منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب حتمية التجسد الإلهي (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=294075)

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 02:34 PM

كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
كتاب حتمية التجسد الإلهي

مقدمة حول موضوع التجسد

عندما يتبادر إلى أذهاننا موضوع التجسد الإلهي، فحسنًا يا صديقي أن تتصوَّر طفل المزود وهو يرضع لبن البتول، والملائكة ترتل بخشوع، والرعاة يحملون الزبد واللبن، ويقدمون حَملًا صغيرًا للحمل الحقيقي الذي يرفع خطية العالم كله، والنجم يتقدم المجوس فيأتون ويسجدون ويقدمون هداياهم، وسيظلوا يسجدون رغم احتجاج نسطور عليهم وتخطئته إياهم، وفي وسط هذه المشاعر الفياضة حسن أيضًا أن نتأمل في طبيعة مولود المزود مشتهى الأجيال..‍‍ كيف صار الكلمة جسدًا؟!.. كيف تجسد الإله وتأنس؟! كيف اتحد الكلمة الأزلي بالجسد الزمني؟!.. كيف اتحد الخالق بالمخلوق؟‍‍‍‍‍‍!.. دعنا يا صديقي نتذوق ولو قليلًا من طعام البالغين.
1- حتمية التجسد الإلهي.
2- من هو السيد المسيح؟!

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 02:55 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
التجسد الإلهي، هل له بديل؟!

إن كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط، وتجديد طبيعته التي فسدت، فقد يتساءل البعض ولماذا خلق الله الإنسان من الأساس؟ ولماذا أعطاه الوصية التي كانت طريقًا للموت؟ وإن كان الذي أخطأ هو آدم وحواء، فما هو ذنب الأبناء في توارث الخطية؟ ولماذا لم يفكر الله في بديل آخر للخلاص غير رحلة التجسد والصليب؟

س1: إن كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط وتجديد طبيعته التي فسدت، فلماذا خلق الله الإنسان
س 2: لماذا الوصية التي كانت سببًا للسقوط؟ ولِمَ خلق الله هذه الشجرة ومنع آدم من الأكل منها؟ ولماذا هذا الامتحان الصعب؟
س3: هل سقوط آدم يعتبر سقوط للبشرية جمعاء؟
س 4: ما ذنبنا نحن في خطية آدم؟ وهل العدل الإلهي يقاصّص القاتل فقط أم انه يقاصّصه هو وأولاده وذريته؟ وإن كانت العدالة الأرضية القاصرة لا تحكم على ابن القاتل بالإعدام فما بال السماء تحاسبنا على خطية آدم؟ وهل أُحاسب على خطية أبي وجدي وأمي وجدتي.. وهلمَّ جرا؟
س 5: ما هي نتائج السقوط المروع للبشرية؟
س 6: لماذا لم يفني الله آدم وحواء ويخلق إنسانًا جديدًا يطيعه؟
س 7: لماذا لم يخلص الله آدم وحواء بالقوة، فمجرد كلمة منه قادرة على رد آدم وحواء اللذان سباهما الشيطان؟
س 8: لقد أخطأ آدم رغم التحذير، فلماذا لم يتركه الله لمصيره المشئوم، وليكتفِ بأنه يعطه الناموس والوصايا؟
س 9: الله غفور رحيم.. فلماذا لم يسامح آدم وتنتهي المشكلة؟
س 10: إذا قدم آدم توبة نصوحة ألا يقبله الله ويرضى عنه؟ وإلاَّ فما لزوم التوبة للإنسان؟!
س 11: يقول البعض أن " الحسنات يذهبن السيئات "، فان كان آدم أخطأ في واحدة، ثم صنع أعمالًا حسنة وصالحة، ألا تمسح هذه الأعمال الصالحة خطية آدم الوحيدة؟
س 12: فليقدم آدم ذبيحة فداء عن نفسه، وليقدم ذبيحة أخرى فداء عن حواء.. ألا تكفر الذبائح عن الخطايا؟ وإن كانت لا تكفر فلماذا أوصى الله بها في العهد القديم؟
س 13: لماذا لم يكلف الله موسى رئيس الأنبياء بتقديم ذاته فدية عن أبيه آدم؟ أو لماذا لم يكلف الله رئيس الملائكة الجليل ميخائيل لحل مشكلة البشرية الساقطة؟
س 14: هل مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية، ومع العقل، فيموت البريء نيابة عن المذنب؟
س 15: ومازال السؤال يلح: ما هو الدافع القوي الذي دعى الله للتجسد، أو ما هي حتمية التجسد الإلهي؟

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 02:56 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
إن كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط وتجديد طبيعته التي فسدت، فلماذا خلق الله الإنسان؟
ج : يسبق هذا السؤال سؤال آخر مؤداه:
هل خلق الله الإنسان لكيما يعبده ويسبحه ويمجده؟
كلا.. لأن كل هذه نتائج وليست أسبابًا.. لقد خلقنا الله فنحن مدينون له ولذلك نقدم له العبادة والشكر والتسبيح، ليست كفروض وقيود وواجبات ثقيلة، ولكنها علامة حب وامتنان وتقدير له.. لو خلق الله الإنسان لكيما يعبده فمعنى هذا أن الله كان ينقصه عبادة الإنسان، بينما الله كامل في ذاته متكامل في صفاته منزَّه عن النقص.. لم يكن الله محتاجًا قط لإنسان أو ملاك لكيما يعبده.. الله لم يكن يعاني من نقص معين فعوَّضه بخلقه الإنسان، وعلى حد تعبير الآخرين أن الله غني عن عباده، ونحن نصلي في القداس الإلهي " خلقتني كمحب للبشر.. لم تكن أنت محتاجًا إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك. من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن "كان من الممكن أن لا يخلق الله أي كائن آخر ومع ذلك فإن كماله لن ينقص ولا سعادته تتغير، وليس كما تصوَّر بعض الجهلة بأن السأم والملل تسلل لله عبر الزمان فتسلى بخلقه الطغمات الملائكية لكيما تسبحه، وعندما عاد إليه الملل والسأم ثانية خلق الإنسان لكيما يعبده.


والحقيقة أن الله خلق الإنسان من فرط جوده ومحبته، فالإنسان هو وليد محبة الله العظيمة.. خلق الله الإنسان لكيما يتمتع ذاك الإنسان بنعمة الوجود في الحضرة الإلهية، وقبل أن يخلقه أعدَّ له كل شيء.. خلق من أجله الشمس والقمر وزين الكون بالنجوم.. هيأ له الأرض وخلق له النباتات وزينها بالأزهار والورود.. خلق له الأسماك والطيور والحيوانات أنواعًا وأشكالًا وألوانًا بشكل يخلب الألباب، ورأى الله أن كل هذا حسن، وعندما خلق الإنسان ميَّزه عن سائر الخليقة إذ خلقه على صورته ومثاله في الوجود والعقل والحياة.. خلقه على الصورة التي سيتخذها لنفسه في ملء الزمان.. "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 1: 26) وكلمة "صورة" بالعبرية "صليم" أي الظل أو الخيال، فالإنسان هو ظل الله على الأرض، و"شبه" بالعبرية "ديموت" أي دمية أو مثال أو شبه، فالإنسان مثال الله في الابتكار وحرية الإرادة والسلطة والخلود.. إلخ وعندما خلقه قال "حسن جدًا" (تك 1: 31) وميَّزه بأن نفخ في أنفه نسمة حياة، فاستقرت هذه النسمة في وجدان الإنسان وهي التي تدفعه للسعي نحو الأصل حتى بعد السقوط.

ويقول القديس أثناسيوس الرسولي "لأن الله صالح، أو بالحرى هو بالضرورة مصدر الصلاح، والصالح لا يمكن أن يبخل بأي شيء، لذلك فانه إذ لا يضن بنعمة الوجود على أي شيء؟ خلق كل الأشياء من العدم بكلمته.. يسوع المسيح ربنا.. فإنه لم يكتف بمجرد خلقته للإنسان، كما خلق باقي المخلوقات غير العاقلة على الأرض، بل خلقه على صورته ومثاله، وأعطاه نصيبًا حتى في قوة " كلمته " لكي يستطيع وله نوع من ظل "الكلمة" وقد خُلِق عاقلًا، أن يبقى في السعادة أبدًا، ويحيا الحياة الحقيقية، حياة القديسين في الفردوس" (تجسد الكلمة 3: 3). وكان آدم وحواء في الجنة عريانان وهما لا يخجلان لأن نعمة الله كانت تسترهما، والشهوة لم تقربهما، والمرض والألم لم يعرفاهما، والموت لم يقوى عليهما، فعاش آدم في انسجام وحب مع جابله، ومع الآخرين (حواء) وكان ملكًا متوَّجًا على الطبيعة متسلطًا على أسماك البحر وطيور السماء وحيوانات الأرض، وما أجمل تعبيرات القداس الإلهي "ثبتَّ ليَّ الأرض لأمشي عليها. من أجلي ألجمت البحر. من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان. أخضعت كل شيء تحت قدميّ. لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك".

وإذا تساءل أحد قائلًا: مادام الله يعلم بسابق علمه أن آدم سيعصاه ويسقط في الخطية.. فلماذا خلقه؟
ونحن نجيبه بأن الله بسابق علمه يعلم أن آدم سيعصاه ويخطئ، ولكنه يعلم أيضًا أنه قد دبَّر له أمر الفداء منذ الأزل، وسيحول الشر الذي تعرض له إلى خير، وأنه سيرده ليس إلى مرتبته فقط إنما سيرفعه من الفردوس الأرضي إلى الملكوت السمائي، وهذا ما دفع أغسطينوس إلى القول "مباركة هي خطية آدم التي جلبت لجنسنا كل هذا الخير وكل هذه النعم والبركات".
وكمثال تبسيطي للرد على التساؤل السابق نقول أن الإنسان يعلم أنه عندما يتزوج وينجب سيتعرض أبناؤه إلى بعض الأمراض وبعض المتاعب في حياتهم، فهل هذا يدفعه للعزوف عن الزواج؟.. كلا، لأنه يعلم أيضًا أنه متى تعرض أبناؤه للمرض فانه سيسرع بهم إلى الأطباء المتخصصين لعلاجهم، ومتى تعرضوا للمتاعب فانه سيقف بجوارهم حتى يتخطوا هذه المتاعب ويخرجوا للحياة أشد عودًا وأقوى صلابة. حقًا أن لدى الله فيض من العواطف الأبوية تكفي بلايين البشر، ولذلك خلقهم لينعموا بأبوته، وعندما تجسَّد الله الكلمة لمسنا فيه هذا الحب الأبوي فجميع الخطاة والعشارين والزناة التائبين والمطروحين وجدوا لهم مكانًا في قلبه.. يالهذا الحب الإلهي الأبوي الذي أوجد الإنسان من العدم!!

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 02:59 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
لماذا الوصية التي كانت سببًا للسقوط؟ ولِمَ خلق الله هذه الشجرة ومنع آدم من الأكل منها؟ ولماذا هذا الامتحان الصعب؟
ج : الحقيقة أن الوصية الإلهية لآدم لم تكن سببًا لسقوطه إنما جاء السقوط بسبب غواية الحية وحسد إبليس "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس.." (من القداس الباسيلي) وأيضًا من شك الإنسان في كلام الله، وتصديقه لكلام إبليس، وكان عمل إبليس هذا موجهًا بالدرجة الأولى ضد الله، فهو يعلم أنه لو نجح في إسقاط الإنسان في المخالفة فلابد أن الإنسان سيسقط تحت حكم العدل الإلهي وينال عقوبة الموت، كما أخطأ هو وطُرد من السماء، وبذلك يفشل هدف الله من خلقة الإنسان.

وكانت الوصية بسيطة وسهلة "من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا. أما شَجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك 2: 16، 17).. "غرس واحد نهيتني أن آكل منه" (من القداس الغريغوري) وقال القرآن "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (البقرة 35، الأعراف 19) وعقب السقوط "ناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلك الشجرة" (الأعراف 12) فجميع شجر الجنة كان تحت تصرف آدم يأكل كما شاء ووقتما شاء، وهذه شجرة وحيدة وُضِعت بحكمة إلهية وكان من السهل على الإنسان أن يصرف النظر عنها ولو لم تعطي حواء إذنها للحية الماكرة ما كان السقوط.

والحكمة من الوصية هي منح الإنسان الفرصة للتعبير عن حبه لله وطاعته له، ليس عن قهر واضطرار بل بروح الحرية والحب.. إنها احترام لإرادة الإنسان الحرة، بواسطتها يُعبّر الإنسان عن إرادته في الالتصاق بالله.. لقد قدم الله للإنسان الكثير والكثير، فعندما يقدم آدم الطاعة البسيطة لله فهي بمثابة ذبيحة لذيذة يقدمها المخلوق للخالق فيشتم الله الخالق هذه الذبيحة ويستثمنها، مثل أب يُحضر لابنه شجرة ورد نادرة الوجود ويغرسها في حديقة المنزل، ويحضر لها السماد، ويوفر لها
الماء، ويوصي ابنه أن يرويها ويرعاها، فتنمو الشجرة وتترعرع، فعندما يقدم الابن الوردة الأولى للأب.. كم تكون سعادة الأب بابنه الذي نفذ وصيته وروى الشجرة وتعهدها بالرعاية؟!

وكانت الوصية سندًا ودعمًا للإنسان، فيقول
القديس أثناسيوس "ولكن لعلمه (لعلم الله) أيضًا إن إرادة الإنسان يمكن أن تميل إلى إحدى الجهتين (أي الخير أو الشر) سبق فدعَّم النعمة المعطاة له بالوصية التي قدمها إليه، والمكان الذي أقامه فيه، لأنه أتى به إلى جنته وأعطاه الوصية، حتى إذا حفظ، واستمر صالحًا، استطاع الاحتفاظ بحياته في الفردوس بلا حزن ولا ألم ولا هَمْ.. أما إذا تعدى الوصية وارتد وأصبح شريرًا فيعلم أنه يجلب على نفسه الفساد بالموت الذي كان يستحقه بالطبيعة، وإنه لا يستحق الحياة في الفردوس بعد" (تجسد الكلمة 3: 4) .

ويجب أن نلاحظ أن الله لم يقل لآدم "يوم تأكل من الشجرة سأُميتك" إنما قال له "يوم تأكل من الشجرة موتًا تموت" أي أنك تسلم نفسك بإرادتك للموت، لأن المعصية تحمل بذار الموت في طياتها، ولذلك قال الله على لسان الحكيم "من يخطئ عني يضر نفسه. كل مبغضيَّ يحبون الموت" (أم 8: 36) وأخيرًا نقول إنه كان من العدل أن يمتحن الله الإنسان، فإذا نجح يكافئه، وإذا فشل يعاقبه لكيما يتعلم الصح من الخطأ. ثم لماذا كل هذا الاحتجاج على الوصية وكأنهم يريدون اتهام الله بالظلم، وهو الذي حول لنا العقوبة خلاصًا.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:01 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
هل سقوط آدم يعتبر سقوط للبشرية جمعاء؟
ج : نعيد ما سبق تسجيله في كتابنا "التجسد الإلهي.. هل له بديل؟" فنقول "نعم، فبالخطية فسدت طبيعة آدم. كل ذرة في جسد آدم أصبحت فاسدة، مثل شجرة التفاح التي أصابها مرض لعين فكل ثمارها أصبحت فاسدة، والشجرة الفاسدة تحمل بذارًا فاسدة ولو زُرعت لن تنبت إلاَّ شجرة فاسدة تحمل بالتبعية ثمارًا فاسدة.. وهلمَّ جرا. لقد ورث الأبناء عن أبيهم الطبيعة الفاسدة المملوءة بالغرائز البهيمية وجرى الدم الموبوء بالخطية في عروق جميع بني البشر " ها أنذا بالآثام حُبِل بي وبالخطية ولدتني أمي" ( مز 51: 5).
والدليل على توارث الخطية أن الخطية جاءت إلى حواء من الخارج أي من الحية، وجاءت إلى آدم من حواء التي سبقته في السقوط. لكن قايين من أين جاءته الخطية؟ إنها أتت من داخله، لم يدفعه أحد لها بل هي ساكنة فيه، وهكذا سقط الجميع حتى الأنبياء "الجميع زاغوا وفسدوا معًا ليس من يعمل الصلاح ليس ولا واحد" (رو 3: 12) صحيح إننا لم نرتكب الخطية الأولى ولكننا وُلِدنا بها بالإضافة إلى خطايانا الشخصية، فليس مولود امرأة بلا خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض . إذًا وراثة الخطية أمر واقع" (1).

ويوضح الإنجيل حقيقة توارث الخطية من أبينا آدم فيقول " من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12) فمن لا يخطئ بالفعل يخطئ بالقول ومن لا يخطئ بالقول يخطئ بالفكر، و" النفس التي تخطئ تموت" (حز 18: 4) ويقول القديس أثناسيوس "لأن البشر لم يقفوا عند حد معين حتى في سوء أفعالهم، بل تدرجوا في الشر حتى تخطوا كل حدود، وأصبحوا يخترعون الشر ويتفننون فيه، إلى أن جلبوا على أنفسهم الموت والفساد، وبعد ذلك إذ توغلوا في الرذيلة، ولم يقفوا عند شر واحد، بل راحوا يخترعون كل جديد من الشر، فقد أصبحت طبيعتهم مشبَّعة من الخطية. فها هي خطايا الزنى والسرقة قد عمَّت كل مكان، وامتلأت كل الأرض بخطايا القتل والنهب، وأصبح البشر لا يراعون حرمة للناموس، بل صاروا يرتكبون الجرائم في كل مكان، سواء كأفراد أو جماعات.. وصار كل إنسان يتنافس مع أقرانه في الأعمال القبيحة، وأصبحوا لا يترفعون حتى عن الجرائم التي ضد الطبيعة كما يقول عنهم بولس رسول المسيح وشاهده.. (رو 1: 26، 27)" (تجسد الكلمة 5: 3-5).

وأقرّ القرآن بأن كل الناس سقطوا في الخطية والظلم وأن الله لو أخذهم بظلمهم لأفناهم "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ" (النحل 61) كما ذكر خطايا الأنبياء فعلى سبيل المثال ذكر خطايا:
أ - آدم: "وعصى آدم ربه فغوى" (طه 121).
ب- نوح: "رب أغفر لي ولوالدي" (نوح 28).
ج - إبراهيم: "والذي أطمع أن يغفر لي خطيتي يوم الدين" (الشعراء 82) وقال أبو هريرة عن رسول الله قال لم يكذب إبراهيم إلاَّ ثلاث كذبات أثنين منهن في ذات الله. قوله سقيم وقوله فعله كبيرهم وقوله عن سارة أخته حين أراد الجبار القرب منها (رواه البخاري ومسلم).
د- موسى: قتله لأحد المصريين على وجه الخطأ، عندما "وَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ" (سورة القصص 15).
د- داود: "وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب. فغفر له ذلك" (ص 24، 25).
هـ - يونان: "فالتقمه الحوت وهو مُليم. فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون" (الصافات 142-144).
وأيضًا القرآن لم يغفل خطايا رسول الإسلام "ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيمًا" (الفتح 2) " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلَّبكم ومثواكم" (محمد 19) " ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي انقض ظهرك" (الضحى 1-3).
وقال أبو هريرة "كان رسول الله (ص) يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاته، قال أحسبه قال هُنيَّة، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة فما تقول. قال أقول: اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" (صحيح البخاري ج 1 ص 136) وقال أبو هريرة سمعت رسول الله يقول إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة.
وقد اختلف المفسرون فيما بينهم على عصمة الأنبياء، فقال البعض إن عصمتهم مطلقة، وقال البعض عصمتهم تبدأ منذ نزول الوحي عليهم. بينما قال آخرون انهم معصومون فقط أثناء إبلاغهم الرسالة لشعبهم، وأيد الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية الرأي الأخير في جريدة المؤيد عدد 3328 (راجع حقيقة التجسد ص 37).
وكما أنه لا يمكن أن نجني من الشوك تينًا ولا من الحسك عنبًا، وكما أن الخنزيرة لا يمكن أن تلد حملًا. كذلك لا يمكن أن يخرج من الإنسان الفاسد إنسان بار، ويقول عوض سمعان " ولا يقل أحد أن الإنسان يولد بريئًا ولكن البيئة التي يعيش فيها هي التي تزرع فيه الشر، لأن حتى الأطفال الذين يولدون في بيئة صالحة يصاحب تصرفاتهم الفساد والكبرياء والأنانية والغيرة.. إلخ وجميع هذه النقائص هي خطايا، وحتى الذين يولدون في الغابات بعيدًا عن المدينة فإنهم لا يخلون من المكر والأنانية حتى أبْدا البعض بعض الملاحظات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان فقالوا أن الإنسان يُولَد وبه ميل إلى الخطية وهذا الميل وإن كان لا يبدو بوضوح في الصغر، غير أنه يأخذ في الظهور كلما شبَّ الإنسان ونما. فمثل هذا الميل مثل السم الكامن في الثعبان، فإنه لا يرد إليه من الخارج، بل أن الثعبان يُولَد وفي جسمه استعداد لتكوينه. وكل ما في الأمر، أن هذا السم لا يظهر بنتائجه المميتة، إلاَّ إذا بلغ الثعبان سنًا معينًا إن الذين قالوا بسلامة الفطرة الإنسانية وكمالها، وبذلوا كل ما لديهم من جهد لتحسين حالة الفقراء والبؤساء، لاقوا من أولئك وهؤلاء الكثير من المتاعب والمضايقات، ومن ثم خابت آمالهم الطيبة من جهتهم جميعًا خيبة ليس بعدها خيبة" (1).
وقد يتساءل البعض كيف نقول أن البشر جميعًا قد ورثوا الخطية وفسدت طبيعتهم بينما يوجد رجال أبرار صالحون في العهد القديم فقيل عن نوح "كان نوح رجلًا بارًا كاملًا في أجياله" (تك 6: 9) وقيل عن أيوب "كان هذا الرجل كاملًا ومستقيمًا يتقي الله ويحيد عن الشر" (أي 1: 1) وقيل عن زكريا وأليصابات أنهما "كانا كلاهما بارين أمام الله" (لو 1: 6).
فنقول أن الصلاح بمعناه الحقيقي أن الإنسان لا يخطئ على الإطلاق لا بالفعل ولا بالقول ولا بالفكر بالإضافة إلى عمل كل أعمال الخير. مثل هذا الصلاح لن نجده بين البشر على الإطلاق، ولذلك قال الرب يسوع "ليس أحد صالحًا إلاَّ واحد وهو الله" (لو 18: 19) أما رجال الله الصالحون فهم الذين فعلوا الصلاح النسبي وكانت خطاياهم قليلة ويقدمون عنها اعترافًا وذبيحة فتغفر لهم على حساب دم المسيح.
وقد يقول البعض أنه مادام الإنسان قد ورث الخطية وبالتالي أصبح لديه ميل طبيعي لها فهو غير مسئول عن تصرفاته الخاطئة؟
ونقول لمثل هؤلاء أن غير المسئولين عن تصرفاتهم هم الأطفال الذين لا يدركون الصح من الخطأ، وكذلك ذوي العاهات الخاصة الذين لا يملكون قوة التمييز بين الصح والخطأ. أما الإنسان الذي ميَّزه الله بالعقل الراجح ويعرف الخير من الشر فهو مسئول مسئولية كاملة عن جميع تصرفاته لأنه فعلها بكامل حريته، وإذا اشتكى من ضعف إرادته فالطريق إلى تقويتها هو الالتصاق بالله والتماس القوة منه، وعندئذ يقول الضعيف بنعمة الله بطل أنا.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:05 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
ما ذنبنا نحن في خطية آدم؟ وهل العدل الإلهي يقاصّص القاتل فقط أم انه يقاصّصه هو وأولاده وذريته؟ وإن كانت العدالة الأرضية القاصرة لا تحكم على ابن القاتل بالإعدام فما بال السماء تحاسبنا على خطية آدم؟ وهل أُحاسب على خطية أبي وجدي وأمي وجدتي.. وهلمَّ جرا؟
ج : صحيح أننا لم نرتكب الخطية الأولى، ولكننا وُلِدنا بها بالإضافة إلى خطايانا الشخصية، ومن يستطيع أن يتبرَّر أمام الله من خطاياه ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض؟‍‍‍‍
ومن المعروف حسب قانون مندل للوراثة Mendel's laws of inheritance, Mendelian inheritance أن العوامل الوراثية تمتد حتى الجد السابع، فمثلًا نوع الشعر ولون العينين والطول والقصر ولون البشرة يرثها الإنسان عن أبائه وأجداده، ولم نرَ إنسانًا عاقلًا يحتج على صفاته الوراثية. بل قد يرث إنسانًا عن أبويه بعض الأمراض مثل السكر وخلافه، فهل يحتج هذا الابن على أبيه الذي أورثه ذلك المرض؟! وماذا يفيد احتجاجه؟ أليس من الأجدى البحث عن العلاج والمواظبة عليه بشكر لله الذي بحكمة فعل أو سمح بهذا المرض لخير الإنسان؟
وكثيرًا ما نرى ابنًا ورث عن أبيه ميراثًا ماديًا كبيرًا وآخر ورث عن أبيه بعض الديون وأسرة كبيرة بلا مورد للرزق، فيتمتع الأول بميراث أبيه، والثاني لو كان عاقلًا حكيمًا فلا ينبغي أن يحتج ويلعن الظروف والأقدار التي شاءت أن يكون مثل هذا الرجل أباه. بل يحافظ على سمعة أبيه ويعمل ويجتهد ويجد لكيما يسدد ديون أبيه، ويعول والدته وإخوته.

