" (يو 14: 27). ونحن نصلى هذا الفصل من الإنجيل في الساعة الثالثة من كل يوم، متذكرين هذا السلام، حتى لا تضطرب قلوبنا ولا تجزع. والسلام هو الأنشودة التي غنى بها الملائكة يوم ميلاد السيد المسيح. فقالوا "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام.." (لو 2: 14). وما أكثر ما يقول الأب الكاهن عبارة "السلام لجميعكم". يقولها في بدء كل صلاة طقسية، وفي بدء الأواشي، مرات عديدة جدًا في كل قداس إنه يصلى أن يكون السلام في قلوب الجميع، لأنهم إن فقدوا سلامهم، فقدوا العنصر الأساسي لحياتهم ولتعاملهم من الآخرين.. والسلام هي التحية التي يتبادلها الناس كل يوم. وهي التي صدرت من الرب ومن الملائكة.. عند ملاقاة الرب للمريمتين بعد القيامة، قال لها سلام لكما (مت 28: 9). وعندما دخل العلية على التلاميذ قال لهم سلام لكم (يو 20: 19). بل أن هذه العبارات تكررت في هذا الإصحاح من إنجيل يوحنا ثلاث مرات (انظر أيضًا لو 24: 36) وفي إرسال الرب لتلاميذه قال لهم: وأي بيت دخلتموه، فقولوا سلام لأهل هذا البيت. فإن كان ابنًا للسلام، يحل سلامكم عليه (لو 10: 5، 6). القديسة العذراء عندما زارت القديسة أليصابات بدأتها بالسلام "فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو 1: 41) ترى ما قوة ذلك السلام!! والملاك جبرائيل في تبشيره للعذراء بميلاد المسيح، قال لها "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك" (لو 1: 28). ونرى أن الآباء الرسل يبدأون رسائلهم بالسلام. فيقولون "نعمة لكم وسلام" (رو 1: 7) (1كو 1: 2) (2كو 1: 2) (غل 1: 3) (أف 1: 2).. وفي خلال الرسائل يقولون: سلموا على.. يسلم عليكم.." (أنظر رو 16) (3 يو 15). ومن أهمية السلام أنه وضع في مقدمة ثمر الروح،إذ قيل "ثمر الروح: محبة فرح سلام" (غل 5: 22). وقيل في المعاملات "ثمر البر يزرع في السلام من الذين يعملون السلام" (يع 3: 18). وكما كان بدء اللقاءات بالسلام، كذلك أيضًا كانت تنتهي. كما قال أليشع النبي لنعمان السرياني "أمض بسلام" (2 مل 5: 19). كذلك قال السيد المسيح للمرأى الخاطئة "اذهبي بسلام" (لو 17: 50). |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث سلام مع الله حينما خلق الإنسان، كان في سلام مع الله. ولكن بالخطية، فقد الإنسان سلامه مع الله. هكذا حدث مع آدم (تك3) ومع قايين (تك 4). وهكذا حدث مع كل الأشرار في العالم عبر الأجيال. لأن الخطية هي انفصال عن الله (لو 15: 13). وهي أيضًا عداوة لله (يع 4: 4) (1 يو 2: 5). لذلك قيل: "لا سلام قال الرب للأشرار" (أش 48: 22). وقد تكرر نفس المعنى (أش 57: 21)، في نفس السفر. فالأشرار يفقدون سلامهم مع الله، هنا على الأرض. وأيضًا في آخر الزمان، في مجيء الرب. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب 10: 31). ولكن كيف تكون إذن المصالحة مع الله؟ (2كو 5: 20). غير المؤمنين يصطلحون مع الله بالإيمان. والخطاة يصطلحون مع الله بالتوبة. فعن الإيمان قال الكتاب "إذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله" (رو 5: 1). هذا السلام كان نتيجة للدم الذكي الذي سفكه المصلوب لأجلنا "لأنه هو سلامنا.. الذي نقض الحائط المتوسط" (أف 2: 14).. هو صنع السلام بين السماء والأرض. أما عن التوبة، فيقول الله -تبارك أسمه- "ارجعوا إلى، أرجع إليكم" (ملا 3: 7). ويقول القديس يوحنا الحبيب "إن لم تلمنا قلوبنا، فلنا ثقة من نحو الله" (1 يو 3: 21). وقال القديس أغسطينوس في كتاب اعترفاته للرب "ستظل قلوبنا مضطربة، إلى أن تجد راحتها فيك". |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث سلام من الله السلام الحقيقي هو من الله، هذا الذي قيل عنه في المزمور "الله يبارك شعبه بالسلام" (مز 29: 11). وعن هذا السلام، قال الرسول: "سلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم" (في 4: 7). الله هو مصدر السلام، ورئيس السلام، وملك السلام. وأول أوشية هي (أوشية السلامة)، نطلب فيها من الله سلامًا للكنيسة وكل الشعب. سلام الله يحفظنا من الشيطان، ومن الخوف والقلق.. فليتنا نتذكر وعود الله لنا. إنك تجد سلامًا داخل قلبك، إن تذكرت قول الرب "هوذا على كفى نقشتك" (أش 49: 16). وأيضًا قوله "أما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة" (مت 10: 30). "تكونون مبغضين من الجميع لأجل اسمي. ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك" (لو 21: 18). "لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم" (أع 27: 34). مما يجلب السلام أيضًا مزامير عن حفظ الله لك. مثل المزمور (120): "الرب يحفظك. الرب يظلل على يدك اليمنى. فلا تضربك الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل.. الرب يحفظك من كل سؤ. الرب يحفظ دخولك وخروجك". أو المزمور (123): "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض". أو المزمور (91) "الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت. لا تخش من خوف الليل، ولا من سهم بالنهار"، "يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمنيك ربوات. أما أنت فلا يقتربون إليك". وما أكثر وعود الله في المزامير التي تجلب السلام، لذلك قلنا: أحفظوا المزامير، تحفظكم المزامير. تكلمنا عن السلام الذي من الله، لأن هناك ألوانًا أخرى من السلام الزائف، ليست من الله! |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث سلام زائف مثاله السلام الزائف الذي كان يوحى به الأنبياء الكذبة قبل السبي حتى لا يتوب الناس خائفين من غضب الله الآتي. وهكذا قال الرب في سفر حزقيال النبي "أضلوا شعبي قائلين سلام، ولا سلام" (حز 13: 10). وكما ورد أيضًا في سفر أرمياء النبي "قائلين سلام، ولا سلام" (أر 6: 14). إنه لون من الخداع، فيه تخدير للأعصاب والضمير. تماما مثلما خدع الشيطان أبوينا الأولين قائلًا "لن تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر" (تك 3: 4، 5). وكأي شخص يدعوه إنسانًا للاشتراك معه في خطية ما، ويشعره بأنه سوف لا يصيبه من ذلك أي أذى، بل سيمر الأمر بسلام!!.. سواء كان ذلك في سرقة أو رشوة أو زنى أو غش.. وقد يأتي مثل هذا السلام الزائف من ثقة الشخص واعتداده بنفسه، وظنه أنه سيفعل كل ما يريد، وتمر كل تدبيراته الخاطئة في سلام! كالقاتل الذي يثق بنفسه أنه سيرتكب جريمته بكل حرص دون أن يترك أثرًا، ويمر ذلك بسلام كله سلام زائف يصوره الإنسان لنفسه، أو يصوره له الشيطان أو شركاء السوء أو المحرضون. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث سلام مع الناس فيه يسلم الناس بعضهم على البعض، ليس فقط بالأيدي، وإنما بالقلب والنية أيضًا. ويقولون كلمة سلام من عمق قلوبهم ويقصدونها. وإن كانت بينهم خصومة من قبل، يتصالحون.. وعن هذا قال السيد في عظته على الجبل: "إذا ما قدمت قربانك إلى المذبح. وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح. واذهب أولًا اصطلح مع أخيك" (مت 5: 23، 24). وفي هذا تشترط الكنيسة الصلح قبل التناول.. وفي القداس الإلهي نصلى صلاة الصلح قبل قداس القديسين، وقبل سيامات الإكليروس.. ولأنه قد يبدو من الصعب أن تصطلح مع كثير من الأعداء والمقاومين، ذلك قال الرسول: "إن كان ممكنًا، فحسب طاقتكم، سالموا جميع الناس" (رو 12: 18). ذلك لأن البعض لا يمكنك مسالمتهم، إلا إذا اشتركت في الخطأ معهم، أو بسبب شراسة طباعهم، أو لأنهم يحسدونك بسبب نجاحك، أو بسبب تدابير معينة يدبرونها، أو لأن سلوكك الطيب يكشف أخطاءهم، أو لأي سبب آخر.. لهذا حسب طاقتك، إن كان ممكنًا لك، سالم جميع الناس. وإلا فعليك بالآتي: * لا تجعل الخلاف يأتي بسببك. كن مصلوبًا لا صالبًا. قد يعاكسك الغير. ولكن لا تبدأ أنت بالشر. ثم لا تكن حساسًا جدًا من جهة أخطاء الآخرين. * كن واسع الصدر حليمًا. اذكر ما قيل عن موسى النبي "وكان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). حاول باستمرار أن تحتمل وأن تغفر. وكما قال الرسول "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء "لا تجازوا أحدًا عن شر بشر" (رو 12: 19، 17). ابعد عن الغضب وعن الاستثارة والانفعال وكما قال الرسول: "لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير" (رو 12: 21). وأعرف أن الذي يحتمل هو الأقوى، أما الذي لا يستطيع أن يحتمل فهو الضعيف. لذلك قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء، أن نحتمل ضعفات الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا" (رو 15: 1). * لا تطالب الناس بمثاليات. وإنما اقبلهم كما هم، بواقعهم، وليس كما ينبغي أن يكونوا. إننا نقبل الطبيعة كما هي: الفصل المطير، والفصل العاصِف، والفصل الحار، دون أن نطلب من الطبيعة أن تتغير. فلتكن هكذا معاملتنا لمن نقابلهم من الناس. ليسوا كلهم أبرارًا طيبين. كثير منهم لهم ضعفات، ولهم طباع تسيطر عليهم. إنهم عينات مختلفة، وبعضها مثيرة. فلتأخذ منهم موقف المتفرج، وليس موقف المنفعل. وعاملهم حسب طبيعتهم، بحكمة. * بالوداعة والتواضع يمكن مسالمة الكثيرين. إن قيل إنه بالروح الرياضية يمكن أن تكسب الكثيرين وتسالمهم، فكم بالأكثر بالوداعة والاتضاع.. وإن كنت في مجال الدفاع عن الحق، فافعل ذلك بهدوء وباتضاع. لك أن تحب الحق، وأن تدافع عن الحق، ولكن ليس لك أن ترغم الناس على السير فيه. إن الله نفسه أعطانا وصايا، ولم يرغمنا على طاعتها. الاستثناء الوحيد في موضوع المسالمة، هو معاملة الهراطقة والمبتدعين وفاسدي الخلق. نحن لا نستطيع أن نتجاهل المبتدعين والهراطقة على حساب التفريط في الإيمان. فقد قال القديس يوحنا الحبيب "إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا الإيمان فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة" (2يو 10: 11). إن أراد أحد أن يبعدك عن الإيمان، فاحترس منه ولا تجامله، ولا تقبله في البيت. بنفس الوضع يمكن أن تبتعد عمن يحاول أن يفسد خلقك ويقودك إلى الخطية. واذكر قول الكتاب "لا تضلوا، فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو 15: 33). وأيضًا ما قيل في المزمور الأول "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار. وفي طريق الخطاة لم يقف. وفي مجلس المستهزئين لم يجلس" (مز 1). |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث الاطمئنان وعدم الخوف وفي السلام الداخلى: الاطمئنان وعدم الخوف: الخوف: إن عدم وجود السلام القلبي يسبب الخوف. بل يسبب أيضًا القلق والاضطراب والانزعاج.. ومتاعب نفسية كثيرة.. انظروا إلى إنسان يملك السلام قلبه، مثل داود النبي. نراه يقول في مزاميره "أن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال. ففي هذا أنا مطمئن" (مز 27). وأيضًا إن سرت في وادي ظل الموت، فلا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز 23). الجيش كله خاف من ملاقاة جليات، لكن داود لم يخف. كان قلبه مثل أسد. مع أنه كان شابًا صغيرًا، وأخوته الأكبر منه كانوا خائفين.. والملك شاول نفسه قال له "لا تستطيع أن تذهب لتحاربه، لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه" (1صم 17: 33) ولكن داود القوي القلب قال للملك "لا يسقط قلب أحد بسببه.. عبدك يذهب ويحاربه"، وحكى كيف أنه في صباه كان يرعى غنمه، فجاء أسد مع دب، وأخذا شاه من القطيع "ولم يخف داود من كليهما، بل خرج وراء الأسد، وأنقذ الشاة من فمه. وقتل الأسد والدب جميعًا" (1صم 17: 34 - 36). وعدم خوف داود من جليات الجبار، كان مرتكزًا على عمل الرب. قال داود "الحرب للرب" وليس الخلاف بسيف أو برمح.. وقال الجبار "أنت تأتى إلى بسيف ورمح وبترس، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود. في هذا اليوم يحبسك الرب في يدي.." إنها ثقة قوية بعمل الرب ورعايته. لذلك لم يخف مطلقًا، وبإيمانه ادخل اسم الله إلى ساحة الحرب.. الله الذي هو أقوى من جليات الجبار، ومن كل جبابرة الأرض، لذلك قال عن جليات "لا يسقط قلب أحد بسببه" (1صم 17: 32).. وهكذا الذي يملك السلام قلبه، ليس فقط يكون مطمئنًا، بل أيضًا يشيع الاطمئنان في القلوب. فكمثال داود، كان موسى وأليشع: كل منهما في سلامه واطمئنانه، كان يبعث نفس الاطمئنان في قلوب غيره. جيش الأعداد كان يحيط بالسامرة، وكان أليشع مطمئنًا. أمام تلميذه جيحزي فكان خائفًا، لأنه لم يكن يبصر المعونة الإلهية المحيطة بالمدينة. لذلك قال أليشع لتلميذه جيحزي "لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين علينا" (2 مل 6: 16). وصلى إلى الله لكي يفتح عيني الغلام فيرى.. والشعب أمام البحر الأحمر من ناحية، وفرعون من ناحية أخرى. خافوا إذ رأوا الموت يهددهم، ولم يكن لهم الإيمان الذي يرون به خلاص الرب. أما موسى فلم يخف. بل قال للشعب "لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 13، 14). بالإيمان نرى معونة الله وخلاصه. فلا نخاف. بطرس الرسول وهو ماش مع الرب على الماء نظر إلى الأمواج "ولما رأى الريح شديدة خاف وابتدأ يغرق" (مت 14: 30) وسبب ذلك أنه كان ينظر إلى الموج وليس إلى المسيح الذي يمسك بيده وينجيه. لذلك وبخه السيد على عدم إيمانه وقال له "يا قليل الإيمان، لماذا شككت" (مت 14: 31). إن الله دائما يدعونا إلى عدم الخوف. إنه يقول "لا تخافوا. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع"، "سلامي أترك لكم.. سلامي أنا أعطيكم" (يو 14: 27). وكان الله دائمًا يقوي أولاده، يدعوهم إلى عدم الخوف.. لما أحس يشوع بالضعف بعد موت موسى النبي، قال له الرب "كما كنت مع موسى النبي أكون معك، لا أهملك ولا أتركك"، "تشدد وتشجع. لا تهرب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب". بل قال له أكثر من هذا "لا تقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك" (يش 1: 5- 9). وما أجمل العبارة المعزية التي قالها لبولس الرسول في رؤياه "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10). وعندما كان يعقوب أبو الآباء خائفًا من أخيه عيسو، ظهر له الرب في رؤياه وعزاه. وقال له "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض" (تك 28: 15). إن الخوف دخيل على الطبيعة البشرية، لم يدخل إلى النفس إلا بعد الخطية. كان آدم يعيش مع الوحوش، مع الأسود والنمور والفهود، ومع الثعابين والدبيب، وما كان يخاف، وكذلك كان أبونا نوح في الفلك مع كل هذه الوحوش، وكان يعتني بها ويطعمها، وما كان يخاف. آدم لما أخطأ بدأ يخاف، واختبأ خلف الشجر، وقال للرب "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 10). وكما خاف آدم بعد الخطية، كذلك خاف قايين. وقال للرب "ذنبي أعظم من أن يحتمل. ها قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك اختفى. وأكون تائهًا وهاربًا في الأرض. فيكون كل من وجدني يقتلني" (تك 4: 13، 14). وقضى قايين أيامه في رعب، فاقدًا لسلامة الداخلي. الخطية تشعر الإنسان بأنه انفصل عن الله مصدر القوة والحماية، فيخاف.. يخاف من الخطية وانكشافها وفضيحتها أمام الناس، يخاف من نتائج الخطية، ومن عقوبة المجتمع أو القانون، ويخاف من الله نفسه ودينونته، ويخاف من ضعفه أمام الخطية، ومن الشيطان الذي انتصر عليه. فإذا حصل الإنسان على مغفرة الله وستره، فلا يخاف، وإن آمن بمعونة الله له في ضعفه، فلن يخاف لأن مجرد شعوره أن الله معه، ينزع الخوف من قلبه. الإنسان الخائف، ينظر إلى سبب الخوف وليس إلى الله الذي ينجيه منه. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث أسباب الخوف ما أكثر أسباب الخوف، وهي نابعة من داخل الإنسان. البعض يخاف من كلام الناس، ومن بطشهم، ومن مؤامراتهم. والبعض يخاف من حسد الناس. وطالما هو يؤمن بالعين الحاسدة وأثرها السيئ، سيظل خوفه مستمرًا. وليس مصدر خوفه هو قوة عين الحسود، إنما السبب يكمن في ضعف قلبه الذي يؤمن بالحسد. وقد يخشى أحدهم من الناس الأشرار، ولا يضع في قلبه معونة الله. كان ارميا يخاف من الناس. أما الرب فقال له "لا تخف من وجوهم، لأني أنا معك -يقول الرب- لأنقذك.. هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك لأنقذك" (أر 1: 8، 18، 19). وقد يخاف إنسان من قوم، وهم لا يفكرون مطلقًا في إيذائه. مثلما كان شاول الملك يخاف داود، يطارده في كل مكان ليقتله. بينما لم يفكر داود إطلاقًا في أن يؤذى شاول حتى عندما وقع في يده، وكان بإمكانه أن يقتله ونصحه اتباعه بذلك.. قال داود "حاشًا لي أن افعل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب، فأمد يدي إليه، لأنه مسيح الرب هو. ووبخ داود رجاله، ولم يدعهم يقومون على شاول" (1صم 34: 6، 7).. وقال للملك لما استيقظ "وراء من خرج ملك إسرائيل؟! وراء من أنت مطارد؟! وراء كلب ميت؟! وراء برغوث".. وكانت النتيجة أن شاول الملك رفع صوته وبكى وقال لداود "أنت أبر مني" (1صم 24: 14، 16). كان يخاف من وهم. من شيء غير موجود، كخوف الأطفال. الطفل يخاف من أوهام. من أمور يتصورها قلبه الخائف، ويخترعها فكره الخائف، مثل أن يخاف من الظلام.. وليس وراء الظلام ما يخيف.. أو يخاف من (حرامي) غير موجود.. أو يخاف من (عفريت) وليس هناك عفاريت.. أنها أوهام يخترعها القلب الخائف. أو يخاف الطفل من وجود وحده، وعدم وجود أحد إلى جواره يحميه من أي خطر غير معروف. ويصرخ الطفل ويبكى بلا سبب إلا الخوف. وتستمر مخاوف الطفولة عند البعض وهم كبار. يخاف من امتحان، ربما يكون صعبًا والأسئلة معقدة، أو من التصحيح وقد يكون قاسيًا.. وإن نجح وقدم على الوظيفة وطلبوه للمقابلة يخاف من الـinterview، فربما يفشل فيه وقد تخاف فتاة من لقاء عريس جاء لخطبتها. ربما لا تعجبه ربما يذهب ولا يعود. وربما تخاف مما يقوله الناس بعدئذ.. وتخاف من لقاء عريس آخر، لئلا يذهب كما سابقة وتستمر المخاوف.. وقد يخاف الإنسان من الفشل. فإن قام بأي مشروع يخاف أن يفشل، يخاف أن تقف أمامه معوقات، أو مؤامرات من المنافسين، أو خيانة وسرقات من الشركاء. إن كان فقيرًا، يخاف من العوز، وأن كان غنيًا يخاف من السرقة، وعلى أية الحالات يخاف.. وإنسان يخاف من المخاطر. إن ركب طائرة يخاف أن تحدث لها كارثة، ويتذكر كل كوارث الطائرات وما نشر عنها في الصحف.. وفي كل طرق المواصلات، يخاف من الحوادث، لا يضع أمامه النقط البيضاء.. إنما كل سجل النقط السوداء حاضر في ذهنه، فكره هو الذي ينميه ويخيفه. وإنسان آخر يخاف من نفسه: يخاف من عجزه، من عدم قدرته، من نسيانه، من ضعفه أمام قوة منافسيه وخصومه.. يخاف من عدم قدرته على الاستمرار، لذلك يفقد الثقة بالنفس، يفقد روح الجرأة والإقدام، ويفقد القوة على البدء بأية مبادرة. صورة العجز والفشل مائلة أمامه باستمرار.. إنه يخاف حتى من الخطية وعجزه عن مقاومتها. الخوف يسبب له الاضطراب والقلق والانزعاج، بل الخوف يشل تفكيره عن العمل. ويكون له تأثيره على نفسه وعلى أعصابه.. ويظهر الخوف في ملامحه، في نظراته، في لهجة صوته، في حركات جسده. بل قد يرتعش ويصفر وجهة. ويخفق قلبه، ويكون مكشوفًا أمام الكل أنه خائف.. وقد يظهر الخوف في تصرفاته، في تردده، وعدم قدرته على اتخاذ قرار بحثه عن حماية.. البعض قد يقوده الخوف إلى الانطواء، وإلى تكرار عبارة "يكون كل من وجدني يقتلني" (تك 4: 14). أما الإنسان الروحي فلا يخاف، بل يملك السلام على قلبه، وبالسلام الطمأنينة. وقد يخاف إنسان من الموت: أو يخاف من المرض الذي يؤدى إلى الموت. وإذا أصيب بمرض تنهار معنوياته، ويتصور أقصى ما يمكن أن يتطور غليه المرض، مثلما يفكر بعض الأطباء إذا مرضوا.. وقد يخاف البعض من العدوى، ويتخذ لتفاديها وسائل تخرج عن الحد المألوف! |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث الذين لا يخافون أما الإنسان الروحي، الذي يملك السلام على قلبه، فلا يخاف الموت. لأن استعداده للموت بالحياة البارة، ينزع خوف الموت من قلبه. بل على العكس يشتهى الموت، الذي ينقله إلى عشرة المسيح والملائكة والقديسين. ويذكر قصص الشهداء وآباء البرية. الشهداء الذين لم يخافوا الموت ولا التعذيب ولا التهديد، ولا الولاة ولا المحاكمات ولا السجون. وكانوا يرتلون في السجون، ويفرحون بلقاء الرب.. سيرة قلوبهم القوية، تمنحك قوة فلا تخاف، يملك السلام على قلبك.. كذلك آباء البرية، الذين ما كانوا يخافون الوحدة في البراري. بل يجدون فيها متعة روحية، وما كانوا يخافون حروب الشياطين، ولا وحوش البراري، ولا دبيب الأرض، وبعضهم كان يسكن أحيانًا في القبور، ولا يخاف. ومعروفة قصة أبا مقار الذي نام في مقبرة وقد وضع جمجمة تحت رأسه، فتحدث معها الشياطين لكي يفزعوه، وبكلام هُزء، حتى يفقد هدوء قلبه.. ولم يخف. كونوا إذن أقوياء القلب، وعيشوا في سلام. لا تخافوا، وليكن لكم سلام في قلوبكم. لكي يحتفظ الإنسان بسلامة واطمئنانه، ينفه أن يتذكر قوة الله الحافظة. يؤمن بأن الله موجود، وأنه يعمل لأجله، كما يؤمن أن كل مشكلة لها حل، وأن الله عنده حلول كثيرة وغير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله، "وكل شيء مستطاع للمؤمن" (مر9:24). ولكي يحصل على السلام الداخلى، يتذكر أن ملاك لله حال حول خائفيه وينجيهم، وأننا محاطون بملائكة كثيرين لحفظنا. وفي الكتاب أمثلة عديدة لهذا. وكذلك يتذكر عمل القديسين وصلواتهم من اجلنا وشفاعتهم فينا، وأننا لسنا وحدنا. كذلك عمل النعمة والروح القدس فينا. وفي الاطمئنان، لنحترس من الاطمئنان الزائف. مثل مريض بسرطان خطير، يدخلون الاطمئنان إلى قلبه، بأن المرض مجرد كيس دهني بسيط..! أو مثل اطمئنان مدير عام لعمل، يشعره موظفوه بأن كل شيء تمام! ويثق بذلك دون فحص.. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث طول الأناة عند الله طول الأناة:
أ- عند الله: هكذا قال القديس بولس الرسول "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف.." (غل 5: 22، 23). وهذه الفضائل ترتبط معًا. فالذي عنده محبة بالضرورة يحيا في فرح وسلام. والذي عنده محبة، لبد أن يتصف بطول الأناة. وهكذا يقول الرسول أيضًا "المحبة تتأنى.." (1كو 13: 4). وطول الأناة، توصف بأنها طول الروح، وطول البال، وسعة الصدر، والحلم، والصبر. فالإنسان الطويل الأناة، هو إنسان صبور حليم طويل البال. واسع الصدر ورحب القلب. وقيل في ذلك عن سليمان الحكيم: "وأعطى الله سليمان حكمة وفهمًا كثيرًا، ورحبة كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1 مل 4: 29). وقيل عن موسى النبي "وكان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث طول أناة الله الله نفسه طويل الأناة، طويل الروح. لولا طول أناته علينا، لهلكنا جميعًا. وطول أناته تنبع من عمق رحمته وحنانه. وفي ذلك يقول داود النبي "الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة" (مز 103: 8). ويقول القديس بطرس "احسبوا أناة ربنا خلاصًا" (2بط 3: 15). إنه يطيل أناته جدًا في معاملة الخطاة. كم أطال أناته على الأمم -في عبادتهم للأصنام- حتى تابوا أخيرًا ورجعوا إليه.. أطال أناته على أهل نينوى، إلى أنا صاموا منسحقين أمامه، فقبل توبتهم. وحزن يونان لأن الله لم يعاقبهم! (يون 3، 4). أطال أناته مثلًا على فرعون، الذي وعد مرارًا ولم يف. كم صبر الله عليه في قسوته وإذلاله للناس. وصبر عليه في الضربات، ليس في واحدة فقط، وإنما في عشر ضربات.. في كل ضربة، كان يصرخ فرعون ويقول أخطأت (خر 9: 27) (خر 10: 16).. وكان يعد بالتوبة ويرجع.. الله يطيل أناته..! إن طول أناة الله، إنما تقتاد الخاطئ إلى التوبة. فإن لم يتب، يتعرض لعقوبة الله. وهكذا ينذر القديس بولس الرسول فيقول للخاطئ "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب" (رو 2: 4، 5). فلا تظن إذا أخطأت كثيرًا ولم تنلك عقوبة، أن عدل الله قد كف عن العمل. بلا ربما إن كأسك لم تمتلئ بعد.. كما قال الرب مرة "لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملًا" (تك 15: 16).. كذلك لما أكتمل كأس سادوم، حرقها الرب بنار" (تك 19). الله يطيل أناته، لأن هذه هي طبيعته. وطول أناته أما تقتاد إلى التوبة، أو إلى الدينونة. ولعل من الأمثلة الجميلة لطول أناة الله، قصة تلك التينة التي ظلت ثلاث سنوات في الكرم، دون أن تنتج ثمرًا وجاءت فكرة قطعها بدلًا من أن تبطل الأرض. ولكن قيل: "اتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زبلًا". "فإن صنعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد نقطعها" (لو 13: 6 - 9). حقًا إن طول الأناة تعطى فرصة أخرى، فرصة لإصلاح الحالة. لقد أطال الرب أناته على الشعب في البرية، على الرغم من أنه كان شعبًا صلب الرقبة، كثير التذمر، كثير التقلب.. قال عنه الله "مددت يدي طول النهار، لشعب معاند مقاوم" (رو 10: 21). ومع ذلك أطال أناته عليه، وأبقى منه بقية قال عنها اشعياء النبي: "لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية، لصرنا مثل سادوم وشابهنا عمورة" (أش 1: 19). ومن أمثلة طول أناة الله معاملته لأهل السامرة. في مرة إحدى قرى السامرة أغلقت أبوابها في وجهه، لأن وجهه كان متجهًا نحو أورشليم، فقال له تلميذاه يعقوب ويوحنا أتشاء أن تنزل نار من السماء فتفنيهم. أما طول أناة الرب على السامرة فلم تفعل هذا. بل انتهر تلميذيه قائلًا: لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص" (لو 9: 52 - 56). وجاء الوقت الذي خلصت فيه مدينة السامرة، وتعمدت وقبلت الروح القدس (أع 8: 14 - 17). عجيبة هي طول أناة الله على مضطهدي الكنيسة. ولعل في مقدمتهم شاول الطرسوسي الذي قال عن نفسه "أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا. ولكنى رحمت لأنى فعلت ذلك بجهل في عدم إيمان" (1 تى 1: 13). شاول هذا الذي "كان ينفث تهديدًا وقتلًا على تلاميذ الرب.. حتى إذا وجد أناسًا من الطريق رجالًا أو نساء، يسوقهم موثقين إلى أورشليم" (أع 9: 1، 2). شاول هذا أطال الله أناته عليه، حتى أصبح صعبًا عليه أن يرفس مناخس. وظهر له في الطريق إلى دمشق ودعاه إلى خدمته. وأصبح إناءًا مختار له (أع 3 - 16) ورسولًا للأمم، وتعب أكثر من جميع الرسل في خدمة الله (1كو 15: 10). يقينًا لو لم يطل الله أناته على شاول الطرسوسي، لفقدت الكنيسة هذا الإنسان الجبار في خدمته، بولس الرسول. أطال الله أناته على أريانوس والي أنصنا، الذي كان قاسيًا جدًا وعنيفًا في الاضطهاد القديسين أيام ديوقلديانوس الملك، وعلى يديه استشهد كثيرون. ولكن بطول أناة الله آمن أريانوس، بل وصار شهيدًا، تحتفل الكنيسة بذكراه.. وأطال الله أناته على كثير من الخطاة. أمثال أوغسطينوس، ومريم القبطية، بيلاجية، وموسى الأسود، كثيرين غيرهم، وبطول أناة الله تاب هؤلاء كلهم. بل صاروا أنوار في الكنيسة يبعثون الرجاء في قلب كل تائب. فأوغسطينوس صار أسقفًا وأحد معلمي الكنيسة الكبار. وموسى الأسود صار من كبار آباء الرهبنة. ومريم القبطية توحدت وصارت من السواح.. ترى لو لم يطل الله أناته على هؤلاء، كانت نفوسهم تهلك؟! وتخسر الكنيسة كل بركاتهم..!! أيضًا أطال الله أناته على كثير من الملحدين والوثنيين. أطال أناته على روسيا البلشفية، حتى عاد أكثر من مائة مليون إلى الإيمان، وكذلك رومانيا وكثير من بلاد الإتحاد السوفيتي، فأمن كل هؤلاء وفرحوا بالرب. وفي بدء المسيحية أطال أناته على كثير من فلاسفة الوثنية، حتى صاروا فلاسفة مسيحيين. بل أطال أناته على بعض السحرة، فآمنوا ومثال ذلك أثناسيوس الساحر الذي جهز سمًا مميتًا تناوله القديس مارجرجس فلم يؤذه وسيدراخس الساحر الذي جهز سمًا للقديس أباقسطور. فلم يؤذه أيضًا. فأمن كل من هذين الساحرين، ونالا إكليل الشهادة. كان الله قد أطال أناته على كل منهما. إلى أن أتى الوقت الذي يشعر فيه كل منهما بأن هناك قوة أقوى من سحره فيؤمن.. إن الله ليس فقط يطيل أناته على الخطاة حتى يتوبوا، إنما أيضًا هو طويل الأناة من جهة تدبير الأوقات.. إنه يختار الموعد الذي يراه مناسبًا ليعمل فيه، ويدبر خططه الإلهية الحكيمة. ولعل من أمثلة ذلك تدبير قضية الفداء.. لقد وعد أبوينا الأولين بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية (تك 3: 15). ومرت آلاف السنين، والحية رافعة رأسها تسحق عقب الآلاف من البشر بل الملايين.. وبطول أناة عجيبة كان الرب ينتظر ملء الزمان الذي يتم فيه التجسد (غل 4: 4). طول أناته انتظرت الوقت الذي توجد فيه العذراء القديسة التي تستحق هذا المجد وتحتمله، والوقت الذي يوجد فيه يوحنا المعمدان الذي يهيئ الطريق قدامه، وأيضًا الذي فيه يوجد الأثناء عشر الذين يحملون الرسالة من بعده. وتكون النبوءات كلها قد تمت مع باقي تفاصيل أخرى تجعل اختيار الوقت مناسبًا، كله حكمة.. إذن لا يحتج أحد ويقول: لماذا يا رب قد تأخر عمل الفداء؟! كلا، إنه لم يتأخر مطلقًا، بل جاء في نفس موعده الذي حدده الله من قديم الزمان. وكانت أناة الله تمهد لإعداد كل شيء. وتمهد أيضًا لفهم الناس وقبولهم. ولو كان الفداء قد تم منذ أيام آدم، ما كان أحد قد فهمه ولا قبله ولا آمن به. إننا نحاول أن نفهم الأزمنة بعقلنا القاصِر. والرب يقول: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع 1: 7). ليس لنا أن نستعجل الله في العمل، أو نقول له كما سبق وقال داود، تأكد أن الله في طريقه إليك، حتى قبل أن تطلب. وسوف تصل معونته في أفضل وقت مناسب.. أنظروا إلى قصة يوسف الصديق مثلًا: ألقاه أخوته في البئر، ولم يفعل الرب شيئًا لإنقاذه منهم. وباعوه كعبد، يبدو أن الله لم يتحرك. ثم يتهم يوسف ظلمًا ويلقى به في السجن، تمر سنوات.. فهل كان الله قد أهمله وتركه؟! كلا. بل إن الله في طول أناته، يعد ويدبر الأوقات والمناسبات التي يحول فيها يوسف إلى وزير أو أمير. ولو كان الله قد حل مشكلة يوسف، من وقت إلقائه في البئر، لظل يوسف مجرد راع بسيط..! |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث الله يعلم أولاده قلنا إن الله طويل الأناة. ونقول أيضًا إنه يعلم أولاده طول الأناة أيضًا، يدربهم على ذلك. اتفق الله مع إيليا على إنزال المطر، بعد ثلاث سنوات ونصف من المجاعة. وذهب إيليا وصلى من أجل ذلك مرة ومرتين وثلاثًا.. إلى سادس صلاة، ولم ينزل المطر! ولم ييأس إيليا واستمر في الصلاة بطول أناة. وفي الصلاة السابعة، رأى غيمة في حجم قبضة اليد (1 مل 18: 44). فعرف أن صلاته قد استجيب.. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث طول الأناة: ب- عند البشر: تكلمنا عن طول الأناة عند الله. ونود أن نتكلم الآن عن طول الأناة عندنا نحن البشر مادمنا قد خلقنا على صورة الله، كشبهه ومثاله (تك 1: 26، 27)، إذن ينبغي أن نكون شبهه في طول الأناة. مَنْ منا لم يطل الله أناته عليه، ولم يأخذه وهو في عمق خطاياه؟! ليتنا إذن نتعامل من الناس بنفس الأسلوب، بطول الأناة. لأن الكتاب يقول "بالكيل الذي به تكيلون، يُكال لكم" (مت 7: 2)..
