منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الموضوعات المسيحية المتكاملة (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=58)
-   -   سفر نشيد الأنشاد (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=435957)

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:20 PM

سفر نشيد الأنشاد
 
النفس تحتاج أن تفتش على الجمال الخفي للطبيعة الإلهية

سفر نشيد الأنشاد


نشيد الأناشيد
والآن دعنا ندخل إلى قدس الأقداس، نشيد الأناشيد. إن تعبير “قدس الأقداس” يحمل معنى القداسة الفائقة. إن النص الكريم يعدنا خلال عنوانه “نشيد الأناشيد” بأن يعلمنا سر الأسرار.
من المؤكد أن هناك أناشيد أخرى كثيرة في التعاليم الإلهية الموحاة، وهي تعلمنا الكثير في طريق معرفة الله على فم داود، وإشعياء، وموسى وكثيرين غيرهم.
وهكذا نفهم من العنوان “نشيد الأناشيد” أنه كما أن أناشيد القديسين تفوق حكمة الأناشيد الدنيوية، بالمثل أيضًا فإن الأسرار المكنوزة هنا تفوق أناشيد القديسين. حقًا إن العقل البشري بحسب إمكانياته المحدودة لا يستطيع أن يكتشف أو يستوعب أسرار النشيد، إذ أنه يحسب اللذه الجسدية (أي الجنسية) رمزًا للحب. يعلمنا هذا السفر أن النفس تحتاج أن تفتش على الجمال الخفي للطبيعة الإلهية، وأن تحبه مثلما يميل الجسد لحب قريبه.
يليق بالنفس أن تُخمد العاطفة الجسدية حتى أنه حين تُطفئ كل عاطفة جسدية تتقد عقولنا بالعاطفة الروحية وحدها وتتمتع بالدفء خلال هذه النار التي جاء الرب ليلقيها على الأرض (لو 12: 49).

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:21 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
كاتب السفر
والآن وقد استفضت الحديث عن السامعين لهذه الكلمات السرائرية وكيف قد حان الوقت لتدبير نفوسهم لنبدأ بتفسير الكلمات الإلهية لسفر نشيد الأناشيد. لنبدأ حديثنا بدلاً له العنوان.
إن نَسب السفر لسليمان لم يأتِ مصادفة، وهذا النَسب يفيد بأن يُعد القارئ لاستقبال شيء عظيم ومقدس. فشهرة سليمان بالحكمة عظيمة وذات تأثير على كل أحد. لذلك فإن ذكر اسمه في مطلع السفر يزيد من توقعات القارئ لشيء عظيم يليق بمثل هذه الشهرة.
في فن الرسم نجد الألوان المختلفة وقد تآلفت معًا لتقدم لوحة فنية جميلة. ولكننا نرى أن الشخص الذي ينظر إلى الصورة التي رسمها الفنان مستخدمًا الألوان بمهارة لا يركّز نظره على الألوان بل على الإطار العام للوحة. هكذا الأمر بالنسبة لهذا السفر الماثل أمامنا،فعلينا ألا نهتم بمادة اللون (أي الكلمات) بل بالأحرى علينا أن نهتم بصورة الملك المعبَّر عنها بمفهوم الطهارة. إذ أن اللون الأبيض والأصفر والأسود والأحمر والأزرق أو أي لون آخر ما هو إلا هذه الكلمات بمعانيها الواضحة – فم، قبلة، مر، سلك، الأطراف الجسدية، المخدع، الخادمات… – وهكذا. إن الشكل الذي تكونه هذه الكلمات هو: البركة، الانفصال عن الشر، الاتحاد بالله، البعد عن الشر، وحب ما هو حقًا جميل. هذه المفاهيم تشهد بأن حكمة سليمان قد فاقت حدود الحكمة البشرية. ماذا يحيرنا أكثر هو أن سليمان يجعل الطبيعة البشرية تتنقى من الشهوات، ويعلمنا ذلك مستخدمًا كلمات مفعمة بالعاطفة المتقدة! إذ أن سليمان لا يتحدث عن ضرورة البعد عن انفعالات الجسد أو إماته أعضائنا التي على الأرض، أو أن نحجم عن كلمات العاطفة المتأججة، لكنه بالحرى يحث النفس أن تسعى للطهارة خلال كلمات تبدو أنها تحمل معنى عكسيًا، إذ أنه يشير إلى معاني نقية عفيفة خلال لغه حِسية ملموسة.
خلال مقدمة النص نتعلم شيئًا واحدًا: هؤلاء الذين دخلوا إلى أعماق أسرار هذا السفر ليسوا بشرًا بعد، بل قد تحولوا بالطبيعة خلال تعاليم الرب إلى ما هو إلهي بالأكثر. الله الكلمة قد شهد لتلاميذه بأنهم مميزون عن البشر. وقد جاء هذا التمييز حين قال لهم: “من يقول الناس إني أنا؟” (مر 8: 27)؟ يستخدم سفر النشيد كلمات ظاهرها يشير إلى التمتع باللذة الجسدية. ولكنها في الواقع لا تتضمن أي معنى غير طاهر أوغير لائق، بل هي تقودنا إلى فلسفة الأمور المقدسة خلال المفاهيم الطاهرة. إنها توضح لنا أننا لسنا بعد من لحم ودم ذي طبيعة بشرية لكنها بالحري تشير إلى الحياة التي نتطلع إليها عند قيامة القديسين، حياة ملائكية خالية من كل شهوة.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:21 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
قُبلات فمه
بعد القيامة، يتحد الجسد – الذي صار في عدم فساد – مرة آخرى مع النفس. إن الشهوات التي تحارب جسدنا المائت الآن لن تكون بعد بل تسكن جميعها. وسيبطل النزاع بين الجسد والنفس. ولن تكون هناك بعد حرب الشهوات ضد ناموس العقل، حيث تهزم النفس وتصير أسيرة الخطية. حينئذ تتنقى الطبيعة من كل هذه الأشياء وتكون الروح واحدة (أي لا تعارض بين الجسد والروح) وسوف يبطل كل تدبير جسدي للجنس البشري. وهكذا فإن النشيد يحثنا على الرغم من أننا مازلنا في الجسد ألاَّ تكون أفكارنا جسدانية؛ بل بالحري علينا أن نهتم بالروح وحدها وأن ننسب كل مظاهر العاطفة في النص إلى صلاح الله الفائق كذبيحة طاهرة غير دنسة. لأن الله وحده هو عذب بالحقيقة، مشتهى الأمم ومستحق أن يُحَب. إن تمتعنا الحالي بالله هو نقطة البداءة لنصيب أكبر من صلاحه ويزيد من شوقنا إليه. وهكذا ففي أسفار موسى (خر 33: 11) يقول إن العروس أحبت العريس. كما تقول عروس النشيد “ليقبلني بقبلات فمه”. إن موسى قد خاطب الله وجهًا لوجه كما يشهد الكتاب (تث 34: 10) وهكذا ازداد شوقه إلى هذه القبلات بعد رؤيته لله. لقد بحث عن الله وكأنه لم يره قط. لذلك فهؤلاء الذين لديهم رغبة دفينة واشتياق لله فإن هذا الاشتياق لا يتوقف بلكلما تمتعوا بالله كلما اِزداد اِشياقهم تأججًا إليه.
إن الروح رغم اتحادها مع الله فهي لا تشعر بملء السعادة مطلقًا. كلما تمتعت بجماله زاد اشتياقها إليه. إن كلمات العريس روح وحياة (يو 5: 24)، وكل من التصق بالروح يصير روحًا. كل من التصق بالحياة ينتقل من الموت إلى الحياة كما قال الرب. وهكذا فالروح البكر تشتاق دائمًا للدنو من نبع الحياة الروحية. النبع هو فم العريس الذي تخرج منه كلمات الحياة الأبدية. أنه يملأ الفم الذي يقترب منه مثل داود النبي الذي اجتذب روحًا خلال فمه (مز 118: 131).
لما كان لزامًا على الشخص الذي يشرب من النبع أن يضع فمه على فم النبع، وحيث أن الرب ذاته هو النبع كما يقول: “إن عطش أحد فليقبل إليَّّ ويشرب” (يو 7: 37)؛ لذلك فإن الأرواح العطشانة تشتهي أن تضع فمها على الفم الذي ينبع بالحياة ويقول: “ليقبلني بقبلات فمه” (نش 1: 2).

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:21 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
من يهب الجميع الحياة ويريد أن الجميع يخلصون يشتهي أن يتمتع كل واحد بنصيب من هذه القبلات، لأنها تطهر من كل دنس.
اَعتقد أن الرب كان يوبخ سمعان الأبرص حين قال له: “قبلة لم تقبلني” (لو 7: 45). كان يعني بذلك: لقد كان يمكنك أن تبرأ من مرضك لو أنك انتزعت الشفاء بشفتيك. ولكن على الأرجح أن سمعان لم يكن مستحقًا للحب، إذ أن مرضه سبَّب له نموًا مطردًا في جسده، وقد ظل غير مشتاق لله بسبب مرضه. ولكن حينما تتطهر الروح ولا يعوقها بعد برص الجسد تبدأ في التفتيش عن كنز الصالحات. اسم هذا البيت الذي يضم الكنز هو القلب. من هذا الكنز يمتلئ الثديين بغنى اللبن المقدس الذي به تتغذى الروح وتنتزع البركة بما يوازي إيمانها. لذلك تهتف الروح: لأن حبك (أي ثدياك) أطيب من الخمر” ويشير بالثدي إلى القلب. ولا نخطئ إذا حسبنا أن القلب هنا ما هو إلاَّ قدرة الله الخفية السرية. من الأرجح أن نعتبر أن الثديين هما عمل الله القوي من أجلنا الذي به يشبع حياة كل منا بما يناسبه.
إن فلسفة سفر النشيد تعلمنا بطريق غير مباشر درسًا آخر ألا وهو إنَّ فهمنا للأمور له شقان: مفهوم جسدي ومفهوم روحي. كما يقول الحكيم في سفر الأمثال، “وتجد معرفة الله” (أم 2: 5). هناك نوع من التناظر بين أعمال الروح وأعمال الجسد الحسية، وهذا ما نتعلمه من هذا النص. إننا نميز الخمر واللبن عن طريق حاسة التذوق، بينما الحقائق الروحية تُدرك خلال قدرة الروح على الفهم والتعقل. إن القبلة نتيجة لحاسة اللمس حين تتلامس شفاة شخصين. على الجانب الآخر هناك نوع آخر من التلامس الروحي للكلمة والعمل يتم بطريقة روحية غير جسدية. كما يقول معلمنا يوحنا: “… الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” (1 يو 1:1).
بالمثل فإن رائحة المسيح الزكية لا نشتمَّها جسديًا، ولكن خلال قوة روحية غير مادية، أي بقوة الروح. لذلك تسترسل عروس النشيد في آياته الأولى قائلة: لأن حبك أطيب من الخمر. لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مهراق.” [ع1-2].