إذًا فالسؤال الحكيم لا يكن بالصورة السابقة المحتجة إنما يكون هكذا:
هل من علاج للخطية التي وُلِدنا بها ونعيش فيها؟
والإجابة: نعم، وبكل تأكيد هناك علاج أكيد في دم المسيح "فإذًا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببّرٍ واحدٍ صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِل الكثيرون خطاة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعَل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 18: 19) "إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع الساكنين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 1) ولو ظل إنسان مازال يتساءل: ما ذنبي في خطية أبي آدم؟ يرد عليه القديس أوغسطينوس قائلًا: وأي فضل لك في خلاص المسيح؟! ونعيد ما سجلناه في كتابنا السابق عن التجسد" ذكر القرآن في سورة البقرة 35-38 "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ. فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" وتكرَّر القول "قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" (سورة الأعراف 24).
نلاحظ صيغة الجمع "اهبطوا" مكرَّرة مع أن الحديث موجه لاثنين فقط. فلماذا استعمل صيغة الجمع؟ هل للتعظيم؟ .. كلاَّ. لأنهما متهمان مدانان مطرودان مستحقان للعقاب وغير مستحقين للإكرام.. إذًا لابد انه استخدم أسلوب الجمع لأنه يقصد آدم وحواء ونسلهما.
ثم إن آدم تلقى كلمات من ربه فتاب.. فهل بالتوبة عفى الله عنه وسامحه؟
وهل التوبة جعلته يظل في الجنة؟
فرغم التوبة طُرد آدم من الجنة، ثم تلقى وعدًا من ربه بمجيء الهدى ومن يتبعه لا خوف عليه ولا هو يحزن.
وفي الإسلام التطهير من الخطايا يتم بالنار، وحيث أنه لا يوجد إنسان بلا خطية. لهذا قال القرآن " وإنَّ منكم إلاَّ واردها " والهاء عائدة على النار والجميع سيردْون إليها" (1).

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:06 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
ما هي نتائج السقوط المروع للبشرية؟
ج : أهم نتائج السقوط تتمثل في الآتي:
أ - الموت الروحي الأبدي: أي انفصال الإنسان عن الله مصدر الحياة، فبالمعصية انفصلت الصورة عن الأصل، وانفضت الشركة بينهما، وصار الإنسان الخاطئ يهرب من الله لأنه يستحيل عليه التواجد في حضرة الله القدوس، وهل تثبت الظلمة أمام النور؟‍‍‍
ويقول القديس أثناسيوس "وما يعني (الله) بقوله (موتًا تموت)؟ ليس المقصود مجرد الموت فقط بل أيضًا البقاء إلى الأبد في فساد الموت" (تجسد الكلمة 3:5).. لقد سقط آدم وصار مصيره إلى الجحيم الأبدي مع الملاك الساقط لولا رحمة الله التي أدركته بالتجسد، وقد عاش آدم فترة حيًا بالجسد ولكن للوقت سرى عليه الموت الروحي كقول معلمنا بولس لأهل أفسس "وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا" (أف 2: 1) ويقول القديس أوغسطينوس "إن موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد، وموت الروح هو انفصال الروح عن الله" (1).

ب - الموت الجسدي: منذ اللحظة التي أكل فيها الإنسان من ثمرة الشجرة المُحرَّمة وقد حطم الوصية بدأت تدب فيه عوامل الانحلال، وإن كان آدم لم يمت عقب الأكل مباشرة فذلك بسبب إرادة الله الصالحة في إنقاذ الإنسان من الهلاك الأبدي، فتركه لكيما يُنجِب، ومن نسله يأتي مخلص العالم. وأيضًا بالمعصية خَضع الإنسان لسلطان الأمراض التي تفضي به إلى الموت، ويقول القديس أثناسيوس " فالله إذ خلق الإنسان، قصد أن يبقَى في عدم فساد، أما البشر فإذا احتقروا ورفضوا التأمل في الله، واخترعوا ودبروا الشر لأنفسهم.. فقد استحقوا حكم الموت الذي سبق تهديدهم به، ومن ذلك الحين لم يبقوا بعد في الصورة التي خُلقوا عليها، بل فسدوا حسبما أرادوا لأنفسهم (جا 7: 29، رو 1: 21، 22) وساد عليهم الموت كملك (رو 5: 14).. كذلك يجب أن لا يتوقعوا إلاَّ الفساد.. وبتعبير آخر يجب أن تكون النتيجة الانحلال وبالتالي البقاء في حالة الموت والفساد" (تجسد الكلمة 4: 4، 5).
ج- الموت الأدبي: بالسقوط فقد الإنسان مجد الصورة الإلهية داخله، ففقد وقاره وهيبته وكرامته، وصار مطرودًا من الفردوس هائمًا على وجهه يعاني من عار الخطية التي تركت وصمتها القوية داخل النفس، وبعد أن كان آدم وحواء عريانين ولا يخجلا لأن النعمة كانت تسترهما انتابهما عَقِبْ المعصية الإحساس بالعري والخجل والخزي "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (تك 3: 7) واجتاح الخوف حياة آدم حتى من صوت جابله الذي كان يسعد ويتلذذ به فقال "سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 10) وظل الإنسان يعيش الموت الأدبي الذي ينتهي به إلى الموت الجسدي. أما الموت الروحي فيعبر معه من هذا العالم إلى العالم الآخر.
د - العقوبات التي حلت بالإنسان والحية: عَقِبْ السقوط حكم الله على آدم وحواء والحية، ولم يحكم على ابليس لأنه سبق الحكم عليه، وجاءت العقوبات كالتالي:
للحية : "فقال الرب الإله للحيَّة لأنك فعلت هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تَسعين وترابًا تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها. هو يسحق رأسك وأنتِ تَسحقين عَقبه" (تك 3:14، 15) ففي طيات العقاب جاء الوعد بالخلاص إذ يسحق نسل المرأة رأس الحية.
للمرأة : "وقال للمرأة تكثيرًا أُكثّر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولادًا. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" (تك 3: 16)
لآدم : "وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلًا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكًا وحسكًا تنبت لك وتأكل عُشب الحقل. بعرَق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 17، 18) وطُرِد آدم وحواء من الفردوس وأقام الله كاروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة لئلا يأكل آدم منها فيحيا إلى الأبد بخطيئته، وظل آدم يحرث الأرض ويزرعها لتخرج له شوكًا وحسكًا، فيأكل خبزه بعَرق وجهه، وهكذا أولاده، ولم يَفلح أحد منهم قط في العودة إلى الفردوس المفقود Paradise lost إلاَّ بالتجسد الإلهي والفداء.
ه - تسلُط الشيطان: نُعيد ما قلناه سابقًا سنة 1996 في كتابنا "التجسد الإلهي.. هل له بديل؟" ص 10 "صار للشيطان سلطانًا على آدم كقول الإنجيل " أنتم عبيد لمن تطيعونه" (رو 6: 16) فأصبح آدم عبدًا للشيطان، وكما إن العبد مِلكًا لسيده ليس هو فقط، ولكنه هو وأولاده أيضًا. هكذا صار آدم وجميع بنيه مِلكًا للشيطان، وقام الشيطان بهذه المهمة خير قيام فوكَّل على كل واحد من نسل آدم روحًا من الأرواح الشيطانية يحثه على ارتكاب المعاصي والآثام، ومتى انتهت حياته يكشف عن منظره البشع فيرتعب الإنسان وتفيض روحه في يد الروح الشرير الذي يهبط به إلى الجحيم (حتى أرواح الأطفال الأبرياء والأنبياء القديسين) لقد ملك الشيطان على جنس آدم لكن ليس قهرًا ولا جبرًا ولا ظلمًا إنما اقتناه لنفسه بالحيلة والمكر والدهاء" (1)
و - فساد الطبيعة البشرية: ونُعيد القول " سَكَنَتْ الخطية في الإنسان وأثرت على جميع جوانب حياته، وفسدت طبيعته بالكامل فعاش في خوف وقلق وتوتر واضطراب وألم ومرض بل قُل أنه عاش في الموت. وامتد أثر الخطية إلى الطبيعة فالأرض لم تعد تعطي ثمرها بل شوكًا وحسكًا تنبت لك وها الحيوانات تغيرت طبيعتها فأصبحت متوحشة، والرياح والأعاصير والفيضانات والبراكين تطارد البشر" (2).
بالسقوط فقد الإنسان حياة القداسة والبر والبراءة والطهارة والسمو والبساطة والسلطة، فأصبحت نظرته مادية جسدية ترابية، وثارت فيه غرائزه الطبيعية فأخذ يعاني من ضغطات الخطية من الداخل والمؤثرات الخارجية من الخارج، وصار عبدًا للخطية يتردى فيها من سيئ إلى أسوأ فأسوًا.. صار عبدًا لأهوائه وشهواته ولذاته الجسدية، وبالسقوط فقد الصورة الإلهية داخله فتمردت عليه الحيوانات والطبيعة، وفقد سلامه الداخلي مع الله ومع نفسه ومع الآخرين، حتى شعر بالعداوة تجاه السماء، واجتاحت حياته العزلة والأنانية والقلق، واجتاحته القلاقل والخصومات، وبعد أن كان يقول عن حواء "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي" (تك 2: 23) أصبح يقول "المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت" (تك 3: 12)، وبالسقوط دخلت المعرفة الشريرة إلى الإنسان، فبعد أن كان لا يعرف إلاَّ الخير والصلاح أصبح يعرف الشر، وتحَّول الإنسان من صورة الصلاح إلى صورة الفساد.. ومن يقدر أن يجدد هذه الطبيعة الفاسدة؟‍‍‍
لقد وقف الإنسان عاجزًا أمام خطيته الغير محدودة.. ومن يخلصه منها؟‍
ووقع تحت سلطان الموت الروحي والجسدي والأدبي.. فمن يخلصه من قبضة الموت؟‍ ومن يحطم شوكته؟‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
وصار الإنسان عبدًا لإبليس السيد القاسي المتسلط.. فمن يخلصه من قبضة إبليس؟‍
ووقف الإنسان منكسرًا أمام العدل الإلهي.. فمن يستطيع أن يوفي العدل الإلهي حقه؟‍.. لا أحد.. لا أحد يقدر أن يصنع خلاصًا هذا مقداره. فقط القادر على كل شيء هو الذي يقدر، وكم نشكره لأنه ارتضى أن تكون قضيتنا قضيته.
أما الذي يحتج بأن العدل الإلهي لا يمكن أن يقاصص ابن القاتل عن خطية أبيه القاتل، وان معنى توارث الخطية أن الإنسان يرث خطية أباه وجده وأمه وجدته.. فلمثل هذا نقول إن المشكلة إننا جميعًا كنا في صلب آدم يوم أن أخطًا، وورثنا منه الخطية الجدية، وأيضًا الطبيعة الفاسدة التي تدفعنا للخطأ ، ولذلك لم نرَ إنسانًا قط بدون خطية، وسواء هلك الإنسان بخطيته الشخصية أو بخطيته الشخصية والخطية المتوارثة، فالنتيجة واحدة وهي الهلاك الأبدي، والذي يُحكَم عليه بالموت مرة لا يضار لو حُكِم عليه بالموت عشرات أو مئات المرات.
بدائل التجسد: قد يتساءل البعض: ألم يكن هناك أي بديل آخر لرحلة التجسد والفداء التي دفع تكلفتها بالكامل الله العظيم الممجد في سماه؟!..

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:10 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
لماذا لم يفني الله آدم وحواء ويخلق إنسانًا جديدًا يطيعه؟

ج : هذا البديل لا يصلح لحل هذه القضية للأسباب الآتية:
أ - لقد خلق الله هذا الإنسان ليحيا إلى الأبد، فعندما يجبر الشيطان الله على تغيير هدفه ويفني الإنسان، فهذا يعتبر انتصار للشيطان على الله، وما رأيك عندما يعمل الله عملًا فيفسده الشيطان، ولا يقدر الله على إصلاح هذا الفساد؟.. ألاَ يعتبر هذا تحدي لقدرة الله وكرامته وحكمته؟! إذا صمم مهندس حكيم ماكينة ريّ على مستوى عالٍ جدًا من الكفاءة، وبعد ذلك حدث بها عطل فهل هذا المهندس الحكيم يدمرها أم أنه يجتهد لكيما يصلح العطل الذي حلَّ بها؟ وإن كان هذا تصرف الإنسان الحكيم فكيف نستبعد هذا التصرف عن الله مصدر الحكمة؟ّ!
ب - عندما يفني الله الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله لأنه سقط بغواية إبليس.. ألاَ يعتبر هذا قسوة واتهام صارخ ضد المحبة الإلهية التي أوجدت الإنسان من العدم؟.. ألم يكن من الأفضل أن لا يخلق الله الإنسان بدلًا من أن يفنيه بعد خلقته؟! ألاَ يعتبر إفناء الإنسان دليل على اليأس وقلة الحيلة، بينما استخدام المحبة لعلاج القضية دليل على القوة؟! وهل تنسى أن الله محبة، وهو نبع الحب والخير غير المتناهي.. فكيف تقصُر محبة الله عن إنقاذ الإنسان محبوبه؟!.. يقول د.راغب عبد النور "أن المسيحية تعلمني أن الله من الإنسان مكان الوالد الحنون، ويرتبط بنا ارتباط المسئول عنا، وإن إلهنا المحبوب لا يتنازل عن أبوته حتى لو تنازل الإنسان عن بنوته، وإن إلهنا غير مستعد لكي يدمر الإنسان حتى لو انتهى الإنسان إلى حالة العطب وعدم النفع. تعز على إلهنا الفتيلة المدخنة، فيتولاها ويرعاها إلى أن تتحول إلى سراج منير.. كما إنه لا يدفع بالقصبة المرضوضة إلى النار، لكنه يعالجها بلطفه الشديد إلى أن تتحول إلى شجرة كثيرة الثمر، ممتدة الأغصان ووارفة الظل" (1).
ج - إفناء الإنسان ضد صلاح الله، فيقول القديس أثناسيوس "وكان أيضًا أمرًا غير لائق أن الخليقة التي خُلِقت عاقلة.. يصبح مصيرها الهلاك وترجع إلى عدم الوجود بالفساد. لأنه مما لا يتفق على صلاح الله أن تفنى خليقته بسبب الغواية التي أدخلها الشيطان على البشر.
وبصفة خاصة كان غير لائق على الإطلاق أن تتلاشى صنعة الله بين البشر، إما بسبب إهمالهم، أو بسبب غواية الأرواح الشريرة.
ولو كان مصير الخليقة العاقلة قد بات إلى الهلاك، وصار مآل هذه المصنوعات إلى الفناء، فما الذي يفعله الله في صلاحه إذًا؟" (تجسد الكلمة 6: 3-6).
د - عندما يخلق الله إنسانًا جديدًا.. هل سيخلقه حرًا مُريدًا؟ ولو كان حرًا فما أدراك أن لا يأتي الشيطان ثانية ويسقطه بحيلة أخرى، ولاسيما انه المحتال الذي يملك ألف حيلة وحيلة؟

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:12 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
لماذا لم يخلص الله آدم وحواء بالقوة، فمجرد كلمة منه قادرة على رد آدم وحواء اللذان سباهما الشيطان؟
ج : هذا الحل البديل لا يصلح للأسباب الآتية:
أ - ما أُخذ بالقوة يسترد بالقوة. أما الشيطان فانه لم يأخذ الإنسان بالقوة.. لم يأخذ من ثمار الشجرة المحرمة، ولم يفتح فم آدم رغمًا عنه، ولم يدفع إلى فمه الثمرة المحرمة. بل أن الشيطان في الأصل لا يقدر أن يسبي الإنسان بالقوة، لأن الإنسان في حماية القدير طالما كان ملتزمًا بطاعته. إنما أسقط الشيطان الإنسان بالحيلة والمكر والدهاء والخداع والغواية " الحية غوَّتني فأكلت" (تك 3: 13) وكما أن الله كامل في قوته فهو كامل في عدله أيضًا، فلو ردَّ الله الإنسان بالقوة فإن هذا يعتبر ضد عدل الله الكامل.
ب- خلق الله الإنسان حرًا مُريدًا، فعودة الإنسان لله لابد أن تتم بكامل حريته وإرادته، فربما يرده الله بالقوة فيقول آدم له: ومن قال لك أنني أريد أن أسير معك.. أنا لا أحب الطريق الكربة ولا الباب الضيق، وربما تقول حواء: أنني معجبة بشغل الشياطين ولا أريد أن أتركهم.. من أجل هذا يا صديقي يطيل الله أناته علينا لكيما نعود إلى أحضانه الأبوية بكامل حريتنا وإرادتنا، ويقول د. راغب عبد النور "أن يتدخل الرب الإله تدخلًا مباشرًا، وينتشل الإنسان مما فيه، ورغم ما به وما عليه، وهو إجراء لا يتمشى مع عدالة وطهارة الله، وحتى إن تصوَّرنا إلهنا قابلًا أن يقوم بهذا الدور. إلاَّ أن الإنسان الذي سقط وتدنس، لا يستطيع أن يعايش الله في نوره وفي قداسته، لأن كل ما فيه ينجذب نحو الظلام انجذابًا تلقائيًا، وقد يقبل الرب أن يقبل إلينا رغم ما فينا، فإننا في هذه الحالة سنهرب من وجهه هروبًا، ولو إلى الموت" (1).

ج - يناقش القديس أثناسيوس اقتراح البعض بأن الله كان يمكنه أن يخلص الإنسان بكلمة منه فيقول " يقولون إن كان الله قد أراد أن يصلح البشرية ويخلّصها، وجب أن يتمم ذلك بمجرد نطق ملكي كريم، دون حاجة إلى تجسد "الكلمة" أي بنفس الطريقة التي اتبعها سابقًا عندما أوجدها من العدم. أما عن اعتراضهم هذا فنجيبهم جوابًا معقولًا قائلين: سابقًا لم يكن شيء موجودًا على الإطلاق، فالذي كان مطلوبًا لخلقة كل شيء هو النطق الملكي، ثم مجرد الإرادة لإتمام ذلك. أما وقد خلق الإنسان، وأصبح الأمر يحتاج إلى علاج ما هو موجود، ووصل الأمر إلى تلك الحال، لا ما هو ليس موجودًا، لهذا السبب، ولكي يُبرئ الموجود، دعت الضرورة بطبيعة الحال أن يظهر الطبيب، والمخلص تأنس واستخدم جسده أداة بشرية" (تجسد الكلمة 44: 1، 2).
وقال
القديس كيرلس الكبير " كان يلزم من أجل خلاصنا أن كلمة الله يصير إنسانًا لكي يجعل جسد الإنسان الذي تعرض للفساد خاصًا له، ولكونه هو الحياة والمحيي يبطل الفساد الذي فيه" (1).
د - عندما فسدت الطبيعة البشرية بالسقوط احتاجت للحياة لكيما تتحد بها وتطرد الفساد والموت من داخلها، وهذا الأمر لا يحتاج لكلمة من الله، إنما يحتاج للتجسد الإلهي، فيقول القديس أثناسيوس " ثم يجب أن نعلم أيضًا، أن الفساد الذي حصل لم يكن خارج الجسد بل لصق به، وكان مطلوبًا أن تلتصق به الحياة عوض الفساد، حتى كما تمكن الموت من الجسد، تتمكن منه الحياة أيضًا.
والآن لو كان الموت خارج الجسد لكان من اللائق أن تتصل به الحياة من الخارج. أما وقد صار الموت ممتزجًا بالجسد وسائدًا عليه، كما لو كان متحدًا به، فكان مطلوبًا أن تمتزج الحياة أيضًا، حتى إذا ما لبس الجسد الحياة بدل الموت، نزع عنه الفساد، وفضلًا عن هذا فلو افترضنا أن "الكلمة" جاء خارج الجسد وليس فيه، لكان الموت قد غُلب منه (من المسيح) وفقًا للطبيعة، إذ ليس للموت سلطان على الحياة، أما الفساد اللاصق بالجسد فكان قد بقى فيه رغم ذلك.
لهذا السبب كان معقولًا جدًا أن يلبس المخلص جسدًا، حتى إذا ما اتحد الجسد بالحياة لا يبقى في الموت كمائت، بل يقوم إلى عدم الموت إذ يلبس عدم الموت.. لهذا لبس "المسيح جسدًا لكي يلتقي بالموت في الجسد ويبيده" (تجسد الكلمة 44: 4-6).
ه - بالتجسد ردَّ الله الضربة للشيطان بالفعل، فيقول القديس يعقوب السروجي "كما أن الشيطان دخل الحية وصرع الجنس البشري وأماته، هكذا أراد الله أن يأخذ جسد الإنسان ويختفي فيه ليقبض على الشيطان الحية القديمة ويهلكه" (1).

