![]() |
من هو المصلوب
من هو المصلوب https://upload.chjoy.com/uploads/161427986372122.jpg ملخّص الكتاب ما زالت قضية الصليب محور تساؤلات كثيرة منذ القرن الأول الميلادي وحتى نهاية القرن العشرين. ولأن حادثة صلب المسيح حادثة تاريخية مؤكدة، فقد بدأ التشكيك في شخص المصلوب، من القرن الأول. فصالبو المسيح يقرون بأنهم قد صلبوا يسوع الذي هو في نظرهم مجرد إنسان وليس المسيح المنتظر الذي تنبأت عنه التوراة، لأنهم كانوا ينتظرون مسيحاً يملك على الأرض ويؤسس مملكة إسرائيل المنتصرة. ثم ظهرت البدع والهرطقات التي أنكرت صلب المسيح، وادعت أن الذي صلب هو سمعان القيريني أو باراباس. ثم أعلن آخرون أن المصلوب هو يهوذا الإسخريوطي ولمواجهة هذه الآراء المتناقضة، نقدم في هذا الكتاب ما نؤمن أنه الحق والصواب، وهو أن المصلوب هو يسوع المسيح وليس سواه ونناقش كل الآراء المثارة ضد إيماننا هذا. |
رد: من هو المصلوب
مقدمة
ما زالت قضية الصليب محور تساؤلات كثيرة منذ القرن الأول الميلادي وحتى نهاية القرن العشرين. ولأن حادثة صلب المسيح حادثة تاريخية مؤكدة، فقد بدأ التشكيك في شخص المصلوب، من القرن الأول. فصالبو المسيح يقرون بأنهم قد صلبوا يسوع الذي هو في نظرهم مجرد إنسان وليس المسيح المنتظر الذي تنبأت عنه التوراة، لأنهم كانوا ينتظرون مسيحاً يملك على الأرض ويؤسس مملكة إسرائيل المنتصرة. ثم ظهرت البدع والهرطقات التي أنكرت صلب المسيح، وادعت أن الذي صلب هو سمعان القيريني أو باراباس. ثم أعلن آخرون أن المصلوب هو يهوذا الإسخريوطي ولمواجهة هذه الآراء المتناقضة، نقدم في هذا الكتاب ما نؤمن أنه الحق والصواب، وهو أن المصلوب هو يسوع المسيح وليس سواه ونناقش كل الآراء المثارة ضد إيماننا هذا. وأرجو من الله أن أكون قد وفقت في توضيح هذا الحق. المؤلف هذه السلسلة شغلتني قضية الصليب منذ سنوات، فقمت بدراستها، وأثمرت الدراسة عن الكتب التالية: الكتاب الأول: موت المسيح حقيقة أم افتراء وفيه ناقشنا ما يثار ضد موت المسيح ومحاولة استغلال بعض النصوص الكتابية لإثبات أن المسيح قد صلب ولكنه لم يمت على الصليب الكتاب الثاني: موت أم إغماء وهو دراسة تفصيلية لنظرية الإغماء، وفيه أثبتنا موت المسيح بالبراهين الكتابية والتاريخية والمنطقية وبشهادة علم الآثار. الكتاب الثالث: قيامة المسيح حقيقة أم خدعة وفيه وضحنا لماذا نؤمن بقيامة المسيح من الموت، مع ذكر براهين هذه القيامة وناقشنا أيضاً كل الآراء المثارة ضد قيامة المسيح. الكتاب الرابع: من هو المصلوب وهو الكتاب الذي بين يديك الآن عزيزي القارئ، وهو عبارة عن ثلاثة فصول: الفصل الأول: من هو المصلوب، وفيه ندرس معاً الاحتمالات التي تتعلق بشخص المصلوب. هل هو يهوذا، أم واحد من التلاميذ أم سمعان القيرواني أم باراباس أم شبيه المسيح كما يرى المؤمنون بتحضير الأرواح. الفصل الثاني: وفيه نقدم الأدلة على أن المصلوب هو المسيح وليس سواه. الفصل الثالث: نفند فيه الأدلة التي يوردها البعض على أن المصلوب ليس هو المسيح، مع تقديم الردود الواضحة والمنطقية عليها. ويتبقى من هذه السلسلة كتابان: الأول: صلب المسيح وموقف البدع والهرطقات وفيه سوف نتناول البدع التي ظهرت في القرون الأولى وموقفها من قضية الصليب ونركز على الغنوسية، لبيان أن ما قالت به هو المصدر الأساسي لكل الافتراءات حول موضوع الصليب. الثاني: لماذا الصليب؟ وفيه سوف نتناول مفهوم الخطية والفداء في المسيحية وأعتقد أننا بنهاية هذا الكتاب، نكون قد ألقينا بعض الضوء على قضية الصليب. |
رد: من هو المصلوب
القول بصلب يهوذا الإسخريوطي
في محاولات التشكيك الفاشلة تطلق السهام من كل اتجاه، عسى أن ينجح أحدها في تحقيق الغرض المطلوب، وإذا على صخرة الحق تتحطم كل السهام، بل ويؤدي مثل هذا الهجوم الكاذب إلى مزيد من وضوح الرؤية وإعلان الحق ولكن ماذا نقول لعيون رمداء لا ترى الشمس في رابعة النهار. وفي هذا الفصل سوف نناقش كافة الادعاءات التي قال بها البعض منذ القرن الأول الميلادي حتى اليوم، وسنورد الأقوال كما ذكروها ونقدم التعليق عليها. وفيما يلي قائمة ادعاءاتهم عن شخص المصلوب:
يهوذا هو واحد من تلاميذ المسيح الاثني عشر (متى 10: 4)، وكان أميناً لصندوق الجماعة (يو 12: 6) ثم تآمر مع رؤساء الكهنة ليسلمهم المسيح (متى 26: 14). وقاد كوكبة من الكهنة والجنود للقبض على المسيح (مت 26: 47- 51).. ويقول البعض إنه عندما جاء الجنود للقبض على المسيح ألقى الله شبه المسيح على يهوذا فقبض عليه، وتم صلبه بدلاًَ من المسيح ونذكر هنا مثالين لهذا القول: المثال الأول: "أخذ جند الرومان يبحثون عن عيسى لتنفيذ الحكم عليه، وأخيراً عرفوا مكانه فأحاطوا به ليقبضوا عليه، وكان من أصحابه رجل منافق يشي به، فألقى الله عليه شبه عيسى وصوته، فقبض عليه الجنود وارتج عليه أو أسكته الله فنفذ فيه حكم الصليب، أما المسيح فقد كتب الله له النجاة من هذه المؤامرة، وانسل من بين المجتمعين، فلم يحس به أحد وترك بني إسرائيل بعد أن يئس من دعوتهم وبعد أن حكموا بإعدامه.. ولم تجدد المراجع الإسلامية الدقيقة شخص هذا الواشي وربما تأثرت بعض المراجع بالمراجع المسيحية فذكرت أن هذا الخائن هو يهوذا لإسخريوطي".[1] المثال الثاني: "قد تجلت قدرة الله سبحانه في رفع السيد المسيح إلى السماء معززاً مكرماً وإيقاعها بالمجرم الخائن يهوذا لينال عقاب خيانته".[2] التعليق:
وعندما واجهت الرازي المفسر المعروف مشكلة إلقاء شبه المسيح على يهوذا قال: "فكيفما كان، ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات: الإشكال الأول: أنه إن جاز أن يقال إن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة وأيضا يفضي إلى القدح في التواتر. ففتح هذا الباب أول سفسطة، وآخره إبطال النبوات بالكلية. الإشكال الثاني: إن الله أيده بروح القدس جبريل. فهل عجز هنا عن تأييده؟ وهو كان قادراً على إحياء الموتى؟ فهل عجز عن حماية نفسه؟ الإشكال الثالث: إنه تعالى كان قادراً على تخليصه برفعه إلى السماء: فما هي الفائدة في إلقاء شبهه على غيره؟ فهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟ الإشكال الرابع: بإلقاء الشبه على غيره اعتقدوا (اليهود) أن هذا الغير هو عيسى - مع أنه ما كان عيسى - فهذا كان إلقاء في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله. الإشكال الخامس: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح، وغلوهم في أمره. أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً: فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر. والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء. الإشكال السادس: ألا يقدر المشبوه أن يدافع عن نفسه، أنه ليس بعيسى، والمتواتر أنه فعل. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من ذلك علمنا أن الأمر ليس على ما ذكرتم".[4] وما كان يهمنا أن نناقش مثل هذا الرأي، ولكن لأن مثيري هذه الأقوال يحاولون أن يثبتوا مثل هذه الادعاءات من خلال نصوص الكتاب، لذا نرى لزاماً علينا أن نناقش هنا أدلتهم ونقدم ردنا عليها: الأدلة على أن المصلوب هو يهوذا:
ويهوذا هو أحد الاثني عشر، والنص قاطع على أنه سيكون مع المسيح، عندما يجلس على عرش مجده، وكرسيه موجود وسيجلس عليه قاضياً يحاكم بني إسرئيل. فكيف يتفق هذا مع الرواية التقليدية عن خطيته بخيانة المسيح وتسليمه لليهود والرومان بدراهم معدودة. أما أن المسيح في الإنجيل لا ينطق بروح القدس، بل لا يدري شيئاً عن الغيب، وهذا يتنافى مع رؤيته لما سيحدث في الآخرة وتأكيد جلوسه على عرش مجده، بل وإحصاء عدد الكراسي. وأما أن المسيح يعلم أو كان يرى ما لم يحط به الآخرون حول حقيقة دور يهوذا، فكيف نوفق بين ارتكابه أكبر خطيئة أو إثم في التاريخ المسيحي وبين شهادة أو نبوة المسيح له بأنه سيكون جالساً معه على الكراسي الاثني عشر".[6]
إذن يهوذا بشهادة المسيح طاهر ولا يمكن أن يخون المسيح ويسلمه.[7]
وتقول رواية لوقا المشار غليها في سفر أعمال الرسل "يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع. إذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة. فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما أي حقل دم" أع 1: 16- 19. إن ما اتفق عليه متى ولوقا وصمت عنه مرقس ويوحنا هو أن يهوذا الخائن قد هلك في ظروف مريبة، ولكن روايتهما اختلفت في ثلاثة عناصر هي:
وعدم وجوده هو دليل على أنه هو الذي صلب. التعليق: 1-يهوذا شخصية معروفة: مما لا شك فيه أن يهوذا كان معروفاً لكل من:
د- لكثير من الشعب الذين تبعوا يسوع وقدموا تقدماتهم إليه. إذن دعوى القبض على يهوذا وصلبه لأنه شخصية غير معروفة، قول مرسل بدون سند أو دليل. 2-نبوة المسيح بأن يهوذا سيجلس على كرسي معه في عرشه: -إن المسيح قصد بقوله "أنتم" الرسل، باعتبار أنهم جماعة ولم يقصد فرداً بعينه لأن يهوذا الإسخريوطي سقط وأقيم متياس بدلاً منه.[9] -إن الكلام هنا روحي مجازي، يراد منه إعلان سيادة النظام المسيحي - ممثلاً في الرسل – على النظام اليهودي – ممثلاً في الأسباط الاثني عشر، ومتى في ربطة الدائم – لأنه يكتب لليهود – بين العهدين القديم والجديد يذكر الاثني عشر تلميذاً في مقابل الاثني عشر سبطاً. وعندما ذكر لوقا هذا القول قال "وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" لو 22: 30. -إن هذه الدينونة أدبية روحية والمسيح هنا يقدم تعبيرات مجازية ليعطيها قوة في عقول تلاميذه. لقد أرسل التلاميذ ليبشروا اليهود، وعلى قدر ما يقبل اليهود هذه البشارة أو يرفضونها تكون دينونتهم، في محضر الرسل الذين بلغوهم رسالة الإنجيل وموعد هذه الدينونة هو يوم الدين. والدليل الكتابي على أن هذه الدينونة، دينونة أدبية هو ما جاء في إنجيل لوقا، قول المسيح "ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم.. ورجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه" (لو 11: 31- 32). فإذا كانت ملكة التيمن، وهي امرأة وثنية تقوم يوم الدين لتخجل بإيمانها شكوك رجال هذا الجيل الذي عاش فيه المسيح. وكذلك أهل نينوى الذين تابوا بمناداة يونان بعدما رأوا آية نجاته من جوف الحوت، سيخجلون اليهود الذين عاش المسيح بينهم ورأوا كل معجزاته ولم يتوبوا.[10] فهذا يؤكد أن المقصود بالدينونة ليس الجلوس على كرسي بمعناه الحرفي ولكنها أمر روحي معنوي، وأن الاثني عشر تعني التلاميذ كمجموعة وليس كأفراد أي دون حصر لعددهم. أي أن هذا القول لا يعني بالمرة أن يهوذا لا يمكن أن يخون المسيح والدليل على ذلك أقوال ونبوات المسيح عن أن يهوذا سوف يخونه ويسلمه. ففي العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه قال لهم: "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد. فأجاب يهوذا مسلمه وقال: هل أنا هو يا سيدي. قال له: أنت قلت" مت 26: 24- 25. وقال له المسيح: "ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة" يو 13: 27. وعندما جاء يهوذا متقدماً الجنود للقبض على المسيح، قال لتلاميذه "هو ذا الذي يسلمني قد اقترب" مت 26: 46. وفي صلاته الشفاعية قال المسيح "الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك" يو 17: 12. وقد أوضح المسيح أن يهوذا مسلمه، فعندما جاؤوا للقبض عليه. قال المسيح "يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان" لو 22: 48. فالمسيح قد أخبر أن يهوذا هو خائنه ومسلمه إلى أعدائه. ولا يمكن أن يكون المسيح كاذباً، وهو المعصوم من الخطأ ولا يمكن أن يناقض المسيح نفسه، ولذلك يجب أن نفهم ونفسر هذا النص في ضوء المعنى العام للحدث وليس مستقلاً عن غيره من النصوص الكتابية. وعند ذلك لا نجد أي تناقض بين النصوص الكتابية ونفهم ما هو المعنى الروحي المقصود بقول المسيح الأول. ولا نرى من هذا القول أي دليل على أن يهوذا لا يمكن أن يخون المسيح. ولنا هنا أن نتساءل "عن الدافع الذي من أجله خان يهوذا سيده، وقد تعددت الآراء في هذا الشأن، ولكنها لا تخرج جميعها عن واحد من ثلاث احتمالات: 1-فقد يكون الدافع حب المال، لقد تمت هذه الخيانة حالاً بعد حادثة سكب الطيب على يسوع في بيت عنيا (متى 26: 6- 16، مر 14: 1- 11). وعندما يروي يوحنا هذه الحادثة يضيف شارحاً أن يهوذا اعترض على سكب الطيب، لأنه كان سارقاً. وكان يختلس من الصندوق الذي كان مودعاً لديه (يو 12: 6). 2-وقد يكون الدافع هو الحقد المرير الناتج عن زوال الوهم والأمل الكاذب. كان اليهود يحلمون بالقوة، لذلك كان بينهم عدد من الوطنيين المتعصبين الذين كانوا على استعداد لاستخدام جميع الوسائل بما فيها الاغتيال للوصول إلى هدفهم، وهو طرد الرومانيين من فلسطين وكان يطلق عليهم لقب "حملة الخناجر" لأنهم كانوا يستخدمون أسلوب القتل لتحقيق أهدافهم السياسية. وقد قيل أن يهوذا ربما كان واحد من هؤلاء، وقد رأى في يسوع قائداً وزعيماً أرسلته السماء، ليقود ثورة شعبية وسياسية، مستخدماً قدراته المعجزية. لكنه بعد قليل تبين أن يسوع اختار طريقاً آخر، يقود إلى الصليب وفي قمة خيبة أمله، تحول حماسه ليسوع إلى حالة من زوال الوهم، انقلبت إلى كراهية مريرة دفعته أن يسعى لموت الرجل الذي كان علق عليه انتظاراته الخائبة وآماله الضائعة، لقد كره يهوذا يسوع لأنه لم يكن المسيح الذي أراده هو أن يكون. 3-وهناك رأي يقول إن يهوذا لم يكن يقصد موت يسوع، فربما رأى يهوذا في يسوع الموفد من السماء، لكنه لاحظ أنه يتقدم ببطء نحو أهدافه، لذلك فكر يهوذا أن يسلم يسوع ليد أعدائه ليضطر إزاء الأمر الواقع أن يظهر سلطانه، ويبطش بأعدائه. لقد أراد أن يتعجل يسوع فيما كان يظن أن يسعى إليه، أراد أن يجبره على العمل. ويبدو هذا الرأي مناسباً للأحداث والوقائع، وهو يفسر سبب انتحار يهوذا عندما رأى أن خطته لم تتحقق. ومهما يكن من أمر، فإن مأساة يهوذا كانت في أنه رفض أن يقبل يسوع كما هو وأراد أن يصنع من يسوع الشخصية التي يريدها هو.. إن مأساة يهوذا هي مأساة الرجل الذي ظن أنه يعرف أفضل من الله".[11] ومهما كان الدافع سواء كان سياسياً أو عيباً أخلاقياً أي الطمع. فقد تآمر يهوذا على سيده وأسلمه إلى يد أعدائه. 3-طهارة يهوذا: لو أن الكاتب كان أميناً في اقتباسه، لما كان هناك داع للرد على هذا الادعاء، حيث أن بقية النص يوضح الحق كاملاً. في يو 13: 10- 13 "قال له يسوع: الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كله" والجزء الذي لم يذكره الكاتب "وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم، لأنه عرف مسلمه" لذلك قال: لستم كلكم طاهرين، إذن من الواضح أن المسيح استثنى يهوذا من هذه الشهادة. ولقبه في موضع آخر "بابن الهلاك" يو 17: 12. وقال مرة لتلاميذه " أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان. قال هذا عن يهوذا سمعان الإسخريوطي. لأنه هذا كان مزمعاً أن يسلمه. وهو واحد من الاثني عشر" يو 6: 70- 71. فهذا الاقتباس يؤكد أن يهوذا ليس بطاهر ولذلك فالخيانة عنده ليست بشيء غريب. 4-التناقض بين إنجيل متى وسفر أعمال الرسل بخصوص نهاية يهوذا: مت 27: 3- 8، أع 1: 18- 19 حيث أن هذا ليس هو موضوع بحثنا – فهناك ردود على هذا التناقض الظاهري في كثير من الكتب التي تتكلم عن صحة الكتاب المقدس – لذلك نوجز الرد:[12] 1-كيفية موت يهوذا: لقد ذكر متى أن يهوذا شنق نفسه، ثم أن الحبل انقطع وسقط يهوذا، فتمزقت أحشاؤه من جراء السقوط (سفر الأعمال). أي أن متى ذكر خبر انتحاره بدون تفاصيل وسفر الأعمال أوضح تفصيلاً كيف كانت ميتة شنيعة، فلا تناقض إذن. 2-مشتري الحقل: ذكر متى أن المشتري هو يهوذا، وذكر سفر أعمال الرسل أنهم الكهنة، ونسبه متى إلى يهوذا، لأن ما اشتراه الكهنة بمال يهوذا يمكن أن يعتبر هو الذي اشتراه، لأنه هو السبب فيه، والشراء في مثل هذه الأحوال يتم باسم الشخص الذي دفع المال، وكثيراً ما ينسب الفعل لمن كان السبب فيه، فمثلاً ينسب إلى الملك بناء القصر، مع أنه ليس هو الباني حقيقة، بل بني القصر بأمر منه وهو الذي دفع تكاليف بنائه. فليس هناك تناقض فعلي بين ما جاء في إنجيل متى وسفر أعمال الرسل. لكنه تناقض ظاهري يبدو عند القراءة السطحية والنقدية. 3-سبب تسمية الحقل، حقل دم: ذكر متى أنه سمي حقل دم لأن الثمن المدفوع فيه ثمن دم (متى 27: 7- 8) وذكر سفر أعمال الرسل أنه سمي حقل دم لانسكاب دم يهوذا فيه (أع 1: 18- 19). إن الحقل الذي مات فيه يهوذا، هو الذي اشتراه الكهنة بثمن الدم، فدعي بحقل دم للسببين معاً لأنه المكان الذي انسكب فيه دم يهوذا ولأن الثمن المدفوع فيه ثمن دم المسيح ولا تناقض بين الروايتين ولكن كل منهما مكملة للأخرى وذكر كل كاتب سبباً. وسواء كان هذا السبب أو ذاك فإنه لا يؤثر في القضية في شيء. أما الادعاء بأن يهوذا اختفى في فترة الاضطرابات، وأن هذا دليل على أنه هو الذي صلب، فهذا غير صحيح بالمرة، فيهوذا عندما رأى ن المسيح قد دين بعد المحاكمة اليهودية ذهب إلى الهيكل ورد المال الذي كان قد أخذه (مت 27: 3- 10) وانتحر وذلك في صباح الليلة التي أسلم فيها المسيح. وهذا هو سبب اختفائه. وليس هذا دليل على أنه المصلوب وإذا اعتبرنا اختفاءه دليل صلبه، فهل يمكن أن نطبق هذا على بقية التلاميذ الذين تركوه وهربوا (مت 26: 56). ولم يظهر أي منهم أثناء المحاكمة أثناء عملية الصلب سوى بطرس ويوحنا (يو 18: 15- 16). مما سبق نرى أن كل الأدلة التي يستندون عليها بأن المصلوب هو يهوذا أدلة غير حقيقية وأنه لا يوجد أي دليل حقيقي على ما يدعون. وبالتالي فالمصلوب هو يسوع المسيح وليس سواه. (1) المسيحية. د. أحمد شلبي. مكتبة النهضة المصرية، ط 6. سنة 1978. ص 42- 43 وانظر أيضاً: محاضرات في النصرانية. الشيخ محمود أبو زهرة. دار الفكر العربي. ط4. سنة 1972. ص 24- 26. عقائد النصارى الموحدين. حسني يوسف الأطير. دار الأنصار. ط1. سنة 1985. ص 243-245. جـ- دعوة الحق. عبد العزيز حسين. ط3. سنة 1994. ص 27- 30، 12. (2) المسيح والمسيحية والإسلام. د. عبد الغني عبود. دار الفكر العربي.ط1 سنة 1984، ص 189. (3) هل المسيح هو الله؟ د.لبيب ميخائيل. ط3. سنة 1983. ص 120- 121 وانظر أيضاً: المنطق والإيمان. م هـ.فنلى. ترجمة جان يوسف. منشورات النفير. ط2 سنة 1986. ص 51. (4) مفاتيح الغيب. للرازي. مجلد 6. ط دار الفكر. بيروت. لبنان. ص 100- 106. (5) دعوة الحق. ص 121. (6) خواطر مسلم حول: الجهاد، الأقليات، الأناجيل. محمد جلال كشك. دار ثابت للنشر. ط2. سنة 1985. ص 163- 165. (7) المسيح بين الحقائق والأوهام. د.محمد وصفي. تحقيق علي الجوهري. دار الفضيلة. ص 172. (8) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. م. أحمد عبد الوهاب. مكتبة وهبة. ط2. سنة 1988. ص 181- 183 وانظر أيضاً: دعوة الحق. ص 125- 126. (9) الكنز الجليل. وليم إدي. جـ1. ص 228. (10) شرح بشارة لوقا. د.إبراهيم سعيد. ط3. سنة 1986. ص 553. (11) تفسير العهد الجديد. وليم باركلي. مجلد 1. ط1. سنة 1993. ص 431- 432. (12) يمكن الرجوع إلى المراجع التالية: 1-التفسير الحديث: سفر أعمال الرسل. هوارد مارشال تعريب نجيب جرجور. ص 63. 2-تفسير الكتاب المقدس. برياسة د. فرنسيس دافدسن. مركز المطبوعات بيروت. ص86. 3-شبهات وهمية حول الكتاب المقدس. إعداد القس. د.منيس عبد النور ص 334- 335. |
رد: من هو المصلوب
القول بصلب واحد من تلاميذ المسيح
عندما طاش السهم ولم يحقق غرضه، أطلق غيرهم سهماً طائشاً آخر فقالوا: "إن اليهود لم يكونوا يعرفون المسيح، ويهوذا أعطاهم علامة، فهم عولوا في تعيينه لهم على يهوذا، فإذا ثبت ذلك فيحتمل أن يكون يهوذا إنما أشار إلى غيره لأنه ندم على بيعه. والدليل على توبة يهوذا وندمه: 1-قول المسيح له: يا صاحب لماذا جئت؟ 2-أنه رمى بالدراهم، واعترف بالخطية وقتل نفسه، وهذا يدل على غاية الصدق في الندم. ولما ندم يهوذا على ما فرط منه، فيحتمل أن يكون دل على غيره من أصحابه، وأن ذلك الغير رضي بأن يقتل مكان المسيح، فتعرض بنفسه لليهود، فأخذوه ورفع عيسى إلى السماء".[1] وقد ساق أحد الكتاب عدة أدلة على أنه لا يمكن ليهوذا أن يسلم أو يخون المسيح وقال "أما الدليل على أن يهوذا لا يمكن أن يسلم المسيح أو يخونه، هو كون يهوذا أحد حواريي المسيح وأحبائه، بل لقد كان يهوذا هو أحد الاثني عشر تلميذاً الذين مدحهم المسيح أعظم مدح ووعدهم بالجلوس على كراسي العظمة والمجد. فقد ذكر متى قول يسوع: "الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" مت 19: 28 ويهوذا كذلك هو أحد الاثني عشر الذين دعاهم المسيح" ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف "أما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه.. ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه" مت 10: 1- 4. إن يهوذا الذي أعطاه المسيح كل هذه السلطات يدعون أنه مات مرتداً وكافراً، وأنه خان المسيح وسلمه، وذلك على الرغم من شهادة المسيح له أنه سيكون معه هو والحواريون في الجنة في الآخرة. رغم أن يهوذا غسل المسيح رجليه مع باقي التلاميذ وقال له: الذي اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله".[2] التعليق: لقد سبق وناقشنا في الصفحات السابقة ما هي الدوافع التي دفعت يهوذا أن يخون سيده وقلنا سواء كان الدافع سياسياً أو أخلاقياً فلقد خان يهوذا المسيح وتآمر مع أعدائه وقلنا إن المسيح كان عارفاً بهذا وقال لتلاميذه "أليس إني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان. قال هذا عن يهوذا سمعان الإسخريوطي لأن هذا كان مزمعاً أن يسلمه" يو 6: 7- 71.
أ-واحد من تلاميذه. ب-لأن المسيح وعده بأنه سيجلس على كرسي لدينونة أسباط إسرائيل. ج- لأن المسيح قد شهد عن طهارته. فقد سبق الرد على هذه الأقوال بالتفصيل في الصفحات السابقة.