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:21 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
اللبن الروحي أفضل من خمر حكمة العالم
ما تشير إليه هذه الكلمات لا يُستهان به. فإنه بمقارنة التمتع بلبن الثديين المقدس والتمتع بشرب الخمر، أظن أننا نتعلم أن الحكمة البشرية والعلم وقوة الملاحظة وفهم الأمور المبدعة… كل ذلك لا يضاهي الشبع الروحي بالتعاليم الإلهية في بساطته. إن اللبن طعام الأطفال يمنحه الثديان، بينما الخمر الذي يمنح القوة والدفء هو متعة لمن هم أكثر نضوجًا واكتمالاً. ولكن على الرغم من ذلك فإن حكمة العالم لا تضاهي التعاليم الطفولية للعالم الروحي المقدس.
وهكذا فإن الثديين المقدسين أفضل من الخمر البشري، ورائحة المسيح الزكية لهي أطيب من أي عطر آخر.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:21 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب
يبدو لي أن ذلك يعني ما يلي:
نحن نفهم أن العطور تمثل الفضائل المختلفة: الحكمة، العدل، ضبط النفس، الجَلَد… وهكذا. إذا ما تعطرنا بهذه العطور، كلٌّ قدر استطاعته واختياره فيكون لكل منَّا رائحة طيبة خاصة، لواحد حكمة أو ضبط للنفس، لآخر جَلَد أو عدل أو أي فضيلة أخرى. آخر يمكن أن يكون له رائحة طيبة داخليًا (داخلية) نتيجة لامتزاج كل هذه العطور. ولكن كل هذه معًا لا تقارن بالفضيلة السماوية الكاملة. كما يقول حبقوق النبي: “جلاله غطى السموات” (حب 3:3). هذه هي حكمة الله، عدل الله، حق الله وما إلى ذلك بصورته المطلقة. لذلك يقول إن رائحة الدهن السماوي تبهج النفس بما لا يقارن بأي نوع آخر من العطور المتعارف عليها.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:21 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
الله لا يُحدّ باسم
يعود عريس النفس مرة أخرى ليقدم فلسفة أكثر سموًا، ويوضح أن القوة الإلهية لهي فائقة تمامًا، لا يمكن إدراكها بالمفاهيم البشرية. يقول النص: “اسمك دهن مهراق” [ع3]. يبدو لى أن هذه الآية تشير إلى الآتي: إن الطبيعة (الإلهية) غير المحدودة لا يمكن حصرها بدقة في اسم؛ بل فوق ذلك فإن كل مقدرة على الفهم وكل صيغة للكلمات والأسماء مهما بدت عظيمة وتناسب مجد الله فهي غير قادرة على إدراك حقيقته. ولكننا نلقي الضوء ونقتفي آثار ما نجهله متحسسين الطريق بكلماتنا، وأيضًا بالمناظرة لما نلمسه ندرك الأمور غير مدركة. ومهما كان الاسم الذي نختاره لنُعبر به عن رائحة المسيح الذكية فنحن لا نستطيع أن نُعبر عن قدر هذه الرائحة، ولكننا إنما نكشف عن مجرد أثر بسيط للرائحة المقدسة باستخدام اصطلاحاتنا اللاهوتية.
إذا ما سكبنا عطر من إناء يصعب أن نتعرف على طبيعة هذا العطر. ولكن إذ يتبخر الأثر البسيط من العطر المتخلف في الإناء نستطيع أن نكِّون فكرة عن العطر الذي سُكب منه. وهكذا نعلم أنه أيًا كان العطر المقدس في جوهره فهو يفوق كل اسم وفكر.
حقًا إن العجائب التي نشاهدها في الكون تعطي مادة للمصطلحات اللاهوتية التي بها ندعو الله حكيمًا، قديرًا، صالحًا، مقدسًا، مباركًا، أبديًا، ديانًا، مخلصًا وهكذا. كل ذلك يعطي دلالة بسيطة عن نوعية رائحة المسيح وخاصيتها حيث تحتفظ الخليقة بآثار الرائحة المقدسة من خلال عجائبها المنظورة كما في مثل إناء العطر. “لذلك أحبتك العذارى” [ع3]. هنا تذكر العروس لماذا مالت العذارى إليه وأحبته. من يستطيع ألا يحب مثل هذا الجمال طالمًا له العين الثاقبة التي تستطيع أن تُدرك مدى جماله؟ إن الجمال الملموس لهُو عظيم، ولكن ما هو بالتأكيد أعظم منه هو الجمال الذي نلمحه بمجرد النظره الخاطفة لهيئته الخارجية.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:22 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
الحب للناضجين!
لا تثير الشهوات الجسدية الأطفال، لأن الطفل غير قادر على الإحساس بها، وهي أيضًا لا تمثل مشكلة بالنسبة للشخص المتقدم في العمر. هكذا الأمر أيضًا بالنسبة للجمال الإلهي: فإن الطفل الذي تهزه كل ريح تعليم والإنسان المتقدم في العمر الذي قد قارب الموت كليهما غير قادرين على الشهوة الجسدية.
إن الجمال الإلهي لا يحرك مشاعر مثل هؤلاء، ولكنه يحرك مشاعر تلك الروح التي قد تجاوزت مرحلة الطفولة وقد بلغت زهرة شباب النضوج الروحي. إذ أن مثل هذه الروح يسميها السفر “العذارى” [ع3]؛ إذ ليس بها أي علامة من علامات تَقدُّم العمر من بقع أو تجاعيد أو ما شابه ذلك؛ فهي لا تفتقر إلى الإدراك الحسِّي لمرحلة الطفولة ولا هي واهية بسبب الكهولة. مثل هذه الروح تعيش في طاعة لأعظم وصية، ألا وهي أول وصية في الناموس أن تحب هذا الجمال الإلهي من كل قلبك ومن كل قوتك (تث 6: 5). إن العقل البشري غير قادر على إيجاد أي وصف، أو تشبيه أو تعبير يناسب هذا الجمال. لذلك فقد نمت تلك العذارى في الفضيلة، وقد دخلن حجال العرس في الوقت المناسب ليكتشفن الأسرار الإلهية.
الآن قد أحببن جمال العريس وخلال هذا الحب دنون منه. لأنه العريس الذي يكافِئ من يحبونه ويقول على لسان الحكيم: “أحب الذين يحبونني”، “عندي الغنى والكرامة” (إن العريس ذاته هو هذا الغنى) “وأملأ خزائنهم” (أم 8: 17، 21). لذلك تشتاق الأرواح إلى عريسها الحيّ الذي لا يموت وتتبع الرب الإله كما هو مكتوب (هو 11: 10). أنهم يحبونه، ويمشون وراءه بسبب رائحته الذكية، أنهم يتقدمون إلى ما هو أمامهم وينسون ما هو وراء. “اجذبني وراءك فنجري” [ع4].

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:22 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
هؤلاء الذين لم يبلغوا بعد كمال الفضيلة وهم بعد أحداث يقدمون وعدًا بأن يسعون نحو الهدف الذي يمثله الرائحة الذكية. لأنهم يقولون، “اجذبني وراءك فنجري”. أما الأرواح الأكثر كمالاً فقد ركضت بأكثر جدية وحققت الهدف فعليًا من هذا السير وقد استحقت الكنز المختزن. إذ تقول: “أدخلني الملك إلى حجاله” [ع4]. لقد اشتهت أن تلمس ما هو طيب بشفتيها وقد لمست الجمال بمقدار قوة صلاتها. فقد صلَّت [ع2] لتستحق قبلة خلال الاستنارة التي يمنحها إياها الكلمة).
والآن خلال ما حققته بلغت ذهنيًا إلى عمق آخر للأسرار، لكنها تصرخ معلنة أنها لم تدرك إلا مدخل الصلاح. إن قبلة العريس قد منحتها استحقاق باكورة نِتاج الروح، فتقول أنها تبحث عن أعماق الله في عمق أقداس الفردوس، وكما قال معلمنا بولس الرسول العظيم: “ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن” (2 كو 12: 4).
الآن نراه يكشف الحديث عن دور كنسي، لأن أولئك الذين أرشدتهم النعمة وقد صاروا شهودًا للكلمة، لا يكتموا الحق محتفظين به لأنفسهم، بل بالأحرى يبشرون به آخرين ممن لحقوهم. لذلك تقول العذارى للعروس التي تمتعت أولاً بالصلاح إذ التقت بالكلمة وجهًا لوجه واستحقت أن تتعرف على الأسرار الخفية: “نبتهج ونفرح بك، نذكر حبك أكثر من الخمر” (نش 1: 4).
لأنك تحب ثدييّ الكلمة أكثر من الخمر فسوف نتشبه بك، ونحب ثدييك أكثر من الخمر البشري، لأنه خلالهما يتغذى الأطفال في المسيح يسوع.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:22 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
حتى نوضح الغرض من هذه الفقرة علينا أن نركز اهتمامنا بالآتي: إن يوحنا الحبيب الذي اتكأ على صدر الرب أحب ثدييّ الكلمة (يو 13: 25)؛ وإذ وضع قلبه بقرب منبع الحياة تمتع بامتصاص الأسرار الخفية التي في قلب الرب كما يمتص الإسفنج.
يعطينا يوحنا الثدي الغني بالكلمة فنمتلئ من الصلاح الذي أخذه يوحنا من منبع الصلاح، معلنًا عن الكلمة الأبدي. لذلك يحق لنا الآن أن نقول: نذكر حبك أكثر من الخمر” إذا ما صرنا كالعذارى ولم نعد أطفالاً في أذهاننا تحت نير نوع من التفاهة الطفولية، وإذ لم نتدنس بعد بالخطية فندنو من الموت في كهولتنا. لذلك دعنا نحب فيض التعليم الإلهي لأنهم “بالحق يحبونك” [ع4]. هذا هو التلميذ الذي كان يسوع يحبه، والمسيح هو الحق. ينسب النص هنا للمسيح اسمًا أكثر جمالاً وملاءمة للرب، أفضل من داود النبي الذي قال: “أن الرب مستقيم” (مز 9: 15). إن الرب يسمى بالحق في هذا النص. لأنه يجعل المعوج مستقيمًا. ليصير كل المعوج مستقيمًا والعراقيب سهلاً (إش 40: 4) بنعمة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد دائمًا أبديًا آمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:24 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
إننا نحبه لأجل شخصه، لا لأجل مكافأته أو عطاياه

