منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   «المحبة لا تسقط أبداً» (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=432258)

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:37 PM

«المحبة لا تسقط أبداً»
 
«المحبة لا تسقط أبداً»

https://images.chjoy.com//uploads/im...f545cfcedf.jpg


تأملات في أصحاح المحبة
1كورنثوس 13
الدكتور القس منيس عبد النور
رِسَالَةُ بُولُسَ الْرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ
اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ

1 إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. 2وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً. 3وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً.
4الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، 5وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، 6وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. 7وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. 8اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً.
وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. 9لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ، وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. 10وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ. 11لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْلٍ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ، وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْطَنُ، وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلَكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. 12فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ، لَكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهاً لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لَكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ. 13أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ. هَذِهِ الثَّلاَثَةُ، وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:37 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
محتويات الكتاب
مقدمة
الفصل الأول: المحبة أهم الفضائل
الفصل الثاني: المحبة تتأنى وترفق
الفصل الثالث: المحبة لا تحسد
الفصل الرابع: المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ
الفصل الخامس: المحبة لا تقبح
الفصل السادس: المحبة لا تطلب ما لنفسها
الفصل السابع: المحبة لا تحتد
الفصل الثامن: المحبة لا تظن السوء
الفصل التاسع: المحبة تفرح بالحق
الفصل العاشر: المحبة المتفائلة
الفصل الحادي عشر: دوام المحبة
الفصل الثاني عشر: أعظمهن المحبة
مسابقة الكتاب


Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:37 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
مقدمة
كتب الرسول بولس هذا الأصحاح ضمن رسالة أرسلها لكنيسة كورنثوس، وهي كنيسة تشبه كنيسة اليوم إلى حدٍ كبير. فكما احتاجت كنيسة كورنثوس للتنبير على المحبة، كما يصفها أصحاح المحبة العظيم (1كورنثوس 13) نحتاج نحن اليوم للفضيلة نفسها، وهي أعظم جميع الفضائل.
1- كانت كنيسة كورنثوس منقسمة إلى فِرقٍ وأحزاب، بسبب الاتكال على الحكمة البشرية (1كورنثوس 1: 1-16) فقال لهم الرسول بولس إن الفصاحة والفلسفة لا تحتلان المكانة الأولى في حياته (1كورنثوس 1: 17-2: 16) ولكن غرضه الوحيد هو أن ينادي بالمسيح المصلوب (1كورنثوس 3، 4) الذي بيَّن لنا بصورة ملموسة المحبة السامية الباذلة التي تعطي دون أن تنتظر أخذاً ولا مكافأة.
وتحتاج كنيستنا اليوم لفكر المسيح، الذي هو فكر الصليب، فكر المحبة، لأن قول الرسول يصدُق علينا: « فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ » (1كورنثوس 3: 3).
2- أخطأت كنيسة كورنثوس عندما رحَّبت برجلٍ تزوج من أرملة أبيه. ربما كان غنياً أو ذا مركز اجتماعي متميز (1كورنثوس 5). ولو أنهم كانوا يحبونه حقاً لوبَّخوه على خطئه ليرجع إلى الله بالتوبة. فالمحبة توبخ المخطئ لأنها تكره الخطية وتحب الخاطئ. ونحن اليوم نحتاج للمحبة التي توبخ لتتوِّب، كما قال الحكيم: « أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ » (أمثال 27: 6).
3- أظهر أهل كورنثوس روحاً مشاكسة تحب المشاكل والقضايا، حتى بلغ الأمر أن أحدهم رفع قضاياه أمام المحاكم المدنية ضد إخوته المؤمنين (1كورنثوس 6). والمحبة تثق في الكنيسة وفي المؤمنين. « أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟ » (1كورنثوس 6: 2). وما أكثر قضايا المسيحيين ضد المسيحيين في المحاكم المدنيَّة اليوم!

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:38 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
4- كانت كنيسة كورنثوس قد أرسلت رسالة للرسول بولس تسأله عن الزواج (1كورنثوس 7) وعن الطعام الذي يقدمونه للأصنام: هل يأكلون منه أو يمتنعون عنه؟ (1كورنثوس 8-10). والمحبة هي الحل، وفيها إجابة كل سؤال. فالرجل يجب أن يحب زوجته كما يحب المسيح الكنيسة، والبيت السعيد يقوم على المحبة الصادقة. كما أن المحبة تجعل الإنسان يُحرص على مشاعر غيره من الذين يتفقون أو يختلفون معه في الأكل من اللحم المذبوح للوثن أو في الامتناع عن أكله.
ونحن اليوم نحتاج لأصحاح المحبة (1كورنثوس 13) لنبني بيوتنا على المحبة، ولنقيم علاقاتنا الفكرية مع المحيطين بنا على أساس المحبة، ولنصدر أحكامنا على الآخرين من منطلق المحبة.
5- سألت كنيسة كورنثوس بولس عن سلوك النساء في الكنيسة (1كورنثوس 11: 1-16) والمحبة هي الجواب، فالذي يحب يخضع لنظام الكنيسة، لأنه يحب رب الكنيسة. والزوجة الصالحة التي تعمِّر المحبة قلبها لا ترفع صوتها، ولا تعكر صفو العبادة في بيت الرب.
6- وسألت كنيسة كورنثوس عن وليمة المحبة التي كانت تسبق التناول من مائدة عشاء الرب (1كورنثوس 11: 17-37). والمحبة هي الجواب. فوليمة المحبة تعبير عن وحدة الجسد الذي هو الكنيسة، الذي سيأكل الخبز الواحد ويشرب الكأس الواحد.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:38 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
7- وتحدث الرسول بولس عن المواهب الروحية (1كورنثوس 12، 13). وقد افتخر بعض أهل كورنثوس بمواهبهم، مع أنها عطية من عند الله وليست من اجتهاد أحد. الموهبة موهوبة وهي هدية من إنعام الروح القدس. وعلى أصحاب المواهب الطبيعية وفوق الطبيعية أن يستخدموا هذه الهدية لخدمة جسد المسيح، بكل محبة.
والهدف من الموهبة أن صاحبها يقول لأخيه بتواضع: «أنا خادمك بموهبتي». كما يقول الأخ لأخيه صاحب الموهبة، بتواضع أيضاً: «أنا محتاج إليك يا أخي لتخدمني بموهبتك». ولهذا تحدث الرسول بولس عن المحبة (1كورنثوس 13) بين أصحاحين تحدث فيهما عن المواهب (1كورنثوس 12 و14) ليقدم لنا الطريق الأفضل الذي يجب أن نسعى إليه ونجدّ فيه، وهو طريق المحبة فقال: « جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ» (1كورنثوس 12: 31). فكل من يشاء أن يُظهر غيرته للمسيح، ورغبته أن يبني كنيسته، يجب أن يكون كاملاً في المحبة.
8- وفي 1كورنثوس 15 نجد الحديث عن القيامة. لقد أحبَّنا المسيح فجاءنا مولوداً في مذود، وعاش على أرضنا متواضعاً، ثم صُلب عنَّا، ومات ودُفن. وقام في اليوم الثالث من الموت ليكون باكورة الراقدين، وليُقيم كل من يؤمن به من موت خطيته، وليقيمه من القبر في اليوم الأخير (يوحنا 5: 28، 29). وكل من قاموا من موت خطاياهم، وينتظرون قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي يكونون « مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ » (1كورنثوس 15: 58). فالمحبة هي جوهر الحياة التي نحتاجها اليوم.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:38 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
والنموذج العظيم للمحبة هو المسيح، المحبة المتجسد. لو أنك قرأت صفات المحبة كما جاءت في أصحاحنا، وحذفت كلمة «المحبة» ووضعت كلمة «المسيح» بدلها، لوجدت المعنى واضحاً وصحيحاً، فنقرأ: «المسيح يتأنى ويرفُق. المسيح لا يحسد ولا يتفاخر ولا ينتفخ ولا يقبح..» وتجد في المسيح المحبة المتجسدة.
كانت المحبة واضحة في حياة المسيح وفي تعاليمه، فقد قال عن محبته الباذلة: « لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ » (يوحنا 15: 13). فقد اعتبر أعداءه الخطاة أصدقاءه وأحباءه، فبذل نفسه عنهم، ليجعل منهم فعلاً أحباءه وأصدقاءه. وتراه وهو يغسل أرجل تلاميذه يُظهر الحب الكامل « إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى » (يوحنا 13: 1).
وكانت المحبة واضحة في تعليمه وهو يقول: « بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ » (يوحنا 13: 35). « هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ » (يوحنا 15: 12).
وعندما سُئل عن الوصية الأولى والعظمى أجاب: « «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ» (مرقس 12: 29-31).
والآن تعالوا ندرس أصحاح المحبة، التي «لا تسقط أبداً» وفيه نجد:

القسم الأول: أهمية المحبة (آيات 1-3)
القسم الثاني: صفات المحبة (آيات 4-8أ)
القسم الثالث: دوام المحبة (آيات 8ب-13)

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:39 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
الجزء الأول
أهمية المحبة
1 إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. 2وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً. 3وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً» (1كزورنثوس 13: 1-3)



الفصل الأول
المحبَّة أهمّ الفضائل

1 إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. 2وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً. 3وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً (1كورنثوس 13: 1-3)
تشبه كنيسة اليوم كنيسة كورنثوس إلى حدٍ كبير، فكنيسة اليوم تنقسم لطوائف متعددة ومتنوعة كما كانت كنيسة كورنثوس. وتنبر كنيسة اليوم على مواهب الروح القدس أكثر من تنبيرها على ثمر الروح القدس الذي يبدأ بالمحبة (غلاطية 5: 22، 23). كما أن الكنيسة اليوم تنبر على المواهب التي تشد انتباه المشاهد، مثل التكلُّم بألسنة، أو الشفاء، أكثر من تنبيرها على المواهب الأكثر أهمية، مثل الخدمة والتعليم والوعظ والعطاء والتدبير والرحمة والمحبة (رومية 12: 6-9).

وقد ناقش الرسول بولس مواهب الروح القدس في 1كورنثوس 12، 14 وبَيْن هذين الأصحاحين جاء أصحاح المحبة. ونحتاج في هذه الأيام أن نتأمل هذا الأصحاح المتوسط ليضبط مواهبنا، ويوجه إمكانياتنا، سواء كانت إمكانيات طبيعية أو فوق طبيعية.
يقول الرسول بولس في نهاية أصحاح 12 « جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ » (آية 31) ويقصد به طريق المحبة. ونحتاج إلى تطبيق تعاليم هذا الأصحاح لنبرهن أننا تلاميذ المسيح.
تعوَّدنا أن نسمع عن المحبة من رسول المحبة يوحنا، ولقبه التلميذ الذي « كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ » (يوحنا 13: 23). ويمكن أن نقول نحن أيضاً إنه التلميذ الذي كان يحب يسوع، فمحبة يوحنا للمسيح صدى صادقٌ أمين قوي لمحبة المسيح ليوحنا الذي يقول: « نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً » (1يوحنا 4: 19). ولكن الرسول بولس يدلي دلوه في بئر المحبة العميق ليُخرج لنا هذا الماء الحي الذي نقرأ عنه في 1كورنثوس 13.
كما يُحدثنا الرسول بولس في غلاطية 5: 6 عن الإيمان الذي يخلِّص، وهو الإيمان العامل بالمحبة، فيقول: « لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ» (غلاطية 5: 6).
وتكمُن أهمية المحبة في أنها برهان التلمذة للمسيح، فقد قال: « بِهَذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ » (يوحنا 13: 35).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:42 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
المحبة أهم من الألسنة والفصاحة (آية 1)