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:13 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
لقد أخطأ آدم رغم التحذير، فلماذا لم يتركه الله لمصيره المشئوم، وليكتفِ بأنه يعطه الناموس والوصايا؟
ج : كان لا يمكن أن يترك الله آدم لمصيره المشئوم للأسباب الآتية:
أ - ضد صلاح الله: فهذا الترك لا يليق بالله الكلي الصلاح، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي "إذا أسَّس ملك منزلًا أو مدينة وأحدق بها اللصوص بسبب إهمال سكانها، فإنه لا يهملها أو يتغاضى عنها بأي حال، بل يقوم ويهتم وينتقم من العابثين بها لأنها صنعة يديه غير مبال بإهمال سكانها، عمل بما يليق بذاته. وهكذا الله، كلمة الآب الكلي الصلاح، لم يهمل الجنس البشري صنعة يديه، ولم يتركه للفساد، بل أبطل الموت بتقديم جسده، وعالج إهمالهم بتعاليمه، ورد بسلطانه كل ما كان للإنسان" (تجسد الكلمة 10: 1).
وقال أيضًا " أيحتمل أن يَرى الفساد يسود البشر، والموت ينشب أظافره فيهم؟ وما الفائدة من خلقهم منذ البدء؟ لأنه كان خيرًا لو لم يخلقهم من أن يُخلقوا ثم يُهملون ويفنون.
لأن الإهمال لا يعلن صلاح الله بل ضعفه. إن كان يسمح لخلقة يديه بالفناء بعد أن خلقها، وكان بالأحرى يتبين ضعفه لو لم يكن قد خَلق الإنسان على الإطلاق..

فقد كان يُعد أمرًا مشينًا جدًا أن يفنى المخلوق على مرأى من الخالق.
لهذا أصبح أمرًا محتمًا ألا يُترك الإنسان لتيار الفساد، لأن ذلك يعتبر عملًا غير لائق، ولا يتفق مع صلاح الله".(2)
  1. ضد محبة الله: هل يمكن أن نتصوَّر الله بأن يقف موقف المتفرج من الإنسان الذي هو وليد المحبة الإلهية بل ينتظر حتى يمتلئ كأس خطاياه فينقَض ويصب جام غضبه عليه؟!.. هل يمكننا أن نتصوَّر الله بهذه القسوة والجحود واللامبالاة؟!.. ليس هكذا إلهنا.. ليس هكذا قط ، والمصلوب شاهد عيان على كذب هذا الافتراء.
ج- ضد رحمة الله: الذي أدان الغني لأنه أهمل لعازر البلايا ولم يشفق عليه، كيف يهملنا نحن خليقته؟!.. الذي طالب بطرس بأن يغفر للمسيء إليه سبع مرات سبعين مرة لكيما يكسبه للملكوت كيف يهملنا لمصيرنا المشئوم؟!
د - ضد كرامة الله: الإنسان مخلوق إلهي حامل الصورة الإلهية عندما يسقط بغواية الحية فيهمله الله ويتركه إلى مصيره التعس ويُهان الإنسان.. أليس إهانة الصورة هي إهانة للأصل؟! عندما يحرق إنسان علم الدولة هل يُحاسَب لأنه أحرق قطعة من القماش أم لأنه أهان رمز الدولة؟
ه- ضد حكمة وذكاء الله: إذ كيف يقف الله عاجزًا عن حل المشكلة التي اختلقها ابليس الذي أطاح بالإنسان إلى قاع الجحيم؟!.
ولم يكن الناموس كافيًا لخلاص الإنسان، لأنه ما جدوى النصائح والوصايا للإنسان الغارق في الخطية؟.. يقول القديس يعقوب السروجي " إذا أردت أن تنقذ غريقًا أو تُنهِض إنسانًا مطروحًا، فلا ينفع أن تقدم له النصيحة. بل عليك أن تخلع ثيابك وتلبس ثياب البحر، وبعد أن تنزل تقيمه معك".. كل ما يفعله الناموس أنه يكشف الخطية ويعرّيها ولكنه لا يعالجها ولا يقضي عليها. الناموس يقول لهذا أنت مقيد بالخطية، ويقول لذاك أنت ملفوف بأكفان الموت، ويقول لثالث لقد صرت ضليعًا في فنون الشر متشبهًا بإبليس، وفي كل هذا لا يقدر الناموس أن يفك الأسير، ولا يقدر أن يُقيم الميت، ولا يقدر أن يرد الضال، ولا يقدر أن يقدم البلسم الشافي الذي قدمه السيد المسيح على عود الصلب.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:15 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الله غفور رحيم.. فلماذا لم يسامح آدم وتنتهي المشكلة؟
ج : وهذا الحل لا يصلح للأسباب الآتية:
أ - الله كامل في رحمته وكامل أيضًا في عدله، فلو سامح آدم فإن هذا يتعارض مع عدله.. لقد حذر الله آدم من الأكل من الشجرة، وأعطاه كل مقومات عدم السقوط مثل الحكمة والشبع بخالقه والفرح الروحي، والأكل من جميع أشجار الجنة باستثناء هذه الشجرة فقط، فعندما يخطئ آدم ولا ينال العقوبة التي سبق أن فرضها الله عليه فان هذا يعتبر ضد العدل الإلهي.
ب - لو ناقض الإنسان نفسه وغيَّر أقواله فان هذا يعتبر نوع من النقص.. فكيف ينقض الله أقواله؟!.. " ليس الله إنسان فيكذب. ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفي" (عد 23: 19) " هل الله يعوّج القضاء أو القدير يعكس الحق" (أي 8: 3) هل يقول الله لآدم " وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها " ولم يكتف الله بهذه الوصية بل أوضح له مغبة المخالفة " لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك 2: 18) وعندما يأكل الإنسان يسرع إليه الله قائلًا: إيه يا آدم؟! هل أنت صدقت كلامي؟! أنني كنت أُخيفك فقط، لكنك لن ترَ الموت قط لأن موتك ضد رحمتي الغير محدودة.. أذهب يا آدم لن تموت. فقط لا تكرر فعلتك الشنعاء ثانية لكيما أحبك.. هل يعقل هذا؟!!

ج - إن لم يمت الإنسان يكون الله غير صادق، وعلى حد تعبير القديس أثناسيوس " كان أمرًا مرعبًا لو أن الله بعدما تكلم يصير كاذبًا -حيث كان الله أصدر حكمه على الإنسان بأن يموت موتًا، إن تعدي الوصية والذي يحدث أنه لا يموت- فتبطل كلمة الله حينذاك، ولو كان الإنسان لم يمت بعد أن قال الله إننا نموت لأصبح الله غير صادق" (تجسد الكلمة 6: 3).
د - لو برَّأ القاضي الأرضي مُذنبًا، لحُسِب هذا القاضي ذاته مذنبًا في حق العدالة، فهل يحطم ديان الأرض كلها قانون العدالة الإلهية ويبرئ المذنب؟! كلاَّ.. وإن قال أحد أن القاضي الأرضي لابد أن يحكم بالعدل لأنه مقيّد بقوانين، كما إن رؤساءه يراقبونه، أما الخالق فهو حر يفعل ما يشاء نقول: نعم الخالق حُرُّ يفعل ما يشاء، ولكنه لن يفعل إلاَّ الحق والعدل وما يتناسب مع كماله الذاتي.
ه - الصَفح شيء وإصلاح الطبيعة شيء آخر، فما الفائدة إنك تصفح عن السارق دون علاجه من داء السرقة؟
هب أنك أمسكت بلص وهو يمد يده ويسرقك، وصممت أن تذهب به إلى قسم الشرطة، فأخذ يسترق قلبك ويقول لك أن زوجته على حافة الموت وتحتاج لعلاج يرد لها الحياة، وأولاده منذ البارحة لم يتذوقوا طعامًا، فرقَّ قلبك ورثيتَ لحاله وصفحتَ عنه.. تُرى هل بهذا العفو تكون قد أصلحت حاله؟ كلاَّ، لأنك ستتركه ليسرق غيرك بعد دقائق قليلة. انه يحتاج منك أن تذهب معه إلى بيته لتتأكد من صحة أقواله، ولو كان صادقًا فانه يحتاج إلى عمل شريف يأكل منه لقمة العيش، ويحتاج لمن يراعيه ويعالجه من داء السرقة حتى يُشفى تمامًا.
و - لو سامح الله آدم، فمن أدراك أنه لا يكرّر الخطأ بصورة أو بأخرى، وربما طمعًا في العفو الإلهي والرحمة غير المحدودة، ولو سامح الله كل من يخطئ وعفى عنه لتحول العالم إلى فوضى وغابة، وتضيع المهابة الإلهية.. يحكى عن أحد الملوك ويدعى سلوقس ملك لوكرى انه سنَّ قانونًا وكل من يخالفه يتعرض لعقوبة قلع عينيه، وفوجئ بسقوط ابنه في المخالفة، وتكاثر الشفعاء على الملك لكيما يعفو عن ولي العهد، إلاَّ أنه رفض وأمر بقلع عين واحدة لابنه، وقلع عينه هو متحملًا بذلك نصف العقوبة وحفظ للقانون قدسيته وللعدالة حقها بالكامل.

ويناقش القمص صليب حكيم هذا الرأي بعقل راجح وفكر حكيم فيقول " وكأن الله نسى ما سبق أن قاله لآدم وحذره منه، أو أنه كان غير جاد في وصيته وفي تحذيره له، أو أن قوله كان مجرد تهديد لآدم ليس إلاَّ، أو كان مجرد مبالغة منه في تخويفه لآدم بأنه سيعاقبه في حالة مخالفته للوصية دون أن تكون له النية في عقابه، أو كأنه بعد أن أعطى وصيته وحدَّد عقاب مخالفتها عَدَل عن قوله إذ أدرك أنه كان مخطئًا فيما قال، أو أن تقديره لظروف آدم كان إدراكًا ناقصًا، لذلك يجب عليه أن يسامحه، أو كأنه كان يريد أن يضع الإنسان في متاهة من عدم التمييز بين مكافأة المطيع وعقاب العاصي، حيث يستوي عنده الطاعة والعصيان، وبذلك يعامل القاتل كالمقتول والسارق كالمسروق.. وهكذا تتحطم كل قيم العدالة والحكمة لدى الله، وينمحي معنى الفضيلة، ويتبدد رجاء البشرية في تطلعها إلى إله عادل يجري أحكامه في مقاصدها. نعم لو كان قد غفر الله لآدم لأضحى الله بغير كلمة ثابتة، وما استطاع أن يعطي شريعة أو وصية يُلزِم بها الإنسان. لأنه بعد أن عَدل عن قوله، ولم ينفذ ما سبق أن أنذر به، واتضح أنه غير جاد فيما يقول أو أنه يخطئ في تقديره عندما يقول، فانه سوف لا يتوقع بعد طاعة من الإنسان.. بعد أن ضاعت هيبته وانعدمت مخافته لدى الإنسان بعدم ثبوت كلمته..

لو فرضنا أن شخصًا مَثَلَ أمام القاضي للحكم عليه بسبب ارتكابه جريمة قتل مثلًا، وتوافرت كل أسباب إدانته، فهل يصح أن يعفو القاضي عنه لرحمة قلبه، أو لأن القاتل ارتكب جريمة القتل لأول مرة في حياته؟!.. لو فُرض أن عفى القاضي أو حاكم المدينة عن القاتل وغفر له ولم يعاقبه، وعفا عن السارق وغفر له ولم يعاقبه، فماذا يمكن أن يحدث في مدينة هذا الحاكم أو هذا القاضي الذي يغفر كل الأخطاء.. إن الصالحين أنفسهم في هذه المدينة لكي يأخذوا حقوقهم بأنفسهم، أو لكي يردوا الشرور عن أنفسهم سيستخدمون أسلوب الشر الذي يستخدمه الأشرار.. وتصبح المغفرة والرحمة عند هذا الحاكم وبالًا على كل أهل مدينته.. وبذلك مغفرة هذا الحاكم تحوّل مدينته إلى مدينة أشرار ومجرمين..
والأمر لا يتعلق بخطية آدم وحده بل بخطايا كل البشر التي على مثال خطية آدم، لأنه إن كان الله غفر لآدم خطيته لرحمته به وأعفاه من تحمل العقاب لوجب أن يغفر لكل الناس خطاياهم ويعفيهم من العقاب (1).
ونطرح في نهاية الإجابة سؤالًا جانبيًا وهو إن كان الله لم يسامح آدم فلماذا أمرنا أن نسامح بعضنا بعضًا؟

والحقيقة كما رأينا أن الموقف بالنسبة لله مختلف عن الموقف بالنسبة للبشر، فبالنسبة لله كان لابد للعدل أن يأخذ مجراه حتى يحتفظ الله بهيبته أمام الخليقة كلها، ولو سامح الله آدم فان أبناء آدم سيتعدون على بعضهم البعض، ويضيع الهدف الإلهي من خلقة إنسان يعيش في حياة البر والقداسة والسلام، وقد صنع الله أعظم ما هو من التسامح إذ تحمل بنفسه عقاب خطايانا.. أما بالنسبة للبشر فقد أوصانا الله أن نتسامح لكيما نحفظ للمجتمع سلامه، ولا نقابل الشر بالشر حتى لا نعطي فرصة أكبر لعدو الخير، وفيما نحن نتسامح مع المسيئين والأعداء نثق في الله ضابط الكل الذي سيجازي كل واحد بحسب أعماله " لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رو 12: 19) وإذا عجز الإنسان عن التسامح فانه يلجأ إلى الحاكم الذي " لا يحمل السيف عبثًا إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر" (رو 13: 4).
ونضيف على الإجابة السابقة بعض النقاط الصغير:
أ - الخطية الموجهة ضدنا هي خطية محدودة. أما الخطية في حق الله فهي غير محدودة.
ب - قد نصفح نحن بسبب نسياننا الإساءة، وهدوء عواطفنا البشرية، وقد نصفح طمعًا في صفح الآخرين عنا. أما الله فلا ينسى ولا يتغير ولا يتساهل في الحق الإلهي.
ج - ليست مغفرة الخطية بالأمر الهين، وليست الخطية مثل القذارة التي تلتصق بجسم الإنسان فيتخلص منها بقليل من الماء، لكن الطريق الوحيد للخلاص هو سفك الدم غير المحدود.
د - ليست المشكلة في مغفرة الخطية فقط، ولكن بالأكثر في إصلاح الطبيعة التي فسدت بالخطية.
ه - حقًا إن الله يسامح، ولكنه يسامح قانونيًا، وقانون العدالة الإلهية يقتضي انه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22) " لأن الدم يُكفِر عن النفس" (لا 7: 11) ولذلك تجسد الله وسفك دمه لكيما يرفع عقاب خطايانا.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:16 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
إذا قدم آدم توبة نصوحة ألا يقبله الله ويرضى عنه؟ وإلاَّ فما لزوم التوبة للإنسان؟!
ج: لا تحل التوبة مشكلة السقوط للأسباب الآتية:
أ - عندما خرج آدم من الفردوس يجر أذيال الخيبة والعار، وأخذ يقرأ آثار خطيته على الأرض التي تنبت له شوكًا وحسكًا، وعلى جسده الذي بدأ يتعرض للتعب والعرق والضعف، وعلى الطبيعة الثائرة ضده، والحيوانات التي تود افتراسه لكيما يكون وجبة شهية لها، وعندما رأى ابنه مقتولًا أمام عينيه بيد ابنه.. كم وخذه ضميره بشدة وسال الدمع من عينيه وهو يصرخ في أعماقه: هذه ثمرة خطيتي ومعصيتي ..كم كانت توبته وندمه؟! وكم كان حزنه ودموعه؟! ولكن هل استطاعت هذه التوبة أن تعيده إلى طبيعته الأولى وإلى فردوسه المفقود؟ .. كلا.

ب - التوبة لا تلغي الحكم الصادر من فم الله، إنما تنقل هذا الحكم من الجاني إلى الفدية، فعندما تاب داود واعترف أمام ناثان النبي قائلًا "قد أخطأت إلى الرب" قال له ناثان "الرب أيضًا نقل عنك خطيتك فلا تموت" (2 صم 12:13) لقد نقل الله عقاب خطية داود ووضعها على رأسه وهو على صليب الموت والحياة.. التوبة والندامة هي الخطوة الأولى للمصالحة مع الله، ولكن يظل قصاص الخطية حتى يحمله الفادي في جسده، ونحن في توبتنا نقدم اعترافاتنا لله أمام الأب الكاهن الذي يحمل خطايانا ويضعها على الذبيحة وقت تقديم الأسرار المقدسة.
ج - التوبة تفيد الإنسان في المستقبل حيث يمتنع عن ارتكاب الخطية وتكرارها، ولكن ما هو الحل في الخطية التي ارتكبها الإنسان؟ هل ترفع التوبة الحكم الإلهي الصادر بموت الخاطئ؟ كلاَّ.. وهل توفي التوبة مطلب العدل الإلهي؟ كلاَّ.. وهل تنزع التوبة الخطية وتمحو الإساءة التي وجهها الإنسان لله؟ كلاَّ.
ولنضرب مثلًا على هذا. هب أنك سكبت قليلًا من الحبر على ثوب أبيض نقي، ثم توقفت عن سكب المزيد، فهل يعود الثوب إلى ما كان عليه من النقاء؟ كلاَّ، لأن الحبر قد التصق بالثوب وتخلل أنسجته، ولا يمكن إزالته إلاَّ بمُزيل قوي لمحو آثاره، وهكذا لا يمكن محو الخطية إلاَّ بدم المسيح كقول الملاك " هؤلاء الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسَّلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف" (رؤ 7: 14) ومثال آخر لو أن مندوب صرف اختلس مرتبات الموظفين، ووصل الأمر للقضاء فاحتج بظروفه المأسوية، وأعلن توبته وتعهد بعدم تكرار هذا الخطأ.. تُرى هل يحكم القضاء بتبرئة ساحته ويسامحه بما اختلسه؟ قطعًا لا.. إذًا دموع التوبة والاستجداء لا تُكفِر عن خطية هذا السارق، فجميع المحكوم عليهم بالإعدام يشعرون بالندم الشديد وبعضهم يُقدّم توبة نصوحة، ولكن لم تقدر هذه التوبة أن تنقذ واحدًا منهم من تنفيذ الحكم.
د - وإن كانت التوبة لا تُصلِح ما مضى من أخطاء فإنها أيضًا لا تُصلِح الطبيعة الفاسدة يقول القديس أثناسيوس " أي طريق كان ممكنًا أن يسلكه الله؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدياتهم؟ وهذا قد يُرى لائقًا بالله - لعلهم كما ورثوا الفساد بسبب التعدي ينالون عدم الفساد بسبب التوبة.
ولكن التوبة أولًا: لا تستطيع أن توفي مطلب الله العادل، لأنه إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت يكون الله غير صادق. ثانيًا: تعجز عن أن تغير طبيعة الإنسان، لأن كل ما تفعله هو أنها تقف حائلًا بينه وبين ارتكاب الخطية.ولو كان الأمر مجرد خطأ بسيط ارتكبه الإنسان ولم يتبعه الفساد، فقد تكون التوبة كافية. أما وقد علمنا أن الإنسان بمجرد التعدي انحرف في تيار الفساد، الذي كان طبيعة له، وحُرِم من تلك النعمة التي سبق أن أُعطيت له وهي مماثلته لصورة الله.. من الذي كان يستطيع أن يعيد إليه تلك النعمة، ويرده إلى حالته الأولى، إلاَّ كلمة الله الذي خلق كل شيء من العدم منذ البدء" (تجسد الكلمة 7: 2-4).
ونختتم إجابة هذا السؤال بسؤال جانبي: ألم يصفح الله عن أهل نينوى عند توبتهم ورد غضبه عنهم (يون 3: 10)؟
ونحن نقول أن الصفح عن أهل نينوى كان متمثلًا في رفع الكارثة التي كانت ستحل بهم، فكما يسمع الله للخاطئين الصارخين إليه الذين يلتمسون نجاة الجسد هكذا سمع الله لأهل نينوى ولم يقلب مدينتهم، ولكن خطيتهم التي فعلوها لم تغفرها توبتهم القوية، ولم يكن لهم غير طريق واحد للخلاص من خطيتهم وهو الإيمان بإله
إسرائيل، وتقديم ذبائح عن خطاياهم فتغفر لهم خطيتهم في دم الصليب.. فهل فعلوا هكذا؟ .. ربما.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:18 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
يقول البعض أن "الحسنات يذهبن السيئات"، فان كان آدم أخطأ في واحدة، ثم صنع أعمالًا حسنة وصالحة، ألا تمسح هذه الأعمال الصالحة خطية آدم الوحيدة؟
ج : لا تغفِر الأعمال الصالحة الخطية ولا تحل القضية للأسباب الآتية:
أ - الأعمال الصالحة ليست تَفضُّل من الإنسان بل هي واجب عليه، ولذلك قال مخلصنا الصالح " متى فعلتم كلَّ ما أُمِرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون. لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لو 17: 10) وقال معلمنا يعقوب "فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فذلك خطية له" (يع 4: 17).
ب - كل أموالنا وممتلكاتنا هي من الله، وكل ما نفعله إننا نرد جزء مما له كقول داود النبي " لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك" (1 أخ 29: 14) فأي فضل لنا في هذا؟ ‍‍
ج - كل أعمالنا الصالحة التي تنال إعجابنا وإعجاب الآخرين قد تبدو أمام الله غير كاملة، لأنه إن كانت السماء غير طاهرة أمامه " وإلى ملائكته ينسب حماقة" (أي 4: 18) فكم وكم أعمالنا الصالحة. حقًا إنها تشبه فاكهة معسولة نأكلها ونتلذذ بطعمها، ولكن عندما تضع جزءًا بسيطًا منها تحت المجهر تفاجئ بآلاف الجراثيم الملتصقة بها.

د - الخطية موجهة ضد شخص الله " إليك وحدك أخطأت" (مز 51: 4) فهب أن خادمًا أخطأ في حق ملك عظيم. ثم أدرك هذا الخادم خطأه والخطورة التي تحيط به، فأسرع وجمع كل ما لديه وقدم هدية لهذا الملك الغني، فهل مثل هذه الهدية التافهة تمسح خطأ الخادم؟ .. كلاَّ... حقًا إن جميع الأعمال البشرية الصالحة ما هي إلاَّ مجموعة من الأصفار التي لا قيمة لها بدون الإيمان بالإله المتأنس.
ه - هل الحسنات يذهبن السيئات؟ لو كانت الحسنات يذهبن السيئات فمعنى هذا إن الإنسان يملك في يده المغفرة الإلهية لأي خطية يرتكبها.. يستطيع أن يزني، فهذه سيئة يمسحها بالتصدُّق على الفقراء، ويقف أمام الله كأنه إنسان طاهر بينما هو مملوء شر ونجاسة، وآخر يتاجر في المخدرات، فهذه سيئة يمحوها ببناء بعض دور العبادة، ويقف أمام الله كأنه إنسان بار بينما يداه مملوءتان بالدماء وعندما يكون الهدف من أعمال الخير هو الحصول على مغفرة الخطايا فان العملية تتحول إلى عملية تجارية، ولكل خطية ثمنها الذي يسدده الإنسان وينام هادئ البال مستقر الفؤاد بينما هو في الحقيقة مقيدًا بسلاسل الظلام منقادًا إلى جهنم النار.. فأي خطورة هذه؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
و - لو أن طبيبًا صالحًا ناجحًا مرموقًا فتح ملجأ للأيتام ومستشفى للمرضى من الفقراء، وبينما كان منطلقًا بسيارته ليحضر دواء لأحد مرضاه الذي يعاني من حالة حرجة، صدم أحد الأولاد. ثم وقف أمام القضاء، واكتشف القاضي أن المتهم الواقف أمامه هو ذاك الطبيب صاحب الأعمال الجليلة وإن سجنه سيؤدي إلى توقف هذه الأعمال العظيمة، فحذره من تكرار هذا الخطأ وعنَّفه بشدة ثم أطلق صراحة لأجل أعماله الصالحة.. تُرى هل يكون هذا القاضي عادلًا؟ كلاَّ، لأن الأعمال الصالحة لا ترفع عقاب الخطية .
وجاء في حديث البخاري أن الناس لا يدخلون الجنة بأعمال فقال الرسول "لا يُدخِل أحد الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إن لم يتغمدني الله بمغفرة ورحمة".
وقد يتساءل البعض: ألا تغفر الصلاة الخطايا؟.. قطعًا لا، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة، بل أن صلاة الخطاة هي مكرهة للرب "آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (اش 59: 2) وقال الله للخطاة " حين تبسطون أيديكم أستر عينيَّ عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا" (اش 1: 15).

