![]() |
بستان الرهبان
كتاب بستان الرهبان انطونيوس كوكب البرية وأب الرهبان نشأته: من أهل الصعيد من جبس الأقباط ، ومسيرته عجيبة طويلة إذا استوفيناها شرحاً.. وانما نذكر السير من فضائله: انه لما توفى والده دخل إليه وتأمل وبعد تفكير عميق قال : تبارك اسم الله: اليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شئ البتة سوى توقف هذا النقس الضغيف فأين هى همتك وعزيمتك وامرك وسطوتك العظيمة وجمعك للمال. اى ارى الجميع قد بطل وتركته.. فيالهذه الحسرة العظيمة والخسارة الجسيمة. ثم نظر إلى والده الميت وقال: ان كنت قد خرجت انت بغير اختيار فلا اعجبن من ذلك ، بل أعجب انا من نفسى ان عملت كعملك. اعتزاله العالم: ثم انه بهذه الفكرة الواحدة الصغيرة ترك والده بغير دفن ، كما ترك كل ما خلفه له من مال واملاك وحشم ، وخرج هائماً على وجهه قائلاً : ها أنا أخرج من الدنيا طائعاً كيلا يخرجونى مثل أبى كارها. توغله فى الصحراء: لم يزل سائراً حتى وصل إلى شاطئ النهر حيث وجد هناك جميزة كبيرة فسكن هناك ، ولازم النسك العظيم والصوم الطويل ، وكان بالقرب من هذا الموضع قوم من العرب ، فاتفق يوم من الايام ان امرأة من العرب نزلت مع جواريها إلى النهر لتغسل رجليها ورفعت ثيابها وجواريها كذلك، فلما بأى القديس انطونيوس ذلك حول نظره عنهن وقتا ما ظنا منه انهن يمضين. لكنهن بدأن فى الاستحمام فى النهر! فما كان من القديس إلا ان قال لها : يا امرأة : اما تستحين منى وانا رجل راهب! اما هى فأجابت قائلة له : اصمت با انسان. من اين لك ان تدعو نفسك راهباً؟ لو كنت راهباً لكنت البرية الداخلية لان هذا المكان لا يسلح لسكنى الرهبان. فلما سمع انطونيوس هذا الكلام لم يرد عليها جواباً. وكثر تعجبه لأنه لم يكن فى ذلك الوقت قد شهد راهباً ولا عرف الاسم. فقال فى نفسه ليس هذا الكلام من هذا المرأة لكنه صوت ملاك الرب يوبخنى وللوقت ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية واقام بها متوحداً لأنه ما كان فى هذا الموضع احد غيره فى ذلك الوقت وكان سكناه فى قرية قديمة كائنة فى جبل العربة ، صلاته تكون معنا آمين. ملاك يسلمه الزى: وكان يوماً جالساً فى قلايته ، فاتت عليه بغتة روح صغر نفس وملل وحيرة عظيمة ، وضاق صدره فبدأ يشكو إلى الله ويقول : يارب انى احب ان اخلص ، لكن الأفكار لا تتركنى فماذا اصنع؟ وقام من موضعه وانتقل إلى مكان اخر وجلس. واذا برجل جالس امامه ن عليه رداء طويل متوشح بزنار صليب مثال الاسكيم ، وعلى رأسه ( كوكلس ) قلنسوه شبه الخوذة وكان جالساً يضفر الخوص، واذ بذلك الرجل يتوقف عن عمله ويقف ليصلى ، وبعد ذلك جلس يضفر الخوص. ثم قام مرة ثانية ليصلى ثم جلس ليشتغل فى ضفر الخوص وهكذا.. اما ذلك الرجل فقد كان ملاك اللله الذى ارسل لعزاء القديس وتقويته اذ قال لانطونيوس " اعمل هكذا وانت تستريح ". من ذلك الوقت اتخذ انطونيوس لنفسه ذلك الزى الذى هو شكل الرهبنة وصار يصلى ثم يشتغل فى ضفر الخوص: وبذلك لم يعد الملل يضايقه بشدة. فاستراح بقوة الرب يسوع المسيح له المجد. صلاته: 1 – القديس بولا البسيط ( تلميذ الانبا انطونيوس ) اقام القديس انطونيوس بالبرية الداخلية فوق مدينة اطفيح بديار مصر مدة ثلاثة ايام. وبنى له قلاتة صغيرة وهو قريب من وادى العربة. وكان ذلك الوقت رجل علمانى ، شيخ كبير ، يقال له بولا اعنى بوس كان ساكنا فى مدينة اطفيح واتفق ان ماتت زوجته وتزوج امرأة صبية وكان له خيرات واموال كثيرة كان قد ورثها. فدخل يوماً من الايام إلى بيته ، فوجد احد خدامه على السرير مع زوجته فقال لزوجته مبارك لك فيه ايتها المرأة ، مبارك له فيك ، اذ اخترتيه دونى. ثم اخذ بردته عليه ، ومضى هائما على وجهه فى البرية الداخلية ، وبقى محتاراً تائهاً زماناً طويلاً إلى ان اتفق انه وقف على قلاية القديس انطونيوس ، فقرع باب القلابة. فلما رآه القديس عجب منه غاية العجب ، لأنه لم يكن بعد قد رأى انساناً بهذه الصفة ، فسلم على القديس وسجد له على الارض بين يديه فأقامه القديس وعزاه وفرح به غاية الفرح ثم جلس عند القديس اربعين يوماً ملازماً الزهد الكامل والوحدة الصعبة. فلما كمل له اربعون يوماً ، قال له القديس : يا بولس اذهب إلى حافة الجبل وتوحد ، وذق طعم الوحدة. فمضى بولس كما امره عمل له مثل مربك شاة وفى غضون ذلك احضروا إلى القديس انطونيوس رجلا اعتراه روح من الجن فلما نظره القديس عجب منه ، ثم قال للذى احضره : اذهب به إلى القديس بولس يشفيه لانى عاجز عنه. وهذه هى أول تجاربه فعملوا كما امرهم القديس واحضروه بين يدى القديس بولس وقالو له معلمك الاب انطونيوس يأمرك ان تخرج هذا الشيطان من هذا الإنسان وكان القديس بولس ساذجاً فلوقته اخذ الرجل المريض وخرج إلى خارج الجبل وكان الحر شديداً وكانت الشمس مثل وهج النار فقال: يا شيطان استحلفك كما امرنى معلمى انطونيوس انك تخرج.. واذا بدا العدو الشيطان يتكلم على لسان الإنسان المريض ويضحك ويشتم ويقول : من هو انت ومن هو معلمك انطونيوس المختال الكذاب فقال له بولس: انا اقول لك ايها الشيطان انك تخرج من هذا الإنسان وان لم تخرج انا اعذب نفسى ثم طلع القديس بولا على حجر كان يتقد كأنه جمر نار واخذ حجر اخر على رأسه وقال : باسم الرب يسوع المسيح وباسم صلوات معلمى مار انطونيوس العظيم انى سأظل هكذا إلى ان اموت ولابد ان اعمل طاعة معلمى ، وتخرج ايها الشيطان كما امر معلمى وبقى هكذا واقفاً والعرق ينصب منه كالمطر ونبع ( نزف ) الدم من فمه وانفه والناس حوله مندهشون فلما رأى الشيطان ذلك صرخ باعلى صوته فقال : العفو العفو! والهروب الهروب من شيخ يقسم على الله بزكاوة قلبه حقاً لقد احرقتنى بساطتك ثم خرج من ذلك الإنسان وصرخ الشيطان ايضاً قائلاً : يا بولا لا تحسب انى خرجت من اجل دمك وخروجه (اى نزف دمه ) لكن احرقتنى صلاة انطونيوس وهو غائب ولما سمع الحاضرون تعجبوا بركة صلواتهم تحفظنا آمين. 2 – قصة شفاء ابن الملاك الافرنج اخبروا عن القديس انطونيوس ان ملك الافرنج كان له ولد ، وكان وارثاً للملك بعده ، فلقحه جنون وصرع ، فجمع كل علماء بلاده فلم يقدر احد ان يعينه ويشفيه. ثم اتصل به خبر القديس انطونيوس الصعيدى ، فأرسل إليه رسله بهدايا جليلة ولما وصلوا إليه لم يشأن ان يقبل شيئاً من الهداية اة يفرح بالسمعة ، وكان يكلمهم بترجمان. وقال لتلميذه : بماذا تشير على يا ابنى؟ هل اذهب ام ابقى؟ قال له: يا أبى ان جلست انت انطونيوس وان ذهبت فانت انطونه ، وكان التلميذ يحبه ولا يشتهى ان يفارقه ، فقال له القديس وانا اريد ان اكون انطوانه. وفى تلك الليلة عمل صلاة فى الدير وسار إلى بلاد الافرنج وحملته سحابة بقوة الرب يسوع المسيح ودخل إلى مدينة الملك وجلس على باب دار الوزر كمثل راهب غريب ولما عبر وزير الملك وكان الليل قد حل امره الوزير بالدخول إلى منزله ، وبينما هم على المائدة واذا بخنزيرة فى بيت الوزير كان لها صغار عمياء واحدها اعرج احضرتها والقنها بين يدى القديس الذى خاطب الوزير قائلاً: لئلا تظن ان الملك فقط يريد شفاء ابنه! ثم صلب على اورد الخنزيرة ، وبصق على أعين العمياء منها وابراها. فدهش القوم جداً وصاروا كأنهم أموات ، ووصل الخبر الى الملك فأحضره للوقت وأبرأ ابنه وقال: أيها الملك بلغنى انك ارسلت الى انطونه المصرى وانفقت مالك واتبعت رسلك ولاجل هذا انفذنى الله اليك. ثم ودعه وانصرف الى ديره. وفى اليوم الثانى تقابل معه رسل الملك وطلبوا منه الذهاب معهم لشفاء ابن الملك. فقال لهم اسبقونى وانا احضر خلفكم. فرجعوا واثقين بكلامه ، وقاسوا فى عودتهم شدائد كثيرة من تعب البحر وهول السفر وعند وصولهم سمعوا بشفاء ابن الملك وان قديسا اخر قد ابراه وهكذا قصد القديس انطونيوس ان ينفى عن نفسه الفخر والعظمة ولكن السيد المسيح لم يشأ ان يخفى فضائله وتحققت اخباره فى بلاد الافرنج فتعجب الرسل جداً كيف حضر القديس من بلاده الى بلادهم فى ليلة واحدة وتكلم بلسانهم وفى اليوم التالى كان عندهم فمجدوا الله كثيراً. من سيرة حياته للرهبانية وقوانين نسكه ( أ ) شركته مع السمائيين: جاءه بعض الاخوة يسألونه فى سفر اللاوبين فاتجه الشيخ على الفور الى الصحراء أما انبا امون كان يعرف عادته فتبعه سراً وعندما وصل الشيخ الى مسافة بعيدة رفع صوته قائلاً : " اللهم راسل الى موصى يفسر لى معنى هذه الاية " وفى الحال سمع صوت يتحدث اليه قال انبا امون انه سمع الصوت لكنه لم يفهم قوة الكلام. ( ب ) الكشف الروحى : لما حضر انبا ابلاريون من سورية الى جبل انبا انطونيوس قال له انبا انطونيوس " هل حضرت ايها المنجم المنير المشرق فى اصلباح؟ " أجابه أنبا ايلاريون: "سلام لك يا عامود النور حامى الخليقة " كانت طلعته مضيئة بنور الروح القدس تنم عن نعمة عظيمة وعجيبة كان متميزاً فى رصان اخلاقه وطهارة نفسه وكان يستطيع ان يرى ما يحدث على مسافة بعيدة. فقد حدث مرة بينما كان القديس جالساً على الجبل انهتطلع لاى فوق فرأى فى الهواء روح المبارك امون راهب نيتريا محمولة الى السماء بايدى ملائكة وكان هناك فرح عظيم. وكانت المسافة من نيتريا الى الجبل الذى كان فيه انطونيوس نحو سفر ثلاثة عشر يوماً ولما رأى رفقاء انطونيوس انه منذهل سألوه ليعرفوا السبب باعملهم ان امون مات فسجلوا يوم الوفاة ولما وصل الاخوة من نيتريا بعد ثلاثين يوما سألوهم فعلموا ان امون قد رقد فى اليوم والساعة التى رأى فيها الشيخ روحه محمولة الى فوق فتعجب هؤلاء وغيرهم من طهارة نفس انطونيوس وكيف انه علم فى الحالة ما حدث على مسافة سفر ثلاثة عشر يوماً وانه رأى الروح صاعدة. ( جـ ) افرازه : قيل ان شيوخاً كانوا قاصدين الذهاب الى انبا انطونيوس فضلوا الطريق واذ انقطع رجاؤهم جلسوا فى الطريق من شدة التعب واذا بشاب يخرج اليهم من صدر البرية واتفق وقتئذ انه كانت هناك حمير وحش ترعى فاشار اليها الشاب بيده فاقبلت نحوه فأمرها قائلاً " احملوا هؤلاء الى حيث يقيم انطونيوس " فاطاعت حمير الوحش امره فلما وصلوا اخبروا انطونيوس بكل ما كان اما هو فقال لهم " هذا الراهب يشبه مركباً مملوءة من خير ، لكنى لست اعلم ، ان كان يصل الى الميناء اما لا؟ " وبعد زمان بينما كان القديس انطونيوس جالساً فى الصحراء مع الاخوة وقع فجأة فى دهشة " فرأوه يبكى وينتحب يركع ويصلى وينتف شعره فقال له تلاميذه " ماذ حدث ايها الاب " فقال لهم الشيخ : " عامود عظيم للكنيسة قد سقط فى هذه الساعة اعنى ذلك الشاب الذى اطاعته حمير الوحش قد سقط من قانون حايته " وارسل الشيخ اثنين من تلاميذه اليه فلما رأى تلاميذ انطونيوس بكى وناح واهال تراباً على رأسه وسقط امامهم قائلا " اذهبوا قولوا لانبا انطونيوس ان يطلب الى الله كى يمهلنى عشرة ايام لعلى اتوب " لكنه قبل ان يتم خمسة ايام توفى ولم يمكث طويلاً ليقدم توبة عن خطيئته. قال انبا انطونيوس : " انى ابصرت مصابيح من نار محيطة بالرهبان وجماعة من الملائكة بايديهم سيوف ملتهبة يحرسونهم وسمعت صوت الله القدوس يقول : " لا تتركوهم ما داموا مستقيمى الطريقة " فلما أبصرت هذا تنهدت وقلت : " ويلك يا انطونيوس ، ان كان هذا العون محيطاً بالرهبان والشياطين تقوى عليهم" فجاءنى صوت الرب قائلاً : " ان الشياطين لا تقوى على احد ، لانى من حيت تجسدت سحقت قوتهم عن البشريين ولكن كل انسان يميل الى الشهوات ويتهاون بخلاصه فشهوته هى التى تصرعه وتجعله يقع". فصحت قائلا: " طوبى لجنس الناس وبخاصة الرهبان لان لنا سيداً هكذا رحيماً ومحبا للبشر". ودفعة جاء شيخ كبير فى زيارة للانبا انطونيوس فى البرية ، وهو راكب حمار وحش ، لما رآه الشيخ قال: " هذا سفر عظيم ، ولكنى لست اعلم ان كان يصل الى النهاية ام لا". ( د ) لا يوجد نظير له: اعلن الرب لانبا انطونيوس انه فى المدينة الفلانية يوجد رجل يماثله وهو طيب يعمل ويوزع كل ما يحصل عليه على الفقراء والمحتاجين ، ويقدم للرب تماجيد مع الملائكة ثلاث مرات يومياً. ( هـ ) يوجد من يفوقه أيضاً : بينما كان القديس يصلى فى قلايته سمع صوتاً يقول: " يا انطونيوس انك لم تبلغ بعد ما بلغه خياط مدينة الاسكندرية ": فقام القديس عاجلاً واخذ عصاه الجريد بيده ووصل الى الخياط فما نظر الخياط الى الشيخ ارتعد سأله القديس: " ما هو عملك وتدبيرك؟" اجابه الخياط : : اننى لا اظن اننى اعمل شيئاً من اصللاح غير انى انهض مبكراً وقبل ان ابجأ عملى يجى اشكر الله واباركه واجعل خطاياى امام عينى واقول: " ان كان الناس الذين فى المدينة سيذهبون الى ملكوت السموات لاعمالهم الصالحة اما انا فسأرث العقوبة الابدية لخطاياى " واكرر هذا الكلام بعينه فى المساء قبل ان انام. لما سمع من القديس هذا الكلام قال: حقا كالرجل الذى يشتغل فى الذهب ويصنع اشياء جميلة ونقية فى هدوء وسلام هكذا انت ايضاً فبواسطة افكارك الطاهرة سترت ملكوت الله بينما انا الذى قضيت حياتى بعيداً عن الناس منعزلاً فى الصحراء لما ابلغ بعد ما بلغته انت. ( و ) ترديد اسم يسوع: قال : ان جلست فى خزانتك قم بعمل يديدك ولا تخل اسم الرب يسوع بل امسكه بعقلك ورتل به بلسانك وفى قلبك وقل : يا ربى يسوع المسيح ارحمتى يا ربى يسوع اعنى وقل له ايضاً انا اسبحك يا ربى يسوع المسيح. من هو انطونيوس؟ قال احد الاخوة : ارانا انباء صبيصوى مغارة الانبا انطونيوس حيث كان يسكن " هوذا فى مغارة اسد يعيش ذئب". |
رد: بستان الرهبان
القديس مقاريوس الكبير خروجه الى البرية هربوه من القسيسة: جاء عن القديس مقاريوس الكبير انه قال: انى فى حال شبابى كنت جالساً فى قلاية فى مصر فامسكونى وجعلونى قسا لضيعة ( قرية ) واذا لم اؤثر ان اتقلد هذه الرتبة هربت الى مكان اخر حيث كان يأتينى رجل علمانى تقى وكان يخدمنى ويبيع عمل يدى. تجربته الاولى : فى يوم من الايام حدث ان بتولا فى ذلك المكان سقطت فى زنى وحملت فلما اشهرت سئلت عمن فعل معها هذا الفعل فقالت : المتوحد 00!! وسرعان ما خرجوا على واخذونى باستهزاء مريع الى القرية وعلقوا فى عنقى قدوراً قذرة جداً وآذان جرار مسودة مكسورة. وشهروا بى فى كل شارع من شوارع القرية وهم يضربوننى قائلين: ان هذا الراهب افسد عفة ابنتنا البتول اخزوه وهكذا ضربونى ضربا مبرحاً قربت بسببه الى الموت الى ان جاءنى احد الشيوخ فقال لهم : الى متى هذه الاهانة ، اما يكفيه كل ذلك خجلاً فكانوا يشتمونه قائلين : ها هو المتوحد الذى شهدت له بالفضل ، انظر ماذا فعل واخيرا قال والدها: لن نطلقه حتى يأتينا بضامن انه يتعهد بالقيام باطعامها ويدفع نفقة لولادتها الى ان يتربى الطفل فدعوت الاخ الامين الذى كان يخدمنى وقلت له: " اصنع محبة واضمنى " فضمنى ذلك الرجل واطلقونى بعد ذلك فمضيت الى ثلايتى وقد كدت ان اموت ولما دخلت قلايتى اخذت اقول لنفسى : " كد يا مقارة قد صارت لك امرأة الان يا مقارة قد وجدت لك امرأة وبنون فينبغى لك ان تعمل ليلاً ونهاراً لقوتك وقوتهم" وهكذا كنت اعمل دائماً قففا وادفعها الى ذلك الرجل الذى كان يخدمنى فيبيعها ويدفع المرأة حتى اذا ولدت تنفق على ولدها. ولما حان وقت ولادة الشقية مكثت اياماً كثيرة وهى معذبة وما استطاعت ان تلد فقالوا لها " ما هو هذا؟ 00 ما هو ذنبك فها انت بعد قليل تموتين؟" فقالت "ان كل ما اصابنى بسبب انى قد ظلمت المتوحد واتهمته وهو برئ لانه ما فعل بى شيئاً قط لكن فلان الشاب هو الذى تحايل على وفعل بى هذا". فجاء الى خادمى مسروراً وقال لى : ان تلك البتول ما استطاعت ان تلد حتى اعترفت قائلة : " ان المتوحد لا ذنب له فى هذا الامر مطلقاً وقد كنت كاذبة فى اتهامى له" وها اهل القرية كلهم عازمون على الحضور اليك ويسألونك الصفح والغفران فلما سمعت انا هذا الكلام من خادمى اسرعت هارباً الى الاسقيط وهذا هو السبب الذى لاجله جئت الى جبل النطرون. اب الرهبان : قيل عن الانبا مقاريوس انه بنى لنفسه قلاية غربى الواحات وسكن فيها وصار يضفر الخوص ويعيش من عمل يديه ويعبد الله كنحو قوته00 لما سمع به اناس حضروا اليخ وسكنوا معه فكان لهم اباً مرشدا. وكثر الذين يحضرون اليه فان يلبسهم الزى ويرشدهم الى طريق العبادة فلما كبر عددهم بنوا لهم كنيسة عى الان موضع البراموس فلما ضاق بهم المكان ولم تعد الكنيسة تسعهم تحول الاب من ذلك المكان وبنى كنيسة اخرى. فضائله: 1 - فاعلية صلاته : انطلق الاب مقاريوس مرة من الاسقيط حاملاً زنابيل فاعيى من شدة التعب ووضع الزنابيل علىالارض وصلى قائلاً : يارب انت تعلم انه ما بقى فى قوة واذا به يجد نفسه على شاطئ النهر. 2 – وداعته وتواضعه: اتى الاب مقاريوس يوماً من الاسقيط الى نيرس فقال له الشيوخ: قل كلمة للاخوة ايها الاب فاجابهم قائلاً : انا لم اصر بعد راهبا لكنى رأيت رهبانا00 فقد كنت جالسا فى الاسقيط فى القلاية واذا افكار تأتينى قائلة : اذهب الى البرية الداخلية وتأمل فيما تراه هناك ومكثت مقاتلا لهذا الفكر خمس سنوات ظانا انه من الشيطان لكنى لما وجدت الفكر ثابتا مضيت الى البرية فصادفت هناك بحيرة ماء وفى وسطها جزيرة بها وحوش برية وقد جاءت الى الماء لتشرب وشاهدت بينها رجلين مجردين ( عاريين) فجزعت منهما لانى ظننت انهما روحان لكنهما لما رأيانى خائفا جزعا خاطبانى قائلين : لا تجزع فاننا بشريان مثلك00 فقلت لهما: من أنتما؟00 ومن أين انتما؟00 وكيف جئتما الى هذه البرية؟00 فقالا لى: " كنا كنونيون وقد اتفقنا على ترك العام فخرجنا الى ها هنا ولنا منذ مجيئنا الى هنا اربعون سنة " وقد كان احدهما مصرياً والاخر نوبيا فسألتهما: كيف اصير راهبا فقالا لى : ان لم يزهد الانسان فى كل امور العالم فلن يستطيع ان يصير راهباً فقلت لهما: انى ضعيف فما استيطع ان اكون مثلكما فقال لى: ان لم تستطع ان تكون مثلنا فاجلس فى قلايتك وابك على خطايك فسألتهما: اما تبردان ان صار الشتاء اذا صار حر اما يحترق جسداكما؟00 فأجابانى: ان الله قد دبر لنا الا نجد الشتاء بردا ولا يضرنا فى زمن الحصاد حرا واخيرا قال القديس للاخوة: " لذلك قلت لكم انى لم اصر بعد راهباً؟00 بل رأيت رهبانا00 فاغفروا لى". واورد بلاديوس تفسيرا جاء فيه: قال الاخوة : ماذا قصد الراهبان فى قولهما لانبا مقاريوس: " ان لم تقدر ان تكون راهباً مثلنا اجلس فى قلايتك وابك على خطاياك" اجاب شيخ : لانهما عرفا ان الراهب بالحقيقة هو الرجل الذى استطاع ان يكون منعزلا بجسده ، مقيماً فى حياة التأمل والسكون ، عمالا بالروح والجسد متضعا باكيا كل يوم على خطاياه قاطعا على نفسه كل ذكريات الشهوة والافكار المقلقة متأملاً فى الله وفى كيف يحيا باستقامة وذلك مثلما قال الطوباوى اوغريس: " ان الراهب المنفرد عن العالم هو من قطع من نفسه كل حركات الشهوة وثبت فى الرب بكل افكار روحه". قيل انه فى احدى المرات كانم انبا مقاريوس عابرا فى الطريق حاملا خوصا عندما قابله الشيطان واراد ان يقطعه بمنجل كان ممسكا به فى يده ولكنه لم يستطع ان يفعل هذا ، وقال له : " يا مقاريوس انك تطرحنى على الارض بقوة عظيمة وانا لا استيطع ان اغلبك ولكن انظر هو ذا كل عمل تعمله انت استطيع ايضا ان اعمله انت تصوم وانا لا اكل ابدا انت تسهر وانا لا انام مطلقاً ولكن هناك شيئا واحد به تغلبنى " حينئذ قال له مقاريوس " وما هذا؟ " فقال الشيطان: "انه تواضعك لانه من اجل هذا لا اقدر عليك" فبسط القديس مقاريوس يديه للصلاة وحينذ اختفى الشيطان. وورد ايضاً انه فى مرة ما امسك اشليطان سكينا ووقف على ابا مقاريوس مريدا ان يقطع ردله ولما لم يقدر ان يفعل ذلك من اجل تواضع الشيخ اجاب وقال له: " كل شئ تملكه ، نملكه نحن ايضاً ، ولكنك بالتواضع فقد تتفوق علينا وبه وحده تغلبنا". قيل عن ابا مقاريوس انه عندما كان يقترب اليه الاخوة فى خوف كما الى شيخ عظيم وقديس لم يكن يجيبهم بكلمة وعندما كان اخ يقول له فى استهزاء " أيها الاب ، لو كنت جملاً اما كنت تسرق النطرون وتبيعه واما كان الجمال يضربك؟" فانه كان يرد عليه وان كان احد يكلمه يغضب او بكلمات مثل هذه ، فانه كان يجيب على كل سؤال يوجه اليه. وقال بلاديوس: ان مقاريوس الطوباى كان يتصرف مع جميع الاخوة بدون اى ظن سئ وقد سأله بعض الناس : " لماذا تتصرف هكذا؟ " فأجابهم : " انظروا اننى ابتهلت الى الرب مدة اثتنى عشرة سنة من اجل هذا الامر ان يمنحنى هذه الموهبة فهل تنصحونى بأن اتخلى عنها؟لو ان انساناً اقترف اثما تحت بصر انسان معصوم من الخطية فليعف ذلك المعصوم نفسه وحده من الاشتراك فى حمل قصاص من سقط. ومن امثلة تواضعه ايضاً استرشاده بمن هو اصغر منه وذلك كما ورد فى القصة التالية: قال ابا مقاريوس : ضجرت وقتا وانا فى القلاية فخرجت الى البرية وعزمت على ان اسأل اى شخص عقابله من اجل المنفعة واذا بى اقابل صبيا يرعى بقرا فقلت له " ماذا افعل ايها الولد فانى جائع؟" فقال لى : كل فقلت اكلت ولكنى جائع ايضا فقال لى : كل دفعة ثانية فقلت له : انى قد اكلت دفعات كثيرة ولا زلت جائعا فقال الصبى: " لست اشك فى انك حمار يا راهب لانك تحب ان تأكل دائما " فانصرفت منتفعا ولم ارد له جوابا. 