قال الرسول بولس: « إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ » (1كورنثوس 13: 1). وربما قصد الرسول بألسنة الملائكة لغة أسمى من كل لغةٍ يتكلمها الناس أو يعرفونها، كاللغة التي سمعها الرسول بولس عندما اختُطف إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا يُنطق بها ولا يسوغ لأحدٍ أن يتكلم بها (2كورنثوس 12: 4).
وقد تعني «ألسنة الملائكة» اللغات الأجنبية التي تكلَّم بها الذين امتلأوا بالروح القدس يوم الخمسين. ولكن الكلام بأعظم لغة تسمو فوق إدراك الناس (بدون محبة) يشبه النحاس الذي يطن، أو الصنوج التي ترن، وهي آلات موسيقية بدائية للغاية، رخيصة الثمن، وإيقاعها الموسيقي من أضعف ما يمكن، فلا يحرك أحداً.
فالفصاحة العظيمة واللغة السامية مهما علَت، إن كانت بغير محبة، هي كأضعف آلة موسيقية رخيصة لا تعطي لحناً مميزاً.
ولا يتحدث الرسول بولس هنا عن الألسنة المفهومة التي أعطاها الله لرسله يوم الخمسين (أعمال 2: 4) ولكنه يتحدث عن اللغة غير المفهومة التي كانوا يتكلمونها في كورنثوس، والتي قال الرسول بولس عنها: « لأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لاَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلِ اللهَ لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَسْمَعُ. وَلَكِنَّهُ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ بِأَسْرَارٍ.. إِنِّي أُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ وَلَكِنْ بِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا. لأَنَّ مَنْ يَتَنَبَّأُ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ إِلاَّ إِذَا تَرْجَمَ حَتَّى تَنَالَ الْكَنِيسَةُ بُنْيَاناً. فَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ مُتَكَلِّماً بِأَلْسِنَةٍ فَمَاذَا أَنْفَعُكُمْ إِنْ لَمْ أُكَلِّمْكُمْ إِمَّا بِإِعْلاَنٍ أَوْ بِعِلْمٍ أَوْ بِنُبُوَّةٍ أَوْ بِتَعْلِيمٍ؟ اَلأَشْيَاءُ الْعَادِمَةُ النُّفُوسِ (الجماد) الَّتِي تُعْطِي صَوْتاً: مِزْمَارٌ أَوْ قِيثَارَةٌ مَعَ ذَلِكَ إِنْ لَمْ تُعْطِ فَرْقاً لِلنَّغَمَاتِ فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَا زُمِّرَ أَوْ مَا عُزِفَ بِهِ؟.. وَلَكِنْ فِي كَنِيسَةٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي لِكَيْ أُعَلِّمَ آخَرِينَ أَيْضاً أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ.. فَإِنِ اجْتَمَعَتِ الْكَنِيسَةُ كُلُّهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ فَدَخَلَ عَامِّيُّونَ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ أَفَلاَ يَقُولُونَ إِنَّكُمْ تَهْذُونَ؟» (1كورنثوس 14: 2 و5-7، 19، 23).
فالألسنة، مهما كانت رفيعة، فهي غير مفهومة، ولا تحرِّك أحداً، ولا تنعش أحداً من سامعيها. أما كلمة الوعظ فهي التي تبني.
كان أهل كورنثوس يتكلمون كلمات غير مفهومة لا يدركها أحد. وكانت مشاعرهم أثناء التكلُّم بها خالية من المحبة، لأنهم كانوا يتفاخرون بها على الآخرين. فلم تكن كلماتهم الأعجمية سبب بركة للمستمعين، بل محاولات لرفعتهم الشخصية، لأن المحبة غابت منها.
عندما يكون الإنسان قليل المحبة يهتم بعطية الله له وينسى المعطي، كما يأخذ الطفل الصغير الهدية من أبيه ويجري بها، دون أن يقدم لوالده شكراً، لأن اهتمام الطفل بالهدية أكبر من اهتمامه بأبيه، بسبب بساطة تفكيره. وحب الطفل «للشيء» أكبر من حبه «للشخص». كذلك نجد أن كثيرين يهتمون بالمواهب أكثر من الواهب الذي أعطى المواهب. ولكن المحبة أهم من المواهب، لأنها تربطنا بصاحب المواهب وتجعلنا نُحسن استخدام الموهبة، مستعدين لخدمة الآخرين. لكن إذا ركزنا على الموهبة وحدها بغير محبة للمُهدي، وبغير تفكير في الهدف الذي من أجله أهدانا الموهبة، تكون موهبتنا، مهما سمَت في نظرنا ونظر الآخرين، نحاساً يطنّ أو صنجاً يرن!
وعندما يكون الإنسان قليل المحبة يفتخر بعطية الله له، وهذا يعرِّض جماعة المؤمنين للانقسام، فتكون الموهبة التي يجب أن تبني، تهدم، وبدل أن توحّد وتقرّب، تقسم.
فالمحبة أهم من المواهب، لأن المحبة بركة بدون مواهب، أما المواهب بدون محبة فلا تنفع شيئاً.
كان في الكنيسة الأولى فصحاء، نادوا بالإنجيل وكرزوا بالمسيح عن حسدٍ وخصام وتحزُّب، لا عن إخلاص، ظانين أنهم يضيفون إلى وُثق الرسول بولس ضيقاً (فيلبي 1: 15، 16). لقد كانوا معلمين ذوي فصاحة مُقنعة، ولكن بدوافع خالية من المحبة. فلم يكونوا إلا نحاساً يطن أو صنجاً يرنّ. أما الرسول بولس فشرح مشاعره من نحو عمل هؤلاء المعلمين بقوله: « غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِعِلَّةٍ أَمْ بِحَقٍّ، يُنَادَى بِالْمَسِيحِ، وَبِهَذَا أَنَا أَفْرَحُ. بَلْ سَأَفْرَحُ أَيْضاً. لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يَؤُولُ لِي إِلَى خَلاَصٍ بِطِلْبَتِكُمْ، وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (فيلبي 1: 18، 19). وهذه هي المحبة الفصحى الأسمى من كل فصاحة!

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:43 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
المحبة أهم من النبوة والعلم (آية 2أ)


«وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً».
عرَّف الرسول بولس النبوَّة بقوله: «وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ» (1كورنثوس 14: 3) فالنبوة ليست فقط إنباءً بالمستقبل، لكنها تعليم ووعظ للناس. وفي أصحاح المحبة يؤكد الرسول بولس أن النبوة بدون محبة لا شيء، فالواعظ يجب أن يحب الموعوظين، والذي ينبئ بالبركة القادمة يجب أن يحب الذين ينبئهم، كما أن الذي ينبئ بالعقاب القادم يجب أن يعلن ذلك بكل شفقة على الذين سيحل بهم العقاب، كما قال إرميا: «يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ فَأَبْكِيَ نَهَاراً وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي» (إرميا 9: 1).
والعلم هو معرفة الأسرار الروحية العميقة التي نعظ بها. والنبوَّة والعلم مرتبطان، لأن الإنسان الذي يعرف الأسرار هو الذي يعلِّمها في الوعظ. ومن أعظم الأسرار التي تبيِّن محبة الله لنا «سر التقوى» لأنه «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ» (1تيموثاوس 3: 16). هكذا أحب الله العالم حتى جاء لأرضنا متجسداً في المسيح ليجسد لنا محبته، ويحمل عنا عقوبة الخطية، مقدِّماً نفسه ذبيحة كفارية عن خطايا العالم كله. فكيف يحب الله البشر الخطاة كل هذا الحب؟! هذا هو سر السماء وبرهانه تجسُّد المسيح.
وهناك سرٌّ عظيم آخر، هو أن الله اختارنا نحن الأمم لنكون شركاء في الميراث مع كل الذين قبلوا المسيح من الشعب اليهودي المختار. وهذا هو: « السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُوماً فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَلَكِنْ ظَهَرَ الآنَ وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ الأُمَمِ بِالْكُتُبِ النَّبَوِيَّةِ حَسَبَ أَمْرِ الإِلَهِ الأَزَلِيِّ،لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ» (رومية 16: 25، 26). لقد صار الأمم شركاء الميراث، لأنه هكذا أحب الله العالم كله.
ويقول لنا المرنم: «سِرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ» (مزمور 25: 14) فالله يعلن لمتَّقيه أسرار ملكوته، لأنه يحبهم وهم يحبونه. ولو أن إنساناً عرف كل الأسرار السماوية، وعلَّم بها، دون أن يكون قلبه عامراً بالمحبة، فهو ليس شيئاً. لقد عرف رجال الدين اليهود أسرار النبوات عن مجيء المسيح، وولادته في بيت لحم من عذراء. ولما سُئلوا عن مكان الميلاد أجابوا إجابة صحيحة، واقتبسوا النبوة الخاصة بذلك وحددوا مكانها في التوراة (متى 2: 5، 6). ولكن لم يتحرك منهم أحد ليذهب لبيت لحم ليرى المخلِّص المولود في مدينة داود، ومشتهى كل الأمم. أما الذين أحبوا الله فقد جاءوا من أبعد البلاد ليسجدوا له، ويقدموا له هداياهم.
نقرأ في العهد القديم عن نبي اسمه بلعام، قال: «وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ المَفْتُوحِ الْعَيْنَيْنِ. وَحْيُ الَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ وَيَعْرِفُ مَعْرِفَةَ الْعَلِيِّ» (العدد 24: 15، 16). كان بلعام موحِّداً، ومن وطن إبراهيم الخليل، وذاع صيته فقصده الناس من كل مكان ليُنبئهم بأمور تتعلق بهم، وليباركهم ويبارك مقتنياتهم. ولكن قلبه خلا من محبة شعب الله، وامتلأ بمحبة المال، فاستأجره الملك بالاق ليلعن بني إسرائيل. ولما عجز عن لعنهم، لأن الله منعه، أفتى بتضليلهم بعبادة الأوثان وبارتكاب النجاسة. وانتهى أمره بأن مات مقتولاً (العدد 31: 16). ووصف الرسول بطرس الضالين بأنهم «ضَلُّوا تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ الَّذِي أَحَبَّ أُجْرَةَ الإثْمِ» (2بط 2: 15) فصار النبي بلعام لا شيء، لأن قلبه خلا من المحبة.
ونقرا في العهد الجديد أيضاً نبوَّة من نبي خلا قلبه من المحبة، يصفه الإنجيل بالقول: «فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَيَافَا كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً، ولاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا». وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللَّهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ» (يوحنا 11: 49-52). تنبأ قيافا بموت المسيح عن العالم كله، وهذه نبوة صحيحة ولكنها خالية من المحبة، فتآمر قيافا مع سائر قادة اليهود ليصلبوا المسيح.
يمكن أن يكون هناك واعظ عظيم، يخلو قلبه من المحبة. مثل هذا لا يمكن أن يوصِّل رسالة محبة الله لشخصٍ يحتاج إليها. كما أن الناس لا يمكن أن يتأثروا بالفصاحة العظيمة التي يعلن بها نبوَّته وعلمه إن كان بلا محبة. فبدون محبة لا نقدر أن نقترب من الله، ولا نقدر أن نقرِّب الناس لله.
والمحبة أعظم من النبوة والعلم، لأنه سيجيء وقت لا نكون فيه محتاجين لوعظٍ ولا لعلم، ولكن لن يجيء وقت لا نحتاج فيه للمحبة. وقد وصف الإنجيل الوقت الذي لا نحتاج فيه لوعظٍ، في قول كاتب العبرانيين: «لأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. 11وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ» (عبرانيين 8: 10، 11).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:44 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
المحبة أهم من الإيمان والمعجزات (آية 2ب)

«إِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً».
في مصر في القرن العاشر الميلادي، أثناء حكم الفاطميين، ذهب وزير يهودي للخليفة وقال: «مكتوب في إنجيل المسيحيين أنه إن كان عند أحد إيمان كحبة خردل يحرك الجبل». فاستدعى الخليفة العزيز بالله الفاطمي البطريرك المصري وسأله عن صحة وجود هذه الآية. وعندما أجابه بوجودها في متى 21: 22 طلب منه تحريك جبل المقطم. ونتيجة لاستجابة الصلاة المؤمنة تحرك الجبل!
هناك إيمان عقلي يعرف ما جاء في الكتاب المقدس، ويجاوب على الأسئلة الدينية الصعبة، ويعرف أن يحل المشاكل الفقهية. لكنه إيمان العقل الفاهم، وليس إيمان القلب المطمئن. إنه كإيمان الشياطين الذين يؤمنون ويقشعرون، ولكنهم لا يتغيرون (يعقوب 2: 19).
والمحبة أعظم من الإيمان الذي يعمل المعجزات، فالإيمان يجري معجزة كبيرة (كتحريك جبل المقطم) مرة كل حقبة من الزمن. لكن المحبة تُمارس كل يوم، فهي لذلك أعظم من الإيمان.
ولا يُقلِّل الرسول بولس من أهمية الإيمان ولا من قيمة المعجزة، لكنه ينبهنا أن المحبة لازمة ومطلوبة كل يوم. الإيمان الذي ينقل الجبال يثير الدهشة، لكن المحبة تكسر القلب القاسي. قد يندهش إنسان ولا يؤمن، كما اندهش شيوخ اليهود من قيامة لعازر بعد موته بأربعة أيام، ولم يقدروا أن ينكروا أن المسيح أجرى المعجزة. ولكن هذا جعلهم يفكرون في قتل لعازر، حتى يختفي الدليل على قدرة المسيح وسلطانه! فالمعجزة لا تحرك القلب الذي لا يحب الله!
نقرأ في خروج 7: 11، 12 كيف ألقى موسى عصاه فصارت حيَّة، ولكن السحرة المصريين ألقوا عصيَّهم فصارت حيَّات! هذه معجزة. وفي ذات الأصحاح (آيتي20، 22) نقرأ كيف حوَّل موسى الماء إلى دم، فحوَّل السحرة الماء إلى دم كذلك. والفرق بين معجزة موسى ومعجزة السحرة أن معجزة موسى فيها محبة، لأنها تعلن اهتمام الرب بشعبه. أما سحرة فرعون فأجروا المعجزة ليحطموا معجزة موسى، وليطفئوا برهان الله، لأن قلوبهم الخالية من المحبة أرادت أن تحتفظ بالأسرى عبيداً. أما معجزة الله فهي معجزة محبة تطلِق الأسير حراً. وما أعظم الفرق بينهما! ولمثل سحرة فرعون يقول المسيح: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ، بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!» (متى 7: 21-23).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:45 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
المحبة أعظم من الحماسة والغيرة (آية 3)


«إِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً» (آية 3).
يقدم كثير من الناس العطاء بغير محبة، ولكن رغبةً في الحصول على مدح الآخرين، وللافتخار الشخصي. وقد يعطي الإنسان كتكليف واجب مفروض عليه. ولكن ما أعظم الفرق بين عطية التفاخر أو الإجبار وعطية المحبة. نقرأ في مرقس 12: 41-44 « وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاساً فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيراً. 42فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. 43فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ 44لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هَذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا كُلَّ مَعِيشَتِهَا ». فالرب يرى روح العطاء وكيفيته، ولا يقدِّر إلا عطاء المحبة، العطاء الحقيقي.
«إِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي » للفقراء بدون محبة، سينتفع الفقراء، لكن المعطي لا ينال من الله شيئاً!
« إِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ » فهناك من يقِّدم جسده حتى يحترق كله، حباً في الله، كما شهد نبوخذ نصر للفتية الثلاثة وقال: «تَبَارَكَ إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْ لاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِمْ » (دانيال 3: 28). فنجى الرب أجساد الفتيان الثلاثة من الحريق لأنهم سلموها للأتون حباً له. ولكن هناك من يسلِّم جسده حتى يحترق بُغضاً للناس، كما فعل جنود الحروب الصليبية، فماتوا واحترقوا وهم يقتلون ويسفكون الدماء، رغم أن سلاح المسيح هو سيف الروح الذي هو كلمة الله (أفسس 6: 17)، ورغم أنه قال: « لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ » (متى 26: 52) .
يعلمنا الرسول بولس في هذه الآيات الثلاث أن المحبة أعظم الكل. هي أعظم من المواهب، وأعظم من النبوَّة والتعليم، وأعظم من الإيمان والمعجزات، وأعظم من الحماسة والغيرة.
إن مشكلتنا الروحية الأولى هي عدم ترتيب أولوياتنا. أولويتنا الأولى هي المحبة، ثم المواهب، ثم النبوة والعلم، وبعدها الإيمان والمعجزات، ثم الحماسة والغيرة.
ليعلمنا الله أن نحب، ليس فقط الذين يحبوننا ولكن الذين يسيئون إلينا أيضاً، كما أحبنا المسيح وأسلم نفسه لأجلنا.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:46 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
أبانا السماوي
علَّمتنا المحبة في كلمتك
وفي المسيح لأنك أنت محبة،
وقد أحببتنا ونحن أعداء،
لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا.
وبفضل كفارته غُفرت خطايانا.
نلتمس أن تجعل حياتنا حياة المحبة،
لنحيا مزمور المحبة بكل القلب والفكر،
ولنحب بالطريقة التي تحب أنت بها.
في شفاعة المسيح.
آمين.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:47 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
الجزء الثاني
صفات المحبة
«4الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، 5وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، 6وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. 7وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. 8اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً» (1كورنثوس 13: 4-8أ)

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:47 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
المحبَّة المتأنية الرفيقة
https://upload.chjoy.com/uploads/135448779072.jpg


«الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ» (1كورنثوس 13: 4)
بعد أن رأينا أهمية المحبة، نتأمل صفاتها (آيات 4-7) التي تبدأ بأنها «تتأنى وترفق» ويقدم الرسول بولس خمس عشرة صفة للمحبة، نتأمل في هذا الفصل أول صفتين منها:

1- المحبة تتأنى: بمعنى أنها طويلة الروح والأناة، بطيئة الغضب، لا تقطع علاقة مع أحد، وتعطي فرصة متكررة جديدة للجميع، حتى للمسيئين إليها.
2- المحبة ترفُق: لأنها رقيقة، ومعناها في اليونانية «حلوة مع الجميع».

أعطانا الله النموذج الأعلى للتأني والرفق. فعندما سقط أبوانا الأولان في العصيان جاءهما الله يمد يد المحبة، فقال آدم لله: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ» (تكوين 3: 10) وألقى آدم اللوم على حواء، وألقت حواء اللوم على الحية. وبالرغم من هذا رتَّب الله في محبته الخلاص والفداء لأبوينا الأوّلَيْن، فأعطاهما الوعد العظيم أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تكوين 3: 15). ثم سترهما بأقمصة من جلد (تكوين 3: 21). فما أعظم محبة الله التي تأنَّت وترفَّقت، فوعدت بمجيء المخلص، ثم سترت، وأعطت شريعة موسى وذبائحها الحيوانية، التي كانت رمزاً لحمل الله الذي يرفع خطية العالم، والتي بذبيحة نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد لنا فداء أبدياً (يوحنا 1: 27 وعبرانيين 9: 12).
كان يمكن أن الله يُهلك آدم ويبدأ بداية جديدة بإنسان آخر، لكن الله في رفقه وأناته أعطى آدم فرصة ثانية.
ونرى أناة الله ورفقه واضحة في كل تاريخ بني إسرائيل، وهو يرسل إليهم نبياً بعد نبي، ويعلمهم درساً بعد درس، رغم أنهم يكررون ارتكاب نفس الخطأ. وفي قصة حياة النبي هوشع نرى الله يدرب نبيَّه لتكون له مشاعر مثل مشاعر الله من نحو شعبه، فطلب الله من هوشع أن يرتبط بامرأة ساقطة كما ارتبط الله بشعبٍ ساقط. ولكن السيدة الساقطة عاودت السقوط، وفي سقوطها الأول قلَّت قيمتها، أما في سقوطها المتكرر فقد ضاعت كل قيمتها. ولكن الله كلَّف هوشع أن يتزوجها من جديد، لأنه أراد أن يقول لهوشع وللشعب كله إنه يحب شعبه بالرغم من كل خطاياهم، وقال: « «لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي.. وَأَنَا دَرَّجْتُ أَفْرَايِمَ مُمْسِكاً إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ.. كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِماً إِيَّاهُ (هوشع 11: 1-4).
فبالرغم من خطية الشعب وخيانته لأوامر الرب، عبَّر لهم عن حبه، وعن مشاعر أبوته، وهو يدرِّجهم ويعلِّمهم المشي، ويمد لهم يده بالطعام! ثم يقول: « كَيْفَ أَجْعَلُكَ يَا أَفْرَايِمُ أُصَيِّرُكَ يَا إِسْرَائِيلُ؟! كَيْفَ أَجْعَلُكَ كَأَدَمَةَ أَصْنَعُكَ كَصَبُويِيمَ؟ » (هوشع 11: 8) أي: كيف أخرب بلادكم (رغم خطاياكم) فتصيرون كأدمة وصبوييم (تكوين 10: 19) وهما مدينتان من مدن دائرة سدوم وعمورة التي أحرقها الله بسبب خطاياهم؟ ثم يقول الرب: « قَدِ انْقَلَبَ عَلَيَّ قَلْبِي. اضْطَرَمَتْ مَرَاحِمِي جَمِيعاً ‍». فالرب لا يحتمل أن يبيدهم، لأن محبته لهم تتأنى عليهم وترفق بهم.
ونرى المحبة نفسها التي تتأنى وترفق في معاملات المسيح مع تلاميذه الذين أحبهم وعلَّمهم وساروا معه ثلاث سنوات. ولكنهم عند الصليب خافوا جميعاً وهربوا. ومع ذلك قال المسيح للمريمتين بعد قيامته: « اذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي» (متى 28: 10).
وقد أوضح المسيح أناة المحبة التي ترفق في مثل شجرة التين التي لم تثمر، فقال صاحبها للعامل في أرضه: « ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَراً فِي هَذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا. لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضاً؟ 8فَأَجَابَ: يَا سَيِّدُ اتْرُكْهَا هَذِهِ السَّنَةَ أَيْضاً حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَراً وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا» (لوقا 13: 7-9).
وهذا التعامل الإلهي المتأني الرفيق واضحٌ في حياتنا نحن واختباراتنا اليومية، فالله يباركنا ويُنعم علينا، مع أننا نخطئ ونرتد عنه ونتذمر عليه. ولكنه في محبته الكاملة يحبنا رغم ضعفنا. وهذا يدفعنا لأن نحيا حياة المحبة التي تتأنى وترفق مع الجميع «مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلادٍ أَحِبَّاءَ» (أفسس 5: 1).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:49 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
صفات التأني والرفق


(أ) المحبة المتأنية الرفيقة طويلة الأناة بغير يأس:
المحبة التي تتأنى وترفق تطيل أناتها، ولا تفقد أملها، وتعطي الآخرين فرصة ثانية، كما أن الله دائماً يعطيها فرصة ثانية عندما تضيِّع فرصة أو تسيء التصرُّف.
عندما يسقط المؤمن في الخطأ يعلم أن الله يحبه ويقلب له صفحة جديدة فيقول: « لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي. إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي. أَحْتَمِلُ غَضَبَ الرَّبِّ لأَنِّي أَخْطَأْتُ إِلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ دَعْوَايَ وَيُجْرِيَ حَقِّي. سَيُخْرِجُنِي إِلَى النُّورِ. سَأَنْظُرُ بِرَّهُ» (ميخا 7: 8، 9) فالرب ينقل المؤمن إلى النور ويُريه البر السماوي. وهذا أعظم دافع للمؤمن الذي متَّعه الله بالمواهب الروحية أن يتصرف مع غيره كما يتصرف الرب معه.
لقد تأنى المسيح على تلميذه توما الذي شك في حقيقة القيامة، وقال: « إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ». فظهر المسيح لتلاميذه وبينهم توما، وقال له: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». فهتف توما: «رَبِّي وَإِلَهِي» (يوحنا 20: 24-28).