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:20 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
فليقدم آدم ذبيحة فداء عن نفسه، وليقدم ذبيحة أخرى فداء عن حواء.. ألا تكفر الذبائح عن الخطايا؟ وإن كانت لا تكفر فلماذا أوصى الله بها في العهد القديم؟
ج : مادمنا قد اعترفنا وأقرَّينا بمبدأ الفداء إذًا يستحسن بادئ ذي بدء أن نتعرف على أهم صفات الفادي وهي أن يكون:
أ - إنسان: لأن الإنسان هو الذي أخطأ، ولا يوجد كائن آخر نظير الإنسان ومثيله، ولذلك يجب أن يكون الفادي إنسانًا حتى يكون من نفس طبيعة المفدي، وقد سبق الكتاب وأشار للفادي الذي سيسحق رأس الحية انه من نسل المرأة.. إذًا النائب عن الإنسان لابد أن يكون إنسانًا، وهذا ما حدث في التجسد الإلهي إذ اتخذ الله الكلمة طبيعتنا البشرية كاملة جسدًا وروحًا "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" (عب 2: 14) وقال لتلاميذه بعد القيامة "انظروا يديَّ ورجليَّ إني أنا هو. جسوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39).
ب - بلا خطية: لا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا، ولكن لابد أن يكون بلا خطية ليحمل عقاب خطايا الآخرين.. يكون بلا خطية شخصية، وخالي تمامًا من الخطية الجديَّة المتوارثة عن آدم، لأن الخاطئ لا يفدي خاطئًا، والمُفلِس لا يفي دين مُفلِس آخر، والمحكوم عليه بالإعدام لا يقدر أن يفدي إنسانًا آخرًا محكومًا عليه بالإعدام.. حقًا إن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد تمسكت طقوس العهد القديم باختيار الذبيحة بلا عيب داخلي ولا خارجي إشارة إلى الفادي الذي بلا عيب.

ولأنه لم يفلت إنسان واحد من الخطية الجديَّة لذلك تجسد الله الكلمةمن مريم العذراء بدون زرع بشر، بعيدًا كل البعد عن الخطية الجديَّة، لأن الروح القدس حلَّ على العذراء القديسة مريم وقدَّس مستودعها، ولذلك فالمولود منها قدوس كقول جبرائيل الملاك " القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1: 37) ولا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا خاليًا من الخطية مثلما كان آدم قبل السقوط ثم تعرض للسقوط، إنما يجب أن يُثبِت بالدليل القاطع انه معصوم من الخطأ، وهذا ما تشهد به حياة السيد المسيح على الأرض الذي قال " من منكم يبكتني على خطية" (يو 8: 46) وقال عنه الكتاب " قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة" (عب 7: 26).
وعلى حد تعبير الرازي في تفسير كلمة
المسيح: انه سُمي المسيح لأنه مُسِح من الأوزار والآثام، وذكر أبا هريرة عن الرسول قوله " ما من مولود من بني آدم إلاَّ نخسه الشيطان حين يُولَد فيستهل صارخًا من نخسه إياه إلاَّ مريم وابنها" وفي حديث آخر رواه البخاري عن الرسول قوله " كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبه متى يُولَد غير عيسى ابن مريم ذهب ليطعن فطعن في الحجاب ".
ج - يقدم نفسه بإرادته: عن حب وسرور وليس عن قسر واضطرار كمن يساق إلى غرفة الإعدام رغمًا عنه، ولا يكفي أن يكون الفادي إنسانًا مخلوقًا وبلا خطية، لأن المخلوق لا يملك نفسه لكيما يقدمها فدية عن الآخرين، بل يجب أن يكون إنسانًا بلا خطية يملك نفسه أي هو الله المتأنس الذي قال " لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها" (يو 10: 17، 18).
د - أن يكون قابلًا للموت: لأن الحكم الإلهي الصادر ضد آدم كان بالموت، ولأن أجرة الخطية موت، ولذلك تجسَّد كلمة الله ليتخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت يستطيع أن يقدمه فداءًا عن الإنسان.. يقول القديس أثناسيوس "وإذا رأى (الكلمة) أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلاَّ بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل (الكلمة) الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت، حتى بإتحاده (بالكلمة) الذي هو فوق الكل يكون جديرًا أن يموت نيابة عن الكل" (تجسد اكلمة 9: 1) ويقول أيضًا "ولما كان مستحيلًا -كما قدمت سابقًا-أن يموت "الكلمة" لأنه غير قابل للموت، فقد أخذ لنفسه جسدًا قابلًا للموت حتى يمكن أن يقدمه كجسده نيابة عن الجميع" (تجسد الكلمة 20: 6).
ه - أقوى من الموت: حتى إذا قدم نفسه بإرادته يستطيع أن ينتصر على الموت وينهض من رقاده، ويقدر أن يهزم إبليس الذي هزم البشرية، ويخلص الأسرى من يد الجبار، ولذلك يجب أن يكون المخلص قويًا في قدرته وحكمته وخبرته، ولهذا تأنس الله.
و - غير محدود: لأن الخطية الموجهة ضد الله غير المحدود هي خطية غير محدودة، فلزم أن يكون الفادي غير محدود، والمثال الدارج على هذا انه لو صفع طالب زميله على وجهه، فمن السهولة حل هذه المشكلة، بينما لو صفع هذا الطالب مدير المدرسة فانه يتعرض للفصل من المدرسة، وإذا صفح وزير التعليم فالعقوبة تشتد.. أما إذا صفع رئيس الدولة فان الإهانة تكون موجهة للدولة ككل وتصل العقوبة إلى أقصاها.. لقد تجسَّد الله الغير محدود ليرفع عقاب خطية غير محدودة. بل ليرفع خطايا العالم كله في كل زمان ومكان، ففيه تحققت صفات الفادي كاملة بناسوته صار إنسانًا، وقابلًا للموت، وبلا خطية، وبلاهوته هو الخالق الذي يستطيع أن يقدم نفسه، وهو أقوى من الموت وغير محدود.. يقول البابا ثاؤفيلس "فلما كان إلهًا تامًا صار إنسانًا بإرادته، ولم يترك شيئًا إليه مما ينتسب إلى الطبيعة البشرية ما عدا الشر الأثيم وحده، لأنه وإن كان طفلًا فمع ذلك يُعرف بأنه عمانوئيل" (1).
ونعود يا صديقي إلى إجابة السؤال الثاني عشر، ونتساءل هل تكفي الذبائح لفداء الإنسان؟ هل تصلح هذه الحيوانات أن تكون وسيطًا بين الله والإنسان؟ وهل تتوفر فيها صفات الفادي؟ بالقطع لا، فالحيوان لا يحمل طبيعة الإنسان، ويقاد للذبح قسرًا، وهو محدود، وليس أقوى من الموت.. إلخ ولذلك قال الكتاب " لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا" (عب 10: 4) وأيضًا نقول أن الجسد البشري الذي سكنه الموت هو يحتاج إلى الحياة لتتحد به وتطرد الموت من داخله.
ونأتي إلى الشق الثاني من السؤال وهو: لماذا أوصى الله بتقديم الذبائح الحيوانية في العهد القديم؟
نقول انه أوصى بها لأنها تشير وترمز لذبيحة الصليب، وأخذت قوتها على المغفرة من ارتباطها بذبيحة الصليب، فالإنسان الذي كان يخطئ كان يقدم ذبيحة بحسب خطيته وبحسب رتبته , ويقرُّ ويعترف بخطاياه فينال وعدًا بالمغفرة على حساب الذبيحة المستقبلية كما ننال نحن المغفرة على حساب الذبيحة الماضية، لأن ذبيحة الصليب غير محدودة بمكان ولا بزمان، فهي ممتدة عبر الزمن تكفي الكل من آدم حتى آخر إنسان تائب قبل المجيء الثاني.
وأيضًا أوصى الله بها حتى عندما يرى الإنسان الحيوان البريء يُذبَح عوضًا عنه فيسفك دمه وتشتعل فيه نيران العدل، فان منظر الدم والنار يحركان القلب القاسي والضمير الذي تحجر فيشمئز الإنسان من خطاياه التي فعلت بالحيوان البريء كل هذا، والحيوان أقرب كائن للإنسان حيث يشعر بالراحة والألم كما أن تكرار الذبائح يشير إلى قصورها وعجزها أما الإله المتأنس فقدم نفسه مرة واحدة فوجد فداءً أبديًا.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:21 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
لماذا لم يكلف الله موسى رئيس الأنبياء بتقديم ذاته فدية عن أبيه آدم؟ أو لماذا لم يكلف الله رئيس الملائكة الجليل ميخائيل لحل مشكلة البشرية الساقطة؟

ج : بالنسبة للنبي أو رئيس الأنبياء ينطبق عليه بعض شروط الفادي دون الأخرى، فمثلا هو إنسان ولكنه ليس بلا خطية، وإن قدم نفسه بإرادته فهو مخلوق لا يملك نفسه هذه، لو سمح الله له بتقديم نفسه فهو لا يستطيع أن يستردها ثانية، وهو محدود فلا يقدر أن يفي عقاب خطية غير محدودة، ولذلك قال الكتاب "الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفارة عنه" (مز 49: 7) وقِس على ذلك الملاك أو رئيس الملائكة الذي ليس هو من طبيعة الإنسان، وإن كان بلا خطية فهو لا يملك نفسه حتى يقدمها فدية، وهو أيضًا محدود.. إلخ.
ويقول القديس أثناسيوس " كما أن المخلوقات لم تُخلَق بواسطة مخلوق بل بواسطة الكلمة الخالق، هكذا فهو وحده الذي يستطيع أن يجددها، لأن المخلوق لا يستطيع أن يخلص مخلوقًا على الإطلاق، وكيف تحصل المخلوقات على أية معونة من مخلوق مثلها هو نفسه يحتاج إلى الخلاص" (الرسالة إلى ادلفيوس 8) (1).
وقال أيضًا " أن الذي بذل ذاته عنا لم يكن إنسانًا عاديًا، فكل إنسان هو تحت حكم الموت كما قيل لآدم، " انك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19) ولا كان هو واحدًا من المخلوقات الأخرى" (الرسالة إلى مكسيموس 3) (2).
وقال الربان زكا بشير عيواص نائب كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس (سابقًا) في المؤتمر الذي عُقِد في القدس يومي 15، 16 مارس 1959 لبحث موضوع طبيعة المسيح ومجمع خلقيدونية " وإذ كانت تلك المعصية غير متناهية لأنها موجهة مباشرة إلى اللامتناهي، لذلك كان غير ممكن للملائكة والآباء والأنبياء المتناهين أن يقدموا الكفارة عنها، ويفوا العدل الإلهي حقه، حتى ولا الناموس لموسي، إلاَّ الله وحده غير المتناهي، إذ لا يوجد شيء في هذا الكون إلاَّ وهو متناه "(3).
وما أجمل قول القديس غريغوريوس في ليتورجيته "وعندما سقط (الإنسان) بغواية العدو ومخالفة وصيتك المقدَّسة وأردت أن تجدّده وترده إلى رتبته الأولى، لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس أباء ولا نبي ائتمنتهم على خلاصنا، بل أنت بغير استحالة تجسَّدت وتأنست وأشبهتنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها".

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:23 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
هل مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية، ومع العقل، فيموت البرئ نيابة عن المذنب؟
ج : إذا وافق النائب أو الفادي أو الوسيط بمطلق حريته وكامل إرادته على تحمل عقوبة المذنب يكون الوضع صحيحًا، ويتمشى مع العدالة الإلهية.. أنظر إلى الخروف البريء الذي ذبحه الله لكيما يُغطى عُري آدم الناتج عن الخطية، مع ملاحظة أن الله ذبح هذا الخروف خصيصًا لعلاج مشكلة عري آدم، لأن آدم لم يكن من أكلة اللحوم، فالسماح بأكل اللحوم جاء بعد الطوفان وقد استلم آدم طقس تقديم الذبائح وسلمه لأولاده، فقدم هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها (تك 4: 4) فقبل الله تقدمته، وقدم نوح من البهائم الطاهرة والطيور الطاهرة. فتنسم الله رائحة الرضى (تك 8: 20، 21) وقدم إبراهيم بالقرب من شكيم، وشرقي بيت ايل (تك 12: 6-8) وعند بلوطات ممرا (تك 13: 18) وقدم إسحق (تك 26: 25) وكذلك يعقوب لما آتى سالمًا إلى مدينة شكيم (تك 33: 20) وأمره الرب أن يصعد إلى بيت ايل ويبني مذبحًا هناك ففعل (تك 35: 1) وقدم ذبائح قبل نزوله إلى مصر (تك 46: 1) وطلب موسى من فرعون أن يذهب إلى البرية ليقدم ذبائح للرب إلهه (خر 8: 27) وكان أيوب يقدم ذبائح بعدد أبنائه (أي 1: 5)

وأوصى الرب موسى بتقديم الذبائح الصباحية والمسائية (عد 28: 3، 4) وذبيحة يوم السبت (عد 28: 9، 10) وذبيحة أول الشهر (عد 28: 11-15) وذبيحة الفصح (عد 28: 16-25) وذبيحة عيد الهتاف (عد 29: 1-5) وذبيحة عيد الكفارة (عد 29: 7-10) وذبيحة عيد المظال (عد 29: 12-40) وذبيحة البقرة الحمراء (عد 19: 1-10) وأوصى بتقديم الذبائح الشخصية مثل ذبيحة المحرقة (لا 1: 1-9) وذبيحة السلامة (لا 3: 1-5) وذبيحتا الخطية والأثم (لا 4: 1-35) وذبيحة الملء أو التكريس الكامل (لا 8: 22-36) وذبيحة التطهير للأم بعد الولادة (لا 12: 1 –8) وتطهير الأبرص (لا 14: 1-20) والمصاب بسيل (لا 15: 1-5).. فلماذا كل هذه الذبائح التي بلا عدد؟!
وبحسب مفهوم العدالة البشرية تشترط المحكمة وجود محامي للدفاع عن المتهم، وإذا لم يكن للمتهم إمكانية مادية لإنابة محامي عنه، فان المحكمة تنتدب له محاميًا للدفاع عنه.
وبحسب مفهوم الإنسانية نجد أن الأب ينوب عن أبنائه في تحمل نتائج أخطائهم، ويدفع قيمة ما أتلفوه للغير، والجندي في ميدان المعركة ينوب عن أسرته ووطنه ويقدم نفسه فداءاَ عنهم.
وبحسب مفهوم العقل فان مبدأ الإنابة صحيح، وتحضرني قصة القاضي العادل الرحيم الذي حكم على المقترض بأن يرد الدين أو أن يدخل السجن، فهذا هو العدل، وعندما علم هذا القاضي أن المقترض معدومًا ورقَّت أحشاؤه لصراخ أطفاله ودموع زوجته دفع الدين عنه وأطلقه بريئًا، فهذه هي الرحمة، وبذلك حقق هذا القاضي العدل والرحمة معًا، وهذا ما فعله قاضي القضاة ورب الأرباب.
وأيضًا مبدأ الفدية واضح في الإسلام، ففي سورة الصافات 107 يقول عن ابن إبراهيم "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" وفي تفسير البيضاوي "فَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ" ما يذبح بدله فيتم به الفعل. وفي سورة الكوثر 2 "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" وفي تفسير البيضاوي "الصلاة صلاة العيد والنحر هو التضحية والفدية".
وفي السيرة النبوية لابن هشام ج 4 ص 140 عن عائشة في حجة الوداع "فلما كان يوم النحر أُتيت بلحم بقر كثير فطرح في بيتي فقلت ما هذا؟ فقالوا ذبح رسول الله عن نسائه البقر.. " كما أن الإمام الغزالي يذكر الشروط الواجب توافرها في الذبيحة فتجدها مشابهة للشروط التي ذكرها سفر اللاويين (لا 22: 19-29).
ويقول الإمام الرازي في تفسير الآية "فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا" إذا كانت الطاعة العظمى هي الصوم والصلاة والتوبة والزهد فإنها لا تستر الخطية ولا تؤهلنا للوجود مع الله. وإننا بدعائنا كفِر عنا سيئاتنا لا نقصد أن يساعدنا المولى في العمل على تكفيرها بواسطة الأعمال الصالحة بل أن يتفضل بتكفيرها عنا".
ومبدأ الإنابة واضح في أحاديث البخاري حيث ينوب الإنسان عن المريض في أداء فريضة الحج، وينوب عن الميت في أداء فريضة الصوم.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:26 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
ومازال السؤال يلح: ما هو الدافع القوي الذي دعى الله للتجسد، أو ما هي حتمية التجسد الإلهي؟
ج : هناك أسباب عديدة لحتمية التجسد الإلهي نذكر منها الآتي:
أ - المحبة: الدافع القوي للتجسد هو المحبة " لأن المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها. إن أعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تُحتَقر احتقارًا" (نش 8: 6، 7) ويقول القديس أثناسيوس " لم يشأ رب المجد أن تبقى صورته (الإنسان) المجيدة ملطخة بالإثم وملوثة وفاسدة، فتحرك حنانه.. وتحرك قلبه.. وتحرك تدبيره ليخلص الإنسان ويرد اعتباره، ويرد له كرامته أو يرد له الصورة الأصلية التي خلقه عليها. فقد تجسد الله الكلمة.. وفي تجسده كل الحب، وما من حب أعظم من هذا أن يقبل الإله صورة الهوان، صورة التراب وهو رب المجد، الساكن في نور لا يُدنى منه، والنار الآكلة" (1).
وقد تجد إنسانًا عظيمًا في مركز مرموق يحترمه الناس وتنحني له الهامات، وإذ به ينحني لأسفل حتى تكاد رأسه تمس الأرض، وتتعجب ماذا يفعل هذا الرجل العظيم؟.. انه ينحني ليربط سيور حذاء طفل صغير قد يكون حفيده، فما الذي دفع هذا الرجل لهذا التنازل؟ انه الحب..

سأل الملك غير المؤمن وزيره المسيحي: تقولون أن الله تجسَّد وصُلب ومات، فما هو الدافع لهذا العمل الذي يرفضه العقل؟
الوزير: أسألك يا سيدي أن تمهلني عدة أيام وأجيبك على سؤالك، فوافقه الملك.
وفي يوم سار الملك مع وزيره في حديقة القصر، وإذ بالمربية تسير بعربة الأمير الصغير، وفجأة أعطى الوزير إشارة للمربية فدفعت العربة وما بها في بحيرة الماء الصناعية أمام عيني الملك، فماذا فعل الملك؟.. لقد ألقى بنفسه في الماء إلاَّ أنه وجد نفسه يحتضن تمثالًا كامل الشبه بابنه، وقبل أن يتملكه الغضب أسرع إليه الوزير قائلًا:
عفوًا سيدي الملك. سامحني لأني فعلت هذا، فأنا الذي صنعت التمثال وأوصيت المربية بإلقائه في البحيرة متى أشرت لها بذلك.. يا جلالة الملك عندما شعرت بأن ابنك يغرق في البحيرة لماذا لم ترسلني أو ترسل أحد الجنود لإنقاذه؟
الملك: لأنه أبني. أنت تعلم أنني إنسان شجاع ولا أهاب الموت، وأفدي أبني بحياتي وأنا راض ومسرور.
الوزير: وهكذا أيها الملك عندما رأى الله أولاده يهلكون بالموت الأبدي أخذ شكل إنسان وصُلب ومات وقام، وقهر الموت وأنقذنا منه، كمثل ملك وجد جنوده مقهورين أمام عدوهم في ساحة الوغي فارتدى زِيّ الجنود، وقاد الحرب وانتصر، وأهلك العدو القوي ووهبنا النصرة.
ب - انتزاع الموت: كما أن الموت دخل إلى أعماق حياة الإنسان كان لابد أن الحياة تدخل إلى الأعماق لتطرد الموت وتحيى الطبيعة التي فسدت بالموت فيقول البابا أثناسيوس الرسولي "لم يكن ممكنًا أن يحوّل الإنسان الفاسد إلى عدم فساد إلاَّ المخلص نفسه الذي خلق من البداية كل شيء من العدم، ولم يكن ممكنًا أن يعيد للبشر صورة الله ومثاله إلاَّ صورة الآب (الابن) ولم يكن ممكنًا أن يُعلّم البشر عن الآب ويقضي على عبادة الأوثان إلاَّ الكلمة الضابط الكل الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي" (تجسد الكلمة 20: 1).
وقال أيضًا " يجب أن نعلم أن الفساد الذي حصل لم يكن خارج الجسد بل لصق به، وكان مطلوبًا أن تلصق به الحياة عوض الفساد، حتى كما تمكن الموت من الجسد تتمكن منه الحياة أيضًا.
والآن لو كان الموت خارج الجسد لكان من اللائق أن تتصل به الحياة من الخارج
. أما وقد صار الموت ممتزجًا بالجسد وسائدًا عليه، كما لو كان متحدًا به، فكان مطلوبًا أن تمتزج الحياة أيضًا، حتى إذا ما لبس الجسد الحياة بدل الموت نُزع عنه الفساد.. لهذا السبب كان معقولًا جدًا أن يلبس المخلص جسدًا، حتى إذا ما اتحد الجسد بالحياة، لا يبقى في الموت كمائت، بل يقوم في عدم الموت أو لبس عدم الموت.." (تجسد الكلمة 44: 4-6).
وقال
البابا كيرلس الكبير "لو كان تجسد الكلمة وتأنسه أمرًا لابد منه لخلاص الذين على الأرض، فلو لم يكن قد وُلِد مثلنا بحسب الجسد، لما كان قد اشترك في الذي لنا، وبالتالي لما كان حرَّر طبيعة الإنسان من الوصمة التي أصابتها من آدم، وما كان قد طرد الفساد من أجسادنا" (ضد نسطور 1: 1) (1).
وقال أيضًا " لم يكن هناك وسيلة أخرى لزعزعة سلطان الموت إلاَّ فقط بتجسد الابن الوحيد. الذي اقتنى لنفسه جسدًا قابلًا للفساد (للموت).. لكي يستطيع بكونه هو نفسه الحياة أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الحياة" ( المسيح واحد 75: 1352)(2).
ويقول البابا كيرلس الكبير أيضًا "كيف كان يمكن للإنسان الذي تحت سلطان الموت أن يستعيد الخلود، كان لابد أن يدخل جسده الميت في شركة قوة الله المحيية. أما قوة الله المحيّية فهي اللوغوس (الكلمة) وحيد الآب" (تفسير لوقا 22: 19)(3).
3- الاتحاد بالله: لم يكن الهدف من التجسد رفع الخطية فقط بل اتحاد الله بالإنسان فيقول البابا أثناسيوس الرسولي لأن الاتحاد المطلوب هو أن الكلمة المتجسد يصنع اتحادًا بين ما هو إنسان بطبيعته وبين ما هو إله بطبيعته" (ضد الأريوسيين 2: 81).
ويقول البابا كيرلس الكبير أن مبادرة الصلح جاءت من الله لكيما يتحد بالإنسان "إن الطبيعة الإنسانية أُسرت وصارت في قبضة الموت وساد عليها الفساد لذلك فمن الضروري لكي تقوم علاقة جديدة لا يهدها الفساد أن يتم لقاء بين الله والإنسان، تجد فيه جميع المشاكل القائمة بين الاثنين حلها النهائي والأخير، فكان الحل الإلهي -لأن المبادرة بيد الصالح وحده- أن يأخذ لنفسه جسدًا من هذه الطبيعة الفاسدة ويجعله واحدًا مع لاهوته في اتحاد لا انفصال فيه أو اختلاط مثل اتحاد النار بالحديد" (4).
4- تلاقي العدل الإلهي مع الرحمة الإلهية: فعندما تحدُث مشكلة بين شخصين ويتدخل شخص ثالث لفض النزاع يجب أن يكون هذا الوسيط من نفس مستوى الطرفين المتنازعين، وليس أقل منهما لئلا يُحتَقر، وليس أعلى منهما لئلا يستغل سلطته فيحل النزاع ظاهريًا فقط، وأيضًا يجب أن يكون الوسيط محبوبًا من الطرفين، ومحل ثقة منهما ملتزمًا بتعهداته أمامهما، وإذا تأملنا ما حدث في التجسد والفداء نجد السيد المسيح هو الذي حلَّ النزاع بين الله والإنسان، وحقق أمنية أيوب عندما قال بأسى " ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أي 9: 33).
وإن كان التسامح والعفو والمغفرة ضد عدل الله الكامل، وموت الإنسان ضد رحمة الله الكاملة، والله لا يمكن أن يتنازل عن عدله ولا عن رحمته، وهذا ما يمثل مشكلة صعبة وعويصة، ومن يقدر على حلها إلاَّ الله القادر على كل شيء؟‍ ‍ وفعلًا قام بحلها عن طريق تجسده المنيف فالتقى العدل مع الرحمة في شخص الفادي الكريم.
وما أجمل تشبيه نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام عندما شبه سقوط آدم بالمصباح الذي انقطع عنه التيار الكهربائي، فلا توجد أية وسيلة أخرى لعودة الإنارة للمصباح إلاَّ بعودة نفس التيار الكهربائي له، وأي تيار آخر أو أي فولت آخر لن ينجح في إعادة الإنارة، وهكذا الإنسان لكيما يعود إلى حالته الأولى المنيرة لا يصلح أن يُعيده نبي ولا ملاك بل لابد أن يتولى الخالق نفسه إعادة خلقته التي فسدت، وأيضًا عملية توصيل التيار الكهربائي للمصباح تشبه عملية التجسد التي فيها اتحد اللاهوت (الكهرباء) بالناسوت (المصباح) فأضاء لنا المسيح نور العالم طريق الملكوت.