في مت 27: 3- 5 "لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ورد التلاميذ الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً: قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا. أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه". أ-فعندما رأى يهوذا أن المسيح قد دين، ندم. وكلمة ندم هنا "ليست نفس الكلمة التي ترجمت بهذا المعنى في العهد الجديد والتي تتضمن الغفران المبني على التوبة، بل تعني أنه تأسف أو غير رأيه، واستعمالاتها الأخرى الوحيدة نجدها في مت 21: 29، 32، 2 كو 7: 8، عب 7: 21"[3] فهي تعطي فكرة الأسف لكنها لا تعبر عن توبة صادقة تؤدي إلى الخلاص أي أن توبة يهوذا هي توبة اليأس القاتل، لأنه رغم أسفه لم يستطع التخلص من الشعور بالذنب. الذي أدى به إلى الانتحار شنقاً ب-إن ندم يهوذا هذا قد حدث عقب المحاكمة الدينية التي أدانت المسيح، وقررت أنه "مستوجب الموت" مت 26: 26. والنص الكتابي واضح أنه "لما رأى يهوذا أنه قد دين ندم" مت 27: 3 إذن فالقول بأنه ندم فأشار إلى واحد غيره غير صحيح بالمرة. ج-أما قول المسيح له: "يا صاحب لماذا جئت" مت 26: 5 ليس دليلاً على توبة يهوذا، لأن هذا القول تفوه به المسيح قبل القبض عليه مباشرة، والندم – كما سبق وأوضحنا – حدث بعد صدور الحكم اليهودي بأن المسيح مستوجب الموت. وربما نجد في هذا القول من المسيح تنبيهاً وتحذيراً ليهوذا، فالمسيح لم يكن جاهلاً لسبب مجيئه, ولكنه أراد بقوله هذا أن يحثه ليتأمل الإثم الذي ارتكبه، وليتذكر قول المسيح عن مسلمه أنه "كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد" مت 26: 24. ثم يجب ألا يغيب عن فكرنا كون أن يهوذا خان المسيح، فهذا لا يغير بالمرة موقف المسيح المحب منه، فقول المسيح له: يا صاحب ليس بغريب عن المسيح الذي أوصى بمحبة الأعداء (مت 5: 44). والذي طلب الغفران لصالبيه (لو 23: 34). د-إن يهوذا لم يستطع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ليعالج ما أفسده. فهو قد اتفق مع الكهنة على أن يسلم لهم المسيح، وقاد الحملة بنفسه وتم القبض على المسيح وتم الحكم عليه بالموت. وعندما رأى يهوذا أنه قد دين ذهب إلى الكهنة وطرح الدرهم في الهيكل مقراً أن المسيح بريء. فماذا كان رد الكهنة؟ "أنت أبصر" مت 27: 4 أي أن هذه هي مسؤوليتك أنت ولا علاقة لنا نحن بها ولم يغير أسفه من واقع الأمر شيئاً. ونختم هنا ما كتبه د. وليم إدي حول هذا الموضوع: 1-إن الحصول على أفضل الوسائل لا يضمن الخلاص، فقد كان يهوذا رسولاً مختاراً، ومن الاثني عشر، ورفيقاً للمسيح، وشاهد معجزاته، وسمع تعاليمه، ونال أفضل وسائط النعمة.. ومع ذلك هلك. 2-إنه يمكن أن ينال الإنسان صيتاً حسناً بين الناس وهو بلا تقوى أمام الله، فإن المسيح أرسل يهوذا كسائر الرسل ليعلم ويصنع الآيات، وظهر أنه ترك كل شيء لأجل المسيح كغيره من الرسل، ولم يظن أحد منهم فيه سوءاً، لأنهم عينوه أميناً لصندوقهم وحين قال المسيح للرسل "واحد منكم يسلمني" لم يشك أحد في يهوذا، بل نظر إلى نفسه أولاً، بدليل قول كل واحد منهم: هل أنا يا رب؟ 3-إن الندامة على الإثم لا تصلح ما أفسده، ولا تسكت الضمير. فإن يهوذا ندم ورد الدراهم واعترف بإثمه، لكنه لم يقدر أن ينقذ المسيح بذلك، لأنهم لم يجيبوه إلا بقولهم: ماذا علينا. أنت أبصر. ولم يستطع أن يسكت ضميره بدليل أنه "مضى وخنق نفسه" وأما الذي لا تنفعه الندامة فينفعه دم المسيح إذا لجأ إليه ولكن يهوذا لم يفعل كذلك".[4] مما سبق نرى: -إن يهوذا لم يتب توبة صادقة. -إن ندمه كان بعد تسليم المسيح وصدور حكم الإدانة، وليس قبل القبض عليه حتى يمكن أن يقال أنه ندم فأشار إلى غيره. -إن الادعاء بأن المصلوب هو شخص آخر غير المسيح – واحد من تلاميذه – فهو مردود عليه في كل البراهين التي تثبت عدم صلب يهوذا أو سمعان القيريني أو باراباس، وأيضاً من خلال البراهين التي تثبت صلب المسيح في الفصل الثاني من هذا الكتاب. (13) الإعلام. للقرطبي. تحقيق د.أحمد حجازي السقا. دار التراث العربي. ص 414- 415. وانظر أيضاً: أ- المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل لأبي الفضل المالكي المسعودي. تحقيق د.بكر زكي إبراهيم. ط1. سنة 1993. ص 308. ب- بين المسيحية والإسلام لأبي عبيدة الخزرجي. تحقيق د.محمد شامة. ط2 سنة 1979. ص 161. (14) المسيح بن الحقائق والأوهام د.محمد وصفي. تحقيق علي الجوهري. دار الفضيلة. ص 171- 172. (15) تفسير إنجيل متى: ر.ت.فرانس. تعريب أديبة شكري. دار الثقافة. ط1. سنة 1990. ص 429. (16) الكنز الجليل. وليم إدي. جـ1. ص 454- 455. |
رد: من هو المصلوب
القول بصلب سمعان القيرواني (القيريني)
في هذه المرة جاء السهم من طائفة تدعى الغنوسية ظهرت في القرن الأول الميلادي وقد وجد كاتب في هذا الادعاء ضالته المنشودة فكتب "لقد كان من المعتاد أن يقوم الذي حكم عليهم بالصلب، بحمل صلبانهم بأنفسهم ويقرر يوحنا أن هذا ما حدث فعلاً في حالة يسوع. ولكن على العكس نجد حسب رواية مرقس ومتى ولوقا أن شخصاً مجهولاً يدعى سمعان القيرواني هو الذي سخره الرومان لحمل الصليب بدلاً عن يسوع (مر 15). ويقول أحد المفسرين "من الواضح أن الكنيسة التي كتب لها القديس مرقس إنجيله كانت تعرف هاتين الشخصيتين "الكسندروس وروفس" جيداً ولهذا لم يكن هناك داعٍ للحديث عنهما أكثر من ذلك. ويبدو أن الغرض من هذه الفقرة هو ضمان صحة القصة التي تقول بأن سمعان قد حمل الصليب، وما من شك أن أحد الأسباب الرئيسية في الحفاظ على هذه التفاصيل الشخصية في الإنجيل كان الغرض منه تذكير القراء بأن لديهم مصدراً للمعلومات عن الصلب جديراً بالثقة، ولعل السبب في حذف هذه الرواية الخاصة بحمل سمعان القيرواني للصليب من إنجيل يوحنا، هو أن الوقت الذي كتب فيه الإنجيل الرابع (100- 125 م) كان الادعاء بأن سمعان القيرواني قد حل محل يسوع وصلب بدلاً منه، لا يزال سارياً في الدوائر الغنوسية التي كان لها الشهرة فيما بعد "D. E Ninehan Sant Mark. P. 422.: فمن ذلك تبين أنه في الفترة التي أعقبت رفع المسيح حتى كتابة الأناجيل قد وجد بين قدامى المسيحيين جماعات تنكر صلب المسيح وتؤمن بأن شخصاً آخر قد صلب بدلاً منه".[1] التعليق: كان الصلب يتم عادة خارج المدن وعلى قارعة طريق عام أو في ميدان فسيح الأرجاء، لكي يكون المصلوب عبرة للجماهير التي تحتشد حول منظره المفجع، لذلك أخرج المسيح من أورشليم[2]. يقول بلوتارخ –حجة التاريخ القديم-: إن قوانين الرومان كانت تفرض على المحكوم عليه بالصلب أن يحمل صليبه بنفسه إلى موضع الصلب مسوقاً بأربعة حراس من الجند، غير أن الآلام النفسية والجسدية كانت قد أخذت من المسيح كل مأخذ، فأنهكت جسمه الرقيق.. فلما رأوا ضعف جسده "أمسكوا سمعان رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل ووضعوا عليه الصليب[3] ليحمله خلف المسيح".[4] فمن هو سمعان القيرواني؟ بالرجوع إلى سفر أعمال الرسل نرى: أع 2: 5، 10 "وكان يهود رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء ساكنين في أورشليم.. ونواحي ليبية التي نحو القيروان" أع 6: 9 "فنهض قوم من المجمع الذي يقال له مجمع الليبرتينيين والقروانيين". فسمعان من القيروان[5]: وهي مدينة في ليبيا. وكانت وقتئذ خاضعة للرومان وسكنها كثيرون من اليهود (أع 2: 10) لأن بطليموس لاجي أرسل منهم إلى هنالك مئة ألف قبل ثلاث مائة سنة من ذلك الوقت. فازدادوا كثيراً حتى صار لهم مجمع خاص في أورشليم[6] أع 9: 6. وكان بعضهم أول المبشرين المسيحيين (أع 11: 20، 13: 1). والمرجح أن سمعان القيرواني أتى إلى أورشليم حينئذ للاحتفال بعيد الفصح وذكر مرقس أنه كان والد اسكندروس ورفس كأنهما معروفان عند المسيحيين (مر 15: 21).[7] ويقال إنه آمن بالمسيح. وربما انضم التلاميذ بسبب هذا الحادث وأصبحت عائلته معروفة للكنيسة (رو 16: 13) وقد ذكر قصة تسخير سمعان القيرواني لحمل الصليب متى ومرقس ولوقا (مت 27: 32، مرقس 15: 11، لو 23: 26) ولم يذكر يوحنا هذا وعدم ذكره لا يعني بالمرة عدم حدوثه، وقول المفسر أن إنجيل يوحنا لم يذكره لانتشار الادعاء من قبل الغنوسيين بأن سمعان القيرواني قد حل محل المسيح فربما كان هذا الادعاء صحيحاً. "ولعل علة تسخيرهم سمعان القيرواني، أنه أول من صادفوه في الطريق بعد تحققهم عجز يسوع عن حمل صليبه، أو لأنهم رأوه أجنبياً فاستخفوا به، أو لعله ظهر على وجهه شيء من أمارات الشفقة على يسوع. ولذلك سخروه".[8] وتسخير شخص ليحمل الصليب لشخص مصلوب ليس بالأمر المستبعد حدوثه, ربما بدافع الرحمة والشفقة قبل إتمام عملية الصلب. وعلى لسان سمعان القيرواني كتب جبران خليل جبران: "كنت في طريقي إلى الحقول حين رأيته يحمل صليبه وفي إثره جماهير غفيرة. عندها مشيت أنا الآخر إلى جانبه. وكم من مرة توقف إعياء بما يحمل, إذ كان مجهد الجسم وتقدم مني جندي روماني وقال: تعال, إنك لقوي, متين البنية, احمل عن هذا الرجل الصليب. وما إن سمعت هذه الكلمات حتى امتلأ قلبي زهواً وكنت شكوراً وحملت عنه صليبه. وكان ثقيلاً إذ كان من خشب الجوز وأشرب أمطار الشتاء. ونظر إلي يسوع وعرق جبينه ينحدر على لحيته. ثم نظر إلي ثانية وقال: أتشرب أنت الآخر هذا القدح؟ لترشفن معي حقاً من حافته إلى الأبد. وما إن قال هذا حتى وضع يده على كتفي الخالية ومشينا معاً نحو تل الجلجثة. وما أحسست إذ ذاك بثقل الصليب, وإنما أحسست بيده وكانت أشبه بجناح الطائر فوق كتفي, ثم أدركنا قمة الجبل حيث كانوا يزمعون أن يصلبوه, عندها أحسست بثقل الصليب وما فاه بكلمة حينما أنفذوا المسامير في يديه وقدميه. كما لم تصدر عنه همسة وما ارتجفت أطرافه تحت طرق المطرقة"[9] ونختم بهذه العبارات: 1-بعد ساعات طويلة من المعاناة النفسية والجسدية وعملية الجلد القاتلة, حمل المسيح صليبه إلى موضع تنفيذ عملية الصلب, ولم يستطع إكمال المسير. 2-بعد تأكد الجنود من عدم مقدرة المسيح, سخروا سمعان القيرواني لحمل الصليب وهذا ليس بدعة, وليس قاصرة على المسيح. 3-من المؤكد انه بعد الوصول إلى المكان المعد أنزل سمعان القيرواني الخشبة التي حملها وتم صلب المسيح. 4-ليس من السهولة بمكان أن يصلب شخص بدلاً من آخر, لوجود الجنود ولوجود الشهود الكثيرين, ولو حدث شيء مثل هذا لما سكت الشخص الذي يصلب خطأ. 5-إن الأدلة السابقة لعملية الصلب والأدلة من خلال الأحداث التي تلت, مثل أقوال المصلوب خلال المحاكمة وعلى الصليب تؤكد أن المصلوب هو المسيح وليس سمعان القيرواني أو أي شخص آخر. 6-إن من قال بصلب سمعان القيرواني هم الغنوسيون, وهم بدعة مزجت بين الفلسفة الوثنية والمسيحية وأعتقد أن العقيدة تؤخذ من الذين يؤمنون بها إيماناً صادقاً وليس من المبتدعين والهراطقة. وفي كتاب آخر سوف نقدم دراسة كاملة حول هذه البدعة ولماذا أنكرت صلب المسيح.[10] (17) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. م أحمد عبد الوهاب. ص 166، 272، 274 وانظر أيضاً: أ-المسيح قادم. د.علي عبد الجليل راضي. ط1 سنة 1960 ص 44- 55. ب-خواطر مسلم. محمد جلال كشك. ص 161. (18) ولهذا قال الكتاب "لذلك يسوع أيضاً لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب" عب 13: 12. وهذا وفق شريعة موسى في أمر المحكوم عليهم بالموت (عدد 15: 35، 1مل 21: 13، أع 7: 58). (19) يرى ر.ت.فرانس "أن هذا لم يكن أمراً غير عادي. تفسير إنجيل متى. ص 44. (20) شرح بشارة لوقا. د.القس إبراهيم سعيد. ص 602. (21) "مدينة سيرين (Cyrene)، أو قرينى "أنشأها اليونان عام 631 ق.م. بليبيا، وقد تسمت بعدة أسماء مترادفة، منها قيرين وسيرين وقرنة وقورين أو قورينا وقد وجدت عملات فضية يونانية (450- 400 ق.م.) مدون عليها اسم المدينة باليونانية (كيرانا) وقد دعيت المدينة بهذا الاسم نسبة إلى العذراء الأسطورية "الحورية قورينا Nymph Corena في الأدب الإغريقي القديم وقد جاءت في الكتاب المقدس "قيرواني. قيروانيون" في مر 15: 21، لو 23: 26، أع 2: 10، أع 6: 9، أع 11: 20، أع 13: 1. وينبغي أن تستبدل بكلمة "القيرياني" أو "القوريني" تاريخ كنيسة بنتا بوليس د.ميخائيل مكس إسكندر. ط1. سنة 1987. ص 41- 43. وقد جاءت في الترجمة الكاثوليكية "سمعان القيريني" العهد الجديد. المطبعة الكاثوليكية. ط4. سنة 1974. وأيضاً في الترجمة العربية الجديدة الصادرة عام 1993 "سمعان القيريني" مر 15: 21. ويرى الدكتور القس إبراهيم سعيد أن "القيروان كلمة فارسية الأصل، معناها القافلة أو الكتيبة أو محط رجال الجيش" تفسير لوقا. ص603 وهي بالطبع ليست مدينة القيروان التي أسسها عقبة بن نافع في القرن الأول الهجري. (22) كان أمراً طبيعياً أن تقوم المجموعات الوطنية بتشكيل مجامع خاصة بها للعبادة في أورشليم وكان يؤم هذه المجامع المهاجرون المقيمون في أورشليم والزوار الذين يأتون عرضاً وكان يلزم عشرة رجال فقط لتشكيل نواة مجمع تفسير أعمال الرسل. هوارد مارشال. ص 131. (23) الكنز الجليل. وليم إدي. جـ1. ص 509. (24) المرجع السابق. ص 510 (25) يسوع ابن الإنسان. جبران خليل جبران. تعريب د.ثروت عكاشة. دار المعارف. ص216. (26) صلب المسيح وموقف البدع والهرطقات (في الإعداد) |
رد: من هو المصلوب
القول بصلب باراباس
ها هو الادعاء الرابع, وكما سنرى فهو يبعد كثيراً عن الواقع الفعلي, ولكن لأنه أثير بواسطة البعض, فليس هناك مفر من مناقشته. قال أحد الكتاب: "وبالنسبة لما قيل عن عادة إطلاق أحد المسجونين, فإن وجهة نظر أغلب العلماء تقرر أنه لا يعرف شيء عن مثل هذه العادة كما وصفت هنا. إن القول بأن عادة الحكام الرومان جرت على إطلاق أحد المسجونين في عيد الفصح، وأن الجماهير هي التي كانت تحدد اسمه بصرف النظر عن جريمته. إنما هو قول لا يسنده أي دليل على الإطلاق، بل يخالف كل ما نعلمه عن روح الحكم الروماني لفلسطين وأسلوبه في معاملة أهلها. على أن محتويات الحوار بين بيلاطس والجمهور تعتبر من المشاكل أيضاً، فيبدو منها أن بيلاطس قد ووجه مقدماً بالاختيار بين مجرمين أدينا. بحيث إذا أطلق سراح أحدهما لوجب عليه إعدام الآخر، ولكن في الأعداد 2-5 نجد أن يسوع لم يدن وحسبما تذكره القصة، لا نجد مبرراً يمنع بيلاطس من تبرئة يسوع، إذا كان قد اعتقد في براءته، وإصدار عفو كذلك عن باراباس. ونجد في رواية القديس متى لهذه القصة أن اسم ذلك الشخص قد ذكر مرتين (مت 27: 16-17) في أغلب النسخ على أنه: يسوع باراباس. والاعتقاد الشائع أن ذلك كان القراءة الأصلية. وأن حذف كلمة يسوع من النسخ المتداولة بيننا يمكن شرحه ببساطة على أساس أنه بالرغم من أن اسم يسوع كان شائعاً في أيام المسيح، وقد ذكره بولس في رسائله: يسوع المدعو يسطس (كو 4: 11). فلم يلبث المسيحيون أن اعتبروه اسماً مقدساً يرقى عن الاستخدام العادي وأن إطلاقه على أحد المجرمين يعتبر مهيناً"[1]. ويضيف آخر: "يحتمل أن هذا الذي أخذوه كان أحد المحكوم عليهم بالإعدام كباراباس (لو 23: 9). الذي قال علماؤهم أنه كان يسمى يسوع أيضاً.. ونظراً لأن هذا الرجل كان محكوماً عليه بالإعدام على ما يظهر وكان اسمه يسوع، فلما صلبوه ظن أنه صلب لأجل ما حدث منه من القتل والفتنة. وكلما نادوه باسمه لم يخطر على باله أنهم أقاموه مقام يسوع المسيح الذي ظنه الناس المصلوب"[2]. التعليق: لقد جاءت قصة إطلاق باراباس كعادة في عيد الفصح في الأناجيل الأربعة. مت 27: 15-26، مر 15: 6-15، لو 23: 17-25، يو 18: 38-40. *من هو باراباس؟ من خلال النصوص السابقة نرى أن باراباس هو أسير مشهور (مت 27: 16) وقد قبض عليه متهماً مع رفقائه في فتنة وجريمة قتل (مر 15: 7، لو 23: 19). ويصفه يوحنا بأنه لص أو بالأصح قاطع طريق (يو 18: 4). وكلمة "باراباس" كلمة آرامية في قالب يوناني، وعي مركبة من مقطعين "بار-أبا" أي "ابن الأب". ويعتقد البعض أن معناها "ابن أبيه" أي المماثل لأبيه في الشر أو "ابن المعلم" ولعله كان ابن أحد معلمي الناموس"[3]. وكما ورد في تفسير وليم باركلي: "أن اسم باراباس على ما يبدو ليس اسماً أصيلاً، إنه اسم ثان، لقد كان لقباً له, كما لقب سمعان بلقب بطرس، وهناك احتمالان لما يعنيه هذا اللقب: فقد يكون مكوناً من مقطعين "بار" ومعناها ابن، و"آبا" ومعناه أب فهو ابن أبيه وربما يعني الاسم "بار-آن" أو ابن المعلم، وليس بعيداً أن يكون ابن واحد من الأحبار المعروفين، انحرف عن التعليم أو ضل طريقه. أو ربما يكون ابن واحد من الذين اختلطت في أعماقهم روح الثورة والتمرد بالأحلام الوطنية، فأصبح في نظر الشعب زعيماً... وهناك نسخ قديمة من العهد الجديد كالسريانية واليونانية والأرمينية تعطي باراباس لقب "باراباس يسوع" وليس هذا بعيد الاحتمال، لأن اسم يسوع كان شائعاً في ذلك الوقت، إن يسوع هو الترجمة اليونانية للاسم العبري يشوع. وإن كان الأمر كذلك يكون هتاف الجماهير على هذا النحو "ليس يسوع الناصري، بل يسوع باراباس"[4]. "ويذكر أوريجانوس في شرحه لإنجيل متى، أنه وجد الاسم في بعض المخطوطات القديمة "يسوع باراباس" مت 27: 16-17. كما يظهر الاسم على هذه الصورة في المخطوطة 5 من القرن التاسع وفي بعض المخطوطات السريانية، ولو صح أن اسمه الأول كان "يسوع –وهو أمر غير مستحيل في ذاته- فإنه يجعل عرض بيلاطس أقوى وقعاً" من تريدون أن أطلق لكم "يسوع باراباس أم يسوع الناصري؟ ومع أن كثيرين من العلماء يقبلون هذه الصورة للاسم إلا أنه لا يمكن الجزم بأصالتها أو صحتها"[5]. *ما هي تهمة باراباس؟ يقول مرقس إنه كان "موثقاً مع رفقائه في الفتنة... فعلوا قتلاً" (مر 15: 7). ويقول لوقا "وذاك كان قد طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل" (لو 23: 19، أع 3: 14) ويقول يوحنا "كان باراباس لصاً" أو قاطع طريق (يو 18: 40). ولا نعلم شيئاً أكثر من ذلك عن الفتنة التي اشترك فيها، ويزعم البعض أن تلك الفتنة كانت حركة سياسية ضد السلطات الرومانية، وهو أمر بعيد الاحتمال جداً إذ لا يعقل أن الكهنة –وكانوا من الحزب المؤيد لروما- يحرضون الجموع أن يطلبوا إطلاق سراح سجين سياسي من أعداء روما، ويلبي بيلاطس طلبهم، بينما هم يقدمون يسوع المسيح للموت بعلة مقاومة روما وقيصر (لو 23: 2). فالأرجح أن الفتنة كانت عملاً من أعمال عصابات قطع الطرق، أما الزعم بأن اليهود لم يكن يعنيهم إطلاق سراح مجرد لص أو قاطع طريق ففيه تجاهل لما يمكن أن تنساق إليه جموع الرعاع الهائجة"[6] ومن المهم لدينا "ألا نرى في باراباس صورة لص منازل أو نشال في الطريق العام، لقد كان قاطع طريق يجمع حوله أتباعه ويجنح إلى المناطق الجبلية"[7]. *عادة إطلاق سراح أسير: إننا لا نعرف شيئاً عن هذه العادة أكثر مما تخبرنا به الأناجيل، ويقول الياس نجمة "هي عادة يجدها المؤرخ عند غير بني إسرائيل أيضاً من الشعوب القديمة"[8] . فعادة إطلاق سراح الأسرى والسجناء في المناسبات المختلفة –سواء الدينية أو القومية- كانت وما زالت أمراً مألوفاً ومتعارف عليه منذ قديم الزمان وما زالت تحدث في بلادنا حتى اليوم. وإن كنا لا نعلم متى بدأت هذه العدة أو علتها، ولن ربما كانت كرشوة لليهود لكي يحملوا نير الرومان بالصبر[9] أو ربما تودداً ومداهنة[10] فليس هذا العمل ببعيد أو غريب. *من الذي أطلق سراحه يسوع أم باراباس؟ عندما أحضر القادة اليهود يسوع إلى بيلاطس قائلين: "وجدنا هذا الإنسان يفسد الأمة" ثم أضافوا "ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلاً: إنه هو مسيح ملك" لو 23: 2. لم يستطع بيلاطس إلا أن يأخذ ما قالوا بعين الاعتبار .... ولقد أكد البشيرون أن بيلاطس كان مقتنعاً ببراءة يسوع .... وهكذا صرح علناً ثلاث مرات بأنه لم يجد أساساً لاتهامه: أ-بعد فجر يوم الجمعة بقليل، عندما أحال السنهدريم القضية إليه، أصغى بيلاطس إليهم وسأل يسوع بضعة أسئلة، وأعلن بعد هذا التحقيق الأولي "لست أجد علة في هذا الإنسان" لو 23: 4، يو 18: 38. ب-عندما عاد يسوع بعد أن استجوبه هيرودس. قال بيلاطس للكهنة والشعب، قد قدمتم إلي هذا الإنسان كمن يحرض الناس على العصيان. وها أنا قد فحصته أمامكم ولم أجد سبباً لاتهامكم له. ولا هيرودس أيضاً، لأنه أعاده إلينا، كما ترون، فإنه لم يفعل شيئاً يستحق الموت (لو 23: 13-15). عند هذا صاح الحمع: اصلبه اصلبه. لكن بيلاطس قال للمرة الثالثة لماذا ما الجريمة التي ارتكبها هذا الإنسان؟ لم أجد فيه أسباباً تستوجب عقوبة الموت (لو 23: 22، يو 19: 6). إن بيلاطس أراد أن يتجنب الحكم على يسوع (نظراً لأنه اعتقد ببراءته). وأن يتجنب في نفس الوقت تبرئته (نظراً لأن القادة اليهود اعتقدوا بأنه مذنب). فكيف يستطيع أن يوجد وسيلة للتوفيق بين أمرين لا يمكن التوفيق بينهما. إنه يحاول إطلاق سراح يسوع وتهدئة اليهود في آن واحد، أي أ، يكون عادلاً وظالماً في آن واحد. وقد جرب أربع محاولات: 1-عندما سمع أن يسوع جليلي، أي تابع لسلطة هيرودس، أرسله إلى هيرودس لكي يحاكم أملاً في أن ينقل إليه مسؤولية إصدار قرار. لكن هيرودس أعاد يسوع دون أن يحكم عليه (لو 23: 5-12). 2-جرب أيضاً أنصاف الحلول: "فأنا أؤدبه (أجلده) ثم أطلقه، (لو 23: 16، 22). كان يأمل أن يرضى الجمهور بما هو أقل من العقوبة القصوى وأن يشبع شهوتهم إلى الدم بمنظر ظهر يسوع الممزق. كان هذا اقتراحاً خسيساً لأنه إذا كان يسوع بريئاً وجب أن يطلق سراحه فوراً وليس بعد أن يجلد أولاً. 3-حاول بيلاطس أن يفعل الصواب (إطلاق يسوع) متذرعاً بسبب خاطئ. كان يريد من الجمهور أن يختاره لإطلاق سراحه فبعد أن تذكر عادة الوالي المتبعة في عيد الفصح وهي أن يعفو عن أحد السجناء، رجا أن يختاره الشعب ليستفيد من هذه المنة. وعندئذ يكون بوسعه أن يطلق يسوع بدافع الرحمة وليس بمقتضى العدالة. كانت فكرة ماكرة، لكنها بحد ذاتها مخزية، وأحبطها جمهور الغوغاء باختيارهم أن يعفو الوالي عن المجرم المشهور والقاتل باراباس. 4-حاول أن يؤكد براءته، "فأخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلاً: إني بريء من دم هذا البار" (مت 27: 24). ثم قبل أن تجف يداه، أسلم يسوع إليهم ليصلب. من المؤكد أن يسوع كان بريئاً، ومن المؤكد أن العدالة كانت تقتضي إطلاق سراحه ولكن كيف كان بوسع بيلاطس أن يحامي عن البراءة والعدالة، إنه بذلك يتنكر لإرادة الشعب ويهزأ بقادة الأمة ويثير هياجها، وهذا هو الأهم، وبذلك يخسر بسبب خطئه رضا الإمبراطور[11]. فالمسيح قد أدانته المحاكمة اليهودية ورأت أنه مستوجب الموت, وقدم إلى المحاكمة الرومانية (بيلاطس) ورغم اقتناعه ببراءة المسيح, وتحت ضغط الشعب ورؤساء الكهنة أسلم يسوع ليصلب وأطلق سراح باراباس. وما أروع الكلمات التي كتبها الأستاذ خالد محمد خالد: "عندما قاد اليهود في أورشليم روح الله عيسى إلى بيلاطس الحاكم الروماني, مطالبين بصلبه أطل بيلاطس عليهم, ومضى يحاورهم في شأن المسيح, إذ كان يعلم أنهم يريدون إسلامه للموت حسداً من عند أنفسهم. قال لهم: ماذا أفعل بيسوع, الذي يدعى المسيح؟ وأجاب اليهود رؤساء الكهنة: إنه يفسد الأمة. وقال بيلاطس: إني لا أجد علة في هذا الإنسان. ونبحت كلاب أورشليم نافذة بنباحها من الزاوية الحادة التي تحرج بيلاطس, وتكرهه على الإذعان لنباحها. قالوا: إنه يهيج الشعب, ويمنع أن تعطى جزية لقيصر, وإذا لم تصلبه فلن تكون محباً لقيصر. وقال بيلاطس: إننا الآن في العيد وسنطلق كما هي العادة واحداً من المحكوم عليهم, فليكن هو المسيح, وتهارش رؤساء الكهنة, وتراكض يهود أورشليم كالخراف الضالة, وصاحوا جميعاً .لا. لا. أطلق سراح باراباس, أما المسيح فاصلبه ويلح بيلاطس كي ينزلوا عند رأيه. فيقول لهم: لقد فحصت هذا الإنسان قدامكم ولم أجد فيه شيئاً مما تشتكون به. ولكنهم يلوون ألسنتهم كأذناب الحيات ويصيحون: خذ هذا وأطلق لنا باراباس باراباس. باراباس. وأما المسيح فاصلبه. إنه نفس الخيار يقدم اليوم ويعلن. إنه لمن حسن الحظ أن الذين يختارون اليوم, ليسوا يهود أورشليم ولكنه العالم كافة والغرب المسيحي خاصة. لقد رفض أحبار في اليهود في ذلك اليوم البعيد, أن يختاروا المسيح, لأنه جماع فضائل لا يطيقونها, ومشرق عصر عظيم لا يسمح لنقائصهم بالازدهار. وحتى حين خجل ممثل روما العاتية الباغية, أن يشترك في المؤامرة الدنسة, وتوسل إليهم كي يدعوا للمسيح حريته, رفضوا وصاحوا به, بل باراباس. الحرية لباراباس, الصلب للمسيح. ترى, ماذا يكون جواب البشرية اليوم, حين يطلب إليها أن تختار. ترى, هل يقتحم الأفق الوديع المشرق, بنباح الكلاب من جديد. باراباس. باراباس. أما المسيح, فيصلب أما السلام, فيصلب أما المحبة, فتصلب. هل يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى"[12] *ماذا حدث لباراباس بعد ذلك؟ "لا أحد يعرف, ولكن الكاتبة الروائية ماري كوريللي تقدم لنا صورة خيالية رائعة ليست بعيدة الاحتمال, فهو يسير في موكب الصليب, ويشاهد يسوع الناصري يرفع في المكان الذي كان ينبغي أن يرفع فيه, فيهتف في انكسار: إن قلبي ينكسر معك أنا المجرم الخاطئ. بعد هذا يشرق عليه النور شيئاً فشيئاً. حتى يصل إلى صبح الإيمان الكامل, فيهتف باسم يسوع الناصري, ويحقد عليه رئيس الكهنة, فيدبر له مؤامرة تنتهي بالقبض عليه, وإلقائه في السجن رهن المحاكمة, وفي صباح اليوم المعين لمحاكمته, يفتح السجان باب الزنزانة ليجده جثة هامدة"[13] أما الكاتب السويدي "بار لاجير كفيست" فيقدم لنا صورة خيالية أخرى فباراباس يسير في موكب الصلب, ويستمر هناك حتى موت المسيح, وبعد ذلك يقبض عليه في جريمة, ويعمل في المناجم مع أحد المؤمنين بالمسيح ويعرفه بالمسيح, لكنه لا يؤمن, ثم يعمل كعبد في قصر الإمبراطور, ويحاول أن يعرف الكثير عن المسيح, ويشارك في حريق روما ظناً منه أنه بذلك يساعد في الإعداد لملكوت المسيح, ثم يقبض عليه ويحكم بالموت صلباً"[14] مما سبق نرى: 1-إن إطلاق سراح سجين ,ليس بدعة, ولكنه أمر كان وما زال قائماً. 2-إن المسيح صدر عليه حكم الإدانة صلباً رغم براءته. 3-إن بيلاطس قد أطلق سراح باراباس, ولم يصلب. أي أن الادعاء بصلب باراباس افتراضي خيالي لا سند له. (27) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية ص 160. وانظر أيضاً المسيح في مفهوم معاصر. عصام الدين حنفي ناصف. دار الطليعة بيروت. ط1. سنة 1979. ص 97-98. (28) المسيح قادم. نقلاً عن "صخرة الحق" للسير آرثر فندلاي. ص 46. (29) شرح بشارة لوقا. د.إبراهيم سعيد. ص 597. (30) شرح بشارة يوحنا. وليم باركلي. تعريب د.عزت ذكي. جـ2. ص 488، 489. (31) دائرة المعارف الكتابية. جـ2. ص 49. (32)المرجع السابق. ص 50. (33) شرح يوحنا: وليم باركلي. جـ2. ص 489. (34) يسوع المسيح. حياته، رسالته، شخصيته، الياس نجمة. ط2. سنة 1962. ص 356. (35) الكنز الجليل: وليم إدي جـ1. ص 500. (36) شرح بشارة يوحنا: د.إبراهيم سعيد. ص 596. (37) صليب المسيح: جون ستوت. ترجمة نجيب جرجور. دار الثقافة. ط1. سنة 1995. ص 54-56. (38) معاً على الطريق: محمد والمسيح. خالد محمد خالد. ط4. سنة 1966. ص202-204. (39) شرح بشارة يوحنا. وليم باركلي تعريب د.عزت ذكي. جـ2. ص49. وقصة "باراباس" للروائية ماري كوريللي تعريب د.عزت ذكي. دار النشر الأسقفية. (40) قصة "باراباس" لاجير كفيست. الحائز على جائزة نوبل سنة 1951م. ترجمة محمد عبد الله الشفقي. دار الكتاب العربي. سنة 1967. |
رد: من هو المصلوب
القول بصلب شبيه المسيح كما يرى المؤمنون بتحضير الأرواح
هنا سوف نناقش ما كتبه د.علي عبد الجليل راضي[1] -رئيس سابق لجمعية الأهرام الروحية- وهو يرى أنه لم يقبض على المسيح في اليوم السابق لصلبه, بل تم القبض على شبيهه ويفسر هذا بأنه قد تم عن طريق: 1-وساطة التجسد:[2] "إن كل الحوادث التي وقعت في تلك الليلة, لم تكن حوادث متفرقة أو مصادفة, أو ليس بينها رابط, كيف هذا وأكبر جلسة كانت تتهيأ, لكي يلعب فيها أعجب وسيط دوره الذي ستتحدث عنه الأجيال, ذلك الدور الذي لم يفهمه حتى الآن كثير من البشر, وبعد مضي حوالي ألفين من السنين .... كان عيسى عازماً على القيام بتجربة روحية, ومثل هذه التجربة تستلزم جلسة روحية ... مات عيسى قبل القبض عليه, فالمسيح أطال صلاته وكان تلاميذه في غيبوبة, أي كانت هناك جلسة روحية معقودة قبل مجيء الجنود. هذه الجلسة لا بد أمدت عيسى بالقوة الروحية اللازمة لوفاته فجأة وهو في كامل الصحة, وبالطبع كانت الملائكة أو الأرواح العليا تساعد في هذه العملية وبمجرد حدوث الوفاة –قد تكون قد حدثت أثناء الصلاة لأن التلاميذ لم يروا شيئاً لنومهم- بدأت الخطوة الثانية من التجربة فعملت الأرواح على نقل جثة الميت من البستان إلى مكان بعيد في الأرض أو الهواء, حيث تحلل بسرعة فائقة وأصبح ذرات متفرقة ..... ويمكن لروحه أن تتجسد ثانية ويظهر بهيئته المعروفة لذلك الجمع, وذلك العمل ميسور لكثير من الأرواح, وجميع ظروف الجلسة الروحية كانت مهيأة, ويهوذا هو الوسيط ... وتجسدت روح عيسى بعد أن مات منذ دقائق وذهب جسده إلى مكان آخر, وأصبح هذا الشبح المتجسد (الشبيه) هو محور القصة التي أوردها التاريخ". 2-وساطة التشبيه: "إن عيسى كان حياً بالجسد عندما قابل الجمع من الجنود ونجا من أيديهم تحت سمعهم وبصرهم وهو ما زال في مكانه أمامهم .... وقبضوا على الشبيه ليس إلا. ولكن من أين جاء هذا الشبيه؟ يوجد لكل إنسان منا جسد أثيري, وهذا الجسد هو صورة طبق الأصل من الجسد الأرضي, وإنما هو من طبيعة أثيرية أو مادة شبه شفافة, هذان الجسدان متداخلان ومنطبقان تماماً في الأحوال العادية, أما في حالة النوم أو الغيبوبة أو ما شابه ذلك, فيجوز أن يخرج أحدهما من الآخر قليلاً أو كثيراً ولكنهما يظلا مرتبطين بخيط أثيري يسمى "الخيط الفضي" .... فعيسى إذن في تلك اللحظة كان جسده الأثيري قد خرج من جسده بسبب تلك الصلاة الطويلة التي سبقت, وكانت الدنيا مظلمة عندما رأى الجنود الجسد الأثيري "الشبيه" وهو الذي حاولوا القبض عليه ... وبذلك قامت التجربة على استخدام "الشبيه" الذي هيئ لهم أن يقبضوا عليه, والذي يمكن أن يسير معهم إلى أي مكان يرغبون" 3-وساطة الطرح الروحي:[3] "عيسى قد رفع فجأة وهو حي, فانتقل بجسده من البستان إلى مكان بعيد ظل فيه حياً مدة من الوقت حتى ينتهي الموقف مع الجنود, ويمكننا أن نفسر ذلك بعملية "التحلل" أي يمكنه أن يحلل جسده إلى ذرات تطير في الهواء, ثم تتجمع في التو في المكان الثاني ليحيا هناك من جديد .... من هذا المكان الجديد الذي انتقل إليه جسد عيسى يمكنه أن يؤثر من بعد, ويبدو للجمع المحتشد –عندما يطرح روحه- بصورته الأصلية .... وعندما حاول هؤلاء الجنود القبض على الشخص المتجسد "روح عيسى" اقترب هذا الشخص المتجسد رويداً رويداً من يهوذا. ولا ننسى أنه وسيط, حتى انطبق عليه أو تداخل فيه أخيراً, وبهذا يكون آخر منظر شاهده الجنود لعيسى هو عندما كان مغطياً جسد يهوذا, فبذلك توجهوا ليهوذا ليقبضوا عليه. ومن هذا كله نخرج بنتيجة واحدة وهي أنه منذ تلك اللحظة التي قابل فيها عيسى يهوذا والجمع الذي وراءه أصبح هناك شخصان يحملان شبه عيسى, شخصية حقيقية ثم شخصية مشابهة هو يهوذا. الشخصية الحقيقية ابتعدت في وقت ما عن الموجودين واختفت في الظلام مع الأرواح العليا التي جاءت لتصحبه والتي ساعدته على أن يتوفى, أي ينتقل إلى عالم الروح, لأن قوته الروحية الجبارة يمكنها أن تفني جسده وتحوله إلى ذرات تطايرت في الجو وبذلك لم يكن له جسد بعد ذلك ثم ارتفعت الروح إلى السماء ..... ثم قبض على الشبيه الذي هو يهوذا وأخذوه وحاكموه " التعليق: لقد سبق لنا أن درسنا موضوع مناجاة الأرواح, بالتفصيل في كتاب سابق[4]ويمكن الرجوع إليه, ولنا هنا بعض التعليقات: 1-حقاً أن حوادث تلك الليلة لم تكن صدفة, وذلك لأنها محتومة في علم الله السابق (أع 2: 23). ولأن المسيح قد سبق وأخبر عنها كثيراً[5] 2-إن القول بأن أكبر جلسة كانت تتهيأ لكي يلعب فيها أعجب وسيط دوره, فهذا غير حقيقي بالمرة. فالمسيح وتلاميذه وهم من اليهود محرم عليهم أن يلعبوا مثل هذا الدور (لا 19: 26-36, 20: 27. تث 18: 9-14. أر 27: 9. حز 12: 24-25. 2مل 17: 17). ولا يمكن أن يكون المسيح مخالفاً للناموس, وعقوبة الاتصال بالأرواح في الشريعة اليهودية هي الموت رجماً (لا 20: 37). 3-ما حدث في تلك الليلة لم يكن مناسباً بالمرة لحدوث جلسة روحية[6]لمايلي: أ-الوسيط كما يقول المؤلف هو يهوذا, ولا يمكن أن تكون هناك جلسة بدون وسيط فكيف مات المسيح في أثناء الصلاة ويهوذا لم يكن قد حضر بعد؟ ب-كان التلاميذ نائمين, ولم يكونوا في غيبوبة, بدليل قول المسيح لهم: "امكثوا هنا واسهروا معي .... ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً. فقال لبطرس: أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة" مت 26: 38-40. 4-الطرق الثلاث التي يطرحها المؤلف لنا عليها عدة تساؤلات: هل الذي صلب هو الشبح المتجسد (روح المسيح المتجسدة) أم الجسد الأثيري للمسيح أم يهوذا, أم روح عيسى المتجسدة التي انطبقت على يهوذا, وتداخلت فيه؟ وكيف تم هذا التداخل؟ لست أدري, ولماذا هذا الخداع في الحالات الثلاثة؟ ثم هل يمكن صلب روح متجسدة أو جسد أثيري. وكما يرى المؤلف أن الجسد الأثيري يتحلل عند الإضاءة والجنود الذين أتوا للقبض على المسيح حملوا معهم المشاعل والمصابيح (يو 18: 3), وأيضاً يتحلل باللمس, فكيف لم يتحلل في أيديهم عندما قبضوا عليه, أو عندما جلدوه وصلبوه؟. 5-لماذا كل هذه الافتراضات غير المنطقية والمستحيلة والمتناقضة؟ لماذا لا نقر بالواقع ولا ننكر ما حدث, ولا سيما أنه مؤيد بأدلة وبراهين لا يمكن دحضها. فلقد شهد لموت المسيح تلاميذه الذين أحبوه, وأعداؤه الذين تمنوا الخلاص منه, وشهد له المؤرخون سواء من آمنوا به وعبدوه أو من قاوموه وأنكروه ولم يعترفوا حتى برسالته. لماذا إذن هذا الإنكار ومحاولة إيجاد البديل حتى وإن كان هذا أمراً غير منطقي؟ 6-إن كثيراً من الوسطاء الروحانيين الذين قابلهم د.علي عبد الجليل يؤمنون بموت المسيح وقيامته, وقد أوضح ذلك في أحد كتبه[7], فعلى أي أساس يؤمن البعض ويرفض البعض الآخر؟ 7-بدون الدخول في رد تفصيلي على الافتراضات السابقة, نرى أنها غير صحيحة بالمرة وأن الذي مات على الصليب وقام من الأموات منتصراً هو المسيح وليس سواه (41) المسيح قادم. ص18-32. (42) التجسيد: هو قدرة الأرواح على التجسد في حضرة الوسيط, وتكون غالباً الجلسة في الظلام حتى يمكن سحب أكبر كمية من الأكتوبلازم فالروح يمكنها إذا أعملت فكرها أن تشكل وتكون ذلك الأكتوبلازم حتى يصبح شبيهاً لها عندما كانت في الدنيا. المرجع السابق. ص69. (43) الطرح الروحي: هو قدرة الشخص على طرح روحه إلى أي مكان آخر, إما بإرادته أو بغير إرادته, وقد يراه أو يسمعه بعض الناس في المكان الجديد, بينما يكون جسده موجوداً في مكانه الأول. المرجع السابق. ص71 (44) قيامة المسيح. حقيقة أم خدعة. للمؤلف. ص109-129. (45) موت أم إغماء. للمؤلف. ص38-43. (46) انظر شروط الجلسة الروحية في كتاب "تحدث مع الأرواح بعشر طرق". د.علي عبد الجليل راضي. (47) مشاهداتي في جمعيات لندن الروحية. د.علي عبد الجليل راضي. دار الفكر الحديث. ص16, 23, 24, 34, 35, 67, 151. |
رد: من هو المصلوب
القول بصلب شيطان متجسد
قال البعض افتراض خيالي وغير منطقي: "يحتمل أن الله صور لهم شيطاناً أو غيره بصورته وصلبوه, ورفع المسيح"[1] وهذا افتراض لا يستحق أن نضيع الوقت في الرد عليه, ولكننا نذكره هنا لتكون الصورة واضحة أمام القارئ. (48) الأجوبة الفاخرة. شهاب الدين أحمد بن ادريس القرافي. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان. ص58 وانظر أيضاً: 1-مناظرة في الرد على النصارى فخر الدين الرازي. تحقيق د.عبد المجيد النجار. دار الغرب الإسلامي. سنة 1986. ص49. 2-الإعلام للقرطبي. تحقيق د.أحمد حجازي السقا. ص416. |
رد: من هو المصلوب
نبوات العهد القديم
الأدلة على أن المصلوب هو المسيح في هذا الفصل سوف نناقش الأدلة على أن المصلوب هو المسيح وهي تشمل: 1-نبوات العهد القديم 2-نبوة سمعان الشيخ 3-قول يوحنا المعمدان 4-شهادة المسيح 5-أحداث القبض على المصلوب 6-شهود العيان 7-أقوال المصلوب 8-الأدلة التاريخية وبعض الشهادات المؤيدة لصلب المسيح 1-نبوات العهد القديم: لقد سبق لنا ودرسنا النبوات التي جاءت عن المسيح في العهد القديم. وهنا سوف نقدم دراسة مختصرة لنبوءة واحدة فقط, ومنها نرى أن المصلوب هو المسيح وليس شخص آخر. جاء في دانيال9 "وبينما أنا أتكلم وأصلي وأعترف بخطيتي وخطية شعبي إسرائيل. وأطرح تضرعي أمام الرب إلهي عن جبل قدس إلهي. وأنا متكلم بعد بالصلاة وإذا بالرجل جبرائيل...تكلم معي وقال: يا دانيال إني خرجت الآن لأعلمك الفهم. في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب.فتأمل الكلام وافهم الرؤيا: سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة. لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً, يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة ويعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة" دا 9: 20-26. وقد فسر جوش مكدويل هذه النبوءة كمايلي: كلمة أسبوع في العبرية تعني "سبعة" وعلى هذا فإن سبعين أسبوعاً هي سبعين سبعة. وكان اليهود يتحدثون عن أسبوع أيام أو أسبوع سنين (لا 25: 2-8) وهناك ما يجعلنا نقرر أن أسابيع دانيال هي أسابيع سنين: أ-كان دانيال يفكر في أسابيع السنين في أوائل هذا الإصحاح (9: 1-2). ب-كان دانيال يعلم أن السبي البابلي مبني على كسر سنة اليوبيل, ولما كان اليهود في السبي 70 سنة, فيكون كسرهم لليوبيل 490 سنة (لا 26: 32-35، 2أخ 36: 21، دا 9: 24). ج-تشير القرينة إلى أن المقصود هنا سنوات. د-في دا 10: 2-3 يتحدث دانيال عن (ثلاثة أسابيع أيام) فلو أنه قصد هنا أسابيع أيام لقال ذلك. ﻫ-في وسط الأسبوع (آية27) تظهر أن المقصود ثلاث سنوات ونصف.
