![]() |
موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة https://images.chjoy.com//uploads/im...1153185adf.gif https://images.chjoy.com//uploads/im...f8e3539573.jpg الأنبا شنودة رئيس المتوحدين مقدمة قصص وأقوال صلاة عظات شروحات هجوم القديس على الشيطان تعاليم https://images.chjoy.com//uploads/im...ca203139c3.gifhttps://images.chjoy.com//uploads/im...ca203139c3.gifhttps://images.chjoy.com//uploads/im...ca203139c3.gifhttps://images.chjoy.com//uploads/im...ca203139c3.gifhttps://images.chjoy.com//uploads/im...ca203139c3.gifhttps://images.chjoy.com//uploads/im...ca203139c3.gif مقدمة عامة عن حياة القديس العظيم الانبا شنودة رئيس المتوحدين https://images.chjoy.com//uploads/im...1153185adf.gif ولد هذا القديس ببلدة شندويل من أعمال أخميم وكان أبوه مزارعا يملك أغناما كثيرة .. ولما نشأ شنوده سلمه أبوه رعاية الغنم فكان يرعاها ويعطي غذاءه للرعاة ويظل هو صائما طول يومه وأخذه أبوه ومضي به إلى خاله الأنبا بجال ليباركه فوضع الأنبا بجال يد الصبي علي رأسه وقال : " بارك علي أنت لأنك ستصير أبا لجماعة كثيرة " وتركه أبوه عنده ومضي وفي ذات يوم سمع صوت من السماء قائلا : " قد صار شنوده رئيسا للمتوحدين "ومن ذلك الحين صار يجهد نفسه بالنسك الزائد والعبادة الكثيرة ولما تنيح الأنبا بجال حل شنوده محله فاتبع نظام الشركة الرهبانية الذي وضعه القديس باخوميوس وأضاف عليه تعهدا يوقعه الراهب قبل دخوله الدير . وبلغ عدد الرهبان في أيامه 1800 راهب ولا يزال هذا الدير قائما حتى الآن غرب سوهاج . وبني الأنبا شنوده ديرا آخر بلغ عدد رهبانه 2200 راهب وما زال حتى الآن يضم كنيسة ويعرف بدير الأنبا شنوده وحدث أن قائدا في الجيش استأذنه ليعطيه منطقته ليلبسها أثناء الحرب لكي ينصره الله فأعطاها له وانتصر فعلا علي أعدائه . وصار الأنبا شنوده ضياء لكل المسكونة بعظاته ومقالاته والقوانين التي وضعها لمنفعة الرهبان والرؤساء والعلمانيين رجالا ونساء وقد حضر مجمع المائتين بأفسس مع الأب القديس البابا كيرلس الرابع والعشرين وبكت نسطور المجدف وعند نياحته طلب من تلاميذه أن يسندوه حتى يسجد لخالقه فسجد ثم أوصاهم أن يترسموا خطاه وقال لهم : " أستودعكم الله " و تنيح بسلام . تذكار نياحته 7 أبــيب . صلاته تكون معنا آمين يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
سيرة وأقوال القديس أنبا شنودة رئيس المتوحدين وأنبا ويصا تلميذه ويعني لقب "أرشيمندريت" (أي رئيس متوحدين) أنه كان مشرفًا على فروع أخرى لديره وبعضها كان للنساء. ورغم أن المؤرخين الأجانب تجاهلوا هذا القديس ونظامه الرهباني؛ إلاّ أن البعض اعتبره تاليًا في الأهمية لأنبا باخوميوس بسبب مساهمته في تطوير الرهبنة المصرية، ولا زالت شخصيته لها توقير عظيم في الكنيسة القبطية. وكانت أديرة أنبا شنودة تحرِّم نقل قوانينها إلى خارجها، ويتبين ذلك من القصة الآتية: وُجدت وثيقة في كنيسة بنقادة (محافظة قنا) تحتوي على سيرة قديس اسمه "أفرآم"، كما جاء في سنكسار 24 طوبة، وتبيّن منها أن هذا القديس زار أحد أديرة أنبا شنودة ونسخ قوانين الدير في أوراق ووضعها في طرود وختمها وأرسلها إلى دير ق. مويسيس (موسى)، وبعث برسالة إلى الدير ليخبرهم أنها طرود تحتوي على حبوب. ولما نفدت البقول في هذا الدير فتحوا تلك الطرود فوجدوا قوانين أنبا شنودة التي كان رهبانه لا يسمحون لأحد بنقلها. وكان ذلك في أيام الإمبراطور "يوستنيانوس" في القرن السادس والمعتَقَد أن الرجوع إلى مجموعة مخطوطات "مورجان" التي يحتفظ المتحف القبطي بصورة منها، وهي باللغة القبطية الصعيدية، قد يكشف اللثام عن الغموض الذي يحيط بأديرة أنبا شنودة ومؤسِّسها ورهبانها. وهذه المجموعة يبلغ عددها 56 مجلّدًا كبيرًا اكتُشفت سنة 1910م في خرائب دير الحامول بالفيوم واشتراها مستر Pierpont Morgan أحد الأثرياء الأمريكان، وأعطى صورةً منها للمتحف القبطي، ويُقال إنها تحوي الكثير عن قديسنا أنبا شنودة وعظاته وأقواله. وهي تحتاج إلى مَنْ يترجمها من هذه اللهجة الصعيدية ...! وجميع المعلومات التي وصلت إلينا عنه جاءت من عظاته وكتاباته بالقبطية الصعيدية وسيرة حياته التي كتبها تلميذه أنبا ويصا. ونحاول هنا أن نقترب من فكر ق. أنبا شنودة الذي كان له تأثيرٌ عظيمٌ على الرهبنة في مصر وبالأخص في الدير الأبيض في الصعيد وما حوله. وق. شنودة بين قديسي الرهبنة الكبار الأوائل يقدِّم مثالاً ليس له نظير وتقليدًا روحانيًا يُعتبر في عصرنا الحالي منقرضًا نسبيًا. كما أنّ كتابات هذا الأب المبارك فريدة في اللغة القبطية. وقيل إنه عاش نحو 118 سنة (333 – 451م)، وإن رئاسته على الرهبان دامت نحو 66 عامًا يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
أولاً: قصص وأقوال القديس الأنبا شنودة https://images.chjoy.com//uploads/im...1153185adf.gifعجائب ونسكيات أبينا القديس النبي الأنبا شنودة https://images.chjoy.com//uploads/im...2ec82da99f.jpg قيل إن ق. أورسيزيوس الشبيه بالملائكة، تلميذ أنبا باخوميوس، تنبّأ عن ولادة أنبا شنودة. فإنه بينما كان ذاهبًا ليقوم بخدمة لازمة للدير التقى بأُمّ شنودة في طريقها لتستقي ماءً، ولم تكن قد أنجبته بعد، فذهب أورسيزيوس إليها وسلّم عليها قائلاً: ”سيبارك الله ثمرة بطنك ويعطيك ابنًا تفوح رائحة اسمه كالعنبر في أرجاء المسكونة“ كان والدا شنودة يعيشان في "شندويل" التابعة لمدينة إخميم الحالية، وكان والده يمتلك حقولاً وبعض الأغنام، وكان يرسل شنودة منذ حداثته إلى رعاة الغنم لكي يدرِّبوه على رعاية الغنم على أن يُعيدوه إلى المنـزل عند الغروب. وكان شنودة حينئذ قد نما وبدأت نعمة الله تظهر عليه. وكان يعطي للراعي طعامه الخاص ويظل هو صائمًا طيلة النهار، وعند الغروب كان يصحبه أحدهم إلى قرب المنـزل ثم يعود. ولكن شنودة كان يختبئ خلف شجرة أو بجانب بئر ويصلّي حتى ساعة متأخرة من الليل. تعجب والداه من تأخيره وسألوا الرعاة عن السبب، فاندهشوا لأنهم كانوا يوفون بوعدهم. وذات يوم راقب والد شنودة الصبي حتى رآه بجوار البئر يصلّي وأصابعه كأنها شموع مضيئة، ففرح جدًا وأخبر زوجته، (وقيل في مصدر آخر إن راعي الغنم هو الذي رأى هذا المنظر وقال لوالد شنودة إنه لا يستحق أن يمكث معه). ثم اصطحبه والداه إلى خاله الراهب المعروف أنبا "بيجول" الذي قيل إنه كان رئيسًا لأحد أديرة أنبا باخوميوس. وقال والد شنودة لأنبا بيجول: ”بارك يا أبي على هذا الصبي“. ولكن أنبا بيجول أخذ يد شنودة ووضعها على رأسه قائلاً: ”أنا الذي يجب أن ينال البركة من هذا الصبي لأنه إناءٌ مختارٌ للسيد المسيح الذي سيخدمه بأمانة كل أيام حياته“. فلما سمع والدا شنودة ذلك تهلّلا فرحيْن، واستودعا الصبي لخاله حيث نشأ واقتبس من خاله كل الفضائل المسيحية. وقيل إنه حينما قابل الأب بيجول الصبي شنودة، كان جالسًا بجوار الأب بيجول رجلٌ به روح نجس، فأمسك شنودة بقطعة خشب تُستعمل في قرع الناقوس، وظل يضرب الشيطان الذي كان في الرجل، فصرخ قائلاً: "سأهرب من وجهك يا شنودة، لأنني منذ أن رأيتك كأن نارًا التهمتني"! ثم خرج الروح النجس في الحال من الرجل فأعطى مجدًا لله يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
وقيل إنه في مساء هذا اليوم لما اضطجع الأب بيجول، أعطى الصبي شنودة مكانًا منفردًا ليضطجع فيه. ولما رفع الأب بيجول عينيه إلى السماء رأى ملاكًا من الرب يحرس هذا الصبي أثناء نومه، وقال الملاك للأب بيجول: ”عندما تنهض في الصباح أَلبس الراهب شنودة رداء الإسكيم المقدس الذي تجده أمامك، لأن هذا هو رداء إيليا النبي التشبي الذي أرسله لك الرب يسوع لكي تُلبسه إياه. حقًا إنه سيكون رجلاً بارًا ومشهورًا، ولن يوجد له مثيل بعده. وهو سيبني ديرًا، وسيكون معزيًا وحاميًا لكل من يدخل عنده، وسيبقى نظامه الرهباني إلى كل الأجيال“. فنهض باكرًا وصلّى على الرداء ومنطقه به قائلاً له: ”أباركك يا ابني شنودة، لأنك ستكون أبًا لجماعة كبيرة من الرهبان“. وقد شهد أحد الشيوخ بأن شنودة، حتى وهو بعد في سن الشباب، كانت أصابعه تلمع كالشموع حينما كان يرفع يديه في الصلاة. وظلّ شنودة في دير أنبا بيجول زمانًا مجاهدًا بالصوم والصلاة والصبر والاتضاع. وكان نشيطًا يؤدّي جميع واجباته الرهبانية بهمّة نادرة. وقد فاق الكثير من الرهبان في الزهد، وكان خاله فرحًا لنموه السريع ودرسه للكتاب المقدس الذي حفظ أجزاءً كبيرةً منه وبعد أيام قليلة خرج الأب بيجول ومعه الشاب شنودة وأبٌ قديسٌ اسمه "بيشوي"، وبينما كانوا سائرين معًا سمعوا صوتًا يقول: ”لقد أصبح شنودة "أرشيمندريت" (أي رئيسًا للمتوحدين)“. فقال الأب بيجول للأب بيشوي: ”هل سمعتَ هذا الصوت الذي جاء الآن من السماء“؟ فأجاب: ”نعم“. ثم سألا الشاب شنودة أيضًا فأجاب بالإيجاب. لذلك، فلما رقد أنبا بيجول انتخبوا شنودة خلفًا له ولا سيما بسبب غيرته وقداسته والإعلانات الإلهية العديدة التي منحه الله إياها مما جذب الكثيرين من طالبي الرهبنة إليه حتى بنى لهم ديرين: الدير الأبيض ويُقال إن عدد رهبانه بلغ 2200 راهب، وربما كان هو أحد أديرة أنبا باخوم الذي كان يرأسه أنبا بيجول ثم وسّعه أنبا شنودة، والثاني هو الدير الأحمر، وقيل إن رهبانه بلغوا 1800 راهب. هذا عدا أديرة الراهبات، إذ قيل إنه كان أبًا لألف وثمانمائة راهبة، وكتب لهن عدة رسائل تعليمية لإرشادهن قيل إن أنبا شنودة لما لبس الإسكيم كرّس نفسه للوحدة والتعب وسهر الليالي والصوم بدون تحفُّظ، وما كان يأكل حتى غروب الشمس، وما كان يأكل حتى يشبع حتى التصق جلده بعظمه، وكان يصلّي كل يوم اثنتي عشرة مرةً ويضرب أربعًا وعشرين ميطانية في كل صلاة. وما كان ينام في الليل حتى الفجر إلاّ قليلاً. وفي مرات كثيرة كان لا يأكل إلاّ من السبت إلى السبت. وفي صوم الأربعين المقدسة كان لا يأكل خبزًا إلاّ اليسير منه مع بقول مبلولة. وكان البكاء حلوًا عنده كالعسل والشهد حتى حفرت الدموع مجاريَ في مآقي عينيه من كثرة البكاء. فكانت سيرته بشبه إيليا النبي الناسك. وقد كان غيورًا في أتعابه، وألقى مواعظ وكَتَبَ ميامر ووصايا كثيرة للرهبان، فقد كان معلِّمًا ليس للشبان فحسب؛ بل أيضًا للشيوخ. ومع ذلك فقد كان يقول: ”إنني لا أنطق بكلمة من ذاتي، بل إن المسيح هو الذي يضع الكلمة في فمي“. لقد كان يحمل المسيح، مواظبًا على تلاوة الأسفار المقدسة، ولذلك كانت سيرته وتعاليمه حلوة في أفواه الجميع كالعسل في قلوب الذين يطلبون الحياة الأبدية وضع أنبا شنودة نظامًا روحيًا دقيقًا وقوانين رهبانية حازمة لرهبانه وقيل إنه كان متأثرًا في ذلك بنظام شركة أنبا باخوميوس. وقيل إن هؤلاء الرهبان كان عملهم هو فتل الحبال وصناعة المقاطف وزراعة نبات الكتان ونسجه وخياطته وصناعة الأحذية الجلدية وتجليد الكتب والنجارة والحدادة وصناعة الأواني الفخارية. وحيث إنّ السلع بأنواعها كانت رخيصة نسبيًا، فقد كان الرهبان يحتكرون السوق في بعض السلع الهامة، ولذلك فقد كانت لتلك الأديرة شيءٌ من الاكتفاء الذاتي. وقد أوصى أولاده أن يحبوا الغرباء، وألاّ يخرجوا من ديرهم البتّة، وأن يحبوا الإخوة ويرحموا الفقراء والغرباء، وأن يقبلوا إليهم كل أحد لأجل محبة الله لكي يأووا الملائكة عندهم. قال أنبا ويصا عن أبيه أنبا شنودة إنه كان يرى خطايا عديدة تُرتَكَب في العالم كله. وكان يعرف عن الذين يأتون إليه كل ما كانوا يفكرون فيه ويعملونه، فكان يصلّي من أجلهم جميعًا لكي يخلصوا ويجدوا رحمةً أمام كرسي دينونة المسيح وقال أنبا ويصا إنه جاء إلى القديس مرةً رجل من قرية تابعة لمدينة "بسوي"، وكان قلبه في غمٍّ شديد، وكان قد أرسل له يقول: "يا أبي القديس، أريد أن آخذ بركتك. فلعله بصلواتك المقدسة تحلّ عليَّ رحمة الله ويغفر لي خطاياي الكثيرة جدًا". فأرسل له القديس قائلاً: "إن كنتَ تطيعني فيما سأقوله لك فستراني، وإن كنتَ لا تطيعني فلن ترى وجهي". فقال له الرجل: "إنني سأطيعك يا سيدي وأبي في كل ما تأمرني به". فطلب القديس أن يُحضروه إليه. ولما دخل سجد أمامه فقال له أنبا شنودة: "اعترف بخطيئتك أمامنا جميعًا". فقال الرجل: "رأيتُ كيس نقود حول عنق رجل كان راكبًا دابة، فقتلته بسيفي وأخذت الكيس الذي ظننتُ أنه كان يحوي كمية كبيرة من الذهب، ولكنني وجدتُ فيه عملةً واحدةً. ثم حفرتُ في الأرض ودفنته ثم جئتُ إليك يا أبي القديس. فاخبرني عما تريد مني أن أفعله حتى يرحمني الرب ويغفر لي خطاياي". فقال له القديس: "لا تمكث هنا، بل اذهب سريعًا إلى مدينة إخميم حيث تجد الدوق الذي جاء لتوّه والناس يحيّونه، وسيُسلَّم إليه بعض اللصوص وهو سيثور عليهم، ورافقهم أنت، وسيقولون له إنك موجود. ثم إن الدوق سيسألك: "هل هذا حق"؟ فقُل له: "نعم هذا حق"، ولذلك فإنه سيقتلك مع الآخرين، وحينئذ فإنك ستدخل في حياة الله الأبدية"! فانصرف الرجل في الحال وفعل كما قال له القديس. وإذ قطع الدوق رقبته مع بقية اللصوص حلّت عليه رحمة الله كما أخبرنا أبونا القديس يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
مجمع افسس ومحاكمة نسطور https://images.chjoy.com//uploads/im...af30597923.jpg طلب البابا كيرلس عامود الدين من أبينا ق. أنبا شنودة وأنبا بقطر الأرشيمندريت (من دير طابنيسي الذي أسسه أنبا باخوميوس)، أن يذهبا معه إلى القسطنطينية لحضور مجمع محاكمة نسطوريوس الهرطوقي، فذهب الجميع إلى العاصمة الملكية. ولما صرفهم الملك ذهب أبونا شنودة لكي يركب السفينة مع آبائنا القديسين، ولكن الخدام لم يعرفوه فقالوا له: "لا يمكنك أن تركب مع رئيس الأساقفة". فقال لهم: إن كان الأمر كذلك فلتكن مشيئة الله"! ثم سار ومعه تلميذه مسافةً قصيرةً ووقف يصلّي قائلاً: "يا ربي يسوع المسيح، كيف ستأخذني إلى ديري"؟ وبينما كان يصلّي هبطت سحابة مضيئة من السماء ورفعته هو وتلميذه ثم ارتفعت وطارت بهما. ولما جاءت السحابة إلى عرض البحر رأى البابا كيرلس القديس وتلميذه وسط السحابة وصاح قائلاً: "باركنا يا أبانا القديس، يا إيليا الجديد"! فقال له القديس: "اذكرني يا أبي القديس". وهكذا أعادت السحابة القديس إلى ديره! ثم أرسل البابا كيرلس إلى أبينا أنبا شنودة وسأله: "عندما كنتَ جالسًا على السحابة، ففي كم يوم وصلت إلى ديرك"؟ فقال له أبونا: "اغفر لي يا أبي القديس، فإنني غير مستحق لمثل هذا الأمر"! فأرسل له البابا يقول: "إنني أستحلفك بصلوات القديسين أن تخبرني بما حدث معك". فقال له أبونا باتضاع: "حيث إنك تستحلفني، فقد ذهبتُ إلى الدير في نفس اليوم الذي تحادثنا فيه مع بعضنا بينما كنتَ أنت في السفينة وأنا على السحابة، وفي مساء نفس اليوم حضرتُ الصلاة مع الإخوة"! فدُهش البابا كيرلس والأرشيمندريت بقطر ومجّدا الله الذي هو وحده الذي يُجري المعجزات مع قديسيه الذين يصنعون مشيئته ويضعون ثقتهم فيه يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
قال أنبا ويصا: حدث مرةً أن مخلصنا كان جالسًا يتحدث مع أبي أنبا شنودة، ودخلتُ أنا ويصا تلميذه لكي أقابله، فاختفى المخلِّص في الحال. ولما تباركتُ من أبي سألته: "من هو، يا أبي القديس، الذي كان يتحدث معك؟ وأين ذهب حينما دخلتُ"؟ فقال لي أبي النبي: "كان هو الرب يسوع المسيح الذي كان يكلّمني بأسرار". فقلتُ له: "وأنا أيضًا أريد أن أراه لكي يباركني". فقال لي أبي: "لا يمكنك أن تراه لأنك لا زلتَ مبتدئًا (أو صغيرًا أو حديثًا في الرهبنة)". فقلتُ له: "إنني خاطئ يا أبي القديس". فقال لي: "ليس الأمر هكذا، بل إنك خائر العزيمة". ثم قلتُ له بدموع: "أتوسل إليك يا أبي، تراءف عليَّ حتى أكون أنا أيضًا مستحقًا أن أراه". فقال لي: "إذا انتظرتَ حتى الساعة السادسة غدًا فتعالَ وحينئذ ستراني جالسًا معه، واحترس من أن تقول شيئًا لأحد". وفي اليوم التالي دخلتُ حسب توجيه أبي، ولما قرعتُ الباب فارقه الرب في الحال. فبكيتُ وقلتُ: "إنني غير مستحق بالكلية أن أرى الرب في الجسد". ولكن أبي قال لي: "إنه سيعزّي قلبك يا ابني ويصا ويجعلك تسمع صوته الحلو". وفي مرة، رغم أن ذلك كان أكثر مما أستحق، سمعته يتكلم مع أبي وظللتُ أعترف بفضله كل أيام حياتي حدث مرةً قحطٌ شديدٌ في منطقة إخميم، فجاء جمهورٌ كبيرٌ من السكان إلى أبينا شنودة لكي يُطعمهم. فأعطاهم خبزًا حتى فرغت الأرغفة من الدير. فجاء الأخ المسئول عن الخبز وقال لأبينا: "لقد كانت كمية الخبز التي أخذها الناس كبيرة، وماذا سنفعل مع هذا الجمهور الذي جاء إلينا ومع الإخوة في الدير"؟ فقال الأب لي وللذي وزّع الخبز: "اذهبا واجمعا الأرغفة الباقية مع الكسر الصغيرة، وبلاّها بالماء وأعطيا إياها للناس لتأكل". ففعلنا كما أوصانا ولم نترك شيئًا، وأخبرْنا أبانا بذلك، فقال لنا: "صلّوا لكي يبارك الله في الخبز حتى تطعموا الجميع". ففعلنا ذلك، ثم لما فتحنا مخزن الخبز وجدنا أن الخبز ملأ المخزن حتى فاض وسقط فوقنا من باب المخزن. ولما شبع الجمهور مجدوا الله وطوّبوا أبانا القديس قال أنبا ويصا: جاء مرةً إلى أبينا القديس من بلدة "بيمجي" (واسمها الآن "البهنسا")، رجل كان معه 120 قطعة ذهبية، وكان معه صديقٌ، وقال الرجل لصديقه: "أريد أن أعطي هدية صغيرة لهيكل الأب شنودة كصدقة من أجل خلاص نفسي، ولكنني لن أسلّمها حتى أعرف أولاً إن كان هذا الأب الكبير سيعطيها كصدقة أم لا". ثم أعطى النقود الذهبية لهذا الصديق الذي جاء معه. ثم قابل أبانا القديس وقال له: "أتوسل إليك يا أبي القديس، ارحمني وأعطني عطية صغيرة: عشرين قطعة ذهبية لكي أعطيها لمن يُقرضني نقودًا لئلاّ يطردني من بيتي ويأخذه مني". فقال له أبي: "هذا ليس مكان مزاح يا ابني، فربما أنك تريد عشرين قطعة أخرى لكي تُضيفها إلى المائة والعشرين قطعة التي أحضرتها معك، لأنك تريد أن تجمع مبلغًا كبيرًا"!؟ ثم استدعى أبونا راهبًا وقال له: "اذهب إلى الحقل من طريق معين (حدده له)، وستجد رجلاً جالسًا على الأرض يمشِّط شعره، وفي يده جرّة ماء، فقُل له: ’إن صديقك يقول: اجلس هنا حتى أرى إن كان الكبير سيُعطي النقود في عمل محبة أم لا‘، وأنا أقول لك الآن: قم وتعالَ إليَّ". فلما ذهب الراهب إلى الحقل وجد الرجل وقال له كما أوصاه أبي. وكان الرجل الذي جاء إلى أبي واقفًا أمامه وهو مندهشٌ جدًا، ثم أعلن قائلاً: "حقًا إنني علمتُ اليوم أنه يوجد نبيٌ في هذا الدير كما رأيتُ اليوم بعينيَّ"! ثم أعطى الذهب لأبي النبي أنبا شنودة، وبعد أن صلّوا انصرف الرجلان بسلام وهما يمجدان الله ويطوبان قديسيه ذكر أنبا ويصا أنه جاء مرةً إنسان من قطر أجنبي، ولما سمع بمعجزات أبينا البار أنبا شنودة طلب أن يباركه، فقال له أبي: "كيف أباركك في حين أنك ارتكبتَ خطيةً عظيمةً وفظيعة"؟ فقال الرجل: "لا أعرف أية خطية ارتكبتُها، إنني مسيحي وقد آمنتُ بالله منذ طفولتي"! فقال له أبي: "ألا تتذكر اليوم الذي فيه أكلتَ وشربتَ ونمتَ في بيتك، وبينما كنتَ نائمًا خدعك الشيطان، فقمتَ وأخذتَ سيفك وخرجتَ ووجدتَ امرأةً فشققتَ بطنها بسيفك"؟ فأجاب: "حقًا يا أبي القديس، هذا حق، ولكن إذا تاب إنسان خاطئ ألا يُغفَر له"؟ فقال له أبي: "إنه بالتأكيد توجد توبة، فإذا احتملتَ العقاب التأديبي الذي أعطيه لك يغفر الله لك، لأن الله لا يشاء موت الخاطئ بل أن يترك طرقه الأثيمة ويفعل الصلاح ويحيا (حز33: 11). فلما سمع الرجل ذلك قص شعره ولبس الزي المقدس، وجاهد جهادًا مجيدًا، وصار راهبًا بارزًا حتى نهاية حياته. وفي ثالث يوم من صيرورته راهبًا أخذ جرّة ماء وذهب معه أبي إلى البرية الداخلية حتى صارا على بُعد ثلاثة عشر ميلاً من الدير، وتركه هناك ليعيش في مغارة في صخرة كان طولها بمقدار طوله هو. وكان أبي يذهب إليه كل يوم سبت ليفتقده ويباركه ويُحضر له احتياجاته الضرورية. وبعد سنة ذهب إليه وقال له: "أخبرني عما حدث لك". فأجابه: "بمجرد أن طلع فجر اليوم، وجدتُ أن جسدي يرتعش جدًا حتى إنني قلتُ إن جميع أعصابي قد انتُزعت من جسدي، واضطربتُ إذ ظننتُ أنني سأموت سريعًا. ثم خرج من جسدي شيء منتن برائحة كريهة جدًا مثل رمّة عفنة، ثم دخل هذا الشيء في شقٍّ في الصخرة مثل البخار المدخِّن ثم اختفى. وقد ظللتُ في حالة شبه غيبوبة حتى جئت قدسك إليَّ"! فقال له أبي: "تعزَّ، فقد جاءك الخلاص اليوم وقد غفر لك الرب خطيئتك". ثم أعاده أبي إلى الدير وسط الإخوة. ثم سألتُ أبي القديس أنا تلميذه ويصا قائلاً: "أليس هذا هو الذي جاء إلينا من قطر أجنبي"؟ فأجاب بالإيجاب. فسألتُه: "أين كان هذا الوقت كله"؟ فأجابني: "بعد أن جرحه وحش شرير، أخذتُه إلى الطبيب الذي شفاه فحلّ عليه الخلاص"! وظلّ هذا الأخ يمجِّد الله كل أيامه يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
جاء مرةً إلى الأب شنودة تاجرٌ غنيٌ من إخميم، وقد نهب اللصوص بيته ولم يتركوا له شيئًا. فصاح قائلاً لأبي: "إنهم لم يتركوا لي شيئًا على الإطلاق"! فقال له أبي: اذهب إلى مدينة "سيوط" (أسيوط الحالية)، وهناك تجد ثلاثة أشخاص جالسين على الأرض خارج بوابة المدينة، وواحدٌ منهم يصفف شعره، فقل له: "يقول لك الأب شنودة: ’تعالَ إليَّ لكي أتكلم معك في موضوع ما‘". وبعد أن أخذ التاجر بركة أبي ذهب فوجد الرجال كما قال له أبي، وقال للرجل الذي كان يصفف شعره كما قال له أبي، فقال له: "إنني أرغب منذ عدة أيام أن آخذ بركة هذا القديس". ثم ذهب كلاهما إلى أنبا شنودة وتباركا منه، وبعد أن استراحا قليلاً قال أبي للرجل: "يا بُنيَّ، أعِد لهذا الرجل الممتلكات التي سلبتها منه، وسأجعله يُعطيك جزءًا منها"! فشعر الرجل بالخوف وقال لأبي: "يا أبي القديس، لستُ أنا وحدي الذي أخذها". فقال له أبي: "أعرف ذلك أيضًا يا بُنيَّ"! ثم قال الرجل: "إن كان لا يخبر أحدًا قط سأُعيد إليه ممتلكاته كاملةً بلا نقصان". حينئذ جعل أبي التاجر يتعهد بألاّ يكشف هذا الأمر لأحد حتى نهاية حياته. ثم أخذه الرجل وأعاد إليه جميع ممتلكاته كما هي، فأعطاه التاجر جزءًا منها وصرفه مرةً أخرى جاء التاجر المذكور إلى أبي ونال بركته. فقال له أبي: "إنك تريد، يا بُنيَّ، أن تذهب إلى الإسكندرية، فاصنع معي معروفًا: وهو عندما تصل إلى هناك اشترِ أول شيء تجده للبيع أمامك وأحْضِرْه إليَّ، وأي ثمن تدفعه سأعطيك إياه عندما تعود بمشيئة الله". وبعد أن نال التاجر بركة أبي سافر، وبمجرد أن نزل من السفينة بجوار الإسكندرية وجد رجلاً يحمل مذبحًا فضّيًا متنقلاً كان قد سرقه من أحد أديرة أنبا شنودة. فلما رأى المذبح قال في نفسه: "لو أنني اشتريتُ هذا المذبح الفضي وأعطيته لرجل الله، سأخجل من أن آخذ أي شيء منه، لأنه كان قد أشفق عليَّ وأعاد إليَّ ممتلكاتي المسروقة، فلن أشتريه لئلاً أفقد شيئًا آخر"! ولما وصل إلى الإسكندرية قابل نفس الرجل الذي معه المذبح الفضي ولكنه لم يشترِهِ. وبعد يومين قابل الرجل نفسه وهو يحمل المذبح أمام جميع الموجودين، ولكنه أيضًا لم يشترِهِ! ولما باع التاجر بضاعته وعاد إلى النهر لكي يركب السفينة جاء الرجل نفسه ومعه المذبح، ولكنه أيضًا لم يشترِهِ! ولكن واحدًا من بحارة السفينة اشتراه بأربع عملات ذهبية وقال في نفسه: "سأذهب به إلى هيكل الأب شنودة رجل الله"! جاء البحار بالمذبح إلى الدير وقدّمه إلى أبي قائلاً: "أَتريد يا أبي أن تشتري هذا المذبح"؟ فقال له أبي: "أريد ذلك بالتأكيد، ولكن أخبرني كم دفعتَ فيه يا بُنيَّ". فقال له البحار: "دفعتُ ثماني عملات ذهبية يا أبي"! فقال له أبي: "لا يا بُنيَّ، لا تكذب، إنك دفعتَ فيه أربع عملات فقط"! فقال البحار: "حقًا فإن هذا هو ما دفعته بالفعل، فخذه يا أبي القديس". فقال له أبي: "خذ خمس عملات ذهبية ثمنًا له". ولكن البحار قال له: "كلا يا أبي، إنني لن آخذ شيئًا، فقط اذكرني في صلواتك المقدسة". وبعد أن نال بركة أبي رجع إلى بيته وهو يمجد الله وبعد شهر، جاء هذا التاجر وقال لأبي: "بينما كنتُ ماشيًا سقط مني كيس فيه ستون عملةً ذهبية ولا أعلم أين سقط". وحدث أن البحار الذي اشترى المذبح هو الذي وجد الكيس ولم يعلم صاحبه بذلك. فتوسل إلى أبي بدموع قائلاً: "تراءف عليَّ". فقال له أبي: "هذا بسماح من الله، فإن غِنَى هذا العالم يشبه امرأة عاهرة، تكون اليوم في بيتك، وفي الغد تتعاقد مع شخص آخر. والآن يا بُنيَّ، لقد أعطى الله الذهب الذي فقدته لمن أراد، وأنت لن تجده قط"! فانصرف التاجر بقلب مغموم وبخزي عظيم يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