3 - محبته للوحدة : 00 واذ كان يتضايق لان عدداً كبيرا من الناس كانوا يأتون ليتباركوا منه لذلك دبر الخطة التالية: حفر سرداباً فى قلايته00 ووضع فيها مخبأ ذا طول مناسب يمتد من قلايته الى بعد نصف ميل وعند نهايته حفر مغارة صغيرة وعندما كانت تأتى اليه جموع كثيرة من الناس فتعكر وحدته كان يترك قلايته سرا ويمر عابرا فى السرداب دون ان يراه احد ويختبئ فى المغارة حيث لا يقدر احد ان يجده وقد اعتاد ان يفعل هذا كلما كان يرغب فى الهروب من المجد الباطل الذى يأتى من الناس ". وقد قال لنا واحد من تلاميذه الغيورين انه فى تركه القلاية الى المغارة كان يتلو 24 ربعا ( استيخن ) وفى رجوعه 24 اخرى وحينما كان يذهب من قلايته الى الكنيسة كان يصلى 24 صلاة فى عبوره الى هناك ، و2 اخرى فى رجوعه" دفعه سال الاخوة شيخا قائلين : اعتادوا ان يقولوا انه كان من عادة ابا مقاريوس ان يفر الى قلايته اذا سرحت الكنيسة والاخوة قالوا: انه به شيطانا لكنه يعمل عمل الرب فمن هم الذين قالوا انه به شيطانا؟ وما هو عمل الرب الذى اعتاد ان يعمله؟ قال الشيخ : كان المنهاونون يقولون انه به شيطانا فعنما يرى ابليس ان رهبان الدير يعيشون فى حياة روحية مباركة فان اشلياطين تحرك الاخوة المتهاونين ان يثيروا حرباً ضدهم بالاهانة والانتهار والاغتياب والافتراء والمحاكمات التى يسببونها لهم. اما عمل الرف الذى كان يعمله ابا مقاريوس بفراره الى قلايته فكانك صلاة مصحوبة ببكاء ودموع طبقا لما حث به ابا اشعيا قائلا : عندما ينصرف الجمع او عندما تقوم عن الغذاء لا تجلس لتتحدث مع اى انسان لا فى امور العالم ولا فى امور روحية بل امضى الى قلايتك وابك على خطاياك"كما قال القديس مقاريوس الكبير للاخوة الذين كانوا معه : فروا يا اخوة فقال الاخوة: ايها الرب كيف نهرب اكثر من مجيئنا الى البرية؟ فوضع يده على فمه وقال : من هذا فروا وفى الحال فر كل واحد الى قلايته وصمت. اعتاد ابا مقاريوس ان يقول للاخوة بخصوص برية الاسقيط " عندما ترون قلالى قد اتجهت نحو الغابة اعرفوا ان النهاية قريبة وعندما ترون الاشجار قد غرست الى جوار الابواب اعلموا ان النهاية على الابواب وعندما ترون شباناً يسكنون فى الاسقيط احملوا امتعتكم وارحلوا". 4 – تقشفه وزهده: قيل عن الاب مقاريوس: انه كان قد جعل لنفسه قانونا وهو انه اذا قدم له الاخوة نبيذا كان لا يمتنع عن شربه لكنه عوض كل قدح نبيذ يشربه كان يصوم عن شرب الماء يوما فاما الاخوة فلكى ينيحوه كانوا يعطونه وهو لم يمتنع بدوره امعانا فى تعذيب ذاته اما تلميذه فملعرفته بأمر معلمه طلب من الاخوة من اجل الرب الا يعطوا الشيخ نبيذاً لانه يعذب ذاته بالعطش فلما علموا بالامر امتنعوا عن اعطائه نبيذا منذ ذلك الوقت. قال بعض الاباء لابا مقاريوس المصرى: " ان جسدك قد جف سواء اكلت او صمت " فقال لهم الشيخ " ان قطعة الخشب التى احترقت واكلتها النيران تفنى تماما وهكذا ايضاً قلب الانسان يتطهر بخوف الله وبذلك تفنى الشهوات من الجسد وتجف عظامه ". وقيل ايضاً ان انسانا اتاه بعنقود مبكر فلما رأه سبح الله وامر ان يرسلوه الى اخ كان عليلا فلما رآه الاخ فرح ، وهم ان يأخذ منه حبة واحدة ليأكلها لكنه اقمع شهوته ولم يأخذ شيئا وقال : " خذوه لفلان الاخ لانه مريض اكثر منى " فلما اخذوا العنقود اليه راه فرح ولكنه اقمع شهوته ولم يأخذ منه شيئا وهكذا طافوا به على جماعة الاخوة لكان كل من اخذوه اليه يعتقد ان غيره لم يره بعد وهكذا لم يأخذوا منه شيئا وبعد ان انتهوا من مطافهم على اخوة كثيرون انفذوه الى الاب فلما وجد انه لم تضع منه حبة واحدة سبح الله من اجل قناعة الاخوة وزهدهم. وكان القديس يقول : " كما ان بستانا واحداً يستقى من ينبوع واحد تنمو فيه اثما مختلف مذاقها والوانها ، كذلك الرهبان فانه يشربون من عين واحدة وروح واحد ساكن فيهم لكن ثمرهم مختلف فكل واحد منهم يأتى بثمره على قدر الفيض المعطى له من الله". قيل ان انسانا دوقس ( اميرا ) حضر من القطسنطينية ومعه صدقة للزيارة فزار قلاقى الاخوة طالبا من يقبل منه شيئا فلم يجد احدا يأخذ منه لا كثير ولا قليل وكان اذا قابل احدهم اجابه بان لجيه ما يكفيه واه مصل من اجله كمثل من اخذ منه تماما فصار ذلك الدوقس متعجبا ثم انه احضر ذلك الال الى القديس مقاريوس وسجدبين يديه قائلا: " لاجل محبة المسيح اقبل منى هذا القليل من المال برسم الاباء" فقال له القديس: " نحن من نعمة الله مكتفون وليس لنا احتياج الى هذا لان كلا من الاخوة يعمل باكثر من حاجته" فحزن ذلك المحتشم جدا وقال: " يا ابتاه من جهة الله لا تخيب تعبنى واقبل منى هذا القليل الذى احضرته". فقال له الشيخ: " امض يا ولدى واعطه للاخوة". فقال له: " لقد طفت عليهم جميعا فلم يأخذوا منى شيئاً كما ان بعضهم لم ينظر اليه البتة "؟ فلما سمع الشيخ فرح وقال له: " ارجع يا بنى بمالك الى العالم واهله لاننا نحن اناس اموات". فلم يقبل المحتشم ذلك فقال له القديس : " اصبر قليلا " ثم اخذ المال وافرغه على باب الدير وامر بأن يضرب الناقوس فحضر سائر الاخوة وكان عددهم 2400 ثم وقف الاب وقال : " يا اخوة من اجل محبة السيد المسيح ان كان احدكم محتاجا الى شئ فليأخذه بمحبة من هذا المال" فعبر جميعهم ولم يأخذ احدا منهم شيئا. فلما رأى الدوقس منه ذلك صار باهتا متعجبا متفكرا ثم القى بنفسه بين يدى الاب وقال: " من اجل اله رهبنى " فقال له القديس " انك انسان كبير ذو نعمة وجاه ومركز وشقاء الرهبنة كثير وتعبها مرير فجرب ذاتك ثم خبرنى ". فقال : " وبماذا تأمرنى ان افعل من جهة هذا المال؟" فقال له " عمر به موضعا بالاديرة". ففعل وبعد قليل ترهب. وقيل انه بينما كان انبا مقاريوس سائراً فى البرية وجد بقة جميلة مثل فردوس الله وبها ينابيع ماء ونخيل كثير واشجار من انواع مختلفة ذات ثمار. ولما اخبر الاخوة بذلك الحو عليه ان يقودهم للاقامة فى ذلك المكان فرد مع الشيوخ عليهم قائلاً: ان وجدتم اللذة والراحة فى ذلك المكان واذا عشتم هناك بلا متاعب ومضايقات فكيف تتوقعون الراحة واللذة من الله ، أما نحن فليبق بنا ان نحتمل الالام لكى نتمتع بالسرور فى الحياة الابدية. لما قال هذا سكت الاخوة ولم يرحلوا. 5 – اجهاده لنفسه : حدث مرة ان مضى ابا مقاريوس الى القديس انطونيوس فى الجبل وقرع بابه فقال ابا انطونيوس : " من الطارق؟" فقال : " انا مقاريوس ايها الاب " فتركى ابا انطونيوس ودخل ولم يفتح له الباب لكنه لما رأى صبره فتح له اخيراً وخرج معه وقال له : " منذ زمان وانا مشتاق ان اراك " واراحه لانه كان مجهدا من اثر تعب شديد ولما حان المساء بل انطونيوس قليلا من الخوص لنفسه فقال له مقاريوس : اتسمح ان ابل لنفسى انا ايضاً قليلاً من الخوص؟ فقال له بل فاصلح حزمة كبيرة وبلها وجلسا يتكلمان عن خلاص النقس وكانت الضفيرة تنحد من الطاقة فرأى ابا انطونيوس باكرا ان مقاريوس قد ضفر كثير جداً فقال : ان قوة كبيرة تخرج من هاتين اليدين ". 6 – حكمته : قيل ان ابا مقاريوس المصرى ذهب فى احدى المرات من الاسقيط الى جبل نتريا ولما اقترب من مكان معين قال لتلميذه " تقدمنى قليلا " ولما فعل التلميذ هذا قابله كاهن وثنى كان يجرى حاملا بعض الخشب وكان الوقت حوالى الظهر فصرخ نحوه الاخ قائلا " يا خادم الشيطان الى اين انت تجرى؟ " فاستدار الكاهن وانهال عليه بضربات شديدة وتركه ولم يبق فيه سوى قليل نفس ثم حمل ما معه من خشب وسار فى طريقه. ولما ابتعد قليلا قابله الطوباى مقاريوس فى الطريق وقال له: " فلتصحبك المعونة يا رجل النشاط " فاندهش الكاهن واقبل نحوه وقال " اى شئ جميل رأيته فى حتى حييتنى هكذا؟" فقال الشيخ: " انى ارى انك تكد وتتعب وان كنت لا تدرى لماذا " فأجاب الكاهن " وانا اذ تأثرت بتحيتك عرفت انك تنتمى الى الاله العظيم ولكن هناك راهبا شريراً صادفنى قبلك ولعننى ، فضربته ضرب الموت ". فعرف الشيخ انه تلميذه انا الكاهن فامسك بقدمى مقاريوس الطوباى وقال له " لن ادعك تمضى حتى تجعلنى راهباً " ،واذ سار معاً وصلا الى المكان الذى كان فيه الاخ مطروحاص وحملاه واتيا به الى كنيسة الجبل ولكن الاخوة عندما رأوا الكاهن الوثنى مع المغبوط مقاريوس تعجبوا كيف تحول عن الشر الذى كان فيه واخذ ابا مقاريوس وجعله راهبا وعن طريق صار كثير من الوثنيين مسيحيين. وكان مقاريوس الطوباى يقول : " ان الكلمات الشريرة والمتكبرة تحول الناس الاخيار الى اشرار ولكن الكلام الطيب المتواضع يحول الاشرار اخيا". كان ابا مقاريوس يسكن وحده فى البرية وكان تحته برية اخرى حيث سكن كثيرون وفى احد الايام كان الشيخ يرقب الطريق فرأى الشيطان سائرا فيه على هيئة رجل مسافر وقد اقبل اليه وكان مرتديا جلبابا كله ثقوب وكانت انواع مختلفة من الفاكهة معلقة فيها فقال له اشليخ مقاريوس " الى اين انت ذاهب؟ " فأجاب " انا ماض لازور الاخوة لاذكرهم بعملهم ". فقال له الشيخ " لاى غرض هذه الفاكهة المعلقة عليك؟ " فأجاب: " انى احملها للاخوة كطعام " فصأله الشيخ: " كل هذه؟ " فأجاب الشيطان " نعم حتى ان لم ترق لاحد الاخوة اعطيته غيرها وان لم تعطبه اهطيه تلك ولابد وان واحدة او اخرى من هذه ستروقه بالتأكيد " واذ قال الشيطان هذا سار فى طريقه. فظل الشيخ يرقب الطريق حتى اقبل الشيطان راجعاً فلما رآه قال له: "هل وفقت؟" فأجاب الشيطان : " من أين لى ان احصل على معونة؟!" فساله الشيخ: " لاى غرض " اجابه الشيطان " الكل قد تركونى وثاروا على " وليس واحد منهم يسمح لنفسه ان يخضع لاغرائى" فسأله الشيخ : " الم يبق لك ولا صديق واحد هناك؟ " فقال له الشيطان " نعم ، لى اخ واحد ولكنه واحد فقط هذا الذى يخضع لى على الرغم من انه حينما يرانى يحول وجهه عنى كما لو كنت خصما له " فسال الشيخ " ما ه اسم هذا الاخ؟ " فقال الشيطان " ثيئوبمبتس واذ قال هذ رحل وسار فى طريقه. حينئذ قام الشيخ ونزل الى البرية السفلى فلما سمع الاخوة بمجيئه اقبلو للقائه بسعف النخل وجهز كل راهب مسكنه ظانا انه قد يأتى اليه ولكن الشيخ سأل فقط عن الاخ الذى يدعى ثيئوبمبتس واستقبله بفرح وبينما كان الاخوة يتحدثون مع بعضهم البعض قال له الشيخ: هل عندك شئ تقوله يا أخى ؟ " وكيف هى أحوالك؟" فقال له ثيئوبمبتس " فى الوقت الحاضر الامور حسنة معى " وذلك لانه خجل ان يتكلم. فقال له الشيخ : " هوذا انا قد عشت فى نسك شديد مدى سنين طويلة ، وسرت مكرماً من كل واحد وعلى الرغم من هذا ومع اننى رجل شيخ الا ان شيطان الزنا يتعبنى فاجابه ثيئوبمبتس " صدقنى يا ابى انه يتعبنى انا ايضاً" واستمر الشيخ يوجد سبا للكلام – كما لو كان متعبا من افكار كثيرة – الى ان قاد الاخ اخيرا الى ان يعترف بالامر وبعد ذلك قال : " الى متى تصوم؟ " فاجاب الاخ: " الى الساعة التاسعة " فقال له الشيخ:" صم حتى العشار واستمر على ذلك اتل فصولا من الاناجيل ومن الاسفار الاخرى واذا صعدت فكرة الى ذهنك لا تجعل عقلك ينظر الى اسفل بل فليكن فوق دائما والرب يعينك " وهكذا اذ جعل الاخ يكشف افكاره واذ شجعه عاد ثانية الى بريته وسار فى سبيله وكان يرقب الطريق كعادته. ورأى الشيطان ثانية فقال له " الى اين انت ذاهب " فاجاب وقال له " انا ذاهب لذكر الاخوة بعملهم " ولما رحل ورجع ثانية ، قال له القديس : " كيف حال الاخوة ؟" فاجاب الشيطان : " انهم فى حالة رديئة " فسأله الشيخ كيف ؟ فأجاب الشيطان " كلهم مثل حيوانات متوحشة كلهم متمردون واسوأ ما فى الامر انه حتى الاخ الوحيد الذى كان مطيعاً لى قد انقلب هو الاخر لاى سبب لست اعلم ولم يعد يخضع لاغرائى بأى حال وصار اكثرهم نفوراً منى ولذلك قد اقسمت انى لن اذهب الى ذلك المكان الا بعد مدة طويلة على الاقل ". 7 – محبته : قال بلاديوس : ذهب ابا مقاريوس فى احدى المرات ليزور راهبا فوججده مريضاً فسأله ان كان يحتاج الى شئ ليأكل اذ لم يكن له شئ فى قلايته فقال له الراهب : " اتريد خبزا طرياً " او فطيرا " فلما سمع الرجل العجيب هذا الطلب سار الى الاسكندرية ولم يحسب الرحلة الها متعبة على الرغم من ان المدينة كان تبعد عنهم 60ميلا واحضر طلب المريض وقد فعل هذا بنفسه ولم يكلف احدا اخر بأن يحضره وبهذا اوضح الشيخ مقدار الاهتمام الذى يشعر به نحو الرهبان. 8 – عدم ادانته للاخرين : ومن ابرز صفاته انه كان صفوحا متسامحا ولا يدين احدا عاملا بالوصية القائلة : " لا تدينوا لكى لا تدانوا مت 7 : 1 " . " ايها الاخوة ان انسبق احد فاخذ فى زلة ما فاصلحوا انتم الورحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا الى نفسك لئلا تجرب انت ايضا – غل 1: 8 " وبذلك اقتاد كثيرين الى حياة الشركة العميقة مع الله. والدليل على صدق هذه الحقيقة ما يلى: قيل عن القديس مقاريوس انه كان فى بعض القلالى اخ صدر منه امر شنيع وسمع به الاب مقاريوس ولم يرد ان يبكته 00 فلما علم الاخوة بذلك لم يستطيعوا صبرا فما زالوا يراقبون الاخ الى ان دخلت المرأة الى عنده ، فاوقفوا بعض الاخوة لمراقبته وجاءوا الى القديس مقاريوس فلما اعلموه قال : " يا اخوة لا تصدقوا هذا الامر ، وحاشا لاخينا المبارك من ذلك " فقالوا : " يا ابانا ، اسمح وتعال لتبصر بعينيك حتى يمكنك ان تصدق كلامنا " فقام القدجيس وجاء معهم الى قلاية ذلك الاخ كما لو كان قادما ليسلم عليه وامر الاخوة ان يبتعدوا عنه قليلا فما ان علم الاخ بقدوم الاب حتى تحير فى نفسه ، واخذته الرعدة واخذ المرأة ووضعها تحت ماجور كبير عنده فلما دخل الاب جلس على الماجور وامر الاخوة بالدخول فلما دخلوا وفتشوا القلاية لم يجدوا احدا ولم يمكنهم ان يوقفوا القديس من على الماجور ثم تحدثوا مع الاخ وامرهم بالانصراف فلما خرجوا امسك القديس بيد الاخ وقال : " يا اخى احكم على نفسك احكم قبل ان يحكموا عليك لان الحكم لله " ثم ودعه وتركه وفيما هو خارج اذ بصوت اتاه قائلا " طوباك يا مقاريوس الروحانى يا من قد تشبهت بخالقك تستر العيوب مثله " ثم ان الاخ رجع الى نفسه وصار راهبا حكيما مجاهدا وبطلا شجاعا. اعتادوا ان يقولوا قصة عن ابا مقاريوس الكبير انه صار متشبهاً بالرب لانه كما ان الله يستر على العالم هكذا فعل ابا مقاريوس ايضاً وستر على الاخطاء التى رآها كأنه لم يراها والتى سمعها كأنه لم يسمعها. ففى احد المرات اتت امرأة الى ابا مقاريوس لتشفى من شيطان ووصل اخ من دير كان فى مصر ايضا وخرج الشيخ بالليل فرأى الاخ يرتكب الخطية مع المرأة ولكنه لم يوبخه وقال: " ان كان الله الذى خلقه يراه ويطيل اناته لانه ان كان يشاء كان يستطيع ان يفنيه فمن اكون انا حتى اوبخه؟!". + ومرة طلب منه أخ (1) ان يقول له كلمة ، فقال له " لا تصنع بأحد شراء ولا تدن أحد ، احفظ هذين وانت تخلص ". هروب : + قيل ان القديس مقارويوس دخل مرة الى مدينة مصر ليعظ فيها . فلما حضر البيعة حضرت اليه جموع كثيرة ومنهم امراة ظلت تزاحم حتى وصلت أمامه وجلست ثم بدأت تنظر اليه كثيرا . فالتفت اليها وانتهرها قائلا : اكسرى عينيك ايتها المرأة . لم تنظرين الى هكذا ؟فقالت المرأة : لم لا تستح منى ايها الاب ، وكيف علمت اننى انظر اليك لانى انا اعمل الواجب وأنت تعمل غير الواجب فقالها لها : فسرى لى هذا الكلام . فقالت : نعم انك خلقت من الارض وواجب عليك ان تنظر اليها دائما لانها هى امك اما انا فقط خلقت منك وواجب على ان انظر اليك (2) فلما سمع القديس منها ذلك ترك الموضع وخرج هاربا ولم يتمم وعظه . بقية اخباره + كان يمنع تلاميذه من ان تكون لهم قنية البتة . وكان بالقرب منه راهب يسكن . اراد القديس ان يجربه فدخل الى مزرعته الصغيرة وصار يقلع منها النبات من الاصول ، حتى بقى نبات واحد حينئذ قال الراهب ببساطة : ياأبانا ان شئت ان تتركه فنحصل منه على تقاوى . عند ذلك علم الشيخ القديس ان هذا الراهب خالص عند الله وليست عنده الزراعة فنية . فقال : ياولدى لقد استراح روح الله عليك . ثم قال لتلاميذه : لو كان مشفقا على النبات لظهر تأسفه وقلقه عند اقتلاعها وتلفها ولكنها عنده كلا شىء وهكذا يعرف الشياطين كيف يحاربون من لهم حب القنية . + كان سائرا مرة فى البرية الداخلية فوجد جمجمة انسان ملقاه فوقف عندها ثم حركها بعصاه وبدأ يبكى ورفع عينيه الى السماء فى تضرح بلجاجة شديدة طالبا من السيد المسيح ان يعلمه بقصة صاحب هذه الجمجمة . ثم حركها ثانية وخاطبها : أسألك باسم المسيح ان تتكلمى . فخرج صوت من الجمجمة قائلا : ماذا تريد منى يامقاريوس البار ؟ فال لها " اريد ان اعرف تاريخ صاحبك . فقالت له الجنجمة " اعلمك بأننى كنت رأسا لملك هذه الاماكن ؟. وكانت هنا بلاد ومدن كثيرة . فتعجب القديس وسألها : ماذا كان اعتقادكم ؟.. فقالت : كنا نعبد الاصنام وتدعوها آلهة ونعمل لها اعيادا وحفلات لا تقدر احد ان يصنع مثلها وكانت المملكة عظيمة جدا وها أنا اليوم كما ترى ياأبانا القديس . ولما سمع ذلك أنبار مقاريوس بكى بكاء عظيما . ثم سأل : وما هى حالكم اليوم ؟ فقالت : نحن فى عذاب شديد لاننا لم نعرف الله ولكنه عذاب اخف وطأة من الذين عروفا الله وآمنو به ثم جحدوه . فتألم القديس كثيرا ثم تركها ومضى عائدا الى قلايته . + ثال ابا مقاريوس : ان كنا نتذكرب شرور الناس فاننا نضر ذاكرتنا . أما ان تذكرنا كيف ان الشيطان يتصر بطريقة شرية فاننا نبقى بلا ضرر . + فى احدى المرات بقينما كان الانبا مقاريوس عابرا على مصر مع بعض الاخوة ، سمع طفلا يقول لامه :" يا أمى ان عنيا يحبنى ولكنى لا ابادله الحب ، وفقيرا يكرهنى وانا احبه ". فلما سمع الابا مقاريوس هذا تعجب فقال له الاخوة " ما معنى هذه الكلمات ياأبانا ؟ فقال لهم الشيخ :" حقا ان الرب هو الغنى ، وهو يحنا ، ونحن لا نريد ان نسمع له . أما عدونا الشيطان فهو فقير ويكرهنا ونحن نحب اموره الضارة ". + كان هناك راهب يدعى بوليس وكان تدبير حياته هكذا : لم يكن يقترب الى العمل الشاق الذى لشغل اليدين / ولا الى امور البيع والشراء الا بما يكفى لكمية الغذاء الضئيلة التى يتناولها فى اليوم . ولكنه برع فى عمل واحد ، وهو انه كان يصلى باستمرار دون توقف . وكان قد وضع لنفسه قانون ان يصلى ثلاثمائة صلاه يوميا . ووضع فى حضنه كميه من الرمل "لعله يقصد من الحصى " ، ومع كل صلاه يصليها كان يضع حبه منها فى يده . هذا الراهب سأل القديس مقاريوس قائلا : يا أبى ، انى مغموم جدا " فسأله الشيخ ان يخبره عن سبب ضيقته . فأجابه قائلا : " لقد سمعت عن عذراء قضت فى الحياه النسكية ثلاثين سنة ، وقد اخبرنا " الاب اور " " اى الكبير " بخصوصها انها تتقدم اسبوعيا ، وانها تتلو خمسمائة صلاه فى اليوم . فلما سمعت هذا احتقرت نفسى جدا ، لانى لا استطيع ان اتلو أكثر من ثلاثمائة صلاه ". حينئذ اجابه القديس مقاريوس وقال : " اننى عشت فى الحياه النسكية ستين سنة . واتلو فى اليوم خمسين صلاه . واعمل بما فيه الكفاية لتزويد نفسى بالطعام . واستقبل الاخوة اللذين يأتون الى ، وأقول لهم ما يناسب .. وعقلى لا يلومنى على اننى مقصر من جهة الله . فهل أنت الذى تصثلى ثلاثمائة صلاه تدان من افاكراك ؟ ربما لا تقدم هذه الصلوات بنقاوة ، أو انك قادر على ان تعمل اكثر من هذا ، ولا تعمل . 