سفر نشيد الأنشاد


  • نشيد الأناشيد الذي لسليمان.
  • ليقبلني بقبلات فمه، لأن ثدييك أفضل من الخمر.
  • رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب. اسمك دهن مهراق. لذلك أحبتك العذارى.
  • اجتذبني، فنجري ورائك نحو رائحة أدهانك. أدخلني الملك إلى حجاله. نبتهج ونفرح بك. نذكر حبك أكثر من الخمر. بالحق يحبونك! البسوا ثوب العرس!
[يرى القديس غريغوريوس أن إدراك أسرار هذا السفر – سفر العرس السماوي – هو موهبة يقدمها العريس السماوي لعروسه التي تختفي فيه، كما في ثوب ملوكي مقدس… لهذا لاق بالنفس أن تخلع عنها ثوب الأفكار الجسدانية حتى ترتفع بروح الرب إلى حجال عريسها وتتأهل للتمتع بأسراره.]
أنتم يا من – حسب نصيحة القديس بولس – قد تجرّدتم من الإنسان العتيق بأعماله وشهواته كما من رداء قذر، وارتديتم بطهارة حياتكم ملابس الرب اللامعة التي ظهر بها على جبل التجلي.
يا من لبستم الرب يسوع المسيح بثوبه المقدس، وتغيرتم معه إلى التحرر من الأهواء، وتبعتم الإلهيات.
استمعوا الآن إلى أسرار نشيد الأناشيد.
ادخلوا إلى حجال العريس الطاهر، والبسوا الثياب البيضاء التي للأفكار الطاهرة النقية.
لا يكن لأحد شهوات وأفكار جسدية وثوب ضمير غير لائق بالعرس الإلهي.
ليتخلص كل أحد من أفكاره الشخصية، ولا يربط أقوال العريس والعروس بالأهواء الجسدية الحيوانية.
كل من يظهر أنه مرتبط بهذه الأفكار المشينة يلزم طرده من صحبة المتمتعين بأفراح العرس إلى موضع النحيب (مت 22: 10-13).

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:24 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
حياة الحب لا الخوف!
[بعد أن طلب القديس منا أن نخلع ثوب الأفكار الجسدانية ونرتدي مسيحنا ثوبًا مقدسًا، طالبنا أن نلتقي بعريسنا على مستوى الحب الحقيقي، لا الخوف. نطلبه لأجل حبنا له، وليس خوفًا من أن نفقد المكافأة. إننا نحبه لأجل شخصه، لا لأجل مكافأته أو عطاياه.]
قدمت هذا التحذير قبل أن أورد التفسير السري لنشيد الأناشيد، حيث تحيط كلماته النقية الروحية غير الجسدانية بالنفس وتوحِّدها مع الله. لأن الله الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4)، يظهر هنا طريق الخلاص الأكمل والمطوَّب، أقصد طريق الحب. فبالنسبة للبعض يتم الخلاص بالخوف: الخوف من العقاب في جهنم، وبهذا يبتعدون عن الشرور. والبعض الآخر يسلكون في طريق الفضيلة مترجين المكافأة من أجل الحياة التقوية. هؤلاء لا يعملون الخير من أجل الحب بل انتظارًا للإثابة.
على الجانب الآخر نجد أن الشخص الذي يُسرع إلى الكمال الروحي يرفض الخوف (لأن الخوف هو عبودية؛ ومثل هذا الشخص الخائف لا يبقى مع سيده من أجل الحب. فإنه لا يهرب لئلا يُجلد). بينما الشخص الذي يطلب الكمال هو الذي يستخف حتى بالمكافأة، فإنه لا يرغب في أن يُشار إليه بأنه يفضل الهدية على مهديها. أنه يحب “من كل قلبه ونفسه وقوته” (تث 6: 5)، ليس من أجل الأشياء التي يهبها الله له، بل يحب الله مصدر كل الصالحات. هذا هو ما يأمر به الله كل النفوس التي تصغي إليه، فإنه يأمرنا أن نشاركه حياته.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:24 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
بين السيد المسيح وسليمان
سليمان هو الذي أسس هذا القانون (1 مل3: 12 ؛ 5: 9-14). فبحسب الشهادة الإلهية، فاقت حكمته كل المقاييس، ولم يكن لها مثيل في كل من سبقوه وكل من أتوا بعده. كان ثاقب الفكر، لا تخفي عنه خافية.
لا تظن أنني أقصد سليمان الذي من بئر سبع، والذي قدم آلاف الذبائح على الجبال (1 مل 11: 6-8)، والذي أخطأ بعد أن أغوته المرأة التي من صيدا (1 مل 11: 1-2). كلاَّ، أنه سليمان الآخر (المسيح) هو المُعنى به هنا، ذاك الذي جاء من نسل داود حسب الجسد، واسمه يعني سلامًا، الملك الحقيقي لإسرائيل وباني هيكل الله. سليمان الآخر هذا عنده معرفة كاملة بكل شيء. حكمته غير محدودة، وجوهره هو حكمة وحق، واسمه ممجد وإلهي وأيضًا فكره.
استخدم المسيح سليمان كأداة وكلمنا خلال فمه أولاً في الأمثال ثم في الجامعة. وبعد هذين السفرين تكلم خلال الفلسفة التي تضمنها نشيد الأناشيد موضحًا لنا كيف يكون التدريج إلى الكمال بترتيب.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:25 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
بين الأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد
[يقدم القديس عرضًا رائعًا لهذه الأسفار الثلاثة بكونها الأسفار التي تسند المؤمن عبر كل حياته. يسنده سفر الأمثال كما من طفولته الروحية، ويسلمه إلى سفر الجامعة كإنسان عبر إلى نوع من النضوج، وهذا يسلمه إلى سفر نشيد الأناشيد، سفر العروس الكاملة المتحدة بعريسها، تتعرف على أسراره الإلهية.]
الإنسان غير قادر في كل مرحلة من مراحل حياته على إنجاز كل نوع من العمل. وأيضًا نجد أن حياتنا لا تتقدم بنفس الأسلوب في مراحل حياتنا المختلفة.
(فالطفل لا يستطيع أن يقوم بأعمال الإنسان الناضج، والناضج أيضًا لا يُحمَل بين يديّ مرضعته. إذًا فلكل مرحلة من العمر نشاطها الذي يناسبها.)
إذًا نجد أن النفس تنمو كالجسد أيضًا بترتيب خاص وتدرُّج يؤدي بها إلى حياة الفضيلة. فسفر الأمثال له أسلوبه المميز في تعاليمه، وسفر الجامعة له أسلوب آخر، بينما فلسفة نشيد الأناشيد تسمو على كليهما بتعاليمها الفائقة.
إن تعاليم سفر الأمثال تناسب الشخص الحديث السن، حيث أن كلماته تحث على أعمال تتلائم مع هذه المرحلة من العمر. “اسمع يا ابني تأديب أبيك ولا ترفض شريعة أمك” (أم 1: 8).
نرى هنا أن النفس في هذه المرحلة من العمر تتميز بليونة حيث يسهل تشكيلها، وأيضًا تكون بعد في احتياج للإرشاد والتشجيع الأبوي. يجب على الآباء (والأمهات) أن يتفهموا كيف يشجعوا أطفالهم ليكونوا أكثر حرصًا في استذكار دروسهم وأيضًا في الإصغاء بأكثر اهتمامٍ لنصائح والديهم، ربما عن طريق الوعود بتقديم هدايا لطيفة من وقت لآخر، مثل تقديم سلسلة ذهبية براقة حول عنقه أو تاج مزين بورود جميلة. على الوالدين تفهم مثل هذه الأمور تمامًا إذا ما كانت نيتهم وراء ذلك هو تقدُّم أولادهم.
هكذا فإن سفر الأمثال يبدأ بوصف الحكمة للطفل بطرق متنوعة، ويشرح الجمال الذي يفوق الوصف بحيث لا يوحي بأي خوف أو ارتباك بل بالأحرى يجذب الطفل إلى الشوق والرغبة في عمل الصلاح. إن وصف أوجه الجمال يجذب الشاب بطريقة ما للرغبة فيما يشاهده من هذا الجمال، وبالتالي يثير رغبته للمشاركة فيه.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:25 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
ثم يزيِّن سليمان جمال الحكمة بتمجيدها، وذلك حتى يزداد حبنا للحكمة بعدما تحولت ميولنا المادية إلى أخرى غير مادية. ليس أن سليمان يصور جمالها بالكلمات فحسب بل أنه أيضًا يذكر مقدار الغنى المذخَّر في الحكمة، حكمة الله التي تقطن معنا حتميًا. حينئذ نشاهد هذا الغنى في الحكمة الرائعة الزينة. إن الزينة على يمينها طول الأيام، إذ أن كلمات الحكيم تقول: “في يمينها طول الأيام” (أم 3: 16). وتلبس على يسارها ثروة الفضيلة الثمينة وعظمة المجد معًا؛ “وفي يسارها الغنى والمجد” (أم 3: 16).
ثم يتحدث سليمان عن العبير الذي يفوح من فم العروس، نسيم الرائحة الذكية التي للفضيلة: “من فمها يخرج كلام البرّ” (3: 16). وبدلاً من اللون الأحمر الطبيعي لشفتيّ العروس يقول إن الشريعة والرحمة تخرج من شفتيها. وحتى يكمل جمالها يمدح أيضًا خطواتها فيقول “في طريق العدل اتمشَّى في وسط سبل الحق” (أم 8: 20).
في مدحه لجمالها يمدح سليمان أيضًا ضخامة حجمها الذي يشبه شجرة مورقة عظيمة. وهذه الشجرة التي يبلغ ارتفاعها ارتفاع قامة عروسه، هي شجرة الحياة على حد قوله، وهي تغذي من يلتجئ إليها، وهي دعامة قوية وراسخة لمن يتكئ عليها كما على الرب، فهي بالمثل ثابتة. وتُمتدح قوتها أيضًا حتى يكون تمجيد جمال الحكمة كاملاً، مشتملة على كل ما هو صالح. “الرب بالحكمة أسس الأرض. أثبت السموات بالفهم” (أم 3: 19). ينسب سليمان جميع عناصر الخليقة إلى قوة الحكمة ويصفها بأسماء كثيرة، كلٍ يحمل المعنى ذاته للحكمة مثل التعقل، الإدراك الحسن، المعرفة، الفهم وما شابه ذلك.
ثم يرافق سليمان الشاب إلى محل إقامة خاص ويحثه ليتفرس في حجرة العرس. “لا تتركها فتحفظك، اَحببها فتصونك. الحكمة هي الرأس. فاقتنِ الحكمة وبكل مقتنياك اقتن الفهم. ارفعها فتُعلِّيك. تمجدك إذا اعتنقتها. تعطي رأسك إكليل نعمة. تاج جمال تمنحك”.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:25 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
والآن فإن الشاب المزيَّن بتاج العرس يحثه العريس على عدم ترك الحكمة “إذا ذهبت تهديك، إذا نمت تحرسك، وإذا استيقظت فهي تحدثك” (أم 5: 22). بتلك الطرق وبأخرى حث سليمان الشاب بحسب الإنسان الباطن وأشعل رغبته للتمسك بالحكمة، إذ الحكمة تصف نفسها. بذلك انتزع سليمان حب كل من استمع إليه. إلى جانب ذلك فالحكمة تقول: “أنا أحب الذين يحبونني” (أم 8: 17)، إذ أن اشتياق المحب هو إن يُرَدَ له الحب بالحب، يؤدي به إلى رغبة شديدة بالأكثر. أضاف سليمان إلى هذه الكلمات نصائح آخرى بتصريحات أكثر وضوحًا وسلاسة. وقد قاد سليمان الشباب إلى المثالية في أروع صورها في الآيات الأخيرة من سفر الأمثال، حيث يقول “مبارك” هو اتحاد الحب، في هذا الجزء الذي يخص مدح المرأة الفاضلة.
يضيف سليمان فلسفة سفر الجامعة إلى الشخص الذي أخذ قسطًا تمهيديًا وافيًا من التدريبات المشتمل عليها سفر الأمثال، وصار مشتاقًا إلى الفضيلة.
بعد أن وبخ سليمان في سفر الجامعة سلوك الإنسان تجاه المظاهر الخارجية، وبعد أن قال إن كل ما هو غير ثابت هو باطل وعابر “كل ما يأتي باطل” (جا 11: 8). نجد سليمان بعد ذلك قد ارتفع فوق كل الأشياء المحسوسة، أي حركة الحب التي توجه نفوسنا تجاه الجمال غير منظور.
وهكذا إذ غسل القلب من الأمور الخارجية بدأ سليمان يمهد النفس للدخول إلى قدس الأقداس خلال نشيد الأناشيد. إن نشيد الأناشيد يصف عرسًا إنما ما يفهم ضمنًا هو اتحاد النفس البشرية مع الله.
لذلك فإن الابن الشاب في سفر الأمثال يسمَّى العروس وتتخد الحكمة دور العريس، حتى أن الإنسان يستطيع أن يتحد بالله إذ يصير عذراء طاهرة بدلاً من كونه العريس. بالتصاقه مع الرب يصير الإنسان روحًا واحدًا معه (1 كو 6: 17) من خلال الوحدة، مع ما هو طاهر ونقي ذهنيًا بدلاً من التثقل بالجسد وأهوائه.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:25 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
ليلتهب قلبك حبًا نحو العريس السماوي!
بما أن الحكمة هي التي تتكلم، إذًا فلتُحب قدر ما تستطيع بكل قلبك وكل قوتك (تث 6: 5)؛ لتكن فيك هذه الرغبة قدر استطاعتك. وإنني اتجاسر فأضيف لهذه الكلمات: “لتكن توَّاقًا لذلك”. هذا الشعور تجاه الأمور غير الجسدية، إنما هو فوق الشبهات وخالي من الشهوة، كما تقول الحكمة في سفر الأمثال عند وصفها للحب المتقد للجمال الإلهي.
لكن النص أمامنا الآن يحثنا بالمثل. أنه لا يقدم لنا مجرد نصيحة بخصوص الحب، لكن من خلال الأسرار التي لا يُنطق بها يفلسف صورة مباهج الحياة، مقدمًا لنا إياها كاستعداد لإرشاداتها. إن الصورة هي إحدى صور الزفاف حيث الرغبة في الجمال تمثل الوسيط. لا يبدأ العريس بإظهار رغبته حسب العادة البشرية الطبيعية، لكن العروس هي التي تبادر بإظهار مشاعرها بلا خجل وتتوسل أن تحظى بقبلات العريس.
إن الذين يخدمون الخطيبة البكر ويلازمونها هم البطاركة والأنبياء ومعلمي الناموس. إنهم يقدمون للعروس هدايا العرس، كما كانت. (من أمثلة هذه الهدايا: غفران المعاصي، نسيان الأعمال الشريرة، غسل الخطايا، تغيير الطبيعة، أي تصير الطبيعة الفاسدة طاهرة، التمتع بالفردوس، وكرامة ملكوت الله، والفرح اللانهائي.) عندما تتقبل العروس كل هذه الهدايا من النبلاء الحاملين لها والذين يقدمونها خلال تعاليمهم النبوية حينئذ تعترف باشتياقاتها ثم تسرع لتتمتع بامتياز جمال الواحد طالما اشتاقت إليه.
يصغي خدام البتول ومرافقوها إليها ويحثونها بالأكثر لاشتياق متزايد. ثم يصل العريس قائدًا جوقة من المغنين فيما بينهم أصدقاؤه والذين يترجون خيره. هؤلاء يمثلون الأرواح الخادمة التي تنقذ الإنسان أو الأنبياء الأطهار. عند سماع صوت العريس يفرحون (يو 3: 29)، عندما يتحقق الاتحاد الطاهر حيث تصير النفس الملتصقة بالرب روحًا واحدًا معه كما يقول الرسول (1 كو 6: 17).