(ب) المحبة المتأنية الرفيقة هي التي تستمر ولا تتوقف:
لا تتوقف المحبة المتأنية المترفِّقة أبداً، فهي تستمر في عطائها برغم الإساءات المتكررة.
قام أبشالوم بمحاولة انقلاب فاشلة ضد أبيه الملك داود، وانقسم بنو إسرائيل إلى معسكرين: معسكر في صف أبشالوم، والآخر في صف داود. ولكن محبة داود المتأنية على ولده جعلته يوصي أتباعه به ويقول: «تَرَفَّقُوا بِالْفَتَى أَبْشَالُومَ» (2صموئيل18: 5). لقد رأى في ابنه الثائر عليه «فتى» قليل الخبرة فأشفق عليه مما كان يفعله! وعندما سمع داود أن ابنه قُتل صرخ في ألم: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضاً عَنْكَ».
ارتكب شاب عدة جرائم، فسُجن، وكانت أمه تذهب دوماً لتزوره في السجن وتحمل له الهدايا حتى استدانت وتعبت صحتها. واستمرت تفعل هذا رغم أنه كان يستقبلها في كل زيارة بالإساءة. وكان للأم جار نصحها أن تتوقف عن زيارته، لأنها تعبت ولم تلقَ من ابنها أي تقدير. فقالت لجارها: «نعم هو لا يقدِّر ما أفعله، لكني أقدّره هو، فإن له أماً واحدة، لم يَبْقَ من عمرها إلا القليل!». هذه هي محبة الأم التي تستمر لأنها المحبة التي تتأنى وترفق، صاحبة النَّفس الطويل، القادرة على العطاء الذي لا ينقطع، لأن نبعها في السماء.

(ج) المحبة المتأنية الرفيقة تحفظ سلامها الداخلي:
المحبة تتأنى وترفق حتى وسط المتاعب والآلام، فتملأ قلب صاحبها سلاماً عميقاً يستمده من الرب الذي قال: «بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لوقا 21: 19). صحيح أن المحبة تنفع الذين نحبهم، ولكنها قبل ذلك تنفعنا ننحن الذين نحب، لأننا بها نقتني أنفسنا.

(د) المحبة المتأنية تتلقى الصدمات:
هناك نصيحة حكيمة تقول: «لا تتوقَّع كثيراً من الناس لكيلا يخيب أملك. ولكن كن عند حُسن ظن الناس الذين يتوقعون الخير منك». ولا يمكن أن تنفذ هذه الوصية إلا المحبة الرفيقة لأنها ينبوع متدفق فائض يستمد فيضه من مصادر دائمة الجريان، هي نهر محبة الفادي الذي لا يُحدّ.
وصاحب المحبة المتأنية لا يتوقف عن المحبة حتى لو صدموه. وهو يتصرف كالمسيح الذي شفى أذن ملخس، مع أن ملخس جاء ليلقي القبض عليه. فقد تلقّى المسيح الصدمة من ملخس بغير أن تصدمه، بل أن المسيح أحسن إليه.
قال الرسول بولس لقسوس كنيسة أفسس: « اِحْتَرِزُوا إِذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.. لِذَلِكَ اسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ» (أعمال 20: 28، 31).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:49 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
2- اعتراضات على التأني والرِّفق
يشكو كثيرون من شريك الحياة أو من الأبناء، أو من رئيس العمل أو الشريك فيه، أو من الجيران. وعندما تنصحهم بعدم ردّ الإساءة بإساءة يعترضون.
وأذكر ثلاثة اعتراضات على التأني والرفق، ثم أورد الردود عليها:
(أ) قال أحدهم:
«الإساءة التي أُسئت بها إساءة بالغة للغاية. أساءوني جداً، وأنا لا أستطيع أن أتأنى وأرفق، لأني جُرحت جُرحاً بليغاً».
ولهذا الشخص نقدم ثلاث نصائح:
* لا يمكن أن تكون الإساءة التي أساء الناس بها إليك أكبر من إساءتك أنت للرب ولغيرك من الناس، ومع ذلك احتملك الرب. فنحن عادة ننسى ما يسيء به غيرنا إلينا، ولكننا نتذكر ما يسيء به الآخرون إلينا، وعلينا أن نتذكر النصيحة الرسولية: « َكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ» (أفسس 4: 32).
ولنا في الصلاة الربانية، وفي تعليق المسيح عليها، ما يساعدنا على أن نكون ذوي محبة متأنية رفيقة. فقد علمنا المسيح أن نصلي: « اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا.. فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاتِهِمْ يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاتِهِمْ لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلاتِكُمْ » (متى 6: 12، 14، 15).
لقد قال المسيح إنه سيسامح الإنسان المسيء والإنسان المُساء إليه، فلنسامح كما سامحنا الرب، ولنصلِّ أن يتعامل الرب مع المسيء إلينا ويسامحه كما تعامل الرب معنا وسامحنا.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:49 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
* وهناك نصيحة ثانية لمن يقول إن الإساءات ضده بالغة، هي أن المسيح يحمل معك الإساءة التي صدرت ضدك. والدليل على ذلك أنه عندما مدّ شاول الطرسوسي يده ليسيء للمؤمنين قال له المسيح: « «شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟.. أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ» (أعمال 9: 4، 5). ونقرأ في نبوَّة زكريا: « مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ » (زكريا 2: 8) والمعنى أن من يسيء إلينا يؤذي نفسه، أو أنه يسيء لله نفسه. فالمسيح في آلامنا يحس بنا ويتألم معنا، كما يقول الله بفم إشعياء النبي: « فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ» (63: 9).
لقد دعاك المسيح لتحمل نيره الهيِّن والخفيف، وهو نير طاعة وصاياه. فإن كنت تحمل نير المسيح، طاعةً لأمره: « اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ » (متى 11: 29) فسيحمل هو النير معك.

* وهنا نصيحة ثالثة لمن يقول إن الإساءات ضده بالغة، هي قول المسيح: « كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ » (رؤيا 2: 10). صحيح إن الإساءة بالغة ولكن أمانتنا مع الرب تجعلنا نحتمل ونحب المحبة المتأنية الرفيقة، لنستحق لقب «أمناء إلى الموت» فننال «إكليل الحياة».

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:49 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
(ب) وقال صاحب الاحتجاج الثاني:
«المسيئون لا يتوَّقفون عن إيقاع الأذى بي، ولا يتوبون، ولا يبدو أنهم سيغيرون موقفهم معي».
ونسأل صاحب هذا الاحتجاج: هل إساءتهم ترجع إلى خطأ ارتكبته أنت، أم لأنهم هم مخطئون؟ ثم لنستمع إلى نصيحة الرسول بطرس:
« أَيُّهَا الْخُدَّامُ، كُونُوا خَاضِعِينَ بِكُلِّ هَيْبَةٍ لِلسَّادَةِ، لَيْسَ لِلصَّالِحِينَ الْمُتَرَفِّقِينَ فَقَطْ، بَلْ لِلْعُنَفَاءِ أَيْضاً. لأَنَّ هَذَا فَضْلٌ إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ اللهِ يَحْتَمِلُ أَحْزَاناً مُتَأَلِّماً بِالظُّلْمِ. لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ الْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهَذَا فَضْلٌ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّكُمْ لِهَذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ، بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ. الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ» (1بطرس 2: 18-24).
لنمتحن أنفسنا: هل نتألم بسبب خطأ ارتكبناه؟ إن كان الأمر كذلك، فلنتُب إلى الرب فيرحمنا وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران (إشعياء 55: 7). أما إن كنت تتألم وأنت فاعلٌ خيراً، فنِعِمّا لك. أرجوك أن تثبِّت نظرك على المسيح، الذي تألم وهو يخدم ويطلب ويخلص ما قد هلك، فأنت تتشبَّه به وهو يعطيك النجاة.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:50 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
(ج) وقال صاحب الاحتجاج الثالث:
«لو تأنيتُ عليهم أو كنت رفيقاً معهم، فإنهم يزيدون مضايقاتهم وإساءاتهم».
وللرد نقول:
* من أين تعرف أن الأعداء سيزيدون مضايقاتهم لك غداً؟ لا يستطيع أحد منا أن يتنبأ بما يأتي به الغد، فالغد في يد الرب. « فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ » (متى 6: 34) سيتدخل الرب في الوقت المناسب ليغير المضايقة إلى خير، كما قال يوسف لإخوته: « هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ 20أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً » (تكوين 50: 19، 20).
* وهناك حقيقة أخرى: إن الله يقف دوماً إلى جانب الذين يطيعون وصاياه. قال القديس أغسطينوس: «اعمل إرادة الله كأنها إرادتك، يعمل الله إرادتك كأنها إرادته». عندما تطيع الله يتحمل هو سبحانه كل ما ينتج عن طاعة أوامره. يأمرنا الرسول بولس « جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ: الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ». فلو أننا أطعنا هذا الأمر المبارك يصبح الرب وليَّ أمرنا، والمسؤول عنا. والبركة دائماً على رأس المطيع.
* وهناك حقيقة ثالثة: ما أعظم الوصية الرسولية: « لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ.. إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ، وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ، بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية 12: 17-21).
المحبة التي تتأنى وترفق تغيِّر حياة المحب والمحبوب. إنها ترد الضال البعيد إلى بيت الآب. وكما أن محبة الله المتأنية الرفيقة تقودك لتفتح قلبك للمسيح المخلِّص ليملك على قلبك بمحبته، قدِّم أنت المحبة نفسها لمن يسيء إليك، لتردّ نفسه وتهديه إلى سبل البر.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:55 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
»المحبة لا تحسد«
(1كورنثوس 13: 4)
الإيمان الحقيقي هو الإيمان العامل بالمحبة، أما الإيمان الخالي من العمل فهو إيمان الشياطين الذين يؤمنون ويقشعرون (يعقوب 2: 19). ولا بد أن تظهر ثمار الإيمان الحقيقي في حياة المؤمن كل يوم. وعلينا كمؤمنين نحب المسيح، أن نقرأ أصحاح المحبة كثيراً، أكثر مما تعودنا أن نقرأه، لندرك نوعية حياة المحبة التي يريدنا الرب أن نحياها.
ونتأمل في هذا الفصل صفة أخرى من صفات المحبة، وهي: «المحبة لا تحسد».
الحسد هو إحساسٌ بالضيق عند رؤية شخصٍ يملك ما نعتقد أننا لا نملكه. وقد يكون الحسد مجرد موقف فكري (كما يقول القديس توما الأكويني) نحزن فيه من نجاح الآخرين. وربما كان هذا حال مؤمني كورنثوس، لأن أصحاب «المواهب» كانوا ينظرون نظرة تحقير لمن ليس لهم مواهب، أما الذين لا يملكون «مواهب» فقد نظروا نظرة حسد لأصحاب المواهب! مجرد موقف فكري.
ولكن قد يتصعَّد الحسد من مجرد فكري، ليصبح عُنفاً يُوقِع الأذى والضرر بالمحسود، كما فعل إخوة يوسف لما رأوه يلبس قميصاً ملوناً ليس عندهم مثله، وتصعَّد حسدهم حتى ألقوه في البئر الخالية من الماء، ثم باعوه لقافلة الإسماعيليين المسافرة إلى مصر.
والحسد دوماً يؤذي الحاسد ويدمر سلامه النفسي، لأن الحاسد يركز نظره على ما يملكه الآخرون، فلا يرى ما عنده هو، ولذلك لا يتمتع بما أنعم الله به عليه. وهذه النظرة الكئيبة لما عند الناس تجعله دائماً في بؤس.
رسم فنان إيطالي اسمه جيوتو GIOTTO (وهو صديق لدانتي) على حائط كنيسة في بادوا PADUA بإيطاليا صورة للحسد، رسم فيها شخصاً له أذنان طويلتان ليسمع بهما أية إشاعة سيئة تضر الآخرين، ورسم له لساناً على شكل حيَّة ليسمِّم به سمعة الآخرين. ويتكوَّر اللسان حتى يلدغ الحاسد عيني نفسه! وقد أراد الفنان أن يقول: إن الحاسد يُصيب نفسه بالعمى ويضيِّع نور عينيه، حتى لا يعود يرى ما عنده، فيُسيء للآخرين.
ونقتبس آيتين كتابيتين من عهدي الكتاب المقدس (القديم والجديد) تنهياننا عن الحسد:
الأولى: « لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ » (مزمور 37: 1).
والثانية: « لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضاً، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضاً » (غلاطية 5: 26). أي لا نصرف وقتنا في النظر إلى ما عند غيرنا فلا نشكر الله على ما أعطانا.
ومن الغريب أن المؤمن قد يحسد الشرير الناجح في حياته المادية! يقول آساف: « لأَنِّي غِرْتُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ إِذْ رَأَيْتُ سَلاَمَةَ الأَشْرَارِ » (مزمور 73: 3). وهذا يبرهن لنا أنه لا يوجد إنسانٌ خالٍ من الخطية، ولا توجد حياة خالية من التجربة. وعلى المؤمنين دوماً أن يكونوا يقظين لتجارب إبليس حتى لا يقعوا في خطايا حقيرة كالحسد، وليمتلئوا بسلام الله حتى يَنْعموا بسلامة الروح في الرب.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:56 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
وأذكر أربعة أمور تنصرنا على الحسد:
1- الشكر ينصرنا على الحسد، فالمحبة تشكر بينما الحسد يتذمر:
عندما قتل داود جليات هتفت نساء بني إسرائيل: «ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ». فَغَضِبَ شَاوُلُ جِدّاً وَسَاءَ هَذَا الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: «أَعْطَيْنَ دَاوُدَ رَبَوَاتٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَعْطَيْنَنِي الأُلُوفَ! وَبَعْدُ فَقَطْ تَبْقَى لَهُ الْمَمْلَكَةُ!» (1صموئيل 18: 7، 8).
لقد قتل داود ربواته فعلاً، فهرب الأعداء واستراح شعب الرب منهم فترة طويلة. ولم يقتل شاول ألوفاً، فقد وقف الأعداء أمامه مدة أربعين يوماً، يسخرون منه ويهزأون به، دون أن يقدر شاول على عمل شيء! كانت أغنية الشكر صادقة بالنسبة لداود، وكريمة أكثر من اللازم مع شاول، ولكن الحسد في نفس شاول حرمه من الفرح بالنصر. وكانت نتيجة حسده أنه دمَّر ذاته، فترك قصره وعرشه وأُبَّهة المُلك، ليجري من بلد لأخرى سعياً وراء داود ليقتله. كان داود مجرد جندي عند شاول الملك صاحب العرش. لكن مرض الحسد في قلبه جعله دائم التذمر، فدمَّر حياته، وأشقى شعبه، وأرهب داود بغير فائدة. وأخيراً مات شاول منتحراً، وصار داود ملكاً. ولو فكر شاول بعقل لاعتبر داود أحد أسلحة الرب. إنه جندي من جنوده، أعطى الرب نصراً على يديه. ولكن الحسد أعمى عيني شاول عن الحق.
وعلى العكس من شاول نرى داود الذي يشكر، فالمحبة تشكر ولا تتذمر. ويقول داود: « بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. الَّذِي يُشْبِعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ » (مزمور 103: 1-5) فلنحول نظرنا عما عند الآخرين، ولنشكر على ما عندنا، فنستريح إلى الأبد من خطية الحسد.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:56 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
2- التأمل في ما عندنا ينصرنا على الحسد، فالمحبة ترى ما عندها بينما الحسد يرى ما ينقصه:
نقرأ في سفر العدد عن النتيجة السيئة التي حلت ببني قورح لما حسدوا موسى وهارون على خدمتهما.
« أَخَذَ قُورَحُ بْنُ يِصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لاوِي، وَدَاثَانُ وَأَبِيرَامُ ابْنَا أَلِيآبَ، وَأُونُ بْنُ فَالتَ (بَنُو رَأُوبَيْنَ) يُقَاوِمُونَ مُوسَى مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رُؤَسَاءِ الجَمَاعَةِ مَدْعُوِّينَ لِلاِجْتِمَاعِ ذَوِي اسْمٍ. فَاجْتَمَعُوا عَلى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لهُمَا: «كَفَاكُمَا! إِنَّ كُل الجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ. فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟» (العدد 16: 1-3).
وفي تأمل هذه الشكوى، نرى أن نصف كلام أصحابها صحيح، فالجماعة فعلاً مقدسة لأن الرب في وسطها. ولكن النصف الثاني هو السيء: « مَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟ ». فقد كانت قيادة موسى وهارون لجماعة الرب تعييناً من الله، لا كبرياءً، فقد دعاهما الله وكلفهما وأرسلهما لفرعون، واستخدمهما بركة للشعب، فأخرجاه من العبودية. وكان على بني قورح أن يكونوا عقلاء يشكرون على البركة التي أعطاها الله لهم ولشعبهم على يد موسى وهارون. لكن الحسد الذي ملأ قلوبهم حرمهم من البركة، ثم حرمهم من الحياة، لأن الأرض فتحت فاها وابتلعتهم وكل مالهم، فهبطوا أحياء إلى الهاوية! (عدد 16: 31).
أما المثل الأكبر للحسد فهو حسد رؤساء اليهود للمسيح. لقد جاءهم مخلِّصاً، وهو انتظار الأجيال، ومحقِّق النبوات، ولكنهم رفضوه وسلَّموه إلى الوالي الروماني بيلاطس ليصلبه. وعرف بيلاطس بعد فحص دعواهم أن المسيح بريء، وأنهم أسلموه له حسداً (متى 27: 18). لقد حسدوه لأن الشعب تبعه حباً له، وهتف له ثقة به: « أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي! » (متى 21: 9) وقرروا أن يقتلوه. ولما لم يكن لهم الحق في تنفيذ ذلك لجأوا إلى بيلاطس لينفذ ذلك الحكم القاسي.
غريب أمرهم! كان يجب أن يفرحوا بالمسيح المعلم العظيم، صانع المعجزات، المسيا المنتظر. ولكن قلوبهم الخالية من المحبة امتلأت بالحسد، فأسلموه لبيلاطس.
وما أعظم الفرق بينهم وبين يوحنا المعمدان، الذي أحب الله وأحب المسيح، وشهد للمسيح أنه «حمل الله» وقاد تلاميذه ليتبعوا المسيح، وقال عنه: « يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ، وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ » (يوحنا 3: 30). حقاً المحبة لا تحسد.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:56 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
الفرح ينصرنا على الحسد، فالمحبة تفرح بالخير، بينما الحسد يتضايق منه:
من النماذج الرائعة للمحبة التي تفرح بخير الآخرين محبة يوناثان ابن الملك شاول لداود. عندما قتل داود جليات « وَقَطَعَ يُونَاثَانُ وَدَاوُدُ عَهْداً لأَنَّهُ أَحَبَّهُ كَنَفْسِهِ. وَخَلَعَ يُونَاثَانُ الْجُبَّةَ الَّتِي عَلَيْهِ وَأَعْطَاهَا لِدَاوُدَ مَعَ ثِيَابِهِ وَسَيْفِهِ وَقَوْسِهِ وَمِنْطَقَتِهِ » (1صموئيل 18: 3، 4). ولما حسد شاول داود وأراد أن يقتله، حذر يوناثان داود من المؤامرة ودافع عن داود أمام أبيه (1صموئيل19: 2 و20: 32). وطلب يوناثان من داود أن يصنع معه خيراً لما يتولى داود المملكة (1صموئيل 20: 15). لقد أحب يوناثان داود، وفرح بالخلاص الذي أعطاه الله لشعبه على يديه، حتى لو كان هذا يضر مصالح يوناثان الشخصية!
المحبة تفرح لما يزيد الخير، فيعم الجميع، لأنها تعلم أن الإنسان لا يزيد عندما ينقص غيره.
يخبرنا سفر دانيال عن الكرامة التي نالها دانيال في عهد الملك داريوس، حتى أنه « حَسُنَ عِنْدَ دَارِيُوسَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ مِئَةً وَعِشْرِينَ مَرْزُبَاناً (رئيساً) يَكُونُونَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. وَعَلَى هَؤُلاَءِ ثَلاَثَةَ وُزَرَاءَ أَحَدُهُمْ دَانِيآلُ لِتُؤَدِّيَ الْمَرَازِبَةُ (الرؤساء) إِلَيْهِمِ الْحِسَابَ فَلاَ تُصِيبَ الْمَلِكَ خَسَارَةٌ. فَفَاقَ دَانِيآلُ هَذَا عَلَى الْوُزَرَاءِ وَالْمَرَازِبَةِ لأَنَّ فِيهِ رُوحاً فَاضِلَةً. وَفَكَّرَ الْمَلِكُ فِي أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. ثُمَّ إِنَّ الْوُزَرَاءَ وَالْمَرَازِبَةَ كَانُوا يَطْلُبُونَ عِلَّةً يَجِدُونَهَا عَلَى دَانِيآلَ مِنْ جِهَةِ الْمَمْلَكَةِ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَجِدُوا عِلَّةً وَلاَ ذَنْباً لأَنَّهُ كَانَ أَمِيناً وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ خَطَأٌ وَلاَ ذَنْبٌ. فَقَالَ هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ: «لاَ نَجِدُ عَلَى دَانِيآلَ هَذَا عِلَّةً إِلاَّ أَنْ نَجِدَهَا مِنْ جِهَةِ شَرِيعَةِ إِلَهِهِ» (دانيال 6: 1-5).
ألم يدرك أولئك الرؤساء أن نجاح دانيال ليس له وحده، بل للدولة كلها، ولهم هم أيضاً؟ كان يجب أن يشكروا لوجود رئيس وزراء يتمتع بالذكاء والروح الفاضلة والأمانة لتسير جميع أمور الدولة بنجاح وسلام. لكن الحسد أصابهم بالعمى، فلم يروا في دانيال إلا الرئيس الذي يتولى مسئولية مشرّفة، حسبوا أنفسهم أكثر استحقاقاً لها منه، فدبَّروا له مكيدة. ولكن الرب أنقذه منها (دانيال 6).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:56 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
4- السلام ينصرنا على الحسد، فالمحبة تحيا في سلام، بينما الحسد يحيا في قلق:
كلما أحب الإنسان إلهه أحب إخوته البشر. وكلما أحب الناس امتلأ قلبه بسلامٍ نابع من السماء، يشبه السلام الذي غمر قلب المسيح وهو ماضٍ إلى الصليب، فقال لتلاميذه: « سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ » (يوحنا 14: 27).
أما الذي يحسد فإنه يضيِّع سلامه الروحي وطمأنينته النفسية، لأنه دائم التطلع إلى ما عند غيره، ودائم الإهمال للشكر على ما عنده. وما أجمل النصيحة الرسولية: « فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفاً، وَتَوَاضُعاً، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ. مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً. وَعَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ» (كولوسي 3: 12-15).
قارِنْ بين السلام الذي ملأ نفس يوسف وهو يكرم أباه وإخوته، وبين القلق الذي عصف بقلوب إخوته، وهم يقولون لبعضهم البعض: ««حَقّاً إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا الَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا اسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الضِّيقَةُ» (تكوين 42: 21) ثم قارن سلام يوسف وهو راجع من دفن أبيه بكل إكرام، وبين القلق الذي كاد يمزق صدور إخوته وهم يقولون: « «لَعَلَّ يُوسُفَ يَضْطَهِدُنَا وَيَرُدُّ عَلَيْنَا جَمِيعَ الشَّرِّ الَّذِي صَنَعْنَا بِهِ» (تكوين 50: 15). وتُظهِر هذه الكلمات أن القلق كان كامناً داخل نفوسهم يؤرق بالهم طيلة وجودهم في مصر أثناء حياة أبيهم.
المحبة تعطي السلام، والحسد يورث القلق! فلنطلب من الله أن تسود على قلوبنا محبته «التي لا تحسد».