عديدةٌ هي الآيات والمعجزات التي أجراها أبونا شنودة النبي الحقيقي وحامل الروح، وقد انتشر خبرها وملأ وجه الأرض كلها حتى بلغت إلى أسماع الملوك الأتقياء الذين أُخبروا أنه يوجد رجلٌ في جنوب مصر يُدعَى "شنودة"، وأي شيء يقوله يتم حدوثه، لذلك فقد أرسل الإمبراطور إلى أبي القديس يقول: "ثيئودوسيوس الصغير غير المستحق أن يكون ملكًا، والذي أعطاه الله المملكة رغم عدم استحقاقه، يحييك يا أبي القديس أنبا شنودة رجل الله الحقيقي، وأتوسل إليك أن تسرع بمجيئك إلينا، وذلك حتى لعلنا نكون مستحقين أنا وجميع مواطنيَّ لبركتكم. إن المملكة وكل أعضاء مجلس الشيوخ يتطلّعون إلى زيارة قدسكم لنا، فلا تتأخر يا أبانا القديس، فإننا عطشى إليكم وإلى تعاليمكم المقدسة كما أخبرَنا الذين يأتون إلينا عن النعم التي أسبغها الله عليكم. اذكرنا في صلواتكم المقدسة وإلى اللقاء في اسم الثالوث الأقدس". وختم الإمبراطور الرسالة وأعطاها لرسوله الشخصي "أودوكسيوس"، وأرسل نسخةً منها إلى دوق مدينة "أنتينيوي" ("الشيخ عبادة" الآن بجوار ملوي). ولما استلم الدوق الرسالة ذهب مع الرسول إلى أبي أنبا شنودة وسلماه الرسالة، ولما علم القديس بفحواها شعر بالحزن وتضايق في قلبه وقال للرسول: "ماذا يريد الإمبراطور مني؟ إنني راهبٌ أعيش في هذا الدير من أجل الله، أصلّي وأتوسل من أجل خطاياي". فقال له الرسول: "يا سيدي وأبي، إنه يريد أن يتمتع ببركتك". فقال له أبي: "لعلك تستطيع أن تقدم له اعتذاري لأنني في الحقيقة رجل شيخ". فقال له الرسول: "يا أبي القديس لا تعوّق هذا الأمر، ففي الحقيقة إنه لا يمكنني أن أصدّ أمر سيدي الملك". فقال له أبونا: "اذهب الآن مع رجالك لتستريحوا وتأكلوا". وبعد يومين، قال الرسول لأبي: "هلم بنا نذهب يا أبي حتى لا تحلّ بي عقوبة شديدة من سيدي الملك". فقال له أبي: "ألا يمكنك أن تعفيني يا بُنيَّ؟ اذهب بسلام وقل للملك إن الرجل شيخ ولم يمكنه أن يأتي معي". فقال له الرسول: "إن لم تأتِ بإرادتك فإن الجنود سيأخذونك بغير إرادتك"! فقال له أبي: "إذن، فأمهلني حتى الغد، وإذا أراد الله سنذهب". فمكث الجميع حتى الغد. وفي المساء دخل أبي إلى الهيكل وصلّي لكي يرشده الله إلى ما يفعله، ولما قال: "آمين"، جاءت إليه سحابة منيرة وخطفته وطارت به حتى أنزلته في قصر الملك، ورأى الملك نورًا باهرًا في مكان نومه. فقفز الملك وقال لأبي: "من أي نوع أنت، لأنني اضطربتُ جدًا"؟ فقال له أبي: "أنا شنودة الراهب الذي أرسلتَ إليه. ماذا تريد مني أنا الخاطئ حتى ترسل جنودك ليطلبوني أنا الراهب الضعيف"؟ فقال له الملك: "كيف جئتَ إلى هنا يا أبي القديس؟ وكم يوم قضيتَ في هذه الرحلة"؟ فقال له أبي: "إن المسيح يسوع ابن الله الحي الذي تؤمن به مع أبيه القدوس والروح القدس هو الذي جاء بي إلى هنا إليك، وذلك لكي أحقق لك ما عزمتَ عليه، وأيضًا لكي تعلم أنه قبل أن آتي إليك هنا كنتُ في مجمع الصلاة هذا المساء مع الإخوة في الدير". فقال له الملك: "يا أبي القديس، أين تركتَ الرسول والجنود الذين أرسلتُهم معه"؟ فقال له أبي: "تركتهم نائمين في الدير". فقال الملك بإيمان عظيم: "حقًا إنني سمعتُ عن معجزات أبوتك المقدسة المباركة، ولكنني اليوم قد رأيتُها وجهًا لوجه"! ثم قال له أبي: "ولأي سبب أرسلتَ لي"؟ فقال له الملك: "لأنني أنا وأهل بيتي والمدينة كلها نريد أن نتمتع ببركتك وصلواتك المقدسة". فقال له أبي: "يباركك الرب يسوع المسيح أيها الملك المحب لله وكل أهل مدينتك، وليثبِّت عرشك مثل أبويك المباركين أركاديوس وهونوريوس، وليكمِّلكم جميعًا في إيمان آبائكم وأنتم ثابتون في وصايا وإيمان آبائنا الرسل". ثم قال له الملك: "امكث معنا أيامًا قليلة يا أبي القديس لكيما نتمتع بك حتى الشبع". فقال له أبي: "إنه من الضروري أن أذهب. فاكتب محبتك رسالةً مختومةً باسمك لكي أعطيها للرسول حتى يرجع هو ومن معه إليك بسلام، ولا تزعجني بمحاولتك أن تُحضرني إليك مرةً أخرى". فكتب الملك رسالةً إلى رسوله قال فيها: "الملك ثيئودوسيوس إلى أودوكسيوس الرسول: بمجرد أن تستلم هذه الرسالة من أبينا النبي أنبا شنودة رئيس المتوحدين، الذي جاء هذه الليلة بطريقة لا يعرفها إلاّ الله وحده إلى مكان نومي، أسرع بالعودة ولا تحاول أن تأتي به إلينا مرةً أخرى". كما أنه كتب إليه عن أمور سرية بينه وبين الملك، وختم الرسالة وأعطاها لأبينا. ثم عانقه ونال بركته وصرفه بسلام. فأخذت السحابة أبي أيضًا وأوصلته إلى الدير في نفس الليلة، وقبل الفجر كان أبونا يصلّي مع الإخوة في الدير، ولم يعلم أحد أنه ذهب إلى الملك ورجع! وفي الصباح، طلب الرسول من أبي مرةً أخرى أن يذهب معه، فاعتذر له أبي أيضًا بسبب شيخوخته، فهدّده الرسول أيضًا بأنه سيأخذه بدون إرادته، فلما رأى أبي إصراره أعطاه رسالة الملك، فلما قرأها وجاء إلى الأمور السرية التي بينه وبين الملك ذُهل وفَقَدَ وعيه، فرشم أبي عليه بعلامة الصليب حتى استعاد وعيه. ولما أكمل قراءة الرسالة ألقى بذاته عند قدمي أبي وقال: "حقًا يا سيدي وأبي إنك رجل لا ينبغي أن يُسمَح لقدميك أن تطأا أرضنا النجسة"! ثم قال له: "إنني أريد أن أمكث معكم وأصير راهبًا". فقال له أبي: "كلاّ يا بُنيَّ، بل اذهب إلى الملك لأنه يسأل عنك وعن جنودك". فقال له الرسول: "من أجل محبتك يا أبي القديس باركني بفمك الطاهر يا تلميذ الرب القوي ومسكن الله"! فباركه أبي قائلاً: "ليباركك الرب يسوع المسيح وينقذك من فخاخ الشيطان، ولترث الصالحات التي تدوم إلى الأبد". ثم عاد إلى الملك ومعه رسالته، وكان هذا الحدث سبب تقوية وتعزية له كل أيام حياته يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
جاء إليه في أحد الأيام بعض كبار رجال مدينة إخميم لأنهم أرادوا أن ينالوا بركته، وجاء معهم أيضًا بعض الرهبان المعروفين من برية شيهيت (أو حسب الترجمة السريانية: بعض الرهبان من دير القديس الشهير أنبا مكاريوس) الذين أرادوا أن يستمعوا إلى كلامه، وهؤلاء قالوا له: "يا أبانا القديس، هل سيوجد في هذا الجيل راهبٌ مثل الطوباوي أنبا أنطونيوس"؟ فقال لهم أبونا البار: "حتى لو اجتمع جميع رهبان هذا الزمان معًا في مكان واحد، فلن يكوِّنوا من مجموعهم أنطونيوس واحدًا"! فاندهش الإخوة مع كبار المدينة من قول أبينا النبي، وبعد أن نالوا بركته انصرفوا وهم يمجدون الله كان أبونا يومًا ما جالسًا مع ربنا يسوع وهما يتحدثان معًا. وحينئذ مرّ على الدير أسقف مدينة إخميم في طريقه إلى الإسكندرية لكي يقابل رئيس الأساقفة، وكان يريد أن يزور أبي قبل اتجاهه إلى الشمال. ثم أرسل إلى أبي قائلاً: "أسرع بمجيئك لأنني أريد مقابلتك لكي أتكلم معك في موضوع قبل اتجاهي إلى الشمال". ولأن أبي كان جالسًا مع المخلِّص قال لخادمه: "قُل له إنني لستُ حرًا في هذا الوقت". فأخبر الخادم الأسقف بذلك. فقال له الأسقف أيضًا: "قُل له: من أجل محبتك تعالَ لكي أقابلك". فبعث له بنفس الإجابة. ولما علم الأسقف أرسل إليه قائلاً: "إن لم تأتِ تكون محرومًا"! فلما علم أبي ابتسم بلطف وقال: "انظر إلى ما يقوله هذا الإنسان الذي من لحم ودم! ها هو جالسٌ معي ذاك الذي خلق السماء والأرض، ولن أذهب بينما أنا معه". ثم قال المخلِّص لأبي: "قم يا شنودة واذهب إلى الأسقف لئلاّ يحرمك، وإلاّ فإنني لن أدعك تدخل السماء بسبب العهد الذي قطعته مع بطرس الرسول قائلاً: «كل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات، وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السماوات» (مت16: 19). فلما سمع أبي ذلك من المخلِّص نهض وذهب إلى الأسقف وحيّاه. ولما انتهى حديثهما انصرف الأسقف بسلام الله بينما كان أبي جالسًا يومًا ما دخل الشيطان ومعه بعض أتباعه وتكلم مع أبي بتهديدات وشرور بشعة. فلما رآه أبي تعرّف عليه في الحال وقفز عليه وصارع معه، وقبض عليه وقذف به على الأرض ووضع قدمه على رأسه، وصاح مناديًا الإخوة القريبين قائلاً: "اقبضوا على الآخرين الذين يتبعونه". وللحال اختفوا كالدخا كان الأب مارتيريوس أرشيمندريت دير "فبوؤو، ذاهبًا إلى الإمبراطور ثيئودوسيوس في القسطنطينية. وقبل أن يقترب من الدير قال إنه يريد أن يأخذ بركة أبي النبي أنبا شنودة. فقال تلميذه يوحنا بطريقة عنيدة: "أي نبي؟ دعنا نتقدم، لأنه في الحقيقة لا يعرف ماذا أكل هذا المساء"! ثم نزلا من السفينة، ولما اقتربا من الدير خرج أبي لمقابلته وسلّما على بعضهما، وبعد أن صلّوا جميعًا في الدير جلسوا، ثم قال أبي: "أين يوحنا"؟ فنظر الإخوة بعضهم إلى بعض، ثم قال: "أنت يوحنا تلميذ الشيخ الأب مارتيريوس". ثم أمسك به وقال: "حقًا يا يوحنا، إن شنودة لا يعرف ماذا أكل هذا المساء، ولكن في يوم الدينونة، فإن هذا الجسد البائس الذي يكلّمك الآن سيجلس مع الرسل لكي يُدين معهم (انظر مت19: 28)، من ثم فاحذر من أن تشكّ في الله وفي خدامه"! ففي الحال ألقى الشاب بنفسه عند قدمي أبي القديس وتوسل إليه قائلاً: "اغفر لي فقد أخطأت"! ثم انصرف الأب مارتيريوس وتلميذه وهما يمجدان الله إذ دُهشا مما حدث يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
ذهب مرةً أبونا النبي أنبا شنودة إلى البلاط الملكي لكي يكلِّّم الملوك الأتقياء عن مظالم الولاة للفقراء. ولما دخل المدينة اضطربت كلها بسبب زيارته لها، وجاء الجميع إليه لكي يأخذوا بركته بإيمان عظيم، وظلوا يُدخلونه إلى بيوتهم لكي يصلّي فيها. وفي أحد الأيام عندما كان ذاهبًا إلى بيت واحد مكرَّم عند الملك لكي يصلّي هناك، بدأ النهار يميل وقد مضى الوقت الذي يأكل فيه الإخوة الذين معه، فاشتكوا قائلين: "إن أبانا يريد هكذا أن يقتلنا، نريد أن نشرب قليل ماء"! لأن الوقت كان صيفًا، وكان سكان القسطنطينية يتكلمون عن درجة الحرارة العالية عندهم. فعلم أبونا بالروح بما كانوا يفكرون فيه، وبينما كان سائرًا معهم في الطريق لمس أحد الأبواب فانفتح في الحال، فدخل ودعا الإخوة المصاحبين له وقال: "تعالوا كلوا". فلما دخلوا وجدوا مائدةً معدّةً كما في ديرهم تمامًا، وكان هناك راهبان واقفان وهما يحملان آنيتين صغيرتين لتقديم الماء وكل ما يحتاجونه. ثم قال أبي لهم: "اجلسوا وكلوا". وبعد أن أكلوا انصرفوا. ثم سألوه: "يا أبانا، مَنْ أعدّ هذه المائدة؟ ومَنْ هما هذان الأخوان اللذان كانا يخدماننا؟ حقًا إننا بصعوبة نجد ما نحتاجه في ديرنا مثل ذلك"! فقال لهم بصراحة: "مجدوا الله، لأن ذاك الذي أرسل طعامًا لدانيال النبي في جب الأسود (انظر دا 14: 32-38 في الأسفار المحذوفة)، هو الذي أعدّ لكم اليوم هذه المائدة، وهذان الأخوان اللذان كانا يخدمانكم هما ملاكا الرب"! فاندهش الإخوة ومجدوا الله وشكروا أبانا وحينما كان أبونا أنبا شنودة جالسًا في حضرة الملك، جاء إليه أحد أعضاء مجلس السناتو (أي البرلمان) الذي كانت له كرامة سامية عند الملك، وأراد أن ينال بركته. ولما حياه وأراد أن يأخذ يده ليقبّلها، سحب أبي يده منه ورفض أن يعطيها له. فقال له الملك: "يا أبي القديس، من أجل محبتك أعطه بركتك لأنه رجلٌ عظيمٌ سواء في القصر أو في مجلس السناتو". فقال أبونا بغضب: "أَتريد مني أن أعطي يدي لإنسان ينجس هيكل الله بأعماله الشنيعة"؟ فاندهش الملك ومجد الله وطوّب نبيه القديس أنبا شنودة |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
ذهب مرةً أبونا أنبا شنودة إلى مدينة إخميم لكي يعاقب إنسانًا وثنيًا بسبب المظالم التي يعذب بها المساكين. ولما وجده وبّخه وظل يهددّه بالشرور التي يزمع الله أن يجلبها على رأسه، فلطم هذا الرجل الكافر أبانا على وجهه. وفي تلك اللحظة عينها جاء شخصٌ كان يسير في شوارع المدينة، ويوحي منظره بأنه ملكٌ عظيمٌ، وأمسك بشعر الرجل الوثني ولطمه على وجهه، ثم ظل يجرّه في المدينة كلها، وكان يتبعه جمهور كبير، حتى وصل إلى النهر فألقاه في الماء، ثم غطس كلاهما ولم يرهما أحدٌ بعد ذلك إطلاقًا. وكل من رأى ذلك قال: "هذه هي قوة الله التي أرسلها لكي ينتقم سريعًا من هذا الوثني الكافر بسبب المظالم العديدة التي جلبها علينا". وهكذا مجدوا الله الذي يُجري المعجزات على أيدي مختاريه ومرةً أخرى ذهب أبونا القديس إلى قرية "بليويت" ، وذلك لكي يحطم الأصنام الموجودة هناك. ولما علم الوثنيون بذلك حفروا في المكان المؤدّي إلى قريتهم حفرةً وضعوا فيها بعض سوائل سحرية مجهّزة حسب كتبهم لأنهم أرادوا أن يعيقوه في الطريق. فامتطى أبونا جحشه، ولما وصل إلى المكان الذي أُخفيت فيه تلك السوائل، وقف الجحش وحفر بظلفه حتى ظهرت تلك السوائل، فقال أبي لخادمه: "التقطها حتى يمكنك أن تعلّقها حول رقابهم". وكان الخادم يضرب الجحش قائلاً: "تحرك"، ولكن أبي كان يقول له: "دعه لأنه يعرف ما يفعله"! ثم قال لخادمه: "خذ الأواني واحفظها في يدك حتى ندخل القرية لكي نعلّقها حول رقابهم". ولما دخل القرية رآه الوثنيون ومعه الأواني السحرية التي كانت في يدي خادمه، فهربوا في الحال واختفوا، ودخل أبي إلى هيكلهم وحطم الأصنام مهشمًا إياها الواحد فوق الآخر يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
كان في أحد الأيام عيدٌ تذكاري في الدير لآبائنا القديسين. فجاء إلى الدير بعض الزائرين وطلبوا من أبي أنبا شنودة القليل من عصير العنب فأعطاهم، ثم طلبوا أشياء أخرى فأعطاهم بسرور، ثم كرروا طلباتهم بدون اكتفاء فأعطاهم أيضًا. فتعجب الذين كانوا جالسين معه من سخائه وسألوه: "لو أنهم ظلوا يطلبون فستظل تعطيهم"؟ فقال لهم: "نعم، ولكنهم سيذهبون بعد أن يأكلوا ويشربوا من الأشياء التي هنا فقط، لأنهم ليس لهم رجاء في حياة أخرى كان إنسان وثني اسمه "جيسيوس"، وقد اعتاد أن يجدف على المسيح ويقول عنه كلامًا نجسًا بحماقة وشر أثيم. ولما علم أبونا البار بذلك لعنه قائلاً: "إن لسانه سيكون مربوطًا بإصبع قدمه الكبير في جهنم". وهذا هو ما حدث بالفعل، فبعد موته شهد أبي لنا قائلاً: "لقد رأيته في جهنم ورأيتُ لسانه مربوطًا بإصبع قدمه الكبير وهو يُعذَّب بلا رحمة بسبب كفره قيل إن أنبا شنودة كان ممتلئًا بالمحبة نحو الجميع حتى التفّ حوله الكثير من العلمانيين ليسمعوا عظاته رغم أنه كان كثير الاختلاء بالله في مغارته. وتتضح محبته وبذله وقلبه الأبوي من القصة الآتية: حدث مرةً أن قبيلة "بليميس" جاءت نحو الشمال وسلبت بعض المدن وأسرت الناس والدواب، ثم رحلوا جنوبًا بكل غنائمهم وعسكروا في ولاية "بسوي". ثم أراد أبي أنبا شنودة أن يذهب إليهم لأجل الذين أسروهم، ولما عبر النهر نحو الشرق قابله بعض منهم ورفعوا عليه حرابهم لكي يقتلوه، وللحال يبست أيديهم وتخشبت وثبتت منبسطة بطولها بدون أي قابلية للثني، فظلوا يصرخون بانزعاج شديد. وقد حدث نفس الشيء لبقية هؤلاء الناس حتى وصل أبي إلى كرسي ملكهم. ولما تحقق ملكهم من أنهم لن يتغلبوا على القوة التي كانت مع أبي، قام وسجد أمامه قائلاً: "أتوسل إليك أن تستعيد صحة أيادي هؤلاء الناس". فلما رشم أبي علامة الصليب عليهم استعادت أياديهم صحتها في الحال! ثم وعده الملك بهدايا، ولكنه لم يأخذها بل قال له: "أعطوني البشر وخذوا الغنائم لأنفسكم". فأعطاه الملك إياهم بلا ثمن، فعبر بهم إلى الضفة الغربية من النيل وجاء بهم وهو فرحٌ إلى الدير الأبيض حيث استضافهم ثلاثة شهور كاملة. وكانوا رجالاً ونساءً وأطفالاً، فقسّم رهبانه إلى جماعات واضعًا على كل جماعة عملاً، فاهتم سبعة رهبان أطباء بالجرحى وسهروا على رعايتهم، واهتم غيرهم بالشيوخ والأطفال ... وهكذا. وفي تلك الفترة التي قضوها في الدير مات منهم 94 شخصًا ودُفنوا في الدير، بينما وُلد لهم 52 طفلاً. وقد استهلكوا في تلك المدة 85 ألف أردب قمح من مخازن الدير عدا العدس والزيت والبقول والأغنام والتوابل. ثم أمدّهم أبي بنفقات سفرهم والضروريات وصرفهم بسلام إلى بيوتهم وهم يمجدون الله ويعترفون بفضل القديس النبي أنبا شنودة . وهكذا كان هؤلاء الرهبان يعملون بنظام وغيرة تحت رعاية رئيسهم المتفاني في خدمة الجميع والساهر على نهضة الرهبنة. وهكذا تُظهر لنا هذه القصة بأن أنبا شنودة كان ملجأً لمواطنيه وقت الشدّة حدث مرةً عندما اجتمع الإخوة للصلاة في الكنيسة في المساء، أن جاء خلفهم شخصٌ كان يلبس رداءً ملكيًا ومظهره جميلٌ جدًا، وبمجرد أن رآه أبونا القديس اقترب منه وكلّمه بكل احترام وأمسك بيده واقتاده إلى المكان الذي كان الإخوة يتلون فيه القراءات المحفوظة. وقد قاد هذا الزائر التلاوة بحلاوة ووقار عظيمين فابتهج جميع الذين سمعوه بحديثه وطريقة نطقه ومعرفته المميَّزة. ولما انتهى من التلاوة دخل إلى الهيكل واختفى. ثم تذمر بعض الإخوة قائلين: "ألم يجد أبونا واحدًا منا لكي يقود التلاوة بدلاً من هذا العلماني الذي اقتاده لكي يفعل ذلك"؟ فلما علم أبونا بتذمرهم كشف لهم السر قائلاً: "صدقوني يا إخوتي، فإن هذا الرجل هو داود النبي القديس ابن يسى، وإنه هو الذي أراد أن يقود التلاوة في كنيستكم، فها هو الرب قد أنعم علينا بذلك". فاندفع الإخوة في الحال إلى الهيكل وهم يظنون أنهم سيجدونه وينالون بركته، ولكنهم لم يجدوا أحدًا. فتعجبوا جميعًا من الطريقة التي مجّد بها الله أبانا القديس البار أنبا شنودة أخطأ أحد الإخوة في أمر ما، فطرده أبونا أنبا شنودة من الدير حسب قوانين الدير. فظل هذا الأخ يهيم في البرية في بؤس شديد، ولكنه لما تذكر مراحم الله أعطى نفسه للتوبة قائلاً: "أيها الرب إلهي، الرؤوف والمحب للبشر الذي لا يشاء أن أحد أعمال يديه يهلك، إن كنتَ اليوم تحرك قلب أبي لكي يغفر لي ما فعلتُ ويقبلني مرةً أخرى، فإن رجائي هو أن آتي إليك مرضيًا إياك في كل شيء"! وبمجرد أن نطق بهذا الكلام ظهر ملاك الرب واقفًا بجواره وسأله: "لماذا أنت مكتئبٌ هكذا"؟ فأجاب: "إنني يا أخي مكتئبٌ لأن أبي القديس أنبا شنودة طردني من وسط الإخوة ولا أعلم ماذا أفعل إذا يئستُ من خلاصي ومن رجائي في التوبة"! فقال له الملاك: "إذا قبلك أبوك مرةً أخرى فهل ستُراعي العهد الذي قطعته مع الله وتأخذ على عاتقك بالكامل ما وعدتَ به"؟ فانطرح الأخ في الحال تحت قدمي الملاك وقال: "بالتأكيد يا سيدي، إذا تراءف عليَّ فإن رجائي هو أن أراعي هذه الأمور وأتممها". وكما علمنا من هذا الأخ، فإن الملاك كان مرتديًا زي راهب. فقال له الملاك: "قم اذهب إليه وهو سيقبلك". فقال له الأخ: "لن يسمح لي البواب بالدخول". فقال له الملاك: "إنك لن تجد أحدًا على الباب، فاذهب سريعًا وستجد أباك جالسًا عند المدخل أمام باب الكنيسة وقل له: ’إن الذي كفّ الآن عن الحديث معك عن يمين المذبح يقول: أرجعني مرة أخرى‘". فتشجع الأخ وذهب إلى الدير ووجد كما قال له الملاك، وكان الأب شنودة مرتديًا جلباباً مغسولاً لأنه كان وقت تقديم الذبيحة. ولما أخبره الأخ بما سمعه من الملاك قال للأخ المسئول عن مساكن الإخوة: "أدخل الأخ لكي يمكث مع الإخوة كما كان". فتعجب الإخوة الذين لم يعرفوا عن سر ما حدث حدث في إحدى السنين أن فيضان النيل لم يأتِ كالمعتاد، وعلم أبونا شنودة من الله السبب الخفي في ذلك، كما أنه كشف ذلك للإخوة بدموع غزيرة وقال لنا: "صلّوا لأجل ذلك، وأنا أيضًا سأذهب إلى البرية وأقضي هذا الأسبوع مصلّيًا للرب، واحترسوا ألاّ يأتي إليَّ أي أحد قط". وفي اليوم الرابع جاء دوق تلك المنطقة واستدعاني أنا ويصا الحقير تلميذ أبينا وقال لي: "أريد أن أقابل الشيخ القديس وأقدم له احتراماتي". فقلتُ له: "إنه غير موجود هنا بل ذهب إلى البرية الداخلية". فقال أيضًا: "اذهب واستدعه لي". فقال له الإخوة: "إنه قال لنا ألاّ نسمح لأحد قط أن يذهب إليه طوال هذا الأسبوع". ولكن الدوق أقسم أنه سيمكث في الدير حتى نستدعي أبانا له لكي يأخذ بركته. ولما شعرنا أننا في ضيق بسببه ذهبنا إلى حيث يمكث أبونا، ولما قرعنا بابه أجابنا بصعوبة بعد وقت طويل، ثم خرج وكان غاضبًا منا وقال: "ألم أقل لكم لا تدَعوا أحدًا يأتي إليَّ طوال هذا الأسبوع"؟ فقلنا له: "اغفر لنا يا أبانا، فقد جاء الدوق إلى الدير ومعه حرّاسه من الجنود، وهو الذي أجبرنا أن نأتي إليك". ثم قال لنا أبونا: "أنتم تعلمون أنني قلتُ لكم إن الله أمر ألاّ يكون فيضان في هذه السنة، وقد صلّيتُ فوعدني الله الصالح الرحوم أنه في هذه السنة أيضًا سيجعل المياه تغطي وجه الأرض". ولما طلبنا منه جاء معنا إلى الدوق الذي بعد أن أخذ بركته قال له: "أتريد يا أبي أن أذهب إلى الجنوب وأشنّ حربًا على البرابرة"؟ فقال له أبي: "أريد بالتأكيد". فقال له الدوق: "فلتحل بركتك عليَّ يا أبي القديس، وأعطني إحدى مناطقك الجلدية لتكون بركةً لي". فأعطاه إياها. ولما ذهب الدوق إلى الحرب نسيَ أن يربط المنطقة حول جسمه، فهزمه البربر وقتلوا العديد من جنوده في موقعتين. وأخيرًا رجع إلى نفسه وربط المنطقة حوله وحارب البربر للمرة الثالثة وقتلهم جميعًا! ثم رأى في رؤيا أنبا شنودة وفي يده سيف وهو يساعد في قتل البربر. ثم ذهب إلى الدير ليقدِّم الشكر لله وللقديس البار أنبا شنودة يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
كان في الدير اثنان من الإخوة، أحدهما كان غيورًا متيقظًا لنفسه باهتمام، أما الثاني فقد كان متوانيًا يقضي أيامه في أمور باطلة. وحدث أن حلّ بهما المرض وذهب أبونا أنبا شنودة ليفتقدهما، فقال للأخ المتواني: "إنني أراك تقاسي وأنك تقترب من الموت، فماذا تظن في نفسك"؟ فأجاب الأخ: "صدقني يا أبي، إنني لم أتمم أيّة واحدة من وصاياك، ولا أعلم بأية طريقة يمكنني أن أبرِّر نفسي"! ثم ذهب أبونا إلى الأخ البار، الذي لم يكن مرضه خطيرًا، وسأله: "ماذا تظن إذا افتقدك الرب، هل أنت متيقنٌ الآن أنك ستجد رحمة"؟ فأجاب قائلاً: "صدقني يا أبي القديس، إنني كنتُ غيورًا في حفظ جميع وصاياك، ولكن إن كان الله ليس رحيمًا فلا أعلم ماذا سيحدث لي". فقال له أبي: "جيدٌ". وبعد ذلك رقد الأخ الغيور وذهب إلى الرب. أما الأخ المتواني فقد شُفيَ من مرضه، ولكنه ظل مستمرًا في توانيه، وكان أبونا حزينًا بسببه. ثم حدث أن الإخوة بينما كانوا يفرشون ترابًا في البيدر، كان بعض الإخوة يحملون ترابًا وكان من بينهم الأخ المتواني، وكان يمشي متباطئًا ومعه مقطف التراب وهو يمزح بتكاسل ويعج بالضحك. فقام أبونا الشيخ بغضب وأمسكه وألقاه على الأرض وألقى عليه مقطف التراب وقال له: "ألا يكفيك أنني من أجلك سلّمتُ الأخ الغيور واستعدتك أنت إلى الحياة راغبًا في توبتك؟! وها أنت لا زلت غير متنبّه لأعمالك الشائنة"! فنهض الأخ وانطرح أمام أبينا قائلاً: "اغفر لي يا أبي". ثم أعطى هذا الأخ نفسه للتوبة بغيرة عظيمة وتنهّدات ودموع حتى مرّ شهرٌ كامل. ثم رقد مريضًا واقترب من الموت، فذهب أبونا القديس ليفتقده ومكث بجواره حتى لفظ أنفاسه. ثم قال أبونا للإخوة: "ها هو أخٌ قد انتقل اليوم إلى الرب بعد أن صارت حياته بلا نقيصة يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
في أحد الأيام، جاء ربنا يسوع المسيح إلى أبينا أنبا شنودة وقال له: "إن بعض نسّاك البراري يتطلعون إلى رؤية أولادك، وها هم سيأتون إليك هذه الليلة". ثم اختفى الرب. فجمع أبونا القديس كبار الإخوة والمسئولين وقال لهم: "سيأتي بعض الرهبان إلينا هذه الليلة، فإذا جاءوا في وسطكم احذروا من أن يتكلم معهم أي واحد منكم أو من الإخوة، بل احنوا رؤوسكم لهم وخذوا بركتهم لأنهم قديسون بالحقيقة". فلما اجتمعوا في تلك الليلة لتلاوة كلام الله – وكانوا يصطلون بجوار النار لأنه كان شتاءٌ وهم يتلون ما يحفظونه عن ظهر قلب – دخل أبونا القديس وكان يمشي معه ثلاثة رهبان وهم في مجد عظيم. ولما رآهم الإخوة نهضوا جميعًا وانحنوا أمامهم ونالوا بركتهم. ثم انسحب هؤلاء القديسون وذهب معهم أبونا النبي أنبا شنودة. وفي الصباح اجتمعنا معه وسألناه: "من كان هؤلاء المكرَّمون، يا أبانا، الذين جاءوا إلينا في الليلة السابقة؟ إننا لم نرَ مثلهم، فقد كانوا يمشون بجلال وحكمة، بملابس بهية. إنهم مختلفون عن بقية البشر، ولكنهم كانوا مثل ملائكة الله"! فأجاب أبونا قائلاً: "مجدوا الله لأجل هذه العطية التي نلناها. صدقوني، فإن هؤلاء القديسين كانوا هم يوحنا المعمدان وإيليا وأليشع النبيان. إن هؤلاء الأنبياء العظام كانوا يتطلعون إلى رؤيتكم في عملكم وطلبوا ذلك من الله، وها هو قد أرسلهم إليكم وتحقق بينكم القول: الأمور «التي تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها» (1بط1: 12) ذهب أبونا أنبا شنودة مرةً شمالاً إلى جبل أسيوط لكي يزور صديقه القديس النبي أنبا يوحنا المتوحد (الأسيوطي) الذي كان يُدعَى أيضًا "النجار". وكان يعيش متوحدًا في البرية حابسًا نفسه في قلاية صغيرة ويتكلم مع الذين يذهبون إليه من طاقة صغيرة. وإلى الشمال من جبل أسيوط توجد أجساد شهداء مدفونة عند الطريق، وكلما كان أبونا أنبا شنودة يمر من هذا الطريق كان يظهر له هؤلاء الشهداء ويقولون له: "مرحبًا بك أيها المحبوب من الله"! كما أنه كثيرًا ما كان يظهر له أنبياء ورسل ويُخبرونه عما يجب أن يقوله سواء لتعزية الآخرين أو لتوبيخهم. وعندما كان معتكفًا في قلاية خارجية مصلّيًا لأجل فيضان النيل، وقد أوصى ألاّ يذهب إليه أحد، احتجنا أن نسأله في أمر ضروري، فأرسلنا الأب يوسف خادم أبينا لكي يُخبره بالأمر ويسأله عما يجب أن نفعله. ولما اقترب من قلايته سمع صوتًا بدا منه أن أبانا كان يتكلم مع بعض الناس، فخاف أن يقرع الباب. وبعد قليل ناداه أبونا قائلاً: "تعال يا يوسف، لا تمكث خارجًا"! فدخل وأخذ بركته، فقال له أبونا: "لماذا أتيتَ إلى البرية ولم تفتح الباب وتدخل"؟ فأجاب باتضاع: "ظننتُ أن ولاةً جاءوا إليك من المدينة وأنهم كانوا يتحدثون معك، لذلك لم أدخل يا أبي". فقال له أبونا: "إن شنودة لا يتكلم مع بشر في البرية، بل مع ملائكة أو أنبياء أو رسل أو شهداء. ولكنك فقدت بركةً عظيمةً اليوم، لأن الاثني عشر رسولاً قد جاءوا ليفتقدوني وقد ذهبوا للتو. صدقني يا بُنيَّ، إنهم هم الذين كانوا يتكلمون معي الآن عندما التأم المجمع المسكوني في أفسس لكي يحرم نسطوريوس الهرطوقي، وكان أبي النبي أنبا شنودة هناك مع القديس كيرلس (عامود الدين) رئيس أساقفة الإسكندرية، ذهب الجميع إلى الكنيسة وجلسوا، ووضعوا في وسط المجمع كرسيًا آخر ووضعوا عليه الأناجيل الأربعة. ولما دخل نسطوريوس الكافر بمظهر كله كبرياء وعدم خجل، أخذ الأناجيل الأربعة ووضعها على الأرض وجلس هو على الكرسي! فلما رأى أبي ذلك قفز سريعًا بغضب مقدس في وسط آبائنا القديسين، وأخذ الأناجيل من على الأرض وضرب نسطوريوس على صدره قائلاً: "أتريد أن ابن الله يجلس على الأرض بينما تجلس أنت على الكرسي"؟! فقال نسطوريوس لأبي: "ما شأنك أنت بهذا المجمع؟ إنك بالتأكيد لستَ أسقفًا، ولا أنت أرشيمندريت (رئيس متوحدين) ولا مسئولاً كبيرًا، بل مجرد راهب"! فقال له أبونا: "إنني أنا الذي أراد الله أن آتي إلى هنا لكي أنتهرك من أجل آثامك وأكشف أخطاء كفرك باحتقارك آلام ابن الله الوحيد التي احتملها لأجلنا لكي يخلصنا من خطايانا . وهو الذي سينطق الآن عليك بحكم سريع"! وللحال تملّك الشيطان على نسطوريوس الكافر. وللحال قبّل البابا كيرلس أبانا أنبا شنودة، ثم أخذ البطرشيل الذي كان حول عنقه ووضعه حول عنق أنبا شنودة، ووضع عصا في يده وجعله أرشيمندريت (أي "رئيس متوحدين"، وهو اللقب الذي اشتهر به حتى الآن)، وصاح جميع الحاضرين قائلين: "مستحق مستحق مستحق أيها الأرشيمندريت كان في الدير راهبٌ شابٌ، وكانت تعترضه أفكار طفولية شيطانية. ولأن هذه الأفكار كانت تعذّبه، فقد عزم في قلبه قائلاً: "إذا جاء والدي ليزورني فسأرجع معه إلى العالم"! فعلم أبونا البار أنبا شنودة بأفكار الأخ واستدعاه وقال له: "هل هذا حق أنه إذا جاء والدك سترجع معه إلى العالم"؟ فضحك الشاب، ثم قال له أبونا: "إنني حقًا سأرسلك إلى أبيك الحقيقي"!! ثم صرفه. ثم اعتلّ هذا الشاب وعلم أبونا بذلك، ثم طلب منه الإخوة أن يصلّي من أجله لكي يُشفَى، لأنه كان يقاسي من آلام شديدة. فقال لهم أبونا: "ما شأنكم به؟ إنه يريد أن يذهب إلى أبيه"! فلما سمع الإخوة ذلك انصرفوا. وفي سابع يوم من مرض الشاب رقد في الساعة التاسعة من النهار، فكفّنه الإخوة ودفنوه. ثم جمع أبونا الإخوة جميعًا وتحدث معهم بكلمة الله، ثم قال لهم: "صدقوني يا إخوة، فها هي اليوم نفسٌ ليس فيها أيّة شائبة قد ذهبت إلى الله، بل إنها ستذهب بدون أي عائق إلى أماكن الراحة حتى تسجد أمام قدس الأقداس". فلما سمع الإخوة ذلك مجدوا الله وأعدّوا أنفسهم لخدمة الرب بصبر وبدون انحراف في أحد الأيام، بعد انتهاء صلاة المساء، جلس أبونا أنبا شنودة ليستريح قليلاً، فظهرت له رؤيا من عند الرب: إذ رأى أمامه رجلاً ممتلئًا كله بمجد عظيم، وتنبعث من فمه رائحة زكية قوية، وكان وجهه يشع نورًا مثل الشمس. فقال له الشيخ: "مَنْ أنت يا سيدي الذي يحيط بك هذا المجد العظيم"؟ فقال له: "أنا بولس رسول المسيح. لأنك تحب عمل المحبة وتعطي صدقات لأي واحد يطلب منك، ولأنك تحفظ جميع الوصايا بكل الطرق بسبب حبك لله، فها هو الرب قد أرسلني لك لكي أعزيك بسبب ما تفعله لأجل المساكين والمعدمين". وظل هكذا يتكلم معه حتى حان وقت اجتماع نصف الليل في الكنيسة. وحينئذ أعطاه الرسول رغيف خبز، فأخذه الشيخ ووضعه في كيسه. ثم قال له الرسول: "ضع هذا الرغيف في مخزن الخبز الذي يوزع الإخوة منه الخبز، فقد باركه قديسون كثيرون وحتى ربنا يسوع المسيح نفسه قد باركه بأن رشم عليه علامة الصليب. فتشجع وتحصّن ولا تخف! وسلام الله سيمكث ويبقى معك إلى الأبد". ثم حياه واختفى. أفاق الشيخ القديس من الرؤيا ووجد الرغيف في كيسه، فمجد الله قائلاً: «بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطانيه» (مز116: 12)! وعندما كان ذاهبًا إلى الكنيسة لكي يصلّي مع الإخوة عرج في طريقه على مخزن الخبز حيث وضع الرغيف الذي أخذه من الرسول سرًا دون أن يعرف أحد وأغلق الباب وذهب إلى الكنيسة، وقد رأى الإخوة وجهه مشعًا فتعجبوا! ولما تجمّع الإخوة لكي يذهب كلٌ منهم إلى عمله، جاء الأخ المسئول عن مخزن الخبز إلى الشيخ وقال له: "يا أبي القديس، من أجل محبتك تعالَ وصلِّ لكي نفتح مخزنًا آخر لنأخذ منه ما يحتاجه الذين يأتون إلينا، فإنه لم يتبقَّ سوى القليل في المخزن الذي نأخذ منه الخبز". فامتلأ وجه الشيخ بالفرح وقال: "اذهب يا بُنيَّ، وأحضر كل ما في المخزن حتى لا يتبقّى شيء". فقال له الأخ: "اغفر لي يا أبي، فإنني لم أترك شيئًا في هذا المخزن سوى سلّة واحدة أريد منك أن تباركها". فقال له الشيخ: "أحضر هذه السلّة". فلما ذهب لكي يُحضرها لم يستطع أن يفتح باب المخزن، وذهب الإخوة معه ولم يمكنهم أن يفتحوه، فقالوا: "واضحٌ أن هذه ليست مشيئة الله أن نعطي جمهور الآتين إلينا اليوم". ولما علم أبونا بما حدث قال للإخوة: "أحضروا من خيرات الله الفائضة، وإن كانت غير كافية فسنفتح مخزنًا آخر لنأخذ منه". ثم رشم الشيخ علامة الصليب على باب المخزن قائلاً: "أيها الرب إلهي، بقوتك وأمرك فلينفتح الباب"! فانفتح الباب في الحال، وانسكبت من داخل المخزن إلى خارجه كومة هائلة من الخبز حتى ملأت المدخل المؤدّي إليه! وهكذا أخذ جمهور الزائرين والإخوة الرهبان احتياجهم لمدة ستة شهور، وحتى اليوم (عند تدوين هذا الكلام) صار مخزن الخبز هذا يُسمّى "مخزن البركة" كان أحد الرهبان يعمل في حديقة الخضروات واسمه "بسوتي"، وكان خيِّرًا جدًا، فقد كان يُعطي خضروات لكل مَنْ يأتي إليه ولا سيما الإخوة الساكنين في الجبل. وقد اتهمه الإخوة أمام أبينا أنبا شنودة بكرمه الزائد عن الحد قائلين: "إن بسوتي لا يترك شيئًا في حديقة خضروات الإخوة، فلا نجد نحن ولا الآتون إلينا ما نحتاجه". فقال لهم أبونا: "إن كانت الخضروات لم تفرغ من عندكم يكون هو غير مذنب، ومع ذلك، فسنذهب إليه عند الفجر ونؤنّبه، فإن وجدنا أنه تنقصنا الخضروات ننقله من العمل في الحديقة، ومع ذلك فإنه ما أعظم عمل المحبة"! ذلك لأن أبانا كان يعلم أن بسوتي مباركًا في كل ما كان يعمله. وفي تلك الليلة، عندما انتهى أبونا من الصلاة واضطجع قليلاً ظهرت له امرأة جميلة جدًا تشعُّ كلها بنور مثل الشمس، وأخذت يد بسوتي وقالت له: "احذر من أن تكفّ عن عمل المحبة في حديقة الخضروات. هل أنت تمتلك الأرض التي تُعطي ثمرها؟ هل أنت تمتلك ماء الينبوع؟ هل أنت تمتلك قدرة الدواب التي تتعب؟ ها أنا أقول لك إن قلب ربي وابني راضٍ عنك لأنك تعطي القليل من الخضروات للإخوة ولكل من يحتاج إليها"! فلما سمع أبونا ذلك علم أنها والدة الإله. ثم اتجهت نحو الشيخ وقالت: "يا شنودة المحبوب عند ابني، ها أنا آتي إليك بهذا الذي اتهموه أمامك، فإن وجدتَ فيه أيّة خطية فأنا أعاقبه بمرض خطير". ولما أفاق الشيخ من الرؤية دُهش مما حدث، ولما دُعيَ الجميع إلى الكنيسة دخل هو الكنيسة قبل الإخوة ورأى بسوتي البستاني واقفًا في الصلاة وكانت أصابع يديه العشرة مضيئة، فقال له: "مَنْ أنت يا مَنْ أراه هكذا"؟ فقال له: "أنا بسوتي ابنك". فقال له الشيخ: "مَنْ الذي جاء بك إلى هنا يا بُنيَّ"؟ فأجابه: "إن الذي جاء إليك في قلايتك وتحدث معك قبل استدعاء الإخوة إلى الكنيسة هو الذي جاء بي إلى هنا". فقال له الشيخ: "إنه مكتوبٌ يا بُنيَّ أن إلهك هو الله، وملكك هو رب الأرباب. إنني أعلم أن الله معك في كل ما تعمل. وسآتي إليك اليوم في البستان لكي أفتقدك، أما أنت يا بُنيَّ، فأعطِ الصدقات كما كنت تفعل حتى الآن". وفي الساعة الثالثة من النهار ذهب إليه الشيخ سرًا في البستان ورأى بسوتي يجمع خضروات للإخوة. فأخذ بسوتي بركة أبي قائلاً: "لقد حلّت عليَّ اليوم بركةٌ عظيمةٌ يا أبي القديس لأنك جئتَ إليَّ، فسنكون مباركين في كل ما نعمل". وحينئذ رأى الشيخ العذراء القديسة مريم وأمامها سُلطانية ماء، ووجّهت يدي الأب بسوتي إلى السلطانية لكي يرش الماء على الخضروات وقالت للزرع: "انمُ ولا تتوقف"! ثم أعطته السلام وانصرفت بمجد عظيم. وحينئذ علم أنبا شنودة أن الأب بسوتي كان بارًا فوق العادة، وأن الرب يسوع معه في كل ما يعمله كان القديس ينبِّه الناس إلى العادات الوثنية والجهالات التي كانت متفشية في ذلك الزمان. فقد قيل إنه بينما كان ذات يوم جالسًا مع بعض الزائرين، إذ بغراب قد وقف على حائط وصاح نحوهم، فتطلّع إليه أحد الزائرين وقال: ”أبفمك بشارةٌ يا غراب“؟ فتنهد أنبا شنودة وقال: ”يا للجهالة التي تسود على بني البشر! كيف يمكن لهذا الغراب أن يعرف هذه الأخبار السارة؟ هل الغراب هو رسول أبيك"؟ لا تضع في قلبك يا بُنيَّ هذا الأمر أن تُنصت للطائر مرةً أخرى، إنه فقط يصرخ للرب ليُهيّئ له طعامه، أما سمعتَ المرتل داود النبي يقول: «يعطي البهائم طعامها ولفراخ الغربان التي تدعوه» (مز147: 9)“؟ هكذا كان القديس ينبِّه الناس الذين يتفاءلون بصوت الطيور وحركات الشمس والقمر والنجوم قائلاً: ”إن هذه كلها من أثر عبادة الأوثان لأنه مكتوبٌ: «لا تتفاءلوا ولا تعيفوا ... أجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها» (لا19: 26؛ 20: 6). كما أن كثيرين يتكلون على رؤساء هذا العالم حتى لا يصيبهم شرٌ، وهم لا يعلمون أنه إذا حوّل الله وجهه عنهم لا يمكنهم أن يثبتوا ساعةً واحدة، لأنه مكتوبٌ: «لا تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص، تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم، في ذلك اليوم تهلك كافة أفكارهم. طوبى لمن إله يعقوب معينه واتكاله على الرب إلهه» (مز146: 3-5)“ جاء بعض الناس إلى أبي أنبا شنودة بناقة ومعها مولودها، وكان هذا المولود ضعيفًا جدًا لأن أمّه كانت ترفض أن تُرضعه منها. فلما رآها أبونا جاء بقليل من ماء اللقان من الكنيسة وأعطى منه للمولود فشرب. ثم وضع المولود تحت أمّه وقال: "إن كنتِ لا تقبلين مولودكِ فلماذا ولدتِه"؟ وللحال جعلته يرضع من لبنها بدون أي اضطراب، ثم أخذهما أصحابهما ورجعوا إلى بيوتهم وهم يمجدون الله ويطوِّبون أبانا القديس كان في نواحي إخميم عاملٌ يعمل بعقد عمل سنوي، ولم يكن لأولاده خبز كافٍ. فذهب إلى أبينا أنبا شنودة وتوسل إليه أن يُعينه، ولكن أبي علم في الحال سبب مجيئه. ثم قال العامل لأبي: "يا أبي القديس تراءف عليَّ، فإنني ظللتُ أعمل منذ صباي عند واحد ثم عند آخر، ومع ذلك فإنني أنا وأولادي ليس لنا خبزٌ كافٍ، بل إننا نعيش معوزين من يوم إلى يوم". فقال له أبي: "ربما أنك يا بُنيَّ لم تجد نوع العمل الذي يمكنك أن تعيش منه". فقال له العامل: "لا أعرف يا أبي القديس". فدخل أبونا الكنيسة وصلّى متوسلاً إلى الرب من أجله. ولما انتهى من الصلاة وجد بعض بذور قرع عسلي، فأخذها وغمرها بالماء على المذبح وأعطاها للرجل قائلاً: "خذ هذه البذور واذهب إلى مكان (حدّده له) وازرع لنفسك قرعًا عسليًا، إن هذا هو العمل الذي عيّنه الرب لك لكي تكتسب معيشتك. ولكن إذا نَمَت هذه البذور جيدًا، فإن لي نصيبٌ فيها مخصص لي مثلك". فقال الرجل: "بكل تأكيد يا أبي القديس". ثم زرع الرجل هذا القرع وجاء إلى أبينا وقال: "لقد زرعتُ القرع، ولكن صلِّ لأجلي لكي أعمل لمدة عشرين يومًا أخرى لكي أكمل سنة حيث أعمل الآن". وبعد ذلك ذهب وعمل في زراعة القرع، ولما أعطى ثمره جاء بالبكور إلى الدير، فوزعها أبي على الإخوة. ثم صلّى على قليل من الماء وأعطاه للرجل قائلاً: "رُشّ هذا الماء على الزرع وقل له: ’إن شنودة قال: ليكن نموك طويلاً لأن لي نصيبًا فيك". ففعل الرجل ذلك، وكبر القرع وأعطى ثمرًا حلوًا وتكاثر جدًا. فباع الرجل منه واكتسب كَمًّا هائلاً من القمح والشعير وأنواع أخرى كثيرة، وهكذا اغتنى الرجل الفقير جدًا وملأ بيته من كل الخيرات حتى احتاج إلى مساعدين له لجمع الثمار. ولما أُتخم من كل الخيرات مات قرع العسل. ثم ذهب الرجل إلى الدير وانطرح أمام أبي وقال: "يا أبي القديس، بسبب صلواتك المقدسة أنعم الله عليَّ بخيرات عظيمة، فتعالَ معي الآن لكي نقتسم عطية الرب بيننا". فذهب أبونا معه بكل بساطته ومعه غصن من سعف النخل، ورأى في بيت الرجل أهراءً مليئةً بالخبز والقمح، ثم أراد أن يختبر نيته. فقال له الرجل: "اقتسم عطية الرب بيننا، وها أنا قد أعددتُ العربات لكي تأخذ نصيبك إلى الدير". فلما رأى أبي طبيعة إيمانه ونيته قال له: "يا بُنيَّ، إن شنودة لا يريد شيئًا، بل خذ كل هذه لنفسك لتعيش منها مع أولادك. وإنني أثق في الله أنك من اليوم لن يعوزك أي خير مرةً أخرى، ولكن كن خيِّرًا مع الجميع. وتعالَ الآن لكي تُريني القرع المزروع". وهناك وجدا أن الزرع قد مات، فلمسه أبونا بالسعف الذي معه قائلاً: "أيها القرع، أقول لك انمُ وأعط ثمرًا أكثر قليلاً لأجل هذا الرجل لكي يعيش هو وأولاده"! ثم عاد أبونا إلى الدير، وقد ازدهر القرع مرةً أخرى وأعطى ثمرًا عظيمًا حتى اغتنى الرجل جدًا بخيرات لم يرَ مثلها آباؤه ولا أجداده، وظل يمجد الله ويعترف بفضل أبينا أنبا شنودة كل أيام حياته يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
قال أنبا ويصا: ها نحن قد أخبرناكم عن القليل من عجائب ونسكيات أبينا القديس النبي أنبا شنودة، الرسول والبتول، الكاهن ورئيس المتوحدين، هذه التي رأيتُها بعينيَّ وسمعتُها بأذنيَّ، أنا ويصا تلميذ أبي الشيخ. لقد كان مبجَّلاً في جيله وكان «كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو» (مز92: 12)، حتى أن سمعته انتشرت في البلاد الأجنبية وملأت وجه الأرض كلها. وقد انتصر مظفَّرًا على كل قوة العدو بسبب فيض دموعه المباركة، ورسوخ حياته الملائكية وتأسيس مجمع رهبانه المقدس الذي ظلّ مشهورًا بعد انتقاله. ولكننا فلنرجع مرةً أخرى إلى تقدُّمه الصالح فلعلنا نحصل على نعمته. فقد كان أبونا أنبا شنودة يوجِّه كل واحد، صغيرًا كان أو كبيرًا، راهبًا أو علمانيًا، بأحاديثه ورسائله المتبّلة بالملح. وكان يوصي الجميع أن يكونوا مضيافين ورحومين على الكل، وذلك حتى تظل الروح الخيِّرة والسلام والبر باقية في الدير في كل الأوقات وقيل إنه كان يأتي إليه كبار رجال الدولة لكي يستشيروه في أمورهم الهامة، فكان يكشف لهم ما خفيَ من أسرارهم حتى اعتبروه كأحد الأنبياء العظام الذين يخاطبون الله رأسً وكان أنبا شنودة محبًا لإنصاف المظلومين، فقد جاء إليه ذات يوم بعض الكرامين المسيحيين طالبين منه أن يُنصفهم من سيدهم الوثني الذي لم يدفع لهم أجورهم بحجة أن الكروم لم تُثمر جيدًا. فسار القديس بصحبة عدد كبير من رهبانه إلى ذلك الوثني وألزمه بدفع حقوق الكرامين، فدفعها مُكرهًا. ثم قال أنبا ويصا: وبعد ذلك طعن أبونا في أيامه وامتلأ أيامًا صالحة مثل أبائنا البطاركة. وقد أعلن أبونا البار عدة مرات لنا جميعًا قائلاً: "لقد أنعم الرب عليَّ بطول عمر موسى أول الأنبياء، أي مائة وعشرين سنة. أما إذا أغضبتموني فسأصلّي أن يأخذني قبل أن تكتمل هذه السنين". ولما تقدّم أبونا في الأيام وبلغ نحو مائة وثماني عشرة سنة، بدأ يتوعك في اليوم الأول من شهر أبيب، وهو نفس التاريخ الذي وُلد فيه كما أخبرنا. وقد جاء إليه السيد المسيح بالليل، فقال له أبي: "يا ربي وإلهي، أطلب أليك أن تقويني لكي أنطلق إلى المجمع إذ إن البابا البطريرك أرسل يستدعيني لكي أقاوم الهراطقة الذين يجدفون على الثالوث القدوس". فأجابه السيد: "يا صفيّي شنودة، أتريد عمرًا آخر بعد هذا العمر الطويل ولك أكثر من مائة سنة منذ أن صرتَ راهبًا؟ إن تمام السابع من شهر أبيب هو يوم مقدس، فهلم إلى مكان الراحة لكي تتنيح إلى الأبد"! وحينئذ قال لي أنا ويصا تلميذه: "أريد قليلاً من الخضروات المسلوقة". فجئتُ له سريعًا ببعض منها، ثم قال لي: "ضعها على السطح حتى أطلبها". ففعلتُ ذلك. وفي اليوم الثالث من مرضه قال لي: "أحضر لي تلك الخضروات المسلوقة". فأحضرتها، ولما فتح فاه وجد أنها منتنة مثل الرمّة، فقال في نفسه: "لقد اشتهيتِ هذا يا نفسي، فكُليه"! ثم قال لي: "ألْقِها خارجًا"، ولم يذقها ... ومنذ ذلك اليوم بدأ المرض يشتدّ عليه حتى جاء اليوم السادس من أبيب، ثم استدعى كبار إخوة الدير وقال لنا: "يا أبنائي الأحباء، لقد طلبتُ أن تأتوا جميعًا لأن هذه هي حقًا مشيئة الرب أن يأخذني من هذا المسكن الوقتي ويفصل روحي من جسدي البائس". فألقينا بأنفسنا عليه وبكينا بشدة وقلنا له: "هل ستذهب يا أبانا وتتركنا يتامى؟ فأين سنجد أبًا مثلك لكي يعلِّمنا ويملأنا بكل أنواع الغذاء الإلهي والبشري؟ لقد ملأتَ العالم كله بوصاياك المقدسة وكلامك المملوء حكمة الذي أنعم به الله عليك، وكل تنظيماتك وتعاليمك الرسولية قد ملأت العالم كله". فقال لنا: "احفظوا وصاياي التي وضعتُها لكم، واحترسوا من أن تتجاهلوا التنظيمات التي علّمتُها لكم من الرب: المحبة الأخوية والرحمة وإضافة المحتاجين والغرباء، ولا تجعلوا هذه كلها تكفّ (أو تتوقف) في الأديرة المقدسة، اقبلوها كلها من أجل محبة المسيح لكي تأتي إليكم ملائكة الله وتسكن معكم. لا تتهاونوا في العبادة والصلوات والأصوام، بل واظبوا عليها بمثابرة في كل الأوقات لكي تكونوا رفقاء للمسيح، وبحفظكم لها لن يعوزكم أي خير سواء هنا أو في العالم الآتي. واسمعوا من أبيكم ويصا لأنه هو الذي يكون لكم أبًا وراعيًا"! ثم صار مرضه أيضًا إلى حال أردأ، وكنا جميعًا نبكي من أجله بحزن قلوبنا. وفي صباح اليوم السابع من أبيب كان يتألم في مرضه بشدّة. وفي الساعة السادسة من النهار قلتُ له: "كيف حالك الآن يا أبي"؟ فقال لي: "ويلٌ لي لأن الطريق طويل، حتى متى عليَّ أن أنتظر حتى أذهب إلى الله؟ توجد مرعبات وسلاطين قوية على الطريق، ويلٌ لي حتى أتقابل مع الرب"! ثم صار صامتًا في غيبوبة نحو نصف ساعة. وفجأةً صاح قائلاً: "من أجل محبتكم، يا آبائي القديسين، باركوني، تعالوا واجلسوا أمامي بحسب رتبكم". ثم قال أيضًا: "ها هم البطاركة قد جاءوا مع الأنبياء، ها هم الرسل مع رؤساء الأساقفة، ها هم رؤساء المتوحدين قد جاءوا مع جميع القديسين". ثم قال أيضًا: "أبي أنبا بيشوي، أبي أنبا أنطونيوس، أبي أنبا باخوميوس، خذوا يدي لكي أنهض وأسجد لذاك الذي تحبه نفسي، لأنه ها هو قد جاء لأجلي مع ملائكته"! وفي تلك اللحظة فاح أريج رائحة قوية، وحينئذ سلّم روحه بين يدي الرب في اليوم السابع من شهر أبيب. ثم دوّت أصواتٌ في الدير، فقد سمعنا أصواتًا حلوة تصيح فوق جسده المقدس وهي تنطق بتسابيح ومزامير وألحان روحانية خورسًا بعد خورس، فقد كانوا يقولون: "سلامٌ لك يا شنودة ولتقابُلك مع الله. اليوم تفرح السماء معك، أنت يا من لم تسمح للشيطان أن يظهر في أي واحد من أديرتك. سلامٌ لك يا شنودة حبيب الله ومحبوب المسيح وأخو جميع القديسين. إننا جميعًا نفرح معك، أنت الذي أكملتَ التهذيب وحفظتَ الإيمان، ويا من نلت إكليلاً مضيئًا. ها هي أبواب السماء قد فُتحت لك بفرح لكي تدخل منها". ولما سمعنا هذا كله غطينا جسده المقدس ووضعناه في صندوق ودفنّاه. ثم جلسنا نبكي بقلوب حزينة من أجله لأننا فقدنا معلِّما عظيمًا صالحًا. ثم مجدنا الله وقدمنا الشكر للرب ملكنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي له المجد مع أبيه الصالح والروح القدس المحيي الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور كلها آمين يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
صلاة خاصة بالقديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين : + المجد للآب والابن والروح القدس، ثالوث في وحدانية ووحدانية في ثالوث. + اللهم نجني لكي لا أخطئ إليك اليوم بشكل من الأشكال سواء بالقول أو الفعل أو الفكر. + اللهم اغفر لي أنا الخاطئ، فإني لا أستحق أن أرفع عيني إليك يا رب، لأني أخزى من كثرة خطاياي. + اللهم لا تحسب عليَّ آثامي، بل اصنع معي رحمةً في ملكوتك. + اللهم إني أتضرع إليك وأسألك من أجل نفسي وجسدي البائسين أن تهب لي أن أصنع إرادتك لترشدني برحمتك. أيها الرب الإله اغفر لي خطاياي واستر آثامي، ونجني من غضبك ورجزك. + اللهم ماذا أقول حينما أحضر بين يديك؟ وبمَ أتزكّى حينما تحاكمني؟ يا يسوع المسيح دبّرني، استرني من الأهوال، ونجّني من لجّة أمواج الشيطان، ضع سلامك واسمك القدوس عليَّ أيها الساكن في السموات، ولتشملني رحمتك وتسترني. + اللهم لا تسلّمني ليد العدو، فإني ألقيتُ كل اهتمامي عليك أيها المسيح ابن الله. + اللهم إذا ملتُ إلى الشر فلا تتركني ولا تدعني أسير مع شهواتي الرديئة، ولا تدع تبكيتي ليوم دينونتك العظيمة، ولا تقضِ عليَّ كاستحقاق خطاياي، بل استر عريي أمام منبرك المرهوب. + اللهم طهرني لكي لا يوجد في نفسي دنس بين يديك. أيها الإله محب البشر حصِّن نفسي بدمك الكريم واضبط نفسي من الخطية فأعيش في مخافتك، أيقظني من سنة الغفلة التي تنتج من نبع الخطية الرديء الطعم، واحفظني من الضلالة والزلل بشفتيَّ، واجعل ملاكك الطاهر يطرد عني كل تجديف فيجد روحك القدوس مكانًا فيَّ. + أيها الصالح أعطني سبيلاً أن أهرب من عثرات الضلالة لكي تسبحك نفسي وروحي كل أيام حياتي. + اللهم استجب لي ككثرة رحمتك واقبل بين يديك صلاتي وابتهالي. + اللهم نجني لكي لا أخطئ إليك وأعطني سبيلاً أن أصنع مشيئتك، ولا تنـزع نعمتك عني ولا تبعد عني معونتك. أعن ضعفي على الشرير وجنوده وتابعي هواه، وطهِّر قلبي ولساني وجميع حواسي. وانزع مني القلب الحجري وأنعم عليَّ بقلب منسحق لأتضرع أمامك. لا تفحص خطاياي أو تبحث عنها بل امحها كلها. + اللهم لا ترفضني بما أنك دعوتني، فإني عاجزٌ بسبب خطاياي، بل ارحمني يا مَنْ له سلطان الرحمة، فلا أقلق في وقت شدّتي المخوفة. + اللهم اجعلني مستحقًا أن أباركك كل الأوقات وإلى النفس الأخير. ثبِّت كلماتك المقدسة في قلبي ونفسي واجعلني مستحقًا لقولك الذي وعدتَ به محبيك. + اللهم لا تطلبني وأنت غاضبٌ، وكن لي معينًا في زمان شدّتي، ولا تُخف وجهك عني عند وقوفي أمامك. + اللهم لا تطرحني عن يسارك لأنني عصيتك. هب لي ثباتًا وصبرًا، واجعلني مستحقًا لطهرك فإنك قدوس. + اللهم قدِّس قلبي أمامك ليكون هيكلاً لروحك القدوس، ونجني من جميع فخاخ الشرير. دبِّر سيرتي كما يرضيك. + اللهم تراءف عليَّ واسمع صلاتي واستجب لتضرُّعي. لتستقم صلاتي أمامك كرائحة بخور طيبة بين يديك. + اللهم لا تحاكم عبدك فإنه لا يتزكّى أمامك أحد. + اللهم إن تفوّهتُ بهذه الاعترافات بين يديك تفضل بعظيم رحمتك وارحمني واستجب لي، وطهرني من جميع خطايا إبليس، فإن لك الملك والقوة والمجد والعظمة والسلطان والكرامة والخلاص الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
صلاة أخرى للقديس: يا الله رب الفضائل الرحوم، أنت الذي تعرف ما نحتاج إليه قبل أن نطلبه، الذي بدونه لا نستطيع أن نفعل شيئًا. افتح قلب كل نفس بشرية ترجوك لكي تعرف خطأ هذا الروح النجس الشيطان الذي سقط من السماء مثل البرق حسب كلمتك الحق. أعطنا قوة معرفة ألاعيبه الماكرة لكي ندوسه بأقدامنا وندوس أيضًا كل قوته، لأنك على الصليب صيّرته ضعيفًا ورفضته وجعلته مثل جثة يابسة للذين يفكرون ولا يستصعبون الازدراء به وبكل شروره والضحك على عدم قدرته التي كسرتها فيه. أعن خرافك أيها الراعي المبارك يسوع المخلِّص واحفظها من هذا الملاك الذي أصبح حيوانًا مفترسًا وجعل من جمع من الأرواح التابعة له أشكال حيوانات متوحشة، ولم يكفه جميع الذين لم يعرفوك حتى يشبع من خسارتهم، ولكنه يتجاسر أيضًا ضد الذين لا يعرفون إلهًا آخر سواك أيها المسيح الإله الذي لا يوجد إله غيرك. إنك لم تتكلم في الخفاء ولا في مكان مختبئ ومظلم. إنك أنت الرب الذي ينطق بالعدل ويتكلم الحق، ولا يوجد غيرك إله عادل ومخلِّص. أنت الذي تتكلم في الذين هم لك. أنت الذي تثبِّت الذين يحبونك بتعليمك الكامل، وفوق كل شيء بيمينك الحقيقية حتى لا يتنجسوا بأشكال أو تقاليد عبّاد الأوثان والعادات الشيطانية. هب لهم أن يتطهروا ويغتسلوا من الأوزار كليةً طالما أن الوقت وقت الغفران، ولم يأتِ بعد وقت يمتنع فيه الغفران. آميـن يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
عظات لأبينا القديس أنبا شنودة عظة عن السلوك بحكمة في هذا الزمان بسم الله. من قول للقديس العظيم أنبا شنودة بركاته تكون معنا، وبركات جميع القديسين تحل علينا وعلى هذا الشعب لنحيا وتخلص نفوسنا جميعًا، آمين. 1- ما أحسن اللحظات التي تنطلق فيها السفينة للسفر، وما أجمل اللحظات التي فيها ترسو على ميناء السلامة، أما الغرق فهو رديء! 2- ومعنى قولي هذا أنه ما أحسن الانطلاق إلى بيعة الله، وما أجمل الصوم، وما أجود الوقت الذي يمتنع فيه الرجل عن زوجته! كذلك صالحةٌ هي جميع الأمور اللازمة والضرورية، أي الاشتغال في الفلاحة (وغيرها)، كما أنه حسنٌ هو الأكل وحسنٌ هو الزواج، وحسنٌ هو جميع ما نحتاج إليه، أما الزنى فهو رديء. كذلك عدم الإمساك وخديعة المقتنيات (الزائدة عن الحاجة) وكل هذه الأمور. هذا أقوله خاصةً للعلمانيين (الساكنين في العالم) الذين يمارسون الزيجة العفيفة، وليس للرهبان الذين حملوا صليبهم وتبعوا مخلِّصهم كوصية الإنجيل وأحبوا الطهارة كملائكة النور لكي يصيروا معهم أيضًا في ملكوت أبيهم. 3 - حسن أيضًا هو التسلُّق على الجبل العالي في أي وقت وفي كل يوم للحصول على الرزق وجمع الخيرات، وطيب جدًا هو الوصول إلى مداخله بعد كشف مسالكه ومنعطفاته حتى يدرك الإنسان مقاصده. ولكن ما أردأ السقطة من فوق مرتفعاته حيث يترضض الجسم كله! 4 – معنى ذلك أنه ما أحسن الالتجاء إلى الله في كل وقت متضرعين إليه أن يحفظنا من الشرير في كل مكان نوجد فيه في هذا الزمان، ويؤهلنا للراحة في الموضع الذي سنرحل إليه. ثم ما أحسن الكدّ في الأعمال الجسدانية والعناية بها من أجل القوت والكسوة ومحبة الغرباء، ومن أجل تقديم القرابين والصعائد التي نقدّمها لله عن أنفسنا. أما السقوط عن هذا السبيل والترضُّض بالخطيئة فهو رديء! 5 - ما أحسن الليل بعد أن نستريح فيه، والنهار أفضل لأنه إذا أشرقت شمسه تأوي جميع الوحوش وترقد في جحورها، ويخرج الإنسان إلى عمله وصناعته حتى المساء. 6 - أما تفسير هذا الكلام، فهو أنه لما أشرقت شمس البر - أي لما جاء المسيح إلى العالم - اجتمعت الشياطين ورقدت في كهوفها التي هي قلوب الجاحدين لله. أما خروج الإنسان إلى عمله وصناعته حتى المساء، فمعناه انطلاق الإنسان العابد في خدمة الله وانشغاله بالخير والصلاح حتى وقت شيخوخته وإلى أن يمضي إلى المسيح! 7 - والصناعات وأشغال الناس الجسدانية ليست واحدة، بل إنها كثيرة ومتعددة. هكذا أيضًا الأعمال الروحانية، فصناعتها والاشتغال بأمورها ليست واحدة بل متعددة وكثيرة. هكذا أيضًا في الروحيات، فالصناعة بها والاشتغال بأمورها ليست واحدة بل متعددة وكثيرة، فكثيرون اختاروا البتولية، وآخرون طهر المضجع (أي الزواج الحسن)، والبعض حملوا صليبهم وتبعوا الرب (أي الرهبنة)، وآخرون اختاروا الرحمة والتوزيع من كل غنى هذه الدنيا، والبعض تخصصوا للصلاة والزهد، وآخرون كرّسوا أنفسهم لكل عمل صالح. 8 - كما نجد أن كثيرين يعاتبون النائمين إن لم يقوموا في الوقت اللائق قائلين لهم: ”ها إن الشمس قد أشرقت وأنتم نيام“؟ فما يقولونه هو الصواب! أفلا ينبغي علينا نحن أيضًا بالأكثر أن نقول هكذا إن المسيح قد جاء إلى العالم ونحن لا نزال نخطئ ولم نتُب؟ ولا سيما بالأكثر أن هذا هو الزمان (الوحيد) الذي ينبغي أن ننتبه فيه من غفلة النوم. 9 - إن كنا في هذا الزمان نعمل الرذيلة، فما هو الزمان الذي نقتني فيه الفضيلة؟ أتُرى في الزمان الذي سيكون مخصصًا للنحيب والبكاء في أماكن الظلمة (التي نُطرَح فيها) لأجل نجاساتنا وعثراتنا التي جعلناها في رهبانيتنا بعدم تقوى وقلة خشية من جهة الكلام الذي يدينوننا به؟ 10 - لقد قيل: «لا نجعل عثرةً واحدةً في شيء لئلاّ يُهين أحدٌ خدمتنا» (2كو6: 3)، وهوذا قد استهان بنا كثيرون واحتقروا خدمتنا وطقسنا وأسماءنا وأيضًا إسكيمنا وحسبوها كلا شيء، فصرنا ضُحكةً وهُزءًا عند أعداء المسيح. 11 - فإن كان اللوم والعقاب يكون على الذين يسكرون ويتغافلون بالليل؛ فماذا يكون مقدار الحكم الواجب على النيام بالنهار؟ ومعنى قولي هذا أنه إذا كان العصاة الذين عميت قلوبهم عن معرفة الله وشرائعه قد حُتم بالقضاء عليهم؛ فكم بالحري يكون القضاء والدينونة الواجبة على الذين يخطئون بعد أن عرفوا يقينًا أنه لا إله إلاّ الرب يسوع؟ 12 - ويا ليت الغفلة والسُكر كانا يقتصران على الذين ينامون ويسكرون بالليل، فإن هذا يكون خيرًا عظيمًا لكل المسكونة، ولَصارت الأرض مثل الفردوس الذي غرسه الرب الإله الضابط الكل منذ تأسيس العالم؛ إلاّ أن الذين ينامون ويسكرون بالنهار كثيرون! 13 - لذلك تحل بنا البلايا مرّات كثيرة، وتدركنا الآلام والشدائد على ممر الزمان. 14 - ولكن لا زال يوجد بين الناس مَنْ يُجهد ذاته في عمل الصلاح، ومَنْ يقوم للصلاة والتسبيح لله في ظلمة الليل، كما يوجد أيضًا مَنْ يرتكب المعاصي في نور النهار كالزناة وأبناء الغضب. 15 - وها قد سبق أن عرّفناكم ما هو النوم وما هو النهار وما هو الليل. 16 - يوجد أناس جرائمهم وذنوبهم مشهورة في هذه الدنيا، هؤلاء تسبقهم أعمالهم السيئة إلى الحكم قبل مماتهم، ويوجد أناس تتبعهم ذنوبهم عند مماتهم حيث تدركهم المشقة بشدّة. فالذنوب التابعة هي التي تظن أنت أن أحدًا من الناس لا يعرف أنك فعلتها، ولكنها جميعًا تقف في وجهك يوم الدين إزاء حكم الله العظيم، وجميع أعمال المكر التي تمارسها على اختلاف أنواعها سوف تُعلَن وتُشهَر يوم يدين الله سرائر الناس ويكشف خفايا الظلمة. 17 - فالآن تُبْ أيها الإنسان الذي تعصى ربك. هل تظن أنه يعفو عنك؟ كلاّ لن يعفو عنك إذا لم تتُب. 18 - هذا حسب ما قاله النبي العتيق إذ يُنذرنا ونحن لا ندري. أما تأويل ذلك فهو أننا نرتكب ذنوبًا عديدة ونحن غافلون عنها وكأنها ليست ذنوبًا، مع أن مثل تلك الذنوب (التي ارتُكبت سرًّا) هي أعظم وزرًا. لأن الذنوب التي نرتكبها خُلسةً ترصدها عين الله الناظرة إليها، لأننا نتجاهلها ولا نحسبها ذنوبًا فنتوب عنها. مع أن ذنوبنا التي تُشهَر بين الناس، إذ يكون الناس قد تحققوا منها، نحسبها ذنوبًا ونخجل منها، أَفليس هذا هو سلوك المرائين الذين يدركهم الحزن إذا انفضحت أعمالهم بين الناس ولا يختشوا أو يخافوا من وجه يسوع؟! فليكن معلومًا على كل حال أن كل مَنْ كانت قلوبهم بالذنوب راضيةً، فهؤلاء ليس لهم إله إلاّ الناس (الذين يخافونهم)! 19 - فماذا نظن إن كنا لا نتوب عن المعاصي والذنوب؟ مَنْ نرتجي؟ أو مَنْ ننتظر؟ أو مَنْ سيتنبّأ لنا (من جديد)، أو مَنْ ذا الذي سينذرنا أو يسلِّم ذاته عنا ويموت لأجلنا؟ 20 - أننتظر نبيًا آخر أو رسولاً؟ أو أن ابن الله يأتي حتى يعلِّم الناس أو يسفك دمه عنهم؟ 