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:25 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
الإعداد لفهم السفر
سأعود ثانيًا إلى ما سبق إن قلته في بداية هذه العظة: لا تدع أي شخص شهواني أو جسداني تنبعث منه رائحة الإنسان العتيق الكريهة (2 كو 2: 16) أن يقلل من أهمية الأفكار والكلمات المقدسة، ويستبدلها بأخرى شهوانية حيوانية، بل بالأحرى ليخرج كل إنسان من الأنا ويعتزل العالم المادي. ليصعد إلى الفردوس خلال قطع رباطات العالم إذ صار مثل الله خلال النقاوة. ثم نقول ليدخل كل منا إلى قدس أقداس الأسرار المعلنة في هذا الكتاب (سفر نشيد الأناشيد).
إذ ما كانت النفس غير مستعدة لسماع ذلك فلتنصت لموسى النبى الذي يمنعنا من الصعود على الجبل الروحي قبلما نغسل ثياب قلوبنا وأيضًا ننقى نفوسنا برش الماء المقدس اللائق لتنقية أفكارنا أولاً وبالتالي نفوسنا.
وحينما نتكرس لمثل هذه التأملات علينا إن نلقي جانبًا فكرة الزواج كما أمر موسى (خر 19: 15) حينما أمر الذين بدأوا بغسل ثيابهم بألاَّ يقربوا امرأة. علينا أن نتبع إرشاداته حينما نكون على وشك الاقتراب من الجبل الروحي لمعرفة الله: إذ أن الأفكار عن النساء وما يصاحبها من حب اقتناء الماديات يجب أن يُترك جانبًا مع اعتزال الحياة السفلية.
إذا ما قامت أي نزوة غير منطقية عند سفح الجبل يجب إن تُحطم بقوة مضادة من أفكار أكثر حزمًا كما لو كانت تُرجم بالحجارة. وإلا فسوف يصعب علينا أن نسمع صوت البوق الذي يتردد بصوتٍ عالٍ وعظيم يفوق طاقه السامعين. يصدر هذا الصوت من مكان وجود الله الخفي، والذي يحرق كل ما هو مادي فوق هذا الجبل.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:27 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
“اَخبرني يا من تحبه نفسي”.

