منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=75120)

magdy-f 26 - 08 - 2012 01:48 PM

الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 

الدليل المبسط
في
علم آباء الكنيسة

القمص تادرس يعقوب ملطي

http://mazika2day.com/images/images/...9100623524.jpg

كنيسة الشهيد مار جرجس باسبورتنج

علم الباترولوچي
"علم آباء الكنيسة"


يبحث علم الباترولوچي في حياة آباء الكنيسة الأولى وأقوالهم وكتاباتهم وأفكارهم اللاهوتيّة والروحيّة والمسكونيّة الخ. فإن كان المسيحيّون اليوم يشتاقون نحو التعرّف على إيمان الكنيسة الأولى الجامعة، وإدراك روحها وفكرها، فإن هذا هو عمل علم الباترولوچى، لأن قصّة الآباء هي قصّة حياة الكنيسة الأولى من كل جوانبها: التعبّديّة والكرازيّة والرعويّة والاجتماعيّة؛ قصّة الكنيسة الحيّة التي تحتضن بالحب الإلهي أولادها، وتواجه العالم الوثني لتدخل به إلى دائرة حب اللَّه بالإيمان، كما تواجه الهراطقة وأصحاب الانقسامات لا لتحطيمهم بل لتحطيم ما هو شر فيهم، فنقتنيهم أبناءً لها، بفكرٍ إنجيلي عملي.

الكتاب الأول

حول علم الآباء

v مفهوم علم الباترولوچي.

v تاريخ علم الباترولوچى.

v لغة الآباء ونصوص كتاباتهم.

v تصنيف كتابات الآباء.

v الخط العام للتراث الآبائي.


مفهوم علم الباترولوچي

موضوع علم الباترولوچي

كلمة "Patrologia" مأخوذة من الكلمة اللاتينيّة Pater، أي "أب"، فعلم الباترولوچي هو العلم الذي يبحث في حياة الآباء الأولين وأعمالهم (أقوالهم وكتاباتهم) وأفكارهم[1]. دراسة سيرة الآباء أو حياتهم أمر حيوي، يسندنا في تفهّم شخصياتهم ومعرفة الظروف المحيطة بهم، والتي من خلالها سجّلوا لنا كتاباتهم[2]. أما أعمالهم سواء كانت أقوالهم أو كتاباتهم أو رسائلهم، فهي جزء لا يتجزّأ من تاريخ حياتهم. أما الجانب الرئيسي في هذا العلم، فهو الكشف عن فكر الآباء وعقائدهم وتعاليمهم، بالدخول إلى روح الآباء والتعرّف على النقاط التي ركّز عليها كل أب، ودراسة آرائه على ضوء الصراعات المعاصرة له. يلزم دراسة تعاليم كل أب وشروحاته وتعليقاته على ضوء صوت الكنيسة الجامعة، بكونه عضوًا في الجسد الواحد.

يلقَّب إبراهيم وإسحق ويعقوب بطاركة "آباء" إسرائيل[3]، وكان اللقب الرسمي للكتبة في التقليد اليهودي هو "آباء".

وفي كنيسة العهد الجديد نسمع في استشهاد القدّيس بوليكاربوس جماعات اليهود والوثنيّين يصرخون: "هذا هو أب المسيحيّين"[4]. وحين دافع القدّيس أثناسيوس عن استخدام تعبير "أمونسيوس" ذكر أن الآباء استخدموه، قاصدًا بتعبير "الآباء" القدّيسين ديونسيوس السكندري وديونسيوس الروماني وغيرهما[5].

v عندما يتعلّم إنسان من فم آخر يُقال عنه أنّه ابن ذاك الذي يعلّمه، ويُحسب الأخير أباه[6].

القدّيس إيريناؤس

v الكلام ابن النفس، لهذا ندعو الذين يعلّموننا آباء لنا... ويُحسب الذي يتعلّم في خضوع الابن[7].

القدّيس إكليمنضس السكندري

في علم الآباء لا يُحصر تعبير "آباء" على الأساقفة والكهنة والشمامسة الذين لهم تراث أدبي روحي أو لاهوتي، وإنّما يضم المدافعين عن الإيمان المسيحي في القرون الأولى، كما يضم الرهبان الذين هربوا من الكهنوت لكنّهم تلمذوا كثيرين بفكرٍ نسكيٍ إنجيليٍ.

يُشترط في الأب الآتي:

1. أن يكون له مقالات أو كتب أو رسائل أو أقوال سجّلها له أبناؤه.

2. أن يكون أرثوذكسي – مستقيم – المعتقد، يعيش بروح الكنيسة. هذا وتستفيد الكنيسة بتراث بعض الشخصيّات التي عُرفت بخصوبة إنتاجها مع ارتباطهم بالكنيسة، وإن كانوا قد سقطوا في بعض الانحرافات مثل العلاّمة ترتليان وتاتيان وأوريجينوس الخ. كما يعطي علم الباترولوچي اهتمامًا بكتابات الهراطقة أيضًا والكتب الأبوكريفا (المزوّرة) لنتفهّم جو الكنيسة الأولى، ونتعرّف كيف شهدت الكنيسة للحق بالرغم من مقاومة الهراطقة.

3. قداسة الحياة: فنحن ندرس هذا العلم من أجل التمتّع بالحياة الكنسيّة الإنجيليّة الأصيلة.

4. يضع بعض علماء الباترولوچي شرط "الزمن" بمعنى أن يكون الأب منتميًا إلى الكنيسة حتى زمن معين، حدّدها البعض بالقرن السادس وآخرون بالقرن الثامن، ويرى آخرون أن عصر الآباء ممتد مادام روح الرب يرافق الكنيسة ويعمل فيها، لهذا لا ينقطع عنها آباء قدّيسون معلّمون[8].

5. يضع الكاثوليك شرط القبول الكنسي للأب، لكننا بروح الكنيسة الأرثوذكسيّة لا تقوم الكنيسة بتقنين "اللاهوت الآبائي" في كل كلمة، ولا تقدّم فهرسًا إلزاميًا عن الآباء وتراثهم، إنّما تكتفي في مجامعها بفرز الكتابات والآراء المنحرفة إيمانيًا وتحذر منها، كما تحرم الهراطقة من شركتها حتى يرجعوا عن ضلالهم.

سلطان الآباء

يمثّل الآباء القدّيسون فكر الكنيسة الجامعة الذي تسلّمته من الرسل بفعل الروح القدس الذي يعمل بلا انقطاع في حياة الكنيسة. يتحدّث عنهم القدّيس أغسطينوس، قائلاً: [تمسّكوا بما وجدوه في الكنيسة، عملوا بما تعلّموه، وما تسلّموه من الآباء وأدعوه في أيدي الأبناء[9]] ، [من يحتقر الآباء القدّيسين ليعرف أنّه يحتقر الكنيسة كلّها[10].]

يقوم هذا السلطان على عاملين: عامل طبيعي، إذ اتّسم الآباء بالحياة القدسيّة والأمانة في استلام وديعة الإيمان الحيّ من أيدي الرسل، لذلك هم أقدر على الشهادة للحياة الكنسيّة من كل جوانبها، خاصة وأنهم يحملون الفكر الواحد، بالرغم من اختلاف الثقافات والمواهب والظروف، مع بُعد المسافات بين الكراسي الرسوليّة وصعوبة الاتصالات في ذلك الحين.

والعامل الثاني إلهي، حيث عاش الآباء منحصرين بالروح القدس، قائد الكنيسة ومرشدها إلى كل الحق، يحفظها داخل دائرة صليب المسيح.

هذا لا يعني عصمة الآباء كأفراد، وإنّما تعيش الكنيسة الجامعة ككلٍ محفوظة بروح الرب.

كيف نستخدم كتابات الآباء؟

1. لا يقدر أحد من الآباء بمفرده أن يتعرّف على "الحق" كلّه كما تعرِفه الكنيسة في كليّتها، لهذا يليق بنا ألاَّ نقبل رأي أب ما بطريقة مطلقة بغير تحفّظ، إنّما يجب أن يكون رأيه إنجيليًا يحمل روح الكتاب المقدّس ومطابقًا لفكر الكنيسة الجامعة.

2. يلزمنا ألاَّ نبتر بعض فقرات من تراث الآباء لتأكيد فكرة مسبّقة في أذهاننا.

3. دراسة معاني بعض التعبيرات التي يستخدمها الأب، إذ توجد عبارات أو كلمات كانت تحمل مفاهيم فلسفيّة أو شعبيّة في ذلك الحين.

4. يمكننا فهم بعض العبارات الصعبة الواردة في كتابات أحد الآباء بمقارنتها بما ورد في كتابات وأعمال الآباء المعاصرين له.

الالتجاء إلى تراث الآباء

اعتمد القدّيس أثناسيوس على تراث الآباء في دفاعه[11]، كما اعتمد القدّيس باسيليوس على كثير من التقاليد الكنسيّة خلال أقوال الآباء السابقين له. تزايد هذا الاتجاه، إي الالتجاء إلى أقوال الآباء السابقين، في القرن الرابع، ونما جدًا في القرن الخامس[12]. فالقدّيس كيرلس السكندري كمثال، في كتاباته إلى الرهبان المصريّين[13] دفاعًا عن لقب القدّيسة مريم ثيؤتوكوس – لتأكيد أن المولود هو كلمة اللَّه المتأنّس دون انفصال اللاهوت عن الناسوت – أشار إليهم أن يقتفوا آثار القدّيسين. وفي حديثه ضدّ نسطور[14] التجأ إلى تعليم الكنيسة المقدّسة الممتدّة في كل العالم وإلى الآباء المكرّمين أنفسهم، معلنًا أن الروح القدس تحدّث فيه. ولتدعيم حديثه عن السيّد المسيح استند إلى بعض مقتطفات آبائيّة في كتاباتهم الجدليّة[15]، قدّمها إلى مجمع أفسس[16].

اهتمام الأقباط بكتابات الآباء

كان الأقباط منذ نشأة الكنيسة على صلة وثيقة بالفكر الآبائي للكنيسة الجامعة، فقد قاموا بترجمته إلى لغة الشعب حتى في صعيد مصر، والدليل على ذلك وجود مخطوطات قبطيّة قديمة لكتابات الآباء الرسوليّين، بكر الكتابات الآبائيّة.


تاريخ علم الباترولوچى


أول من استخدم كلمة Patrologia اللاهوتي اللوثري John Gerhard من رجال القرن السابع عشر كعنوانٍ لعمله الذي نشرّه عام ١٦٥٣، إلاَّ أن فكرة نشر أقوال الآباء تمتد إلى القرون الأولى عينها، ويمكننا – إن جاز لنا ذلك – أن نقسم تاريخ علم الباترولوچي إلى عدة مراحل، وإن كانت هذه المراحل ليست محدّدة تمامًا.

١. بدء ظهور المسيحيّة

كانت أقوال الآباء في هذه الفترة تمثّل نصيبًا من التقليد الكنسي، يتقبّله كل جيل ويودعه لدى جيل آخر. وهكذا انتشرت أقوال الآباء لا لغرض دراسي ولا كهدف في ذاتّها، وإنّما كوديعة تحمل داخلها إيمان الكنيسة الحيّ.

لكن كيف حفظ هذا العصر أقوال الآباء وقام بنشرّها؟

ا. أقوال الآباء وكتاباتهم بكونها جزءًا لا يتجزّأ من وديعة الإيمان التي يتسلّمها جيل لكي يسلّمها لجيلٍ آخر بغير انحراف. ونستطيع أن نُدرك حرص آباء الكنيسة الأولى على ذلك من قول القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص: [يليق بنا أن نحفظ التقليد الذي تسلّمناه بالتتابع من الآباء ثابتًا بغير تغيّر]، وقول القدّيس كيرلس الإسكندري: [إنني محب للتعليم الصحيح، مقتفيًا آثار آبائي الروحيّة[17].]

ب. كان البعض يشغف بتسجيل عظات آبائهم، وجاءت هذه العظات كتفاسير وشروح للأسفار المقدّسة أو لعلاج مواضيع روحيّة أو عقائديّة الخ.، مثل عظات القدّيس يوحنا الذهبي الفم، وعظات القدّيس أغسطينوس .

ج. امتدّت التلمذة – خاصة في مصر – فاحتضنت الكثير من رجال الشرق والغرب. فقد وفد إلى مصر كثير من القادة يتتلمذون على أيدي متوحّدي مصر أو داخل الأديرة أو بمدرسة الإسكندريّة، ويدوّنون أقوال الآباء وسيرهم وأفكارهم ويترجمونها بلغاتهم من يونانيّة وسريانيّة ولاتينيّة.

نذكر على سبيل المثال القدّيس يوحنا كاسيان (حوالي ٣٦٠–٤٣٥م) الذي تتلمذ على آباء مصر العظام وسجّل خبراتهم في كتابين مشهورين: المناظرات Conferences مع آباء البريّة، وقد جعله بندكت كتاب القراءة اليوميّة للرهبان الخاضعين له، والمؤسّسات أو الدساتير Institutions حيث عالج قوانين الرهبنة وناقش كيفيّة نصرة الراهب في الحرب الروحيّة.

كما جاء المؤرّخ الرهباني المشهور "بالاديوس" (حوالي ٣٦٥–٤٢٥م) إلى مصر يتعرّف على حياة نساكها والتقى بالقدّيس ديديموس الضرير مدير مدرسة الإسكندريّة اللاهوتيّة أكثر من مرّة، وسجّل لنا الكثير من التراث الرهباني في كتابه "التاريخ اللوزياكي" أو "فردوس الآباء".

وسجّل لنا روفينوس Rufinus (حوالي ٣٤٥–٤١٠م) في كتابه "تاريخ الرهبنة (في مصر) هستوريا موناخوم" أحاديث عن آباء مصر الرهبان، وقد زار مصر عام ٣٧٢م والتقى بالقدّيسة ميلانيّا الكبيرة وزار رهبان البرّيّة. درس لعدة سنوات في مصر، متتلمذًا على يدي القدّيس ديديموس الضرير.

هذا وقد جذبت مدرسة الإسكندريّة الكثير من قادة الكنيسة في العالم، فجاءوا إليها أو نقلوا إليهم تراثها يتتلمذون عليه.

وبلغ شغف أوسابيوس أسقف فرسيل (بإيطاليا) بكتابات أوريجينوس أنّه لم يرى فلسفة حقيقيّة في غيرها.

د. حفظ تراث الآباء عن طريق حركات الترجمة المستمرّة خاصة من اليونانيّة إلى اللاتينيّة أو السريانيّة أو الأثيوبيّة.

هـ. خرج الكثير من الرهبان ومديرو مدرسة الإسكندريّة إلى العالم بروح الكرازة أو تأسيس أديرة في الخارج حاملين معهم بعضًا من تراثنا.





magdy-f 26 - 08 - 2012 01:48 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
٢. ظهور مؤرّخين كنسيّين

يعتبر يوسابيوس القيصري (حوالي ٢٦٠–٣٤٠م) أبًا لعلم الباترولوچي ومؤسّسًا لفكر نشر أقوال الآباء وكتاباتهم[18]، حيث أشار في كتابه "التاريخ الكنسي Ecclesiastical History" الذي نُشر عام ٣٢٦م: [هذا هو هدفي أن أكتب تقريرًا عن خلافات الرسل القدّيسين... وأن أشير إلى أولئك الذين – في كل جيل – نادوا بالكلمة الإلهيّة سواء كان شفاهًا أو كتابةً[19].]
لقد خلق هذا الكتاب "المؤرّخين الكنسيّين" في الشرق والغرب، إذ حاول كثيرون تكملة هذا العمل. نذكر منهم سقراط Socrates وسوزومين Sozomen وثيؤدرت Theodert الذين جاءت أعمالهم متقاربة إلى حدٍ ما، لكنّهم تجاهلوا الكنيسة الغربيّة اللهم إلاَّ فيما يخص علاقتها بالكنيسة الشرقيّة. وفي الغرب قام روفينوس Rufinus بترجمة يوسابيوس إلى اللاتينيّة، وأضاف إليه بعض الأحداث حتى عصر ثيؤدوسيوس الكبير عام ٣٩٢.

٣. ظهور كتاب "مشاهير الرجال"

جمعه القدّيس چيروم في السنة الرابعة عشر من حكم ثيؤدوسيوس، أي عام ٢٩٣م، لطلب ّصدّيقه Dexter. حيث أراد بعمله هذا أن يرد على صيلسس Celsus وبروفري Prophyry ويوليان Juluan وغيرهم من الوثنيّين في اتّهاماتهم المستمرّة بأن المسيحيّين قليلو الذكاء، فسجّل چيروم الكتَّاب الذين يعتزّ بهم الأدب المسيحي (حتى عام ٣٧٩م) في ١٣٥ فصلاً، حيث بدأ بالعصر الرسولي وانتهى بنفسه في السنة التي وضع فها هذا العمل، مقدّمًا في كل فصل عرضًا لسيرة الكاتب وتقييمًا لأعماله.
ويلاحظ في هذا الكتاب De Viris Illustribus:
ا. اعتمد القديس چيروم في الثمانية وسبعين فصلاً الأولى على تاريخ يوسابيوس اعتمادًا كبيرًا. وقد ردّد نفس أخطائه، ومع هذا يعتبر عمله مصدرًا أساسيًا في المؤلفّات الكنسيّة الأولى، إذ هو المصدر الوحيد الذي بين أيدينا – إلى الآن – عن بعض الكتاب القدامى مثل مارقيوس فيلكس Marcuis Felix ونوفاتيان وترتليان وغيرهم.
ب. في مقدّمته حدّد چيروم مجال عمله وهو "أولئك الذين كتبوا عن الكتاب المقدّس"، لكنّه إذ بدأ عمله شمل الكتَّاب في الأمور اللاهوتيّة.
ج. ما أن نشره حتى عبر القدّيس أغسطينوس[20] عن أسفه أن چيروم لم يفصل بين الكتَّاب الأرثوذكس والهراطقة. فقد حمل بين المؤلفين أسماء هراطقة مثل تاتيان Tatian وبريسكيليان Priscilian وBasdesanes والأريوسي المتطرف أونوميوس وفلاسفة وثنيّين مثل سينيكا Seneca ويهودًا مثل فيلون الإسكندري ويوسيفوس.
د. لم يقم چيروم بهذا العمل لأغراض علميّة بل لتحقيق أغراض عمليّة، لهذا قدّم تعريفًا مختصرًا عن بعض الكتَّاب غير المعروفين، وفي نفس الوقت جاءت كتاباته مقتضبة جدًا وتافهة بالنسبة لبعض الكتَّاب المشهورين مثل القدّيسين أثناسيوس الرسولي وباسيليوس القيصري وكبريانوس وغريغوريوس أسقف نيصص وأبيفانيوس وأمبروسيوس.
هـ. تجاهل چيروم كتابات أغسطينوس التي ظهرت في ذلك الوقت، ولعلّ سرّ هذا اختلافهما في بعض وجهات النظر.
بقي كتاب چيروم خلال أكثر من ألف عام موضع اعتبار مؤرّخي المؤلفّات المسيحيّة الأولى في الغرب، ناظرين إليه كأساس لكل دراستهم، مشتاقين إلى تكميل هذا العمل، فقد قام Prosper Aquitanus ّصدّيق أغسطينوس بتكملة عمل چيروم حتى عام ٤٤٩م. إلاَّ أن عمل چيروم بقي مقترنًا بالتكملة التي قام بها جيناديوس Gennadius، وهو كاهن مرسيليا (تنيّح عام ٤٩٦م) الذي إتبع نفس الروح في كتابته، ويلاحظ عليه:
ا. عمل ضئيل وغير منظم، فعمله ككل يعتبر أقل أهميّة من عمل چيروم.
ب. شمل عمله ٩٩ فصلاً حيث استمرّ إلى عام ٤٩٥م، خاتمًا كتابه بفصل آخر عن كتاباته هو.
ج. كان جيناديوس نصف بيلاجي، وقد ظهر ذلك في انطباعاته على وصفه وتعليقاته بصورة أو أخرى، ومع ذلك فإنّه يُعتبر رجلاً واسع الإطلاع.
قام بعد جيناديوس كثيرون يقدّمون أعمالاً تحمل ذات المنهج، نذكر منهم ايسيذورس Isidore of Serville (تنيّح عام ٦٣٦) الذي أعطى اهتمامًا خاصًا بالكتَّاب الأسبان[21]، والأسقف Ildephonsus of Toledo (تنيّح عام ٦٦7م). وفي أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر قام مؤرّخ سيَر الآباء البندكي Sigebert of Gembloux ببلچيكا بمحاولة جديدة لتقديم المؤلفّات المسيحيّة بصورة معاصرة لزمانه. وفي عام ١١٢٢م قام هونوريوس Honorius Ausgusodunum بعمل مشابه تحت اسم "الكنيسة المنيرة De Luminaribus Ecclesaie". وحوالي عام ١٤٩٤م أمدنا الأب ترثيموس John Trithemius بسير ٩٦٣م من الآباء والكتاب مع تفصيل لكتاباته، منهم من هم غير لاهوتيّين. وقد تقبّل معلوماته عن الآباء الأولين من چيروم وجيناديوس.
كان ترثيموس أبًا لدير بندكتي في Sponheim، حصل على شهرة فائقة إذ جمع مكتبة من حوالي ٢٠٠٠ مجلّدا، وكان بعض النبلاء يزوّرونه لقراءة الآباء اليونان واللاتين[22]. وقد احتضن الشماس Myraus هذا العمل وهذّبه. ثم جاء بعد ذلك الكاردينال R. Bellarmine الذي أعطى اهتمامًا خاصًا للأدب الكنسي القديم بطريقة عمليّة.
هذا عن الغرب، أمّا بالنسبة للشرق فقد قام البطريرك فوتيوس Photius بطريرك القسطنطينيّة الذي تنيّح عام ٨٩١م بعمل مماثل تحت عنوان Photil Bibliotheca يمتاز بالدقّة كما يحوي أعمال بعض المؤلفين الوثنيّين.
أما في الكنيسة القبطيّة قام بعض المؤرّخين مثل يوحنا النقيوسي وغيره، كما اهتم الأقباط بنسخ كتابات الأولين...
وفي القرن الخامس عشر قام في القسطنطينيّة نسيفورس كالستي بن كالستوس يلخص الأعمال السابقة لأسلافه ويضع تاريخًا للكنيسة منذ نشأتها حتى عام ٩١١م. استخدم كتابات يوسابيوس وأضاف سير بعض الرهبان، وقد عبر عبورًا سريعًا في حديثه عن الكنيسة اللاتينيّة بعد القرن الخامس الميلادي.

٤. مرحلة علميّة جديدة

انطلقت مرحلة جديدة في علم الباترولوچي في القرنين السادس عشر والسابع عشر بظهور أول تجمّعات للمؤلفّات الكنسيّة القديمة ونشرّها في طبعات ممتازة.
وجاء القرن التاسع عشر بفيض من الاكتشافات الجديدة في نصوص الآباء الشرقيّين، وبدأ ظهور إحساس بضرورة وجود طبعات مدروسة ومضبوطة علميًا. وقد افتتحت أكاديميات فيينّا وبرلين هذا العمل بطبع مجموعات محكمة للآباء الشرقيّين والغربيّين. كما قام الدارسون الفرنسيّون بنشر طبعات لأعظم مجموعتين للمؤلفّات المسيحيّة الكنسيّة الشرقيّة، وأنشأت كثير من جامعات الغرب كراسي خاصة بعلم الباترولوچي. وكان من ثمر هذا كلّه أنّه بدأ يظهر في كنيسة الغرب في القرن العشرين اتجاهًا لدراسة فكر الآباء ومفاهيمهم واصطلاحاته وعقائدهم.

نصيبنا في علم الباترولوچي

يتطلّع الغربيّون إلى كنيسة مصر وكرسي الإسكندريّة كينبوع حيّ يفيض على العالم المسيحي بالكثير من التراث الآبائي، نصوصًا وروحًا.
ففي أواخر العصور الوسطى وبداية العصر الحديث حمل علماء الغرب كنوز أديرتنا إلى متاحفهم وجامعاته، وصارت مادة أساسيّة في قيام علم الباترولوچي. وإلى اليوم لا تزال مخطوطات مصر وأوراق البردي المصريّة تفتح آفاقًا جديدة في علم الباترولوچي، وكما قال Quasten الأستاذ بجامعة أمريكا الكاثوليكيّة بواشنطون إنّنا نشكر مصر التي قدّمت لنا الكثير من أوراق البردي تحمل إلينا مقالات كنّا مجرّد نسمع عنها في كتابات القدّيس إيريناؤس وغيره. وقد ختم حديثه عن تاريخ علم الباترولوچي بقوله: [علاوة على هذا فإن أوراق البردي المصريّة المكتشفة حديثًا قد أعادت للدارسين أعمال آبائيّة مفقودة[23].]
يتحث الأب Jungmann في كتابه The Early Liturgy عن بركات رمال مصر في الكشف عن الليتورچيات والكتابات الآبائيّة القديمة.
بقي لنا أن ندرك أن كنيسة الإسكندريّة – حسب شهادة الغرب ذاته – لا تزال تحيا بالروح الآبائيّة الأصيلة، تستطيع أن تنتفع بالأبحاث العلميّة التي قام بها الغرب في هذا المجال، بكونها دعوة لاسترجاع الكنيسة في المسكونة كلّها إلى فكرها الأول.
ظهور "علم الباترولوچي" وانتشار كتابات الآباء ما هو في الحقيقة إلاَّ نوعًا من "الحركة الأرثوذكسيّة" في بيئة غير أرثوذكسيّة، تحتاج منا إلى الاهتمام بها والانتفاع منها بطريقة روحيّة كرازيّة.




magdy-f 26 - 08 - 2012 01:50 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
لغة الآباء ونصوص كتاباتهم
عند انتشار المسيحيّة كانت اللغة اليونانيّة هي اللغة السائدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، خلال القرون الأولى للإمبراطوريّة الرومانيّة. فقد غزت الثقافة الهيلينيّة العالم الروماني، حتى يصعب علينا أن نجد بلدًا في الغرب لم يستخدم اليونانيّة في التعامل اليومي. لهذا ننظر إلى اليونانيّة كلغة أساسيّة في كتابات الآباء.
لم يستخدم الآباء اليونانيّة الفصحى (Classical) التي كان الإغريق يستخدمونها في الكتابة والشعر وتدوين الحوادث التاريخيّة، وإنّما يستخدمون لغة دارجة (كويني Koine) والتي أصبحت من سنة ٣٠٠ ق.م. حتى سنة ٥٠٠م اللغة الرسميّة للإمبراطوريّة الرومانيّة، ولغة الكتاب المقدّس، ولغة آباء الكنيسة الأولى[24]. وهي خليط بين الأدب الأثيني الفصيح والعاميّة.
لكن اليونانيّة أبطلت في الشرق وحلّت القبطيّة والسريانيّة والأرمنيّة، كما أبطلت في الغرب وحلّ محلّها اللاتينيّة.
لغة آباء مصر

كان بعض المصريون يفضلون الكتابة باليونانيّة بجانب المصريّة (الديموطيقيّة) لأسباب كثيرة نذكر منها[25]:
1. سهولة اليونانيّة عن الديموطيقيّة.
2. كانت اليونانيّة لغة الدولة الرسميّة، هذا استلزم تدوين الوثائق بها، سواء كان كاتبها يعرف اليونانيّة، فيكتبها بنفسه، أو يجهلها فيستخدم كاتبًا لهذا الغرض.
3. من الطبيعي كان الأهالي يقتبسون الكثير من لغة الحكام، حتى في تعاملهم اليومي.
4. كانت اليونانيّة هي لغة المتعلّمين في البلاد الكبرى.
5. كانت اليونانيّة هي لغة الكنيسة والمجامع المسكونيّة.
نبتت فكرة تدوين اللغة المصريّة بحروف يونانيّة مع الاستعانة ببعض الحروف الديموطيقيّة، فخرجت اللغة القبطيّة كآخر تطورات اللغة المصريّة (الفرعونيّة)، وفي القرن الثاني قام العلاّمة بتنينوس بترجمة الكتاب المقدّس إلى القبطيّة بمساعدة تلاميذه وعلى رأسهم القدّيس إكليمنضس الإسكندري. وتُرجمت جميع المؤلفّات المصريّة إلى القبطيّة قبل القرن الخامس الميلادي.
ويلاحظ أن الأقباط لحرصهم على حفظ المعنى اللاهوتي لبعض المصطلحات استبقوها باليونانيّة حتى عند كتابتهم بالقبطيّة. ويقول Warrell أن القبطي يستنكف ترجمة المصطلحات اللاهوتيّة[26].
وإذ جاءت اللغة العربيّة بدأت تحل محل اللغة القبطيّة فقضت عليها، ثم عادت القبطيّة في الازدهار في القرن الثامن. وأخذت الكتابة القبطيّة منذ القرن الثاني عشر تظهر في نهرين بالقبطيّة والعربيّة[27]. وفي القرن السادس عشر انطفأ نور استعمالها كلغة للتكلم في الوجّه البحري، وبقيت حتى القرن السابع عشر لغة التكلم في الوجّه القبلي.
في القرن الثالث عشر صارت اللغة العربيّة هي اللغة السائدة في المؤلفّات اللاهوتيّة والكنسيّة للقبط.
يجدر بنا أن نذكر في هذا المجال أن الآباء الرهبان القبط عُرفوا بالتقوى وإنكار الذات، فمالوا إلى الحياة أكثر من تدوينها، وجاء الكثير من أقوالهم الرهبانيّة عن طريق الوافدين إليهم من الشرق والغرب بلغات متعدّدة كاليونانيّة واللاتينيّة والسريانيّة.
تصنيف كتابات الآباء
يمكن تصنيف كتابات، خاصة في القرون الخمسة الأولى، على أساس زمني، فيرى البعض أن أول مجمع مسكوني (٣٢٥م) مع تحوّل الإمبراطوريّة الرومانيّة إلى المسيحيّة يُعتبر خطًا فاصلاً بين نوعين من الآباء من جهة كتاباته وتراثهم:
1. آباء ما قبل نيقيّة، يتسم تراثهم بالبساطة الشديدة.
2. آباء ما بعد نيقيّة.
كما يمكن تقسيم كتابات الآباء على أساس اللغة التي كتبوا بها:
1. آباء يونان (شرقيّون) حيث كتب غالبيّة الآباء الشرقيّون باللغة اليونانيّة بجانب كتابات البعض بلغاتهم القوميّة كالقبطيّة والسريانيّة والأرمنيّة.
2. آباء لاتين (غربيّون).
ويقسم البعض الكتابات حسب المناطق:
1. كتابات آباء مصر، خاصة مدرسة الإسكندريّة وآباء البريّة.
2. الآباء الأنطاكيون (السريان).
3. الآباء الكبادوك.
4. الآباء اللاتين.
كل مجموعة تحمل فكرًا خاصًا واهتمامات خاصة تناسب الظروف المحيطة بها، لذا جاءت كتابات كل منها إلى حد ما لها طابعها الخاص.
أحيانًا يقوم التقسيم حسب مادة الكتابة:
1. كتابات دفاعيّة.
2. تفسير للكتاب المقدّس.
3. عظات ومقالات.
4. رسائل.
5. ليتورچيات كنسيّة.
6. كتابات شعريّة وتسابيح.
7. حوار أو ديالوج.
8. نسكيّات.
9. قوانين كنسيّة.
10. كتابات تاريخيّة.
يميل بعض الدارسين إلى وضع تقسيم يمثّل مزجًا بين التصنيفات السابقة.




magdy-f 26 - 08 - 2012 01:52 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
الخط العام للتراث الآبائي

يمكننا تقديم التراث الآبائي في مراحل خمس مسترشدين في ذلك بالتقسيم الذي اتبعه العالم كواستن QuastenJ. بشيء من التعديل:
١. بدء الأدب المسيحي الآبائي


يضم هذا القسم:
1. بدء القوانين الرسوليّة والشكل الليتورچي حيث كانت كنيسة العهد الجديد تحتاج إلى هذا النظام لتمارس حياتهما التعبّديّة ووجود دستور لسلوكها.
2. كتابات الآباء الرسوليّين في القرن الأول وبداية الثاني بكونها بدء انطلاق للتراث خلال من تتلمذوا على يديّ الرسل وسمعوهم.
3. فرزت الكنيسة الكتب الأبوكريفا عن الأناجيل وبقيّة أسفار العهد الجديد القانونيّة.
4. نظم المسيحيّون الأوائل شعرًا للتسبيح للتعبير عن مشاعر حبّهم للَّه مخلّصهم.
5. كتب بعض أبنائها سير الشهداء، فظهرت أول أعمال الشهداء.

6. ظهرت أعمال المدافعين Apologists، كما ظهرت كتابات للرد على الهرطقات.٢. كتابات ما بعد إيريناؤس إلى ما قبل مجمع نيقيّة (٣٢٥ م)

1. إذ كانت الإسكندريّة أكبر مركز هيليني فلسفي، مدرسة الإسكندريّة الفلسفيّة، التزمت الكنيسة منذ عهد القدّيس مرقس الرسول بإنشاء مدرسة مسيحيّة قادرة على مواجهة التيار الهيليني القوي، فظهرت مدرسة الإسكندريّة بآبائها الذين لمعت أسماؤهم في الشرق والغرب.
2. ظهر آباء آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين، ونشأت مدرسة أنطاكية التي تبنت التفسير الحرفي للكتاب المقدّس كمقابل لمدرسة الإسكندريّة التي عُرفت بالتفسير الرمزي، كما ظهرت مدرسة قيصريّة.
3. بدأ الأدب اللاتيني المسيحي على يدي مينوسيوس فيلكس وهيبوليتس الروماني ونوفاتيان ولرسائل أساقفة روما.
4. من الشخصيّات الأفارقة المسيحيّة ترتليان والقدّيس كبريانوس وأرنوبيوس ولاكتانتيوس.
٣. العصر الذهبي والآباء الشرقيّون


تعتبر فترة ما بين مجمع نيقيّة سنة ٣٢٥م ومجمع خلقيدون سنة ٤٥١م العصر الذهبي للكتابات الآبائيّة الشرقيّة.
1. في مصر ظهرت كتابات القدّيسين البابا الكسندروس الذي واجه أريوس المبتدع، والبابا أثناسيوس الرسولي، وسيرابيون أسقف تيمي، وديديموس الضرير، والبابا ثاوفيلس، والبابا كيرلس الكبير الخ. كما ظهرت كتابات مؤسّسي الحركة الرهبانيّة في مصر (وكتابات الذين جاءوا إلى مصر ليمارسوا الحياة الرهبانيّة ويسجّلوا أقوال آباء البريّة في مصر) مثل القدّيسين ابنا أنطونيوس الكبير وأمونيوس وباخوميوس أب الشركة وهوريسيوس وثيؤدور (تادرس) ومقاريوس المصري وأغريس من بنطس وبالاديوس واسيذوروس بالبلسم وشنودة بأتريب.
2. في آسيا الصغرى نجد يوسابيوس النيقوميدي وثيؤجنيس من نيقيّة وأوستيروس السوفسطائي ومارسيلليوس بأنقرة وباسيليوس بأنقرة.
3. ظهر آباء الكبادوك العظام مثل القدّيسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي وغريغوريوس أسقف نيصص وأمفيلوخيوس أسقف ايقونيم وأوستيروس من أماسيا.

4. في أنطاكية وسوريا أوستاثيوس الأنطاكي وأتيوس الأنطاكي وأونوميسوس من Cyzicus ويوسابيوس القيصري وجلاسيوس القيصري ويوسابيوس من أميسا.5. ظهر كيرلس الأورشليمي وأبوليناريوس من لادوكيا وأبيفانيوس أسقف سلاميس وديؤدور الطرسوسي وثيؤودور من المصيصة ويوحنا الذهبي الفم وأكاكيوس من Beroea وأنتيخوس من بتللاميس وسيفريان من جبالة ومقاريوس ماجنيس وهستخيوس الأورشليمي ونيلس من أنقرة ومرقس الناسك وبروكليس من القسطنطينيّة وباسيليوس من سيليكيا.