ب-ارتقى أرتحشستا العرش عام 465ق.م, وعلى هذا فإن نحميا 1: 2 يكون في 445ق.م. ج-عندما لا يحدد الكاتب العبري يوم الشهر يكون المقصود عادة اليوم الأول من الشهر. د-يكون اليوم بحسابنا هو 14مارس 445ق.م وقد استغرق إعادة المدينة 49سنة (آية25), وجاء آخر نبي في العهد القديم (ملاخي) 49سنة بعد عام 445ق.م وهكذا نجد أن التسعة والستين أسبوعاً: أ-69أسبوع×7سنوات×360يوم =173880يوم ب-173880يوماً من مارس 445ق.م تعطي تاريخ 6أبريل عام 32م. قال السير روبرت أندرسن, بعد حسابات كثيرة إن 10نيسان في التقويم اليولياني هو 6أبريل 32م.فما هي المدة بين إصدار الأمر بإعادة بناء أورشليم وبين مجيء المسيح الرئيسي أي بين سنة 455ق.م و32م؟ إنها بالضبط 173880يوماً أي 69أسبوعاً.وهناك برهان من تقويمنا: من445ق.م إلى 32م 476(1ق.م إلى 1سنة واحدة) 476×365يوم 173740يوم إضافة السنوات الكبيسة 116يوم 14مارس إلى 6أبريل 24يوم المجموع 173880يوم حادثتان هامتان حدثتا بعد الـ69 أسبوعاً وقبل السبعين: 1-قطع المسيح الرئيس (صلبه) 2-خراب المدينة والقدس "دمر تيطس أورشليم عام 70م"[1] من هذه النبوة نرى: 1-إن الذي صلب هو المسيح وليس يهوذا 2-إن ميعاد صلب المسيح يتوافق تماماً مع التاريخ الذي حددته النبوة فإذا كان المعيار الصحيح والمقبول في أصول البحث للكشف عن الحقيقة بين صلب المسيح أو عدم صلبه هو ما ورد عن ذلك في نبوات العهد القديم.[2] فهذه النبوة وحدها برهان على صلب المسيح, لأنها تخبر بصلب المسيح وتطابق التوقيت يعني أن المصلوب هو المسيح وليس شخصاً آخر. (1) برهان يتطلب قراراً. جوش مكدويل. ص204-206 ولقد ناقش هذه النبوة كثير من الكتاب ويمكن الرجوع إلى : أ-قضية الصليب. عوض سمعان. ص81 ب-المسيح في جميع الكتب. أ.م هودجكن. دار النفير. لبنان. ص322-323 ج-رب المجد. مجموعة من اللاهوتيين. دار النفير.لبنان. ص186 د-صوت من الأنقاض. أرل البررويل. مطبعة الشرق الأوسط. لبنان. ص43 (2) دعوة الحق. ص36 |
رد: من هو المصلوب
نبوة سمعان الشيخ
في لو 2: 25-35 "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب. فأتى بالروح إلى الهيكل وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس. أخذه على ذراعيه وبارك الله وقال: الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام, لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل. وكان يوسف وأمه يتعجبان مما قيل فيه. وباركهما سمعان وقال لمريم أمه: ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم. وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف لتعلن أفكار من قلوب كثيرة". توضح النبوة هنا أن العذراء مريم سوف يجوز في نفسها سيف. والسيف هنا تعبير عن الحزن. فقد جاء في الترجمة العربية الجديدة "وأما أنت فسيف الأحزان سينفذ إلى قلبك"[1] وقد يعني السيف هنا الألم[2]. كانت هذه نبوة بما سوف تجتاز فيه العذراء مريم من أحزان وآلام عندما ترى المسيح معلقاً على الصليب. وهذا يوضح أن المصلوب هو المسيح وليس شخصاً آخر وقد كانت العذراء مريم شاهدة لحادثة صلب المسيح, ومن موضع قريب جداً. وقد تحدث معها المسيح على الصليب وقال لها عن يوحنا:"هوذا ابنك...ومن تلك الساعة أخذها التلميذ (يوحنا) إلى خاصته" يو 19: 21. وبالطبع لا يمكن أن تخطئ أم في التعرف على ابنها. هذا يؤكد أن المصلوب هو المسيح. (3) الترجمة العربية الجديدة. دار الكتاب المقدس بلبنان. ط1. سنة 1983. (4) and pain like a sword, will go through your soul too.(B.e.ck) |
رد: من هو المصلوب
قول يوحنا المعمدان
يو 1: 35-36 "وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه, فنظر يسوع ماشياً فقال: هوذا حمل الله". يبدو أن المصدر الحقيقي لهذا الوصف هو المكان الذي يشغله الحمل في الذبائح حسب الشريعة إذ كان يقدم "خروف حولي"[1](أي حمل ابن سنة) للمحرقة اليومية صباحاً ومساءً (عدد 28: 3-10). ولم يكن هذا بالأمر الغريب على يوحنا المعمدان الذي ولد في أسرة كهنوتية ... كما أن حمل الفصح كانت له أهمية بالغة في ذهن اليهودي المتعبد، وحيث أن الفصح كان قريباً, فلعل يوحنا كان يشير إلى حمل الفصح. إن أهمية العبارة بالنظر إلى الذبائح تبدو أكثر احتمالاً من مجرد مقارنة صفات الرب يسوع بوداعة الحمل ورقته, كما يبدو ذلك أيضاً في كلام الأنبياء الذي يتضمن في حقيقته ما هو أكثر من مجرد الإشارة إلى هذه الصفات. ويبدو أيضاً أن هذا هو المفهوم الذي استقر في أذهان الرسل,كما نرى في رسائل الرسول بولس "لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا" 1كو 5: 7. والرسول بطرس "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء, بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب. ولا دنس دم المسيح, معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم, ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" 1بط 1: 18-20. وترد الإشارة إلى الحمل في سفر الرؤيا 27 مرة, وقد رأى المفسرون في كلمات يوحنا أنه كان يشير إلى إش 53: 7, أو حمل الفصح, أو ذبيحة الخطية. ولم يكن يوحنا ليستخدم كلمة "حمل" دون الإشارة إلى قوة الذبيحة الكفارية, فلا بد أنه كان في ذهن المعمدان مضمون الكفارة, وبخاصة عندما نسترجع عبارات إشعيا[2], فعندما يقول يوحنا المعمدان عن المسيح "إن حمل الله" فهو بذلك يخبر عن موته الكفاري على الصليب. وهو بذلك يؤكد أن المصلوب هو المسيح وليس شخصاً آخر. (5) لقد كان تقديم الحمل كذبيحة في العهد القديم رمزاً للمسيح, وحمل الفصح هو رمز للمسيح فصحنا الذي ذبح لأجلنا" 1كو 5: 7. (6) دائرة المعارف الكتابية. جـ2. ص165-166. |
رد: من هو المصلوب
شهادة المسيح
سبق لنا دراسة هذا الموضوع في كتب سابقة[1] وكما أوضحنا فيها. فلقد شهد المسيح لحقيقة موته الفدائي على الصليب (مت 20: 18, 19, 28, يو 3: 14-17, يو 6: 15) وقد أخبر تلاميذه عن موته عديداً من المرات (مت 16: 21, مت 17: 9, 22, مت 20: 17-19) بل لقد أكد المسيح موته على الصليب وليس بأي وسيلة أخرى رغم أن عقوبة الصلب لم تكن عقوبة يهودية (يو 3: 14, يو12: 32-33). ليس هذا فقط بل أن المسيح أعلن ساعة موته (لو 7: 6-9, لو 13: 1). فنحن هنا أمام احتمالين: أ-إما أن المسيح قد أعلن كل هذا وقد تم حرفياً بالقبض عليه وصلبه. ب-أو أن المسيح قد أعلن كل هذا ولم يتم وفي هذا يكون المسيح غير صادق في إعلاناته وهذا بالطبع محال, وبالتالي يكون المسيح قد أعلن عن موته الفدائي وكيفية هذا الموت على الصليب فلا بد أن يكون المصلوب هو المسيح وليس أي شخص سواه. ولقد أكد المسيح حقيقة موته هو وليس آخر بعد قيامته من الموت لتلميذي عماوس (لو 24: 35-37) وفي حديثه أيضاً مع تلاميذه (لو 24: 44-46). جـ-قيامة المسيح من الموت وظهوراته المختلفة لمريم المجدلية (مر 16 :9), وللنسوة الراجعات من عند القبر (مت 28: 19-24), ولبطرس (لو 24: 34), ولتلميذي عماوس (لو 24: 13-33) وللتلاميذ ( يو 20: 19-24, 26, 29), وللتلاميذ أيضاً على بحيرة طبرية ( يو 21: 1-32). وليعقوب (1كو 15: 17) ولأكثر من خمسمائة أخ (1كو 15: 17). هذه الظهورات تؤكد أن الذي صلب هو المسيح وليس آخر, لأنه لو كان شخصا آخر لما قام من الموت ولما ظهر لتلاميذه ولكن لأنه المسيح الذي سبق وتنبأ بقيامته, فقد تمم نبوته وقام وظهر لهم. (7) أنظر: أ-موت المسيح حقيقة أم افتراء. ص61-67. ب-موت أم إغماء. ص38-43. |
رد: من هو المصلوب
أحداث القبض على المصلوب
إذ نسجل هنا حادثة القبض على المصلوب, نجد من خلال أقواله وأعماله أوضح البراهين على أن هذا الشخص هو المسيح, وليس أي شخص آخر (مت 26: 45-56) بعد صلاة المسيح في جثسيماني " جاء إلى تلاميذه وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا. هوذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة, قوموا ننطلق.هوذا الذي يسلمني قد اقترب. وفيما هو يتكلم إذ يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً: الذي أقبله هو هو . أمسكوه. فللوقت تقدم إلى يسوع وقال: السلام يا سيدي, وقبله فقال له يسوع: يا صاحب لماذا جئت؟. حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه. وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه لأن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون, أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. فكيف تكتمل الكتب؟ أنه هكذا ينبغي أن يكون في تلك الساعة قال يسوع للجموع: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني, كل يوم كنت أجلس معكم أعلم في الهيكل ولم تمسكوني. وأما هذا كله فقد كان لكي تكمل كتب الأنبياء. حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا" (مر 14: 41-50, لو 22: 46-53, يو 18: 1-11). وفي لو 22: 51 " فأجاب يسوع وقال دعوا إلى هذا ولمس أذنه وأبرأها". وفي يو 18: 7-11 "فسألهم أيضاً من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري. أجاب يسوع: قد قلت لكم إني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتم القول الذي قاله إن الذي أعطيتني لم أهلك منهم أحداً, ثم إن سمعان بطرس كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى. وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد, الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها". من النصوص السابقة نرى: 1-إن المسيح يعلن أن ساعته قد اقتربت, وأنه سوف يسلم إلى أيدي الخطاة, ويعلن أن الذي سوف يسلم هو ابن الإنسان[1], وهو لقب المسيح المفضل لنفسه, و هذه نبوة من المسيح أن المصلوب هو نفسه,ولا يمكن أن يكون المسيح كاذباً. 2-عندما قبض عليه, واستل بطرس سيفه, قال له: رد سيفك إلى الغمد، وهذا برهان على أنه هو المسيح الذي كانت دعوته تحض على محبة الأعداء وعدم مقاومة العنف بالعنف. ولو أنه شخص آخر غير المسيح، ووجد من يدافع عنه ويمنع أعداءه من القبض عليه فهل كان ينهره ويحذره ويمنعه من الدفاع عنه؟ بالطبع كلا. 3-قوله لبطرس: أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. وهذا يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح الذي تحدث كثيراً عن الله كأبيه. وهل لو كان هذا المقبوض عليه هو يهوذا, والذي يقف الآن موقف الخيانة يستطيع أن يقول عن الله أنه أبوه. 4-قوله لبطرس أيضاً: "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها" يو 18: 11. وهذا هو نفس القول الذي قاله المسيح في صلاته في البستان قبل مجيء الجنود للقبض عليه. مما يؤكد أن المقبوض عليه هو ذات الشخص أي المسيح. 5-قوله للذين أتوا للقبض عليه: "كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني كل يوم كنت أجلس معكم أعلم في الهيكل ولم تمسكوني" وهذا برهان على أنه المسيح. فكم من المرات كان في الهيكل محاوراً ومعلماً وشافياً لمرضاهم (مت 13: 54, لو 4: 16, يو 7: 18, يو 8: 2, يو 10: 22-23). فهل غير المسيح كان لهم معلماً بهتوا من تعليمه "لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت 7: 29). وهل لو كان المقبوض عليه أي شخص آخر (يهوذا أو واحد من التلاميذ) كان يستطيع أن يقول مثل هذا القول؟ 6-قوله للذين أتوا للقبض عليه "إني أنا هو, فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون" (يو 18: 8). فهو هنا لم يهتم بنفسه, لأن كان عارفاً أن ساعته قد أتت, وأراد أن ينقذ تلاميذه من يد الأعداء, وليتم ما سبق وتنبأ به في يو 17: 12. " الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك". وهو بذلك يقصد تلاميذه, فهل يستطيع آخر أن يقول مثل هذا القول؟ أنه المسيح فقط الذي اهتم بالآخرين حتى في وقت محنته, وهو الذي أعطاه الآب هؤلاء التلاميذ. 7-بعد أن ضرب بطرس عبد رئيس الكهنة بسيفه فقطع أذنه, قال المسيح: دعوا إلي هذا ولمس أذنه وأبرأها. لو 22: 51. وهذا عمل لا يقدر عليه سوى المسيح فهو صاحب المعجزات, الذي شفى مرضى وأقام موتى. وهنا نتساءل هل لو كان هذا الشخص هو يهوذا أكان يستطيع أن يقوم بهذا العمل المعجزي؟ مما يؤكد أن هذا الشخص لا يمكن أن يكون إلا المسيح. إن أقوال وأعمال الشخص المقبوض عليه تؤكد أنه المسيح, وأنه لم يهرب أو يرفع حتى تم القبض عليه. ثم تأتي بعد ذلك أقواله أثناء المحاكمة وعلى الصليب لتؤكد هذه الحقيقة أيضاً.
وهذا بالطبع غير صحيح لما يلي: 1-المسيح شخصية معروفة. وقد قال للذين أتوا للقبض عليه "كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني. كل يوم كنت أجلس معكم في الهيكل ولم تمسكوني" مت 26: 55. فالمسيح الذي صنع المعجزات وأطعم الآلاف الذين سمعوه في وعظه والذي كان كثيراً في الهيكل معلماً, لا يمكن أن يكون شخصية نكرة غير معروفة حتى يحدث الالتباس ويتم القبض على شبيه له. 2-إن يهوذا أيضاً شخصية معروفة على الأقل للكهنة وللجنود الذين قادهم للقبض على المسيح فحدوث الالتباس والخلط والخطأ أمر مستحيل. 3-هذه الليلة, هي ليلة الفصح ويحتفل بها في منتصف شهر نيسان (شهر قمري) أي أن البدر في كامل إضاءته. وإذا فرضنا أنهم قد جاؤوا في وقت متأخر فالكتاب يوضح أنهم "جاؤوا إلى هناك بمشاعل ومصابيح" أي أن دعوى القبض عليه في ليلة مظلمة وأن هناك احتمال للقبض على آخر, ادعاء غير صحيح بالمرة فإن أقوال وأعمال الشخص المقبوض عليه تؤكد أنه المسيح. (8) "أما عبارة ابن الإنسان فتعبير اختص به عيسى (ع)" د.فؤاد حسنين علي. التوراة الهيروغليفية. دار الكتاب العربي. ص179. |
رد: من هو المصلوب
شهود العيان
"تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة" مت 18: 16. وأيضاً 2كو 13: 1. وفي إثباتنا لحقيقة أن المصلوب هو المسيح نقدم عدة شهود لحوادث الصلب المختلفة من ساعة القبض على المصلوب حتى بعد قيامته من الموت: أ-شهود العيان أثناء القبض على المسيح: كان التلاميذ مع المسيح في البستان عندما جاء الجنود للقبض عليه (مت 26: 45-50) وقدم المسيح نفسه للجنود طالباً منهم أن يدعوا تلاميذه يذهبون (يو 18: 8-9). ونرى في المشهد بطرس يستل سيفه ويقطع أذن عبد رئيس الكهنة (يو 18: 10) فالتلاميذ الذين سجلوا لنا فيما بعد في الأناجيل والرسائل كانوا شهود عيان لعملية القبض على المسيح. فكيف نشكك في شهادة شهود العيان ونصدق أقوالاً تقال بغير دليل. ونجد في المشهد أيضاً يهوذا, التلميذ الخائن يقود شرذمة من الجنود للقبض على المسيح, ولست أدري كيف تحول المرشد والدليل إلى شخص مقبوض عليه,إنه لشيء مستحيل أن يخطئ الجنود فيقبضون على يهوذا بدلاً من المسيح. ب-شهود العيان أثناء المحاكمة: 1-التلاميذ: بعد القبض على المسيح اقتادوه إلى دار رئيس الكهنة, وقد ذهب إلى هنا تلميذ كان محبوباً ومقرباً لدى المسيح وهو يوحنا وكان معروفاً عند رئيس الكهنة (يو 18: 15). وأيضاً بطرس وقد تبعه من بعيد. فوجودهما يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح. وقد قال يوحنا "الذي رأيناه بعيوننا,الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو 1:1) وقد نظر المسيح إلى بطرس بعد أن أنكره نظرة عتاب فخرج إلى الخارج وبكى بكاء مراً (مت 26: 75). فلو أن المقبوض عليه كان شخصاً غير المسيح, ما الذي يدفع بطرس إلى البكاء, وهل عندما التقت العيون, لم يكن في إمكان بطرس أن يتعرف على هذا الشخص لو لم يكن هو المسيح. ولا سيما أن يهوذا شخص معروف لديه. وهل لم يكن لدى يوحنا التلميذ المحبوب والذي كان قريباً جداً منه قدرة على تمييز شخصه. 2-رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ: كان المسيح في الهيكل, عديداً من المرات محاوراً ومعلماً وموبخاً. وهذا يؤكد أنه كان شخصية معروفة لدى الكثيرين منهم, وحيث أن المسيح قد حوكم لفترة طويلة أمامهم فلو أن هذا الشخص لم يكن المسيح لأمكنهم اكتشاف ذلك بسهولة. 3-الشهود الذين شهدوا عليه زوراً: عند محاكمة المسيح "تقدم شاهدا زور وقالا: هذا قال إني أقدر أن أنقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه" (مت 26: 60-61). ومما لاشك فيه أن هذين الشاهدين قد سمعا يسوع في الهيكل عندما تفوه بهذا القول ولكنهما شوَّها هذا القول وقدماه بما يخدم الاتهام المطلوب. ورغم هذا فقد عرفا المسيح وسمعاه, فإذا لم يكن هو الماثل أمامهما, لكانا قد عرفاه. جـ-شهود عيان لأحداث ما قبل الصلب: بعد المحاكمة الدينية أمام حنان وقيافا والسنهدريم, ثم المحاكمة المدنية أمام بيلاطس, صدر الحكم بصلب المسيح, وهناك عدة أمور قد حدثت منها نستطيع أن نعرف شخص المصلوب: أ-طبقاً لقانون الجزاء الروماني كان المصلوب يحمل آلة عذابه وموته, ويُطاف به وهو حامل صليبه في شوارع المدينة ليكون عبرة للآخرين[1]. وقد أخذوا المسيح ومضوا به "فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة .... حيث صلبوه... وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب وكان مكتوب يسوع الناصري ملك اليهود. فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود, لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة. وكان مكتوباً بالعبرانية واليونانية واللاتينية" يو 19: 17-20. من هنا نرى أن المسيح, وهو حامل صليبه إلى خارج المدينة (عب 13: 12) رآه الكثيرون ومن المؤكد أن بعضهم قد عرفه وتعرف عليه, ثم أن المكان الذي صلب فيه كان قريباً من المدينة, فهل عميت عيون الجميع فلم يعرفوا هل هذا يسوع المسيح أم يهوذا الاسخريوطي؟ ب-النسوة الباكيات على المصلوب: وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كنَّ يلطمن أيضاً وينحن عليه, فالتفت يسوع وقال: يا بنات أورشليم لا تبكين علي بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن... لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس" (لو 23: 27, 28, 30).
-ما قاله الشخص المصلوب هنا هو نبوة عن خراب أورشليم بعد أربعين سنة وكما كان الرومان آلة بيد اليهود لموت المسيح (العود الرطب), سيكون الرومان انفسهم أيضاً آلة بيد الله للانتقام وإحراق العود اليابس (اليهود). د-شهود الصلب: كان عند الصليب أحباء المسيح وأعداؤه, وهم شهود عيان لما حدث. أ-تلاميذه وأحباؤه: "كانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية, فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً, قال لأمه: يا امرأة هوذا ابنك ثم قال للتلميذ: هوذا أمك ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته" (يو 19: 25-27). فإذا جاز الخطأ والاشتباه على الغرباء, فهل يجوز على الأقارب والأحباء؟ هل يجوز الخطأ على العذراء مريم, فلا تتعرف على ابنها؟ أعتقد أن هذا مستحيل, ويوحنا وقد كلمه المصلوب وأسلمه أمه, يسجل لنا كشاهد عيان لموت المسيح على الصليب, وهذا القول "والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم" (يو 19: 35). ب-شهود عيان آخرون للصليب: 1-الكهنة والكتبة والمارة والمجدفون: "كان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رأسهم قائلين: ياناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب. وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين أما نفسه فلا يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به" (مت 27: 39-42, وأيضاً مر 15: 29-31, لو 23: 35-37). فهل لم يتصادف أن يكون بين هؤلاء شخص واحد يستطيع أن يتعرف على المصلوب إذا لم يكن هو المسيح؟ 2-قائد المئة والذين معه من الجنود: هل لم يكن أحد منهم بالمسيح عارفاً, إن قائد المئة عندما رأى ما رافق الصليب من أحداث, ارتبطت بشخص المسيح قال: "حقاً كان هذا ابن الله" متى 27: 54.
"كانت العادة عند اليهود, كما كانت عند سائر الشعوب القديمة, أن يعطى المحكوم عليه بالموت شراباً مخدراً, يلطف من ألمه, ذلك هو الشراب الذي ذكره متى, أن المسيح ذاق ولم يرد أن يشرب, لأنه أخذ على نفسه أن يشرب الكأس التي أرادها له الآب لتكون الفداء"[3]. ويصور جيم بيشوب هذا الموقف بأسلوبه الرائع قائلاً: "وقبل أن تبدأ عملية الصلب, اخترقت جماعة من النسوة اللاتي ينتمين لهيئة الإسعاف والرحمة, وهن يحملن إبريقاً من رحيق مخدر وبضع كؤوس. ولقد كانت هذه هي إحدى عمليات الرحمة, التي يسمح بها الرومان لأولئك الذين على وشك الموت .... واتجهت جماعة النسوة إلى الأسير الأوسط, يسوع وصببن الخمر له في الكأس, ونظر السيد بتقدير إلى عواطف أولئك النبيلات, وإلى دموعهن السائلة, وإلى عمل الرحمة الذي يتقدمن به, ولكنه هز رأسه ولم يشأ أن يذوق شيئاً, لقد فضل أن يتجرع كأس الألم حتى الثمالة, دون أن يخفف ذرة من أثرها المرير"[4] فالمصلوب لم يشرب لأنه المسيح, ولو كان يهوذا أو آخر لشرب وطلب المزيد ليشرب ليخفف من آلامه. هـ-شهود العيان لعملية الدفن: بعد موت المسيح تقدم يوسف الرامي وطلب جسد المسيح لتكفينه ودفنه (مر 15: 42-43) وكانت الشريعة الرومانية تبيح أن تعطى أجساد المحكوم عليهم لمن يطلبها ليقوم بدفنها وأخذ يوسف الرامي ونيقوديمس جسد يسوع ولفاه في أكفان مع أطياب وحنوط وتم دفن الجسد في قبر يوسف الرامي (مت 27: 57-61, مر 15: 42-47, لو 23: 50-56, يو 19: 38-42) فهل هذان أيضاً عميت عيونهما فلم يفرقا بين المسيح ويهوذا أم أنهما اشتركا في الخدعة وقاما بتكفين جسد يهوذا على أنه هو المسيح, إن الصفات التي ذكرت عنهما في الكتاب تجعلهما بمنأى عن هذه الشبهات. فيوسف الرامي, تلميذ ليسوع (مت 27: 57) وهو مشير شريف (مر 15: 43) كان رجلاً صالحاً باراً (لو 23: 50), أما نيقوديمس فهو فريسي رئيس لليهود ومعلم إسرائيل (يو 3: 1, 10).