تذكر
+ الله لم يكن محتاجًا للإنسان ليعبده. إنما خلق الله الإنسان من فرط جوده ومحبته.. الله يعلم بسابق علمه إن الإنسان سيسقط بغواية إبليس ولذلك دبَّر له أمر الخلص منذ الأزل.

+ الوصية لم تكن سببًا لسقوط الإنسان. إنما سقط الإنسان بسبب غواية
الحية وشكه في كلام الله، والموت كان نتيجة طبيعية لمخالفة الوصية.

+ كان سقوط آدم سقوط للبشرية جمعاء مثل شجرة التفاح اللذيذة التي أصابها عطب فكل ثمارها وبذارها أصبحت تحمل الفساد.. حتى الأنبياء كانت لهم أخطائهم.

+ إن سأل أحد: وما ذنبي أنا في خطية
آدم؟ يرد عليه القديس أغسطينوس: وأي فضل لك في خلاص المسيح؟

+ من نتائج سقوط
آدم الموت الروحي الأبدي، والموت الجسدي، والموت الأدبي، والعقوبات التي حلت بالإنسان والحية، وتسلط الشيطان، وفساد الطبيعة البشرية.

+ لم يكن هناك بديلًا للتجسد فمثلًا:

- فناء
الإنسان وخلقة إنسان جديد لا تحل القضية.

- خلاص الله للإنسان بالقوة يتعارض مع عدل الله، ومع حرية الإنسان.

- ترك الإنسان لمصيره المشئوم يتعارض مع صلاح الله، ومحبته، ورحمته، وكرامته، وحكمته.

- الصفح عن خطية
الإنسان يتعارض مع العدل الإلهي.

- التوبة توقف فعل
الخطية، ولكنها لا تحل مشكلة الخطية التي تمت، ولا تلغي العقوبة إنما تنقلها من التائب إلى الفدية.
  1. الحسنات لا يذهبن السيئات لأن الأعمال الصالحة واجب على الإنسان وليس تفضل منه.
  2. من صفات الفادي أن يكون:
أ- إنسان.
ب- بلا خطية.
ج- يُقدم نفسه بإرادته.
د- يكون قابلًا للموت.
هـ- أقوى من الموت.
و- غير محدود.
وهذه الشروط لا تتوفر في الذبائح الحيوانية، ولا في نبي ولا رئيس أنبياء، ولا في ملاك ولا رئيس ملائكة. لكن الله بغير إستحالة تجسد وتأنس وفيه أكتملت صفات الفادي.
+ مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية، ومع العقل والمنطق.

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:43 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
من هو السيد المسيح؟

لقد أجهدنا أنفسنا في الدرس السابق كثيرًا ونحن نبحث عن أية وسيلة لنجاتنا، ولكننا نعلن فشلنا الذريع، ونعترف بالفم المليان انه لا طريق لخلاصنا سوى تجسدك يا إلهنا الحي وموتك المحي على خشبة العار.. لقد دست المعصرة وحدك ومن الشعوب لم يكن معك أحد.. هذا ما حدث، فيالفرحة الإنسان. يالفرحة الإنسان ليس بخلاصه فقط بل بمحبة الله التي دفعته للتجسد.. تجسد وتأنس وصار إنسانًا مثلنا يحمل جسدًا من نفس عجينتنا البشرية، لقد سمعت بأذناي أبينا الحبيب القمص بيشوي كامل في أحدى عظاته عن التجسد وهو يتأمل في الكاهن وهو قائم يصلي أمام المذبح " تجسد وتأنس وشابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها " ويحس بأن الله صار إنسانًا مثلنا من أجلنا، فلا يسعه إلاَّ أن يرقص فرحًا أمام المذبح.
فتعالى يا صديقي نقترب بخشوع، ونميل لننظر هذا المنظر العجيب.. عليقة خضراء مشتعلة بالنيران الإلهية ولا تحترق!! طفل رضيع مقمَّط بالخرق في مزود هو هو الله المهوب المرهوب الذي تسبحه الملائكة وتسجد له كل الطغمات السمائية.. يالهذا السر الذي يفوق الأذهان والإدراك.. يا ليتك يا صاحب السر تكشف لنا ولو قليلًا قليلًا عن ذاك السر العظيم.. سر التقوى والخلاص والنجاة والحياة الأبدية السعيدة.
وفي هذا الدرس نتعرض لأهم البدع والهرطقات التي ثارت بشأن طبيعتي المسيح، مثل الأريوسية التي طعنت في ألوهية المسيح، والغنوسية والمانوية اللتان طعنتا في ناسوت المسيح ونستعرض أفكار عينات من الهراطقة مثل ماركيون وفالنتينس وماني وبولس الساموساطي، ونتعرف أيضًا على بدعة أوطاخي الموجهة ضد ناسوت المسيح أيضًا. ثم نختتم هذا الدرس بسؤال هام وهو: هل جسد المسيح مخلوق؟


Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:44 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
ما معنى أن الله تجسد وتأنس؟ ولماذا يجب أن نؤمن بعقيدة التجسد؟

ج: معنى أن الله تجسد أي الله الغير منظور اتخذ له جسدًا بشريًا من نفس طبيعتنا البشرية، ومعنى أن الله تأنس أن الله الغير منظور صار إنسانًا مثلنا وشابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها.. الله الغير منظور أصبح منظورًا في شخص الرب يسوع الذي حلّ بيننا، وقال الإنجيل " والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقًا" ( يو 1: 14) وعندما حلَّ بيننا تعاملنا معه معاملة محسوسة، وشهد بهذا يوحنا الحبيب " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو 1: 1) إن الله تنازل إلى مستوى الحس والإدراك وحلَّ بيننا بصورة منظورة مرئية وكشف عن أسرار الألوهية لأن " الله لم يرهُ أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو 1: 18).
والحقيقة أن كلمة تجسَّد تعني أنه تأنس أيضًا، فهي من قبيل إطلاق الجزء (الجسد) على الكل (الإنسان) ويقول القديس كيرلس الكبير " نحن نقرُّ بابن واحد، مسيح واحد، ورب واحد، لأن الكلمة صار جسدًا، وإذا قلنا صار جسدًا فإنما صار إنسانًا" (1).
وعقيدة التجسد في منتهى الأهمية، فبناء على إيماننا الصحيح بالتجسد يتوقف أمر خلاصنا؟.. لماذا؟.. لأن السيد المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، فيقول القديس كيرلس الكبير " فهو (المسيح) يعتبر واحد من اثنين، فهو ابن واحد، قد اجتمعت إليه واتحدت فيه، في شخصه الواحد بطريقة لا تُوصف ولا تُفحص الطبيعتان الإلهية والبشرية لتكوّنا وحدة واحدة بطريقة لا يمكن تصوُّرها، فلهذا السبب أيضًا يعتبر هو الوسيط بين الله والناس، لأنه قد جمع ووحَّد داخل نفسه الشيئين اللذين كانا متباعدين جدًا إحداهما عن الآخر، واللذين كان يفصل بينهما هوة عظيمة، أعني اللاهوت والناسوت، فقد أظهرهما مجتمعين ومتحدين في نفسه، وبذلك ربطنا بواسطة نفسه مع الله أبيه" (في الثالوث 1) (1).
وقال القديس كيرلس الأورشليمي انه لا خلاص لنا إن كنا لا نعترف بأن اللاهوت اتحد بالناسوت " فلو كان المسيح هو الله -كما هو كذلك حقًا- دون أن يأخذ لنفسه طبيعة بشرية فإننا نصير غرباء عن الخلاص.. ولا خلاص لنا بالمرة إن كنا نرفض الاعتراف بأن اللاهوت فيه متحد بالناسوت" (مقال 12 للموعوظين) (2).
كما قال القديس أثناسيوس الرسولي "طبيعة واحدة الآن وأقنوم واحد يجب أن يُقال، ونعترف به، الله الكلمة صار جسدًا وصار إنسانًا، ومن لا يقول هكذا فإنه يُعاند الله ويحارب الآباء القديسين" (3) وقال أيضًا "إن كان واحدًا لا يؤمن بالمولود في بيت لحم من مريم العذراء القديسة، انه الله الكلمة تجسد، فليكن محرومًا من فمنا آمين" (4).

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:49 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
من هو السيد المسيح؟ وما هي أهم البدع والهرطقات التي ثارت بشأنه؟
ج : السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد "عظيم هو سرُّ التقوى الله ظهر في الجسد" (1 تي 3: 16).. هو الله الكلمة الكائن منذ الأزل مع أبيه الصالح والروح القدس، وفي ملء الزمان منذ نحو ألفي عام وُلِد من العذراء الطاهرة مريم، فاتخذ منها جسدًا بشريًا من لحمها ودمها.. السيد المسيح هو إله كامل من جهة اللاهوت، وإنسان كامل من جهة الناسوت في وحدة عجيبة، فهو طبيعة واحدة من طبيعتين مختلفتين

Mary Naeem 28 - 06 - 2014 03:50 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الطبيعة اللاهوتية للمسيح

أولا - الطبيعة اللاهوتية:
أي جوهر اللاهوت الذي قال عنه الإنجيل " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان.. فيه كانت الحياة" (يو 1: 1-3) فهو الابن الكائن منذ الأزل خالق كل شيء، وعندما تجسد في ملء الزمان لم يتخلَ عن ألوهيته ولم يُنتقص شيئًا من مجده بل ظل إلهًا في كمال مجده، فقد أخفى مجده "لم يزل إلهًا، أتى وصار ابن بشر، لكنه هو الإله الحقيقي، أتى وخلصنا" (ثيؤطوكية الخميس) حقًا انه تخلى عن مظاهر مجده خلال فترة التجسد " إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس" (في 2: 6، 7) فهو الغني المساوي للآب ظهر في صورة الفقير من أجلنا " فأنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح انه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو 8: 9) وهو القوي الذي ظهر في صورة الضعف وصنع بالضعف ما هو أعظم من القوة.
أما بالنسبة للبدع التي ثارت بشأن الطبيعة الإلهية، فأخطرها يتمثل في الأريوسية، فقد أخطأ أريوس القس السكندري في تفسير بعض آيات الكتاب المقدس التي تتناول جانب الناسوت في السيد المسيح، وتتكلم عن السيد المسيح في حالة تجسده وإخلائه مثل قول رب المجد "أبي أعظم مني" (يو 14: 28) "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلاَّ الآب" (مر 13: 32) والآيات التي تتكلم عن جوع وعطش وألم وموت السيد المسيح، ولذلك اعتقد بأن الآب أعظم من الابن، وتجرأ على القول بأن الآب خلق الابن، وبه خَلَقَ كل شيء، فتصدى له أباء الإسكندرية بداية من البابا بطرس خاتم الشهداء الذي حرمه وأوصى تلميذيه ارشيلاوس والكسندروس بعدم قبوله، وعُقِد بسببه مجمع نيقية سنة 325 م بدعوة من الإمبراطور قسطنطين، فوضع المجمع قانون الإيمان الذي يعلن مساواة الابن من الآب "نعم نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر.. " وطال الصراع مع الأريوسية بقيادة القديس أثناسيوس الرسولي الذي تحمَّل آلام النفي عدة مرات بسبب مؤامرات الأريوسيين ودسائسهم، والأمر العجيب أن هذه البدعة لم تنتهي لأنها ظهرت في أديان أخرى، وفي هذه الأيام تظهر في شهود يهوه (راجع كتابنا: البدع والهرطقات في الخمس قرون الأولى، وكتابنا: شهود يهوه.. هوة الهلاك، وكتابنا: ألوهية المسيح.. من يخفي الشمس؟) وعمومًا إن شاءت نعمة الله وعشنا فسيكون موضوع ألوهية السيد المسيح موضوع الكتاب الثالث من سلسلة الدراسات هذه.

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 01:57 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الطبيعة الناسوتية للمسيح

ثانيًا - الطبيعة الناسوتية
يتكون ناسوت السيد المسيح له المجد من جسد بشري كامل وروح بشرية ناطقة، فاللاهوت لم يحل محل الروح البشرية الناطقة، والجسد البشري هو جسد حقيقي من لحم وعظام مثلنا قابل للجوع والعطش، وخاضع للتعب، ويحتاج للراحة، ويشعر بالآلام الجسدية والنفسية، ويمكنه أن يموت بانفصال الروح البشرية عنه، فهو ليس جسدًا خياليًا كما قال أوطاخي ولكنه جسد حقيقي، وهذا الجسد لم ينزل من السماء كقول الغنوسيين والدوسيتيين والمانويين من أمثالى فلنتينس وماركيون وبولس الساموساطي وماني الذين ينظرون للمادة على أنها شر ونجاسة، ولذلك أنكروا حقيقة التجسد، وقالوا أن السيد المسيح لم يتخذ له جسدًا حقيقيًا من أحشاء العذراء مريم إنما مرَّ بها مرور النور من الأجسام الشفافة، وقد تصدت الكنيسة لكل هؤلاء وحرمتهم، والآن دعنا يا صديقي نتعرض لبعض هذه البدع التي ثارت سواء بالنسبة للروح البشرية للسيد المسيح، أو بالنسبة للجسد المقدس.

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 01:59 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
البدع التي ثارت بشأن الروح أو النفس البشرية الخاصة بالسيد المسيح

البدع التي ثارت بشأن الروح أو النفس البشرية الخاصة بالسيد المسيح: وأهم هذه البدع هي:
  1. بدعة أبوليناريوس
  2. الغنوسية والمانوية
  3. الدوسيتية
  4. ماركيون
  5. فالنينوس
  6. ماني
  7. بولس الساموساطي
  8. الأوطاخية

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:00 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
بدعة أبوليناريوس
بدعة أبوليناريوس: كان والده ناظرًا لمدرسة بيرتيوس ثم أصبح قسًا في اللاذقية، وساعد أبوليناريوس والده في تأليف بعض الكتب للرد على يوليانوس الجاحد وأريوس الهرطوقي وغيرهما، وكان ابوليناريوس من أشد المقاومين للأريوسية، وقد صار أسقفًا لللاذيقية. أدعى ابوليناريوس أن لاهوت اللوغوس حلَّ محل الروح البشرية.. لماذا؟ لأن الأريوسيين قالوا بأنه كان هناك إمكانية للسيد المسيح لاختيار الخير أو الشر، وبما أن المسئول عن هذا الاختيار هو الروح الناطقة العاقلة. أما الجسد فهو أداة تحركه النفس العاقلة مثل قطعة الشطرنج، فلذلك أنكر ابوليناريوس وجود هذه الروح البشرية في السيد المسيح ليؤكد أن اللاهوت هو المسئول الأول والأخير في سلوك السيد المسيح، وبالتالي يرد أبوليناريوس على أريوس الذي نادى بإمكانية التغيُّر الأخلاقي للسيد المسيح (راجع محاضرة نيافة الأنبا غريغوريوس المتنيح أسقف البحث العلمي عن بدعة ابوليناريوس) وهكذا نرى أن أبوليناريوس راح ضحية أريوس، وتيودور الطرسوسي راح ضحية تطرفه في الرد على أبوليناريوس، وأوطاخي راح ضحية نسطور، ونسطور كان ضحية تطرفه في الرد على ماني، والبروتستانتية ضحية الكاثوليكية، وهذا يدعونا للحذر عند الرد على البدع والهرطقات، والحذر الشديد من التطرف في رد الفعل.

وقد اعتمد ابوليناريوس في بدعته هذه على قول الإنجيل "والكلمة صار جسدًا" و"الله ظهر في الجسد" فأوضح له القديس غريغوريوس النزنيزي في الرسالة 101 بأن معنى الجسد هنا هو الطبيعة البشرية كاملة، وذلك من قبل إطلاق الجزء على الكل، وقد تجاهل أبوليناريوس قول السيد المسيح "وأنا أضع نفسي عن خرافي.. أضع نفسي لآخذها أيضًا.. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 15-18) "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 28) وقول الإنجيل "ونكس رأسه وأسلم الروح" (يو 19: 30).
ولكن ما هي خطورة بدعة ابوليناريوس؟
تكمن خطورة هذه البدعة في الآتي:
أ - أن السيد المسيح ليس إنسانًا كاملًا لكنه مجرد جسد فقط لا غير.
ب- الفداء الذي صنعه السيد المسيح ليس كاملًا، وعلى حد تعبير القديس أثناسيوس بأن السيد المسيح لم يُخلّص من الإنسان إلاَّ بمقدار ما أخذ من الإنسان، فلو أخذ جسدًا بدون نفس بشرية فهو يخلص أجسادنا دون أرواحنا، وعلى حد تعبير القديس غريغوريوس النزينزي "ما لم يتحد به الرب عندما تجسد هو ما بقى بدون شفاء. أما ما أتحد بألوهيته فقد خلص" وبالتالي فإن فداء السيد المسيح يكون فداءًا ناقصًا وغير كامل.
ج- في ضوء بدعة ابوليناريوس يكون اللاهوت انفصل عن الناسوت (الجسد البشري) على الصليب، والحقيقة التي نؤكد عليها دائمًا أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.
ولذلك عُقِد مجمعًا في الإسكندرية سنة 362 م. وحكم على تعاليم أبوليناريوس بالهرطقة، وفي سنة 363 م. كتب القديس أثناسيوس كتابين ضد ابوليناريوس، وعُقِد مجمع آخر في روما بواسطة أسقفها داماسوس سنة 377-378 م.، وجاء الحكم النهائي على ابوليناريوس الذي لم يرتدع في مجمع القسطنطينية سنة 381 م. وهو المجمع المسكوني الثاني.

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:02 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
رد الآباء على أبوليناريوس
أ - أغناطيوس الأنطاكي: وهو تلميذ بطرس الرسول، وقد قال " يقولون عنه (عن المسيح) أنه جسد بلا نفس، ويقولون أن اللاهوت هي نفسه، فهل ترى خرجت منه اللاهوتية ومات بالجسد بالجملة؟؟ فليفتضح الآن من يقول هذا الكفر هكذا، وليسمعوا قول الرب أن نفسي حزينة حتى الموت" (1).
ب - أثناسيوس الرسولي: قال "وأتى إلينا الله الكلمة الذي هو بلا جسد، وتنازل وأخذ جسدًا من العذراء القديسة مريم. جسد تام بنفس وعقل، ووُلِد منها ولادة بشرية وبالأكثر فوق الطبيعة" (2). وقال أيضًا "أن الشخص لا يمكن أن يُخلّص غيره إذ كان مختلفًا عنه في جوهره، فالرب لكي يخلصنا بذل جسده من أجل أجسادنا ونفسه من أجل نفوسنا (المقال الأول ضد ابوليناريوس 17) وذلك انه عندما ساد الفساد على جسد الإنسان قدم الرب جسده، وعندما سيطر الموت على النفس وربطها، قدم نفسه، فاستطاع الذي لا يقدر الموت أن يمسكه أن يفك رباطات الموت عن الإنسان بحكم انه الإله الذي صار إنسانًا" (3). كما قال "أعطى (السيد المسيح) جسده من أجل أجسادنا، ونفسه من أجل نفوسنا، وكان هذا فداءًا كاملًا للإنسان كله.. عندما صرخ بصوت عال {وأحنى رأسه وأسلم الروح} (مت 27: 50) أعلن بذلك عما في داخل جسده، أي نفسه الإنسانية التي قال عنها في مناسبة أخرى "أنا أضعها عن خرافي" (يو 10: 15) ولا يمكن أن يُفهَم تدبير الصليب بشكل سليم لمن يفهم انه عندما لفظ أنفاسه كان هو بمثابة مفارقة اللاهوت له، وإنما كان خروج نفسه فقط، ولو كان الموت أي موت الجسد كما يقولون هو مفارقة اللاهوت لجسده، لكان هذا موتًا خاصًا به فقط وليس الموت الذي يخصنا نحن.. وفي هذا الحال علينا أن نسأل أين النفس الإنسانية التي وعد الرب بها بأن يضعها عن خرافه؟.. أما إذا كان موته هو خروج نفسه منه فإننا في هذه الحالة يمكن أن نقول انه مات الموت الذي يخصنا نحن {النفس التي تخطئ تموت} (حز 18: 4) من أجل ذلك أسلم المسيح نفسه عوضًا عن كل نفس، وقدم نفسه فدية عن الكل" (1).