سفر نشيد الأنشاد


السهر في الشر!
[تشعر العروس بمرارة حينما تجد النفس التي كان يلزمها أن تحرس الفردوس الذي وهبها الله إياه، إذا بها تسهر على تحطيمه. عوض حراسة الصلاح الذي وهبها الله إياه، إذا بها تصير حارسة للشر لئلا تفقده!]
هكذا كان كرم سدوم، وأيضًا عمورة التي أدينت؛ خلالهما قد بث غضب الحيات المميت وقد انسكب في معصرة سدوم المملوءة شرورًا (يؤ 3: 14). وإلى يومنا هذا يوجد كثير ممن يسهرون بحماس على شهواتهم، خشية أن يفقدونها.
لاحظ الإنسان الشرير الذي يسهر على الزنى متمثلاً في الشر والجشع. مثل هؤلاء الذين يسهرون على الشر يعتبرون أن الحرمان من الخطية خسارة. وفي حالات أخرى يمكن للإنسان بالمثل أن يلاحظ الذين يستمتعون بالشهوات والتفاهات أو ما شابه ذلك، قد أحاطهم دائمًا أناس من كل نوع يسهرون على مثل هذه الشرور وقد اعتبروه امتيازًا ألا يُحرموا من الشهوات أبدًا.
تعبِّر العروس عن مرثاتها قائلة: قد صرتُ سوداء لأنني كنت أحرس وأرعى زوان العدو (مت 13: 25) وسهامه الشريرة، “أما كرمي فلم أنطره.” كم تشعر العروس بالأسى حينما تجد من حولها يرددون “أما كرمي فلم أنطره!”
إن صدى هذه الكلمات لهو حقًا مرثاةً تجعل الأنطره ينوح بكل وجدانه
كيف صارت صهيون المدينة الأمينة المملوءة عدلاً عاهرة؟
كيف تركت ابنة صهيون كخيمة في الكرم؟
كيف تُركت المدينة التي كانت يومًا ما عامرة بالناس، مهجورة؟
كيف صارت المدينة التي كانت متسلطة على المناطق المجاورة لها، تحت الجزية؟
كيف اِكدرَّ الذهب وتغير الإبريز الجيد (مرا 4: 1)؟
كيف صارت سوداء، هذه العروس التي كانت تشع بالنور الحقيقي في البدء؟
“كل هذا قد حدث لي” تقول العروس “لأن كرمي لم أنطره”.
الخلود هو الكرم، هو حالة تحرر من الشهوات، تشبه بالله وتغرب عن الشر. إن ثمرة هذا الكروم هي النقاوة. هذا هو عنقود العنب الناضج البرَّاق الذي يدفئ حواس النفس ويعطيها عذوبة في طهارة. محلاق العنب هو الاتحاد والنسب للحياة الأبدية.
إن النباتات التي تنمو ما هي إلا الفضائل السماوية التي ترتفع إلى قامة الملائكة. إن الأوراق تنبت وتتحرك برقة على الأغصان مع النسيم الهادئ، وزينة الفضائل المقدسة المتعددة الوجوه التي تنبت مع النفس كلاهما معًا.
تقول العروس إنه رغم أنها امتلكت كل ذلك وقد أثمرت إلا أنها قد صارت سوداء: “أما كرمي فلم أنطره”، إذ نبذت الطهارة صارت في صورة مظلمة. هذا الجلد هو رداء أو الشكل الخارجي الأسود (تك 3: 21). لكن البر قد أحبني. فإنني أتقبل نصيبي السعيد إذ صرت جميلة ومضيئة. لن أفقد جمالي مرة أخرى، إذ فشلت قبلاً بسبب جهلي أن أحافظ على كرمي وأحرسه”.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:28 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
صرخة إلى الراعي
إذ أخفقت العروس في حراسة كرمها، أحجمت عن التحدث مع بنات أورشليم. بدأت تنادي عريسها خلال الصلاة وتكشف لحبيبها عن أفكارها القلبية. ماذا تقول؟
أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى؟ أين تربض عند الظهيرة؟ لماذا أكون كمقنَّعة عند قطعان أصحابك” (نش 1: 7).
“أين ترعى أيها الراعي الصالح، يا من تحمل القطيع كله على كتفيك؟ لأنك إنما حملت خروفًا واحدًا على كتفيك ألا وهو طبيعتنا البشرية.
أرني المراعي الخضراء.
عرفني مياه الراحة (مز 22: 2).
قدني إلى العشب المشبع.
ادعني باسمي (يو 10: 16)، حتى أسمع صوتك، أنا خروفك، اَعطني حياة أبدية.
اَخبرني يا من تحبه نفسي“.
إنني أدعوك هكذا لأن اسمك فوق كل اسم (في 2: 9). أنه لا يوصف، وغير مدرك بالعقل البشري. لذلك فإن اسمك يكشف عن صلاحك، علاقتي بك روحية.
كيف لا أحبك يا من أحببتني بشدة؟ رغم أني سوداء، فقد وضعت حياتك من أجل خرافك (يو 15: 13)، أنت راعيهم.
ليس لأحد حب أعظم من هذا، لأنك بذلت حياتك لتمنحني الخلاص.
قل لي إذًا أين ترعى؟ عندما أجد مرعى خلاصك حينئذ أشبع بالطعام السماوي؛ الذي بدونه لا يدخل أحد إلى الحياة الأبدية. وحين أجري إليك أيها الينبوع سوف أشرب من الينبوع الإلهي الذي جعلته يتدفق ليروي كل من يعطش إليك. إذ ضُرِب جنبك بالحربة للوقت خرج دم وماء (يو 19: 34). ومن يشرب منه يصبح ينبوع ماء حيّ للحياة الأبدية (يو 4: 14). إذا رعيتني ستجعلني أستريح بسلام خلال منتصف النهار في الضوء الخالي من الظلال. لأنه لا توجد ظلال في منتصف النهار، عندما ترسل الشمس أشعتها عمودية فوق الرأس. وستجعل ضوء منتصف النهار يُريح كل من أطعمته وتأخذ أطفالك معك في فراشك (لو 11: 7). لا يستحق أحد أن يأخذ راحة منتصف النهار إلا ابن النور والنهار (1 تس 5:5). الشخص الذي فصل نفسه من ظلمة الليل إلى الفجر، سوف يستريح في منتصف النهار مع شمس البرّ (ملا 4: 2).
اَخبرني، قالت العروس، أين استريح؟ أرني مكان الراحة في منتصف النهار لئلا اَبتعد وأضل بجهلي عن قيادتك الحنونة، فأعرف أين أرجع لبقية قطيع غنمك.
تتكلم العروس هذا الكلام بروح الرجاء إلى الله وتكافح لكي تتعلم وتفكر كيف تحتفظ بجمالها إلى الأبد. ولكنها ليست متأكدة بعد، إنها مستحقة لصوت العريس. ولأن الله يتنبأ لها بشيء أفضل محجوز لها، وهذا هو أن مقدمة فرحها ومتعتها قد تلهب رغبتها إلى شيء أقوى. وهكذا تسبب رغبتها إلى زيادة فرحها.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:28 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
اِعرف نفسك!
ولكن يتكلم أصدقاء العريس مع العروس عن مستقبلها الأبدي العظيم. وكانت نصيحتهم غامضة، وعبروا عنها كالآتي: “إن لم تعرفي أيتها الجميلة بين النساء، فاُخرجي على آثار الغنم واِرعي جداءك عند خيام الرعاة” [ع8]. ويظهر الغرض من هذه الكلمات مما أسلفنا شرحه. ولكن الترتيب في النص غير واضح. فما معنى “الخيمة؟ فأسلم طريقة للفهم هي ألا يجهل الشخص نفسه.
يجب على كل إنسان أن يعرف نفسه كما هو، وأن يميز نفسه عن ما لا يخصه، حتى لا يجد نفسه يحتفظ بما هو غريب عنه دون وعي. ويحدث هذا للأشخاص المهملين الذين لا يراعون أنفسهم، فإنهم يهتمون بالقوة والجمال والعظمة والمركز وفائدة الثروة والغرور وضخامة الجسم ورشاقة الشكل أو أي شيء مادي يخصهم. ويتصف مثل هؤلاء الأشخاص بأنهم حراس مهملون، لأنهم ينجذبون نحو الخطأ فلا يحرسون ما هو صالح لهم.
كيف يتمكن أي شخص من أن يعتني بما لا يعرفه؟ أحسن وسيلة للحفاظ على ما عندنا من خير هو أن نعرف أنفسنا.
كل شخص يلزم أن يعرف من هو، وأن يقدر إمكانياته بدقة، ويُميز بين ما هو عرضي وما هو حقيقي حتى لا يجري وراء الأوهام. الشخص الذي يُعلي قدر الحياة في هذه الدنيا، ويحسب قيمتها كأمر يجب الحفاظ عليه لا يعرف أن يحدد ما له مما هو غريب عنه.
كل ما هو مؤقت لا نملكه. كيف نحتفظ بما هو عابر ومؤقت؟ يوجد واحد فقط في هذا العالم ليست له طبيعة مادية وهو الله الأبدي. فكل العالم المادي يفنى من خلال تغيرات سريعة ومتتابعة.
الشخص الذي يفصل نفسه عن الله الدائم إلى الأبد يضيع بعيدًا في الهاوية.
من يفصل نفسه عن الله سوف يُحمل بالضرورة إلى اتباع الشيطان. ومن يملك ويهتم بالأشياء المؤقتة ويبحث عن الله يصل في النهاية إلى خيبة الأمل، ويفصل نفسه عن الله، ولا يتمكَّن من الوصول إلى أي هدف.
يعطي أصدقاء العريس النصيحة الآتية: “إن لم تعرفي نفسك، أيتها الجميلة بين النساء فاُخرجي على آثار الغنم واِرعي جداءك عند خيام الرعاة

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:28 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
ما معنى هذا؟
الشخص الجاهل لا يعرف قيمة نفسه، يترك قطيع الغنم ويرعى مع الجداء التي رفضها السيد المسيح ووضعها عن يساره (مت 25: 23). لذلك فالراعيا لصالح يضع غنمه على يمينه ويفصل الجداء من القطيع الجيد ويضعها على يساره. لنتعلم من أصدقاء العريس أن نكون واعين لطبيعة الأشياء ولا نحيد عن الحق بحفظ خطواتنا ناحيته.
تحتاج هذه النقطة إلى دراسة متعمقة. كثير من الناس لا يعرفون موقفهم من الحقيقة. لذلك يقتنعون بالطريق التي سلكها من سبقوهم، وينقصهم الحكم الصحيح على الحق، وينقصهم المنطق السليم. ويخطئون عندما تتاح لهم فرصة الحكم على الصلاح، والنتيجة أنهم يختارون لأنفسهم القوة والمركز العالي والمادة في هذا العالم: إنهم يهتمون بما يمتلكونه من مادة بينما لا يعرفون ماذا يستفيدون بها بعد مماتهم. إن العادات البشرية ليست تأمينًا جيدًا للمستقبل لأنها غالبًا ما تقودنا إلى قطيع الجداء بدلاً من الغنم.
يعطي الإنجيل فكرة واضحة عن موضوع الغنم. الشخص الذي يبحث فيما يخص الطبيعة البشرية سوف يحتقر العادات الغير منطقية، ويعتبر كل ما يُسيء للنفس أنه خطية، لذلك لا يفيدنا أن نتبع آثار أقدام الماشية التي ترمز إلى حياة من سبقونا على الأرض. وذلك لأن اختيارنا لما نعمله من الأشياء الظاهرة يظل غير واضح إلى أن نرحل من هذه الحياة، وهناك سوف نعرف من الذي تبعناه. فالشخص الذي يتبع خطوات من سبقوه ويعتبر العادات السارية في هذا العالم دليلاً له، ولا يُميز الخير من الشر إلاّ على أساس الأمر الواقع، غالبًا ما يقع في الخطأ. ويُصبح من فريق الجداء في اليوم الأخير بدلاً من فريق الخراف. لذلك يلزم أن نسمع إلى أصدقاء العروس: أيتها النفس الطيبة، بالرغم أنك كنت سابقًا سوداء، لكن إذا أردت أن تحتفظي بشكلك الجميل على الدوام فلا تقتفي آثار أقدام الذين سبقوك في الحياة. لأنك لا تعرفين إذا كانت آثار الأقدام التي تتبعينها هي مسار للجداء أو للغنم. لذلك يجب الاحتراس لئلا نوضع بعد الموت مع القطعان التي اقتفينا آثار خطواتها بجهل أثناء الحياة.
إذن لم تعرفي نفسك أيتها الجميلة بين النساء، فاُخرجي على آثار الغنم، واِرعي جداءك عند خيام الرعاة” (نش 1: 8). يمكن فهم هذه الفقرة بسهولة أكثر إذا رتبت كلماتها كالآتي: “إذا كنت لا تعرفين نفسك أيتها الجميلة بين النساء فلقد اقتفيتِ أثر خطوات القطعان، وأطعمتِ الجداء أمام خيام الرعاة”. وهنا يتوافق المعنى بالضبط مع تفسير النص كما سبق. ولكي لا تعاني من سوء الحظ، راقبي نفسك كما يُشير بذلك النص. لأن هذا هو الطريق المؤكد لحماية نفسكِ، ويمكن التحقق من أن الله قد وضعنا في مستوى أعلى بكثير من بقية المخلوقات. فلم يصنع السموات على هيئته ولا القمر أو الشمس أو النجوم الجميلة أو أي شيء آخر تراه في الخليقة. أنت وحدك قد خُلقت على مثال هذه الطبيعة التي تعلو فوق أي إدراك، على هيئة الجمال الأبدي وصورته، كما استقبلت البركات الإلهية الحقيقية، وختم النور الحقيقي، وستصيرين مثله عندما تنظر إليه. وعندما تقتدين به هذا الذي يشرق في داخلك (2 كو 4: 6) وينعكس نوره بواسطة طهارتك.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:28 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
أنت أعظم ما في الخليقة!
لا يوجد في الخليقة ما يُقارن بعظمتك، فكل ما في السموات تحتويها يد الله، والأرض والبحر تمتلكها راحة يده، وأما أنتِ فيمكنك أن تحتوي الله العظيم. فبالرغم من أنه يمسك كل الخليقة في راحة يده إلا أنه يمكنك أن تحتوي الله. فالله يسكن فيك، ويخترقك وهو ليس محصور داخلك. إنه يقول إني سأسكن فيهم وأسير بينهم (2 كو 6: 16).
إذا وعيت ذلك لا تنظر عينك إلى أي شيء مادي أرضي، لا تفتكر أن السموات عجيبة جدًا وفوق الإدراك. كيف تنظر بتعجب إلى السموات أيها الإنسان إذا كنت ترى أنك أكثر منها بقاءً؟ فالسموات سوف تزول (مت 24: 35)، وأنت تبقى في الأبدية مع ذاك الذي يبقى على الدوام.
لا تتعجب من ضخامة الأرض أو اتساع المحيط فلقد عُينت سائقًا لهما كما على زوج من الخيل، وهى على ضخامتها واتساعها طيّعة لإرادتك. فالأرض تمدك بما تريده، والبحر يعطيك ظهره كحصان أليف لكي تركبه إلى حيث تريد.
إن لم تعرفي نفسك أيتها الجميلة بين النساء” فإنك سوف تنظرين بازدراء للكون كله. وباستمرارية النظر إلى الخير الروحي فسوف لا تهتمين بخطوات هذه الحياة التائهة. اِفحصي نفسك باستمرار، ولا تُخدعي بواسطة قطيع الجداء. وفي النهاية سوف لا تُعزَلي مثل الجداء، بل كالخراف في يوم الحساب وسوف توضعي عن يمين العريس، وتسمعي الصوت العذب الذي يقول للخراف الطيبة المغطاة بالصوف: “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34). ليتنا نكون مستحقين لهذا الملكوت في المسيح يسوع ربنا له المجد إلى دهر الدهور أمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:31 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
بحب المسيح لها تغيرت طبيعتها من السواد