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 06:59 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
الشكر ينصرنا على الحسد
فالمحبة تشكر بينما الحسد يتذمر

عندما قتل داود جليات هتفت نساء بني إسرائيل: «ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ». فَغَضِبَ شَاوُلُ جِدّاً وَسَاءَ هَذَا الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: «أَعْطَيْنَ دَاوُدَ رَبَوَاتٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَعْطَيْنَنِي الأُلُوفَ! وَبَعْدُ فَقَطْ تَبْقَى لَهُ الْمَمْلَكَةُ!» (1صموئيل 18: 7، 8).
لقد قتل داود ربواته فعلاً، فهرب الأعداء واستراح شعب الرب منهم فترة طويلة. ولم يقتل شاول ألوفاً، فقد وقف الأعداء أمامه مدة أربعين يوماً، يسخرون منه ويهزأون به، دون أن يقدر شاول على عمل شيء! كانت أغنية الشكر صادقة بالنسبة لداود، وكريمة أكثر من اللازم مع شاول، ولكن الحسد في نفس شاول حرمه من الفرح بالنصر. وكانت نتيجة حسده أنه دمَّر ذاته، فترك قصره وعرشه وأُبَّهة المُلك، ليجري من بلد لأخرى سعياً وراء داود ليقتله. كان داود مجرد جندي عند شاول الملك صاحب العرش. لكن مرض الحسد في قلبه جعله دائم التذمر، فدمَّر حياته، وأشقى شعبه، وأرهب داود بغير فائدة. وأخيراً مات شاول منتحراً، وصار داود ملكاً. ولو فكر شاول بعقل لاعتبر داود أحد أسلحة الرب. إنه جندي من جنوده، أعطى الرب نصراً على يديه. ولكن الحسد أعمى عيني شاول عن الحق.
وعلى العكس من شاول نرى داود الذي يشكر، فالمحبة تشكر ولا تتذمر. ويقول داود: « بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. الَّذِي يُشْبِعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ » (مزمور 103: 1-5) فلنحول نظرنا عما عند الآخرين، ولنشكر على ما عندنا، فنستريح إلى الأبد من خطية الحسد.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:00 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
التأمل في ما عندنا ينصرنا على الحسد،
فالمحبة ترى ما عندها بينما الحسد يرى ما ينقصه

نقرأ في سفر العدد عن النتيجة السيئة التي حلت ببني قورح لما حسدوا موسى وهارون على خدمتهما.
« أَخَذَ قُورَحُ بْنُ يِصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لاوِي، وَدَاثَانُ وَأَبِيرَامُ ابْنَا أَلِيآبَ، وَأُونُ بْنُ فَالتَ (بَنُو رَأُوبَيْنَ) يُقَاوِمُونَ مُوسَى مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رُؤَسَاءِ الجَمَاعَةِ مَدْعُوِّينَ لِلاِجْتِمَاعِ ذَوِي اسْمٍ. فَاجْتَمَعُوا عَلى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لهُمَا: «كَفَاكُمَا! إِنَّ كُل الجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ. فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟» (العدد 16: 1-3).
وفي تأمل هذه الشكوى، نرى أن نصف كلام أصحابها صحيح، فالجماعة فعلاً مقدسة لأن الرب في وسطها. ولكن النصف الثاني هو السيء: « مَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟ ». فقد كانت قيادة موسى وهارون لجماعة الرب تعييناً من الله، لا كبرياءً، فقد دعاهما الله وكلفهما وأرسلهما لفرعون، واستخدمهما بركة للشعب، فأخرجاه من العبودية. وكان على بني قورح أن يكونوا عقلاء يشكرون على البركة التي أعطاها الله لهم ولشعبهم على يد موسى وهارون. لكن الحسد الذي ملأ قلوبهم حرمهم من البركة، ثم حرمهم من الحياة، لأن الأرض فتحت فاها وابتلعتهم وكل مالهم، فهبطوا أحياء إلى الهاوية! (عدد 16: 31).
أما المثل الأكبر للحسد فهو حسد رؤساء اليهود للمسيح. لقد جاءهم مخلِّصاً، وهو انتظار الأجيال، ومحقِّق النبوات، ولكنهم رفضوه وسلَّموه إلى الوالي الروماني بيلاطس ليصلبه. وعرف بيلاطس بعد فحص دعواهم أن المسيح بريء، وأنهم أسلموه له حسداً (متى 27: 18). لقد حسدوه لأن الشعب تبعه حباً له، وهتف له ثقة به: « أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي! » (متى 21: 9) وقرروا أن يقتلوه. ولما لم يكن لهم الحق في تنفيذ ذلك لجأوا إلى بيلاطس لينفذ ذلك الحكم القاسي.
غريب أمرهم! كان يجب أن يفرحوا بالمسيح المعلم العظيم، صانع المعجزات، المسيا المنتظر. ولكن قلوبهم الخالية من المحبة امتلأت بالحسد، فأسلموه لبيلاطس.
وما أعظم الفرق بينهم وبين يوحنا المعمدان، الذي أحب الله وأحب المسيح، وشهد للمسيح أنه «حمل الله» وقاد تلاميذه ليتبعوا المسيح، وقال عنه: « يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ، وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ » (يوحنا 3: 30). حقاً المحبة لا تحسد.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:01 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
الفرح ينصرنا على الحسد، فالمحبة تفرح بالخير،
بينما الحسد يتضايق منه


من النماذج الرائعة للمحبة التي تفرح بخير الآخرين محبة يوناثان ابن الملك شاول لداود. عندما قتل داود جليات « وَقَطَعَ يُونَاثَانُ وَدَاوُدُ عَهْداً لأَنَّهُ أَحَبَّهُ كَنَفْسِهِ. وَخَلَعَ يُونَاثَانُ الْجُبَّةَ الَّتِي عَلَيْهِ وَأَعْطَاهَا لِدَاوُدَ مَعَ ثِيَابِهِ وَسَيْفِهِ وَقَوْسِهِ وَمِنْطَقَتِهِ » (1صموئيل 18: 3، 4). ولما حسد شاول داود وأراد أن يقتله، حذر يوناثان داود من المؤامرة ودافع عن داود أمام أبيه (1صموئيل19: 2 و20: 32). وطلب يوناثان من داود أن يصنع معه خيراً لما يتولى داود المملكة (1صموئيل 20: 15). لقد أحب يوناثان داود، وفرح بالخلاص الذي أعطاه الله لشعبه على يديه، حتى لو كان هذا يضر مصالح يوناثان الشخصية!
المحبة تفرح لما يزيد الخير، فيعم الجميع، لأنها تعلم أن الإنسان لا يزيد عندما ينقص غيره.
يخبرنا سفر دانيال عن الكرامة التي نالها دانيال في عهد الملك داريوس، حتى أنه « حَسُنَ عِنْدَ دَارِيُوسَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ مِئَةً وَعِشْرِينَ مَرْزُبَاناً (رئيساً) يَكُونُونَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. وَعَلَى هَؤُلاَءِ ثَلاَثَةَ وُزَرَاءَ أَحَدُهُمْ دَانِيآلُ لِتُؤَدِّيَ الْمَرَازِبَةُ (الرؤساء) إِلَيْهِمِ الْحِسَابَ فَلاَ تُصِيبَ الْمَلِكَ خَسَارَةٌ. فَفَاقَ دَانِيآلُ هَذَا عَلَى الْوُزَرَاءِ وَالْمَرَازِبَةِ لأَنَّ فِيهِ رُوحاً فَاضِلَةً. وَفَكَّرَ الْمَلِكُ فِي أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ كُلِّهَا. ثُمَّ إِنَّ الْوُزَرَاءَ وَالْمَرَازِبَةَ كَانُوا يَطْلُبُونَ عِلَّةً يَجِدُونَهَا عَلَى دَانِيآلَ مِنْ جِهَةِ الْمَمْلَكَةِ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَجِدُوا عِلَّةً وَلاَ ذَنْباً لأَنَّهُ كَانَ أَمِيناً وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ خَطَأٌ وَلاَ ذَنْبٌ. فَقَالَ هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ: «لاَ نَجِدُ عَلَى دَانِيآلَ هَذَا عِلَّةً إِلاَّ أَنْ نَجِدَهَا مِنْ جِهَةِ شَرِيعَةِ إِلَهِهِ» (دانيال 6: 1-5).
ألم يدرك أولئك الرؤساء أن نجاح دانيال ليس له وحده، بل للدولة كلها، ولهم هم أيضاً؟ كان يجب أن يشكروا لوجود رئيس وزراء يتمتع بالذكاء والروح الفاضلة والأمانة لتسير جميع أمور الدولة بنجاح وسلام. لكن الحسد أصابهم بالعمى، فلم يروا في دانيال إلا الرئيس الذي يتولى مسئولية مشرّفة، حسبوا أنفسهم أكثر استحقاقاً لها منه، فدبَّروا له مكيدة. ولكن الرب أنقذه منها (دانيال 6).


Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:03 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
السلام ينصرنا على الحسد،
فالمحبة تحيا في سلام،
بينما الحسد يحيا في قلق

كلما أحب الإنسان إلهه أحب إخوته البشر. وكلما أحب الناس امتلأ قلبه بسلامٍ نابع من السماء، يشبه السلام الذي غمر قلب المسيح وهو ماضٍ إلى الصليب، فقال لتلاميذه: « سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ » (يوحنا 14: 27).
أما الذي يحسد فإنه يضيِّع سلامه الروحي وطمأنينته النفسية، لأنه دائم التطلع إلى ما عند غيره، ودائم الإهمال للشكر على ما عنده. وما أجمل النصيحة الرسولية: « فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفاً، وَتَوَاضُعاً، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ. مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً. وَعَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ» (كولوسي 3: 12-15).
قارِنْ بين السلام الذي ملأ نفس يوسف وهو يكرم أباه وإخوته، وبين القلق الذي عصف بقلوب إخوته، وهم يقولون لبعضهم البعض: ««حَقّاً إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا الَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا اسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الضِّيقَةُ» (تكوين 42: 21) ثم قارن سلام يوسف وهو راجع من دفن أبيه بكل إكرام، وبين القلق الذي كاد يمزق صدور إخوته وهم يقولون: « «لَعَلَّ يُوسُفَ يَضْطَهِدُنَا وَيَرُدُّ عَلَيْنَا جَمِيعَ الشَّرِّ الَّذِي صَنَعْنَا بِهِ» (تكوين 50: 15). وتُظهِر هذه الكلمات أن القلق كان كامناً داخل نفوسهم يؤرق بالهم طيلة وجودهم في مصر أثناء حياة أبيهم.
المحبة تعطي السلام، والحسد يورث القلق! فلنطلب من الله أن تسود على قلوبنا محبته «التي لا تحسد».

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:05 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
أبانا، نشكرك
لأنك أعطيتنا وأكرمتنا بسخاء
ولم تعيِّرنا أبداً.
هبنا أن نرى كيف فتحت يدك فشبِعْنا بالخيرات.
فِضْ في قلوبنا بفرح الروح القدس
فنفرح بشخصك وبعطاياك.
عمِّق محبتك فينا،
وانزع الحسد من دواخلنا،
وأعطنا أن نكرم انتماءنا إليك بسيرتنا
وجهادنا لنحيا الإيمان الذي نعتنقه.
في شفاعة المسيح.
آمين.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:06 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
«الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ»
(1كورنثوس 13: 4)

يتعرض صاحب المواهب الروحية (أكثر من غيره) لتجربة التفاخر بما عنده. فقد يتفاخر الواعظ المشهور بقدراته الوعظية، وقد يتكبر المحسن الكريم بأنه أطعم الفقراء. أما المحبة الحقيقية الصادقة فإنها لا تتفاخر بما تفعله، لأنها تفعله لأجل اسم المسيح، وبقوة منحها المسيح.
كان التفاخر أحد عيوب كنيسة كورنثوس، فانقسموا أحزاباً، يفتخر كل حزب بالرسول الذي ينتمي الحزب له، فافتخر البعض ببولس والبعض الآخر بأبلوس، فقال لهم الرسول بولس: « لاَ يَنْتَفِخ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ (بمعنى: لا تنتفخوا من الكبرياء تحزُّباً لأحد) . لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ (بمعنى: من جعلك متميزاً عن غيرك). وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ (بمعنى: كل شيء عندك أخذته هبةً وعطيةً). وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟» (1كورنثوس 4: 6، 7). فالرسول يطلب أن لا يتحيَّزوا له أو لأبلوس، لأن لا أحد يملك ويُميَّز. وإن ملك وتميَّز فهذا نعمةٌ وهبةٌ من عند الله، وليس من مكسبه الشخصي.
ويقول الرسول بولس أيضاً: « الْعِلْمُ يَنْفُخُ وَلَكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي » (1كورنثوس 8: 1). فالإنسان الذي يعرف ربما ينتفخ بعلمه، ولكنه لا ينمو ويرقى إنسانياً وروحياً بما تعلم إلا إذا أشرقت أنوار المحبة على قلبه.
لماذا لم يقل بولس: «المحبة تتواضع» بدل قوله: « الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ »؟ لماذا لم يصف المحبة بأسلوب إيجابي بدلاً من الأسلوب السلبي؟ والإجابة: لعل أهل كورنثوس افتخروا بتواضعهم، وحوَّلوا فضيلة التواضع إلى افتخار، فصارت فضيلتهم رذيلة. فشرح الرسول بولس لهم الفضيلة بضدها.
هناك وصيتان عظيمتان تتلخص فيهما كل الوصايا: « تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَتُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». والذي يحب الله من كل قلبه لا يمكن أن يتفاخر أو ينتفخ، لأنه يدرك أن كل ما عنده هو من عند الله مصدر كل نعمة. ومن يحب إخوته البشر لا يمكن أن ينتفخ عليهم، بل يقف منهم موقف التواضع، لأنه خادم الله المحب، الذي يعطي من نفسه ومما عنده، متمثلاً بالمسيح الذي « لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مرقس 10: 45).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:07 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
ثلاثة أسباب تمنع المحبة من التفاخر