6. ظهر أيضًا المؤرّخون الكنسيّون مثل فيليب Philip Sidetes وسقراط وسوزومين وثيؤدورت أسقف قورش.٤. آباء الغرب في القرنين الرابع والخامس

أشهرهم القدّيسون هيلاري أسقف بواتييه وأمبروسيوس أسقف ميلان وأغسطينوس أسقف هيبو وچيروم ورفينوس ويوحنا كاسيان.
٥. كتابات ما بعد مجمع خلقيدونية


إذ عزل مجمع خلقيدون الشرق عن الغرب إلى حد ما اهتمت الكنائس اللاخلقيدونيّة بالكتابة عن طبيعة السيّد المسيح، وقد برز قادة عظماء في ذلك. يقول ميندورف: [خلال النصف الثاني من القرن الخامس والنصف الأول من القرن السادس، قد ساد عظماء اللاهوتيّين (المونوفزيت)[28] على المسرح وهم تيموثاوس أوليروس وفيلكسينوس أسقف منبج Mabbug، وعلى وجّه الخصوص ساويرس الأنطاكي، ولم يكن لدى الخلقيدونيّين لاهوتي واحد بارز يقف أمامهم.[29]]
بعد دخول العرب مصر وبقيّة منطقة الشرق الأوسط تحوّل اهتمام الكتاب الشرقيّين إلى الحوار مع المسلمين وجاءت القرون ١١–١٣ غنيّة بالتراث المسيحي المصري في ذلك المجال. أمّا الكنائس الخلقيدونيّة فواجهت مشاكل من نوع آخر مثل محاربة الأيقونات وانبثاق الروح القدس الخ.




magdy-f 26 - 08 - 2012 01:54 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
الكتاب الثاني
بدء الأدب المسيحي الآبائي

بدء القوانين الكنسية
والشكل الليتورچي
1
قانون الإيمان للرسل
Symbolum Apostolicum
The Apostles’ Creed
قانون الإيمان في الكنيسة الأولى
قانون الإيمان في العهد الجديد

الإيمان المسيحي هو حياة يمارسها العضو الحيّ خلال إتحاده مع الله في المسيح يسوع بالروح القدس داخل الكنيسة. هذه الحياة لا يحدها قانون ولا تسجلها لغة بشرية. لكن الضرورة ألزمت الكنيسة منذ انطلاقها أن تترجم إيمانها في قانون، لا لكي يحفظه الناس عن ظهر قلب أو يردده المؤمنون أثناء العبادة الليتورچية والخاصة، إنما لكي يعيشونه خبرة حيّة.
يقول القديس هيلاري[30]، نحن ملتزمون أن تنكلم بما لا يُنطق به. عوض هيام الإيمان المجرد نلتزم أن نعهد أمور الدين إلى مخاطر التعبير البشري.
لقد سأل السيد المسيح تلاميذه عن إيمانهم فيه، فاعترف بطرس أنه "هو المسيح ابن الله الحيّ" (مت ١٦ : ١٦). ولعل هذه الشهادة قدمت الفكرة الرئيسية لإيجاد قانون إيمان كنسي يعلن "حقيقة السيد المسيح المخلص". مرة أخرى جمع السيد تلاميذه وأعطاهم سلطانًا للكرازة والتعليم والعماد قائلاً: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت ٢٨ : ١٩)، مقدمًا لهم صيغة قانون الإيمان الثالوثي الخاص بالعماد. هكذا سجل لنا العهد الجديد صيغة الإيمان بالمسيح وصيغة الإيمان الثالوثي، هاتان الصيغتان هما جوهر إيمان الكنيسة، وحجر الزاوية لكل قانون إيمان كنسي.
فكرة تاريخية[31]

‌أ. إذ انطلقت الكنيسة في عصر الرسل تكرز وتبشر العالم بالخلاص كان لزامًا أن يعترف كل موعوظ بأيمانه جهرًا في صيغة مختصرة قبلما يتقبل العضوية في جسد المسيح، أي قبيل عماده مباشرة. وذلك كما فعل الخصي الأثيوبي (أع ٨ : ٣٧) حين أعلن رغبته في العماد معترفًا "أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله".
ظهر "قانون الإيمان الكنسي" كصيغة خاصة بالمعمودية، يعترف بها طالب العماد معلنًا قبوله الحق ودخوله "الحياة في المسيح يسوع". في الدوائر اليهودية كان يكفي لطالب العماد أن يعلن هذا القانون الإيماني البسيط أن "يسوع هو المسيا"، أي هو المخلص الذي انتظره الآباء وشهد عنه الأنبياء، فيه كملت الشريعة وتحققت مواعيد الله للبشرية. أما بالنسبة للأمم، إذ لم تكن لهم الشريعة ولا عرفوا النبوات عن المسيا يعبدون آلهة كثيرة وأرباب كثيرة، كان لزامًا على طالب العماد أن يعلن حقيقة إيمانه بأكثر وضوح: إيمانه بالله الواحد المثلث الأقانيم، وعمل المسيح الخلاصي ...
‌ب. إذ ظهرت غنوصيات غير أرثوذكسية تنادي بالثنائية، تحقر من المادة وتشوه حقيقة التجسد الإلهي، لم يعد "قانون الإيمان" في صورته الأولى كافيًا، أي لا يكفي إعلان أن "المسيح ابن الله الحيّ" إنما يلزم الاعتراف بـ "الحبل به من الروح القدس، ولادته من العذراء مريم، تألمه في عهد بيلاطس بنطس وموته ودفنه (وليس كما علم الغنوصيين أنه اختطف إلى السماء من على الصليب أو قبيل صلبه)، وأن الروح القدس حال في الكنيسة ...
يظهر هذا الأثر بصورة واضحة في قانون الإيمان للقديس هيبوليتس المستعمل في العماد، فقد جاء في التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس أن طالب العماد يُسأل ثلاثة أسئلة ويجيب عليها[32]:
ينزل (طالب العماد) في الماء، ويضع المعمد يده على رأسه قائلاً: أتؤمن بالله ضابط الكل؟
يقول الذي يُعتمد: أؤمن. عندئذ يعمده دفعة (يغطسه) واضعًا يده على رأسه.
بعد ذلك يقول له: أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله، الذي وُلد بالروح القدس من العذراء مريم ، وصُلب في عهد بيلاطس البنطي ومات وقام من الأموات حيًا في اليوم الثالث وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب، هذا الذي يأتي ليدين الأحياء والأموات؟
وعندما يقول: أؤمن، يعمده دفعة أخرى.
وأيضًا يقول له: أتؤمن بالروح القدس وبالكنيسة المقدسة وقيامة الجسد؟ فيقول الله يُعتمد: أؤمن، فيُعتمد الدفعة الثالثة.
‌ج. إذ بدأت الهرطقات والبدع تنتشر لم يعد "قانون الإيمان" خاصًا بطالبي العماد، إنما صارت الحاجة ملحة لاستعماله الكنسي في العبادة الليتورچية والعبادة الخاصة. بدأت المجامع المسكونية تضع قانون الإيمان، لأهداف دفاعية وتعليمية. ففي مجمع نيقية وُضع قانون الإيمان يحارب الأريوسية.
فإنه وإن اقترب من قانون الإيمان الأورشليمي العمادي القديم، لكنه أضاف إلى الفقرة الثانية الخاصة بالسيد المسيح هذه الصيغة: "نون من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، واحد مع الآب في الجوهر". هذه الصيغة لا يستطيع الأريوسيون أن ينطقوا بها، فتفرزهم عن المؤمنين. بهذا قدم مجمع نيقية للكنيسة صيغة لاهوتية مبسطة تعلن إيمان الكنيسة، يعترف بها المسيحيون ويترنمون بها ويصلونها، وليست اختبارًا لطالبي العماد.
وفي المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية أُضيف إلى قانون الإيمان النيقوي صيغة خاصة بالروح القدس: "الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء ...".
بهذا صار قانون الإيمان ملخصًا للإيمان الأرثوذكسي أكثر منه اعترافا يردده طالبوا العماد.
قانون الإيمان الرسولي
Apostolic Creed
قانون أم المنسوب إلى الرسل له أهمية خاصة في الكنيسة الغربية، إذ تعتبره أساس قوانينها، كما يقول Schaff[33] "هو قانون القوانين كما أن الصلاة الربانية هي صلاة الصلوات".
هذا القانون هو صيغة مختصرة جدًا، سُجلت بلغة العامة لا باصطلاحات لاهوتية، تناسب الموعوظين كما يمكن استخدامها في العبادة الليتورچية والخاصة.
يتكون هذا القانون من إثني عشر بندًا من وحي العهد الجديد، تلخص العقيدة المسيحية ولاهوتيات الكنيسة، وتجسم تعاليم الرسل. هو رسولي بحق في محتوياته كما في روحه، ليس من وضع الرسل. هو كنسي، ليس من عمل فرد من الأفراد، لكن لا يزال تاريخه غامضًا وحقيقة مصدره غير معروفة.
شمل هذا القانون ملخصًا للحقائق الإلهية منذ بدء الخليقة حتى قيامة الجسد ودخوله الأبدية، يقدم لنا الإيمان بالثالوث القدوس ويركز أنظارنا تجاه المسيح المخلص ...
مصدره

يقول Clarke[34] أن قانون الإيمان للرسل لم يكن يتلى في صلوات باكر وصلاة النوم قبل القرن الثامن...وانه ليس إلاَّ امتداد لقانون الإيمان العمادي الروماني.
ويرى Schaff[35] أنه لم يكن موجودًا بصورته الحالية إلاَّ في القرن الرابع، لكنه وجد في القرنين الثاني والثالث بصيغة أو أخرى ...
ويرى Quastan[36] أن القانون بصورته الحالية لا يمتد إلى قبل القرن السادس، استخدم في بلاد الغال (فرنسا) وأسبانيا وأيرلندة وألمانيا في الدراسات التمهيدية الخاصة بالموعوظين.
على أي الأحوال نستطيع أن نقول مع المؤرخ شافSchaff أن قانون الإيمان للرسل جاء بلا شك نتيجة نمو تدريجي، يحمل شكلين:
1. الشكل الحالي، أو النص المسلم إلينا حاليًا، لم يظهر قبل القرن السادس أو السابع.
2. الشكل البدائي كما ورد في بعض المخطوطات القديمة، يرجع إلى القرن الثاني أو الثالث. ولعل أقدم نص يوناني وصل إلينا ما ورد في رسالة مارسيليوس من أنقرة إلى أسقف روما يوليوس الأول حوالي عام ٣٤٠م يؤكد أرثوذكسيته. وقد ورد ضمن[37] "Psalterium Aethelstani". أما النص اللاتيني فقد ذكره روفينوس[38] المؤرخ الكنسي في نهاية القرن الرابع في تعليقه على قانون إيمان الرسل Commentary on the Symbol of the Apostles موضحًا أصله، إذ يقول أن هناك تقليد بأن الرسل بعد قبولهم الروح القدس وقبل خروجهم للكرازة اتفقوا معًا على ملخص مبسط للتعليم الرسولي كأساس لكرازتهم وقانون إيمان المؤمنين.
ويبدو أن القديس أمبروسيوس شاركه نفس الرأي عند شرحه للقانون، مشيرًا إلى أن الأثني عشر بندًا تطابق الإثني عشر رسولاً.
وفي القرن السادس للمرة الأولى نلتقي بتأكيدات أن كل رسول وضع بندًا من الإثني عشر، فجاءت العظة المنسوبة للقديس أغسطينوس[39] تعلن أصله: "قال بطرس أؤمن بالله الآب ضابط الكل خالق السماء والأرض ..." وقال اندراوس "وبالمسيح يسوع ابنه الوحيد ربنا ..." وبقي هذا التفسير سائدًا خلال العصور الوسطى.
دهشت الكنيسة الغربية عندما أعلن رئيس أساقفة أفسس لليونان مارقيوس افجينيكوس Marcus Evgenicus في مجمع Ferrara عام ١٤٣٨ أن الكنائس الشرقية لا تعرف شيئًا عن صيغة هذا القانون المستخدم في الكنيسة الغربية، ولا عن نسبته للرسل.
بعد سنوات قليلة أنكر الأيطالي Lorenzo Valla نسبته للرسل.
يقول F. L. Cross[40] أن هذا القانون يخص فترة ما بعد الرسل، لكنه سمي رسوليًا لأن عناصره جميعها تعبر عن الإيمان في عصر الرسل.
حول قوانين الإيمان الأولى

يقدم لنا علم الباترولوچي الكثير من صيغ قوانين الإيمان التي جاءت خلال كتابات الآباء الشرقيين والغربيين، نذكر منها ما ورد في كتابات:
1. أيريناؤس أسقف ليون سنة ١٨٠ م
2. العلامة ترتليان قرطاجنة سنة ٢٠٠ م
3. كيريانوس قرطاجنة سنة ٢٥٠ م
4. نوفتيان روما سنة ٢٥٠ م
5. أوريجين الاسكندرية سنة ٢٥٠ م
6. غريغوريوس قيصرية الجديدة سنة ٢٧٠ م
7. لوقيانوس انطاكية سنة ٣٠٠ م
8. يوسابيوس قيصرية سنة ٣٢٥ م
9. مارسيليوس أنقرا سنة ٣٤٠ م
10. كيرلس أورشليم سنة ٣٥٠ م
11. ابيفانيوس قبرص سنة ٣٧٤ م
12. روفينوس سنة ٣٩٠ م
13. القانون الوارد في القوانين الرسولية Apostolic Constituitions
وقد امتازت النصوص الشرقية عن الغربية أنها بصورة عامة أطول وأكثر تغييرًا، لها جانب ميتا فزيقي، وتشمل عددًا من التعبيرات التعليمية ردًا على الهرطقات المنتشرة في الشرق.
وقد تجمعت القوانين الغربية لتشكل ما يعرف بقانون إيمان الرسل.
يرى Quasten أن هذا القانون الروماني والصيغ الشرقية ظهرت مستقلة عن بعضها البعض، لكنها صدرت عن أصل عام مشترك له جذروه في الشرق.
محتوياته

كانت قوانين الإيمان الأولى تضم صيغتين رئيسيتين: صيغة الإيمان الثالوثي، وصيغة الإيمان المسياني. وإن كان قانون الإيمان للرسل في صورته الحالية تطور إلى ملخص مبسط جدًا يحمل التعاليم المسيحية الجوهرية.
1. صيغة الإيمان الثالوثي
رأينا السيد المسيح يعطي تلاميذه سلطان العماد باسم الثالوث القدوس، وكان ذلك بداية ظهور قانون الإيمان العمادي بصيغة الإيمان الثالوثي. وفي حوالي عام ١٥٠م أشار القديس يوستين إلى طالبي العماد أن يتقبلوا غسل الماء "باسم الله الآب ورب المسكونة، ومخلصنا يسوع المسيح، والروح القدس[41]".
وجاءت الوثيقة المدعوة "الرسالة الرسولية Epsitola apostolorum" التي جُمعت في نفس التاريخ تقريبًا تبسط الإيمان، وتضم قانون إيمان لا يحوي فقط الإيمان بالثالوث القدوس، الآب ضابط العالم كله، المسيح يسوع مخلصنا، والروح القدس الباراقليط، إنما يضم أيضًا الإيمان بالكنيسة المقدسة وغفران الخطايا[42].
2. صيغة الإيمان المسياني
طال انتظار البشرية تترقب مجيء المسيا مخلص العالم، فجاءت المسيحية جوهر رسالتها "الشركة مع الله في المسيا المخلص". وقد رأينا اعتراف الرسول بطرس أن يسوع "هو المسيح ابن الله الحيّ"، وأعلن الخصي الأثيوبي ذات الإيمان قبيل عماده.
كان الإيمان بالمسيح المخلص هو مركز البشارة، حتى صارت "السمكة" هي الرمز للإيمان المسيحي في العالم الهليني وذلك لأنها في اليونانية (إخئيس) تشمل الحروف الأولى من العبارة "يسوع المسيح، ابن الله المخلص". وقد شهد العلامة ترتليان بذلك كما شهدت نقوش َAbercuis. وردت هذه العبارة الرمزية في مؤلفات الكتاب المسيحيين في نطاق واسع كقانون إيمان يعبر عن المعتقد المسيحي.





magdy-f 26 - 08 - 2012 02:00 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
النص

قانون الإيمان للرسل[43]
1. أؤمن بالله الآب، ضابط الكل (خالق السماء والأرض)؛
2. وبيسوع المسيح، ابنه الوحيد، ربنا،
3. الذي (حُبل) به بواسطة الروح القدس، وُلد من العذراء؛
4. (تألم) في عهد بيلاطس بنطس، صلب (ومات) ودفن؛
5. (ونزل إلى الجحيم)، وفي اليوم الثالث قام من الأموات؛
6. صعد إلى السنوات، وجلس عن يمين (الله) الآب، (ضابط الكل)؛
7. ومن ثم يأتي ليدين الأحياء والأموات.
8. و(أؤمن) بالروح القدس؛
9. والكنيسة المقدسة (الجامعة) (وشركة القديسين)؛
10. وغفران الخطايا؛
11. وقيامة الجسد؛
12. (والحياة الأبدية).
قوانين الإيمان[44] ما قبل نيقية في علاقتها بقانون الإيمان للرسل وقانون الإيمان النيقي[45]


قانون الإيمان للرسل
القديس ايريناؤس
العلامة ترتليان
القديس كبريانوس
نوفيتان
العلامة أوريجين


(روما)
بلاد الغال – عام ١٧٠ م
شمال أفريقيا – ٢٠٠ م
قرطاجنة – ٢٥٠ م
روما – ٢٥٠ م
الاسكندرية – ٢٣٠ م


أؤمن
نؤمن
نؤمن
نؤمن
نؤمن
نؤمن

1
بالله ضابط الكل، (خالق السماء والأرض)؛
بإله واحد الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها
بإله واحد، خالق العالم، الذي أوجد الكل من عدم ...
بالله الآب،
بالله الآب والرب ضابط الكل
بإله واحد، الذي خلق وأوجد كل شيء. الذي في آخر الأيام أرسل
2
وبيسوع المسيح، ابنه الوحيد، ربنا؛
وبيسوع المسيح الواحد ابن الله (ربنا)؛
وبالكلمة، ابنه يسوع المسيح؛
بابنه المسيح،
بابن الله، يسوع المسيح، الله ربنا،
ربنا يسوع المسيح. مولودًا من الآب قبل كل الخليقة.
3
الذي (حبل) به بواسطة الروح القدس، ولد من العذراء مريم؛
الذي صار جسدًا (من العذراء) لأجل خلاصنا؛
الذي نزل إلى العذراء مريم خلال روح الله وقوته، وصار جسدًا في أحشائها وولد منها؛


مولودًا من العذراء والروح القدس. تجسد وهو لا يزال الله.
4
(تألم) في عهد بيلاطس البنطي، صلب (ومات) ودفن؛
وآلامه (في عهد بيلاطس البنطي)؛
ثبت على الصليب (في عهد بيلاطس البنطي)، مات ودفن،


تألم حقًا، ومات،
5
(ونزل إلى الجحيم)، وفي اليوم الثالث قام من الأموات؛
وقيامته من الأموات؛
قام في اليوم الثالث،


قام من الأموات
6
صعد إلى السموات، وجلس عن يمين (الله) الآب (ضابط الكل)،
وصعوده إلى السموات جسديًا.
رفع إلى السموات وجلس عن يمين الله الآب.


ورفع ...
7
ثم يأتي ليدين الأحياء والأموات،
ومجيئه من السموات في مجد الآب لكي يضم كل الأشياء في رأس واحد...ويجري حكمًا عادلاً على الجميع
سيأتي ليدين الأحياء والأموات،



8
و(أؤمن) بالروح القدس،
وبالروح القدس ...
وبالروح القدس، البارقليط، المقدس، مرسلاً من عند الآب بواسطة المسيح،
بالروح القدس
بالروح القدس (الموعود به منذ القديم للكنيسة، وأعطي في الوقت المناسب)
الروح القدس، متحدًا في كرامة وجلال مع الآب والابن.
9
وبالكنيسة المقدسة (الجامعة) (وشركة القديسين)،





10
وغفران الخطايا،


أؤمن بغفران الخطايا،


11
وقيامة الجسد،
وأن المسيح سيأتي من السموات ليقيم كل جسد .... وليدين الأشرار والظالمين في نار الأبدية،
وأن المسيح سيستقبل قديسيه بعد استعادة الجسد،



12
(والحياة الأبدية)،
ويعطي المستقيمين والقديسين خلودًا ومجدًا أبديًا.
في متعة الحياة الأبدية ومواعيد السماء، ويدين الأشرار بنار أبدية.
والحياة الأبدية خلال الكنيسة المقدسة.





غريغوريوس
لونيانوس
يوسابيوس
كيرلس الأورشليمي
قانون الإيمان النيقوي - القسطنتيني[46]

قيصرية الجديدة – ٢٧٠ م
انطاكية – ٣٠٠ م
قيصرية – ٣٢٥ م
أورشليم – ٣٥٠ م
٣٢٥ م، ٣٨١ م

نؤمن
نؤمن
نؤمن
نؤمن
نؤمن
1
بالله الآب،
بإله واحد الآب ضابط الكل، خالق كل شيء والمعتني بكل شيء،
بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل شيء، ما يرى وما لا يرى،
بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى.
بإله واحد، الآب، ضابط الكل، خالق (السماء والأرض)، ما يرى وما لا يرى،
2
برب واحد. إله من إله، صورة وشكل اللاهوت. الحكمة والقدرة التي أوجدت كل الخليقة، الابن الحقيقي للآب الحقيقي.
وبرب واحد يسوع المسيح ابنه، الملود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، الحكمة، الحياة، النور.
وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل الدهور، به كان كل شيء.
وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، مولود من الآب قبل كل الدهور، إله حق، به كان كل شيء.
نؤمن برب واحد يسوع المسيح، ابن الله (الوحيد)، المولود من الآب (قبل كل الدهور)، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، واحد في الجوهر مع الآب، به كان كل شيء،
3

الذي ولد من عذراء حسب الكتب، وتأنس،
الذي من أجل خلاصنا صار جسدًا بين البشر،
تجسد وتأنس،
هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل (من السماء) وتجسد (من الروح القدس ومن مريم العذراء) وتأنس،
4

الذي تألم من أجلنا،
وتألم،
صلب ودفن،
(صلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، وتألم (ودفن)،
5

وقام من أجلنا في اليوم الثالث.
وقام في اليوم الثالث،
قام في اليوم الثالث،
وفي اليوم الثالث قام من الأموات كما في الكتب،
6

وصعد إلى السماوات، وجلس عن يمين الله الآب،
وصعد إلى الآب،
وصعد إلى السماوات، وجلس عن يمين الآب.
وصعد إلى السماوات (وجلس عن يمين الآب)،
7

وسيأتي أيضًا بمجدٍ وقوة ليدين الأحياء والأموات
وسيأتي بمجدٍ ليدين الأحياء والأموات.
سيأتي في مجدٍ، ليدين الأحياء والأموات، ليس لملكه انقضاء.
هذا الذي يأتي (في المجد) يدين الأحياء والأموات، (الذي ليس لملكه انقضاء).
8
بروح قدس واحد، خادم التقديس، فيه يعلن الله الآب، الذي فوق كل الأشياء، ويعلن الله الابن الذي هو خلال كل الأشياء. ثالوث كامل، غير منقسم ولا مختلف في المجد، والأبدية، والسلطان.
وبالروح القدس المعطى للتعزية والتقديس والكمال للذين يؤمنون.
نؤمن أيضًا بالروح القدس.
وبروح قدس واحد، البارقليط الناطق في الأنبياء.
نؤمن بالروح القدس (الرب المحيي)، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء.
9



وبمعمودية واحدة للتوبة لمغفرة الخطايا.
وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية
10

وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة،
ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا.
11

وبقيامة الجسد،
وننتظر قيامة الأموات
12

وبالحياة الأبدية.
وحياة الدهر الآتي.





magdy-f 26 - 08 - 2012 02:11 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
2

الديداكيّة أو الذيذاخي
أو
تعليم الرب للأمم بواسطة الاثني عشر رسولاً[47]

جاءت كلمة "ديداكيّة" أو "الذيذاخي" Didache عن الحروف اليونانيّة الأولى لعنوان عمل يسمى "تعليم الربللأمم بواسطة الاثنى عشر رسولاً". يُعتبر أهم وثيقة بعد كتابات الرسل، تكشف لنا عن الحياة الكنسيّة الأولى من كل الجوانب: السلوكي والليتورچي والتنظيمي. كما يقول Quasten: [بين أيدينا ملخّص لتوجيهات تعطينا صورة رائعة للحياة المسيحيّة في القرن الثاني. في الحقيقة نجد هنا أقدم نظام كنسي، نموذجًا قيِّمًا لكل التجمّعات القديمة الخاصة بالنظم والقوانين الرسوليّة؛ هذا النموذج هو بداية القانون الكنسي شرقًا وغربًا[48].]
ويرى[49]F. L. Cross أن هذا الدليل السلوكي التعليمي والنظام الكنسي هو أهم اكتشاف في حقل أدب الآباء في المائة سنة الأخيرة.
وقد خدمت الديداكيّة الكثير من الأعمال الليتورچيّة والكتابات الخاصة بالقوانين الرسوليّة الدسقوليّة السريانيّة Didascalia والتقليد الرسولي لهيبوليتس Apostolic Tradition والقوانين الرسوليّة Apostolic Constitutions.
كان لها أهميّة خاصة في العصور الأولى حتى حاول البعض ضمها إلى أسفار العهد الجديد، فانبرى الكتَّاب الأوّلون يوضحون عدم قانونيتها، مثل البابا أثناسيوس السكندري[50] والمؤرّخان يوسابيوس[51] وروفينوس[52].
وقد استخدم إكليمنضس السكندري[53]وإيريناؤس عبارتين يُشتم منهما معرفتهما بالديداكيّة، وأيضًا واضع كتاب[54]De Alatoribus المنسوب لكبريانوس.
على أي الأحوال لم يتعرّف الدارسون الغربيون على الديداكيّة حتى اكتشفها الميتروبوليت فيلوثيؤس برينيوس Philotheos Bryynnius مطران نيقوميديا[55]عام ١٨٧٥م ضمن المخطوط القسطنطيني لعام ١٠٥٦م (حاليًا في أورشليم)، وقام بنشرّها عام ١٨٨٣م، فأثار ذلك ضجة في الأوساط العلميّة، خاصة في ألمانيا وانجلترا وأمريكا[56]لم يحدث مثلها في أي اكتشاف أدبي سابق.

محتويانها


ليست الديداكيّة عملاً واحدًا قام أحد الكتاب بتأليفه، إنّما هو تجميع حاول جامعه أن يربط أجزاءه معًا فلم يستطع، فقدّم لنا ثلاثة أعمال مع خاتمة،
أو قل ثلاثة أقسام بخلاف الفصل الختامي:

القسم الأول: يمثّل الحياة العمليّة السلوكيّة فصل ١ – ٦.
القسم الثاني: الحياة الليتورچيّة والسرائريّة فصل ٧–١٠، ١٤.
القسم الثالث: الترتيبات الكنسيّة فصل ١١–١٥.
الخاتمة: عن بَرُّوسيّا الرب أو مجيئه الأخير فصل ١٦.

القسم الأول: الحياة العمليّة السلوكيّة


كنا نتوقّع من العنوان "تعليم الرب للأمم بواسطة الاثنى عشر رسولاً" أن تتحدّث الديداكيّة عن العقيدة المسيحيّة والمفاهيم اللاهوتيّة. لكن إذ يخبرنا القدّيس أثناسيوس الرسولي إنّها كانت تستخدم في تعليم الموعوظين قبل عمادهم، كان غايتها تذكير طالبي العماد – بعدما قبلوا الإيمان – أن يعلنوا إيمانهم بأعمالهم، كأنّها تضع لهم دستور الحياة الجديدة التي في المسيح يسوع: حقًا ان المسيحيّة ليست مجموعة أخلاقيات، لكنها إيمان عملي مُعاش، شهادة حيّة لعمل المسيح في حياة المؤمن عمليًا.
استخدمت الديداكيّة نظام "الطريقتين Two ways" يختار الإنسان طريق الحياة أو الموت. هذا الأسلوب استخدمه اليونان في المجامع الهيلينيّة، واستعارته الكنيسة ليتناسب مع طالبي الإيمان الذين من أصل هيليني، لكن بروح مسيحيّة، مستقاة من "الموعظة على الجبل"، وقد استخدمه اليهود أيضًا[57].

القسم الثاني: الحياة الليتورچيّة


كشفت لنا الديداكيّة عن بعض الطقوس والمفاهيم الكنسيّة للعبادة المسيحيّة:
المعموديّة: تتحدّث عن العماد بالتغطيس في ماءٍ جارِ، أي في الأنهار. كانت هذه العادة قائمة في عصر الرسل وما بعدهم مباشرة. وإذا لم يوجد ماء جارِ يتم العماد بالتغطيس في ماءٍ آخر، وعند الضرورة يمكن سكب الماء على المعمَّد ثلاث دفعات باسم الثالوث القدّوس.
ومن الاستعدادات اللازمة للسرّ أن يصوم طالب العماد وخادم السرّ ومن الغير ما استطاع – يومين أو يومًا قبل العماد. ولا تزال هذه العادة ساريّة في الكنيسة القبطيّة، إذ يصوم خادم السرّ والإشبين والمعمَّد اليوم الذي يتم فيه العماد.
الصوم والصلاة: لكي لا نشترك مع اليهود في أصوامهم – يومي الاثنين والخميس – نصوم يومي الأربعاء والجمعة، على أنّه يليق بنا ألاَّ نصوم أو نصلي برياء.

تأمر الديداكيّة المؤمنين أن يصلّوا الصلاة الربانيّة ثلاث مرّات يوميًا.

الإفخارستيا: سبق معالجة هذا الموضوع بشيء من التوسع في كتاب "المسيح في سرّ الإفخارستيا[58]". ووصلنا إلى أن الفصلين ٩-١٠ يصوّران ليتورچيّا الإفخارستيا للمعمَّدين حديثًا، والفصل ١٥ يتحدّث عن خدمة الإفخارستيا العاديّة التي تقام يوم الأحد[59].
الاعتراف: يمارس قبل الاجتماع في الكنيسة (الفصلان ٤،١٤)، كما يُلتزم به قبل التمتّع بشركة الأسرار المقدّسة (الإفخارستيا).
الكنسيّات: الكنيسة في مفهوم واضع الديداكيّة "جامعة"، تضم العالم كلّه، من كل شعب وجنس، ليس فقط الذين آمنوا بل والذين يؤمنون يومًا ما... وهو يطلب الصلاة لكي يجمعها الرب من الرياح الأربع. أما من جهة الرئاسة الكهنوتيّة فلا يشتم منها افتراض أسقفيّة واحدة رئاسيّة في العالم. كما ركّز على وحدة الكنيسة وقدسيّتها، رابطًا بين وحدتها ووحدة الخبز الإفخارستي.

القسم الثالث: الترتيبات والتنظيم الكنسي


تحدّث بشيء من الإطالة عن الإدارة الكنسيّة: الرسل والأنبياء والمعلّمون والأساقفة والشمامسة.
أثار هذا القسم مع القسم السابق الكثير من الجدل بين الدارسين:
يرى Connolly, Vokes أن ما ورد بالديداكيّة من ترتيبات كنسيّة هي من أصل ماني، إذ يعتمد على وجود أنبياء. غير أن هذا الرأي يصعب قبوله إذ لم يرد في الديداكيّة شيء عن ماني وأتباعه، ولا حملت العنف النُسكي الذي تميّزت به هذه البدعة، ولا عارضت الزواج الثاني والتوبة الثانية.
يرى Armitage Robinson أن الديداكيّة هي تجميع عن صورة الكنيسة الأولى مقتبس عن مصادر رسوليّة. وهذا الرأي أيضًا عليه اعتراضات منها أنّه لو كان هدف الجامع هكذا لما غفل الحديث عن الأسقفيّة والبتوليّة وظهور الاتجاه الغنوسي أو ما يضاده.
الرأي الراجح نادى به Streeter, Creed, Klauser, Kleist أن الكاتب مجرّد جامع، عكس الترتيبات الكنسيّة والتعاليم الليتورچيّة في الفترة التالية لعصر الرسل. ربّما قام بهذا العمل كاتب بالإسكندريّة حيث جمع بين مخطوطين قديمين وصلا بين يديه، أحدهما عن "الطريقين" مصري الفكر والآخر مجموعة من أحكام الحياة الكنسيّة في نهاية القرن الأول، وقد غيَّر فيهما، ثم وضع الخاتمة (فصل ١٦) من عنده، وهي لا تمت بصلة مع بقيّة الديداكيّة.

الخاتمة: بَرُّوسيّا الرب


حملت الديداكيّة ككل الاتجاه الإسخاتولوچي (الأخروي) بصورة واضحة، كغيرها من الكتابات التالية لعصر الرسل. إذ كان الكل يتوقّع سرعة مجيء الرب الأخير.
تظهر هذه السمة في الصلّوات الإفخارستيّة الواردة بالديداكيّة، كما خصص الفصل الأخير الختامي بأكمله عن بَرُّوسيّا الرب مع إشارة إلى علامات المنتهى، والتزامنا قبالته.

كاتب الرسالة وتاريخ كتابتها


رفض الدارسون ما افترضه Deuchesne أن العنوان يوحي بأن كاتبها أحد الرسل. فإن العنوان في جوهره لا يشير إلى ذلك، إنّما يقصد واضع الديداكيّة أن يقدّم بصورة واضحة مختصرًا لتعليم السيّد المسيح للأمم كما علمها الرسل.
وإلى اليوم لم يستطع الدارسون التعرّف على كاتبها، بل اختلفوا في تاريخ كتابتها. فمال الدارسون الإنجليز والأمريكان إلى تحديد كتابتها ما بين عامي ٨٠، ١٢٠م، وظن Hilgenfeld أنّها كتبت ما بين عامي ١٦٠، ١٩٠م، بينما حدّد Brynnius, Harnack تاريخها ما بين عامي ١٢٠، ١٦٠م.
على أي الأحوال رفض الدارسون ما مال إليه القدامى من نسبتها ما بين عامي ٧٠، ٩٠م، ومال الأغلبيّة إلى نسبتها بالشكل الحالي إلى المنتصف الأول من القرن الثاني أو بعد ذلك بقليل[60]دون أن ينكروا وجود بعض فقرات ترجع إلى سنة ٥٠– ٧٠م.