9- جهاده ضد الشياطين : (أ) نومه فى مقبرة متوسدا جمجمة: صعد الاب مقاريوس مرة من الاسقيط الى البرية فاتى الى ناووس ( جبانة ) حيث كانت هناك جثث يونانية قديمة ، فأخذ القديس جمجمة ووضعها تحت رأسه . فلما رأى الشياطين جسارته حسدوه وأرادوا ان يزعجوه فنادوا بصوت عال باسم مستعار لامرأة قائلين : يافلانه قد أخذنا الصابون والاشنان وادوات الحمام وها نحن فى انتظارك لتكونى معنا . فخرج صوت من الجمجمة من تحت رأسه قائلا : ان عنجى ضيفا وهو رجل غريب متوسد على فلا يمكننى المجيىء . امضوا انتم . اما القديس فانه لم ينزعج ولكنه رفع رأسه عنها وحركها بيده قائلا : " هأنذا قد قمت عنك فان استطعت الذهاب فانطلقى معهم الى الظلمة " . ثم عاد ووضع رأسه عنها – فلما راى الشياطين ذلك منه تركوه بخزى عظيم وصرخوا قائلين : امضى عنا يا مقاريوس وهربوا . (ب) كشفه اسلحة الشيطان المحتال : جاء عن القديس مقاريوس انه كان فى وقت ما سائرا فى اقصى البرية ، فابصر شخصا هرما حاملا حملا ثقيلا يحيط بسائر جسمه ، وكان ذلك الحمل عبارة عن اوعيه كثيرة فى كل منها ريشة ، وكان لابسا اياها بدلا من الثياب ، فوقف مقابلة وجها لوجه يتأمله ، وكان يتظاهر بالخجل تظاهر اللصوص المحتالين ، فقال للبار : ماذا تعمل فى هذه البرية تائها وهائما على وجهك فاجابه الاب قائلا : انا تائه طالب رحمه السيد المسيح ، ولكنى اسألك ايها الشيخ باسم الرب ان تعرفنى من انت ؟.. لانى ارى منظرك غريبا من اهل العالم ، كما تعرفنى ايضا ما هى هذه الاوعية المحيطة بك ، وما هو هذا الريش ايضا ؟.. وقد كان الثوب الذى عليه مثقبا كله . وفى كل ثقب قارورة – فأقر العدو بغير اختياره وقال : يامقاريوس ، انا هو الذى يقولون عنه شيكان محتال ، اما هذه هذه الاوعية فبواستطها اجذب الناس الى الخطية ، واقدم لكل عضو من اعضائها ما يوافقه من انواع الخديعة ، وبريش الشهوات اكحل من يطيعنى ويتبعنى واسر بسقوط الذين اغلبهم ، فاذا اردت ان اضل من يقرأ نواميس الله وشرائعه ، فما على الا ان ادهنه من الوعاء الذى على رأسى ، ومن اراد ان يسهر فى الصلوات والتسابيح فانى آخذ على حاجبى والطخ عينيه بالريشة واجلب عليه نعاسا كثيرا واجذبه الى النوم . والاوعية الموجودة على مسامعى معدة لعصيان الاوارم وبها اجعل من يسمع الى لا يذعن لمن يرشده . والتى عند انفى بها اجتذب الشاب الى اللذه . اما الاوعية الموضوعة عند فمى فبواسطتها اجتذب النساك الى الاطعمة ، وبها اجذب الرهبان الى الوقيعة والكلام القبيح ، وبذور اعمالى كلها اوزعها على من كان راغبا . ليعطى اثمارا لائقة بى . فأبذر بذور الكبرياء . اما من كان على ذاته متكلا فانى اجعله يتعالى بالاسلحة التى فى عنقى . والتى عند صدرى فهى مخازن افكارى ومنها اسقى القلوب مما يؤدى الى سكر الفكر واشتت وابعد الافكار الصالحة من اذهان اولئك الذين يريدون ان يذكورا مستبل حياتهم الابدية . اما الاوعية الموجودة عند جوفى فهى ملوءة من عدم الحس وبها اجمل الجهال لا يحسون واحسن لهم المعيشة على مذبح الوحوش والبهائم .. اما التى تحت بطنى فمن شأنها ان تسوق الى فعل سائر انواع وضورب الزنى والعشق واللذات القبيحة . والتى على يدى فهى معدة لضرب الجسد والقتل . والمعلقة وراء ظهرى ومنكبى فهى مملوءة من انواع المحن المختصة بى وبها اقارع الذين يرومون محاربتى فانصب خلفهم فخاخا . واذل من كان على قوته متكلا ، والتى على قدمى فهى مملوءة عشرات اعرقل بها طرق المسقيمين . ومن شأنى ان اخلف فى بذر فلاحتى صنوفا من الحسك والشوك . والذين يحصدون منها يساقون الى ان ينكروا طريق الحق . وبعد ان قال هذا صار دخانا واختفى . وان القديس القى بنفسه على الارض وابتهل الى الله بدموع لكى يحارب بقوته عن الضعفاء سكان البرية ويحفظهم . (ج) الشياطين تحاول ان تقتله : قيل ان الاب مقاريوس مضى مره الى البهلس (1) ليقطع خوصا . فأتاه الشيطان واخذ منه المنجل وهم ان يضربه به . اما هو فلم يفزع بل قال له : أن كان السيد المسيح قد اعطاك سلطانا على فها انا مستعد لان تقتنى ، فانهزم الشيطان وانصرف عنه هاربا . شجاعته اما الشيطان : ويروى بلاديوس حادثة اخرى مشابهة بقول فيها : وبينما كان ابا مقاريوس ذاهبا من الحصاد الى قلايته فى احدى المرات ، وكان حاملا بعض الخوص لاقاه ابليس ممسكان بيده منجلا فى الطريق . ولما هم بأن يجرح مقاريوس عاد ابليس فخاف وسقط وقدم خضوعا للرجل الطوباوى . حينئذ هرب الشيخ من ذاك المكان ، واخبر الاخوة بما جرى . فعندما سمعوا مجدوا الله . حسد الشياطين للرهبان : اتى للقديس مقاريوس يوما احد كهنة الاصنام ساجدا له قائلا: من اجل محبة المسيح عمدنى ورهبنى .: فتعجب الاب من ذلك وقال له اخبرنى كيف جئت الى المسيح بدون وعظ ، فقال له : (( كان لنا عيد عظيم . وقد قمنا بكل ما يلزمنا . وما زلنا نصلى الى منتصف الليل حتى نام الناس . وفجأة رأيت داخل احد هياكل الاصنام ملكا عظيما جالسا وعلى رأسه تاج جليل وحوله اعوانه الكثيرون فأقبل اليه واحد من غلمانه فقال له الملك : من اين جئت ؟.. فأجاب : من المدينة الفلانية ، قال : واى شيىء عملت ؟.. قال : القيت فى قلب امرأة كلمة صغير تكلمت بها الى امرأة اخرى لم تستطع احتمالها فادى ذلك الى قيام مشادرة كبيرة بين الرجال تسبب عنها قتل كثيرين فى يوم واحد . فقال الملك : ابعدوه عنى لانه لم يعمل شيئا . فقدموا له واحد اخر فقال له : من اين اقبلت ؟.. قال : من بلاد الهند . قال : وماذا عملت ؟.. اجاب وقال : داخل دار فوجدت نارا قد وقعت من يد صبى فاحرقت الناس الدار فوضعت فى قلب شخص ان يتهم شخصا اخر وشهد عليه كثيرون زورا بانه هو الذى احرقها . قال فى اى وقت فعلت ذلك ؟.. فى نصف الليل . فقال الملك : ابعدوه عنى خارجا . ثم قدموا اليه ثالثا . فقال له : من اين جئت ؟.. اجاب وقال : كنت فى البحر واقمت حربا بين بعض الناس فقرقت سفن وتطورت الى حرب عظيمة ثم جئت لاخبرك فقال الملك : ابعدوه عنى . وقدموا له رابعا وخامسا وهكذا امر بابعادهم جميعا بعد ان وصف كل منهم انوع الشرور التى قام بها حتى اخر لحظة . الى ان اقبل اليه واحد منهم فقال له : مين اين جئت ؟.. قال من الاسقيط . قال له : وماذا كنت تعمل هناك ؟.. قال لقد كنت اقاتل راهبا واحدا ولى اليوم اربعون سنة وقد صرعته فى هذه اللحظة واسقطنه فى الزنا وجئت لاخبرك . فلما سمع الملك ذلك قام من2صبا وقبله ونزع التاج من على رأسه والبسه اياه واجلسه مكانه ووقف بين يديه وقال : (( حقا لقد قمت بعمل عظيم )) فلما رأيت انا كل ذلك ، وقد كنت مختبئا فى الهيكل ، قلت فى نفسى : ما دام الامر كذلك فلا يوجد شيىء اعظم من الرهبنة ، وللوقت خرجت وجئت بين يديك . فلما سمع الاب منه هذا الكلام عمده ورهبنه وكان فى كل حين يقص على الاخوة امر هذا الرجل الذى اصبح بعد ذلك راهبا جليلا. ولكنه عانى ايضا من تجارب داخلية مثما يلى : + طلب ابنوا القديس ان يعرفه الرب من يضاهيه فى سيرته ، فجاءه صوت من السماء قائلا:" تضاهى امرأتين هما فى المدينة الفلانية (1) فلما سمع هذا تناول عصاه الجري ومضى الى المدينة . فلما تقصى عنهما وصادف منزلهما ، قرع الباب فخرجت واحدة وفتحت له الباب . فلما نظرت الشيخ القت ذاتها على الارض ساجدة له دون ان تعلم من هو = اذ ان المرأتين كانتا تريان زوجيهما يحبان الغرباء – ولما عرفت الاخرى ، وضعت ابنها على الارض وجائت فسجدت له ، وقدمت له ماء ليغسل رجليه كما قدمت له مائدة ليأكل . فأجاب القديس قائلا لهما :" ما ادعكما تغسلان لى رجلى بماء ، ولا اكل لكما خبرا ، الا بعد ان تكشفا لى تدبيركما مع الله كيف هو ، لانى مرسل من الله اليكما " . فقالتا له :" من انا يأبابنا ؟.. فقال لهما :" انا مقارة الساكن فى برية الاسقيط " فلما سمعتا ارتعدتا وسقطتا على وجهيهما امامه باكيتين . فانهضماه ، فقال لهما : " من اجل الله تعبت وجئت اليكما ، فلا تكتما عنى منفعة نفسى "فاجابتا قائلتين :" نحن من الجنس غريبتان احدانا عن الاخرى (2) ولكننا تزوجنا اخوين حسب الجسد وقد طلبنا منهما ان نمضى ونسكن فى بين الراهبات ونخذم الله بالصلاه والصوم ، فلم سمحا لنا بهذا الامر ، فجعلنا لانفسنا حذا ان نسلك احدانا مع الاخرى بكمال المحبة الالهية . وها نحن حافظتان نفسينا بصوم دائم الى المساء وصلاة لا تنقطع . وقد ولدت كل واحدة منا ولدا . فمتى نظرت احدانا ابن اختها يبكى ، تأخذه وترضعه كأنه ابنها . وهكذا تعمل كلتانا ورجلانا راعيا ماعز وغنم ، يأتيان من المساء الى المساء الينا كل يوم فنقبلهما مثل يعقوب ويوحنا بنى زبدى ، كأخوين قديسين . ونحن مسكينتان بائستان ، وهما دائبان على الصدقة الدائمة ورحمة الغرباء . ولم تسمح لانفسنا ان تخرج من فم الواحدة منا كلمة عالية البتة ، بل خطابنا وقمنا مثل قاطنى جبال البرية . فلما سمع هذا منهما . خرج من عندهما ، وهو يقرع صدره ويلطم وجهه ، قائلا : ويلى ويلى ، ولا مثل هاتين العالميتين لى محبة لقريبى " وانتفع منها كثيرا . ********* انطاق الزوج صاحب الوديعة : مره نزل الاب مقاريوس الاسقيطى الى الحصاد وبصحبته سبعة اخوه ، وكانت امرأة تلتقط خلف الحصادين وهى لا تكف عن البكاء فاستفهم الاب من رئيس الحصادين عن امر هذه العجوز وعن سبب بكائها دائما .. فاجابه : ان رجلها عنده وديعة لانسان مقتدر . وقد مات فجأة ولا تعلم هذه المرأة موضع هذه الوديعة فلما استراح الحصادون من الحر دعا الشيخ المرأة لها : هلمى ارينى قبر زوجك . فلما وصل اليه (1) صلى مع الاخوة . ثم نادى الميت قائلا : يافلان اين تركت الوديعة التى عندك؟. فاجابه : انها فى بيتى تحت رجل السرير فقال له القديس : نم ايضا ، فلما عاين الاخوة ذلك تعجبوا . فقال لهم القديس (2) ليس من اجلى كان هذا الامر لانى لست شيئا. بل انما صنع الله هذا من اجل الارملة واليتامى . ولما سمعت المرأة بموضع الوديعة انطلقت واخذتها واعطتها لاصحبها . وكل الذين سمعوا هذا سبحوا الله . صلة القديس مقاريوس بالقديسين اولا- القديس انطونيوس : لما سمع القديس مقاريوس بسيرة الانبا انطونيوس ، وبأعماله الفاضله ، مضى اليه . فقبله القديس انطونيوس وعزاه وارشده الى طريقه الرهبنة والبسه الزى ،ثم عاد الى موضعه . ثانيا = القديسان مكسيموس ودوماديوس : قال الاب مقاريوس : حدث يوما وانا جالس بالاسقيط ان أتانى شابان غريبان احدهما متكامل اللحية ، والاخر قد بدأت لحيته ، فقالا لى : اين قلاية مقاريوس ؟ فقلت لهما : وماذا تريدان منه ؟ اجابانى نريد مشاهدته . فقلت لهما : انا هو . فصنها مطانية وقالا : يامعلم نشاء ان نقيم عندم فلما وجدت انهما فى حالة ترف ومن ابناء نعمة وغنى اجبتهما : لكنكما لا تحتملان السكنى ها هنا . فاجابنى الاكبر قائلا: ان لم تحتمل اسكنى هاهنا فاننا نمضى الى موضع اخر . فقلت فى نفسى : لماذا اطرهما وشيطان التعب (1) يشككهما فيما عزما عليه ؟ فقلت لهما : هلما فاصنعا لكما قلاية ان قدرتما . فقالا : ارنا موضعا يصلح . فاعطيتهما فأسا وقفه وكذلك قليلا من الخبز والملح واريتهما صخره صلبة وقلت لهما : انحتا ههنا واحضرا لكم خصا من الغابة وسقفا واجلسا . وتوهمت انها سوف ينصرفان من شدة التعب . فقالا لى : وماذا تصنعون هاهنا ؟ فقلت لهما : اننا نشتغل بضفر الخوص . واخذت سعفا واريتهما بدء الضفيرة وكيف تخاط وقلت لهما : اعملا زنابيل وادفعاها الى الخفراء ليأتوكما بخبز ، وعرفتهما ما يحتاجان من معرفة ثم انصرفت عنهما . اما هما فاقاما ثلاث سنوات ولم يأتيانى . فبقيت مقاتلا الافكار من اجلهما اذ لم ياتيا الى ولا سالانى فى شيىء . ولم يحاولا الكلام مع احد قط . ولم يبارحا مكانهما الا كل يوم احد فقط حيث كان يمضيان الى الكنيسة لتناول القربان وهما صامتان . فصليت صائما اسبوعا كاملا الى الله ليعلن لى امرهما . وبعد الاسبوع مضيت اليهما لافتقدهما واعرف كيف حالهما ، فلما قرعت الباب عرفانى وفتحا لى وقبلانى صامتين وجلست . واوما الاكبر الى الاصغر بأن يخرج . اما الاكبر فجلس يضفر فى الضفيرة ولم يتكلم قط . فلما حانت الساعة التاسعة اوما الى الشاب فاتاه واصلحا مائدة وجعلا عليها ثلاث خبزات بقسماطات وداما صامتين . فقلت لهما : هيا بنا نأكل . فنهضنا واكلنا ، واحضرا كوز ماء فشربنا . ولما حان المساء قالا لى : اتنصرف ؟ فقلت لهما : لن انصرف ، ولكنى سوف ابيت هاهنا الليلة . فبسطا حصيرة فى ناحية وبسطا اخرى لهما فى ناحية اخرى وحلا اكسيميهما (2) ومنطقتيهما ورقدا قدامى على الحصيرة . فصليت الى الله ان يعلن لى ماذا يعملان . واذ كنت راقدا ظهر فجأة فى القلاية ضوء كضوء النهار قدامى وكانا يشاهدانه فلما ظنا انى نائم نخس الاكبر الاصغر واقامه . وتمتطقا وبسطا ايديهما الى السماء وكنت اراهما وهما لا يبصرانى . واذ بى ارى الشياطين مقبلين نحو الاصغر كالذباب ، فمنهم من كان يريد الجلوس على فمه ، ومنهم من كان يريد ان يجلس على عينيه . فرأيت ملاك الرب حاملا سيفا ناريا وهو يحيط بهما . ويطرد الشيطاطين عنهما . اما الاكبر فلم يقدروا على الاقتراب منه . فما حان الفجر حتى وجدتهما وقد طرحا نفسيهما على الارض وناما . فتظاهرت كأنى استيقظت وهما كذلك . فقال لى الاكبر هذه الكلمة فقط : اتشاء ان تقول الاثنى عشر مزمورا . فقلت نعم . فقرأ الصغير خمس مزامير وفى نهاية كل ست استيخونات الليلويا واحدة ، ومع كل كلمة كان يقولها ، كان يبرز من فمه شهاب نار يصعد الى السماء . كذلك الكبير الذى اذا كان يفتح فمه ويقرأ كان كلامه مثل جبل نار خارجا وصاعدا الى السماء . فلما انفضت الصلاه انصرف قائلا : صليا من اجلى ، فصنعا لى مطانية وهما صامتان . وبعد ايام قليلة تنيح الاكبر وفى ثالثه تنيح الصغير كذلك . ولما كان الاباء يجتمعون بالاب مقاريوس كان يأخذهم اللا قلايتهما ويقول : هلموا بنا نعاين شهادة الغرباء الصغار . + سأل اخوة شيخا : لماذا حدث ان الاخوين الرومانيين اللذين اتيا الى الانبا مقاريوس لم يذهبا الى طوال مدة الثلاث سنوات التى قضياها الى جواره – ولا الى احد من الشيوخ – ليسألا اسئلة عن افكارهما ؟. فأجاب الشيخ : لان الاخ الاكبر كان حكيما الى درجة كبيرة ، وكان كاملا ومتواضعا . فان كان قد ذهب الى الانبا مقاريوس او الى واحد من الشيوخ الاخرين ، فان كماله كان سينكشف . وكان سينال مديخا فى كل الاسقيط من الاباء الذين كانوا سيتعجبون قائلين : ( كيف يحدث هذا : ان يصير شاب كاملا فى ثلاث سنوات ؟) فلا يليق بنا – على اية الحالات – ان تقلد هذين الاخوين ونهمل تعليم الشيوخ ! فمن جهة الاخوين ، كان الاكبر كاملا ، والاصغر كان متواضعا وكان يتعلم منه (1). ******** عظة للقديس مقاريوس حدث مرة ان ارسل شيوخ الجبل الى انبا مقاريوس يقولون له : سر الينا لنشاهدك قبل ان تنصرف الى الرب ولا تضطر الشعب كله الى المجيىء اليك . فلما سار الى الجبل اجتمع اليه الشعب كله وطلب اليه الشيوخ قائلين : قل للشعب كلمة ايها الاب ، فقال : ترك الهوى : يا أولادى الاحباء – عظيم هو مجد القديسين فينبغى ان نفحص عن تدبيرهم الذى نالوا بواسطته هذا المجد وبأى عمل وفى اى طريقة وصلوا اليه . وقد علمنا انهم لم يشتروه بغنى هذا العالم ولا حصلوه بصناعة ما او بتجاره ما . ولا اقتنوه بشيىء مما يملكون . اذ انهم تمسكنو وتقربوا عن هذا العالم . وجالوا جياعا فقراء . فعلى ما اراه اجد انهم نالو ذلك المجد العظيم بتسليمهم دواتهم وتدبير امورهم ونياتهم لله . تركوا اهويتهم كلها من اجل الرب وتبعوه حاملين الصليب ، ولم يفصلهم حب شيىء اخر عن محبته تعالى . لانهم لم بحبوه اكثر من الاولاد فقط مثل ابراهيم ، بل واكثر من ذواتهم ايضا كما يقولو بوليس الرسول لا شيىء يستطيع ان يفصله عن حب الله . فالان يابنى الاحباء جاهدوا واصبروا الى الموت كالقديسين لتصيروا مسكنا لله . المحبة والسلام : ان احببتم بعضكم بعضا فان الله يسكن فيكم . وان كان فى قلوبكم شر فلن يسكن الله فيكم . احذروا الوقيعة لئلا تصيروا كالحية او ان للشيطان . احفظوا اسماعكم من كلام النميمة لتكون قلوبكم نقيه واهربوا من كل ما يجنس القلب . اكرموا بعضكم بعضا لتكون السلامة والمحبة بينكم ، ان عضب احد على اخيه واخوته فلا يسترح له بال قبل ان يصلحه بحلاوة المحبة . وذلك ليخزى عدو السلام ويفرح اله السلام وتكونوا له بنين لانه قال : فاعلى السلام يدعون ابناء الله . صلوا بالروح دائما كما امر الرسول . اتضعوا لاخواتكم واخدموهم حسب قوتكم لاجل المسيح لتنالوا منه الجزاء . فقد قال له المجد : ما تصنعونه بهم فبى تصنعونه . الجهاد : ان كل اعمالنا نجدها ساعة مفارقة انفسنا لاجسادنا فقد كتب : ان الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وودكم الذى اظهرتموه باسمه اذ خدمتم الاطهار وتخدمونهم ايضا . ليكن تعب اجسادتكم مشتهاكم ومحبوبا لديكم . ولا تستلموا للانحلال والكسلا فتندموا يوم القيامة ، بينما يلبس اكاليل المجد اولئك الذين قد اتعبوا اجسادهم ، وتوجدون انتم عراه بخزى امام منبر المسيح بمحضر الملائكة والناس جميعا . لا تنعموا اجسادكم فى هذا الزمان اليسير بالطعام والشراب والنونم لئلا تعدموا الخيرات الدائمة التى لا توصف فمن ذا الذى تكلل قط بدون جهاد ؟ ومن استغنى بدون عمل ؟ ومن ربح ولم يتعب اولا ؟ اى بطال جمع مالا ؟ او أى عاطل لا تنفذ ثروته ؟ انه باحزان كثيرة تدخل ملكوت السموات . فليحرص كل منكم على قبول الاتعاب بفرح عالما ان من ورائها كل غنى وراحة . اما الذى لا يستطيع ان يحتمل الاتعاب لضعف او امراض ، فليمجد اولئك اللذين يتعبون ويغيطهم كما يفرح معهم فى خيراتهم . عدم الادانة . لا تقبلوا فى فكركم ولا تضرروا فى كلامكم اى انسان بانه شرير. لان بطرس الرسول يقول : (( ان الله ارانى واوصانى بان لا اقول عن انسان انه نجس او رجس . فالقلب النقى ينظر كل الناس انقياء . فقد كتب ان كل شيىء طاهر لاطهار والقلب النجس ينجس كل واحد لان كل شيىء للاعمى ظلام ، هوذا الرب قد حلنا من عبودية الشيطان فلا نعد نربط انفسنا او نستعيدها بسوء رأينا . التوبة : احفظوا ما كلمتكم به ليكون لانفسكم منه دواء وصحة ولا تجعلوا شاهدا عليكم لانه سيأتى وقت فيه تطالبون بالجواب عن كلامى هذا . تمسكوا بالتوبة واحذروا لئلا تصطادوا بفخ الغفلة . لا تتهاونوا لئلا تكون الطلبة من اجلكم باطلة . داوموا على التوبة ما دام يوحد وقت . فانكن لا تعرفون وقت خروجكم من هذا العالم . العمل وترك التهاون : لنعمل ما دام لنا زمان . لنجد عزاء فى وقت الشدة فمن لا يعمل ويتعب فى حقله فى اوان الشتاء لن يجد فى الصيف علة بها يملأ مخازنه ليقتات بها . فليحرص كل واحد على قدر طاقته فان لم يمكنه ان يربح خمس وزنات ، فليجاهد بكل قوته فان ساعة واحدة من نياحته تنسيه جميع اتعابه . قوبل وويل لمن تغافل وكس لانه سيندم حيث لا ينفع الندم . لا تكملوا شهوة الجسد لئلا تحرموا من خيرات الروح فان الرسول قد كتب ان اهتمام الجسد هو موت واهتمام الروح هو حياه . افرحوا بكمال اخوتكم وضعوا نفوسكم لهم وتشبهوا بهم واحزنوا على بعضهم . اصبروا للتجارب التى تأتى عليكم من العدو واثبتوا فى ثتاله ومقاومته فان الله يعينكم ويهبكم اكاليل النصرة . فقط كتب طوبى للرجل الذى يصير للبلايا ويصبح مجربا فانه ينال اكليل الحياه ، لاغلبه بدون قتال ولا اكليل بدون غلبه . اصبروا اذا فقد سمعنا قول الرب لاحبائه : اما انتم الذين صبرتم معى فى تجاربى ، ها انا اعد لكم الملكوت كما وعدنى ابى . وقوله ايضا : ان الذى يصير الى المنتهى فهذا يخلص . وقد قدم لنا نفسه مثالا كيف نصبر الى المنتهى . ففى الوقت الذى كان فيه يسبب ويعير ويهان من اليهود نراه يتراءف عليهم ويحسن اليهم ، فكان يشفى امراضهم ويعلمهم ، وهكذا قبل الالام بجسده وصبر حتى الصلب والموت . ثم قام بالمجد وصعد الى السماء وجلس عن يمين الله . اشكروا الرب فى تعبكم من اجل الرجاء الموضوع امامكم . اصبروا فى البلايا لتناولوا اكاليل المجاهدين . اغفروا لبعضكم بعضا لتنالوا الغفران . فقد قال الرب : اغفروا يغفر لكم .. داوموا على حفظ هذه الوصية فان ربحها عظيم ولا تعب فيها . كونوا ابناء السلام ليحل سلام الرب عليكم ، كونوا ابناء المحبة لترضوا محب البشر . كونوا بنى الطاعة لتنجوا من المحتال. ان اول العصيان كان من آدم ابينا فى الفردوس بسبب شهوة الطعام . وأول الجهاد من سيدنا المسيح كان فى البرية فى الصيام . وتعلمنا من التجربة ان الراحة والطعام هما اسباب الطغيان . والصوم هو سبب الغلبة والنصرة . فصوموا مع المخلص للتمجدوا وتغلبوا الشيطان . والصيام بدون صلاه واتضاع يشبه نسرا مكسور الجناحين . احتفظوا بحرضكم ولا تهربوا من اتعابكم . فان الطوبى لمن لازم التوبة حتى يمضى الى الرب . لازموا السهر وقراءة الكتب وثابروا على الصلاه واسرعوا الى الكنيسة ونقوا قلوبكم من كل دنس لتستحقوا التناول من جسد السيد المسيح ودمه الاقدسين فيثبت الرب فيكم . فبهذا السر العظيم تحفظون من الاعداء . فمن يتهاون بهذا السر فان قوات الظلمة تقوى عليه فيبتعد عن الحياه بهواه . فلتتقدم الى سر الافخارستيا بخوف وشوق وايمان تام ، ليبعد عنا خوف الاعداء بقوة ربنا يسوع المسيح له المجد الى الابد امين . |
رد: بستان الرهبان