21 - لقد قُضيَ حتمًا أن جميع القديسين سيأتون بصحبة يسوع ملكهم، ولكن لكي يستقصوا عن تعاذيبهم وآلامهم ودمائهم وعن كل ما صُنع بهم ويسألوننا عن ثمارها فينا من أعمال، فلا يوجد لدينا إلاّ ما نستحق عليه المقت والإهانة. 22 - كذلك حينما تحدّث النبي عن التي ولدت الأولاد الكثيرين كيف صارت بغير بنين وغابت عنها الشمس في منتصف النهار، فنحن لا نجد منفعةً لنا من ذلك إذا فسرناه على مجمع اليهود وحدهم من حيث أن الله كان حالاً بينهم وشرائعه كانت بأيديهم ثم كفروا بها. لأنهم إن لم يكن لهم الابن الرب يسوع، فليس لهم الله الآب. وكانوا يتقلبون لأسباب كثيرة ولم يريدوا أن ينقادوا لطاعة الآب الضابط الكل لكي يعمل معهم خيرًا. 23 - لكن تأويل المعنى هو أن النفس التي كانت بكرًا زمانًا وقائمةً في الصلاح والبر وتمارس الفضائل، ثم إن هي سقطت وتنجست ومارست الرذائل تغيب عنها الشمس في منتصف النهار، أي الرأي والمعرفة، وتختفي منها الحكمة والصواب حتى تيأس وتتعرّى من صبرها. 24 - وأما معنى العاقر التي ولدت سبعة بنين، فهي كنيسة الأمم التي صارت كرمل البحر وكنجوم السماء بحبها ليسوع. أما الكثيرة الأولاد التي ضعفت فهي مجمع اليهود الذين ضعفوا في الإيمان بعد المحبة الكثيرة التي عاشوها في الله حينما خرج منهم الآباء والأنبياء والرسل والقضاة والصديقون، أما الآن فقد أقفرت. 25 - وهي التي قيل عنها إن ابنة صهيون تصير كالراقوبة (الناطور أي الحارس) في الكرم وكالعريش في المقثأة ("خيال المآتة" وسط المزروعات لتخويف الطيور). كما قيل عنها إنها أشبهت في ظلمتها نهاية الليل، كما قال عنها الله: إنني من أجل آثامكم طلّقتُ أمّكم. كما شبّهها بالأرض التي كانت مثمرة فصارت سبخة من أجل رذائل الشياطين الحالّة فيها. 26 - هذه هي النفس التي كانت سابقًا غير مثمرة، ثم تفاضلت في الأعمال الصالحة، والتي كانت متفاضلة في الأعمال الصالحة لم تقتنع بضعفها في عمل الصلاح، فارتدّت إلى عمل الرذائل وأكملت جميع الأعمال غير الصالحة. 27 - والذي قيل عن أورشليم عندما عصت ربها: إنني أسوق شعبها إلى السبي والجلاء حتى تصير مسكنًا للتنانين. وتأويل هذا هو أن النفس الملازمة لخطاياها ولا تشاء أن تتوب، فهذه يقول عنها الرب: أنا أسلِّمها لشدائد كثيرة وضيقات حتى تصير مسكنًا للشياطين. 28 - ثم أيضًا كثيرةٌ هي الأقوال والأعمال الباهرة التي صنعها الرب، التي اشتهى أنبياء كثيرون وملوك وأبرار أن يروها أو يسمعوها فلم يروا ولا سمعوا، كما قال الرب في الإنجيل. أما نحن فقد تحققنا منها وميّزناها، ولكننا تهاونّا بكل ما صنعه ربنا. 29 - فهل مثل هذه الأقوال والأعمال التي سمعناها تزيدنا عصيانًا ولا تجعلنا نكفّ عن الخطيئة؟ حاشا. ورغم ذلك فلا يستطيع أحد أن يُكابر ويقول إنني ما رأيتُ ولا سمعتُ وإلاّ كنتُ قد نذرتُ ذاتي منذ طفولتي أن أصون هيكل الله فيَّ ولا أدنّسه وأحفظ بيته وأتجنب الظلم وجميع رذائل إبليس. 30 - أما أنا فأقول إنه طالما أن الإنسان يحرس جسده وقلبه طاهرين من أجل الله، فكل ما هو صالح يصير من نصيبه. 31 - ثم علينا أن نتعظ إذا سمعنا أن النحل لا يصنع خيره ولا يستأمنه في أي وعاء كان، بل لا بدّ أن يهيِّئ له وعاءً خاصًا (أي قرص الشمع). فكم بالحري المسيح وروحه القدوس لا يصنع الخير في الإنسان وفي روحه إلاّ إذا وجده مستعدًا لوصاياه بكل الطهر والنقاوة. 32 - ثم إن النحل – هذه الحشرة الطائرة اللطيفة - يقوم بعمل آخر، إذ إنه يعرف كيف يبني لنفسه بيتًا (فهو يجمع حبيبات الشمع الدقيقة من على ساق وأوراق النباتات ويعجنها ويعمل بها القرص الذي يجمع فيه عسله). فكيف تسأل أنت عن كيفية تجسُّد الكلمة في أحشاء العذراء الطاهرة القديسة مريم؟ فهو وحده العالم كيف كان تأنُّسه فيها وهو الإله القادر على كل شيء، ولا يمكننا نحن أن نعرف جميع أمور الرب على جليّتها، لأن كثيرين سقطوا في التجديف بسبب اختلاط الأمور عندهم فخاب سعيهم وصاروا في بلبلة. 33 - كن أنت مؤمنًا طاهرًا، وإذا مضيتَ إليه فستشاهد مجد لاهوته وجزيل نعمته وفضله. 34 - فإذا كنتَ تستلطف الأشياء التي تشاهدها هنا على الأرض؛ فكم بالأكثر تكون الأمور التي ستشاهدها في السموات أكثر استلطافًا؟ وإن كنتَ تتعجب من عظمة المدن المصنوعة والمزخرفة بالأيدي بكل ما فيها من روعة؛ فكم يكون تعجُّبك إذا شاهدتَ أورشليم السمائية وجمال زينتها وجميع ما فيها من أعمال مصنوعة بيد الله الحي؟ 35 - لأنه مهما قلتَ ومهما خطر ببالك أنك إنسان ضعيف ومريض وجسدك ثقيل؛ فإنك إذا أجهدتَ ذاتك تكون عديل الملائكة ولن تنقص عنهم في شيء، حيث إنك تسبحه وتمجّده دائمًا على جميع إحساناته، لأنك تكون في منـزلتهم عند الله وتصير مثلهم وتسبّحه معهم! 36 - لأنه حينئذ لا يكون ثقل جسم ولا ضعف ولا سُقم ولا خطية بعد، لأنك تقوم بجسد روحاني حيث لا زوان في الأرض فيما بعد ولا عين تنبع من بئر، أي لا خطيئة تنبع من القلب لتقف ضدّك، ولا شهوة طبيعية تُلهب الجسد، ولا عين تقع على حُسن امرأة لأجل الشهوة، ولا فكر رديء ضد أحد، حيث لا يوجد هناك بعد ذكر وأنثى ولا عبد وحرّ ولا سلطان لأحد على آخر، إذ يكون الرجال والنساء على حال واحد في ملكوت المسيح، ولا معصية ولا شهوة ولا شيطان يُغوي أحدًا كما أغوى آدم وحواء في الفردوس، إذ كانا في الجسد النفساني فكانت لهما أُذن طائعة للكلام الرديء المؤدّي إلى العصيان وعين مشتهية لثمار الشجرة التي نهاهما الله عن أن يأكلا منها. 37 - فمَنْ كانت عنده الخطية لا تزال حلوة وأحلى من الطاعة، فذلك الإنسان، بعيبه هذا، لا يكون أهلاً لله ولا لخيراته. 38 - إذا كان رب البيت جليل القدر، فإنه يأبى أن يدخل منـزلاً إذا لم يسبقه أولاً مَنْ ينظِّفه من القذارة. أو أنه كيف يدخله إن كان قد هدمه الأعداء؟ أو كيف ينسجم فيه وبداخله عبدٌ أحمق؟ 39 - معنى قولي هذا هو أنه إذا كان الرب يسوع، بعد جهد عظيم، يحلّ في إنسان ذي همّة يعكف على طهارة قلبه كل يوم من الأفكار النجسة والهواجس السقيمة؛ فكيف يحلّ أو يسكن بأي حال في جسد إنسان قد نجّس جسده أو في الذين أفسدت الأرواح النجسة أجسامهم بالخطية وخرّبتها فأصبحت نفوسهم جاهلةً أيضًا ورديئة؟ 40 - أو كيف تبرّر ذاتك إذا تملّكَتْ الخطيئة على جسدك؟ ثم كيف بجسدك هذا تمجّد الله هذا الذي فداك بدمه الذكي؟! 41 - وإن كان الذين يتعبّدون لبطونهم هم مرذولون، وقد رذلهم الرسول أولاً وأخيرًا قائلاً إن أصل القضية التي حلّت علينا هو الأكل والشرب، وقائلاً عن آخرين أيضًا إنهم بطون بطّالة شرهون منهمكون في اللذّات. فبناءً عليه كيف لا تُلام أنت إن كنتَ مستَعبَدًا للشياطين متعبّدًا لأفعالهم؟ 42 - ليس الاحتفاظ بالطهارة والبتولية فرضًا على الملائكة المقدسين، لأنهم أطهار بطبيعتهم؛ وإنما كل ما هو حق وكل عمل لأجل العفة وكل عمل صالح ولأجل الطهارة وكل تسبيح وكل فضيلة وكل كرامة، هذه كلها مفروضة على الإنسان لكي تهذِّبه على الأرض. 43 - أما النجاسات والغواية والضلال والفسق وكل تعدٍّ، فلا توجد إلاّ في الأبالسة. وكل مَنْ يقبل نجاستهم وينشغل بها يصير متشبِّهًا بهم، وكذلك مَنْ يعمل أعمال الملائكة يصير متشبِّهًا بهم. 44 - وإن كان السُكارى بالخمر يتعرضون لكل ملامة من الكتب المقدسة، مع أن الخمر ذاته مباحٌ من الله إن تناول منه الإنسان بقدر وكفاية وليس للسُكر قط؛ فكم تكون المذمّة لمن يسكر وتختلّ حياته بخطايا إبليس؟ أَليس هؤلاء هم الذين قيل عنهم إنهم سُكارى بغير خمر؟! 45 - يوجد بين الناس مَنْ يتحسّر ويتأسف عندما يسمع الرسول يقول إن ملكوت الله ليس أكلاً وشربًا، ولكن الله خلق الأكل والشرب للناس ليأخذوا منه بدون شره وانهماك في اللذّات. ولكن كيف تفلت أنت من الرجز وأنت مخدوع عندما تأكل من مائدة الشياطين وتشرب من كأسهم (في حفلات الترفيه والسَمَر واللهو)، ثم تطلب أن تدخل الملكوت؟ فما هو الذي على مائدتهم إلاّ أنها عامرة بطعام الموت وشراب الهلاك. ويا للعجب، فإن الذين يلتئمون حولها كثيرون جدًا حتى إنه لا يوجد فيها مقعدٌ فارغ! 46 - إنهم لا يتناولون ما عليها فقط كبقية الناس؛ بل يتخاطفون ما عليها بنهم وبدون قناعة. وعهدنا بمن يأكلون من مائدة مليئة بالخيرات أن يكتفوا ويشبعوا إذا امتلأت بطونهم، أما الذين يتناولون من مائدة الشياطين فلا يكتفون ولا يشبعون ولا يودّون أن يفارقوا هذه المائدة أبدًا! 47 - فإن كان أحد من المسيحيين الذين نُعتوا باسم يسوع لا يحب أن يكفّ عن الطعام الذي على مائدة أولئك ويشارك الذين يتناولون منها، فخليقٌ به أن يوصف بما شبهتهم به كلمة الله: أنهم كلاب مسعورة ووحوش ضارية تأكل من الجيف المنتنة! 48 - ومن ذا الذي لا يقول: فلتفرح السماوات ولتتهلل الأرض، آمين يكون، بفرح الروح القدس الناطق في الأنبياء وسائر أصفياء الله! 49 – والمجد للثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس المحيي بالكمال والمساوي، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور كلها آمين. يا إله أبينا القديس أنبا شنودة تحنن علينا واغفر لنا خطايانا الكثيرة. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
من عظات أنبا شنودة عن التوبة العظة الأولى «ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة» (حز33: 11). تعساءٌ هم الذين يعيشون بينكم ولم يتغرّبوا بعد عن صداقة قوات الظلمة ويشتركون في أعمال الظلمة. طوبى للذين لم يتخلّوا عن صداقتهم لملائكة النور، وقد وطّدوا علاقتهم بهم، فيشتركون في أعمالهم النورانية ويسلكون كأبناء النور. إنهم يثمرون ثمار النور في كل عمل صالح بالعدل والحق. «زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم» (1بط4: 3). لقد حان الوقت بالتأكيد لكي نستحي من شعرنا الأبيض ونكفّ عن عمل ما لا يجب عمله. لقد أصبح أولادكم الصغار شيوخًا في المعرفة، والفتيات الصغيرات أصبحن سيدات ناضجات في الفكر، فكم بالحري شيوخكم المسنّون وسيداتكم المسنّات! فإن كان البعض منكم ليست لديهم حتى الآن المعرفة أو العزيمة لكي يبتعدوا عن الباطل، فإننا نبدو كحيوانات غير مستحقين لشيء. لقد حاد الكثيرون عن أعمالهم الشريرة دون أن نتعلّم نحن أن ننأى عن شرورنا، لأننا في الحقيقة لا نخاف الله. «أيها الفريسي الأعمى نقِّ أولاً داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا» (مت23: 26). قال السيد المسيح إنكم تظهرون من الخارج رجالاً صالحين لكن داخلكم مملوءًا غشًّا وخبثًا. فمن ذا الذي يستطيع أن يصف الدنس الذي بداخل الكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة الذين لم يؤمنوا في ذلك الزمان بالمسيح؟ هل أفادتهم طهارتهم الخارجية شيئًا؟ هل كانت عبادتهم نافعة؟ أو ماذا ربحوا من صلبهم لسيدهم؟ إنهم خدّام غير مستحقين. كيف تظل عبادتهم وعبادة أبنائهم بعدهم مرفوضة وكل ما تبقّى منها حتى الآن؟ هؤلاء الذين سقط الدم عليهم ولن يُرفَع عنهم بتوالي الأجيال إلى الأبد. كل هرطوقي مجدِّف، وكل مَنْ يمدح الذين يرتكبون هذه الآثام ويقولون بها يُحزن الذي أوصانا قائلاً: «تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء» (لو12: 1). أمثال هؤلاء موجودون في الكنيسة وهذا ليس بعجيب، فالعصافير أيضًا كثيرًا ما توجد بها. وإن كان الهراطقة يبسطون أيديهم أو يرفعونها بغش كما لو كانوا يصلّون؛ فالعصافير تفعل ذلك مرارًا كثيرةً حينما تبسط أجنحتها. أتقدرون أن تقاوموا الشيطان أيها غير الأمناء إن لم يكن لكم درع الإيمان؟ فبه تستطيعون أن تطفئوا سهامه. الويل لكم إن كنتم لا تدخلون الكنيسة أو إن كنتم لا تتناولون جسد ودم السيد. والويل لكم إن كنتم تدخلونها وتتناولون من السر المقدس ولكم قلبان، لأن أعمالكم كلها تكون باطلةً وغير مثمرة، وقد قال الكتاب: «باطلٌ هو لكم التبكير» لكي تفعلوا ماذا؟ تنهضون لتعبدوا أو تصلّوا إلى آلهة ليست بآلهة؟ ومَنْ من الذين يصلّون من أجل أن يُخرجكم الله من خطئكم لا يحزن عليكم إذا كنتم تقومون مبكرين باطلاً أو تعبدون باطلاً؟ ماذا تكسبون إن كنتم تغشون قلوبكم حتى لا تؤمنوا بالله الذي جبلنا على صورته ومثاله؟ توجد طيور كثيرة لكن النحلة أفضلها. جيدٌ بالتأكيد أن نحب النحل لأنه يعطي تعبه للجميع، وجيدٌ أيضًا أن نحب الصديقين لأنهم يُسرّون الله بكل أعمالهم الصالحة، وهم أيضًا يريحون أحشاء جميع القديسين في السموات. جيدٌ أن يعتني الناس بالنحلة ويسهروا عليها ويقضوا على الحشرات الأخرى التي تحاربها، وجيدٌ أن يعتني الملائكة بالمسيحيين الحقيقيين ويسهروا عليهم ويضربوا العدو الذي يحاربهم ويؤذوه. جيدٌ أن يحب الناس النحلة لأنها تُعطي شهدًا حلوًا من السماء بقوة السيد، وجيدٌ أيضًا أن يحب الملائكة المسيحي لأنه يقبل في نفسه الندى الحلو النازل من السماء الذي هو أحلى من كل عسل: كلمة الله والإيمان والسلام والمحبة ورجاء كل خير. وإن كان النحل الصغير يضع خيره في أي وعاء يجده مهيَّأً له، فكم بالحري السيد المسيح يضع الخير في الإنسان الذي يجده مستعدًا لوصاياه بكل الطهر والنقاء. أيها الإنسان، أتريد أن تعلم ما في قرارة نفس من كان غير أمين ذا نفس مضطربة ومملوءًا من الأرواح النجسة؟ راقب مغارات الضبعة ومغارات كل الحيوانات المفترسة وانظر كم هي مملوءةً بالعظام من كل نوع ... بهذا تقفون على أسباب خزيكم. إنني أخاطبكم يا مَنْ تدخلون الكنيسة برياء خوفًا من الناس، لأنه من أجلكم قد قيل: «ملعونٌ من يعمل عمل الرب برخاء (أي بيد مرتخية)» (إر48: 10). يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الثانية «هوذا زوبعة الرب تخرج بغضب، نوءٌ جارفٌ، على رأس الأشرار يثور» (إر30: 23). أما تستحون أمام المسيح أن تجعلوا من أعضائه أعضاء زانية بينما أن أعضاءه هي أعضاؤك؟ كيف لا تخجلون من أن تجعلوا أعضاء أولادكم وبناتكم وإخوتكم أعضاء خطيئة (انظر رو1: 26و27). لقد قلتُ وأقول أيضًا إنه من الكفر أن نجعل الإنسان يكشف ما ليس له أن يكشفه وأشدّ منه حينما يقول: لا يوجد مَنْ يعرف. يوجد إخوة يكرهون التعليم في حين أنه يوجد مَنْ يحبونه. مَنْ يكره التعليم هو مَنْ يكره أولاً مصدره، لأنه مَنْ ذا الذي يحب التعليم ولا يحب أولاً مَنْ يعلِّمه إياه؟ إن الدينونة معلَنة وأيضًا المجازاة والانتقام. لأنه مثل إنسان يرى حجرًا تدحرج من مكان مرتفع، فإذا وجد أناسًا جالسين في مكان سفلي يصرخ بكل قوته: ابتعدوا ولا تقفوا هناك! فمَنْ يسمع يخلص ومَنْ لا يسمع يسحقه الحجر الذي يسقط عليه. وهكذا، فإن اللعنة المذكورة في الكتاب وسُخط الرب وغضبه تدرك كلها كل إنسان يتغافل عن هذه الأمور لأنه لم يُصغ لصوت الله! الذين يدنسون الهياكل المقدسة ويحتقرونها يستحقون العقوبات، ومن أين لهم أن ينجوا من لعنة وغضب سخط الله؟! إنهم يُسلَّمون إلى أمكنة شهواتهم ومساكن الشياطين. فكأن امرأة ظهرت أمام زوجها كصانعة خير ولكنها فعلت الشرور، وبدلاً من أن تتزكّى في ذلك المكان دنست نفسها. أتُرى المرأة تختفي من زوجها أو الولد يختفي من أبيه أو الإنسان يختفي من جاره؟ فلو كنتِ أيتها النفس الممقوتة تختفين من الذي خلقك، أو إذا اطلع أحدٌ على نجاستك فكيف تتصرفين؟ هل تجتهدين في شيء آخر سوى تكذيب ذاتك؟ لأنك تصبحين ذاتًا واحدةً مع الشر كما هو مكتوب: «كذب الظلم لذاته» (مز27: 12الترجمة القبطية). فبدلاً من أن يمتلئ أمثال هؤلاء من روح مخافة الرب كما هو مكتوب، امتلأوا من روح الوقاحة والنفاق. والرب يسوع لا يفعل معهم شيئًا إلاّ أن يمحو اسمهم وذكرهم من بين الناس الذين يسكنون معهم حين يشاهد بيته قد فقد طهارته، لأنه إذا وجد أناسًا قد جعلوا أماكن الله غريبةً بسبب إثمهم؛ فإن آخرين أيضًا قد غمرهم بنعمته بسبب براءتهم. وهو لا يهمل أماكنه بسبب وجود الأعداء، وذلك بسبب الصديقين الساكنين فيها ولو كان الأعداء مختلطين بهم. حقًا إن اللعنة تحلّ على الرجل والمرأة أيضًا عندما يقولان إننا لبسنا المسيح (غل3: 27) وقد لبسنا درع الإيمان (1تس5: 8)، وهم منغمسون في الأمور الممقوتة، ولا يهربون أبدًا مما قاله النبي في محاربة المرائين في كل زمان، فهو يشجبهم بقوله: «إنهم أضلّوا شعبي ... واحدٌ منهم يبني حائطًا وها هم يملّطونه (أي يبيّضونه) بالطفال ... إنه يسقط» (حز13: 1و11). معروفٌ هو هذا البناء ومعروفٌ أيضًا هذا التبييض أنه يعني الذين يرتكبون الخطايا بافتخار. إنهم يتفقون مع الذي يُبغضه الله حين يقول إن الحائط يستقيم قائمًا، ولكن الله قال إنه يسقط. قال للذين يبيّضون إنه يسقط بعكس ما قالوه هم. فقد قال: «أهدم الحائط الذي ملّطتموه بالطفال وألصقه بالأرض وينكشف أساسه فيسقط» (حز13: 14). إنه يسقط ليس على ذاته فحسب؛ بل على الذين بيّضوه أيضًا، كبيت يهبط على بيوت أخرى فينجم عن ذلك هبوطها ويعمّ الخراب على الكل! أين الآن تبييضك أيها الحائط وما هي منفعة الذين بيّضوك؟ انظروا عطب الأرض والمثالب التي انهالت على الفلاحين الذين حرثوها حين تركوا الزوان وسط القمح حيث قال: «دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى (وقت) الحصاد» (مت13: 30). يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الثالثة «إن وجدتُ في سدوم عشرة أبرار فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم» (تك18: 26و32) ألا ينظر الرب إلى العالم لأجل صدّيقيه بسبب وجود الأشرار؟ وهل يترك أماكنه بسبب أحبائه الذين يسكنون فيها لأنهم مختلطين بالأعداء؟ ومَنْ هم الأكثر عددًا الساكنون في الأرض كلها أم الذين في الأديرة؟ يجب أن يُقال إن العالم ينجو بسبب الأماكن المقدسة! عندما تكون حبة الخردل في جرابها ينجو الجراب بسبب حبة الخردل، بمعنى أن يسوع يمهل ديرًا بسبب الذين يخافون الله فيه. الويل لذلك الجراب يوم أن تؤخذ منه حبة الخردل، وأيضًا الويل للعالم يوم تؤخذ منه البذور ... ولكن أي رياء أعظم من هذا، أن يرغب دير في سكنى أناس معروفة أعمالهم الشريرة بدلاً من أن يجعل يسوع يسكن فيه؟! إلى مَنْ تلتجئ أو مَنْ ذا الذي يخلّصك؟ مَنْ هو الذي يثبّتك أيها الدير إن لم يكن الرب ساكنًا فيك؟ مثل (الكنيسة) التي يُقال عنها: "الرب في وسطها فلن تتزعزع". في أي الأمور لا تتزعزع؟ إنها لن تتزعزع في معرفة الله وتتجه نحو عدم التقوى كقوم لا يعرفون الكتب. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الرابعة «كونوا قديسين لأني أنا قدوس» (1بط1: 16) أتكلم عن الذي يعرف المسيح الكرمة الحقيقية والذي لا يعرفه. هل يضع الإنسان يده على المحراث وهو لا يعرف مثَل الذي نظر إلى الوراء بعد أن وضع يده؟ هل يحرث الإنسان أرضًا إذا كان متجهًا إلى الوراء؟ وهل يجني شيئًا آخر سوى خسارة زرعه كله؟ لأن الإنسان الذي جعل نفسه عبدًا لله ثم ارتدّ قلبه إلى الخلف بدلاً من أن يتجه إلى الله، حيث إن السيد يعلِّمنا كيف نحرث، أو إن كنتُ أضع يدي على محراث أو على مقبض محراث، فماذا يعني ذلك؟ ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء لكي يكون حرثه مستقيمًا. أول شيء يلزم أن يفعله الإنسان هو ألاّ يجعل أعضاء المسيح أعضاء زانية، لأن هذا هو الغضب العظيم، وبعد ذلك كل الفضائل الأخرى. لا عجب إذا وجد رجلٌ أبرص أن أولاده مرضى بالبرص، فإن كل واحد يقول إن ما كان في أبيهم صار إليهم. أتكلم عن الأشرار الذين غطاهم برص أبيهم بقشوره، ولماذا لا يُرغم بنو الله أنفسهم، بما أنهم ليسوا برصًا، على تحصيل ما في أبيهم ليكون فيهم، ليكونوا أطهارًا كما هو طاهر؟ لم يُقل لأحد: قلّد الشيطان، ولكن كثيرون هم الذين يقلّدونه وأعمالهم تشهد بذلك، بينما صوت الرب يملأ الأرض كلها: «كونوا قديسين لأني أنا قدوس» (1بط1: 16). كما أن الزواج لأجل إنجاب الأولاد أمرٌ جميلٌ وجميلٌ أيضًا النسل؛ هكذا يكون جميلاً الأكل والشرب بغير جشع والنوم بدون كسل. محبوبٌ هو الإنسان الذي يشبع من خيراتك. إن كان شغفك بأعمالك الصالحة يجذب في أغلب الأوقات الرجل الغيور إذ تعبد وتبارك أثناء الليل؛ إلاّ أنه ملعونٌ ذلك الرجل الذي لا تدع أعماله الرديئة البعض آمنًا بسبب مظالمه. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الخامسة «الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله» (رو3: 23) العالم كله أضحى رديئًا، والأرض كلها صارت تحت الخطية، والزوان نما، والزرع الصالح ليس فيه إلاّ التبن. وبسبب كون الأرض المأهولة سلّمت قلبها للخطية بكل قوتها لم يصبح القمح وحده هو الرديء، بل إن الكثير من الحبوب أيضًا دفعها الريح مع التبن، وبعضها جفّ قبل أن تظهر فيه البذور أو تبتدئ في الخصب. يا لخسارة زمان حياتنا! لقد تقاعسنا عن الأعمال الصالحة. إننا نتفرق في أماكن العمل، ولكن كثيرين سوف يخزون حينما يأتي رب الحقل يسوع! مَنْ افتقر من المسيح غير الذين فعلوا الشرور؟ إن الأمم التي لا تعرفك يا رب تصير حقًا مثل الشوك المعدّ للحريق، والذين لُعنوا في أماكن السُكنى يكونون مثل شوكة مطروحة في الحقل، أُعدّوا للحريق في فمهم وفي أثوابهم وأينما وُجدوا. إننا في الحقيقة قد ابتعدنا عنك يا رب بشرورنا العديدة لأننا أخطأنا على مرأى منك لا على مرأى من البشر، وقد صارت الخطيئة معنا جسدًا واحدًا. لكننا بالحقيقة لو نهضنا واقفين في مقادسك لَغمرْنا العالم بالصلاح والخيرات، خصوصًا إذا تناول كل واحد منا الأسرار مختبرًا ذاته، حينئذ لا يدركنا شيء البتة. وإذا أدركت المصائب الأرض أيضًا فإن ذلك يكون بسببنا، لأننا لو عملنا ما يريده الله لارتدّ عن غضبه، وذلك حينما يتّقد سخطه مثل النار ويتضاعف عندما يمحو كفر الناس المعطلين. وكيف يلطِّف الله من سخط غضبه؟ إننا إذا لم نحاكم أنفسنا بهذه الأقوال وإذا لم نعمل بها فإنها تكون دينونةً لنا لا تعزية. الويل لنا لأنه منحنا إحساناته فعصيناه! إننا عصاة في نظر مَنْ تنتسب إليه الأرض كلها مع سكانها، في نظر يسوع المسيح. إن العالم لم يعرف المسيح، فقد عرف العالم ذاك الغريب عنه ولم يعرف خالقه. لقد عصى الإنسان على الذي خلقه وخلق العالم وكل ما فيه. لقد قال الرب: «خرافي تسمع صوتي» (يو10: 27)، فإننا نحن الذين حرمنا أنفسنا منه. وما هي خرافه إلاّ أولاده؟! ومن هو الغريب سوى إبليس؟ فيلزمنا أن نتبع كلنا صوت المسيح ونرفض الإصغاء إلى صوت المهلك اللص حتى لا نسمع ما يخاطب الرب به الناس: «لا أعرفكم من أين أنتم، تباعدوا عني» (لو13: 27)، هؤلاء الذين كانوا مساكن للشيطان، لأنهم تغافلوا عما يجب أن يفعلوه، لأنهم لم يناولوه لكي يأكل ويشرب، لأنهم لم يتقدموا إليه بزيت .. أما نحن الذين ننطق باسم الله، فإن كانت فظائعنا مختفية عن الناس فإنها مكشوفة لله. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة السادسة «الحزن الذي بحسب مشيئة الله يُنشئ توبةً لخلاص بلا ندامة» (2كو7: 10) بيوت الله ليست أماكن للضحك أو كلام الوقاحة وعدم الوقار والنميمة والقلاقل والشكاوى. إن الذين يحزنون بحسب الله فإن الله يرفع عنهم حزنهم، أما الذين لا يحزنون بحسب الله فإن الله يسلّمهم للحزن كما هو مكتوب: «أعطهم يا الله سببًا للحزن» (انظر مز28: 4)، كما قال أيضًا إن هؤلاء ليسوا حزانى، علامَ؟ على النفاق الذي يصنعونه في الأرض كلها. كثيرون هم الذين يحزنون حسب العالم على ما هو لهم كل واحد بطريقته، وقليلون هم الذين يحزنون من أجل أمور المسيح! فإن عرفنا أن الله من أجل معصية واحدة لم يترك الإنسان الأول يمكث في الفردوس، فكيف ندخل إليه ونحن نرتكب هذه الشرور كلها؟! يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة السابعة «اعزلوا الخبيث من بينكم» (1كو5: 13) لقد ضل كثيرون بسبب كلمات لم يفهموها مثل «لا تدينوا فلا تُدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يُقضَى عليكم» (لو6: 37)، أو لماذا تدين أخاك؟ إذا كان الشيطان أحيانًا يتخذ شكل إنسان رحيم يتملق الإخوة الذين يبكّتون الذين يفعلون الشر، وإن كان هو أحيانًا يتحول إلى ملاك الله ويهدّد الذين يهتمون بطرد الأشرار من أماكنه؛ فالويل لشعب يجتهد رؤساؤه في عمل آخر ولا يمتحنون الأرواح، أعني الذين يخدعونكم بكلامهم عن الآباء النجسين ويناصرونهم قائلين إنه لا ينبغي أن نقلع جذورهم ونقتلعهم من الحدائق. ولنفرض أن الذي يكلمك ملاكٌ، فهل هو يعلّمك أكثر من الله؟ فيجب أن يُقصي النجسين والعصاة من هذه الأماكن، لأنهم لو كانوا قد أطاعوا لما قُبض عليهم في الفخ كما يفعل الصيادون. أليس الذين بالدير كلهم في الأصل أحرارٌ؟ وإن كان فيه خمسة لصوص، ولا أقول عشرة، ألا يقولون إن البعض يمثل الكل؟ لأنه هل يطرد اللصوص غيرهم من اللصوص؟ وهل يجعل النجسون غيرهم من النجسين غرباء عنهم؟ وهل الشيطان يطرد شيطانًا من الأماكن المقدسة؟ وهل يُطارد الشياطين إنسانًا شريرًا؟ ولكن إذا طُرد عدو المسيح ومن يشبهه في شروره من هذه الأماكن المقدسة، فإن كلمة الحق بالحري ترذله قائلةً: وماذا كنتَ تفعل بينهم؟ وإنني أقول: إذا طرد إنسان بعض الناس من هذه الأديرة بدافع شخصي حتى ولو كانوا لم يتركوا شيئًا من الشر إلاّ واقترفوه، فإن الله يُلقيه خارجًا. مَنْ أراد أن ينجو من دينونة الله فليتعلّم أن يسلك هكذا بحسبه تعالى فقط. انظر ما فعله الرب يسوع عندما اتّقد غيرةً على بيته. إن الكتب تأمر ألاّ يستقر شريرٌ واحدٌ وسط جماعة، لا اثنين أو عشرة، خوفًا من أن يأتي اللوم على الكل. ضع الزوان لينمو مكان الكرمة أو مكان الخضروات، فإنك تجده ينمو بكثرة. أيها الزارع الغبي، أيها الأحمق بين الزراع العقلاء، هل ترك راع قط خروفًا أو ماعزًا وسط القطيع أو في الحظيرة بعد أن ذُبح أو أهلكته الحيوانات المفترسة؟ لماذا لا يجب أن نجعل رجال الدماء والمكر غرباء عن أديرة الله، ليس بسبب شرورهم فحسب؛ ولكن حتى لا يبتعد الله عن الأديرة؟ ألا يُلام الشعب إذا ترك في وسطه أعداء العدالة والوصايا التي أُعطيت لنا؟ نسمع أن إنسانًا عوقب لأنه سرق قطعًا من الحطب، فلو تُرك كل واحد يفعل ما يريد أما كان الكثيرون يسرقون؟ وهل كان الحكام خالين من الشفقة في عقابهم للمخطئ بسبب قطع صغيرة من الحطب لا تصلح إلاّ للحريق؟ ألم يفعلوا ذلك من أجل أمر الله حتى لا يُحزن الله الجميع ويُهلكهم من أجل واحد؟ ولماذا لا يجب طرح بعض الناس خارجًا عن مجامع الله؟ إن التحدُّث بأعمالهم الكريهة لَهو ضربٌ من القيء لأنهم هيّأوا مائدةً للشياطين. إنهم يكونون ملعونين لأنهم رتبوا لهم ما يأكلونه معهم. فهل يسوغ أن يُترَكوا في أماكن القديسين؟ لو أن رقعةً رثةً باليةً كانت نافعةً لتبطين رداء جديد، أو أن رقعةً جديدةً نافعةً لرداء عتيق، لكان الناس الدنسون ذوي نفع في سكناهم مع الأطهار، ولَصحَّ سكن الأطهار مع الموبوئين. لماذا لا يُفصَل أبٌ طاهرٌ عن ابن نجس وابنٌ طاهرٌ عن أب موبوء؟ ولماذا لا تُفصَل أُمٌّ ذكية عن ابنة مخدوعة؟ إن كلام النبي الذي كان بالأمس يكون اليوم وكل الأيام إلى الانقضاء: هل هذا الحائط والذين ملّطوه (انظر حز13: 15) هم الذين ينصحون ويعلّمون ويعظون بأن يُترَك النجسون في أماكن الله، ويحاربون الذين يقولون بعدم وجوب تركهم ويشجعون من يتصرفون بالتهاون؟ يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الثامنة توبيخ وتحذير جاء إلى الدير بعض القسوس والشمامسة وآباء من أديرة أخرى ومعهم جمع كبير ليسمعوا كلام القديس أنبا شنودة. جاءوا لكي يبرِّروا تصرفاتهم بينما هم أعداء بعضهم لبعض بسبب أعمال شريرة وسرقة. ولكن القديس رأى ألاّ يتكلموا معه فيما جاءوا لأجله حتى اليوم التالي رغبةً منه في أن يسود عليهم الهدوء حتى يسمع الذين يحبون التعاليم التي يرسلها الله لهم. ولما فرغ من كلامه في مساء يوم الأحد كعادته انصرفوا دون أن يُفاتحوه فيما جاءوا لأجله لأنهم استحوا إذ توبّخوا من كلامه، وهذه هي عظته: إن الذين يرتكبون أعمالاً مكروهةً في الأماكن المقدسة إنما هم خونة وسارقون وجاحدون. ماذا ينفع من الفتائل إلاّ ما يشتعل في المصباح؟ لأنها تكون غير صالحة إذ قد استعملوها عدة مرات! كلمة الله تنذرنا أنه ليس للذين يسلكون بمكر في بيت الله أن يتوقعوا الصالحات. ومن واجب الإنسان الأمين أن يُريهم الأعمال الحسنة وأن يضع النور في الأماكن المقدسة. إن الرجل غير الناجح الذي هو بدون استعداد في ذاته كيف يكون أهلاً لعمل مجيد نافع؟ إن يهوذا لم يكن له استعداد في ذاته لذلك لم يستحق درجة الرسولية، بل إنه كان مستعدًا أن يظهر بمظهر لص وخائن، ليس فقط لأن هذا الجاحد سمع الرب يقول: «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه» (مت16: 26)؛ بل لأنه سمع أيضًا: «إن واحدًا منكم سيسلّمني» (يو13: 21)، فلم يخجل ولم يشفق على نفسه، لكنه تاه بسبب الثلاثين من الفضة، فأهلك نفسه وأتلف الفضة أيضًا. وإن كان البعض لا يقنعه العالم كله ويُلقي بنفسه في فخ إبليس بسبب الأموال مفضّلاً إياها على السماء التي ليس فيها ذهب؛ فلنكتف نحن بما يمنحه الله لنا من الكفاف. قال الرب لآدم وحواء: لماذا أكلتما من هذه الشجرة التي نهيتكما عن أن تأكلا منها؟ فقالت حواء: إن الحيّة أطغتني فأكلت. وقال آدم: إن المرأة التي أعطيتني إياها قد أعطتني من الشجرة فأكلتُ! ولذلك طردهما الله، وأما الجنة فأغلقها. ونحن أين نذهب من أمام وجه الله؟ لأننا ارتكبنا الشر لأننا فجّار، لأننا اختطفنا ما ليس لنا، لأننا نلجأ إلى الكذب، لأننا نقسم باليمين الكاذبة، ونقترف كل الشرور الأخرى التي نُغضبه بها! لقد عرف آدم وحواء في الحال وشعرا بخزي السقطة التي تورطا فيها، وعلما أنهما عريانان ولذلك بحثا عما يستتران به، وصنعا مئزرتين من ورق التين لأنهما اضطربا. ونحن المغمورين دائمًا في خطايانا لا نشعر بخزينا ولا نعلم أننا أصبحنا متعرّين من النعمة التي كنا نكتسي بها قبل أن نخطئ، ونحن في ذلك لا نفكر في أن نلتزم بالوصايا ونقوم بالواجبات التي فرضتها علينا الكتب لكي نُخفي جهلنا. إذا جاء البربر إلى أرض فإلى أين يهرب سكانها لكي يكونوا في أمان وسلام إن لم يكن إلى المدن المحصّنة؟ ولكن إن استولى البربر على أماكن الحراسة فإلى أين المفر؟ يمكن للقوي أن يهرب إلى الجبال لكي ينجو. وعلى هذا القياس، إذا هجم الشيطان على النفوس بقصد أن يخدعها ويصرعها فإلى أين تلتجئ إلاّ إلى الذين لهم القيادة في بيت الله لكي يُعرِّفوهم بأمور الجهاد وأسلحة الحرب لكي تنتصر على الخطية؟ وإذا ابتدأنا نحن أن نضعف أو إذا سقطنا في الشر حينما يضع العدو حجر عثرة تحت أرجلنا، فإلى أين يذهب الناس أو مَنْ يمسك بأيديهم؟ إنهم يرفعون أعينهم إلى الجبال كما هو مكتوبٌ، أي يضعون في قلوبهم أن يحفظوا المكتوب لكي يروا من أين يأتي عونهم، حيث يأتيهم من السيد الذي خلق السماء والأرض. إذا كان البحارة يهتمون كثيرًا بأن يُلقوا إلى الخارج بالمياه التي تقذفها الأمواج إلى داخل المركب لكي تكون الحمولة في أمان؛ هكذا أيضًا الذين يحكمون في أماكن الله عليهم أن يهتموا بألاّ يتركوا فيها أعمالاً شريرةً أو يعمدوا إلى محاباة الوجوه والإدانة الشريرة من أجل أغراض بشرية، وبالاختصار كل الأمور التي بها تكثر الخطية؛ وبذلك يخلص الجميع. أما زوايا الصخور وكل حجر عثرة في طرق الملاحة فسيخلصنا منها الرب يسوع، كما أنه سيأخذ بأيدينا في تلك الأمور الأخرى. أقول: إن كنا نشبِّه الإنسان بالمركب، فمن البديهي أنه على الذي يقود مركبًا أن يلاحظ طريقه بعناية حتى تُحفَظ قلوبنا فوق كل تحفُّظ، كما هو مكتوب (أم4: 23)، من كل ما يهاجمها أو من ذكريات تدخل فيها فتضيّع روح الورع لأنه، كما قيل، فإن الذين يحاربون بعضهم بعضًا بمثل هذه الأسلحة التي هي الغيرة والحقد والاتهامات الكاذبة والازدراء والسخرية وما شابه ذلك، قد أخطأوا بأفكار قلوبهم. إنه لا حصر للذين جعلهم الشيطان أعداء للعدالة في محبة ممزوجة بالغيرة والحقد. وهكذا فإننا سوف نخجل في اليوم الذي يُدين الله فيه سرائر الناس. فكيف نُخفي غيرتنا وحقدنا الواحد نحو الآخر في ذلك اليوم حينما كنا نكلّم بعضنا بعضًا بالسلام لكن العداوة في قلوبنا؟ إنه لَخيرٌ لنا ألاّ نسأل عن أخبار صحة رفقائنا من أن نسأل برياء وغش. فلنخجل من هذا الكلام لأن الرب يعرف أن أفكار الناس باطلة ... إنني لن أقع في يديك، ولا أنت تقع في يديَّ، لكننا سوف نقع بين يديّ الله. مغبوطٌ هو الإنسان الذي ينقذه المخلِّص يسوع من الشيطان. إن كنتُ آكل الخبز معك ويدك في الطبق معي، ونسكن معًا في الأماكن المقدسة، أنت معي في المذبح، وأقف بالقرب من المائدة معك، لي ولك جسد المسيح وتناولني دمه؛ وقلوبنا مليئة بالشر الواحد نحو الآخر ولا نخشى الغضب واللعنة!؟ يوجد في كل زمان الذين يسلكون بمكر في الأماكن المقدسة وقلوبهم ليست مستقيمة نحو الله ..! أين يوجد يهوذا؟ في الجحيم. لماذا؟ بسبب السرقة والخيانة. كانت يده في الصحفة مع يد الله وكان على استعداد أن يسلّمه. فلنخش إذن من جهنم، ولنخجل من أنفسنا نحن الذين مُنحنا عظائم الله، ولنحفظ أنفسنا أطهارًا من أعمال يهوذا في بيت الله، لأنه إن كان قد فعل تلك الشرور العظيمة، فلأنه بعد أن أخذ اللقمة دخل فيه الشيطان. وقد حلّ عليه ذلك الغضب الشديد بعدل بحسب شر أعماله، لأنه بدلاً من أن يتطهر من الشيطان حينما أخذ لقمة الخبز الذي كسره الرب وأعطاه له، دخل فيه أكثر، وهكذا بدلاً من أن يصبح رسولاً أصبح إبليسيًا (أي تابعًا لإبليس). إنكم ترون أن الذي بعد أن نال النعمة والاسم الحسن والثوب الذي ارتداه ويجعل مكانًا في نفسه للروح النجس؛ فإنه يقع بين أيدي أشرار عديدين. والإنسان النجس ليس هو فقط المنفصل عن الأطهار؛ بل إن كل شر وكل رياء هي أمور نجسة وكل من يلمسها أو يرتكبها هو نجس، ومن لا يبتعد عنها هو نجس أمام الله. أنا وأنت اللذان نعظ ونعلِّم فلنبك على خطايانا حتى لا يُلقينا الرب بعيدًا عنه في الضيق إذ يقول: «لا أعرفكم .. تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم» (لو13: 27)، فماذا نقول في تلك الساعة؟ هل نقول: "باسمك أخذنا وصايا أو عظائم، باسمك لبسنا ثيابًا وسكنّا في أماكنك المقدسة، باسمك قرأنا الكتب؟ أو كما يقول آخرون: «أليس باسمك تنبّأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة» (مت7: 22)"؟ ولكن هذا لن ينفعهم بشيء، فسيقول لهم: «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية» (مت25: 41)، لأنهم لم يعملوا بما قاله لهم، فكم بالحري يكون الويل لنا أكثر لأننا نترك الأعمال الضرورية أي أحكام الله والعدل. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة التاسعة تحذير للكهنة [لا يدنو من التناول من لا رحمة عنده ولا من هو نجس بالكلية] (كتاب الأعمال الرئيسية للأنبا شنودة) أيها الكاهن، إذا أردتَ أن تكرم أناسًا فأكرمهم في بيتك وقدِّم لهم مما تملك، فالمذبح ليس هو المكان الذي فيه تُرضي الناس، ووجود جسد الرب ودمه لا يمكن لنا معه أن نشتري خواطر الناس. هذا الذي تصنعه إنما هو سرٌ وليس أكلاً وشربًا. والهيكل ليس هو المكان الذي يدخل فيه الإنسان وهو خاطئ أو زان أو غضوب أو سارق أو يحلف باطلاً، كلٌ في خطاياه. أيضًا من أجل يسوع، ينبغي أن نعلم أن الهبة الحقيقية التي يجب أن يعطيها الإنسان لقريبه هي أن يسند كل واحد أخاه وصديقه في احتياجاته ليست الظاهرة فحسب؛ بل أيضًا في احتياجاته الروحية ضد إبليس. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة العاشرة عمل الرحمة والطهارة «الديانة الطاهرة النقية عند الله هي (عمل الرحمة والطهارة)» (يع1: 27) هناك أمور يجب على الإنسان أن يفعلها سواء وعد بها أو لم يعد، وهي أن يطهِّر فراشه ويُعطي صدقة إن كان يملك شيئًا من خيرات الحياة، ويُظهر الحق دون محاباة الوجوه، ويحفظ أيام الصوم حسب قوانين الكنيسة، وأن يعطي البكور والعشور وكل عمل صالح. وهناك أمور إن لم ينذرها الإنسان فلا خطيئة عليه، لأن الرب يقول: «من استطاع أن يقبل فليقبل» (مت19: 12). ولكنه إذا نذر ولم يتمم نذره فالويل له، وهو أن يكون بتولاً وأن يحمل صليبه لكي يتبع الله. من سقط إذن من هذه الأعمال أو من رجع فيها إلى الوراء فقد أهلك نفسه وأصبح عامود ملح مثل امرأة لوط. احترسوا لئلاّ يسرق إبليس غنى العفة: وأنتِ أيتها العذراء، ابحثي في كل أوعيتك وستعرفين ما يريد العدو أن يأخذه، إنها طهارتك وهي الغنى العظيم، إنها الصلاة التي هي الأساور والخواتم من كل نوع التي في يديك وأصابعك، إنها طاعتك التي هي الأقراط التي في أذنيك، إنه تواضعك وهو العقد وخيط البرفير اللذان في عنقك، إنها حكمتك وهي الزينة التي على رأسكِ أو حول جبينكِ، إنها أصوامكِ وهي زمام جسدك، إنها التأملات في كلمة الله سراج رجليكِ، إنها أعمالكِ الصالحة وهي الثياب الثمينة التي تلبسينها، وهي النعمة مثل العطر والزيت الذي تدهنين به نفسكِ وتضعينه على رأسكِ، إنها الحرية مثل الرداء الذي تلبسينه. هذه الأمور وغيرها يسعى العدو لا لكي يسلبها منكِ فحسب؛ بل إنه يروم أن يسلبكِ الكرامة والحياء الحسن الذي في عينيكِ. فالعذراء عليها أن تحفظ لنفسها كل غناها الحقيقي في الأعمال الصالحة وتتممها بكل شجاعة. ماذا لو أخذتِ عدوًا وأدخلتِه في بيتكِ وفي غرفتك؟ فالمكروه النجس قبلتِه إليكِ، والطاهر المحبوب أبعدتِه عنكِ، وليس لأنه لم يكن في قدرته أن يخلِّص؛ لكن لأنك أحببت الغرباء وتبعتيهم .. أقول عن روح الشر وقوات الظلمة، لكن إلهك والرب يسوع لم تُسكنيه في قلبكِ وفي أفكاركِ! إلى متى تكون هذه الآلام على الأرض بسبب أعمالنا العنيفة؟ يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الحادية عشر [ارفعوا الخطيئة لكي يرفع الرب الآلام والعقوبات والأتعاب من كل نوع] (رئيس المتوحدين) لا يمكن أن أقول كلمة لا أؤدّي عنها حسابًا، لذلك أقول لكم: يوجد إنسان يقرأ الكتب ويتلو المزامير ويُقال عنه في السماء إنه كان خليقًا به أن يُغلق فمه. ويوجد إنسان في الأماكن المقدسة ويحمل أيضًا الاسم المجيد، أو راهب ويسمونه في السماء عدوًا لبيت الله ويستحق أن يُمزَّق الثوب الذي عليه. ويوجد إنسان يأتي إلى المذبح ويتناول جسد الرب ويسمونه في السماء مستحق أن تُقطع يداه ورجلاه. ويوجد أناس نظن نحن على الأرض أنهم أنوار قد تحلّوا بكل طهارة، ويسمونهم في السماء "نجسين في كل شيء". إنه يوجد فرق بين الذين يسمعون هذه الكلمات وهم يتنهدون ويبكون، والذين يسمعونها وهم يضحكون ويستهزئون. فماذا ينفع هذا الاسم وهذا الثوب إن كنا في أعمال لا تليق؟ الذي لا ينتبه إلى خطاياه وهو يسمع هذه الكلمات هو الذي لا يفكر في نهايته وفي ساعة احتياجه. أيها الإخوة، ليس العالم هو الذي ملأنا بالأخطاء، بل نحن الذين ملأناه بها! لذلك فهذا هو الوقت الذي ينبغي أن نكون فيه حكماء. إنني أتذكر كيف رأيتُ دموعًا تسيل على خدودكم حينما قيل: ”أترتفع على المنبر أو على العرش لكي تقرأ للذين يسمعون كلمة الله في الكنائس أم تنـزل في الحفر“؟ وأيضًا: ”ما هو حرص الراعي إن كان يأخذ ماءً لكي يسقي قطيع خراف ولا يسقي عنـزة صغيرة يملكها؟ ومَنْ يوقد مصابيح كثيرة في بيوت الآخرين ولا يوقد مصباحه في غرفته“؟ إنكم حكماء إذ تعلمون أنني أشبِّه نفس القارئ بالعنـزة الصغيرة، وقلبه بغرفته، والكلمات بالمصابيح والمياه، والناس بالخراف، والكتب بالبئر والأعمال الحسنة بالأماكن المرتفعة، والأعمال الشريرة بالحفر .. هكذا أنتم مثابرون وبهذه الدموع باكون، وأنتم تفتكرون خطاياكم وجهالاتكم. وبما أننا قلنا وسمعنا ما فيه الكفاية، فإنني أكتفي بهذه الأمور. ورب كل رأفة يجعلنا مستحقين لهذين الأمرين: أن يحفظ الأبرياء الذين في شعبه، ويخلّصنا أيضًا نحن الخطاة من كل إثم. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الثانية عشر دخول السماء بواسطة الكنيسة أنت أيها الإنسان الذي يبحثون عنك لكي تتوب، فلتلتف كلمة الله حولك وتمسك بك حتى ينـزعك أولئك الذين يبحثون عنك من طين الخطية، فيكون فرح لمن يكلِّمك حيثما يُلقي التعليم. فإذا كانت امرأة لوط قد تغيرت لأنها نظرت إلى الوراء حتى إنها بدلاً من أن تكون امرأة أصبحت عامود ملح؛ وأنت أيضًا لا تحول روحك من أجل رياء بشري بل تجعلها غير مستحقة بدلاً من أن تكون مستحقة. إن هلاك أنفس الحكام وأنفس الذين يحكمونهم إنما يكون إذا كنتُ أظن أنه: في شيء ما سوف يغضب مني قلب مَنْ يخطئ إذا كنتُ أؤنّبه. أيها المجنون، أليس من الأفضل أن يغضب الناس منك من أن تجعل الله يغضب عليك وعليهم؟ وكيف لا يغضب إن كنت تحتمل الذين يفعلون ما لا يجب في أماكنه المقدسة، الذين بخصوصهم أمر موسى النبي قائلاً: «مقدسي تهابون» (لا19: 30). لأنه حقًا يجب أن نرتعد ونمتلئ خشوعًا في أماكنه المقدسة أعني كنيسة الله التي رآها الطوباوي يعقوب أولاً وامتلأ خوفًا كما هو مكتوب أنه عندما نام في مكان ما شاهد في رؤيا سُلّمًا وصل إلى السماء والملائكة يصعدون وينـزلون عليه، لقد كان الرب متكئًا عليه، فخاف يعقوب واعترف «وقال: ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلاّ بيت الله وهذا باب السماء» (تك28: 17)! ما هو إذًا المكان الذي كان فيه السلّم الذي بلغ إلى السماء إن لم يكن هو كنيسة الله التي هي وحدها الطريق إلى دخول السماء، والتي كان الرب متكئًا عليها، والتي رآها أيضًا أب الآباء وقال عنها بمخافة إنها بيت الله وباب السماء؟! فلا يوجد طريق آخر للدخول إلى السماء إلاّ الكنيسة الوحيدة التي أمر الله أن نخافها ونطرد منها الخطاة، لأنه في ذلك يغضب كل حين قائلاً: «يا صاحب، كيف دخلتَ إلى هنا وليس عليك لباس العرس» (مت22: 12)؟ هذا الكلام يهددنا بالغضب ليس بسبب رهبة المكان الذي نذهب إليه فحسب؛ بل إن صداه هو الآن أكثر. أيها الأصدقاء، كيف دخلتم إلى هذه الأماكن بدون طهارة وبدون محبة حفظ الوصايا أو أيّة أعمال لكم تجعلكم مستحقين أن تمكثوا فيها؟! فلينـزل ملاكٌ من السماء بأمر الله ويقف في هذه الأديرة ويفرِّق بين الذين عليهم ثياب العرس والذين ليس عليهم، هؤلاء الذين كم يكونوا محتقرين وتستدّ أفواههم؟! ولماذا نكون نحن غير مطيعين للكتب ومبغضين للثوب المدنّس من الجسد حتى لا نلبسه هذا الذي لا يليق بالصلاة لله أو خدمته؟! يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الثالثة عشرة «كل من يعمل الخطية هو عبدٌ للخطية» (يو8: 34) كما أن العين للنظر والأذن للسمع أقول: إن الغِنى للرحمة والمقدرة لإقامة العدل والأيدي للصلاة واللسان لكي يبارك والرجل لكي تدوس عتبة كنيسة الله والجسد كله لكي يخضع للذي خلقه، ولا أنسى ما قاله زميل: "إن الرهبان قد جُعلوا للصوم". حقًا إنهم مجبولون لذلك من أجل الرجاء الذي يتطلّعون إليه في السموات. وكما أن الزميل يتكلم بمرح - وليس ثمة مناسبة للمزاح - أُريه أيضًا دون خجل أنه يجب عليه أن يصوم فأضرب لذلك المثل الآتي: كان لرجل ابنان، وذبح العجل المسمّن وأعطى الواحد أربعة أجزاء والآخر جزءًا واحدًا فقط، فمَنْ من الاثنين يجب عليه أن يعمل أكثر؟ هل الذي أخذ القليل أم الذي أخذ الكثير؟ هل الرهبان الحقيقيون المستقيمون الذين يعيشون على غذاء قليل وعليهم أن يصوموا، أم أنت الذي تأكل العجول وتشرب النبيذ مع خيرات أخرى من كل نوع تتمتع بها كما تشاء؟ لا تتهمني إذا كنتُ أقول لك الحق، لأنك أنت الذي فهمتَ الكلام بطريقة المزاح، تريدني أن أضحك في وقت يجب فيه البكاء، بل تريدني أن أشاركك في الفرح وأنت لاهٍ. لقد قلتُ لك عن تجربة إنه إذا كان الراهب يصوم فلماذا لا تتوخى العدل من أجله؟ أليس كل واحد يجاهد لكي يجد رحمةً أمام الله؟ لأنه كما كنتُ أقول يومًا لأحد الناس: "أعطِ راحةً للفقراء الذين يعملون من أجلك"، ولأنه لا يحب العدل ويكره الفقراء أجاب قائلاً: "إنها خطيئة أن تأكل خبز إنسان دون أن تعمل عمله". قال ذلك لأنه كان تحت سلطان آخر، فأجبته: "حسنًا قلتَ إنها خطيئة أن تأكل خبز إنسان دون أن تعمل عمله، لأن الخبز ليس خبزه بل خبز المسيح، فكم يكون أفظع إذا كنا لا نعمل أعماله فحسب؛ بل نجعل الآخرين يُغضبونه بشرورنا شأن الذين لا يعرفونه"؟! سألني صديقٌ عندما اقتربنا من الأربعين المقدسة قائلاً: "ماذا آكل في هذه الأيام"؟ فقلتُ له: "كل شيء يمنعه الإنسان عن نفسه سوف ينال عنه أجرًا من الله. ولكنني أخبرك عن الشيء الوحيد الذي ينجس كثيرًا، فإذا لم تأكل منه تكون سعيدًا". فتساءل: "أهو الخنـزير"؟ قلتُ: "لا". ثم ذكر أشياء أخرى كثيرة قائلاً: "هل هي هذه"؟ فقلتُ له: "لا". فسأل: "وما هي إذن"؟ فقلتُ له: "إنها الخطيئة مكرهة الرب، فإذا كنتَ تمتنع عن عمل الشر أثناء الأربعين المقدسة يمكنك أن تقول لنفسك: إذا كنتُ أفعل هكذا في حياتي كلها، فلا يوجد شيطان أو روح نجس يستطيع أن يغلبني لكي أخطئ"! طوبى للذين يعرفون المسيح، لأنه لا يوجد إله آخر حقيقي إلاّ الله القادر على كل شيء وابنه يسوع المسيح سيد الكون. طوبى للذين لا يخدمون إلهًا آخر. ولا أقول فقط عن الآلهة التي تخدمها الأمم: الأخشاب والأحجار والشمس والقمر والنجوم ... إلخ. بل عن الذين يدعون باسم المسيح ويخدمون آلهةً أخرى، الذين يُفسدون الحكم ويتركون ما هو حق من أجل الذهب ويخدمون آخرين. إن الذين يدنسون أجسادهم من الواضح أنهم خدام الأدناس، وبديهي أيضًا أن الطماعين هم خدام أصنام. وبالأكثر، فإن هناك إله مخفي عن الغافلين هو البطن، لأن الرسول قال: «الذين إلههم بطنهم» (في3: 19). فالإنسان يمكنه أن يأكل ويشرب ما يحتاجه جسده دون أن يكون عبدًا للبطن، ويؤنب الذين في كل ساعة يهتمون بالأكل والشرب، وكذلك الذي قال لنفسه: «لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة، استريحي وكُلي واشربي وافرحي» (لو12: 19)، فسمع لوقته: «يا غبي، هذه الليلة تُطلَب نفسك منك» (لو12: 20). إنهم لا يغيرون في أي وقت ما يقوله الإنجيل عنهم إنهم «يأكلون بيوت الأرامل» (مر12: 40). وهل نستطيع أن نقول غير ذلك؟ يشهد القديس بولس الرسول أن الشيء الذي يُغلَب منه أحدٌ من الأشياء التي يكرهها الله هو عبدٌ له، فكيف إذن لا يستحي الإنسان من أن يتورط في صداقة العالم لدرجة أنه يصبح عدوًا للمسيح إلاّ إذا تخلّى عن غش البُخل وقساوة القلب حتى يصبح رحومًا شفوقًا ومحبًا؟! قال أبٌ طيبٌ حكيمٌ تقيٌ بحق: "تكلم ولا تتركه يكلّمك"، أما أنا فأتصور أنه يعني: كلِّم العالم الذي سوف تخرج منه لتقف أمام محكمة الله قائلاً: ’البُخل وما ينجم عنه وعدم التقوى لا يقدران أن يحولا بيني وبين أن أكون نقيًا في كل شيء‘. لا تترك العالم يكلمك ويقول لك: ’أخذتك وربطتك بمحبة الأموال والخطايا: الزنى والعنف والسرقات والنجاسات وأشياء أخرى لا تُحصَى‘ .. كما أظهر لنا الابن. أي أن الذين يخدمون المسيح ويخدمون ابنه بالحقيقة هم الذين يكرهون العنف والسرقة وشهوة المال وما شابه ذلك، مساعدين أنفسهم بعمل كل ما يمكنهم أن يعملوه من الصالحات. فلنبتعد عن هذه الأصنام حتى لا تكون عثرة في سبيل تقوانا. ألا تقولون: "لو لم يكن المخلِّص يسوع قد جاء إلى العالم لكان للأرض شأنٌ آخر"؟ إن حال الناس يُشبَّه بحال من يكونوا قد انتهوا من بناء آلهة من الخشب والحجر، وذلك عندما يرى العدو ما يحل بالأرض من الدمار وقد خُرِّب كل ما كان بها، فيُسرع بآخرين للعمل حتى يصبح عددًا كبيرًا من قلوب الناس هياكل لهذه الأصنام التي تكلمنا عنها ..! يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
العظة الرابعة عشرة «إن كان أحـدٌ لا يثبـت فيَّ يُطـرَح خارجًا كالغصـن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق» (يو15: 6) حينما تكلمتُ مع صديق ووجدتُ أنه لا يرغب في تقبُّل كلمة الحق قلتُ له: "لماذا تتهم الله الذي هو الحق"؟ وأنا أقارنه بنجار وخزّاف، أما الأخشاب التي لا تصلح لعمل النجار فتستحق أن تُلقى في النار، أي أن الناس الذين لا يستحقون ملكوت السموات يستحقون نار جهنم. لأنه إن كان الله ممجَّدًا في الأتقياء، فهو أيضًا ممجَّدٌ في الأشرار. ألم تسمع أن الرب تمجّد بواسطة فرعون؟ ألم يُظهر برّه عندما جعل شعبه يعبر البحر الأحمر ثم أغرق فرعون وكل من معه؟ كما أنه تمجد بإنقاذ لوط وبنتيه من هلاك سدوم وعمورة، وأظهر قوته بأن أحرق سكانهما. وقد تمجد بإنقاذ الثلاثة فتية القديسين من أتون النار الذي أشعله الملك نبوخذ نصر، كما أظهر قوته في أن النار التهمت خدام الملك. هكذا أيضًا تمجّد بخلاص دانيال النبي إذ جعل الأسود لا تضرّه، بل أضرّت الذين اتهموه فمزقتهم وافترستهم لكي تظهر قوته. وهل إذا جعل الجحيم يبتلعهم في اليوم الأخير مع كل الذين نصحوهم بالعنف لا تظهر قوته فيهم؟ ففي أي شيء لا يتمجّد السيد؟ إنه يتمجّد وهو يضرب ويتمجد وهو يشفي، يُظهر قوته وهو يُحيي وقوته وهو يُميت. إنه يتمجّد وهو يجمع الحبوب في مخازنه ويُظهر قوته وهو يحرق القش. إنه يتمجد في كل ما يفعله منذ الأزل وبرّه عظيم في كل ما سوف يعمل ..! قلتُ مرةً أخرى إنه إذا رغب الرؤساء وأحبوا الحق لاستطاعوا أن يصبحوا أغنياء في الأعمال الصالحة في سنة واحدة وفي جولة واحدة في البلد، لأن لهم القدرة على إجراء الحكم وعلى مساعدة من هم في خطر. أما إذا كان هؤلاء الرؤساء مهملين، فسيُفسدون ما هو أكثر قيمةً من الذهب أو الفضة أو العالم بكل ما فيه. وحقًا ما هي منفعة الأموال؟ لقد قلتُ في قلبي إنه إذا كان الرؤساء يجدون ما يبحثون عنه، أي الذهب، فإنهم يودّون لو قطعوا جميع أشجار البلد الذي ذهبوا إليه وجعلوها صحراء. لا تنظروا إلى طريقتي في الكلام الذي أوجّهه لكم وتغتاظون أيها القادرون، ولكن فكروا في حكم الله وسوف تعلمون أن هذه الأمور ليست مستقيمة. إن كان الذي هو كبيرٌ في قومه له نفوذٌ وقدرةٌ؛ فإن كلمة التعليم أكبر ومرتفعة أكثر من كل الذين يسكنون الأرض، أكثر من العالم وكل ما فيه، لأنه مَنْ هم الذين بجانب السيد المسيح الذي خلق الكون ويحكمه، الذي جبلنا وخلقنا ووضع يده علينا وجعل قوته فينا؟ ليتنا نجد رحمةً أمامه في يوم الدين، وأيضًا نعمته في مكان غربتنا هذا! وما هو العالم بالنسبة للراحة في السماء؟! طوبى للذين يصلّون قائلين: "خبزنا الذي للغد أعطنا كل يوم". ربما تقول لي إنه يتكلم عن خبز الغذاء الجسدي، لكن أليس أن الكفرة عندهم هذا الخبز أيضًا وكثيرون متوفر عندهم بكثرة؟ ألا تسمع "الذي للغد" (حسب النص القبطي)؟ إنه يقصد الذين لهم المسيح اليوم، أي كل أيام حياتهم، فهو يقصد الخبز الحقيقي خبز الحياة الذي نزل من السماء، والذي هو رجاء حياتهم الذي سيقفون أمامه حينما يأتي ليُدين الأحياء والأموات. الخبز غذاء الجسد يثبِّت قلب الإنسان، فكم بالحري يُثبِّت الخبز الحقيقي خبز الحياة قلوب الذين يأتون ليتغذوا منه؟! انظروا إلى حال عبّاد الأصنام والكفرة، إن قلبهم مكسورٌ ضائع. فلا شك أن ذلك ليس إلاّ لأنهم ليس عندهم الرب يسوع، فإن لم يكن هو عندهم فمن هو الذي يثبِّتهم؟ هل الخشب والحجر؟ أم الشمس والقمر وكل زينة السماء؟ إنني أتجرّأ وأضرب مثَل الذين عندهم الخبز بكثرة ولا يستطيعون أن يأكلوا منه لأنهم مرضى يُعانون من مرض شديد، فأمثلهم بالذين سقطوا في مرض شر الشيطان ويقولون: "لنا يسوع"، ولكنه في الحقيقة في أفواههم وليس في قلوبهم! ومن هو الذي يجعلهم يُقيمون في الضعف وهذا الخزي جالسين بجوار الخطية التي تُفسد نفوسهم مثل امرأة يتبعها كلاب وتجلس القرفصاء لكي تسمح للكلاب أن تنهش لحمها! إنهم لا يحاربون الخطية ولا يطاردونها بأعمالهم الصالحة مثل رجل يضرب الكلاب بالعصا حينما تقترب إليه! أيضًا كانت توجد امرأة تجلس بالقرب من إبليس وتحت أرجل الشياطين بدلاً من الكلاب حتى ضربوها وغلبوها. ومن هي؟ إنها مجمع اليهود الذين طاردوا الرسل والأنبياء وجميع القديسين، فقد تجرّأَتْ وطاردتهم جميعًا. ومن الذي يقابلها بسلام؟ إنها صرخت ضد سيدها قائلةً: "اصلبه اصلبه"! لماذا؟ أليس لكي يكرهها جميع الصديقين وشعب وكنيسة المسيح جميعًا هؤلاء الذين يقفون في وجه العدو وهم مستعدون أن يموتوا من أجل اسم إلههم وسيدهم؟! «لا سلام قال الرب للأشرار»: هذه حقًا عداوةٌ لله، إذ ترى آباء وإخوة يقولون: "إننا ملكٌ للمسيح"، في حين أنهم يشاركون بعضهم بعضًا في معاطب أولاد الهلاك! ما هو سلام الناس عند الله عندما تكون شرورهم غير خافية عن زملائهم ولا يوبخ بعضهم بعضًا؟ كيف يهربون مما هو مكتوبٌ: «لا سلام قال الرب للأشرار» (إش48: 22)؟ طوباهم الذين تعلّموا فعل الخير لأنهم هم الذين تعلّموا كيف يهربون من الغضب الآتي. الأشرار في كل زمان إلى نهاية الدهر سيذهبون إلى الجحيم، والأبرار منذ أن خُلق الإنسان على الأرض وإلى النهاية سيذهبون مع زملائهم إلى الملكوت. ومن ذا الذي لا يرغب أن يكون بارًا حتى يذهب إلى المسيح مع ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع الصديقين منذ هابيل حتى الآن وإلى الدهور الآتية بدلاً من أن يكون شريرًا ويذهب إلى الشيطان في الجحيم مع الأبالسة والكفرة ومع كل الذين ماتوا في شرور خيانتهم التي هي أردأ من كل خطاياهم؟ لأن الذين هم عبيدٌ لله في كل زمان يشفع فيهم روح الرحمة قائلاً: "النفس المعترفة لك لا تسلِّمها إلى البهائم". وهو يتضرع إلى الله لكي لا يسلّمها للشياطين. إن الكتب لن تفيدنا شيئًا ولن نجني منها ثمرًا طالما نحن نغوص في حمأة الخطية والطين يغطينا ويغرّقنا. ألا يصيح أحد أو يسمع أحد مَنْ يقول: «الرب يرعاني فلا يعوزني شيء»، بينما يعوزه كل شيء؟! ربما تظن أنه يقول: إنه لن يتركني أحتاج إلى الذهب أو الفضة أو النحاس أو أي غنى، دون أن تفكر أنه يقول: إنه لن يتركني أحتاج إلى ما هو ضروري: الطهارة في الجسد وكل شيء! وحتى تعرف ذلك ألا ترى الأشرار يملكون خيرات الأرض بكثرة ويعوزهم غنى الرب الذي يرعاهم؟! «إن لم تتكلم لتحذّر الشرير من طريقه، فذلك الشرير يموت بذنبه، أما دمه فمن يدك أطلبه» (حز33: 8). إن كنتُ أنا ثقيلاً عليكم مثل حِملٍ فلا تجزعوا، بل انتبهوا إلى نفوسكم وإلى التعليم، لأنكم إن فعلتم ذلك سوف تخلصون أنتم والذين يسمعونكم أيضًا. لذلك كنتُ أعظ بشدّة حتى قيل إنني عنيفٌ! ترتكبون كل نجاسةٍ وكل أمر رديء أنتم الذين سلّمكم روح الله للازدراء. إنكم تشبهون الذباب الطائر إذا مات ضاع منه زيت العطر (ربما يقصد نوعًا معينًا من الفراش!). إنكم قد متُّم وضاعت منكم الحياة التي يحفظها المسيحيون في أنفسهم. أفلا تستطيعون أن تبكّتوا أنفسكم بواسطة هذه الحشرات الصغيرة؟! ولنقل نحن لكل من لا يريد أن يعيش في الإيمان وصار من أعوان الشيطان، إن نصيبه كما هو مكتوب هو أنه يصير «كالثعالب في الخرب» (حز13: 4). العنـزة لا تُعطَى للوحوش بل يرعاها الراعي، أما إذا ماتت فيمكن للراعي أن يعطيها للوحوش لتستعملها كطعام. وهل للشيطان نصيبٌ في الناس؟ حاشا، لأن الخليقة كلها، الناس والحيوانات والوحوش والطيور والحيوانات المائية والزواحف وحتى الثعابين، قد أوجدها الله. وإن كنتم تموتون في جحودكم وعدم أمانتكم تصيرون نصيبًا للشياطين ومسكنًا للأرواح النجسة. كل مَنْ يُصادق من لا يحب الحق ولا يتبع كلمة الله يضارّ كثيرًا. حتى متى تفتقرون؟ أو ما هي الأشياء التي أنتم في حاجة إليها حسب مقاييس هذه الحياة حتى يوجد بينكم سارقون لا يشبعون يجرّهم الشيطان إلى التفكير فيما للجسد حتى يموتوا أو يُميتوا آخرين معهم في كل تعدٍّ منذ البدء حتى الآن؟! لقد أغضبتم اسم الله القدوس، وصعد كبرياؤكم إليه في كل زمان. لقد رفعتم قرنكم ضد السماء وكلّمتم الله بعنف! جميع الذين يفعلون الشر سيتفرقون وسيفنى الخطاة من على وجه الأرض. لقد تكلم الله مرات عديدة بطرق شتّى مع قديسيه موصيًا إياهم أن يصنعوا إرادته، ولكنه مرةً واحدةً فقط أمر نوحًا أن يبني الفلك، فأتم عمله ونجا من الغضب الذي حلّ على الأرض هو وكل بيته والطيور والحيوانات. ونحن الذين نفعل الشر لم نُطع بعد هذا الكلام الذي يأتي من الله أو نتمم عمل حق نخلص به! مرةً واحدةً قال الله لإبراهيم أن يقدّم له ابنه الحبيب محرقةً، ففعل سريعًا بما أمره الرب لأنه كان يحبه أكثر من ابنه، ونحن حتى الآن لا نطيعه في كل كلامه فنقدم له أجسادنا ذبيحةً بكل طهارة ومحبة! والملائكة لم تكلّم لوطًا كلامًا كثيرًا لكي تجعله يهرب خارج مدينته التي أحرقها الرب بنار من السماء، ولكن لوطًا عمل بما أُمر به بسرعة، ونحن لم نُطع الله في كل كلامه لكي نهرب من كل شر ونكمل كل عمل صالح! أيضًا كلمةً واحدةً قالها الرب لتلاميذه: "اتبعوني وسأجعلكم صيادين للناس"، فتركوا شباكهم وسفنهم وعملهم بسرعة وتبعوه، وهكذا نالوا هذه الكرامات والأمجاد العظيمة! ونحن لم نُطعه في كل هذه الأقوال حتى نترك وراءنا رغباتنا وخطايانا لكي نصير مستحقين لرحمته وبركته! إن الأبرار منذ آبائنا القدماء حتى آبائنا الرسل لم يعصوا الله بل عملوا ليس بكل إرادته فحسب؛ بل أيضًا حثّوا الآخرين معلّمين إياهم كما هو مكتوبٌ: «فأعلّم الأثمة طرقك والخطاة إليك يرجعون» (مز51: 13). ألا يجب علينا أن نتمم مشيئته بكل قلوبنا كأبناء سوف يرثون ملكوت أبيهم السماوي؟! مرات عديدة، بسبب الأثمة، قلتُ بأَسَى وقلبي مملوء حزنًا: "يا الله سيد الكون، أيها الرب يسوع أضرع إليك بكل قوتي في شدّتي، إن كنتَ تشاء أن تُبقيني في هذا الدير فلا تسمح أن أموت في الوقت الحاضر. لا تجعلني أتغرّب عن هذا المكان سريعًا حتى أراك تؤدِّب المستكبرين الذين يأكلون لحم الأسد الشيطان ويشربون دمه، أي الشرور والشهوات والحقد والعصيان والجهل والآثام والسرقات والأكاذيب والمكر، وفوق كل شيء الكبرياء والافتخار وكل الشرور الأخرى"! مرات عديدة، بسبب الأشرار، قلتُ وأنا مُلقى على الأرض على وجهي: "يا الله، أتضرع إليك من كل قلبي وفكري، أنه إذا كنتُ أعنِّف الذين يحزنون نفسي بلا سبب، وإذا كنتُ أنا حقًا أكرههم أو أحسدهم؛ فليأتِ عليَّ كل حزن وعذاب وعار لأن هذا هو جزائي إذا كنتُ بدلاً من أن أحب قريبي كنفسي قد كرهته. ولكن إن كنتُ لا أريد لهم إلاّ الخير وخلاصًا لنفوسهم في يوم الدينونة كما أنت تعلم؛ فعلِّم أنت هؤلاء بالحزن والتنهد والألم بلا راحة، ولكن ليس بغضبك يا سيد حتى لا تجعلنا ضعفاء في غضبك، وأيضًا ليس بسبـبي أنا لأنني حقًا غير صالح أمامك يا سيد، إذ عنّفتُ نفسي وحدي وسط كل الشرور، فأرجو ألاّ أكون مخطئًا بهذه الكيفية كما تعلم لأنك أنت الذي تفحص قلبي وكليتيَّ. مرات عديدة، بسبب الخطاة، حينما أقترب من الدير أكون مثل الذي رماه أعداؤه بالسهام حينما أفكر في أمثال هؤلاء الناس، ليس لأنني أكرههم، حاشا، ولكن لأنني حزينٌ من أجلهم، عالمًا أن الله غاضبٌ عليهم ولا يقبل ما يفعلونه في كبريائهم وفي ثرثرتهم ومعرفتهم الباطلة وكل أعمالهم الشريرة التي يعملونها في جهادهم وتذمرهم على الذين يعلّمونهم، لأنهم لم يتعلّموا من الكتب قط. مرات عديدة قلتُ في قلبي بحزن بسبب هؤلاء إنني مصممٌ أن آكل خبزي وحدي منفصلاً عن الدير، مهتمًا بطريقي كغريب، لكنني كنتُ أعود وأنصح نفسي وحدي أن أفعل العكس حتى لا أعثر أمثال هؤلاء في عمل آخر. لأنني ما كنتُ أريد أن أُحزن سائر الإخوة أو الأبناء لعلمي أن ذلك يؤلمهم جدًا لأنهم رحومون. مرات عديدة استطعنا أن نقول كلمة تعزية أو صلاة للذين يستحقون كل بركة أو كل تعزية، لأننا جلسنا ساعات كثيرة في اليوم في اجتماعاتنا وقلوبنا متأكدة أنهم لم يُراعوا كلمة السيد حتى أتت عليهم تأديبات كثيرة بسبب الجهل والعصيان. مرات عديدة قضينا نصف الليل حتى الفجر، وقضينا نصف النهار حتى الظهر، وأمضينا اليوم كله نتكلم ونؤنِّب ونصلِّي ونعزّي ونبارك ونجاهد قائلين كلامًا فيه زجر وفيه سلام، ثائرين لكن جسورين، رحبي الصدر ولكن مثقلين بضيق وحزن، باكين بالدموع ولكن مستبشرين بالتعزية، وفي مخافة الله عالمون أننا نكون مخطئين إذا ضحكنا في هذه الظروف، لأن ضحكنا يجب أن يتحول إلى حزن كما هو مكتوب (يع4: 19)، ومع ذلك فإننا نفرح أيضًا في الرب كما هو مكتوب (في4: 4). نجلس مجتمعين ونقول: "أين هم أصدقاؤنا الذين كانوا يأتون إلينا من الخارج ويسموننا ملائكة؟ أين هم ليروا شرورنا ومكرنا وكل أعمالنا الشريرة؟ يروننا نسلك بدون لياقة، الواحد في عداوة للآخر بسبب كبريائنا وجهلنا، وقد عصينا الكلمة المكتوبة: «فلنعكف إذًا على ما هو للسلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض» (رو14: 19). تارةً كنا نقول كلمات قاسية وثقيلة، وتارةً أخرى كلمات لينة وخفيفة. ننذر بغير هوادة كل واحد حتى يغفر لقريبه من له دين، ويتضع أمامه ليس عن اضطرار بل بقلب صالح، وأن يتّقي غضب الله وانتقامه على الذين قيّدهم العدو بسلاسل فشابهوا يهوذا، وعلى الذين لم يهتموا بالابتعاد عن الشر حتى يكونوا متصالحين مع الله ولم يتركوا العداوة أو يصطلحوا مع القريب. مرات عديدة أيضًا في ألمي بسببهم لم أستطع أن أقابل الذين يفدون إلينا من الخارج، ولولا أنني وجدتُ، ببركة الرب، بعض الآباء الشيوخ الموجودين معنا الآن فأرسلتهم لكي يستقبلوهم ويُقنعوهم بكل شيء؛ لكنتُ قد أعثرتُ الكثيرين من جهتي كما لو كنتُ قد احتقرتهم، بينما لم يكن في داخلي شيء من ذلك، ولكنني كنتُ أرغب أن أراهم أكثر مما كانوا هم يرغبون أن يروني أنا غير المستحق. كنتُ أجلس مع الآتين إلينا ثم أتركهم لأدخل إلى الدير لكي أقرر ما يُتّبع بشأنهم، وكنتُ أضطرب حزنًا كالتي تتمخض في الأوجاع، لأنني ذاهبٌ بعيدًا عن الذين جاءوا إلينا لكي أقرر مصير هؤلاء التعساء. وأخيرًا، انتهيتُ إلى قرار بحزن قلب، ولأجل خلاص كثيرين قلتُ، وكل الإخوة يسمعون، إننا لا نرى أن نفعل شيئًا آخر سوى أن نفصل الخاطئين عن القديسين كما فعل الرسول مع بعض الناس القساة القلوب الذين عصوا قديمًا. ولذلك فقد افترق عنهم الرسول القديس وأبعد الإخوة عنهم، وهكذا كان يكلّم الذين يستحقون أن يسمعوا، أما أعداء الله المقيمين في عصيانهم وغير التائبين المصرّين والمجاهرين بشرورهم؛ فما كان يقول لهم شيئًا لأنهم لم يكونوا مستحقين متذكرًا قول السيد: «لا تُعطوا القدس للكلاب» (مت7: 6). وهؤلاء وأمثالهم هم الذين قال لهم: «دمكم على رؤوسكم» (أع18: 6). وأنتم يا أحباء المسيح، أتريدون أن تعرفوا قلوب الذين يحبون الله لكي تكتشفوا جمال نفوسهم المملوءة من الروح القدس في كل عمل صالح؟ راقبوا شقوق الصخور المملوءة باليمام والأماكن التي تسكنها. هذه الشقوق هي المساكن الوحيدة للصغار، وهي لا تتركها وحدها لأن قلبها مثل قلوب الأصدقاء الأمناء. إنها واحدٌ مع السيد المسيح، الجحر الذي يفيض عسلاً، لأن الصخرة هي المسيح ولم ينفصلوا عنها. وهو يقول: "إنه أشبعهم عسلاً من صخرة، وزيت شفاء لغليلهم من الحجر الجلمود" (انظر مز81: 16؛ حك11: 4)، فما هو العسل إن لم يكن هو المسيح؟ وما هو الزيت إن لم تكن النعمة التي بها يخلص المسيحيون؟! إذا اختلط الماء بالنبيذ يصبح واحدًا معه، وأيضًا رجل الله إذا اشترك مع الروح القدس يصير معه واحدًا! ومن هي التي يقول عنها المتكلم في سليمان: «يا حبيبتي يا جميلتي .. يا حمامتي» (نش2: 10و14) إن لم تكن الكنيسة التي تلد المسيحيين الذين يشبهونها؟! وعنها أيضًا قيل: «واحدةٌ هي حمامتي كاملتي الوحيدة لأُمّها عقيلة (أو مختارة) والدتها هي» (نش6: 9)، ثم يقول أيضًا: «قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي يا حمامتي في محاجئ الصخر في ستر المعاقل» (نش2: 13و14)، وهذا يشير إلى الذي في البهاء الذي هو إشراقة النور الذي جاء إلى العالم، أي المسيح، فقد كتب موسى في الناموس عن جماله ومجده ونعمته وقوته. وقال أيضًا سليمان: «أنتِ جميلةٌ يا حبيبتي كترصة حسنة كأورشليم» (نش6: 4)، وأيضًا: «ها أنتِ جميلة يا حبيبتي، ها أنتِ جميلة، عيناك حمامتان» (نش4: 1)، ويعني بذلك الأنبياء والرسل المملوءين من الروح القدس. وقال أيضًا: «ثدياك كخشفتي ظبية توأمين» (نش4: 5)، وأيضًا: «صرّة المرّ حبيبي لي، بين ثدييَّ يبيت» (نش1: 13)، ويعني بذلك العهدين القديم والجديد المملوءين بكلام الله. يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
عظة عن أعياد الشهداء للانبا شنودة رئيس المتوحدين جميلٌ جدًا أن يذهب الإنسان إلى مقر الشهيد ليصلِّي ويقرأ ويُنشد المزامير ويُطهِّر نفسه ويتناول من الأسرار المقدسة بمخافة المسيح. أما من يذهب ليتكلم ويأكل ويشرب ويلهو، بل ربما يزني، ويرتكب الجرائم نتيجة إفراطه في الشرب والفساد والإثم، فهذا هو الكافر بعينه! وبينما يكون البعض في الداخل يرتلون المزامير ويقرأون ويتناولون، إذ بآخرين في الخارج يملأون المكان بآلات الطبل والزمر، في حين أن «بيتي بيت الصلاة يُدعَى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص» (مت21: 13). لقد جعلتموه سوقًا لبيع العسل والحليّ وما أشبه ذلك، وجعلتموها موالد ومكانًا لتدريب بهائمكم وسباق حميركم وخيلكم. جعلتموها أماكن لسرقة ما يُعرَض فيها للبيع. وبعد جهد يحصل بائع العسل على بعض الزبائن المتشاحنين، أو يستخلص لنفسه شيئًا من الفائدة نظير أتعابه. وحتى الأمور التي لا يمكن أن تحدث للباعة في الأسواق العامة تحدث لهم في أعياد الشهداء! يا للغباء! هل تذهبون لمواطن الشهداء لكي تفعلوا كل ما يروق لكم؟ فأيّة فائدة تعود على بيوتكم التي في مدنكم أو قراكم؟ يا لعقولكم المغلّقة! وإذا كانت بناتكم وأُمهاتكم يعطّرن رؤوسهن ويكحّلن عيونهن ويتجمّلن لخداع الناس الذين ينظرون إليهن، وإذا كان أبناؤكم وإخوتكم وأصدقاؤكم وجيرانكم يفعلون هكذا عند ذهابهم إلى مواطن الشهداء، فلماذا جعلتم لكم بيوتًا؟! كثيرون يذهبون إلى تلك الأعياد لإفساد هيكل الرب، ولكي يجعلوا من أعضاء المسيح أعضاء للإثم والفجور بدلاً من أن يحفظوا لها قداستها وطهارتها من كل رجس، سواء كانوا رجالاً أم نساء ...! يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
عظة على القيامة والتوبة للانبا شنودة رئيس المتوحدين يا لعمق هذه الأعجوبة التي لا يمكن قياسها! فالعظام المتناثرة والتي أحرقتها النيران، الأجساد التي أكلتها الوحوش أو الطيور الجارحة، وتلك التي أنتنت في جوف الأرض، كلها سوف تسمع صوت ابن الله وتجتمع مع غيرها، كلٌّ منها مع ما يخصه، فيغطيها اللحم والمفاصل، ويُبسط الجلد عليها، وتدخل فيها الأرواح، وهكذا تحيا وتقوم في حضرة الذي يأمرها كما قال حزقيال النبي: «... هكذا قال السيد الرب لهذه العظام: هانذا أُدخل فيكم روحًا فتحيون، وأضع عليكم عصبًا وأكسيكم لحمًا ... فتحيون وتعلمون أني أنا الرب ... فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيشٌ عظيمٌ جدًا جدًا. ثم قال لي: يا ابن آدم، هذه العظام هي كل بيت إسرائيل، ها هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا قد انقطعنا ... هانذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي ... وأجعل روحي فيكم فتحيون وأجعلكم في أرضكم» (حز37: 1-14). ها هو أمر الله الذي سوف يجعل الأموات يقومون في الحال. ولاحظوا أيضًا تجاسركم أيها المقيمون في خطاياكم! يا لعمى القلب الذي يسيطر علينا! كل عظمة يابسة سوف تعرف العظام الأخرى وتقترب منها دون أن تختلط بعضها ببعض، ثم تكسوها المفاصل ويغطيها اللحم وينبسط عليها الجلد ويدخل فيها روح فتحيا. ونحن حتى الآن لا نطيع فيبتعد كل منا عن أعماله الشريرة التي يتمرغ فيها، مثلنا مثل عظام يابسة مرفوضة في القبور. سوف تكتسي العظام اليابسة، ومع ذلك فإن المشاعر والأفكار الصالحة والإيمان قد يبست عند كل الهراطقة، سقطت على الأرض مثل أوراق. يدخل الروح في جميع الأموات فيحيون (انظر 1كو15)، أما روح الله القدوس فيبتعد عن الوثنيين والهراطقة، إذ قد خنقهم روح شرير في عدم إيمانهم وتجديفهم على الله وعلى مسيحه، وكل أعمالهم المكروهة الأخرى. هكذا يقوم الجميع من أول بار، وهو هابيل الذي قتله قايين، حتى الذين يموتون إلى انقضاء الدهر. إنكم أنتم الذين تعبدون الأباطيل في عماكم أكثر من اليهودي الميت في شر أبيه الشيطان، ذلك الذي لم يكفه أن يكون عثرةً، بل إنكم حتى الآن تجدّفون على الرب يسوع كما شتموه هم أيضًا في ذلك الزمان بكلامهم وخيانتهم، كلامهم المملوء حقدًا حينما كان معلّقًا على الصليب لأجل خطاياهم. ألم يقل الرب يسوع بغضب لهؤلاء ولكل الذين لا يؤمنون به في كل زمان: «أنتم من أبٍ هو إبليس» (يو8: 44)؟ لأن هذا جاء منتفخًا في مدحه لذاته قائلاً إنه سيكون مساويًا لله وشبيهًا بالعلي، وما كان يدري أنه هابطٌ إلى الجحيم كما هو مكتوب. الذين يجدفون على الله ومسيحه جاءوا وهم مرتفعو القلوب يغشاهم عنفهم وعدم تقواهم، يتعالون على المسيحيين حاسبين أنفسهم مساوين لهم في الصلاح بينما هم كفرة لا يعرفون أن الرب يسوع سوف يتتبعهم كراعٍ، فهو يتبع الذئاب ويُبعدها عن حظيرته حتى يذلّها ويطردها من وسط شعبه. قال الشيطان: "سوف أتساوى مع الله"، ومنه تعلّم غير المسيحيين أن يقولوا للمسيحيين: "ابتعدوا عنا لأننا أطهار"، بينما هم نجسون. إن قطيع الغنم المبارك ينصت إلى صوت الراعي الصالح يسوع وهم يتبعونه في كل عمل صالح كما قال: «خرافي تسمع صوتي». ولكن الأشرار ينصتون إلى أفكار العدو الغريب ويتبعونه في كل غش. لقد تواضع الرب يسوع وأخذ شكل العبد مع أنه سيد الخليقة، فكما هو مكتوب إنه تواضع وأطاع حتى الموت. هكذا أيضًا تبع المسيحيون تعاليمه! يبدو الإنسان حسنًا في عيون الذين ينظرون إليه ما دام حيًا في الجسد، ولكنه يكون قبيحًا للغاية في عيون الذين يرونه ميتًا ومُلقى في القبور. هكذا الإنسان أيضًا يكون حسنًا أمام الله إذا رآه يحيا في البر، ولكنه يكون قبيحًا للغاية أمامه إذا رآه ثابتًا في خطاياه. الخطاة الذين هلكوا وسقطوا على الأرض الواحد تلو الآخر بسبب الشرور ويُقضَى عليهم جميعًا، هم مثل أجساد ميتة تلاشت أعضاؤها وسقط منها الواحد بعد الآخر، مثل أعضاء الذين ماتوا في الخطية وهم في فم الشرير، ومثل أعضاء الأجساد الميتة في أفواه الحيوانات المتوحشة. مَنْ هو الإنسان الذي يرضى أن يموت قبل نهاية الأيام التي حدّدها الله لحياته؟ إنه ذاك الذي يدوم في شروره ولا يريد أن يتحرر منها برضاه الكامل، فهو يحب الموت وهو في كل شر، وسيُجازَى حسب أعماله. الذين يعيشون في يُسر لا يرغبون أن يعيشوا ضعفاء في الشيخوخة، هكذا أيضًا المؤمنون، فإنهم لا يرغبون في الحياة إلاّ في الحق وفي كل برّ إلى اليوم الذي يقفون فيه أمام الله الذي يجازي كل واحد حسب أعماله بالعدل والحق، لأن سيدنا يسوع المسيح مات لأجلنا لكي نقوم من بين الأموات ليس فقط بالجسد في اليوم الأخير؛ بل أيضًا لكي نقوم الآن من موت الخطية. هب أن واحدًا من القديسين القدماء حضر الآن وقال لبعض الأموات الذين مكثوا زمانًا طويلاً في مكان دفنهم وانحلّت أجسادهم: "قوموا" فنهضوا أحياء، لكن بعضهم مجّد صنيعه واستنكره البعض الآخر، تُرى ماذا يفعل؟ أخال أنه يمنح الذين يستحقون أن يكونوا في حياة سعيدة، وأما النجسون فيكسوهم بالخزي ويسلّمهم إلى الموت مرةً أخرى. هكذا الذين ماتوا في الخطية، فإنهم بعد أن عاشوا طويلاً في الشر وأضاعوا حياتهم في كل نجاسة، قد يحدث أن يقوموا من موت الخطية بأمر الذي مات لأجلنا وقام. ولكن البعض يدوم في التوبة ممجّدًا الله من أجل خلاصه ومن أجل البركة، ويُمسي البعض الآخر جاحدًا لا يعرف مَنْ هو الذي أحسن إليه وما هو الشرف الذي يمنحه الرب يسوع للذين أكرموه في آلامهم الحقيقية فيمنحهم الحياة الأبدية ولا يموتون في الخطية فيما بعد، بل يعيشون أيضًا في البرّ ويقومون جسديًا لكي يحيوا إلى الأبد. وكم يكون الازدراء الذي سوف يُعاقَب به الآخرون الذين يسلّمهم مرةً أخرى لنجاستهم، فيُسلَّمون إلى الجحيم بسبب خطاياهم في يوم القيامة. مَنْ من الذين يخافون الله يرى أمواتًا في قبورهم ولا يحزن؟ بل مَنْ من الأنبياء والرسل يرى الأشرار وقد ماتوا في شرورهم ولا يحزن عليهم؟ مَنْ من الذين أخطأوا يسرُّه الذهاب إلى الجحيم بعد القيامة من الأموات؟ مَنْ من الذين قاموا من موت الخطية وتابوا عن كل شرورهم يُسرُّ بالعودة مرةً أخرى إلى شروره؟ ومَنْ من الذين يستحقون رحمة الله العلي لا يرغب في الدخول إلى الحياة عند القيامة من الأموات؟ مَنْ من الذين يخافون الرب الذي أقامهم من بين الأموات لا يريد أن يستمر في كل عمل صالح؟ مَنْ لا يقول: "نجسٌ هذا الكلب الذي يعود إلى قيئه مرةً أخرى"؟ من ذا الذي لا يقول: "مكرهةٌ عند الله أن الإنسان بعد أن يعتمد باسم الثالوث الأقدس يعود مرةً أخرى إلى خطئه وعدم إيمانه"؟ الويل للذين لا يؤمنون بالله ومسيحه ولم يتوبوا بعد! الويل للسحرة! الويل للذين يأخذون جسد الرب ودمه دون أن يكونوا قد تحرروا من أعمالهم الشريرة! الويل للذين يستهزئون بأسرار الله أو بأعمال البرّ التي يمارسها المسيحيون! الويل لكل مَنْ ينال المعمودية المقدسة التي لربنا وهو ذو قلبين! الويل لمن يقبِّل يده وهو يقول: السلام لكِ أيتها الشمس، كن منتصرًا أيها القمر! مبارِكًا بذلك المخلوقات وممجّدًا إياها أكثر من الخالق، في حين أنه يجب أن يعطي المجد لله القادر على كل شيء الذي صنعها لكي تُنير الأرض! الويل للذين يُشعلون المصابيح في أي عيد إكرامًا للأباطيل ويبخرون باسم الأشباح! لو كان هؤلاء الناس يستحقون أن ينالوا معرفة خالقهم لكانوا يُنصتون لخادمه إذ يقول: «لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس شياطين، لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين» (1كو10: 21). أقول للذين يقولون إننا مسيحيون وللذين يُغضبون الرب: "ألم يكفكم الزمان الذي قضيتموه في جهلكم"؟ البيت المبني على الرمال لا يثبت إذا هبّت عليه الرياح الشديدة، ومَنْ كانت كلمة الله ليست ثابتة فيه يعثر إذا أصابه حزن أو اضطهاد وقد لا ينجو من نكران إيمانه. وقول الكذب بدلاً من الحق برياء وبمحاباة ألا يكون ذلك إنكارًا للإيمان؟ أي شيء أفضل من الاعتراف بالرب يسوع؟ فإنه حتى لو فقأوا عينيك أفلا تقوم في القيامة ولك عينان؟ يكفي أن يعترف بك الرب أمام ملائكته. فماذا تخشى إذن؟ هل تخشى أن تعترف بأمور تشهد الكتب المقدسة نفسها لها؟ فحتى لو ضربوا عنقك، فإنك سوف تقوم من بين الأموات ورأسك موجودة على كتفيك. ولو قطعوا كل عضو فيك، فستقوم دون أن ينقصك أصبع واحد في يدك أو قدمك. نعم، إنك ستقوم من بين الأموات جسدًا روحانيًا! إذا كنتَ تذكر الألم والحزن الذي سبّبه لك الأشرار، فتفكر فيما قاله الرسول: «إني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستَعلَن فينا» (رو8: 18). يكفيك أن ترى هناك جميع الذين احتُقروا أو قُتلوا من أجل الرب يسوع، ولا سيما الرسل والأنبياء الأبرياء. وذلك مثل يوحنا المعمدان الذي قطع هيرودس رأسه بعد أن ألقاه في السجن بسبب حبّه لامرأة شريرة وابنتها، وميخا الذي ضربه الأنبياء الكذبة بأمر ملك شرير، وإرميا وإسطفانوس الذي رجموه وقتلوه ...! يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
عظة على يوم الدينونة الرهيب للانبا شنودة رئيس المتوحدينما هو جزاء الذين يتجاسرون على عمل الشرور؟ معرفتهم رماد وحكمتهم ضلال، فبماذا يُجيبون في يوم الدينونة؟ أيقولون: «باسمك تنبّأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة» (مت7: 22)؟ لكنهم سيسمعون: «إني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني» (مت7: 23). أَليس ذلك هو بسبب شرورهم التي يرتكبونها سرًّا دون أن يعلم أحدٌ بها إلاّ الله؟ فلنطرد عنا كل مكر قبل أن يدين الله الخفيات. عندما نمثل أمام محكمته، هل نستطيع أن نهرب من قوله: لا أعرفكم؟ إنه لا يقول عن الخطاة المعروفين؛ بل إنه يقول: «كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم ...»، ليس من الذين لا يعرفونه، بل من الذين يمجدون أنفسهم باسمه! لأن القش والزوان وما ينظر إليه الناس كأنه قمح في حين أنه قش، كلها معدّةً للنار. كثيرون سيقعون في يد الرب يسوع المسيح من الماكرين والمرائين الذين شبّههم بالقبور المبيضة، فهي جميلة من الخارج، أما داخلها فمملوء من كل نتانة ونجاسة. ماذا يُجدي الاسم والزي بدون الطهارة؟ أين هي الثمار التي تليق بها؟ أعني الفضائل المسيحية التي تمجد الملك المسيح؟ لأن الأسماء والثياب والتيجان لا يصل بهرجها إلاّ إلى ساعة الموت فقط. فلا شيء منها يمكنه أن يُعيننا، لأننا نحن الذين نحمل الاسم والملبس سنرجع أمام الله قبل كل إنسان، وحتى الملوك وكل كائن من العظماء. لأنه كما أن الأغنياء، سواء كانوا أبرارًا أو أشرارًا، يتركون خيراتهم ويذهبون إما ليفوزوا برحمة الله لأنهم كانوا رحومين، أو ليحق عليهم العقاب لأنهم لم يكونوا محبين للناس. هكذا نحن، فإننا سوف نتخلّى عن الاسم والزي، وإذا كنا قد عملنا ما يليق أثناء حملنا إياها فسوف نأخذ أجرًا، وإن كنا قد عملنا ما لا يجب فسوف يُحكَم علينا. ففي المكان الذي نتطلّع إليه لا يرتفع إنسان بسبب الاسم أو الزي، فالمرتفعون هم الذين ترفعهم أعمالهم الحسنة. أما إذا قلنا إنهم مرتفعون بالاسم، فإنما نقول ذلك لكي نُقنع أنفسنا. فإن كنا نكمل حياتنا حسنًا مثل كل الذين يصنعون إرادة الله، فإننا نكون مرتفعين بالأعمال مع الأنبياء والرسل وجميع القديسين. إنهم هم فقط الذين تمموا أعمالاً تميّزهم وسيكونون مطوّبين، أما الذين يهملون ما اؤتُمنوا عليه ويتممون ما هو مكروه وغير مسموح به فسيكونون ملعونين. لا يوجد ملك ولا قوة ولا شخص ينتمي إلى الجنس البشري يحكم في السموات سوى الله ومسيحه الرب ملك السماء والأرض. والمستحقون بأعمالهم الصالحة سيملكون الحياة في الدهر الآتي. الذين ماتوا مع المسيح هم الذين سوف يحيون من جديد مع المسيح. الذين تألموا مع المسيح هم الذين سوف يمجَّدون معه. الذين تألموا ليس بالاسم فحسب؛ بل أيضًا في الإيمان والأعمال وفي كل التجارب هم الذين سيكونون ملوكًا مع المسيح لا مساوين له لأنه إله وملك. إذا كنا أولاد الملك المسيح فسنملك أيضًا معه. هل يوجد ملك أفضل ممن سوف يجد رحمةً أمام الرب يسوع وبالأخص الذين يرثون ملكوته؟ لأن مَنْ ذا الذي يرث ملكوت السموات دون أن يكون ملكًا؟ هل يملك أحدٌ إلاّ الذين ليس لهم سيد سوى المسيح يسوع وأبيه؟ هل يوجد ملكٌ آخر إلاّ الذي ينجو من الغضب الآتي؟ أيكون ملكٌ آخر إلاّ الذي ملك حياة الدهر الآتي؟ الإنسان يكون ملكًا ليس لأنه يرى وجه ملاك مسرورًا أو وجه قديس فحسب؛ بل لأنه يرى جابلنا وجهًا لوجه، الرب الملك المسيح وابن الملك. إنها أثمن رؤية، لأنه لا يوجد ملك خارجًا عن هناك، لأن الذين يستحقون أن يروه في مجده هم الذين سيتمجدون به. لكن مَنْ هم الذين سوف يصلون إلى هذه المراتب إلاّ الذين تجنّدوا في الخدمة العسكرية جنودًا للملك المسيح؟ لقد أخذوا درع الإيمان وذهبوا إلى المعركة. حاربوا كل إثم حتى لا يتسلّط عليهم. إنهم أحرار من عبودية الخطية، وهم الذين سيكونون أحرارًا من كل الآلام، أما عبيد النجاسة والشر فحالما يفصلهم الموت عنها تتسلّط عليهم كل الضيقات. لماذا تمسّكنا بكل أعمال التقشُّف التي نتخذها على عاتقنا؟ لكي لا نجعل أنفسنا غرباء عن الله وعن مسيحه من أجل مسرة أو إغراء زائف أو شر. وإذا كان الله يحول وجهه عنا فلن ينفعنا شيء في حياتنا أو عند مثولنا أمام محكمته. إذا كانت الخطية تجد موضعًا في أناس قبل النعمة أو التكريس، فهذا أمر هين، لأنه لا يصعب عليهم أن يتطهروا منها إذا تابوا. ولكن إذا كان الشر يتسلّط على الإنسان بعد التكريس والنعمة والاسم الذي دُعيَ به والمكان المقدس الذي سكن فيه، فيصعب عليه أن يهرب منه، وأصعب منه أن يهرب من غضب الله. إنه يكون على شاكلة يهوذا الذي بعد أن دُعيَ رسولاً وبعد أن حُسب مع الأحد عشر رسولاً، وبعد أن أخذ الخبز دخله الشيطان ووضع في قلبه أن يسلِّم سيده، فحقّ عليه العقاب الأبدي هو والذين سلّم الرب يسوع إليهم، أي رؤساء الكهنة والكهنة وكل مَنْ وضع يده على الرب لكي يغتاله مثل الحيوانات المفترسة. ألستُ أقول ذلك باختصار وأبكي على هؤلاء الأشقياء لأنهم الآن في العذاب وهم كارهون أنفسهم بالأكثر بسبب ما فعلوه، وقد لعنوا أنفسهم في عمى قلوبهم؟! وأتكلم أيضًا عن قلوبهم الدنسة والشباك التي ينصبونها التي هي تعاليمهم والأوامر التي أصدروها باحثين عن قتل الرب، لأنه يوجد شيء واحد ينصب به الصياد شباكه، إنه مكره. وهكذا يقول إرميا النبي: «ماذا وجد فيَّ آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني» (إر2: 5)؟ لأن بني إسرائيل ابتعدوا عن الله مرات كثيرة، مرةً بعبادة الأصنام، ومرةً أخرى بقتل القديسين، وأخيرًا وضعوا أيديهم على ملك الكون مظهرين شرهم وأفكار رؤسائهم الرديئة! يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