لا يمكن أن ترجع إلى عصر الرسل للأسباب التالية:

1. لا تحمل أي تلميح عن اليهوديّة – المشكلة الرئيسيّة في عصر الرسل. وإن كانت الفصول الستّة الأولى يهوديّة في طبيعتها، لكنها تحمل فكرًا إنجيليًا تقوم على تعليم السيّد المسيح[61].
2. تجميع مثل هذه القوانين الرسوليّة تعني شيئًا من الاستقرار الكنسي، أي بعد كرازة الرسل.
3. خلال التفاصيل الواردة بالديداكيّة يظهر أن عصر الرسل انتهى.
4. اعتمد كثيرًا على إنجيل متى فلا يكون قد جمعها قبل عام ٩٠م.
غير أن الديداكيّة تحمل شهادة داخليّة أنّها جمعت في عصر مقارب جدًا للرسل، نذكر منها:
أ. التعميد في ماءٍ جارِ، وذلك في عهد الرسل والقرن الثاني، كما أن الليتورچيّا الواردة في الفصول ٧–١٠ تشير إلى بساطة العبادة التي كانت في القرن الثاني.
ب. بساطة اللغة الزائدة، التي اتّسمت بها كتابات ما بعد الرسل مباشرة. كما أن لغتها تكشف عن التحوّل ما بين كتابات العهد الجديد والكتابات الكنسيّة.
ج. لا نجد بها آثارًا لنص قانون إيمان أو تقنين للعهد الجديد، ولا يزال الأنبياء يقدّسون الإفخارستيا، الأمور التي تكشف أنّها قبل نهاية القرن الثاني.
د. جاء وضعها في المخطوط ما بين الرسائل الإكلمنضيّة ورسائل أغناطيوس، ربّما أراد الناسخ أن يشير إلى تاريخها ما بين إكليمنضس الروماني وقبل أغناطيوس، خاصة وأن النظام الكنسي الوارد بها يكشف أنّه سابق لما ورد في رسائل أغناطيوس.
يرى البعض أن الكاتب يهودي متنصر، إذ يتحدّث عن بكور المحصولات وعن الأصوام اليهوديّة في يومي الاثنين والخميس، كما يحض على تلاوة الصلاة ثلاث مرّات يوميًا، وأنّه يعرف العهد القديم.

مكان الكتابة


رأى البعض أنّها سوريّة الأصل، وذلك بسبب علاقتها بالقوانين الرسوليّة Apostolic Constitutions السريانيّة الأصل. ونسبها البعض لفلسطين بسبب غياب تعاليم الرسول بولس. ونسبها آخرون إلى بلاد اليونان وآسيا الصغرى. إلاَّ أن كثيرين[62]رأوا أنّها مصريّة وذلك للأسباب:
1. تشابهها مع رسالة برناباس (١٠٠–١٣٠)، التي استخدمت أسلوب "الطريقين" في الرسالة (فصول ١٨–٣٠).
2. وورد أسلوب "الطريقين" في كتابات مصريّة أخرى مثل "النظام الكنسي الرسولي Apostolic Church Order" الذي عرف بالنظام الكنسي المصري[63]كما وردت في سيرة الأنبا شنودة (القرن الخامس).
3. من المحتمل، وليس من المؤكد، أن إكليمنضس الإسكندري عرف الديداكيّة[64].
4. أخذ الأسقف المصري سيرابيون (القرن الرابع) مقتطفات منها في صلواته الإفخارستيّة.
5. كلمات التمجيد الواردة في الصلاة الربانيّة وفي صلاة الإفخارستيا تقتصر على الكلمتين "القوّة" و"المجد" دون كلمة "الملك". وهذا التمجيد كان شائعًا في مصر أكثر من سواها.

الديداكيّة والكتابات الآبائيّة الأولى


رأينا ارتباط الديداكيّة برسالة برناباس في تعليم "الطريقين"، وقد جاءت الآراء المتضاربة: هل أخذت الديداكيّة عن برنابا أم العكس؟ غير أن الرأي السائد أن الاثنين أخذا هذا التعليم من مصدر مستقل شكَّله المسيحيّون بما يليق بالفكر المسيحي، كل واحد حسبما يرى[65].
حاول البعض ربط الديداكيّة بكتاب "الراعي" لهرماس، دون أن يصلّوا إلى نتيجة محدّدة، غير أن بعض العبارات جاءت متشابهة في النصّين، لكن لا يوجد إلاَّ عبارتين جاءتا حرفيّتين.
حملت القوانين الرسوليّةApostolic Constitutions (٧: ١–٣٢) أكثر من نصف ما ورد في الديداكيّة. غالبًا بذات الترتيب مع تشابه قوي في العبارات. أمّا العبارات التي لم ترد فعلى أغلب الأحوال كانت قد فقدت ارتباطها بالقرن الرابع[66].

النصوص التقليديّة[67]


1. جاء النص باليونانيّة كاملاً في المخطوط الذي اكتشفه Brynnuis كما وردت أجزاء منه باليونانيّة في:
أ. حُفظ شيء من الفصلين الأول والثاني على جزء من برديّة وُجدت في البهنسا Oxyrhynehos بمصر، وهي تعود إلى القرن الرابع[68].
ب. جاءت الفصول الستة الأولى ضمن رسالة برناباس.
ج. شمل الكتاب الثامن من القوانين الرسوليّة Apos. Cons. السوري في القرن الرابع أغلب النص اليوناني للديداكيّة.
2. النصّان اللاتينيان، أحدهما في مخطوط Melk من القرن التاسع/العاشر، يحوي أجزاء منها، ومخطوط ميونخ (Cod. Monac. Lat. 6264) من القرن الحادي عشر.
3. وُجد نص قبطي لبعض أجزاء منها. ترجمة القرن الخامس، على بردي بالمتحف البريطاني (٩٢٧)، ورد بالمخطوط صلوات على زيت المسحة، غالبًا ما كان يستخدم في سرّي العماد والمسحة (الميرون).
4. توجد مخطوطات بها متقطفات لترجمات سريانيّة وعربيّة وأثيوبيّة وچورچية[69].



magdy-f 26 - 08 - 2012 02:12 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
نص الديداكية

١ – الطريقان "الدستور الأخلاقي[70]


تعليم الرب للأمم بواسطة الإثني عشر رسولاً[71].
(1)
1. يوجد طريقان: أحدهما للحياة والآخر للموت[72]، لكن الفرق بين الطريقين عظيم.
2. طريق الحياة هو هكذا: أولاً، أحبب الله الذي خلقك (تث ٦: ٥). ثانياً، حب قريبك كنفسك (لا ١٩: ١٨؛ مت ٢٢: ٣٧، ٣٩). ما لا تريد أن يفعله الناس بك لا تفعله أنت بالآخرين (طو ٤: ١٥؛ مت ٧: ١٢؛ لو ٦: ٣١).
3. إليك ما تحمله هذه الأقوال من تعليم: باركوا لاعنيكم، صلوا من أجل أعدائكم، وصوموا من أجل مضطهديكم[73]. لأنه أي فضل لكم إن أحببتم الذين يحبونكم؟ أليس الوثنيون يفعلون ذلك؟! أما أنتم فأحبوا مبغضيكم، فلا يكون لكم عدو (مت ٥: ٤٥ – ٤٧؛ لو ٦: ٢٧–٣١).
4. ابتعدوا عن الشهوات الجسدية (١ بط ٢: ١١) الزمنية (عالمية).
"من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضًا" (مت ٥: ٣٩؛ لو ٦: ٢٩)، وكن كاملاً (مت ٥: ٤٨). من سخرك ميلاً فامش معه اثنين (مت ٥: ٤١). من أخذ ثوبك فأعطه رداءك أيضًا (مت ٥: ٤٠؛ لو ٦: ٢٩). من أخذ مالك فلا تطالبه به، لأنك لا تستطيع[74].
5. كل من سألك فأعطه بغير مقابل (لو ٦: ٣٠). فإن الآب يريد أن يشترك الكل في نعمنا. طوبى للذي يعطي حسب الوصية، إذ هو بلا لوم. ويل لمن يأخذ بغير احتياج. إن أخذ أحد عن عوز يُحسب بلا لوم. أما إن أخذ عن غير عوزٍ فسيعطي حسابًا عن السبب والهدف اللذين من أجلهما أخذ. إنه يُلقى في السجن، ويُسأل عن مسلكه، ولا يخرج من هناك حتى يوفي الفلس الأخير (مت ٥: ٢٦).
6. لكن قيل أيضًا في هذا الصدد: ليبتل إحسانك بعرق يديك[75]، حتى تعرف لمن تعطي.
(٢)

1. الوصية الثانية للتعليم:
2. لا تقتل، لا تزن، لا تفسد صبيان، لا تبغِ، لا تسرق (خر ٣٠: ١٣–١٥؛ تث ٥: ١٧–١٩؛ مت ١٩: ٨)، لا تمارس السحر ولا تذهب لعرافة، لا تقتل طفلاً بالإجهاض، ولا تقتل طفلاً حديث الميلاد. لا تشته مال قريبك (خر ٢٠: ١٧).
3. لا تحلف (مت ٥: ٣٤)، ولا تشهد بالزور (مت ١٩: ١٨؛ خر ٢٠: ١٦). لا تنطق بكلمة افتراء، ولا تحمل حقدًا.
4. لا تكن متقلب الرأي ولا منافقًا، فإن النفاق شراك الموت[76].
5. لا يكن كلامك كاذبًا، ولا تنطقه باطلاً، بل دعمه بالعمل.
6. لا تكن جشعًا ولا طماعًا ولا مرائيًا. لا تكن شريرًا ولا متكبرًا. لا تفكر سوءًا بقريبك.
7. لا تبغض أحدًا، لكن انذر البعض وصلِ لأجل البعض، أحبب الآخرين أكثر من نفسك.
(٣)
1. يا بني، اهرب من كل شر، ومن كل ما على شاكلته.
2. لا تمل إلى الغضب، فإن الغضب يقود إلى القتل. ولا تكن حسودًا ولا مخاصمًا ولا حاد الطبع. فإن هذه كلها تلد الجرائم.
3. يا بني لا تكن شهوانيًا، فإن الاشتهاء يقود إلى الزنا. ولا تكن ناطقًا بكلامٍ بذيء، ولا عيناك شريرة، فإن هذا كله يلد زنا.
4. يا بني لا تتفاءل، فإن هذا يقود إلى عبادة الأصنام. احترس من الرقي، ومن حسابات المنجمين، ومن المشعوذات التطهيرية. ارفض حتى رؤية هذه الممارسات، فإن هذه كلها تلد عبادة أصنام.
5. يا بني لا تكن كاذبًا، فالكذب يقود إلى السرقة. لا تكن محبًا للمال أو المجد الباطل، فإن هذا كله يلد السرقات. يا بني لا تتذمر، فإن هذا يقود إلى التجديف. لا تكن وقحًا ولا سيء النية، فإن هذه تلد التجديف.
6. لكن كن وديعًا، فإن الودعاء يرثون الأرض (مز ٣٧: ١١؛ مت ٥: ٥).
7. كن طويل الأناة، رحيمًا، بلا مكر، هادئًا، صالحًا، ترهب التعليم الذي تتلقاه (إش ٦٦: ٢، ٥).
8. لا تتفاخر (لو ١٨: ١٤)، ولا تستلم للزهو، لا تلتصق نفسك بالمتكبرين بل عاشر الصديقين والمتواضعين.
9. تقبل الأحداث التي تحل بك كأنها خير، عالمًا أنه ليس شيء يحدث بدون إذن الله (مت ١: ٣٩).
(٤)
1. يا ابني تذكر ليلاً ونهارًا ذاك الذي يحدثك بكلام الله (عب ١٣: ٧). أكرمه كما تكرم الرب (مت ١٠: ٤٠)، لأنه حيث يكرز بالتعليم الرباني يكون الرب موجودًا.

2. اسعَ يومًا فيومًا نحو القديسين لتجد في كلامهم تعزية.
3. لا تثر انقسامات، بل وطد السلام بين المتخاصمين. احكم بالعدل، لا تنظر الوجوه في انتهارك المعاصي (تث ١: ١٦، ١٧؛ أم ٣١: ٩).
4. لا تتردد في قرارك بين هذا وذاك.
5. لا تبسط يديك للأخذ وتطبقهما عند العطاء (سيراخ ٤: ٣١).
6. إن كنت تملك شيئًا من تعب يديك، فقدم عتقًا عن خطاياك (بالعطاء).
7. لا تتردد في العطاء، وإذا أعطيت فلا تتذمر، فستعرف من هو المجازي خيرًا.
8. لا تصرف محتاجًا. اقتسم كل شيء مع أخيك (أع ٤: ٣٨). ولا تقل أن لك مالاً خاصًا بك. فإن كنتم تقتسمون الخيرات الخالدة كم بالحري الفانيات؟ (رو ١٥: ٢٧)
9. لا ترفع يدك عن ابنك أو ابنتك، بل علمهما مخافة الرب منذ نعومة أظافرهما.
10. لا تنتهر (بمرارة) عبدك أو أمتك اللذين يترجان الله إلهك. لئلا يفقدا مخافة الرب، الذي هو فوق الكل (أف ٦: ٩)، وليس عنده محاباة الوجوه، بل يدعو من هيأهم الروح.
11. وأنتم أيها العبيد أطيعوا سادتكم في تواضع ومخافة كما للرب (أف ٦: ٥؛ كو ٣: ٢٢)
12. ابغضوا كل رياء وكل ما لا يرضي الرب.
13. لا تترك وصايا الرب، بل احفظها كما تسلمتها بغير زيادة أو نقص (تث ١٣: ٣١).
14. اعترف بمعاصيك في الجماعة، ولا تقترب الصلاة بضمير شرير. هذا هو طريق الحياة.
(٥)
1. أما طريق الموت فهكذا: أولاً، إنه شرير، مملوء لعنة: قتل، زنا، شهوات، فجور، سرقة، عبادة أصنام، أعمال سحر، عرافة، اغتصاب، شهادة زور، رياء، نفاق، خداع، كبرياء، إساءة، قحة، طمع، كلام باطل، حسد، عجرفة، ترف، افتخار.
2. مضطهدو الخير، مبغضو الحق، محبو الكذب، لا يعرفون مكافأة البرّ، غير ملتصقين بالصلاح (رو ١٢: ٩) ولا بالحكم العادل، يسهرون لا على صنع الخير بل فعل الشر، بعيدون عن الوداعة والصبر، محبون للأباطيل، مطاردون المكافأة، لا يرحمون الفقير، ولا يعملون من أجل الحزين، لا يعرفون خالقهم، قاتلو أطفال، ومفسدو خليقة الله، يتحولون عن المحتاج، ويظلمون الحزانى، يدافعون عن الغني ويحكمون بالظلم على الفقير، إنهم خطاة تمامًا. أيها الأبناء، تحرروا من هذه كلها.
(6)
1. احذر أن يضلك أحد عن هذا الطريق للتعليم، إنه يعلمك خارجًا عن الله.
2. إذا استطعت أن تحمل كل نير الرب تصبح كاملاً (مت ١١: 29-٣٠؛ ١٩: ٢١). أما إذا لم تستطع فافعل قدر طاقتك.
3. أما عن الطعام، فاحتمل قدر استطاعتك، وامتنع عما قدم للأوثان تمامًا، فإنها عبادة لآلهة ميتة (١ كو ١٠: ٢٥-٢٨)

٢ – الحياة الليتورچية والسرائرية


(٧)
العماد
1. أما عن العماد، فعمدوا هكذا: بعدما تعلمون كل ما تقدم، عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس (مت 2٨: ١٩) بماء جار (حيّ).
2. فإذا لم يكن هناك ماء جار فعمد بماء آخر. إذا لم تستطع أن تعمد بماء بارد فعمد بماء دافيء.
3. إذا كنت لا تملك كليهما فاسكب الماء[77] فوق الرأس ثلاثًا، باسم الآب والابن والروح القدس.
4. قبل العماد، فليصم المعمد والمعمد ومن من الغير يستطيع. أوصي من يريد أن يعتمد أن يصوم يومًا يو يومين قبل العماد.
(٨)
الصوم والصلاة
1. لا تصوموا مع المرائين (مت ٦: ١٦)، فإنهم يصومون اليوم الثاني واليوم الخامس من الأسبوع،أما أنتم فصوموا الرابع (الأربعاء) والاستعداد (الجمعة)[78].
2. لا تصلوا كالمرائين (مت ٦: ٥)، بل كما أمر الرب في إنجيله، صلوا هكذا: "أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، خبزنا الضروري أعطنا اليوم، واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليهم، ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير.لأن لك القوة والمجد إلى الأبد" (مت ٦: ٥، ٩–١٣).
3. صلوا هكذا ثلاث مرات في اليوم (دا ٦: ١٠).
(٩)
الإفخارستيا
1. بخصوص الإفخارستيا، يقدم الشكر هكذا:
2. أولاً: بخصوص الكأس: نشكرك (يوخاريستيت)، يا أبانا. من أجل الكرمة المقدسة التي لداود خادمك، لقد أعلنتها لنا بيسوع ابنك (خادمك)[79]. المجد لك أبد الدهور.
3. ثم بخصوص الخبز (كلازما)[80] المكسور.نشكرك يا أبانا، من أجل الحياة والمعرفة، اللتين أعلنتهما لنا بيسوع ابنك، المجد لك أبد الدهور.
4. كما أن هذا الخبز المكسور، كان مرة مبعثرًا على التلال، وقد جُمع ليصير (خبزًا) واحدًا، كذلك اجمع كنيستك، من أقاصي الأرض، في ملكوتك! لك المجد والسلطان بيسوع المسيح أبد الدهور.
5. لا يأكل أحد أو يشرب من إفخارستيك (ذبيحة شكرك)، إلاَّ الذين عُمدوا باسم الرب. ففي هذا يقول الرب: "لا تعطوا القدس للكلاب" (مت ٧: ٦).
(١٠)
1. بعدما تشبعون[81]، اشكروا هكذا: نشكرك أيها الآب القدوس، من أجل اسمك القدوس، الذي أسكنته في قلوبنا، ومن أجل ما أعلنته لنا، من معرفة وإيمان وخلود. بيسوع ابنك، المجد لك أبد الدهور.
2. أنت، أيها السيد القدير، خلقت الكون للإشادة بذكر اسمك، وأعطيت البشر الغذاء والشراب والتلذذ حتى يشكروه. ولكنك كافأتنا نحن بغذاء وشراب روحيين، وبالحياة الأبدية، بيسوع ابنك.
3. نشكرك فوق كل شيء، لأنك قدير،المجد لك أبد الدهور. آمين.
4. أذكر يا رب كنيستك، خلصها من كل شر واجعلها كاملة في حبك، اجمعها من الرياح الأربع، هذه الكنيسة التي تقدسها في ملكوتك الذي أعددته لها. لك السلطان والمجد أبد الدهور. آمين.
5. تعال أيها الرب[82]. وليعبر هذا العالم. آمين. أوصنا لإله داود! من كان مقدسًا فليقترب، ومن لم يكن هكذا فليتب! ماران آثا[83]. آمين.
6. اتركوا الأنبياء يشكرون كما يريدون[84].
7. (بخصوص العطور، أشكروا هكذا: أيها الآب، نشكرك على العطر الذي عرفناه به بواسطة يسوع ابنك، لك المجد إلى الأبد. آمين[85]).

٣ – الترتيبات والتنظيمات الكنسية


(١١)
المعلمون والرسل والأنبياء[86]
1. من جاء وعلمكم بكل ما سبق اقبلوه.
2. أما إذا عاد المعلم يعلمكم تعليمًا مغايرًا بقصد الهدم فلا تسمعوا له (٢ يو ١٠)، أما إذا (علم) هكذا: أن يزيد البرّ وتزيد معرفة الرب، فاقبلوه كما للرب.
3. أما عن الرسل والأنبياء، فتصرفوا بحسب تعليم الإنجيل، هكذا:
4. اقبلوا كل رسول يأتيكم كالرب (مت ١٠: ٤٠).
5. غير أنه يجب إلاَّ يمكث أكثر من يوم، وعند الضرورة يبقى يومًا آخر، إذا بقي ثلاثة أيام فهو نبي كاذب.
6. عند انصرافه لا يقبل إلاَّ ما يكفيه من خبز إلى أن يجد له مأوى، أما إن طلب مالا فهو نبي كاذب.
7. لا تجربوا ولا تنتقدوا نبيًا يتكلم بالروح، لأن كل خطية تغفر إلاَّ هذه الخطية[87].
8. لكن ليس كل من يتكلم بالروح نبيًا، بل الذي يسلك طرق الرب. من سلوكهم يُعرف النبي الكاذب من النبي الحقيقي.
9. كل نبي يأمر بإقامة مائدة في الروح[88]، إن لم يأكل منها فهو نبي كاذب.
10. كل نبي يتكلم بالحق، فإن لم يمارس ما يعلم به فهو نبي كاذب.
11. كل نبي مجرب بحق، يعمل سرّ الكنيسة في العالم. ومع ذلك لا يعلم الآخرين أن يفعلوا ما يصنعه هو. لا يًدان منكم بل دينونته من الله. فإنه هكذا تصرف الأنبياء القدماء.
12. لكن من يقول بالروح: اعطني مالاً أو شيئًا آخر، فلا تسمعوا له. أما إذا طلب من أجل الآخرين المحتاجين فلا تدينوه.
(١2)
1. كل من يأتيكم باسم الرب اقبلوه (مت ٢١: ٩؛ مز ١١٧: ٢٦)، بعد ذلك اختبروه واعرفوه، لتميزوا اليمين من اليسار.
2. فإن مرّ بكم عابر سبيل أعينوه قدر استطاعتكم، ولا يبقى عندكم أكثر من يومين أو ثلاثة عند الضرورة.
3. إذا أراد أن يمكث عندكم كصاحب مهنة فليعمل ليأكل (٢ تس ٣: ١٠).
4. أما إذا لم يكن صاحب حرفة، فوجهوه أنتم لكيلا يعيش بينكم عاطلاً.
5. إذا رفض أن يعمل فهو يتاجر بالمسيح (١ تي ٦: ٥)، احترزوا من أمثاله.
(١٣)
1. كل نبي حقيقي يريد البقاء معكم "يستحق طعامه" (مت ١٠: ١٠؛ ١ كو ٩: ٧ – ١٤؛ ١ تي ٥: ١٨).
2. كذلك المعلم الحقيقي يستحق كالعامل طعامه.
3. خذ باكورة نتاج معصرتك وبيدرك ومواليد أبقارك وأغنامك وقدمها للأنبياء، لأنهم رؤساء كهنتك.
4. إن لم يكن لكم نبيًا، فأعطه للفقراء.
5. إن خبزت، فقدم باكورته حسب الوصية.
6. إذا فتحت وعاء خمرك أو زيتك، أعطِ باكورته للأنبياء.
7. كذلك مالك (فضتك) وثيابك وكل ممتلكاتك، خذ الباكورة – كما تحسن في عينيك – وقدمها حسب الوصية.
(١٤)
1. في يوم الرب اجتمعوا معًا لتكسروا الخبز وتشكروا، لكن أولاً اعترفوا بخطاياكم لكي تكون ذبيحتكم طاهرة.
2. على أي الأحوال، من كان على خلاف مع أخيه فلا يشترك في اجتماعكم قبل أن يتصالح، فلا تكون ذبيحتكم مدنسة.
3. لأن هذا ما قاله الرب: "في كل مكان وزمان، تقرب لأسمى تقدمة طاهرة، لأني ملك عظيم، يقول الرب، واسمي مهوب بين الأمم" (مل ١: ١١، ١٤).
(١٥)
1. أقيموا لكم أساقفة وشمامسة جديرين بالرب، رجالاً ودعاء، غير محبين للمال، مستقيمين ومجربين، فإنهم يقومون عندكم بخدمة الأنبياء والمعلمين.
2. لا تحتقروهم لأنهم الرجال المكرمون بينكم مع الأنبياء والمعلمين.
3. وبخوا بعضكم بعضًا، لا بحدة، بل بسلام كقول الإنجيل (مت ٥: ٣٢ – ٣٦؛ ١٨: ١٥)، إذا أهان أحد قريبه فلا يكلمه أحد ولا يسمع منكم كلمة حتى يتوب.
4. أقيموا صلواتكم وقدموا صدقاتكم وافعلوا كل شيء حسب إنجيل ربنا.

٤ – بروسيا الرب


(١٦)
1. اسهروا على حياتكم، ولا تدعوا مصابيحكم تنطفيء، ولا أحقاءكم تنحل، بل كونوا مستعدين دائمًا لأنكم لا تعرفون الساعة التي يأتي فيها ربنا (لو ١٢: ٣٥؛ مت ٢٤: ٤٢).
2. يليق بكم أن تجتمعوا دائمًا وتطلبوا ما يخص نفوسكم، لأنه لا ينفعكم طيلة زمان إيمانكم إن لم تكونوا كاملين في اللحظة الأخيرة.
3. ففي الأيام الأخيرة يكثر الأنبياء الكذبة والمفسدين، وتتحول النعاج إلى ذئاب (مت ٧: ١٥)، والمحبة إلى كراهية (مت ٢٤: ١٢).
4. إذ يزداد الإثم يكره الناس بعضهم بعضًا، ويضطهدون بعضهم بعضًا، ويطردون بعضهم بعضًا (مت ٢٤: ٨–٩)، عندئذ يظهر مضلل العالم (رؤ ١٢: ٩) كابن الله (٢ تس ٢: ٤). ويصنع آيات وعجائب (مت 2٤: ٢٤)، وتصبح الأرض في قبضة يديه، ويرتكب آثامًا لم يحدث مثلها منذ البدء.
5. عندئذ تدخل الخليقة نار الاختبار، ويتعثر كثيرون ويهلكون. أما الذين يثبتون في إيمانهم فيخلصون (مت 2٤: ٨، ٩) من اللعنة.
6. عندئذ تظهر علامات الحق: أولاً علامة السماوات مفتوحة. ثم علامة صوت البوق (مت ٣٤: ٣١). ثالثًا قيامة الموتى، ليس جميعهم.
7. لكن كما قيل: سيأتي الرب ومعه جميع قديسيه (زك ١٤: ٥)، وسينظر العالم الرب آتيًا على سحب السماء (مت 2٤: ٣٠).




magdy-f 26 - 08 - 2012 02:19 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
الكتاب الثالث

كتابات الآباء الرسوليّين




الآباء الرسوليّون
1. القدّيس إكليمنضس الروماني.
2. القدّيس أغناطيوس الروماني.
3. القدّيس بوليكاربوس.
4. رسالة برناباس.
5. الراعي لهرماس.
6. الرسالة إلى ديوجنيتوس.
7. بابياس.
8. دفاع كوادراتس.
9. الديداكيّة.

الآباء الرسوليّون
The Apostolic Fathers

مضى الجيل الأول المعاصر للسيّد المسيح، الشهود العيان له، وتتلمذ كثيرون على أيدي رسله وتلاميذه، ولم تعد الكنيسة محصورة في بقعة ما، بل انطلقت في العالم تخمره بخميرة الحق وتلهبه بنيران الحب الإلهي، ووُجدت كنائس محليّة كثيرة في الشرق والغرب، لها إيمان واحد، ورجاء واحد، وحب واحد، صلّوات واحدة ومفاهيم واحدة ليتورچيّات وطقوس ذات هيكل واحد. حتى يحق لنا أن نقول إنّها ليست كنائس كثيرة بل كنيسة المسيح الواحدة الرسوليّة.
إن كانت هذه الكتابات الآباء الرسوليّين ليست إلاَّ براعم الربيع الصغيرة، لكنها حيّة تحمل روح الكنيسة الواحدة، تكشف لنا ما تحمله من أوراق وزهور وثمار حملتها شجرة الكنيسة عبر الأجيال[89]. لقد حملت إلينا صدى أصيلاً لكرازة الرسل، وإعلانًا حقًا لبساطة إنجيل الخلاص، وصورة صادقّة للتقليد الكنسي في تلك الفترة الفريدة[90]. قدّمت لنا الإيمان الذي تقبّله هؤلاء الآباء الرسوليّون خلال اتصالهم المباشر للرسل أو تسلّموه عن طريق تلاميذهم[91].
أما تسميّتهم بالآباء الرسوليّين فترجع إلى الدارس الفرنسي Jean B. Coterlier من رجال القرن السابع عشر، الذي قام بنشر مجلّديه تحت اسم Patres aevi apostolici عام ١٦٧٢، واللذين شملا مجموعة الكتابات التالية:
1. الرسالة المنسوبة لبرناباس.
2. كتاب "الراعي" لهرماس.
3. رسالتان: إحداهما لإكليمنضس الروماني والأخرى منسوبة له.
4. رسائل أغناطيوس السبع.
5. رسالة لبوليكاربوس، ومقال عن استشهاده.
في عام ١٧٦٥ أضاف إليها Andres Gallandi في مجموعتهVeterum Patrum Bibliotheca الأعمال التالية:

6. رسالة إلى ديوجنيتس Diognetius لا يُعرف كاتبها.7. مقتطفات لبابياس وQuadratus.

8. وفي عام ١٨٧٣ اكتشفت "الديداكيّة Didache" أو "تعليم الرب للأمم كما نقله الإثنا عشر رسولاً" أضيفت إلى الكتابات الرسوليّة.وأخيرًا فإن بعض الدارسين رأوا إضافة ما يسمى بـ "قانون الإيمان للرسل The Apostolic Creed" إلى الكتابات الرسوليّة، لكن الغالبيّة لم يقبلوا ذلك.

سمات كتابات الآباء الرسوليّين

جاءت أغلب هذه الكتابات أشبه برسائل، لكنها في الحقيقة لا تمثّل "وحدة في الطبع". لا نقدر أن نربط بين هذه الكتابات وبعضها البعض من جهة الطابع أو الموضوع، لكننا بشيء من التجاوز يمكننا القول أن هذه الكتابات في مجملها تعالج موضوعين:
ا. وحدة الكنيسة الداخليّة وسلام بنيانها الداخلي.
ب. الحفاظ على الإيمان الخالص حتى لا تشوبه وثنيات.
اتسمت هذه الكتابات بالبساطة مع الغيرة الملتهبة، دون الاعتماد على الفسلفة اليونانيّة أو البلاغة الهيلينيّة. فباستثناء الرسالة إلى ديوجنيتس لا تحمل هذه الكتابات عملاً أدبيًا.
جاءت هذه الكتابات وليدة احتياجات عمليّة رعويّة، وليس لغرض علمي دراسي؛ فلم تقدّم لنا دراسات لاهوتيّة روحيّة. "الاهتمام الرعوي الأصيل" عامل مشترك في هذه الكتابات، فالآباء الرسوليّون يقدّمون قلوبًا ملتهبة حبًا نحو خلاص البشريّة. لم يكن هؤلاء الكتَّاب جبابرة عقليّين بل قدّيسين بسطاء، يحبّون التقوى، ويكرّسون حياتهم وقلوبهم لمخلّص حيّ يحيا فيهم وهم يحيوا به وفيه ومن أجله.

اتسمت كتاباته بالصبغة الاسخاتولوجيّة (الانقضائيّة) eschatological character. كان المجيء الثاني للسيّد المسيح هو غاية "الحياة المسيحيّة"، خلال علاقتهم المباشرة مع الرسل، إذ كانوا يذكرون شخص المسيح بحماس. فقد كشفت كتاباتهم عن شوق عميق نحو السيّد المسيح المخلّص الصاعد، وهو لا يزال حيًّا وقائمًا في وسطهم. ينتظرون مجيئه ليروه وجها لوجّه. هذا الشوق حمل شكلاً قدسيًا في حياتهم وكتاباته وعبادتهم.اتسمت هذه الكتابات بالطابع الكنسي كما حملت روح الشركة، شركة الكنيسة في العالم كلّه في الإيمان والتقليد والعبادة. رغم بُعد المسافات بين الكنائس وبعضها البعض مع اختلاف الثقافات وتفاصيل التقاليد.



magdy-f 26 - 08 - 2012 02:23 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
القدّيس إكليمنضس الروماني
ٍ
St. Clement of Rome

تعتبر الرسالة إكليمنضس الروماني أول الكتابات الآبائيّة التي احتلت مركزًا خاصًا في كتابات الكنيسة الأولى وحياتها وعبادتها، كتب عنها القدّيس إيريناؤس في القرن الثاني الميلادي إنّها رسالة لها وزنها[92]. وأشار إليها ديونسيوس الكورنثي[93] عام ١٧٠م بأنّه قد صارت هناك عادة قائمة منذ عدة سنوات أن تُقرأ رسالة إكليمنضس في الكنيسة في يوم الرب. كما كتب المؤرّخ الكنسي يوسابيوس[94] أن قراءة رسالة إكليمنضس في كثير من الكنائس صار أمرًا عامًا.
صمت التاريخ الكنسي عن تعريفنا بحياة القدّيس إكليمنضس، وتضاربت الأقوال عنه. يرى البعض أنّه أحد معاوني القدّيس بولس في الخدمة، وهو نفسه الذي ذكره الرسالة في رسالته إلى أهل فيلبّي (في ٤: ٣). نادى بهذا العلاّمة أوريجينوس ونقله يوسابيوس[95] فچيروم[96] ثم تناقله كثيرون من بعدهم. ويحتمل أن يكون روماني الأصل أو يوناني، عمل بعض الوقت في فيلبّي، ثم بعد ذلك في روما.
يرى Lightfoot أنّه إنسان شريف ليس قرابة مع القنصل قليمنس، من أصل يهودي. قيل أيضًا أنّه كان عبدًا يهوديًا أو ابن عبد يهودي للقنصل المذكور، اعتقه فحمل اسم سيّده[97]. هذا وقد ذكر عنه القدّيس إيريناؤس: [رأى الرسل الطوباويّين وتحدّث معهم، كانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه، وتقليدهم ماثلاً قدام عينيه.]
تحدّث عنه يوسابيوس أنّه الأسقف الثالث على روميّة[98]، بعد لينوس وأناكليتوس، سيم أسقفًا في السنة الثانية عشرة لحكم دومتيانس، وتنيّح في السنة الثالثة من حكم تراجان، أي من سنة ٩٣م حتى سنة ١٠١م.
وقد جاء عنه في أحد الكتب الأبوكريفا من القرن الرابع أنّه حوّل ثيؤدورا إحدى شريفات روما وزوجها Sisinnius و٤٢٣ آخرين إلى المسيحيّة، الأمر الذي أثار غضب الشعب وأدى إلى نفيه في شبه جزيرة القرم[99].
وروى البعض عنه[100] أن مجلس اشيوخ بروما لم يحتمل أن يرى من بينهم شريفًا صار أسقفًا مسيحيًا، يجذب الأشراف إلى المسيحيّة، فاجتمع ودعوه ونصحوه بالعدول عن مسيحيّته، وإذ لم يقبل عرضوا تقريرًا لتراجان الذي أمر بنفيه وتكليفه بقطع الأحجار. هناك في النفي التقى بحوالي إلفين من المسيحيّين، وإذ كانت المياه بعيدة عنهم، صلى إلى الله الذي أرشده إلى صخرة بها نبع ماء يستقون منه. وقد آمن على يديه الكثير من الوثنيّين، وتحوّل المنفى إلى مركز للعبادة والكرازة، الأمر الذي ملأ الولاة غضبًا، فوضعوا في عنقه مرساه وطرحوه في البحر ومات غرقًا حوالي عام ١٠١م. وقد قيل أن الجسد بقي عامًا بأكمله في المياه دون أن يفسد حتى أظهره الرب.