ج - داماسيوس أسقف روما: الذي عقد مجمعًا وحرم أبوليناريوس قال "يلزم أن نعترف بأن (أقنوم) الحكمة ذاته، الكلمة، ابن الله اتخذ جسدًا ونفسًا وعقلًا بشريين، أعني آدم كله، وبعبارة أوضح كل إنساننا العتيق ماعدا الخطية" (2). وقال أيضًا "فمن قال أن الكلمة قد حلَّ في جسد المخلص محل العقل الإنساني فالكنيسة الجامعة تحرمه" (3).
كما قال " فإذا كان الإنسان الناقص هو الذي اتخذه (الكلمة) فتكون عطية الله ناقصة، وخلاصنا ناقصًا، لم يخلص الإنسان كله، ولا تتم كلمة الرب: إن ابن الإنسان قد أتى ليخلص ما قد هلك تمامًا، أعني في النفس، وفي الجسد، وفي العقل، وفي كل جوهر طبيعته.. فنحن إذًا الذين نعلم أننا قد نلنا الخلاص كاملًا وبالتمام نقر حسب إقرار الكنيسة الجامعة أن الله كاملًا اتخذ الإنسان كاملًا" (4).
د - مطوليفن أسقف روما: قال "لما اتخذ (الله) جسدًا لم يتخذه بلا نفس، بل له نفس عاقلة ناطقة وظهر إنسانًا" (5)
ه - أنطاليس أسقف روما: قال "الذي يقول على السيد ربنا ومخلصنا المولود من الروح القدس ومن مريم العذراء القديسة بالجسد، أن جسده بلا نفس أو هو بسيط أو غير ناطق، فليكن محرومًا" (1).
و - غريغوريوس النزينزي: قال "ما لم يتحد به الرب عندما تجسد هو ما بقى بدون شفاء. أما ما اتحد بألوهيته فقد خلص. إذا كان نصف كيان آدم فقط (أي الجسد) قد سقط فان ما اتحد به الرب هو نصف آدم وبالتالي خلص هذا النصف.. فإذا كان الرب قد اتحد بما هو وضيع (أي الجسد) لكي يقدّسه، فهل لا يتحد بما هو سامي (أي النفس)؟ ‍.. لقد سقط آدم بعقله أولًا ولذلك كان على المسيح أن يأخذ عقلًا إنسانيًا لكي يقدّس العقل الإنساني" (2)؟
ز - البابا تيموثاوس رقم (22): قال بأن الله لو اتحد بالجسد الحيواني دون النفس فهو لم يخلص البشر، والبابا تيموثاوس هو الذي ترأس مجمع القسطنطينية الذي حكم على أبوليناريوس بالحرم.
ح- البابا ثيؤفيلس رقم (23): قال في رسالته الفصحية السابعة عشر سنة 402 م. "لم يكن المسيح جسدًا بدون نفس، وإن الله الكلمة لم يحل فيه (أي في المسيح) محل النفس العاقلة كما يتخيل ذلك أتباع ابوليناريوس في أحلامهم" (3).
ط - البابا كيرلس رقم (24): قال "أننا لا نقبل رأي الذين يظنون أن هذا الهيكل الإلهي المولود من القديسة العذراء، والذي حمله الله الكلمة كان خلوًا من نفس عاقلة، ولكن كما كان كاملًا في لاهوته كذلك كان كاملًا في ناسوته" (4) وقال في الرسالة رقم 39 "نعترف أن ربنا يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، هو إله كامل وإنسان كامل ذو نفس عاقلة وجسم" (1).
وقال أيضًا " كيف صار شبهنا؟! ذلك لما أخذ جسدًا من العذراء القديسة، وليس هو جسدًا بغير نفس كما ظن بعض الهراطقة، بل بالأفضل له نفس وهي ناطقة" (2).
ك - البابا ديسقورس رقم (25): كتب في رسالة من منفاه إلى سافوندينا يقول "لا يقولن أحد أن الجسد المقدس الذي أخذه ربنا من العذراء هو غريب عن جسدنا.. انه لم يأخذ بعض كياننا، بل أخذه كله بكل ما فيه، وخلاصة القول: أن كل كياننا أخذه ربنا بما فيه النفس. انه الجسد المولود من العذراء بنفس ناطقة عاقلة.. فقد صار مثلنا من أجلنا، وظهر لنا ليس خيالًا أو ظنًا، كما يدعي أصحاب ماني. بل وُلِد حقيقة من مريم والدة الإله، لكي يحيينا رحمة بنا، ويصلح الإناء الذي تحطم فينا ويجدده" (3).
ل - مازال قانون الإيمان الأرمني والذي يستخدم للآن يفضح البدعة الأبوليناريوسية، فيقولون "نزل من السماء وتجسد، وتأنس، ووُلِد من العذراء القديسة مريم بالروح القدس كاملًا. فقد اتخذ جسدًا ونفسًا وعقلًا وكل ما في الإنسان (أو كل ما يكون الإنسان ) بالحقيقة وليس ظاهرًا.. وصعد إلى السماء بذات الجسد، وجلس عن يمين الآب وسيأتي بذات الجسد" (محاضرة نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي عن ابوليناريوس ص 7).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:04 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الغنوسية | المانوية | الدوسيتية
2- البدع التي ثارت بشأن جسد المسيح : وتتمثل هذه البدع في الادعاء بأن جسد المسيح نزل من السماء فهو منَّزه عن المادة، أو أنه جسد خيالي هيولي، أو انه ذاب وتلاشى في الطبيعة الإلهية، والآن نعرض باختصار شديد أهم هذه البدع:
أولًا - الغنوسية والمانوية: ليست الغنوسية مذهبًا واحدًا ، ولكنها مذاهب شتى تجمع بين المسيحية واليهودية والوثنية والأفكار الفلسفية الهيلينية، ولكن جميع هذه المذاهب تنظر للمادة على أنها شر ونجاسة وخطية، والإله العظيم منزَّه عن الاتصال بالمادة، لذلك فهو لم يخلق العالم إنما صدر منه آلهة أخرى، وأكثر هذه الآلهة بعدًا عنه هو الإله الذي اتصل بالمادة وخلق العالم، واعتقدوا أن الأرواح كانت موجودة في عالم سماوي منير ولكنها سقطت فجأة إلى الأرض وأصبحت سجينة الجسد المادي، وتحتاج إلى من يخلصها، والخلاص يأتي عن طريق المعرفة، فغنوسيس gnosis أي معرفة، والغنوسيون هم أصحاب المعرفة (راجع كتابنا تفسير رسالة كولوسي ص 13، 14، 19) وبالمعرفة يعرف الإنسان أصوله، ويعرف من هو، ويعرف كيف يخلص.
وعندما دخل بعض الغنوسيين إلى المسيحية وقف أمامهم التجسد حجر عثرة، إذ كيف يتحد اللاهوت المنزَّه عن المادة بالجسد المادي، ولذلك ادّعوا بأن جسد المسيح ليس هو جسدًا ماديًا إنما نزل من السماء، وبذلك أنكروا التجسد، وفصلوا السيد المسيح عن بشريته، وابعدوا الله عن الاتصال بالعالم.

وظهرت الدوسيتية Decestiom كإحدى الطوائف الغنوسية وهي مشتقة من كلمة Dekeo أي يظهر، فادَّعوا أن جسد المسيح ليس جسدًا حقيقيًا ولكنه ظهر مثل جسد حقيقي له لحم وعظم، وظهر كأنه يجوع ويعطش ويشعر بالألم والحزن، ولكن في الحقيقة -بحسب تصورهم- هو مجرد خداع، وانه جسد شبحي مؤقت. وانتشرت الغنوسية في سائر الأقطار، وفي عام 1945 تم اكتشاف مكتبة غنوسية زاخرة في نجع حمادي تشمل 51 مخطوطًا منها إنجيل الحقيقة، وإنجيل توما، وإنجيل فيلبس، والقيامة. (راجع تاريخ الكنيسة ج 1 0 جون لوريمر ص 102، وموسوعة آباء الكنيسة ج 1 ص 255).
ولأن جذور هذه البدعة الغنوسية بدأت مبكرًا في الكنيسة ولذلك نجد الآباء الرسل قد تصدوا لها بقوة، فمعلمنا بولس الرسول يؤكد أن كل الأشياء هي من الله الآب بما فيها المادة فيقول " لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له" (1كو 8: 5) واستخدمت الكنيسة المادة في الأسرار المقدسة، فاستخدمت الماء في سر المعمودية، والزيت في أسرار الميرون ومسحة المرضى والزيجة، وعصير الكرم والحنطة في سر الافخارستيا، وتصلي الكنيسة من أجل الأمور الروحية والمادية أيضًا. وعندما انتشرت بعض الأفكار الغنوسية في كنيسة كولوسي ركز بولس الرسول في رسالته إليهم على كل من الطبيعة الإلهية والناسوتية للسيد المسيح فأكد على حقيقة اللاهوت عندما قال عن المسيح أنه هو صورة الله غير المنظور (كو 1: 15) وهو مذخَّر فيه كل كنوز الحكمة والعلم (كو 2: 3) وفيه حلَّ كل ملء اللاهوت جسديًا (كو 2: 9) كما ركز أيضًا على حقيقية الناسوت بقوله "بدم صليبه" (كو 1: 20) و"جسم بشريته" (كو 1: 22) أما يوحنا الحبيب فقد أكد على حقيقة التجسد حتى أنه قال " والكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) وذكر لمس توما لجسد المسيح بعد القيامة (يو 22: 27) وقال عن السيد المسيح "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو 1: 1) وأكد أن كل من ينكر التجسد فهو ليس من الله " كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح جسد المسيح" (1 يو 4: 2، 3) وأشار للغنوسيين قائلًا "لأنه قد دخل إلى العالم مضلُّون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتيًا في الجسد. هذا هو المضل والضد للمسيح" (2يو 7) (راجع تاريخ الفكر المسيحي ج 1 ص 396-406، ص 473 - 489).
أما المانوية فإنها تعد الشكل الأخير للغنوسية، والأشد خطورة، ونادى ماني بثنائية تتكون من عالم النور وعلى رأسه الإله الطيب مع ملائكته، وعالم الظلمة والمادة على رأسه القوى الوحشية التي لا يمكن السيطرة عليها أي إبليس، والإنسان نفسه جزء من عالم الظلمة وجسمه جزء من المادة الشريرة، وأدعى أن المسيح هو ابن الإنسان الأول، وهو روح الشمس لأنه يسكن في الشمس بقوته وفي القمر بحكمته ( راجع موسوعة أباء الكنيسة ص 255-257).
ورد البابا أثناسيوس على المانويين قائلًا "الذي يقول أن جسد الرب نزل من السماء وليس هو من مريم العذراء، أو أنه استحال اللاهوت إلى الناسوت، أو اختلط معه أو تغير، أو أن لاهوت الابن تألم، أو أن الجسد الذي للرب غير مسجود له كأنه جسد إنسان فقط، ولا يقول أنه مسجود له لأنه جسد الرب الإله، فهذا الكنيسة المقدسة تحرمه" (1).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:04 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
ماركيون
والآن دعنا يا صديقي نأخذ بعض العينات من أصحاب هذه المذاهب وهم ماركيون، وفالنتينوس، وماني، وبولس الساموساطي.
ماركيون Markion: وُلِد في مدينة سينوب على شاطئ البحر الأسود شمال تركيا نحو سنة 120 م.، وكان أبوه أسقفًا على المدينة، فتربى ماركيون داخل أسرة مسيحية، وكان شعلة من الذكاء، بالإضافة إلى محبته للزهد والتقشف وحياة التأمل. كما انه عمل في التجارة وكان له عدة سفن تعمل في مجال النقل فكون ثروة ضخمة، ولكن بسبب انحرافه عن الإيمان القويم اختلف معه أبوه الأسقف وحرمه من الاشتراك معه في الصلاة، فذهب إلى مدينة روما سنة 140 م.، وهناك زاول نشاطه، وتبرع بمبلغ كبير للكنيسة، ولكن عندما شك المؤمنون في صحة إيمانه طلبوا منه إقرارًا مكتوبًا بالإيمان، فاكتشفوا ضلاله وحرموه، وردوا له ما تبرع به من مال (نحو عشرة آلاف دولار) سنة 144 م.

تأثر ماركيون بالغنوسية بسبب تردده على مدرسة سردون الغنوسي السرياني في روما، ولكنه لم يكن غنوسيًا فلم يؤمن بالانبثاقات والأساطير والملء والبليروما (مسكن أو ملء اللاهوت) والايونات (الأشخاص السمائيون الخالدون) تلك الأمور التي يركز عليها الغنوسيون، وبينما نادى الغنوسيون بأن الخلاص ليس للكل بل لأصحاب المعرفة فقط نادى هو بأن الخلاص للكل، ولم يشغل ماركيون فكره بمشكلة الخير والشر والمادة، ولكن ما شغل فكره هو الفرق الشاسع من وجهة نظره بين إله يسوع المسيح، وإله العهد القديم، وبذلك ظهرت الثنائية في فكر ماركيون في الإله العظيم السامي الذي لا يعرفه أحد من العالم، لأنه لم يخلق العالم ولا صلة له بالعالم. إنما ظهر فجأة في كفر ناحوم في شكل المسيح، وإن عملية التجسد لم تتم بالولادة من بطن العذراء إنما تمت في وقت العماد. أما الإله الثاني فليس هو الإله الشرير لكنه الإله العادل القاسي سريع الغضب إله اليهود، وهو الذي أثار شعبه على المسيح فقتلوه، ولذلك رفض ماركيون أسفار العهد القديم، وأيضًا حذف معظم العهد الجديد مثل بشارتي مرقس ويوحنا، وكل ما يتصل بالعقائد اليهودية في إنجيل لوقا، وحذف أيضًا الرسائل الرعوية، وألف كتابًا دعاه "المتناقضات" أودع فيه كل اعتراضاته على العهد القديم، وقال إن تعاليمه الشخصية جديرة بالثقة أكثر من تعاليم الرسل أنفسهم، ولا خلاص خارج كنيسته (راجع موسوعة آباء الكنيسة ج 1 ص 250-251). وبعد حرم ماركيون استخدم إمكانياته العقلية والمالية في نشر تعاليمه وأفكاره، وبعد عشر سنوات انتشرت كنيسته في أنحاء العالم، وظلت قائمة حتى القرن الخامس الميلادي، ويُقال أنه ندم في أواخر حياته ولكنه مات قبل أن يعود إلى أحضان الكنيسة الأم.
وكان قد التقى ماركيون Marcion of Sinope أثناء حياته بالقديس بوليكاريوس تلميذ يوحنا الحبيب - فسأله: هل تعرفني؟ فأجابه بوليكاريوس: أعرف الابن الأكبر للشيطان، ونجح بوليكاريوس في رد الكثيرين من الذين أضلهم ماركيون، وقال الشهيد يوستين عن ماركيون أنه أقوى الهراطقة، ووضع يوستين مؤلفًا ضد معتقداته الخاطئة، وأيضًا ألف ترتليان خمسة كتب ضد ماركيون، وقال عنه القديس أثناسيوس الرسولي "ألم يقل ماركيون بأن جسد الكلمة ظهر ونزل من السماء في شكل إنساني، وانه لم يكن جسدًا حقيقيًا؟ وماذا قال ماني؟ ألم يقل أن الجسد لم يكن جسدًا بشريًا بل له صورة إلهية، وإن ملامحه كانت فقط إنسانية، ولكنه لم يكن جسدًا بشريًا، بل غريبًا عن الطبيعة الإنسانية تمامًا؟ لقد اخترع هؤلاء كل هذه التصورات، لأنهم يعتقدون أن مصدر الخطية هو الجسد وليس الانحراف الذي أصاب الإرادة. لقد انحدر هؤلاء إلى هذا الكفر" (1).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:05 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
فالنتينوس
فالنتينس: وهو من الغنوسيين، وفي الغالب هو مواطن مصري من أصل يهودي، ودرس الفلسفة في الإسكندرية على يد بازليدوس الغنوسي السوري. ثم ذهب إلى روما خلال الفترة 138-161 م. وعلَّم هناك، وكان رجلًا مقتدرًا في الكلام ويمتاز بالفصاحة بحسب شهادة ترتليان، وفي روما طمع في الأسقفية، وعندما لم يحصل عليها انشق عن المسيحية، وفالنتينس له فلسفته الغنوسية في الانبثاقات الإلهية ووحدة الوجود (راجع كتابنا البدع والهرطقات في الخمس قرون الأولى).
وأنكر فالنتينس التجسد وقال إن جسد المسيح نزل من السماء ومرَّ بجسد العذراء مثل مرور الماء من الثوب أو مرور النور من الأجسام الشفافة (تاريخ الفكر المسيحي ج 1 ص 401) فأدعى إن جسد المسيح لم يكن جسدًا ماديًا لكنه كان من جوهر سماوي من المناطق العليا، وعند عماده اتحد به المخلص الذي من البليروما واستمر معه حتى لحظة آلامه (راجع موسوعة آباء الكنيسة ج 1 ص 245-247) وقال فالنتينس إن الخلاص من المادة يأتي بالمعرفة التي يعلنها السيد المسيح للإنسان وقسم فالنتينوس الناس إلى ثلاث مراتب:
https://st-takla.org/Pix/Books/Figure..._Book-10-a.gifأ - الروحيون: وهم فالنتين وأتباعه الذين سينالون السعادة الأبدية.
ب - الحيوانيون والجسديون: الذين لو تابوا سيكون لهم نصيبًا في فردوس ديمرج.
ج - اللحميون أو الماديون: وهؤلاء منتخبون للجحيم.
وقد أشار إليه القديس أثناسيوس عندما قال "كل من اعترف بأن جسد سيدنا نزل من السماء، ولم يقل إنه من مريم العذراء، فان الكنيسة المقدسة تحرمه" (1).
فنظرية الانبثاقات عند فالنتينوس: تصوَّر فالنتينوس إن الأساس الأول المطلق هو الآب وله زوجته "سيجي"، ومن الآب صدر العقل والحق وعشرة أيونات أخرى، ومن العقل والحق صدر الكلمة وزو وأثنى عشر أيونًا آخر، ومن الكلمة وزو صدر أنثروبوس وأكليسيا.
وآخر أيون انبثق كان هو "الحكمة" التي كانت أبعد الأيونات عن طبيعة الآب، وبحثت عنه لكيما تنافسه، وعندما فشلت في هذا، أصابها الحزن وولدت ابنة بدون زوجها دعتها "حكيموث" وهذه الابنة لأنها لم تكن كاملة ولا شكل لها، فلم تصلح للبليروما الإلهية، فهبضت إلى حطام المادة، وازداد حزن أمها الحكمة عليها، فأنتجت الحكمة في حزنها الشيطان وملائكته، وأيضًا أنتجت الطبيعة المادية، فمن دموعها جاءت كل مادة سائلة، ومن ضحكاتها جاءت كل بهجة وفرح في الطبيعة.
لقد حزنت "حكيموث" جدًا على نفسها، وشاركتها بقية الأيونات حزنها، فأنتج العقل والحق أيونين آخرين هما المسيح والروح القدس، فاستطاع المسيح إصلاح الأوضاع، وأعاد حكيموث الخروف الضال إلى البليروما كعروس له، وفرحت أمها الحكمة جدًا وأنتجت أيون آخر هو يسوع ابن العذراء مريم.
يالجهل الإنسان!! بينما تنازل الله وتجسد، وشاهدناه بعيوننا ولمسناه بأيدينا، فإن البعض مازال يغوص في أعماق الجهل.. فمن هو المسيح بالنسبة لفالنتين وأتباعه؟!! وأيضًا من هو المسيح بالنسبة للآخرين؟!!