التعليق: 1-بالنسبة ليوسف الرامي فإنه كان تلميذاً للمسيح في السر, والإيمان في السر لا يعني عدم معرفة المسيح جيداً ولكن هو إخفاء هذا الإيمان وعدم إعلانه لأسباب خاصة (الخوف من اليهود). 2-وبالنسبة لنيقوديمس فكون أن الكتاب لم يذكر أنه قابل المسيح مرة ثانية وثالثة, فهذا لا ينفي حدوث لقاءات أخرى, وكونه قابل المسيح مرة واحدة فهذا لا يعني أن معرفته به قليلة, لأن من الممكن عملياً أن ترى شخصاً مرة واحدة ولا تمحى صورته من الذاكرة. ثم أن المسيح كان مرات عديدة في الهيكل معلماً (لو 14: 15, 19: 47, 21: 37-38) وقد قال بنفسه للذين جاؤوا للقبض عليه "كنت معكم كل يوم في الهيكل" لو 22: 53, وهذا يؤكد أنهما ربما كانا يريان يسوع كثيراً في الهيكل. أي أنهما يعرفانه حق المعرفة وقد قاما بعملية التكفين, أي نظرا يسوع عن قرب وتأكدا أنه هو. مما يؤكد أن الشخص الذي مات على الصليب هو المسيح. و-شهود العيان لظهورات المسيح بعد القيامة من الموت: لو كان المصلوب هو يهوذا أو أي شخص آخر, لم يكن هناك قيامة من الموت إلا يوم البعث والحساب, ولكن لأن المصلوب هو المسيح الذي سبق وأعلن لتلاميذه مرات أنه سوف يصلب وفي اليوم الثالث يقوم (مت 16: 21, 17: 9, 20: 17-19, يو 2: 18-20). فقد قام من الموت (مت 28: 6-7, مر 16: 6, لو 24: 7, يو 20: 9) وقد شهد لحقيقة قيامته كثيرون[6]. فقيامة المصلوب من الموت وظهوره لشهود عيان كثيرين يعرفونه جيد المعرفة يؤكد أن المصلوب هو المسيح. إن شهادة شهود العيان من أقوى البراهين على أن المصلوب هو المسيح, وقد كان لنا في مراحل القبض والمحاكمة والصلب والقيامة شهود كثيرون, ولكن كما هي العادة عند غير المؤمنين بصلب المسيح التشكيك في أوضح البراهين. وما نستطيع أن نقوله: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. (9) يسوع المسيح. حياته ورسالته وشخصيته. الياس نجمة. ص360-361. (10) كانت في أورشليم هيئة من السيدات النبيلات, وظيفتها القيام بأعمال الرحمة, وإغاثة المنكوبين, فهن يقدمن الهدايا للفقيرات, ويقمن بعيادة المرضى, ويواسين المصابين, ويسكبن الدموع مع الحزانى الباكين. ولقد كان من بين المتفرجين, جماعات من أولئك النسوة وحينما مر السيد أمامهن, بمظهره الذي يفتت الأكباد, انفجرن جميعاً في البكاء بصوت عالٍ ... وتوقف يسوع عن السير ونظر إليهن, نظرة عطف وقال: "يا بنات أورشليم.." (لو 23: 28-31). إن يسوع بالرغم من سحابة الألم التي تطغى عليه, ما زال هو النبي العظيم الذي يحتفظ بإنذاراته. ساعة بساعة اليوم الذي صلب فيه المسيح. ص24. (11) يسوع المسيح. الياس نجمة. ص362. (12) ساعة بساعة اليوم الذي مات فيه المسيح. ص247-248. (13) عقيدة الصلب والفداء. ص65-70, 98. (14) سبق أن درسنا هذا بالتفصيل في كتاب "قيامة المسيح حقيقة أم خدعة" |
رد: من هو المصلوب
أقوال المصلوب
من خلال الأناجيل الأربعة نجد أن المصلوب قد تفوه بسبعة أقوال وهو على الصليب, ويرى المفسرون أنها في الغالب قيلت على النسق التالي: أ-قبل الظلمة: 1-طلبة لأجل أعدائه: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" لو 23: 24. 2-قوله للص: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس" لو 23: 43. 3-قوله للعذراء مريم: "يا امرأة هوذا ابنك" ثم ليوحنا "هوذا أمك" يو 19: 26-27. ب-أثناء الظلمة: 4-صرخته إلى الآب: "إلهي إلهي لماذا تركتني" مت 27: 46, مر 15: 34. جـ-بعد الظلمة: 5-قوله: "أنا عطشان" يو 19: 28. 6-قوله: "قد أكمل" يو 19: 30. 7-قوله للآب: "في يديك أستودع روحي" لو 23: 46. وإذ نفحص هذه الكلمات نرى فيها أدلة واضحة على أن المصلوب هو المسيح: 1-الكلمة الأولى: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" لو 23: 34. هنا نرى أن المصلوب وهو في قمة الألم الجسماني. ومع ذلك لم يطلب لصالبيه الغفران فقط, وإنما التمس لهم عذراً... إنه لم يصب عليهم اللعنات, ولم يطلب النقمة منهم, بل أيضاً لم يصمت ويأخذ منهم موقفاً سلبياً, وإنما كان حبه إيجابياً من ناحيتهم, فطلب لهم المغفرة وقدم عنهم عذراً, مدافعاً عنهم أمام الآب السماوي, معلناً أن خطيئتهم هي مجرد جهل. قد تستطيع أن تغفر لإنسان أتعبك, أما أن يلفق إنسان حولك تهماً,ويحكم عليك ظلماً ويثير عليك الشعب والحكام, ويهزأ بك ويجلدك, ويعلقك على صليب, ويدق المسامير في يديك وقدميك, ثم بعد ذلك ... وأنت في عمق الألم, تستطيع أن تغفر له وتصلي لأجله وتدافع عنه. فهذا يحتاج إلى حب فوق الطاقة وفوق العادة[1]. فهل لو كان المصلوب أي شخص آخر غير المسيح يستطيع أن يفعل مثل هذا؟ إنها طبيعة المسيح هي التي أملت عليه هذا القول وجعلته ينسى آلامه الرهيبة ويتشفع من أجلهم وهو بذلك قدم مثالاً عملياً لتنفيذ وصاياه, فقد قال من قبل "أحبوا أعداءكم, باركوا لاعنيكم وأحسنوا إلى مبغضيكم, وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (مت 5: 44) فالمسيح هنا ينفذ بنفسه ما سبق أن أوصى به, وهذا يؤكد أن المصلوب هو المسيح. 2-الكلمة الثانية: عندما قال اللص للمسيح "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع: الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس" لو 23: 42-43. في هذه العبارة نرى: أ-اللص يكتشف أن المصلوب معه ليس شخصاً عادياً, بل هو المسيح مصلوباً بلا خطية. كيف عرف ذلك؟ لسنا ندري. هل عرف ذلك من شفاعته لصالبيه, أو من ملامحه ونظراته, أو لعل المسيح نظر إليه نظرة خاصة أعلنت له هذا. لسنا ندري ولكنه على أية حال أدرك حقيقة شخصية المسيح وعمله الخلاصي. فطلب منه أن يذكره في ملكوته وملكوته هنا يشير إلى مجده الملكي, عندما يذهب إلى عرشه ومملكته في العالم الآخر. ب-المصلوب بقوله للص: "اليوم تكون معي في الفردوس" فهو يعلن: ثقته في النهاية وهو هنا يعده بأنه سوف يدخل معه الفردوس في نفس اليوم, وكلمة الفردوس هنا تشير إلى مقر المباركين في العالم الآتي (2كو 1: 3, رؤ 2: 7)[2]. وقول المصلوب للص بأنه سيكون معه في الفردوس, يعني غفران خطاياه, وهنا يمارس المسيح سلطانه الإلهي في مغفرة الخطايا. فلو كان المصلوب هو يهوذا أو أي شخص آخر: -فمن أين جاءه اليقين في دخول الفردوس؟ وهو خائن قد باع سيده. -كيف له أن يعد شخصاً آخر بدخول الفردوس؟ وهو لا يملك هذا لنفسه. -من أين له سلطان مغفرة الخطايا حتى يتمكن اللص من دخول الفردوس؟ هذا يؤكد لنا أن المصلوب هو المسيح, لأنه واثق من النهاية, واستجاب لطلب اللص عندما عرف حقيقته ودعاه "يا رب" وفي الحال غفر خطاياه ووعده بأنه سيكون معه في الفردوس في نفس اليوم. 3-الكلمة الثالثة: عندما أوشك المسيح أن يفارق الحياة وهو على الصليب, أدار بصره فرأى أمه العذراء مريم وبدأ يفكر في الأيام الحزينة التي تنتظرها, ورأى بجوارها يوحنا تلميذه الذي يحبه فنظر إلى أمه مشيراً إلى يوحنا وقال: "هوذا ابنك", ثم نظر إلى يوحنا تلميذه مشيراً إلى أمه وقال: "هوذا أمك" (يو 19: 26-27). وهاتان العبارتان تؤكدان أن المصلوب هو المسيح: -لأنه من المؤكد أن العذراء مريم, لو كان المصلوب هو شخصاً آخر غير المسيح, لعرفت ذلك من شكله وصوته, حيث أنها كانت على مسافة قريبة جداً حتى تسمع هذا الكلام, وإذا أخطأ كل الناس في معرفة المسيح, فلا يمكن أن تخطئ العذراء في معرفة ابنها. وإلا فقل على كل عواطف الأمومة السلام. -لو كان المصلوب هو أي شخص آخر غير المسيح, لأمكن ليوحنا تلميذه المحبوب اكتشاف ذلك. -إذا كان المصلوب هو يهوذا, فما الداعي لأن يستودع العذراء مريم لدى يوحنا ويقول لها هوذا ابنك وهو يعلم أن المسيح ابنها مازال حياً. فالكلمة الثالثة تؤكد صحة دعوانا أن المصلوب هو المسيح. 4-الكلمة الرابعة: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" مت 27: 46. 5-الكلمة الخامسة: "أنا عطشان" يو 19: 30. سوف نناقشهما بالتفصيل فيما بعد. 6-الكلمة السادسة: "قد أكمل" يو 19: 30. قبل موته مباشرة, صرخ المسيح بصوت عظيم قائلاً: " قد أكمل". "إن كلمة قد أكمل في الأصل اليوناني كلمة واحدة (تيتلستاي Tetelestai) وهي تعني صرخة المنتصر, هي هتاف من أتم عمله, ومن فاز في المعركة, صرخة رجل خرج من الظلام إلى مجد الضياء وأمسك بالتاج. وهكذا مات يسوع منتصراً وصيحة الفائز على شفتيه. إنه لم يهمس بها بانكسار من يجتاز وادي الهزيمة, لقد هتف بها بفرحة من كسب الانتصار"[3]. لقد أكمل المسيح هنا عمل الفداء والكفارة. فلو كان المصلوب أي شخص آخر؟ فلماذا يقول قد أكمل, وما هو الشيء الذي أكمله؟ ومن أين له الفرح والانتصار وهو يوشك أن يفارق الحياة بميتة شنيعة؟ 7-الكلمة السابعة والأخيرة: قال المسيح: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" ثم نكس رأسه وأسلم الروح. وفي هذا النص نرى: أ-قول المصلوب "يا أبتاه" وهنا يرد المسيح على الذين كانوا يتحدونه قائلين: "إن كنت ابن الله انزل من على الصليب". فأثبت أنه ابن الله, ولكنه لم ينزل من على الصليب وإنما رفع الصليب إلى علو السماء. ب-إن هذه العبارة تعبر عن الثقة, حيث يستودع المسيح المصلوب روحه في يد الآب. جـ-نكس رأسه: في الأصل أسند رأسه, كمتعب, يسند رأسه على وسادة بعد رحلة شاقة مرة, إن المعركة بالنسبة ليسوع قد انتهت بالانتصار واختبر راحة من أكمل واجبه وأدى رسالته[4]. د-أسلم الروح: ليست هي العبارة المعتادة أن تقال عن موت إنسان ... فهي توضح أن في موت المسيح كان هناك أمر غير عادي على الإطلاق[5]. فهي تشير إلى فعل إرادي تم من المسيح أي أن "موته لم يكن نتيجة طبيعية أو إعياء, بل عملاً طواعياً, وبذلك كان فريداً. وقبل أن يصبح أي سبب طبيعي مميتاً. وفي اللحظة التي اختارها هو أسلم روحه, حتى أن بيلاطس تعجب أنه هكذا مات سريعاً (مر14)"[6]. فهل ينطبق هذا على يهوذا؟ هل يستطيع يهوذا في ذلك الموقف أن يخاطب الله يا أبتاه؟ وهل له من السلطان أن يسلم روحه في الوقت الذي يشاء. إنه المسيح الذي قال عن نفسه: "ليس أحد يأخذها مني, بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً" يو 10: 18. فكلمات المصلوب إعلان وبرهان لا يقبل الشك أو التأويل أنه هو المسيح. (15) كلمات السيد المسيح على الصليب. البابا شنودة الثالث. ص9, 10, 14. (16) التفسير الحديث: إنجيل لوقا. القس ليون موريس. ترجمة نيكلس نسيم. دار الثقافة. ص351-352. (17) شرح إنجيل متى. د.وليم باركلي. تعريب. د.القس فايز فارس. ج2. ص385 وشرح بشارة يوحنا. تعريب. د.عزت ذكي. ص57-58. (18) شرح يوحنا. ج2. ص508. (19) شرح إنجيل لوقا. القس لين. ص353. (20) تفسير الكتاب المقدس. جماعة من اللاهوتيين برئاسة د.فرنسس دافدسن ج5. ص164. *لقد سبق للمؤلف وقدم دراسة تفصيلية حول هذه الأدلة في كتاب "موت أم إغماء" |
رد: من هو المصلوب
الأدلة التاريخية وبعض الشهادات المؤيدة لصلب المسيح
1-المؤرخون الرومان واليونان مثل تاسيتوس في حولياته, ولوسيان في كتابه "موت بريجرينوس" شهدوا لموت المسيح على الصليب. وأيضاً شهادة الإمبراطور تراجان والفيلسوف الأبيقوري كلسوس. 2-المؤرخون اليهود, مثل يوسيفوس والتلمود وحاخامات اليهود شهدوا لحقيقة موت المسيح. 3-مؤرخو وآباء الكنيسة المسيحية في القرون الأولى أجمعوا على هذه الحقيقة. 4-قانون الإيمان المسيحي الذي وضعه 318 أسقفاً من جميع أنحاء العالم في سنة 325م جاء فيه "يسوع المسيح تأنس وصلب عنا في عهد بيلاطس البنطي وتألم وقبر, وقام من الأموات في اليوم الثالث, كما في الكتب المقدسة" وهنا سوف نقدم بعض الشهادات لحقيقة صلب المسيح. أ-ابن الراوندي[1]: "قال إن النبي دفع في وجه ملتين عظيمتين متساويتين اتفقنا على صحة قتل المسيح وصلبه فكذبهما وإن كان سائغاً أن يبطل ذلك الجمهور العظيم المتكاثر العدد وينسبها إلى الإفك والزور كان رد الشرذمة القليلة من نقلة هذه الأخبار عنه أمكن وأجوز"[2] وقد رد صاحب المجالس المؤيدة عليه. "موضوع كلام المتكلم في كون المسيح (ع) بشراً يأكل الطعام. في مضماره وجوب الموت والقتل عليه, وجميع ما يعرض للصور البشرية, قال القائل أم لم يقل. وفي مضمار قول القائل أنه كان إلهاًًًً نفى الموت والقتل عنه, قال القائل أم لم يقل. وقوله سبحانه "وما قتلوه وما صلبوه" إخبار عن حقيقة حاله أنه عند الله سبحانه حي مرزوق يوافق ذلك قوله في موضع "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" (سورة 3: 169). وهو كما قدمنا ذكره إخبار عن حقيقة حالهم دون مجازها والعقلاء يطلقون القول على العالم الفاضل العاقل أنه حي وإن كان ميتاً وعلى البليد الجاهل أنه ميتاً وإن كان حياً" (المجالس المؤيدية. ص79). ب-السهروردي[3] لما تكلم السهروردي في كتابه " التنقيحات في التواتر وشروطه في أصول الفتنة" تعرضت له قضية الصليب. فقال: "لو لم يصلب عيسى لم يبق على المحسوسات اعتماد"[4]. جـ-إخوان الصفا وهم "جماعة دينية, ذات صبغة شيعية متطرفة, وربما كانت إسماعيلية على وجه أصح, ظهرت في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). اتخذت البصرة مقراً لها. وأطلقوا على أنفسهم "إخوان الصفا" لأن غاية مقاصدهم كانت السعي إلى سعادة نفوسهم الخالدة. وجهودهم في التهذيب النظري أنتجت سلسلة من الرسائل, وقد جمعت هذه الرسائل ونشرت في القرن العاشر وهي تبلغ 51 أو 52 رسالة"[5].وقد جاء في أحد رسائلهم (الرسالة 44): "كان من سنة المسيح التنقل كل يوم من قرية إلى قرية من قرى فلسطين ومن مدينة إلى مدينة من ديار بني إسرائيل, يداوي الناس ويعظهم ويذكرهم ويدعوهم إلى ملكوت السموات, ويرغبهم فيها, ويزهدهم في الدنيا, ويبين لهم غرورها وأمانيها, وهو مطلوب من ملك بني إسرائيل وغوغائهم. وبينما هو في محفل من الناس, هجم عليه ليؤخذ, فتجنب من بين الناس فلا يقدر عليه ولا يعرف له خبر, حتى يسمع بخبره من قرية إلى أخرى, فيطلب هناك. وذلك دأبه ودأبهم ثلاثين شهراً. فلما أراد الله تعالى أن يتوفاه إليه ويرفعه إليه, اجتمع معه حواريوه في بيت المقدس في غرفة واحدة مع أصحابه وقال: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم, وأنا أوصيكم بوصية قبل مفارقة ناسوتي, وآخذ عليكم عهداً وميثاقاً, فمن قبل وصيتي وأوفى بعهدي, كان معي غداً, ومن لم يقبل وصيتي, فلست منه في شيء. فقالوا له: ما هي؟ قال: اذهبوا إلى ملوك الأطراف وبلغوهم مني ما ألقيت إليكم وادعوهم إلى ما دعوتكم إليه, ولا تخافوهم ولا تهابوهم, فإني إذا فارقت ناسوتي, فإني واقف في الهواء عن يمنة عرش أبي وأبيكم,وأنا معكم حيث ما ذهبتم, ومؤيدكم بالنصر والتأييد بإذن أبي, اذهبوا إليهم وادعوهم بالرفق, وداووهم وأمروا بالمعروف, وانهوا عن المنكر, ما لم تقتلوا أو تصلبوا أو تنفوا من الأرض. فقالوا: ما تصديق ما تأمرنا به؟ قال: أنا أول من يفعل ذلك وخرج من الغد وظهر للناس, وجعل يدعوهم ويعظهم, حتى أخذ وحمل إلى ملك بني إسرائيل, فأمر بصلبه, فصلب ناسوته وسمرت يداه على خشبتي الصليب, وبقي مصلوباً من ضحوة النهار إلى العصر, وطلب الماء فسُقي الخل, وطعن بالحربة, ثم دفن مكان الخشبة, ووكل بالقبر أربعون نفراً, وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه. فلما رأوا ذلك منه أيقنوا وعلموا أنه لم يأمرهم بشيء يخالفهم فيه, ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام في الموضع الذي وعدهم أن يتراءى لهم فيه. فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم, وفشا الخبر في بني إسرائيل أن المسيح لم يقتل, فنبش القبر فلم يوجد الناسوت"[6]. *شهادات أخرى 1-في مقالة تحت عنوان "الرسالة قبل الأخيرة لياسر عرفات" كتب د.سعد الدين إبراهيم "العالم كله يعرف أنهم متعطشون إلى دمائك, ويريدون أن يصلبوك, كما صلبوا المسيح, ويبتغون بذلك أن يصلبوا أمة بأسرها"[7]. 2-وهو يبث همومه لعصفور وقف على نافذة زنزانته, كتب الأستاذ مصطفى أمين: "لعل العصفور يطل في عيني ليرى أعماقي, ليرى مسيحاً مصلوباً بلا خطية, مشنوقاً بلا جريمة, معلقاً على مقصلة بغير ذنب"[8]. 3-كتب د.حسين فوزي النجار: "وضاق اليهود بالمسيح فوصموه بالكذب, وأنه تابع (بعزبول) الشيطان يدين بأمره ويتلقى المعجزة والوحي منه, ثم ائتمروا به حتى صلبوه"[9] (21) ابن الرواندي: أبو الحسين أحمد بن يحيى بن اسحق الرواندي, عاش في القرن الثالث الهجري. كتب كتاب "فضيحة المعتزلة" وكان تحليلاً نقدياً لمذهب المعتزلة من وجهة نظر الشيعة الرافضة, وجواباً على كتاب الجاحظ "فضيلة المعتزلة" وقد وصلتنا محتويات هذا الكتاب في الرد الذي عمله ابن الخياط. "الانتصار في الرد على ابن الرواندي" ط1 سنة 1925 للمستشرق هـ.س.نيبرج. مكتبة الخانجي. ط3 سنة 1988 "الانتصار والرد على الرواندي الملحد" تقديم ومراجعة محمد حجازي. مكتبة الثقافة الدينية. (22) مقالة تحت عنوان "ابن الرواندي لباول كروس. ترجمة د.عبد الرحمن بدوي في كتابه "من تاريخ الإلحاد في الإسلام" ط2. سينا للنشر. سنة 1993. ص107-108. نقلاً عن ص78 من المجالس المؤيدية. المجلس العشرون بعد المائة". -المجالس المؤيدية: للمؤيد في الدين هبة الله ابن أبي عمران الشيرازي الإسماعيلي, داعي الدعاة في عصر الخليفة المستنصر بالله. ولد في شيراز ثم رحل إلى مصر حيث أظهر نشاطاً عقلياً وسياسياً كبيراً في حوالي سنة 470هـ ثم توفي. وأهم كتبه "مجالسة" التي تبلغ ثمانية مجلدات, تحتوي على ثمانمائة مجلس. وهو عبارة عن محاضرات ألقاها في دار العلم بالقاهرة. -وبمثل ما يقول ابن الرواندي (إنكار التوتر والأجماع) يقمل محمد بن زكريا الرازي فيلسوف وطبيب وكيميائي مشهور "إن القرآن يخالف ما عليه اليهود والنصارى من قتل المسيح, لأن اليهود والنصارى يقولون أن المسيح قتل وصلب والقرآن ينطق بأنه لم يقتل ولم يصلب وأن الله رفعه إليه" نقلاً عن "إعلام النبوة" لأبي حاتم في رده على أبو زكريا الرازي. من تاريخ الإلحاد في الإسلام. هامش ص143. (23) السهروردي: هو أبو الفتوح يحيى بن حبش أميرك. ولقبه هو: شهاب الدين السهروردي الحكيم المقتول بحلب. ولد بسهرورد بين سنتي 1150-1151م بتلك القرية القريبة من زنجان من أعمال أذربيجان بالعراق العجمي, وعندما استقر بحلب حقد عليه الفقهاء, وتآمروا به حتى تم قتله بواسطة الملك الظاهر. في يوليو سنة 1191, وعمره ثمان وثلاثين سنة. له حوالي 48 مؤلف أشهرها "حكمة الاستشراق" دائرة المعارف الإسلامية. مجلد12. ط دار المعرف بيروت. تعليق د.مصطفى حلمي. ص300-301. (24) الانتصارات الإسلامية في علم مقارنة الأديان. للشيخ نجم الدين البغدادي الطوفي تحقيق أحمد حجازي السقا. ط1. سنة 1983. ص101. (25) دائرة المعارف الإسلامية. ط دار الشعب, مجلد2. ص452-454. (26) رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء. مجلد4. دار صادر بيروت. لبنان ص30-31. (27) جريدة الجمهورية. الخميس 8 يوليو سنة 1982. د.سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية. ومؤسس مركز ابن خلدون للدراسات. (28) سنة ثالثة سجن. للأستاذ مصطفى أمين. صحفي ومؤسس جريدة أخبار اليوم القاهرية. (29) أرض الميعاد. ط1. سنة 1959. مكتبة الأنجلو. ص15. |
رد: من هو المصلوب
نبوات سفر المزامير بنجاة المسيح من الموت
الرد على دعوى عدم صلب المسيح لماذا يرفض البعض قضية موت المسيح على الصليب ويحاولون أن يوجدوا براهين لهذا الرفض من خلال نصوص الكتاب المقدس؟ نجد الإجابة فيما كتبه د.محمد كامل حسين: "التعمق في بحث الحقائق الأبدية يدلنا على مواضع اتفاق بين الأديان يخفيها اختلاف التعبير، ويدلنا كذلك على مواضع اختلاف أعمق مما يبدو لأول وهلة، من ذلك الخلاف بين المسلمين والمسيحيين قي أمر المسيح، هل صلب حقاً أو شبه للناس أنهم قتلوه؟ والخلاف واضح، ولكنه لو كان خلافاً على حدث تاريخي لهان الأمر، والناس يختلفون في أمر الأحداث دون أن يثير فيهم هذا الخلاف شقاقاً كبيراً. وحقيقة الخلاف أن المسيحيين يؤمنون بالتكفير والفداء، وأصل ذلك أن يستشهد بريء طاهر فيحمل عن الناس خطاياهم. هذا هو لب العقيدة المسيحية. ومغزاها العميق حين يتحدثون عن الصلب. والمسلمون لا يروقهم الفداء ولا يؤمنون بالتكفير عن الذنوب بما يقع على غير المذنب وعندنا أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا نستطيع أن نتطهر بما لا نؤمن به. هذا هو المغزى العميق لما نشعر به من إنكار للصلب"[1] وفي الصفحات التالية سوف نناقش الأدلة التي يثيرها البعض على أن المصلوب ليس هو المسيح بل يهوذا أو أي شخص آخر اعتماداً على نصوص الكتاب القدس. 1- نبوات سفر المزامير بنجاة المسيح من الموت: كتب أحدهم: "إن نبوات العهد القديم هي معيار صحيح للكشف عن الحقيقة بين صلب المسيح كما يعتقد المسيحيون، وتخليص الله له ورفعه كما يعتقد المسلمون، وهي معيار صحيح ومقبول عند المسيحيين، ولا يقبل من المسلمين في أصول البحث رفضه. والتركيز على النبوات الواردة في سفر المزامير، باعتباره يتضمن أغلب النبوات الواردة عن المسيح هو أمر ملحوظ بصفة عامة في كتابات المسيحيين. ولهذه الأهمية البالغة لسفر المزامير بالنسبة للنبوات عن المسيح عند المسيحيين خاصة بالنسبة للنبوات عن صلبه، فإنه لزاماً علينا أن نجعل من سفر المزامير عماد بحثنا في هذا الشأن"[2] ثم قام الكاتب بدراسة مزامير 2، 4، 7، 9، 16، 18، 20، 21، 22، 27، 34، 35، 37، 41، 55، 57، 69، 91، 109، 118، 132 وخرج منها بنتيجة واحدة: وهي عدم صلب المسيح وصلب يهوذا. وكتب آخر تحت عنوان: تنبؤات المزامير بنجاة المسيح من القتل: "إن دراسة موضوع تنبؤات المزامير بنجاة المسيح من القتل تكفيه دراسة واحد أو أكثر من المزامير ولم نقصد بدراستنا لأربعة عشر مزموراً إلا مزيداً من التأكيد واليقين والمزامير المستخدمة تربو على الخمسين." ثم يختم الفصل بـ " الخلاص من المزامير" الخلاصة أن تنبؤات المزامير بالأحداث التي يتعرض لها المسيح تشمل سبعة عناصر، نذكرها بما يشهد لها من تلك المزامير. 1-يتآمر الرؤساء (الكهنوت اليهودي) على المسيح لقتله والتخلص منه. مز 2: 2-3، مز 31: 13، مز 7: 17، مز 17: 11. 2-يستخدم المتآمرون عميلاً من تلاميذ المسيح هو ذلك الشرير الخائن مز 41: 9، مز 55: 12-14، مز 37: 12، 32. 3-حين يستشعر المسيح الخطر، فإنه يفزع ويرتاع وتقرب به المحنة من حافة اليأس فيصرخ إلى الله طالباً النجاة وحفظ نفسه من القتل. مز 55: 5-6، مز 6: 2-5، مز 9: 13، مز 13: 3، مز 27: 9، مز 40: 6، مز 30: 9-10، مز 27: 7، 12، مز 35: 24-25. 4-يدعو المسيح على تلميذه الخائن بالهلاك. مز 109: 6-16، مز 17: 13، مز 55: 9، 3. 5-يستجيب الله دعاء المسيح لنفسه بالنجاة فتفشل المؤامرة ويحفظ الله عليه حياته. مز 41: 1-2، مز 33: 10-11، مز 9: 3-5، مز 56: 13، مز 20: 6، مز 21: 8، 11، مز 118: 5-8، مز 21: 4. 6-كما يستجيب الله دعاء المسيح على التلميذ الخائن، فتنقلب عليه مؤامراته، ويتجرع ذات الكأس التي شارك في تجهيزها لمعلمه. مز 7: 13-16، مز 57: 6، مز 6: 16، مز 37: 15. 7-وتكون وسيلة نجاح المسيح من القتل أمراً عجباً، إذ يرفعه الله إلى السماء فلا يمسه السوء. مز 91: 11-14، مز 57: 2-3، مز 27: 5، مز 31: 8، 2. تلك هي الحقيقة من المزامير وهي الحقيقة التي يجدها كل من يقرأ في المزامير واضحة كل الوضوح لا لبس فيها ولا غموض. حقاً نقول: لقد تنبأت المزامير بنجاة المسيح من القتل والصلب وتنبأت بهلاك يهوذا. هلاكاً وسيلته "آلة الموت" أو بالأحرى خشبة الصلب[3]. التعليق: نحن نتفق مع كاتبنا أن نبوات العهد القديم هي معيار صحيح للكشف عن الحقيقة بين صلب المسيح أو عدم صلبه. ولقد سبق لنا دراسة نبوات العهد القديم التي تؤكد موت المسيح وأوضحنا كيف نفهم ونفسر هذه النبوات. ونضيف هنا الملاحظات التالية: 1-لم يكن عمل الأنبياء الرئيسي التكهن بأحداث سوف تحدث في المستقبل البعيد بالنسبة لزمنهم. والتعامل مع الأسفار النبوية بهذه الطريقة (أي الرجوع إليها فقط من أجل التنبؤات) هو نوع من الانتقائية. 2-نبوات العهد القديم عن المسيا تقل عن 2% من مجموع النبوات. 3-بعدنا عن تاريخ كتابة هذه النبوات يزيد من تعقيد فهمنا للأسفار النبوية حقاً، وبطبيعة الحال نجد نحن القراء المعاصرين أن فهم كلمة الله في وقتنا الحاضر، كما تكلم بها الأنبياء. أصعب مما وجده بنو إسرائيل الذين سمعوا النبوات مباشرة، فالأمور الواضحة عندهم مبهمة عندنا. ولكوننا بعيدين جداً عن الحياة الثقافية والتاريخية والدينية لشعب إسرائيل. فكثيراً ما يصعب علينا إدراك ما كانوا يشيرون إليه ولماذا؟ 4-فيما يتعلق بسفر المزامير، عند تفسير أي نص يجب مراعاة ما يلي: أ-إن سفر المزامير هو مجموعة من الصلوات والترانيم العبرية ذات الوحي الإلهي، وهي كلمات موجهة إلى الله، فهي ليست توصيات أو أوامر، أو قصص توضح التعاليم. فليس المقصود منها إذن أن تعلمنا العقيدة أو المسلك الأدبي بالدرجة الأولى. ب-المزامير كتبت على هيئة شعر باللغة العبرية، والشعر العبري بطبيعته كان موجهاً، إذا جاز التعبير، لمخاطبة العقل بواسطة القلب، أي أن اللغة المستخدمة عاطفية عن قصد، لذلك على المرء أن يحذر المبالغة في الشرح الاستدلالي للمزامير، وذلك ببحثه عن معنى خاص لكل كلمة أو جملة. جـ-المفردات الشعرية هي مجاز مقصود، لذلك علينا أن نحرص على البحث عن القصد من المجاز، مع مراعاة عدم المغالاة من جهة المجازات أو أخذها بالمعنى الحرفي[4]. د-المزامير ليست كلها نبوات عن المسيح، حتى كان يجوز الظن أن كل آية فيها تتحدث عن المسيح. هـ-لا يمكن فهم معنى كل آية إلا بربطها بالآيات السابقة واللاحقة لها ولذلك يجب أن لا ندرس الآية مستقلة عن هذه أو تلك. و-بعض الآيات الواردة في سفر المزامير عن الظروف التي اجتاز فيها المسيح، سجلت عندما كان قائلوها يجتازون في ظروف مشابهة من بعض الوجوه، للظروف التي اجتاز فيها ولذلك فهذه الآيات يراد بها التعبير إما عن أمور حدثت فعلاً لقائليها، أو أمور تنبأوا بها عن المسيح، والقرينة هي التي تحدد من هو المراد. ز-إن الاصطلاح "مسيح الرب" لا يراد به المسيح وحده، حتى كان يجوز القول إن أي آية ورد بها هذا الاصطلاح يقصد به شخصه، بل يراد كل إنسان مسح (أو بالحري عين تعييناً رسمياً) في إحدى الوظائف الرسمية. فداود النبي الذي كتب الشطر الأكبر من المزامير يدعى "مسيح الرب" 2 صم 1: 32.[5] ح-يجب أن ندرس الظروف التاريخية والخلفية لكل مزمور وذلك عن طريق: 1-دراسة مضمون المزمور بتمعن. 2-دراسة عنوان المزمور. وإن كان مضمون المزمور وعنوانه لا يساعدان المفسر على تفهم خلفية المزمور والظروف التي كتب فيها ودوافع الكتابة، فالأحسن الاعتراف بعدم معرفة معاني هذا المزمور بدلاً من أن يحاول المفسر أن يتعسف في تفسيره ويضع في المزمور أشياء لم يقصدها كاتبها الأصلي، ولم يفهمها القارئ في عصره[6]. ط-هناك بعض المزامير التي يطلق عليها مزامير المسيا. والمسيا: كلمة عبرية تعني "الممسوح" أي المسيح، وكان يطلق في العهد القديم على ملوك يهوذا (مز 89: 38، 51) الذين كانوا يتولون مناصبهم بعد مسحهم بالدهن المقدس ( 1صم 10: 10، 16: 13). وكانت تشير بأكثر تحديد إلى الابن الأكبر لداود ملك إسرائيل الآتي، ومخلصهم في المستقبل(مز 2: 2). كما يصف سفر المزامير الأنبياء أيضاً بأنهم (مسحاء) "لا تمسوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي" (مز 105: 15، 1مل 19: 16). كما كان كهنة بني إسرائيل يمسحون ليكهنوا للرب، أما عبد الرب الذي يذكره إشعيا (إش 61: 1) الممسوح نبياً، فكان يجمع في نفسه أيضاً الرياسة الكهنوتية، مع السلطان الملوكي (إش 49: 7، 53: 12). ولما كان يسوع المسيح قد أعلن أنه هو المسيح "المسيا" إلى جانب عمله كخادم وملك (لو 22: 37، يو 4: 25-26). فمن الأفضل أن نقول إن "مزامير المسيا" هي التي تنبأت عن جوانب من شخصية يسوع وعمله. ويرى البعض أن المزامير المقطوع بأنها مسيانية، هي ثلاثة عشر مزموراً، يمكن تصنيفها على أساس الشكل أو حسب المضمون: -فعلى أساس الشكل تقسم إلى ثلاثة أقسام، بناء على الإشارة إلى المسيا: سواء في صيغة المتكلم، أو صيغة المخاطب أو صيغة الغائب. -أما على أساس المضمون، فيمكن أن نصنفها حسب الوظائف الثلاث للمسيح. كنبي وككاهن وكملك. 1-المزامير الملكية: وهي سبعة مز 2، 8، 45، 72، 89، 110، 132. 2-مزامير الآلام: وهي ستة مز 16، 22، 40، 69، 102، 109. 3-المزامير النبوية: وهي أجزاء من المزامير السابقة[7]. أي أن المزامير التي تتنبأ عن المسيح 13 مزمور فقط لا غير وليس 50 مزموراً وكون أن مزموراً منها يتنبأ عن المسيح، فهذا لا يعني أن كل آيات المزمور هي نبوة عن المسيح. -ثم إن هناك شيئاً هاماً وهو أن المزامير يمكن تقسيمها إلى مجموعات تتبع كل مجموعة نمطاً ثابتاً، متى فهمناه عرفنا أن تطبيق كثير من المزامير –كما يراها كتابنا- في نجاة المسيح من الموت هو خطأ، لأن هذا هو نظام المزمور. "من الممكن تصنيف المزامير تحت سبعة أنواع مختلفة، وهناك أحياناً تداخل بين تلك وتلك: أ-مزامير المراثي: تشكل مزامير المراثي الجانب الأكبر من سفر المزامير فعددها يربو على الستين مزموراً وهي: 1-مراثي فردية: مثل مزمور 3، 22، 31، 39، 57، 71، 120، 139، 142 وهي تساعد الشخص على التعبير للرب عن الصراعات أو الجهاد أو خيبة الأمل. 2-المراثي الجماعية: مثل مز 12، 44، 80، 94، 127. وهي تؤدي نفس الغرض لكن لمجموعة من الناس، وليس للفرد الواحد. بقيام الدارسين بمقارنة مزامير المراثي، استطاعوا أن يفرزوا ستة عناصر تظهر بطريقة أو بأخرى في كل تلك المزامير، إليك هذه العناصر بحسب ترتيبها الأكثر تكراراً: 1-العنوان: يقوم الكاتب بتحديد هوية من كتب المزمور لأجله، وهو بطبيعة الحال، الرب. 2-الشكوى: يقوم المرنم أو كاتب المزمور بتقديم شكواه بكل صدق وفاعلية، ذاكراً طبيعة المشكلة والسبب الذي استدعى تدخل الله. 3-الاتكال: يقوم المرنم مباشرة بالتعبير عن الاتكال على الله. 4-الإنقاذ: يتوسل المرنم إلى الله أن ينقذه من الحالة الموصوفة في الشكوى. 5-اليقين: يعبر المرنم عن يقينه من أن الله سيقوم بالإنقاذ. 6-التسبيح: يقوم المرنم بالتسبيح شاكراً الله ومعطياً إياه المجد والكرامة من أجل بركات الماضي والحاضر والمستقبل. ب-مزامير الحمد: هذه المزامير عبرت للرب عن الفرح لحدوث أمر طيب أو لسير الأحوال بشكل حسن، أو لتقديم الشكر لله عل أمانته وحمايته وخيراته. وهي: أ-مزامير حمد فردية: مز 18، 30، 32، 40، 66، 92، 116، 118، 138. ب-مزامير حمد جماعية: مز 65، 67، 75، 107، 124، 136. وعناصرها كما يلي: 1-المقدمة: يتم هنا تلخيص شهادة المرنم لمعونة الله التي عملها. 2-المحنة: يتم وصف الحالة التي تدخل الله فيها للإنقاذ. 3-الالتماس: يكرر المرنم الالتماس الذي قدمه لله. 4-الإنقاذ: يتم وصف الإنقاذ الذي قام به الله. 5-الشهادة: يتم تسبيح الله على رحمته. مثل: مز 138. أي أن مزامير الحمد، تركز على التغني بمراحم الله السابقة. فمزمور الحمد عادة يشكر الله على ما صنعه. وترتيب هذه العناصر يمكن أن يتغير بشكل كبير. جـ-مزامير التسبيح: تركز هذه المزامير على تسبيح الله على شخصه وعلى عظمته، وعلى جوده لكل الأرض، مثل: -تسبيح الله كخالق الأكوان: مز 8، 19، 104، 148. -تسبيح الله لكونه المدافع عن بني إسرائيل والمعطي لهم الخيرات: مز 66، 100، 111، 114، 149. -تسبيح الله كالسيد على التاريخ: مز 33، 103، 113، 117، 145-147. د-مزامير تاريخ الخلاص: تستعرض أعمال الله الخلاصية لبني إسرائيل، وخاصة إنقاذه لهم من العبودية في مصر مثل مز 78، 105، 106، 135، 136. هـ-مزامير الحكمة: وهي تمتدح فضائل الحكمة والحياة بموجبها مثل مز 36، 37، 49، 73، 112، 127، 128، 133. و-مزامير الاتكال: وهي تركز على حقيقة أنه يمكن الاتكال على الله والثقة به مثل مز 11، 16، 23، 27، 62، 93، 91، 121، 125، 131. ز-مزامير الاحتفالات: 1-صلوات تجديد العهد: مز 50، 81. 2-المزامير الملكية: مز 2، 18، 20، 41، 45، 72، 101، 110، 144. 3-مزامير التتويج: مز 24، 29، 47، 93، 95-99. 4-أناشيد مدينة أورشليم: مز 46، 48، 76، 84، 87، 122[8]. متى طبقنا القواعد السابقة على أي مزمور استخدمه الكتاب لإثبات نجاة المسيح من الموت نرى أن في هذه التفسيرات اعتساف وأن الافتراضات والاستنتاجات التي قالوا بها بعيدة جداً عن الحقيقة وأن محاولة إثبات عدم موت المسيح من خلال سفر المزامير محاولة فاشلة، وفي كثير من الأحيان هي افتراءات كاذبة. ولنا عودة لدراسة هذا الموضوع إن شاء الله. (1)الوادي المقدس. د.محمد كامل حسين. دار المعارف. سنة 1968. ص 138-139 وانظر أيضاً: مع المسيح في الأناجيل الأربعة. فتحي عثمان. ط2. سنة 1966. ص 434-435 وسوف نناقش هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب قادم "لماذا الصليب؟" (2) دعوة الحق. المستشار منصور حسين. ص 37-117. (3) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. ص 215-270. (4)القيمة الكاملة: غوردون في، ودوجلاس ستورت. دار الكتاب المقدس. سنة 1994. ص 201-205. (5) قضية الصليب: عوض سمعان. ص 87-89. (6) علم التفسير: د.فهيم عزيز. ط1 سنة 1986. دار الثقافة. ص 347. (7) دائرة المعارف الكتابية. جـ4. ص 247. (8) القيمة الكاملة. ص 201-210. |