رسالة إكليمنضس الأولى

حدث في القرن الأول حركة تمرّد في الكنيسة بكورنثوس. قام جماعة من الشبان المتعجرفين ظنّوا في أنفسهم أنّه أكثر حكمة من الإكليروس وأقدر على التعليم، وبدأوا يشنّون بين الشعب حملة تمرّد وعصيان، فطردوا كثيرين من عملهم[101]. أسرع القدّيس إكليمنضس أسقف روما وكتب رسالة مملوءة حكمة، تمتاز بروح الانسحاق مع الحب، اعتمد فيها على الكثير من النصوص الكتابيّة مع أمثلة كثيرة من العهدين.
1. رسالة كتابيّة: اقتبست الكثير من العهدين، إمّا بعبارات منقولة عن الكتاب المقدّس مباشرة أو مشابهة لها. ويُلاحظ أنّه استخدم الترجمة السبعينيّة التي عرفها غالبًا عن طريق الرسول بولس والإنجيلي لوقا.
2. تكشف الرسالة عن أن ذكريات إكليمنضس بتعاليم السيّد المسيح ورسله كانت خصبة للغاية.
3. قدّمت لنا معلومات في تاريخ الكنيسة عن اضطهاد نيرون، كما تحدّثت عن جموع الشهداء، وأشارت إلى كثرة النساء الشهيدات[102].
4. تحمل مفاهيم قيّمة وشهادة واضحة عن "العقيدة المسيحيّة" كما فهمها المسيحيّون الأوّلون:
ا. ذكر الثالوث القدّوس: الآب والرب يسوع المسيح والروح القدس.
ب. لاهوت السيّد وربوبيّته وخلاصه.
ج. ضرورة الإيمان، بدونه لا خلاص بالأعمال الذاتيّة، إذ يقول: [ونحن أيضًا الذين دعينا بإرادته في المسيح يسوع لن نتبرّر بذواتنا ولا بحكمتنا ولا بفطنتنا ولا بتقوانا، ولا بالأعمال التي نضعها في قداسة القلب، بل بالإيمان الذي من البدء برّر به الرب ضابط الكل كل الناس[103].]
د. ضرورة الأعمال المرتبطة بالإيمان، وهي تفرح الله. يقول: [لماذا بُورك أبونا إبراهيم؟ أليس بسبب اقتنائه البرّ والحق خلال الإيمان[104]]، [إذن، ماذا ينبغي علينا أن نفعل يا إخوة؟ هل نهمل عمل الخير، ونكف عن الحب؟! الله لن يقبل هذا، بل بالحري نسرع في عمل الخير باجتهاد وفي غيرة. إن خالق الكل وربّهم هو نفسه يفرح بأعماله[105]]، [العامل الصالح يتقبّل خبز عمله بجرأة، أمّا الكسول والمتهاون، فلا يجسر أن ينظر بعينيه إلى رب عمله[106].]
هـ. التبرير بالنعمة المجّانيّة مع الجهاد المستمر حتى الموت [نساء كثيرات صرن قويّات بالنعمة الإلهيّة وقمن بأعمال خارقة[107].]
و. التقدّيس بالروح القدس.
ز. الفضائل المسيحيّة من تواضع واحتمال وطول أناة مع تركيز على المحبّة. من كلماته: [المسيح هو مسيح المتواضعين لا المتعجرفين على قطيعه[108]]، [الحب يقود إلى أعالٍ لا يُخبر بها!... بالحب يأخذنا الرب إليه. بالحب يحملنا يسوع المسيح الذي أراق دمه عنّا بإرادة الله، وأعطانا جسده عن جسدنا، ونفسه ونفوسنا[109].]
س. الوحدة الكنسيّة القائمة على التقدير المتبادل بين الأعضاء. [لا وجود للكبار بدون الصغار، ولا للصغار بدون الكبار، وإنّما في كل مكان يُدمج (الكل) لنفع الجميع. أعظم مثل لهذا هو جسمنا، فالرأس بدون الأقدام ليس بشيء ولا الأقدام بدون الرأس. نعم، فإن أقل الأعضاء في جسمنا ضروري ومفيد للجسم كلّه، أو بالحري كل الأعضاء تعمل معًا في خضوع لأجل حفظ الجسم[110]]، [لماذا نمزّق أعضاء المسيح ونقطّعها، نثور ضدّ جسمنا، ويستولي علينا جنون مطبق كهذا، ننسى إنّنا أعضاء بعضنا البعض؟ اذكروا كلام ربّنا يسوع المسيح[111].]
ح. لأول مرّة نجد إعلانًا واضحًا وصريحًا عن تعليم "التتابع الرسولي" فرجال الإكليروس لا يُسامون بواسطة أعضاء الجماعة، لأن السلطة الروحيّة لا تُمنح منهم، وإن كان من حق الشعب أن يختار راعيه، لكن سلطانهم مُستمد من الرسل، الذين يمارسون سلطاته في طاعة المسيح[112].
ط. يعالج الفصلان ٢٤ و٢٥ موضوع القيامة من الأموات، ولأول مرّة تُستخدم الأسطورة الرمزيّة القديمة الخاصة بالطائر "فونيكس" أو "العنقاء" في كتابات مسيحيّة لتأكيد القيامة. وهو طائر خرافي زعم قدّماء المصريّين أنّه يعمّر خمسة قرون، بعدها يموت ويدفن نفسه في تابوت من المرّ واللبان والعطور ليقوم وهو أتم ما يكون شبابًا وجمالاً.
ي. أوضحت نظرة الكنيسة للدولة: فبينما كان إكليمنضس وشعبه يذوقون المر من الإمبراطور دومتيان إلاَّ أنّه في رسالته إلى أهل كورنثوس تجده يطلب الخضوع للولاة والرؤساء كما يقدّم عنهم صلاة من كل قلبه.
ك. كشفت لنا عن الليتورچيّا في الكنيسة الأولى، ففي هذه الرسالة نستشف الآتي:
1. يعتبر إكليمنضس الروماني أول كاتب مسيحي يصف التجمع الليتورچي للكنيسة المسيحيّة لتقديم "قرابينها" بتنظيم كنسي كعملٍ إلهيٍ[113]، إذ يقول: [أمرنا (الرب) أن نقدّم التقدمات حسب أوقات وساعات معيّنة. لقد حدّد بنفسه، بأمره العلوي، أين نتمّمها ومن الذي يقدّمها، حتى إذ يتم كل شيء بورعٍ حسب مسرّته الصالحة تكون مقبولة لديه.[114]]
2. كشف عن شركة كل المؤمنين في الليتورچيّا، سواء الكهنة أو الشعب، ولكن كل واحد حسب عمله. إذ يقول: [أعطيت لرئيس الكهنة (الأسقف) ليتورچيّات خاصة، وحدّدت للكهنة أماكن معيّنة، وللاويّين (الشمامسة) خدمات خاصة بهم، وللشعب القوانين الخاصة بهم. ليصنع (يشترك) كل واحد منكم يا إخوة في إفخارستيّا euscharisteito لله حسب ترتيبه (وضعه)[115].]
3. ذكر بعض الرتب الكنسيّة مثل الأبوذياقونيّين (مساعدي الشمامسة)، والذياقون (الشماس)، الأبرسفيتيروس (القس)، والأسقف وأوضح أن عمله الرئيسي هو خدمة الليتورچيّات وتقديم القرابين[116].
4. كشف عن السيّد المسيح أنّه "كاهن تقدماتنا العلي"[117]. فالعمل الكهنوتي هو عمل المسيح شخصيّا الذي يعمل سرّيًا في كهنته. أنّها ذبيحة سماويّة تُقام على الأرض، كاهنها المسيح نفسه، يقدّمها على المذبح السماوي كفّارة عن البشريّة.
5. قدّم لنا أقدم وأروع شكل لصلاة ليتورچيّة (جماعيّة) في الكنيسة[118]، انتهت بمجدلة "ذكصولوجيّة" doxology كعادة الكنيسة في نهاية كل صلاة ليتورچيّة[119].

تاريخ كتابتها

يحدّد أغلب الدارسين للرسالة تاريخ كتابتها بعام ٩٦م.
أقسامها

* افتتاحيّة من كنيسة روما إلى كنيسة كورنثوس، فيها يعلن الأب الأسقف حقيقة الكنيسة إنّها متغرّبة على الأرض. هذه الحقيقة تتطلب أن تعيش الكنيسة وسط العالم بفكرٍ سماويٍ، فلا تسلك بروح الغيرة والانقسامات، ولا تزحف على الأرض تطلب الفانيات، بل تهتم بخلاص كل أحد.
أولاً: جمال ملامح الكنيسة قبل الانقسام فصل ١-٢.
ثانيًا: ملامح الكنيسة بعد الانقسام فصل ٣.
ثالثًا: سرّ الانقسام: الغيرة والحسد فصل ٤-٦.
رابعًا: علاج الحسد والغيرة فصل ٧-٥٨.
بالتوبة والإيمان العملي فصل ٧-٨.
بالطاعة فصل ٩–١2.
بالتواضع فصل ١٣-٢١.
تذكّر الدينونة وقيامة الأموات فصل ٢٢-٢٩.
بالجهاد كأبناء الله فصل ٣٠-٣٦.
بالخضوع للنظام والترتيب فصل ٣٧-٤٧.
بالحب الذي هو باب البرّ فصل ٤٨-٥٨.
خامسًا: ابتهال لله فصل ٥٩-٦١.
سادسًا: ختام فصل ٦٢-٦٥.
[تُرجمت نصوص الرسالة إلى العربيّة، ونُشرت عام ١٩٧٤م.]
الأعمال المنسوبة للقدّيس إكليمنضس الروماني

لعلّ ما حظي به القدّيس إكليمنضس من تقدير عام هو المسئول الأول عما نُسب إليه من كتابات أرثوذكسيّة وهرطوقيّة، لكي تجد لها رواجًا.
1. رسالة إكليمنضس المسماة بالثانية The so-called Second Epistle of Clement
في حقيقتها عظة لا رسالة، لها أهميّتها بكونها أول عظة مسيحيّة وصلت إلينا حتى اليوم. أما أهم ملامحها ومحتوياتها فهي:
ا. التركيز المستمر على التوبة كطريق للملكوت، وكوسيلة لعمل لله فينا: [لنتب مادمنا على الأرض، فإننا طين في يد فنان[120].]
ب. الإيمان العملي خلال الطاعة للوصيّة واحتقار الشهوات الزمنيّة من أجل الأبديّة.
ج. الكنيسة سابقة للوجود[121]، روحيّة غير منظورة، صارت جسد المسيح[122] وأمًا للمؤمنين.
د. دعى العماد ختمًا Sphragis يلزم حفظه[123].
2. رسالتان عن البتوليّة
دافع كثير من الدارسين الكاثوليك عن نسبتهما لإكليمنضس غير أن غالبيّة الدارسين البروتستانت يرفضون ذلك، للأسباب التالية[124]:
ا. صمت يوسابيوس عن ذكرهما.
ب. نغمتهما النسكيّة تناسب النصف الأول من القرن الثالث[125].
ج. تختلف الرسالتان هنا عن الرسالة الأصليّة لإكليمنضس في طريقة الاقتباس من العهد الجديد، كما أن الاقتباس هنا من العهد القديم أقل.
ملامحهما ومحتوياتها:
ا. يبدو أن الرسالتين في الأصل عمل واحد، مع الزمن قُسَّم إلى جزئين.
ب. البتوليّة حياة يعيشها الإنسان بروحه في الداخل كما بجسده، وليست لقب شرف أو مجرّد اسم يحمله البتول:
[كل البتوليّين من الجنسين... يلتزمون كل واحدّ فواحد منهم أن يكون متأهّلاً لملكوت السماوات في كل شيء... الاسم وحده بغير الأعمال لا يُدخل ملكوت السماوات، لكن إن كان الإنسان بحق مؤمنًا، مثل هذا يخلّص... لا يقدر الإنسان أن يخلّص لمجرّد تلقيبه بتولاً وهو خالٍ من الأعمال الممتازة الكاملة التي تليق بالبتوليّة... فقد دعى ربّنا مثل هذه البتوليّة جهلاً كما جاء في الإنجيل (مت٢٥: ٢). وإذ لم تحمل زيتًا ولا نورًا تُركت خارج ملكوت السماوات، وطُردت من فرح العريس، وحُسبت ضمن أعدائه، مثل هؤلاء الأشخاص لهم فقط مظهر مخافة الرب ولكنّهم منكرون قوّتها (٢تي٢: ٥).]
ج. الحياة البتوليّة هي عمل إلهي فائق للطبيعة، تدخل بنا إلى الحياة الملائكيّة، ويختبر أصحابها الحياة السماويّة، وذلك بتقدّيس روح الله[126].
د. الحياة البتوليّة ليست هروبًا من العالم لأجل الراحة الزمنيّة، إنّما هي دخول في معركة الصليب حيث يجاهد البتول بروح الرب ضدّ الأنا وضدّ الشيطان ومحبّة العالم وشهوات الجسد.
[إن كنت تتوق إلى هذا كلّه اغلب الجسد، اهزم شهوات الجسد، اغلب العالم في روح الله، انتصر على الزمنيّات الباطلة التي تعبر وتشيخ وتفسد وتنتهي... اِغلب الشيطان، بيسوع الذي يقوّيك، بسماعك كلماته وتمتّعك بالإفخارستيّا في الله. احمل صليبه واتبعه، ذاك الذي يطهّرك[127].]
هـ. يقدّم الكاتب نصائح وإرشادات عمليّة تخص النسّاك، منها:
عدم الخلطة بين النساك والبتوليّين من الجنسين معًا[128]، خاصة عدم المزاح والأحاديث التافهة، والهروب من أماكن الشرّ[129].
الالتزام بالعمل، إذ لا يسمح للكسالى حتى أن يأكلوا خبزًا[130].
يخدمون لكن دون حب التعليم[131]، ويهتمّون بالفقراء والمرضى مع عدم تجاهل العبادة والحياة الروحيّة الداخليّة[132].
و. تظهر أهميّة الرسالتين إذ تقدّمان لنا أقدّم وثيقتين كمصدر للتاريخ النسكي المسيحي الأول وقوانين الحياة النسكيّة وعاداتها.
3. القوانين الرسوليّة The Apostolic Institutions
قدّمت لنا في الكتاب الثامن ما يُسمى بالليتورچيّا الإكليمنديّة The Clementine Liturgy. كان الدارسون حتى القرن السادس عشر يعتقدون إنّها عمل أصيل من وضع القدّيس إكليمنضس، وقد أدركوا بعد ذلك إنّها ليتورچيّا شرقيّة من القرن الرابع.
4. الإكليمنضيّات المزوّرة، وتسمى "كلمنتينا" أو سيّدو-كلمنتيناPseudo-Clementina
وهي مجموعة كتابات مزوّرة متشابهة إلى حد ما، لكنها غير متجانسة معًا، منسوبة خطأ للقدّيس إكليمنضس. كتبها جماعة من الأبيونيّين[133] الهراطقة، وهم شيعة متطرفة من بعض اليهود المتنصرين، يحملون عداءً للرسول بولس بكونه رسول الأمم، أو على الأقل يتجاهلون خدمته وكرازته. لذلك جاءت هذه الكتابات مليئة بعبارات التمجيد للرسولين بطرس ويعقوب أخي الرب، بكونهما رسولي الختان. كما ربطوا بين الرسول بطرس وسيمون الساحر عقب اللقاء الذي تم بينهما في السامرّة حوالي عام ٣٧م ويصوّرون الرسول أنّه أخذ يتعقبه من سوريا حتى وصل إلى روما عاصمة الإمبراطوريّة وهناك أماته بصلاته[134].
أما عن أفكار هذه الجماعة، فهما فريقان بين متزمت ومعتدل، الأول يحفظ ناموس موسى حفظًا حرفيًا ويقدّسون السبت ويعتبرون الختان لازمًا للخلاص. أمّا الفريق الآخر، فيحفظون ناموس العهد القديم، لكنّهم لا يلزمون الجميع ولا يتعصّبون ضدّ من يرفضون حفظه. كانوا يحتفلون بيوم الأحد ولا يعترضون على آلام السيّد المسيح، لكنّهم يشتركون مع الفريق الأول في إنكار لاهوته وأزليّته[135].

أما أهم كتابات الاكليمنضيّات المزوّرة فهي:
ا. العظات Homilies: عبارة عن عشرين عظة أبيونيّة؛ تتحدّث عن السيّد المسيح كنبي ومعلّم وليس مخلّصا، وتنكر لاهوته.
ب. المدركات Recognitions: في عشرة كتب.
ج. الخلاصة Epitome: وهي مقتطفات باليونانيّة بغير دقّة أو اكتراث منقولة عن العظات Homilies مضاف إليها مقتطفات عن رسالة إكليمنضس ليعقوب عن "استشهاد إكليمنضسMartyrium Clementis، بواسطة Simon ****phrastes... الخ.
د. كتابات أخرى لها ذات الصبغة، منها مقتطفان عن المدركات Regonitions والعظات Homilies، وُجدت باللغة العربيّة.
كما نسبت له خمسة رسائل منها رسالتان موجّهتان إلى يعقوب أخ الرب، يضمّهما البعض إلى الإكليمنضيّات المزوّرة. في الرسالة الأولى يظهر الكاتب رسالة إكليمنضس بيد بطرس الرسول كخلف له على كرسي روما مع توجيهات خاصة بالتنظيمات الكنسيّة. والثانية تشير إلى خدمة الإفخارستيا وأثاث الكنيسة وبعض الأمور الطقسيّة[136].
ملامحها ومحتوياتها
1. احتلت قصّة عائلة إكليمنضس مركزا هامًا في العظات كما في المدركات، وهي تتلخص في أن سيّدة تدعى ماتلدا زوجة فوستوس ووالدة ثلاثة أشخاص: فوستينوس وفوستنيانوس وإكليمنضس تركت روما متجهة إلى أثينا وفي صحبتها الابنان الكبيران، وقد اختفى الثلاثة. قام فوستوس بالبحث عنهم فاختفى هو بدوره. بقى إكليمنضس بمفرده، فجال في العالم يبحث عن الحق فوجد القدّيس بطرس. التصق به ودخل معه في مناظرات حيث كان يسأله عن الحق... وقد اكتشف بعدئذ بالتتابع والدته فأخويه ثم والده. وربما لهذا السبب دُعيت أحد هذه الأعمال بالمدركات.
2. بينما نُسبت الرسالتان عن البتوليّة للقدّيس إكليمنضس، حيث يشبه البتوليّين بالملائكة السمائيّين، وتعتبر البتوليّة هبة إلهيّة تمس الحياة الداخليّة كما الجسد، إذ بالعظات المنسوبة لذات القدّيس تحمل اتجاهًا أبيونيًا، إذ تهاجم الأبيونيّة الحياة البتوليّة.
3. جاء في الإكليمنضيّات المزوّرة بعض طقوس التطهير منسوبة للقدّيس بطرس مثل الامتناع عن العلاقات الجسديّة بين الزوجين في فترة الطمث[137]، والاستحمام بعد العلاقات الجسديّة.
4. تقدّم لنا هذه الإكليمنضيّات القدّيس بطرس كإنسان نباتي، إذ يقول: [أعيش ع الخبز والزيتون فقط، ونادرًا ما آكل خضروات... فإن نفسي تسبح في الأعالي في الأبديّات ولا تتطلّع إلى السفليّات[138].]
ينظر الكاتب إلى أكل لحوم الحيوانات أنّه ضدّ الطبيعة، أدخله إلى البشريّة العمالقة الذين وُلدوا من الملائكة الساقطين[139].
5. حملت العظات مفاهيم غير مسيحيّة خاطئة منها:
v أن الناموس سُلِّم شفاهًا من موسى إلى السبعين كليمًا، وبعد موته كُتب، لكنّه ضاع فأعيد كتابته لذا يحتاج إلى تنقية من بعض الأخطاء[140].
v لم يهتم الكاتب بدور السيّد المسيح الخلاصي، ورفض فكرة سقوط آدم، إذ حسب الأخير نبيًا حقيقيًا يعرف كل شيء، قدّم هذه المعرفة لأولاده وعلمهم أن يخدموا الله في كل شيء، وبهذا أسس للبشريّة كلّها قانونًا أبديًا[141]. وإذ تجاهلت البشريّة ذلك احتاجت إلى موسى ويسوع ليحقّقا ما سبق أن قام به آدم. لهذا يمكن للإنسان أن يتتلمذ على الواحد دون حاجة إلى الآخر، ما دام يمارس عمليًا ما يعلّمه ولا يحمل كراهيّة ضدّه؛ وكأنّه وضع موسى ويسوع على قدّم المساواة... لأن همه الأول هو "النشاط العملي للإرادة" لا الإيمان بالخلاص. تجاهل بنوّة السيّد المسيح الإلهيّة، وتطلّع إلى كلمات يسوع على الصليب للغفران للمسيئين إليه مجرّد مثال نتمثّل به وليس عملاً خلاصيًا[142].
هذا الفكر يحمل اتجاهًا يهوديًا، لذا يرى كثير من الدارسين أن الكاتب يهودي قبل المسيحيّة، فقد هاجم تعدد الآلهة وعبادة الأوثان والتنجيم، لكنّه لم يحمل فكرًا مسيحيًا حقيقيًا.
مفاهيم روحيّة عن رسالة إكليمنضس الأولى

v التأمل في الصليب: [لنركّز أنظارنا على دم المسيح؛ متحقّقين كم هو ثمين لدى أبيه! إذ أراقه قدّم نعمة التوبة للعالم كلّه!] (٧: ٤).
v الحاجة إلى التوبة: [اته يود أن يقدّم فرصة للتوبة لكل محبوبيه، ويثبّتها بإرادته القادرة] (٨: ٥). [احترزوا أيها الأحبّاء لئلا يصير كثرة لطفه دينونة لجميعنا، ذلك إن لم نسلك كما يليق به، ونتمّم بفكرٍ واحد الأمور الصالحة المرضيّة في عينيه] (٢١: ١).
v الثقة في المواعيد الإلهيّة: [ليتنا لا نتردّد، ولا نتشكك من جهة عطاياه الثمينة المجيدة] (٢٣: ٢). [مباركة ومدهشة هي عطايا الله أيها الأحبّاء] (٣٥: ١).
v ترقب وعده بالقيامة: [على هذا الرجاء تلتصق نفوسنا بالأمين في مواعيده، العادل في أحكامه] (٢٧: ١).
v شهادتنا لله بسلوكنا: [فليشهد الآخرون عن أعمالنا الصالحة، كما شهدوا لآبائنا الصدّيقين] (٣٠: ٧).
v نشكر الله على عمله معنا وفينا: [يليق بنا أن نشكره ما دام كل ما فينا هو منه] (٣٨: ٤).
v الاهتمام بدراسة الكتاب المقدّس: [انكبوا على دراسة الكتب المقدّسة التي هي بحق منطوقات الروح القدس] (٤٥: ٢).
v الاهتمام بالحب الأخوي اللائق والمقدّس والعملي.
[لننطرح قدّام الرب ونسأله بدموعٍ أن يجعلنا رحومين، ويصالحنا معه، ويعيدنا إلى ممارسة الحب الأخوي الذي كان لنا، اللائق والمقدّس.
إنه باب البرّ الذي يفتح الطريق للحياة، كما هو مكتوب: "افتحوا لي أبواب البرّ، أدخل فيها وأحمد الرب. هذا هو باب الرب والصدّيقون يدخلون فيه" (مز١١٨: ١٩، ٢٠).
الحب يقود إلى أعالي لا يُخبر بها!
الحب يوحِّدنا مع الله، إذ "المحبّة تستر كثرة من الخطايا" (١بط٤: ٨؛ أم١٠: ٢)...
بالحب يصير مختارو الله كاملين، وبدونه ليس شيء يرضي الله.
بالحب يأخذنا الرب إليه.
بالحب يحملنا يسوع المسيح الذي أراق دمه عنّا بإرادة الله، وأعطانا جسده عن جسدنا، ونفسه عن نفوسنا.
انظروا أيها الأحبّاء، يا لعظم الحب. إنه مدهش! كماله لا يمكن وصفه!...
يجلس الكاملون في الحب بالنعمة الإلهيّة في مجالس القدّيسين، ويظهرون عند إعلان ملكوت المسيح] (٤٨-٥٠)
v اهتمامنا بالخطاة: [لنصل نحن أيضًا من أجل الذين ارتكبوا أية خطيّة، حتى إذ نعاملهم بالوداعة والتواضع يمتثلون لا لنا بل لإرادة الله. بهذه الكيفيّة يكون ذِكرنا لهم مثمرًا وكاملاً وبلطف في صلّواتنا لله وقدام القدّيسين] (٥٦: ١).
v الهروب من الكبرياء: [من الأفضل أن تكونوا صغارًا ومكرّمين في قطيع المسيح، عن أن تكونوا مشهورين وخارج رجائه] (٥٧: ٢).




magdy-f 26 - 08 - 2012 02:34 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
القدّيس أغناطيوس الثيؤفورس[143]
St. Ignatius of Antioch
أسقف أنطاكية


ولد ما بين عامي ٣٠، ٣٥م؛ سوري الأصل على الأرجح، هيليني الثقافة، وثني. يرى أناستاسيوس الكتبي[144]الذي عاش في القرن التاسع أنّه ذاك الطفل الذي حمله السيّد المسيح مقدّمًا إياه مثالاً للتواضع (مت ١٨: ٢-٤)؛ بينما يرى القدّيس يوحنا الذهبي الفم الأنطاكي المولد، في أواخر القرن الرابع أن القدّيس أغناطيوس لم يرَ السيّد المسيح[145].
إذ رأى الرسل غيرته المتّقدة رسموه أسقفًا على أنطاكية، وقد اختلف البعض في شخصيّة من سامه، فيرى البعض أن الرسول بطرس سام أفوديوس على اليهود المتنصرين والرسول بولس سام أغناطيوس على الأمم المتنصرين. وأنه لما تنيّح الأول تسلّم أغناطيوس رعاية الكنيسة بشطريها. على أي الأحوال اتّسم بغيرته على خلاص النفوس، فكسب الكثيرين من الأمم للسيّد المسيح.
اتسم بحبه الشديد لشعبه كما يظهر من حديثه مع مستقبليه في أزمير أثناء رحلته إلى روما للاستشهاد، إذ كان يذكر أمام مستقبليه شعبه، ويطلب إليهم الصلاة من أجلهم.

وضعه نظام التسبحة


قيل أنّه نظر في رؤيا الملائكة تسبح ممجدة الثالوث القدّوس، فنقل النظام الذي لاحظه إلى الكنيسة الأنطاكية، حيث انتشر بعد ذلك بين بقيّة الكنائس.

لقاؤه مع والي سوريا


سمع الوالي عن غيرته على انتشار المسيحيّة فاستدعاه، ودخل معه في حوار من جهة "يسوع المصلوب"، انتهى بإصداره الأمر بأن يُقيَّد أغناطيوس القائل عن نفسه أنّه حامل في قلبه المصلوب، ويُقاد إلى روما العظمى، ليُقدّم هناك طعامًا للوحوش الضارية، إرضاءً للشعب.
سمع الأسقف بذلك فابتهج جدًا. إذ جاءت الساعة التي طالما ترقبها، وحسب هذا الأمر أعظم هديّة قدّمت إليه؛ إذ جثا وصرخ مبتهجًا: "أشكرك أيها السيّد الرب، لأنك وهبتني أن تشرّفني بالحب الكامل نحوك، وسمحت لي أن أُقيّد بسلاسل حديديّة كرسولك بولس". ولما صلى هكذا قبَّل القيود، متضرعًا إلى الله أن يحفظ الكنيسة، هذه التي ائتمنه الرب عليها ليخدمها حوالي ٤٠ عامًا.

إلى روما


خرج القدّيس في حراسة مشدّدة من عشرة جنود، وقد صاحبه اثنان من كنيسته هما روفوس وزوسيموس اللذان شملهما الحكم بالإعدام. وإذ رأى الجند حب الشعب له والتفافهم حوله عند رحيله تعمّدوا معاملته بكل عنف وقسوة، حتى دعاهم بالفهود بالرغم من لطفه معهم وما دفعه الشعب لهم كي يترفّقوا بأسقفهم.
وصلّوا إلى سميرنا Smyrna حيث استقبله القدّيس بوليكاروبوس أسقفها، كما جاء إليه أساقفة كنائس مغنيسيّة (مانيسيا)[146]Magnesia وأفسس وتراليا[147]Tralles مع وفود من الكنائس يتبركون به، ويلتقطون درر تعاليمه. استغل الفرصة وكتب رسائل إلى هذه الكنائس، كما كتب رسالة بعثها إلى روما، إذ سمع أن بعض المؤمنين يبذلون كل الجهد لينقذوه من الاستشهاد، جاء فيها:
[لا أطلب إليكم سوى أن أكون سكيبًا لله مادام المذبح معدًا... أطلب إليكم ألا تظهروا لي عطفًا في غير أوانه، بل دعوا الوحوش تأكلني، التي بواسطتها يوهب لي البلوغ إلى الله. إنّني حنطة الله. اتركوني أُطحن بأنياب الوحوش لأصبح خبزًا تقيًا للمسيح. هيِّجوا هذه الوحوش الضارية لتكون قبرًا لي، ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما مُت لا أُتعب أحدًا، فعندما لا يعود العالم يرى جسدي أكون تلميذًا حقيقيًا للمسيح[148].]

في تراوس


أبحر بالسفينة من سميرنا إلى تراوس، حيث كتب القدّيس أيضًا ثلاث رسائل "إلى فيلادلفيا، وسميرنا، والقدّيس بوليكاربوس". من تراوس أبحر إلى نيوبوليس، ثم فيلبّي، ثم Epirus وTyrhene... وأخيرًا إلى منطقة Portus حيث التقى بالإخوة الذين امتزج فرحهم برؤيته وبحزنهم لانتقاله. قابلهم بكل محبّة، سائلاً إياهم أن يظهروا المحبّة الحقيقيّة ويتشجّعوا.
جثا على ركبتيه وصلّى لكي يوقف الله موجة الاضطهاد عن الكنيسة، وأن يزيد محبّة الاخوة لبعضهم البعض.
أخيرًا أسرع به الجند إلى الساحة، وأطلقت الوحوش ليستقبلها بوجهٍ باشٍ، كمن يُسرع إلى المدينة السماويّة الأبديّة، ليعيش مع سيّده في الأمجاد الأبديّة. وثب عليه أسدان، ولم يبقيا منه إلاَّ القليل من العظام. استشهد حوالي سنة ١٠٨ بروما[149].
جمع المؤمنون ذخائره وأرسلوها إلى كنيسته بأنطاكيا، فدفنت خارج السور بالقرب من باب دفنه. وبقيت هناك حتى أيام القديس إيرونيموس، ثم تحوّل هيكل فورتونة في قلب أنطاكية إلى كنيسة مسيحيّة، فنقل الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير (٤٠٨-٤٥٠) رفات القدّيس إلى هذه الكنيسة، وأطلق عليها اسم الشهيد البار تخليدًا لذكراه[150]. تعيِّد له الكنيسة القبطية في ٧ من شهر أبيب.

رسائله


ظهرت ١٥ رسالة: ٧ رسائل حقيقيّة، و٨ رسائل مزيفة. الرسائل الحقيقيّة موجّهة إلى كنائس أفسس ومغنيسيّة وتراليا (ترالز) وروما وفيلادلفيا وسميرنا (إزمير) وإلي الشهيد بوليكاربوس. أمّا المزيّفة فموجّهة إلى السيّدة العذراء ومريم الكاسابيليّة (الكسبولة Cassabola) والرسول يوحنا (رسالتان) وهيرون (شماس أنطاكي) وإلى كنائس أنطاكية وفيلبّي وطرطوس (تراسيا).
وصلت إلينا الرسائل الحقيقيّة في مجموعات ثلاث: قصيرة (يونانيّة) وطويلة ومختصرة (سريانيّة). اتفق معظم العلماء على أن النص القصير هو النص الأصلي، وأما المطوّل فجاء شارحًا للأصل.
حُفظ النص القصير في مخطوطة يونانيّة قديمة[151]وهي تعود إلى القرن الثاني، لكنها لا تشمل نص الرسالة إلى أهل روما. وقدم النسخ التي تتضمّن نص الرسالة إلى روما لا تعود إلى ما قبل القرن العاشر[152].

المفاهيم اللاهوتيّة والروحيّة


اتسمت مفاهيمه اللاهوتيّة بالآتي:

1. إذ جمع القدّيس أغناطيوس في شخصه البساطة الشديدة بلا تكلف مع الصراحة وعدم حبه للدعاية والمظاهر وأيضًا الصلابة في التمسّك بالإيمان المستقيم، كتب لا كدارسٍ باحثٍ، وإنّما كراعٍ يقظٍ وأب محبٍ مترفقٍ، يهتم بإبراز الحق في استقامة، وحفظ أولاده من البدع، خاصة المعاصرة له مثل (الخياليّين) أو الدوسيتيّين[153]Docetists الذين حملوا اتجاهًا نحو إنكار التجسّد والصلب بكون جسد المسيح "خيالاً". كتب ليشعل قلوب أولاده بنار الحب الإلهي، ويبعث فيهم الانشغال بالحضرة الإلهيّة، والتمتّع بالكنيسة الجامعة (الكاثوليكيّة) كحياة معاشة واتّحاد مع المسيح.
2. العقيدة – كما تظهر من رسائله – ليست فكرًا فلسفيًا، وإنّما هي حياة معاشة، يختبرها المؤمن دون فصل بين الإيمان بالله (اللاهوت) وعمله الخلاصي وممارسة الحياة الكنسيّة على صعيد الروح خلال الواقع العملي مع انشغاله بخلاص اخوته.
3. يركّز على الوحدة المسيحيّة في كل رسائله، فيحسب نفسه مكرّسا لهذا العمل: [لقد قمتُ بما في وسعي القيام به كإنسان يعيش من أجل الوحدة[154].]
4. خلافًا للقدّيس إكليمنضس الروماني، لا يقتبس من العهد القديم، وإنّما لأنّه تلقى تربية مستقلّة عن مجمع اليهود، بكونه نبتة جديدة ظهرت في أرض وثنيّة من زرع مسيحي تقي[155].
5. كشفت لنا هذه الرسائل عن روح آبائنا من جهة حبهم الملتهب نحو الله، وشوقهم لتمتّع الكل بالروح الكنسيّة الإنجيليّة، ورغبتهم الصادقّة نحو الاستشهاد مع حزمهم الشديد ضدّ الهرطقات ومقاومتهم لها ولأصحاب البدع والمنشقّين عن الكنيسة، وفتحهم باب التوبة على مصراعيه أمام الراغبين منهم في العودة إلى أحضان الكنيسة.
6. كتابته الرسائل وعيناه تتطلّعان لا إلى روما حيث تنتهي حياته الزمنيّة بل بالحري إلى السيّد المسيح السماوي وهو يُعد له موضعًا في الأمجاد طبع عليها اتجاهًا اسخاتولوچيًا (أو انقضائيًا). في رسالته إلى روما يقول: [عندئذ أصير تلميذًا حقيقيًا ليسوع المسيح عندما لا يعود يرى العالم جسدي بعد[156]]؛ [عندما اختفي من هذا العالم أستطيع أن أُدعى مؤمنًا حقيقيًا[157].] [ليس شيء منظور جميلاً؛ حتى إلهنا يسوع المسيح يعلن بصورة أفضل الآن إذ عاد إلى حضن الآب[158].]

١. المسيح المخلّص


أ. السيّد المسيح هو المعلّم الذي تتلمذ عليه الأنبياء قبل مجيئه وذلك بعمل الروح القدس الذي سبق فوجّه أنظارهم إلى المعلّم، المسيّا المخلّص، وقد تحقّقت نبوّاته واشتياقهم بمجيئه. [يسوع المسيح معلّمنا الأوحد... حتى الأنبياء تتلمذوا له بالروح، وقد توقّعوا مجيئه معلّما[159].]
ب. أوضح لاهوت السيّد المسيح وناسوته بجلاء تام: [يوجد طبيب واحد، هو في الوقت نفسه جسم وروح (إنسان وإله)، مولود gennetos، وغير مولود، الله صار إنسانًا. حياة حقيقيّة في موت (جسد قابل للموت)، من مريم ومن الله، في البدء كان قابلاً للألم وأصبح الآن غير قابل للألم، هو يسوع المسيح ربّنا[160].]
[بالحقيقة هو من نسل داود حسب الجسد، وهو ابن الله حسب الولادة الآب وقوّته، وقد وُلد حقًا من عذراء وعمَّده يوحنا حتى يتمّم كل برّ[161].]
ج. أنّه فوق الزمن وغير منظور. [تطلّع إلى ذاك الذي هو فوق الزمن – غير الخاضع للزمن ولا منظور، الذي لأجلنا صار مرئيًا، غير الخاضع للألم صار لحسابنا خاضعًا للألم، محتملاً كل شيء لأجلنا[162].]
د. حياتنا الجديدة هي في المسيح يسوع مصدر الحياة كما سنرى في الحديث عن الخلاص وعن الشركة في المسيح.