|
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث طول الأناة في التعامل هناك من يتضايق من معاملات الناس وأسلوبهم الذي لا يستطيع أن يحتمله. يقول لقد نبهت فلانًا من الناس أن يغير أسلوبه في التعامل معي، ولم يغيره! وربما تقول زوجة هذا الكلام عن زوجها. وللناس طباع يحتاجون في تغييرها إلى طول أناة. ليس من السهل عليهم أن يغيروا طباعهم بسرعة.. ربما يريدون ولا يستطيعون. وقد يغلبهم الطبع فتتكرر أخطاؤهم عن قصد أو غير قصد. وقد لا يشعرون أن ما يفعلونه خطأ.. عاش التلاميذ مع السيد المسيح أكثر من ثلاث سنوات. يتعلمون منه. وكما قال لهم "تعلموا منى، فإني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). ومع ذلك فإنه عند القبض عليه، ضرب بطرس عبد رئيس الكهنة بالسيف، فقطع أذنه (يو 18: 10) فوبخه السيد قائلًا: رد سيفك إلى غمده، لأن الذين يأخذون بالسيف يهلكون" (مت 26: 52). إن القديس بطرس الرسول لم يستطع أن يقاوم طبع الاندفاع الذي كان عنده، وغلب منه مرات. واحتاج إلى طول أناة من الرب أن يحتمله، حتى وقت غسل الأرجل (يو 13: 6 - 10). وبنفس الاندفاع تكلم وأخطأ حينما قال السيد المسيح إنه سوف "يتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم" (مت 16: 21). كل التلاميذ سكتوا، أما بطرس فلم يستطع أن يقاوم اندفاعه، وانتهر السيد قائلًا "حاشاك يا رب". فوبخه الرب على ذلك القديس موسى الأسود أيضًا احتاج إلى طول أناة عجيبة من معلمه القديس أيسوذورس، حتى يتغير طبعه وحتى يصير قديسًا تائبًا وديعًا ومعلمًا لكثيرين.. بطول الأناة، لا يملكنا الغضب على الخطاة. وفي هذا قال الكتاب "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب". هذا الإبطاء يعنى طول الأناة في الاستماع إلى الناس، وإعطاء فرصة للعقل أن يتدبر الأمر في حكمة، يهدئ نفسه فلا يخطئ.. الإنسان الطويل الأناة هو إنسان بطئ الغضب. إن الله كان يطيل أناته علينا، لأنه يعرف ضعف طبيعتنا. يقول داود النبي في ذلك "لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا.. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 9 -14). فليتنا نعامل بعضنا بعضًا بنفس الأسلوب، بطول أناة، واضعين أمامنا ضعف الطبيعة البشرية وإمكانية سقوطها. فقد قيل عن الخطية إنها "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26). |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث طول الأناة في التربية والخدمة البعض يتعب وقد ييأس، إن لم تأتِ الخدمة ثِمارها بسرعة. وقد يصفها -طالمًا- بأنها خدمة فاشلة. بينما تحتاج إلى طول بال لتنمو في هدوء.. كم من السنين قضى المسيح في خدمة التلاميذ وإعدادهم. وبعد أكثر من ثلاث سنين، أمرهم أن لا يبرحوا أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي (لو 24: 49). تأمل الشجرة كيف أنها لا تعطى ثمرًا إلا بعد سنوات: والغارس يطيل أناته عليها حتى "تُعطي ثمرها في حينه". وكل شجرة لها طبيعتها. فمنها التي تثمر بعد ثلاث سنوات، والتي تعطى ثمرًا بعد خمس سنوات أو بعد سبع. والغارس في كل ذلك الانتظار لا يقلق، بل يتدرب على طول الأناة. الطفل هو تدريب آخر في طول الأناة. المرأة تحبل، وتظل 9 أشهر في انتظار ولادة طفلها. الذي ينمو تدريجيًا في بطنها، حتى يكتمل نموه فيخرج. وقد ترك هذا الأمر تأثيره في القديس يوحنا ذهبي الفم، فقال: إن كان الجنين يأخذ فترة حتى جسديًا، فكم بالأولى الإنسان لينمو روحيًا، يحتاج إلى زمن وطول أناة. كذلك فالطفل يحتاج إلى فترة حتى يمشى وحتى يتعلم. ونحن لا نطالبه بما هو فوق مستواه، بل نطيل أناتنا عليه. ونفرح بتدرجه في القامة وفي المعرفة. أيضًا يلزم طول الأناة في الكرازة والخدمة والتعليم. وكما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "عِظْ بكل أناة وتعليم" (2 تي 4: 2) ذلك لأن الناس قد لا يحتملون أحيانًا الدرجات العالية في الروحيات إن كانوا لم ينضجوا بعد،وهكذا قال الرسول لأهل كورنثوس "سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون. بل الآن أيضًا لا تستطيعون. لأنكم بعد جسديون" (1كو 3: 2، 3). وبنفس الأسلوب وطول الأناة، رأى الآباء الرسل "ألا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم. بل يُرسل إليهم أن يمتنعوا عن رجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم" (أع 15: 19، 20). والسيد المسيح له المجد وبخ الكتبة والفريسيين "لأنهم يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس" (مت 23: 4). لذلك فالمستويات العالية من التعليم، لا تعطى لكل أحد. وإنما التدرج أو الأناة في التعليم، هو الذي يأتي بنتيجة. وإن لم يستطع البعض أن يمارس تدريبات روحية معينة، فلا تقسوا عليهم ولا تنتهروهم بشدة، إنما اصبروا عليهم وشجعوهم وكما قال الرسول: شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء. وتأنوا على الجميع" (1تس 5: 14). فإن خدم خادم فصلًا، ووجد تلاميذ لا يتحسنون بسرعة، فلا ييأس، ولا يتهم نفسه بأنه لا يصلح للخدمة. كما لا يتهم المخدومين بأنه لا فائدة ترجى منهم! كلا، يا أخي، ليس العيب فيك ولا فيهم. إنها طبيعة الخدمة تحتاج إلى وقت وطول بال. لذلك تأن عليهم، ولا تظن أن طباع الناس تتغير فجأة بكلمة أو بنصيحة! إن الدجاجة تلزمها فترة تحتضن فيها البيض، حتى ينضح وتخرج فراخه. والبذار لابد أن تقضى فترة في الأرض، حتى تخضر وتنمو، وتصير شجرًا وتثمر. وكل هذا يحتاج إلى طول بال وانتظار.. فانتظر إذن واصبر. فإن الكتاب يقول: "من يصبر إلى المنتهى، فهذا يخلص" (مت 10: 22). ويقول أيضًا "بصبركم تقتنون أنفسكم" (لو 21: 19) لقد قال داود النبي "انتظرت نفسي الرب، من محرس الصبح حتى الليل" (مز 130 6، 7). يقصد من البداية حتى التمام، بكل طول أناة. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث طول الأناة في الصلاة الإنسان الطويل الروح يصلى، ولا يقلق من جهة استجابة الله لصلاته. يكفى أن الله قد سمعها. نترك الأمر إذن لمحبته.. هو يستجيب الصلاة في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة، حسب حكمته وحسن تدبيره وتقديره للأوقات.. هناك أشخاص ليس لهم طول أناة في الصلاة. لا ينتظرون الرب. ومع ذلك يعاتبون الله كثيرًا. ويكادون يغلطونه أحيانًا!! ويقولون: يا رب أنت.. وأنت.. وهو يطيل أناته عليهم وعلى عتابهم.. يحتاج الأمر منهم إلى الإيمان بعمل الرب لأجلهم.. أحيانًا يتباطأ الرب في الاستجابة، أو يُخيَّل إلينا أنه تباطأ،وذلك لكي يدربنا على الصبر والإيمان. فلا يأتي إلا في الهزيع الأخير من الليل.. ولا يفتقِد العمال إلا في الساعة الحادية عشرة من النهار! (مت 20: 6، 7). كل ذلك لكي يعلمنا أن ننتظر الرب، ولكي نتدرب على طول البال، هذه الصفة التي هي من صفات الله أحيانًا يبدو الله طويل البال في حل المشاكل!! ذلك لأن صاحب المشكلة يكون قلقًا ومنزعجًا، ويريد حلها في التو واللحظة. وليس لديه طول بال ولا صبر على حل المشكلة.. بينما يكون الله قد استلم المشكلة، وبدأ فعلًا في حلها، بالأسلوب الذي يتناسب مع حكمته في التدبير.. طول بال الله، إنما يقودك إلى اللجاجة في الصلاة، وليس إلى القلق.. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث مضار عدم طول الأناة الإنسان الذي ليس له طول البال، يقع في القلق والضجر والانزعاج. وتتعب نفسيته ويفقد سلامه الداخلي.. يقلق بسرعة، كشخص في كل دقيقة أو لحظة ينظر إلى الساعة! * وقد يصاب الاندفاع والتسرع، مما يسبب له نتائج رديئة! * والذي ليس له صبر، ولا طول أناة، ربما في تسرعه يأخذ قرارات أو مواقف ارتجالية أو هوجائية. كالشخص الذي يرى أن الله لم يستجب صلواته، فيقسم أنه لن يدخل الكنيسة!! احتجاجًا منه على الله..! * قد يقود القلق وعدم طول البال إلى الاعتماد على الذارع البشري والحكمة البشرية الخاطئة. مثال ذلك حينما ظن أبونا إبراهيم أن الله لم يعطه نسلًا حسبما وعده، فلجأ إلى الحكمة البشرية ليتخذ هاجر زوجة له تنجب له ابنًا (تك 16: 1-4).. أو لم يجد أن نسله لم يصر مثل نجوم السماء في الكثرة، فأخذ قطورة زوجة فولدت له بنين كثيرين (تك 25: 1-4). والعجيب أن الطريق البشرية قد تأتى بنتائج سريعة، ولكنها ليست حسب مشيئة الله التي قد تتأخر ولكن في حكمة وبركة ومنفعة. طريقة الله هادئة، وتسير خطوة، حتى تصل بسلام.. * هناك أشخاص ليس لهم بال حتى في الكلام مع الناس. فيقاطعون غيرهم، ولا يستطيعون أن ينتظروا إلى أن ينتهي مخاطبهم من كلامه لكي يتابعوه بعد ذلك. * وقوم ليس لهم طول بال في حل مشاكلهم، فيلجأون إلى أهل السحر والشعوذة، لعلهم يجدون عندهم العون والحل!! ما أكثر أخطاء الذين ليس لهم أناة وطول روح.. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث اللطف: هكذا قال الكتاب "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف..". وقد تحدثنا في الأبواب السابقة عن المحبة والفرح والسلام، ونود أن نحدثك الآن عن اللطف.. قال الرسول عن السيد الرب ".. أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة" (رو 2: 4). إذن من لطف الله أنه يطيل أناته علينا، لكي بلطفه وطول أناته يقتادنا إلى التوبة.. ويقول الرسول أيضا "حين ظهر لطف الله مخلصنا وإحسانه، بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى 3: 4، 5). إذن مغفرة الله التي قدمها لنا في الفداء والمعمودية هي دليل على لطفه ورحمته وإحسانه.. اللطف هو من صفات الله في معاملته للبشر. وهو أيضًا من صفات رسله. وهكذا قال القديس بولس الرسول في خدمته للرب هو وجميع العاملين معه "في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير.. في أتعاب في أسهار في أصوام، في طهارة في علم، في أناة في لطف.." (2كو 6: 4 - 6). ودعانا الآباء الرسل إلى السلوك بلطف: فقال القديس بولس الرسول "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض" ((أف 4: 22). وقال أيضًا "البسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا ووداعة وطوال أناة" (كو 3: 12). وهنا نلاحظ أن هذه الفضائل ترتبط ببعضها البعض: اللطف مع الوداعة والتواضع والرأفة وطول الأناة. ويقول القديس بطرس الرسول "كونوا جميعًا متحدين في الرأي، بحس واحد، ذوى محبة أخوية، مشفقين لطفاء، غير مجازين عن شر بشر، أو عن شتيمة بشتيمة، بل بالعكس مباركين" (1بط 3: 8، 9). ولعلنا هنا نسأل: ما هو اللطف وصفاته؟ وكيف يسلك اللطفاء؟ اللطف هو كل هذه الفضائل التي ذكرها الكتاب مجتمعة. وهو ثمرة طبيعية لحياة الوداعة والرقة والبشاشة والاتضاع، والبعد عن الخشونة والعنف والقسوة والتعالي. ومادام هو من ثمر الروح، إذن فهو من ثمر "الروح الوديع الهادي" (1بط 3: 4). وهكذا يكون الإنسان اللطيف هناك أشخاص -للأسف الشديد- يظنون أن الحياة الروحية هي مجرد صلاة وصوم، بينما بطريقة منفرة في معاملة الآخرين!! ولكنني أقول: إن لم تكن لطيفًا في تعاملك، فأنت شخص غير متدين على الإطلاق. ذلك لأن اللطف من ثمر الروح كما يقول الكتاب (غل 5: 23). فالذي ليس في حياته هذا الثمر -أي اللطف- لا يكون إنسانًا روحيًا، لأنه لا يسلك بطريقة روحية.. كونوا إذن "لطفاء بعضكم نحو بعض" (أف 4: 22). هذا اللطف نراه في معاملة الأب مع الابن الضال، وأخيه الضال الأكبر. الابن الضال جاء إلى أبيه يطلب منه أن يعطيه نصيبه من الميراث! فلم ينتهره الأب ولم يقل له: كيف هذا يا ابني؟! كيف ترثني وأنا حيّ؟! إنما بكل لطف وهدوء قَسم ماله وأعطاه نصيبه.. ولما أنفق هذا المال بعيشٍ مُسْرِفٍ، احتاج وجاع، وعاد إلى أبيه معترفًا بأنه أخطاء، قبله الأب بفرح، بل لما رآه من بعيد، وقبل أن يعترف "تحنن الأب، وركض ووقع على عنقه وقبله" (لو 15: 20). وألبسه الحلة الأولى، وجعل خاتِمًا في أصبعه، وذبح له العجل المسمن، وفرح برجوعه.. أي لطف هذا في معاملة. باللطف لم يكسر نفسه في رجوعه، ولم يخجله، ولم يوبخه. وأيضًا الابن الأكبر حينما غضب لإكرام أخيه العائد، ورفض أن يدخل البيت وأن يشترك في الفرح بعودة أخيه.. ولكنه تمادى واتهم الآب بالبخل وعدم العدل، وقال له "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. وجديًا لم تعطني لأفرح مع أصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني، ذبحت له العجل المسمن!!". ولم يغضب الأب لهذا العتاب القاسي بكل ما فيه من أخطاء. وبكل لطف أجابه " يا ابني أنت معي في كل حين. وكل ما لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر، لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد" (لو 15: 25 - 31). لم يحاسبه ولم يعاتبه على اتهاماته له ولأخيه، وإنما في لطفه، رد عليه إيجابيًا "أنت ابني" كل ما لي فهو لك"، "كان ينبغي أن نفرح.." القلب العامر باللطف لا يوبخ كثيرًا. وإن وبخ لا يستخدم كلامًا جارحًا. ولنا مثال على ذلك موقف سيدنا يسوع المسيح من تلميذه بطرس الذي أنكره ثلاث مرات، وسب ولعن، وقال عنه: لا أعرف الرجل (مت 26 - 74). فلما التقى به الرب بعد القيامة، وأراد أن يوبخه على إنكاره، لم يذكره بأنه أنكره ثلاث مرات، أنه حلف وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل! وإنما قال له ثلاث مرات "يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء". وفي كل مرة يجيب فيها بطرس بعبارة إني أحبك، كان يقول له "أرع غنمي" أو "ارع خرافي". وأحس بطرس بهذا التوبيخ اللطيف وحزن. وقال له "يا رب، أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أنى أحبك" (يو 21: 15 -17) حقًا. إن القلب العامر باللطف، يكسب الناس بلطفه. لقد استطاع الرب أن يكسب زكا العشار، والمرأة السامرية، والخاطئة المضبوطة في ذات الفعل، وتلك التي بللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها.. كل أولئك كسبهم باللطف. عاملهم بلطف. لم يوبخ أحدًا منهم، ولم يستخدم التوبيخ والكلام القاسي.. ما أشد قسوة بعض (المتدينين) في معاملتهم للخطاة، أو من يظنونهم خطاة..! وما أكثر ما يستخدمون من عبارات جارحة في توبيخهم! ويحسبون أن هذا غيرة مقدسة منهم وشهادة الحق! وأنهم يقودونهم بهذا إلى التوبة. ولكن السيد المسيح لم يكن هكذا، بل قيل عنه: "لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت 12: 20) (إش 42: 3). لم يذكر زكا العشار بشيء من كل أخطاء ماضية. بل وسط الزحام، وقف عنده بالذات، وناداه باسمه، ودعا نفسه أن يدخل بيته ويبيت عنده. ولما "تذمر الجميع قائلين إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ". دافع السيد المسيح عن زكا قائلًا إنه هو أيضًا ابن لإبراهيم. وأعلن أنه " اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو 19: 5 - 9). ترى لو وبخ زكا، أكان سيكسبه؟! كلا، بل باللطف قد كسبه.. فرق كبير بين القسوة التي توبخ الإنسان على خطاياه، وبين اللطف الذي يجعل الخاطئ من تلقاء