1- المحبة تدرك أن التفاخر سلوك جسداني:
هناك سلوك «حسب الجسد» وسلوك «حسب الروح». والجسد يشتهي ضد الروح ويقاومه حتى نفعل ما لا نريد. لذلك جاءت النصيحة الرسولية: « اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ » (غلاطية 5: 16). ولذلك نرى المحبة لا تتفاخر لأن الروح القدس يحكمها، كما قال الرسول بولس: « فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ حَسَبَ الرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ » (رومية 8: 5) هذه المحبة الخاضعة للروح القدس لا تتصرف التصرف الجسداني الذي ينتفخ.
* لقد كان الجسد من وراء تصرف نبوخذ نصر، فقال هذا المسكين: «أَلَيْسَتْ هَذِهِ بَابِلَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي بَنَيْتُهَا لِبَيْتِ الْمُلْكِ بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي وَلِجَلاَلِ مَجْدِي!» (دانيال 4: 30) لم يبنِ نبوخذ نصر بابل بنفسه، ولا دفع من جيبه نفقات البناء، بل تمتع بثمرة ما قام به الشعب الذي دفع الجزية، وما قام به المهندسون المقتدرون من رسم وتأسيس وبناء. أما قوله: « بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي وَلِجَلاَلِ مَجْدِي » فيدل على أن عقله قد أصابه الجنون!
* ولقد كان الجسد من وراء تصرُّف سالومة أم يوحنا ويعقوب ابني زبدي، فقالت للمسيح: « «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هَذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ» (متى 20: 21) ولم يَعِدْها الرب بشيء مما طلبت، ومع ذلك اغتاظ باقي التلاميذ من طلبها، وكأنَّ المسيح وعدها أن يحقق لها ما طلبته! وفي طلبها، وفي غيظ التلاميذ نرى انتفاخ سالومة بولديها، وانتفاخ وكبرياء التلاميذ الآخرين الذين لا بد حسبوا نفوسهم أفضل من ابني زبدي! ربما قال كل واحد منهم: لئن جلس يوحنا ويعقوب عن يمينه وعن يساره، فأين أجلس أنا؟! والمسيح يقول للجميع: هل تستطيعون أن تصطبغوا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟ كانت صبغة المسيح ولون حياته التواضع والمحبة، وهي الصبغة ولون الحياة الذي يريده لنا، لأنه وديعٌ ومتواضع القلب.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:07 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
* ولقد كان الجسد من وراء مشاجرة التلاميذ: من منهم يُظَن أنه يكون أكبر (لوقا 22: 24). لقد ظنوا ملكوت المسيح سياسياً أرضياً، ولكن المسيح أصلح فكرهم الجسداني، وقال لهم: « الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ وَالْمُتَقَدِّمُ كَالْخَادِمِ.. أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدِمُ» (لوقا 22: 26، 27).
واضح أن البشر بحسب تفكيرهم العادي يميلون إلى التفاخر والانتفاخ، فهم يعتزُّون بعائلتهم باعتبار أنها أفضل العائلات، ثم يعتزون بأنفسهم باعتبار أنهم أفضل أفراد عائلتهم! ولكن المحبة سلوك سماوي، لذلك فهي لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولقد تجرَّب بنو إسرائيل بالتفاخر بعد معجزات الخروج، فقال لهم محذراً: « ليْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ التَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. بَل مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ القَسَمَ الذِي أَقْسَمَ لآِبَائِكُمْ أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ. فَاعْلمْ أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ اللهُ الإِلهُ الأَمِينُ، الحَافِظُ العَهْدَ وَالإِحْسَانَ لِلذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ إِلى أَلفِ جِيلٍ» (تثنية 7: 7-9).
لقد اختار الله بني إسرائيل لأنهم أقل من سائر الشعوب ليحفظ لهم تواضعهم. فأمرهم موسى بعدم التفاخر، وأوصاهم بالتواضع، وعلمهم أن يقولوا: « تَقُولُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ: أَرَامِيّاً تَائِهاً كَانَ أَبِي، فَانْحَدَرَ إِلى مِصْرَ وَتَغَرَّبَ هُنَاكَ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ، فَصَارَ هُنَاكَ أُمَّةً كَبِيرَةً وَعَظِيمَةً وَكَثِيرَةً، فَأَسَاءَ إِليْنَا المِصْرِيُّونَ وَثَقَّلُوا عَليْنَا وَجَعَلُوا عَليْنَا عُبُودِيَّةً قَاسِيَةً. فَلمَّا صَرَخْنَا إِلى الرَّبِّ إِلهِ آبَائِنَا سَمِعَ الرَّبُّ صَوْتَنَا وَرَأَى مَشَقَّتَنَا وَتَعَبَنَا وَضِيقَنَا» (تثنية 26: 5-7).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:07 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
لقد تاه إبراهيم خليل الله، وجاء لاجئاً إلى مصر. ولما تضايق فيها صرخ إلى الرب فأنقذه. ولم تنقذه مكانته الشخصية أو قوته أو تفكيره البشري (تكوين 12: 10-20) وهذا يمنع المؤمنين الذين يقدِّرون فضل الله من الافتخار الجسدي.
وعاد الله على فم النبي إشعياء يحذر الشعب القديم من التفاخر، فقال لهم: « اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا التَّابِعُونَ الْبِرَّ، الطَّالِبُونَ الرَّبَّ. انْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى نُقْرَةِ الْجُبِّ الَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ » (إشعياء 51: 1) والمقصود بالصخر هو إبراهيم الخليل، والمقصود بنقرة الجب زوجته سارة، فقد كان إبراهيم في التاسعة والتسعين من عمره، وسارة في التاسعة والثمانين لما حبلت بإسحاق. لم يكن هناك أملٌ في الإنجاب في هذا العمر الكبير، لكن على خلاف الرجاء البشري حقَّق الله وعده لإبراهيم الخليل (رومية 4: 18). وهكذا قال إشعياء إن الله أخرج من «الصخر» ومن «نقرة الجُبّ» شعباً له. فلا فخر هنا، ولكن تواضع أمام معجزة الله حتى « تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِياً مَجْداً لِلَّهِ» (رومية 4: 20).
وقد حذر المسيح بطرس من ثقته الزائدة بنفسه، وقال له إنه سينكره ثلاث مرات (لوقا 22: 24).
ولا بد أن المسيح استشعر أن تلاميذه سيتجربون بأن يفتخروا بأنه اختارهم تلاميذ له، فقال لهم: « لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي» (يوحنا 15: 16). إذاً الفضل للنعمة التي حملت الغصن في الكرمة، وغذَّته بعصارتها الكريمة فجاء الثمر. ونلاحظ أن الغصن الذي لا يحمل ثمراً يكون مرتفع الرأس، ولكن عندما يتثقل بالثمر ينحني. وقليلو الثمر هم الذين يتفاخرون!