الخلاص


في رأي القدّيس أغناطيوس[163]توجد مملكتان: مملكة الله مصدر الحياة والخلود وحده ومملكة إبليس المؤقتة يسودها الفساد والموت. أمّا الإنسان فبذاته لا تتمتّع نفسه بالخلود... إنّه في حاجة أن يتّحد بالمسيح واهب الحياة والخلود. فمن كلماته: [لا تنكر صلاحه (المسيح)، لأنّه لو عاملنا بالمثل كما نعامله لقُضي علينا[164].]

الآن كيف يتحقّق الخلاص؟
أ. السيّد المسيح كواهب الحياة وحده قادر أن يطهّرنا من سلطان الفساد والموت إذ يقول:

[وُلد واعتمد لكي يطهّر الماء بآلامه[165].][ينشر على كنيسته عطر الخلود[166].]

[بدونه ليست لنا حياة حقيقيّة[167].]ب. صُلب السيّد المسيح حقًا[168]، لكي يهبنا بصليبه الحياة، لذا يدعو الصليب "شجرة الحياة[169]"، أغصانها هم المؤمنون الثابتون فيه، يحملون ثمارًا غير فاسدة[170]. الصليب هو أساس الاستشهاد كدعوة لقبول الموت مع المصلوب. إذ يقول: [دعوني اقتدي بآلام إلهي؛ من كان الله معه فليفهم ما أريد... أنا حنطة الله! أُطحن تحت أنيابها لأصبح خبزًا نقيًا للمسيح... حيندئذ أصبح تلميذًا حقيقيًا ليسوع المسيح عندما لا يرى العالم جسدي[171].]
ج. بالموت حطّم السيّد المسيح الشيطان ونزع عنّا الموت:
[لا تعيشوا كسائر الناس بل بحب يسوع المسيح الذي مات لأجلكم الذي إذا آمنتم بموته تخلّصون من الموت[172].]
باتّحادنا بجسد المسيح القائم من الأموات نستهين بالموت وننتصر عليه. إذ تكون الحياة المُقامة ليست فقط في متناول يد المؤمن بل عاملة فيه خلال شركته مع مسيحه.
[أما أنا فأعرف وأؤمن أنّه ظلّ في الجسد حتى بعد قيامته... في الحال لمسوه (لو ٢٤: ٣٩)، وآمنوا واتّحدوا بجسده وروحه، فاستهانوا بالموت، وانتصروا عليه. وبعد قيامته أكل وشرب مثل البشر، لكنّه كان متحدًا بالآب في الروح[173].]
يرى أن الله الكلمة تجسّد حقًا ووُلد وصُلب حقًا ومات حقًا أمام السمائيّين والأرضيّين والذين تحت الأرض، غايته أن تكون قيامته حقيقة واقعة، ليهبنا جسده المقام فنقوم فيه ومعه. [وقام حقًا من الموت، والآب هو الذي أقامه، وسيقيمنا نحن في يسوع المسيح، وكل الذين آمنوا به، فبدونه ليست لنا حياة حقيقيّة[174].]

نظرته للموت


يرى الأب رومانيدس في كتابه: [لاهوت الكنيسة عند القدّيس أغناطيوس] أن شوقه إلى الموت ليس عن حماس أخروي ولا عن تعب، إنّما عن فهم كتابي (إنجيلي) للشيطان حيث يرتبط مع الموت (٢ كو ٢: ١١). ففي نظره الخوف من الموت هو استعباد للشيطان، أمّا من يتحد بالسيّد المسيح ويتتلمذ له فلا يخاف الموت، لأنّه يتمتّع بالاتّحاد مع الحياة والخلود وعدم الفساد. بالموت يبلغ الإنسان إلى الآب والسيّد المسيح فينعم بالحياة الخالدة.
[أمامنا شيئان: الموت والحياة... توجد عُملتان: عملة الله وعملة العالم، ولكل منهما ختم خاص بها. لغير المؤمنين ختم العالم، وللمؤمنين القائمين في المحبّة ختم الله الآب بيسوع المسيح. إن لم نختر بملء حرّيتنا أن نموت معه لنشترك في آلامه، فحياتهم ليست فينا[175].]
[لتأت عليَّ كل هذه: النار والصليب، مجابهة الحيوانات المفترسة، التمزيق والكسر... لتنصب عليَّ كل عذابات الشيطان، على أنّني أبلغ يسوع المسيح[176].]
[رئيس هذا العالم (الشيطان) يفرح بإقصائي بعيدًا عن الله وإفساد اشتياقي إليه؛ ليتكم أيها القاطنون بروما لا تعاونوه بل تكونوا في جانبي، أي مع الله[177].]
[لماذا أسلِّم نفسي إلى الموت، إلى النار، إلى السيف، إلى الوحوش الضارية!... القريب من السيف هو قريب من الله، والذي مع الوحوش هو مع الله، على أن يتم ذلك كلّه باسم يسوع المسيح؛ وإنني احتمل كل شيء لاشترك في آلامه[178].]
جاء في حواره مع تراجان: [أنا كاهن سيّدي يسوع المسيح، وله أقدّم الذبيحة كل يوم، وأرغب أن أقدّم حياتي ذبيحة كما قدّم حياتهم ذبيحة، حبًا فيَّ.]

٢. الكنيسة


أ. الكنيسة موضع الذبيحةThysiasterion.
ب. الكنيسة جماعة حب.

[كل الأمور حسنة على السواء؛ إذا آمنتم وأنتم في المحبّة[179].]السيّد المسيح هو الحياة الخالدة، إذ يهبنا الحياة يعطينا الحب الإلهي: [فإن شرابه، أي دمه... هو المحبّة غير الفاسدة[180].]
ج. الكنيسة جماعة شكر وتسبيح.
خلال سرّ الشكر تظهر الكنيسة من جانبين:جانب إيجابي: تمتّع بالحب والنقاوة والوحدة وشركة الخلود مع التسبيح والفرح. وجانب سلبي: تقاوم إبليس وتغلبه.
[اهتموا في أن تجتمعوا بكثافة أكثر لتقديم الشكر والمجد لله، فعندما تجتمعون مرارًا معًا في الاجتماع الإفخارستي، تضمحلّ قوى الشيطان، وتنحل قوّته أمام اتفاق إيمانكم وتآلفه[181].]
[لا يخدعن أحد نفسه، فإذا كان الإنسان خارج الهيكل يُحرم من خبز الله... ومن لا يأتي إلى الاجتماع معًا يتكبر ويقطع نفسه عن الشركة[182].]

[من كان داخل المذبح فهو نقي، وأما من كان خارج المذبح فهو ليس نقيًا[183].]كنيسة المسيح

كاثوليكيّة الكنيسة (الكنيسة الجامعة!)

أول من دعي الكنيسة بالكاثوليكيّة هو القدّيس أغناطيوس، هذا لا يعني إنّها من وضعه، لكن سجّل ما كان سائدًا في عصره عن جامعيّة الكنيسة وكلمة "كاثوليكيّة" مركبة من مقطعين، هما "كاث" و"اولو" kay وolo، أي الكل معًا في وحدة، وهي كلمة شرقيّة من واقع الخبرة الشرقيّة، لا علاقة لها بالمفهوم الخاص بالكنيسة اللاتينيّة، استخدمت الكلمة في الليتورچيّات الشرقيّة، لا لتعني الوجود في بقعة معيّنة أو الوجود الجغرافي حتى في العالم، إنّما الوجود الروحي وارتباطه حول المذبح الواحد.
[اجتمعوا في هيكل واحد لله، حول مذبح واحد، في يسوع المسيح الوحيد، الذي خرج من أبٍ واحدٍ، وكان معه واحدًا، وإليه عاد وهو واحد[184].]

الوحدة الكنسيّة


تقوم هذه الوحدة كأيقونة حيّة للوحدة بين الآب والسيّد المسيح، وكعلاقة للحب.
أ. وحدانيّة الله: [واحد هو الله، أظهر نفسه بابنه يسوع المسيح[185].] الله الواحد هو الثالوث[186]، الآب أبو يسوع المسيح[187]، والمسيح إلهنا[188]، والروح القدس.
ب. وحدة الآب والمسيح: الآب والسيّد المسيح هما رجاؤنا المشترك[189]، مصدرا الحب والرحمة والنجاح[190]، مصدرا سلطان الكاهن[191].
حياتنا هنا هي "في المسيح[192]"، كما "في الله (الآب)[193]"، وغاية حياتنا هو أن "ننال الله[194]" أو "ننال المسيح[195]".

المسيحيّون هم هيكل الله وهيكل المسيح، يسكن الله فيهم وهكذا المسيح[196].ج. وحدة شخص المسيح: [يوجد طبيب واحد، هو في الوقت نفسه جسم وروح (إنسان وإله)[197].]
د. وحدة المسيحيّين والكنيسة: تتحقّق الوحدة في الكنيسة المحلّية خلال الأسقف المنظور الذي يمثّل الأسقف غير المنظور[198]، سلطانه ينحدر من الرسل، وهو صورة الله غير المنظور[199]. كرّس القدّيس أغناطيوس حياته من أجل الوحدة، ففي نظره الأسقف هو حارس الوحدة بكونه راعٍ يهتم بحياة الرعيّة.

هيكل مقدّس


نحن هيكله نقتنيه فينا وهو يقتنينا بدمه الثمين.
[لنعمل ما ينبغي علينا عمله، معتبرين أنّه حالّ فينا، ونحن هياكله، وهو إلهنا الساكن فينا. وهذا سيظهر لنا بكل وضوح إن أحببناه باستقامة[200].]
[اعتبرتم نفوسكم حجارة هيكل الآب، أُعدت لبناء الله، ورُفعتم إلى فوق بأداة يسوع المسيح، أي بالصليب، وبحبل الروح القدس. إيمانكم يسحبكم إلى فوق، والمحبّة هي الطريق الذي يؤدي بكم إلى الله.
أنتم إذن رفاق الطريق، حاملون اللهTheophoroi والهيكل Naophoroi والمسيح Christophori والقدسات[201]Agiaphoroi.]

حامل الله (الثيؤفورس)


يلقب القدّيس أغناطيوس نفسه في كل افتتاحيّة من رسائله بالثيؤفورس وعند محاكمته سأله تراجان الإمبراطور: "ماذا تقصد بحامل الله "ثيؤفورس""؟ أجابه: "أن يكون السيّد المسيح في قلبه". ونراه في النص السابق يدعو المؤمن "ثيؤفورس" أي حامل الله، و"ناؤفورس" أي حامل الهيكل و"خريستوفورس" أي حامل المسيح، و"أجيافورس" أي حامل القدسات.

الشركة مع المسيح



[بكل نقاوة ورزانة أقيموا في المسيح يسوع، بالجسد والروح[202].][إني أصلي أن توجد فيهم نعمة الاتّحاد بجسد يسوع المسيح وروحه، الذي هو حياتنا الأبدي؛ وحدة الإيمان والحب، التي لا شيء يفضلها[203].]

[الأمر الوحيد الضروري هو الوجود في المسيح يسوع للحياة الأبديّة[204].]الاقتداء بالمسيح

[لا يستطيع الجسديّون أن يأتوا بأعمال روحيّة، ولا الروحيّون عمل الجسديّين؛ ولا يمكن للإيمان أن يمارس عمل الكُفر، ولا الكُفر عمل الإيمان، والأعمال التي يمارسونها حتى في الجسد هي روحيّة، لأنكم تعملون كل شيء في اتّحاد مع يسوع المسيح[205].]

[تمثلوا بيسوع المسيح كما يتمثل هو بالآب[206].][دعوني أتمثل بآلام إلهي[207].]

الإفخارستيا


الإفخارستيا بالنسبة للمؤمن هي:
v غذاء روحي يشبع النفس، ويهبها الخلود[208].
v دواء يشفي المؤمن من أمراض الروح وضعفاتها ومن الموت[209].
v تمتّع بالوحدة مع الله والكنيسة، حيث يجتمع المؤمنون حول الأسقف، وحول مذبح واحد، ليس لربّنا يسوع المسيح سوى جسد واحد وكأس واحدة توحّدنا بدمه[210].
يتطلّع القدّيس أغناطيوس إلى الأفخارستيّا كذبيحة thysia حقيقيّة، فكثيرًا ما يشير إلى المذبح والذبيحة والهيكل[211].
[صلاة واحدة، تضرع واحد، عقل واحد، رجاء واحد في المحبّة وبفرح لا عيب فيه، هذا هو يسوع المسيح... اجتمعوا في هيكل واحد لله حول مذبح واحد في يسوع المسيح الوحيد[212].]

العماد


ذُكر العماد في رسائل القدّيس أغناطيوس أربع مرّات، في اثنتين منها يشير إلى عماد السيّد المسيح في الأردن، والأخريّتين إلى سرّ الكنيسة.

[وُلد واعتمد ليطهّر المياه بآلامه[213].][عمَّده يوحنا حتى يتم كل برّ...[214].]

لا يمنح العماد بدون علم الأسقف[215].الاستشهاد

[إنكم متمثلون بالله، وقد أكملتم عمل الإخوة حتى النهاية بدم الله. وما أن عرفتم بمجيئي من سوريا، موثقًا لأجل الاسم... راجيًا أن أحظى بمعونة صلاتكم، بمجابهة الوحوش في روما لأتمكّن من أن أكون حقًا تلميذ المسيح[216].]
[هيِّجوا هذه الوحوش الضارية لتكون قبرًا لي، ولا تترك شيئًا من جسدي... حينئذ أصير تلميذًا حقيقيًا ليسوع المسيح عندما لا يرى العالم جسدي... صلّوا إلى المسيح من أجلي حتى عندما أعدّو بفضل الوحوش الضارية ضحيّة إلهي[217].]
لقد وُجدت الكنيسة الأولى في كلمات القدّيس أغناطيوس الناريّة مفاهيم الاستشهاد والشوق إليه، في رسالته إلى أهل روميّة، فكانت تُقرأ مرّة ومرّات في أوقات الاستشهاد[218]، لتهيئة النفوس بالشوق نحو الاتّحاد مع المسيّا المتألّم وقبول دعوته للانطلاق نحو الآب... [دعوني أتمثل بآلام إلهي!]

الشهادة للسيّد المسيح[219]


v بالصلاة من أجل الآخرين: [صلّوا بلا انقطاع من أجل الآخرين فإنّه يُرجى فيهم التوبة ليبلغوا إلى الله[220].]
v بالقدوة الصالحة: [علّموهم على الأقل بأعمالكم، فيكونوا لكم تلاميذ. قابلوا غضبهم بالهدوء، وكبرياءهم بالوداعة، وتجديفهم بالصلاة... كونوا مترفّقين أمام قسوتهم، ولا تطلبوا الانتقام[221].]
[من الأفضل أن نصمت ونعمل عن أن نتكلم ولا نعمل. فالتعليم حسن، إذا كان المعلّم يعمل بما يعلّم به. ليس لنا سوى معلّم واحد، هو الذي قال وعمل كل ما قاله[222].]

الإكليروس


v الدرجات الكهنوتيّة الثلاث مع الشعب يلتزمون بالعمل كإرادة الآب، حسب فكر المسيح، بالروح القدس:
[إنّها (الكنيسة) فرحي الأبدي، لاسيما إن ثابر أبناؤها على أن يكونوا واحدًا مع الأسقف والقساوسة والشمامسة الذين أُقيموا معه (مع الأسقف) حسب فكر يسوع المسيح الذي يثبّتهم حسب مشيئته الخاصة وبروحه القدّوس[223].]

[أسقف واحد مع القساوسة والشمامسة رفاق في الخدمة، وهكذا تتمّمون في كل شيء مشيئة الله[224].]الكنيسة كجماعة ليتورچيّة متعبّدة لله حول المذبح لا يمكن أن تقوم بدون الإكليروس في درجاته الثلاث: [بدون هؤلاء لا توجد كنيسة[225].]
v كل ما يتعلّق بالكنيسة ينبغي أن يتم بالاشتراك مع الأسقف والقسوس والشمامسة:
[لازموا الأسقف ملازًمة المسيح لأبيه،
واتبعوا لفيف القساوسة اتباعكم للرسل،
كرموا الشمامسة كاحترامكم لوصيّة الله.

لا يصنع أحد شيئًا يخص الكنيسة بدون الأسقف[226].][يكرم بعضهم الأسقف بالكلام فقط ولا يعتبرونه في أعمالهم كلّها. ويبدو لي أن مثل هؤلاء لا يتصرّفون بضمير صالح، إذ لا يعقدون اجتماعات شرعيّة مطابقة لوصيّة الرب[227].]
[لأنّه (المسيح) واحد مع الآب، هكذا أنتم لا تأتوا عملاً بمعزل عن الأسقف والقساوسة... بل اعملوا عملكم حسب الشركة، وهي صلاة واحدة. طلبة واحدة، فكر واحد، رجاء واحد في المحبّة وبفرحٍ بلا عيب. هذا هو يسوع المسيح لا يفضله شيء. اجتمعوا في هيكلٍ واحدٍ ومذبحٍ واحدٍ في يسوع المسيح الوحيد[228].]
في الخضوع لهم تحقيق للوحدة معًا في المسيح الواحد، وتمتّع بالحياة المقدّسة في الرب.
[ينبغي عليكم... أن تطيعوا الأسقف ولفيف القساوسة، حتى تتقدّسوا في جميع الأمور.]
[إن كنت أنا نفسي في زمن قصير قد ارتبطت بأسقفكم برباط روحي لا جسدي، فكم أنتم مباركون، فأنتم المتحدون معه مثل اتّحاد الكنيسة بالمسيح، ومثل اتّحاد المسيح بالآب، حتى يتآلف الكل في وحدة[229].]
[ثابروا على الاتّحاد بإلهنا يسوع المسيح وبالأسقف وبوصايا الرسل... من يصنع عملاً بدون الأسقف والقساوسة والشمامسة فضميره غير نقي[230].]
v الوحدة والخضوع للأسقف هما أيقونة للوحدة والخضوع لله أبي ربّنا يسوع أسقف الجميع.
[لا تستهينوا بحداثة أسقفكم، بل أدُّوا له كل احترام من أجل سلطان الله الآب. وإني أعرف أن قساوستكم القدّيسين لم يستخفّوا به بالرغم من حداثة سنه كما يبدو عليه، بل كأناس واعين في الله أظهروا له الخضوع، ليس له، بل لأبي يسوع المسيح أسقف الجميع[231].]
الوحدة مع الأسقف هي صورة حيّة عن الوحدة مع السيّد المسيح:
[كل من ينظر الأسقف صامتًا، عليه أن يوقّره، لأن رب البيت أرسله، ليدبّر بيّته؛ علينا أن نقبله كما نقبل من أرسله. ولذلك علينا أن نعتبر الأسقف كما نعتبر الرب نفسه[232].]
[عندما تطيعون أسقفكم طاعتكم ليسوع المسيح يصير هذا برهانًا على أنكم لا تعيشون حسب العالم، بل بحسب يسوع المسيح الذي مات لأجلكم[233].]

الأسقف مثال الآب:

[على الجميع أن يحترموا الأسقف أيضًا احترامهم ليسوع المسيح، والأسقف مثال للآب[234].]الخضوع ليس خنوعًا ولا ضعفًا ولا استخفافًا بالشعب، بل علامة الوحدة؛ مقدّما خضوع السيّد المسيح الواحد في أبيه والمساوي له في الجوهر مثالاً.

[اخضعوا للأسقف، وليخضع بعضكم للبعض الآخر، كما أن يسوع المسيح كان خاضعًا لأبيه[235].]يطالب الجميع باحترام الشمامسة احترامهم ليسوع المسيح[236]. إذ كان يقول: [لازموا الأسقف يلازمكم الله.]
يدعو الشمامسة شركاءه أو رفقاءه في الخدمة.
أوضح التزام الأسقف الذي يكرِّمه الشعب:
[حافظ على مركزك بكل عناية... وابذل جهدك في سبيل الوحدة التي لا شيء أفضل منها. ساعد الجميع كما يساعدك الله... اسهر بروح لا يعرف الكسل[237].]

الأسقف والإفخارستيا


[لا تشتركوا إلاَّ في إفخارستيّا واحدة، لأنّه ليس لربّنا سوى جسد واحد وكأس واحد توحّدنا بدمه، ومذبح واحد، وأسقف واحد مع القساوسة رفاقي في الخدمة، وهكذا تتمّمون في كل شيء مشيئة الله[238].]
[لا يفعل أحد منكم شيئًا يخص الكنيسة دون إرادة الأسقف. الإفخارستيا هي السرّ الذي يتمّمه الأسقف أو من ينتدبه. لا يجوز أن تُمنح المعموديّة ولا تُقام وليمة الأغابي بدون الأسقف[239].]

الزواج


طلب أن يكون الاتّحاد في الزيجة بموافقة الأسقف حتى يكون الزواج حسب الرب، يحمل رمز الحب بين السيّد المسيح وكنيسته العروس[240].

البتوليّة



[البتوليّة ليست احتقارًا للزيجة... ولا نلمح هذا الاستعلاء، لأن تطلّعه بين الرجل والمرأة كعلاقة المسيح بالكنيسة[241].]الصمت

[من امتلك الحق، يحدثه يسوع، ويستطيع أن يصغي حتى إلى صمته (صمت السيّد المسيح)، فيكتمل ويعمل بكلمته وصمته (صمت المؤمن المدرك لصمت السيّد المسيح)[242].]




magdy-f 26 - 08 - 2012 02:37 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
القدّيس بوليكاربوس
أسقف سميرنا
St. Polycarp of Smyrna

من أهم الشخصيّات الكنسيّة في ولاية آسيا الصغرى في النصف الأول من القرن الثاني[243]، استحق لقب "معلّم آسيا، وأب المسيحيّين، ومحطّم الآلهة[244]".
كما نرى في رسالته ووقائع استشهاده هو إنسان وقور، ارتعب الجند من هيبته ووداعته وبشاشته عندما أرادوا القبض عليه. لم يخف عذابات الموت، وكان قلبه متّسعًا بالحب نحو الغير، يصلي لأجلهم في لحظات استشهاده.
لا نعرف شيئًا عن نشأته، إنّما حوكم حوالي سنة ١٥٥م وكان عمره حوالي ٨٦ عامًا، لذا فقد وًلد حوالي سنة ٦٩م، وتعمد في صباه.
يروي عنه كلارك C. P. S. Clarke أن سيّدة تقيّة تُدعى كالستو Callisto اشترته بناءً على رؤيا، وأودعته منزلها، وعندما نما جعلته مديرًا لممتلكاتّها. سافرت لأمرٍ ما وسلمت مخازنها له، فالتف حوله الأيتام والأرامل والفقراء، فكان يعطيّهم بسخاء. وإذ رجعت السيّدة أخبرها العبد زميله بما حدث، لكن إذ فتحت مخازنها وجدتها مملوءة كما كانت. أمرت السيّدة بعقاب العبد الزميل لكن بوليكاربوس تشفع فيه وأخبرها بحقيقة الأمر، فدهشت كالستو من عمل الله، وكتبت لبوليكاربوس وصيّتها أن يرث كل ما تملكه بعد وفاتّها، وأما هو فلم يشغله هذا الأمر.

يرى البعض أن بوكوليس Bucolus أسقف سميرنا سامه شماسًا، فشهد للمخلّص بالكلام كما بحياتهم، وكان يواجه الأمم واليهود والهراطقة، فسامه كاهنًا وهو صغير السن، وقد قال عنه الأسقف أنّه مستحق أن يكون مشيرًا ومشاركًا له في التعليم.ويرى آخرون أنّه تتلمذ على يدي القدّيس يوحنا الحبيب، وقد تعرّف على عدد ممّن عيَّنهم الرب، وربّما قام القدّيس يوحنا نفسه بسيامته أسقفًا على سميرنا (أزمير).

القدّيس بوليكاريوس أسقف سميرنا


قال عنه تلميذه القدّيس إيريناؤس: [وأما بوليكاربوس ليس فقط قد تعلَّم بواسطة الرسل، وتحدّث مع كثيرين ممّن شاهدوا المسيح، بل وأيضًا تعلَّم بواسطة الرسل في آسيا، وأُقيم أسقفًا في سميرنا، هذا الذي رأيته في صغري[245].] ويقول العلاّمة ترتليان إن القدّيس يوحنا الحبيب هو الذي أقامه أسقفًا، قبل نفيه إلى بطمس.
قيل أنّه هو ملاك كنيسة سميرنا الله أشار إليه في سفر الرؤيا (رؤ ٢: ٨)، وهو الوحيد من بين الأساقفة السبعة الذي وجده بارًا، غنيًا في الإيمان، فقيرًا في ماديّاته، مقاومًا للمجدّفين، يُنتظر دخوله في ضيق.
قال عنه القدّيس إيريناؤس: [أنّه إلى الآن لم يزل ثابتًا في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتّصف بهما القدّيس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهيّة التي كان يعلّم بها رعيّته. وبأبلغ من ذلك، كأني أسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمّت بينه وبين القدّيس يوحنا الإنجيلي وغيره من القدّيسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض، وتردّدوا معه، وعن الحقائق التي تسلّمها وتعلمها منهم.]
سيم أسقفًا وهو في حوالي الثلاثين من عمره.

القدّيسان بوليكاربوس وأغناطيوس


ارتبط اسم القدّيس بوليكاربوس بالقدّيس أغناطيوس، فقد توقّف الأخير في سميرنا وهو في طريقه إلى روما للاستشهاد. استقبله أسقف سميرنا بتكريم لائق به كمعلّمٍ عظيمٍ ومعترفٍ في طريقه إلى الاستشهاد، وقد لحقه بعد حوالي ٤٠ عامًا مقدّمًا حياته ذبيحة حب بالاستشهاد.
اهتم القدّيس بوليكاربوس برسائل القدّيس أغناطيوس، فجمعها وأرفقها بخطابٍ منه.
عندما بلغ القدّيس أغناطيوس تراوس بعث برسالةٍ إلى القدّيس بوليكاربوس تكشف عن شخصيّة الأخير: [أرحب بفرح بمشاعرك وأفكارك الثابتة في الله كصخرة لا تتزعزع، لذلك مجَّدتُ الرب بلا حدود لأنّه أهَّلني لرؤية وجّهك الذي بلا عيب، وأرجو أن أتمتّع به في الله[246].] وبالفعل واجه القدّيس الاستشهاد كصخرة لا تتزعزع!

بوليكاربوس والهراطقة


قاوم القدّيس بوليكاربوس الهراطقة، خاصة مرقيّون، ويشهد عنه القدّيس إيريناؤس أنّه ردَّ كثيرين ممّن انحرفوا وراء الهراطقة (أتباع فالنتينوس وأتباع مرقيّون) إلى الكنيسة الكاثوليكيّة (الجامعة)[247].
التقى القدّيس بوليكاربوس بمرقيّون، فسأله الأخير: "أتعرّفنا؟" أجابه: "أعرفك، إنكَ بكر الشيطان".
ذهب مرقيّون إلى روما سنة ١٤٠م متخفيًا وبدأ ينشر بدعته، والتف حوله عدد من المسيحيّين، فطردته الكنيسة، وفي سنة ١٥٤م إذ كان القدّيس بوليكاربوس هناك ردّ كثيرين من أتباع مرقيّون[248]. ندم مرقيّون على ما فعله وارتضى الخضوع للكنيسة، لكنّه مات قبل أن تتم عودته.

القدّيس بوليكاربوس الشهيد


تقدّم لنا رسالة كنيسة سميرنا (عام ١٥٦م) إلى المسيحيّين في فيلوميليّون Philomelion بفيريجيا العظمى تفصيلاً عن استشهاد القدّيس بوليكاربوس الذي تم بعد فترة قصيرة من عودته من روما. وتُعتبر هذه الرسالة أقدّم وثيقة عن استشهاد شخص وأول عمل من "أعمال الشهداء" acta martyrum وإن كانت لا تُصنف ضمن أعمال الشهداء، وإنّما ضمن الرسائل. يوقع على الوثيقة شخص يدعى مرقيّون، كتبها بعد استشهاد القدّيس بفترة وجيزة[249]. تكشف لنا الوثيقة عن موقف المؤمن من الاستشهاد والشهداء.
أضيف إلى هذه الوثيقة ملاحظات كُتبت في وقت متأخر، تقدّم لنا انطباعًا رائعًا عن سموّ شخصيّة بوليكاربوس.

وقد جاءت رواية استشهاده في اختصارٍ هكذا[250]:إذ شرع مرقس أورليوس في اضطهاد المسيحيّين صب والي آسيا جامات غضبه عليهم، واحتمل مسيحيّو سميرنا الكثير. قرر الوثنيّون القبض على الأسقف، وتحت ضغط الشعب اضطر إلى الاختفاء. أخيرًا عرفوا الموضع، وجاء الجند يقبضون عليه.
طلب من الجند أن يمهلوه ساعة واحدة ليصلّي. وقد تعجبوا من هيبته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه، حتى قال أحدهم: "لماذا هذا الاجتهاد البليغ في طلب موت هذا الشيخ الوقور؟"

حينما طلب من الوالي ستاثيوس كوادراتوس Statius Quadratus أن يحلف بحياة قيصر ويلعن المسيح فيطلقه أجابه: [لقد مضت ستّة وثمانون عامًا أخدم فيها المسيح، وشرًا لم يفعل معي قط، بل اقبل منه كل يوم نعمًا جديدة، فكيف أجدف على ملكي الذي يخلّصني؟]وحينما هدّده بالحرق وطرحه للوحوش، قال: [إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد، بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس. وأما ما توعدتني به من أنك تطرحني للوحوش المفترسة، فهذا أيضًا لا أبالي به. أحضر الوحوش، وأضرم النار، فها أنا مستعدّ للحريق والافتراس.]
وحينما حاول الجند تسميره على خشبة حتى لا يتحرك من شدّة عذابات النار، قال لهم: [اتركوني هكذا، فإن ذاك الذي وهبني قوّة لكي احتمل شدة حريق النار، هو نفسه سيجعلني ألبث فيها بهدوء دون حاجة إلى مساميركم.]
أوثقوا يديه وراء ظهره واضعين إياه على الحطب، كما لو كان ذبيحة على مذبح، أمّا هو فصلى للرب، شاكرًا إياه أنّه سمح له أن يموت شهيدًا، وأن يشركه في شرب كأس آلام الابن الوحيد.
أوردت هذه الوثيقة أول شهادة عن تقدير الكنيسة لرفات الشهداء، إذ جاء فيها:
[أخذنا رفاته الباقيّة، الثمينة أكثر من الحجارة الكريمة، والأسمى من الذهب، وأودعناها في مكانٍ لائق. ليسمح الرب لنا – قدر المستطاع – أن نجتمع بالفرح والحبور لنحتفل باستشهاده – يوم ميلاده (18: 2).]
هكذا تطلّعت الكنيسة إلى الموت، خاصة الاستشهاد، كيوم ميلاد المؤمن، يستحق أن يُعيد له... ربّما لهذا السبب كان القدّيس يوحنا الذهبي الفم يقاوم فكرة الاحتفال بأعياد ميلاد الأشخاص متطلّعا إلى عيد ميلادنا الحقيقي هو يوم خروجنا غالبين ومنتصرين من هذا العالم لنلتقي مع مسيحنا وجها لوجّه.
تتحدّث الوثيقة التي نشير إليها هنا إلى تكريم الشهداء:
[نسجد له، لأنّه ابن الله، ونحب الشهداء، لأنّهم تلاميذ الرب يقتدون به، يستحقّون ذلك من أجل محبّتهم الفائقة لملكهم ومعلّمهم (17: 3).]
لم يبدأ الاحتفال بالشهداء بواسطة أحبائهم وعائلاتهم كعلاقات شخصيّة تمس الشهيد بهم، وإنّما منذ البداية قامت الكنيسة ككل بالاحتفال بفرحٍ وسرورٍ، كعمل كنسي مفرح يمجد نعمة الله العاملة في حياة الكنيسة. اعتمد بعض الدارسين على ما ورد في وقائع استشهاد بوليكاربوس "لذكرى الشهداء الأولين[251]"، بأن عيد الشهيد بوليكاربوس الذي بدأ عام ١٥٦م في سميرنا حسبه المؤمنون "عيد الكنيسة[252]" أو عيد الشهداء.
أما سيرة بوليكاربوس Vita Polycarbi التي تُنسب إلى الكاهن بيونيوس Pionios فإنّها من نتاج القرن الرابع/الخامس، وقد نُسبت خطأ إلى بيونيوس الشهيد الذي نال إكليله سنة ٢٥٠م في سميرنا بينما كان يحتفل بذكرى بوليكاربوس. وتنحصر خدمات هذا القدّيس الشهيد التاريخيّة في أنّه حفظ لنا نص الرسالة في استشهاد بوليكاربوس المشار إليها أعلاه لا سيرة بوليكاربوس[253].
يتطلّع القدّيس بوليكاربوس إلى الاستشهاد كهبة إلهيّة، إذ نراه يشكر الآب بفرح من أجل هذه العطيّة وغيرها، مثبّتا شكره بكلمة "آمين" التي استخدمت في الليتورچيّا المسيحيّة[254].

كاثوليكيّة الكنيسة


عُرف تعبير "كاثوليكيّة" أولاً في كتابات القدّيس أغناطيوس الأنطاكي، معلنًا: [حيث يوجد يسوع المسيح توجد الكنيسة الكاثوليكيّة.] وقد ورد هذا التعبير ثلاث مرّات في رسالة سميرنا التي وصفت استشهاد القدّيس بوليكاربوس، مرتان عُني بها "الجامعة"، أمّا المرّة الثالثة قرب نهاية الرسالة فجاءت لتحمل معنيّين، جامعيّة الكنيسة وأرثوذكسيّة إيمانهما. لقد ميزت الرسالة بين جسد الكنيسة الجامعة تحت قيادة قادتها الأرثوذكس وبين الجماعات المنشقة تحت قيادة الهراطقة[255].

رجل صلاة وعبادة


تكشف الوثيقة الخاصة باستشهاده عن شخصيّة القدّيس بوليكاربوس كرجل صلاة، فعند القبض عليه طلب من الجند إمهاله وقتًا للصلاة، وقبيل استشهاده صار يصلّي. لقد أدرك أن الصلاة هي مصدر القوّة.

أعماله


الرسالة إلى أهل فيلبّي



يخبرنا القدّيس إيريناؤس[256]أن القدّيس بوليكاربوس بعث عدة رسائل إلى الكنائس المسيحيّة المجاورة وإلى بعض الأساقفة زملائه. لم يصلنا من هذه الرسائل سوى رسالته إلى أهل فيلبّي.طلب أهل فيلبّي من القدّيس بوليكاربوس نسخة من رسائل القدّيس أغناطيوس، فأرسلها ومعها رسالة وجّهها إليهم، هذه الرسالة مدعّمة بحجج قويّة على صحتّها، شهد بذلك القدّيس إيريناؤس[257]، وكثير من الآباء.

مميزاتّها


تكشف لنا عن حالة الكنيسة البكر في أوربا، والتي كانت عزيزة على القدّيس بولس الرسول.
تمتاز بأنّها غزيرة في جهة الحكمة العمليّة، مقتبسًا الكثير عن نصوص الكتاب المقدّس.
إنّها تعكس لنا روح القدّيس يوحنا في وداعته كالحمل وملامح الهدوء. فقد كان محبًا كما كان يوحنا، وقد انعكس صوت "ابن الرعد" على بوليكاربوس في توبيخاته.

تجسّد الكلمة وموته


[كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنّه قد جاء في الجسد هو ضدّ المسيح؛ ومن لا يعترف بشهادة الصليب هو من الشيطان؛ ومن يحرف كلمات الرب لأجل شهواته قائلاً إنه ليس قيامة ولا دينونة، فهو بكر إبليس (7: 1).]