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:07 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
ماني

ماني: ولد سنة 239 م.، ووقع أسيرًا في بلاد فارس فحرَّرته سيدة عجوز وأنفقت على تعليمه فتعلَّم الفن والطب والفلسفة. ثم تنصَّر وأراد أن يُقرّب بين المبادئ المجوسية والمسيحية، فنادى بإلهين أحدهما إله للنور والخير وآخر للظلمة والشر، وقال إن إله الظلمة هو إله اليهود ولذلك رفض العهد القديم الذي في نظره من عمل إله الظلمة، ووضع إنجيلًا دعاه "أرتن" وقال انه وحي الله له، وأدعى انه الباراقليط الذي وعد به السيد المسيح تلاميذه، واختار له أثنى عشر تلميذًا، وأثنين وسبعين أسقفًا كما فعل المسيح، وأرسلهم يبشرون بالمانوية في بلاد الشرق فوصلوا إلى الهند والصين.
ونظرت المانوية للمادة على أنها شر، ولذلك نادوا بأن جسد المسيح خيالي، وعندما صُلِب لم يلحق به أي ضرر، وبعد أن أتم المسيح رسالته عاد إلى السماء.
وقسَّم ماني أتباعه إلى مختارين وسامعين، ونهى المختارين عن أكل اللحوم والبيض والسمك، وشرب اللبن والخمر، ومنعهم من الزواج، وأوصاهم بممارسة كل صنوف التقشف التي تُضعِف الجسد. أما السامعون فقد سمح لهم بامتلاك البيوت والزواج وأكل القليل من اللحوم، وأدعى ماني المقدرة على شفاء الأمراض، وعندما فشل في علاج ابن ملك الفرس ومات الأمير، ألقاه الملك في السجن، فاستطاع أن يهرب إلى فلسطين، وبدأ ينشر تعاليمه فطردوه من هناك فذهب إلى الجزيرة العربية، وسمع بذلك ملك فارس فقبض عليه وسلخ جلده وهو حي، وألقى جسده للوحوش.
وفي رد القديس أثناسيوس على أصحاب هذه البدعة يقول "أنتم تخالفون هذه التعاليم وتدَّعون بأن الجسد نزل من السماء، ولما يسمح المسيح بأن يكون له جسد سمائي؟ وما هي غاية نزول جسد سمائي إلى الأرض، هل لكي يجعل ذلك الجسد السمائي غير المنظور منظورًا، والذي لا يمكن صلبه يجعله خاضعًا لآلام الصلب والذي لا يمكن أن يتغيَّر قابلًا للتغيير والموت؟ يا أيها الناس الذين بلا فهم، ما هي الفائدة الحقيقية لكل هذا؟!! وإذا أُنزل جسد المسيح من السماء فكيف يفيد هذا آدم الأول؟ إنه لن ينتفع بشيء، فإذا لم يأخذ المسيح " شبه جسد الخطية " لكي " يدين الخطية في الجسد" (رو 8: 3) لن يتجدَّد مطلقًا هراء إذًا خيالات أولئك الذين ضلوا، وقالوا إن جسد ربنا نزل من السماء. بل بالحرى إن ما سقط من الحالة السمائية إلى الحالة الرضية، هذا بذاته رفعه المسيح من الأرض إلى السماء، وما أسقطه آدم في الفساد ودينونة الموت (الجسد البشري) رغم إنه أصلًا بلا خطية وغير محكوم عليه بشيء، هذا أظهره المسيح بلا فساد، بل صار يخلص من الموت (الجسد المحيي).. هذا الجسد الذي ملك عليه الموت للفساد، لم يحتقره، وإنما قبله واتخذه لذاته.. إنه لم يحتقر الوجود الإنساني ولم يهمله فأخذ خيالًا إنسانيًا بدلًا من الجسد الإنساني، وإنما هو بذاته الإله وُلِد كإنسان، لكي يصبح الله والإنسان واحدًا، كاملًا في كل شيء.." (1)

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:08 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
بولس الساموساطي

وُلِد بولس ساموساطي Paul of Samosata في مدينة صغيرة تدعى سيمساط مابين النهرين على نهر الفرات من أبوين فقيرين، وصار غنيًا بوسائل محرمة، واستطاع أن يصل إلى كرسي الأسقفية فصار أسقفًا لأنطاكية سنة 260 م.، ورغم هذا انشغل بملاذ العالم وأموره الباطلة فكان عندما يسير يتقدمه مائة من الخدام ويتبعه مائة آخرون، وأينما توجه تذهب معه امرأتان جميلتان، ووكلت له زينب ملكة تدمر حق جباية الخراج فجمع بين أمور الدين والدنيا.
وأدعى بولس الساموساطي بأن العذراء ولدت يسوع الإنسان ثم حلَّ عليه كلمة الله عند ولادته فصار إلهًا أي انه كان يؤمن بإنسان تأله وليس إلهًا تأنس. وعند آلامه فارقه كلمة الله، ونادى بأن للمسيح أقنومان، وهو يمثل ابنان لله أحدهما بالطبيعة (كلمة الله) والآخر بالتبني (يسوع) وأنكر بولس الساموساطي أقنومية شخص اللوغوس وشخص الروح القدس في الثالوث القدوس إنما هما مجرد قوى من قوى الله مثل قوى العقل والفكر بالنسبة للإنسان، وأدعى أن المسيح أخذ ينمو أدبيًا حتى تحرَّر من الخطية وهزم خطية أبائنا وصار مخلصًا لجنسنا، وقال أن اللوغوس سكن في المسيح بصورة أكبر من سكناه في أي نبي أو رسول آخر (تاريخ الكنيسة القبطية - القس منسى يوحنا ص 95) وبسبب انحرافاته الإيمانية عُقِد له مجمعًا في أنطاكية سنة 268 م أو 269 م وحكم بخلعه وتم تعيين دومنوس خلفًا له (عن موسوعة آباء الكنيسة ج 1 ص 258، 259).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:09 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الأوطاخية
ثانيًا - الأوطاخية: كان أوطيخا (378-454 م.) راهبًا مسنًا، ورئيسًا لدير بالقرب من القسطنطينية، وكان عالمًا وطبيبًا، وكان من المؤيدين جدًا للبابا كيرلس الكبير، وخصمًا شديدًا للنسطورية التي نادت بطبيعتين وأقنومين وشخصين منفصلين في السيد المسيح.
وتمسك أوطيخا بعبارة القديس كيرلس السكندري: "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة μία φύσις τοῦ θεοῦ λόγου σεσαρκωμένη" ولكن في خضم صراعه مع النسطورية ومغالاته في الدفاع عن الأرثوذكسية سقط في بدعة إنكار ناسوت المسيح، فقال إن جسد المسيح لم يكن جسدًا حقيقيًا من لحم ودم وعظام مثل جسدنا، بل هو جسد خيالي، وقد مرَّ في أحشاء العذراء مريم مثل مرور الماء من القناة، وشبه هذا الجسد الخيالي بنقطة الخل التي تلقى في المحيط فتتلاشى فيه تمامًا، فالطبيعة البشرية في نظر أوطيخا قد أُبتلعت تمامًا وتلاشت في الطبيعة اللاهوتية، وقام أوطيخا بحذف كلمة " متجسدة " من عبارة القديس كيرلس، وأخذ يعلم بطبيعة واحدة لله الكلمة قاصدًا بهذا طبيعة وحيدة أي الطبيعة الإلهية فقط.

وغفل أوطيخا أقوال الإنجيل التي تظهر ناسوت المسيح مثل "والكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) وقول السيد المسيح "أنظروا يديّ ورجليَّ إني أنا هو. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39) وقال بولس الرسول "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما" (عب 2: 14).. ولو كان جسد المسيح جسد خيالي فكيف جاع (مت 4: 1)؟ وكيف عطش (يو 4:7)؟ وكيف نام (مر 4: 38)؟ وكيف تألم؟ وكيف صار عرقه يتصبب كقطرات دم نازلة على الأرض (لو 22: 44)؟ وكيف خرج من جنبه دم وماء عندما ُطعِن بالحربة (يو 19: 34)؟ وكيف مات (مت 27: 50)؟ وكيف دُفِن (مر 15: 46)؟ ولو كان هذا الجسد خيالي فكيف حدث الفداء الذي يستحيل أن يحدث بدون سفك دم (لا 17: 11، عب 9: 22)؟
ويرد القديس ساويرس على الأوطاخيين في تعليقه على قول بولس الرسول مولودًا من إمرأة قائلًا "هذه الكلمة {من امرأة} تبين أن عمانوئيل وُلِد في الجسد من جوهر العذراء. لم يقل {بامرأة} حتى لا يعطي فرصة لذوي الأفكار الرديئة أن يسموا ميلاده عبور بطريقة رمزية، ويؤكدوا انه عبر في قناة ومثل البرق. كذلك نفهم انه كان هناك حبل تام ، لكي نبين أن التجسد حقيقي وليس وهمًا، وبينما هما هناك {تمت أيامها لتلد} (لو 2: 6)" (1).
وفي الختام نؤكد أن جسد السيد المسيح لم ينزل من السماء، وليس هو جسدًا خياليًا. إنما هو جسد حقيقي أُخِذ من لحم ودم العذراء مريم بفعل الروح القدس، وهذا ما تذكرنا به الكنيسة في كل قداس إذ يصرخ الآب الكاهن في سر الاعتراف قائلًا "آمين آمين آمين. أؤمن أؤمن أؤمن. أن هذا هو الجسد المحيي الذي لابنك الوحيد، ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. آخذه من سيدتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم، وجعله واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير... إلخ".

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:10 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
هل جسد السيد المسيح مخلوق؟
ج : أرجوك يا صديقي أن لا تتسرع في الإجابة.. تريث قليلًا حتى ترى وتسمع رأي الكنيسة والآباء والعقل، ولنتساءل معًا: ما معنى المخلوق؟
معنى المخلوق أن له بداءة ونشأة، أي إن الشيء المخلوق وُجِد في زمن معين، وقبل أن يوجد لم يكن له أي وجود، وكل شيء في الكون كله ينطبق عليه هذا الوصف، ولذلك فالكون كله وكل ما فيه هو مخلوق، حتى الملائكة الأطهار هم مخلوقين، ولنعقِب السؤال السابق بسؤال آخر:
من هو غير المخلوق؟

غير المخلوق واحد فقط هو الله الأزلي الكائن قبل الدهور والمقصود هنا اللاهوت فقط لا غير، ونأتي للسؤال الثالث:
هل جسد المسيح أزلي مثله مثل اللاهوت؟
كلاَّ.. جسد المسيح ليس أزليًا لكنه وجد في لحظة معينة من الزمن، وهي لحظة بشارة رئيس الملائكة الجليل جبرائيل للسيدة العذراء، وقبول العذراء البشارة وحلول الروح القدس عليها، فمن هذه اللحظة بدأ يتكون جسد المسيح وقبل هذه اللحظة لم يكن هناك أي وجود لهذا الجسد المقدس.. فهو لم يكن في السماء وعبر في أحشاء البتول كما قال بعض الهراطقة، ولا قبل لحظة التكوين بشهور ولا بأسابيع ولا بأيام ولا بدقائق ولا بثوان كان لهذا الجسد المقدس وجود.. ومادام هذا الجسد قد وجد في لحظة معينة فهو ينطبق عليه وصف مخلوق..
وأيضًا نقول أن هذا الجسد مأخوذ من السيدة العذراء، والعذراء مريم مخلوقة، فما أُخذ منها أعني الجسد فهو مخلوق، وما لم يؤخذ منها أعني اللاهوت هو الخالق الأزلي غير المخلوق .
وقد يطرأ على الذهن تساءل خاطئ وهو: هل هذا الجسد المخلوق عندما اتحد بالخالق الأزلي تحوَّل عن طبيعته وأصبح أزليًا؟
معنى الأزلي انه ليس له بداية، وقد اتفقنا أن جسد المسيح له بداية، فكيف أصبح بعد الإتحاد ليس له بداية؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‌‍‍!!‌‌‌.. هذا ضد العقل والمنطق والتفكير السليم، وأيضًا نقول أن الإتحاد لم يلغِ صفات أحدى الطبيعتين كما سنرى فيما بعد، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي ‍" أنتم تقولون بأن الناسوت صار غير مخلوق بسبب إتحاده بالواحد غير المخلوق ‍ ‍‌، ولكن خطأكم هذا سوف يظهر إنه متناقض مع نفسه.. لقد تم إتحاد الناسوت بلاهوت الله الكلمة في أحشاء القديسة مريم، عندما نزل الكلمة من السماء. أي إن الناسوت لم يكن له وجود قبل نزول الكلمة وتجسده.. فإذا قيل أن الناسوت "غير مخلوق" بسب إتحاده بالكلمة غير المخلوق، فكيف نمت القامة، ولماذا لم نره إنسانًا كاملًا وتامًا منذ الإتحاد؟ فالذي ينمو ليس إلاَّ مخلوقًا، والإدعاء بأن الذي ينمو في القامة (الناسوت) غير مخلوق كفر وتجديف..
كيف أمكنكم أن تتصوَّروا أن الجسد غير مخلوق؟ وإذا تغيرت طبيعة مخلوقة وصارت غير مخلوقة، ألا يعني هذا أنه يجب أن تصبح غير منظورة، بل تصبح أيضًا عديمة الموت، ليس فقط بعد القيامة، بل تصبح غير قابلة للموت بالمرة؟ فإن صح تصوُّركم فكيف يمكن أن نقول أن الرب مات مادام قد تغيَّر ناسوته وصار غير مخلوق عندما ظهر على الأرض؟.. بل كيف أمكن لمسه..؟" (1)

إن السبب في رفض البعض للقول بأن جسد المسيح مخلوق هو الحساسية المفرطة ضد البدعة الأريوسية، ولكن يا أحبائي من ناحية أخرى لو قلنا أن جسد المسيح غير مخلوق فمعنى هذا انه لم يشابهنا في كل شئ، لأن جسده لم يتخذه من نفس عجينة البشرية.

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:12 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
جسد المسيح في أقوال الآباء
ولماذا كل هذا الانزعاج والآباء قد أوضحوا لنا الحقيقة كاملة، فهيا إلى حديقة الآباء لنتذوق ثمارها الحلوة:
القديس أثناسيوس: قال "لأنهم (الهراطقة) يطلقون على جسد المسيح أوصافًا مثل "غير مخلوق" و"سمائي" وأحيانًا يقولون أن الجسد "من ذات جوهر اللاهوت".. لكن كل ما قالوه ليس إلاَّ سفسطة فارغة وآراء عاطلة.. من أي مصدر أخذتم البشارة التي تجعلكم تقولون أن الجسد "غير مخلوق" ألا يجعلكم هذا تتخيلون أمرين لا ثالث لهما ‍!‍ أما إن لاهوت الكلمة قد تحوَّل إلى جسد، وإما أنكم تعتقدون بأن تدبير الآلام والموت والقيامة خيال لم يحدث، وهذان التصوران كلاهما خطأ، لأن جوهر الثالوث هو وحده غير المخلوق، والأبدي، وغير المتألم، وغير المتغيّر. أما المسيح حسب الجسد (رو 9:5) فقد وُلِد من الناس الذين قيل عنهم " أخوته " بل تغيَّر بقيامته فصار بعد قيامته " باكورة الراقدين" (كو 1: 18).. فكيف تسمون الناسوت الذي تغيَّر من الموت إلى الحياة "غير مخلوق"؟... عندما تصفون الجسد المتغيّر المكوَّن من عظام ودماء ونفس إنسانية، أي كل مكونات أجسادنا. والذي صار ظاهرًا ومحسوسًا مثل أجسادنا، عندما يصفون كل هذا بأنه "غير مخلوق" تسقطون سقوطًا شنيعًا في خطأين: أولهما أنكم تفترضون أن الآلام التي احتملها هي مجرد خيال، وهذا تجديف المانويين، وأنكم تعتبرون أن اللاهوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم انه جوهر غير مخلوق.. وهذا التصوُّر الأخير يضعكم مع الذين يتصوَّرون أن الله كائن في شكل بشري جسداني، فما هو اختلافكم عن هؤلاء، مادام لكم نفس الاعتقاد؟" (1).

القديس كيرلس الكبير: قال عن السيد المسيح "هو هو واحد مع أبيه، جسده كله مخلوق بلا خطية، في بطن العذراء كطبيعة واحدة لاهوتية غير مدركة، وهي التي ولدته بالجسد.. هو أيضًا الذي شرب اللبن من ثدي العذراء، وهو أيضًا الإله بلا تغيير لعلوه ومجده، وتسجد له المجوس كالإله، وتمجده الملائكة، وتأتي إليه المجوس بالقرابين كالإله" (2).
وقال أيضًا "غير ممكن أن يتغير شيء من المخلوقات إلى طبيعة اللاهوت، لأن الجسد مخلوق والكلمة غير مخلوق" (3).
القديس باسيليوس أسقف قيسارية: قال "ويجب أن تقال هذه المعاني على ناسوت المخلص أنه خُلِق، وليس على لاهوته"(4).
وقال أيضًا "ولما رأى الابن أن الخطية قد كثرت، تنازل وسكن في العذراء مريم بمثال لا ينطق به، ولا يبحث عنه، وصار فيها تسعة أشهر، وأخذ منها جسدًا تامًا، وبناه هو فيها بإرادته ومشيئة أبيه" (5).
القديس غريغوريوس أسقف نيصص: قال "المسيح غير مخلوق (اللاهوت) ومخلوق (الناسوت) اجتمعتا في موضع واحد معًا، أما الغير مخلوق، فنقول لأجله أنه أزلي قبل كل الدهور، وانه دائم إلى الأبد، وهو خالق كل شيء كائن، فإما المخلوق (الناسوت) فهو المشاركة التي صار فيها مع جسد تواضعنا بالتدبير (التجسد)" (6).
وقال أيضًا " جوهر واحد ليس أثنين، لم ينقل لاهوته الخالق فيجعله مخلوقًا، ولا نقل المخلوق فجعله غير مخلوق، هو هو واحد ليس أثنين" (1).
القديس بوليدس أسقف روما: قال "لا نجعل اللاهوت مخلوقًا ولا عبدًا، لأنه غير مخلوق، ولا نجعل أيضًا الجسد غير مخلوق.. بالفعل نوافق ونعترف به باتفاق واحد، إن الجسد هو من العذراء مريم، وإن اللاهوت من السماء، وإن الجسد مخلوق من البطن، واللاهوت غير مخلوق في خاصته بل هو موجود في كل حين" (2).
وقال أيضًا "هكذا نعترف بالمخلوق بإتحاد الخالق لما اجتمع بالمخلوق، طبيعة واحدة قائمة ثابتة من الجهتين" (3).
ولعل يا صديقي مازال أحد يتساءل: أليس القول بأن جسد المسيح مخلوق يتعارض مع ما جاء في قانون الإيمان الذي يقول " مولود غير مخلوق
فنجيبه بهدوء شديد قائلين إن قانون الإيمان يحدثنا عن طبيعتي المسيح، فتكلم أولًا عن لاهوت المسيح قائلًا "نؤمن برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء " فهذا ينطبق على اللاهوت الأزلي المولود من الآب والمساو له ولا ينطبق على الناسوت، لذلك يكمل قانون الإيمان قائلًا " هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء. تأنس .. " فالذي نزل من السماء هو اللاهوت وليس الناسوت، واتخذ جسدًا من مريم العذراء، والروح القدس هو الذي هيأ أو أنشأ أو خلق هذا الجسد المقدس للإبن الكلمة.
ولكن لنحذر في التعبير، فقولنا أن "جسد المسيح مخلوق" فهذا قول أرثوذكسي صحيح. أما القول بأن "المسيح مخلوق" فهو هرطقة أريوسية في منتهى الخطورة يجرّمها الكتاب والآباء يحرمون من يقول بها.
وورد في مجلة الكرازة الغراء عدد يناير وفبراير 1967 سؤال من أحد الآباء يقول فيه "ما معنى قول قانون الإيمان {إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق} وهل تنطبق هذه العبارة على المسيح أم على لاهوته أم على ناسوته"؟
وأجاب القمص باخوم المحرقي (نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي)، قائلًا " أن المسيح له المجد مولود غير مخلوق أولًا من حيث لاهوته. على أنه لما كان لاهوته متحدًا بناسوته إتحادًا تامًا فما يقال على اللاهوت قبل التجسد يقال على مخلصنا وفادينا يسوع المسيح من غير تفريق بين لاهوته وناسوته. حيث أن فيه أتحد اللاهوت بالناسوت، إتحادًا كاملًا من غير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.. إن السياق السابق واللاحق لعبارة "مولود غير مخلوق" يقتضي أن يكون معناها منصبًا على الله الكلمة، الأقنوم الثاني قبل التجسد، من حيث لاهوته الأزلي الكائن قبل كل الوجود، وقبل كل الدهور. وفي هذا التوطيد رد مباشر على البدعة الأريوسية والأريوسيين ومن يذهب مذهبهم من إنكار أزلية المسيح ووجود السابق على التجسد منذ الأزل من أمثال شهود يهوه وهم الأريوسية الجديدة.
وبديهي أن تعبير "مولود" مقصود به لا الميلاد الزمني من الروح القدس ومريم العذراء، وإنما المقصود به أولًا الميلاد الأزلي حيث أن الله الكلمة هو الابن والابن الوحيد لله الآب.. وأما قوله "غير مخلوق" فهو رد مباشر على أريوس الذي زعم إن الله قد خلق المسيح، وأنكر بذلك لا أزلية الابن فقط بل أنكر عقيدة الثالوث أيضًا، وأراد أن يجعل من المسيح مخلوقًا مثل سائر الناس.. الأمر الذي رفضه آباء مجمع نيقية في شدة وحزم لأنه يخالف نصوص الكتب المقدسة وتعليم الرسل المستقرة بالتقليد في الكنيسة المقدسة.
وهنا نجيب على سؤال آخر: هل جسد المسيح مخلوق؟
أقول نعم إن الجسد من حيث هو جسد، مخلوق، وقد تكوَّن بالروح القدس من مريم العذراء، ومن دمها ولحمها.. "فلذلك عند دخوله العالم ذبيحة وتقدمة لم تشأ لكنك هيأت لي جسدًا" (عب 10: 5). (أنظر يو 1: 14، عب 2: 14، 5: 7، 1 بط 2: 24).
ومع ذلك بعد التجسد لا نجرؤ على أن نفصل بين ناسوت المسيح ولاهوته، لأنهما منذ التجسد قد اتحدا بغير افتراق ولا انفصال. ولا يجوز بتاتًا أن نميز أو نفصل بين الناسوت واللاهوت أو نفرق بينهما. وإذا فصلنا بين خصائص الناسوت وخصائص اللاهوت، فنفصل بين الخصائص فصلًا ذهنيًا فقط لا فصلًا واقعيًا، لأنه في الواقع لم يعد في الإمكان أن نفصل بينهما بعد الإتحاد، لأنه إتحاد كامل لا يقبل الانفصال أو الافتراق" (1).
تذكَّر
+ السيد المسيح = إله كامل + إنسان كامل (في إتحاد طبيعي إقنومي)
+ طبيعة السيد المسيح = طبيعة إلهية + طبيعة ناسوتية
جوهر اللاهوت جسد بشري + روح بشرية
+ من البدع والهرطقات التي ثارت بشأن طبيعة المسيح:
  1. طعن أريوس في لاهوت الابن وقال أنه مخلوق.
  2. أنكر أبوليناريوس وجود الروح البشرية في السيد المسيح.
  3. اعتقدت الغنوسية والمانوية بأن المادة شر، فلذلك قالوا أن السيد المسيح اتخذ جسدًا خياليًا أو شبحيَّا.
  4. أنكر أوطيخا ناسوت المسيح وقال أنه ذاب مثل نقطة خل أُلقيت في محيط.
  5. القول بأن السيد المسيح مخلوق قول أريوسي يستحق الحرم. أما القول بأن جسد السيد المسيح مخلوق فهو قول صحيح باعتبار أن هذا الجسد ليس أزليًا مثل اللاهوت بل له بداءة ونشأة، وهذا ما أكده الآباء القديسين.

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:13 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
السيد المسيح


بعد أن تعرفنا في الدرس السابق على أهم البدع والهرطقات التي ثارت بشأن طبيعتي السيد المسيح، نتابع معًا يا صديقي تعرفنا على سر التجسد الذي يفوق الإدراك، وخلال هذا الدرس نطرح تساؤلاتنا الآتية:
  1. متى تم الإتحاد بين طبيعتي السيد المسيح اللاهوتية والناسوتية؟
  2. كيف تم الإتحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية؟
  3. ما معنى أن للسيد المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين؟
  4. ما هي نتائج الإتحاد بين الطبيعتين؟
  5. هل إتحاد الطبيعتين ألغى خواص أحدى الطبيعتين؟

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:14 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
متى تم الإتحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية؟
ج : أدعى الأبيونيون أن مريم العذراء ولدت يسوع الإنسان، فهو مجرد إنسان لا غير، وسار يسوع في وصايا الله حتى بلغ الثلاثين من عمره، وفي الثلاثين أثناء عماده من يوحنا نزل عليه المسيح (اللاهوت) فدُعي يسوع المسيح، وظل يخدم ويعلم ويرشد الشعب ويصنع معجزات حتى تعرض للصلب، ففارقه المسيح وصعد إلى السماء، وتأسئ الله على يسوع الذي يقاد للموت وهو برئ فأسقط شبهه على آخر، ورفع يسوع إلى السماء، وكذلك قال شهود يهوه بأن الإتحاد تم وقت العماد.. فمتى تم الإتحاد هل في بطن العذراء أو بعد ولادة الطفل أو في وقت العماد؟ لقد تم الإتحاد في اللحظة التي بشر فيها رئيس الملائكة الجليل جبرائيل العذراء مريم، وقبلت هي البشارة قائلة " هوذا أنا أمة الرب" (لو 1: 28) فحلَّ عليها الروح القدس، ففي هذه اللحظة بدأ الإتحاد، فلم تمر لحظة واحدة على بداية تكوين الناسوت وكان اللاهوت منفصلًا عنه، ولم ينتظر اللاهوت حتى تكوَّن الجنين، ولم ينتظر حتى وُلِد الطفل من بطن العذراء، ولا انتظر حتى وقت العماد ثم اتحد به.. إن الناسوت وُجِد في الإتحاد باللاهوت، وكأن اللاهوت كان منتظرًا فاتحًا أحضانه لاستقبال الناسوت منذ اللحظة الأولى لتكوينه لكيما يتحد به.
ولهذا دعت الكنيسة العذراء مريم بمعمل الإتحاد لأن في أحشائها تم إتحاد اللاهوت بالناسوت، فنصلي في التسبحة قائلين " السلام لمعمل الإتحاد، غير المفترق الذي للطبائع، التي أتت معًا إلى موضع واحد، بغير اختلاط" (ثاؤطوكية الأربعاء) ولأن السيدة العذراء حملت في أحشائها جمر اللاهوت لذلك تشبهها الكنيسة بالعليقة، وتدور ثاؤطوكية الخميس كلها حول هذا المعنى، ومن أجل هذا صرخت أليصابات عند لقائها بالعذراء مريم قائلة " من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلىَّ" (لو 1: 43).
ويقول القديس يعقوب السروجي "مضت مريم لتنظر حقيقة الأمر.. اعتنت بالكلام وأخذت طريقها إلى أليصابات لتنظر هناك الدهش العظيم..