الانبا باخوميوس أب الشركة قصة اعتناقه المسيحية ورهبنته : كان والده من الصعيد الاعلى عابدا للاصنام . ففى ذات يم تجند باخوميوس ضمن جنود الملك . فحدث بينما كانوا مسافرين وهم بحال سيئة للغاية ان اتاهم قوم مسيحيون من اسنا بطعام وشراب فى المعسكر . فسأل باخوميوس : كيف امكن لهؤلاء الناس ان يتحننوا علينا وهم لا يعرفوننا قط ؟ فقيل له انهم مسيحيون وانهم يفعلون ذلك ممن اجل اله السماء . فلما سمع باخوميوس هذا الكلام قرر فى نفسه انه لو اتيحت له فرصة يصير مسيحيا ويخدم المحتاجين ، وبتدبير الله غلب الملك اعداءه واصدر اوامر بتسريح الجنود . فرجع باخوميوس وتعمد . وبعد ثلاث سنين ترهب عند قديس اسمه بلامون . اقامته نظام الشركة : وشرع لوقته فى اقامة شركة حتى يساعدوا بعضهم بعضا ويقوموا باعالة المهتاجين والضعفاء ، فاجتمع اليه كثيرون وبنوا اديرة واتخذوا لهم عيشة مشتركة . وكان القديس يرسل لهم قانون العبادة وشغل اليد والتصريف اللائق ويديرهم فى الجلوس والقيام والسكوت والكلام ويتشدد فى ذلك الى ابعد حد . ولقد كان لخدمته العسكرية اثر كبير فى حيانه اذا تدرب فيها على الطاعة والعمل اليدوى والحياه المشتركة ، وقد تضمن تنظيم حياه الشركة وتدبيره للاباء الرهبان جميع هذه النواحى العملية . وفيما يلى تطبيقات عملية لبعض قوانين الرهبنه التى نظمها القديس : 1- كان مفروضا على طالب الرهبنه ان يعرف معنى الرهبنة : الرهبنه هى : الصوم بمقدار ، والصلاه بمداومة ، وعفة الجسد وطهارة القلب وسكوت اللسان وحفظ النظر والتعب بقدر الامكان ، والزهد فى كل شيىء. وكان يقولر : جميع ابائنا القديسين ، بجوع وعطش وحزن كثير ، اكملوا سعيهم ونالوا المواعيد ، ان كنت قد نذرت لله بكورية بمحبة واشتياق فاطلبه من كل قلبك واسلك حسب وصياه . وحينئذ يجعلك الله ابنا له ، ويباركك ، ويصير بركتك نهرا ، ونهرك بحرا ، ويجعلك كبركة نارلا ، وسراجه يضيىء عليك ، وتمتلىء نورا من الاشراق الالهى ، ويعطيك الاله مجدا مثل مجد القديسين ، فتضع ثقلا على اراكنه الظلمة ، وترى قوة الله فى يمينك ، وتغرق فرعون وجنوده فى بحر ملح وتخلص شعب من عبودية الغرباء ، وتورثهم ارض الخيرات التى تفيض لبنا وعسلا ، التى هى كمال سعيك وخروجك من هذا العالم بسلام . امين . 2- النوم : كان القديس باخوميوس يديم الصلاه ينسك زائد وسهر ، واذا اراد ان يرقد ، لم يكن يرقد ممتدا ، ولا على مصطبة بل كان يجلس مستندا الى الحائط . وكان اذا مضى الى موضع خارج الدير مع الاخوة واضطروا الى المبيت كان يأمرهم ( يفرض عليهم ) ان يحفر كل واحد منهم لنفسه حفرة فى الارض مثل مراقدهم فى الدير قائلا لهم : انه من الواجب على الانسان الراهب ان يتعب نفسه فى مرقده لكون روح الزنى يقفز على الرجل ليجربه بشده لاسيما اذا رقد منفرشا ممتدا براحة . 2- العمل اليدوى : وهذا ما كانت راهب او رئيس رهبنه ليعفى منه . وعليه فلقد كان انبا باخوميوس يشاطر رهبانه اعمالهم اليدوية . يخرج معهم الى الحقول لمزاولة الزرع والحصاد ويحمل مؤونته بنفسه اسوة بهم . وقيل انه مضى دفعة ، وفى امر مع الاخوة وكان ذلك الامر يحتاج الى ان يحمل كل واحد منهم كمية من الخبز . فقال له احد الشبان : حاشاك ان تحمل شيئا ياأبانا . هوذا انا قد حملت كفافى وكفاك . فاجابه القديس : هذا لا يكون ابدا . ان كان قد كتب من اجل الرب انه يليق به ان يتشبه باخوته فى كل شيىء ، فكيف اميز نفسى انا الحقير عن اخوتى حتى لا احمل حملى مثلهم . وهذا هو السبب فى ان الاديرة الاخرى كائنة بانحلال لان صغارهم مستعبدون لكبارهم وليس من اللائق ان يكون هذا لانه مكتوب : من يريد ان يكون كبيرا فيكم فليكن لكم عبدا . 4- العقاب : واذا كان العقاب ضوررة لا بد منها فى حياه الشركة كان يوبخ للهفوات البسيطة . (أ) توبيخه احد الرهبان عن كلام باطل . قيل انه فى احد الايام سمع الاب باخوميوس احد الاخوة يخاطب صبيا قائلا : الان هو اوان العنب .. فانتهره الاب قائلا : هوذا اجساد الانبياء الكذبة قد ماتت ولكن الارواح التى كانت تتحارهم تطوف بين الناس تلتمس مسكنا فيهم . وانت الان لماذا اعطيت للشيطان موضعا كى يتكلم من فيك . اما سمعتت الرسول قائلا : كلمة رديئة لا يجب ان تخرج من افواهكم بل لتخرج كل كلمة صالحة لبناء الجماعة لكى تعطى السامع نعمة ، الا تعلم ان الكلمة التى ظنها لا تبنى رفيقك بل تهدمه ، ولماذا نطقت بها ؟ الم يكتب (( نفس بنفس )) الا تعلم ان نفسك تؤخذ عوضا عن نفسه . فانى الان اشهد لكم ان كل كلمة بطاله او استهزاء او لعب او مزاد او جهل هذه كلها زنى للنفس . ولكى ابين لكم مقدار غضب الله الذى يكون على ذلك الانسان الذى يتكلم بالكلام البطال وبكلام الاستهزاء اقول لكم المثل الاتى : دعا رجل غنى اناسا الى وليمة لكى يأكلوا يوشربوا ويفرحوا وفى الثناء الوليمة قام بعض المتكئين يمزحون فكسروا الاواتنى الموجودة فى بيت ذلك الغنى . ترى ماذا عمل الغنى ؟ انه غضب عليهم ووبخهم قائى : ياعديمى الشكر ، لقد دعوتكم لكى تأكلوا وتشربوا فكيف تمزحون وتكسرون الاوانى ؟ هكذا يعضب الرب على اولئك الذين دعاهم لدعوته قائلا لهم : دعوتكم لكى تتوبوا من خطياكم وتخلصوا ولكنكم هدمتم نفوسكم ونفوس الذين جمعتهم لى ليخلصوا ، بالضحك والكلام الباطل . (ب) توبيخه لتلميذه تادرس لاستسلامه للراحة الجسدية وشكواه من الم : حدث بينما كان الاخوة يقومون بالحصاد وتادرس يعمل معهم وهو صائم ان شعر بارتفاع حرارة راسه ، ومن بعد انتهاء العمل جلس يستظل ، فمر به الاب باخوميوس وقال له بوجع قلب : اتستظل ياتادرس ؟! فقام تادرس بسرعة ، ولما كان المساء تقدم تادرس اليه وقال : يا أبى انى اشعر بالم فى رأسى بسبب ضربة الشمس . فقال له الاب : يا تادرس ، ان رجلا راهبا يسلك طريق الكمال اذا مكث يعانى مرضا فى جسده عشرين عاما ، وهو متألم يجب الا يشكو لاحد من الناس الا من تلك الامراض التى لا يمكنه ان يخفيها ، وهذه الاخرى ايضا عليه ان يحتملها على قدر قوته والا يعطى نفسه راحة الا فة امر يفوق طاقته ، لانه مكتوب ان الروح مستعدة والجسد ضعيف . هل تظن ان تقطيع الاعضاء والحريق وحده شهادة ؟ لا ! بل ايضا تعب النسك و الضربات التى من الشياطين والامراض ، فمن يحتمل كل ذلك بشكر فذلك هو الشهيد والا فما الحاجة لان يكتب بوليس الرسو ل: (( انى اموت كل يوم )) فانه لم يكن يموت فى الظاهر كل يوم بل كان يصبر يحتمل ما يأتى عليه وكذلك رجال الله اليوم اذا كانوا فى امراض ويخفونها عن الناس فانهم يعتبرون شهداء ايضا. جهاده فى الصلاه والسهر : + لقد قيل دائما عن انبا باخوميوس انه كان يقضى وقتا طويلا فى جهاد الشياطين كمصارع حقيقى مثلما كان يفعل القديس انطونيوس ، ولما كانت شياطين كثيرة تأتيه فى الليل فانه طلب من الله ان يخلصه من النوم فى الليل كما فى النهار، حتى يستمر فى الصحو ويتمكن من ان يقهر العدو كما هو مكتوب (1) (( لا ارجع حتى افنيهم )) لان الايمان بالرب يفنى قوتهم ، فاعطى الله له هذه النعمة كما طلبها الى فترة (2) ولما كان الانبا باخوميوس طاهرا فانه كان يرى الله غير المنظور كما فى مرأة . اتضاعه العجيب : + بينما كان الانبا باخوميوس يعمل مع رهبانه بفرح وغبطة روحية قام انبا اثناسيوس الرسولى بزيارة رعوية . ولما دنا من منطقة دندرة سمع اصوات ترانيم وتسابيح الرهبان اللذين يسكنون تلك الناحية ، الذين خرجوا من ادريتهم لاستقباله متهللين ، وطلب مه سرابيون اسقف دندره ان يرسم باخوميوس كاهنا لان سرابيون حاول عبثا ان يضع اليد عليه ، وحين سمع باخوميوس ذلك الكلام اختفى عن الأنظار لانه من فرط اتضاعه كان يعتقد انه احط من ان ينال هذه الدرجة الكهنوتية السامية . فجمع الباب اثناسيوس رهبان انبا باخوميوس وقال لهم : سلموا لى على ابيكم وقولوا له بلسانى لقد هربت من المجد الباطل الذى كثيرا ما يثير الحسد فى النفوس . فلمنحك الله سول قلبك ، وانك مع هربك من المجد الفانى سعيت وراء المجد الباقى لذلك اعدك باننى لن اضع اليد عليك قسرا . وأمل ان اتيح لى المرور من هذا الطريق مرة اخرى ان افرح بلقياك . ولما شعر انبا باخوميوس بانصراف الباب السكندرى خرج من مكمنه أمنا مطمئنا . + جاء ضمن سيرة الاب باخوميوس ، انه فى بعض الاوقات بينما كان باخوميوس مع الاب بلامون ، وافاهما راهب قد استولت عليه الخبلاء والاعتداد بالذات واذا كان الوقت شتاء فقد كانت فدامهما نار تشتعل ، فلما راها الاخ الضعيف داخله السبح الباطل وقال لهما (( من منكما له ايمان صادق بالله ، فليقف على هذا الجمر ويقول الصلاه التى عليها السيد لتلاميذه )) . فلما سمع الشبح قوله هذا زحره قائلا : ( ملعون هو ذلك الشيطان النحس )) . فلم يحفل ذلك الاخ يقول الشيخح ولكنه قال (( انا )) ثم نهض قائما ووقف على ذلك الجمر المتقد كثيرا وقال الصلاه الانجيلية مهلا، مهلا ثم خرج من النار ولم تضره بشيى ء ومضى الى مسكنه بكبرياء قلب . فقال باخوميوس للشيخ : (( يعلم الرب ، انى عدجبت من ذلك الاخ ، الذى وقف على هذا الجمر ولم تحترق قدماه )) . فقال له الشيخ : (( لا تعجب يا البنى من هذا ، لانه بلا شك من فعل الشيان ، ولاجل انه لم يذلل قلبه ، تسامح الله فى ان لا تحترق قدماه ، كالمكتوب ان الله يرسل لذوى الاعوجاج طرقا معوجة (1) ولو علمت يابنى ما ينتهى اليه امره ، لكنت تبكى على شقاوته )). وبعد ايام قليلة ، لما رأة الشسيطان ان جاتنح لخداعه ، تشكل بصورة امراة جميلة جدا ، متزينة بثياب فاخرة ، فجاءت اليه ، وقرعت بابه، ففتح لها لوقته ، حينئذ اسفرت عن وجهها وقالت له : (( اعلم ايها الاب الخير ان على دينا لاقوام مقتدرين ، وهم يطالبوننى ، وليس لى ما اورفيهم ، واخشى ان يقبضوا على ، وياخذونى عبده لهم ، لانهم مسافرون ، فاعمل جميلا ، واونى عندك يوما واحدا او يومين حتى يمضوا فيكون لك من الله جزيل الاجر ، ومنى انا المسكينة صالح الذكر )). فاما هو فلا نغلاق قلبه ، لم يحس البلاء الذى دبر له ، داخل قلايته ، حينئذ لعبت عليه افكاره ، فعول على معاشرتها ، ومد يده نحوها ليتم الفعل النجس فاوقته باغته الشيطان وصرعه على الارض ، فضصاع عقله وبقى مسبخا كالميت نهارا وليلا ، ثم عاوده رشده فقام ، وجاء الى الشيخ بلامون وهو بالك ، فطرح ذاته بين يديه قائلا (( انا هو السبب فى هلاكى ، وعلة مماتى ، لانى لم اصغ الى كلامك ، ولذلك حل بى ما حل )) . وشرح ما حدث له ، ثم طلب صلاه ، فلما قاما ليصلى عليه باغته الروح النجس ، وطقر به طقره منكره ومضى مستكبرا مسافة بعيدة ، حتى وصل مدينة تدعى بانوس ، وبقى فيها ضائع العقل وقتا ، واخيرا زج بنفسه فى تنور متقد ،ـ حيث احترق وهلك (1). + حدث ان تقدم بعض الرهبان الى انبا باخوميوس يسألونه: (( قل لنا يا ابانا ما الذى يمكننا ان نعمله لنحظى بالقدرة على اجراء الايات والعجائب ؟)). اجابهم بابتسامة : (( ان شئتم ان تسعوا سعيا روحيا ساميا فلا تطلبوا هذه المقدرة لانها مشوبة بشيى من الزهو ، بل اسعوا بالحرى لتظفروا بالقوة التى تمكنكم من اجراء العجائب الروحية . فان رايتم عابد وثن وانرتم امامه السبيل الذى يقوده الى معرفة الله فقد احييتم ميتا ، واذا رددتم احد المبتدعين فى الدين الى الايمان الارثوذكسى فتحتم اعين العميان ، واذا جعلتم من البخيل كريما شفيتم يدا مشلولة ، واذا حولتم الكسول نشيطا منحتم اشفاء لمقعد مفلوج ، واذا حولتم الغضوب وديعا اخرجتم شيطانا ، فهل هناك شيىء يمع الانسان ان يناله اعظم من هذا)). + ولما سمع بسيرة الاب باخوميوس قوم من رهبان هراطقة ارسلوا اليه جماعة لايسين شعرا وقالوا للاخوة ان كبيرنا مقودونيوس قد ارسلنا الى ابيكم قائلا : (( ان كنت رجل الله حقا ، وما سمعناه عنك صحيحا ، فتعال لنعبر انا وانت النهر سائرين بارجلنا على سطح الماء ، فيعرف كل واحد عمليا من منا له دالة ووجاهة عند الله )) . فعرف الاخوب الاب بذلك ، فانكر عليهم ذلك قائلا : (( لماذا استجرتم سماع هذا الكلام بالجملة ؟ اما علمتم ان هذه المسائل بعيدة عن الله ، ولا تقبلها سيرتنا ؟ لانه اى ناموس يأمر بهذا ويبعثنا على القيام به ؟ )) . فقال الاخوة : (( ايتجاسر هراطيقى بعيد عن الله ان يستدعيك لمثل هذا ؟)). فاجابهم : (( قد يمكن للهراطيقى ان بعر على ظهر النهر كعبوره على ارض يابسه بمظافرة الشيطان اياه ، وبسماح من الله حتى لا ينفك كفره )) . فامضوا وقولوا لهم : هكذا قال عبد الله باخوميوس ان حرصى انا ، هو هذا : ليس لكى اعبر هذا النهر ماشيا ، بل كيف اعبر دينونة الله الرهيبة ، وان اعبر ايضا هذه الاعمال الشيطانية بقوة الرب )). ولما قال هذا الكلام اقتنع الاخهوة بالا يفتخروا باعمالهم ، ولا يشتهوا اجتراح الايات ، ولا يجربوا الله البتة حسبما كتبت : (( لا تجرب الرب الهك ) ). افرازه : ذكر بعض الاباء ، انه كان اخ من الاخوة يتنسك كثيرا ليس من اجل الله فلما رآه ابونا القديس باخوميوس وعلم امره ، وقال له على انفارد : تعلم يا أخى ان الرب يقول انى نزلت من السماء ليس لاعمل مشيئتى لكن مشيئة الاب الذى ارسلنى . فاسمع منى ما اريد ان اقوله لك لانى ارى ان الشيطان قد حسدك ويريد ان يهلك تعبك فاذا علمت ان الاخوة يريدون ان يأكلوا اذهب معهم وكل قليلا دون شبعك لاجل تدبير الجسد ، وهذا الشيىء ما يمنعك عن عبادة الله . واذا فرغت صلاه الاخوة ايضا لا تصل وحدك كثيرا حتى تغلب الشيطان وتهلك شيطان العجب والافتخار لانه قد اشتملك . فلما سمع هذا الكلام قبله من ذلك الوقت فقط ، ثم انه رجع الى ضلالته قائلا فى نفسه : ان كنت لا تصوم ولا تصلى ولا تتنسك فانا اباشر هذه الاعمال التى تخلصنى .. ثم بدا يصلى ايضا ، فلما سمع القديس بذلك ، دعا تلميذه تادرس وقال له : انى حزين كثيرا من اجل فلان . امض فانظر اى شيىء يعمل . فلما ذهب اليه وجده يصلى بدوام فرجع الى عند الشيخ واخبره بذلك فقال له القديس : ارجع اليه وامنعه من الصلاه ، واذا منعته حينئذ يتبين لك الشيطان الذى استولى عليه . واذا رأيت ذلك امسكه انت الى ان اجيىء انا . فانطلق تادرس وصنع كذلك ، فلما منعه من الصلاه صرخ على تادرس قائلا: يامنافق انت تمنعنى ان لا اصلى . ثم تناول عودا عظيما وقصد ان يضرب به تادرس على راسه فانتهره باسم الربي وللحين ترك العود ، وقال لتادرس ذلك المجنون : اتريد ان تعلم ان الذين يصلون بلده من فعلنا يضلون . فغسمع ذلك وبدأ المريض يصلى تسبحة موسى الاولى ، فلما سمع ذلك تادرس تعجب وفزع قائلا : كم من اليقطة والانتباه تلزم الانسان حتى يتخلص من تجارب الشيطان . وان ابونا باخوميوس اتى واخذ الاخ المطغى الى الكنيسة وجمع الاخوة وامرهم ان يصلوا معه ويطلبوا من الله ان يرجع ذلك الاخ . وان الله الرحيم شفاه وخلصه من الشيطان النجس وعاد الاخ فيما بعد بكل طاعة واجتهاد واتضاع خاضعا للقديس ، مطيعا اوامره الحسنة ، بركة صلاته تكون معنا . + فى بعض الاحيان ظهر الشيطان للاب باخوميوس فى صورة السيد المسيح يتجلى ، وقال له : ( افرح ياباخوميوس لانى جيئت لافتقادك ) ففكر فى نفسه قائلا : ( من شأن المناظر الالهية انها من لذة بهجتها وحلاوة نعيمها تسبى خيال مستحقيها اليها ولا يبقى لهم فكر اخر ، ولكن افكارى الان تروى فنونا والوانا ) . فلما وجده الشيطان مفكرا فى هذا ، ابعد عنه الافكار ، فقال الاب فى نفسه : (( انى كنت افكر افكارا والان فلا وجود لها )) . واذا قال ذلك فى نفسه قام الى الشيطان وهو باسط يده كمن يريد ان يمسكه وفى الحال صار كدخان وتلاشى . رعايته : ومما يؤثر عن العناية البالغة التى كان يبديها ابو الشركة برهبانه انه كان يجلس كل مساء معهم بعد صلاة الغروب ليستمع الى اسئلتهم ويجيب عنها . نياحته : فى سنة 348 م تفشى فى مصر وباء الطاعون وبلغ اديرة الصحارى . فكان الانبا باخوميوس فى هذا الظرف يطوف بين المصابين بهذا الداء . وبيما كان ابو الشركة يحضر شعائر القداس الالهى ليلة عيد الصعود (1) المجيد احس بعوارض ذلك المر الخبيث فى جسمه . وبعد انتهاء الخدمة دعا تلاميذه واخذ يوصيهم بالمحافظة على قوانين الشركة الروحية والعمل بها . وما ان فرغ من وصيته لهم حتى اسلم روحه الطاهرة . |
رد: بستان الرهبان
القديس مار اسحق هو ناسك عظيم من محبى الوحدة والسكون ، ترهب هو واخوه حسب الجسد فى احد اديرة طور سيناء ونال الاثنان شهرة كبيرة ثم اتجه كل منهما اتجاها خاصا بختار مار اسحق حياه السكون الكامل بينما صار اخوه رئيسا للدير ، ووصلت محبة الوحدة بمار اسحق انه عاتب اخاه عتابا شديدا فى رسالة مشهورة له عندما طلب منه ان يزور الرهبان فى الدير وشرح مار اسحق الاضرار التى تصيبه من مجرد النزول الى الدير . والعجيب فى كل ذلك ان هذا المتوحد العظيم على الرغم من محبته الكاملة لحياة السكون صار اسقفا لنينوى ، لسنا ندرى ما هى الظروف التى لابستن هذا الامر ، ولكن التاريخ يسجل لنا انه لما وجد ان الاسقفية تحرمه من حياه السكون ترك الاسقفية ومضى . وفى هروبه لم يرجع الى مغارته الاولى وانما ذهب الى برية شيهيت واستقر فيها سنوات وقد وضع مؤلفات ضخما من اربعة كتب عن طقس الوحدة يعتبر من اروع الكتب فى هذا الموضوع وانتفع فيه باراء كبار الاباء فى هذا المجال كالقديس مقاريوس الكبير ومار اوغاريس والقديس يوحنا التبايسى وغيرهم . |
رد: بستان الرهبان
الأنبا أرسانيوس معلم اولاد الملوك حياة القديس ارسانيوس الأولى ونشأته : جاء عن القديس ارسانيوس انه كان من روما العظمى وكان من افاضل فلاسفتها . وكان والده من اكابر البلاط المقربين إلى الملك فلما ملك تاودسيوس ارسل إلى الملك والبابا بروما طالبا رجلا فليسوفا يحسن اللغتين الرومية ( اللاتينية ) واليونانية لكى يعلم اولاده الحكم والادب ، فلم يجدوا فى كل فلاسفة روما رجلا يشبه ارسانيوس فى الحكمة والفضل ومخافة الله فارسلوه إلى الملك بالقسطنطينية ففرح به الملك واحبه لفيض معرفته ، ولاجل نعمة الله التى كانت عليه . فسلم له الملك اولاده وقدمه على كل اكابر مملتكه . وكان إذا ركب يكون قريبا من الامبراطور وكان له امر نافذ وعبيد كثيرون يقومون بخدته ولم يتخذ فى بيته امرأة . خروجه إلى العالم : لما بلغ مركزا هكذا بدأ يفكر فى نفسه قائلا: ان كل هذا لابد له ان يتلاشة كما ينحل المنام ، وان كل غعنى الدنيا وجدها وجاهها عبارة عن حلم . ولا يوجد شيىء ثابت غير قابل للتغير وانه لا ينفع الإنسان الاخير بقدمه قدامه )). فزهدت نفسه كل شيىء ، وصار يطلب من الله كل وقت قائى : (( عرفنى يارب كيف اخلص )) فجاءه يوما صوت يقول له L ياراسانى اهرب من الناس وانت تخلص ). وصوله الاسقيط : قام لوقته وترك كل شيىء ونزل إلى البحر فوجد سفينه اسكندرية تريد السفر ، فركب فيها وجاء بها إلى الاسكندرية ومن هناك اتى إلى الاسقيط ، إلى الاب مقاريوس ، ذاك الذى اسكنه فى إحدى القلالى الخارجة عن الدير لانه وجده عاشقا للهدوء . وبعد حضوره بأيام قلائل تنيح الاب مقاريوس . حياته الرهبانية الأولى بدأ القديس ارسانيوس حياته الرهبانية بنسك عظيم وصلاه وقداسه وزهد حتى فاق كثيرين وسمع بفضله اولاد اكابر اللقسطنطينية وامرائها وابتدأ كثيرين منهم يتزهدون ويجيئون إلى ديار مصر ويترهبون . + ميله الشديد للتعليم : بدأ القديس حياته الرهبانية بميل شديد للتعليم ، فقط قيل عنه : كان انبا ارسانيوس دفعة يسأل أحد الشيوخ المصرين عن افاره فرآه شيخ آخر وقال له : يا ابتاه ارسانيوس كيف – وانت المتأدب بالرومية واليونانية – تحتاج إلى ان تسأل هذا المصرى الامى عن افكارك ؟ .. اجابه انبا ارسانيوس قائلا : (( اما الأدب الرومى واليونانى فانى عارف به جيدا .. اما الفا فيطا التى احسنها هذا المصرى فانى إلى الآن لم اتعلمها )) وكان يقصد طريق الفضيلة . + طريقة تدريبه : ان انبا ارسانيوس لاجل انه ربى فى الملك ونشأ فى الملك وكمان ذا جسد مترفه كاولاد الملوك ، لم يقدر سريعا ان يعبر فى طريقة رهبان المصرين ولا صعوبة مسلكهم عاجلا ، بل كان يأخذ نفسه بقطع شهوته بالتدريج قليلا حتى يصل إلى درجاتهم (1). والعجيب انه لم يكن محتاجا إلى طرقة مباشرة فى تعليمه بل كان يستقى الحياه النسكية مما يحدث حوله واحيانا كثيرة كانت تكفيه الاشارة كما حدث فى القصتين التاليتين . 1- جلس الاب ارسانيوس فى بعض الأيام يأكل فولا مسلوقا مع الاخوة وكانت عادتهم ان لا ينقوه . اما هو فكان ينقى الفول الابيض من بين الاسود والمسوس ويأكله فلم يوافق رئيس الدير على ذلك وخشى ان يفسد نظام الدير . فاختار رئيس الدير أحد الاخوة وقاله له : (( احتمل ما افعله بك من اجل الرب )) . فأجابه الاخ : امرك ياأبى . وقال : اجلس بجانب ارسانيوس ونق الفول الابيض وكله – فعمل الاخ كما امره رئيس الدير الذى فاجأه بلطمة مرة على صدغه وقال : كيف تنقى الفول الابيض لنفسك وتترك الاسود لاخوتك ؟.. فصنع ارسانيوس مطانية للرئيس وللاخوة وقال لذلك الاخ : (( يا أخى .. أن هذه اللطمة ليست لك ولكنها موجهة لخد ارسانيوس )) . واردف قائلا : (( هوذا ارسانيوس معلم اولاد الملوك اليونانين لم يعرف كيف يأكل الفول مع رهبان اسقيط مصر ) . وهكذا ازداد فهما واحتفاظا بموهبته . 2- قيل ان أحد الاخوة المجاورين لقلاية انبا ارسانى خرج يوما ليقطع خوصا . وكان يوما حره شديد . فلما قطع الخوص ورجع اراد ان يأكل فلم يمكنه ان يبلع الخبر اليابس لان الحر كان قد يبس حلقه . وفى ذلك الوقت كان الاخوة بالاسقيط يسلكون بتقشف عظيم ونسك زائد فأخذ الاخ وعاء به ماء واذاب فيه قليلا من الملح ، وبل الخبر وبدأ يأكله .. فدخل إليه الاب اشعياء ليفتقده ، فلما احس الاخ بالانبا اشعياء رفع الوعاء وخابأة تحت الخوص . وكان انبا اشعياء رجلا ذكيا حارا فى الروح جدا . وكان يعلم بأن انبا ارسانيوس يعمل صنفين من الطعام : بقلا وخلا ولكن لاجل احتشامه لم يرد الاباء ان يكسروا قلبه سريعا . فوجد انبا اشعياء انها فرصة مناسبة لان يؤدب انبا ارسانيوس بواسطة هذا الاخ . فقال للاخ: ما هذا الذى خبأته منى ؟ .. فقال الاخ : ( اعفر لى ياابى مناحل محبى السيد المسيح لقد دخلت البرية لاقطع خوصا فاشتد على الحر جدا لدرجة انه سد حلقى. فلما دخلت القلاية اردت ان اكل فلم استطع بلع الخبز لجفاف فمى وحلقى فاخذت ماء واذبت فيه قليلا من الملح وبللت به القراقيش ( الخبز الجاف )) ليسهل لى بلعه )). فأخذ الانبا اشعياء الوعاء وخرج ووضعه قدام قلاية انبا ارسانيو وقال للمراقب : دق الجرس كى يحضر الاخوة ليصيروا الاخ زيتون كيف يأكل مرقا ، فلما حضروا التفت إلى الاخ وقال له أمام الاخوة : يا أخى ، لقفد تركت تنعمك وكل مالك وجثث إلى الاسقيط حبا فى الرب وفى خلاص نفسك فكيف تريد الآن ان تلذذ ذاتك بالاطعمة ؟.. ان تريد ان تأكل مرقا امض إلى مصر لانه لا يوجد فى الاسقيط تنعم فلما سمع الانبا ارسانيوس قال لنفسه : هذا الكلام موجه إليه يا ارسانى ، وفى الحال امر خادمه ان يعمل له بقولا فقط . وقال : ها أنا قد تأدبت بسائر حكمة اليونانين اما حكمة هذا المصرى بخصوص الاكل وحسن تدبير فانى لم اصل إليها بعد . لقد صدق الكتاب اذ يقول : وتأدب موسى بكل حكمة المصرين . + موته عن العالم : دفعه اتى إليه رجل يدعى جسربانوس بوصية من رجل شريف من جدنسه مات واوصى له بمال كثير جدا . فلما علم القديس بذلك هم بتمزيق الوصية فوقع جسريانوس على قدميه وطلب إليه إلا يمزقه وإلا فرأسع عوضها ، فقال له القدس : أنا قدمت منذ زمان وذلك مات ايضا . وبذلك صرفه ولم يأخذ منه ولا فلسا واحدا . حياته فى التوحد 1- جهادة فى الصلاه والسهر : + قيل عنه انه كان يستمر الليل كله ساهرا . فإذا كان الغد كان يرقد من اجل الطبيعة مستدعيا النوم قائلا: هلم ياعبد السوء وكان يغفو قليى وهو جالس ، ولوقته يقوم وكان يقول : (( يكفى للراهب ان يرقد ساعة واحد من الليل ان كان عمالا. + قيل ايضا انه فى ليلة الاحد كان يخرج خارج قلايته ويقف تحت السماء ويجعل الشمس خلفه ويبسط يديه للصلاه حتى تسطع الشمس فى وجهه ثم يجلس. وفى جهاده مع الشياطين ورد ما يلى : قصده الشياطين مره ليجربوه . فلما جاءه اللذين يخدموه سمعوا صوته وهم خارج القلاية وهو يصرخ إلى الله ويقول : (( يارب لا تخذلنى فأنى ما صنعت قدامتك شيءا من الخير .. لكن هبنى من فضلك ان ابا فى عمل الخير .. )). + وقد اخبر عنه دانيال تلميذه فقال : (( انه ما طلب قط ان يتكلم من كتاب بل كان يصلى من اجل ذلك لو اراد . وما كان يكتب رسالة )) . + حدث مرة ان ذهب أحد الاخوة إلى قلاية القديس ارسانيوس فى الاسقيط ، وتطلع من النافذة فأبصر الشيخ واقفا وجسمه كله مثل نار ، وهذا الاخ كان مستحقا لرؤية ذلك المنظر . فطرق الباب وخرد إليه الشيخ ولما رأى الشيخ أن الاخ كان مندهشا من المنظر الذى رآه قال له : (( هل كنت تطرق على الباب لمدة طويلة ؟.. وهل رأيت شيئا غير عادى؟.. ثم خاطبه ابا ارسانيوس وصرفه . + مره دعا تلميذيه الكسندر وزويل وقال لهما : ان الشيطاين تقاتلنى ولكونى لا أدرى ان كانت تحربنى بالنوم فهلما اتعبا معى فى هذه الليلة واسهرا واراقبانى وانظرا ان كنت اغفو اثناء سهرى ، فجلسا واحد عن يمينه والاخر عن يساره من غروب الشمس إلى شروقها ، وقد قالا : اننا نمنا واستيقظنا ولم نلاحظ انه نام بالمرة ولكن لما بدأ النهار يلوح نفخ ثلاث نفخات كأنه نائم وساء اكان ذلك عن قصد حتى نظن نحن انه قد نام او ان النعاس قد غلبه لسنا ندرى – ثم نهض وقال لنا : هل كنت نائما ؟. فقلنا له : لاندرى يا أبانا لاننا انفسنا قد غلبنا النوم . وهكذا كان القديس يخفى فائله ويتظاهر ان يغلب بالنوب لكنه كان يقظا ساهرا . 2- صمته .. وهدوئه . + قيل عن انبا ارسانيوس انه بعدما هرب من القسطنطينية واتى إلى الاسقيط كان يداوم على الصلاه والتضرع إلى الله ان يرشده إلى ما ينبقى له ان يعمل وكيف يتدبر . وبعد مضر ثلاث سنين جاءه صوت يقول له : (( يا أرسانيوس .. الزم الهدوء والبعد عن الناس واصمت وانت تخلص لان هذه هى عروق عدم الخطية ) . \ فما ان سمع الصوع دفعه ثانية حتى كان يهرب من الاخوة ويلزم نفسه الهدوء والصمت . \ + ذكر عنه ايضا انه لما ابتدأ اني تعلم الصمت كان جحاءه الصوت لم يقدر سريعا . فوضع حصاه وزنها اثنا عشر درهما فىفمه ثلاث سنين لا يخرجهخا إلا وقتما كان يأكل او يجيئه غريب فكان يعزيه لاجل الله . وبهذه الفضيلة قوم السكوت وعلم فمه الصمت . ( 820 ميامر ) من 5 + وخبر عنه ايضا انه من كثرة الهدء والسكينه التى كانت له ، دخلت عليه فى قلايته الشياطين وتقدم منه واحد ومعه سكين يريد ان يقطع بها يدريه فلم ينزعد القديس ولا اختبل بل مد يده وقال اعمل ما شئت لاجل محبة المسيح . فلما رأى العدو الشطان هذا الهدوء وهذا الصبر صاح : (( احرقتنى ايها الشيخ بكثرة هدوئة واتضاعك (1) + قال : كثيرا ما تكلمت وندمت ، وأما عن السكوت فما ندمت قط )) . والقصة التالية توضح مقدار محجبة القديس ارسانيوس للسكوت من جهة ومن جهة اخرى كيف ان مواهب الروح القدس فى الكنيسة متعددة . + حدث مرة ان جاء اخ غريب إلى الاسقيط ليبصر الانبا ارسانيوس فاتى إلى الكنيسة وطلب من رجال الاكليروس ان يروه اياه ، فقالوا له : كل كسرة خبر وبعد ذلك تبصره ، فقال : لن اتذوق شيئا حتى ابصرفه . فارسلوه معه اخا ليرشده إليه لان قلايته كانت بعيدة جدا . فلما قرع الباب فتح له وصليا وجلسا صامتين . فقال الاخ الذى من الكنيسة : أنا منصرف فصليا من اجلى . اما الاخ الغريب فلما لم يجد له دالة عند الشيخ قال : وأنا منصرف معك كذلك ، فخرجا معا . فطلب إليه ان يمضى به إلى قلاية انبا موسى الذى كان اولا لصا . فلما اتى إليه قبله بفرح ونيح وغربته وصرفه . فقال له الاخ الذى ارشده : ها قد اريتك اليونانى والمصرى . فمن من الاثنين ارضاك ؟. اجابه قائلا : اما أنا فاقول : ان المصرى قد ارضانى . فلما سمع أحد الاخوة ذلك صلى إلى الله قائلا : يارب اكشف لى هذا الأمر ، فان قوما يهربون من الناس من اجل اسمك وقومك وقوما يقبلونهم من اجل اسمك ايضا . والح فى الصلاهوالطلبة فتراءت له سفينتان عظيمتان فى لجة البحر . ورأى فى احداهما انبا ارسانيوس وهو يسير سيرا هادئا وروح الله معه . ورأى فى الاخرة انبا موسى وملائكة الله معه وهم يطعمونه شهد العسل (1). 3- حياة التخشع المستمرة والدموع : + قيل عنه : انه إذا جلس يضفر الخوص كان يأخذ خرقة ويضعها على ركبتيه لينشف بها الدموع التى كانت تتساقط من عينيه . وفى زمان الحر كان يرطب الخوص بدموعه وهو يضفر من اجل ذلك كان شعر جفونه يتساقط من كثرة البكاء . + قيل عنه ايضا : انه فى كل بكره وعشية كان يحاسب نفسه ويقول : (( ماذا عملنا مما يحب الله ، وماذا عملنا مما لا يحب الله )) ، وهكذا كان يفتقد حياته بالتوبة . + وكان يقول كل الاوقات : (( تأمل يا أرسانى فيما خرجت لاجله )). 4- تقشفه : (I) الاكل بقدر : + قال عنه دانيال أحد تلاميذه : ان مؤونته فى السنة كان تلبس قمح واذا جئنا إلى عنده كنا نأكل منها . + وقيل عنه ايضا : انه عندما كان يسمع ان الفواكه نضجت على الأشجار كان يطلب من الاخوة ان يحضورا له بعضا منها ، إذا اعتاد ان يأكل مرة واحد فى السنة كل نوع من انواع الفواكه حتى يقدم التمجيد لله . (II) التعرى من الترف : وما كان يحدد ماء الخوص إلا دفعة واحدة فى السنة فكلما نقص الماء اضاف إليه قليلا منه وهكذا صارت له رائحجة كريهة جدا ونتن لا يطاق وكان يعمل الضفيرة ويخيط إلى ست ساعات يوميا . وحدث ان زاره الاب مقاريوس الاسكندرى . فلما اشتم الرائحة قال له : (( يا أبانا ارسانيوس لم لا تغير هذا المال لانه قد انت ؟ فاجابه انبا ارسانيوس قائلا : (( الحق انى لا استطيع ان اطيقها . لكنى اكلف نفسى باحتمال هذه الروائح الكر يهة وذلك عوض الروائح الزكية التى تلذذت بها فى العالم .فلما سمع الاخوة الموجودين ذلك انتفعوا . (ج) عمل اليدين : + ذكر عن انبا ارسانيوس انه من يوم اخذ الاسكيم لم يبق فى قلايته اكثر من حاجته بل كان يتصدق بالباقى للجميع . وكان قد تعلم ضفر الخوص من الرهبان ، وكان يضفر القفف والمراوح وغيرها ويبيع ويأكل منه ويشترى خوص الضفائر ويتصدق بما تبقى . وهكذا كان عمله دائما (1). اتضاع القديس وانكار ذاته : + حىء إلى الاسقيط مرة بقليل من التين فاقتسمهما الرهبان فيما بينهم ولاجل انه شيىء ضئيل استحو ان يرسلوا له منه شيئا قليلا وذلك لجلاله منزله . فلما سمع الشيخ امتنع عن المجىء إلى الكنيسة وقال : (( افرزتمونى من الاخوة ولم تعطونى من البركة التى اسلها الله كأنى لست اهلا لان آخذ منها ، ولوجه آخر نسيتمونى بسبب كبريائى )). فلما سمعت الجماعة انتفعوا من اتضاع الشيخ وانطلق القس واتاه بنصيب من التين ففرح وجميعهم سبحوا الله وجاء معهم إلى المجمع . + قيل عن انبا ارسانيوس وتادرس الفرمى انهما كان مبغضين للسبح الباطل جدا اكثر من غيرهم من الناس . أما أنبا ارسانيوس فلم يكن يلتقى بالناس كيفما اتفق . وأما تادرس فأنه وان كان يلتقى بهم لكنه كان يجوز بسرعة كالرمح . + مرض الانبا ارسانيوس مرة واحتاج إلى شىء قيمته خبزة واحدة . واذ لم يكن له ما يشترى به ، اخذ من انسان صدقة وقال : (( اشكرك يالهى يا من اهلتنى لان اقبل اصدقة من اجل اسمكم )) . + وحدث وهو فى الاسقيط ان مرض فمضى القسيس وجاء به إلى الكنيسة ووضعه على فراشر صغير ووضع تحت رأسة وساده من جلد الغنم ، فلما جاء بعض الشيوخ ليتفقدوه وروأو الفراش والوسادة قالوا : أهذا هو ارسانيوس المتكىء على هذا الفراش .. ؟! فما كان من القسيس إلا ان اختلى بأحدهم وسأله قائلا : ماذا كان عملك فى بلدتك قبل ان تترهب ؟ قال : راعيا . قال له : وكيف كان تدبيرك فى عيشتك ؟أجابه : تدبير المشقة والتعب . والان كيف حالك فى قلايتك فا أجابه بكل ارتياح افل مما كنت فى العالم . فقال له القسيس : إلا تعلم ان انبا ارسانيوس هذا كان فى العالم ابا لملوك ، وكان له ألف غلام من اصحاب المناطق الموشاه بالذهب واطواق اللؤلؤ .. وكان له عبيد وخدم يقومون بخدمته وهو جالس على الكرسى الملوكية وتحته البرفير والحرير الخاص الملون ، فأما انت فقد كنت راعيا ولم يكن ذلك فى العالم ما هو لك الآن من النباح ، اما هذا فليس له شىء من النعيم الذى كان له فى العالم . فالان انت مرتاح اما هو فمتعب. فلما سمع الشيخ ذلك ندم وصنع مطاينة قائلا: اغفر لى يا أبى فقد اخطأت . بالحقيقة هذا هو الراهب لانه اتى إلى الاتضاع واما أنا فقط اتيت إلى نياح وانصرف منتفعا . + قال انبا دانيا عن انبا ارسانيوس انه بتمسكه بالسكون كان يمتنع عن الكلام فى تفسير الكتاب المقدس بالرغم من قدرته على ذلك ، إذا رغب ، كما انه لم يكن ليكتب حرفا واحدا بسرعة . محبته للوحدة وتجلده فيها : قيل ان قلايته كانت على بعد اثنين وثلاثين ميلا ، وما كان يأتى بسرعة وكان اخرون يهتمون به . فلما خرب الاسقيط خرج باكيا وقال : اهلك العالم رومية . واضاع الرهبان الاسقيط . لماذا يهر ب من الناس : سأل الاب مقاريوس انبا ارسانيوس مرة قائلا: لماذا تهرب منا يا أبتاه ؟ )).فا أجابه الشيخ قائلا: (( الله يعلم انى احبكم ، ولكنى لا استطيع ان اتكون مع الله ومع الناس فلهم ارادات كثيرة وهكذا لا استطيع ان اترك الله واصير مع الناس )). الخروج إلى الدير ثم إلى الوحدة : + سأل الاخزوة : (( لماذا اعتبر الشيوخ انبا ارسانيوس فى خروجه من العالم إلى الدير ثم فى خروجه من المجمع إلى الوحدة مثالا سجلوه فى الكتب ؟)) هنا رد أحد الشيوخ : (( ذلك لان انبا ارسانيوس قد اخرجه الله إلى الدير – ثم اخرجه إلى الوحدة . ولانننا واثقون ان هاتين الدعوتين كانتا حسب ارادة الله فحق للشيوخ ان يأخذوا قانونهم من حياه رجل الله هذا )). وقد فسر أحد الشيوخ القدمات هذين الندائين فقال : سأل بعض الاخوة أحد الشيوخ القديسين : (( فسر لنا الندائين سمعهمها انبا ارسانيوس )) . ما معنى ما قيل له فى النداء الأول . (( فر واهرب من الناس وأنت تحيا )) . وما معنى ما قيل له فى النداء الثانى : (( اهرب ، واحفظ السكون ، هش حياة التأمل فى السكون لان هذه هى الامور الرئيسية التى تحفظ الإنسان من الخطية ؟)). اجاب الشيخ ان النداء (( فر واهرب من الناس وانت تحيا )) معناه ان اردت ان تتخلص من الموت الكامن فى الخطية ، وان تحيا الحياه الكاملة التى فى الصلاح اترك ممتلكاتك وعائلتك ووطنك ، وارحل إلى البرية (( أى إلى الصحارى والجبال إلى الرجال القديسين واتبع معهم وصاياى وانت تحيا حياة النعمة . والمقصود من : (( اهرب ، والزم السكون ، عش حياة التأمل فى السكون )). انك لما كنت فى العالم وكنت مسوقا بمشاغل الامور التى فى العالم جعلتك تخرج منه وارسلتك للسكنى مع الرهبان ، حتى بعد فترة قصيرة من السكنى فى مجمع الرهبان يمكنك ان تسمو باتباع وصاياى بانطلاق ، وللتأمل فى السكون . والان إذا قد تدريب التدريب الكافى فى النداء الأول تستطيع ان تهرب من المدير (( مجمع الاخوة )) وتدخل إلى الوحدة فى قلايتك ، تماما كما انطلقت من العالم ودخلت إلى الدير . اما معنى (( احفظ السكون وعش حياة التأمل فى السكون )) فهو : انك اذقد دخلت إلى الوحدة فى قلايتك فلا تعط للزائرين فرصة المجىء اليك والتحدث معهم بلا ضرورة إلا فى الامور التى تتعلق بسمو الروح ، فإذا فعلت هذا فسوف تجنى ثمار الجلوس فى السكون والتأمل ، لانه بالنظر وبالمسع وبالحدث مع الزائرين الذين يأتون اليك فقوة الافكار التى تعطيش فيها تنقلك بعيدا فتشتت تأملاتك وسكونك ، ولكن لا تظن ان مجرد ترك الاخوة فى الدير او عدم قبول زائرين فى قلايتك يكون كافيا ليجعل عقلة هادئا او يمكنك من التأمل فى الله واصلاح ذاتك ما لم تحترس بالاكثر إلا تشغل عقلك بهم باية طريقة حينما يكونون بعيدين عنك .. فان الراهب عندما يتذكر أى انسان إنما يتذكره مرتبطا ببعض الميول أى بميول الاشتياق او الغضب او المجد الباطل ، فان حدث ان العقل جال فى اموره عادية فانه ما لم يقطعها عنه لابد ان يتجه تفكيره بالضرورة إلى الذكريات المتصلة ببعض هذه الامور . وهكذا الحال مع المبتدء فى حياة التأمل فى السكون إذا ما نذكر النساء فانه يسقط فى شهوة الزنا . واذا ما تذكر الرجال يسقط فى الغضب بالفكر . وحياججهم ويؤنبهم ويدينهم او يطلب منهم تكريما له ثم يميل إلى الحياه السلبية . وكذلك لما سألوا انبا مقاريوس . ما هو الطريق السليم للمبتدىء فى قلايته ؟. قال : (( لا يتذكرون الراهب فى قلايته انسانا فانه لا ينتفع شيئا من اجهاد افكاره فى المناقشات مع الناس وعليه ان يعتنى بضبط افكاره فى الخفاء من محجاججتهم وهذا ما قصد بنداء : (( اهرب ، الزم السكون والتأمل الصامت )). ارسانيوس والاب البطريرك : + اتى ذات يوم الباب ثاؤفيلس البطريرك ومعه والى البلاد إلى انبا ارسانيوس وسألوه كلمة فسكت قليلا ثم ثال لهم : (( انت قلت لكم شيئئا فهل تحفظونه ؟ )) فلما ضمن له الباب البطريرك امر حفظه قال لهم : (( اينما سمعتم بارسانى فلا تدنوا منه )). + وحدث ايضا مرة ان اشتهى البابا البطريرك ان يراه ، فارسل إليه يستأذنه ان كان يفتح له فأجاب : ان جئت فتحت لك ، وان فتحت لك فلن استطيع ان اغلق فى وجه أحد . وان فتحت لكل الناس فلن استطيع الاقامة هاهنا )). فلما سمع الاب البطريرك هذا الكلام قال : (( ان مضينا إليه فكانتا نطرده فالافضل إلا نمضى إليه )). زيارة اخ للقديس : دفعة اتاه أحد الاخوة وقرع بابه ففتح له ظانا انه خادمه ، فلما رآه انه ليس هو وقع على وجهه – فقال له الاخ : قم يا أبى حتى اسلم عليك ولو على الباب . فقال له الشيخ : لن اقوم حتى تنصرف . والح الاخ فى الطلب فلم يقم . فتركه الاخ وانصرف . زيارة بعض الاباء للقديس : زاره مره بعض الشيوخ وسألوه عن السكون وعن قلة اللقاء فقال لهم : ان العذراء ما دامت فى بين والديها فكثيرون يريدون خطبتها . فان هى دخلت وخرجت فانها بذلك لن ترضى كل الناس لان بعضهم يزدريها وبعضهم يشتهيها ، ولن تكون لها الكرامة إلا وهى مختفية فى بيت ابيها . هكذا النفس المهندية الهادئة المعتكفة متى اشتهرت تهلهلت . زيارة إحدى العذارى من بناء رؤساء البلاط فى روما : سمعت بخبره عذراء من بناء رؤساء البلاط فى روما . وكانت غنية جدا وخائفة من الله ، فلما جاءت لتبصره ومعها مال كثير وحشم وجنود ، تلقاها البابا ثاؤفيلس البطريرك بوقار كثير واضافها . فسالته ان يطلب إلى الشيخ بأن يفسح لها الطريق للمضى إليه . فكتب يقول له : ان السيدة (( ايلارية السقليكى ))(1)ابنة فلان من بلاط ملك رومية تريد ان تأذن لها برؤيتك لاخذ بركتك . وكتب ذلك لمقدم الاديرة بان يمكن السيدة (( ايلارية السقليكى )) من زيارة الاباء القديسين واخذ بركتهم . فلم يشاء الانبا ارسانيوس ان تأتى إلى البرية وانفذ لها بركة من عنده وقال لها : (( هوذا قد علمت بتعبك وسفرك ونحن مصلون لاجلك . فلا تحضرى لانى لا اشاء ان ابصر وجه امرأة ))ز اما هى فلم تقبل وقالت : (( ان ثقتى بالله ان ابصر وجهك الملائكى ، لانىلا ما تبعت وجئت لانظر انسانا – فبلدى كثيرة الناس – بل اتيت لاعاين ملاكا )) . وامرت ان يشدوا على الدواب حتى اتت إلى البرية فلما وصلت إليه كان القديس ارسانيوس خارج قلايته . فما ان ابصرته حتى خرت عند قدميه فاقامها بعض وقال (( لقد اثرت ان تبصرى وجهى . وها انت قد ابصرتيه فماذا استندت ))؟. اما هى فمن احتشامها لم تستطع النظر فى وجهه . فقال لها : (( إذا سمعت بأعمال فاضلة فاعملى على ان تمارسيها ولا تجولى طالبة فاعليها . كيف تجرأت فعبرت هذه البحار ؟ اما تعلمين انك امرأة ولا يليق بك الخروج إلى مكان ما اتريدين المضى إلى رومية قائلة للنساء الباقيات أننى رأيت ارسانى . فتحولين البحر طريقة للنساء ليأتوا إليه )). فأجابته السيدة قائلة : (( انى لايمانى يا ابى اتيت اليك وان شاء الله لن ادع امرأة تأتى اليك ، فصل من اجل واذكرنى دائما )) . فاجابها منتهرا قائلا: (( لا بل انى اصلى إلى الله ان يمحو خيالك واسمك وذكرك وفكرك من قلبى )) . وتركها ودخل قلايته . فلما سمعت ذلك لم ترد له جوابا ورجعت وهى قلقة الافكار ولما دخلت الاسكندرية اعترتها حمى لفرط حزنها . اما الباب ثاؤفيلس البطريرك فانه استقبلها باكرام جزيل وسألها عن امرها . فقالت : (( يا أبتاه ليتنى ما قابلت الشيخ لانى لما سألته ان يذكرنى اجابنى )) . انى اصلى إلى الله ان يمحجو خيالك واسمك وذكرك وفكرك من قلبى )) وهوذا عبدتك تموت من الحزن . فقال لها الباب البطريرك : (( إلا تعلمين انك امرأة . وأن العدو يقاتل الرهبان بالنساء . فالى ذلك اشار الشيخ . واما عن نفسك فهو يصلى دائما وغير ناس تعبك وسفرك )) فطاب قلبها ورجعت إلى بلادها مسرورة . + حدث مرة ان كان انبا ارسانيوس قلا فعزم على ان يترك قلايته دون ان يأخذ معه شيئا منها ، وذهب إلى تلميذيه الكسندر وزوبل بشخصه وقال لا لسكندر قم واذهبي إلى المكان الذى كنت فيه ( وفعل السكندر ذلك ) وقال لزويل قم وتعال معى إلى النهر وابحث لى عن سفينه قاصدة الاسكندرية ثم ارجه واذهب إلى اخيك ، وقد تعجب زوبل من هذا الحديث ، وعلى ذلك فقد افترقوا – اما القديس ارسانيوس فقط انطلق إلى الاسكندرية حيث مرض مرضا خطيرا . وعاد تلميذاه إلى المكان الذى كان يسكنان فيه قبلا وقال أحدهما للاخر : (( ربما اساء احدنا إلى الشيخ ولهذا افترق عنا )) ولكن لم يمكنهما ان يجدا فى نفسيهما سببا يكون قد ايقة .وكان لما عوفى الشيخ انه قال : (( اقوم واذهب إلى الاباء )) وارتحل وعاد إلى (( البترا Patara)) (1) حيث كان تلاميذه ، واثناء عبوره النهر رأته جارية حبشية واتت من ورائه وامسكت بثوبه وجذبته ، فزجرها الشيخ . اما هى فأجابته : (( ان كنت راهبا فاذهب إلى الجبل )) فانت الشيخ نفسه بهذه الاشارة وقال فى نفسه : (( ارسانيوس ، ان كنت راهبا فامض إلى الجبل )). من ثم استقبله تلميذاه الكسندرا وزوبل وخرا عند قدميه فطرح هو ايضا نفسه قدامهم . وبكوا جميعا فقال الشيخ : (( اما سمعتم انى كنت مريضا ؟ اجابوه : (( نعم )) فقال لهم : (( فلماذا لم تأتوا لتبصرونى )) اجابه الكسندروس قائلا : (( ان الطريقة التى افترقت بها لم تكن صحيحة وبسببها عثر كثيرون وقالوا / لو انهم لم يعصوا الشيخ فى امر ما .. ما كان افترق عنهم . قال لهم الشيخ : أننى اعرف هذا ولكن اناسا ايضا عتيدون ان يقولوا ان الحمامة إذ لم تجد موضعا لرجليها رجعت إلى الفلك (2) . وهكذا استراح التلاميذ وسكنوا معه مره اخرى . حياته الأخيرة ونياحته : + اخبر عنه دانيال تلميذه فقال : كان كاملا فى الشيخوخة وصحيح الجسم مبتسما . وكانت لحيته تصل إلى بطنه . وكان طويل القامة لكنه انحنى اخيرا من الشيخوخة وبلغ من العمر سبعا أو خمسا وتسعين سنة . أربعون سنة منها حتى خروجه من بلاط الملك . وباقيها فى الرهبنة والوحدة . وكان رجلا صالحا مملوء من الروح القدس والايمان . وقد ترك لى ثوبا من الجلد وقميصا من الشعر ونعالا من ليف وبهذه الاشياء كنت أنا الغير المستحق اتبارك . وقال تلميذه ايضا عنه : انه لم اقربت ايامه اوصى قائلا : (( لا تهتموا بان تعملوا تذكارا لى ولكن قدموا قربانا فقط .. وكان يقول دائما : إذا كنت فعلت شيءا فى حياتى يستحق الذكرى فسوف اجده . + ولما قرب وقت نياحته دعا تلاميذه وعزاهم ووعظهم وقال لهم : (( اعلموا ان زمانى قد قرب فلا تهتموا بشيىء سوى خلاص نفوسكن ولا تنزعجوا بالنحيب على .)) وكان البار يتكلم بهذا ودموعه تنهمر من عينيه فقالوا له : (( يا أبانا . اتفزع انت ايضا ؟ اجابهم قائلا : (( ان فزع هذه الساعة ملازم لى منذ جئت إلى الرهبنة )). وقال ايضا : هانذا واقف معكم أمام منبر المسيح المهاب ، فإذا جاءت الساعة رجائى إلا تعطوا جسدى لاحد من الناس )) . فقالوا له : فماذا نصنع لاننا لا نعرف كيف نكفنه ؟ فقال لهم الشيخ : (( اما تعرفون كيف تربطون رجلى بحبل وتجرونى إلى الجبل لتنتفع به الوحوش والطيور ))- وكان الشيخ يقول لنفسه دائما : (( ارسانى ارسانى تأمل فيها خرجت لاجله )) .. هكذا رقد القديس ودموعه تسيل من عينيه – فبكر تلاميذه بكاء مرا وصاروا يقبلون قدميه ويودعونه كانسان غريب يريد السفر إلى بلده الحقيقى . ولما سمع الانبا بيمين بنياحته تنهد وقال : (( طوباك يا انبا ارسانيوس لانك بكيت على نفسك فى هذا العام فان من لا يبكى على نفسه هاهنا زمانا قليللا ، سوف يبكى هناك زمانا طويلا . فان كان ها هنا بكاء بارادتنا واما هناك فالبكاء من العذاب وعلى كلتا الحالتين لن تنحجو من البكاء وعلى ذلك فما امجد ان يبكى الإنسان على نفسه هاهنا )). ************ ولما حضر البابات ثاؤفيلس البطريرك الوفاة قال : (( كوباك يا انبا ارسانيوس لانك لهذه الساعة كنت تبكى كل ايام حياتك )) . ولما كان بلاديوس قد اورد سيرة مختصرة حوت بعض امور لم ترد فيما سبق فاننا نوردها كما هى اتماما للمنفعة . قيل ان انبا ارسانيوس انه حين كان فى العالم كان رداؤه انعم من أى انسان اخر ، وحين عاش فى الاسقيك كان رداؤه احقر من الجميع . ولما كان يأتى إلى الكنيسة – على فترات مبتاعدة – كان يقف وراء عامود حتى لا يرى أحد وجهة ولا يرى هو وجود الآخرين . وكان وجهه مثل وجه ملاك ، وشعره ابيض كالثلج وكثيفا ، اما جسده فكان جافا من الاتعاب ولحيته مستطيلة إلى وسطه ورموش عينيه قد تساقطت من البكاء . وكان طويل القامة مع انحناء خفيف من الاكبر ، وقد انتهت حياته وهو فى سن الخامسة والتسعين وقد عاش فى العالم اربعين سنة فى البلاط ايام الملك ثيئودوسيوس الكبير والد الامبراطورين اورنوريوس واركاديوس ، وقضى فى الاسقيط اربعين عاما ، وقضى عشرة اعوام فى طرة التى بجانب بابليون فى مواجهة منف التى فى مصر . وسكن ثلاثة اعوام فى كانوبيس الاسكندرية . وفى العامين الباقيين جاء إلى طرة مرة اخرى حيث رقد ولقد اتتنهى حياته فى سلام وخوف الرب . |