الإقتداء بالسيّد المسيح والحياة معه


[لنركّز أنظارنا دومًا على رجائنا وعربون برّنا، يسوع المسيح، الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة، والذي لم يوجد في فمه غش (١ بط ٢: ٢٤، ٢٢)، والذي لأجلنا احتمل كل شيء لكي نحيا فيه. فلنتشبّه باحتماله. (8: 1-2)]

[اتبعوا مثال الرب، ثابتين غير متزعزعين في الإيمان، محبّين الإخوة. (10: 1)]الاهتمام بخلاص الآخرين في وداعة وحب

إذ يتحدّث عن القس فالنز وزوجته اللذين بسبب الطمع انحرفا عن الإيمان، قائلاً: [إنني حزين جدًا يا إخوة من أجل فالنز ومن أجل زوجته أيضًا، يا ليت الرب يمنحهما توبة صادقّة! عالجوا هذا الأمر بالذات باعتدال، ولا تحسبوهما أعداء، بل حاولوا إعادتهما كعضوين مريضين تائهين، ومتى عادا يصبح جسدكم كاملاً، إذا فعلتم هذا فإنكم تبنون أنفسكم. (11: 4)]

الجانب التنظيمي


[ينبغي أن يكون القسوس عطوفين ورحماء على الجميع، فيردون الذين ضلوا، ويزورون المرضى، ولا يهملون الأرملة واليتيم والفقير، بل دائمًا يكونون "معتنين بأمورٍ حسنة قدام الرب والناس" (راجع رو١٢: ١٧؛ ٢ كو ٨: ٢١)، ممتنعين عن كل غضبٍ، ومحاباة الناس، أو إصدار حكم ٍظالمٍ، هاربين من كل محبّة للمال، غير متعجلين في الحكم ضدّ أحد، غير قاسين في الحكم، عالمين إنّنا جميعًا مدينون بالخطيّة. (6: 1)]

الكنيسة والدولة


[صلّوا لأجل الملوك (والرؤساء) (١تي٢: ٢)، والسلاطين والأمراء، صلّوا من أجل كل الذين يضطهدونكم ويبغضونكم، ومن أجل أعداء الصليب، حتى تكون ثمرتكم واضحة للجميع، وتكونوا كاملين فيه (المسيح). (فصل 12)]


magdy-f 26 - 08 - 2012 02:40 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
رسالة برناباس
The Epistle of Bernabas

رسالة برناباس هي مقال لاهوتي أو عظة، لها مظهر الرسالة، وإن كان ينقصها وجود تحيّة افتتاحيّة وخاتمة، ولا تحوي أمورًا شخصيّة. لم يذكر واضعها اسمه، إنّما ذكر هدفها وهو تعليم "المعرفة gnosis الكاملة والإيمان".

واضعها


اقتبس القدّيس إكليمنضس السكندري[258]الكثير منها ونسبها إلى الرسول برنابا. كذلك اعتبرها العلاّمة أوريجينوس[259] من أسفار الكتاب المقدّس، أمّا يوسابيوس فصنفها من بين الكتب المختلفة، ثم جاء القدّيس چيروم واعتبرها من كتب الأبوكريفا، وإن كان الاثنان – يوسابيوس وچيروم – ينسبانها إلى برنابا رفيق بولس الرسول.
وجّه الكاتب رسالته هذه إلى رعيّة مسيحيّة مجهولة، سبق أن بشَّر فيها بالإنجيل، ويدعو هؤلاء المسيحيّين بالأولاد والبنات، أبناء الفرح، أبناء المحبّة، إخوة الخ[260]. ويرى أوريجينوس إنّها رسالة جامعة كُتبت للكنيسة المسيحيّة في العالم.

أقسامها


تضم الرسالة قسمين رئيسيّين: قسم نظري، والآخر عملي.
القسم النظري (١-١٧): وهو قسم عقيدي، هدفه كما جاء في الفصل الأول (١: ٥) [أن تصير معرفتكم كاملة جنبًا إلى جنب مع إيمانكم.] وقد أراد الكاتب بهذا أن يكشف للقارئ عن أهميّة العهد القديم ومعنى إعلانه، مُظهرًا أن اليهود قد أساءوا فهم الشريعة لأنّهم فسَّروها حرفيًا. بعد رفضه للتفسير الحرفي قدّم وجهة نظره: المعنى الروحي الأصيل، أي الرمزي.
القسم العملي (١٨-٢١): يهتم بالجانب السلوكي الأخلاقي، على نمط يشبه ما جاء بالديداكيّة، تستخدم ما يسمى بالطريقين: طريق الفضيلة أو الرذيلة؛ النور أو الظلمة.
الأفكار اللاهوتيّة


السيّد المسيح


[لو لم يصر إنسانًا كيف كان يمكن للبشر أن يعاينوه لكي يخلصوا، ناظرين أنّه بلا قدرة عندما يتفرّسون في الشمس ويحدقون إلى أشعّتها ببصرهم؟!] (فصل 5:5)
جاء التجسّد بدافعين:
[الأول: جاء ابن الله في الجسد للسبب التالي: لكي يملأ قياس (كأس) إثم أولئك الذين اضطهدوا أنبياءه حتى الموت؛ لهذا السبب احتمل الألم.
الثاني: كان يريد أن يتألّم لأجلنا.] (فصل 5: 11-13)

الشريعة الموسويّة


لم يقصد الله حفظها حرفيًا، إنّما لكي تُفسر رمزيًا، وأن ملاكًا شرّيرًا قد ضلل اليهود بقبولهم التفسير الحرفي.
1. من جهة الختان:
[يقول في موضع آخر، أنّه ختن قلوبنا... يقول الرب: "اختنوا قلوبكم" (راجع إر ٤: ٤)... هكذا ختن حتى آذاننا لكي نسمع صوته ونؤمن... الختان ليس ختان الجسد، لقد تجاوزه، لأن ملاك الشر قد ضللهم. إليكم ما يقوله الرب إلهكم: "لا تزرعوا في الأشواك، اختتنوا للرب" (إر ٤: ٣-٤). ماذا يقول أيضًا؟ "اختنوا غُرْلة قلوبكم ولا تصلبوا رقابكم" (تث ١٠: ١٦). هوذا يقول الرب: "كل الأمم غُلف، وكل بيت إسرائيل غلف القلوب" (إر ٩: ٢٦).

المصريّون أيضًا يستخدمون الختان.
تعلّموا أيها الأبناء الأحبّاء واعرفوا أن إبراهيم الذي طبَّق الختان أول الجميع طبقه روحيًا، واضعًا المسيح نصب عينيه، وقد حصل على كل التعليم بأحرف ثلاثة. يقول الكتاب حول هذا الموضوع أن إبراهيم ختن رجال أهل بيّته وعددهم ثمانية عشر وثلاثمائة (تك ١٧: ٢٣؛ ١٤: ١٤). لاحظ أن العدد ١٨ جاء أولاً ثم رقم ٣٠٠. العدد ١٠ يكتب بحرف "I" وعدد ٨ "H". فالعددان "IH" يعنيان يسوع (ايسوس) المسيح. والحرف "I" هو شكل الصليب ويعني نعمة، فالرقم ٣٠٠ الذي يُعبر عنه بالحرف "T" مضافًا إليه الحرفان الأولان "IHT" يدل على (يسوع) المسيح مع الصليب.] (فصل 9: 1-9)
2. من جهة الصليب:
ا. أشار إلى الصليب عند حديثه عن ختان إبراهيم، إذ ختن عبيده الـ ٣١٨؛ وكما لاحظنا أن الرقم يشير إلى "صليب يسوع".
ب. أشار إلى مجيء المسيّا المتألّم خلال تيس عزازيل المذكور في سفر اللاويّين (١٦: ٧-١٠)، خاتمًا حديثه عنه بالقول على لسان السيّد المسيح: [من أراد أن يرى ملكوتي يجب عليه أن يتألّم ويتعذّب ليحصل عليّ.] (فصل 7: 11)
ج. أشار موسى إلى الصليب ببسط يديه (فصل 12: 3)، وبإقامة الحيّة النحاسيّة (فصل 12: 5-7).
3. من جهة الهيكل:
[إني أقول لكم أيضًا عن الهيكل، إن هؤلاء الضالين الأشقياء انحصر رجاؤهم في بناء الهيكل، وليس بالله صانعهم. لقد فعلوا كما يفعل الوثنيّون عندما حصروا الله في الهيكل كالصنم، لكنّه سوف يُهدم الهيكل. تعلموا: "من قاس السماوات بالشبر وكال بالكيل (تراب) الأرض؟ ألست أنا يقول الرب؟ السماوات كرسيّ والأرض موطئ قدميّ. أين البيت الذي تبنون لي؟ وأين مكان راحتي؟" (راجع إش ٤٠: ١٢؛ ٦٦: ١)... قبل أن يكون لنا الإيمان بالرب كان داخلنا حقيرًا فاسدًا كهيكل مبني بأيدٍ بشريّة. كان هذا الهيكل مليئًا بعبادة الأصنام، ومسكنًا للشيطان عندما كنا نعمل ما يخالف الرب. انتبهوا حتى يأتي البناء عظيمًا، لأنّه يُبنى باسم الرب... يُبنى بعد نوالنا غفران الخطايا ووضع رجائنا في الرب وتجديدنا، فيُعاد بناؤنا، ويسكن الرب في داخلنا.
كيف يتم ذلك؟ تتنبّأ فينا كلمته – وهي غرض إيماننا ودعوة موعده وحكمة وصاياه وتعاليمه، وتفتح لنا باب الهيكل، أي تفتح فمنا بالصلاة، نحن الذين كنا مستعدّين للموت، ويهبنا مغفرة الخطايا، ويدخل بنا إلى الهيكل غير الفاسد. من أراد أن يخلّص لا يتطلّع إلى الإنسان وإنّما إلى الساكن فيه... هذا ما يعنيه الهيكل الروحي الذي بناه الله (فصل 16).]
4. من جهة الذبائح والتقدمات:
[قال لهم: لأني لم أكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل إنّما أوصيتهم بهذا الأمر، قائلاً: "لا يفكرن أحد في السوء على قريبه في قلوبكم، ولا تحبوا يمين الزور" (إر ٧: ٢٢، ٢٣؛ زك ٨: ١٧)... أنّه يقول: "الذبيحة لله روح منسحق" (مز٥١: ١٧)؛ القلب المنسحق عطر للرب الذي جبله.] (فصل 12)
5. تحريم بعض الأطعمة
[لم يكن عدم الأكل أمرًا إلهيًا، لأن موسى تكلم عن الأكل بالروح وبطريقة رمزيّة.
تكلم أولاً عن الخنزير، وقد عني بذلك ألاَّ يكون لك اتصال بمن كانت أخلاقهم كالخنزير، إي أولئك الذين ينسون الرب وهم في حياة التنعم يتقلبون، ولا يذكرونه إلاَّ عندما يشعرون بالاحتياج، وذلك كالخنازير التي لا تعرف أصحابها إلاَّ عندما يعضّها الجوع، فتصرخ لتحصل على الأكل.
"لا تأكل النسر والأنوق والعقاب والغراب" (لا ١١: ١٣)، أي لا تكون لك علاقة بمن لا يعرفون كيف يكسبون عيشهم إلاَّ بالقنص الشرّير وافتراس لحوم الآخرين، فتراهم يسلكون مسلك البراءة وما هم بأبرياء. أنّه يتربصون بفريستهم لينقضوا عليها...
لا يكون لك علاقة بالكفرة (منكري الإيمان) الذين هم الآن أموات ويشبهون الأسماك الملوّنة التي لا تسبح كبقيّة الأسماك، بل تستقر في الأعماق منتظرة فريستها لتنقّض عليها (لا ١١: ٩-١١).] (فصل 10)

العماد


[يجدننا بغفران خطايانا، ليغيرنا إلى طابع آخر، فتصير لنا النفس التي للأطفال، وكأنّه يخلقنا ثانية. يتحدّث الكتاب المقدّس عنّا عندما يقدّم لنا حديث الآب مع الابن: "لنخلق الإنسان على صورتنا ومثالنا.] (فصل 6: 11-12)

يوم الرب


[قيل: "قدّسوا يوم السبت للرب بأيدٍ نظيفة وقلوبٍ نقيّة" (راجع خر ٢٠: ٨؛ مز ٢٤: ٤)... نخطئ إن اعتقدنا إنّنا نستطيع أن نقدس اليوم الذي قدسه الرب دون أن نكون أنقياء القلوب. إنّنا لا نستطيع أن نقدس اليوم، ولا أن نرتاح فيه بكرامةk إلاَّ إذا كنا جديرين بتبرير نفوسناk بوضع قدّمنا على طريق الوعد، بعد تدميرنا لكل إثم، وتقدّيسنا بيسوع، عندئذ نستطيع أن نقدس السبت بتقدّيسنا أولاً... لذلك نعيد اليوم الثامن بفرح؛ اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات وظهر وصعد إلى السماوات.] (فصل 15)

الألفيّة Chilioi


واضع الرسالة من أتباع الألفيّة Chiliasm؛ اعتبر ستّة أيام الخلقة هي ستّة آلاف سنة، لأن ألف سنة كيومٍ واحد عند الرب (مز ٩٠: ٤). وخلص إلى القول بأنّه في هذه الآلاف الستّة تكتمل كل الأشياء بعد أن يتحطّم هذا الزمن الشرّير وتُعطى الفرصة كاملة للخطاة للتوبة، عندئذ يأتي ابن الله ليدين الأشرار ويغير الشمس والقمر والنجوم ويرتاح في اليوم السابع. (فصل 15: 4-5)


magdy-f 26 - 08 - 2012 02:41 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
بابياس
أسقف هيرابوليس
Papias of Herapolis

تعرّفنا على بابياس (وُلد ما بين ٦٠، ٧٠م) وكتاباته وأفكاره غالبًا من خلال كتابات القدّيس إيريناؤس ويوسابيوس القيصري[261]. يرى الأول أن بابياس تلميذ القدّيس يوحنا الحبيب، ورفيق القدّيس بوليكاربوس أسقف أنطاكية. صار أسقفًا على هيرابوليس في فرنجيّة بآسيا الصغرى.
تفسير كلام الرب Logion Kyriakon Exegesis


يذكر القدّيس إيريناؤس المعاصر له أنّه وضع خمسة كتب[262]، وقد مدح هذا العمل جدًا، إذ تطلّع إليه أنّه على اتصال بأزمنة الرسل[263]. وقد وُجد هذا العمل حتى القرن الرابع عشر ما لم يكن بعد ذلك، لكنّه لم يُعثر بعد على نسخة منه[264].
احتكامًا إلى ما ورد في رسالة الإنجيلي يوحنا: "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا... نخبركم به" في نهاية القرن الأول الميلادي، حدث صدى له لدى كثيرين من الذين عاشوا بعد ذلك، وشاهدوا بأعينهم، وسمعوا بآذانهم، ليسجّلوا للكنيسة ما استطاعوا تسجيله[265]؛ من بينهم بابياس تلميذ القدّيس يوحنا الحبيب الذي عمد إلى جمع التقليد الذي تلقاه من أفواه من وعى أحاديث الرسل والتلاميذ. فوضع كتابه هذا ذا الخمسة مقالات في "تفسير كلام الرب Exposition of Oracles of the Lord، كتبه مؤخرًا في نهاية حياتهم ما بين عام ١٣٠، ١٤٠م[266].

اهتمامه بالتقليد


يقول[267]Richardson : [لقد قامت الكرازة المسيحيّة على العهد القديم والتقليد الحيّ ليسوع، هذا الذي تناقل فمًا من فم، ففي الكنيسة الأولى كان الشعور بالشهادة الشخصيّة قويًا للغاية. فبابياس مثلاً سجّل لنا تفضيله "الصوت الحيّ" عن الكتب.]
مع ما لهذا العمل من عيوب لكنّه يحمل قيمة خاصة من جهة اهتمامه بالتقليد بما يحويه من تعليم الرسل الشفوي. فقد لخّص بابياس عمله هذا في المقدّمة، قائلاً:
[لا أتردّد أن أضيف ما تعلّمته وما أتذكّره جيدًا من تفاسير تسلّمتها من الشيوخ، لأني واثق من صحته تمامًا. أنا لم أفرح، كمعظم الناس، بالذين قالوا أشياء كثيرة، بل بمن يعلّمون الحق؛ ولا أفرح بمن يردّدون وصايا الآخرين، بل بأولئك الذين أعادوا ما أعطاه الرب للإيمان واستقوا من الحق نفسه. وإذا جاءني أحد ممّن تبع القسوس نظرت في كلام الشيوخ ممّا قاله اندراوس أو بطرس أو فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أحد تلاميذ الرب، أو أرستون أو يوحنا الشيخ. فإنني ما ظننت أن ما يُستقى من الكتب يفيدني بقد ما ينقله الصوت الحيّ الباقي[268].] هكذا يهتم بابياس بصوت التقليد الشفوي الحيّ الذي سُلّم خلال تلاميذ الرب بكونه صوتًا إنجيليًا يعلن عن الحق.
ويلاحظ في هذا النص الآتي:
1. استخدم كلمة شيوخ هنا بالمعنى العام كقول Lightfoot ليشير إلى آباء الكنيسة في الجيل السابق له.
2. كرر اسم "يوحنا" مرّتين، الأولى مع بطرس ويعقوب ومتّى وبقيّة الرسل، والأخرى خارج دائرة الرسل ذكره بعد ارستيون Aristion؛ الأول القدّيس يوحنا الإنجيلي والثاني شخصيّة مشهورة، وقد وُجدت في أفسس مقبرتان باسم يوحنا حتى أيام يوسابيوس القيصري.
لم يتوخَ بابياس الدقّة، خاصة في أمرين:
أ. حسب القدّيس مرقس الإنجيلي مترجمًا للقدّيس بطرس، وقد فنَّد قداسة البابا شنودة الثالث في كتابه "القدّيس الإنجيلي ناظر الإله مرقس" هذا الرأي.
ب. انتقد يوسابيوس القيصري على ما تحدّث به بابياس من قيام مُلك ألفي زمني بعد القيامة من الأموات، بصورة خياليّة متوهّمًا أن السيّد المسيح يعود إلى الأرض وفي مملكته توجد ١٠٠٠٠ كرمة كل كرمة فيها ١٠٠٠٠ غصن، وكل غصن به ١٠٠٠٠ عنقود، وكل عنقود يحوي ١٠٠٠٠ حبة من العنب، وكل حبة عصيرها يملأ ٢٥ مكيالاً من الخمر! صورة خياليّة سقط فيها خلال دفاعه عن المسيحيّة ضدّ اليهود، متخيلاً أن ما ورد في العصر المسيّاني من سلام وبركات إنّما هي أمور حرفيّة زمنيّة تتحقّق في مجيئه الثاني... وقد أخذ بعض الآباء هذه الفكرة عنه لا كعقيدة مدروسة وإنّما خلال أحاديثهم العابرة؛ من بينهم القدّيس أغسطينوس الذي تدارك الأمر فيما بعد ودرسه في جديّة بالروح الإنجيلي الكنسي وحسب من يعتنق هذه العقيدة إنّما يُحسب منحرفًا عن الإيمان.



magdy-f 26 - 08 - 2012 02:45 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
كتاب الراعي
لهرماس
The Shepherd of Hermas

يُدرج كتاب الراعي لهرماس بين كتابات الآباء الرسوليّين، لكنّه في الحقيقة ينتمي إلى الرؤى الأبوكريفا. هو كتاب رؤيوي قدّم الرؤى لهرماس خلال رمزين سماويّين: الأول امرأة عجوز كشفت له الرؤى الأربع الأولى والثاني ملاك التوبة ظهر في شكل راعٍ في الرؤية الخامسة قدّم له الوصايا والأمثال.

هرماس


جاء في القانون الموراتوري Muratorian Fragment on the Canon الذي يعود إلى القرن الثاني أن هرماس صاحب كتاب الراعي هو أخو بيوس الأول أسقف روما (١٤٠-١٥٠م)، وارتأى أوريجينوس[269]أن صاحب هذا الكتاب هو هرماس المذكور في روميّة ١٦: ١٤.
ما يقوله صاحب كتاب "الراعي" عن نفسه يصعب فيه التمييز بين ما هو رمز وما هو حقيقي. يقول عن نفسه أنّه كان عبدًا. بيع في روما إلى سيّدة رومانيّة تسمى روده Rhoda؛ فأحس في بادئ الأمر بعاطفة الأخوة من نحوها، ثم تطلّع إلى جمالها فاشتهى أن تكون له امرأة (رؤيا ١: ١). أطلقت سبيله، فاشتغل بالزراعة والتجارة، فصار غنيًا. تزوّج من امرأة ثرثارة، وأغفل أمر عائلته، فانغمس أولاده في الشر (رؤيا ١: ٣)، وافتقر بسببهم (رؤيا ١: ٢؛ ٢: ٣؛ ٣: ٦).
يصوّر نفسه أحيانًا رجلاً فاضلاً عنيفًا بعيدًا عن كل الشهوات الشرّيرة، بسيطًا مجانبًا للشر (رؤيا ١: ٢)، وأحيانًا أخرى، كاذبًا متكلّمًا بالرياء (رؤيا ٣).
إذ حدث اضطهاد، تمسّك هو وزوجته بالإيمان، بينما أنكر أولاده الإيمان، وتحمس للتوبة، فوضع كتابه "الراعي" ليبحث عن التوبة، مظهرًا أن نقاوة الكنيسة في خطر بسبب استفحال الخطيّة، وأن النهاية قد اقتربت.
ضياع أولاده لم يحطمه بل أثار فيه الرغبة في الكرازة مشتاقًا أن يراهم تائبين ومعهم كل نفسٍ بشريّة، وقد فرح بتوبة أهل بيّته فعلاً (مثل ٧: ٤)، كما أعلن له الملاك أنّه سيعيد إليه حاله الأول الذي كان عليه قبل دماره ودمار أولاده.
تاريخ كتابته


جاء في الرؤيا الثانية (٤: ٣) أن الكنيسة قد أمرته أن يُعد نسختين لما يراه، وأن يضع إحداهما تحت تصرّف إكليمنضس ليرسلها إلى المدن التي في الخارج. هنا يوجد نوع من التناقض، إذ كيف يمكن أن يكون هرماس أخًا لبيوس أسقف روما الذي لم يجلس على كرسي روما قبل سنة ١٤٠م بينما كان إكليمنضس واضع الرسالة إلى كورنثوس أسقفًا من سنة ٩٠ إلى ١٠٠م؟ يعالج البعض هذا التناقض بالقول أن هذا العمل بدأ في زمن إكليمنضس وانتهى في عصر بيوس[270].
نظرة الكنيسة الأولى لكتاب الراعي[271]


توجد شهادات من القرن الثاني، إذ يستشهد به القدّيس إيريناؤس[272]والقدّيس إكليمنضس السكندري[273]والعلاّمة أوريجينوس[274]، وينظرون إليه كسفر قانوني. ووُجد في المخطوطة الإسكندرانيّة للكتاب المقدّس مع رسالة برناباس بعد الكتب المقدّسة (ربّما ككتابٍ كنسيٍ هام).
يعترف العلاّمة أوريجينوس أنّه يوجد في عصره من حطّ من قدر الكتاب. ويجعله يوسابيوس في عداد الكتب المضادة للكتاب المقدّس[275]. وأما القدّيس أثناسيوس[276]فمع اعتباره كتابًا نافعًا، إلاَّ أنّه يجعله من الكتب غير القانونيّة.
أما بالنسبة للغرب فقد اعتبره العلاّمة ترتليان كتابًا يحبّذ الزناة[277]. ويقول القدّيس چيروم[278]أن هذا الكتاب كان منسيًا في الغرب في القرن الرابع.
سماته


1. يمكننا القول بأن هرماس كان إنسانًا تقيًا ومتمسّكًا بالإيمان، ثبت وسط الاضطهاد.
2. لم يكن هرماس مدرّبًا في العقيدة، وإن كان حسن النيّة. نراه يخلط بين ابن الله والروح القدس (قابل المثل ٩: ١ بالمثل ٦: ٥).
3. لم يكن الكاتب أديبًا، فقد جاءت لغته بسيطة وعاميّة؛ وبالنظر إلى طابعه النبوي نجد صعوبة إن لم نقل عدم إمكانيّة فهم بعض الأمور. يقتبس الكاتب من الكتاب المقدّس من غير أن يورد آية بحرفيّتها، كما يقتبس أيضًا من الكتب المنحولة ومن كتب المسيحيّين والوثنيّين على السواء، ومن اللاتينيّة والكتبة اللاتين. ويُشتم ممّا في الكتاب من الكلمات والتعبيرات اللاتينيّة أنّه كُتب في بلاد تُستعمل فيها اللغة اللاتينيّة بجانب اللغة اليونانيّة، ويجوز أن يكون قد كُتب في روما. وبالنظر إلى العبريّة التي فيه فقد يجوز أن يكون الكاتب من أصل عبراني.
4. ما أحبّه آباء الكنيسة الأولى فيه ليس فكره اللاهوتي وإنّما تعليمه السلوكي الأخلاقي وفهمه للحياة المسيحيّة[279].
5. كتاب الراعي غزير المادة، جمّ الفائدة لمؤرّخ الكنيسة في النصف الأول من القرن الثاني. فإنّنا نلتقي فيه بجميع طبقات المسيحيّين، بالصالحين والأشرار. فهناك أساقفة وكهنة وشمامسة أتقياء أمناء، وهناك أيضًا كهنة مهملون طامعون وشمامسة أكلوا أموال الأرامل واليتامى. وفيه يبهر نور الشهداء الثابتين في الإيمان كما ينبو البصر عن الجاحدين المجدّفين. وفيه المسيحي المخلص، والمرائي، والغني الذي لا يكترث بالفقراء، والمؤمن الحقيقي الذي يبذل بسخاء، وإهمال بعض المسيحيّين وطمعهم وتمسّكهم بحطام الدنيا. يعتبر هذا الكتاب أشبه بمراجعة كنيسة روما لنفسها أو فحصها ذاتيًا[280].
الخطوط العريضة لكتاب الراعي



يحوي كتاب الراعي ثلاث مجموعات: خمس رؤى، واثنتي عشر وصيّة، وعشرة استعارات أو أمثال أو تشبيهات similitudes، غير أن واضع الكتاب يقدّم تقسيمًا آخر وهو:1. القسم الأول يحوي الأربع رؤى الأولى التي أعلنتها الكنيسة له.
2. القسم الثاني يبدأ بالرؤيا الخامسة حيث يقدّم الراعي الوصايا والأمثال، وهو القسم الأطول والأهم.
الرؤى الخمس


تظهر الكنيسة في أربع رؤى متعاقبة:
في الرؤيا الأولى تظهر الكنيسة كامرأة عجوز ضعيفة جالسة على كرسي، تحضّه على التوبة عن خطاياه وخطايا عائلته.
في الرؤيا الثانية تستعيد الكنيسة قوّتها. رأى المرأة تنتصب على قدّميها بوجه أكثر فتّوة وإشراقًا، إلاَّ أن جسدها وشعرها كانا جسد وشعر امرأة مسنة. إن هذا يشبه المثل الآتي: إنسان شيخ أقعدته همومه وأحزانه واستولى عليه اليأس، وكان ينتظر يومه الأخير تخلّصًا من اليأس الذي استولى عليه، وفجأة سقطت عليه ثروة لم يكن يحلم بها، وبسبب هذه الثروة نسي ضعفه، وسرت فيه الحياة من جديد، وتجدّدت قواه التي أنهكتها الأشغال السابقة، فخرج من سريره فرحًا، ووقف على قدميه. كذلك أنت عندما تسمع إعلان المخلّص لك. فقد تراءف بك وتحنن عليك، وعادت إليك القوّة بعد أن طرحت الضعف جانبًا، وتركّزت في الإيمان...
في الرؤيا الثالثة ظهرت المرأة شابة فرحة وجميلة، كان شكلها رائعًا. كما أن إعلان الخير ينسي الرجل الحزين أحزانه وأتعابه الماضية، ولا يفكر إلاَّ في البشارة الجديدة، فتعود إليه كل القوى التي تفعل الخير ويشعر بأن روحه قد عاد إليها الشباب بالفرح الذي انتابه. كذلك أنت، قد شعرت بأن الشيبوبة قد عادت إلى نفسك لدى رؤيتك هذه الخيرات. إذا كنت قد رأيتها جالسة على مقعد فإنّها أرادت أن تبرهن على رسوخ مركزها وثباته[281].
يلاحظ في هذا التفسير الآتي:
1. عدم الفصل بين الحياة الشخصيّة وحياة الجماعة، أو بين حياة العضو وحياة الكنيسة. عندما يسقط الإنسان تبدو الكنيسة وكأنّها امرأة مسنة لا تقوى على الوقوف؛ وحينما يقبل نعمة الله ووعوده يتجدّد شبابها. حياتنا متلاحمة معًا بكوننا جسد المسيح الواحد، ما نمارسه أو نفكر فيه إنّما هو لحساب الجماعة كلّها.
2. تركّز الرؤى على الرجاء أو اليأس، فالخطيّة تحطّم نفس الإنسان وتدخل به إلى اليأس، فينهار رجاؤه وشبابه، مشتهيًا الموت؛ أمّا نعمة الله، فتبعث الرجاء، وتجدّد مثل النسر شبابه.
3. المظهر الخارجي لا يكشف عن تمام الحقيقة، فالعجوز جالسة على مقعد والفتاة أيضًا، الأولى تجلس إذ هي عاجزة عن الحركة أو القيام بعملٍ ما، والثانية تجلس كمن يحكم، ثابتة في حياتها، صاحبة سلطان.
4. التحوّل من حالة الشيخوخة إلى الشبوبيّة إنّما يعني أن المخلّص يخلق أو يعيد خلقتنا بالميلاد الجديد. فالحاجة لا إلى إصلاح جزئي بل إلى الحياة الجديدة.
5. يرى البعض[282]أن التحوّل السريع من الشيخوخة إلى الشبوبيّة في حياة المؤمن يعني أن الشر ليس متأصلاً بعمق شديد كما نظن، وأن هذا الانطباع يتثبّت بالأكثر في بقيّة الكتاب. فالمسيحي بالتوبة – المعموديّة الثانية – يتجدّد ذهنه يوميًا فلا يشيخ، وإن كان قد شاخ يعود إلى الحياة الشابة من جديد!
في الرؤيا الثالثة تطل الكنيسة (السيّدة الشابة) على هرماس لتريه برجًا عاليًا في طور البناء، فتظهر أن الكنيسة تصير مُثلى في الاهتمام بالقريب، غير أن كل حجر لا يصلح للبناء يُرذل، هكذا كل خاطئ يُمنع من الشركة الحقيقية في الكنيسة ما لم يتب، خاصة وأن الوقت مقصّر.
في الرؤيا الرابعة يظهر تنين قبيح مُرعب فوق رأسه أربعة ألوان: أسود وأحمر ناري وذهبي وأبيض يرمز إلى الأخطار والاضطهادات المحدقة. لكنّه لا يؤذي المؤمن الثابت في إيمانه. ويظهر وراء التنين الكنيسة في هيئة عروس جميلة متوَّجة رمز السعادة والتطويب للمؤمنين وضمان قبولهم في الكنيسة الخالدة المقبلة.
يقول: [بعد أن اجتزت التنين بثلاثين خطوة إذا بفتاة مزينة كأنّها خارجة من عرسٍ يوشحها البياض، وتنتعل حذاءً أبيض، وتغطي رأسها حتى الجبين، وتلبس فوقه تاجًا، وكان شعرها أبيض... فغمرتني رؤيتها فرحًا، فصافحتني... وقالت: "ألم تلتقِ بشيء في طريقك؟" قلت: "نعم. لقد التقيت بتنّين يمكنه أن يهدم مدينة، إلاَّ أنّني نجوت منه بقدرة الله ورحمته". فقالت: "إذا كنت قد نجوت، فلأنّك ألقيت همومك على الله، وفتحت له قلبك، وآمنت أن لا خلاص لأي إنسان إلاَّ بواسطة اسمه العظيم. لذلك أرسل الله ملاكه الموكّل إليه أمر الحيوانات، المُسمى ثاغري، ولجّم فمه حتى لا يقضي عليك، لقد نجوت بإيمانك من نكبة عظيمة، فلم تتزعزع أمام وحشٍ هائلٍ كهذا. اذهب وفسّر لمختاري الله أعماله المجيدة، وقل لهم أن هذا الوحش هو صورة للأحزان المستقبلة العظيمة. استعدّوا وتوبوا من أعماق قلوبكم... آمنوا بالمخلّص أيها المؤمنون المتأرجحون..."
سألتها عن الألوان الأربعة فوق رأس الحيوان، فأجابتني قائلة...
"الأسود هو العالم الذي تسكن فيه.
أما الناري الدموي فإن العالم سيهلك بالنار والدم.
أما الجزء المذهب فهو أنتم الذين تهربون من هذا العالم؛ فكما أن الذهب يُختبر بالنار ويصبح صالحًا للاستعمال، كذلك أنتم الذين تقطنون هذا العالم تُختبرون...
أما الجزء الأبيض فإنّه الدهر الآتي الذي يقطنه مختارو الله، لأن المختارين للحياة أبديّة يكونون طاهرين بلا دنس.] (رؤيا 4: 2، 5)
في الرؤيا الخامسة يظهر ملاك التوبة في ثوب راعٍ يدبر أمور التوبة، ويضمن نتائجها، ويعلن عن الوصايا الواجب حفظها.
هنا نلاحظ أن ملاك التوبة لم يظهر لهرماس إلاَّ بعدما تمتّع برؤية الكنيسة الشابة الجميلة الغالبة للتنّين، المتوّجة بإكليل النصرة، المتوشّحة بالقداسة (البياض)، المنتعلة بحذاء أبيض، أي تسلك الطريق الملوكي بالنقاوة، المحتشمة (تغطي رأسها حتى الجبين)، الحكيمة (شعرها أبيض)... هذا المنظر بعث فيه فرحًا يسنده على قبول الوصيّة والجهاد من أجلها في الرب.
لا يستطع المؤمن أن يحب الوصيّة، ويتقبّلها بفرح، ما لم يكتشف الحياة الكنسيّة المجيدة الغالبة للشر، والحاملة قداسة مسيحها. وكأن الوصيّة ليست أوامر ونواهٍ، إنّما هي الطريق الملوكي الذي فيه ننعم بمسيحنا واهب الغلبة والحياة المقدّسة.
الوصايا الاثنتا عشرة