عظات أسبوع الآلام عظة باكر الاثنين من البصخة المقدسة يا إخوة، إن كنا نريد الآن أن نفلت من عقاب الله ونجد رحمةً أمامه، فلنجلس مساء كل يوم منفردين وحدنا عند كمال النهار، ونفتش ذواتنا عما قدمناه للملاك الذي يخدمنا (أي الملازم لنا) لكي يُصعده إلى الرب. وأيضًا إذا انقضى الليل وطلع النهار، فلنفتش ذواتنا ونعلم ما الذي قدمناه للملاك الموكّل بنا ليُصعده إلى الله، ولا نشكّ البتّة، لأن كل إنسان ذكرًا كان أو أنثى صغيرًا أو كبيرًا اعتمد باسم الآب والابن والروح القدس جعل الله له ملاكًا موكلاً به إلى يوم وفاته، لكي يُصعد إليه كل يوم أعمال الإنسان الموكل به الليلية والنهارية، ليس لأن الله غير عارف بأعمالنا، حاشا، بل إنه أعلم بها بالأكثر، كما هو مكتوب أن عيني الرب ناظرةً كل حين في كل مكان على صانعي الشر وفاعلي الخير. إنما الملائكة هم خدّام قد أقامهم خالق الكل لأجل المزمعين أو يرثوا الخلاص. (فلنختم موعظة أبينا القديس أنبا شنودة الذي أنار عقولنا وعيون قلوبنا باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آميـن) عظة الساعة التاسعة من يوم الاثنين من البصخة المقدسة والآن أيها الإخوة، لنمتحن أفكارنا وأعمالنا، ولنتأمل ماذا نفعل قبل أن يبطل كل التعليم وكل عمل صالح ولا ننتفع شيئًا ... في المكان الذي سنذهب إليه سواء كان عملنا قليلاً أو كثيرًا. لماذا، إذن، نرتكب كل هذه الآثام؟ وإن كنا قد ارتكبناها فلماذا لم نتُب ونظل غير مستأهلين لنعمة المسيح هذه التي خلّصت عددًا لا يُحصَى؟ أي عمل تراه ثقيلاً أو صعبًا مما أوصانا به السيد؟ ما هو العبء الذي ألقاه السيد الرب على الإنسان الأول آدم؟ ألم يقل له: من كل أشجار الجنة تأكل ما عدا هذه الشجرة وحدها التي في وسط الجنة فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت؟ ولما خالف آدم وحواء وأكلا حرما نفسيهما من بقية أشجار الجنة.وما أحرى أن تكون الجنة وأشجارها مثل السنة التي نعيشها والصوم الأربعيني وما يجب نحو عيد القيامة الذي يُشبّه بالشجرة التي في وسط الجنة! فليجاهد كل إنسان قدر استطاعته، وحتى المرضى، حتى يباركنا السيد مع الذين جاهدوا وحتى نجد مكان الراحة في ملكوت السموات. أما الذين يخطئون في هذه الأيام المقدسة أو الذين يرتكبون التعديات فسيهلكون ... موتًا يموتون وسيشملهم الحزن والألم في جهنم. أما الذين يحتملون الجوع والعطش فطوبى لهم، لأنهم سيتمتعون بكل الأفراح والسعادة في ملكوت السموات. وينبغي أن نعلم أيضًا أن بدء الصالحات هو أن يحفظ الإنسان جسده طاهرًا، وبعد أن نكون أطهارًا فلنتمم كل عمل صالح حسبما يرشدنا الروح القدس سواء كانت هذه الأعمال عظيمة أو صغيرة، وبذلك نكون مخلَّصين وننتفع بها ... لأنهم (الأطهار) سيباركون السيد بها في الدهر الآتي إلى الأبد حينما يقومون أجسادًا روحانيةً في يوم القيامة. (فلنختم عظة ...) عظة الساعة الحادية عشرة من يوم اثنين البصخة قد توجد أعمال نخالها صالحة ولكنها رديئة عند الله، وذلك أننا نرى من يُخطئ في المواضع المقدسة ونصبر عليه مما يجعله يتمادى في الشر. لأن الرب لم يغرس في الفردوس الأشجار الصالحة وغير الصالحة بل الأشجار الصالحة فقط. ولم يغرس فيه أشجارًا غير مثمرة أو رديئة الثمر. وليس هذا فحسب؛ بل إن الإنسان نفسه الذي وضعه فيه عندما خالف لم يُهمل أمره (أي لم يحتمله) بل أخرجه منه. فمن هذا اعلموا، أيها الإخوة الأحباء، أنه لا يجب أن تكون بيوت الله المقدسة مليئة بالناس الأشرار والصالحين كما في العالم المملوء من الخطاة والظالمين والقديسين والنجسين؛ بل إن الذين يعيشون في الخطية يجب أن يُطرَدوا منها. ويجب علينا أن نقول ذلك لكل من نراه يسلك بدون ترتيب في بيت الله. أنا أعرف أن الأرض كلها للرب، فإذا كان بيته مثل باقي الأرض فما هي ميزته إذن على غيره؟ فإن كنتُ وأنا الكاهن أعمل الشر كما يعمله الأشرار على الأرض فلا يحق لي أن أُدعَى كاهنًا! لأننا مرارًا كثيرة نخطئ ولا نعرف كيف ندين أنفسنا بما نقول. لأنه لا يتجرّأ أحد أن يملأ بيتك قذارة إلاّ إذا رأى منك التهاون، ولا يتجرّأ حجّاب الملك أن يدخلوا بكل إنسان إلى بيته من حافظي مراسيمه والمخالفين لها إلاّ بأمره، ومتى فعلوا خلاف ذلك ألا يُعاقبون؟ (فلنختم عظة ...). عظة باكر يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة إنني أخبركم بأمرين: أن كل الذين يفرحون بهم في السماء بسبب توبتهم على الأرض، سوف لا يرون حزنًا ولا ألمًا في ذلك المكان العتيد أن يرثوه. وأما الذين لا يفرحون بهم في السماء لعدم رجوعهم عن خطاياهم وتوبتهم عن آثامهم على الأرض، فلن يروا فرحًا ولا نياحًا في ذلك الموضع، لأن الذين يتنعمون ويفرحون على الأرض لن يروا فرحًا ولا نياحًا في السماء. أما سمعتم قوله تعالى: «طوبى للحزانى فإنهم يتعزون» (مت5: 4)؟ وكذلك أيضًا الذين لا يفرحون على الأرض يفرحون في السموات، أما سمعتم: «ويلٌ لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون» (لو6: 25)؟ أليس هذا هو الزمان الذي فيه يلبس الضعفاء قوةً، والذي ليس بقوي يقول أنا قوي عندما يعطي قلبه للقول المكتوب؟ وكقول النبي: «كثيرون هم الذين ضعفت أجسادهم من كثرة زناهم» (حسب النص)، ولكنهم سيضعفون أيضًا في قلوبهم كما يقول الكتاب عن مثل هؤلاء: «إنه يهلك بنجاسة نفسه» (انظر مي2: 10). أما المجاهدون بشجاعة فقد قيل عنهم: «اجتهد أن تُقيم نفسك لله مزكَّى عاملاً لا يُخزى مفصلاً كلمة الحق باستقامة» (2تي2: 15). (فلنختم عظة ...).عظة الساعة التاسعة من يوم ثلاثاء البصخة فلنصنع إرادة الله، يا إخوتي الأحباء، ما دام لنا وقت أن نعمل فيه لأجل الرب. تذكروا أن الموت لا يتأخر وأن مصيرنا أن نترك العالم. أين جميع الذين كانوا قبلنا؟ هوذا جميعهم الآن يرقدون في القبور. فلنصنع ثمارًا تليق بنعمة الله التي أعطانا إياها. وعلينا نحن وجميع المسيحيين أن نتشبّه بيسوع المسيح النور الحقيقي، ولكننا نحن بشر وهو السيد ونحن عبيده. هو الراعي ونحن غنم تحت يده. هو مولودٌ من الآب ولكننا نحن خليقته. هو نور من نور، وقد مات لأجلنا نحن الخطاة وسلّم ذاته من أجلنا على خشبة الصليب لكي يُنعم علينا بملكوته. فإذا كان السيد قد استهان بالخزي ومات من أجل عبيده أفلا يكون العبيد ملزمين أن يموتوا من أجل سيدهم، وذلك لكي كما مات هو يموتون هم معه، وكما هو حي فهم أيضًا يحيون؟! (فلنختم عظة ..). عظة باكر أربعاء البصخة المقدسة أقول هذا الكلام ولا أتركه: لا تظنوا أنه بعد عزل التبن من الحنطة يحصل الخطاة على راحة. وأقول لكم كشهادة الكتب إنه وإن كان الملائكة أو رؤساء الملائكة أو القديسين يصمتون جميعًا؛ فإن لكلمة الله الحكم الكامل القاطع في اليوم الذي يفرز فيه الأشرار من بين الصديقين، في الوقت الذي يُلقَى فيه الخطاة في أتون النار المتقدة. هل تُرى الله مثل البشر حتى يجعل له مشيرًا أو جليسًا يسأله؟ لأنه ما هو الذي ينساه الله حتى يُجيبه آخَر عنه أو يسأله عن كلمة إلاّ هذا القول فقط: أن يُقال من فم واحد: "أيها الديان الحق أحكامك عادلة، أنت المعطي كل واحد حسب أعماله، فهل نحن الذين نذكِّرك بهذه الأمور، أنت الذي من عندك كل الرأفات"؟ (فلنختم عظة ...) . عظة الساعة التاسعة من أربعاء البصخة أمران أقولهما لكم: ... (أكمل من عظة باكر الثلاثاء). فإلى متى تتكاسل أيها الإنسان؟ أتوسل إليك أن تبكي على نفسك طالما تكون دموعك مقبولة، وبالأخص إذا كنتَ قد ارتكبتَ أعمالاً تستحق البكاء. فابك على نفسك وحدك مادام جميع القديسين يبكون معك لأجل خلاص نفسك. طوبى لمن امتلأ بكاءً على نفسه هنا، فإنه سينجو هناك من البكاء وصرير الأسنان الأبدي ويفرح فرحًا سماويًا. فلنتيقّظ، يا أحبائي، قبل أن يُقفَل دوننا خدر العرس وباب التوبة، ونتضرع أمام الباب فنسمع: إنني لستُ أعرفكم! كل ذلك وأردأ سنسمعه إذا تمادينا في خطايانا. (فلنختم عظة ...). عظة الساعة التاسعة يوم خميس العهد (النصف الأول من العظة هو نفسه الجزء الأول من عظة الساعة الحادية عشر يوم الاثنين) ... لهذا يجب علينا أن نخافه ونحفظ وصاياه. فإذا سقطنا في واحدة منها فلنبك وننتحب أمامه حتى إذا رأى تنهدنا واشتياق نفوسنا مثل المرأة التي بلّت قدميه بدموعها، نكون حقًا مستحقين صوته الحلو القائل: «مغفورةٌ لك خطاياك، إيمانك قد خلّصك، اذهبي بسلام» (لو7: 48و50). فقد رأيتم، يا إخوتي، أن الإيمان يؤدّي إلى الخلاص وأنها أظهرت اشتياقها إلى ذلك. إذن، فكل من ليس له اشتياق لحفظ وصايا الله وغيرة في الاقتداء بالحكماء بالروح، الذين شُهد لهم أنهم قد عرفوا الحق وقبلوا نصيحته وأعماله، والذين ليس لهم إيمان يسقطون في كل أمر رديء ويهلكون كما هو مكتوبٌ: «الرجل العاقل يقبل النصيحة ويعمل، والجاهل يسقط على وجهه» (حسب النص). (فلنختم عظة ...). عظة لقان خميس العهد فلنستح الآن، أيها الإخوة، من الذي تألم من أجلنا، ولنخف ممن اشتدّ بمنديل وصبّ ماءً في جرن وغسل أرجل تلاميذه بيديه الطاهرتين، حتى نصنع ثمارًا تستحق هذا الاتضاع العظيم الذي اتخذه من أجلنا لكي نتوب سريعًا عن خطايانا التي ارتكبناها، لأننا إن لم نتُب فسيُقال عنا في السماء إننا محبون للخطية. فماذا يكون رجاؤنا بعد أن نكون قد طُردنا من السماء وطُرحنا للحكم ورُفضنا بسبب خطايانا. إننا نُدان دينونةً مضاعفةً ليس لأننا أخطأنا بغير معرفة فحسب؛ بل لأن ما صنعناه بمعرفة كان أردأ مما صنعناه بغير معرفة، ولا لكوننا أخطأنا فحسب؛ بل لكوننا لم نتُب. لماذا لم تعرف الخراف صوت الراعي الحقيقي المحيي وتلتجئ إليه؟ ذاك الذي اشتراها بدمه وعالها وسلّم ذاته فداءً عنها، الذي أعطانا جسده لنأكله ودمه لنشربه، يسوع المسيح ربنا ومخلصنا الإله ابن الإله، الممجَّد والساكن في الأعالي إلى الأبد. (فلنختم عظة ...). يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
بعض شروحات للقديس «الله ليس إله أموات بل إله أحياء»: «الله ليس إله أموات» (مت22: 32)، فهل جميع الذين ماتوا صاروا غرباء عن الله؟ وهل جميع الأحياء هم لله؟ فإذا كان الله إله الأحياء فقط وليس هو إله الأموات فكيف إذن استطاع الرسول بولس أن يقول: «ليس أحدٌ منا يعيش لذاته ولا أحدٌ يموت لذاته، لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن. لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات» (رو14: 7- 9). لذلك، فإنه عندما يقول إنه ليس إله أموات، فهو يقصد الذين ماتوا في الدنس والنجاسة والسرقة والكذب وشهادة الزور والقتال والخصومات والحسد والحقد والعداوة وعدم الإيمان وكل أمر شرير. هكذا قال الرب يسوع: «ليس الله إله أموات بل إله أحياء» (مت22: 32)، وذلك في الطهارة والكرامة والبر وكل أمر صالح. «لو كنتم عميانًا لما كانت لكم خطية، ولكن الآن تقولون إننا نبصر، فخطيتكم باقية» (يو9: 41) «النفس الشبعانة تدوس العسل» كما هو مكتوب (أم27: 7)، وأيضًا العين العمياء لا تقبل النور بسبب ما بها من الظلام. العيون المضيئة بالنور هي التي ترى النور أو تقبله، أما العيون التي غشيها الظلام فلا تبصر وهي في ظلام، ولا يمكن أبدًا جعل العين التي فقدت نورها أن ترى النور. كذلك أيضًا لا يمكن أن ترى يسوع يفتح عيني الأعمى، ذاك الذي جاء إلى العالم لكي يرى الذين لا يرون ويبصر الذين كانوا عميانًا. قال له الفريسيون: «ألعلنا نحن أيضًا عميان» (يو9: 40)؟ فسمعوا هذه الكلمة الحزينة: «لو كنتم عميانًا لما كانت لكم خطية، ولكن الآن تقولون إننا نبصر، فخطيتكم باقية» (يو9: 41). أولاد الملك المسيح الرب هم في النور، كما هو مكتوب، ولكن الأشرار هم في الظلمة، مثل إنسان دخل مكانًا مظلمًا فيسوده الظلام حتى إن الذين ينظرون إليه لا يرونه. هكذا يكون رؤساء الأمم غير المؤمنين منذ البدء الذين انغمسوا في مكان الظلمة، أي الشيطان، وساروا في زواياه وغرفه وقد أحاطتها دوامة من كل شر، فغمرهم الظلام الدامس، مثل بيوت مبنية تحت الأرض ليس فيها شعاع صغير من النور، لأن الله قد تركهم، وهو النور الحقيقي يسوع الذي يُنير لأولاده الذين يؤمنون بالنور ويسيرون في النور في كل زمان، كما هو مكتوب. وهم يُشبّهون بإنسان أسرع خارج مكان قفر ومظلم إلى مكان منير يحيط به عدد من المدن، هكذا كان آباؤنا القدماء إبراهيم وإسحق ويعقوب مع الذين كانوا قبلهم والذين كانوا بعدهم، فقد أسرعوا جميعًا خارج الخطية التي كانت في العالم نحو المعرفة الحقيقية، وكانوا تحت ظل الرب إله السماء، وكما أن النور يُضيء الظلمة دون أن تعرفه الظلمة؛ هكذا أضحى جنسهم كله منذ البدء وإلى الآن يتألق بالأعمال الصالحة دون أن يقوى عليهم الهراطقة. «انظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد» يقول الرب: «ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد» (يو4: 35). هل يتكلم عن حقول حقيقية أم عن الشعب؟ لأنه يقول: «اطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلةً إلى حصاده» (مت9: 38). يرسلهم لكي يعلموا كل الأفكار، لأننا مكان حرث للرب للحياة الأبدية، وأيضًا نحن كرمة كما قال: «كان لسليمان كرم» نش8: 11). وتوجد شواهد كثيرة في الأسفار المقدسة تبين أننا نحن الكرمة، كما أن السيد المسيح يعلّمنا أنه أخذ الكرمة من الكرامين الذين لم يعطوه ثمرها وأعطاها لآخرين يعطونه ثمرها في حينه. إنها شعبٌ تعلّم من معلّمه المسيح، وهي أيضًا تنشر التعليم وتعلّم الجموع الجاهلة، وهي تتنبّأ وتبشر البعيدين والقريبين أيضًا. إنها راعية ترعى الناس بكلمتها التي يوحي بها الله إليها إذ تصرخ إليه قائلةً: "ارع شعبك بعصاك، قبائل ماعز ميراثك، إنها تبقى من تلقاء نفسها في الغابة". وعن الخراف يقول السيد: «خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني»، وأيضًا: «لي خرافٌ أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا» (يو10: 27و16)، فيهم الطبيب والراعي كقول الكتاب: «وضع الله أناسًا في الكنيسة: أولاً رسلاً ثانيًا أنبياء ثالثًا معلمين ... مواهب شفاء ..» (1كو12: 28)، وتلاميذ كقول السيد: «ليس التلميذ أفضل من المعلّم .. يكفي التلميذ أن يكون كمعلّمه» (مت10: 24و25)، وعن الباب الذي يدخل منه الكثيرون إلى الحياة يقول: «أنا هو الباب، إن دخل بي أحدٌ فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى» (يو10: 9). فالكنيسة حصنٌ له سورٌ يحميه حوله وأمامه مصنوعٌ من الفضة كما هو مكتوبٌ أنه حصنٌ تحيط به حاميات من الفضة، وهي أختٌ كما قال الرب: «من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأُمّي» (مر3: 34). وهي حبيبة كما قال السيد: «أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به. لاأعود أسميكم عبيدًا ... لكني قد سميتكم أحباء» (يو15: 15). ويقول عنها أيضًا ما قاله لإبراهيم: «قد جعلتك أبًا لجمهور من الأمم» (تك17: 5) الذين قال عنهم: «هلم أيها البنون استمعوا لي فأعلّمكم مخافة الرب» (مز34: 11)، ويقول الرسول أيضًا: «يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم» (غل4: 19). إنها هي الكنيسة الجامعة التي تسير في الطريق الحقيقي للرب، والتي سوف يدخل بها جموعٌ إلى الحياة. هي نور يسير في النور الذي جاء إلى العالم الرب يسوع، وسوف يسير الناس في نورها كما هو مكتوب: «أنتم نور العالم» (مت5: 14)، وهي تدعو الناس للسير حسب كرامة السيد، وهي أيضًا مدعوةً لكي تسير في كرامة الخدمة التي دُعيت إليها بكل تواضع وطهر. وهي ذبيحة كما قال الرسول بولس: «أطلب إليكم ... أن تقدّموا أجسادكم ذبيحةً حيّةً مرضيةً عند الله» (رو12: 1). وهي مملكة وكهنوت وأمّة مبرّرة وشعب للحياة (انظر1بط2: 9) حسب المكتوب أنها دائمة إلى الأبد مع الآب والابن والروح القدس. وقيل في الكتب أيضًا إن الرب هو خطيبها البكر والحبيب والسيد، هي الخراف وهو الراعي، هي الذبيحة وهو رئيس الكهنة، هي الكرمة وهو الجبل، هي نهار وهو الشمس، وهو الأول والآخر. ومن يقرأ بقية الشهادات في الكتب بتمعُّن يستطيع أن يفهمها. بخصوص بيوت الله: إذا كنا ندنس الأماكن المقدسة ونتصرف فيها بإهمال، فالويل لنا في دخولنا وخروجنا، لأنها أماكن جميلة في طولها ومقاساتها وكل ما فيها، ويجب أن يسكنها أناس تكون مقاسات قلوبهم وأرواحهم جميلة. إنها أماكن المسيح. وجيدٌ أن يُزيَّن خارجها والأفضل منه أن يُزيَّن داخلها. إنني أشير بخارجها إلى الطوب والحجارة والخشب وبقية المواد التي يتركب منها بناؤها، وأشير بداخلها إلى الشعب الذي يسكن فيها أو يدخل إليها. وهكذا قيل: «كونوا أنتم مبنيين كحجارة حيّة بيتًا روحيًا كهنوتًا مقدسًا» (1بط2: 5). فإذا كان البيت كاملاً، فإن سكانه يعيشون في انسجام كامل مع الذين يدخلونه، فيتقدمون ويظهرون أبرارًا وأطهارًا في بيت الله الطاهر ويصبحون خير قدوة وأفضل مثال للجموع الأخرى. أما إذا دخلتَ لتسرق وتنهب، فهل تظن أنك تُعطىَ كأس ماء في الأماكن السماوية وأنت سارق في هذه الأماكن؟ فإن لم تكن أمينًا في الأماكن التي تدخل إليها والتي سوف تتركها أيضًا، فكيف تكون أمينًا في الخيرات المستديمة؟! لا يسكن أحدٌ في بيت قبل أن يُبنى، ولا توضع فيه أشياء ضرورية أو أشياء من الذهب والحجارة الكريمة إلاّ إذا شاهده الإنسان عن كثَب وعاينه باهتمام سائلاً نفسه إن كان يصلح للتأثيث أم لا. ولن يُقال إنه بيت أو بيوت لله قبل أن تُبنى. وإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن نعرف متى يسكن المسيح في الإنسان ومتى لا يسكن ..! إذا كان قبيحًا أن يُقال عن بيت قذر إنه بيت الملك، وهو لن يُحسَب أبدًا ضمن بيوت الملك؛ فمن ذا الذي يقول عن إنسان نجس إنه بيت المسيح؟! بيوت الملوك جميلة ولا تُنسَب البيوت غير اللائقة للملوك، هكذا أيضًا يُنظَر إلى الذين ليسوا هم لله ..! هل هو أمرٌ بسيط أن يُرفَع حجرٌ ثقيلٌ إلى مكان عالٍ لكي يوضع فوق عامود؟ هكذا أيضًا فمن الصعب أن يُبعَد الجاهل عن أهوائه الحقيرة، فإن هذا هو أكثر صعوبةً من رفع الشيء الثقيل، فهو يحتاج إلى تعب وجهد حتى يعود إلى طاعة المسيح لكي يجد رحمةً في يوم شدّته. ينظر الناس إلى الزينة الخارجية للبيوت، ولكن الرب يسوع ينظر إلى الزينة الداخلية! ما هو المكان الذي لا يملأه الرب يسوع في السموات وعلى الأرض وبالأحرى بيته؟ ولكنني أقول أيضًا إن البيت الظاهر هو البيت المعدّ للناس ليسكنوا فيه، ولكن الداخل هو ملكٌ للمسيح ليسكن فيه. إن الناس يصيرون غرباء عن المسيح إذا جعلوا بيته غريبًا عنه بالدنس. إن الله لا يسكن في بيت لنفسه ولا يعوزه مكان سكن، فإن سماء السموات هي كرسيه. وإن كان سليمان بنى له بيتًا، و«لكن العلي لا يسكن في مصنوعات الأيادي ... أي بيت تبنون لي يقول الرب وأيٌ هو مكان راحتي؟ أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها» (أع7: 48-50)؟ ولكنه يسكن فيها من أجلنا إذا كنا أطهارًا! إذا كان الله لم يرحم الذين كانوا يدنسون المكان الذي يقدمون فيه العجول والماعز والعصافير، فهل يرحم الذين يدنسون المكان الذي يقدمون فيه له جسد ودم ابنه؟! إنه حقًا يصبر علينا. وإذا كان هذا الشعب قد احتاج إلى القصاص من حين لآخر، فهل ننجو نحن الآخرين، أم أننا نحتاج أن يؤدبنا مرات عديدة؟ وإذا كنا نهرب منه في هذا المكان فإلى أين نهرب منه في ذلك اليوم؟! إن الإنسان سوف يصير بارًا يتمتع بجمال البيت وتناسق بنائه، ونحن أيضًا نصير كذلك، بل إننا سوف نخلص إذا كنا نحفظ البر ونطيع كتبه وقوانينه. «بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله» (أع14: 22): إن كنتَ تخشى السهام فلن يمكنك أن تقف في المعركة، ولكنك سوف تُهزَم. وإذا كنتَ تخشى استهزاء الناس فلن تستطيع أن تفصِّل كلمة الحق باستقامة، ولكنك سوف تلبس ثوب الرياء كما يفعل كثير من الضعفاء عندما يُصيبهم جرحٌ أو ضربة. فإذا كنتَ تخاف من أن تُجرَح يدك أو رجلك أو أي عضو آخر في جسدك، فلا تقدر أن تجاهد حتى تأخذ الإكليل، لأنه «إن كان أحدٌ يجاهد لا يُكلَّل إن لم يجاهد قانونيًا» (2تي2: 5). فلماذا تخاف من أن يقول الناس كلامًا رديئًا ضدك؟ إن الذين لا يخشون من الوقوع بين يدي الله، وبدلاً من أن يقولوا الحق يكذبون، فإنهم يخجلون من الناس أكثر من الله، ويترجون مجد الناس أكثر من مجد الله. الجندي له أسلحة ويمكنه أن يُلقي السهام، وأنت أيضًا احمل الحق حتى تقول لك كلمة الله: «عدله يحيط بك كالسلاح، فلا تخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار» (مز90: 4و5 الترجمة القبطية). إذا أردتَ أن تُطفئ نارًا بسرعة فاسكب عليها ماءً، فخذ «ترس الإيمان الذي به تقدر أن تُطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة» (أف6: 16). الجندي له منطقة يلبسها في المعركة، وأنت أيضًا أُعطيتَ منطقة الحق لكي تتمنطق بها، وفوق كل شيء تشجّع لأنك لبستَ المسيح (غل3: 27)! من ذا الذي يستطيع أن يُحزنك إن كنتَ تريد أن تتغلّب على كل حزن وكل كآبة؟ فإذا كانوا قد جدّفوا على المسيح بسببك لأنه جاء لكي يخلّصك من كل شر، فذلك لكي تمجده كما قيل: «أما من جهتهم فيُجدَّف عليه وأما من جهتكم فيُمجَّد» (1بط4: 14). فلماذا لا يشتمونك من أجله؟ ينبغي أن تمتلئ من تمجيده إذا كانوا يحتقرونك من أجله. إن كانوا قد كذبوا من نحو المسيح من أجلك أنت كما قيل إن أعداء الرب كذبوا عليه؛ فلماذا لا يكذبون ضدك من أجله؟ وإذا كانوا قد تكلموا بالشر على الله الذي خلقهم، فكيف لا يتكلمون عليك بالشر؟ وإذا كانوا قد نسبوا الخطية للرب يسوع الذي يرفع خطية العالم وذلك كما قال رؤساء الكهنة: «تذكرنا أن ذلك المضلّ قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم» (مت27: 63)، فلماذا لا يدعونك مضلاًّ؟ وإذا كانوا قد شهدوا عليه زورًا، فلماذا لا يتهمونك زورًا؟ لقد حدث ذلك مع جميع القديسين، فقد كذبوا ضد يوسف في بيت المصري حتى سقط في ضيقات كثيرة، ولكن الله لم يتركه. وكذبوا ضد سوسنة، ومَنْ هم الذين كذبوا؟ كهنة وشيوخ وقضاة، ولكن الله لم ينس تضرعها وصلاتها. كذبوا ضد اسطفانوس ورجموه وقتلوه، ولكنه رأى السماء مفتوحة ورأى مجد الله والرب يسوع عن يمين الله. وفوق كل شيء، كيف أنه هو الآن في مجد؟! فلا عجب أن يُقال كلام قاسٍ ضدّك، فهذا ليس بالأمر الجديد! إنهم لم يجربوك بالعذابات وبالسيوف مثل الرسل الذين تركوهم شبه أموات وجرّوهم بعنف وطردوهم خارج المدينة. لم يُلقوك في السجون مثلهم، وقد قتلوا آباءك منذ هابيل الصديق إلى زكريا بن براشيا وسائر الشهداء الذين سفكوا دماءهم! لم يقولوا شرًا على جميع القديسين فحسب؛ بل احتقروهم وكذبوا ضدّهم وقتلوا معظمهم. ألم يكونوا عبيدًا قبلوا الاحتقار من أجل اسم سيدهم؟ ألم يُحتَقَر سيدهم من الأشرار لأجل خلاص عبيده؟ الذين غشت القساوة أعين قلوبهم أوثقوه مثل لص، فأنت أيضًا إذا أوثقوك من أجله فلا تعثر. لقد بصقوا على وجهه وغطّوا وجهه ولطموه وضربوا رأسه بالقصبة، وفي عطشه سقوه خلاًّ ووضعوا على رأسه إكليل شوك وسمّروا يديه ورجليه على الخشبة وأهانوه على الصليب قائلين: «إن كنتَ ابن الله فانزل عن الصلي ب .. فنؤمن بك» (مت27: 40و42). وبعد كل ذلك طعنوا جنبه بالحربة! أما كان يستطيع أن يجعل الأرض تنفتح وتبتلع جميع هؤلاء الأشرار الذين كانوا يحيطون به مثل الكلاب؟ ولكنه كان يتطلّع إلى الذين يؤمنون به. وأنت أيضًا إذا سقطتَ في أيدي الأعداء الذين فكروا في قلوبهم بالشر ضدّك من أجله، أو «سنّوا ألسنتهم كحيّةٍ، حُمة الأفعوان تحت شفاههم» (مز140: 3)، فلا تردّ بالشرور، بل انظر إلى ازدياد البر ومجد الرب الذي يتقدم وينتشر في الأرض كلها، وإلى رائحة الأعمال الصالحة العطرة فإن رائحتها أفضل من كل بخور، ولَسوف يؤنَّب الذين جدّفوا على الرب يسوع، فقد جاء عليهم الهلاك حقًا وسوف يأتي أيضًا، وسيُؤنَّب جميع الذين يصنعون هذه الشرور، لأنه يقول: «هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونةً على الجميع ويعاقب جميع فجّارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاةٌ فجّار» (يه:14و15). يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