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:07 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
2- المحبة تدرك فضل من أعطاها، فلا تنتفخ:
الإنسان جسد هو تراب من الأرض، والإنسان أيضاً روح لأنه نفخةٌ من الله. ولا يستطيع التراب أن ينتفخ، لأنه عندما تخرج منه النفخة يعود إلى التراب. لذلك نكرر مع الرسول بولس: « لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رومية 14: 8). فمحبتنا للرب تجعلنا ندرك أننا به نحيا ونتحرك ونوجد (أعمال 17: 28) فنُرجع الفضل لصاحب الفضل، ونقدم المجد لمن يستحق المجد.
نريد أن نقيِّم أنفسنا تقييماً سليماً صحيحاً، كما قال الرسول بولس: « لاَ يَرْتَئِي (أحدٌ) فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ الإِيمَانِ» (رومية 12: 3).
ونقدم مثلين من شخصين كان تقييمهما لنفسيهما «إلى التعقل» هما يعقوب أب الأسباط، وداود صاحب المزامير. قال يعقوب لله: « صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ الأَمَانَةِ الَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ. فَإِنِّي بِعَصَايَ عَبَرْتُ هَذَا الأُرْدُنَّ وَالآنَ قَدْ صِرْتُ جَيْشَيْنِ. نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي مِنْ يَدِ عِيسُوَ لأَنِّي خَائِفٌ مِنْهُ» (تكوين 32: 10، 11). اعترف يعقوب أن عند عبوره الأردن لم يكن يملك غير عصاه. ولكن عند رجوعه كان معه جيشان، والفضل كله يرجع لله. ولكن الجيشين يمكن أن يضيعا في لحظة، ويأخذهما عيسو، أو يقتلهما. فاعترف أنه صغير يحتاج لمعونة الرب.
وصلى نبي الله داود: «مَنْ أَنَا يَا سَيِّدِي الرَّبَّ، وَمَا هُوَ بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هَهُنَا؟ وَقَلَّ هَذَا أَيْضاً فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ فَتَكَلَّمْتَ أَيْضاً مِنْ جِهَةِ بَيْتِ عَبْدِكَ إِلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ. وَهَذِهِ عَادَةُ الإِنْسَانِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ. وَبِمَاذَا يَعُودُ دَاوُدُ يُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ عَبْدَكَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ؟ 21فَمِنْ أَجْلِ كَلِمَتِكَ وَحَسَبَ قَلْبِكَ فَعَلْتَ هَذِهِ الْعَظَائِمَ كُلَّهَا لِتُعَرِّفَ عَبْدَكَ. لِذَلِكَ قَدْ عَظُمْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ، وَلَيْسَ إِلَهٌ غَيْرَكَ حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا» (2صموئيل 7: 18-22). اعترف داود أنه كان راعي غنم بسيط، أخذه الرب وجعله ملكاً. فالمحبة لا تتفاخر، لأنها تعترف بفضل من أعطى الهبة.
تقول التطويبة الأولى: « «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوح،ِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متى 5: 3). والمساكين بالروح هم الذين يدركون أن الذي عندهم ليس لفضلٍ فيهم، ولكنه عطية مجانية من عند الرب.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:08 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
3- المحبة تدرك محدودية عطائها:
كيف نتفاخر وننتفخ ونحن نعلم أن محبتنا لله وخدمتنا له هي لا شيء بالنسبة لمحبته لنا وما وهبه لنا من بركات؟ وكيف نتفاخر وننتفخ ونحن نعلم أننا مقصِّرون في حق الله وفي حق الناس؟ لهذا يقول المسيح: « مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ (من البطالة)، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا» (لوقا 17: 10).
لا يستطيع أحد أن يفعل كل ما يُؤمر به، ولكن حتى لو فعل، فلا بد أن يعترف أنه عبد بطال لم يفعل شيئاً، ويكون ذلك تقييماً حقيقياً صادقاً، لا تواضعاً مزيَّفاً. فكل ما نتبرع به من مال هو مما يعطيه لنا الله. وكل عمل نقوم به هو من صحة وطاقة موهوبتين لنا من الله. كل شيء عندنا هو من نعمته علينا، هبة مجانية من إلهٍ له كل مجد.
كلما زادت محبتنا لله زدنا في النعمة، وكلما تقدمنا في النعمة نكتشف أن مستوانا أدنى من المستوى الإلهي المطلوب منا، وهو « قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ » (أفسس 4: 13). فلنجاهد ولا نتوقَّف. لا مجال للفخر أبداً، بل المجال كله للسعي نحو الغرض مقاومين حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية (عبرانيين 12: 4).
حدثنا الإنجيل عن قائد مئة عمل الكثير من الخير، لكنه رأى أنه لم يفعل إلا الواجب عليه، فلم يفتخر، بل تواضع، لأن قلبه كان عامراً بالمحبة لله ولشعب الله، قال عنه شيوخ اليهود للمسيح: إنه يستحق أن يذهب المسيح إلى بيته، ليشفي عبده، وقالوا: «إِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُفْعَلَ لَهُ هَذَا، لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتَنَا وَهُوَ بَنَى لَنَا الْمَجْمَعَ» (لوقا 7: 4، 5) ولكنه هو قال للمسيح: « لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي » (لوقا 7: 6). فالمحبة تُدرك محدودية ما تعطي ولذلك لا تتفاخر، ولا تنتفخ.
دعونا في روح التواضع والإحساس بالخطية والتقصير أن ننحني أمامه، نتناول من فيض بحر نعمة محبته الذي لا يُحدّ، مجاهدين ليتعالى اسمه وتمتلئ الأرض من مجده.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:12 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
«الْمَحَبَّةُ لاَ تُقَبِّحُ»
(1كورنثوس 13: 5)
القُبح هو الاختلاف مع المشيئة الإلهية. عندما خلق الله العالم «رَأَى اللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.. حَسَنٌ جِدّاً» (تكوين 1: 4، 12، 18، 21، 25). وبعد إتمام الخليقة والإنسان «رَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً» (آية 31). فالحسن هو ما أراده الرب، أما القُبح فهو ما أدخلته الخطية. فعندما يقول الرسول بولس: «الْمَحَبَّةُ لاَ تُقَبِّحُ» يقصد أنها الصفة الأساسية الأولى التي كان يجب أن تستمر، لولا أن الخطية دخلت إلى العالم.
لقد جهَّز الله في محبته كل الخير لآدم قبل أن يخلقه، وكان كل شيء حسناً بالأنوار والأشجار والطيور والأسماك والحيوانات. وأخيراً خلق الله الإنسان ليتمتع بهذا كله. ولما رأى الله آدم وحده أعطاه زوجته حواء لتكون معينة له. وحالما رآها كتب فيها أول قصيدة نظمها شاعر في التاريخ، وهي قصيدة حب. قال آدم: «هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين 2: 23).
ولكن سرعان ما دخلت الخطية إلى العالم، وبها دخلت الكراهية والخوف والقُبح، فإذا بآدم صاحب قصيدة الحب يلقي اللوم على حبيبته وزوجته حواء، بل وعلى الله، ويقول له: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ» (تكوين 3: 12)! فكيف تبدَّل الحب إلى كراهية؟ وكيف تحوَّل الشكر لله إلى تذمُّر؟!
غير أن أعظم ما يصوِّر لنا قُبح الخطية هو ما فعلته الخطية بالمسيح. لقد وصف إمام الحكماء سليمان السيد المسيح، بروح النبوة، بالقول: « أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ» (مزمور 45: 2). ولكن النبي إشعياء قدَّم له صورة مختلفة، تماماً فيقول: « نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ. رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا. مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ» (53: 2، 3). فكيف يصبح من هو أبرع جمالاً من بني البشر في هذه الصورة القاتمة الحزينة؟ الإجابة: لأنه حمل خطية جميعنا. وهذا هو قُبح الخطية الذي يشوِّه كل شيء. واحتمل المسيح هذا القبح ليُعيد لنا الحُسن الذي صنعه هو وشوهناه نحن، لتتحقَّق كلمات داود: « يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ » (مزمور 149: 4)، وتتحقق كلمات مارتن لوثر الذي خاطب السيد المسيح بقوله: «لقد صرت يا سيدي المسيح ما لم تكُنْهُ، لتجعلني أنا ما لم أكُنْهُ».

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:12 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
وتتضح المحبة التي لا تُقبِّح في أمرين:

1- المحبة لا تقبح في الكلام:
تحدث الرسول بولس عن سلوك المؤمنين في المحبة فقال: « فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاَللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ، وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً لِلَّهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً. وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَعٍ فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ، وَلاَ الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ وَالْهَزْلُ الَّتِي لاَ تَلِيقُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ الشُّكْرُ» (أفسس 5: 1-4).
فالهزل وكلام السفاهة هي قباحة، ليس فقط لا يجب أن تُمارس، لكن لا يجب أن يُنطق بها «لا تُسَمَّ بينكم». فعندما يوجِّه شخص كلاماً غير لائق لشخص آخر، فإنه يشوِّه صورته أمام الناس، كما يرسم له صورة قبيحة أمام نفسه: نفس المتكلم ونفس المخاطَب! على أن اللسان الذي يحكمه الروح القدس لا ينطق إلا ما هو بركة للآخرين.
وكلام السفاهة والهزل الذي لا يليق هو عادةً سخرية من الآخرين: من مظهرهم أو ملبسهم أو معرفتهم أو طريقة كلامهم، إن كانت مختلفة عن الآخرين. وهذا دوماً خالٍ من المحبة، لأن الذي يسخر ويهزل يُضحِك نفسه وأصحابه على حساب كرامة شخصٍ آخر، لأنه يسخر مما يحسبه نقطة ضعفٍ في غيره.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:13 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
ونصح الرسول بولس أهل كولوسي بالقول: « اطْرَحُوا عَنْكُمْ انْتُمْ أَيْضاً الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ» (كولوسي 3: 8-10). فالله غيَّرنا وجدَّدنا لنكون حسب صورة الخالق المحب الذي شجع جميع الناس.
وهناك حديث رائع عن اللسان في رسالة يعقوب، وهي رسالة الحياة العملية، يقول: « إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضاً.. لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالّزَحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. وَأَمَّا اللِّسَانُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمّاً مُمِيتاً. بِهِ نُبَارِكُ اللَّهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللَّهِ. مِنَ الْفَمِ الْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ وَلَعْنَةٌ! لاَ يَصْلُحُ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا! أَلَعَلَّ يَنْبُوعاً يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَالْمُرَّ؟ هَلْ تَقْدِرُ يَا إِخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُوناً، أَوْ كَرْمَةٌ تِيناً؟ وَلاَ كَذَلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحاً وَعَذْباً!» (يعقوب 3: 2 و7-12).

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:13 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
في العالم الطبيعي لا نجد ينبوعاً يعطي ماءً عذباً ومالحاً في نفس الوقت، ولا يمكن لزيتونة أن تصنع تيناً أو كرمة تيناً. ولكن اللسان الواحد (بكل أسف) ينتج المتناقضات! فالفم الواحد يبارك الله ويلعن الآخرين. ويعلِّق الرسول يعقوب على هذا بقوله: « لاَ يَصْلُحُ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا!» (آية 10). فالمحبة لا تقبِّح في الكلام، لكنها تنطق كلمة التشجيع دائماً، ولا تخرج منها كلمة توبيخ إلا للبناء والإصلاح، ولكنها لا تلفظ قباحة. فإذا طبَّقنا هذه القاعدة على كلامنا في بيوتنا، ماذا نجد؟ عادةً نتكلم كلاماً لطيفاً خارج بيوتنا، ونُحسن الحديث ونضبط أعصابنا عندما يزورنا ضيف. ولكن أعصابنا تفلت عادة مع أهل البيت وكأننا قد أنفقنا كل رصيد محبتنا خارجه، فلم يتبقَّ لأهل البيت إلا التذمر والتوبيخ والكلام الخشن! مع أن رصيدنا من الحكمة والنعمة والكلام العذب عند الله رصيد لا ينتهي، ويمكن أن نأخذ منه كل ما يسد عوزنا وعوز مجتمعنا!
وأقتبس من العهد القديم مثلين للكلام المُشجع، مثلاً لزوجة فاضلة، وآخر لزوج فاضل قدَّم كلاهما تشجيع لشريك حياته:
ظهر ملاك الرب لزوجة منوح التي كانت عاقراً، وأعلن لها أنها ستلد ابناً (هو القاضي شمشون) يجعله الله منقذ شعبه، فأخبرت زوجها بذلك. وصلى منوح طالباً عودة ظهور الملاك، فاستجاب الله له وظهر الملاك مرة أخرى لزوجته، فأسرعت لتخبر زوجها. وتحدث الزوجان مع الملاك عن مولودهما ومستقبله. ثم انطلق الملاك إلى السماء في لهيب المذبح. ومضى وقتٌ لم يظهر فيه الملاك، فخاف منوح وقال لزوجته: «نَمُوتُ مَوْتاً لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللَّهَ!» فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «لَوْ أَرَادَ الرَّبُّ أَنْ يُمِيتَنَا لَمَا أَخَذَ مِنْ يَدِنَا مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً، وَلَمَا أَرَانَا كُلَّ هَذِهِ، وَلَمَا كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ أَسْمَعَنَا مِثْلَ هَذِهِ» (قضاة 13: 22، 23). ما أجمل كلمات هذه الزوجة! لم تسخر من زوجها لأنه لم يفهم، ولكنها كلمته بالتشجيع المدعَّم بالبرهان أن الله قبِلَ تقدمتهما وتكلم معهما. ففي محبتها لم تقبح ولم توبخ زوجها الضعيف الخائف لأنه لم يفهم، فعملت بالوصية الرسولية: « لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ » (أفسس 4: 29).
والنموذج الثاني هو لزوجٍ يشجع زوجته: كانت حنة عاقراً، ولم يكن العيب في ذلك من ألقانة زوجها، لكن منها، فإن فننة ضرتها ولدت أولاداً لألقانة. وكانت حنة تبكي وتصلي، وتطلب من الله أن يعطيها نسلاً. ومضت سنوات دون استجابة. وفي وسط آلامها كان زوجها الفاضل يقول لها مشجعاً: « «يَا حَنَّةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ، وَلِمَاذَا لاَ تَأْكُلِينَ، وَلِمَاذَا يَكْتَئِبُ قَلْبُكِ؟ أَمَا أَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ عَشَرَةِ بَنِينَ؟» (1صموئيل 1: 8). وقد أكرم الله حنة وألقانة وأعطاهما نسلاً، أوله صموئيل الذي صار قاضياً ونبياً لبني إسرائيل.

Mary Naeem 21 - 06 - 2016 07:13 PM

رد: «المحبة لا تسقط أبداً»
 
2- المحبة لا تقبح في العمل:
عندما يسيطر روح الله على حياتنا يعطينا ثمره المبارك، وأوله المحبة (غلاطية 5: 22). ويقول الرسول بولس: « لأَنَّ ثَمَرَ الرُّوحِ هُوَ فِي كُلِّ صَلاَحٍ وَبِرٍّ وَحَقٍّ. مُخْتَبِرِينَ مَا هُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ الرَّبِّ. وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا. لأَنَّ الأُمُورَ الْحَادِثَةَ مِنْهُمْ سِرّاً ذِكْرُهَا أَيْضاً قَبِيحٌ. وَلَكِنَّ الْكُلَّ إِذَا تَوَبَّخَ يُظْهَرُ بِالنُّورِ. لأَنَّ كُلَّ مَا أُظْهِرَ فَهُوَ نُورٌ. لِذَلِكَ يَقُولُ: اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أفسس 5: 9-14). هناك أعمال سيئة مارسها المؤمن قبل معرفته بالمسيح المخلِّص، ولا يليق أن يفعلها بعد أن قام من موت الخطية وأضاء عليه نور المسيح. لأنه « إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17). فقد انتهى القُّبح من حياة المؤمن – أو هكذا يجب أن يكون.
ما أكثر ما نرى القباحة من حولنا تلتهم الجمال، ولكن النصرة الأخيرة هي للمحبة التي لا تقبِّح.


الساعة الآن 04:12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025