1. الإيمان بالله الخالق وخشيته التي تبعث التعفّف.
2. البساطة وعدم النميمة وعدم الانشقاق وحب العطاء.
3. الصدق أو الحق: الله الساكن فينا هو الحق! [أحبب الحق، ولا ينطق فمك إلاَّ به، ليرى الناس جميعًا حقيقة الروح الذي أسكَنه الله فيك، وهكذا يتمجّد الرب الساكن فيك، لأن الله حق في كل أقواله، وليس فيه كذب قط.] (وصية 3: 1)
4. طهارة المتزوجين: [إذا اكتشف (الزوج) أن (زوجته) تزني، ورفضت أن تتوب، فإنّه يكون شريكًا معها في زناها وخطيّتها إن عاش معها.] (وصية 4: 1، 5)
5. طول الأناة: [إن كنت طويل الأناة، فالروح القدس الذي يسكن فيك يبقى نقيًا ولن يزورك فكر شرّير قط. إن كان قلبك طاهرًا، فالروح الذي فيك يبتهج ويتهلّل، إذ يعمل في سعة بيتك الذي تحكمه البساطة بصفاء، أمّا إذا دخله الغضب، فينزعج الروح القدس المملوء رقّة بتلوّث المكان الذي يعيش فيه ويحاول مغادرته... طول الأناة يفوق العسل حلاوة.] (وصية 5: 1: 2-6)
6. السلوك في طريق العدل لا الظلم: [يصحب الإنسان ملاكان، ملاك العدل وملاك الشر... عندما تشعر بالتذمّر والمرارة فاعلم أن الشيطان يسكن فيك... فابتعد عنه ولا تصدّقه، لأن أعماله تضر عبيد الله.] (وصية 6: 2: 1، 5، 6)
7. خف الله لا الشيطان: [اخش الرب واحفظ وصاياه التي تقوّيك في كل أمورك، فلا يكون مثيل لأعمالك... لا تخف الشيطان إذا خشيت الرب، فإن خشيتك لله تعطيك سلطانًا على الشيطان.] (وصية 7: 1-2)
8. اصنع الخير وكف عن الشر: [إن فعلت الصلاح تحيا في الله، ويحيا أيضًا الذين يفعلون الخير مثلك.] (وصية 8: 12)
9. الكف عن الشك: [إذا تسلّل الشك إلى قلبك لن تنال شيئًا... أما الذين يطلبون واثقين فإنّه ينالون ما يريدون، لأن صلاته تخلو من التردّد والشك.] (وصية 9: 5-6)
10. الكآبة: [اطرد عنك الحزن (الكآبة)، فإنّه شقيق الشك والغضب.] (وصية 10: 1: 1) [الروح القدس القاطن فيك لا يحتمل الكآبة ولا الانزعاج.] (وصية 10: 2: 6) [الكآبة إذا امتزجت بالصلاة، يمنعها من الصعود نقيّة.] (وصية 10: 3:3)
11. الأنبياء الكذبة: التواضع يميّز النبي الصادق من النبي الكذاب (وصية 11: 8).
12. ترك الشهوات الشرّيرة: [قبل كل شيء إياك واشتهاء امرأة غريبة والترف والتنعّم بالباطل والسكر وكل شهوة أو لذّة صبيانيّة. الشهوة الشرّيرة إذا رأتك مسلحًا بخوف الله تُولي هاربة، ولا تجسر قط أن تظهر أمامك إذا رأتك مستعدّا لمقاومتها، حينئذ يتوّج رأسك بإكليل الظفر. اقترب من الرغبة الصالحة... وكرّس نفسك لها، وضع نفسك تحت تصرفها، وهكذا تستطيع أن تسيطر على الشهوة الشرّيرة، وتتحكّم بها بإرادتك.] (وصية 12: 2: 1-5)
[يجيد الشيطان الصراع، لكنّه لا يغلب إذا صمدتم في وجهه، بل ينحدر ويهرب خجلاً. الأشخاص الفارغون هم الذين يخافون الشيطان كقوّة.] (وصية 12: 5: 2)
[لا تخافوا مطلقًا تهديدات الشيطان، فإنّه مشلول كأعصاب ميّت.] (وصية 12: 6: 2)
الأمثال أو التشبيهات similitude


جاءت الخمسة أمثال الأولى من نوع الوصايا.
المثل أو التشبيه الأول: التغرّب. [إنكم تعلمون يا عبيد الله أنكم تقطنون أرضًا غريبة، وأن بلدكم بعيد جدًا وليس ههنا... فلماذا تقتنون الأراضي الشاسعة والقصور والأبنية والمساكن ما دمتم تعرّفون أن المدينة التي ستستوطنونها ليست هنا؟! من يهيئ نفسه لهذه الحياة يصعب عليه أن يعود إلى مدينته الحقيقيّة.] (الأمثال 1: 1-2)
المثل أو التشبيه الثاني: الكرمة وشجرة الدردار (محبّة الفقراء).
المثل أو التشبيه الثالث: الأشجار العارية في الشتاء. [الأشجار التي تراها هم سكان هذا العالم... لأن الصدّيقين والخطاة لا يتميّزون في هذا العالم بل جميعهم يتشابهون. هذا العالم بالنسبة للصدّيقين هو بمثابة الشتاء، ولا يتميّزون عن الخطاة الذين يسكنون معهم. ففي الشتاء تفقد الأشجار أوراقها وتصبح متشابهة تمامًا، ويصعب التمييز بين الأشجار الميّتة والأشجار الحيّة.] (الأمثال 3: 2: 3)
المثل أو التشبيه الرابع: تمييز الأشجار في الصيف. [كما أن ثمار الأشجار تظهر في الصيف، وتعرف كل شجرة من ثمارها، كذلك سيُعرف الصدّيقون المثقّلون بأوراق تعطي ظلاً من ثمارهم. أمّا الوثنيّون والخطاة الذين ترمز لهم الأشجار اليابسة، فسيظهرون في الدهر الآتي على حالتهم. يابسين عقيمين، ويُلقى بهم في النار كالخشب اليابس، لأن أعمالهم كانت شرّيرة.] (الأمثال 4: 3: 4)
المثل أو التشبيه الخامس: مفهوم الصوم الحقيقي. [اسمع. فإن الله لا يريد صومًا باطلاً كهذا الصوم؛ إن صمت هكذا فأنت لا تعمل شيئًا للبرّ. صُم للرب هكذا: لا تصنع الشر، واخدم بقلب نقي، واحفظ وصايا الله، وسِرْ حسب أوامره، ولا تترك للشهوة الشرّيرة منفذًا في قلبك، وثق بالله، فإن فعلت هذا، وخشيت الله، تكون قد صمت صومًا عظيمًا مقبولاً لدى الله.] (الأمثال 5: 1: 4-5)
تحدّث أيضًا عن الطهارة: [احفظ جسدك طاهرًا بلا دنس حتى ينال شهادة الروح القدس الساكن فيه.] (الأمثال 5: 7: 1)
الأربعة أمثال أو التشبيهاتالتالية (٦-٩) تعالج بشيء من التفصيل موضوع التوبة، بينما في المثال الأخير (١٠) يعود فيظهر البرج مرّة أخرى، ويعلّم ملاك التوبة هرماس أن ينقّي عائلته من كل شر، وأن ينصح كل أحد بالتوبة.
المثل أو التشبيه السادس: حوار بين ملاك الشهوة والخداع وملاك العقاب في ثوبي راعيّين.
المثل أو التشبيه السابع: هرماس يتألّم بسبب خطايا عائلته.
المثل أو التشبيه الثامن: شجرة الصفصاف وعمل النعمة.
أراه الراعي شجرة صفصاف كانت تظلل سهولاً وجبالاً، وقد اجتمع تحتها كل الذين دعوا باسم المسيح. وكان ملاك الرب العظيم بقامته الفارعة يقف تحت الشجرة وفي يده منجل، وكان يقطع به أغصانًا، ويوزّعها على الجمع المحتشد تحت ظلالها. وكانت الأغصان صغيرة لا تتجاوز طول الشبر. وبعد أن استلم الجميع أغصانه وضع ملاك الرب المنجل جانبًا، وظهر الشجرة كأنّها لم تمس.
شجرة الصفصاف – كما قال ملاك التوبة – هي الناموس أو ابن الله، ربّما قصد بها كلمة الله أو الوصيّة المكتوبة، أو كلمة الله المتجسّد، فإن كل مؤمن بالكلمة المتجسّد يكون كمن تمتّع بغصن، ويلتزم أن يبقى أمينًا في إيمانه بالحياة الإنجيليّة الحيّة.
وملاك الرب العظيم هو رئيس الملائكة ميخائيل، الموكل إليه حفظ إيمان الكنيسة.
جاء وقت استلام الأغصان وفحصها بدقّة، فماذا وجد؟
1. أُعطي لمن كانت أغصانه يانعة ومثمرة أكاليل كأنّها مصنوعة من أغصان النخيل على رؤوسهم وأُدخلوا في البرج، هؤلاء هم الذين صارعوا الشيطان وغلبوه، وتحمّلوا الموت من أجل الوصيّة، فتمتّعوا بإكليل النصرة.
2. الذين قدّموا أغصانه يانعة دون ثمر أرسلهم إلى البرج بعد ختمهم بخاتم، وهناك صاروا يلبسون ثيابًا بيضاء كالثلج، هؤلاء هم الذين طبقوا الناموس وتحمّلوا اضطهادات ولم ينكروا اسم المسيح.
3. سلّم الملاك العظيم لملاك التوبة بقيّة الجموع ثم غادر المكان، وصار ملاك التوبة يفحص أغصانه فوجدها هكذا:
أ. البعض يابسة دون أن ينخرها السوس.
ب. البعض نصف يابسة (المتردّدون الذين هم ليسوا أحياء ولا أموات).
ج. البعض نصف يابسة ومشقّقة (المتردّدون النمامون).
د.البعض نصف خضراء مشقّقة (مؤمنون لكنّهم يطلبون المجد الباطل).
هـ. البعض نصف خضراء ونصف يابسة (المنغمسون في الزمنيّات).
و. البعض خضراء بثلثيها والثلث الباقي يابس (الذين أنكروا الإيمان أحيانًا وأعلنوه أحيانًا).
ز. البعض يابسة بثلثيها والثلث الباقي أخضر (الذين بعد قبولهم الإيمان عادوا إلى طريق الأمم).
ح. البعض خضراء كلّها إلاَّ القليل من أطرافها (المؤمنون الذين سقطوا عن ضعف).
ط. البعض يابسة إلاَّ قليل من طرفها أخضر (المؤمنون الذين يصنعون الإثم لكنّهم يفتخرون باسم الله ويستقبلون خدام الله بفرح).
أخذ ملاك التوبة من الناس الأغصان وزرعها في الأرض مترجّيًا أن تعود إليها الحياة بالتوبة، وصار يسقيها، لأن الخالق يريد الحياة لكل من تسلّم غصنًا من هذه الأغصان.
جاءت الجماعات مصطفّة حسب ترتيب تسليمهم الأغصان، وعاد يفحص الأغصان، البعض عادت إليها الخضرة، والأخرى أكلها السوس؛ البعض صار بها براعم ثمر والأخرى بقيت عقيمة...
سأل هرماس: لماذا لم يتب الجميع؟ فأجابه ملاك التوبة: [يعطي الله روح التوبة للقلوب التي تنتقي وتتطهّر، أمّا الخبيثة فتكون توبتها مرائيّة، ولن يعطيّها روح التوبة، لئلا تهين اسمه.] (الأمثال 8: 6: 2)
المثل أو التشبيه التاسع: الكنيسة كبرجٍ عجيبٍ
قاد ملاك التوبة هرماس إلى جبل أركاديا، وهو جبل لولبي، وأجلسه فوق القمة، وأراه سهلاً عظيمًا تحيطه دائرة من اثنى عشر جبلاً، ولكل جبل شكل خاص به. هذه الجبال تمثّل اثنى عشر سبطًا يقطنون كل العالم، كرز لهم الرسل بابن الله، أي تشير إلى الكنائس المحليّة المنتشرة في العالم، لها ثقافاتها الخاصة وطقوسها الخاصة، لذا ظهرت الجبال مختلفة الشكل، التي ربّما تشير إلى المؤمنين الذين بينهم من هم أمناء، ومنهم من هم غير أمناء.
v جبل أسود (المؤمنون الذين جدَّفوا على الرب وخانوا خدامه).
v جبل عارٍ لا عشب فيه (المراءون ومعلّمو الفساد).
v جبل مليء بالأشواك والعُلّيق (الأغنياء المرتبكون بهموم العالم).
v جبل نصفه مملوء عشبًا؛ وكانت رؤوس الأعشاب خضراء، والقسم القريب من الجذور يابسًا، وكانت الحرارة تُيبّس بعض الأعشاب (المرتدون الذين يشهدون للرب بأفواههم، أمّا قلوبهم فبعيدة عنه).
v جبل معشب ووعر (المؤمنون العصاة المعجبين بأنفسهم كمعلّمين).
v جبل مليء بالحفر الصغيرة والكبيرة، فيها عشب ذابل (الحاقدون).
v جبل مليء بالأعشاب النضرة، ترعى فيها الحيوانات فيزداد نضارة وبهاءً (البسطاء الراضون عن خدام الله المملوءون رحمة وحبًا).
v جبل مليء بالينابيع، تشرب منها مخلوقات الله (الرسل والمعلّمون).
v جبل بدون ماء، فيه زحافات ميّتة (الشمامسة السالبون ما لله).
v جبل عليه أشجار كبيرة تستظل تحتها قطعان الغنم (الأساقفة الأمناء).
v جبل مُغطى بغابة كثيفة من الأشجار المثمرة شهيّة (المتألّمون لأجل الله).
v جبل أبيض يبعث في النفس بهجة وعذوبة (المؤمنون البسطاء كأطفالٍ أبرياء).
هذه صورة الشعب المسيحي بين الأمم، منهم البعض مثل جبل أسود، والبعض مثل جبل أبيض؛ منهم من يحمل ثمار الروح الشهيّة، ومنهم من هو عقيم؛ منهم ما بهم ينابيع نعمة الله المُروية للنفوس، ومنهم ما يقتله الجفاف الروحي الخ.
أراه أيضًا صخرة بيضاء كانت تقوم مرتفعة في وسط السهل، وكانت الصخرة أعلى من الجبال ومربّعة، تستطيع أن تسع العالم. كانت الصخرة قديمة وبابها محفور في أحد جوانبها، وقد ظهر له الباب محفورًا حفرًا حديثًا. كانت الصخرة أكثر لمعانًا من الشمس، حتى أثارت أشعتها إعجابه. الصخرة القديمة هي ابن الله الأزلي، صخر الدهور الذي يسع العالم كلّه ككنيسة مقدّسة يحملها بذراعيه، أمّا الباب الجديد فيشير إلى تجسّده، به ندخل إليه، وننعم بخلاصه، ونحيا في ملكوته.
كان حول الباب اثنتا عشر عذراء: أربعة منهنّ، وهنّ أجملهنّ، كن يقمن عند الزوايا، أمّا الباقيات فكنّ يقفن بين كل زاويتين، اثنتين اثنتين، وكنّ يلبسن لباسًا من الكتّان، ويأتزرن مآزر جميلة، وكانت أكتافهنّ عارية كأنّها أُعدّت لحمل شيء ما، وكن يقفن مستعدّات فرحات.
العذارى الواقفات عند الزاويّة هن: الإيمان والعفّة والقوّة وطول الأناة؛ أمّا الواقفات بينهن فهن: البساطة والبراءة والنقاوة والصفاء والحقيقة والفطنة والتصافي والمحبّة. من حمل هذه الأسماء مع اسم ابن الله يمكنه أن يدخل ملكوت السماوات.
كان المشهد مثيرًا ورائعًا، ومحيرًا، فقد رأى العذارى الرقيقات اللواتي يقفن بنعومتهنّ وقفة رجوليّة كأنّهن يتهيّأن ليحملن السماء كلّها (٩:٢: ٥). هكذا تتمتّع نفس المؤمن الحقيقي برقّة شديدة ولطف زائد، فتكون كمجموعة من العذارى الجميلات الرقيقات، لكنها تحمل قوّة وتسلك بحزم وفي وضع كمن يحمل السماء عينها! إنّهن تحملن صورة ابن الله وسماته الوديع كل الوداعة ليجتذب الخطاة بحبّه اللانهائي، حازمًا ضدّ الشر، يقتل إبليس ويهدم سلطانه.
رأى أيضًا ستّة رجال مقبلين بقامتهم الطويلة ومشيتهم الرصينة وهيئتهم المتشابهة، وقد استدعوا عددًا من الناس طوال القامة مشرقي الطلعة أقوياء. وأمرهم الستّة أن يبنوا فوق الصخرة وفوق الباب برجًا. هؤلاء الرجال هم الملائكة المحيطون بابن الله، ثلاثة عن اليمين وثلاثة عن اليسار، يحثّون المؤمنين للعمل الكنسي، لبناء كنيسة الله على الإيمان بالمسيح الصخرة والباب.
كانت العذارى يطلبن من الرجال أن يسرعوا لبناء البرج، وكن يمددن أيديهن لمن يردن أن يتسلّمن شيئًا.
بناء على أمر الرجال الستّة اقتلع الرجال عشرة حجارة مربّعة برّاقة غير منحوتة، استلمتها العذارى، وحملن إيّاها إلى الرجال الذين أوكل إليهم بناء البرج. هذه الحجارة اُستخرجت من أعماق البحر، وتعاونت العذارى معًا على حملهن حجرًا حجرًا. هذه الحجارة هي الجيل الأول من المؤمنين الذين كانوا يُحملون من البحر كمن يُنتزعون من الطبيعة الميّتة، ويدخلون بالإيمان بابن الله مع سلوكهم الحياة المقدّسة الجديدة (العذارى) إلى بناء ملكوت الله الروحي أي إلى الكنيسة.
كان بناء البرج يتم فوق الصخرة وفوق الباب، وقد تغطت الحجارة كلّها بتلاحمها معًا فوق الصخرة التي صارت أساسًا للبرج. وبعد الحجارة العشرة استخرج من الأعماق خمسة وعشرون حجرًا دخلت في البناء كما حدث مع العشرة حجارة؛ ثم خمسة وثلاثون ثم أربعون، وهكذا أصبح أساس البرج مؤلفًا من أربعة صفوف. توقف استخراج الحجارة من الأعماق، وتوقّف البناءون قليلاً عن البناء، ثم أمر الرجال الستّة جموع الفعلة بجلب الحجارة للبناء من الجبال. فانطلقوا يحملون حجارة مختلفة الألوان، وكانوا ينحتونها ويسلّمونها للعذارى اللواتي كن ينقلنها من الباب ويسلّمنها لبناء البرج. وعندما كانت هذه الحجارة تُوضع في مكانها من البناء تفقد ألوانها وتصبح كلّها بيضاء. إنّها تمثّل الكنيسة التي تصبح قلبًا واحدًا نقيًا وبهيًا في المسيح يسوع.
الحجارة التي لم تتسلّمها العذارى لم تدخل من الباب، ولم تكن ملائمة للبناء، بلا بهاء، ولم يتغيّر لونها إلى الأبيض الناصع.
توقّف العمل قليلاً وبقيت العذارى حارسات البرج حتى يأتي صاحب البرج، فقبلته العذارى ودرن معه حول البرج. صار يفحص البرج بدقّة متحسّسًا كل حجر، وكان يضرب بعضها بعصا في يده، فكان بعضها يسوَّد والبعض يتفتّت أو يتشقّق أو يُبتر، وظهر البعض أنها ليست بلونٍ أبيض ولا أسود، وظهرت حجارة إنّها خشنة لا تصلح للبناء والبعض ملطّخة... هذه حجارة لا تصلح للبناء، نُزعت عن البرج واستُبدلت بغيرها، أتوا بها لا من الجبال بل من سهلٍ مجاور. حفروا السهل، فعثروا على حجارة لامعة مكعّبة وبعضها مستدير. هؤلاء هم الأغنياء الذين عاشوا حياة سهلة لكنّهم لم يتركوا الإيمان ولم يخرج من فمهم كلمة بطّالة، إذ نُزع عنهم حب الغنى صاروا حجارة حيّة لامعة في بيت الرب.
بعض الحجارة الكرويّة احتاجت إلى نحتها لتوضع في البناء. وهكذا نرى صاحب البرج يشتاق أن يستخدم كل حجر في البناء، لكن الحجارة التي لا تستجيب تُرذل، ويُلقى بها بعيدًا عن البرج.
جاء ملاك التوبة بعد يومين لتنظيف المكان خارج البرج، فكان يلقي كل حجر لا يدخل في البناء بعدما يبذل كل الجهد لتسليم كل حجر للعذارى الست حتى المفتت والمشقّق لعلّه يصلح في البناء.
المثل أو التشبيه العاشر: ينبّه ملاك العقاب هرماس وعائلته بالتوبة، معلنًا أن العذارى فرحات بوجودهنّ عنده، وأنّه ينصحهنّ ألاَّ يتركن بيت هرماس فقبلت العذارى النصيحة فرحات.


magdy-f 26 - 08 - 2012 02:50 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
أفكاره

1. التوبة


جاء في الوصيّة الرابعة حوار بين هرماس وملاك التوبة عن موضوع التوبة وغفران الخطايا بعد نوال المعموديّة.
[قلت: أيمكنني يا سيّدي أن أسألك سؤالاً آخر؟
قال: تكلّم.
قلت: سمعت بعض المعلّمين يقولون أنّه ليس هناك توبة (عن جحد الإيمان) غير التي نلناها عند المعموديّة حيث نلنا غفران الخطايا السابقة.
فقال لي: ما سمعته صحيح. وهذا هو الواقع، فالذي نال مغفرة الخطايا يجب عليه ألا يخطئ، بل يبقى في النقاوة... إني أقول لك أن الإنسان يخطئ خطيّة عظيمة إذا وقع في التجربة بعد تلك الدعوة العظيمة الشريفة؛ للإنسان توبة واحدة؛ ولكنّه إذ يخطئ المرّة بعد الأخرى، فالتوبة غير مفيدة[283].]
ا. يلاحظ هنا أن ملاك التوبة يفتح باب التوبة أمام الساقطين بعد العماد في خطيّة عظيمة، ربّما عني بها جحود الإيمان وقت الضيق والاضطهاد حيث ثارت في الكنيسة مناقشات كثيرة حول إمكانيّة قبول توبتهم؛ لكنّه يضع أمام التائبين فرصة نهائيّة، فلا تُستغل طول أناة الله ومراحمه للسقوط المتكرّر.
هنا لا يتحدّث ملاك التوبة عن السقوط في الضعفات التي يئن منها الجميع، إنّما عن خطايا معيّنة تمس إيمان الإنسان أو قدسيّة حياته بأكملها[284].
ب. تحمل التوبة سمة "الجامعيّة" فلا يُستبعد خاطئ ما منها، لا يُستبعد الإنسان الدنس أو الجاحد، وإنّما يُستبعد فقط من يصرّ على عدم التوبة.
ج. يلاحظ هنا أن التوبة تترجم إلى عمل، أو إلى حياة إيمانيّة عاملة. التائب حجر حيّ تتلقّفه الاثنتا عشر عذراء اللواتي هن: الإيمان والعفّة والقوّة وطول الأناة والبساطة والحب الخ[285]. أمّا غايتها فهو التمتّع بالعضويّة الكنسيّة الروحيّة، البناء الأبدي القائم على السيّد المسيح الصخرة المتّسعة لكل البشر، والباب المفتوح لكل تائب[286].
د. التوبة حياة شخصيّة خفيّة وليست مجرّد ممارسات ظاهرة. هذه الحياة لا تُختبر خارج الحياة الجماعيّة الكنسيّة. فالمؤمن يبقى حجرًا لا قيمة له، ولا يتغيّر لونه إلى البياض والبهاء ما لم تدخل به العذارى إلى البرج ليصير مع إخوته بناءً مترابطًا وبهيًا.
في المثل أو التشبيه التاسع يبرز أنّه لا مكان للمؤمن في البرج أي في الكنيسة بدون توبة، وأيضًا لا خلاص إلاَّ بالدخول في البرج. كأنّه بالتوبة نتمتّع بالحياة الكنسيّة الحقيقية، وبالحياة الكنسيّة نخلص من الخطيّة وننعم بحياة القداسة المجيدة.

2. الإيمان بالثالوث


لم يذكر هرماس قط اسم "يسوع المسيح"، بل دائمًا يدعوه ابن الله أو السيّد، كما خلط في في المثل أو التشبيه التاسع بين الروح القدس وابن الله، إذ يقول له ملاك التوبة: [أريد أن أريك كل ما أظهره لك الروح القدس الذي خاطبك باسم الكنيسة، هذا الروح هو ابن الله[287].] وفي مثل ٥: ٦: ٥-٧ جعل الروح القدس الخالق متجسّدًا...
هكذا حدث لبس في نظرته للثالوث، ما لم يكن الخطأ في النساخة منذ عصر مبكر.

3. الكنيسة


1. كتاب "الراعي" هو دعوة حارة للتوبة، فهو في الحقيقة دعوة للدخول إلى العضويّة الكنسيّة حيث جماعة التائبين المتمتّعين بنعمة الله وعمله الخلاصي. رأينا في في المثل أو التشبيه التاسع على وجه الخصوص كيف نزع ابن الله، صاحب البرج، من كنيسته الحجارة غير اللائقة، ولم يقبل عودتها لتكون جزءً لا يتجزّأ من البناء بطريق آخر غير التوبة العمليّة والمستندة على ابن الله، الصخرة المتّسعة لكل البشر.
2. الكنيسة – عند هرماس – هي أول المخلوقات، لم يُخلق العالم إلاَّ لأجلنا[288].
3. لا يتجاهل هرماس ضعفات الكنيسة، بل يتحدّث عنها بإسهاب في الرؤيا الثالثة، ومع وجود هذه الضعفات كان مملوءً رجاءً في الله الذي يبني الكنيسة كبرجٍ بسرعة[289].
4. تحدّث بطريقة غير مباشرة عن النظام الكهنوتي، فقد مدح محبّة الأساقفة الروحيّين، وفي صراحة وبّخ الكهنة (القسوس) والشمامسة على أخطائهم.
5. بغض النظر عما للإكليروس من فضائل أو ضعفات فإنّه يتطلّع إلى الكنيسة نفسها كأم للمسيحيّين. إنّها كأم تنصح أبناءها قائلة: [اسمعوا يا أولادي؛ لقد ربيتكم ببساطة عظيمة وبراءة وقداسة[290].]
6. يتحدّث عن وحدة الكنيسة فيما بينها ووحدتها مع مسيحها، إذ رآها برجًا كما لو كانت حجرًا واحدًا منفردًا[291]، كما رآها والصخرة القائمة عليها كتلة واحدة[292].

4. المعموديّة


1. لا يتمتّع أحد بالعضويّة الكنسيّة ما لم يتقبّل المعموديّة:
[سألتها: لماذا يُبنى هذا البرج فوق الماء يا سيّدتي؟
فقالت: لقد قلت لك من قبل... إن حياتنا خلصت وتخلص بالماء. للبرج أساس، وأساسه كلمة اسم الله العظيم الممجّد، قائم بقوّة السيّد غير المنظورة[293].]
2. تسمى المعموديّة ختمًا
[الذين لا يحملون اسم ابن الله هم أموات، إلاَّ أنّهم عندما ينالون الختم يخلعون الموت ويلبسون الحياة. الختم هو ماء المعموديّة، ينزلون في الماء أمواتًا ويخرجون منه أحياء. لقد أُعلن هذا الختم لهم أيضًا، فاستخدموه ليدخلوا ملكوت السماوات[294].]
ويُلاحظ أن العماد هو نزول إلى الماء كما إلى القبر، وخروج منه كما بقيامة السيّد المسيح، يتم بالتغطيس للشركة في دفن المسيح وتمتّع بقيامته، كقول الرسول بولس: "فدفنّا معه بالمعموديّة للموت؛ حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة" (رو ٦: ٤).
3. يرى هرماس أن الرسل والمعلّمين نزلوا إلى الجحيم ليعمِّدوا الذين رقدوا في الفضيلة والإيمان بابن الله قبل مجيء السيّد المسيح، ويصيروا معهم حجارة ميّتة في البرج الأبدي. هكذا يرى العماد ضروريًا حتى لرجال العهد القديم الذين ماتوا على رجاء الخلاص. هذه النظرة مُبالغ فيها، لكنّها تكشف عن مدى أهميّة المعموديّة في العصر الرسولي للتمتّع بالخلاص.

5. الأخلاق



1. يقول كواستن Quasten أنّه جدير بالملاحظة وأمر هام أن هرماس يميّز بين الوصيّة والمشورة؛ الوصيّة تأمر بما يجب الالتزام بها، أمّا المشورة فتعني أن الإنسان يتمّم ما بعد المشورة بمحض إرادته.[سأظهر لك وصاياه، فإن فعلت ما هو أكثر تنال مجدًا أعظم وحظًا أوفر عند الله[295].]
من الأعمال التي بها نمارس ما هو أكثر من الوصايا: الصوم والبتوليّة والاستشهاد.
كأن المسيحيّة لا تقف عند حدود معيّنة، أو لا تعرّف للوصيّة حدًا، إذ يشتاق المؤمن أن يُبذل كل يوم في أصوامه، وأن يسمو بمشاعره فيقدّم نفسه بتولاً لا تنشغل إلاَّ بعريسها السماوي؛ ويشتهي أن يموت من أجل من مات عنه.
2. لكل إنسان ملاكان، ملاك البرّ يحث الإنسان على الحياة الفاضلة من تقوى وطهارة وقداسة الخ.، وملاك الشر يثير فيه الشر. كلا الملاكين يريدان السكنى في القلب؛ الأول أنيس ومتواضع ووديع، والثاني عنيف ومبغض وأحمق[296].
3. يتطلّع هرماس إلى الغنى كعائق في الحياة الروحيّة، بل أحيانًا يقود إلى إنكار السيّد[297].

6. الزواج


في رأيه لا يجوز لأحد الزوجين أن يتزوّج بسبب زنى الطرف الآخر، لكنّ يمكنه أن ينفصل عنه، وإن تاب الطرف الآخر فليقبل توبته[298].
يجوز الزواج بعد وفاة الطرف الآخر، وإن بقي الشخص بدون زواج ينال شرفًا عظيمًا ومجدًا أمام السيّد[299].

مخطوطات وطبعات "الراعي"


يقول مطران حلب إلياس معوّض [لم يكن الراعي لعام ١٨٥٦م معروفًا إلاَّ في ترجمة لاتينيّة يرجّح أنّها من القرن الثاني، وقد طبعت هذه أولاً في باريس عام ١٥١٣م، وفي عام ١٨٥٧م طبعت عن مخطوطة من القرن الرابع عشر ترجمة لاتينيّة ثانية تستند على الأرجح إلى الترجمة الأولى، ويغلب الظن إنّها من القرن الرابع أو الخامس.
أما المخطوطة اليونانيّة "للراعي" فإن أول من وجدها هو قسطنطين سيمونيدس المزوّر وذلك عام ١٨٥٥م، في دير القدّيس غريغوريوس في جبل آثوس. وهذه المخطوطة المنسوخة بخط كثيف هي من القرن الرابع عشر؛ تتألّف من عشر ورقات، والورقة الأخيرة منها مفقودة. انتزع سيمونيدس من ورقات المخطوطة، الخامسة والسادسة والتاسعة، ونقل الورقات الباقيّة باعتناء، ولم يذكر اسم الدير الذي وجدت فيه. ثم باع الورقات الثلاث الأصليّة مع الورقات المفقودة إلى مكتبة ليبزيغ، وهكذا عرفت التسعة أعشار من المخطوطة اليونانيّة "الراعي"، وقد نشره Anger and Dindorf، في ليبزيغ سنة ١٨٥٦م. ثم أخذ سيمونيدس يطلع على العالم، شيئًا فشيئًا، بمخطوطات جديدة "للراعي" حتى أوصلها إلى عشر مخطوطات، أقدمها ادّعى بأنّه اكتشفها في جبل سيناء عام ١٨٥٢م ويعود تاريخها إلى القرن الأول، وهي بالنتيجة أقدم كل المخطوطات في العالم. ولما كان سيمونيدس قد وعد بإحضار مخطوطة هرماس كما هي، جاءت دائرة الشرطة في برلين، بإشارة من الكساندر ليكورغو أستاذ الجامعه آنذاك، ورئيس أساقفة سيروس، وتينوس فيما بعد، فضبطت غرفته والمواد التي كان يهيئها لتقديم هذه المخطوطة، الأمر الذي اضطره إلى مغادرة المانيا والشخوص إلى انجلترا حيث تابع عمله كمخادع. وفي عام ١٨٥٩م نشر في لندن بحثًا بعنوان "القليل من الكثير عن الأب الرسولي هرماس"، ونشر في آخر البحث صورة من مخطوطتين قديمتين من عمله، مستندًا إلى الترجمة اللاتينيّة. على أن Hulgenfeld الذي طبع لهرماس أخذ عن سيمونيدس النهاية المزيفة لكن هارنك بيَّن زيفها. وفي عام ١٨٨٠م صادف أن كان أسبيريدون لأمبروس في دير القدّيس غريغوريوس في جبل آثوس فدرس مخطوطة هرماس، ونقل بواسطة مرافقة الورقات الست الباقيّة ونشرها في عام ١٨٨٨م في كمبردج[300]، وقدّمت هذه الطبعة ببحث طويل عن كيفيّة وجود المخطوطة، وهكذا اتّضح أن كل ما جاء به سيمونيدس كان منحولاً[301].
لعلّ أقدم نسخ أصيلة لكتاب "الراعي" بقايا برديتان بجامعة ميتشيجان Michigan، وهما يعودان إلى أواخر القرن الثالث، يضمان شيئًا من المثلين أو التشبيهين الثاني والخامس ومن الوصيّة الثانية[302].
كما عثر على الربع من "الراعي" وحتى الوصيّة الرابعة في المخطوطة السينائيّة للكتاب المقدّس Siniaticus التي عثر عليها Codex Tishendorf سنة ١٨٥٩م، وطُبعت في ليبزيغ عام ١٨٦٣م، وهي ضمن ملحقات العهد الجديد.
وجدت في مصر مقاطع من كتاب الراعي على رق الغزال وعلى ورق البردي.
توجد ترجمة قبطيّة وحبشية وفارسيّة للراعي.



magdy-f 26 - 08 - 2012 02:52 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
الرسالة إلى ديوغنيتس
The Epistle to Diognetus

رسالة نفسيّة نجهل كاتبها وتاريخ كتابتها ومكان الكتابة، يكتنفها الغموض.
شخصيّة مؤلفها


يعتقد P. Andriessen أن كوادراتوس Quadratus هو واضع الرسالة، وإنّها ليست إلاَّ ذلك الدفاع المفقود له. ومع أن العبارة التي اقتطفها المؤرّخ يوسابيوس[303]في دفاع عن كوادراتوس غير موجودة في الرسالة إلى ديوغنيتس لكن توجد ثغرة بين العبارتين ٦، ٧ في الفصل السابع للرسالة، ويمكن للعبارة التي وردت في يوسابيوس أن تسد هذه الثغرة... المعلومات التي وصلت إلينا عن كوادراتوس من يوسابيوس وچيروم وفوتيوس وما ورد في Bede عن الاستشهاد ورسالة القدّيس يعقوب المزوّرة والموجّهة إليه جاءت كلّها تتفق مع الرسالة إلى ديوغنيتس[304].
تدل الرسالة على علاقة قويّة بين كاتبها والقدّيس إكليمنضس الإسكندري، أو أن الكاتب المجهول "يدور في فلك إكليمنضس" على حد تعبير كافكن[305]. على أن بعض الدارسين يروا أن ما هو مشترك بينهما إنّما هو قاسم مشترك في التقليد المسيحي القديم، خاصة في مجموعة المدافعين عن الإيمان، وأن الاثنين لم يعتمد أحدهما على الآخر، إنّما ارتويا من ينبوعٍ واحدٍ مشترك هو التقليد الكنسي.