رد: من هو المصلوب
بشارة الملاك بأن المسيح ملك
لو 1: 30-33 "فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية." كتب عبد الرحمن سليم البغدادي: "عندما بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم بميلاد المسيح قال لها بأن الله يجلس ولدها على كرسي داود ويملك على بيت داود إلى الأبد، ولا شك أن قول جبرائيل حق ووعد الله صدق. فلو قلنا إن المهان المصلوب هو المسيح، للزم منه بطلان تلك البشارة الصادقة، وهو محال، فبالضرورة يثبت أن المهان المصلوب ليس هو ذات المسيح.. فالقول بأن المسيح هلك وما ملك يقضي السخرية والكذب من الرسل والبداء من المرسل والكل محال"[1]. التعليق: 1-يقول الكاتب: "القول بأن المسيح هلك وما ملك يقضي السخرية والكذب من الرسل والبداء من المرسل والكل محال". وأقول إن القول برفع المسيح حياً إلى السماء دون أن يملك يقضي بمثل هذا وهذا أيضاً محال. 2-يقول أيضاً "إن قول جبرائيل حق، ووعد الله صدق.. وأن تلك البشارة صادقة" وطبعاً هذا ينطبق على كل الوعد وليس على جزء منه. ومن هذا الوعد "أن المسيح يكون عظيماً وابن العلي يدعى" فهل يصدق المؤلف هذا؟ أما أنه لا يعرف ما المقصود بـ"ابن العلي"؟ أما أنه يأخذ من النص ما يفيد غرضه ويترك الباقي. "ويليق بنا أن نوضح بكلمات موجزة المعنى المراد بابن العلي أو ابن الله، أنه: -لم يقصد بها ولادة طبيعية ذاتية من الله، وإلا قيل فيها "ولد الله". -ولم يقصد بها ما يقال عادة عن المؤمنين جميعاً أنهم "أبناء الله" لأن نسبة المسيح لله هي غير نسبة المؤمنين عامة. -ولم يقصد بها تفرقة في المقام من حيث الكبر والصغر، ولا في الأزلية ولا في الجوهر لكنها: 1-تعبير يكشف عن عمق المحبة السرية التي بين المسيح والله. 2-ويراد بها إظهار المسيح لنا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا. 3-ويراد بها إظهار التشابه والتماثل في الذات وفي الصفات وفي الجوهر.. المسيح هو بهاء مجد الله ورسم جوهره. وقال هو عن نفسه "من رآني فقد رأى الآب" "وأنا والآب واحد"[2]. فهل يؤمن أن هذا قول حق، ووعد صدق، وبشارة صادقة. *ومن النص نرى أن المسيح سوف يأتي: أ-ويكون عظيماً. ب-ابن العلي يدعى. جـ-يملك على بيت يعقوب إلى الأبد. وإذا كانت هذه هي محتويات النبوة، لصح هذا الاتهام، ولكن النبوة تقول "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية". فالملك هنا أبدي لا نهاية له. وهذا يدل على أن هذا الملك لا يمكن أن يكون أرضياً محددأً بل هو ملك روحي، أو بالأحرى هو ملكوت الله. "وتم هذا الوعد بيسوع المسيح إذ "رفعه الله بيمينه رئيساً ومخلصاً" (أع 5: 31). فهو يملك إلى الأبد سائداً على قلوب شعبه ومملكته هي المملكة الوحيدة التي لا تنقرض، لأن المسيح لا يضطر إلى ترك مملكته بالموت كملوك البشر". ولقد أوضح يسوع هذا الأمر أثناء محاكمته أمام بيلاطس، فعندما "دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له: أنت ملك اليهود. أجابه يسوع: أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. أجاب بيلاطس: ألعلي أنا يهودي. أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلى ماذا فعلت؟ أجاب يسوع. مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس: أفأنت إذاً ملك؟ أجاب يسوع: أنت تقول أني ملك" (يو 18: 33-37) فعندما سأل بيلاطس المسيح: أنت ملك اليهود، فإنه كان يعني: هل يمكن أن تكون ملكاً وأنت ضعيف وديع مهان مشكو عليك كجان. وعندما أجابه المسيح. أمن ذاتك تقول هذا أم أن آخرون قالوا لك عني؟ فإنه قصد أن يبين لبيلاطس مراده بلفظة "ملك" قبل أن يجاوبه على سؤاله. فكأن المسيح يريد أن يقول له: إن أردت بالملك ما يعنيه الرومانيون به، أي هل أنا ملك أرضي كقيصر؟ قلت لا. ولكن إن أردت بالملك ما يعنيه اليهود في نبواتهم. فالجواب: نعم، واليهود عرفوا أن المسيح ادعى أنه ملك روحي، وأرادوا أن يفهم بيلاطس أنه ادعى كونه ملكاً أرضياً. ثم قال المسيح: مملكتي ليست من هذا العالم، ومعنى هذا نعم أني ملك، ولكن مملكتي ليست أرضية مستندة على جيوش وأسلحة مادية، وليست لغاية دنيوية، ولا مستندة على وسائط عالمية، ولا قائمة بقوة إجبارية، ولا مقاومة منها لمملكة قيصر، ولا غيرها من ممالك الأرض.. إن أصل مملكتي روحي من السماء، وهي تسود على ضمائر الناس وقلوبهم طوعاً واختياراً، وسلطتها سلطة روحية، ويقوم انتصارها بانتشار الحق. هذه المملكة أسست على موت المسيح، ويسودها روح المسيح، وشريعتها إرادة الله وغايتها مجد الله وخلاص الناس وسعادتهم الأبدية. وقد ذكر المسيح أمراً واحداً إثباتاً لكون مملكته ليست من هذا العالم وهو أنه لم يأذن لأحد من الكثيرين الذين تبعوه أن يحامي عنه وسلم نفسه بلا معارضة إلى من قبضوا عليه. أي أن مملكة المسيح ليست مملكة سياسية أرضية يسود فيها المسيح لفترة حتى يقال كيف أن المسيح هلك وما ملك؟ ولكنها مملكة روحية يسود فيها المسيح المقام إلى الأبد. وبالتالي فالاستناد إلى هذا النص لإثبات عدم صلب المسيح وصلب أي شخص آخر هو رمية من غير رام. (9)الفارق بين المخلوق والخالق. عبد الرحمن سليم البغدادي. تحقيق د.أحمد حجازي. ط2. سنة 1987. ص 471 وانظر: أ-المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل. ص 314-315. ب-الرد على النصارى. لأبي البقاء صالح بن الحسن الجعفري. تحقيق د.محمد محمد حسانين. مكتبة وهبة. ط1. سنة 1988. ص 75. (10) شرح بشارة لوقا. د.القس إبراهيم سعيد. ص 21-22. |
رد: من هو المصلوب
أقوال الرسول بولس
1-في غلاطية: أنتم الذين رسم يسوع بينكم مصلوباً. 2-في رومية: الله الذي أرسل ابنه في شبه جسد الخطية.. نحن بشبه موته.. قد صرنا متحدين معه بشبه موته. يستفاد من مجموع الأقوال السابقة بأن الصلب والقتل ليسا بحقيقيين، وأن المسيح لم يصلب ولم يقتل، وإنما ذلك مجاز عن الشبه والمصلوب رسم هيكله لا ذات حقيقته"[1]. التعليق: إذ نعرف المعنى والتفسير الصحيح لهذه النصوص الكتابية، نجد أنها لا تعني ما ذهب إليه الكاتب بالمرة. 1-غل 3: 1-2 "أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق و أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً". إن الرسول بولس في هذا الإصحاح وما يليه يتحدث عن غفران الخطايا، هل هو بأعمال الناموس أم بموت المسيح الفدائي، ويذكر الغلاطيين بحقيقة موت المسيح، وأن الأمم غير ملزمين بالختان اليهودي أو حفظ الناموس، وأن خلاصهم هو بالإيمان بموت المسيح ويستعمل تعبيراً ينم عن سخطه المتسم بالدهشة، ويتهم الغلاطيين بالغباء، ويستعمل مرتين كلمة "حمقى" ويسألهم عمن "رقاهم" لأن تشويههم الحالي للإنجيل يتنافى تماماً مع ما سمعوه من بولس وبرنابا. لذلك ذكرهم بكرازته حين كان معهم، حيث قام جهاراً برسم يسوع المسيح قدام عيونهم باعتباره أنه صلب من أجلهم، فكيف استطاعوا أن يتصوروا بعد أن بدؤوا حياتهم المسيحية بالإيمان بالمسيح المصلوب، أنهم يحتاجون إلى متابعتها بإنجازهم الخاص؟ ويستخدم الرسول بولس فعل "بروغرافو" وهو يعني عادة كتب سابقاً، كما قد كتبت (أف 3: 3). لكن "غرافو" يمكن أن يعني أحياناً يرسم أو يصور. ويمكن أن تعني البادئة pro "قدام" في المكان. قدام عيونكم.. وهكذا فإن بولس يشبه كرازته بلوحة زيتية ضخمة أو بلوحة إعلان تعرض إعلاناً على الملأ، أما موضوع لوحته الزيتية أو لوحة إعلانه، فكان يسوع المسيح على الصليب، بالطبع لم تكن لوحة زيتية بالمعنى الحرفي، فالصورة رسمت بالكلمات، لكنها كانت مرئية وحيوية في مخاطبتها للمخيلة حتى أن لوحة الإعلان عرضت قدام عيونكم"[2]. ويؤكد نفس هذا التفسير القس غبريال رزق الله: "الكلمة "رسم" هي ترجمة لكلمة يونانية، مركبة من مقطعين، "برو"، و"اغرافي" المقطع الأول: "برو" يحمل معنى "زمن مضى". والمقطع الثاني: "اغرافي" يحمل معنى "بروز واضح بالكتاب أو الرسم أو النقش". وقد وردت هذه الكلمة "بروغرافي" أيضاً في أقوال الرسول بولس مترجمة "سبق فكتب كتباً لأجل تعليمنا" (رو 15: 4). وحيث أن ما يكتب وما يرسم وما ينقش هو بالطبيعة شكل بارز واضح وجلي أمام العيون، لذلك تكون الكلمة: رسم: بمعنى أن ما سبق أن أعلنه الرسول من التعليم، لا في صورة فوتوغرافية، ولا في شكل كاريكاتيري، ولا رسماً بآلة، ولا نقشاً فنياً في حجارة، بل هو تعلم شفوي ووعظ سماعي. عن طريق الكرازة "بإنجيل المسيح" بصورة بارزة تميزها العقول وتستوضحها الأفكار، فترسم في الأذهان وتعلق بها. أما التعليم الذي رسم بالصورة التي وصفت سابقاً بين أولئك الغلاطيين فهو: "يسوع المسيح.. مصلوباً" هذا هو التعليم الذي سبق الرسول فرسمه أمام عيون الغلاطيين بلا تحفظ، وهو الموضوع الذي اتخذه شعاراً له في كرازته وتعليمه.. وكانت كرازته تعليماً بارزاً واضحاً جلياً، يمكن أن يقال معه أن رسم في مخيلتهم ونقش في عقولهم أمام أبصارهم صورة بارزة للمسيح المصلوب"[3]. إن كاتب رسالة غلاطية هو الرسول بولس وهو يؤكد في رسائله حقيقة موت المسيح وقيامته ولا يمكن أن يناقض الرسول نفسه، بل في نفس الرسالة نجد الكثير من الآيات التي تؤكد حقيقة موت المسيح: غل 1: 1 "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات". غل 1: 3-4 "نعمة لكم وسلام من الله الآب ومن ربنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير". غل 2: 20-21 "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في. فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان. إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي.. لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح مات بلا سبب". غل 6: 14 "أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح". -أما النص الثاني الذي استخدمه الكاتب. فهو ما جاء في رو 6: 5 "لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير بقيامته". رو 8: 3 "أرسل الله ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد". أعتقد أن سبب سوء الفهم هنا –إذا افترضنا حسن النية- هو عدم وضوح الترجمة العربية (ترجمة فانديك). ولقد أوضحت الترجمة العربية الجديدة[4]المعنى المقصود. رو 6: 5 "فإذا كنا قد اتحدنا به في موت يشبه موته، فكذلك نتحد به في قيامته". رو 8: 3 "أرسل الله ابنه في جسد يشبه جسدنا الخاطئ كفارة للخطيئة، فحكم على الخطية في الجسد". وبالرجوع إلى رسالة رومية نجد الكثير من النصوص التي توضح وتؤكد موت المسيح على الصليب ليس بشبه جسد وليس بشبيه آخر، منها: رو 5: 8، 10 "الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا .. صولحنا مع الله بموت ابنه". رو 8: 34 "من الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات، بل بالحري قام أيضاً". وأيضاً (رو 1: 4، 3: 24-25، 4: 25، 5: 6-10، 6: 4-10، 8: 32-34، 14: 15). بهذا يتضح لنا أن النصوص السابقة لا علاقة لها البتة بعدم موت المسيح، بل أن النصين يؤكدان أن المسيح هو الذي مات وقام. (27) الفارق بين المخلوق والخالق. ص 474. (28) صليب المسيح. جون ستوت. ص 398-399. (29) شرح الرسالة إلى غلاطية د.القس غبريال رزق الله. ص 224-225. (30) الترجمة العربية الجديدة. ط1. سنة 1978. دار الكتاب المقدس. بيروت وأيضاً الترجمة الكاثوليكية للعهد الجديد. ط4. المطبعة الكاثوليكية. بيروت لبنان. |
رد: من هو المصلوب
المسيح يصلب لأن المصلوب ملعون
"شهدت التوراة أن المصلوب ملعون من الله، وذلك بقولها "لأن المعلق ملعون من الله" تث 21: 23. ومن الغريب أن المسيحيين يدعون أن المسيح هو الله. فهل يلعن الله نفسه؟ واللعن كما هو معروف هو الطرد من رحمة الله. و حيث أنه غير جائز أن يكون المسيح ملعوناً، فالمعلق لا شك سواه"[1]. التعليق: تث 21: 22 "وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة. فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً". "في الشريعة اليهودية من يعلق على الصليب،كان يقتل أولاً رجماً بالحجارة أو بأي طريقة أخرى حسب نصوص الشريعة أو حكم القضاة، ثم تعلق جثته على عمود من الخشب أو على شجرة أو صليب تشهيراً بذنبه، ولكي يراه الكثيرون فيعتبرون. وقد قضت الشريعة أن الذي يقتل وتعلق جثته تنزل من على الخشبة في نفس اليوم الذي علق فيه وتدفن وذلك "لأن المعلق ملعون من الله" أي واقع تحت غضبه ومحروم من بركته لأنه كسر ناموسه وتعدى عليه بعمله الفظيع الذي استحق عليه لا الموت فقط، بل التشهير أيضاً"[2]أي أن: 1-اللعنة ليست لأن الشخص معلق على الخشبة، ولكن لأنه كسر الوصية فتم فيه حكم الموت حسب الشريعة ثم علق على الخشبة. 2-كون المسيح قد علق على خشبة الصليب، فهذا لا يعني أنه ملعون. ولكننا نؤمن أن "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع" غل 3: 13-14. فكيف صار المسيح لعنة من أجلنا؟ المسيح قد افتدانا: بمعنى أنه دفع فدية ليستردنا من اللعنة الناتجة عن فشلنا في تتميم وصايا الناموس، وذلك بأن صار لعنة لأجلنا، والصيرورة هنا لا يمكن أن تكون فعلاً طبيعياً، يتم بتغيير في طبيعة الإنسان، لأن الوحي المقدس يشهد عن المسيح منزهاً إياه عن أي تغيير في طبيعته، فيعبر عنه الرسول بقوله عنه "لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس[3]بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات" عب 7: 26. فهو تقدس اسمه وعلا: القدوس الذي قال عنه الملاك المبشر بولادته للعذراء المباركة "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله" لو 1: 35. وقد كانت شهادة الرسول بطرس عنه بالوحي الإلهي: "الذي لم يفعل خطية، ولا وُجد في فمه مكر، الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضاً وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يسلم لمن يقضي بعدل" 1بط 2: 22-23. ولكنه صار لعنة على قياس قول الرسول: " لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية" 2كو 5: 21. بمقتضى النص النبوي "كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" إش 53: 6 ... هذا هو مبدأ النيابة العام الذي يعامل به الخالق القدوس جميع أبناء الجنس البشري. لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة: هنا يبين الرسول كيف صار المسيح لعنة؟ أولاً: بالنسبة لحكم الناموس (تث 21: 22-23). ثانياً: بالنسبة لتنفيذ الحكم فيه ووقوعه عليه. هكذا تم الأمر وعلق المسيح على خشبة إتماماً لما تنبأ به عن نفسه "مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت" يو 12: 13، 18: 32، حيث قال " كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان" يو 3: 14. وبين ذلك لليهود في قوله: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو" يو 18: 28. "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع" يو 12: 32. هذا الارتفاع الذي يشير إليه المسيح هو التعليق على الخشبة. كما عبر عنه الرسول بطرس "قتلوه معلقين إياه على خشبة" أع 1: 38-39. وأوضحه الرسول بولس قائلاً: " ولما تمموا كل ما كتب عنه، أنزلوه عن الخشبة التي علقوه عليها"[4]أع 13: 29. فالمسيح قد حمل خطايانا، ومات فداء عنا، تحمل اللعنة، لكي تتحقق لنا البركة، وقد فعل ذلك حباً وطواعية باختياره. "إن ما بدا لناقدي المسيح أمراً مخزياً،بل بغيضاً، رآه أتباعه أمراً مجيداً للغاية ... إلا أن أعداء الإنجيل لم يشاركوا هذه النظرة، ولا يشاركون فيها وليس ثمة شرخ بين الإيمان وعدم الإيمان أعظم من الشرخ القائم بينهما من حيث موقف كل منهما تجاه الصليب. فحيث يرى الإيمان مجداً، لا يرى عدم الإيمان سوى الخزي، إن ما بدا لليونانيين جهالة، ويظل كذلك في نظر المفكرين العصريين الواثقين بحكمتهم، إنما هو حكمة في نظر الله، وما يظل عثرة في نظر الواثقين ببرهم الذاتي، كيهود القرن الأول، قد ثبت أنه قوة الله المخلصة (1كو 1: 18-25)[5]إن عثرة الصليب كانت وما زالت قائمة وكل ما يثار من اعتراضات هو بسببها ولكن ما يحسبه الآخرون جهالة هو في نظر الله قوة وخلاص. "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" 1كو 1: 18. -"لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة" 1كو 1: 22-23. (31) المسيح بين الحقائق والأوهام. ص 174. وانظر 1-المسيح قادم. ص 48-49. 2-دعوة الحق. ص 128. (32) تفسير سفر التثنية. نجيب جرجس. ط1. سنة 1985. ص 264. (33) قدوس: الكلمة الأصلية المستعملة هنا هي "أوسيوس" وفيها معنى تقوى الله والكمال في كل ما يتعلق به, لا من باب التقديس الشرعي الخارجي, بل من باب القداسة الإيجابية العملية الداخلية "شرح الرسالة للعبرانيين. د.القس غبريال رزق الله. ط1. سنة 1984. ص 322. (34) شرح رسالة غلاطية. د.القس غبريال رزق الله. ص 256-261. (35) صليب المسيح. جون ستوت. ص 44. |
رد: من هو المصلوب
فداء المسيح بغيره
"إن تقدمة إبراهيم لتحوي حقاً وصدقاً الرمز الكامل لما حدث مع المسيح بالنسبة لواقعة الصلب، فكما امتحن الله إيمان إبراهيم، بأن طلب منه أن يذبح ابنه وحيده الذي يحبه كذلك امتحن الله إيمان المسيح بأن أعلمه بأنه يريد له أن يصلب. وكما امتثل إبراهيم وابنه لأمر ربهما حتى همَّ إبراهيم بذبحه كذلك امتثل المسيح لمشيئة الله، فقال له: لتكن لا إرادتي بل إرادتك، حتى وصل الأعداء يتقدمهم يهوذا الإسخريوطي إلى المسيح للقبض عليه. وهنا كما منع الله إبراهيم من ذبح ابنه، بأن ناداه ملاك الرب من السماء، طالباً منه أن يكف عن ذلك، استجاب الله أيضاً لدعاء مسيحه، فرفعه إليه من بين أعدائه، مخلصاً إياه بذلك من الصلب الذي كان سيقع عليه، تماماً كما خلص الله ابن إبراهيم من الذبح على النحو المتقدم، وكما ذبح كبش عوضاً عن ابن إبراهيم، فقد صلب الخائن يهوذا بدلاً عن المسيح"[1]. التعليق: إن تقدمة إسحق فعلاً هي أحد أكمل الرموز الكتابية المشيرة إلى الذبيحة العظيمة التي قدمت على الصليب في الجلجثة. ففي إسحق نرى صورة الابن في طاعته لأبيه حتى الموت، وفي إبراهيم نرى صورة الآب في بذله لابنه، وكان كل منهما لازماً لتتميم الرمز. والكاتب هنا جعل من إبراهيم وإسحق معاً رمزاً للمسيح في نفس الوقت. -فالله يمتحن إبراهيم بتقديم ابنه، ويمتحن المسيح بتقديم نفسه. -إبراهيم يمتثل لأمر ربه، والمسيح يمتثل لمشيئة الله. ثم يتحول الرمز إلى إسحق. الله ينقذ إسحق ويذبح كبشاً بدلاً عنه، الله ينقذ المسيح ويصلب يهوذا بدلاً عنه فالكاتب هنا يخلط الأمور في سبيل تأييد آرائه. لأننا إذا جعلنا إبراهيم رمزاً للمسيح من ناحية الإيمان، نرى أن هناك فرقاً في تعبير الوحي عن موقف الله إزاء كل منهما، فبينما يسجل أن الله امتحن إبراهيم بتقديم ابنه ذبيحة (تك 22: 1)، لا يذكر مطلقاً أن الله امتحن المسيح بتقديم نفسه على الصليب[2]، فصلب المسيح لم يكن امتحاناً للإيمان، بل كان قضاءً محتوماً من الله. أ-أعلنته نبوات العهد القديم بوضوح. ب-أعلن عنه المسيح عديداً من المرات قبل صلبه وبعد قيامته. ولا يمكن أن يعلن ويتنبأ المسيح عن موته، ثم تكشف الأحداث بعد ذلك عن عدم صحة هذه النبوات، وأنها مع نبوات العهد القديم كانت مجرد امتحان إيمان. *إن إسحق كان رمزاً للمسيح. ويجب أن يكون واضحاً نصب عيوننا أن الرمز لا يكون مثل المرموز إليه من كل الوجوه، وإلا لكان الأول هو عين الثاني وأن الشبه بين إسحق والمسيح ينحصر في أمرين: 1-الطاعة المطلقة: فإن إسحق أطاع أباه، والمسيح من ناحية كونه إنساناً أطاع. 2-العودة إلى عالم الأحياء: بعد موت شرعي لإسحق، وموت فعلي للمسيح[3]. ثم يضيف الكاتب: "وهكذا كانت تقدمة إبراهيم، حقاً وصدقاً، وكما يقولون هي أحد أكمل الرموز الكتابية لما جرى مع المسيح بالنسبة لواقعة الصلب، وكما هو واضح ففيها الرمز الكامل لتخليص الله له من الصلب، وصلب يهوذا الاسخريوطي بدلاً منه، وبغير هذا لا تكون رمزاً بأي حال ... كما لا يمكن للرمز ألا يكتمل من وجه ويقال بأنه واحد، هو تخليص ابن إبراهيم وعدم تخليص المسيح، حال أن هذا الوجه هو في الحقيقة الوجه الوحيد أيضاً للرمز في هذه التقدمة"[4]. التعليق: كما سبق وأوضحنا أن إسحق كان رمزاً للمسيح في طاعته وموته الشرعي، ولا سبيل لمثل هذا الاعتراض واعتبار أن إنقاذ المسيح من الموت هو الوجه الوحيد للرمز في هذه التقدمة. ثم إن إنقاذ ابن إبراهيم من الموت ليس دليلاً على عدم موت المسيح، لأنه يكفي تشابهاً واحداً بين المرموز والمرموز إليه، ولا يمكن أن يكون المثال أو الرمز كالحقيقة في كل شيء، وإلا فلا يكون المثال مثالاً. وكما يقول د.أحمد ماهر البقري: "القاعدة البيانية في التشبيه، أن المشبه لا يكون مثل المشبه به في كل دقيقة، ولكن يكفي وجه شبه واحد بينهما، فإذا قلت: إنه كالأسد، فليس معنى ذلك أنه يعيش في غابة مثلاً أو أنه ذو لبد. وإنما يكفي أن يكون وجه الشبه الشجاعة"[5]. أي أنه يكفي للشبه بين إسحق والمسيح وحتى يكتمل الرمز أن يكون كل منهما مطيعاً فإسحق قد أطاع والمسيح قيل عنه "وإذا وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 8). بل إن عدم موت إسحق على المذبح لا يعني بالمرة عدم اكتمال الرمز "لأن المسيح نفسه جعل يونان النبي بخروجه من بطن الحوت (مع أنه لم يمت في بطن الحوت) مثالاً لقيامته المجيدة، فقال "كما كان يونان في بطن الحوت، ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" مت 12: 40. فليس من الضروري أن يكون "المثال كالحقيقة في كل شيء وإلا فلا يكون المثال مثالاً"[6]. مما سبق نرى أنه لا يوجد أي دليل من خلال تقدمة إبراهيم لابنه إسحق على أن المصلوب هو يهوذا وليس المسيح. (36) دعوة الحق. ص 136. وانظر أيضاً الفارق المخلوق والخالق. ص 518. (37) قضية الصليب. عوض سمعان. ص 111. (38) المرجع السابق. ص 111. (39) دعوة الحق. ص 136. (40) الإسلام والحق. د.أحمد ماهر. المكتب الجامعي الحديث. إسكندرية. ط1 سنة 1984. ص 27. (41) بيان الحق. يسي منصور. ط1. سنة 1965. إسكندرية. ص 69. لعل القارئ قد لاحظ أسماء المراجع: دعوة الحق, بيان الحق, الإسلام والحق, وهنا سوف أوضح له ذا الأمر. 1-في سنة 1963 أصدر الأستاذ /منصور حسين عبد العزيز/ الطبعة الأولى من كتابه "دعوة الحق أو الحقيقة بين المسيحية والإسلام. 2-في سنة 1964 قام القمص باسيليوس إسحق كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بغربال بإسكندرية بالرد على هذا الكتاب وأصدر "الحق". 3-في سنة 1965/1966 قام الأستاذ /يسى منصور بالرد على دعوة الحق في كتابه "بيان الحق" في أربعة أجزاء. 4- في سنة 1966 قام الأستاذ /محمد محمد عبد اللطيف ابن الخطيب بإصدار كتاب تحت عنوان "هذا هو الحق". رد على مفتريات كاهن كنيسة. وفيه يرد على كتاب الحق. 5-ثم في عام 1984 قام د.أحمد ماهر البقري الأستاذ بكلية الآداب. جامعة المنيا بإصدار كتاب "الإسلام والحق" وفيه يرد على كتابي الحق، وبيان الحق. ط1. سنة 1984. المكتب الجامعي الحديث. الرمل إسكندرية. وما زال الحوار مستمراً وقد صدرت الطبعة الثالثة من كتاب "دعوة الحق" في سنة 1994. مكتبة علاء الدين. إسكندرية. |
رد: من هو المصلوب
رفض المسيح لفكرة موته
تحت عنوان "المسيح يرفض كل محاولات قتله" كتب أحدهم: "منذ بدأ المسيح دعوته حتى آخر يوم فيها، نجد الأناجيل تضع لنا بين الحين والحين علامات على طريق الرسالة المسيحية تذكرنا دائماً باستبعاد فكرة قتل المسيح مهما وضع من أجل تبريرها من نظريات وفلسفات. فالمسيح صاحب الدعوة الذي يعلم حقيقتها وحدودها أكثر من بولس وغيره من كتبة الرسائل المسيحية هو الذي رفض فكرة قتله واستنكرها تماماً، ثم هو قد عمل كثيراً لإحباط جميع المحاولات التي رآها تبذل من اليهود لقتله ولما كان المسيح يخشى على حياته من القتل، فإنه اتخذ من الإحتياطات ما يجنبه الوقوع في براثن أعدائه من اليهود: *فقد "جاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى، ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ... فامتلأ غضباً جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا. فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل. أما هو فجاز في وسطهم ومضى" لو 4: 16-30. *"فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه. فعلم يسوع وانصرف من هناك" مت 12: 14-15. *"فرفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى" يو 8: 59. *"وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانو يطلبون أن يقتلوه" يو 7: 1. *"فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه. فلم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البرية إلى مدينة يقال لها أفرايم. ومكث هناك مع تلاميذه. وكان فصح اليهود قريباً" يو 11: 53-55. -وفي الساعات العصيبة، أو الساعات الأخيرة للمسيح بين الناس نجده يصرخ بكل قوته طالباً النجاة، فما كانت فكرة سفك دمه –فديةعن خطايا الكثيرين- إلا سراباً علق برسالته فيما بعد. -إن الأناجيل ترينا –وخاصة في الساعات الأخيرة- مواقف حاكمة، ترفض كلها فكرة قتل المسيح وتقطع كل صلة بينها وبين رسالته. *ينطق كل مشهد من مشاهد المعاناة في البستان برفض المسيح فكرة قتله، فإذا كان مع تلاميذه "ابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه هذه الكأس إن أمكن. وقال يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأجز عني هذه الكأس. *وحين شعر المسيح بالخطر يقترب منه، وقوة الظلم تتقدم للقبض عليه، كانت صيحته لتلاميذه "قوموا ننطلق هو ذا الذي يسلمني قد اقترب" لقد كان يطلب بإلحاح من تلاميذه أن ينهضوا لمعونته في الانطلاق بعيداً عن المحنة الوشيكة. إلا أنهم كانوا "نياماً إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبون" وتركوه وحيداً يعاني آلامه. ونصل إلى الشهادة الأخيرة التي تنسبها الأناجيل للمصلوب في الرمق الأخير، ألا وهي: صرخة اليأس على الصليب. من يسمع قول مصلوب يصرخ إلى ربه "بصوت عظيم قائلاً إلوي إلوي لماذا شبقتني الذي تفسيره: إلهي إلهي لماذا تركتني" من يسمع هذا ثم يقول إنه المسيح "بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير، وأنه "بذل نفسه فدية لأجل الجميع" أو أنه "إذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب"[1]. التعليق: سوف نضع تعليقنا في عناوين محددة: 1-مركزية الصليب في فكر المسيح. هل كان المسيح رافضاً لفكرة قتله مستنكراً إياها؟ بالرجوع إلى الكتاب المقدس نجد أن المسيح قد أعلن عن موته، ومنذ بدء خدمته وهو يترقب ساعة موته، وقد قدم نبوات واضحة عن حادثة موته: أ-بعد إعلان بطرس عن لاهوته (مت 16: 21، لو 9: 22). ب-بعد حادثة التجلي (مت 17: 9-13). جـ-في الجليل قبل الذهاب إلى أورشليم (مت 17: 22). د-في الطريق إلى أورشليم قبل الصلب (مت 20: 17-19). هـ-في الأسبوع الأخير قد ألمح يسوع عدة مرات عن موته منها: 1-مثل الكرم ومقتل الابن (مت 21: 33-44). 2-بعد أن سكبت مريم الطيب على قدميه، قال: "فإنها إذا سكبت هذا الطيب على جسدي إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني" (مت 26: 6-12). 3-في العلية مع تلاميذه، عند تناول الفصح قال لهم: "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان" (مت 26: 24). ومما لا شك فيه أنه من خلال هذه النبوات الصريحة والتلميحات الواضحة نجد أن المسيح كان عارفاً ومتوقعاً وغير رافض لموته وأن الصليب كان له مركزية واضحة في فكر المسيح لأنه قد عرف أنه سيموت "ليس لكونه ضحية لا حول له بسبب قوى الشر المحتشدة ضده أو بسبب مصير محتم كتب عليه، وإنما لكونه قد تبنى بمحض حريته، غرض أبيه، الذي هو تخليص الخطاة كما أعلن الكتاب المقدس، هذه كانت نظرة يسوع إلى موته. بالرغم من الأهمية العظمى لتعليمه وأعماله الرحيمة وقوته. لم يكن أياً منها مركزياً في رسالته. لم تسيطر الحياة على ذهنه، بل بذل الحياة. كان بذل حياته في النهاية هو الساعة التي جاء من أجلها إلى العالم"[2]. وقد انعكس هذا الفكر المحوري على كتبة أسفار الكتاب المقدس والكنيسة المسيحية على مر العصور فشهدوا في كل ما كتبوه عن حقيقة موت وقيامة المسيح. و-إن المسيح لم يشهد لحقيقة موته قبل الصليب فقط، ولكن أيضاً بعد قيامته من الموت قد شهد وأعلن بوضوح أنه صلب ومات. وقد أعلن ذلك: 1-لتلميذي عماوس (لو 24: 13-27). 2-للتلاميذ في العلية (لو 24: 24-36). 3-للتلاميذ في العلية مرة ثانية (يو 20: 26-27). *ومن خلال شهادة المسيح بعد قيامته نرى تأكيداً على أن المصلوب وهو المسيح وليس شخصاً آخر. أ- فلو كان المصلوب شخصاً آخر، لكان المسيح بعد ظهوره لتلاميذه قد أعلن لهم أنه ليس هو المسيح، لكي يعرفوا أن اليهود قد فشلوا في محاولتهم التخلص منه. ب-إن المسيح لم يكتف بالشهادة الشفوية عن نفسه أنه هو الذي صلب، بل أيد شهادته بالدليل القاطع على صدقها، إذ أظهر لتلاميذه آثار المسامير في يديه ،وأثر الحربة في جنبه، وقد شاهد تلاميذه هذه الآثار بعيونهم ولمسوها بأيديهم. جـ-إن شهادة المسيح عن قيامته بعد موته لا يجوز الشك فيها، لأن المسيح كان صادقاً كل الصدق، ومعصوماً من الخطأ والخطية[3]. 2-محاولات فاشلة. حاول اليهود التخلص من المسيح، وكانت محاولات فاشلة، ولكن فشل المحاولات السابقة، لا يعني بالمرة أن عملية صلب المسيح قد فشلت أيضاً، فكل المحاولات السابقة فشلت، لأنه لم تكن قد أتت الساعة المعينة. وكما شهد المسيح "هو ذا قد أتت الساعة" تم إلقاء القبض على المسيح وصلب ومات. 3-سفك دم المسيح. هل كانت فكرة سفك دم المسيح، فدية عن خطايا الكثيرين سراباً قد علق برسالته فيما بعد؟ وحيث أننا سوف ندرس هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب آخر نكتفي هنا بذكر بعض أقوال المسيح التي يعلن فيها عن موته الفدائي. أ-في رده على طلب يعقوب يوحنا للجلوس عن يمينه في ملكوته، قال لهم: "إن ابن الإنسان لم يأت ليُخدَم بل ليَخدُم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" مت 20: 28. ب-في حديثه مع نيقوديموس، قال المسيح. "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به. بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد به قد دين. لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" يو 3: 14-18. جـ-في كفر ناحوم قال المسيح لليهود: "جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم" يو 6: 51. د-وقد قال المسيح أيضاً: "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" يو 10: 11. هـ-وعنه شهد يوحنا المعمدان "هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" يو 1: 29. وقد قبل المسيح هذه الشهادة. فهل بعد كل هذه الأقوال، يستطيع أحد أن يقول إن فكرة سفك دم المسيح عن خطايا الكثيرين كانت سراباً علق برسالته. 4-صلاة المسيح*. 5-صرخة المسيح على الصليب. سوف يتم مناقشتهما فيما بعد. (42) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. ص 202-206. (43) صليب المسيح. جون ستوت. ص 34-35. (44) قضية الصليب. عوض سمعان. ص 37-38. * لقد سبق لنا مناقشة هذا في كتاب "موت المسيح حقيقة أم افتراء". ص 48-60. |