ذاته يعترف بخطاياه ويتوب عنها. وهذا هو ما حدث مع زكا. لم يقل له السيد إنه خاطئ، بل قد يجعله مستحقًا أن يبيت الرب في بيته، على الرغم من سمعته الرديئة. وبهذا اللطف قال زكا "ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين. وإنه كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف" (لو 19: 8). وبالمثل في معاملة الرب للسامرية: لم يوبخها على خطاياها وسيرتها البطالة. ولم يلق عليها درسًا في التوبة والعفة.. إنما بكل لطف، حدثها عن الماء الحي، وعن السجود لله بالروح والحق (يو 4: 14، 23) زوجها. إنما علاقة ذلك الرجل بها، علاقة لا توصف إلا بكلمة جارحه لم يسمح الرب أن يقولها لكيلا يخدش شعورها. بل قال "حسنا قلت إنه ليس لكِ زوج. لأنه كان لكِ ذلك خمسة أزواج. والذي لكِ الآن ليس زوجك. هذا قُلْتِ بالصدق" (يو 4: 16 - 18). وهكذا جعل الاعتراف المتعب بين مديحين: سبقه بعبارة مديح هي "حسنا قلتِ" وختمه بعبارة مديح "هذا قلت بالصدق". فعلى الرغم من حياتها الخاطئة، وجد فيها شيئا يستحق المديح، فمدحها عليه. وبهذا اللطف أقتادها إلى التوبة، بل إلى الإيمان أيضًا، وإلى التبشير بهذا الإيمان.. فقالت له المرأة "يا سيد، أرى أنك نبي". وذهبت تبشر به بين شعبها قائلة "تعالوا أنظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح" (يو 4: 29).. وهكذا كسبها المسيح وكل أهل مدينتها إلى الإيمان (يو 4: 42). وبنفس اللطف عامل السيد الرب المرأة المضبوطة في ذات الفعل. كان الكتبة والفريسيون حولها كالوحوش يريدون رجمها، ويريدون منه أن يوافق على ذلك حسبما تقول الشريعة. أما هو - فبكل لطف - دافع عن هذه المرأة الذليلة الخجلى. ووبخ المطالبين برجمها قائلًا لهم "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر" (يو 8: 7). "وانحنى إلى أسفل، وكان يكتب على الأرض" ولعله كان يكتب على الأرض خطايا كل منهم. نعم، إن كانت هذه المرأة قد ضبطت في ذات الفعل، فلابد أنه كان هناك رجل يخطئ معها في ذات الفعل أيضًا. وكما قال الشاعر فؤاد بليبل عن مثل هذه المرأة: ودعوك بائعة الأثيم من الهوى كذبوا فإن الذنب المُشتري وبعد أن أنقذ السيد هذه المرأة من الذين أدانوها، ومضوا جميعًا.. قال لها "وأنا أيضًا لا أدينك. اذهبي ولا تعودي تخطئي أيضًا..ما كان ممكنا لهذه المرأة أن تجد شخصًا لطيفًا كهذا، ينقذها من الرجم، ويدين طالبي رجمها فينصرفون. ويقول لها "ولا أنا أدينك.." وبنفس اللطف عامل الخاطئة التي غسلت قدميه بدموعها. لم يقل لها كلمة واحدة جارحة، بل قال لها مغفورة لك خطاياك (لو 7: 48). وأظهر لسمعان الفريسي الذي انتقدها إنها أفضل منه، وأنها قد أحبت كثيرًا، لذلك غفر لها الكثير. وذكر لها فضائلها. وهكذا فإن الرب بلطفه قد وجد فيها أشياء يمكن امتداحها بسببها. ثم قال لها أخيرًا: "إيمانك قد خلصك. اذهبي بسلام" (لو 7: 50). حقا إن اللطف يكتشف النقط البيضاء فيمتدحها، ولا يركز على النقط السوداء . تحضرني بهذه المناسبة قصة مدير مدرسة للطيران.. كان قد أعد الطلبة للامتحان النهائي العملي للتخرج. وصعد أحد الطلبة بالطائرة، وإذا بزمامها يفلت من يده، بدأت تتأرجح في الهواء بطريقة مخيفة. وشعر قائدها بأنه قد فشل في الامتحان ولا بُد سَيُرْفَت من المدرسة، فعلى الأقل فيلنقذ نفسه من الموت. وهكذا جاهد حتى نزل بها إلى الأرض سالمًا.. واقبل إليه مدير المدرسة، وقد توقع أن يسمع منه قرار الفصل. ولكن مدير المدرسة شدَّ على يده بحرارة وهو يهنئه قائلًا "على الرغم من خطورة الموقف، فإنك نجحت في أن تنزل بالطائرة سالمًا كأمهر طيار رأيته في حياتي".. وبهذا الكلمات اللطيفة، أدخل الطمأنينة إلى نفسه. ثم قدم له بعض النصائح.. إن القلب اللطيف لا يحتقر الضعفاء، بل يسندهم. وهكذا يقول الكتاب "شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء. وتأنوا على الجميع" (1تس 5: 14). نعم، لولا هذه المعاملة من الله لنا، لهلكنا جميعًا. إنه يقول في مسألة المديونين اللذين على أحدهما خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون "وإذ لم يكن لهما ما يوفيانه، سامحهما جميعًا" (لو 7: 12). إنه لم يحتقر أورشليم المدوسة بدمها، بل غسل عنها دماءها، ومسحها بالزيت، يجعل تاج جمال على رأسها، فصلحت لملكة" (خر 16: 6 – 13). بل إن الرب يعذر المخطئين -بلطفه- ويوجد لبعضهم عذرًا. التلاميذ الثلاثة الذين كانوا معه في بستان جثسيماني، ولم يستطيعوا ان يسهروا معه ساعة واحدة عذرهم قائلًا "أما الروح فنشيط. وأما الجسد فضعيف" (مت 26: 41). فعلى الرغم من نومهم، قال لهم بلطفه: أما الروح فنشيط. والتمس لهم عذرًا من جهة ضعف الجسد.. وفي (مزمور 103) يقول الكتاب عن لطف الله وتحننه "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا". لماذا؟ "لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن". وبنفس اللطف تصلى الكنيسة في أوشية الراقدين، تطلب لهم الرحمة "إذ لبسوا جسدًا، وسكنوا في هذا العالم.." إن الله بلطفه، يقدر ظروف الناس، وطبيعتهم الضعيفة، فيغفر.. إنهم مجرد تراب، أثارتهم الريح، فتحولوا إلى غبار في الجو. يصبر عليهم بعض الوقت، حتى تهدأ الريح، فيستقرون.. الله في لطفه، يسمح لأولاده أن يعاتبوه أو يجادلوه. وقد يشتدون في كلامهم، فلا يغضب. وإنما بكل لطف يعطيهم فرصة للتعبير عما في داخلهم بكل حرية. ما أعجب أن يقول له إبراهيم أبو الآباء -في شفاعته عن سدوم- "أَدَيَّان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! حاشا لك يا رب أن تفعل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم. فيكون البار كالأثيم! حاشا لك" (تك 18: 25).. ثم يبدأ التفاوض. إن وجد في المدينة خمسون بارًا.. إن وجد 45.. إن وجد أربعون.. حتى وصل التفاهم إن وجد عشرة أبرار، لا يهلك الله المدينة من أجل العشرة (تك 18: 26 – 32).. كل هذا والرب في لطف شديد يتلقى مفاوضة إبراهيم، ويفسح له المجال إلى آخر حد، حتى توقف.. نفس اللطف في تشفع موسى إلى الله لأجل الشعب. كانوا قد عبدوا العجل الذهبي الذي صنعوه، بعد كل المعجزات التي رأوها من الرب في مصر وفي البرية.. وغضب عليهم الرب حتى أراد أن يفنيهم. وهنا تدخل موسى ليشفع فيهم. فقال للرب: لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك؟! لماذا يقولون أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم على وجه الأرض. أرجع عن حمو غضبك واندم على الشر (خر 32: 11، 12). ويسمع الرب هذا الكلام، ولا يتضايق بل يعفو.. وارميا النبي يقول: أبر أنت يا رب من أن أخاصمك. ولكنى أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار. اطمأن كل الغادرين غدرًا (أر 12: 1). لم يقل الله: من هو هذا التراب، حتى يكلمني من جهة أحكامي؟! بل كيف ينسب إلى نجاح طرق الأشرار، أو حتى السكوت على ذلك!!.. إنما استمع له في لطف وأراحه.. ظهر لطف الله أيضًا في معاملة يونان النبي. لم يرفضه بسبب عصيانه له، بل اقتاده إلى الطاعة بحكمة، وأنقذه من بطن الحوت، وأعاده إلى رسالته في إنذار نينوى. ولما تابت نينوى ولم يعاقبها الله "وَغَمَّ ذلك يونان غمًا شديدًا فاغتاظ" وطلب لنفسه الموت.. عاتبه الله بلطف قائلًا هل اغتظت بالصواب؟! (يو 4: 1، 4). واجتذبه بما حدث لليقطينة. وشرح له لماذا قبل توبة نينوى. حقا إنه بالعنف قد يخسر الشخص أحباءه، بينما باللطف يكسب أعداءه. هنا وأقول إن للطف حدودًا. فإن لم يوصل إلى هدفه تبدأ العقوبة. وهكذا يقول الرسول "هوذا لطف الله وصرامته. أما الصرامة فعلى الذين سقطوا. أما اللطف فلك، إن ثبت في اللطف. وإلا فأنت أيضًا ستقطع" (رو 11: 22). وفي هذا المجال نذكر مثل تلك الشجرة التي لم تعط ثمرًا على مدى ثلاث سنوات وهي تبطل الأرض. فلما أراد الكرام قطعها، قال صاحب الكرم في لطف "اتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زبلًا. فإن صنعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد نقطعها" (لو 13: 6 – 9). اللطف في "اتركها هذه السنة أيضًا" والصرامة هي في قوله "وإلا ففيما بعد نقطعها". |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث الصلاح نتابع حديثنا عن ثمر الروح كما ورد (غل 5: 22، 23). فنتحدث عن الصلاح. ولكن كيف يمكن أن يتصف إنسان بالصلاح، بينما يقول الكتاب "ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (مت 19: 17)؟! المقصود طبعًا هو صلاح النسبي، ليس الصلاح المُطْلَق الذي هو من صفات الله وحده. والمقصود بالصلاح النسبي، أية نسبة لمدى عمل الروح القدس في الإنسان، ومدى استجابة الإنسان لعمل الروح وشركته مع الروح القدس. تمامًا مثلما نفسر قول الرب "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48) بأن المقصود هو الكمال المطلق هو من صفات الله وحده.. وحينما نتكلم عن الصلاح، نذكر أنه على نوعين: صلاح سلبي، وصلاح إيجابي. الصلاح السلبي هو البعد عن الخطايا، وتمثله غالبية الوصايا العشر، مثل: لا تكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا.. لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا.. لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشته مال قريبك.. أما الصلاح الإيجابي، فتمثله التطويبات في العهد الجديد: طوبى للمساكين بالروح، للودعاء، لأنقياء القلب، لصانعي السلام، للرحماء. ويمثله في العهد القديم: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث 6: 5). وتمثله أيضًا ثمار الروح التي نتحدث عنها. والمطلوب من الإنسان أن يسلك في الأمرين معًا: البعد عن كل أنواع الخطايا من الناحية السلبية والسلوك في كل الفضائل إيجابيًا. الإنسان الذي يصل إلى كمال الصلاح، يشمئز من الخطية وينفر منها فإن قل صلاحه، يكون بينه وبين الخطية آخذ ورد. أما إن فقد صلاحه. فإنه يلتذ بالخطية ويستسلم لها، بل قد يسعى إليها. إذن لكي يحيا الإنسان في حياة الصلاح، ينبغي أن يصل إلى المرحلة التي ينفر فيها من الخطية، كما قال يوسف الصديق "كيف افعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟!" (تك 39: 9). ويعبر عن هذا أيضًا قول القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى أن المولود من الله لا يستطيع أن يخطئ (1يو 3: 9). وفعلًا، هناك أشياء لا يستطيع الإنسان الروحي أن يفعلها.. لا يستطيع أن يلفظ كلمة نابية بذيئة، لا يستطيع أن يكذب بل إنه يحتقر نفسه إن فعل ذلك. لا يستطيع أن يقوم بأي عمل غير مهذب.. وبالتالي كلما نما في الصلاح يجد أنه عمومًا لا يستطيع أن يخطئ. هناك عيب من جهة السلوك في الصلاح أن يحكم الإنسان على بعض الخطايا بأنها خطايا بسيطة!! فيتساهل معها!! الخطية هي الخطية سواء حكم عليها الشخص بأنها بسيطة أو كبيرة. وهكذا يقول الرب: من قال لأخيه يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم (مت 5: 22). هكذا في باقي خطايا اللسان، يقول "بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت 12: 37). حقا، إنه توجد خطية أبشع من الخطية. ولكن كلًا منها تتنافى مع الصلاح. الإنسان الصالح لا يرتكب هذه ولا تلك. فالرسول يأمرنا أن نسلك بتدقيق (أف 5: 15) ما معنى أن الصلاح من ثمر الروح؟ له بلا شك معنى مزدوج. فهو من ثمر عمل الروح القدس في قلب الإنسان. ومن ثمر روح الإنسان في استجابتها لعمل الروح القدس فيها. أو هو ثمر لشركة الروح القدس، أي لمشاركة روح الإنسان لروح الله القدوس، في الرغبة وفي العمل.. ماذا إذن عن صراع الإنسان مع الخطية؟ هل نقول عن مثل هذا الإنسان إنه صالح؟ إن القديس بولس الرسول يدعو إلى هذا الصراع، ويسميه جهادًا. فيلوم العبرانيين قائلًا "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). إذن فالصراع ضد الخطية أمر صالح يقود إلى الصلاح، حينما ينتصر الإنسان على الخطية، ويصل إلى محبة الخير التي لا تحتاج إلى صراع.. على أننا ينبغي أن نفرق بين نوعين من الصراع. صراع ضد خطية تحاربه من الخارج. وهذا يحدث للقديسين من حسد الشيطان وحروبه. وهو صراع لا يتنافى مع الصلاح، بل أنه يدل على صلاح الإنسان، وعدم قبوله الخطية التي تحاربه. المهم أنه لا يستسلم، بل يقاوم حتى الدم مجاهدًا ضد الخطية. النوع الثاني من الصراع أن يُصارع الإنسان ضد خطية تأتيه من داخله، من قلبه، من فكره، من مشاعره. وهذا يدل على أن الداخل لم يصل إلى النقاوة بعد. لم يصل إلى الصلاح بعد، بل يجاهد لكي يصل إليه. إنه صراع صالح، من قلب يريد أن يكون صالحًا. الخطية بشعة، الأبرار يشمئزون منها. لذلك يحترس الخاطئ من ارتكابها أمام الصالحين. بل يرتكبها في الظلام، في الخفاء. فإن كان الصالحون يشمئزون من الخطية، فكم بالأكثر الملائكة! لذلك حينما ترتكب الخطية، كأنما تطرد الملائكة من حولك، أو على الأقل الملاك الحارس، الذي "في مجلس المستهزئين لا يجلس". إنه يحاول أن يصدك عن الخطية، فإن أصررت عليها، يبتعد عنك. وحينئذ ينفرد بك عدو الخير. فإن كانت الخطية بشعة هكذا أمام الأبرار وأما الملائكة، فكم بالأكثر تكون بشعة أمام الله الكلى القداسة!! لذلك من بشاعة الخطية، إننا نرتكبها أمام الله. وهكذا يقول داود النبي في المزمور الخمسين مزمور التوبة: يقول لله "إليك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت"، إذن فهي ليست فقط خطية أما الله، إنما بالأكثر خطية إلى الله.. خطية نحزن بها روح الله القدوس (أف 4: 30). ولأنها خطية ضد الله، لذلك قال يوسف الصديق "كيف افعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله" (تك 39: 9). إذن فالإنسان الصالح ينفر من الخطية، لأنه يوقن أنه بها يخطئ إلى الله، ويخطئ قدام الله، ويحزن روح الله.. قطعًا إن الإنسان -أثناء ارتكابه للخطية- يكون قد نسى أنه أمام الله، الذي يراه وهو يرتكب الخطية. لذلك فإن داود النبي قال للرب عن أمثال هؤلاء الخطاة "لم يجعلوا الله أمامهم" (مز 54: 3). هؤلاء صنعوا الشر أمام الله ولم يبالوا، أو أنهم لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم. أما الإنسان الصالح، فإن الله أمامه باستمرار، يخشى أن يخطئ قدامه. ما أعمق قول إيليا النبي "حي هو رب الجنود الذي أنا واقف قدامه" (1 مل 18: 15). لذلك فالذي يقول "اعترف بخطاياي أمام الله مباشرة"! قد نسى أنه ارتكب تلك الخطايا أمام الله ولم يخجل! فالأفضل له الاعتراف بها أمام الكاهن، لكي يخجل منه فلا يعود إلى ارتكابها.. هناك أناس يفقدون صلاحهم، لأنهم يستغلون طيبة الله بطريقة خاطئة. إن طيبة الله، ينبغي أن يوضع أمامها صلاح الله وقداسة الله، ودعوته لنا إلى حياة القداسة والبر. بل ينبغي أن يتذكر هؤلاء قول الرسول "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة! ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب" (رو 2: 4، 5). إن الله من أجل محبته للصلاح، وقيادتنا إلى الصلاح، وضع أمامنا إمكانيات كثيرة تقودنا إلى الصلاح منها: * أولًا خلقنا على صورته ومثاله، في البر والصلاح، والعقل والفهم والحكمة، ولما فقدنا بالخطية هذه الصورة الإلهية، قدمها لنا في شخص الرب يسوع المسيح "الذي كما سلك ذاك، ينبغي أن نسلك نحن أيضًا" (1يو 2: 6). طبعًا العمل الأساسي للتجسد الإلهي هو الفداء، ولكن من الأغراض الإضافية تقديم الصورة الإلهية والقدوة المثالية للإنسان. * أيضًا لما فسدت طبيعتنا البشرية، قدم لنا تجديدًا في المعمودية فيها يصلب الإنسان العتيق، ويقوم إنسان جديد على صورة الله، لكيما نسلك في جدة الحياة (رو 6: 4، 6). شخص جديد يخرج من جرن المعمودية مولودًا من الماء والروح. وما أجمل وأعمق قول القديس بولس الرسول في هذا "لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27) أي لبستم البر الذي في المسيح. كل هذا يقدمه لنا، لكي نستطيع أن نسلك في الصلاح. * وأيضًا لنسلك في الصلاح، جعلنا هياكل لروحه القدوس: وهكذا قال الكتاب "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو 3: 16). تنال هذا بالمسحة المقدسة في سر الميرون. فيحل روح الله في داخلك. ويكرر الرسول نفس المعنى في نفس الرسالة فيقول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم" (1كو 6: 19). هذا الروح القدس الذي فيك "يبكتك على خطية.. ويرشدك إلى جميع الحق" (يو 16: 8، 13). ويعلمك كل شيء، ويذكرنا بكل ما قاله الرب (يو 14: 26). وهكذا يساعدك على عمل الخير، ويقودك إلى حياة الصلاح. وماذا أيضًا. * أرسل الله لك نعمته، لكي تعينك على الخير والصلاح. وهذه النعمة ضمن البركة التي تختم بها الكنيسة كل اجتماع. فنقول "محبة الله الأب ونعمة ابنه الوحيد وشركة الروح، تكون مع جميعكم" (2كو 13: 14) ونلاحظ أن كثيرًا من رسائل القديس بولس الرسول تبدأ بهذه النعمة أو تنتهي بها. فيقول "نعمة لكم وسلام من الله أبينا.." (1كو 1: 3) في بداية رسالته الأولى إلى كورنثوس. ويختمها أيضًا بعبارة "نعمة الرب يسوع المسيح معكم" (1كو 16: 23).. وهكذا في باقي الرسائل. هذه النعمة لا تقودك فقط إلى صلاح نفسك، إنما تساعد أيضًا في الخدمة لأجل صلاح الآخرين. وهكذا يقول القديس بولس الرسول "ولكن بنعمة الله، أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو 15: 10). فلا تنس كل هذه الإمكانيات، وتقول طريق الصلاح صعب. حقًا إن الباب الموصل إلى الملكوت هو باب ضيق (مت 7: 14) "وبضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22). ولكن نعمة الله قادرة أن توصلنا إلى كمال الحياة مع الله. كما قال القديس بولس الرسول إلى رعاة كنيسة أفسس "والآن استودعكم يا أخوتي لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثا مع جميع القديسين" (أع 20: 32). * الرب يسوع المسيح نفسه معنا، يعيننا في طريقه. إنه يقول "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20). ومادام يقول "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). إذن اطلب منه القوة لكي تكون إنسانًا صالحًا. قل له "توبني فأتوب" (أر 31: 18). ألم يقل: اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم" (مت 7: 7). * أيضًا من أجل قيادتنا إلى الصلاح، أوجد الله فينا الضمير. الضمير صوت من الله فينا: يحكم ويشرع، يوبخ ويؤنب، ويقود إلى الخير، ويمنعنا من الخطأ. وإن استنار الضمير بالروح القدس الذي فيك، فإنه يكون مرشدًا قويًا إلى الصلاح، ورادعًا عن الشر. هذا إذا أطاع الإنسان ضميره.. ومن أجل الصلاح أيضًا، أعطانا الرب الوصايا. هذه التي يقول عنها داود النبي "وصية الرب مضيئة، تنير العينين عن بعد" (مز 19) "وَتُصَيِّر الجاهل حكيمًا"، وأيضًا "سراج لرجلي كلامك، ونور لسبيلي" (مز 119: 105). فالذي يحرص على أن يسلك في طريق الصلاح، عليه أن يتمسك بكلمة الله التي تهديه. كما قال الله ليشوع بن نون "لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك. بل تلهج فيها نهارًا وليلًا، لكي تتحفظ للعمل بكل ما هو مكتوب فيه. لأنك حينئذ تصلح طريقك، وحينئذ تفلح" (يش 1: 8). وهكذا يقول الرسول "لأن كل الكتاب موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملًا، متأهبًا لكل عمل صالح" (2 تي 3: 16، 17). * ومن أجل الصلاح، أرسل لنا الله الأنبياء والرعاة والمرشدين. أرسل، أعطاهم خدمة المصالحة لكي ينادوا أن اصطلحوا مع الله (2كو 5: 18، 20). وقال لنا "أطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم" (عب 13: 17). وأعطانا الله الآباء الروحيين، الرعاة والكهنة كل هؤلاء لقيادتنا إلى الصلاح.. * ومن أجل أن نشتاق إلى هذا الصلاح، قدم لنا وعودًا جميلة. "مَنْ يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة"، "أن يأكل من المن المخفي"، "مَنْ يغلب فسأعطيه اسمًا جديدًا"، "ويلبس ثيابًا بيضاء، ويجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 2، 3). وأيضًا وعدنا بما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر" (كو 2: 9). * فإن لم ينفع معنا كل ما ذكرناه، أوجد الله العقوبة. ذلك لأن هناك نوعًا من الناس لا يقودهم إلى الصلاح، إلا الخوف. على الأقل في بداية الطريق. كما قيل "بدء الحكمة مخافة الله" (أم 9: 10). وكما قال الرسول "ارحموا البعض مميزين. وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار.." (يه 22: 23). والعقوبة موجودة من بدء خلق الإنسان، منذ خطيئة آدم وحواء (تك 3). وله أمثلة كثيرة في العهد القديم. وفي العهد الجديد أيضًا مثلما حدث في خطية حنانيا وسفيرة الذي قيل بعد معاقبتهما "فصار خوف على جميع الكنيسة وعلى جميع الذين سمعوا بذلك" (أع 5: 11). مثل معاقبة بولس الرسول لخاطئ كورنثوس (1كو 5: 5). ليس انتقامًا وإنما "لكي تخلص الروح في يوم الرب". نشكر الله أنه لم يأخذنا، ونحن في ساعة غفلة، في خطايانا. وإنما سمح أن نحيا حتى هذه اللحظة، معطيًا لنا فرصة حتى نتوب ونسلك في حياة صالحة كما ينبغي، ولا نقع تحت دينونة.. هوذا الرسول يقول "لا دينونة على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو 8: 1). والسلوك حسب الروح هو الصلاح. أما السلوك حسب الجسد فهو الفساد. ذلك يقول الرسول أيضًا: "الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضًا. لأن من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل 6: 7، 8). هذا هو إذن ثمر الروح: صلاح هنا. وحياة أبدية في العالم الآخر. لأن ملكوت السموات لا يدخله إلا الصالحون. أورشليم السمائية لن يدخلها دنس ولا رجس (رؤ 21: 27). |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث الإيمان: الذي يحيا حياة روحية، لابد أن يتصف بالإيمان.. فقد ورد في الكتاب أن من ثمر الروح: الإيمان (غل 5: 23). كما ذكر الإيمان أيضًا ضمن مواهب الروح القدس (1كو 12: 9). ولسنا نقصد هنا الإيمان بمعناه السطحي أو النظري. فالإيمان بمعناه الروحي يشمل الحياة كلها، كما سنرى.. هذا هو الإيمان العملي. أما الإيمان النظري، فيشبه إيمان الشياطين، كما قيل "أنت تؤمن أن الله واحد. حسنًا تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرون" (يع 2: 19). يؤمنون بوجود الله، ويقاومونه. لهذا فإنهم يقشعرون منه.. هناك إيمان في العقيدة، وإيمان في ممارسات الحياة العملية.. أشخاص يظنون أنهم مؤمنون، لمجرد أنهم يتلون قانون الإيمان في الكنيسة. وقد تكون حياتهم بعيدة كل البعد عن الإيمان!!.. إنما الإيمان الحقيقي، هو الذي يظهر واضحًا في حياتنا العملية، في ممارستنا، في علاقاتنا بالله والناس.. هذا هو الإيمان العملي.. فالإنسان يظهر إيمانه في أعماله. كما يقول الكتاب "وأنا أريك بأعمالي إيماني" (يع 2: 18). ولذلك قيل في الكتاب أكثر مرة "الإيمان بدون أعمال ميت" (يع 2: 17، 20). المطلوب إذن هو الإيمان الحي المثمر: إن كان إيمانك حيًا، فلابد أن تظهر ثماره في حياتك. "لأن كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تقطع وتلقى في النار" (لو 3: 9). هكذا يقول الرسول "لا الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة" (غل 5: 6). والمحبة عبارة عن برنامج روحي طويل، يضم فضائل عديدة ذكرها في (1كو 13). فكيف يظهر الإيمان وثمره في حياتنا العملية؟ هذا موضوع طويل، يدخل في تفاصيل تفاصيل حياتنا حتى يشمل حياتنا كلها. وكيف ذلك؟ هذا ما نود الآن شرحه، سواء من جهة مشاعر قلوبنا، أو من جهة علاقاتنا مع الله والناس. ولنضرب لذلك أمثلة: * إن كنت تؤمن أن الله كل مكان ويراك ويسمعك، لا يمكن أن تخطئ. لأنك سوف تستحي وتخجل من الله الذي يراك وأنت في حالة الخطية. بل تستحي أيضًا من الملائكة الذين يرونك ومن أرواح القديسين، كما تستحي أن تفعل الخطية أمام البشر الذين يرونك على الأرض.. فعدم خجلك يدل على أن إيمانك بوجود الله ورؤيته لك أثناء الخطية، هو إيمان ضعيف، أو غير موجود.. عكس ذلك يوسف الصديق الذي رفض أن يخطئ قائلًا: كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟! (تك 39:9). * أيضًا الذي يؤمن بالله ورعايته وقوته العاملة، لا يخاف فالخوف هو دليل على ضعف الإيمان.. لذلك فإن بطرس الرسول، لما خاف من الأمواج ووقع في الماء قال له الرب "يا قليل الإيمان، لماذا شككت" (مت 14: 31). وجيحزي كان خائفًا من قوات العدو المحيطة بالمدينة. أما معلمنا أليشع النبي فكان يرى أجناد الرب التي تدافع عنها، لذلك صلى من أجله قائلًا "افتح يا رب عينى الغلام فيرى.." (2 مل 6: 17). نعم، بالإيمان يرى، وليس فقط بالعيان.. فيطمئن أن الذين معنا أكثر من الذين علينا. هذا الإيمان الذي لا يخاف، قال عنه داود النبي في مزمور الراعي "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز 22 [23]). وقال في مزمور آخر "تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز 16: 8). نعم، إن آمنت أن الرب معك فلن تخاف. وإن آمنت أنه أمامك في كل حين وأنه عن يمينك، فلا تتزعزع. بل تقول مع المرتل "إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام عليَّ قتالٌ، ففي ذلك أنا مطمئن" (مز 27: 3). إن كثيرين -لعدم إيمانهم- ليسوا فقط يخافون، بل يصل بهم القلق والاضطراب إلى حد اليأس. * أما المؤمن فإنه يثق أن قوة الله معه، ويثق بقول الكتاب: "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر 8: 24). حقًا إن هذه عبارة عجيبة ومعزية. أننا نؤمن أن الله هو الذي "يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر" (أي 42: 1). أما إن كل شيء مستطاع للمؤمن، فهذا أمر عميق ومذهل، يعطينا فكرة عن قوة الإيمان وفاعليته، ويذكرنا بقول القديس بولس الرسول: "استطيع كل شيء، في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13). إذن الإيمان هو قوة. وهو يقوى الإنسان باستمرار، فلا يخاف ولا يضطرب ولا يقلق ولا ييأس. ومصدر قوته هو الله الذي يقويه. لذلك يقول المرتل في المزمور "قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصًا" (مز 117: 14). * ولهذا فإن الإيمان يصحبه السلام أيضًا: السلام الداخلى والسلام مع الله. وهكذا يقول الرسول "إذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلام مع الله" (رو 5: 1). لنا سلام مع الله، إذ نؤمن أن الرب قد حمل كل خطايانا على الصليب، وأننا "متبررون الآن بدمه"، "وقد صولحنا مع الله بموت ابنه" (رو 5: 9، 10). لأن "الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم" (2كو 5: 19). * وبهذا الإيمان وهذا السلام، يكون لنا الفرح. لذلك فالمؤمنون دائمًا فرحون، فرحون لأنهم يؤمنون برعاية الرب لهم، ولأنهم يؤمنون أن هذا الله الذي يرعاهم هو قادر على كل شيء، وأنه أب حنون: في احتياجهم يعطى، وفي توبتهم يغفر، وفي حمايتهم يقدر ويخلص.. حتى إن أصابتهم ضيقة، وبدأ من الخارج أنهم في كرب، يقولون مع الرسول "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" (2كو 6: 10). وهكذا يقول الرسول لهؤلاء المؤمنين "افرحوا في الرب كل حين، أقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4). ألا يبدو أن ثمار الروح مترابطة، الفرح والسلام والإيمان.. * إن الإيمان ضد الشك. فالمؤمن لا يشك. والشك يدل على ضعف الإيمان. والرب قد ربط بين الأمرين حينما قال للقديس بطرس "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟!" (مت 14: 31). ما أكثر ما يقع البعض في الشك، لضعف إيمانهم!! قد يصلون، ويخيل إليهم أن الله لم يستجب صلاتهم، أو تباطأ في الاستجابة.. فيشكون. وقد يدركهم الشك في محبة الله وفي رحمته، إن وقعوا في ضيقة، أو في مرض أو في مشكلة أو مات أحد الذين يحبونه! وقد يقع إنسان في شك من جهة العقيدة، إن قرأ كتابًا أو مقالًا ضد الإيمان، وكان هو ضعيفًا في إيمانه! لذلك فالإيمان الحقيقي، هو إيمان ثابت لا يتزعزع. إيمان في كل وقت، وكل حين، مهما كانت الظروف، ومهما صادقة الضيقات أو المتاعب.. أنظروا ماذا يقول الرسول المختبر: "كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو 15: 58). فلنتذكر هذه العبارة ونضعها أمامنا باستمرار: كونوا راسخين غير متزعزعين.. لا نؤمن فقط بالله، إنما بعمل الله فينا ومعنا. نؤمن أن الله دائمًا يعمل. وأنه يعمل معنا كأفراد وجماعات. يعمل الكنيسة ومع المجتمع ومع العالم كله. ويعمل لخيرنا. وفي ذلك نؤمن بيد الله في الأحداث. وأن "كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله" (رو 8: 28). وهذا الإيمان يمنحنا سلامًا واطمئنانًا. ومع ذلك، فالإيمان على درجات. ليست درجة الإيمان واحدة عند كل الناس. ولا درجة الإيمان واحدة عند نفس الشخص في كافة مراحل حياته فقد يقوى حينًا، ويضعف في حين آخر. وإيمان المبتدئين غير إيمان الكاملين. إن أب الرجل المصروع من الشيطان، لما سأله الرب عن إيمانه أجاب: "أؤمن يا سيد، أعِن عدم إيماني" (مر 9: 24). وهناك إيمان قوي يصنع المعجزات. وإيمان كامل قال عنه الرسول: إن كان لك كل لإيمان حتى تنقل الجبال.. (1كو 13: 2).. على أن الإيمان كأية فضيلة يمكن أن ينمو وأن يقوى.. إن بطرس الرسول الذي ضعف إيمانه أمام جارية أثناء محاكمة المسيح (مت 26: 70). عاد فقوى إيمانه بعد حلول الروح القدس. وقال بكل شجاعة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). لقد عرف الرسول الإيمان بأنه الثقة بما يرجى، والإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 1). فنحن نؤمن بوجود الله، والله لا يرى ونؤمن أيضًا بوجود الأرواح وكلها كائنات لا ترى بعيوننا المجردة. وهذا هو الفرق بين الإيمان والعيان.. كذلك نحن نؤمن بالنعم غير المنظورة التي ننالها من خلال أسرار الكنيسة المقدسة، وكلها أمور لا ترى. ومع ذلك نحن نوقن بذلك كل الإيقان. على أن للإيمان علامات تظهره وتدل عليه. فالمؤمن إنسان بعيد عن الكبرياء والتعالي. الآن الذي بوجود الله، لا يستطيع أن يسلك في كبرياء أمام الله، بل يدرك يقينًا أنه مجرد تراب ورماد (تك 18: 27). ومن هنا كان خشوع المؤمن في صلاته. وكذلك ما في الصلاة من ركوع وسجود، وما يسميه القديسون "الزِّي الحسن في الصلاة" حيث يقف وكأنه أمام عمود من نار. وهكذا نقول في القداس الإلهي "قفوا بخوف أمام الله، وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس"، "اسجدوا لله بخوف ورعدة".. أما الذي يقف متخاذلًا متكاسلًا في صلاته، يلتفت أثناءها هنا وهناك، أو يسرح في أمور عديدة، فهذا يدل على أنه غير مؤمن أنه واقف أمام الله.. كذلك هناك فرق بين صلاة بإيمان، وصلاة بغير إيمان. المؤمن يثق تمامًا أن صلاته قد وصلت إلى الله، وأن الله قد سمعها وأنه سوف يستجيب. ويؤمن أن الله لابد سيعمل. وهكذا نرى أن داود النبي تبدأ بعض مزاميره بالطلب، بينما تنتهي بعبارات الاستجابة. فنراه مثلًا يختم المزمور السادس بعبارات يقول فيها "ابعدوا عنى يا جميع فاعلي الإثم. لأن الرب قد سمع صوتي بكائي. الرب سمع تضرعي. الرب لصلاتي قبل" (مز 6) نقط أخرى نقولها في علامات الإيمان ودلالاته: أنت تؤمن أن الله هو الحق، كما يقول "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). فهل تؤمن بالحق ما دُمت تؤمن بالله؟ إن كنت تؤمن بالحق، لأنك تؤمن بالله الذي هو الحق، فهل تسلك في الحق، وهل تدافع عن الحق. إن السلوك في الباطل هو لون من ضعف الإيمان بالله لأن البعد عن الحق هو البعد عن الله. كذلك الذي يؤمن بأن الله هو النور (يو 8: 13). فهل تؤمن بالنور، أم تسلك في الظلمة؟! كيف في الظلمة بينما أنت تؤمن بالنور؟! والرب يقول "أنا هو نور العالم. من يتبعني، فلا يسلك في الظلمة" (يو 8: 13). كذلك إن كنت تؤمن بالأبدية، فلابد أن تستعد لها. وما دمت تستعد، فلا يمكن أن تشتهى الأمور التي في هذا العالم، لأن "محبة العالم عداوة لله" كما يقول الكتاب (يع 4: 4). "أن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب" (1يو 2: 15). إذن فالذي يسلك في محبة العالم وشهواته، ليس هو مؤمناَ بالحقيقة. وإلا كان متناقضًا مع نفسه. كذلك إن كنت تؤمن بأن جسدك هو هيكل الله، فهل من المعقول أن تنجسه وتدنسه؟! يقول الرسول "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي هو أنتم" (1كو 3: 16، 17) ويقول أيضًا "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم" (1كو 6: 19). إذن فالذي يفسد جسده، لا يؤمن أن جسده هو هيكل الله. ولا يؤمن أن الروح القدس ساكن فيه. وبنفس المنطق مَنْ يفسد جسد مؤمنة هي أيضًا هيكل للروح القدس. من هنا نرى أن كلمة الإيمان لها معنى كبير واسع، يشمل الحياة كلها. لهذا يقول الرسول: "اختبروا أنفسكم هل أنت في الإيمان. امتحنوا أنفسكم" (2كو 13: 5). ومن الوسائل التي يختبر بها الإيمان الضيقة: فهناك أشخاص يضعف إيمانهم أو يضيع في الضيقة. بينما غيرهم يثبتون في الإيمان على الرغم من الضيقات. مثال ذلك القديسون الشهداء والمعترفون الذين تعرضوا لكل ألوان التعذيب ولكنهم ثبتوا في إيمانهم، وتعرضوا للإيذاء وللتهديد وظلوا ثابتين في إيمانهم. وكما يُخْتَبَر الإيمان في الضيقة، كذلك يُخْتَبَر بالشكوك. فالذين وضعوا أرجلهم في البحر الأحمر وعبروا، ما كان عندهم شك، بينما المياه والأمواج كانت تحيطهم من الجانبين (خر 14). الإيمان القوي ينتصر على كل الشكوك التي تحاربه. وهكذا فإن الكنيسة القوية اجتازت فترات الهرطقات الشديدة خلال القرنين الرابع والخامس للميلاد. فحرمت الهرطقات وخرجت منها بإيمان سليم. نرجو من الرب أن يثبتنا في الإيمان الذي ينبع من أرواح قوية، تنتصر في كل حروب الإيمان. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث تطويب الوداعة * ما أجمل الوداعة. إنها من ثمار الروح (غل 5: 23). وقد جعلها الرب في مقدمة التطويبات، فقال: "طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض" (مت 5: 5). وقد فسر بعض الآباء عبارة "يرثون الأرض" هنا، بأن المقصود بها أرض الأحياء، كما ورد في المزمور "وأنا أؤمن أن أعاين خيرات الرب في أرض الأحياء" (مز 27: 13).. كما أنه يمكن أن يضاف إلى ذلك أرضنا الحالية. لأن الشخص الوديع يكون غالبًا محبوبًا من الجميع على هذه الأرض أيضًا. فيكسب الأرض هنا، وأرض الأحياء هناك. * ومن أهمية الوداعة، أن الرب دعانا أن نتعلمها منه، فقال: "تعلموا منى، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). كان يمكن أن يدعونا لأن نتعلم منه الكرازة والتعليم والخدمة، والحب، والرحمة، والحكمة في التصرف.. بل كل فضيلة كمال، إذ تتمثَّل فيه كل الكمالات والفضائل. ولكنه ركز على الوداعة والتواضع، وقال لمن يتعلمونها "فتجدون راحة لنفوسكم". ألا يدل هذا على أهمية خاصة للوداعة في حياة الناس..؟ ومن أهمية الوداعة، أن الكنيسة تضعها أمامنا في بدء صلوات النهار. فتضع أمامنا في بدء صلوات باكر، في مقدمتها قبل المزامير، جزءًا من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس، يقول فيها "أطلب إليكم أنا الأسير في الرب، أن تسلكوا كما يليق بالدعوة التي دُعيتم إليها: بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة محتملين بعضكم بعضًا بالمحبة.." (أف 4: 1، 2). إذن هي في مقدمة السلوك الروحي المسيحي، ومن النصين السابقين نرى ارتباط الوداعة بالتواضع. * وقد اهتم الآباء الرسل بالحديث عن الوداعة في المعاملات: فقال القديس بولس الرسول "أيها الأخوة، إن انسبق إنسان فأخذ في زلة، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضًا.." (غل 6: 1) وقال القديس يعقوب الرسول "من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة.." (يع 3: 13). وشرح كيف أن هذه الوداعة الحكيمة تكون بعيدة عن التحريف والتشويش، وعن الغيرة المرة وكل أمر رديء. والقديس بطرس الرسول عندما تحدث عن الزينة، ذكر "زينة الروح الوديع الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بط 3: 4). وقال القديس بطرس أيضًا "مستعدين في كل حين، لإجابة كل من يسألكم عن سر الرجاء الذي فيكم، بوداعة وخوف" (1بط 3: 15) * وقد كانت الوداعة هي سمة المسيحيين منذ البدء. حتى أنه كما قيل عن تاريخ الكنيسة في العصر الرسولي في القرن الأول: إنه حينما كان أحد الوثنيين يقابل زميلًا له، ويجده وديعًا بشوشًا هادئًا، يقول له "لعلك قابلت مسيحيًا في الطريق". ويقصد بذلك إن لقاءه مع أحد المسيحيين في وداعته، كان بالتأثير يطبع الوداعة على وجهه. * ولعل من أهمية الوداعة، مدح الكتاب للودعاء: حيث يقال في المزامير "يسمع الودعاء فيفرحون" (مز 34: 2). وأيضًا "أما الودعاء فيرثون الأرض، ويتلذذون في كثرة السلامة" (مز 37:11). وقد قيل كذلك "الرب يرفع الودعاء، ويذل الخطاة إلى الأرض" (مز 147: 6) "يدرب الودعاء في الحق، ويعلم الودعاء طرقه" (مز25: 9). إن عرفنا كل هذا المديح للوداعة والودعاء، فليتنا نتأمل معًا: ما هي الوداعة؟؟ وما هي صفات الشخص الوديع |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث صفات الوديع الإنسان الوديع هو الإنسان الطيب المسالم. وكثير من الناس يستخدمون صفة (الطيب) بدلًا من صفة (الوديع). وهو بهذا يكون إنسانًا هادئًا بعيدًا عن العنف. هو إنسان هادئ في كل شيء. الوديع هادئ في طبعه، هادئ الأعصاب، هادئ الألفاظ، هادئ الملامح،، هادئ الحركات. الهدوء يشمله كله داخليًا وخارجيًا. فهو هادئ في قلبه ومشاعره، وهو هادئ في تعامله مع الآخرين.. هو إنسان حليم. كما قيل عن موسى النبي "وكان الرجل موسى حليمًا جدًا، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). وهدوء الوديع يكون في صوته أيضًا. فهو يبعد عن الصوت العالي، وعن الصوت الحاد. لا يكون شديد الألفاظ ولا شديد اللهجة. وقد قيل عن إلهنا الوديع، حينما قابل إيليا النبي، أثناء هرب إيليا من الملكة الظالمة إيزابل: هبت عاصفة شديدة، ولم يكن الرب في العاصفة. ثم زلزلة، ولم يكن الرب في الزلزلة. ثم نار، ولم يكن الرب في النار. ثم إذا "صوت منخفض خفيف" (1 مل 19: 11-13)، وكان الرب يتكلم. فقال له "مالك ههنا يا إيليًا؟" هذا الصوت المنخفض الخفيف هو بعض ما يتصف به الوديع. * ولذلك قيل عن السيد المسيح في وداعته: "لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ" (مت 12: 19، 20). هكذا يكون الوديع، بعيدًا عن الصخب والضوضاء. لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته.. حينما يتكلم يتصف كلامه بالهدوء واللطف، كأنما قد اختار كل ألفاظه، بكل دماثة وأدب. لا يجرح بها شعور أحد، مهما كانت صفته. حتى إن كان أمام "فتيلة مدخنة" لا يطفئها.. ربما تمر عليها ريح فتشعلها.. يعمل كل ذلك: لا عن ضعف، وإنما عن لطف. يذكرني هذا بقصيدة أنشدتها في الأرشيدياكون حبيب جرجس، في يوم الأربعين لوفاته سنة 1951 قلت فيها: يا قويا ليس في طبعه عنف.:. ووديعًا ليس في ذاته ضعف يا حكيمًا أدب الناس وفي.:. زجره حب، وفي صوته عطف لك أسلوب نزيه طاهر.:. ولسان أبيض الألفاظ عف لم تنل بالذم مخلوقًا ولم.:. تذكر السوء إذا ما حل وصف إنما بالحب والتشجيع قد.:. تصلح الأعوج، والأكدر يصفو الإنسان الوديع بعيد عن العنف وعن الغضب. هو إنسان هادئ، لا يثور ولا يثار. لا يغضب بسرعة ولا ببطء. ولا ينفعل الانفعالات الشديدة، ولا تغلبه النرفزة (العصبية)، لأنه باستمرار هادئ، في أعصابه وفي ملامحه، التي تتصف بالطيبة والبشاشة. إنه لا ينتقم لنفسه. ولا يحل مشاكله بالعنف. بل إن أساء أحد إليه، يقابل ذلك بالاحتمال والصبر. انظروا كيف قيل عن السيد المسيح أثناء محاكمته وقيادته للصلب: كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها. فلم يفتح فاه" (أش 53: 7). وكما قال بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة: نشتم فنبارك. نضطهد فنحتمل. يفترى علينا فنعظ" (1كو 4: 12، 13). الإنسان الوديع لا يقيم نفسه رقيبًا على الناس. لا يقيم نفسه قاضيًا، ولا يتدخل في أعمال غيره. لا يعطى نفسه سلطة مراقبة الآخرين والحكم على أعمالهم. لا يدين أحدًا، ولا يحكم على أحد. وإن اضطرته الضرورة إلى الحكم، لا يقسو في أحكامه. وقد يغلبه الحياء، فلا يرفع بصره ليملأ عينيه من وجه إنسان. لا يفحص ملامح شخص، ليحكم منها على مشاعره ماذا تكون.. أو ما مدى صدقه في كلامه. إن حورب بذلك يقول لنفسه "وأنا مالي. خليني في حالي". هو بطبيعته الوديعة لا يميل إلى فحص أعمال الناس. وإن تدخل في الإصلاح بهدوء ووداعة ورقة. حسبما قال الرسول ".. أصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا" (غل 6: 1). * وهكذا فعل السيد المسيح في وداعته مع المرأة السامرية (يو 4). لم يجرح شعورها بكلمة واحدة، ولم يبكتها. بل اجتذبها إلى الاعتراف في وداعة ولطف. ووجد فيها شيئًا يمتدحه "حسنًا قلت إنه ليس لك زوج.. هذا قلت بالصدق" (يو 4:17: 18). وبهذه الوداعة أمكنه أن يجتذبها إلى التوبة، وإلى الإيمان أنه المسيح، وتبشير أهل مدينتها بذلك" (يو 4: 29). وفي وداعة أيضًا تصرف مع المرأة الخاطئة المضبوطة في ذات الفعل. لم يبكتها. بل أنقذها من الذين أرادوا رجمها. فلما انصرفوا قال لها "أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟.. ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا" (يو 8: 10، 11). * وبنفس الوداعة عاتب بعد القيامة تلميذه بطرس. ذلك الذي أنكره ثلاث مرات، وحلف ولعن وقال لا أعرف الرجل (مت 26: 74).. فقال له الرب ثلاث مرات: أتحبني أكثر من هؤلاء؟.. ومعها ثلاث مرات ثبته في عمل الرعاية، بقوله له: ارع غنمي.. أرع خرافي" (يو 21: 15 –17). وبنفس الوداعة، قابل نيقوديموس ليلًا. ولم يوبخه على "خوفه من اليهود".. بل أتاه ليلًا حتى لا ينكشف أمره لهم.. وبهذه الوداعة التي تنازل بها إلى ضعفه.. اقتاده فيما بعد إلى أن يجاهر بالاشتراك في تكفين المسيح بعد صلبه. الإنسان الوديع سهل التعامل مع الناس. يستطيع كل شخص أن يأخذ معه ويعطي. إنه سهل في نقاشه وحواره. لا يحتد ولا يشتد. ولا يستاء من عبارة معينة يقولها محاوره. فيشعر المتناقش معه براحة مهما كان معارضًا له. يعرف أنه سوف لا يغضب عليه، وسوف لا يحاسبه على ما يقول. ولعل أفضل الأمثلة على ذلك: حوار الرب -في وداعته- مع إبراهيم، ومع موسى: * من فرط وداعته استطاع أبونا إبراهيم أن يناقشه في موضوع حرق سدوم، ويقول له "أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟ أتهلك البار مع الأثيم؟ عسى أن يكون في المدينة خمسون بارًا.. حاشًا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم حاشا لك" (تك 18: 23 – 25). ويصبر الرب على هذه العبارات، ولا يعاتبه. بل يقول له في وداعته "إن وجدت في سدوم خمسين بارًا، فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم". ويستمر معه في الحوار حتى يصل العدد إلى عشرة. * وبنفس الوداعة، لما عبد الشعب العجل الذهبي وأراد الله أن يفنيهم، سمح لموسى أن يقول له: أرجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك.. لماذا يقولون أخرجهم بخبث (من أرض مصر) ليفنيهم في الجبال ويهلكهم؟" (خر 32: 11، 12). سمح الله لموسى أن يتكلم هكذا. وفي وداعة استجاب لطلبته ولم يفنهم. مَنْ منا يحتمل من أحد خدامه أن يقول له: ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر؟ ولكنه الله الوديع.. الإنسان الوديع حليم، واسع الصدر، طويل البال. كما وُصِفَ بذلك موسى النبي (عد 12: 3). حتى أنه حينما تَقَوَّلَت عليه أخته مريم ووبَّخها الله وعاتبها، تشفَّع فيها موسى وهو في موقف المُسَاء إليه منها "وصرخ إلى الرب قائلًا: اللهم اشفها" (عد 12: 13). ومن الأمثلة الجميلة أيضًا أن ما قيل عن سليمان الحكيم أن الرب منحه رحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر (1 مل 4: 29). والوديع إنسان بشوش، لا يعبس في وجه أحد. له ابتسامه حلوة محببة إلى الناس، وملامح سمحة مريحة لكل من يتأملها. لا تسمح له طبيعته الهادئة أن يزجر أو يوبخ أو يحتد ويشتد. أو أن يغير صوته في زجر إنسان. ومهما عومل، لا يتذمر ولا يتضجر ولا يشكو. بل غالبًا ما يتلمس العذر لغيره، يبرر في ذهن مسلكه، ولا يظن فيه سوءًا، وكأن شيئًا لم يحدث. فلا يتحدث عن إساءة الناس إليه. ولا يحزن بسبب ذلك في قلبه. فإن تأثر لذلك أو غضب، سرعان ما يزول ذلك، ولا يتحول حزنه أو غضبه إلى حقد.. بل سرعان ما يصفو.. الوديع يتميز بأنه بطئ الغضب. كما قال معلمنا الرسول "ليكن كل إنسان مسرعًا إلى الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع 1: 19). وما أكثر ما قيل عن إلهنا الوديع إنه "بطيء الغضب" (يون 4: 2)، وإنه "طويل الروح، وكثير الرحمة، (مز 103: 8). كذلك فإن الوديع، لا يغضب لأي سبب. إذا غضب الوديع، فاعرف أنه لا بُد من أمر خطير دعاه إلى ذلك. وغالبًا ما يكون غضبه لأجل الرب، ليس لأجل نفسه، أو بسبب كرامته أو حقوقه كما يفعل غير الودعاء. وإذا انفعل لا يشتعِل. والوديع إنسان مسالم، لا ينتقم لنفسه. لا يقاوم الشر، كما أمر الرب (مت 5: 39). أي لا يقابل الشر بمثله، وإنما هو كثير الاحتمال. لا يدافع عن نفسه، بل غالبًا ما يدافع عنه غيره موبخين من يسئ إليه بقولهم "ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب لتسئ إليه"؟! الإنسان الوديع لا يؤذى أحدًا، ويحتمل الأذى من المخطئين. وله سلام في داخله، فلا ينزعج ولا يضطرب. كل المشاكل الخارجية لا تعكر صفوه الداخلى، قال مارإسحق: "سهل عليك أن تحرك جبلًا من موضعه. وليس سهلًا عليك أن تثير إنسانًا وديعًا". وهو لا يصطنع الهدوء. إنما كما خارجه، هكذا داخله أيضًا. إنه كصخرة أو جندل في نهر. مهما صدمت الأمواج تلك الصخرة، تبقى كما هي لا تتزعزع. كثيرًا ما نرى الودعاء يصبرون ولا يدافعون عن حقوقهم. ومن أمثله ذلك داود النبي، الذي قيل عنه في المزمور "اذكر يا رب داود وكل دعته" (مز 132: 1).. لقد مسحه صموئيل النبي ملكًا (1صم 16: 13). ثم ذهب إلى الرامة، ولم يسلمه من الملك شيئًا! وبقى داود ملكًا بلا مملكة، وعاد يرعى الغنيمات القليلات في البرية. ثم اختير ليخدم الملك شاول الذي كان عليه روح نجس: يعزف له على العود لكي يهدأ.. ثم حسده شاول واضطهده اضطهادًا شديدًا. وكان يطارده من برية إلى أخرى لكي يقتله. كل ذلك وداود الوديع صابر ويحتمل. ولم يطالب خلال ذلك بحقوقه كملك ممسوح. ولم يتذمر. ولم يقل يومًا لصموئيل النبي: أين تلك المسحة التي مسحتني بها؟ وأين الملك الذي أعطيتني إياه.. وبقى على هذه الحال حوالي 15 سنة، حتى مات شاول. الوديع بعيد عن المجادلة والمحارنة. كما قال الكتاب "افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مُجادلة" (في 2: 14). يقصد بالمجادلة هنا: (المقاوحة في الكلام) أو المحارنة.. ذلك لأن الوديع لا يجاهد لكي يقيم كلمته، ولكن ينتصر في المناقشات. إنما يبدى رأيه ويثبته، وليقبله من يشاء متى يشاء، دون أن يدخل في صراع جدلي أو في حرب كلامية. فهذا ضد هدوئه. الوديع لا يوجد في تفكير خبث ولا دهاء ولا تعقيد. لا يقول شيئًا، وفي نيته شيء آخر. بل الذي في قلبه، على لسانه. وما يقوله لسانه، إنما يعبر عن حقيقة ما في قلبه. ليس عنده التواء. ولا يدبر خططًا في الخفاء. هو إنسان واضح، يتميز بالصراحة. يمكن لمن يتعامل معه أن يطمئن إليه. إنه بسيط لا حويط، ولا غويط.. إنه يمر على الحياة، كما يمر النسيم الهادئ على السطح الماء. لا يحدث في الأرض عاصفة ولا زوبعة، ولا يحدث في البحر أمواجًا ولا دوامات. ولا يحب أن يحيا في جو فيه زوابع ودومات. إن كل ذلك لا يتفق مع طبعه، ولا مع هدوئه، ولا مع لطفه. ولا مع أسلوبه في الحياة. لذلك فإن كل من يعاشره، يلتذ بعشرته. فهو طيب هادئ لا تصطدم بأحد، ولا يزاحم غيره في طريق الحياة. وإن صادف مشاكل، فإنه يمررها، ولا يدعها تمرره. هناك نوعان من الودعاء. أحدهما ولد هكذا. والثاني اكتسب الوداعة بجهاد وتداريب، وبعمل النعمة فيه. من النوع الأول، القديس بولس البسيط. ومن النوع الثاني: القديس موسى الأسود، الذي كان في بدء حياته قاسيًا وعنيفًا، بل قاتلًا أيضًا. وعندما أتى إلى الدير للتوبة، حافة الرهبان أولًا. ولكنه بدأ يدرب نفسه، حتى تحول إلى إنسان وديع طيب، محب للأخوة، خدومًا ومضيافًا. وصار مرشدًا لكثيرين. على أنه في حديثنا عن الوداعة، لا يفوتنا أن ننسى ما يعطلها. أحيانًا تقف ضدها الرئاسة والسلطة. فما أن يصير البعض رئيسًا، ويمارس الأمر والنهي، والتحقيق والمعاقبة، ومراقبة الآخرين وتصريف أمورهم. حتى يفقد وداعته، ويرى في الحزم والعزم والحسم، ما يبرر له العنف أحيانًا، ويفقده وداعته وبساطته. ولكن مغبوط هو الذي يحتفظ بالوداعة فيما يمارس عمل السلطة. كذلك مَنْ يكون عمله هو حِفْظ النظام. وقد يجد نفسه في بعض الأوقات أمام جماعة من المشاغبين، أو من الذين تمنعهم كبرياؤهم من الخضوع لأي نظام. كيف يسلك مع هؤلاء؟.. طبعًا هناك من يحفظ النظام في رِقَّة ولطف. وهناك من يستخدم العنف في حفظه. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
البابا شنودة الثالث الوداعة هى الطيبة واللطف والهدوء ولكن المشكلة هى أن البعض قد يفهم الوداعة فهما خاطئاً وكأن الوديع يبقى بلا شخصية ولا فاعلية، وكأنه جثة هامدة لا تتحرك" بل قد يصبح مثل هذا الوديع هزأة يلهو بها الناس" ويتحول هذا ( الوديع )إلى إنسان خامل، لا يتدخل في شيء كلا، فهذا فهم خاطيء للوداعة، لا يتفق مع تعليم الكتاب، ولا مع سير الآباء والانبياء... حقاً إن الانسان الوديع هو شخص طيب وهادىء. ولكن هذه هى أنصاف الحقائق النصف الاخر من الحقيقة أن الوداعة لا تتعارض مع الشهامة والشجاعة والنخوة. وإنما لكل شىء تحت السموات وقت (جا 1:3 نعم، هكذا قال الكتاب وقال أيضاً. للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت.. للسكوت وقت، وللتكلم وقت.." المهم أن يعرف الوديع كيف يتصرف ومتى؟ لقد سئل القديس الأنبا أنطونيوس عن أهم الفضائل: هل هى الصلاة.. الصوم، الصمت.. ألخ . فأجاب عن أهم فضيلة هى الأفراز. أى الحكمة فى التصرف. أو تمييز ما ينبغى أن يفعل فالطيبة هى الطبع السائد عند الوديع، ولكن عندما يدعوه الموقف إلى الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق. فلا يجوز له أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة لأنه لو فعل ذلك وامتنع عن التحرك نحو الموقف الشجاع لاتكون وداعته وداعة حقيقية، إنما تصير رخاوة فى الطبع وعدم فهم للوداعة . وعدم فهم للروحانية بصفة عامة فالروحانية ليست تمسكا بفضيلة واحدة تلغى معها باقى الفضائل. إنما الروحانية هى كل الفضائل معاً متجانسة ومتعاونة فى جو من التكامل وأمامنا مثلنا الأعلى السيد المسيح له المجد كان وديعا ومتواضع القلب (مت 29:11) قصبة مرضوضة لايقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفىء(مت 20:12).. ومع ذلك فإنه لما رأى اليهود قد دنسوا الهيكل وهم يبيعون فيه ويشترون.. أخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام. وقال لهم مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.(مت 21:12،13) (يو14:2-16) أكان ممكنا للسيد المسيح ? بأسم الوداعة ? أن يتركهم يجعلون بيت الاب بيت تجارة أم أنه مزج الوداعة بالغيرة المقدسة كما فعل؟ فتذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتنى(يو2:16،17)0 وكما قام المسيح الوديع بتطهير الهيكل هكذا وبخ الكتبة والفريسيين.. حقا لكل أمر تحت السموات وقت.. للهدوء وقت.. وللغيرة وقت.. للسكوت وقت.. وللتعليم وقت. وقد كان الكتبة والفريسيون يضلون الناس بتعليمهم الخاطىء. فكان على المعلم الأعظم أن يكشفهم للناس ولا يبقيهم جالسين على كرسى موسى فى المجتمع المسيحى الجديد. فقال لهم ويل أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.(مت 13:23)0 هل كان ممكنا باسم الوداعة أن يتركهم يغلقون أبواب الملكوت.؟ الوداعة فضيلة عظيمة ولكننا نراها هنا ترتبط بالغيرة المقدسة وترتبط بالشهادة للحق. ومثالنا هو المسيح نفسه قول الله على لسان أرميا النبى فى العهد القديم طوفوا فى شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا فى ساحاتها: هل تجدون انساناً أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق، فأصفح عنها.(أر 5:1) وقال الرب لتلاميذه،.. تكونوا لى شهودا، (اع 1:8) فهل الوداعة تمنع الشهادة للحق؟! حاشا. أمامنا بولس الرسول كمثال: نرى ذلك فى موقفه من القديس بطرس لما سلك فى الأكل مع الأمم مسلكا رآه بولس الرسول مسلكا ريائيا.. فقال القديس بولس فىذلك، قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً..وقلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودى تعيش أممياً لا يهوديا. فلماذا تلزم الامم أن يتهودوا؟!(غل11:2-14)0 فعل هذا بولس الوديع الذى فى توبيخه لأهل كورنثوس قال لهم أطلب اليكم ? بوداعة المسيح وحلمه- أنا نفسى بولس الذى هو فى الحضرة ذليل بينكم وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم.(2كو1:10). هذا الوديع الذى يقف أمام أبنائه الروحيين كذليل فى حضرتهم معتبرا توبيخة لهم تجاسرا عليهم!!..هذا نفسه يرى وقت الضرورة أن يوبخ بطرس الرسول الذى هو أقدم منه فى الرسولية وأكبر منه سناً ولكنه هنا يمزج الوداعة بالشهادة للحق ففضيلة الوداعة لا يجوز لها أن تعطل الفضائل الاخرى، أمامنا مثل آخر هو إبرام (ابراهيم) أبو الآباء فى مزج الوداعة بالشهامة والنخوة لاشك أن أبا الآباء إبراهيم كان وديعا هذا الذى سجد لبنى حث حينما أخذ منهم أرضاً ليدفن فيها سارة. مع إنهم كانوا يبجلونه قائلين. أنت يا سيدى رئيس من الله بيننا فى أفضل قبورنا أدفن ميتك.(تك23:6،7). ومع ذلك سجد لهم إبراهيم الوديع هذا لما أخبروه بسبى لوط ضمن سبى سادوم فى حرب أربعة ملوك ضد خمسة، يقول الكتاب فلما سمع ابرام أن أخاه (لوط) قد سبى، جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاثمائة وثمانية عشر: وتبعهم إلى دان... وكسرهم وتبعهم إلى حوبة.. واسترجع كل الأملاك. واسترجع لوط اخاه أيضاً واملاكه والنساء أيضاً والشعب.(تك14:14-16). أكانت شهامة ابراهيم ونخوته. ضد وداعته وطيبته؟! حاشا أمامنا مثل آخر فى امتزاج الوداعة بالشجاعة والقوة وهو الصبى داود، فى محاربته لجليات الجبار لاشك أن داود كان وديعا، يقول عنه المزمور..أذكر يا رب داود وكل دعته.(مز 1:132)... داود راعى الغنم الهادىء صاحب المزمار. الذى يحسن الضرب على العود (اصم16:16-22). داود المنظر، الأشقر مع حلاوة العينيين (اصم16:22). داود هذا لما ذهب إلى ميدان الحرب يتفقد سلامة إخوته، وسمع جليات الجبار يغير الجيش كله ويتحداه .والكل ساكت وخائف.. تملكته الغيرة المقدسة. وبكل شجاعة وقوة وإيمان قال، لا يسقط قلب أحد بسببه.(اصم17:31). وتطوع أن يذهب ليحاربه وتقدم نحوه وقال له اليوم حبسك الرب فى يدى..(اصم17:46) هنا الوداعة ممزوجة بالقوة والشجاعة والإيمان.. وعلى الرغم من قوة داود وشجاعته فلم تفارقه وداعته بل قال لشاول الملك فيما بعد لما طارده، وراء من خرج ملك اسرائيل؟ وراء من أنت مطارد؟ وراء كلب ميت! وراء برغوث واحد!! (اصم24:14)0 نضرب مثلا آخر للإنسان الوديع الذى يغضب غضبة مقدسة للرب وينهر ويوبخ... هو موسى النبى لا يستطيع أحد أن ينكر وداعة موسى النبى. هذا الذى قال عنه الكتاب وكان الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض(عد 12:3) فماذا فعل موسى الوديع لما نزل من الجبل ووجد الشعب فى رقص وغناء حول العجل الذهبى الذى صنعوه وعبدوه؟ يقول الكتاب، فحمى غضب موسى وطرح اللوحين (لوحى الشريعة) من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل. ثم أخذ العجل الذى صنعوه واحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعما، وذراه على وجه الماء..(خر 32:19،20). ووبخ موسى هارون أخاه رئيس الكهنة، حتى ارتبك أمامه هارون وخاف. وقال له لا يحم غضب سيدى. أنت تعرف الشعب أنه شر وقال فى خوفه وارتباكه عن الذهب الذى جمعه من الناس، طرحته فى النار فخرج هذا العجل!!(خر 32:22،24)0 إذن الوداعة لا تمنع قوة الشخصية ولا قوة التأثير، كان السيد المسيح وديعاً وفى نفس الوقت كان قوى الشخصية وكان قوياً فى تأثيره على غيره ولكننى أريد هنا أن أضرب مثلاً فى مستوى البشر وهو القديس بولس الرسول، بولس الذى شرحنا من قبل وداعته يقول سفر أعمال الرسل عن القديس بولس وهو أسير: وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون. إرتعب فيلكس (الوالى). وأجاب أما الآن فأذهب ومتى حصلت على وقت استدعيك،(أع24:24،25)0 ولما وقف بولس الرسول- وهو أسير أيضاً- أمام اغريباس الملك قال له أيضاً بعد أن ترافع أمامه أتؤمن أيها الملك اغريباس بالأنبياء؟ أنا أعلم إنك تؤمن ، فقال أغريباس لبولس: بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً(أع 26:27،28). وحينئذ فى قوة وعزة أجاب القديس بولس كنت أصلى إلى الله أنه بقليل وبكثير- ليس أنت فقط ? بل أيضاً جميع الذين يسمعوننى اليوم يصيرون هكذا كما أنا ماخلا هذه القيود (أع 26:29).. أترى تتعارص الوداعة مع هذه القوة؟! كلا بلا شك ووقت الضرورة، لاتتنافى الوداعة مع الدفاع عن الحق ويتضح هذا الامر من قصة بولس الرسول مع الأمير كلوديوس ليسياس. لما أمر أن يفحصوه بضربات ليعلم لاى سبب كان اليهود يصرخون عليه. يقول الكتاب مدوه بالسياط، قال بولس لقائد المئة الواقف أيجوز لكم أن تجلدوا رجلاً رومانياً غير مقضى عليه؟! وإذ سمع القائد هذا أخبر الامين، الذى جاء واستخبر من بولس عن الأمر وحينئذ تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يجلدوه واختشى الأمير لما علم إنه رومانى(اع 22:24-29) ما كان القديس بولس الرسول يهرب من الجلد فهو الذى قال "من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة ألا واحدة (2كو11:24). لكنه هنا دافع عن حق معين واظهر للأمير خطأ كان مزمعاً أن يقع فيه وما كان هذا يتنافى مع وداعة القديس بولس وبنفس الوضع لما اراد فستوس الوالى أن يسلمه لليهود ليحاكم أمامهم وبهذا يقدم منه (أى جميلا) لهم فقال له بولس فى حزم- مدافعا عن حقه- أنا واقف لدى كرسى ولاية قيصر حيث ينبغى أن أحاكم أنا، لم أظلم اليهود بشىء.. فليس أ حد يستطيع أن يسلمنى لهم. إلى قيصر أنا رافع دعواى فأجابه الوالى. إلى قيصر رفعت دعواك إلى قيصر تذهب.(أع 25:9-12)0 لم يكم القديس بولس خائفا من اليهود ولكنه- فى حكمة- طلب هذا ليذهب إلى رومية ? حيث يوجد قيصر ? ويبشر هناك لأن الرب كان قد تراءى له قبل ذلك وقال له ثق يابولس لأنك كما شهدت بما لى فى أورشليم هكذا ينبغى أن تشهد فى رومية أيضاً(أع 23:11). وهكذا دافع عن حقه فى وداعة وحكمة ودون أن يخطىء فى شىء بل تكلم كلاماً قانونياً الوداعة لا تمنع من أن تنبه خاطئاً لكى تنقذه من خطأ أو من خطر كما قال يهوذا الرسول غير الاسخريوطى خلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار(يه23)0 هل إن رأيت صديقاً أو قريباً على وشك أن يتزوج زواجاً غير قانونى من قرابة ممنوعة أو بعد طلاق غير كنسى أو بتغيير المذهب والملة أو إنه مزعم أن يتزوج زواجاً مدنيا أو عرفياً... أو ماشاكل ذلك .. هل تمتنع باسم الوداعة عن تنبيهه إلى أن ما ينوى عمله هو وضع خاطىء؟! كلا بل إن من واجبك أن تنصحه.. ولكن بإسلوب هادىء تنبهه ولكن فى غير كبرياء وفى غير تجريح أما أن تسكت فإن سكوتك سيكون هو الوضع الخاطىء ليست الوداعة أن تعيش كجثة هامدة فى المجتمع بل تتحرك وتكون لك شخصيتك، إنما فى أسلوب وديع... ولو بكلمة واحدة كقول المعمدان لا يحل لك (مت 4:14)0 أمامنا أيضا مثال القديس بولس الرسول اسهروا متذكرين إنى ثلاث سنين ليلاً ونهاراً لم افتر عن أن انذر بدموع كل واحد،(اع 31:20) .. وداعته لم تمنعه من أن ينذر كل واحد، لكن أيلوبه الوديع، هو أنه كان ينذر بدموع حتى إن اضطر أن يقول كلمة شديدة لقد اعتاد الناس على عدم سماع كلمة شديدة من إنسان وديع فإن سمعوه يوما يقول كلمة شديدة سيدركون داخل انفسهم أنه لابد أن سببا شديداً قد ألجأه إلى هذا. ويكون للكلمة وقعها وتأثيرها فى أنفسهم هل تظنون أن الوديع قد أعفى من قول الرب لتلاميذه "أو تكونون لى شهوداً(أع 1:8). كلا بلا شك فحينما يلزم الأمر أن يشهد للحق لابد أن يفعل ذلك هل إذا أتيحت فرصة له لكى ينقذ شخصاً معتدى عليه ألا يفعل ذلك بأسم الوداعة؟ هل من المعقول أن يقول وما شأنى بذلك؟! أو يقول وأنا مالى خلينى فى حالى!! أم فى شهامة ينقذه وبإسلوب وديع؟! كما انقذ السيد المسيح من الرجم المرأة المضبوطة فى ذات الفعل وقال للراغبين فى رجمها من كان منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر(يو7:8). وفعل ذلك بوداعة دون أن يعلن خطاياهم. بل كان يكتب على الأرض لعل البعض يسأل هنا : هل يمكن للوديع أن يدين أحد؟ وهل هناك أمثلة فى الكتاب لذلك؟ أمامنا السيد المسيح(الوديع المتواضع القلب) {مت 29:11} هذا الذى كان يقول لم يرسل الاب ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص العالم(يو3:17). وقد قال اليهود أنتم حسب الجسد تدينون أما أنا فلست ادين أحد (يو8:15) . ومع ذلك أكمل بعدها ، وأن كنت أنا أدين فدينونتى حق ، يسوع المسيح هذا الذى قال للمرأة المضبوطة فى ذات الفعل ولا أنا أدينك (يو8:11). هو فى مناسبات عديدة، أدان كثيرين.. مثلما أدان الكتبة والفريسيين (مت 23). وأدان كهنة اليهود(مت 21:13) قائلاً لهم، أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تصنع اثماره، وادان تلميذه بطرس لما أ خطأ وقال له من جهة الصليب حاشاك يارب (مت 16:23) كذلك فإن القديس بولس الرسول قال لتلميذه تيموثاوس، الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكى يكون عند الباقين خوف (اتى5:20), فإن قلت هذا هو المسيح يدين وذاك رسول وذاك أسقف أقول هناك مواقف يجد فيها الوديع نفسه مضطرا لآن يتكلم ولا يستطيع أن يصمت مثلما فعل اليهو فى قصة أيوب الصديق واصحابه كان هو الرابع من أصحاب أيوب وقد ظل صامتاً طوال 28 اصحاحا من النقاش بين أيوب الصديق وأصحابه الثلاثة إلى أن صمت هؤلاء إذ وجدوا أيوب باراً فى عينى نفسه (أى 32:1) وحينئذ يقول الكتاب، فحمى غضب اليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام على أيوب حمى غضبه لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى اصحابه الثلاثة حمى غضبه لأنهم لم يجدوا كلاماً واستذنبوا أيوب.(أى32:2،3). كان اليهو انسانا وديعا ظل صامتاً مدة طويلة فى نقاش بين اشخاص، أكثر منه أياماً ولكنه أخيراً لم يستطيع أن يصمت ورأى أنه لابد من كلمة حق ينبغى أن تقال فقال لهم أنا صغير فى الأيام وأنتم شيوخ لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى قلت الأيام تتكلم وكثرة السنين تظهر حكمة ولما لم يجد فيهم حكمة تكلم ووبخ أيوب . وكانت كلمة الله على فمه وهو الوحيد ألذى لم يجادله أيوب (أى32إلى37)0 هناك أشخاص من حقهم ? بل من واجبهم- أن يدينوا ولا تتعارض ادانتهم مع الوداعة مثل الوالدين، والآب الروحى والمدرس بالنسبة إلى التلاميذ، والرئيس بالنسبة لأى مرؤوسيه.. إن عالى الكاهن أدانه الله لأنه لم يحسن تربية أولاده ويدينهم(أصم3)0 هوذا الكتاب يقول لا تخالطوا الزناه،(اكو6:9). فهل تقول أنا لا أدين هؤلاء، إن عدم مخالطتهم وعدم مخالطة مجموعات أخرى من الخطاة (كو6:11). تحمل ضمنا ادانتهم كذلك بالنسبة إلى المنحرفين فى التعليم الدينى يقول الرسول إن كان أحد يأتيكم ولا يجىء بهذا التعليم فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام لان من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة (2يو10،11). فهل باسم الوداعة تقبل هؤلاء؟ قال الرسول خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلى القضاء (اتى5:24). أنت لا تدينهم. وأنت بكل وداعة تبتعد عنهم فقال لهم " ويل أيها الكتبة والفريسيون المراؤن لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس. فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون.(مت 23:13) |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
هذه العفة الداخلية، يبنى عليها كل تعفف من الخارج. وفي هذا قال الكتاب "فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة" (أم 4: 23). عفة القلب هي عفة المشاعر والعواطف والأحاسيس، وعفة المقاصد والنيات والرغبات.. ومن عِفة القلب تصدر عفة الفكر، وعفة اللسان، كما تصدر أيضًا عفة الحواس. فكلها خارجة من مصدر واحد. لذلك إن وجدت فكرك قد بدأ يسير في مجرى غير عفيف، أسرع وقاومه، وأوقفه قبل أن يتطور إلى أجهزتك الآخرى. وهكذا يعبر الفكر عن ذاته، عن طريق اللسان أو الحواس أو العمل. عفة الفكر والقلب تتعلق أيضًا بعفة العقل الباطن. فالعقل الباطن يعمل عن طريق المخزون فيه من أفكار، ومن رغبات وصور ومشاعر.. فإن كان المخزون في العقل الباطن غير عفيف، حينئذ يظهر ذلك في أحلام غير عفيفة، وفي ظنون وأفكار من نفس النوع. مثلمًا قيل في سفر التكوين عن الشجر الذي ينتج بذرًا كجنسه (تك 1: 11، 12). فليحرص كل إنسان إذن على عفة قلبه وفكره، بما يدخل فيهما من روحيات، ومن محبة للخير وللعفة، حتى يصبحان مصدرًا لكل من عفة اللسان، وعفة الحواس وعفة الجسد |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث عفة الجسد عفة الجسد هي بعده عن كل شهوة جسدية رديئة، أو كل شهوة تتعلق بمحبة هذا العالم المادي. وقد تعرَّض القديس يوحنا الرسول لهذا الأمر، فقال في رسالته الأولى "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.. لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العين، تعظم المعيشة.." (1يو 2: 15، 16). وشهوة الجسد تشمل الزنى بكل أنواعه. كما تشمل محبة الراحة والبطنة. وتشمل أنواعًا كثيرة مما يشتهيها الجسد، ولكن أخطرها الزنى. والإنسان العفيف يبذل كل جهده للبعد عن شهوات الجسد.. فهو لا يشتهى، ولا يثير الشهوة في غيره.. وإن حورب بإغراء ضد عفة الجسد، يحارب ذلك بكل قوته.. يحارب عدم العفة بقلب طاهر، وبإرادة قوية، ولا يسلم سلاحه أبدًا. ما أعظم قول بولس الرسول للعبرانيين موبخًا "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مقاومين ضد الخطية" (عب 12: 4).. مقاومة صادقة، مهما كانت الظروف الخارجية ضاغطة.. القلب العفيف هو العامل الأساسي في عفة الجسد. ومثالنا هو يوسف الصديق، الذي كانت الخطية تضغط عليه من الخارج، وتلح عليه كل يوم، ومن سيدته التي كان لها سلطان عليه، وتستطيع أن تؤذيه إذا رفض. ولكنه احتفظ بعفة جسده، بسبب عفة قلبه، وبسبب أنه كان يضع الله أمامه في كل ما يفعل. وبسبب مبادئه الروحية التي كانت تؤمن بالعفة. فقال: كيف افعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟!" (تك 39: 9، 10). إذن العفة لا تتوقف على الوسط الخارجي، إنما على حالة القلب الداخلية ومدى عفة القلب. لقد نجح يوسف الصديق، ولم يكن قد ارتبط بعد بزواج يحصنه من الخطية، ولم ينجح داود الملك الذي كانت له سبع زوجات وقتما حاربته إغراء الخطية. والسبب كان هو حالة القلب الداخلية: هل هو قلب عفيف يتسامى ويعلو فوق الإغراء، مثل قلب يوسف العفيف.. أم هو قلب ضعيف من الداخل. تأتيه حروب الخطية في وقت يكون فيه محبًا لها وغير متمسك بالعفة، كما حدث مع داود. عفة الجسد أيضًا ترتبط بالحشمة وعفة الملبس. وعفة الملبس بالنسبة إلى المرأة تتعلق أحيانًا بكشف جسدها بطريقة غير عفيفة: إما بملابس فيها لون من العرى الجسدي يكشف أجزاء من جسدها، أو بملابس ضاغطة، أو بملابس شفافة. وكلها تؤدى إلى نفس النتيجة، تكون معثرة. وقد تبرر المرأة هذا بأنه إظهار لأنوثتها. وفي الواقع إنه إظهار لعدم عفتها. مهما حاولت أن تدعى بأن هذه هي الموضع السائدة. لأنه لا يصح أن تسود الموضة على الروح. أو تكون وصايا مصممي الموضة أهم من وصايا الله.. والمرأة المحتشمة لا تقبل مطلقًا أي زى جديد يتنافى مع الحشمة، أو يسبب عثرة لأحد. وإن فعلت هذا في أي مكان، لا يجوز مطلقا أن تدخل إلى الكنيسة بزى غير محتشم، وبخاصة في وقت التناول من الأسرار المقدسة. وقد تتنافى مع العفة أيضًا ألوان من الزينة والمساحيق. ومعروف ما قاله القديس بطرس الرسول عن الزينة الجسدية. وقد فضل عليها "زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بط 3: 4) نحن لا ننكر على المرأة أن تتجمَّل. ولكن يُسْمَح لها بذلك في حدود التَجَمُّل غير المُعْثِر.. وقد يتفق مع التعفف أيضًا أسلوب المشي والحركة ونوعية الصوت. فالمفروض أن تشمل العفة كل أسلوب حياتها، وأن تبعد عن كل تصرف يثير مشاعر خاطئة بالنسبة إلى غيرها.. لعل المرأة تقول إن الرجل الذي يثار هو إنسان ضعيف ليس عفيفًا كما ينبغي.. وربما يكون هذا صحيحًا. ولكن عليها أن تراعى ضعف الضعفاء، فلا تعثرهم. وقد قال القديس بولس الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا" (رو 15: 1) نحن مطالبون ليس فقط بعفة أنفسنا وإنما بالعمل على عفة غيرنا، فلا يفقدون عفتهم بسببنا. وقد جاء الحديث عن العثرة. وقال السيد الرب في ذلك "ويل لذلك الإنسان الذي به تأتى العثرة" (مت 18: 7) "خير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر، من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار" (لو 17: 1، 2) فعلى المرأة -كما على الرجل أيضًا- مراعاة عفة العنصر الآخر، فلا يكون سببًا لمحاربته في عفته المرأة بجمالها وأنوثتها. والرجل بإغرائه وعواطفه ووعوده.. وكذلك بالصداقة والألفة، التي تبدأ أولًا بريئة، أو تبدو بريئة، ثم تنتهي إلى عكس ما بدأت به.. وعفة الجسد ينبغي أن تحفظ حتى في غرفة الإنسان الخاصة. سواء في طريق جلوس الإنسان أو طريقة نومه، أو في حشمته بصفة عامة. فالذي يحتفظ بحشمته في غرفته الخاصة، سوف يحتفظ بنفس الأسلوب العفيف حينما يغادر غرفته ويختلط بالناس. أما الذي يسلك بغير عفة مسكنه، لا شك أن عدم العفة سوف تتعبه أينما ذهب.. التعود لازم، ويبدأ مع الذات. حتى في العلاقات الزوجية، ينبغي أن تحفظ العفة. وفي هذا يقول القديس بولس "ليكن الزواج مكرمًا عند كل أحد، والمضجع غير دنس. أما العاهرون والزناة، فسيدينهم الله" (عب 13: 4). إن الحلال مقبول. لكن لا يصل إلى التسيب، الذي قد يتنافى أحيانًا مع العفة. وهذا ما قصده الرسول بأن يكون المضجع غير دنس. عفة الجسد تقودنا إلى الحديث عن عفة الحواس. ونعنى بها بوجه خاص عفة النظر والسمع واللمس. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث عفة النظر عفة النظر تكون في البعد عن كل نظرة شهوانية. ولعل هذا ما قصده القديس يوحنا بعبارة "شهوة العين" (1يو 2: 16). وهذا أيضًا ما قصده أيوب الصديق حينما قال "عهدًا قطعت لعيني. فكيف أتطلَّع في عذراء؟!" (أي 31: 1). بل هذا ما قاله الرب "إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه". إذن عدم عفة القلب تؤدى إلى عدم عفة النظر. الإنسان العفيف تكون نظرته إلى أية امرأة، هي نظرة عفيفة لا خطيئة فيها. ولكن يبدأ عدم العفة حينما يتلوث القلب من الداخل. هذا هو الذي حديث مع امرأة فوطيفار. يقول الكتاب إنها "رفعت عينيها إلى يوسف" (تك 39: 7). إنها بلا شك كانت تراه كل يوم. ولكنها في ذلك الوقت بدأت تنظر غليه بطريقة أخرى، بقلب دخلته الشهوة. حدث مثل ذلك وبمعنى آخر، مع أمنا حواء بالنسبة إلى شجرة معرفة الخير والشر. كانت الشجرة في وسط الجنة (تك 3: 3). ولا شك أن حواء كانت تمر عليها كل يوم وتراها، ولكن بقلب عفيف لا يشتهيها. إذن فمتى بدأت المشكلة؟ بدأت حينما تغير قلب حواء من الداخل بإغراء الحية التي قالت لها "لن تموتًا.. تصيران مثل الله، تنفتح أعينكما" (تك 3: 4، 5).. حينئذ "رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر" (تك 3: 6). من أين أتت هذه الشهوة نحو الشجرة؟ أتت من تغير القلب من الداخل.. الإنسان العفيف ينظر بغير شهوة، بل في استحياء.. ليس في الأمور الجنسية وحدها، بل أيضًا من جهة نظرة الاحترام نحو مَنْ هو أكبر منه. فلا يجرؤ أن الابن ينظر إلى أبيه بغير حشمة، بل في توقير شديد. وقد لا يجرؤ أن يرفع عينيه إليه، أو أن ينظر نظرة تحد.. قيل عن القديس الأنبا بيجيمي أنه عاش 18 سنة مع شيوخ قديسين في الدير، لم يجرؤ خلال ذلك أن يرفع بصره ليملأ عينيه من واحد منهم. هناك نظرات أخرى غير متعففة (من نوع آخر). مثل النظرات المتجسسة الفاحِصَة، التي تريد أن تسبر غور مَنْ أمامها وتفحص دواخِله وتعرف أسراره، أو تؤثر عليه. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث عفة الأذن الأذن العفيفة هي التي لا تتصنت على غيرها. أما التي تتسمع لتعرف أسرارًا ليس من حقها أن تعرفها، فهي إذن ليست عفيفة.. إنها تسرق أخبارًا، تدخل إلى خصوصيات الناس بغير حق. ولا يمكن أن يفعل هذا إنسان مهذب.. كذلك فإن الأذن التي تلتذ بسماع أحاديث شهوانية. أو بسماع فكاهات أو أغان جنسية، هي أذن غير عفيفة.. بل تصرفها هذا نسميه (زنى الآذان). أيضًا من الآذان غير العفيفة، الأذن التي تلتذ وتستمتع بسماع مذمة الغير، أو أخبار عن سقوط أو فشل من تعاديهم. فهذا نوع من الشماتة، لا يتفق مع العفة. وقد قال الكتاب في ذلك لا تفرح بسقوط عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر. لئلا يرى الرب ويسوء ذلك في عينيه، (أم 24: 17، 18). إن هذا بلا شك لون من الشماتة. والأذن التي تلذ لها الشماتة، ليست أذنًا عفيفة. |
رد: كتاب ثمر الروح - البابا شنوده الثالث
https://upload.chjoy.com/uploads/164760366131232.jpg البابا شنودة الثالث عفة اليد اليد العفيفة لا تمتد إلى ما لغيرها، لا بسرقة أو نشل، ولا بأي لون من اغتصاب حقوق الغير. كذلك لا تعتبر يدًا عفيفة التي تفرح بربح غير جائز. قال عنه الكتاب "طامع بالربح القبيح" (1تى 3: 3). ويدخل في هذا الأمر: الربا الذي يفرضه الرابي على الفقراء المحتاجين. احتكار بعض التجار سلعًا معينة في السوق، أو فرض أسعار عالية مجحفة بمن يشترى. فتمتلئ أيدي كل هؤلاء من مال أخذوه من تعب الناس واحتياجهم. وكما قلت عن ذلك في إحدى القصائد: خطفوه من فم الجوعان بل.:. من رضيع لم يوفوه فطاما ومن عفة اليد أيضًا العفة في الطلب. حيث يستحي الإنسان العفيف أن يَمِد يده. وإذا أُعْطِيَ قد يستحي أيضًا أن يأخذ. بينما الإنسان غير العفيف قد يُطالِب ما لا يستحقه، وكأنه حق قد سلبه مِنهُ مَنْ يُعْطِي. وحينما يُعْطَى قد يستقِل ما يأخذه، فيرجعه أو يطلب بأكثر. من أمثلة هؤلاء من يطالب الله بحقوق!! وكالابن الضال الذي طلب من أبيه نصيبه في الميراث (لو 15). |
الساعة الآن 12:53 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025