رد: بستان الرهبان
الانبا اغاثون سيرته الرهبانية : كان اغاثون القديس حكيما فى معرفته ، حريصا على اتمام الوصايا ، بسيطا فى جسمه وكفنا فى كل الامور فى عمل اليدين وفى طعامه وفى ملبسه . حكمته : قيل عن القديس الكبير انبا اغاثون : ان اناسا مضوا إليه لما سمعوا بعظم افرازه وكثرة دعته . فارادوا ان يجربوهفقالوا له : أأنت هو عاثون الذى نسمع عنك انك متعظم ؟ فقال : نعم الأمر هو كذلك كما تقولون . فقالوا له : أنت اغاثون المهدار المحتال ؟ قال لهم : نعم أنا هو قالوا له : أأنت اغاثون المهرطق ؟ فاجاب : حاشا وكملا : انى لست مهرطقا فسألوه قائلين : لماذا احتملت جميع ما قلنا لك ولم تحتمل هذه الكلمة ؟ فا جابهم قائلا : ان جميع ما تكلمتم به على قد اعتبرته لنفسى ربحا ومنفعة إلا الهراطقة لانها بعد عن الله . وانا لا اشاء البعد عنه . فلما سمعوا اعجبوا من افرازه ومضوا منتفعين . + اعتاد انبا يوسف ان يقول : لما كنا جالسين مع انبا بيمن ذكر انبا اغاثون فقلنا له : (( انه رجل حديث السن ، فلماذا تدعوه ابا ؟ )) قال انبا بيمين : (( ان فمه هو الذى جعله يدعى ابا )). + قال الشيوخ الذين كانوا فى مصر لانبا ايليا ان انبا اغاثون كان رجلا عظيما فقال لهم الشيخ : (( من جهة حداثته ، كان رجلا عظيما فى جيله ، لقد رأيت فى الاسقيك شيخا استطاع ان يحجز الشمس عن مسلكها فى السماء مثل يشوع بن نون : (( ولما سمعوا هذا تعجبوا ومجدوا الله ) . صمته : اخبروا عن الانبا اغاثون : انه وضع فى فمه حجرا ثلاث سنين حتى تقن السكوت . محبته : + قال : انى ما رقدت قط وانا حاقط على انسان ولا تركت انسانا يرقد وهخو حاقد على حسب طاقتى . (أف 4:26) (رو 12:8). + وقال ايضا : ان أنا ربحت اخى فقد قربت قربانا. + قال انبا يوسف : ان اخا جاء إلى انبا اغاثون فوجد معه مسلة خياطة ( ابره كبيرة ) فأعجب الاخ بها لانها جيدة . فما كان من الشيخ إلا انه لم يتركه يمضى إلا بها. + مضى الاب اغاثون مرة ليبيع عمل يديه فوجد انسانا غريبا مطروحا عليلا وليس له من يهتم به . فحمله واجر له بيتا واقام معه يخدمه ويعمل بيديه ويدفع اجره المسكن وينفق على العليل مدة اربعة اشهر حتى شفى . وبعد ذلك انطلق إلى البرية وكان يقوم : كنت اشاء لو وجدت رجلا مخدوعا يأخذ جسدى ويعطينى جسده . + حدث مرة ان مضى إلى المدينة ليبيع عمل يديه فوجد انسانا مجذوما على الطريق فقال له المجذوم : إلى اين تذهب ؟ قال له : إلى المدينة . قال له المجذوم : اصنع معى رحمة وخذنى معك . فحملة واتى به إلى المدينة . ثم قال له المجذوم : خذنى إلى حيث تبيع عمل يديك . فأخذه ولما باع عمل يديه سأله المجذوم : بكم بعت ؟ فقال : بكذا وكذا : فقال له المجذوم : اشتر لى شبكة . فاشترى له . ومضى وباع ثم عاد وقال له المجذوم : خذ لى كذا وكذا من الاطعمة فأخذ له . ولما اراد المضى إلى قلايته قال له المجذوم : خذنى إلى الموع الذى وجدتنى فيه اولا . فحمله ورده إليه . فقال له الرجل : (( مبارك انت من الرب الهنا الذى خلق السماء والارض )) . فرفع انبا اغاثون عينيه فلم يره لانه كان ملاك الرب ارسل إليه ليجربه . شعوره بالغربة وبعده عن الاخوة المنحلين : + قال ان كان أحد يحبنى وانا احبه للغاية . وعلمت انه قد لحقتنى نقيصة بسبب محبته فانى اقطعه منى وانقطع منه بالكلية . + وقيل عنه ايضا : انه مكث زمانا يبنى مع تلاميذه قلاية فلما تمت وجلسوا فيها ظهر له فى الاسوع الأول امر ضايقه ، فقال لتلاميذه : هيا بنا ننصرف من هنا ، فانزعجوا جدا قائلين : حيث انك كنت عازما على الانصراف فلماذا تعبنا فى بناء القلاية ؟ إلا يصبح من حق الناس الآن ان يشكوا قائلين : ان هؤلاء القوم لا ثبات لهم ؟ . فلما رآهم صغيرى النفوس هكذا ، قال لهم : ان شك قليلون منهم فكثيرون سوف ينتفعون ويقولون : (( طوبى لاولئك الذين من اجل الرب انتقلوا واختبروا كل شيىء )) . فقمن اراد منكم ان يتبعنى فليجىء لانى قد اعتزمت نهائيا على الانصارف فما كان منهم إلا ان طرحوا أنفسهم على الأرض طالبين إليه ان يأذن لهم بالمسير معه. بساطته : + قيل عنه انه لما كان ينتقل ، وما كان يرافقه أحد سوى الجريدة التى كان يشق بها الخوص لاغير – ولما كان يعبر النهر كان يمسك المجداف بنفسه واذا رافق اخا كان يهيىء بنفسه المائدة لانه كان مملوءا حلاوة ومحبة ونشاطا . تدقيقه فى حياته ( نقاوته ): قيل عنه انه إذا تصرف فى امر واخذ فكره يلومه كان يخاطب نفسه قائلا : يا أغاثون ، لا تغفل انت هكذا مرة اخرى .. وبذلك كان يسكن قلبه . وقال ايضا ان الراهب هو ذلك الإنسان الذى لا يدع ضميره يلومه فى امر من الامور امانته : + اتاه اخ مرة يريد السكزنى معه وقد احضر معه قليلا من النطرون ووجده فى الطريق اثناء مجيئه . فلما رآه الشيخ قال له : من اين تلك هذا النطرون ؟ قال له الاخ : قد وجدته فى الطريق وانا سائر . فاجابه الشيخ قائى : ان كنت تشاء السكنى مع اغاثون امض إلى حيث وجدته وهناك ضعه . + وحدث مرة بينما كان سائرا مع تلاميذه ان وجد احدهم جلبابا اخضر فى الطريق . فقال له : يا معلم : هل تأذن لى ان اخذه ؟ فنظر إليه الشيخ متأملا وقال : هل انت تركته ؟ فقال : لا فقال له الشيخ . وكيف تأخذ شيئا ليس لك ؟. قناعته : قيل عن الانبا اغاثون والانبا آمون : \ انهما لما كان يبعان عمل ايديهما يقولان اثمن مرة واحدة . وما كان يعطى لهما يأخذانه يسكون ، كذلك إذا احتاجا لشىء يشتريانه كانا يقدمان المطلوب منهما بسكون ولا يتكلمان . عدم الادانة : + كان من عادة انبا اغاثون إذا رأى امرا وعملا وارد فكره ان يدين هذا العمل ويحكم عليه ان يخاطب نفسه قائلا : (( لا تعمل انت هذا الأمر )) وبهذه الطريقة كان يهدىء قلبه ويحفظ السكوت . + مرض دفعه انبا اغاثون واحد الشيوح واذا كان كلاهما يرقدان فى القلاية ، كان اخ يقرأ لهما سفر التكوين ، ولما وصل إلى الموضع الذى قال فيه يعقوب لاولاده : (( يوسف مفقود ، وشمعون مفقود ، وبنيامين تأخذونه .. لكى تنزلوا شيبتى بحزن إلى الهاوية ( تك 42- 38) اجاب الشيخ قائلا : اواه ما يعقوب . الم يكفيك العشرة اولاىد ؟ )) قال انبا اغاثون : (( احفظ السكون ايها الشيخ ، إذا كان الرب قد دعاه بارا ن فمن ذا الذى يدينه ؟)). تحفظه إلى النهاية : هذا القديس كان متحفظا جدا اذ كان يقول : (( بعير تحفظ كثير لا يقدر أحد ان يصل إلى الفضيلة )) وقيل عنه انه لما كان عتيدا ان ينطلق إلى الرب مكث ثلاثة ايام وعيناه مفتوحتان لا يتحرك . فاقامة الاخوة وقالوا له : يا ابانا انبا اغاثون : اين انت ؟! فقال : أنا واقف أمام عرش القضاء الالهى ! فقالوا له : اتفزع انت ايضا ؟! فا اجابهم قائى : (( على قدر طاقتى حفظت وصايا الله . إلا أننى انسان . من اين اعلم ان كان عملى ارضى الله ؟ )) فقالوا له : الست واثق بأن عملك مرضى عند الله ؟ فقال الشيخ : (( لن اتق دون ان القى الله لان حكم الناس شيىء وحكم الله شيىء اخر )) فطلبوا منه ان يكلمهم لمة تنفعهم . فقال لهم . اصنعوا محبة . ولا تكلمونى لانى مشغول فى هذه الساعة وللوقت تنيح . فأبصروا وجهه كمن يقبل حبيبه . |
رد: بستان الرهبان
الانبا ايسيذورس قس الاسقيك فضائل وتعاليم 1- تواضعه : + قيل عنه : إذا اوعزت إليه الافكار بأنه انسان عظيم كان يجيبها قائلا: (( العلى مثل انبا انطوينيوس او اصبحت مثل انبا بموا ؟ )) (1) واذا كان يقول ذلك يستريح فكره . واذا قالت له الشياطين : (( انك ستمضى إلى العذاب بعد كل هذه الاتعاب )) .فكان يجيبهم : (( إذا مض2يت إلى العذاب فسوف تكونون تحتى لان لصا ورق اللكوت بكلمة ، ويهوذا ايضا الذى قام بأعمال عظيمة مع الرسل خسر جهاده كله فى ليلة واحدة وهبط من السماء إلى الهاوية . فلا يفتخرن من يدير نفسه باستقامة ، لان جميع الذين وثقوا بذاواتهم سقطوا مع شي طين الشرة ، فاقمع اذن رغبتك قائلا: انتظر قليلا ، فلك ما يكفيك ، وكل باعتادك وببطء ، لان الذى يأكل بسرعة يشبه من يريد ان يأكل كثيرا . + قال انبا ايسيذورس : (( لما كنت فتى ، وكنت مقيما فى قلاية لم يكن لى قدره على الخدمة .. خدمة الصلاه والتسبيح .. وكانت هناك خدمة من اجلى ليلا ونهارا))(2) 2- طول اناته : + قيل ان كل من كان عنده اخ صغير النفس او شتاما او عليلا ويطره من عنده ، كان القس ايسذورس يأخذه إلى عنده ويطيل روحه عليه ويخلق نفسه . + قيل انه كان لدى انبا اييذورس قس الاسقيط اخ ضعيف العقل وكان شتماما ، واراد انبا ايسيذورس ان يطرده من مسكنه ، وعندما وصل ذاك الاخ إلى باب الدير ، قال الشيخ مرة اخرى : احضروه ووبخه قائلا : (( ايها الاخ ، اهدأ ، لئلا تثير عضب الله بقلة فهمك وعدم صبرك )) وهكذا بطول اناته هدأ انبا ايسيذورس ذاك الاخ. + ساله الاخوة مرة قائلين : لماذا تفزع منك الشياطين ؟ فقا ل لهم : (( لانى منذ ان صرت راهبا حتى الآن لم ادع العضب يجوز حلقى إلى فوق )) . + وقال ايضا : ها ان لى اربعين سنة ، كنت إذا احسست بعقلى بالخطية خلالها لا اخضع لها قط حتى ولا للغضب . + وقال ايضا : ان لى عشرين سنة وانا مداوم على محاربة فكر واحد حتى ارى جميع الناس بعقل واحد . 3- محبته للوحدة : توجه انبا ايسيذورس مرة إلى البابا تيئوفيلس بطريرك الاسكندرية ولما رجع سأله الاخوة عن حال مدينة الاسكندرية فقال لهم : انى لم ابصر فيها انسانا إلا البطريرك وحده . فتعجبوا وقالوا له : اتريد ان تقول ان مدينة الاسكند=رية خالية من الناس ؟ قال : كلا . لكنى لم اسمح لعقلى ان يفكر فى رؤية أى انسان . 4- تجلده فى القلاية : + قيل عنه : اتفق ان دعاه أحد الاخوة إلى تناول الطعام فرفض السيخ قائلا : ان آدم بالطعام خدع فصار خارج الفردوس يأكله واحده . فقال انه الاخ : بهذا المقدار تخشى الخروج خارج القلاية ؟ قال له الشيخ : وكيف لا اخشى يا ولدى والشيكطان يزار مثل سبع ملتمسا من يبتلعه . + وكان إذا مضى إليه انسان فانه يدخل إلى القلاية الداخلية ويكلمه من داخل الباب . فقال له الاخوة : لماذا تفعل هكذا ؟ فقال لهم : ان الوحوش إذا ابصرت من يخيفها هربت إلى جحورها ونجت . 5- اجهاده لنفسه : + قال انبا بيمن : ان انبا ايسيذورس كان يضفر فى كل ليلة حزمة خوص فسأله الاخوة قائلين : (( ايها الاب ارح نفسك لانك قد شخت ؟ فأجابهم : لو احرقوا ايسيذورس بالنار وذروا رماده فى الهواء ، فلن يكون لى افضل لان ابن الله من اجلى نزل إلى الأرض . + وقال ايضا : فى إحدى المناسبات قال انبا ايسيذورس قس الكنيسة للشعب : (( يا أخوتى ، لا يليق ان تتنقلوا من موضع بسبب التعب ، اما من جهتى فانى احزم امرى وامضى حيث يوجد التعب ، والجهاد يصبح للنفس لذه . + وقال انبا ايسيذورس : ها ان لى اربعين سنة ، لم استند على شيىء ولم ارقد (1) . + وقال ايضا : ها أن لى اربعين ليلة . وانا واقف لم ارقد (2) . |
رد: بستان الرهبان
الأنبا موسى الأسود نشأته وحياته الأولى : لا يعرف على وجه التحديد فى اية منطقة نشأ القديس موسى ولا اية قبيلة كان ينتمى ، قيل انه من إحدى قبائل البربر والقليل المعروف عن طفولته وشبابه ليس فيه ما يعجب به . حياة التوبة : بالرغم من شرور موسى وحياته السوداء أمام الجميع إلا انه الله الرحوم وجد فى قلب موسى استعدادا للحياه معه .. فكان موسى من وقت سماعه عن آباء برية شهيت القديسين وشدة طهارة سيرتهم وجاذبيتهم العجيبة للاخرين .. يتطلف إلى الشمس التى لا يعرف غيرها الها ويقول لها : (( ايتها الشمس ان كنت انت الاله . وانت ايها الاله الذى لا اعرفه عرفنى ذاتك )) فسمع موسى من يخبره ان رهبان وادى هيب ( برية شهيت ) يعرفون الله . فقان لوقته وتقلد سيفه واتى إلى البرية . توبته : هناك فى البرية تقابل مع انبا ايسيذورس وطلب منه ان يرشده إلى خلاص نفسه فاخذه انبا ايسيذورس وعلمه ووعظه كثيرا بكلام الله وكلمة عن الدينونة والخلاص ، وكان لكلمة الله الحية عملها فى داخل قلبه واستكملت فاعليتها داخل نفسه فكانت دموعة مثل الماء الساقى ، وكان الندم الحار يجتاح نفسه ويقلق نومه وهكذا كره حياته الشريرة وعزم على التخلص منها فقام إلى القديس ايسيذورس ثانية . اعترافه بخطاياه ونواله سر العماد : كان يركع أمام قس الاسقيط ويعترف بصوت عال بعيوبه وجرائم حياته الماضية فى تواضع كثير وبشكل يدعو إلى الشفقة ووسط دموع غزيرة . فأخذه القديس ايسيذورس إلى حيث يقيم أنا مقاريوس الكبير الذى اخذ لعمه وبرشده برفق ولين ثم منحه صبغة المعمودية المقدسة . واعترف علنا فى الكنيسة بجميع خطاياه وقبائحه الماضية وكان القديس أبو مقار اثناء الاعتراف يرى لوحا عليه كتابة سوداء ، وكلما اعترف موسى بخطية قديمة مسحها ملاك الله حتى اذ انتهى من الاعتراف وجد اللوح ابيضا . حياته الرهبانية : بعد ان سمع موسى لكلام ايسيذورس سكن مع الاخوة الرهبان وقيل انهم كانوا يفزعون منه فى بادىء الأمر لانه كان فى حياته الماضية (( رعب المنطقة)) ولكنهم لم يلبثوا أن رأوا فيه مثال الاتضاع والجهاد الروحى والنظام ولكثرة الزائرين له اشار علي القديس مقاريوس بأن يبتعد من ذلك المكان إلى قلاية منفردة فى القفر والحال اطاع القديس موسى وانفرد فى قلايته وعاش فى وحدته مثابراً على الجهاد الروحى وتزايد فيه جداً وكان مندفعاً فى الصوم والصلاة والتأمل والندم ، لكن الشيطان لم يحتمل فعل القديس هذا فابتدأ يقاومه بكل قوته. جهاده ونصرته فى الحياة الرهبانية 1 – تدريب الصوم والصلاة: بينما كان القديس موسى مداوماً على الصوم والصلاة والتأمل إذ بشيطان الخطية يعيد إلى ذاكرته العادات المرذولة القديمة ويزينها له بعد أن استثارت روحه وعاد إلى معرفة الله ، ولما اشتدت عليه وطأة الافكار الشريرة مضى إلى القديس ايسيدروس واخبره بحرب الجسد الثائرة ضده فعزاه قائلاً " لا تحزن هكذا وانت مازلت فى بدء الصعوبات ولمدة طويلة سوف تأتى رياح التجارب وتقلق روحك فلا تخف ولا تجزع – وانت اذا ثابرت على الصوم والسهر واحتقار اباطيل هذا الدهر سوف تنتصر على شهوات الجسد". واستفاد موسى من كلام القديس ايسيذورس ورجع إلى قلايته منفرداً وممارساً انواعاً كثيرة من امانة الجسد، ولم يتناول سوى القليل من الخبز مرة واحدة فقط فى اليوم كله مثابراً على الصلوات وعمل اليدين. 2 – خدمة الآخرين والهرب إلى الفراغ: كانت المياه يصعب احضارها إلى القلالى إذ كان يلزم ان يسيروا مسافة كثيرة واستغل موسى الاسود هذه الفرصة واخذ يدرب نفسه على اعمال المحبة ، فكان يخرج ليلاً ويطوف بقلالى الشيوخ ويأخذ جرارهم ويملآها بالماء ، فلما رأى اشليطان هذا العمل لم يحتمله فتركه إلى ان أتى فى بعض الايام إلى البئر ليملاً قليلاً من الماء وضربه ضرباً موجعاً حطم عظامه حتى وقع على الارض مثل الميت وجاء بعض الاخوة فحملوه ومضوا به إلى البيعة. وهناك اقام القديس بالبيعة نحو ثلاثة ايام ثم رجعت روحه اليه. 3 – الانسحاق امام الله وعدم الاتكال على برنا وقوتنا: تزايد الاب موسى جداً فى نسكه وفى مقابلته لذاته لدرجة كبيرة ولكن بالرغم من هذه الاماتات والسهر وقهر الذات – لم يمكنه ان يلاشى من مخيلته تلك الاشباح الدنسة بل كانت تزداد كلما ازداد هو فى محاربتها ، وربما كانت زيادة تقشفانه هذه بدون اذن من مرشده الروحى ، لانه لما ذهب اليه يشكو حاله قال له "ينبغى عليك الاعتدال فى كل شئ حتى فى اعمال الحياة النسكية" ، كما قال له أيضاً : " يا ولدى كف عن محاربة الشياطين لان الانسان له حد فى قوته. ولكن اذا لم يرحمك الله ويعطيك الغلبة عليهم هو وحده فما تقدر عليهم ابداً امض الان وسلم امرك لله وانسحق امامه وداوم على الاتضاع وانسحاق النفس فاذا نظر الله إلى صبرك واتضاعك فانه يرحمك ". فأجاب موسى " أنى اثق فى الله الذى وضعت فيه كل رجائى ان اكون دائماً متسلحاً ضد الشيطان ولا أبطل اثارة الحرب ضدهم حتى يرحلوا عنى " فلما رأى القديس ايسيذروس منه هذا الايمان حينئذ قال له : " وانا أؤمن ايضاً بسيدى يسوع المسيح00 وباسم يسوع المسيح من هذا الوقت فصاعاداً سوف تبطل الشياطين قتالها عنك " وقال له : امض إلى البيعة المقدسة وتناول من الاسرار الالهية واستمر القديس موسى يصنع كقول الشيخ مواظباً على ذلك فاعطاه الله نعمة عظيمة وتواضعاً وسكوناً فانحلت عنه قوة الافكار ومن ذلك الوقت عاش موسى فى سلام وازداد حكمه. جهاده فى الفضائل 1 – تواضعه واحتماله الاهانات: انعقد مجلس وارادوا ان يمتحنوا انبا موسى فنهروه قائلين : لماذا يأتى هذا النوبى هكذا ويجلس فى وسطنا؟ فلما سمع ذلك الكلام سكت. وعند انفضاض المجلس قالوا له " يا أبانا لماذا لم تضطرب؟ فأجابهم قائلاً : " الحق انى اضطربت ولكنى لم اتكلم شيئاً ". وسأل بعض الاخوة احد الشيوخ عن المعنى الذى قصده انبا موسى بقوله "الحق انى اضطربت ولكن لم اقل شيئاً" فأجاب الشيخ: " ان كمال الرهبان يكون فى ناحيتين ، الأولى سكون حواس الجسد ، والثانية سكون حواس النفس ، وأن سكون حواس الجسد يكون عندما يحتمل الانسان الاهانة لاجل السيد المسيح فلا يتكلم ولو انه قد يضطرب. أما سكون النفس فهو ان يهان الانسان دون ان تضطرب نفسه او يتسرب إلى قلبه الغضب". قيل عنه : انه لما رسم قسا البسوه ثوب الخدمة الابيض فقال له احد الاساقفة: ها أنت قد صرت كلك ابيض يا انبا موسى. فقال : " ليت ذلك يكون من داخل كما من خارج". أراد رئيس الاساقفة ان يمتحنه فقال للكهنة : " اذا جاء انبا موسى إلى المذبح اطرده لنسمع ماذا يقول " فما دخل انتهروه وطردوه قائلين له " اخرج يا اسود إلى خارج الكنيسة ". فخرج انبا موسى وهو يقول : " حسناً فعلوا بك يا رمادى اللون يا اسود الجلد. وحيث انك لست بانسان فلماذا تحضر مع الناس؟". 2 – هروبه من المجد الباطل: سمع حاكم المنطقة يوماً بفضائل القديس موسى واراد ان يراه فاتخذ طريقه إلى شيهيت فعلم الاب القديس ( وكان متقدماً فى السن ) بهذه الزيارة ، ولكة يهرب من المجد الباطل اختبأ وسط البوص فى المستنقع ، وفى طريقه تقابل مع الحاغكم وحاشيته الكريمة ، فقال له الحاكم: " أيها الرجل العجوز هل يمكن أن تعلمنى أين توجد قلاية الاب موسى " فرد عليه : " وماذا تريد اذن ان تسأله فهو رجل متقدم فى الايام وغير مستقيم"؟00 فسبب هذا الحديث قلقاً للحاكم واستمر فى طريقه وقرع باب الدير حيث كان الاخوة ينتظرونه ، فقال لهم: " يا آبائى لقد سمعت كلامأً كثيراً عن الاب موسى ، وجئت للصحراء لكى اراه ، وعلى مسافة من هذا المكان تقابلت عند المستنقع مع عجوز وسألته اين قلاية الاب موسى فرد على أن فى الذهبا اليه مشقة كبيرة ، وهو رجل عجوز غير مستقيم00" وكان لهذه الكلمات وقع كبير فى نفوس الجميع ، فأخذوا يصرخون ويحتجون بشدة من ترى يكون هذا العجوز الضعيف العقل هكذا حتى يتكلم بهذه الطريقة عن الاب القديس المكرم فى كل شيهيت ، فقال الزائر العظيم انه عجوز ضئيل الجسم يلبس ملابس طويلة وبالية جداً ووجهه اسمر من الشمس ، وله ذفن بيضاء طويلة ونصف رأسه خال من الشعر ، وعند ذلك فهموا السر ، فقد كان الحاكم قد تقابل مع الاب موسى نفسه وتصنع ذلك ووصف نفسه بالكلمات المذكورة ، فرجع الحاكم متأثراً جداً. 3 – زهده : حدث ان قوماً أتوا اليه من مصر وكان موضوعاً على المائدة ثعبان مشوى ، ولما حان وقت الغذاء واراد الاخوة أن يأكلوا منعم القديس قائلاً: " لا تقربوا هذا يا اخوتى فانه وحش شرير " فقالوا له: " ماذا فعلت هكذا يا ابانا؟ " فقال لهم : " يا اخوتى ان هذه النفس المسكينة اشتهت سمكاً ففعلت هذا كى ما اكسر شهوتها الرديئة" فتعجل الاخوة كثيراً ومجدوا الله الذى اعطى قديسه هذه النعمة العظيمة. 4 – فاعلية صلاته : قيل عن انبا موسى : انه لما عزم على الإقامة فى الصخرة تعب ساهراً. فقال فى نفسه كيف يمكننى ان اجد مياهاً لحاجتى ها هنا. فجاءه صوت يقول له: ادخل ولا تهتم بشئ. فدخل وفى احد الايام زاره قوم من الاباء ولم يكن له وقتئذ سوى جزء ماء فقط. فأعد عدساً يسيراً ، فلما نفذ الماء حزن الشيخ وصار يخرج ويدخل ثم يخرج ويدخل هكذا 00 وهو يصلى إلى الله. واذ بسحابة ممطرة قد جاءت فوقه حيث كانت الصخرة. وسرعان ما تساقط المطر فامتلأت اوعيته من الماء . فقال له الآباء: لماذا كنت تدخل وتخرج؟ فأجابهم وقال: كنت اصلى الله اله قائلاً: انك انت الذى جئت بى إلى هذا المكان وليس عندى ماء ليشرب عبيدك. وهكذا كنت ادخل واخرج مصلياً لله حتى ارسل لنا الماء. 