رد: من هو المصلوب
عدم صلب المسيح من خلال أحداث القبض عليه
*لماذا أراد اليهود أن يتخلصوا من المسيح؟ لقد أقلق المسيح المؤسسة اليهودية منذ مطلع خدمته، وقد وجه لهم الاتهامات التي تقوض سلطاتهم وادعى كثيراً من الادعاءات التي كانت تجديفاً من وجهة نظرهم وإذ ندرس مبرراتهم للقبض على المسيح، نرى أن هناك أسباباً ظاهرياً (تبريرية) وهي الأسباب التي ادعوها وأعلنوها أمام الناس وقد ألبسوها أثواباً: أ-أسباب سياسية: لقد أعلنوا أن هذا الشخص قال عن نفسه أنه ملك وأنه يمنع أن تعطى الجزية لقيصر. وقد أعلنوا هذا الاتهام عندما قدموا المسيح لبيلاطس ليؤيد حكمهم بموت المسيح، لأن القانون الروماني لم يكن يقيم وزناً للتهم الدينية التي حكم من أجلها على المسيح بأنه مستوجب الموت، ولم يكن في سلطة الكهنة إصدار أو تنفيذ حكم الموت في ظل الاحتلال الروماني، لذلك انتحلوا هذه التهم السياسية لتجد أذناً صاغية عند الوالي الروماني. ب-أسباب لاهوتية: وهي اتهام المسيح بالتجديف، وهذا واضح مما جاء في يو 10: 22-38. فعندما كان المسيح في الهيكل "احتاط به اليهود وقالوا له: إلى متى تعلق أنفسنا. إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي" يو 10: 24-26. ثم عندما قال لهم: "أنا والآب واحد فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه أجابهم يسوع أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي بسبب أي عمل منها ترجمونني أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً" يو 10:30-33. وأثناء المحاكمة أمام قيافا عندما أعلن لهم أنه هو المسيح "فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً: "قد جدف. ما حاجتنا بعد إلى شهود. ها قد سمعتم تجديفه. ماذا ترون فأجابوا وقالوا: إنه مستوجب الموت" مت 26: 65-66. جـ-أسباب أخلاقية: كسر يوم السبت. وقد ظهر هذا في كثير من المواقف التي عمل فيها المسيح معجزاته يوم السبت، ونرى مثالاً لهذا ما جاء في يو 5: 16-18 فعندما قام يسوع بشفاء مريض بركة بيت حسدا "كان اليهود يطردون يسوع ويطلبون أن يقتلوه لأنه عمل هذا في سبت، فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً نفسه بالله". ولكن هل كانت هذه هي الأسباب الباطنية التي أخفوها، والتي كانت هي دافعهم للتخلص من المسيح، أنها –كما ذكرت- مبررات انتحلوها لإخفاء السبب الحقيقي، وهو: أنهم "أسلموه حسداً" مت 27: 18 لقد شعروا بأن يسوع يهددهم، لقد قوض هيبتهم وهيمنتهم على الشعب وثقتهم بأنفسهم واحترامهم لأنفسهم، لذلك كانوا يحسدونه وعزموا على التخلص منه. وقد بدأ التخطيط اليهودي للتخلص من المسيح بعد إقامته للعازر من الموت "فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن به الجميع فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا. فقال لهم واحد منهم وهو قيافا. كان رئيساً للكهنة في تلك السنة. أنتم لستم تعرفون شيئاً. ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها.. فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه" يو 11: 47-53. وفيما يلي سوف نلخص الأسباب السابقة: 1-قول المسيح عن نفسه أنه ابن الله، وكونه ابن الله يعني المساواة بين الأب والابن وهذا في اعتبارهم تجديف على الله، وإعلان صريح بالألوهية، وعقوبة هذا الموت رجماً (يو 5، يو 10). 2-تحديه الدائم لسلطان رؤساء الكهنة وقد ظهر هذا بوضوح في طرده الباعة من الهيكل. وقد كانت تجارة الذبائح مصدراً أساسياً لثروة رؤساء الكهنة*. 3-معجزاته وإيمان الجموع به وخوفهم من ضياع امتيازاتهم وتميز أمتهم اليهودية بجانب انبهار الجموع بتعاليمه السامية دفعتهم لاتخاذ قرارهم بالتخلص من المسيح[1]. وإذ نرجع إلى الكتاب المقدس نجد أن محاولات اليهود لتصيد أخطاء المسيح في محاولة للتخلص منه، قد رافقت المسيح منذ مولده حتى صلبه. وحتى لا نطيل فإننا نضع هذه المحاولات*في عناوين مع ذكر الشواهد الكتابية: 1-محاولة قتل المسيح بواسطة هيرودس وهو طفل صغير (مت 2). 2-في بداية خدمته عندما أعلن لهم في مجمع الناصرة، أنه هو المسيح المنتظر، حاولوا أن يلقوه من على الجبل (لو 4: 16-20). 3-في كثير من أمثاله وتعاليمه كان لهم موبخاً، فعندما ذكر مثل الكرم والكرامين (لو 20: 9-20) وأعلن لهم أنه هو حجر الزاوية الذي رفضوه "فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب، لأنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم. فراقبوه وأرسلوا جواسيس يتراءون أنهم أبرار لكي يمسكوه بكلمة حتى يسلموه إلى حكم الوالي وسلطانه". *لماذا فشلت المحاولات السابقة؟ وهل فشلها دليل على أن المقبوض عليه ليس هو المسيح؟ لقد كانت هناك محاولات سابقة للقبض على المسيح، ولكنها باءت بالفشل، وفي كل مرة كان المسيح يجتاز في وسطهم دون أن يلقوا عليه الأيادي. وكتب أحدهم: "وثبت لدينا امتناع المسيح على أعدائه قول يوحنا نفسه عن المسيح: "وكان قوم منهم يريدون أن يمسكوه، لكن لم تلق عليه الأيادي" يو 7: 44 أي لم يقبضوا عليه. وقد شهد المسيح بنفسه أن اليهود لم يستطيعوا أن يقبضوا عليه ويأسروه، بل لقد أعلن قائلاً إنه غلبهم جميعاً"[2]. وما يريد أن يقوله الكاتب وآخرون معه أنه كما فشلت المحاولات السابقة، ليس هناك ما يمنع فشل المحاولة الأخيرة وصلب شخص آخر (أي هرب المسيح وإلقاء القبض على آخر) وسوف نذكر مواقف لمحاولة القبض على المسيح أو رجمه بالحجارة. لو 4: 30 عندما قرروا إلقاءه من على الجبل "جاز في وسطهم ومضى" يو 7: 30 في الهيكل في أورشليم "طلبوا أن يمسكوه ولم يلق أحد يداً عليه لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد" يو 8: 59 في الهيكل أيضاً "رفعوا الحجارة ليرجموه. أما يسوع فاختفى من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى" يو 10: 31، 39-40 في الهيكل أيضاً "فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه ... فطلبوا أن يمسكوه، فخرج من أيديهم، ومضى إلى عبر الأردن". ولنا هنا بعض الملاحظات: 1-إن السبب في عدم القبض على المسيح يوضحه الرسول بقوله: "لأن ساعته لم تكن قد جاءت" يو 7: 30. فقد كان هناك وقت معين من قبل الله، ليتم فيه القبض على المسيح، ويحكم عليه بالصلب، لذلك باءت المحاولات السابقة بالفشل وقد شهد الرسول يوحنا لحادثة موت المسيح بإشارات سبع إلى "ساعة يسوع" وقد كانت هذه ساعة مصيرية حيث سيترك العالم ويرجع إلى الآب، كانت هذه الساعة تحت سلطان الآب. ففي المرات السابقة لم تكن هذه الساعة قد أتت لذلك لم يتم القبض عليه، وعندما جاءت الساعة المحتومة في علم الله الأزلي تم القبض على المسيح. وقد أعلن المسيح نفسه هذا قائلاً "قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان". 2-ليس في اختفاء المسيح في أي مرة من المرات السابقة، معجزة أو إلقاء شبهه على آخر، ولكن وجود الجمهور الكثير كان يسهل هذا الأمر، وخوف رؤساء الكهنة من ثورة هذا الجمهور، حيث أن المسيح كان يعتبر عندهم كنبي. 3-إن الأحداث التالية قد أكدت لنا أن الشخص المقبوض عليه هو المسيح –كما أوضحنا ذلك سابقاً- من أقواله وأعماله وشهادة الشهود. *تغير خطة القبض على المسيح: وهل في هذا دليل على أن المصلوب ليس هو المسيح؟ "إن الأناجيل اتفقت على أن كهنة اليهود كانوا قد تواطؤوا وتحالفوا على قتله بعد عيد الفصح حتى لا يحدث شغب بين الشعب في العيد، وهذا صريح في الإنجيل. ولكن هؤلاء الرواة نسوا، أو نقضوا ما تواطؤوا على روايته، فحكوا أن هجوم اليهود عليه وأسرهم إياه، وقتله وصلبه كان في العيد، ومن المعلوم أن اليهود لا يجوزون فعل شيء، حتى فعل الخير في السبت والأعياد، كما صرحت الأناجيل بذلك، فيلزم من تناقضهم هذا أمرين: إما كذب الأناجيل في وقوع الصلب في العيد، أو كذبهم في نقلهم عن اليهود أنهم تواطؤوا على قتله أثناء العيد. على كل فقد ثبت بالبداهة كذب الأناجيل في قضية الصليب[3]. التعليق: سوف نضع تعليقنا هنا على هيئة سؤالين وجوابين. (1) لماذا لم يكن رؤساء الكهنة يريدون القبض على يسوع في العيد؟ "كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين، وكان رؤساء الكهنة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه. ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب" مر 14: 1. لقد كان لدى رؤساء الكهنة أسباب قوية تمنعهم من القبض على يسوع في العيد منها: 1-الخوف من حدوث شغب في العيد: ففي عيد الفصح كانت أورشليم تعج باليهود، فقد كان محتماً على كل ذكر بالغ أن يحضر احتفالات الفصح، بل كان محتماً أيضاً إذا أمكن ذلك أن يعيش كل يهودي على مسافة لا تزيد عن سفر تسعين يوماً على العاصمة لكي يتمكن من حضور العيد في موعده. وفي عيد الفصح "يتزايد عدد سكان أورشليم، وتصبح المساكن غير كافية لجموع الحجاج، حتى أن الجماهير المتدفقة تعسكر خارج أسوار أورشليم، وكان هؤلاء الحجاج ذوي حماس ديني، كما كان كل يهودي متطرفاً في نظرته"[4]. ولقد كان يسوع أشهر من نار على علم، فقد أبرأ المرضى، وفتح أعين العميان، وأقام الموتى، ونادى بملكوت المحبة، ولقد كان في فلسطين في ذلك الحين ما يقرب من ثلاثة ملايين من اليهود، معظمهم لم يشاهده، ومع ذلك فقد كان الجميع من كبيرهم إلى صغيرهم ينتظرون ظهور المسيا، بحماس يفوق الخيال. وعلى أقل تقدير كان هناك ثمانية آلاف شخص يؤمنون بيسوع المسيح كالمسيا المنتظر ابن الله الحي"[5]. ولذلك خاف رؤساء الكهنة أن يقبضوا على المسيح في العيد خوفاً من حدوث الشغب من المؤمنين بالمسيح، ومن اليهود المتعصبين الذين ينتظرون المسيا، ومن الأعداد المتزايدة في عيد الفصح، وكانت دائماً فرصة العيد وقتاً لإثارة الثورات اليهودية ضد الاحتلال الروماني، حتى أن الأمر كان يقتضي دائماً أن يترك الوالي الروماني مقر الحاكم الرسمي في قيصرية على الساحل ويأتي ليقيم في أورشليم حتى انتهاء أيام العيد. إذن كان واضحاً أمام رؤساء الكهنة أن القبض على المسيح في العيد سوف يؤدي إلى شغب نظراً لحماس الجماهير المحتشدة ليسوع. وهذا الشغب سوف يعطي فرصة للرومان للتدخل وسفك الدماء. لذلك قرروا عدم القبض على المسيح. وهناك سبب آخر هو: 2-الخوف من المسيح: يرى فرانك موريسون: "إن الخوف من الشعب لا يعلل لنا بعض الأشياء الغريبة التي حدثت، وأن وراء الخوف الظاهري المعترف به من الشعب، خوفاً آخر، أشد وأعمق، خوفاً يعلل كل ترددهم وتذبذبهم.. فإن شهرة يسوع كانت قد ذاعت بين الناس وعلا اسمه بين القوم وسمت شخصيته، وتناقلت الألسن قصص معجزاته في إعادة البصر للعميان، وإبراء المشلولين، وانثالت هذه الأنباء على أورشليم من كل أنحاء البلاد، وسلم بها الناس حتى في الأوساط العليا، وأن معاصريه لم يرتابوا في أن لديه بعض القوة الخارقة التي لم يألفوها في جيلهم.. لقد أيقنوا أنهم أمام قوة خارقة غامضة غير معروفة لابد لهم أن يحسبوا حسابها في تنفيذ مآربهم. إن أولئك الناس كانوا في تصرفهم مع يسوع يخشون شيئاً لم يعرفوا ما هو.. لقد خشوا أن تتدخل قوة غريبة فتأخذه من بين أيديهم فيعجزوا في آخر الأمر من إلقاء القبض عليه"[6]. 3-الإجراءات القانونية: حيث أن العيد كان قريباً، ولا يجوز للسنهدريم الأعظم أو الأصغر، أن ينعقد عشية السبت أو خلال العيد، وذلك حسب قوانين الفريسيين، فإذا تم القبض على المسيح قبل أو خلال العيد، فلا بد من حجزه في السجن العمومي، لمدة تسعة أيام حتى ينتهي العيد، ومن يستطيع أن يتنبأ بعدم قيام ثورة خلال هذه الفترة والمحاولات التي تبذل لإنقاذه[7]. لهذه الأسباب قرر رؤساء الكهنة عدم القبض على المسيح في العيد. (2) لماذا تغيرت الخطة ولم يتم القبض على المسيح في العيد؟ -لقد حدثت أمور أدت إلى تغيير خطة رؤساء الكهنة فقرروا القبض على المسيح، لقد كانت تواجههم مشاكل معينة، فما الذي حدث وأدى إلى هذا التغيير السريع؟ لقد ذهب يهوذا في وقت سابق إلى الكهنة للاتفاق معهم على تسليم يسوع "ولما سمعوا فرحوا ووعدوا أن يعطوه فضة. وكان يطلب كيف يسلمه في فرصة موافقة" مر 14: 11. وها هي الفرصة قد أتت في ليلة الخميس، وحمل إليهم يهوذا نبأ هاماً غير موقفهم وأزال شكوكهم وترددهم وهو أن المسيح يفكر في الموت ويتحدث عنه وهو الآن ذاهب إلى سفح جبل الزيتون، وسوف يمكث فترة طويلة هناك وبإمكانهم الآن أن يذهبوا للقبض عليه، فقد تم التغلب على الصعوبتين. 1-الخوف من المسيح: فالمسيح الآن مهيأ، ومستعد للصلب. فيهوذا لما خرج من العلية عرف عن يقين أمرين: عرف أن يسوع ذاهب إلى بستان جثسيماني وعرف أيضاً أن روحه أخذه في الجنوح نحو الصليب. وقد عرف يهوذا أن هذا أفضل نبأ يمكن أن يحمله إلى اليهود. فالعائق قد أمحى ويسوع لم يكن متأهباً تلك الليلة على الأقل للمقاومة. فالمسيح قد عرف أن وقته قد جاء، وساعة الصليب قد اقتربت. 2-الخوف من الشعب: لقد كان التوقيت الذي تم فيه القبض على المسيح مناسباً جداً للتغلب على هذه الصعوبة، فالآن الشعب منهمك في إعداد الفصح، والوقت ليلاً. وقد أجمع المؤرخون على أن وقت القبض على يسوع في بستان جثسيماني جرى في ساعة متأخرة من الليلة السابقة ليوم الصلب. قبيل منتصف الساعة الثانية عشرة. وهذا التقدير أساسه حساب الزمن الذي استغرقته الحوادث المدونة بين الفراغ من حفلة العشاء في العلية، وبين وصول الشرذمة من الجند المسلحة إلى البستان فوق منحدرات جبل الزيتون. والدليل على أن القبض كان في ساعة متأخرة. أ-كان التلاميذ تعابى، منهوكي القوى.. لم يقدروا على مغالبة النوم. ب-يشير كل من متى ومرقس إلى ثلاث فترات متقطعة من النوم كان يوقظهم كل مرة مجيء المسيح. جـ-كان الوقت ظلاماً، واستطاع يسوع عند رؤيته المشاعل أن يميز القادمين للقبض عليه وإذا افترضنا أنهم فرغوا من العشاء في منتصف العاشرة، وأنهم بلغوا البستان في العاشرة تماماً، فلا يمكن أن يكون القبض على المسيح، وقع قبل منتصف الساعة الثانية عشرة[8]. 3-وأما السبب الثالث وهو الإجراءات القانونية المتعلقة بالمحاكمة واجتماع السنهدريم وإنهاء الإجراءات قبل السبت، فبعد زوال السببين الأولين، أصبح لا يشكل مشكلة جوهرية، حيث أن هذا الأمر بأيديهم التغلب عليه. فالتلاميذ وكتبة الأناجيل لم ينقضوا ما قالوه، والأناجيل ليست كاذبة في وقوع الصلب في العيد. بل لقد أخبروا عن ما تم بأكثر دقة وتفصيلاً بأن هناك اتفاق بعدم القبض على المسيح في العيد، ولكن بعد زوال هذه الأسباب وإمكانية التغلب عليها، تغيرت الخطة وتم القبض على المسيح، وصلب المسيح يوم عيد الفصح فالتلاميذ ليسوا بكاذبين في إخبارهم عن صلب المسيح، بل هم شهود عيان صادقين كل الصدق. لأن "كل الكتاب هو موحى به من الله" 2تي 3: 16. وقد كتبه "أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" 1بط 1: 21. فتغير الخطة ليس فيه دليل على أن المصلوب ليس هو المسيح. *"وهم –أي اليهود- في سراديب المادية المعتمة، أشرقت رسالة المسيح، ولكن القوم صمت آذانهم حتى لا تضيع منهم أكياس نقودهم وميراث أميرهم، وبدأ الصدام بينهم وبين المسيح، ووصل ذروته عندما أرادوا أن يقتلوا المسيح." سعيد أيوب في كتابه "المسيح الدجال". ط الفتح للإعلام العربي. سنة 1989. ص 38. *وفي كتابه "قرية ظالمة" يسجل د.محمد كامل حسين هذه الأسباب: "أما أصحاب الرأي منهم فقد أرهقهم ما قضوا فيه ليلتهم، من جدل ونقاش عاليين إذ دار بحثهم حول هذا الرجل الذي جاءهم ببدعة أقضت مضاجعهم. ذلك أنه أخذ يدعو الناس إلى دين جديد، وما زال يسفه أحلامهم، ويضل رجالهم حتى خيف من دعوته على دينهم ونظامهم، وكانوا قد حكموا عليه بالصلب وتواعدوا في دار ندوتهم يوم الجمعة ليبلغوا حكامهم الرومان ما قر عليه رأيهم في هذا النبي الجديد" ويضع على لسان رجل الاتهام الأسباب التالية: "إنه –أي المسيح- يريد أن يجعل الجهلاء أنداداً لأمثالنا ويريد أن يجعل الفقراء وإيانا سواء، وفي ذلك قضاء على نظام بني إسرائيل كله.. ثم إنه كفر بالله وأنكر الصفات التي له في التوراة. فهو لا يقول بجبروته وانتقامه، وإنما يقول إن الله هو الحب، ويريد أن لا يخاف الناس الله، وإنما يريد لهم أن يحبوه، لأنه يحبهم. وفي ذلك خروج على تعاليم التوراة، لا بد أن يؤدي على الفوضى". قرية ظالمة. ط4. سنة 1984. مكتبة النهضة المصرية. ص 8، 12. (45) هل صلب المسيح حقاً وقام؟القس عبد المسيح بسيط. ط1. سنة 1993. ص 27. (*) كتب د.عبد الغني عبود: "لقد وقف اليهود –أعداء الحق وأعداء الرسل والرسالات- من المسيح عيسى بن مريم، منذ البداية، موقف التحدي والتصدي، لأن هذا شأنهم منذ كانوا، مع كل راية حق ولقد بدأت متاعب المسيح مع اليهود من اليوم الأول الذي عرفوا فيه أنه هو المسيح المنتظر المكتوب عندهم في التوراة. *ففي البدء، كانت ملاحقة علمائهم له لإحراجه بالأسئلة، حتى يسقط في أعين سامعيه فتظل لهم القيادة الروحية التي لا يتشبثون إلا بها.. وقد وجدوا أن سهامهم في هذا المجال تتجه إلى صدورهم، لا إلى حيث وجهوا السهام، وهو صدر المسيح ذاته، حيث كان ذكاء المسيح وسعة أفقه، يمكنانه من أن يحرج هو من أرادوا إحراجه. ويكاد الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى على سبيل المثال، أن يكون مخصصاً كله لأمثال هذه الألوان اليهودية من الإحراج، ورد السيد المسيح عليها. -عندما فشلوا في مجال الإحراج هذا، اتجهوا إلى مجال آخر، وهو محاولة الإيقاع بينه وبين السلطة لتفعل به ما عجزوا هم عن فعله، ولعل أشهر القصص في هذا المجال، هو قصة الجزية التي يوردها متى (مت 22: 15-21). -ولما فشلوا في كل طريق سلكوه، لم يعد أمامهم إلا الحل الأخير، الذي لا يترددون في اللجوء إليه عندما تعييهم الحيل، وهو التصفية الجسدية". المسيح والمسيحية والإسلام. دار الفكر العربي. ط1. سنة 1984. ص 77. (46) المسيح بين الحقائق والأوهام. ص170. (47) الفارق بين المخلوق والخالق. ص 401, 520. وانظر أيضاً: المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. ص 129. (48) محاكمة المسيح. فرانك باول. ترجمة إبراهيم سلامة. ص 58. (49) اليوم الذي مات فيه المسيح. ص 80. (50) من دحرج الحجر. ص 24-25. (51) محاكمة المسيح. ص 60. (52) من دحرج الحجر. ص 9، 29. |
رد: من هو المصلوب
عدم دفاع التلاميذ عن الشخص المقبوض عليه
-عند القبض على الشخص الذي سوف يصلب، فإن التلاميذ تركوه وهربوا، ولم يدافعوا عنه وذلك لأنهم قد عرفوا من المسيح عندما أيقظهم من النوم أن الذي سيصلب هو يهوذا[1]. التعليق: لنا هنا تساؤل: هل كان المسيح محتاجاً إلى من يدافع عنه، وهو المؤيد بالروح القدس. سواء كان الروح القدس هو الله نفسه حسب إيماننا المسيحي أو كان هو الملاك جبرائيل حسب فكر الآخرين. فاعتقد بأنه كان سيؤيده بالنصر المبين واعتقد أن السؤال يكون صحيحاً لو كان "لماذا دافع التلاميذ عنه وخاصة بطرس باستعماله السيف، رغم أن المسيح قد سبق ،أنبأ عن موته؟" -بالرجوع إلى متى 26 نجد محاولة التلاميذ للدفاع عن المسيح وموقف المسيح من هذا "حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه. وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: "رد سيفك إلى مكانه" لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون. أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة". "ثم أن سمعان بطرس كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد، الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها" يو 18: 10-11 ومن هذه النصوص نرى: 1-إن بطرس -أحد تلاميذ المسيح- حاول الدفاع عنه، ولكن ماذا يفعل هؤلاء في مواجهة جنود مدججين بالسلاح. 2-إن المسيح كان يعرف مسبقاً كل هذا، ولذلك حذر تلاميذه من استعمال السيف وأراد أن يحافظ على تلاميذه. ويصور الأستاذ/ خالد محمد خالد هذا المشهد قائلاً: "عندما هاجم غوغاء اليهود بستان الزيتون ليقبضوا على المسيح، تقدم من الحرس وسألهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. فقال: أنا هو ولست أسألكم إلا شيئاً واحداً. ثم أشار بيد أمينة حانية صوب تلاميذه، الذين كانوا معه في البستان، واستأنف حديثه مع الحرس قائلاً: أن تدعوا هؤلاء يذهبون إلى بيوتهم، حتى أستطيع أن أقول لأبي حين ألقاه: إن الذين أعطيتني، لم أهلك واحداً منهم أحد". انظروا.. في هذه المباغتة الشريرة المذهلة، لم يذكر نفسه ولا حياته، وإنما ذكر مسؤوليته الكبرى، نجاة الآخرين. لم يشترط لنفسه نجاة ولا سلامة. إنما اشترطها للآخرين. وذلك كي يستطيع أن يقول لربه حين يلقاه: "إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحداً"[2]. -فالتلاميذ حاولوا الدفاع عن المسيح، وليس هناك أي دليل على أن المسيح قال لهم عندما أيقظهم من النوم أن الذي سيصلب هو يهوذا. وإذا كان هناك مثل هذا القول من المسيح لتلاميذه فما هو الداعي أن يتبع بطرس ويوحنا المقبوض عليه إلى دار رئيس الكهنة؛ وإلى الجلجثة بعد ذلك، حيث تم صلب المسيح. -ثم إذا كان التلاميذ عارفين أن المصلوب هو يهوذا، قكيف أعلنوا عن موت المسيح وقيامته. هل كانوا خادعين أم مخدوعين وهل يقدم مثل هذا الشخص حياته للموت في سبيل المناداة بتعليم هو يعلم أنه غير صحيح؟ -هل كل شهود المحاكمة والصلب كانوا أيضاً مخدوعين أم أنهم لم يتعرفوا على الشخص المقبوض عليه؟ أم أنهم عرفوا وشاركوا في الخدعة الكبرى؟ لا نستطيع أن نعطي إجابة على مثل هذه الأسئلة، إلا بالإعلان الصريح أن المصلوب هو المسيح. (53) المسيح قادم. ص 54، 57. (54) معاً على الطريق. ص 207-208. |
رد: من هو المصلوب
إنكار أن بطرس معرفته بالشخص المصلوب
"إن بطرس رئيس الحواريين، كان يحلف أنه لا يعرف المصلوب، فقد سألته امرأة عن المقبوض عليه، فأنكر بقسم أني لست أعرف الرجل" مت 26: 72.. ولا يستطيع أن ينكر مسيحي أن بطرس رئيس الحواريين كان صادقاً حين أقسم أنه لا يعرف المصلوب، وأننا نتهم بطرس باطلاً بعدم الإيمان، إذا قلنا أن سيده يسوع يهان على الصليب وهو يتهرب ويخاف من الناس، مع ما له من السلطة العظيمة التي أعطاها إياه المسيح.. وبما أن بطرس لا يجوز مطلقاً أن يحلف كذباً، لأنه يعتبر أعظم مسيحي، أنجبته المسيحية، فهو إذن صادق، ويكون المصلوب لا يعرفه، ولزم أن يكون غير المسيح"[1]. التعليق: مر 14: 66-73 "وبينما كان بطرس في الدار أسفل جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة. فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصري. فأنكر قائلاً: لست أدري ولا أفهم ما تقولين. وخرج خارجاً إلى الدهليز فصاح الديك. فرأته الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين إن هذا منهم. فأنكر أيضاً. وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم لأنك جليلي ولغتك تشبه لغتهم. فابتدأ يلعن ويحلف إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه. وصاح الديك ثانية فتذكر بطرس القول الذي قاله يسوع إنك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات. فلما تفكر به بكى" (وانظر أيضاً مت 26: 69-75، لو 22: 55-63، يو 17: 15-18). "ولا يستطيع أحد أن يقرأ هذه الآيات دون أن يؤخذ بالصراحة الساطعة والصدق الناصع للعهد الجديد، فلو كانت هناك حادثة تستحق أن توارى عن مسامع الناس، فإن هذه الحادثة أولى بالإخفاء، ولكن صدق الإنجيل يظهر من رواية هذه الحادثة في بشاعتها وخزيها"[2]. -إن الرسل وكتبة الإنجيل لم يلقوا أستاراً على عيوبهم، بل سجلوها على أنفسهم كما هي، ومن العجيب أن الكاتب الذي عني بتسجيل خطية بطرس بإفاضة هو مرقس، أقرب الكتاب إلى قلب بطرس. وهذا أكبر دليل على أنهم رواة صادقون، لا يعرفون حمل سيف الحق مواربة. ولو كان هذا السيف يقطع رقابهم، ويودي بحياتهم"[3]. وبدراسة هذا الموضوع من خلال نصوص الإنجيل بعيداً عن التخيل والافتراء، نرى أن إنكار بطرس هنا لا يعني عدم المعرفة أو أن هذا الشخص المقبوض عليه ليس هو المسيح، بل إنه إنكار بسبب الخوف والأدلة على هذا: 1-إن المسيح قد سبق وأنبأ بأن بطرس سوف ينكره، ففي مت 26: 31-35 قال المسيح لبطرس "الحق أقول لك إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات". (انظر أيضاً مر 14: 27-31، لو 22: 32-34، يو 18: 15-18). فالمسيح قد تنبأ بهذا الإنكار، وقد تمت هذه النبوة حرفياً، لأن المسيح كان عارفاً بضعفات تلاميذه، وقد قال لبطرس: "الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت -من حالة ضعف الإيمان والشك والإنكار- ثبت إخوتك" لو 22: 31-32. وعندما أخبر المسيح بطرس مسبقاً بهذا الأمر. قال بطرس "ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" مر 14: 31. "كان على بطرس تصديق أن المسيح يعرف أكثر مما يعرف هو... إنه يسهل على الإنسان ذكر الموت بشجاعة والموت بعيد عنه، ولكن متى لاقى الموت وجهاً لوجه جبن وخاف أشد الخوف... ولعل بطرس قال في نفسه إقراري بالمسيح يضرني ولا ينفعه"[4]. 2-إن بطرس كان متأكداً أن الشخص الذي قبض عليه هو المسيح، والدليل على ذلك دفاعه عنه، فقد "كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه اليمنى وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: اجعل سيفك في الغمد. الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها." يو 18: 10-11. فلو لم يكن الشخص المقبوض عليه هو المسيح لما دافع بطرس عنه، والحوار واضح أنه كان بين المسيح وبطرس. 3-إن بطرس قد تبع المسيح بعد القبض عليه ودخل إلى دار الكهنة (لو 22: 15-17) أي لم يحدث تغيير للشخص المقبوض عليه. 4-أما القول بأن بطرس لا يجوز مطلقاً أن يحلف كذباً، لأنه يعتبر أعظم مسيحي أنجبته المسيحية، فهو كان صادقاً حين أقسم أنه لا يعرف المصلوب، فهو قول غير صحيح لأنه لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ والخطية –وكما أوضحت سابقاً- فالمسيح كان عارفاً بضعفه وحذره من ذلك. والكتاب المقدس عندما سجل أحداث هذه القصة سجلها كما حدثت وليس كما يجب أن تحدث في صورتها المثالية، ولا تبنى عقيدة على تصرف خاطئ من شخص، فبطرس عندما رأى في اعترافه بأنه تلميذ للمسيح _الشخص الذي يحاكم في ذلك الوقت- ما يعرضه للخطر، أنكر أنه يعرفه، أي أنه أنكر أنه تلميذ المسيح فقط "قالوا له ألست أنت أيضاً من تلاميذه فأنكر ذاك وقال لست أنا" يو 18: 25. فلم يكن السؤال هل هذا هو المسيح أم لا؟ ولكن الاتهام كان موجهاً إلى بطرس أنه من أتباع المسيح. والإنكار كان بسبب الخوف، وليس فيه أي دليل بالمرة على أن هذا الشخص –الذي يحاكم- ليس هو المسيح. 5-لو فرضنا أن الشخص المقبوض عليه، ليس هو المسيح، بل يهوذا. فهل لا يعرف بطرس يهوذا ويقول "إني لست أعرف الرجل" متى 26: 73 وهما معاً لمدة سنوات. 6-الأحداث التي تلت تؤكد أن هذا الشخص هو المسيح، فبعد أن أنكر بطرس "صاح الديك فالتفت الرب ونظر إلى بطرس فتذكر بطرس كلام الرب. كيف قال له: إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. فخرج بطرس إلى خارج وبكى بكاء مراً" لو 22: 60-62. فعندما نظر المسيح إلى بطرس كان في نظرته تذكير له بنبوته السابقة، وتبكيت على هذا الإنكار، وربما أظهر المسيح في هذه النظرة شفقة وحزناً على بطرس، فخرج إلى خارج وبكى. فلو لم يكن هذا الشخص هو المسيح لما نظر إلى بطرس معاتباً، ولما تأثر بطرس بهذه النظرة، ولو كان هذا الشخص غير المسيح، ألم يتعرف بطرس عليه عندما تلاقت عيونهما وعند ذلك ما كان له أن يخرج ليبكي ندماً على إنكاره لسيده. وقد أعلن له من قبل "إن شك الجميع فأنا لا أشك.. ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" مر 14: 28-32. 7-إن شهادة بطرس في كرازته عن موت المسيح وقيامته، هي خير برهان على أنه كان متأكداً من ذلك. فقد وعظ اليهود قائلاً: "أيها الرجال الإسرائيليون، اسمعوا هذه الأقوال، يسوع الناصري .. أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتموه وقتلتموه الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منة" أع 2: 22-24. "فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً" أع 2: 36. "إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب وإله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود على ذلك" أع 3: 13-15. (اقرأ أيضاً أع 4: 2، 10. أع 5: 30-32. أع 10: 39-40) وفي رسالتيه تحدث عن موت المسيح قائلاً: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب .. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح معروف سابقاً قبل تأسيس العالم. ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم، أنتم الذين به تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات وأعطاه مجداً" 1بط 1: 18-20. (اقرأ أيضاً 1بط 3: 18. 2: 21، 24. 5: 5) فمتى تم صلب المسيح الذي يعلن عنه بطرس، ويشهد له، ويجعله أساس الإيمان المسيحي؟ ولو كان المصلوب شخصاً آخر، فمن يصدق أن بطرس يقدم حياته للموت وهو عالم أن المصلوب ليس هو المسيح؟ ما أسهل إلقاء القول على عواهنه بدون دليل أو برهان. وماذا نقول لأناس ينكرون الشمس في رابعة النهار. (55) المسيح بين الحقائق والأوهام. ص 175. وانظر أيضاً: أ-الأديان في القرآن. د.محمود الشريف. ط4. دار المعارف. ص 109. ب-المسيح قادم. ص 56-57. جـ-المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. ص 154، 158. د-دعوة الحق. ص 123. هـ- المسيح والمسيحية والإسلام. ص 190. (56) تفسير العهد الجديد. وليم باركلي. مجلد 1. ص 439. (57) شرح بشارة لوقا. د. القس إبراهيم سعيد. ص 557. (58) الكنز الجليل. وليم إدي. جـ1. ص 469. |