إلى الجمال الروحي السماوى

سفر نشيد الأنشاد


5 . أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كخيام قيدار كشقق (جلود) سليمان.
6 . لا تنظرن إليَّ لكوني سوداء، لأن الشمس قد لوحتني (تتطلع إليَّ بغضب). بنو أمي غضبوا عليَّ، جعلوني ناطورة (حارسة) الكروم؛ أما كرمي فلم أنطره (أحرسه).
7 . اَخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى تربض عند الظهيرة. لماذا أنا أكون كمقنَّعة عند قطعان أصحابك؟!
8 . إن لم تعرفي نفسك، أيتها الجميلة بين النساء، فاُخرجي على آثار الغنم، واِرعي جداءك عند خيام الرعاة.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:31 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
جمال الخيمة الداخلي
[منظر خيمة الاجتماع عجيب، من الخارج مغطاة بجلود ماعز وكباش، أما من الداخل مملوء بهاءً. هكذا سفر النشيد، الذي فيه يجتمع الله بكنيسته، كما في حجال العرس. من الخارج كلمات لا يدرك الأطفال في الإيمان أسرارها، أما في أعماقها فتسبحة حب زيجي لا يُعبر عنها!
سفر النشيد يمثل حياة المؤمن الحقيقي، من الخارج ضعفات وألآم مُرة، ومن الداخل بهجة ونور سماوي عجيب.]
المنظر الخارجي لخيمة الاجتماع المقدسة لا يُقارن بمدى كرامة الجمال الخفي داخلها. كان الغطاء الخارجي للخيمة مصنوعًا من نسيج الكتان ومن شعر الماعز (خر 26: 7)، وأيضًا لفائف حمراء (جلود) وقد أُضيفت إلى زينة الخيمة الخارجية. لم يُرَ أي شيء آخر خلاف ذلك ذو قيمة ثمينة بالنسبة للمنظر الخارجي للخيمة. أما عن داخل خيمة الشهادة فقد تلألأت بالذهب والفضة والأحجار الكريمة (عب 9: 2-5). كان هناك أعمدة وقواعد وتيجان للأعمدة، مبخرة، مذبح، سرج، تابوت، منارة، كرس الرحمة، المرحضة، والستائر في الداخل. كانت الستائر الجميلة مصنوعة من ألوان متنوعة من الصباغة الفنية: ونسيج ذهبي مطرز بأناقة بأيدي صنَّاع مهرة باللون بالاسمانجوني والأرجوان والكتَّان والقُرمز وممزوجة بكل مادة لتجعل الفسيح يلمع مثل شرائط قوس قزح.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:31 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
إن سبب هذه البداية (أي وصف خيمة الاجتماع) سوف يصير جليًا عندما تواصل قراءة الآتي. مرة أخرى نجد في سفر النشيد مرشدًا لنا لكل نوع من الفلسفة والمعرفة لله. نشيد الأناشيد هو خيمة الاجتماع الحقيقية حيث نجد أن ستائرها، وجلودها، وأغطية فنائها الخارجي ما هي إلا تعبيرات حب. إنها توضح الموقف بالنسبة للشيء المشتهى فيما يتعلق بالوصف الجمالي، وذكر الأعضاء الجسدية الظاهرة خارجيًا والتي تحجبها الأغطية عن العين.
حقًا إن المحتويات الداخلية للخيمة لها بريق فائق ومملوءة بالأسرار. هناك رائحة البخور الذكية، التكفير عن الخطية، ومذبح الذهب الصلب الذي للتقوى، والستائر الجميلة المنسوجة بأناقة من ألوان الفضيلة المملوءة صلاحًا، أعمدة الحكمة الراسخة، وقواعد العقيدة التي لا تتزعزع، روعة الأكاليل التي تشير إلى النعمة في التدبير الروحي، والمرحضة الروحية وكل ما يمت بصلة للحياة السماوية غير الجسدية. مثل هذه الأشياء يستخدمها الناموس كمثل من خلال رموز غامضة. كل هذه الأشياء يمكن أن نجدها بطريقة ملموسة إذا ما أعددنا أنفسنا بمثابرة للدخول إلى قدس الأقداس بعد أن نتطهر من دنس الأفكار المخزية بالغسل خلال الكلمة. وإلا فإننا نحرم من رؤية الروائع التي بداخل الخيمة، لأننا قد لمسنا أفكار فاسدة على خلاف وصية الناموس أو قد قبلنا أفكارًا غير طاهرة (ا بط 3: 21). إذ أن ناموس الروح يمنع دخول مثل هذه الأشياء وأمر بأن الشخص الذي يسمح بدخول أفكار مقيتة ودنسة إلى قلبه عليه أن يغسل ضميره منها بحسب وصية موسى (عد 19: 11).