هجوم القديس على الشيطان أيها الشيطان، إنك مخرِّبٌ ولكنك لا تستطيع شيئًا ضد الساهرين، ولا حتى في نومهم حينما تأتي في خيالات الأحلام آخذًا شكلاً غير شكلك متشبهًا بملاك. إن الساهرين يعرفونك لأن الملائكة يتكلمون في داخلنا وليس خارجًا عنا. إنك دودةٌ ماصة للدماء ولكنها لا تشرب إلاّ الدم الذي يروق لها. إنك مفترسٌ ولكنك لا تستطيع أن تلتهم إلاّ الشباعى. إنك ثعبانٌ ولكن بقوة السيد المسيح يتطهر الأمناء من سُمّك، بل يسحقون رأسك ويقطعونك ويُهلكونك فلا يمكن أن يخشى أحدهم جثة ميتة! أسلحتك مثل أعضائك قد هدمها السيد المسيح وليس لك سلطان إلاّ الذي يعطيه لك الناس أنفسهم. أنت، إذن، لستَ إلاّ عبدًا هاربًا وأسلحتك خادعة، إنها أكاذيب وظلمات وكل الخطايا. أما أسلحة الأمناء فهي الطهارة والبر. تجاربك أيها العدو ليس لها سلطان إلاّ بالمشاركة الإرادية للناس المجرَّبين، والأمراض التي تجعلها عليهم لا تصل إليهم إلاّ بسماح من الله. إنني أهاجمك أيها الشيطان ولا تستطيع أن تفعل شيئًا بينما يستطيع ملاك واحد أن يُهلكك. أنت لا تُسقِط إلاّ الذين يريدون السقوط ولا يعرفون رحمة الله. ليس لك سلطان إلاّ على الهدم ولا سلطان لك على الإبداع. إن الذي يخاف الله ويُجرَّب بالمرض يجد في مرضه ذاته ما يمدح به السيد المسيح الذي هو عضوٌ فيه حقًا إنه بسببك أنت، يا رئيس الشر، قد حدث كل أمر شرير. لقد أقمتَ مستعمرةً لكل شر في وجه كل خير. ولكنك إذا كنتَ فضلاً عن ذلك تقوِّي في الناس الكراهية للمحبة والعداوة للسلام والدنس ضدًا للطهارة والعنف ضدًا للحق والعدل وكل أشكال العصيان الأخرى ضد التقوى؛ فهل يذهب الجميع إلى الهلاك؟! طوبى للذين يفكرون قائلين: "ماذا تستطيع بعض الحزم من الحشائش والقش أن تفعله ضد النار حينما يُلقونها عليها؟ أو ماذا تستطيع بعض الأواني الطينية أن تعمله ضد الحجر وهم يُلقونها عليه؟ إنني أقول ذلك ضدك أيها الروح النجس. مَنْ تكون أنت مع كل شرورك أمام قوة الله الكائنة في الإنسان الذي يجتهد في فعل الخير؟ لا تغترّ بخداعك للناس النيام الذين سلبتهم وكنستَ بيوتهم. تعال ضدّ اليقظين الساهرين! أيها السفّاح، لماذا تحوم حولهم في خيالات الأحلام ذات الأشكال العديدة؟ أيها المتمرِّد، إذا كنتَ شجاعًا في الحرب، فلا تهرب من الطرق التي بها يحاربك كل مَنْ يسلِّم نفسه لله بإخلاص وينكر نجاساتك. بك أنت كل الضعفات، وعندك مرض النجاسات من كل نوع. أنت لستَ رجلاً ولا امرأة، لستَ ثورًا ولا حصانًا ولا أي حيوان عامل، لستَ ثعبانًا ولا عقربًا أو أي نوع من الزواحف، أنت لستَ من البربر ولا من الرجال الأشرار، لستَ بحرًا ولا ينبوع ماء، لستَ جبلاً ولا أرضًا، ولا تُحسَب كواحد منها. إنك تغيّر شكلك إلى شبه هذه الأشياء أو غيرها، ولكن شكلك كما هو لا يتغير. ليس لك أصغر جزء من عضو في أي شيء كان، لا أنت ولا باقي شياطينك. كل شيء تغيِّر نفسك إليه هو غريبٌ عنك ولا يعدو أن يكون مظهرًا وخيالاً! ماذا بينك وبين السماء والهواء أو النور حتى تحاول أن تأخذ شكلها، وأنت مثال الذين سيُطرَحون في النهاية في النار؟ إن زلزلة الأرض وتكاثف السحب والدخان قد تجعل الكون يبدو كأنه على وشك الدمار. تلك الظلمات المخيِّبة للآمال قد تغطِّي العالم فيتصور الناس الهلاك، وأنت تتخذ شكل جموع بشرية مع شياطينك وتصرخ: هذه هي النهاية. تتعجل فتسقط وتقوم ثم تسقط على الأرض، وذلك لكي تخدع الذين يرون مظاهرك الشريرة في الأحلام! وقد تُعلن أمورًا كثيرةً بواسطة الذين تملّكتهم مدّعيًا أنها النهاية. بيد أنه لا يوجد شيء من ذلك لأنك كذاب وأبو الكذاب. وقد يتصور البعض في تخيلاته أنك ملاك نور وتتمادى في تظاهرك، بينما تكون رغبتك الحقيقية هي أن تقتل ضحاياك وليس لكي تفرِّح قلوبهم بالرؤى العلوية التي تدّعيها. أيها المملوء من كل مكر وخبث والتواء، أتتخذ شكل ملك أو جندي لكي تُدخل الاضطراب والخوف إلى النفوس؟ أية منفعة تنالها وقد أُعِدّت لك جهنم مع كل جنودك الأشرار؟ بل أية منفعة ترجوها وأنت تقيِّد الناس بالخطايا ليكون نصيبهم النار التي لا تُطفَأ؟ إنك تغير ذاتك بعالمك الذي هو من نور كاذب. إن كل ما تملكه إنما هو مزوَّر ومصيره الفناء. إذا كنتَ تظهر في شكل ملاك للذين لا تتملّك عليهم، فهم لا يصدقونك لأنهم يعرفون علامات ملاك الرب. يعرفون أنك أنت الشيطان من أعمالك. إذا ظهرتَ في أشكالك الكاذبة للذين يتحفظون ضدك فستنفضح لأنهم يتعرفون عليك، فماذا أنت فاعل؟ إنك حتى لو تشكّلتَ بصورة ملاك من نور فلن تكون مخفيًا عنهم. أرواح الحق وأرواح الضلال: يا له من جنون! لماذا نقف عديمي الفهم حتى نتوقع من ملاك أو من روح أن يظهر لنا ويتحدث إلينا، في حين أن الله وروحه وملائكته يتكلمون معنا في داخل أرواحنا؟! في الواقع إن الفارغين هم الذين لا يسكن فيهم الرب يسوع، فإنهم ليسوا ممتلئين من روح الله القدوس. وأنت لا تستطيع أن تستهزئ بالذين هم ملكٌ حقًا للسيد المسيح، ولا تستطيع أن تربطهم بظهوراتك الكاذبة. طوبى للذين يرون هلاكك دون أن يهلكوا معك في اليوم الذي فيه يسحقك غضب ذاك الذي جدّفتَ على أعماله. إنك سوف تُسحَق وتُلقَى في قاع جهنم. ولكن ويلٌ لمن يُعاينون هلاكك ويهلكون معك! ويلٌ لمن لم يميّزوا أفكارك وفخاخك! إنهم لم يميِّزوا صوت الكتب المقدسة حينما جاءت على الأرض. طوبى للذين عرفوك وعرفوا أفكارك المختبئة خصوصًا أدناسك التي يستطيع أن يميّزها الصغار، وهي ليست بمخفية عن الذين يستهزئون بك وبأدناسك. أيها المخالف، أسقطتَ كل الذين يسلكون رديئًا مخالفين للرب. أيها الكائن المرفوض، جعلتَ شعوبًا عديدةً مرفوضةً! أنت أخطر من الدودة الماصة للدماء، فإنك تفعل أكثر منها، فهي لا تستطيع أن تبلغ إلى شراهتك. أيها القاتل، ألم يكفك سافكو الدماء وخدّام الأوثان؟ نعم ليس بكافٍ لك ملحدٌ ولا هرطوقي، قاسٍ أو شهواني ضعيف، غير مؤمن أو أي واحد من الذين أنكروا الله! طوبى للذين لم يتذوقوا البتة ما تتذوقه أنت. إنه يلزم بالضرورة وأنت تتذوق ما يذوقون أن يتذوقوا هم ما تذوق أنت، فهي الأطعمة الوحيدة المشتركة بينك وبينهم. طوبى للذين جرحوا حنجرتك ولم تستطع أن تبتلعهم بسبب عظامهم الكبيرة، أولئك الذين تجرِّبهم وتتعقبهم ولا تستطيع أن تتملّك عليهم بسبب إيمانهم بالله وفضيلتهم. طوبى أيضًا للذين تركتَهم رغمًا عنك فخلصوا. أما أنت فصرتَ بائسًا حتى الفناء، في تلك الساعة التي يبيد فيها الرب يسوع بقية أفكارك التي على الأرض وتختفي وتهوي في جهنم. إنك لم تشبع من قتل الناس، ولسوف تتعذب إلى دهر الدهور مع الذين أشبعوا هواهم معك. إن سُمّ الثعبان له حدود ولا يخرج عن طبيعته لأن الله هو الذي جعله فيه، ولكن سُمّك أنت ليس له حدود! يستطيع الثعبان أن يقذف سائلاً محدودًا يُلحق الأذى في القريبين منه فقط، وعندما يقفز أو يعضّ فمَنْ يدركه يُلحق به الأذى في مكانه المحدود؛ أما أنت أيها الشرير، فسمومك تدرك الذين في العالم أجمع! إنك تُفاجئ وتضرب الذين في العالم أجمع من البدء حتى اليوم، فسمومك كثيرة جدًا، وأنت لا تكفّ عن أن تنفثها بكل قوتك. كثيرون في كل مكان يحفظون أنفسهم حتى لا تُصيبهم سمومك، وإذا كان بعضها قد يُصيب الكثيرين، فإن افتقاد السيد المسيح يطهرهم منها إلى النهاية. الثعبان ينفث سمّه نحو عيون الجسد، أما أنت فتهدف إلى عيون القلب! الويل للبائسين الذين جعلتَهم عميانًا بالكلية، ففي اتساع تجبُّرك على الذين سقطوا تحت قدميك قد سحقتَ رؤوسهم ولن يستطيعوا بعد أن يتكلموا عن ضعفك. أما الذين سحقوك وأذلّوك تحت أقدامهم، فليس لك سلطان عليهم ولا شيء آخر تقدر أن تصنعه لهم بشرورك سوى أن تحوم خارج أجسادهم بأمراض مختلفة وأنواع من الآلام. إنك لا تستطيع أن تجذبهم إلى مكرهاتك، ولا تجد منفعةً من محاربتهم، بل إنك تهرول هاربًا مسرعًا! وهكذا تخزى بخيالاتك وأشكالك المتعددة الدنسة، إذ ترتد إليك مكرهاتك وسهامك، لأنهم يرفضونها في نومهم الهادئ الطاهر كما في يقظتهم. إن الثعبان في الواقع ليس له سلطان آخر سوى سُمّه، ولا شيء يخشاه الناس فيه سواه، ومن يهرب من سُمّه لن يموت بسببه؛ وأنت أيضًا بالأكثر عدو كل الخليقة، وليس لك سلطان آخر سوى سُمّ شرورك. أنت تمزِّق وتفرِّق، ليس لأن الله جعلك بائسًا بهذا المقدار فحسب؛ ولكن لأن شكلك المرئي مهدوم، وأيضًا لِما نعرفه عن ضعفك. إن الذي يهرب من شرورك لا يعود يُبالي بوجودك، حتى وإن كنتَ تملك سيوفًا في أي وقت، فإن سيوفك قد فسدت تمامًا، وما عندك منها تصوّبه نحو الأغنياء الذين يعطونك سلطانًا أن تتملّك عليهم. أما الذين يعرفونك فلا يُبالون بخيالاتك الليلية أو النهارية، وهم لا يخافونك البتة، إذ كيف يخافون من جثة هامدة؟ أيخافون من جندي قطع الملك يديه ورجليه وجرّده من سيفه وأسلحته وسائر مستلزمات القتال، فجعله غريبًا عن مكان إقامته وبلده؟! نعم إن الملك حاربه، ولكنه بكرمه تركه حيًّا إلى اليوم الذي يرى أن يقضي عليه فيه! نعم أيها الشيطان، لقد تفرّقتَ وأُلقيتَ من السماء (انظر إش14: 9-21؛ لو10: 18)، وسقطتَ من سائر جيش الملائكة بسبب كبريائك. أيها المجنون الأعمى الذي يقاوم الله، لقد صرتَ كائنًا محتقرًا بدلاً من أن تكون كائنًا مكرّمًا. صرتَ ملعونًا من الله لأنه يعرف ظروف بدايتك ونهايتك وفسادك الكامل وانحطاطك وحسدك. أيها العبد الهارب غير النافع الذي هرب من سيده، كيف تستطيع أن تهرب أو تختبئ منه؟ أعرف شيئًا غير خافٍ عن الحكماء، أعرف أنك مذنبٌ بما تحمّله السيد المسيح من آلام، حتى الذين صلبوه فقد فعلوا ذلك بوصيتك الشريرة. في جنونك لا تجد ماذا تفعل مع الذين يثبتون! سيُهلكك السيد المسيح ويجعلك تختفي. أتبعد حينما لا يكون لك درع ولا سيف ولا منطقة ولا ثوب ولا سلسلة براقة ولا سلاح مثل التي لرافائيل وجبرائيل ورئيس الملائكة الجليل ميخائيل وكل الملائكة؟ الأشياء التي لك والتي تدّعيها بالأكثر قد أُعلنت لكل واحد. عوض درع الملائكة أو المنطقة، وضعتَ درعك حول وسطك ومنطقة الكذب اشتدّيتَ بها. عوض السلسلة البراقة والثوب النوراني، فإن سلسلة سوداء وثوب دخان وضباب يغطيك أيها الكلّي الظلمات. عوض سيف الملاك وقوة الروح الطاهر توجد في عجز تام. نصيبك هو الهلاك بسبب النجاسة الكاملة وأعمالك الأخرى: أعمال العنف والزنى والدنس والحسد وبقية الشرور التي لسنا في حاجة أن نذكرها بالتفصيل لأنك تعرفها، فأنت في شرورك مثل غابة من الجذوع الذابلة المتراكمة، إذا ألقى أحدٌ نارًا عليها وأشعلها لَرآها تسقط أمامه رمادًا، ومَنْ أهملها رآها سهامًا وسيوفًا وعتاد حرب من كل نوع، لأن كل أُمّة شريرة قد خرّبتَها أنت بكل ظلم وليس بحربة أو بسلاح آخر. ولكن أناس الله الحقيقيين فبطهارتهم يضربونك، وببرّهم وبأنواع الأعمال الصالحة وكل تقوى يغلبونك. إن التجارب التي تَبتلي بها أجساد الذين يحاربون تفكيرك المكروه ليست ملكًا لك، إنما هي نتيجةً لسماح من الله. إن أتباعك والذين أصبحوا من أمثالهم هم أولئك الذين حسبهم الكتاب المقدس مثل قش سوف يُحرَق بنار لا تُطفَأ. أعتقد أنه لو فُرض أنني أشتم هكذا أحد ملائكة الله – حاشا، بل ليكن بالحري مباركًا – لكان يحرقني بلهيب نار لأن له سلطانًا وليس لك أنت. إنني أجحدك وأشتمك وأقول ذلك ضدك وأكثر منه أيضًا بالنهار وبالليل وفي كل وقت ولا تجد ما تفعله بي، لأنه لو كان في مقدورك أن تفعل شيئًا، حينما لا تدركنا معونة المسيح، لما كنتَ تمتنع. ليس نصرًا لك أن تملأ الجسد بالوجع والألم. وإذا كان هذا السلطان لك فمن هم الذين انتصرتَ عليهم؟ أليس أولئك الذين أسقطتهم بكل الطرق وهم في معرفة كاملة ولم يكن ذلك عن جهل منهم؟ من لا يعرفك ويجهل حيلك السحرية؟ هل أنت قاضٍ أيها الخبيث في الخداع؟ إنك تارةً تُقنع الذين تأتي بهم إلى الخطية أن الله لن يحاسبهم، وتارةً تجعل قلب الذين يريدون أن يتخلّصوا من شرهم مضطربًا بحجة أن الله لن يغفر لهم كما لو كنتَ تعلم فكر الله العلي! فليترك عديم الفهم طرقه والشرير خططه، وليلتفت نحو الرب، والرب سيُشفق عليه، لأن كرمه وجوده وتحنُّنه في مغفرة الخطايا غير محدود: «لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا عَلَتْ طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم» (إش55: 8و9). ليس لك سلطان أيها الشيطان إلاّ لكي تهدم. إنه لَتجديفٌ أن يُقال إن لك سلطانًا أن تخلق أو أن تفعل خيرًا، كما يفكر الوثنيون، إلى أن تسلّمهم لضربات الغضب الإلهي. الذين تعوّدوا أن يحاربوك يقولون غير ذلك، إنك تجرّب أجسادهم بالألم. ابعد عن جسد السيد المسيح وأعضائه لأنهم سوف يخضعون له ويخدمونه ويشكرونه حتى في مرضهم، لكي يكون واضحًا أنه ليس أمامك في ذلك جدوى، ولن تجد ما تربحه من أي إنسان يخاف الله. أيوب البار، ليس فقط بأعماله الصالحة أصبح غنيًا بالله؛ ولكن أيضًا بسبب تجربته بالأمراض. وأيضًا لعازر، ليس فقط لم يكن له ما يعطيه؛ ولكنه أيضًا كان يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني، ولا نجد سببًا آخر من أجله حُمل إلى حضن أب الآباء إبراهيم سوى احتمال المرض بصبر ...! يتبع |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
من تعاليم القديس أنبا شنودة كان أنبا شنودة يعلِّم أولاده قائلاً: يوجد طريق واحد للحياة، هو أن تحب الرب إلهك من كل قلبك وتحب قريبك كنفسك. والذي لا تشتهي أن يفعله بك أحد لا تفعله أنت بأحد. لا تقتل، لا تفسق، لا تشتهِ شيئًا لصاحبك، لا تشهد بالزور. لا تقُل شرًّا على أحد، ولا يكن كلامك كاذبًا أو باطلاً. لا تكن بقلبين في أفكارك البتّة. لا تأخذ أجرة أجير، ولا تتعظّم في قلبك، ولا تقُل كلامًا رديئًا. لا تبغض أحدًا من الناس. إذا سقط واحدٌ في خطية فبكِّته بينك وبينه وصلِّ لأجله ووجِّهه مثل نفسك وقال أيضًا: اهرب من كل شر. لا تكن غضوبًا لأن الغضب يقود إلى القتل. لا تكن حسودًا ولا لوامًا ولا مماريًا، لأن ذلك يولِّد القتل. لا تكن طموحًا مشتهيًا، لأن الشهوة تؤدِّي إلى الزنى. لا تتفوّه بكلام باطل. لا تكن وقح العينين، لأن ذلك يؤدّي إلى شهادة الزور. لا تكن راقيًا ولا معزِّمًا، ولا تقترب من هذه الأفعال، لأنها تجعل الإنسان يبعد عن الله. لا تكن كاذبًا ولا محبًا للفضة، لأن ذلك يؤدّي إلى الكفر. لا تصغر نفسك، ولا تفكر بالشر وقال أيضًا: كن وديعًا لأن الودعاء يرثون أرض الحياة. كن طويل الأناة بسيط القلب صالحًا خائفًا من الله، مرتعدًا من كلام الله في كل وقت. لا ترفع نفسك ولا تتكل على الغد. اسلك مع الأبرار والتصق بالمتواضعين. وما يحلّ بك اقبله سواء ظننته شرًا أو خيرًا. اتلُ الكلام المبارك ليلاً ونهارًا واذكر كلام الله. اسأل عن طريق القديسين وابتهج بكلامهم. لا تعمل فرقةً بين إنسان وآخر، بل اجمع المتفرقين بالمصالحة والسلام. أحكم بالحق ولا توبِّخ أحدًا على خطيته. لا تكن مبسوط اليد عند الأخذ وقابضها عند العطاء. أعط الفقراء لكي تُمسَح خطيتك. وإذا دفعتَ شيئًا لأحد لا تكن بقلبين، ولا تتذمر عند الدفع. إذا كنتَ رحيمًا فاعلم أن الله يعطيك الأجر الحسن. لا تردّ وجهك عن سائل كقدر قوتك. كن مشاركًا لكل أحد يحتاج إليك، لأنك إذا شاركتَ الآخرين في الدنيا الفانية، تكون مشاركًا للأبرار في الآخرة الباقية وقال أيضًا: التأمل هو نصف العبادة، والجوع يجب أن يرافق العبادة. أقرب الناس إلى الله هو المتفكر في الخير وفي الجائع. وكما قال بعض المعلّمين: إذا امتلأت المعدة ثارت الفكرة وصمتت الحكمة وارتخت الأعضاء عن العبادة. خبز الشعير والماء والنوم على المزابل يوافق مَنْ يشاء أن يسكن الفردوس وقال أيضًا: من أعداء المسيرة الرهبانية التفكير العقلاني والرضا عن الذات وشر التدبير، وثمرة المعرفة هي الحكمة، وحُسن التدبير هو في كمال غيرة المعرفة والكنوز المذّخرة في أقوال الصالحين. إذا علمتَ (أي إن كانت لك معرفة) فاذكر أن الله ينظر إليك، وإذا تمسكنتَ فاذكر معرفة الله فيك، وإذا تكلمتَ فاذكر أن الله يسمعك. راقب ساعات حياتك لئلاّ تفلت منك بالتغافل، وإيمانك لئلاّ تبيعه بثمن بخس، وكلامك لئلاّ تتكلم فيما لا يعنيك وقال أيضًا: اهجر الدنيا بالآخرة، والناس بالملامة. وإذا لم تساعدك نفسك على الطاعة ومخافة الله والشكر، فتمم الطاعة بمخافة ورجاء وشكر. أصل المعصية هو الكبرياء والغضب والحسد وقال أيضًا: إذا كنتَ بالنهار هائمًا وبالليل نائمًا، فمتى تتجه نحو من يأمرك وهو قائم؟ إذا كنتَ بالنهار (مثل) خلية، وبالليل (مثل) خشبة، فمتى تقوم لكي تتجاوز العقبة؟ إنك تنال النعمة السماوية بفعل المكارم وتجنُّب المحارم والصبر على المغارم (أي الخسائر)، مع امتلاء العينين بالدموع واللسان بالثناء والتمجيد، والقلب بمخافة الله والرجاء وقال أيضًا: إذا دخل النور الإلهي في القلب انشرح، وعلامته هي مجافاة دار الغرور والهروب إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت باكتساب الفضائل وترك الرذائل والتخلّي عن هذا المجد الزائل وقال أيضًا: لا تحقد على من يُبغضك ولا من يُغضبك، ولا تخطئ في من تحب، واصبر على من ضربك ولطمك وظلمك. لا تصحّ الأُخوّة إلاّ بالأعمال وتقريب الآجال وتنقية الآمال وقال أيضًا: من أدلة المحب: السكوت والتذلل والإطراق والخجل والدموع. انفق ما فضل من مالك، وامسك الفضل من لسانك. غاية الزهد الانشغال بذكر الله عما سواه، والعلم بأنه إن أعطاك فلا يقدر أحد أن يحرمك، وإن منعك لا يقدر أحد أن يعطيك. اترك الاهتمام برزقك الذي ضمنه لك وقال أيضًا: حقيقة الإيمان هي الالتجاء إلى رحمة الله والالتزام بطاعته والمداومة على تقواه. إذا أبطأ عليك الرزق والاستجابة فاكنـز من طلب المغفرة، وإذا جاءتك نعمة فسبّح الله، وإذا حلّت بك مصيبة فتقوّى بالرب وقال أيضًا: صلِّ من أجل من قطعك عنه، وأعطِ من حرمك من شيء، واغفر لمن ظلمك. إياك أن يُخرجك غضبك عن الحق أو رضاك إلى الباطل. لا تأخذ مما ليس لك. إذا كنتَ لا تنفع الناس فلا تضرّهم، وإذا لم تسرّهم فلا تغمّهم، وإذا لم تمدحهم فلا تذمّهم وقال أيضًا: شره القلب يتولد من كثرة الأكل وكثرة النوم وكثرة الضحك، ويتولد أيضًا من عدم الاحتراس في الكلام وكثرة الذنوب، ومن التعليم بدون علم لأنه يُفسد أكثر من أن يُصلح، ومَنْ جعل أذنيه هدفًا لسماع ما يحكم به على الآخرين. يكثر انشغال الإنسان بالله إذا اتّقاه في كل شيء واستعان به في كل شيء وافتقر إليه في كل شيء. احتمل كل ما يأتي عليك وقال أيضًا: أصل جميع الخطايا هو الكذب، فتجنّبوه لأنه هو الشيطان الكبير. وأصل جميع الخيرات هو الحق، فإذا اعتمدتم عليه لا تخيبوا، ومَنْ اعتمد عليه في كل طرقه يقويه الله. لا تتفكّروا في الأمور الرديئة، ولا تطلبوا أن تأكلوا شيئًا من الإخوة بالسرقة، لأنه لا يفرح بالسيئات إلاّ الشيطان وقال أيضًا: الرجل الحكيم إذا رأى أن واحدًا قد سقط يجتهد في إنقاذه ويتعب حتى يخلّصه. كما أن الله إذا أبصر إنسانًا ساقطًا في خطيئة لا يُسرّ بذلك، بل يُسرّ بالذي يسلك في الطريق المستقيم الإلهي وقال أيضًا: تدبّر يا بُنيَّ بما في الكتب ولا تعمل بغيره، لأن الروح المتكلم في الأنبياء هو المتكلم في الصديقين إلى الأبد. وغاية المستقيم هي أبونا السماوي كما قال سيدنا يسوع المسيح. لأن غاية الصديقين هي التشبُّه بالله بقدر الطاقة وقال أيضًا: يا إخوة، يجب أن نجتهد في تكميل ما جاء في الكتب المقدسة، وأن يكون الإنسان بارًا وصدّيقًا ومتجنِّبًا للأمور الرديئة، فإذا فعل ذلك يكون كالشمس مضيئًا في الملكوت كما هو مكتوب (مت13: 43)، ولا يسلك في أي شيء من طرق السوء. والصدّيق يحزن على مَنْ يسلك فيها. قال الرب: لا تحب السوء وانظر إلى أفعال القديسين لأنهم يطلبون الخير بكل قلوبهم لكل من يسقط وقال أيضًا: لا تفتخر، لأن القديس إذا افتخر سقط من أعين الناس بسبب تعظُّم قلبه وافتخاره بمجد فارغ، كما أنه يُغضب الله بتعظُّم قلبه وقال أيضًا: لا يقدر أحد أن يقف على أسرار الله التي في الكتب إلاّ إذا أنار الله عليه، ولكنه بحكمته لا يقدر على ذلك، وإذا اتكل في ذلك على حكمته فقد عظمت سقطته وقال أيضًا: لا تقُل في نفسك: إنني لم أفعل شيئًا، فتكون سقطتك كبيرة، فلا يوجد صدّيقٌ على الأرض ولا بارٌّ ليس له بين يدي الله خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض. وأقول لكم إن كل من افتخر بالذي يفعله ويتعظم به فقد صار كالفريسي وانعدم فيه الخير. وقال أيضًا: من قتل نفسه بالجوع والعطش وأنفق جميع ما له وليست فيه محبة فليس له نصيب مع الرب، وهو يرذله ويضعه. ومن اتضع واعتمد على الله في كل أفعاله وأهان نفسه وسلّم أموره لله استحق أن يُنيره الله بنور مسيحه كالعشار الذي بسبب تأدُّب نفسه واتضاعه وقرعه على صدره قال للرب: لستُ مستحقًا أن أرفع عينيَّ إلى السماء لكثرة خطاياي وذنوبي، لذلك مضى إلى بيته بالأنوار المضيئة الإلهية. ومن افتخر مثل الفريسي وظن أنه فاعل خير ورفع عينيه إلى السماء بافتخار يخزى مثله ويضيع أجره لأنه مضى بالخزي والخيبة وقال أيضًا: الصدّيق الذي يعمل الحسنات ويفتخر بعمله يكون مرذولاً أمام الله أكثر من الخطاة. والمتضع فاعل الحسنات القليلة ويُعظِّم غيره يكون عند الله في منـزلة جليلة والموضع الرفيع الذي لا يوجد مثله. والمفتخر بالسوء، المفتري على الصالحين ويفعل الخير يكون عند الله أشرّ من الخطاة النجسين بسبب افتخاره، وتكون حسناته مرذولة أمام الرب. فاقتنِ الاتضاع لأنه هو غاية البر، فتُعتبر حسناتك القليلة كثيرة عند الله وقال أيضًا: الذي يرذل الصدّيقين تكون خطيئته عظيمة أمام الرب لأنهم مصطفون وجليلون أمام جماعة الملائكة. كل من يخاف الرب ويصنع الخير ولا يفكر في الشر؛ يكون مكرَّمًا أمام الرب أكثر من الملائكة. الذين يخطئون ولا يعرفون الرب يسوع المسيح ولا ملائكته ولا كلامه، فالويل لهم جميعًا قدامه. والذين يعرفون الرب يسوع المسيح ويُغضبوه بأعمال الشر ولا يفعلون الخير إطلاقًا، فالويل لهم لأن الرب يحب الذين يفعلون الخير على قدر طاقتهم، لأن الحكيم يقول: «لا تكن بارًّا كثيرًا» (جا7: 16)، وهو يحب ألاّ يفتخر الأديب بحكمته، لأنه هو القائل إنه ليس أحد أديب ولا عالِم غيري، ولكنه يحب من يتضع ولا يتعظم ولا يفتخر ولا يكذب، ومن يرجع إلى كلام ذوي المعرفة وذوي الأعمال الصالحة الذين ليس فيهم غش ولا كذب، أولئك الذين يحبهم الرب بسبب صلاح قلوبهم وحبهم له واجتنابهم فعل الشر ومحبتهم للإخوة. والصدّيق لا يفتخر بالحسنات، بل إنه يُكثر منها ويتضع مثل الرب يسوع المسيح الصدّيق الحقيقي الذي اتضع حتى الموت موت الصليب. فلا يجب أن يفتخر الأديب بحكمته لأن إلهنا هو ربّ كل أدب وحكمة، وهو القائل: لا أديب غيري وقال أيضًا: قال الرب: اجعلوا الناس يرون أعمالكم الحسنة التي ليس فيها غش ولا رياء، فيمجدون الله أباكم، ولا يسمعوا منكم كلام العلم الذي أساسه الافتخار. كثيرون عملوا خيرات كثيرة ثم ابتعدوا من الله بسبب الكذب والنجاسة والسرقة وقلة السمع والأفكار الرديئة التي يقبلونها مع فعل الخير. لا توجد خطية أعظم من الكذب، ولا توجد فضيلة أفضل من قول الحق، والصدق هو الذي يوقف الإنسان أمام الرب مستقيمًا وقال أيضًا: مَنْ عمل بالناموس كله ماعدا وصية صغيرة قيل عنه: «من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرمًا في الكل» (يع2: 10). وأنا رأيتُ كل ذلك بروح الله وفهمته عندما أحاط الأعداء بروحي مثل الكلاب، ومثل سباع تزأر لتخطف، لأنني رأيتُ أنني أخطأتُ كثيرًا، لأن الإنسان إذا فعل خيرًا كثيرًا ثم فعل شرًّا قليلاً فإنه يُلاشي ذلك الخير، ويُبعده من الله بعد الاقتراب منه بسبب السيئات القليلة التي ارتكبها. لقد كنتُ في زماني أفعل خيرًا كثيرًا، فقلتُ إنني قد اقتربتُ من المسيح وصرتُ صدّيقًا، فابتعدتُ عنه بسبب الشر القليل الذي ارتكبتُه. لذلك يجب على الخاطئ أن يفعل الخير بدون افتخار ولا يتكلم عنه بل يُخفيه ويُظهر للناس خطاياه التي لا يعرفونها، وبذلك فإن الرب يسوع المسيح وملائكته يعظمونه عند توبته وعودته إلى الصلاح، ولا سيما إذا أخفى ما عمله من الخير وقال أيضًا: من يفكر في السوء فهو كمَنْ فعله. وإذا احترسنا من الأفكار الرديئة وتكلمنا بالسوء نكون قد فعلنا جميع الخطايا. ومَنْ قال إنه ليست له خطية فقد كذّب الله، لأنه قال على ألسنة أنبيائه إنه لا يوجد صدّيق بلا خطية ولو أقام على الأرض يومًا واحدًا وقال أيضًا: المتذمر والغضوب والمتكبر والذي يأكل لحم الناس بالاغتياب، أي الذي يتكلم في حق أخيه؛ كل مَنْ يرتكب تلك الأمور مرذولٌ جدًا قدام الله وملائكته. الرجل الفهيم هو الذي ليس فيه غش والماشي حسب الحق ولا يغضب. الذي يخاف الله هو المتحنن الرءوف الذي يحزن على من يعمل الشر ويفرح بالله ويعمل الصلاح، ولا يفتري على مَنْ يُخطئ بل يبكي على أخيه الذي يفعل السوء، هذا الإنسان يظهر برّه أمام الله والناس وخصوصًا إذا لم يظن أن الله راضيًا عنه، بل يعتقد أنه خاطئ وقال أيضًا: مَنْ يأكل فليأكل من أجل الله ويشكره، ومَنْ يصوم فليصُم بقوة من عند الرب ويفعل ذلك بدون غش، والمريض الذي له قوة احتمال فليحتمل، ومَنْ لا يقدر أن يحتمل فليطلب قوة الاحتمال من الله بمخافة وقال أيضًا: خادم الإخوة المرضى فليهتم بهم في كل مكان بمخافة الله بكل ما يأمرهم به الأرشيمندريت، ولا يفعلون شيئًا إلاّ بأمره. الذي يتمارض وهو ليس مريضًا، ولكنه يطلب شهواته، فهذا مرذولٌ أمام الله تعالى. والمريض إذا اشتهى شيئًا فليطلبه مرةً أو اثنتين بخضوع وبساطة وبدون غش، بينما يكون متضرعًا إلى الله أن يصرف عنه الشهوات الجسدية لأنها موت، وبذلك تقوى فيه الأفكار الروحانية التي تؤدّي إلى الحياة الأبدية وقال أيضًا: المريض المحق في مرضه الشاكر لكل ما يصنعه له الخادم، يكون منيرًا بين يدي المسيح ربنا. الخادم المتهاون بالمريض الذي يؤخر عنه شهواته وطلباته يكون شريرًا بين يدي السيد المسيح وكمن يُهرق دماء الناس. كذلك المريض القليل الشكر والذي يتفكر في قلبه بالرديء على الخادم، يكون مرذولاً. كما أن الخادم إذا تفوّه بكلام صعب أو بغيض للمريض يكون مرذول وقال أيضًا: أي واحد من الإخوة، صغيرًا كان أو كبيرًا، رجلاً أو امرأة، لا يأكل شيئًا مسروقًا ولا حتى عود بقل أو خبز إلاّ مع الإخوة، ومَنْ فعل غير ذلك يكون مظلمًا قدام الله. ولا يشرب أحد شيئًا مسروقًا لا في مرضه ولا في صحته، ولا في برد ولا في حرّ ولا لأي ضرورة وقال أيضًا: مكتوبٌ في ناموس الآباء المتقدمين أن يكون الأكل مرة واحدة في اليوم، وذلك بالنسبة لكل مَنْ يلبس الإسكيم. ولا ينتقل أحد من موضع إلى آخر، فقد قال أنبا أنطونيوس: لا تنتقل من مكان إلى آخر سريعًا، فالرهبنة الحقيقية هي أن يثبت كل واحد في الموضع الذي يسكن فيه، ويلزم الصبر في موضعه ويثبت ولا يتنقّل ويقاتل أراخنة الشياطين. فلا تتشبهوا أنتم بغير المؤدَّبين الذين يتنقّلون من موضع إلى آخر حيث أن ذلك لا يتفق مع عبادة الله. ولا يقاوم أحد صاحبه في أي شيء وقال أيضًا: يجب ألاّ يسكن راهب مع علماني، ولا يجوز أن يقبل الرهبان العلمانيين في مجمعهم، بل يجعلونهم خارج المجمع، ولا يأكلوا ولا يشربوا قدامهم. لا يخرج راهب أو راهبة من باب الدير، وبعد أن يضرب الناقوس في آخر النهار لا يتحدث الراهب مع أحد حتى يدق ناقوس السَحَرْ وقال أيضًا: لا تذهب أية راهبة قط إلى دير رجال. وإذا ذهبت راهبة أو راهب لمقابلة الأقرباء بدون مشورة فإنه يسجس قلوب الذين يرعونه ويخالف الوصايا الإلهية. فالراهب يجب أن يخضع لناموس الرب في الدير. فعلينا أن نطيع كبير الدير ولا نقاومه ولا نتكلم معه أو من ورائه إلاّ بما يشاء هو، لأنه مختارٌ من الله تعالى لرعاية المقيمين في هذا المكان، وهو مكلَّفٌ بالاهتمام بنجاة نفوسهم وسيجاوب الله عنهم، وهو المهتم بأمورهم وكل مصالحهم. لذلك يجب ألاّ يعملوا شيئًا كبيرًا أو صغيرًا إلاّ بمشورته وقال أيضًا: الراهب يهتم بالتوبة وملازمة الأفكار الإلهية، ولا يفكر في الشر أو يتمم شيئًا منه، ولا يتفوّه بكلام بشري، ولا يهتم بالاختلاط الفارغ بالناس أو الأفكار الجسدانية، بل يذكر خطاياه ويندم عليها، ويختلي ويحزن على أعماله الشريرة ويجتهد في الابتعاد عما يماثلها، ويبكي من أجل مَنْ يعمل شرًّا ولا يوبخه، ويتقوى بالرب الذي يعمل على خلاص أفكارنا وأجسادنا من هذه كلها، وذلك كمن يريد أن يدير سفينته في ريح عاصف حتى تسلم وتصل إلى الميناء. وعلينا أن نلازم ضرب المطانيات قدام الله لأجل التوبة عن ذنوبنا ومن أجل الذي يندم عليها، والرب، جلّ اسمه، يُعيننا وإياكم على العمل بما يُرضيه. آمين |
رد: موضوع متكامل عن سيرة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين ومعجزاتة وتعاليمة
معجزة للانبا شنودة رئيس المتوحدين شفاعة من اجل الانجاب يقول احد اباء دير القديس الأنبا شنوده، انه اثناء ترميم كنيسة الدير من الداخل، طلبت هيئة الاثار ان نمد كابلات للكهرباء وتدفن تحت ارضية الكنيسة. تم الاستعانة بمجموعة من الاخوة الخدام المتخصصين فى هذا العمل، وبدئنا العمل وكان يوم شديد الحرارة وكانت ارضية الكنيسة صلبة جدا فكان مجهود كبير على الاخوة الخدام . فى ذلك الوقت سمعنا اصوات طبول وزمار خارج الدير ففهمنا من ذلك ان يكون احد اخوتنا المسلمين حضر للدير لوفاء نذر وهذه عادتهم عندما يرزقون بطفل كانوا قد تشفعوا بالقديس الأنبا شنوده بعد حالة عقم وعدم انجاب، وكان الدير يصرح لهم بذلك فى اضيق الحدود خارج الدير، وطلبنا من احد الاخوة الخدام بأن يقدم لهم واجب الضيافة، وتكلمنا قليلا فى هذا الامر ثم استأنفنا العمل، واذ بنا نجد احد الاخوة الخدام وقد بدا عليه الحزن . ففهمت من ذلك حيث انه كان قد اخبرنى سابقا بأنه متزوج من سبع سنوات ولم يرزقه الله بأطفال، +++الصلاة المستجابة ففكرت ان اخرجه من هذا التفكير فقلت للاخوة هيا بنا نقف نصلى من اجله كى يعطيه الرب نسل بشفاعة القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين فعلنا ذلك بأيمان وكان الرب قد استجاب لانه يعرف احتياجاتنا قبل ان نطلبها " لأنه اشرف من علو قدسه الرب من السماء الى الارض نظر " مز( 102 : 19 ) . ورزق هذا الأخ بابنه مباركة (مريم ) . . ولم يتركه القديس العظيم الأنبا شنوده فى حزنه بل كفكف دموعه، واعطاه النسل الصالح . وكنت انا قد نزرت للقديس عماد الطفل بذبيحة ووفيت النذر عن هذا الاخ لتعبه ومحبته للدير، وكان يوم عماد الطفلة مفرحا لكل الخدام الذين اشتركوا فى الصلاة المستجابة . شفاعة القديس العظيم الأنبا شنوده رئيس المتوحدين تفرح الكل وتعطى المحروم . " فقال له الملاك لا تخف يا ذكريا لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا " ( لو 1 : 13 ) يتبع |
الساعة الآن 03:21 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025