رد: من هو المصلوب
إنكار المصلوب أثناء المحاكمة أمام رئيس الكهنة
"لقد جاء في كتبهم أن رئيس الكهنة سأل المصلوب قبل تنفيذ الحكم "وقال أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله. قال يسوع: أنت قلت" مت 26: 63-64. إن قول المصلوب، أنت قلت، إنكار لاشك فيه، ولو كان كما يزعمون هو المسيح، لما وسعه إلا الجواب الصريح، سيما ورئيس الكهنة يستحلف بالله. فهل لا يأبه المسيح بالله العظيم؟ إن إنكار المصلوب كونه المسيح بعد القسم عليه، لدليل لا شك في كونه غيره"[1] التعليق: أولاً: إن رئيس الكهنة لم يسأل المصلوب قبل تنفيذ الحكم، ولكن السؤال كان أثناء المحاكمة لإيجاد دليل اتهام له. ثانياً: لكي تكون الصورة واضحة سوف نذكر النص الكتابي –الذي اقتبس منه- كاملاً لكي نرى من خلاله هل أنكر المصلوب أنه هو المسيح؟ "والذين أمسكوا يسوع مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة، حيث اجتمع الكتبة والشيوخ .. وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه. فلم يجدوا. ومع أنه جاء شهود زور كثيرون لم يجدوا. وأخيراً تقدم شاهدا زور وقالا: هذا قال إني أقدر أن أنقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه. فقام رئيس الكهنة وقال: أما تجيب بشيء، ماذا يشهد به هذان عليك؟ وأما يسوع فكان ساكتاً. فأجابه رئيس الكهنة وقال: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟ فقال له يسوع: أنت قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء، فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً: قد جدف، ما حاجتنا بعد إلى شهود ها قد سمعتم تجديفه. ماذا ترون؟ فأجابوا وقالوا: إنه مستوجب الموت" مت 26: 57-66. وانظر مر 14: 53-64. لو 22: 66-71. لقد قبضوا على المسيح واقتادوه إلى قيافا رئيس الكهنة وأمام الاتهامات الموجهة إليه كان يسوع ساكتاً (مت 26: 62-63). ولم يجب بشيء (مر 15: 61) فلماذا كان صامتاً وهل في هذا الصمت دليل على أنه ليس هو المسيح؟ "في أحايين كثيرة كان الصمت أبلغ من الكلام: 1-فهناك صمت القلب المندهش المعجب: وفي مرات كثيرة نصفق أو نهتف لمن يمثلون أو يخطبون إعجاباً بهم، ولكن متى زاد إعجابنا فإننا نصمت في حضرتهم، وقد يظهر إنسان بنظرة واحدة من عينيه شكراً أعمق وأعظم مما تقوله آلاف الكلمات المكتوبة في قواميسنا. 2-وهناك صمت الاحتقار: فقد تسمع كلام أحدهم أو سؤاله أو حجته، وبدلاً من أن ترد عليها كلمة بكلمة محتقراً إياها، ما عليك إلا أن تدير ظهرك له وتتركه بدون جواب، فيحس الاحتقار والخزي أضعاف المرات. 3-وهناك صمت الخوف: فهناك من يحبس الخوف الكلام في فمه، إن جبنه الروحي أو النفسي يؤثر على لسانه فلا يستطيع أن يتكلم أو يعمل سوى أن يصمت، صمت الخزي. 4-وهناك صمت القلب الحزين: في مرات كثيرة يجرح الإنسان فيحزن ولا يستطيع أن يجد كلاماً يعبر به عن حزنه أو اعتراضه أو غضبه فيسكت. والحزن الأعمق هو الحزن الصامت الذي يفوق الغضب والتوبيخ وأي صنف من الكلام. 5-وهناك صمت الكارثة أو المأساة: هذا صمت لأنه لا يوجد كلام، وهذا بعينه كان صمت يسوع. لأنه عرف أنه لا يوجد ارتباط أو تفاهم بينه وبين اليهود. لأن وسائل الاتصال قد انقطعت تماماً. فقد أسدلت الكراهية ستاراً حديدياً بينهم وبينه. إنه لموقف مرير أن يجد الإنسان نفسه غير مقتنع بالكلام لأنه لا فائدة منه"[2]. ونستطيع أن نضيف أسباباً أخرى لهذا الصمت: 1-لأنه لم يكن لرؤساء الكهنة الحق في الجلوس على كرسي القضاء بسبب مخالفتهم الشريعة في القبض عليه. 2-لأن محاكمتهم لم تكن قانونية: أ-إذ أن التهمة التي وجهوها إليه، وهي التجديف كان من الواجب أن لا تناقش سراً في بيت، بل أمام الملأ علناً. ب-لأنهم استدعوا شهوداً لم يلتقوا به عن قرب، ومن ثم لم يستطيعوا أن يذكروا الأقوال التي خرجت من فمه. 3-لأن أسئلتهم للمسيح كانت أسئلة تهكمية، وليست استفسارية والمسيح أرفع من أن يجيب على مثل هذه[3]. 4-لأن المسيح لم يكن مضطراً للإجابة على أسئلتهم، فالهدف من الأسئلة، ليس هو المعرفة، بل ليجدوا ما يشتكوا به عليه، وعندما صرح لهم بأنه هو المسيح لم يؤمنوا، بل قالوا: لقد جدف. 5-لأن المسيح كان عارفاً، أنه قد أتت الساعة، وهو الآن في طريقه للصلب حسب إرادة الله المحتومة، وعلمه السابق. 6- لأنه لم يكن هناك فائدة من الكلام وأنه مهما قال، فإنه لن يغير من الأمر شيئاً مما قرروه، وقد أوضح ذلك بقوله: "إن قلت لكم لا تصدقون وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني" لو 22: 67-68. أي أن الحوار أصبح غير مجد لأنهم سبقوا وقرروا "أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب" يو 18: 14. لهذه الأسباب صمت المسيح أمام الكهنة ولم يكن صمته إنكاراً منه أنه المسيح. ولكن عندما وجه قيافا إلى يسوع القسم الأعظم في الدستور العبراني "أستحلفك بالله الحي" لم يكن هناك مفر أن يجيب يسوع وهو اليهودي التقي النقي المحافظ على الشريعة صوناً لحرمة هذا القسم العظيم، وقد جاء بكتاب المشنا اليهودي: "إذ قال قائل: أستحلفك بالله القادر على كل شيء أو بالصباؤوت، أو بالعظيم الرحيم، الطويل الأناة، الكثير الرحمة، أو بأي لقب من الألقاب الإلهية، فإنه كان لزاماً على المسؤول أن يجيب"[4]. ورغم أن صيغة سؤال قيافا قد توحي بأنه لم يأت كاستفهام نزيه غير مغرض. هل أنت المسيح؟ أنت السجين الضعيف الذي تخلى عنك الجميع .. إنه سؤال ينم عن السخرية اللاذعة أو الغضب الشديد، ولو أن رئيس الكهنة كان يتكلم ساخراً، إلا أن ما قاله تطابق مع ما كان يقول يسوع عن نفسه[5]. " والنص: أنت قلت" أو "أنتم تقولون أني أنا هو" الذي يقع على الأذن في العصر الحديث موقع المراوغة والتملص، لم يكن فيه شيء من هذا المعنى لدى الفكر اليهودي المعاصر للمسيح. فعبارة "أنت تقول" كانت الوضع التقليدي الذي يجيب به اليهودي المثقف على سؤال خطير أو حزين"[6]. "أنت قلت" رد إيجابي به خرج المسيح عن صمته وأجاب رئيس الكهنة بكل حزم عن حقيقة ذاته له المجد، وهذا القول هو أسلوب الحكيم الذي قل ودل والذي لا يصدر إلا عن نفس راسخة مطمئنة، وفي الوقت نفسه هو تقريع لاذع لرئيس الكهنة يدعوه إلى التفكير والانتباه لأن حقيقة كون المسيح هو "ابن الله" كانت قد بلغت أذن هذا الرجل وآذان الكهنة معاً، وذلك بعد أن أيدها المسيح بالأدلة المعجزية، وأثبتها أيضاً من التوراة التي كانت بين أيديهم (تث 22: 41-46). ومن ثم لم يكن من الواجب أن تعاد هذه الحقيقة أمامهم مرة أخرى. مما يثبت أن المسيح نفسه هو قائل هذه العبارة، أنه قد استعملها في أقواله كثيراً. فلما سأله يهوذا الإسخريوطي في الليلة السابقة للصلب: هل أنا هو –الذي سيسلمك- يا سيدي؟ أجابه المسيح: أنت قلت" مت 26: 25. ولما سأله بيلاطس الوالي أثناء المحاكمة "أفأنت إذاً ملك؟ أجابه على الفور: أنت قلت" يو 18: 38[7]. -وكما أوضحنا سابقاً- إن المسيح لم يكن مضطراً للإجابة على سؤال رئيس الكهنة، لأن الهدف من السؤال ليس المعرفة، بل ليجدوا ما يشتكوا به عليه، ولكنه أجاب حتى لا يستنتجوا من سكوته أنه رجع عن دعواه، أنه هو المسيح ابن الله الحي. ومن الأدلة على أن الشخص الذي يحاكم هو المسيح وليس أي شخص آخر ما يلي: 1-إن اليهود فهموا من قوله: "أنت قلت" أنه هو المسيح، والدليل على ذلك أنهم اتهموه بالتجديف. وقالوا: "إنه مستوجب الموت" والمسيح قد أيد صحة هذا ولم يقل لهم أبداً أنهم قد أخطأوا فهم أقواله. 2-لو كانت هذه الإجابة تعني الإنكار، لأطلق رؤساء الكهنة سراحه، لأنه بذلك يكون قد أنكر ما يدعيه بكونه هو المسيح، والجماهير التي تبعته على أساس أنه هو المسيح المنتصر كانت ستفارقه، وبذلك تنتهي القضية كلها. 3-إن بقية قول المصلوب "من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" فيه يوضح لهم أنه هو المسيح المنتظر الذي تنبأ عنه العهد القديم في دا 7: 13-14. أي أن المصلوب يقتبس النبوات التي جاءت عن المسيح في العهد القديم، والتي يعرفها سامعوه جيداً، ومطبقاً إياها على نفسه. فكيف ينكر المتهم أنه هو المسيح، ثم يطبق –في نفس القول- نبوات العهد القديم عن المسيح على نفسه؟ هذا يؤكد أن هذا الشخص هو المسيح نفسه. 4-لو كان هذا الشخص هو يهوذا أو غيره، فلماذا لم يقل لهم صراحة أنه ليس هو المسيح، حتى يطلقوا سراحه، ولا يعطي لهم أي فرصة للالتباس أو التشكك. 5-ثم أن الأحداث التي تلت ذلك من خلال أقوال وأعمال هذا الشخص تؤكد لنا أنه هو المسيح. إذاً استخدام هذه المقولة لإثبات أن المصلوب ليس هو المسيح، هي رامية من غير رامٍ، وادعاء كاذب ولا سند له من حقيقة. (59) المسيح بين الحقائق والأوهام. ص 76.وانظر أيضاً 1-المنتخب الجليل. ص 308, 311. 2-بين المسيحية والإسلام. ص 166. 3-الرد على النصارى. ص 74. 4-الأجوبة الفاخرة. ص 56. 5-الفارق بين المخلوق والخالق. ص 47. 6-دعوة الحق. ص 123. 7-المسيح قادم. ص 57. (60) تفسير العهد الجديد. وليم باركلي. مجلد1. ص 654-655. (61) قضية الصليب. عوض سمعان. ص 125-126. (62) من دحرج الحجر. فرانك موريسون. ص 109. (63) التفسير الحديث: إنجيل متى. ر.ت.فرانس. ص 424. (64) من دحرج الحجر. ص 109. (65) قضية الصليب. ص 127. |
رد: من هو المصلوب
أقوال المصلوب أمام رئيس الكهنة
"من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" مت 26: 64. " وابن الإنسان في إنجيل متى هو المسيح، والمتحدث يقول إنه من الآن أي من اللحظة التي هو يتحدث فيها، يبصرون ابن الإنسان على النحو الذي أشار إليه. فكيف يكون ذلك، إلا أن يكون المتحدث شخص آخر غير المسيح، إذ لا يمكن أن يكون هو نفسه المسيح واقفاً بينهم، وفي نفس الوقت يكون المسيح في مكان آخر جالساً عن يمين القوة آتياً على سحاب السماء، لا شك إذاً أن هذا المتحدث شخص آخر غير المسيح، ولذا حسب اعتقاده قال: إنه في نفس اللحظة التي كان يتحدث هو فيها، يرون المسيح جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء"[1]. التعليق: 1-إن هذه العبارة التي جاءت في متى 26: 64، تشير إلى ما جاء في دا 7: 13-14 "كنت في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لا يزول وملكوته ما لا ينقرض". وابن الإنسان لقب من ألقاب المسيح وقد أطلق المسيح هذا اللقب على نفسه كثيراً، في إنجيل متى أكثر من ثلاثين مرة، وفي إنجيل مرقس خمسة عشر مرة، وفي إنجيل لوقا خمساً وعشرين مرة، وفي إنجيل يوحنا اثنتي عشر مرة وقد ذكر مرة واحدة في حديث اسطفانوس (أع 7: 56) ومرة في رسالة العبرانيين (عب 2: 6)، ومرتين في سفر الرؤيا (رؤ 1: 13، 14: 14). لماذا استخدم المسيح هذا اللقب في الإشارة إلى شخصه؟ أ-إن لقب ابن الإنسان يتضمن أنه "المسيا" ولكنه تجنب استخدام الأسماء المباشرة للمسيا، وذلك لأن المعاصرين من اليهود لم يكونوا على استعداد لقبول إعلانه ذلك. ب-لقد ارتبط تجسد المسيح منذ بداية خدمته بلقب "ابن الإنسان" يو 3: 13. ويبدو سموه الفريد في كلماته لنيقوديمس "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" وهذه العبارة الأخيرة "الذي في السماء" تتضمن وجوده في كل مكان، وفي نفس الوقت دليلاً على لاهوته "فابن الإنسان" إذاً هو "الرب من السماء" ظاهراً في صورة بشرية على الأرض، وفي نفس الوقت هو في السماء"[2]. إذاً لقب "ابن الإنسان" يعني المسيح، وحيث أن المسيح هو الإله المتجسد في صورة بشرية إذا ً من الممكن أن يكون معهم بالجسد، وفي نفس الوقت لاهوتياً جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء، ثم يجب ألا يغرب عن أذهاننا أن الجلوس عن يمين القوة لا يعني المكان لأن الله روح ليس محدوداً بمكان والمعنى هنا مجازي يشير إلى المجد والكرامة السلطان. وبالتالي فهذا القول لا يعني بالمرة أن الشخص المتحدث هنا ليس هو المسيح. 2-إن كلمة "من الآن" لا تعني هذه اللحظة التي يتكلم فيها الشخص الذي يحاكم أمام الكهنة، حتى كان يجوز الظن أن هذا الشخص هو يهوذا، لأن الكهنة لم يروا المسيح وقتئذ جالساً عن يمين الله أو آتياً على سحاب المجد[3]. ويتضح هذا من الترجمات الإنجليزية: 1-I say unto you. Here after ye shall see the son of man. (k.j) 2-The time has come when you will see. (Rieu) 3-Shortly you will see. (Ber) 4-In the future you will see. (Mof) 5-You will in the future see the son of man. (Ant) 6-In the future. (N.iv)[4] Here after، In the future، shortlyفكلمة "الآن" ترجمت وهي تعني في المستقبل أو فيما بعد أو بعد قليل 3-إن الفعل تبصرون "لا يرد في اللغة اليونانية –اللغة الأصلية للإنجيل- في صيغة المضارع، بل في صيغة المستقبل، وترجمته الحرفية "ستبصرون" وقد ترجم إلى اللغة العربية "تبصرون" في صيغة المضارع، لأن الفعل المضارع في العربية إذا لم يسبقه حرف "لم" فإنه يدل على الحال والاستقبال معاً (شرح شذور الذهب. ص61)[5]. وهذا واضح في الترجمات الإنجليزية –المذكورة سابقاً- حيث جاء الفعل في صيغة المستقبل You will See. وأيضاً في الترجمات العربية الحديثة كما في: الترجمة العربية الجديدة "وأنا أقول لكم: سترون بعد اليوم ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء"[6]. وفي الترجمة التفسيرية "وأقول لكم أيضاً أنكم منذ الآن سوف ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة ثم آتياً على سحاب السماء"[7] 4-آتياً على سحاب المجد "تعني تبرير وتمجيد ابن الإنسان في السماء". فعلى ضوء ما جاء في دا 7: 13-14. هي تعني مجيء إلى الله ليعطي ملكوتاً. والعبارتان تشيران إلى نفس حالة المجد، وليس إلى موقفين متعاقبين أو حدثين منفصلين بل تشير إلى فترة تبدأ من الآن، لأنه سرعان ما سيتضح سلطان ومجد المسيح. أي أن هذا النص يشير إلى مجيء المسيح إلى الآب. وهذا ما حدث بعد فترة قصيرة من القول به، عندما قام المسيح وجلس عن يمين الله وهو الآن في سلطانه الأسمى، وهو سلطان يصل إلى ذروته عندما يروا يسوع كديان للعالم"[8]. 5-إن القول "تبصرون ابن الإنسان" وليس تبصرونني، لا يدل على أن المسيح لم يكن هو المتكلم، بل على العكس يدل على أنه هو بعينه، لأنه هو الذي كان استعمل هذا اللقب عن نفسه. وقد قال لليهود عن نفسه من قبل "وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه" كما قال لهم "إن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا" مر 8: 10. ولم يقل إن لي سلطاناً أن أغفر الخطايا الأمر الذي يدل على أن الشخص الذي كان يحاكم أمام الكهنة هو المسيح[9]. وليس يهوذا أو أي شخص آخر. (66) دعوة الحق. ص 124. (67) دائرة المعارف الكتابية. مجلد2. ص 214-216. *ويذكر عبد الكريم الخطيب: إن كلمة ابن الإنسان التي ترد على لسان السيد المسيح تحمل في مضمونها المعنى الذي يراد من كلمة "الله" قضية الألوهية. جـ2. ص 259. *ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد: "أما الصفة التي تثبتت له (ع) في طوية ضميره فقد تكررت في كلامه عن نفسه على صور شتى, فهو نور العالم, وخبز الحياة, والكرمة الحقيقية وهو ابن الله, وابن الإنسان .. إن كلمة ابن الإنسان قد جاءت أحياناً مرادفة لضمير المتكلم "أنا" حين يتكلم المسيح عن نفسه. (مت 10, 16. مر 13. مر 8. لو 12). حياة المسيح. ص 184-186. *وكتب الأستاذ خالد محمد خالد: "فوق أرض فلسطين, شهد التاريخ يوماً, إنساناً شامخ النفس, مستقيم الضمير, بلغ الإنسان في تقديره, الغاية التي جعلته ينعت نفسه "بابن الإنسان". وابن الإنسان هذا, ذو العبير الإلهي تتركنا كلماته, ويتركنا سلوكه ندرك إدراكاً وثيقاً, الغرض العظيم الذي كابد تحقيقه, ألا وهو إنهاض الإنسان وإزهار الحياة ... نلتقي بالمسيح ينعت نفسه كثيراً بأنه "ابن الإنسان" بيد أن ابن الإنسان هذا لم يعرف فؤاده الذكي أية تخوم بين الآب والرب. لقد تخطى حدود النسب الأرضي وجاوزها جميعاً ... فالمسيح ينعت نفسه بأنه ابن الإنسان ويكررها كثيراً. إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس, بل ليخلص". معاً على الطريق محمد والمسيح. ص 6, 55, 7. (68) قضية الصليب. ص 128.(69) –The N.T. from 26 translation -The Amplified .N.T -New international version (70) قضية الصليب. ص 129. (71) الترجمة العربية الجديدة. دار الكتاب المقدس لبنان. سنة 1993. (72) كتاب الحياة. ط سنة 1989. (73) التفسير الحديث: إنجيل متى ص 424, 425, 289. (74) قضية الصليب. ص 129. |
رد: من هو المصلوب
أن المصلوب قد أدين بتهمة التجديف ولا يمكن أن يكون المسيح مجدفاً
"روى يوحنا أن المصلوب حكم عليه بالصلب كونه جدف وكفر، وذلك بحكم قيافا المسلم بنبوته (يو 11: 49-52). وهذا دليل فيه إلزامان: 1-إن المصلوب يمتنع أن يكون الله، وهل يقال على الإله جدف، لأن الحكم عليه بالتجديف كان عن نبوة قيافا، وحكم النبوة عدل لا نزاع فيه. 2-إن المصلوب غير عيسى، لأنه لا يصح أن يقال أنه عيسى الرسول وأنه الكافر معاً، ولا يصح إنكار نبوة قيافا"[1]. التعليق: قبل أن نعلق على القول السابق، نسجل النصوص الكتابية التي تتعلق بهذا الموضوع حتى تكون الصورة كاملة وواضحة. *يو 11: 45-53 "فكثيرون من اليهود الذين جاؤوا إلى مريم ونظروا ما فعل يسوع آمنوا به. وأما قوم منهم فمضوا إلى الفريسيين وقالوا لهم عما فعل يسوع، فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا: ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن به الجميع ويأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا. فقال لهم واحد منهم وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة، أنتم لستم تعرفون شيئاً. ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد. فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه". *مت 26: 63-66 "فأجاب رئيس الكهنة قال له: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع: أنت قلت، وأيضاً أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء. فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً: قد جدف، ما حاجتنا بعد إلى شهود، ها قد سمعتم تجديفه. ماذا ترون، فأجابوا وقالوا: إنه مستوجب الموت" *يو 18: 28-32 "ثم جاؤوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية. وكان صبح ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح. فخرج بيلاطس إليهم وقال: أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان. أجابوا وقالوا له: لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك. فقال لهم بيلاطس: خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم. فقال له اليهود: لا يجوز لنا أن نقتل أحد، ليتم قول يسوع الذي قاله مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت". *يو 19: 6، 7، 12 "فقال لهم بيلاطس: خذوه أنتم واصلبوه، لأني لست أجد فيه علة. أجابه اليهود: لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله .. كان بيلاطس يطلب أن يطلقه، ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين: إن أطلقت هذا فلست محباً لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر". لو 23: 1-2 "فقام جمهورهم وجاؤوا به إلى بيلاطس. وابتدأوا يشتكون عليه قائلين "إننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر، قائلاً إنه مسيح ملك" من خلال النصوص السابقة نقدم ردنا في نقاط محددة: أولاً: التجديف في العهد القديم: "التجديف لغوياً هو الكفر بالنعم أو استغلال عطاء الله وتوجيه الإهانة أو التعيير إليه. وهناك بضع كلمات عبرية تترجم إلى العربية بكلمة جدف أو تجديف وهي: 1-بارك: وهي في العبرية تعني البركة أو اللعنة، وقد ترجمت "بارك" بمعنى "العن" في قول امرأة أيوب له "بارك الله ومت" أي 2: 9. وترجمت إلى "جدف أو يجدف" في أي 1: 5، 11. وكذلك في حادثة تابوت اليزرعيلي (1مل 21: 10، 13). 2-جدف: بمعنى قذف أو أهان أو شتم كما في (1مل 9: 6، 12. إش 37: 6، 23. حز 20: 27) وترجمت إلى "شاتم" في مز 44: 16، وإلى "يزدري" في عدد 15: 3. 3-نقب: بمعنى "طعن" عن تجديف ابن المرأة الإسرائيلية على اسم الله وكان عقابه القتل رجماً (لا 24: 11-16)[2]. ثانياً: عقوبة التجديف: لقد كانت عقوبة التجديف هي الموت رجماً، عن طريق إلقاء الحجارة على الشخص المتهم حتى يموت. وكان يتم خارج المدينة (لا 24: 23. عدد 15: 35-36. 1مل 21: 13) وكان شهود الاتهام –كانت الشريعة تستلزم وجود شاهدين على الأقل (تث 17: 6)- يضعون أيديهم على المتهم (لا 24: 14. تث 17: 7)، لنقل الذنب من الجماعة إلى المذنب، ثم يكون الشهود أول من يرميه بالحجارة، ثم يرميه سائر الشعب بعد ذلك (تث 17: 7)، وذلك لنزع الشر من وسط الشعب (تث 12: 21)[3]. ثالثاً: هل جدف المسيح؟ " لقد حرص المسيح" على أن يتجنب النطق بالاسم القدوس والذي اعتبر في عصور متأخرة تجديفاً، وأن يدعي أنه المسيا لا يكاد يعتبر تجديفاً، فقد يكون هذا على كل حال ادعاء صحيحاً، أما الادعاء بأنه مسيح الرب في هذا الموقف غير المناسب، ربما ينظر إليه على أنه استخدم اسم الرب باطلاً، وهكذا فلم تترك كلمات يسوع أمام السلطات إلا اختيارين لا ثالث لهما، إما أن يتقبلوا ما يقوله، أو يحكموا عليه بسبب هذا التجديف"[4]. وإذ ننظر للأمر نظرة فاحصة عادلة نرى: أ-إن المسيح بادعائه أنه مسيح الرب لم يجدف، لأنه هو فعلاً كذلك. ب-إن اتهام المسيح من قبل رؤساء الكهنة بالتجديف، لا يعني صحة هذا الاتهام فما أكثر الاتهامات الباطلة التي يثيرها الناس ضد أعدائهم، واليهود قد قرروا التخلص من المسيح، فكان لا بد من الافتراء بأي تهمة كاذبة تتيح لهم هذا. ويرى م.أحمد عبد الوهاب: "حسب الشريعة اليهودية نجد أنه لا الأقوال التي تنسب ليسوع عن نقض الهيكل، حتى لو أمكن إثباتها، ولا إجابته لرئيس الكهنة، تعتبر تجديفاً على الاسم الإلهي، مما يقتضي شجبه بطريقة خاصة، حسبما يذكر سفر اللاويين "كل من سب إلهه يحمل خطية، ومن جدف على اسم الرب فإنه يقتل ويرجمه كل الجماعة رجماً" (لا 24: 15-16). ثم يتساءل: "إذا كان يسوع قد أدين بسبب التجديف (كما يقرر الإنجيل) فلماذا لم تقم السلطات اليهودية ذاتها بتنفيذ العقاب، وذلك برجمه حتى الموت"[5]. وهذا ما سوف نجيب عليه في السطور التالية. رابعاً: لماذا لم يرجم المسيح؟ أصدر السنهدريم –مجمع السبعين- حكمه على يسوع بالإعدام رجماً لأنه جدف، وقد كان يلذ لليهود أن ينفذوا فيه هذا الحكم، ليرووا غليلهم من دمه، لولا أن الدولة الرومانية الحاكمة، كانت قد سلبت منهم هذا الحق، فعندما "قال لهم بيلاطس: خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم، فقال له اليهود: لا يجوز لنا أن نقتل أحداً" يو 18: 31. ويقول التلمود: قبل خراب الهيكل بأربعين عاماً، انتزع من إسرائيل حق الحكم بالإعدام، ولئن تم لليهود مرة أن يحكموا على اسطفانوس بالإعدام رجماً بالحجارة –لأن الحاكم الروماني كان غائباً عن أورشليم في ذلك الأوان- إلا أنهم لم يستطيعوا أن يوقعوا هذه العقوبة على المسيح لسببين: 1-لأن الحاكم الروماني –بيلاطس- كان موجوداً وقتئذ في دار الولاية في أورشليم لمراقبة اليهود أثناء عيد الفصح. 2-لأن السماء كانت قد سبقت فقضت بأن يموت المسيح مصلوباً، ولا بد أن يتم المكتوب فيتم ما قاله المسيح عن نفسه ينبغي أن يرفع ابن الإنسان[6]. وقد كتب الرسول يوحنا بعد اعتراف اليهود بأنه لا يجوز لهم أن يقتلوا أحداً، "ليتم قول يسوع الذي قاله مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت" يو 18: 32. أي أن يسوع المسيح قد أخبر أنه سوف يموت مصلوباً وليس مرجوماً. *وقد أثير هذا الموضوع حديثاً في بريطانيا عندما أصدر السياسي البريطاني "أنوك بويل" كتابه "نشوء وارتقاء الإنجيل"[7]. وهو عبارة عن ترجمة جديدة لإنجيل متى مع تعليقات وهوامش. جاءت فيه سطور قليلة عن موت المسيح. حيث يرى أنوك أن محاكمة المسيح جرت وانتهت برجمه بعد أن أدانته المؤسسة اليهودية بالتجديف، لأنه أطلق على نفسه لقب ابن الله. وقد رد عليه كثير من المتخصصين مثل: -البروفيسور جيزا فيرنز الحجة في مجال دراسة الأديان وتاريخ فلسطين في القرن الأول بجامعة أكسفورد والذي قال: إنه من بين العديد من الأشياء غير المؤكدة المحيطة بشخصية المسيح، فإن واقعة الصلب هي أكثر الأشياء يقينية "ثم يضيف رداً على أن المجلس اليهودي الأعلى لم يكن يحتاج إلى عرض المسيح على الوالي الروماني" إنه لا يوجد دليل على أن المجلس كان لديه القدرة أو الصلاحية لعقد محاكمة للتجديف بعد أن أصبحت أرض الميعاد إقليماً تابعاً للرومان ... وحتى لو كان للمحكمة اليهودية القدرة على الحكم بالموت، فلا يوجد دليل على أنها أدانت المسيح بالكفر لأنه لقب نفسه بابن الله. فعبارة ابن الله في التفسير اليهودي –بخلاف المعنى المسيحي- لا تعني أن الإنسان له نفس طبيعة الله. *وإلى صفحة الرأي بجريدة "التايمز" أرسل البروفيسور بيتر جونز المتخصص في الكلاسيكيات بجامعة نيوكاسل، رداً يقول فيه أنه "إذا كان اليهود قد رجموا المسيح حتى الموت، فإن الأناجيل التي تتضح بمشاعر العداء لليهود كانت ستهلل بإذاعة هذا النبأ بدلاً من أن تخفيه –كما يزعم بويل- من أجل الفوز ببعض المعتنقين للمسيحية" -إن فكرة رجم المسيح بتهمة التجديف ذكرت في رواية تلمودية يهودية ليس لها قيمة تذكر، لأنها تعود للقرن الثالث الميلادي هدفها التشكيك في المسيحية وتهديد المسيحيين. مما سبق نرى أن اليهود لم يرجموا المسيح، لأنه لم يكن من سلطتهم في ذلك الوقت إصدار حكم الإعدام وتنفيذه. ولذلك كان يجب أن تغير التهمة الموجهة للمسيح لأن السلطات اليهودية كانت تعلم تماماً أن تهمة التجديف لن يصغي إليها بيلاطس أو يضعها في اعتباره، لذلك أمامه تغيرت التهمة من دينية إلى تهمة سياسية يجد بيلاطس أمامها نفسه مضطراً أن يصدر حكماً. ولذلك اتهموا يسوع بأنه: 1-يفسد الأمة 2-يمنع أن تعطى جزية لقيصر 3-يقول عن نفسه إنه مسيح ملك أي أن الاتهام تغير من اتهام ديني عقوبته الرجم –حسب شريعة اليهود- إلى اتهام سياسي عقوبته الموت صلباً حسب القانون الروماني. والآن نأتي إلى الجزء الثاني من هذه القضية وهو نبوة قيافا. أولاً: من هو قيافا؟ هو رئيس الكهنة[8]وقد عينه الحاكم الروماني فاليريوس جراتوس سنة 14م، واستمر حتى عام 36م بعد استدعاء بيلاطس إلى روما. وقد كان هو رئيس الكهنة عندما جاء بيلاطس إلى فلسطين سنة 26م. وكرئيس للكهنة فقد كان رئيساً للسنهدريم الأعظم الذي حاكم المسيح. ثانياً: هل تنبأ قيافا؟ النص الكتابي: يو 11: 45-53. *يرى وليم باركلي: " إن قيافا نطق بعبارة لم يكن يعرف أنها نبوة، ولم يكن يدرك العمق البعيد الذي تنطوي عليه كلماتها. لقد نادى بأنه خير أن يموت يسوع عن الشعب من أن تهلك الأمة بأسرها .. لقد تنبأ قيافا بنبوته كرئيس للكهنة أمام المجمع اليهودي المقدس. ولقد كان اعتقاد اليهود أنه حين يسأل رئيس الكهنة مشورة الله بخصوص مستقبل أمته، كان الله يتحدث بواسطته ويقدم رسالته عن طريقه. أي أنه يصبح في هذه الفرصة في مركز نبي (عدد 27: 18-21) .. لقد نطق بنبوة، ولكنه لم يدرك عمقها ولم يفهم مداها .. إن الله في مقدوره أن يتحدث برسالته عن طريق أي إنسان، وبأية واسطة، دون أن يعرف ذلك الإنسان أو تدرك تلك الواسطة، في مقدوره أن يستخدم حتى أبواق اللعنة ليوصل حقه للآخرين. لقد كان مقدراً ليسوع أن يموت لا لنجاة أمة واحدة، ولا عن جنس واحد، بل عن أبناء الله المتفرقين في العالم أجمع خلال العصور والأجيال"[9]. *ويرى د.