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:31 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
أنا سوداء وجميلة
ما قلناه بشأن خيمة الاجتماع يقودنا إلى التأمل في كلمات العروس التي وجهتها للعذارى: “أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم كخيام قيدار كشقق سليمان” [ع5].
يليق بالمدرس أن يبدأ بداية حسنة بشرح ما هو صالح لتلاميذه. مثل هذه النفوس التي تأهلت أن تتفهم مثل هذه الرموز تتكلم مجازيًا عن الخمر. إنهم يفضلون أن يروه متدفقًا من ثدييّ العريس الروحيين كنعمة إلهية. وهكذا يقولون، “نذكر حبك أكثر من الخمر، بالحق يحبونك“. ثم تسترسل العروس في حديثها مع تلاميذها، فتتحدث عن حقيقة مدهشة عن نفسها حتى نستطيع أن نعلم مدى عظمة حب العريس لبني البشر الذي أضفى جمالاً على العروس المحبوبة من خلال مثل هذا الحب. تقول: “لا تتعجبوا أن الحق أحبني”. بالرغم من أني صرت سوداء بسبب الخطية ومكثت في الظلال بسبب أعمالي، فإن العريس قد جعلني جميلة من خلال حبه، إذ استبدل جماله بعاري (إش 53: 2-3؛ في 2: 7). بعد أن حمل دنس خطيتي، سمح لي أن أشاركه في طهارته وأضفي على جماله. حوّل منظري المنفر إلى جمالٍ، أظهر لي حبه.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:31 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
العروس كمثال للعذارى
[تطلب العروس كأم من العذارى كبنات لها أن يتشبهن بها، فقد كانت كخيام قيدار وقد تحولت إلى ستائر هيكل سليمان العظيم… تطلب ألا ييأسن بسبب فساد حياتهن، فقد كانت مثلهن لكن بحب الحق (المسيح) لها تغيرت طبيعتها من السواد إلى الجمال الروحي السماوى.]
بعد هذه الكلمات تحث العروس بنات أورشليم أن يكن جميلات مثلها. إنها تظهر جمالها بنفس أسلوب بولس الرسول الذي يقول: “لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا” (1 كو 7:7). وأيضًا “فأطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بي” (1 كو 4: 16). لذلك تعمل العروس على ألا تقع نفوس العذارى اللآتي التزمت بهن في اليأس من أن يصرن جميلات بسبب فساد حياتهن الأولى؛ بل بالأحرى يتعلمن باتباع مثل العروس فإن حياتهن الحالية إذا ما كانت بلا لوم تصير ساترًا لأسلوب حياتهم السابق (إش 65: 17؛ 2 كو 5: 17).
تقول العروس إنه بالرغم من أنها الآن تشع جمالاً بسبب حب الحق لها، إلا أنها لا تنسى كم كانت سوداء في بداية حياتها بسبب فساد حياتها حينذاك. بالرغم من أني كنت سوداء فإنني الآن جميلة المنظر إذ تحولت صورة الظلام إلى جمال. يا بنات أورشليم اُنظرن إلى أمكنَّ، أورشليم العليا. إذ ما كنتن يومًا ما خيام قيدار بسبب سكنى رؤساء قوات الظلمة فيكن (كلمة “قيدار” تشير إلى الظلمة)، سوف تصرن “شقق سليمان”، أي تصرن هيكل الملك (1 كو 3: 16) وسليمان الملك يسكن فيكنَّ.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:32 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
نور بعد ظلام
سليمان الذي يعني اسمه “سلامًا”، هو مملوء سلامًا. إن خيمة سليمان تشير جزئيًا إلى الغطاء الكلي للخيمة الملوكية. أظن إن بولس الرسول العظيم (5: 8) يحب مثل هذا التفسير حيث أنه في رسالته إلى رومية يوصينا بحب الله. بالرغم من إننا صرنا ظلمة بسبب الخطية فإن الله قد أضفى علينا جمالاً وبهاءً من خلال نعمته الفائقة. عندما يسود الليل ويكتنف الظلام كل شيءٍ نجد أنه رغم أن بعض الأشياء تصير مضيئة بالطبيعة إذ حلّ النهار فإن مقارنتها بالظلمة لا تنطبق على الأشياء التي كانت معتمة قبلاً بالسواد. وهكذا تعبُر النفس من الخطأ إلى الحق، وتتبدل صورة حياتها المظلمة إلى نعمة فائقة. انتقل بولس الرسول عروس المسيح من الظلمة إلى النور، إذ يقول لتلميذه تيموثاوس (1 تي 1: 13)، كما العروس لوصيفتها، أنه قد صار مستحقًا أن يكون جميلاً، لأنه كان قبلاً مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا ومظلمًا. ويقول بولس الرسول أيضًا إن المسيح جاء إلى العالم لينير للذين في الظلمة. إن المسيح لم يدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة، الذي جعلهم يضيئون كأنوار في العالم (في 2: 15)، بحميم الميلاد الثاني الذي غسلهم من صورتهم السوداء الأولى.
نظر داود إلى العلا وبدهشة شاهد منظر المدينة المدهش (مز 86: 5) بابل مدينة الله التي قيل عنها أمور مجيدة؛ ذكرت راحاب الزانية والقبائل الأممية وصور وأثيوبيا أيضًا في أورشليم السمائية. لن يقترب أحد بعد من أهل هذه المدينة المهجورين البؤساء، قائلاً: “ولصهيون يقال هذا الإنسان وهذا الإنسان وُلد فيها” (مز 86: 5). صار البابليون من أهل أورشليم، والزانية صارت عذراء، الأثيوبيون صاروا لونهم أبيض عوض السواد وصارت صور المدينة العليا. وهكذا فإن العروس تشجع بنات أورشليم بحماس إذ تصف لهم صلاح العريس الذي يستلم النفس السوداء ويردها إلى صورة الجمال الأول بالشركة معه. إذن من كان “كخيام قيدار” يصير مسكنًا مضيئًا لسليمان الحقيقي، أي يسكن فيه ملك السلام. لذلك يقول النص: “أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم“. وجميعكم الذين تنظرونني تصيرون كشقق سليمان حتى وإن كنتم قبلاً “كخيام قيدار”.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:32 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
أنا سبب سوادي!
ثم يضيف النص بعض الكلمات الأخرى ليقوِّي أذهان الدارسين. إن سبب سوادها لا ينسب إلى الخالق، بل منبعه هو الإرادة الحرة لكل إنسان. “لا تنظرن إليّ لكوني سوداء“؛ فلم أكن هكذا منذ البدء، لأنه لا يُعقل إن العروس التي شُكلت بأيدي الله تكون سوداء. “لذلك لم أكن سوداء” تقول العروس، “لكنني صرت هكذا”. لست سوداء بالطبيعة لكن قد لحقني العار، إذ أن الشمس قد لوَّحتني فتغير لوني من اللون الأبيض البرَّاق إلى السواد: “لأن الشمس قد لوَّحتني“.
ماذا نتعلم من هذا؟ يقول الرب للجموع في المثل (مت 14: 3-7) إن الزارع الذي يزرع كلمة الله لا يزرعها في القلوب الجيدة فقط بل أيضًا في الحجرية والمليئة بالأشواك؛ حتى وإن كان هذا القلب على الطريق ويداس بالأقدام فإن الرب يلقي بذار الكلمة للجميع بسبب محبته للبشرية.
في شرحه لخاصية كل نفس، يقول السيد المسيح إن نفس الأمر يحدث في النفس الحجرية، حيث لا تجد البذرة لها عمق أرض وإذ تنبت حالاً تنبئ بالأثمار، ولكن إذ تشرق الشمس تحترق إذ لم يكن لها أصل تجف. تمثل الشمس التجربة. وهكذا نتعلم من السيد المسيح الآتي: الطبيعة البشرية كانت صورة من النور الحقيقي، بعيدة كل البعد عن الظلمة، وكانت مضيئة كمثل الجمال الأصلي، أي الإلهي (تك 1: 27).
هكذا فإن التجربة المحرقة المخادعة تعصف بالنبتة الأولى الرقيقة التي ليس لها جذور بعد. وذلك قبل أن تبلغ هذه النبتة أيّ حالة جيدة، وقبل أن يكون لها الفرصة أن تمتد بجذورها في عمق الأرض نتيجة لرعاية الفلاح لها، يأتي العصيان سريعًا فتجف البرعمة الخضراء في الحال. إن التجربة قد جعلتها سوداء بسبب الشمس المحرقة. فإذا ما قلنا أن التجربة هي الشمس فلا يُخدع أحد إذن حيث أن الكتب الإلهية الموحاة تُعلمنا ذلك في عدة مواضع.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:32 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
يقدم المزمور الثاني للمصاعد (مز 120: 2) تطويبًا للرجل الذي يأخذ معونة من الرب صانع السموات والأرض، فلن تضربه الشمس في النهار (عدد 6)، وإشعياء التي إذ يتنبأ بإقامة الكنيسة (إش 60: 4؛ 66: 12) يصفها بموكب خاص. وتزداد القصة إشراقًا إذ يقول إن البنات يُحملن على الأيدي، والأطفال في مركبات مغطاة، وتحميهم مظلات من حرارة الشمس المحرقة.
خلال هذه الرموز يصف إشعياء السلوك في حياة الفضيلة. يشير بحداثة السن إلى المولود حديثًا والبريء؛ أما بالمظلات فإن إشعياء يصف حاله الوقاية من حرارة الشمس التي تليق بالأرواح النقية التي تتميز بضبط النفس.
تعلمنا هذه الأمثال أن الأرواح المخطوبة لله يجب أن تُحمل على الأكتاف، لا يمتطيها الجسد، بل هي تمتطي الجسد. عندما نسمع تعبير “مركبات مغطاة” نتذكر النعمة التي تمنح الاستنارة التي بها نصير أطفالاً. لا نمشي على الأرض بعد، بل نُحمل ونعيش حياة سماوية. عندما تطفأ الحرارة بمظلة الفضيلة تصير حياتنا مظللة وتصير مثل الندى. حينما لا تظلله سحابة الروح لتقيه من الحر (إش 4: 5-6). إن شمس التجارب هذه تحرق بشرة الإنسان فتصير سوداء، بغيضة المنظر، بسبب انقضاض تجربة ما على هذا الإنسان.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:32 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
حارسة الكروم
ثم يحدثنا عن تحولنا من اللون الحسن إلى السواد: “بنو أمي غضبوا عليَّ. جعلوني ناطوره الكروم. أما كرمي فلم أنطره” [ع6].
دعني أحذر القارئ هنا ألا يأخذ هذه الكلمات بالمعنى الحرفي، بل يحاول أن يفهم المعنى الرمزي. إذا ما كان الفكر قاصرًا عن توضيح المعنى المقصود فذلك يرجع إلى ضعف الترجمة اليونانية من الأصل العبري. إن الذين يدرسون اللغة العبرية لا تواجههم مثل هذه المشكلة. إن التركيبة النحوية للُّغة اليونانية لا تقارن بأناقة العبرية، بل إنها تسبب مشاكل لأولئك الذين يتبعون القيمة السطحية للمفهوم الحرفي. هذا هو المفهوم الذي ينجلي أمامنا لهذه الكلمات على قدر فهمنا لمعانيها:
إن الإنسان لم ينقصه منذ البدء شيئًا من الهبات الإلهية؛ وقد كان دوره هو أن يحافظ على كل ما أخذه من هبات الله الصالحة لا أن يجاهد ليكتسبها. ولكن خطة عدو الخير الخطيرة قد عرَّت الإنسان إذ لم يحافظ على نصيبه من الطبيعة الصالحة التي منحها له الله.
إن الكلمات هنا بها شيء من الغموض إذ تقول: “بنو أمي غضبوا عليَّ. جعلوني ناطورة الكروم. أما كرمي فلم أنطره“.
يعلمنا النص الكثير خلال هذه الكلمات القليلة. أول ما يعلنه القديس بولس الرسول أن جميع الأشياء من الله، ورب واحد هو الآب الذي به جميع الأشياء (1 كو 8: 6). ليس لموجود ما كيان إلا خلاله ومنه. “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو 1: 3). بما أن الله هو صانع جميع الأشياء فإذًا الكل “حسن جدًا” (تك 1: 31)، لأنه قد عمل كل الأشياء بحكمة. أعطى الله الطبيعة العاقلة نعمة حرية الإرادة، وأنعم على الإنسان القدرة على تحديد ما يريده حتى يسكن الصلاح في حياته، ليس قسرًا ولا لا إراديًا بل نتيجة للاختيار الحر. إن تمتعنا بحرية الإرادة يؤدي بنا إلى اكتشاف حقائق جلية. في طبيعة الأمور، إذا ما أساء أحد استخدام مثل هذه الإرادة الحرة فإنه بحسب كلمات الرسول يصير مثل هذا الشخص مخترعًا لأعمال شريرة (رو 1: 30). كل من هو من الله يُعد أخًا لنا، أما الذي يرفض الاشتراك في أعمال الصلاح بكامل إرادته إنما هو يبث الشر. إذ يصير “أبو الكذَّاب” (يو 8: 44)، فقد أعدَّ نفسه لمحاربة كل من اِختار أن يعيش في الصلاح.

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:32 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
حيث كان هذا السقوط من الصلاح بداية الشر لبقية بني البشر (هذا ما حدث للطبيعة البشرية)، هكذا نجد إن من كان ذات يوم أسود اللون قد صار الآن جميلاً، ناسبًا سبب هذا السواد الظاهري إلى “بني أمهاتهم”؛ نحن نعلم أن كل شيء كان له أم واحدة هي سبب وجوده. وهكذا ما هو مدرك حسيًا في الوجود يُنسب إلى شيء آخر. إن الاختيار الحر يقسم الطبيعة البشرية إلى صداقة وعداوة، إذ أن أولئك الذين تركوا السلوك الصالح قد أعطوا مكانًا للشر بابتعادهم عن الصلاح (إن الشر منفصل تمامًا عن الخير). مثل هؤلاء يسرعون لإقامة شركة مع آخرين في الشر (إذ تقول العروس “بنو” بصيغة الجمع، فهي بذلك تشير إلى تعدد طرق الشر). إن “بني أمي” قد جعلوا الحرب في داخلي، وذلك ليس بالهجمات الخارجية ولكن عن طريق جعل النفس أرضًا للمعركة الداخلية. مثل هذه المعركة تدور في داخل كل إنسان كما يقول الرسول: “ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي” (رو 7: 23). وتضيف العروس قائلة: “إن إخوتي هم الذين شنوا عليَّ هذه الحرب الأهلية، وقد صرت سوداء بيد أعداء خلاصي؛ لقد قهرني الأعداء وأما كرمي فلم أنطره.”