التقى الصباح والمساء ليقبّلا بعضهما ‍‍!!
الصبية الصباح حبلى بشمس البر، وأليصابات المساء حاملة كوكب النور..
أتى الصباح ليسلم على المساء صاحبه، وتحرك المساء لينظر الصباح ويقبّله..
فاض الروح القدس من ابن الله، وحلَّ في الكاروز (يوحنا) وهو في بطن أمه، لأن سلام مريم كان هنا موضع الكاهن، وأليصابات صارت كمثل حضن المعمودية، وابن الله أرسل الروح من أزليته وعمَّد الطفل (يوحنا) بالروح القدس.." (1)
ولأن السيدة العذراء ولدت الله الكلمة المتأنس، لذلك فإنها ولدته بدون زرع بشر، وبدون ألم "قبل أن يأخذها الطلق ولدت.قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا" (أش 66: 7) وبسبب إتحاد اللاهوت بالناسوت ولدت العذراء ابنها وبكوريتها مختومة "فقال لي الرب هذا الباب يكون مغلقًا لا يُفتَح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل قد دخل فيه فيكون مغلقًا" (حز 44: 2) وفي التسبحة نقول "وبعدما ولدته، بقيت عذراء، بتسابيح وبركات نعظمك" (ثاؤطوكية الأحد) وفي قسمة عيد الميلاد يصلي الآب الكاهن قائلًا "الكائن في حضنه الأبوي كل حين آتى وحلَّ في الحشا البتولي غير الدنس. ولدته وهي عذراء وبكارتها مختومة" وبسبب الإتحاد دُعيت العذراء مريم والدة الإله "ثيؤطوكوس".
وقال أغناطيوس زكا الأول في مؤتمر القدس سنة 1959 والذي عُقِد من أجل وحدة الكنائس " غير انه لا اللاهوت وُجِد في أحشاء العذراء قبل وجود الناسوت فيها، ولا الناسوت وُجِد قبل اللاهوت. بل كلاهما وجدا معًا في لحظة واحدة فاتحدا إتحادًا ذاتيًا طبيعيًا جوهريًا اقنوميًا بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة، بسر لا يُدرك، وولدته العذراء بعد تسعة أشهر وهي بتول ، فصار الكلمة جسدًا (يو 1: 14) ودُعي عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23)" (1)
ويقول نيافة الأنبا بيشوي مطران دمياط وسكرتير المجمع المقدَّس " كلمة الله اتحد بالناسوت في لحظة تكون الجنين التي تسمى بالانجليزية From the very moment of incaration كمثل حد السيف، أي في زمن قيمته صفر تم التجسد الإلهي. تكوَّن الجنين واتحد اللاهوت بالناسوت، وهذا يحل مشكلة كبيرة لمن يقولون إننا نؤله الإنسان. نحن نؤمن بإله تجسد وليس بإنسان تأله، فيسوع ليس إنسانًا صار إلهًا، لكننا نقول أن كلمة الله الذي ظهر في الجسد..
إذًا فقد تم إتحاد اللاهوت بالناسوت منذ اللحظة الأولى للتجسد، لكنني أفضل أن أقول {اتحد اللاهوت بالناسوت في التجسد} وأفضل تعبير هو أن نقول {لقد وُجِد الناسوت في الإتحاد} أي أن الناسوت وُجِد داخل عملية الإتحاد. أو أن حدوث الإتحاد كان في أثناء تكوُّن الناسوت من العذراء بدون وجود فاصل زمني بينهما، بمعنى أنه حدث في لحظة الإتحاد نفسها" (2).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:26 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
كيف تم الإتحاد بين الطبيعة اللاهوتية وبين الطبيعة الناسوتية؟

ج: لقد اتحدت الطبيعة اللاهوتية مع الطبيعة الناسوتية:

أولا -
بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر.
ثانيًا -
بدون افتراق ولا انفصال.
ثالثًا-
إتحاد طبيعي أقنومي.

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:27 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الإتحاد بين الطبيعتين بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر
لقد اتحدت الطبيعة اللاهوتية مع الطبيعة البشرية إتحادًا كاملًا بدون اختلاط مثل اختلاط المواد معًا، وبدون امتزاج مثل امتزاج السوائل، وبدون تغيّير فالطبيعة اللاهوتية لم تتحوَّل إلى طبيعة بشرية، ولا الطبيعة البشرية تحوَّلت إلى طبيعة لاهوتية، ولم تذب الطبيعة البشرية في اللاهوت مثلما تذوب نقطة الخل في المحيط وتتلاشى كقول أوطيخا Eutyches. إنما احتفظت كل طبيعة بخصائصها حتى بعد الإتحاد بسر يفوق الإدراك، فاللاهوت ظل لاهوتًا بكل صفاته وخصائصه والناسوت ظل ناسوتًا بكل صفاته وخصائصه، وأقرب مثل لهذا نضعه أمام أعيننا هو في أنفسنا، فكل إنسان منا تتحد روحه بجسده..بكل جسده وليس بجزء من جسده، وكل خلية في الجسد هي خلية حيَّة، ومع ذلك تظل الروح روحًا والجسد جسدًا، ولم يتحوَّل أو يتغيَّر أحدهما للآخر، فالإنسان لن يصير روحًا مجردة مثل الملائكة ولن يصير جسدًا مجردًا مثل الحيوانات.


قال البابا أثناسيوس " نؤمن بمسيح واحد وأقنوم واحد مؤلف من جوهرين قد اجتمعا في واحد بلا اختلاط ولا تحوُّل ولا تغيِيّر ولا فساد ولا انقطاع، ولا تجُّرد اللاهوت من الناسوت، ولا للناسوت من اللاهوت. مسيح واحد، الفاعل آيات اللاهوت مع ناسوته، والمحتمل الألم الناسوت مع لاهوته، بلا فرقة كيانية أبدًا ولا خروج لأقنومه عن توحيد أبدًا" (1).
وقال القديس كيرلس الكبير في الرسالة الثالثة لنسطور "ونحن نقول أيضًا أن الجسد لم يتحوَّل إلى طبيعة اللاهوت، ولا طبيعة كلمة الله التي تفوق التعبير تغيرت إلى طبيعة الجسد، لأنه (اللاهوت) بصورة مطلقة هو غير قابل للتبدُّل أو للتغيُّر.. حينما كان منظورًا، وكان لا يزال طفلًا مُقمطًا، وكان في حِضن العذراء التي حملته ، فانه كان يملأ كل الخليقة كإله" (1).

وقال مطوليفن أسقف روما "وإن قلنا أن الوحيد ابن الله تجسد وصار إنسانًا، فمن أجل هذا القول ليس هو مختلطًا كما اعتقد أولئك، ولا استحالت طبيعة الكلمة إلى الجسد، ولا طبيعة الجسد تغيرَّت إلى خاصية الكلمة" (2).

وقال
القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات "وهو الله الكلمة من قَبْل تجسده، ومِن بعد أن تجسد، وولدته العذراء هو هو. هذا الواحد لن تنتقل طبيعة لاهوته إلى طبيعة ناسوته، ولا طبيعة ناسوته إلى طبيعة لاهوته، بل هو أقنوم واحد ولدته العذراء، طبيعة واحدة سجد له المجوس" (3).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:28 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الإتحاد بين الطبيعتين بدون افتراق ولا انفصال

بعد الإتحاد لم يفترق ولم ينفصل اللاهوت عن الناسوت قط، وهذا ما يعلنه الأب الكاهن في صلاة الاعتراف "بالحقيقة أُؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين" وإذا تساءل أحد قائلًا: إذًا كيف مات المسيح على الصليب؟.. ألم يفارق لاهوته ناسوته عند موته؟ .. نقول له قط لم يحدث هذا، فاللاهوت لم يفارق الناسوت قط، ولكن الذي حدث أن النفس البشرية فارقت الجسد البشري بينما ظل اللاهوت متحدًا بكل من الجسد والروح البشرية، فالروح البشرية المتحدة باللاهوت نزلت إلى الجحيم عقب الموت وأطلقت الأسرى، ولو كانت روح عادية غير متحدة باللاهوت ما استطاعت أن تحرّر نفسها من سجن الجحيم، ولكن لأنها متحدة باللاهوت لذلك أنارت الجحيم وأطلقت كل الذين ماتوا على الرجاء، وكذلك الجسد المتحد باللاهوت ظل في القبر إلى لحظة القيامة دون أن يعاين أي نوع من الفساد، وفي لحظة القيامة وحَّد اللاهوت النفس مع الجسد وقام المسيح منتصرًا ظافرًا.
ويمكن تشبيه ما حدث على الصليب بقطعة من الورق وقد وضعناها في الزيت فتشربت تمامًا منه، ثم شققنا الورقة نصفين، فمن الطبيعي أن الزيت لم يفارق أي نصف من نصفي الورقة، فالورقة تشير للناسوت، والزيت يشير لللاهوت، وتشرب الورقة بالزيت يشير لإتحاد اللاهوت بالناسوت (جسد + روح بشرية) وشق الورقة إلى نصفين يشير إلى مفارقة الروح البشرية للجسد البشري، ولكن اللاهوت (الزيت) لم يفارق إحداهما.
وفي القسمة السريانية يصلي الأب الكاهن قائلًا "هكذا بالحقيقة تألم كلمة الله بالجسد وذُبِح وانحنى بالصليب، وانفصلت نفسه عن جسده. إذ لاهوته لم ينفصل قط لا من نفسه ولا من جسده".
وقال الأنبا مرقس أسقف البهنسا في القرن العاشر "إنما موت المسيح كله بمفارقة نفسه لجسده فقط، لكن لاهوته لم يفارق أحدهما (النفس والجسد) طرفة عين ولمح البصر، فكان اللاهوت ملازمًا الجسد على الصليب وفي القبر، كما انه كان ملازمًا النفس حال نزولها إلى عالم الأرواح البررة" (1)
ويقول البابا كيرلس الكبير في رسالته إلى سوقيس الأسقف "أن الطبيعتين اتحدتا، ومن بعد الإتحاد لا نفرق الطبائع عن بعضها ولا نقسم الواحد الغير منقسم ونجعله ابنين، بل نعتقد انه ابن واحد مثلما قال آباؤنا أن الكلمة المتجسد طبيعة واحدة" (2).
وقال البابا ديسقوروس في رسالته من المنفى "أما نحن فإننا نعترف بأن لاهوته لم يفارق ناسوته طرفة عين، ونعترف بأنه عند نزوله من السماء دخل إلى بطن العذراء موحّدًا بين لاهوته وناسوته وحدة لا افتراق فيها" (3).
وقال القديس غريغوريوس العجائبي "لسنا نفصل بين اللاهوت والناسوت، لكنه واحد هو هو، وأنا أحرم الذين يسجدون لكلمة الله دون جسده" (1).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:29 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الإتحاد بين الطبيعتين إتحاد طبيعي أقنومي
هل الإتحاد في السيد المسيح كان إتحادًا بين طبيعتين إحداهما إلهية والأخرى بشرية أم إن الإتحاد كان بين شخصين إحداهما إله والآخر إنسان؟
هناك نقطتان في منتهى الأهمية يجب أن نفهمهما جيدًا:
أولًا : ما هو الفرق بين الطبيعة والشخص؟
باختصار شديد وبساطة كاملة نقول أن الطبيعة تعُمْ ولكن الشخص يخُصْ.
مثال (1) لو سألنا: مَنْ مِنْ الملائكة يحمل طبيعة ملائكية؟
الإجابة: جميع الملائكة بلا استثناء يحملون الطبيعة الملائكية، فالطبيعة الملائكية هنا تعم جميع الملائكة.
وبمعنى آخر لو سألت نفس السؤال بصيغة أخرى وقلت: مَنْ هو الملاك الذي يحمل طبيعة ملائكية؟ فستأتي الإجابة من جميع الملائكة: نحن جميعًا بلا استثناء نحمل الطبيعة الملائكية.

ولكن عندما أسأل: مَنْ هو رئيس الملائكة ميخائيل؟ فلن يجيب جميع الملائكة قائلين نحن.. لماذا؟ لأني هنا أسأل عن شخص محدَّد بالذات، فلن يجيب غير ملاك واحد هو ميخائيل رئيس الملائكة الجليل.
مثال (2) لو سألنا: مَنْ مِنْ البشر يحمل طبيعة بشرية؟
الإجابة: جميع البشر بلا استثناء في كل زمان ومكان على وجه البسيطة يحملون الطبيعة البشرية، فالطبيعة البشرية تعُمْ كل البشر.
س : من هو الذي عاش في عصر الآباء منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، وكان اسمه يعقوب بن يوسف بن إبراهيم، وكان له زوجتان هما ليئة وراحيل، وأثنى عشر إبنًا... إلخ؟
ج : هو يعقوب إسرائيل شخص واحد محدَّد بالذات في العالم كله، وعلى مدى الأجيال لن نجد غيره.
ثانيًا: لماذا تجسد الله؟ هل تجسد من أجل خلاص شخص وحيد معين بالذات؟.. لو كان هذا صحيحًا لصح القول بأن الله في تجسده اتخذ شخصًا بالذات لكيما يخلصه وليكن اسمه بطرس أو يعقوب أو يسوع، فمادام يسوع في نظر النساطرة انه إنسان محض فإنه بلا شك يتساوى مع يعقوب أو بطرس..ولكن الحقيقة غير ذلك، لقد تجسد الله لكيما يصنع خلاصًا عظيمًا هذا مقداره يكفي كل ذي طبيعة بشرية في كل مكان وزمان منذ آدم وإلى نهاية الأجيال، ولهذا اتخذ الله طبيعة بشرية وليس شخصًا محدَّدًا بالذات.. فلو تساءلنا: مَنْ له الخلاص بدم المسيح؟ لأجاب جميع البشر قائلين: جميعنا لنا خلاص بدم المسيح، ولو سألناهم : ولماذا جميعكم وليس شخصًا واحدًا فقط؟ لأجابوا لأن الله في تجسده لم يتخذ شخصًا معينًا واتحد به. إنما اتحد بطبيعتنا البشرية فأصبح لكل إنسان تحت السماء خلاصًا بدمه.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن ندرك أن الإتحاد في السيد المسيح كان إتحادًا بين طبيعتين، وليس بين شخصين.. لماذا؟ لأن أقنوم الكلمة هو شخص إلهي فلا يصح أن يضيف لنفسه شخصًا آخر، فيصبح مزدوج الشخصية، وحينئذ يتحوَّل الثالوث القدوس من ثلاث أشخاص هم الآب والابن والروح القدس إلى أربع أشخاص هم الآب والابن والروح القدس وشخص يسوع الإنسان، وهذا الرابوع هو ما استهجنه الآباء كما سنرى..
إن شخص أقنوم الكلمة الإلهي أضاف إلى طبيعته الإلهية طبيعة بشرية، فالإتحاد بين الطبيعتين وليس بين الشخصين الإتحاد بحسب الطبائع وليس بحسب الأشخاص.. هو إتحاد طبيعي أو بحسب الطبيعة according to nature ويسمى أيضًا الإتحاد الفزيقي.
وشرح البابا كيرلس الكبير في الرسالة الرابعة لنسطور هذا الإتحاد قائلًا "نحن لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيرت حينما صار جسدًا، وأيضًا نحن لا نقول أن الكلمة قد تغير إلى إنسان كامل من نفس وجسد. بل بالأحرى نقول أن الكلمة قد وحَّد مع نفسه أقنوميًّا جسدًا محييًا بنفس عاقلة، وصار إنسانًا بطريقة لا يمكن التعبير عنها أو إدراكها.. ونحن نقول أنه على الرغم أن الطبيعتين اللتين اجتمعتا معًا في وحدة حقيقية مختلفتان، فإنه يوجد مسيح واحد وابن واحد من الاثنين. إن اختلاف الطبائع لم يبطل بسبب الإتحاد.. الكتاب لم يقل أن الكلمة وحَّد شخصًا من البشر بنفسه، بل انه صار جسدًا، والكلمة إذ قد صار جسدًا لا يكون آخر. أنه اتخذ دمًا ولحمًا مثلنا. انه جعل جسدنا خاصًا به" (1).

Mary Naeem 30 - 06 - 2014 02:30 PM

رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
 
الاتحاد الأقنومي
ودعى الآباء هذا الإتحاد بأنه إتحاد أقنومي لأن أقنوم الكلمة اتخذ جسدًا واتحد به " هذا الذي أخذه منك، أيتها الغير الدنسة، واتحد به، كأقنوم" (ثيؤطوكية الأحد)، فهو ليس إتحاد شخصين أحدهما شخص الكلمة والآخر شخص إنسان، لأن هذا يجعلنا نتردى في البدعة النسطورية، ويقول نيافة الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدَّس أن " القديس كيرلس يرفض نقطتين:
1- إن جسد الكلمة له وجود شخص مستقل سابق للإتحاد.
2- أن يكون في المسيح شخصان: إله وإنسان، كل منهما له شخصية منفصلة، بهذا يكون هناك اثنان، شخصان، ومسيحان، حسب تعليم نسطور. ولكننا نؤمن بمسيح واحد ورب واحد وابن واحد..
لذلك هناك نقطة يهتم بها القديس كيرلس ويعتبرها الحد الفاصل بين النسطورية والأرثوذكسية وهي: هل الإتحاد بحسب الطبيعة وبحسب الأقنوم، أم الإتحاد بحسب البروسويون أي الشخص؟ بمعنى آخر: هل هو إتحاد أقنومي طبيعي أم إتحاد بروسوبوني؟

الإتحاد الشخصاني (البروسوبوني) هو إتحاد خارجي في المنظر والشكل والهيئة والصورة، وهو ما ينادي به نسطور. وقد قال القديس كيرلس عنه انه خدعة كبرى لا يمكن أن نقبلها، ولكن الإتحاد حقيقة هو إتحاد بحسب الأقنوم "كاث هيبوستاسين" henwsis kach hypostasin بمعنى إتحاد طبيعي enwsis physihy" (2).
ويقول نيافة الأنبا بيشوي أيضًا " السيد المسيح لم يتخذ شخصًا من البشر بل اتخذ طبيعة بشرية فقط، وظل هو هو نفسه كلمة الله المتجسد. ليس هو إله وإنسان، لكنه تأنس، أخذ الطبيعة البشرية وشخصنها لنفسه لم يأخذ شخصًا لكنه هو بشخصه أصبح يجمع الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية في إتحاد عجيب جدًا يفوق العقل والإدراك، بأقنوم واحد هو أقنوم كلمة الله المتجسد، الجنين الذي أخذه من العذراء لم يكن محتاجًا أن يكون له شخص، لأنه اتحد به في نفس لحظة تكوينه. فلأن الكلمة هو نفسه شخص فهو غير محتاج لشخص آخر، وإلاَّ يصبح هناك شخصان، لكنه هو بشخصه اتخذ الجسد ووحَّده بطبيعته الإلهية بغير تغيّر" (1).
كما يتساءل نيافة الأنبا بيشوي "س: كيف يكون المسيح إنسانًا كاملًا بدون أن يتخذ شخص إنسان في تجسده؟! أي بدون أن يأخذ من العذراء شخص إنسان. أي لا يأخذ إنسانًا من البشر ويحل فيه الكلمة. بمعنى أن يأتي بإنسان والكلمة يحل فيه من أول لحظة للتجسد، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يكون إنسانًا كاملًا بدون أن يأخذ شخص إنسان؟!
هو أخذ طبيعة بشرية كاملة بجسد وروح عاقلة، وجعلها خاصة به He made our nature His own لكن الطبيعة البشرية الكاملة في شخص كلمة الله هو إنسان كامل، إنسان حقيقي وليس على سبيل المجاز.. كيف يكون إنسانًا كاملًا وهو لم يأخذ من العذراء شخص إنسان؟! وإنما أخذ طبيعة بشرية كاملة، هذه النقطة لا تختلف فيها الكنائس الخلقيدونية وغير الخلقيدونية.
الإجابة على هذا السؤال: أن كلمة شخص باليوناني برسوبون = prosopon معناها: من يتجه نحو الآخر ويتعامل معه ويتبادل العلاقة، فكلمة بروس معناها "نحو" ويوجد أشخاص منفصلون في الجوهر والكينونة مثل البشر، ويوجد من هم غير منفصلين في الجوهر والكينونة مثل أقانيم الثالوث القدوس ، كل منهم هو في الآخر ويملأ الكل.. فالبرسوبون الخاص بالابن، والبروسوبون الخاص بالآب على الرغم من أنهما يحملان نفس الجوهر ونفس الطبيعة -الجوهر غير المتجزئ، وغير المنقسم- إلاَّ أن الواحد يبادل الآخر العلاقة والحب.. إذًا من هو البروسوبون؟ هو من يحمل الطبيعة بكل مقوّماتها وإمكانياتها ويتبادل العلاقة مع بروسوبا آخرين.. إذًا نقول أن البروسوبون هو حامل الطبيعة ومالكها بكل ما لها من مقومات، وفيه تقوم الطبيعة حينما توجد.. إذا شخص حمل طبيعة إلهية فهو إله، وإذا شخص حمل طبيعة إنسانية فهو إنسان، وإذا شخص حمل طبيعة ملائكية فهو ملاك، وإذا شخص محدَّد حمل الطبيعة الإلهية والإنسانية في نفس الوقت، فهو إله وإنسان في نفس الوقت، أي إله متجسد، وهذا ما حدث في التجسد الإلهي.
فالسيد المسيح بشخصه الخاص وهو يحمل الطبيعة الإلهية أصلًا منذ الأزل ، حمل الطبيعة الإنسانية الكاملة في نفس شخصه هذا. لذلك يقول معلمنا بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8) فأصبح مالك الطبيعة الإلهية، هو نفسه يملك الطبيعة البشرية، فهذا الشخص المالك للطبيعة، من حيث طبيعته الإلهية هو إله كامل، إله حقيقي، ومن حيث طبيعته البشرية فهو إنسان كامل، وإنسان حقيقي.
نفس الشخص.. لم يضف إلى شخصه شخصًا آخر. إذًا لا يوجد هنا ضميرين للملكية، أحدهما يملك اللاهوت، والآخر يملك الناسوت، ولكنه هو هو الذي كان إلهًا منذ الأزل ولازال إلهًا إلى الأبد، صار إنسانًا في ملء الزمان. إنسانًا حقيقيًا كاملًا {كلمة الله جاء في شخصه الخاص} كما قال القديس أثناسيوس في كتابه عن التجسد، ولهذا فالإيمان السليم أن شخص المسيح هو شخص واحد وهو نفسه شخص كلمة الله الأزلي" (1).


الساعة الآن 10:17 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025