القس إبراهيم سعيد: "كان قيافا رئيساً للكهنة في تلك السنة، فكان إذا بحكم وظيفته متكهناً بمقاصد الله، وناطقاً بلسانه ومترجماً عن فكره (خر 28: 3، عدد 27: 21، 1صم 30: 7). فمع أنه لم يكن نبياً في ذاته، لأن أخلاقه بعيدة كل البعد عن صفات الأنبياء، سيما أنه مقام في وظيفته بيد الرومان[10] لا بإرادة الشعب، إلا أنه كان يتقلد الوظيفة الكهنوتية، وكان "الأوريم والتميم" أداة التكهن بالمستقبل في سلطانه، لذلك سخرته العناية الإلهية، فتفوه بـ"نبوته" وهو لا يدري. فجاءت منه رمية من غير رام .. إن وجه الحق في كلمات قيافا هو أن موت المسيح فدائي، من أجل ذلك تبرع يوحنا البشير لهذه الكلمات بلقب "نبوة" مع أنها لا تحمل من علامات النبوة إلا صورتها. ويعتقد بعضهم أن البشير قال هذا تهكماً، وكأنه والقدر يسخران بقيافا"[11]. *بينما رأى د.وليم إدي: "إن قيافا أراد أن يصرف النظر عن كون يسوع مذنباً أو باراً مستحقاً الموت أو لا وأن يقصره على أن منفعة الأمة تقتضي قتله، لأنه إذا قتل فلا خوف من هياج الشعب ولا من انتقام الرومانيين المتوقف على ذلك الهياج وخلاصة كلامه أن يسوع أقلق الراحة، فيجب أن نقتله ونستريح منه. وليس هناك دليل على أن قيافا قصد بما قاله النبوة، ولا على أن له قوة التنبؤ. نعم أن الحبر الأعظم كان قديماً قادراً على ذلك بواسطة "الأوريم والتميم" (خر 28: 30. تث 27: 21. 1صم 30: 7-8. هو 3: 4)، لكن ذلك زال عنه منذ قرون، ولم يقصد قيافا أن يتكلم عن كون موت يسوع ذبيحة عن خطايا الشعب، لكن الله جعل لكلماته معنى غير الذي قصده، وهو أن موت المسيح فداء عن العالم، وكذلك تنبأ بلعام على غير إرادته وقصده (عدد 23). أي لم يقصد النبوة بنتائج موت يسوع العظيمة، إنما قصد قتله لحفظ سلطة الكهنة ورؤساء الشعب، ولكن الله جعل كلامه كنبوة بتلك النتائج واستخدمه كما استخدم بلعام قديماً. لم يكن قيافا نبياً حقيقياً ولم يلهمه الله أن يتنبأ حينئذ، وهو نفسه لم يعرف أن ما قاله نبوة، ولكن سماه البشير نبوة لأنه تم بقصد الله وتعيينه. إن موت يسوع عن الأمة، لم يتم بحسب فكر قيافا، لأن فكره كان أن موت يسوع يكون واسطة لبقاء سلطة رؤساء الأمة وبقاء الهيكل والمدينة ... أما الله فقصد أن يكون ذلك الموت واسطة لخلاص نفوس الأمة"[12]. ونلخص الآراء السابقة فيما يلي: 1-إن قيافا ليس نبياً، ولكنه كان قادراً عن طريق استخدام "الأوريم" التنبؤ بالمستقبل، وأنه قال هذه النبوة وهو لا يدري هدفها وقصدها. 2- إن قيافا ليس نبياً، ومقدرة التكهن عن طريق الأوريم والتميم قد زالت منذ عدة قرون وأنه لم يتنبأ، ولكن ما قاله قد سماه الرسول يوحنا نبوة لأنه تمم مقاصد الله. *توضيح أخير: "إن كلمة تنبأ مشتقة من الاسم "نبي" وليس مدلولها "تكلم كلام النبوة" ولكن "سلك سلوك الأنبياء" و"عمل عمل النبي" وصيغة "تفعل" هذه لم تستعمل في العهد القديم قط لأعمال الأنبياء الكبار، أنبياء الله المرسلين، الذين حفظت لنا نبواتهم في الكتب المقدسة، إذ أن عمل هؤلاء الأنبياء، يعبر عنه دائماً بصيغة "الانفعال" (بالعبرية نفعل أي نبا وهنابي) وجاءت صيغة "تنبأ" في عدة مواضع منها 1صم 10: 4، عن زمرة من الأنبياء في قصة تملك شاول وهي لا تعني أن زمرة الأنبياء تكلموا كلام النبوة بل أنشدوا ورنموا. وفي إرميا 26: 10، عن أوريا الذي لم يكن نبياً مسلماً به. وفي عدد 11: 25-27 عن عمل الشيوخ الذين حل عليهم الروح فتنبؤوا أي تصرفوا تصرف الأنبياء في الساعة التي حل عليهم الروح. واستعملت هذه الصيغة أيضاً لنبوة أنبياء البعل (1 مل 17: 29، إر 23: 15)، ولنبوة الأنبياء الكاذبين (1مل 22: 10، 2 أخ 18: 9، إر 14: 14، حز 13: 17) فهذه الصيغة "صنعَ صنع النبي دون أن يكون بحق نبياً أي ادعى النبوة".[13] وبناء على هذا التوضيح: *نرى أن يوحنا يوجه اتهاماً ساخراً إلى قيافا (بقوله عن المسيح أنه خير أن يموت واحد عن الأمة) بأنه نبي كاذب أو مدعي النبوة. *إن اتهام قيافا للمسيح بأنه يجدف، لا يعني أن المسيح قد جدف –لأنه اتهام كاذب- وكون قيافا قد تنبأ لا يعني أنه نبي وأنه لا يصح إنكار نبوته أو أن نبوته مسلم بها. *كون أن المسيح قد اتهم كذباً أنه جدف فهذا لا يمنع أن يكون الله، لأن كون البعض ينكر وجود الله، فهذا لا يعني أنه موجود. (75) الفارق بين المخلوق والخالق. ص 577. وأيضاً المسيح بين الحقائق والأوهام. ص 176. (76) دائرة المعارف الكتابية. جـ2. ص 513-541. (77) دائرة المعارف الكتابية. جـ4. ص 74-75. (78) التفسير الحديث. متى. ص 425-426. (79) المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. ص 152. من الحالات التي يعاقب مرتكبوها بالموت رجماً. أ-عبادة آلهة أخرى (تث 17: 2-3) ب-من يغوي شخص لعبادة آلهة أخرى (تث 13: 6-11) جـ-من يقدم ابنه ذبيحة للأصنام أو آلهة الأمم (لا 20: 2-5) د-العرافة (لا 20: 7) هـ-كسر يوم السبت (عدد 15: 32-36) و-جريمة الزنا (تث 22: 21-24) ز-الابن العاصي (تث 21: 18-21) (80) شرح بشارة يوحنا. د.إبراهيم سعيد. ص 583. (81) هذا الجزء مأخوذ عن مقالة تحت عنوان "باحث بريطاني لامع يؤكد ... المسيح لم يصلب" ترجمها عن الإندبندنت, يوسف الحسيني وأعدها عصام زكريا, ونشرت في مجلة "روز اليوسف" عدد 3456 في 5/9/94. ص 23-26. أنوك بويل: واحد من أكثر السياسيين الإنجليز مشاكسة وحدة. يبلغ من العمر 82 عاماً كان رئيساً سابقاً لحزب المحافظين, له آراء عنصرية بخصوص الحد من الهجرة لبريطانيا. وهو لم يكتب هذا للتشكيك في المسيح وصحة الكتاب المقدس. ولكن بويل يحاول فقط أن يثير مناظرة جيدة, وأنه يستمتع بكونه مثيراً للجدل. كما يقول هنري شادويك الأستاذ المتخصص في تاريخ الكنيسة المسيحية الأولى. والذي يشكره بويل في مقدمة كتابه من أجل الوقت والصبر اللذين بذلهما معه. ومع ذلك يرفض شادويك ما جاء به بويل عن قصة رجم المسيح. (82) جاء في الأهرام تحت عنوان "العثور على مقبرة رئيس الكهنة اليهودي الذي حاكم المسيح وسلمه للرومان ليصلبوه "كشف تقرير في مجلة أمريكية متخصصة في الآثار الدينية عن العثور على مقبرة في القدس يعتقد أنها تضم رفات قيافا رئيس الكهنة اليهودي الذي حاكم المسيح وسلمه للرومان كي يصلبوه, وقال التقرير إن المقبرة تضم معلومات هامة عن الفترة التي عاش فيها المسيح وقالت المجلة أن المقبرة عثر عليها منذ عامين ولم يكشف عنها الإسرائيليون إلا في مارس الماضي" جريدة الأهرام القاهرية في 16/8/1992. (83) تفسير إنجيل يوحنا. جـ2. ص 213-214. (84)جاء في تاريخ يوسيفوس: "إن الحاكم الروماني فاليريوس جراتوس عزل رئيس الكهنة حنان وأقام إسماعيل بدلاً منه, وبعد فترة وجيزة عزل إسماعيل وأقام أليعازر بن حنان عوضاً عنه, وبعد مضي سنة واحدة عزل أليعازر ونصب سمعان مكانه, وهذا الأخير لم يظل في وظيفته غير عام واحد, ثم عين بدلاً منه يوسف الملقب قيافا, الذي ظل في وظيفته أحد عشر عاماً" المرجع السابق ص 509. (85) شرح بشارة يوحنا. ص 510-511. (86) الكنز الجليل. جـ2. ص 197. (87) مقالة بعنوان "حول تاريخ الأنبياء عند بني إسرائيل" م. ص. سيجال. أستاذ دراسات العهد القديم في الجامعة العبرية بإسرائيل. تعريب د.حسن ظاظا "أبحاث في الفكر اليهودي" دار الفكر. سوريا. ط1 سنة 1987. ص 86-88. |
رد: من هو المصلوب
إنكار المصلوب أثناء المحاكمة أمام بيلاطس
"في اليوم التالي –للقبض على المسيح- وأمام بيلاطس، يسأله الأخير، إن كان هو المسيح، فلا يجيبه بالإيجاب، وإنما كما ذكر المرة السابق –أمام رئيس الكهنة- بقوله له: أنت تقول. ثم لا يجيبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً، فإذا كنا قد رأينا المسيح عند وصول الأعداء إليه للقبض عليه لا يتردد في أن يجاهر بأنه من يريدون عندما يقولون أنهم يريدون يسوع الناصري. فإذا كان المسيح نفسه هو الماثل أمام قيافا ثم الوالي، ففيم عدم مجاهرته بأنه المسيح. ليس هناك من تفسير لذلك إلا أن يكون هذا الماثل هنا ليس المسيح، وإنما آخر نعرف أنه يهوذا الاسخريوطي"[1] التعليق: لنا على هذا القول عدة تعليقات: 1-إن بيلاطس لم يسأل المتهم إن كان هو المسيح. فبالرجوع إلى الكتاب المقدس نجد في مت 27: 11-14 "فوقف يسوع أمام الوالي، فسأله الوالي قائلاً: أأنت ملك اليهود؟ فقال له يسوع: أنت تقول، وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء. فقال له بيلاطس: أما تسمع كم يشهدون عليك، فلم يجبه بكلمة واحدة، حى تعجب الوالي جداً" (اقرأ أيضاً مر 15: 52، لو 23: 1-4). ويذكر يوحنا تفاصيل الحوار: "ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له: أأنت ملك اليهود؟ أجابه يسوع: أمن ذاتك تقول هذا أم أن آخرين قالوا لك عني. أجابه بيلاطس: ألعلي أنا يهودي. أمَّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلي ماذا فعلت؟ أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس: أفأنت إذاً ملك. أجاب يسوع: أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق" يو 18: 33-37. فسؤال بيلاطس للمسيح هو: هل أنت ملك اليهود، وليس هل أنت هو المسيح؟ لقد أصدر السنهدريم اليهودي حكمه على المسيح بأنه مستوجب الموت، لأنه جدف (مت 26: 65-66) ولم يكن –كما أوضحنا سابقاً- من سلطة اليهود في ظل الاحتلال الروماني إصدار أو تنفيذ حكم الموت (يو 18: 31). ولذلك ذهبوا بيسوع إلى بيلاطس، وأمام بيلاطس تغيرت التهمة من دينية (مجدف) إلى سياسية "وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلاً إنه هو مسيح ملك" لو 23: 3. وفي أثناء المحاكمة سأل بيلاطس المسيح: "أأنت ملك اليهود" يو 18: 3. وهنا أراد المسيح أن يبين لبيلاطس مراده بلفظة ملك، قبل أن يجيبه على سؤاله، وكأن المسيح يقول له: إن أردت بالملك ما يعنيه الرومانيون أي ملك أرضي كقيصر، قلت: لا. ولكن إن أردت به ما يعنيه اليهود على ما في نبواتهم فالجواب: نعم. واليهود عرفوا أن المسيح قال أنه ملك روحي لكنهم أرادوا أن يفهم بيلاطس أنه ادعى كونه ملكاً أرضياً. وعند ذلك أجابه بيلاطس: ألعلي أنا يهودي. أي أن بيلاطس هنا ينكر أنه استعمل لفظة ملك بالمعنى اليهودي، بل بالمعنى الروماني فلا شك أن جواسيسه نقلوا له كثيراً من أقوال المسيح الذي لم يدع يوماً أنه ملك أرضي. ثم أ جاب المسيح: مملكتي ليست من هذا العالم، هنا يعلن المسيح أنه ملك ولكن مملكته ليست أرضية مقاومة لمملكة قيصر، بل مملكة روحية تسود على قلوب الناس أي أن المسيح لم ينف أنه ملك. ولذلك عندما قال له بيلاطس: أفأنت إذاً ملك ؟ أجاب يسوع: أنت تقول أني ملك (يو 18: 38).فالمسيح هنا يقول له: نعم إني ملك كما قلت –وكما أوضحنا سابقاً فعبارة: "أنت قلت" في رد المسيح على رئيس الكهنة لا تعني النفي- فهكذا هنا أيضاً. والدليل على أنها رد إيجابي وليس سلبياً أن: أ-المسيح قبل ذلك مباشرة أعلن أنه ملك ولكن مملكته ليست أرضية بل روحية. ب-"أنت قلت" تعني كما تقول أنت. جـ-بيلاطس فهم من هذا الرد انه رد إيجابي، لأنه قال لليهود بعد ذلك "أفتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود" يو 18: 39. وعندما صرخوا اصلبه، قال لهم بيلاطس: "أأصلب ملككم" يو 19: 5. وعندما أصدر بيلاطس حكمه بصلب المسيح، كتب عنواناً ووضعه على الصليب وكان مكتوباً "يسوع الناصري ملك اليهود" يو 19: 19. فالمسيح لا ينكر أنه مسيح ملك. 2-إن المسيح عندما لم يجبه ولا عن كلمة واحدة، فهو هنا لم ينكر كونه هو المسيح -كما يفهم من الادعاء السابق- ولكن المقصود بذلك أنه لم يجبه عن أي كلمة من الاتهامات الموجهة من رؤساء الكهنة والشيوخ. فبيلاطس يقول للمسيح "أما تسمع كم يشهدون عليك. فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة" مت 27: 13 من هذه الاتهامات. لأنها كلها مجرد افتراءات كاذبة واتهامات باطلة. مما سبق لا نرى في هذا القول إن المصلوب ليس هو المسيح. (88) دعوة الحق. ص 124. |
رد: من هو المصلوب
الصلب ليس عقوبة يهودية
"إن الشريعة الموسوية في مثل حالة المسيح كانت توجب الرجم، وليس فيها صلب لأحد وهو حي. وإنما يعلق المقتول على خشبة (تث 21: 21). أما الشريعة الرومانية فكان الصلب فيها للعبيد ولقطاع الطرق ونحوهم من أرباب الجرائم الدنيئة. إذن كيف صلب المسيح وعلى أية شريعة كان ذلك ... وكيف صلب معه لصان وليس في شريعة الرومان ولا شريعة اليهود صلب للصوص"[1] التعليق: تحت ضغط من اليهود، وفي محاولة من بيلاطس لإرضائهم صدر الحكم بصلب المسيح وهنا يثير الكاتب عدة اعتراضات تتعلق بذلك سوف نرد عليها: 1-الصلب ليس عقوبة يهودية: وهذا صحيح فالصلب ليس عقوبة يهودية "ومن قديم الزمان عرف اليهود أربع طرق للإعدام وهي: الرجم والحرق، وقطع الرأس والشنق، وكان الرجم أكثر هذه الطرق شيوعاً ... واليهود لم يصلبوا قط رجلاً حياً، على أنهم كانوا يصلبون فقط جثث المجدفين وعبدة الأوثان، "لا يصلب إلا المجدف وعابد الوثن ولا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم لأن المعلق ملعون من الله" تث21: 23. وكانوا يصلبون جثة الرجل ووجهه إلى الجمهور، بينما كانوا يصلبون المرأة ووجهها إلى الصليب أو الشجرة التي كانت تصلب عليها"[2] ولكن المسيح عندما صلب، كان ذلك طبقاً للشريعة الرومانية –وكما أوضحنا سابقاً- فإن سلطة إصدار حكم الموت كانت قد نزعت من اليهود، وذلك إتماماً للنبوة التي جاءت في سفر التكوين "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" تك 49: 10. وكلمة قضيب هنا تعني عصا السبط أو القبيلة. وقد كان لكل سبط من أسباط بني إسرائيل الاثني عشر عصا كتب عليها اسمه وهذه الآية تعني أن عصا سبط يهوذا لن تزول حتى يجيء شيلون، ونحن نعلم أنه خلال السبي البابلي لمدة سبعين سنة زال السلطان من سبط يهوذا، ولكن السبط لم يفقد "عصاه" وكان لهم قضاتهم ومشترعوهم حتى وهم في بلاد السبي (عزرا 1: 5، 8) وقد توقع اليهود حدوث أمرين حالاً بعد مجيء المسيا: 1-زوال القضيب أو عصا سبط يهوذا 2-انهيار السلطة القضائية وقد جاءت العلامة المنظورة الأولى على زوال القضيب من سبط يهوذا عندما حكم هيرودس الكبير (وهو ليس يهودياً) .... وقبل محاكمة المسيح بثلاثة وعشرين عاماً لم يعد لمجلس السنهدريم اليهودي حق إصدار أحكام الإعدام، فقد أخذت منه هذه السلطة وكان ذلك في عهد أرخيلاوس عام 11م. ويقول التلمود: "قبل خراب الهيكل بأكثر من أربعين سنة سلب الرومان حق إصدار حكم الإعدام من اليهود" ويقول الربى "رشمن": "إن أعضاء السنهدريم وقتها ذروا الرماد على رؤوسهم ولبسوا المسوح على أجسادهم، وصرخوا: ويل لنا. فقد زال القضيب من سبط يهوذا قبل أن يجيء المسيا"[3] فالمسيح قد صلب طبقاً للشريعة الرومانية. فهل كان الصلب عقوبة رومانية؟ 2-الصلب عقوبة رومانية: "إن الرومان أخذوا الصلب عن القرطاجنيين، وكانوا أقسى شعوب الأرض في الزمن القديم، فعندما أخمد بومبي ثورة سبارتكوس صلب وشنق 6000 شخص في طريق إبيان، وكان الرومان يستثنون من عقوبة الصلب، على أنه في بعض الأحيان صدرت أحكام على بعض الرومان بالصلب في صقلية وإسبانيا. وعلى أي حال فقد كان الصلب عقوبة العبيد والمجرمين، وقد كثر استعمال هذه العقوبة لما زاد عدد العبيد في الإمبراطورية. وقد كانت تقام الصلبان بصفة مستديمة خارج المدن لإرهاب العبيد وكل من تحدثه نفسه بالثورة. وفي الأقاليم الرومانية كان عقاب الصلب يوقع على المذنبين في جرائم القتل وقطع الطرق وقرصنة البحار وتدبير الفتن ضد الدولة. وكان منظر الصلب مألوفاً لليهودية قبل وبعد المسيح، فقد صلب فاروس حاكم سوريا ألفين من الثوار بعد موت هيرودس الكبير، وكان الصلب ضريبة الوطنية المتعصبة التي بلغت قمتها أيام المكابييين. ولما هاجم تيطس أورشليم غطى التلال المحيطة بغابة من الصلبان، ويقول يوسيفوس المؤرخ المشهور إن الجنود تعبوا من ابتكار طرق جديدة للتعذيب، لأن عقوبة الصلب أوقفت بسبب قلة الخشب الذي احتاج إليه تيطس في إقامة متاريس الحصار وفي سنة 70م خلا جبل الزيتون تماماً من الأشجار التي قطعت لاستعمال أخشابها في صنع الصلبان والسلالم لارتقاء التلال"[4] فالمسيح طبق عليه القانون الروماني كمثير فتنة ضد الدولة الرومانية، حيث أن التهمة التي وجهها له اليهود أمام بيلاطس "وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلاً إنه هو مسيح ملك" لو 23: 2. فالمسيح هنا يحرض على الثورة ضد الحكم الروماني. 3-لماذا طالب اليهود بصلب المسيح رغم أن هذه الوسيلة للعقاب ليست يهودية؟ ربما يتساءل أحد قائلاً: لماذا طالب اليهود بصلب المسيح وهذا العقاب ليس من الوسائل المستخدمة عندهم، ولماذا لم يطالبوا بقتله بطريقة أخرى من الطرق المعتادة لديهم مثل الرجم وغيره. أعتقد أن هذا نتيجة جعل بيلاطس يسوع بمنزلة واحدة مع باراباس، لأن باراباس كان محكوماً عليه بالموت صلباً، فلو أجرى عليه الحكم لقتلوه صلباً، ولو طلبوا إطلاق سراح يسوع لصلب باراباس، ولكنهم طلبوا إطلاق سراح باراباس، فوقع الصلب على المسيح وقد كان غاية الرؤساء من صلب المسيح –الذي هو أقبح طرق العقاب- أمرين: أ-التشفي والانتقام. ب-أن يجعلوا اسم المسيح مكروهاً، حتى لا يلتفت أحد إلى دعواه بعد ورغم أن صراخهم قائلين "ليصلب" كان حدثاً غريباً أن يصدر عن اليهود، لأن الصلب كان عقوبة يطبقها الرومانيون، وكانت أمراً بغيضاً عند معظم اليهود، بيد أن ذلك كان النتيجة الحتمية لقرار إحضار يسوع إلى بيلاطس بتهمة سياسية، لأن هذه كانت الوسيلة المعتادة التي يعدم بها الرومانيون ثوار الأقاليم الخاضعة لهم[5]. وهكذا صدر الحكم صلب المسيح. 4-كيف صلب المسيح مع لصان وليس في شريعة الرومان ولا شريعة اليهود صلب اللصوص؟ الأرجح أن هذين اللصين هما من رفقاء باراباس وشركائه في الفتنة والقتل (مر 7: 15) وقد حكم عليهما قبلاً بالموت، ولو قضى على باراباس بالقتل لصلب على الأرجح بين هذين اللصين. فأخذ يسوع محله. وكان ذلك إتماماً للنبوة "وأحصي معه أثمة" (إش 53: 12). على أن بيلاطس لم يقصد سوى الإهانة[6] وبالرجوع إلى الأصل اليوناني[7]، نرى أن الكلمة المترجمة في اللغة العربية "لصا" جاءت بمعنيين: 1-لص وتترجم في الإنجليزيةإلى أ-Rabber وهذه الكلمة بالعربية تعني قاطع طريق أو سارق بالإكراه ب-Insurre ctionist وهذه الكلمة تعني متمرداً أو ثائراً وهذا المعنى جاء في: مت 26: 25 كأنه على لص خرجتم بسيوف مت 27: 38 حينئذ صلب معه لصان مت 27: 34 بذلك أيضاً كان اللصان يعيرانه لو 1: 30، 36 فوقع بين لصوص يو 18: 4 وكان باراباس لصاً 2-لص: سارق وتترجم بالإنجليزية thief وهذه الكلمة جاءت في عديد من المواضع منها: مت 6: 19 حيث ينقب السارقون ويسرقون مت 23: 24 في أي هزيع يأتي السارق يو 10: 1 فذاك لص وسارق مما سبق نرى أن الكتاب المقدس يفرق بين لص وسارق وبين قطاع الطرق والثوار والمتمردين، ومن هنا يكون اللصان الذين صلبا مع المسيح من الثوار السياسيين وهي نفس التهمة التي وجهت للمسيح. ولا ننسى أن نضيف في الختام أن المسيح قد صلب لأنه قد سبق وتنبأ عن كيفية موته صلباً في حديثه مع نيقوديمس. "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" يو 3: 14-16. وما دام المسيح قد تنبأ فلا بد أن يتم المكتوب. (89) عقيدة الصلب والفداء. ص 81. (90) في خطوات المسيح. هـ.ف.مورتون. تعريب د.عزت ذكي ط1. سنة 1971. ص 260. (91) برهان يتطلب قراراً. جوش ماكدويل. تعريب د.القس منيس عبد النور. ص 210-211. (92) في خطوات المسيح. ص 260-261. (93) الكنز الجليل. جـ1. ص 503. (94) التفسير الحديث. متى. ص 435. (95) أ-الفهرس العربي لكلمات العهد الجديد اليونانية. القس غسان خلف. ب-القاموس العصري. الياس أنطوان الياس. جـ-The Greek. N. T. dit., |
رد: من هو المصلوب
أقوال المصلوب
سبق لنا في الفصل السابق مناقشة أقوال المصلوب وأثبتنا من خلالها أنه هو المسيح وتبقى كلمتان سوف نناقشهما فيما يلي: أ-قول المصلوب "إلهي إلهي لماذا تركتني؟": "جاء في الأناجيل قول المصلوب "إلهي إلهي لماذا تركتني" وهذا الكلام يقتضي عدم الرضا بالقضاء، وعدم التسليم لأمر الله خالق الأرض والسماء، والمسيح منزه عن ذلك بالنسبة لمرتبة النبوة، فكيف وأنتم تزعمون أنه الإله وأنه ارتاح إلى الصلب بنفسه، أليس في هذا دليل على أنه شبه لهم .... وإذا كان الأشخاص العاديين يستبشرون بالموت، فكان بالأولى المسيح، ولما لم يكن الأمر كذلك، دل على أن المصلوب غيره، فلذلك كان يجزع ويصرخ ويضرع"[1] التعليق: لقد أساء الحاضرون الناطقون باليونانية فهم كلمات المصلوب وظنوا أنه ينادي إيليا وما زال كثيرون حتى اليوم يسيئون فهم ما قاله، ولقد حاول كثير من المفسرين الدخول إلى أعماق أسرار معنى قول المصلوب "إلهي إلهي لماذا تركتني" مت 27: 46، مر 15: 34. وقد ذكروا أربعة آراء نقدم هنا مختصراً لها[2]: 1-الرأي الأول: إن يسوع كان يردد كلمات العدد الأول من مزمور 22 لنفسه، لأن المزمور وإن كان يبدأ بوصف الآلام المروعة ولكنه ينتهي بثقة عظيمة وانتصار (مز 22: 22-24) وقد قيل أن يسوع كان يردد كلمات المزمور تصويراً لحالته وإعلاناً لثقته الكاملة بالله، لأنه يعلم أن الآلام التي يجتازها ستنتهي بالنصر، فهي صرخة الانتصار وليس الجزع والارتياع. 2-الرأي الثاني: وهو أكثر ميلاً للناحية البشرية، فإنه يبدو أن يسوع لا يكون يسوع حقاً، ما لم يدخل إلى أعماق الاختبار الإنساني، وقد اختبر البشر أنه في أثناء سير الحياة الطبيعي، عندما تدخل المآسي إلى الحياة، تأتي أوقات، وربما مرة واحدة في الحياة، عندما يشعر الإنسان أن الله قد نسيه، وحين نجوز في حالة فوق إدراكنا، نشعر إننا قد صرنا متروكين من الله نفسه، ولعل ما جاز فيه يسوع كإنسان ليختبر أعمق اختبارات البشر. 3-الرأي الثالث: إن المسيح بقوله هذا، إنما كان يذكر اليهود بالمزمور الثاني والعشرين الذي يبدأ بهذه العبارة. كانوا "يضلون إذ لا يعرفون الكتب" مت 22: 29، بينما كانت هذه الكتب "هي التي تشهد له" يو 5: 39، فأحالهم المسيح إلى هذا المزمور بالذات وكانوا لا يعرفون المزامير بأرقامها الحالية، وإنما يسمون المزمور بأول عبارة فيه .... وهذا المزمور قيل بروح النبوة عن المسيح، وكأن المسيح على الصليب يقول لهم: اذهبوا واقرأوا مزمور "إلهي إلهي لماذا تركتني" وانظروا ما قيل عني. 4-الرأي الرابع: إنه في تلك اللحظة حل الثقل الفظيع لخطايا العالم على قلب يسوع، وعلى كيانه كله، وأنه في تلك اللحظة صار من لم يعرف خطية، خطية لأجلنا (2كو 5: 12). وأن العقاب الذي حمله عنا، نتج عنه بالضرورة الانفصال عن الله بسبب الخطية، ولا يستطيع أحد أن يعترض على هذا التفسير، إلا أننا نقف أمام هذا السر العميق مشدوهين متعجبين. لقد حدث انفصال بين الآب والابن وقد قبله الآب والابن معاً. وهذا الانفصال ناجم عن خطايانا وما تستحقه من جزاء عادل وقد عبر المسيح عن هذا الانفصال باقتباسه من الكتاب المقدس الآية الوحيدة التي وصفته بدقة "إلهي إلهي لماذا تركتني" إن صرخته جاءت على شكل سؤال "لماذا؟" ليس لأنه لم يعرف الجواب، وإنما فقط لأن نص العهد القديم الذي يقتبس منه كان بهذه الصيغة. *"إلهي إلهي لماذا تركتني؟" "قالها المسيح بصفته نائباً عن البشرية، لأنه أخلى ذاته، وأخذ صورة العبد صائراً في شبه الناس (في 2: 7-8) ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب (في 2: 9) وليس معناها الانفصال، وإنما معناها: تركتني للعذاب، تركتني أتحمل الغضب الإلهي على الخطية، إنها لا تعني أن الآب ترك الابن "لأنه في الآب والآب فيه" (يو 14: 11) لم يكن تركاً أقنومياً، بل تركاً تدبيرياً. إنها تعني أن آلام الصلب كانت آلاماً حقيقية، وآلام الغضب الإلهي كانت مبرحة وفي هذا الترك تركزت كل آلام الصليب وكل آلام الفداء. إنها لم تكن نوعاً من الاحتجاج والشكوى، إنما كانت مجرد تسجيل لآلامه، وإثبات حقيقتها، وإعلاناً بأن عمل الفداء سائراً في طريقه التمام"[3] إذن فهذه العبارة لا تعني بالمرة عدم الرضاء بالقدر الإلهي وعدم التسليم لأمر الله خالق الأرض والسماء، ولا تعني أن المسيح كان يصرخ ويجزع ويضرع بل قدم نفسه طوعاً واختياراً وهي أيضاً لا تعني أن المصلوب غيره. ومعناها أعمق مما يدعون. ب-قول المصلوب "أنا عطشان": "روت الأناجيل أن المصلوب قال: أنا عطشان، فأعطوه خلاً ممزوجاً بمر فذاقه ولم يشرب ... بينما يروون عن المسيح أنه صام أربعين يوماً فكيف يظهر الحاجة المذلة لأعدائه بسبب عطش ساعة واحدة؟ أليس هذا دليلاً على أن المصلوب هو غيره"[4] التعليق: لقد جاء هذا القول في: متى 27: 33-34 "ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة وهو المسمى موضع الجمجمة، أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ولما ذاق لم يرد أن يشرب" وأيضاً مر 15: 23. يو 19: 28-30 "وبعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل، فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان وكان إناء موضوعاً مملوءاً خلاً. فملؤوا إسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه، فلما أخذ يسوع الخل. قال قد أكمل". مت 27: 48 وللوقت ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه" وأيضاً مر 15: 36. قبل التعليق على هذا الادعاء، نوضح شيئاً آخر ففي مت 27: 34 المسيح لم يشرب، وفي مت 27: 48، يو 19: 30 شرب فهل هناك تناقض بين النصوص؟ إذ ينظر الناقد نظرة سطحية يقول نعم هناك، ولكن إذ ننظر نظرة فاحصة وصادقة نعرف الحق. ففي المرة الأولى قد للمسيح خلاً ممزوجاً بمرارة، وكان هذا يستعمل كمخدر لتسكين وتخفيف آلام المصلوبين، وقد رفض المسيح أن يشربه كي يكون في أشد حالات الصحو والتنبه فيتجرع كأس الآلام حتى آخر قطرة. ويقول جيم بيشوب: "لقد كانت في أورشليم هيئة من السيدات النبيلات، وظيفتها القيام بأعمال الرحمة، وإغاثة المنكوبين، فهن يقدمن الهدايا للفقيرات، ويقمن بعيادة المرضى، ويواسين المصابين، ويسكبن الدموع مع الحزانى الباكين. وقبل أن تبدأ عملية الصلب، اخترقت الدائرة جماعة من تلك النسوة وهن يحملن إبريقاً من رحيق مخدر وبضع كؤوس، واتجهت النسوة إلى يسوع وصببن الخمر له في الكأس ونظر السيد بتقدير إلى عواطف أولئك النبيلات وإلى دموعهن السائلة وإلى عمل الرحمة الذي يتقدمن به، ولكن هز رأسه ولم يشأ أن يذوق شيئاً. لقد فضل أن يتجرع كأس الآلام حتى الثمالة دون أن يخفف من أثرها المرير"[5] وفي المرة الثانية، قال المسيح: أنا عطشان. فجاء هذا موافقاً لما ورد في الكتاب (مز 69: 21) فالمسيح لم يقل أنا عطشان بقصد أن يتم الكتاب، بل لأنه كان عطشاناً فعلاً، لأن آلام الصليب المحرقة يبست لسانه، لأن أربع ساعات مضت منذ أن علقوه على الصليب .... إن بين الكلمات السبع، التي نطق بها المسيح على الصليب، لم يفه إلا بهذه الكلمة الواحدة عن آلامه الجسدية. هذا عطش فدائي اختبره المسيح ليرفع به عن المؤمنين، ذلك العطش المحرق الذي كان عليهم أن يختبروه في لهيب الجحيم الأبدي (لو 16: 24). قال المسيح المصلوب: أنا عطشان، ليستطيع المسيح الحي أن يقول بحق: "إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب" يو 7: 37. "فملؤوا إسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا أي على ساق من نبات الزوفا[6]في شكل قصبة، ومن أجل ذلك سماه كل من متى ومرقس "قصبة" وقدموها إلى فمه وفي هذه المرة لم يرفض المسيح أن يشرب هذا الخل"[7] وبالتالي ليس هناك تناقض بين النصين *أما الادعاء، بأن المصلوب هو يهوذا وليس المسيح، لأن المسيح صام أربعين يوماً فكيف لم يستطع أن يصبر على العطش ساعة واحدة. فنقول: نعم، لقد صام المسيح أربعين يوماً (مت4). وكان هذا صوماً معجزياً، خارقاً للطبيعة، لأنه عندما يقول الكتاب أنه "جاع أخيراً" فهذا يدل على أنه لم يجع في خلال هذه الفترة، وقد كان هذا عملاً إلهياً معجزياً، له هدف محدد. ولكن هذا لا يحتم أن تكون كل تصرفات المسيح الطبيعية –التي يشارك فيها بني البشر- مؤيدة بالمعجزات والأعمال الخارقة. وعندما كان المسيح على الصليب، وطلب ماء ليشرب، فهذا أمر طبيعي بعد معاناة طويلة قد عاناها المسيح ابن الإنسان، وكون المصلوب عطش وطلب ماء ليشرب، فهذا لا يعني بالمرة أنه ليس هو المسيح. لأننا وإن كنا نؤمن أن المسيح هو الله، ولكننا –في نفس الوقت- نؤمن أيضاً أنه أخذ جسداً بشرياً له نفس صفات جسدنا، ما عدا أنه بلا خطية. فإذا كان وهو إله متجسد يستطيع أن يصوم أربعين يوماً، فإنه أيضاً بالجسد، كان له نفس الاحتياجات البشرية، وإذ أظهر لاهوته بعض العلامات الدالة عليه، فإن ناسوته أيضاً لم يحجب وعبر عن نفسه بعلامات أخرى. فاستخدام قول المسيح على الصليب "أنا عطشان" للدلالة على أنه ليس هو المصلوب، هو قول يلقى على عواهنه بدون دليل وبرهان، وبقية أقوال المصلوب تؤكد أنه هو المسيح وليس آخر. (96) الفارق بين المخلوق والخالق. ص 743. وانظر أيضاً : أ-المنتخب الجليل من حرف الإنجيل. ص 316. ب-بين المسيحية والإسلام. ص 164. جـ-الأجوبة الفاخرة. ص 54. د-المسيح في مصادر العقيدة المسيحية. ص 306. (97) شرح إنجيل متى. د.وليم باركلي. تعريب القس فايز فارس جـ2. ص 383-385. وانظر أيضاً: صليب المسيح. جون ستوت. ص 97. (98) كلمات المسيح على الصليب. البابا شنودة الثالث. ط7. ص 29. (99) الفارق بين المخلوق والخالق. ص 741. وانظر أيضاً: 1-المنتخب الجليل. ص 316. 2-بين المسيحية والإسلام. ص 164. 3-الأجوبة الفاخرة. ص 54. (100) اليوم الذي صلب فيه المسيح. ص 240, 247-248. (101) إن كلمة زوفا ذكرت تسع مرات في العهد القديم (خر 12: 12. لا 14: 4, 6, 49. عدد 19: 6, 18. 1مل 4: 13. مز 51: 7) ومرتين في العهد الجديد (يو 19: 29. عب 9: 19-20) والكلمة غير محددة, ويقصد بها عدة أنواع من النباتات أو الحشائش, ومن جهة الذي ينمو في مصر بكثرة, فيظن أن الإشارة إلى نبات "السرجام" (نوع من الذرة الرفيعة). ولعله هو المقصود أيضاً في يو 19: 29, حيث أن للنبات ساقاً تشبه القصبة (مت 27: 48, مر 15:36). دائرة المعارف الكتابية.جـ4.ص292-293. وإن يوحنا عندما يذكر نبات الزوفا فهو يعود بنا إلى خروف الفصح, وغمس باقة الزوفا في الدم ومس العتبة العليا والقائمتين بالدم ليكون هذا الدم المرشوش وسيلة الإنقاذ من الموت (خر21) ليربط بين خروف الفصح المذبوح كرمز للمسيح المصلوب ودمه المسفوك للتطهير من الخطايا في العهد الجديد. (102)شرح بشارة يوحنا. د.إبراهيم سعيد. ص 780-781. |
الساعة الآن 08:02 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025