Mary Naeem 16 - 07 - 2016 05:32 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
علينا أن نحسب الكرم فردوسًا، وقد أمر الإنسان إن يحرسه. إهماله في حراسته جعله يُطرد منه، وصار مقيمًا حيث تغرب الشمس بدلاً من مكان شروقها، لذلك فإن شروق الشمس يظهر في غروبها. “غنوا لله رنموا لاسمه. أعدوا طريقًا للراكب في القفار باسمه ياه، واهتفوا أمامه” (مز 67: 4)، حتى أنه عندما يشع النور في الظلام يتحول الظلام إلى إشعاعات مضيئة، وتعود العروس السوداء إلى جمالها الأول. إن التباين في المعنى الحرفي للنص يمكن إصلاحه إذا ما تطلعنا إلى المعنى الحقيقي: “جعلوني ناطورة الكروم” مثلما قيل: “جعلوا أورشليم أكوامًا” (مز 78: 1). والواضح في مفهوم النص هنا أن الله وليس الأبناء قد جعل العروس حارسة للكرم المقدس. إن الأبناء غضبوا على العروس، وضعوها كمظلة في كرم، كخيمة في مقثأة (إش 1: 8). وقد حرمت من الفاكهة المحروسة وذلك من خلال العصيان، فصار الناظر إليها يرثي لها، حيث إن الشيء الذي كان محروسًا بداخلها لم يعد موجودًا. وضع الله آدم في جنة عدن ليعملها ويحفظها (تك 2: 15)، قالت العروس: حينما نفخ في الله نفخة الحياة (إذ تمتع الإنسان بالحياة في الفردوس حيث أقامه الله هناك ليعملها ويحفظها)، وحولني الأعداء من حراسة الفردوس إلى حراسة كرمهم حيث عناقيده مملوءة مرارة وشجيراته تخرج غضبًا.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي

Mary Naeem 19 - 07 - 2016 06:49 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
كل تعليم يخص وصف طبيعة الله هو شِبه الذهب وليس الذهب ذاته

سفر نشيد الأنشاد


قلائد الفضائل الروحية
إذا ما أعدَّ أحد نفسه حتى تبقى في سكون بغير اضطراب، في هدوء بلا أمواج مضطربة بريح الرذيلة، ولا انتفاخ خلال الكبرياء أو الحنق بأمواج الغضب، أو الاضطراب بأمواج الشهوة، أو تحمله كل ريح تثير أمواج الشهوة الكثيرة إذا ما أُعدَّ النفس هكذا، وإذا ما سكَّن الاضطراب العاصف في بحر هذه الحياة بكل أمواجه الهائلة الشريرة، وصمدت أمامهما حياة الفضيلة السلسة الهادئة حتى يدخلون فيها ويفرون من مخاطر انكسار السفينة، حينئذ يكون جديرًا بأن يقارن على فم الكلمة “بالقلائد” حيث أن استخدام الجمع هنا يشير إلى كمال الفضائل في كل أشكالها.
إذا ما قورنت العروس بقلادة واحدة فقط لما كمل مديحها إذ لا تتضمن الفضائل الأخرى. مقارنتها لعدد من القلائد يحمل شهادة لحقيقة أنها تُمتدَح من أجل تجمُّلها بجميع الفضائل. وهذا عزاء مقدم في النص للكنيسة بأجمعها.
فعلينا ألا نقْصر اهتمامًا لاقتناء فضيلة واحدة وإهمال أعمال صالحة أخرى.
إذا ما تحليت بقلادة ضبط النفس على عنقك بحياة طاهرة كما باللآلئ إذن فعليك أن يكون لك قلادة أخرى: الغيرة لاقتناء الفضيلة يتضمن حجارة كريمة من التعاليم المقدسة لتضاعف من جمال عنقك.
عليك أن تقتني قلادة أخرى أيضًا تزين بها عنقك: الصلاح والإيمان السليم.
هذه هي القلادة الذهبية المسبوكة من الذهب الخالص لمعرفة الله الذي يبُرق حول عنقك.
يقول سفر الأمثال: “لأنها إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك” (أم 1: 9).
وهكذا فإن قلائد العروس تهبنا ثمرًا وفيرًا لأفكارنا.

Mary Naeem 19 - 07 - 2016 06:49 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
الآن حان الوقت لنتأمل كلمات أصدقاء العريس الموجهة للعروس: “نصنع لك سلاسل (أشكال) من ذهب مع جُماٍن من فضة (1: 11-12). “ما دام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته”.
إذا ما تطلع أحد إلى هذه الكلمات في سياق التفسير المقدم عالية، يجد أن الغرض يبدو متآلفًا معه. ولكن المعنى الحرفي مختفي بعمق وراء الرمز ويصعب تفسيره.
بما أن جمال الروح قد قورن بسلاح الفرسان (أي الجيش الملائكي) الذي حطم مركبات المصريين، وحيث أن ممتطي الفرس يسمى من يملك على فرسه “الطهارة” بالمقارنة بخدَّي اليمامة، وأيضًا عنق العروس مزيَّن بقلائد لامعة بالفضائل، نجد أن أصدقاء العريس يودون أن يُضفوا الجمال على الفرس. يفعلون ذلك بتزيينها بأزرار ذهبية مطعمة بفضة نقية. بذلك تزداد جمالاً وتلمع بالأكثر إذ أن لمعان الفضة يمتزج ببريق الذهب.
علينا أن نترك وراءنا هذه المعاني الرمزية ولكن دون أن نحذف أي معنى ربما قد يساعدنا. إن النفس وقد تطهرت خلال الفضائل قد قورنت بسلاح الفرسان.

Mary Naeem 19 - 07 - 2016 06:49 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
الملك العريس ممتطي الفرس
لكنها لم تُعبِّر بعد عن أنها تابعة للكلمة؛ ولا أنها تحمل فوقها ذاك الذي يمتطي الفرس حتى يأتي بالخلاص (حب 3: 8؛ زك 9:9).
يليق بالفرس أولاً أن يكون في كامل زينته وبعد ذلك يستقبل الملك (الذي يمتطيه).
سواء أخضع الملك الفرس له – ذاك الذي بحسب الأنبياء يمتطينا كفرس من أجل تحقيق خلاصنا (حب 3: 8)، أو كان هو الذي يسكن في داخلنا أو يتمشى معنا مخترقًا أعماق نفوسنا، فلا فرق في المعنى، لأن الوحدة تتحقق خلال الأمرين، وأي قصور يتحول إلى الكمال.
فمن يكون فرسًا يمتطيه الله هو حقًا يتمتع بالله ساكنًا بداخله، ومن يستقبل الله بداخله فقد تجاوز ما كان قد أدركه قبلاً.
لذلك فإن الملك على وشك أن يمتطي الفرس. كما قيل بالنسبة للقدرة الإلهية فإن الاتكاء على مقعد أو مضجع سيان.
إن رجال الملك يجهزون الفرس ليمتطيه بتزينه أولاً، حيث أنه في عينيّ الله لا فرق بين أن يكون بداخل إنسان أو فوقه.
إذا ما تركنا جانبًا المفهوم الرمزي، نجد أن الذين يجهزون الفرس يتعهدون أن يجعلوا منه الآن مُتكئًا، وكما يقول النص يلزمنا أن نصنع سلاسل (أشكالاً) من ذهب مع جمان من فضة لتجميل الفرس، حتى يستريح الملك لا على مقعد بل كما على سرير.

Mary Naeem 19 - 07 - 2016 06:49 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
طبيعة الله التي لا توصف!
كما يوضح لنا الكتاب، إن النص يصف لنا هذا المعنى. علينا أَلاَّ نسترسل دون الأخذ في الاعتبار سبب عدم استخدام الملك للذهب للزينة بل “شبه الذهب“، وليس الفضة بل “شبه الفضة“. ذلك يعني الآتي:
كل تعليم يخص وصف طبيعة الله التي لا توصف، حتى وإن كان يكشف عن أفضل وأسمى مفهومٍ ممكن إنما هو شِبه الذهب وليس الذهب ذاته، لأن الصلاح الذي يتجاوز العقل البشري لا يمكن تقديمه بدقة.
حتى ولو أن أحدًا مثل القديس بولس قد اِطلع على أسرار الفردوس غير المدركة وسمع كلمات لا ينطق بها (2 كو 12: 4) فإن أي معرفة لله تظل لا ينطق بها.
وبولس الرسول ذاته يقول إن مثل هذه المفاهيم غير مدركة.
أعلن أولئك الذين يقدمون لنا أي أفكار صالحة عن مثل هذه الأسرار، أنهم أيضًا غير قادرين حقًا على التعبير عن الطبيعة الإلهية.
إنهم يتكلمون بالأحرى عن بهاء مجد الله ورسم جوهره (عب 1: 3)، صورة الله، والكلمة الذي في البدء وكان الكلمة الله (يو 1:1). كل هذه التعبيرات تبدو لنا نحن الذين لم نرَ الطبيعة الإلهية مثل الذهب من هذا الكنز.
ولكن بالنسبة لهؤلاء القادرين على رؤية الحقيقة، يرون أنها شبه الذهب وليس ذهبًا لامعًا، إنه ذهب مع جُمان من فضة. إن الفضة كما يقول الكتاب: “لسان الصدِّيق فضة مختارة” (أم 10: 20).
هنا يتكشف لنا أن الطبيعة الإلهية تتجاوز كل مفهوم نحاول أن ندركه.

Mary Naeem 19 - 07 - 2016 06:49 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
إن فهمنا للطبيعة الإلهية يشبه ما نهدف إليه. إن أحدًا لم يَرَها ولا يستطيع أن يراها، إلا كما في مرآة ولغز (1 كو 13: 12).
إنها تعطينا انعكاسًا لما نفكر فيه، أي تقدم انعكاسًا موجودًا في النفس بصورة معينة.
كل كلمة تمثل هذه المفاهيم تشبه نقطة تحتاج أن تتسع حيث أنها قاصرة عن التعبير عما في العقل.
إذن فكل فكر لنا يعجز عن إدراك الله.
وكل كلمة تقال كمحاولة للتعبير عن الله تبدو مثل نقطة صغيرة غير قادرة على الاتساع لتتناسب مع المفهوم. هكذا إذ تقُاد النفس بمثل هذه المفاهيم لإدراك ما لا يمكن إدراكه إلا عن طريق الإيمان عَلَّها أن تفسر ذاتيًا طبيعة تفوق كل ذكاء.
هذا ما يقوله أصدقاء العريس: “دعينا أيتها النفس التي تشبه الفرس نصنع لك صورًا تشبه الحق (لأنه لذلك يذكرون الفضة: إذ أن كلماتهم تشبه شرارة تتلألأ، ولكنها قاصرة عن تقديم المعنى العميق بدقة).
وعندما تصلك هذه الكلمات تكون قد صرت خاضعًا لها وهكذا تصير مكانًا لسكنى ذاك الذي يوشك أن يتكئ ويسكن في داخلك خلال إيمانك.

Mary Naeem 19 - 07 - 2016 06:50 PM

رد: سفر نشيد الأنشاد
 
سوف تكون عرشه وأيضًا موضعًا لسكناه
ربما يستحق القديس بولس أو من يشبهه مثل هذه الكلمات.
لأن بولس الرسول قد صار يومًا ما “إناءًا مختارًا” (أع 9: 15)، فلم يَعَشْ حياته بعد لكنه أظهر المسيح حيًا في حياته، وقدم برهان المسيح المتكلم فيه (2 كو 13: 3). لذلك صار مسكنًا يحوي الطبيعة التي لا تُحوىَ.


الساعة الآن 03:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025