من هو ديوغنيتس؟


يظهر من الرسالة أنّه شريف، طلب من صديقه المسيحي أن يخبره عن مفاهيم ديانته وطقوسها.يرى P. Andriessen أنّه الإمبراطور أدريان Hadrian، أمّا ديوغنيتس (تعني حامل السماء) هو أحد ألقابه الشرفيّة[306].
جاء في المقدّمة: [أنا عالم يا سيّدي ديوغنيتس، باهتمامك العظيم الذي تظهره لتتعرّف على المعلومات الدقيقة عن الدين المسيحي، لتطلّع على حقيقة الإله الذي يؤمن به المسيحيّون، والعبادة التي يقدّمونها له؛ وعما يدفعهم إلى احتقار (محبّة) العالم، والاستهانة بالموت. بأنك تسأل: لِمَ لا يقيم المسيحيّون وزنًا لآلهة يعترف بها اليونانيّون، ولا يعيرون انتباهًا لسفسطات يتشبّث بها اليهود؟ وما هو سرّ الحب العظيم الذي يربطهم بعضهم ببعض؟ كما تود أن تعرف أخيرًا، لِمَ هذا الشعب الجديد – قل: هذا النمط الجديد من الحياة – جاء إلى حياتنا حديثًا فقط عوض ظهوره في أزمنة مبكرة؟]

سماتها


1. تتحلى الرسالة باللطف ورقة العاطفة[307]، فهي درة ثمينة[308]في مجموعة الدفاع عن الإيمان، وشهادة صادقّة للسرّ المسيحي. تتسم بالدقّة في التفكير مع وضوح في التعبير[309]، صاغها الكاتب في شكل أسئلة طرحها عليه ّصدّيقه الشريف ديوغنيتس مقدّما إجابة عن هذه التساؤلات.
2. في حديث ديوغنيتس عن سمو المسيحيّة عن الوثنيّة أبرز جانبين: الأول: كيف يمكن للإنسان أن يتعبّد لصنم صنعته يد بشريّة من مادة قابلة للتلف والفناء، كما يتعرّض الصنم نفسه للسرقة؟ والثاني: تمج النفس الذبائح الدمويّة.
3. أبرز سمو المسيحيّة وكمالها عن اليهوديّة بارتفاعها فوق الحرفيات القاتلة من تطهيرات، واهتمام بختان الجسد، كما لا يحمل المسيحيّون كبرياء اليهود واعتدادهم بذاته.
4. كشف عن سمو الحياة المسيحيّة وسلوك المسيحيّين في أيامه، في النقاط التالية:
ا. يُترجم سمو إيمانهم خلال السلوك العملي اليومي.
ب. الإيمان المسيحي هبة إلهيّة، يسمو فوق العقل لكنّه لا يناقضه، قدّمه الله الكلمة نفسه.
[العقيدة التي يدين بها المسيحيّون، ويحيطونها بجليلٍ من العناية، ما كانت قط يومًا من استنباط إنسان، فإن إيمانهم لا يمت بصلة إلى أسرار البشر. إنّه بالحقيقة هبة القدير بالذات، خالق الكل، غير المنظور، عطيّة السماء، فهو الذي جعل الحق بين الناس، أعني كلمته القدّوس غير المدرك، الذي وطَّد الله في قلوب المؤمنين به.]
[إن رب الكون... قد ظهر للبشر في ملء مجيئه... كشف لنا عن قصده في شخص ابنه الحبيب، وأعلن ما أعده لنا منذ البدء.]
[الله لم يبغضنا، ولم ينبذنا، ولم يحقد علينا، بل اتّسم بطول الأناة زمنًا، وحمل أعباءنا، تحنّن علينا، وأخذ على عاتقه وقر خطايانا، وأسلم وحيده فداء عنّا. أجل! لقد أُسلم القدّوس للمجرمين، والبار للآثمة، والصدّيق للمنافقين، والأزلي للمائتين. بمَ كان يمكن أن تُستر آثامنا إن لم يكن ببرّه هو؟ بمن نتبرّر نحن الآثمة إن لم يكن ببرّ ابنه الوحيد؟]
[لقد ظهر الكلمة وأعلن نفسه للبشر. وإذ لم يفهمه من لم يؤمنوا به، كشف عن سرّه لتلاميذه الذين عرفهم، فآمن به تلاميذه، ونالوا من معرفة أسرار الآب. لهذا جاء كي يعلن ذاته. ولما استهانت به خاصته، حمل الرسل بشارته إلى الأمم فآمنت به. في البدء كان، وظهر كأنّه جديد، وهو القديم. ميلاده يتجدّد دومًا في قلوب قدّيسيه. أنّه الأبدي ونحن اليوم نعرفه كأنّه جديد!]
ج. المسيحيّون ليسوا، كما يتخيل ديوغنيتس، شعبًا متقوقعًا حول ذاته، يقيم من ذاته دولة لها لغتها الخاصة وعاداتها المستقلّة، إنّما الإيمان المسيحي هو انفتاح على البشريّة، على خلاف اليهود.
[لا وطن، ولا لغة، ولا عادات، تميّز المسيحيّين عن سائر البشر. فهم لا يقطنون مدنًا خاصة بهم، ولا ينفردون بلهجة معيّنة.]
د. طبيعة الكنيسة سماويّة، لكنها تؤمن بالواقع العملي بكونها تعيش على الأرض.
[يقيم كل منهم في وطنه، إنّما كغريب مُضاف...
أنّه في الجسد، ولكنّهم لا يعيشون حسب الجسد.
يصرفون العمر على الأرض، إلاَّ أنّه من مواطني السماء.]
هـ. العالم يضاد الكنيسة لكنّه لا يقدر أن يؤذيها، وتبقى الكنيسة تحب العالم وتخدمه بإخلاص، قد يسلبها العالم الأمور الزمنيّة لتفتقر، وبفقرها تغني الكثيرين.
[الجميع يضطهدونهم، ويتنكّرون لهم، ويحكمون عليهم، أمّا هم فبموتهم يربحون الحياة. إنّهم فقراء، وبفقرهم يغنون الكثيرين. يفتقرون إلى كل شيء، وكل شيء فائض لديهم.]
و. علاقة الكنيسة بالعالم كعلاقة الروح بالجسد، مصدر حياتهم، إنّها خميرة المجتمع البشري، والنور الذي يهديه سواء السبيل.
[يقيم المسيحيّون في العالم كما تقيم الروح في الجسد.
الروح منتشرة في أعضاء الجسد انتشار المسيحيّين في مدن العالم.
الروح تقيم في الجسد، إلاَّ أنّها ليست من الجسد المنظور...
الجسد يكره الروح ويقاومها، وإن لم ينله منها أذى، سوى أنّها تحول دون انغماسه في حمأة اللذات. والعالم يكره المسيحيّين، لا لأنّه أساءوا إليه، بل بكونهم يتصدّون لما فيه من شهوات منحرفة فاسدة. تحب الروح الجسد الذي يبغضها، كما يحب المسيحيّون مبغضيهم.
الروح سجينة الجسد، ولولاهم لما كان للجسد من حياة، والمسيحيّون موثقون في سجن العالم، ولولاهم لا قيام ولا حياة للعالم.]
ز. [يخضع المسيحيّون للشرائع؛ هم مواطنون صالحون، يعملون بنشاط في خدمة بلدهم. يمتثلون للشرائع القائمة، إلاَّ أن نمط حياتهم يسمو كمالاً على الشرائع... لا يعملون إلاَّ الصلاح، ويُعاقبون كأدنياء، وفي عقابهم يتهلّلون كأنّهم يولدون للحياة.]
ح. تعيش الكنيسة حياة الشركة في كل شيء ما عدا الحياة الزوجيّة، إذ يقول العلاّمة ترتليان: [كل شيء مشترك بيننا عدا زوجاتنا[310].] وجاء في الرسالة إلى ديوغنيتس: [لأي مسيحي الحريّة أن يشارك طعام قريبه، لكنّه لن يشاركه مضجعه.]
5. يدعو الكاتب صديقه ديوغنيتس للإيمان.
[الآن، إن رغبت أيضًا أن يكون لك مثل هذا الإيمان، فلتكن لك معرفة الآب كأول درس لك...
تصور أية غبطة سيتدفّق بها قلبك لمعرفته! ولكم تندفع في حب من أحبّك أولاً.
بحبك له تمثّل بجوده...
إنك ستشجب خداع العالم وضلاله.
يوم تعي حقيقة الحياة المسيحيّة، تزدري بما يسمّونه موت الجسد، لترهب الموت الحقيقي المُعد لمن سيُطرحون نهائيًا إلى النار الأبديّة جزاء أعمالهم السيئة. وإنك ستنحني إجلالاً وتعظيمًا أمام من قاسوا عذاب النار هنا لأجل البرّ، وتغبطهم إذ ما كنت على علم بحقيقة النار الأخرى.]
[لتتحد المعرفة بقلبك، ولتتقبّل حياتك في داخلها الكلمة. وإذا ما نمت هذه الشجرة (شجرة المعرفة) فيك، وجمعت ثمارها، فإنك لا تكف عن أن تجني ما يُرتجى نواله من الله، وما لا تقوى الحيّة على الوصول إليه، ولا الخداع أن يتسلّل إليه. أمّا حواء فإنّها لم تبقَ بعد ضحيّة الإغواء، بل ستظل عذراء، ويُعلن الخلاص.]

أقسام الرسالة


1. غيرة ديوغنيتس وأسئلته ١.
2. سموّ المسيحيّة على الوثنيّة واليهوديّة ٢-٤.
3. سمو الحياة المسيحيّة ٥-٦.
4. أصل المسيحيّة الإلهي ٧-٨.
5. ظهورها مؤخّرًا لإظهار عجز الإنسان بذاته ٩.
6. دعوة ديوغنيتس لقبول الإيمان ١٠.
7. الفصلان ١١-١٢ – يرى البعض إنّهما دخيلان يخصّان عملاً آخر، ربّما يكون من عمل القدّيس بنتينوس عميد مدرسة الإسكندريّة[311]، أو من عمل هيبوليتس الروماني[312]، أو ميليتس أسقف ساردس[313]Melito of Sardis.



magdy-f 26 - 08 - 2012 02:53 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
كوادراتس
Quadratus

يبدو أنّه آسيوي، وقد دعاه البعض Quadratus the Asiatic وأنّه تلميذ للرسل[314]. أقدّم المدافعين عن المسيحيّة، ونحن ندين ليوسابيوس القيصري في كل ما نعرفه عنه، إذ يقول:
[وبعد أن حكم تراجان تسعة عشر عامًا ونصف، خلفه في الحكم يوليوس ادريان Aelius Hadrian. وقد وجّه إليه كوادراتس حديثًا متضمنًا دفاعًا عن ديننا، لأن بعض الأشرار حاولوا إزعاج المسيحيّين. ولا يزال هذا المؤلف بين أيدي الكثيرين من الاخوة، ولدينا نسخة منه. وهو برهان قوي على ذكائه وأرثوذكسيّته الرسوليّة. إنّه يظهر التاريخ المبكر الذي عاش فيه، وذلك بكلماته التالية:
"على أن أعمال مخلّصنا كانت دائمًا ماثلة أمامنا أنّها كانت يقينيّة، فإن الذين شُفوا والذين أقيموا من الأموات لم يُروا فقط وقت شفائهم أو قيامتهم، بل كانوا حاضرين دومًا، ليس فقط حين كان المخلّص على الأرض، بل وأيضًا بعد ذهابه (صعوده)، لأنّه ظلوا عائشين مدة طويلة، وقد عاش بعضهم حتى زماننا نحن"[315].]
ما جاء في كتاب يوسابيوس هو كل ما وصل إلينا من دفاع كوادراتس. فقد ثبت خطأ نظريّة Harris بأنه توجد مقتطفات من هذا الدفاع في الاكلمنضيّات المزوّرة وأعمال القدّيسة كاترين السينائيّة وتاريخ يوحنا مالالاس Malalas ورواية برلعام وجوزاف[316]Romance of Barloram and Joasaph.
قدّم كوادراتس دفاعه للإمبراطور خلال إقامته في آسيا الصغرى في عام ١٢٣/١٢٤م أو في عام ١٢٩م، وربّما في أثينا عندما زارها الإمبراطور عام ١٢٥م أو مؤخرًا عام ١٢٩م[317].
من الصعب اعتباره تلميذًا للرسل. هذا وقد أخطأ القدّيس چيروم[318] حين ظنه كوادراتس أسقف أثينا الذي عاش في أيام مرقس أوريليوس.
من خلال الفقرة التي وصلت إلينا عن طريق يوسابيوس يرى البعض أنه كان يقارن بين عمل السيّد المسيح الحقيقي والباقي وأعمال الآلهة الوثنيّة، أو عمل الشيّاطين الزائل والمملوء خداعًا. هذه الفكرة وُجدت لدى اللاهوتيّين الفلاسفة المعاصرين لكوادراتس.

magdy-f 26 - 08 - 2012 02:57 PM

رد: الدليل المبسط في علم آباء الكنيسة
 
قصة قصيرة 156 [1] See F. Cayé: Patrologie et Histoire de la Theologie, Paris 1945, t 1.

[2] Patrick J. Halell: Introduction to Patrology, 1968, p. 10.

[3]انظر تك١: ٢٤ (الترجمة السبعينيّة)؛ خر٣: ١٣، ١٥؛ تث١: ٨؛ أع ٣: ١٣؛ ٧: ٢، ١٢؛ رو٤: ١٣، ١٦؛ ٢ بط ٣: ٤.

[4] Marty. Polyc. 12:3.

[5] Athanasuis: Ep. ad Afros 6.

[6] Against Haer 4http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/41.gif2.

[7] Stromata 1:1:2.

[8] Timothy Ware: The Orthodox Church, Maryland 1969, p. 212.

[9] St. Augustine: Contra Julian, II 9.

[10]St. Augustine: Contra Julian 37.

[11] Athanasius: Ep. ad Afros 6.

[12] Kelly: Early Chrisian Doctrines, p. 48–49.

[13] Ad Monach PG 77:12,13.

[14] Adv. Nest. 4:2.

[15] De recta Fide ad regin; apol. contr. Orient PG 76:1212 For; 316.

[16] E. Shwartz: acta conciliorum oecumenicorum 1:1, 7:89 F.

[17]المؤلف: مفاهيم إيمانية (٢): الكنيسة والتقليد، ص ٩.

[18] J. Quasten: Patrology, vol 1.
The Oxford Dictionary of the Christian Church, 1974, p. 481.

[19] Eccl. Hist. 1:1:1.

[20] Ep. 40:9 written in 397.

[21] F. Arvalo: S. Isidore …, Rome 1797 to 1803, vol. 5, p. 138 – 178, PL 83 : 1018 – 1106: 96 : 195 – 206.

[22]يذكر Questen وجود طبعة تشمل أغلب المؤلفين ومؤلفاتهم الكنسيّة من چيروم إلى تريثموس (بالطبع تجاهل الكتاب الشرقيّين خاصة غير الخلقدونيين):
J. A. Fabricius: Biblotheca Ecclesiastics, Hamburg, 1718.
كما ذكر وجود عملين آخرين لمؤلفين كنسيّين هما:
L. S. Nain de Tillemont: Memoires pour server a Phistoure ecclesiastique des six premiers siècles, Paris 1693 – 1713.
R. Ceillier: Histoire generale des autears sacre’s et ecclesiastiques, Paris
وهو يقع في ٢٣ مجلدًا، يعالج الكتّاب المسيحيّين قبل ١٢٥م.

[23] Quasten: Patrology, vol 1, p. 5.

[24]يس عبد المسيح: اللهجات القبطيّة وآثارها الأدبيّة – عن كتاب: صفحة من تاريخ القبط ص ٣٦.

[25]كانت الكتابة باليونانيّة أما الوعظ فبالقبطيّة أو الديموطيقيّة، وذلك لأن كثير من العامة في القرى لا يعرفون اليّونانيّة. فالقدّيس أنبا أنطونيوس كان نفسه يجهل اليّونانيّة، وكان يتحدث مع زائريه بالقبطيّة.

[26] Warrell: A Short Account of the Copts, Michigan, 1955.

[27]جمعيّة مارمينا بالإسكندرية: صفحة من تاريخ القبط: الدكتور مراد كامل: القبط في ركب الحضارة العالميّة؛ يس عند المسيح: اللهجات القبطيّة وآثارها الأدبيّة.

[28]لم يكونوا "مونوفزيت" بل ميافزيت" لأن الطبيعة الواحدة عن اللاخلقيدونيين ليست طبيعة منفردة Single بل الطبيعة واحدة من طبيعتين، لذا لا تدعى monophysite بل Miaphysite كتعبير القدّيس كيرلس الكبير.

[29] J. Meyendorff: Christ in the Eastern Christian Thought, 1969, p. 24.

[30] Anne Fremantle: A Treasury of Early Christianity, p 275

[31] Fr. Gregory Dix: The Shape of the Liturgy, p 485 ff.

Shaff: History of the Christian Church, vol I, II.

Clarke: Liturgy & Worship


[32] Whitalker: ********s of the Baptismal Liturgy, p 5.

[33] Schaff, vol II, p 523.

[34] Liturgy & Worship.

[35] Vol I, p 464.

[36] Patrology, vol I, p 23.

[37] كتاب المزامير (ابصلمودية) الملك Aethelstan بالمتحف البريطاني.

[38] P. L. 21 : 337.

[39] P. L. 39, 2 : 89, 2 : 96

[40] The Early Christian Frs.

[41] Apology 1 : 61.

[42] Quasten, vol I, p 25.

[43] ما جاء بين قوسين جاء في طبعات متأخرة

[44] ما بين القوسين طبعات متأخرة.

[45] Shaff, History of the Christian Church, vol 2, p 536 –7. ترجم عن

[46] ما جاء بين قوسين أضيف في المجمع المسكوني ٣٨١ م.

[47] راجع كتابنا: قانون أم للرسل – الديداكية، عام ١٩٧٥م.

[48] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 30.

[49] F. L. Cross: The Early Christian Fathers, London 1960, p. 8.

[50] Ep. Fest. 39.

[51] Eusebius: H. E. 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/25.gif4.

[52] Com. in Symb. 38.

[53] Stromata 1: 20, 100.

[54] Ch. 4.

[55] The MS. Was transferred to the library of the Greek Patriachate at Jerusalem, where it is now (Codes 54).

[56] المطران الياس معوض: الآباء الرسوليّون، ص ٥٦.

[57] F. L. Cross, p. 9.

[58] للمؤلف: المسيح في سرّ الإفخارستيا، ١٩٧٣م، ص ٥٦٤ – ٥٧٤.

[59] Vokes: The Riddle of the didache S. P. C. K. 1938.

[60] Richardson: Early Christian Fathers, p 161.

[61] Edgar J. Goodspeed: A History of Early Christian Literature, 1966, p. 12.

[62] Brynnius, Zahau, Harnack.

[63] للمؤلف: المسيح في سرّ الإفخارستيا، طبعة ١٩٧٤م، ص ٥٧٧..

[64] F. R. M. Hitchcock’s article in the Journal of Theological Studies, 1923, 397 f.

[65] See Richarson, p. 162.

[66] ANF vol 7, p 373.

[67] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 37-38.

[68] R. H. Connolly: New Fragments of the Didache, Journ. Theol. Stud., 1924, 151-153.

[69] لغة سكان چورچيا في القفقاس.

[70] العناوين والتبويب من وضع المعرب.

[71] غالبًا هذا العنوان هو الأصلي، وقد عرف له عنوان آخر مختصر "تعليم الرسل الإثني عشر".

[72] في رسالة برناباس طريق للنور والآخر للظلمة.

[73] مت ٥: ٤٤. الفقرة الأخيرة وردت في القوانين الرسولية، لا يعرف مصدرها.

[74] كإنسان مسيحي لا يقدر أن يطلب برد ما أعطى.

[75] المصدر غير معروف. ربما كتبه عن التعبيرات المتداولة في ذلك الوقت ألاَّ تقدم المحبة أو العطاء بغير تمييز.

[76] رسالة برناباس ١٩.

[77] هنا سكب الماء على الرأس جائز عند ندرة وجود الماء، سمحت به الكنيسة فيما بعد في حالة المرض الشديد، حيث يعجز المريض عن النزول إلى المعمودية، يسميه البعض Clinical Baptism.

[78] ذكرت "القوانين الرسولية" سبب الصوم يومي الأربعاء والجمعة، أنهما يوما الخيانة والدفن. كان اليهود يصومون الاثنين والخميس. يوم الاستعداد هو الجمعة، حيث كان اليهود يستعدون للسبت (الراحة) (مت ٢٧: ٦٣).

[79] الأصل اليوناني (بايس) يتذبذب بين المعنيين "ابن" و "خادم" وقد فضل البعض "خادم" متأملين في التسابيح الواردة في إشعياء النبي عن "خادم أو عبد الرب المتألم" – المسيح في سرّ الإفخارستيا، ص ٥٧١.

[80] أي خبز مختمر.

[81] أو تكتفون.

[82] النص القبطي: "لتأت النعمة".

[83] تعبير آرامي يعني "تعال أيها الرب".

[84] راجع "المسيح في سرّ الإفخارستيا" ص ٥٤٩ عن مدى حرية الأسقف في تشكيل ليتورچية الإفخارستيا، في نطاق الخطوط الرئيسية التقليدية.

[85] عن النسخة القبطية.

[86] ربما يقصد بالأنبياء هنا جماعة الوعاظ أو الكارزين، برتبة الأسقفية.

[87] ربما قصد التجديف على الروح القدس (مت ١٢: ٣١).

[88] ربما قصد ولائم محبة، أو لعله يقصد أن ينادي بتعليم روحي ولا ينفذه.

[89] of. Chrétiens de tous les temps (1): Les écrits des Péres Apostoliques, Paris 1968.

[90] Maxwell Staniforth: Early Christian Fathers, 1963.

[91] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 40.

[92] Irenaeus: Adv. Haer 3:3. 3.

[93] Eus: H. E. 4:23.

[94] Eus: H. E. 2:16, Jerome: De Vir Illus., c. 15.

[95] H. E. 2:15.

[96] De vir Illus., ch. 15.

[97] Bishop Lightfoot: The Apostolic Frs. (Clement of Rome, vol. 2).
كان بعض العبيد على جانب من الثقافة والذكاء، ومن أمثلتهم هرماس صاحب كتاب "الراعي"، وكالستوس أسقف روما، كلاهما من العبيد المحرّرين "الكنيسة في عصر الرسل"، ص ٥٣.

[98] H. E. 3:15, 16, 17.

[99] Butler’s lives of the Saints, vol. 4, p. 406.

[100]راجع يسطس الدويري: موجز تاريخ المسيحيّة، الأسقف إسيذوروس: الجريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة.

[101] cf. Quasten, Patrology, vol 1; Maxwelll, p. 20.

[102] Ch. 6:1, 2.

[103] Ch. 32:4.

[104] Ch. 31:2.

[105] Ch. 33:1, 2.

[106] Ch. 34:1.

[107] Ch. 55:3.

[108] Ch. 16:1.

[109] Ch: 49:4, 6.

[110] Ch. 37:4.

[111] Ch. 46:7.

[112] Ch. 42;44: 1-3.

[113] Gregory Dix: The Chape of the Liturgy, p. 102.

[114] Ch. 40.

[115] Ch. 40: 5;41:1.

[116] Ch. 44.

[117] Ch. 36.

[118] Ch. 59-61.

[119] E. von der Goltz: Das Gebt in dêr abtesten Christenheit, 192-207.

[120] Ch. 8:1.

[121] Ch. 14:1.

[122] Ch. 14:2.

[123] Ch. 7:6.

[124] Prof. Riddle: ANF, vol. 8, p. 53.

[125] Quasten: Patrology, vol. 1., p. 58.

[126] Ep. 1:4.

[127] Ep. 1:5

[128] Ep. 1:10; 2:1-15.

[129] Ep. 2:6.

[130] Ep. 1:10.

[131] Ep. 1:11.

[132] Ep. 1:12, 13.

[133]يختلف الدارسون في أصل الأبيونيّين Ebionaioi، فينسبه البعض إلى أبيون مؤسّسهم في القرن الأول، وهذا قول ضعيف، ويقول آخرون أن الكلمة مشتقّة عن "ابيونيم" العبريّة وتعني "المساكين"، وقد دعوا أنفسهم هكذا يقول الرب "طوبى للمساكين" (لو٦: ٢٠؛ مت٥: ٣) أو دعاهم المسيحيّون هكذا لأنهم مساكين في الإيمان.

[134]ظن البعض مثل Baur أنهم قصدوا بسيمون الساحر "بولس الرسول" لكن هذا الرأي مستبعد.

[135]راجع: أنبا غريغوريوس: مذكرة عن البيونيّة لطلبة الكليّة الإكليركيّة، أنبا يؤانس (القمص شنودة السرياني): الكنيسة المسيحيّة في عصر الرسل، ص ١٣٢، ٢٦٦.

[136] Schaff, vol. 2, p. 650.

[137] Recog. 6: 10: 11’ Hom. 11: 28, 30.

[138] Hom. 12-6; Recog. 7: 6.

[139] Hom. 8: 15.

[140] Hom. 2:38; 3:47; 18:20.

[141] Hom. 8:10.

[142] Hom. 11:20.

[143] راجع للمؤلف: الشهيدان أغناطيوس وبوليكاريوس، ١٩٦٤م. وأيضًا قاموس آباء الكنيسة وقدّيسيها، ج ١، ١٩٨٥ م، ص ٣٤١-٣٤٣.

[144] Amastase le Bibliothécaire, 2:42. PG. 5:404.

[145] In Sanct. Mart. Ignatium. PG. 49:594.

[146] مغنيسيّة: مدينة صغيرة بآسيا الصغرى، واقعة على الجنوب الغربي من أفسس على مقربة من نهر مويندر في مقاطعة ليديا، تُدعى الآن جوزيل حصار (عن مجلة الكرمة).

[147] تراليا أو ترالس، مدينة في مقاطعة فيجية بالأناضول، موقعها الآن قرية سلطان حصاء.

[148] Ep. to Rom. 2, 4.

[149] السنة العاشرة من ملك تراجان (يوسابيوس ٣: ٣٦).

[150] الدكتور أسد رستم: آباء الكنيسة – القرون الثلاثة الأولى، ١٩٨٣م، ص ٣٠-٣١. Eragrius: His Eoc. 1: 16..

[151]Codex Mediceus Laurentiarnus, 57:7.

[152] Codex Paris, Graec., 1457.

[153] كلمة "دوسيت" مأخوذة عن اليونانيّة " ooke’w، تعني "أبدو I seem". ظهر هذا الاتجاه – أكثر منه تعليم محدّد رسمي – منذ القرن الأول، ينادي بأن السيّد المسيح لم يكن له جسد حقيقي بل ظاهري، وبالتالي لم يتألم ولا صُلب... ظهر هذا الاتجاه بأكثر قوة في الغنوسيّة في القرن الثاني. Cross: Dict. of the Christian Church, p. 413

[154] Ep. to Phlad. 8.

[155] الأصول المسيحيّة الشرقيّة: (١) رسائل رعويّة، ترجمها وقدم لها چورچ صابر، بيروت، ١٩٧٢م، ص ٣٣.

[156]Rom. 4:1-2.

[157]Rom. 3:2.

[158]Rom. 3:3.

[159]Magn. 9:1-2.

[160] Eph. 7:2.

[161] Smyrn. 1:1.

[162] Polyc. 3:2.

[163] الأب يوحنا رومانيدس: لاهوت الكنيسة عند القدّيس أغناطيوس الأنطاكي، ترجمة الأب ميشال نجم.

[164] مغنيسيا ١٠.

[165] أفسس ١٨.

[166] أفسس ١٧.

[167] تراليا ٩: ٢.

[168] تراليا ٩: ١.

[169] ازمير ١: ٢.

[170] تراليا ١١: ٢.

[171] روما ١١: ٣؛ ٤: ١-٢.

[172] تراليا ٢.

[173] أزمير ٣: ١-٣.

[174] تراليا ٩: ٢.

[175] Magn. 5.

[176] Rom. 5.

[177] Rom. 7.

[178] Smyrn. 4.

[179] Philad. 9.

[180] Rom. 7

[181] Ephes. 13.

[182] Ephes. 5.

[183] Trall. 7.

[184] Magnes. 7:2.

[185] Magnes. 8.

[186] Trall. 2:1-2.

[187] Ephes. 2:1.

[188] Ephes. 9:1.

[189] Ephes. 21:2.

[190] Philad. 1; Trall. 1.

[191] Philad. 1.

[192] Ephes. 3:1; 8:2; 10:3; 11:1, 2; 12:2; 20:2; 21:2.

[193]Ephes. 6:2; Magnes. 3:3; 14; Trall 4:1; 8:2; Plycarb. 1:1.

[194]Ephes. 12:2; Magnes. 14:21; Trall. 12:2; 13:3; Rom. 1: 1; 2:2; 4:1; 9:2; Smyrn. 12:1, Polyc. 12:1; Polyc. 2:3; 7:1.

[195] Rom. 5:3; 6:1.

[196] Philad. 7: 2; Eph. 9: 2; Magn. 12.

[197] Ephes. 7.

[198] Magnes. 3.

[199] Ephes. 6; Magnes. 6; Tral. 3.

[200] Ephes. 15:3.

[201] Ephes. 9:1, 2.

[202] Ephes. 10:3.

[203] Magnes. 1:2.

[204] Ephes. 11:1.

[205] Ephes. 8:2.

[206] Philad. 7:2.

[207] Rom. 6:3.

[208] Ephes. 20:2.

[209] Ephes. 20:2.

[210] Phiald. 4.

[211] Magnes. 7:1; Tral. 8: 1; Rom. 7:1; Philad. 4:1; Smyrn: 7:1.

[212] Magnes. 7:1, 2.

[213] Ephes 18.

[214] Smyrn. 1.

[215] Samyrn 8.

[216] Ephes 1:1, 2.

[217] Rom 1, 2.

[218] St. Irenaeus: Adv Haer. 5: 28: 4; Acts of Perpetua and Felecitus 14; Origen: Der Oratione 20; In Cant. Prolog.

[219] للمؤلف: القدّيسان الشهيدان أغناطيوس وبوليكاربوس، ص ٧٢.

[220] Ephes. 10:1.

[221] Ephes. 10:1, 2.

[222] Ephes. 15:1.

[223] Philad. insc.

[224] Philad. 4.

[225] Tral. 3.

[226] Smyrn. 8.

[227] Magnes. 4.

[228] Magnes. 7:1, 2.

[229] Ephes. 2, 5.

[230] Trall. 7.

[231] Magnes. 3.

[232] Ephes. 6:1.

[233] Trall. 2.

[234] Tarll. 3.

[235] Magnes. 13.

[236] Trall. 3.


[237] Polyc 1.

[238] Philad 4.

[239] Samyrn. 8.

[240] Polyc. 6:1; 5:2.

[241] Polyc. 5:1.

[242] Ephes. 15:2.

[243]Eusebius; H. E. 5: 20; Irenaeus: Adv. Haer. 3: 3.

[244] الأصول المسيحيّة الشرقيّة: رسائل رعوية (١)، ص ١٥٥، المناهل المسيحيّة ١٠، استشهاد بوليكاربوس ١٠.

[245] Adv. Haer. 3: 3: 4.

[246] Plycarp 1:1

[247] Eusb. H. E. 4:14.

[248] St. Irenaeus: Adv. Haer. 3: 4.

[249] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 77.

[250] للمؤلف: الشهيدان أغناطيوس و بوليكاربوس، ص ٨٩ الخ.

[251] H. Achelis: Die Martyrologien, p.. 17f. ****s in Lietzmann: Die drei aresten Martyrologien (Kl, ****e 2).

[252] Hanz Leitzmann: A History of the Early Church, 1974, vol. 2, p. 138.

[253]Eusbius: H. E. 4:15; E. Schwartz: De Pionio et Polycarbo Gottingen, 1905.

[254] Martyr. Polyc. 14: 1-3

[255] Kenneth Scott Latourette: A History of Christianity, 1953, p. 130.

[256] Eusebius, H. E. 5: 20: 8.

[257] Adv. Haer. 3: 3.

[258] Stromata 2: 6:20.

[259] Against Celsus 1:63.

[260] سلسلة آباء الكنيسة: ١- الآباء الرسوليّون تعريب الياس معوض مطران، حلب، ص ٧٣.

[261] Irenaeus: Adv. Haer. 5http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/33.gif4; Eusebius: H. E., 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/36.gif1, 2.

[262] Irenaeus: Adv. Haer. 5http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/33.gif4; Eusebius: H. E., 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/36.gif1, 2.

[263] Jean Danielou: The Theology of Jewish Christianity, p. 46.

[264] F. F. Bruce: Tradition, Old and New, Michigan 1972, p. 108.

[265] المؤلف: مقدمات في علم الباترولوچي، ١٩٧٤، ص ٩٥.

[266] J. B. Lightfoot: The Apostolic Fathers, Michigan, 1974, p. 262.

[267] Early Christian Fathers, p. 21, 22.

[268] Eusebius: 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/39.gif11-13; Irenaeus: Adv. Haer. 5:32.

[269] Comm. in Rom. 10:31.

[270] J. Quasten: Patrology, vol. 1, p. 92, 93.

[271]سلسلة آباء الكنيسة: ١- الآباء الرسوليّون، تعريب مطران حلب الياس معوض، ١٩٧٠م، ص ١٦٧-١٦٨.

[272]Eusebius: H. E. 5:8.

[273]Stromata 1:29.

[274] Comm. on Matt. 14:1.

[275] Eusebius: H. E. 3:25.

[276] Letter on the Acto of the Niciene Council, 18.

[277] De Pudicitia 10.

[278] De vir. il. 10.

[279] Jules Lebreton: The History of the Primitive Church, London 1944, vol. 2, p. 370.

[280] J. Quasten: Patrology, vol. 1, p. 96-97.

[281] The Shepherd, Vision 3:11-13.

[282] Lebreton: The History of the Primitive Church, vol. 2, p. 372.

[283] Command 4:3.

[284] Quasten: Patrology, vol. 2, p. 98.

[285] See The Shepherd, Command. 9.

[286] The Shepherd, Command. 9.

[287] The Shepherd, Command. 9:1:1.

[288]The Shepherd, Vision 2http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/4.gif1.

[289] The Shepherd, Vision 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/8.gif9.

[290] The Shepherd, Vision 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/9.gif1.

[291] The Shepherd, Command. 9http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/9.gif7.

[292] Lebreton, p. 376-377.

[293] Vision 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/3.gif5.

[294] The Shepherd, Command. 9http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/16.gif3, 4.

[295] The Shepherd, Command. 6http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/2.gif1-4.

[296] The Shepherd, Command. 6http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/2.gif1-4.

[297] The Shepherd, Command. 8:8; 1;9:1; 9http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/20.gif1; Vision 3http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/6.gif5-7.

[298] The Shepherd, Command. 4:1:8.

[299] Ibid. 4http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/4.gif1-2.

[300] A collection of the Athos codex of the shepherd of Hermas together with an introduction by Sp. P. Lampros. Traslated and edited by J. Armitage Robinson, Cambridge 1888.

[301] سلسلة آباء الكنيسة: ١- الآباء الرسوليّين، ص ١٧١-١٧٣.

[302] F. L. Cross, p. 27.

[303] H. E. 4http://www.l7n-elsamaa.com/vb/images/smilies/3.gif2.

[304] Quasten, vol. 1, p. 248-9.

[305] Zeitschrift für kirchengeschgeschichte, t. XLIII, 1924, p. 350.

[306] Maxwell Stanifiorth, p. 171.

[307] H. Puech: Hisoire de la literature grecque chrêtienne, t. 2, p. 217.

[308] I. M. Sailer, der Briefan Diognetus, eine Perle de Christlischen Alterthums, Munich, 1900, Apologie, 15-4.

[309] چورچ صابر، ص ٢٠٧.

[310] Apology 39:11.

[311] H. B. Swete: Patrsitic Study, 1904, p. 46 n.

[312] Maxwell Staniforth, p. 172.

[313] Edgar Goodspeed: A History of Early Christian Literature, 1966, p. 105.

[314] Patrick J. Hamell: Handbook of Patrology, 1968, p. 36; H. Musurillo: The Fathers of the Primitive Church, 1966, p. 117.

[315] راجع ترجمة القس مرقس داود، ١٩٦٠م، ص ١٦١.

[316] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 191.

[317] E. J. Goodspeed: A History of Early Christian Literature, 1966, p. 96.

[318] Vir. Illust. 9; Ep. 70:4.





الساعة الآن 05:43 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025