5 – اخفاء تدبيره وحفظه وصية المسيح: حدث مرة ان اعلن فى الاسقيط ان يصام اسبوع وتصادف وقتئذ ان زار الانبا موسى اخوة مصريون. فأصلح لهم طبيخاً يسيراً. فلما أبصر القاكنون بجواره الدخان اشتكوا لخدام المذبح قائلين: هو ذا موسى قد حل الوصية إذ اعد طبيخاً. فطمأنهم اولئك قائلين: بمشيئة الرب يوم السبت سوف نكلمه,. فلما كان السبت وعلموا السبب قالوا لانبا موسى امام المجمع: " ايها الاب موسى ، حقاً لقد ضحيت بوصية الناس فى سبيل اتمام وصية الله". 6 – جلوسه فى القلاية وصبره على احزانها: قيل ان الأب الكبير الانبا موسى الاسود قوتل بالزنا قتالاً شديداً فى بعض الاوقات. فقام ومضى إلى أنبا ايسيذورس وشكا له حاله فقال له: ارجع إلى قلايتك. فقال انبا موسى: انى لا استطيع يا معلم. فصعد به إلى سطح الكنيسة وقال له: انظر إلى الغرب فنظر ورأى شياطين كثيرين ، يتحفزون للحرب والقتال ثم قال له: انظر إلى الشرق فنظر ورأى ملائكة كثيرين يمجدون الله. فقال له: اولئك الذين رأيتهم فى الغرب هم محاربونا. أما الذين رأيتهم فى الشرق فانهم معاونونا. ألا نتشجع ونتقو اذن مادام ملائكة الله يحاربون عنا؟ فلما رآهم موسى فرح وسبح الله ورجع إلى قلايته بدون فزع. قيل اضاف انبا موسى أخا فطلب منه كلمة فقال له: امض واجلس فى ثلايتك والقلاية سوف تعلمك كل شئ. 7 – فضائله : عطفه على الخطاة وعدم ادانته لهم: قيل: اخطا أخ فى الاسقيط يوماً فانعقد بسببه مجلس لادانته وأرسلوا فى طلب انبا موسى ليحضر فأبى وامتنع عن الحضور فأتاه قس المنطقة وقال: " ان الآباء كلهم ينتظرونك " فقام واخذ كيساً مثقوباً وملأه رملاً وحمله وراء ظهره وجاء إلى المجلس. فلما رآه الاباء هكذا قالوا له: ما هذا ايها الاب؟ فقال: " هذه خطاياه وراء ظهرى تجرى دون ان أبصرها ، وقد جئت اليوم لادانة غيرى عن خطاياه " فلما سمعوا ذلك غفروا للاخ ولم يحزنوه فى شئ. اعتاد القول ان وجه " انبا بموا " كان مثل الضياء تماماً ، كما أخذ موسى مجداً شبه آدم ولمع وجهه وكان مثل ملك مستو على عرشه ، كذلك كان الحال مع انبا سلوانس وانبا صيصوى. استشهاده بينما كان الاخوة جالسين بالقرب من القديس موسى فى احدى المناسبات قال لهم: " سوف يقبل البربر اليوم إلى البرية " الاسقيط " فقوا ، اهربوا " ، قالوا له: الا تريد انت الهرب يا أبانا؟ أجابهم: طوال هذه السنين وانا انتظر هذا اليوم لكى يتم قول فادينا الذى قال: " الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون مت 26 : 52 " قالوا: " نحن أيضاً لا نهرب ولكن نموت معك " فأجاب وقال لهم: " هذا ليس شأنى انما رغبتكم ، ليهتم كل انسان بنفسه فى الموضع الذى يسكن فيه " وكانوا سبعة اخوة. وبعد برهة من الزمن قال لهم: " هو ذا البربر يقتربون إلى الباب ، فدخل البربر وقتلوهم ولكن واحداً منهم خائفاً هرب بين الحصير ورأى سبعة تيجان نازلة من السمء توجت السبعة الذين ذبحوا" أقوال القديس فى الفضائل والرذائل خوف الله يطرد جميع الرذائل والضجر يطرد خوف الله. كما يفعل السوس فى الخشب كذلك تفعل الرذيلة فى النفس. + ستة أشياء تدنس النفس والجسد: المشى فى المدن. اهمال العينين بلا حفظ – التعرف بالنساء – مصادفة الرؤساء محبة الاحاديث الجسدانية – الكلام الباطل. + أربعة يجب اقتناؤها: الرحمة. غلبة الغضب . طول الروح. التحفظ من النسيان. + أربعة يحتاج اليها العقل كل ساعة: الصلاة الدائمة بسجود قلبى – محاربة الافكار – أن تعتبر ذاتك خاطئاً – الا تدين احداً. + أربعة عون الراهب الشاب : الهذيذ فى كل ساعة فى ناموس الله – مداومة السهر – النشاط فى الصلاة – الا يعتبر نفسه شيئاً. + أربعة تؤدى إلى الزنى: الاكل والشرب – الشبع من النوم – البطالة واللعب – التزين بالملابس. + اربعة مصدر ظلمة العقل: مقت الرفيق – الازدراء به – حسده – سوء الظن به. + أربعة أمور بها يتحرك فى الانسان الغضب: الاخذ والعطاء – اتمام الهوى – محبته فى ان يعلم غيره – ظنه فى نفسه انه عاقل. + اربعة تقتنى بصعوبة : البكاء –تأمل الانسان فى خطاياه – جعل الموت بين عينيه – ان يقول فى كل أمر "أخطأت" ، " اغفر لى ". ومن يحرث ويتعب فانه يخلص بنعمة ربنا يسوع المسيح. أقوال القديس عن العقل 1 – جودته : ثلاثة اشياء تكون من جودة العقل : الايمان بالله ، والصبر على كل محنة ، وتعب الجسد حتى يذل. 2 – فرحه : ثلاثة اموار يفرح بها العقل : تمييز الخير من الشر ، التفكير فى الامر قبل الاقدام عليه ، والبعد عن المكر. 3 – استنارته : ثلاثة اشياء يستنير بها العقل : الاحسان إلى من اساء اليك ، والصبر على ما ينالك من اعدائك ، وترك النظر او الحسد لمن يتقدمك فى الدنيا. 4 – تطهيره : ستة اشياء يتطهر بها العقل : الصمت ، حفظ الوصايا ، الزهد فى القوت ، الثقة بالله فى كل الأمور مع ترك الاتكال على اى رئيس من رؤساء الدنيا ، فمع القلب عن الفكر الردئ وعدم استماع كلام الاغنياء ، والامتناع عن النظر إلى النساء. 5 – ما يحارب العقل : ثلاثة امور تحارب العقل : الغفلة – الكسل – ترك الصلاة. اقوال القديس عن النفس 1 – حفظ النفس: اربعة تخفظ النفس : الرحمة لجميع الناس – ترك الغضب – الاحتمال – اخراج الذنب وطرحه من القلب بالتسبيح. 2 – ظلام النفس يأتى من : المشى فى المدن والقرى – النظر مجد العالم – الاختلاط بالرؤساء فى الدنيا. 3 – عمى النفس000 يأتى من: البغضة لاخيك- الازدراء بالمساكين خاصة – الحسد والوقيعة. 4 – هلاك النفس 00 يأتى من: الجولان من موضع إلى موضع – محبة الاجتماع بأهل الدنيا – الاكثار من الترف والبذخ – كثر الحقد فى القلب. أمور تولد النجاسة : تتولد من الشبع من الطعام – السكر من الشراب – كثرة النوم – نظافة البدن بالماء والطيب وتعاهد ذلك كل وقت. أمور تولد الغضب : المعاملة – المساومة – الانفراد برأيك فيما تهواه نفسك – عدولك عن مشورة الاخرين – واتباع شهواتك. الحفظ من الفكر الردئ: يأتى من : القراءة فى كتب الوصايا – طرح الكسل – القيام فى الليل للصلاة والابتهال – التواضع دائماً. الوصول للملكوت : يساعد عليه : الحزن والتنهد دائماً – البكاء على الذنوب والاثام – انتظار الموت فى كل يوم وساعة. قال الكتاب المقدس + " اجتهدوا ان تدخلوا من الباب الضيق " ( لو 13 : 14 ) + " 00 لذلك بالاكثر اجتهدوا ايها الاخوة ان تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين. لانكم ان فعلتم ذلك لن تزلوا ابدا. لانه هكذا يقدم لكم بسعة دخول إلى مكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الابدى " ( 2 بط : 10 ، 11 ) |
رد: بستان الرهبان
أنبا زكريا سيرته وتعاليمه كيف صار شبه الملائكة: " طهارة الحقيقية " رهبته : كان لرجل اسمه قاريون ولد صغير اسمه زكريا ، هذا اتى الى الاسقيط وترهب به ومعه ابنه. وقد ربى ابنه هناك وعلمه بما ينبغى. وكان الصبى جميل الخلقة وحسن الصورة جداً. فلما شب حدث بسببه تذمر بين الرهبان ، فلما سمع الوالد بذلك قال لابنه: يا زكريا هيا بنا نمضى من هاهنا لان الاباء قد تذمروا بسببك ، فأجاب الصبى أباه قائلاً: يا أبى ان الكل هاهنا يعرفون انى ابنك ولكن ان مضينا الى مكان اخر ، فلن يقولوا انى ابنك ، فقال الوالد : هيا بنا يا بانى نمضى الان فان الاباء يتذمرون بسببنا. وفعلا قاما ومضيا الى الصعيد ، واقاما فى قلاية ، فحدث سجس كذلك ، فقام الاثنان ومضيا الى الاسقيط ثانية ، فلما اقاما اياما عاد السجس عينه فى أمر الصبى. لما رأى زكريا ذلك مضى الى غدير معدنى ( كبريتى ) وخلع ملابسه وغطس فى ذلك الماء حتى انفه ، واقام غاطساً عدة ساعات منفخاً ، فتشوه وتغيرت ملامحه ، فلما لبس ثيابه وجاء الى والده لم يتعرف عليه الا بصعوبة. حدث ان مضى بعد ذلك الى الكنيسة لتناول الاسرار فعرفه القس ايسيذورس وعندما رآه هكذا تعجب مما فلعه وقال: ان زكريا الصبى جاء فى الاحد الماضى وتقرب على انه انسان. اما الان فقد صار شبه ملاك. المرشد الروحى: ودفعه عندما كان اتنبا زكريا ساكناً فى الاسقيط ظهرت له رؤية من الله. فنهض وجاء الى ابيه ، انبا فاريون ، وكان الشيخ كاملاً ، ولم يأل جهداً فى أن يفاخر بهذه الامور بل نهض وضربه قائلاً : " هذه الرؤية من الشياطين ". وعندما فكر فى الامر قام ومضى ليلاً الى انبا بيمين ، واعلمه بالأمر ، وكيف كانت أفكاره تلتهب فى قلبه. فعلم الشيخ أن الأمر هو من الله ، وقال له : " امض إلى ذاك الشيخ. وافعل كل ما يوصيك به". ولما مضى إلى ذاك الشيخ ، وقبل أن يخاطبه بشئ ، قال له الشيخ : " ان الرؤية من الله ، ولكن امض واخضع إلى أبيك". فضائله اتزان عقله وسكونه: قال انبا قاريون : انى بذلت أتعابا كثيرة بجسدى لكنى لم اصل إلى رتبة ابنى زكريا فى اتزان العقل والسكون. تعاليمه ما هو الراهب الحقيقى : سأل الأب مقاريوس الكبير مرة زكريا وهو مازال فى حداثة سنه قائلا: قل لى : " يا زكريا ما هو الراهب الحقيقى؟ ". قال له زكريا : يا أبى أتسألنى أنا؟! قال له الشيخ : نعم يا ابنى زكريا ، فان نفسى متيقنة بالروح القدس الذى فيك ، ان شيئاً ينقصنى يلزم ان أسالك عنه. فقال له الشاب: " ان الراهب هو ذلك الإنسان الذى يرذل نفسه ويجهد ذاته فى كل الأمور " كيف يخلص الراهب: قيل : أتى أنبا موسى مرة ليستقى ماء فوجد أنبا زكريا على البئر يصلى وكان ممتلئاً من روح الله. فقال له : يا أبتاه قل لى ماذا أصنع لأخلص ، فما أن سمع الحديث حتى انطرح بوجهه عند رجليه وقال له : يا ابى لا تسألنى أنا. قال أنبا موسى : صدقنى يا ابنى زكريا أن أبصرت روح الله حالاً عليك ولذلك وجدت نفسى موقاً من نعمة الله أن أسألك لتناول زكريا قلنسوته ووضعها عند رجليه وداسها ، ثم رفعها ووضعها فوق رأسه وقال : ان لم يصر الراهب هكذا منسحقاً فلن يخلص. السكوت : لما حضرت أنبا زكريا الوفاة سأله أنبا موسى قائلاًُ : أى الفضائل أعظم يا ابنى. فأجابه على ما أراه يا أبتاه، ليس شئ أفضل من السكوت ، فقال له : حقاً يا ابنى بالصواب تكلمت. نياحته : فى وقت خروج روحه كان أنبا ايسيذروس القس جالساً فنظر إلى السماء وقال : اخرج يا ابنى زكريا فان أبواب ملكوت السموات قد فتحت لك. |
رد: بستان الرهبان
أنبا يوحنا القصير من سيرة القديس : اسمه يؤنس القصير ولوانه فى الحقيقة – كما سنرى – كبير عظيم فى الرهبان جداً. 1 – جهاده الروحى : أ – طاعته وتلمذته لمعلمه مضى القديس يوحنا القصير إلى شيخ يدعى أنبا بموا كان مقيماً فى البرية وتتلمذ له. وحدث أن معلمه دفع إليه غصناً يابساً وأمره أن يغرسه ويسقيه كل يوم بجرة ماء ، وكان الماء بعيداً عنهما ، فكان يمضى فى العشية ويجئ فى الغد ، وبعد ثلاث سنين أخضر الغصن وأعطى ثمرة ، فجاء بها الشيخ ، الذى جاء بها إلى الكنيسة وقال للإخوة " خذوا كلوا من ثمرة الطاعة ". كانت لهذا القديس طاعة عظيمة لأبيه فقد حدث أيضاً انه كان يوجد فى تلك الأماكن مقابر ، وكانت تسكنها ضبعة ضارية ، وإذ رأى الشيخ هناك قلة ( يمانية ) ، سأل يوحنا أن يمضى بها فقال له : " وماذا أصنع بالضبعة يا أبتاه؟ " ، فقال له الشيخ: "إن أقبلت الضبعة نحوك ، فاربطها وقدها إلى هنا " ثم مضى الأخ وكان الوقت مساء، فلما أقبلت الضبعة نحوه ، تقدم إليها ، فهربت ، فتعقبها قائلاً : " إن معلمى طلب إلى أن أمسكك وأربطك ، فوقفت ، فأمسك بها وربطها ، وأقبل بها نحو الشيخ ، وكان الشيخ وقتئذ جالساً منتظراً مفكراً ، فلما أبصره تعجب كيف أمكنه إحضار الضبعة ، وإذ أراد أن يحفظه من الكبرياء ضربه قائلاً : " لقد طلبت منك أن تحضر لى الضبعة ، فتمضى وتأتينى بكلب " ، وللوقت حلها وأطلقها. مرض معمله ونياحته : كان الأب يوحنا القصير وهو شاب تلميذاً للأنبا بموا وقد استمر فى خدمة معلمه الشيخ أثناء مرضه مدة اثنى عشرة سنة وكان يرقد بجواره على الفراش ليستند عليه الشيخ فى قيامه ورقاده ولشدة مرضه كان يبصق فيقع البصق على تلميذه يوحنا الذى تعب كثيراً. وفى كل هذه المدة لم يسمع منه كلمة شكر. ولما دنت وفاة الشيخ. واجتمع حوله الشيوخ أمسك بيد تلميذه وبارك عليه ولمه إليهم قائلاً : " هذا ملاك وليس انساناً " ب- نقاوته أتى إلى قلايته احد الشيوخ فوجده نائماً فى حر النهار وملاكاً واقفاً عنده يروح عليه ، فانعزل عنه منصرفاً. فلما استيقظ قال لتلميذه : أتى إلى هنا إنسان وأنا نائم ، فقال له : " نعم ، فلان الشيخ ، فعلم حينئذ أن ذلك الشيخ معادل له وأنه أبصر الملاك. وقيل عنه إذا أبصر إنسانا كان يبكى بكاء شديداً ، ويقول : " إن هذا أخطأ اليوم ولكنه ربما يتوب. أما أنا فإنى أخطئ عدا وربما لا أعطى مهلة كى أتوب هكذا يجب أن نفكر ولا ندين أحدا ". ولهذا كان يسافر إلى مسافات بعيدة لهداية الخطاة. القديس يطلب هداية الخطاة : علم من شيخ البرية عن ارتداد بائيسة التى ولدت فى منوف من أبوين غنيين. ولما توفيا جعلت منزلها مأوى للغرباء والمساكين ، واجتمع بها قوم اردياء واستمالوا قلبها إلى الخطية. حتى جعلت بيتها ماخورا تقبل فيه كل الأثمة. فاتصل خبرها بشيوخ شبهيت القديسين فحزنوا حزناً عميقاً وطلبوا إلى القديس يوحنا القصير أن يمضى إليها ويساعدها على خلاص نفسها. فذهب القديس حالاً بعد أن طلب منهم أن يصلوا لأجله. ولما وصل إلى بيتها قال للبوابة : اعلمى سيدتك بقدومى فلما أعلمتها تزينت واستدعته. فدخل وهو يرتل قائلاً: " إذا سرت فى وادى ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معى " (مر 23 : 4 ) ولما جلس نظر إليها وقال : لماذا استهنت بالمسيح فاديك وأتيت هذا المنكر؟ فارتعدت وذاب قلبها من تأثير كلام القديس. ثم أحنى رأسه إلى الأرض وبكى. فسألته ما الذى يبكيك؟ فأجابها لأنى أعاين الشياطين تلعب على وجهك ولهذا أنا ابكى عليك. فقالت : وهل لى توبة؟ أجابها : نعم ولكن ليس فى هذا المكان. ثم أخذها إلى البرية ولما أمسى النهار نامت والقديس نام بعيداً عنها. ثم وقف القديس ليصلى صلاة نصف الليل فرأى عامود نور نازلاً من السماء. وملائكة الله يحملون روحها. فاقترب منها فوجدها قد ماتت. فسجد إلى الأرض وصلى صلاة طويلة بسببها فسمع صوتاً يقول: ان توبة بائسية قد قبلت وقت توبتها لأنها تابت بقلبها توبة خالصة. وبعد ان دفن جسدها وصل إلى ديره ,اعلم الشيوخ فمجدوا الله الذى لا يشاء موت الخاطئ. جـ - تعليمه للاخوة وسعة قلبه مضى إليه أخ من الاسقيط عمال بالجسد ولكنه لا يحفظ الأفكار فسأله النسيان فسمع منه قولاً ورجع إلى قلايته فنسى القول : فعاد أيضاً إليه فسمع القول أيضاً يعينيه فلما عاد إلى قلايته نسى القول أيضاً. فصنع هكذا دفعات. وعند ذلك لقى الشيخ فقال له: " يا أبتاه اننى قد نسيت الذى قلت لى. ما اسبحك بعد زلا ارجع اليك". فقال له أنبا يوحنا: " قم وأوقد سراجاً " ففعل كما أمره. فقال له " احضر سراجاً أخر وأوقده منه " فصنع ايضاً كذلك فقال أنبا يوحنا : لعل السراج نقص أو ضرراً ناله بايقادك منه السرج الكثيرة؟! فقال له " ما نقص شيئاً فأجابه الشيخ قائلاً : " هو هكذا المسكين يوحنا لو جاء إليه جميع أهل الاسقيط لما أنقصوه من نعمة الروح القدس. وأنت متى أردت فهلم إلى ولا تشك فى بشئ " هكذا رفع عنه النسيان وكذلك كان عمل شيوخ الاسقيط يعطون نشاطاً للمقاتلين ويكلفونهم بعمل الوصايا لكى يريحوا بعضهم بعضاً. وحدث مرة انه كان جالساً مع الاخوة أمام الكنيسة وكان كل واحد منهم يكشف له أفكاره. فنظر أحد الشيوخ وامتلأ حسداً عليه ، فقال : " يا يوحنا انك ممتلئ سحراً " فقال : " الأمر هكذا كما تقول يا أبتاه ولكنك بنيت حكمك هذا على ما نظرته فى الظاهر ، فما عساك كنت تقول لو علمت بالخفاء ". كان جالساً فى الاسقيط وقد أحدق به الاخوة يكشفون له افكارهم فلما رآه. أحد الشيوخ قال له : يا يوحنا. لقد زينت ذاتك كالزانية التى تكثر من عشاقها. فصنع له له مطانية قائلاً : " حقاً قلت يا أبتاه " وبعد ذلك سأله الاخوة ان كان قد اضطرب من داخل ، فقال : " ما اضطربت البتة ، لكن كما كان خارجى كذلك كان باطنى ". ودفعة سأله بعض الآباء قائلين : " ما هى الرهبنة؟ فقال : " تعب الجسد ومقاتلة البطن ". وبينما هو ذاهب مرة إلى البيعة قابله أحد الشيوخ وقال له : ليس هذا وقت العبادة فارجع إلى مكانك يا قصير ( تعبيراً وتقريعاً ) وطرده فعاد إلى قلايته دون أن ينطق بكلمة. فتبعه الشيخ ومن معه ليروا ماذا يفعل. وعلى أثر دخوله لقلايته خرجت منها رائحة بخور وسمعوا من يقول له : " احفظ نفسك يا يوحنا وداوم التواضع لتكون خليللاً لابن الله لأن النعمة يعطيها الله لمستقيمى القلوب ولا يعوزهم شئ من الخير". وكان يوحنا يقول آمين الليلويا. والمجد والكرامة والقدرة والملك الدائم لالهنا القادر إلى دهر الداهرين. فتعجب الشيخ ومن معه مما سمعوا ومجدوا الله. فادخلوا القديس للبيعة بكرامة عظيمة وكانوا يقولون لبعضهم " حقاً إن يوحنا أعطى من الله أكثر منا لأنه بتول طاهر ". د – حكمته وإفرازه أكل دفعة مع آباء الاسقيط ، فقام أحد الشيوخ وكان قساً كبيراً ليسقيهم الماء فلم يقبل منه إلا يوحنا القصير ، فتعجبوا منع وقالوا له : " كيف وأنت أصغر الاخوة جسرت على أن يخدمك مثل هذا الشيخ الكبير؟! " فقال : " أنا ان كنت فى خدمة وأردت أن أناول أحد الإخوة كوز ماء افرح بالذى يبادر ويأخذ منى ليصير لى الأجر. فلذلك قبلت أنا من الشيخ ذلك لأكمل أجره " وبدلاً من أن يخجل لأنه لم يقبل منع أحد شيئاً. فلما سمعوا انتفعوا من إفرازه. مرة كان الأب يوحنا صاعداً من الاسقيط مع الإخوة فضل مرشدهم عن الطريق لأنه كان ليلاً. فقال الإخوة لأنبا يوحنا : ماذا تصنع لأن الأخ قد ضل الطريق؟ فقال لهم: ان قلنا له شيئاً حزن واستحى ، فالأفضل أن أتظاهر الطريق؟ فقال لهم: ان قلنا له شيئاً حزن واستحى ، فالأفضل أن اتظاهر بأنى مريض وأقول : " أنى لن استطيع المشى لانى فى شدة ، وبذلك نجلس إلى الغد " فلما اعلن لهم رأيه هذا وافقوا وقالوا: ونحن أيضاً نجلس معك ، وفعلاً جلسوا. هـ - تأمله الدائم فى الإلهيات وتحرره من القيود مرة جاءه جمال ليحمل أوعيته. فلما دخل ليحضر له الضفائر نسيها لأنه كان مشغول بالتأمل فى المناظر المعقولة الإلهية – وقرع الجمال الباب فخرج إليه ونسى مرة أخرى – فقرع مرة ثالثة ، فخرج إليه ثم دخل وهو يقول : ( الضفائر للجمال. الضفائر للجمال ). ومرة جاء إليه بعض الإخوة ليأخذوا منع ( قففا ) فقرع احدهم ، فخرج إليه وقال له : ماذا تطلب أيها الأخ؟ فأجابه : ( قففا ). فتركه ودخل وجلس يخيط. فقرع أخ آخر فخرج إليه وقال : ماذا تطلب أيها الأخ؟ فقال له : هات لى قفه يا أبتاه ، فدخل وجلس يخيط ونسى من فرط تأملاته. ثم إن الأخ قرع مرة أخر إليه وقال له : ماذا تطلب يا أخى ؟ فقال " القفف ، أيها الأب " فأمسكه بيده وأدخله إلى القلاية وقال: إن كنت تريد قفة فخذ ما تريده فانى مشغول فى هذه الساعة. + وقيل عنه : انه ضفر فى بعض الأوقات ضفيرة تصلح لعمل زنبيلين ، لكنه خاطها زنبيلاً واحداً ولم يعلم بذلك إلا عندما وصل إلى آخر الضفيرة ، وذلك لأن فكره كان مشغولا بالمناظر الإلهية. 2 – انتصاراته الروحية : قال : أنا أشبه إنسانا جالساً تحت شجرة عظيمة ، ينظر إلى الوحوش والذئاب وهى مقبلة نحوه ، فإذا لم يستطع ملاقاتها يهرب صاعداً فوق الشجرة لينجو منها ، هكذا أنا جالس فى قلايتى أبصر الأفكار الخبيثة تأتى إلى فإذا لم استطع صدها هربت إلى الله بالصلاة ونجوت. انتصاره على الغضب : + قال : انى كنت ماضياً فى طريق الاسقيط ومعى ( القفف ) محمولة على جمل وفجأة أبصرت الجمال وقد تحرك فيه الغضب ، فتركت كل ما كان لى وهربت. + ومرة أخرى كان فى الحصاد فأبصر أخاً قد غضب على آخر فهرب وترك الحصاد. + وجاء مرة إلى الكنيسة فسمع مجادلة فى الكلام بين الإخوة فرجع إلى قلايته ودار حولها ثلاث دورات ثم عادل ودخل فيها ، فسألوه لماذا فعل؟ فقال : إن صوت المجادلة كان لا يزال فى أذنى فقلت أخرجه من أذنى قبل أ، ادخل قلايتى كى يكون عقلى داخل القلاية نقيا. تجلده فى الصلاة : كان منفرداً فى جب جاف وكان بغير انزعاج فى مخاطبة الله بالصلاة ، وكان الشيطان يظهر له فى هيئة تنين عظيم يطوقه حول حلقة وينهش فى لحمه وينفخ فى وجهه بغير شفقة. احتماله الضيقات : قال أنبا بيمن عن أنبا يوحنا القصير ، انه طلب إلى الله فرفع عنه الآلام وصار بلا هم ، فلما توجه إلى الشيخ قال له " ها أنا كما ترانى يا أبى مستريحاً ، وليست لى أشياء تقاتلنى بالجملة " ، فقال له الشيخ : " امض واسأل الله أن يرجع اليك القتال ، لأنه بالقتال تنجح النفس وتفوز" ، فلما جاءه القتال ، لم يصل كى يرتفع عنه ، بل كان يقول " اعطنى يا رب صبرا على الاحتمال ". 3 - أحاديثه : + مرة كان الإخوة جلوسا يأكلون على المائدة فى ( أغابى ) فضحك أحدهم ، فنظر إليه وبكى قائلاً : " ترى ماذا خطر ببال هذا الأخ حتى انه ضحك هكذا ، مه انه كان يجب عليه البكاء ، لأنه يأكل طعام الصدقة ". + ومرة أخرى جاء إليه إخوة ليجربوه لأنه ما كان يسمح لفكره بحديث بشرى ولا كان يتلفظ بشئ من أمور العالم. فقالوا له : الشكر لله يا أبانا ، إن هذه السنة أمطرت أمطارا كثيرة ، وقد شرب النخل وورى وها هو يخرج السعف ليجد الإخوة حاجتهم منه لعمل أيديهم.. أما هو فقال لهم : " إن نعمة الروح القدس إذا ما حلت فى عقل إنسان أروته وجددته ليخرج أثمارا تصلح لعمل الله". حديثه مع أخيه الأكبر: حديث مرة أن قال لأخيه الأكبر: إنى أود أن أكون بغير هم مثل الملائكة ، لأنه لا اهتمام لهم ولا شئ يعلمونه سوى إنهم يتعبدون لله دائماً. ثم نزع ثوبه وخرج عارياً إلى البرية ، فأقام أسبوعاً ثم عاد إلى أخيه ، فلما قرع الباب عرفه أخوه فقبل أن يفتح له الباب قال له : من أنت؟ فقال : أنا يوحنا أخوك. أجابه : إن يوحنا أخى قد صار ملاكاً وليس هو من الناس الآن. فرد عليه قائلاً : أنا هو أخوك ، فلم يفتح له الباب وتركه إلى الغد ، حيث فتح له وقال: اعلم الآن انك إنسان محتاج إلى عمل وغذاء لجسدك ، فصنع له مطانية واستغفر منه. 4 – صوامه : وقد بلغ الزهد به جداً انقطع معه عن كل طعام وشراب أسبوعا مستمراً وإذا أكل لا يشبع خبزا وكان يردد قول معلمه: " لا تتكل على برك و تصنع أمرا تندم عليه وامسك لسانك وبطنك وقلبك". 5 – عمل اليدين وعطفه على الفقراء: كان القديس فى أوقات الفراغ من صلاته وتأملاته يعمل فى صناعة السلال وذلك ليحصل على معيشته ومعيشة الإخوة الذين معه والفقراء الذين يفدون إليه. + خرج مرة من قلايته ومعه سلال ليبيعها فى الريف فقابله جمال فى الطريق وطلب إليه أن يسلمه القفاف ليحملها عوضاً عنه. فأعطاها له وسار وراءه فى الطريق ، ثم سمع الجمال يغنى بأغان عالمية بذيئة ورأى حوله شياطين ، فترك السلال وعاد إلى البرية. + وكانت العادة فى زمن الحصاد إن ما يجمعه الشيوخ يحتفظون بنصفه والنصف الآخر يوزع للمحتاجين. أما القديس يوحنا فكان يعطى الكل ولا يبقى لذاته شيئاً. + سأله الإخوة مرة قائلين : يا أبانا هل يجب أن نقرأ المزامير كثيراً. فرد قائلاً : إن الراهب لا تفيده القراءة والصلوات ما لم يكن متواضعاً محباً للفقراء والمساكين. 6 – شفاء المرضى ومعرفة الخفايا: + ذهب القديس مرة إلى أحد الحقول فى زمن الحصاد ليجمع شيئا فقابله فلاح مصاب بمرض البرص وطلب منه أن يشفيه فأخذ القديس ماء وصلى عليه ورشمه باسم الثالوث الأقدس فشفى الرجل ومضى ممجداً الله. + ثم بعد قليل جاءته امرأة بها شيطان ردئ يعذبها كثيراً فتحنن عليها ووقف إلى جانبها يسأل الله من أجلها وحالا خرج منها الشيطان. + ومرة باع قففاً واشترى بثمنها خبزا وفيما هو سائر فى الطريق أمسكته امرأة عجوز وطلبت إليه أن يعطيها خبزا لها ولابنها الأعمى الذى كاد أن يهلك جوعا. فأعطاها كل الخبز الذى معه ثم طلب إليها أن تقدم ابنها إليه ولما قدمته صلى قائلاً : أيها الرب الإله الواحد وحده الساكن فى السماء الذى بإرادته نزل إلى الأرض وخلص شعبه من خطاياهم وصنع الآيات والعجائب بين خليقته وأبرأ المرضى وشفى البرص وفتح أعين العميان. أسألك الآن من أجل هذا الفتى الواقف أمامك أن تعطيه نوراً وبصراً " ورشم عينيه. فحالا أبصر فأخته أمه بفرح ممجدة الله ومخبرة بصنع القديس الذى فتح عينى ابنها الأعمى وأعطاها الخبز. + وقد ميز الله صفيه يوحنا بمعرفة الخفايا فعندما كان يقدس الأسرار كان يعرف من يستحق التناول ومن لا يستحق ولهذا فإن كثيرين تابوا ورجعوا لله بكل قلوبهم. انتقال القديس عند قرب انتقاله إلى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة وألم القلب ظهر له السيد فى رؤيا واعامه بهذا. وباكر الأحد جاءت إليه رتب الملائكة وطغماتها ولما رآهم القديس فرح كثيراً ووقف يصلى باسطاً يديه ووجهه إلى الشرق وأثناء ذلك فاضت روحه الطاهرة ومضى إلى النعيم الأبدى فى عشرين بابه وله من سبعون سنة. وقد نال منزلة الملائكة الأطهار والرسل الأبرار. وحين تلميذة للبرية رأى نفس أبيه الطوباى بين صفوف الملائكة وأرواح القديسين وصل إلى قلاية معمله وجده قد فارق الحياة فقبله وبكى كثيراً وكفنه بلفائف وذهب وأعلم السكان فأتوا وأخذوا الجسد الطاهر إلى المدينة ولما وصلوا باب المدينة إذا شاب به روح نجس صرخ قائلاً : " ارحمنى يا أبى القديس يحنس فانى فى عذاب شديد ". فحالا صرعه الشيطان وخرج منه وعوفى المر. ثم أتى إنسان مفلوج ولمس الأكفان ووضع جزءاً منها على جسده وشفى وخرج يمجد الله ويخبر بما صنعه الله باسم القديس. ولما أدخلوا جسد القديس للكنيسة والجميع يبكون عليه ويتباركون ويضعون أكفاناً أخرى إذا بأعرج أتوا به وطرحوه على الأكفان فحالا شفى ، وعلى رجليه وخرج أمام الجميع يشكر الله الممجد فى قديسه. ثم بعد أن سبح الجماعة ورتلوا للرب بأصوات روحانية وشعوا القديس فى تابوت من صاج وتركوه بجانب قديسين آخرين وهما أنبا اثناسيوس ييشاى وكانت تخرج من أجسادهم المقدسة قوة لشفاء كثيرين صلواتهم جميعاً تكون معنا ولربنا المجد دائماً ابدياً آمين. |
رد: بستان الرهبان
أنبا سرابيون الكبير سيرته : كان هذا القديس من أهل مصر من الاباء المشهورين بالفضل ، وكان يعرف ( بالسبانى ) لأنه كان زمانه يلبس ( سبانية ) وهى عبارة عن ثوب من كتان سميك. وما كان يمتلك شيئاً البتة حتى ولا عصا ولا حذاء ، سوى انجيلاً صغيراً ، وكان فى كل اموره يفضل راحة قريبة على راحة نفسه ، وكان كاملاً فى العبادة ، جيداً فى القراءة يتلو عن ظهر قلب كل كتب الله ، وكان يجول فى كل البرارى والمدن سعياً وراء اقتناء الفضائل وعمل الصالحات ، بحيث لا يبالى بشئ من أمور الدنيا حتى ولا بجسمه ، ولذلك بلغ كافة الفضائل التى أصبحت لديه كأمور طبيعية. فضائله : 1 – بساطته : قيل عنه انه أراد مرة الذهاب إلى رومية فأتى إلى البحر وبتدبير الله وجد شفينة تريد الذهاب إليها فألقى بنفسه فها ولم يكن معه وقتئذ لا خبز ولا دراهم ولا شئ البتة ، فساورا خمسة أيام لم يأكل فيها ولم يشرب ، ولا كلمه إنسان ، ولكنه كان جالساً صامتاً فظن النواتيه أن دوار البحر منعه عن الاكل ، أما هو ففى الحقيقة لم يمنعه سوى العدم لأنه ما كان لديه شئ البتة ، فسألوه: ما هو أمرك أيها الشيخ فانك لا تأكل ولا تشرب ولا تتكلم؟ فقال لهم : ليس معى لا طعام ولا دراهم ولذلك فأنى صائم ، أما صمتى فهذه سنة الرهبان ، فانهم يفضلون السكوت فلم يصدقوا اقواله وفتشوه ، ولما لم يجدوا معه شيئاً تضجروا وانتهروه قائلين : من أين توافينا بالأجرة؟ فقال لهم الشيخ ردونى من المكان الذى بدأت منه الركوب معكم ثم أمضوا بعد ذلك بسلام. فقالوا له: أبعد أن سافرنا خمسة أيام تريدنا أن نرجع إلى الوراء فتؤخرنا بذلك عشرة أيام دون أن نتقدم ، كما اننا لا نعلم ان كانت الريح توافقنا كما الآن ام لا لاننا قطعنا مسافة طويلة لطيب الريح الذى لم نر مثله قط ، ولم يعلم القوم ان الله سهل طريقهم من أجله. أما هو فقال لهم: ان لم تردونى إلى مكانى فهانذا بين أيديكم لأنه ليس لى ما أهطيكم ، وحدث بعد ذلك أنهم تحننوا عليه ورحموه واطعموه وأولوه جميلا. 2 – القديس يطلب هداية الخطاة : حدث مرة أن عبر الأب سرابيون على قرية من اعمال مصر فنظر امرأة زانية قائمة على باب المخور. فقال لهم الشيخ:" انتظرينى عشية لانى عازم على المجئ اليك لاقضى هذه الليلة بقربك ". فأجابته: " حسناً يا راهب حسناً " فلما كان المساء أتى إليها. وبعد أن أغلقت الباب قال لها: تمهلى قليلا لأنه لنا سنة لابد أن اعملها اولاً : فابتدا من أول ( الابصالتس ) مرتلاً ، وفى نهاية كل مزمور كان يقول : " يارب ارحم هذه الشقية وردها للتوبة لتخلص " ، فسمع الرب وخشع قلبها وكانت قائمة إلى جانبه مرتعبة ومرتعدة ولفزعها سقطت على الأرض. فلما أكمل الشيخ الابصالتس أجمع ، أقامها فعلمت انه جاء ليخلص نفسها. فطلبت إليه قائلة: اصنع محبة يا أبى واوجد لى موضعاً تضعنى فيه لارضى الهى وارشدنى كيف اخلص فأخذها الشيخ إلى دير العذارى وسلمها للرئيسة وقال لها: اقبلى هذه الاخت وافسحى لها المجال لتتدبر كما تشاء. فقبلتها ولما مكثت أياماً يسيرة قالت : أنا امرأة خاطئة والواجب على أن آكل فى الاسبوع مرة. وبعد ذلك من الرئيسة فجعلتها فى قلاية صغيرة وسدت بابها عليها. وكان يتاولونها طعامها وشغل يديها من طاقة ، وهكذا ارضت الله هناك بقية حياتها. 3 – عطفة الشديد على المساكين : ومرة مضى انبا سرابيون إلى الاسكندرية فوجد هناك إنسانا مسكيناً عرياناً فى السوق فوقف يحدث نفسه قائلاً : كيف وأنا الذى يقال عنى انى راهب صبور عمال ، أكون لابساً ثوباً ، وهذا المسكين عريان ، حقاً ان هذا هو المسيح والبرد يؤلمه: وعندئذ وثب بقلب شجاع وتعرى من الثوب الذى كان يلبسه وأعطاه لذلك المسكين. ثم جلس هو عرياناً والانجيل فى يده.. وانفق أن كان ( البرخس ) أى المحتسب مجتازاً. فلما أبصره عريانه قال له : با أنبا سرابيون من عراك؟ فأشار إلى الانجيل وقال : هذا هو الذى عرانى. فبعد ما كسوه قام من هناك ، فوجد إنسانا عليه دين وهو معتقل من صاحب الدين. وحيث لم يكن لديه شئ يوفيه عنه باع الانجيل ودفع ثمنه للدائن ، ولما كان ماشياً لاقاه فى الطريق إنسان يستعطى ، فأعطاه الثوب وجاء عرياناً ، فدخل قلايته. فلما أبصره تلميذه هكذا قال له: يا معلم، أين الثوب الذى كنت تلبسه؟ أجابه قائلاً: لقد قدمته يا ولدى قدامنا حيث نحتاجه. فقال له أيضا " وأين انجيلك يا أبتاه الذى كنا نتعزى به " فقال له : " يا ولدى لقد كان يقول لى كل يوم : " بع كل ما لك واعطه للمساكين. فبعته". 4 – انبا سرابيون رجل المعجزات : ( أ ) اقامة الميت : حدث ان كان لانسان ولد. ومات هذا الولد ، فأخذه إلى الشيخ ووضعه قدامه على وجهه وإذ خاف ان يطلب من القديس اقامته من الموت لئلا يرفض اتضاعاً ضرب مطانية وتراجع قليلا ولم يعرف الشيخ ان الصبى ميت. وظن انه ساجد له وانتظر ليقوم فلم يقم ، فقال له : ثم يا ولدى الرب يبارك عليك فقام الصبى حياً ، فأخذه أبوه وعاد إلى بيته شاكراً لله ولقديسه. ( ب ) اقامة المقعد : كان بمصر إنسان له ولد مقعد. فحمله إلى انبا سرابيون وتركه عند باب قلايته وابتعد عنه قليلاً مترقباً. فبكى الولد ، فلما سمع الشيخ صوت بكائه خرج وقال له : من جاء بك إلى هاهنا؟ فقال له : أبى. قال له : قم اجر والحقه، فقام وجرى ولحقه ، فأخذه أبوه إلى منزله وهو يمجد الله. (جـ) اخراج روح نجس من إنسان: حدث مرة ان اتوا بانسان إلى الكنيسة وكان قد اعتراه جنون ( بروح نجس) وصلوا عليه فلم يخرج لأنه كان صعباً. فقال الكهنة : ما الذى نعمله بهذا الجن لأنه لا يستطيع احد منا ان يخرجه الا انبا سرابيون. وان نحن أعلمناه وسألناه امتنع عن المجئ إلى الكنيسة. فلنجعل هذا الرجل المعذب راقداً فى الموضع الذى يقف فيه ليصلى : فعند دخوله ، نقول له يا انبا سرابيون. أيقظ هذا الرجل الراقد فى البيعة. ففعلوا كذلك. إذ انه لما دخل الشيخ ووقفوا للصرة. قالوا له: أيها الشيخ. أيقظ هذا الرجل الراقد. فقال له : قم. وللوقت نهض معافى بكلمة الشيخ. ( د ) مع الحبيسة : لما وصل إلى رومية مرة أخذ يجول فى المدينة سائلاً عن حبيسيها وصالحيها وصلاح طاهر. فأحب أن يعرف سيرتها فى رهبانيتها ، فذهب إليها ، وكانت تلك الحبيسة ، كثيراً ما تمسك نفسها عن التكلم مع الناس وكانت لها خادمة عجوز. فقال لها الشيخ: كلمى الحبيسة أن تكلمنى واعلميها بأن حبا فى المسيح جئت إليها. فقالت له العجوز. ان الحبيسة ليس لها عادة ان تكلم إنسانا وأبت أن تخبرها. فمكث القديس ثلاثة أيام وهو لا يفارق العجوز ، فلم يأكل ولم يشرب. فلما شعرت به الحبيسة وأبصرت صبره رحمته ، فأشرقت عليه وقالت: ما الذى يبقيك ها هنا يا أبى وماذا تطلب ، فقال لها : أحية أنت أم ميتة؟ فقالت : أنا حية بالله. وميتة عن العالم ، فقالها لها : أقائمة أنت أم جالسة؟ قالت له : لا يا أبى، بل أنا سائرة ، قال لها : إلى أين تسيرين قالت : إلى السيد المسيح. فقال لها القديس. اريد ان أتأكد من صحة كلامك. فان فعلت ما أقوله لك علمت انك صادقة. اخرجى من حبسك وانزعى ثيابك وانا أيضا انزع ثيابى ونمشى عراة الواحد منا خلف الآخر وسط سوق المدينة. فقالت له : ان لى حتى اليوم 25 سنة وانا فى هذا الحبس ، فكيف تطلب منى الآن ان اخرج منه وافعل هذه الجهالة؟ قال لها القديس : الست تزعمين بأنك قدمت عن العالم. فالميت من أى شئ يرتبك؟ والميت عن العالم لا يبالى بهزء الناس ولا بمدحهم. من مات عن الدنيا لا يبالى بما يصيب جسده من أجل الرب ، فحياؤك هذا يدل على انك لم تموتى بعد عن العالم كما قلت ، وانما أنت مخدوعة ولم تنتصرى بعد. فقالت له : انى لم اصل بعد إلى هذه المنزلة. التى اخبرتنى عنها. فقال لها القديس : اياك بعد هذا اليوم ان تعتقدى بأنك غلبت الجسد ومت عن العالم. فقال له ك لو اننا اتينا هذا الفعل أما كانوا يشككون فينا ويقولون لولا ان هذين فاسدان لما فعلا ذلك قال لها القديس : كل ما تصنعينه فى سبيل الله تبالى بقول الناس ازاءه. ان الراهب اذا كان يغتم من الشتيمة والهوان فقد دل على انه علمانى لم يترهب بعد .. فقالت له : اغفر لى يا أبى فانى لم اصل بعد إلى هذه الدرجة. فقال لها القديس : " أتضعى فى فكرك واياك والعظمة " ثم انصرف. مع أخ يلوم نفسه ملامة باطلة : حدث ان زاره أخ ، فطلب من الشيخ ان يصلى كما هى العادة فاعتذر قائلاً انى خاطئ لا استحق ولا لاسكيم الرهبنة. فاراد الشيخ ان يغسل رجليه فابى ولم يدعه واعتذر ايضاً بمثل هذا الكلام وقال : انى خاطئ ولست مستحقاً. ثم هيأ الشيخ طعاماً فلما جلسا ياكلان اخذ الشيخ يعظه بمحبة ويقول له: يا ابنى ان كنت تريد أن تنتفع فاجلس فى قلايتك. واترك عنك الدوران واجعل اهتمامك فى نفسك وفى عمل يديك فانك لا تنتفع من الجولان مثلما تنتفع من الجلوس فى قلايتك. فلما سمع الأخ ذلك الكلام وهذه العظة ، تململ وتغير لون وجهه حتى ان الشيخ لاحظ ذلك فى وجهه. فقال له الشيخ : بينما أنت تقول انى خاطئ وتصف نفسك انك لست اهلاً لان تحيا فى هذه الدنيا فإذا بى – عاتبتك بمحبة أراك وقد تململت وتلون وجهك حتى صرت مثل السبع. ان كنت بالحقيقة تريد ان تكون متضعاً فاحتمل ما يأتيك من الاغتنام من الاخرين ، ولا تلم نفسك ملامة باطلة بالرياء وبالكاد الباطل. فلما سمع الأخ هذا الكلام انتفع به وصنع له مطانية قائلاً : " اغفر لى ورجع إلى قلايته ". |
رد: بستان الرهبان
الأنبا أيوب والأنبا بيمن واخوتهما من هم : نموذج لحياة الشركة المقدسة قيل إنهم كانو سبعة إخوة من بطن واحدة ، وصار الجميع رهبان بالاسقيط. فلما جاء البربر وخربوا الاسقيط فى اول دفعة ، انتقلوا من هناك واتوا إلى موضع اخر يدعى " يارين " .. فمكثوا هناك فى بربا .. للاصنام اياماً قلائل. حينئذ قال انبا ايوب لانبا بيمين : لنسكت جميعنا كل من ناحيته ، لا يكلم احدنا الآخر كلمة البنة وذلك لمدة أسبوع. فأجابه أنبا بيمين : " لنصنع كما أمرت " ففعلوا كلهم كذلك. وكان فى ذلك البيت صنم من حجر فكان أنبا أيوب يقوم فى الغداة يردم وجه ذلك الصنم بالتراب وعند المساء يقوم للصنم : اغفر لى. وهكذا كان يفعل طول الأسبوع. فلما انقضى الأسبوع تقوم بالغداة وترد وجه الصنم ، وعند المساء تقول له اغفر لى. أهكذا يفعل الرهبان؟ فأجاب أنبا أيوب : لما رأيتمونى وقد ردمت وجهه ، هل غضب؟ قال : لا . فقال ولما تبت إليه هل قال : اغفر لك؟ قال : لا. فقال أنبا أيوب لإخوته: ها نحن سبعة إخوة. إن أردتم ان يسكن بعضنا مع بعض فلنصر مثل هذا الصنم الذى لا يبالى بمجد او هوان وان لم تؤثروا ان تكونوا هكذا فها هى أربع طرق أمامكم وليذهب كل واحد حيثما يشاء. فأجابه إخوته قائلين : " نحن لله ولك ، ونحن مطيعون لما تشاء " فاختاروا احدهم ليهتم بالمائدة ، وكل ما كان يقدمه لهم كانوا يأكلونه ، ولم يقل أى واحد منهم: احضر شيئاً أخر. ولا قال احدهم : " لا نريد هذا أو لسنا نشتهى ذاك". وكان أنبا يعقوب يدبرهم فى أعمال أيديهم ، أما أنبا بيمين فقد كان معلماً لهم فى طريق الفضيلة. هكذا اجتاز الإخوة ايامهم بسلام. بركة صلاتهم تكون معنا. آمين |
رد: بستان الرهبان
أنبا بيمن كان رحيماً رقيقاً يعطف على جميع الناس حتى لقد أطلق عليه لقب: " الأب الرؤوف " قضى ما يقرب من قرن فى برية شبهيت اجتذب خلاله عدداً من الناس إلى حياة القداسة. ومما ساعده على اجتذاب الناس رقته ورحمته اللتان كانتا كالمغناطيس تحببان الناس فيه وتكتسبانهم إلى الحياة النسكية. ذات مرة جاءه راهب يستشيره وكان الأحد الثانى للصوم المقدس. وبعد ان أصغى إلى نصيحته قال له : " أتعرف يا أبى بيمين أنى كنت لا أتى إليك اليوم " فسأله الشيخ : ولماذا. أجابه الأخ : لقد قلت لنفسى ربما كان الباب مغلقاً مدة الصوم المقدس. قال له الأنبا بيمين: إننا لم نتعلم ان نغلق الباب المصنوع من الخشب ولكننا تعلمنا ان نغلق باب فمنا. عطفه على الخطاه: + حدث ان كان جالساً مع رعض رهبانه ذات يوم فقال له احدهم: " حين اسقط أو أخطئ يوبخنى ضميرى ويضايقنى قائلاً : لماذا سقطت؟ " أجابه أنبا بيمين: " متى سقط احدنا ثم صرخ إلى الله قائلاً: ( لقد أخطأت ) فالله جل اسمه يقبله إليه على الفور " : ولما قال القديس هذه الكلمات التفت إلى المحيطين وقال لهم: " ان رأيتم أخاً على وشك السقوط فمدوا أيديكم إليه وارفعوه وعزو قلبه بتذكيره بمحبة الله ليتشجع ويعاود جهاده فى سبيل الكمال المسيحى " + ودفعة جاء أنبا بيمين إلى بلاد مصر واختار مسكنه بجوار اخ كانت لديه امرأة. وبالرغم من معرفة الشيخ لهذا فانه لم يوبخه. ولم حان وقت ولادة المرأة دعا الشيخ اخاً صغيراً وقال له : " انهض خذ جرة النبيذ هذه واحملها لجارنا فسوف يحتاج لها اليوم " ففعل الأخ كما أمره الشيخ. أما الأخ الذى عنده امرأة ، فتأوه وتاب فى قلبه وبعد أيام قليلة طرد المرأة ، وأعطاها كل ماله ثم جاء لأنبا بيمين قائلاً: يا أبى : انى تائب منم هذا اليوم. لكنى أسألك ان تصلى من أجلى إلى الله لكى يقبل توبتى. قال له أنبا بيمين : ان كنت تائباً من كل قلبك فأنى أؤمن ان الله سوف يمنحك رحمة فلا تيأس من أمر خلاصك. ثم مضى الأخ وبنى لنفسه مكاناً منعزلاً وجعل له مدخل اعتاد عن طريقه يذهب لأنبا بيمين وكان الشيخ يوضح له طريق الله. فربح روحيا. وجاهد الأخ بالصوم والصلاة والبكاء والتنهد وحزن كثيراً من أجل خطيته ، وأخيرا كشف الله للشيخ قبوله لتوبة الأخ. محبته ترفقه بالجميع : + كان الشيوخ يحضرون أيضا ليستقوا من ينبوع حكمته فجاء إليه بعضهم مرة وسأله : ان نحن وجدنا بعض الإخوة نياماً فى الكنيسة فماذا نفعل بهم؟ .. أجابهم : ان وجدت آخى نائماً فى الكنيسة أضع رأسه على ركبتى وأفسح له المكان ليستريح. فقال له احدهم : وما الجواب الذى تؤديه لله عن هذا العمل؟.. أجابه الأنبا بيمين : سأقول لربى : لقد قلت لى اخرج الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيداً ان تخرج القذى من عين أخيك. + وحدث أيضا ان سأله أخ ذات يوم قائلاً : ما المعنى ان لا تجازى أحدا عن شر بشر؟ أجابه القديس بيمين : هناك أربع خطوات للوصول إلى تحقيق معنى هذه الآية وهى القلب والعين واللسان والعمل. أما ان احتدم قلبك غيظاً فانك ستتفرس فيمن أساء إليك. وساعتئذ حاذر والجم لسانك. فان انفلت منك زمامه فقف عند هذا الحد لأنك ان لم تتحكم فى نفسك عند هذا الحد اندفعت إلى مجازاة من أساء إليك وبعدت عن وصية الشيخ. إنكاره لذاته وتواضعه : + سمع عن الأب بيمين ، أرخن مقدم ، فأتى ليبصره ، فلما سمع به الشيخ تناول سلبة ومضى إلى نخلة ليسقيها ، فلما جاءوا اعتقدوا ان المتوحد غير موجود فانصرفوا. + وحدث مرة أخرى ان أتى إليه إنسان رئيس لينظره. فسبق إليه قوم من أصحاب الكنيسة واخبروه قائلين : " استعد فان فلانا الارخن قد سمع بك ، ها هو حاضر لينظرك ويتبارك منك. فأجابهم الشيخ قائلاً : نعم ، انى سأهيئ نفسى جيداً .. فقام ولبس المرقعة التى له. وأخذ خبزاً وجبناً ، وركب الحائط مفروق الرجلين كما يركب الحصان. وجعل يأكل ويهز رجليه ، فلما قدم الارخن مع حشمه ، وأبصره هكذا ، شتمه قائلاً : أهذا هو المتوحد الذى سمعنا عنه؟ ليس ههنا متوحد. وهذا هو نفس الكلام الذى توقع ان يسمعه الشيخ. + كما اخبروه أيضا عن الشيخ انه كان جالساً وحده ، وكان إنسان علمانى يخدمه ، عمره كله ، وحدث ان مرض ابن ذلك العلمانى ، فطلب إلى الشيخ قائلاً: " ادخل وصل على ابنى " فلما أكثر عليه الطلب خرج الشيخ وذهب معه ، فتقدمه الرجل ودخل قبله القرية وقال لأهل القرية : اخرجوا للقاء القديس " فقد جاء. فلما رآهم الشيخ من بعيد مقبلين نحوه بالشموع والقراءة ، نزع لوقته ثيابه والقاها فى النهر ووقف عرياناً يغسلها برجليه ، فلما رآه ذلك الإنسان الذى كان يخدمه ، هكذا، حزن ورجع يطلب إلى أهل القرية قائلا لهم : يا إخوة ، ارجعوا إلى بيوتكم ، لان الشيخ قد تاه ، ولا يدرى ما هو فيه. فلما رجع الناس إلى بلدتهم ، تقدم الرجل إليه وقال له : يا أبى ما هذا الذى فعلته؟ لقد قال الناس ان ذلك الشيخ مجنون لا يدرى ما هو فيه. فقال الشيخ : هذا ما أردت أن اسمعه. تقشفـــه : مضى إلى الأب بيمين بعض الإخوة بالاسقيط وأرادوا أن يصيبوا له الزيت، فقال لهم : " هو ذا الإناء الصغير الذى جئتم به منذ ثلاث سنين بحالة كما تركتموه ". فلما سمعوا عجبوا من جهاد الشيخ وقالوا : " هو ذا زيت طيب ، أما ذاك فانه زيت نغل " ( غير نقى ). فلما سمع ذاته بالصليب وقال : " إنى ما علمت قط فى الدنيا زيتا غير هذا!! موته عن العالم – عزلته : + أراد فى يوم من الأيام والى البلاد أن يشاهد أنبا بيمين. ولكنه لم يشأ ذلك. فقبض الوالى على ابن أخته بهذه الحجة وحبسه ، كان عملاً منكراً. وقال : "إن جاء الشيخ وسألنى من أجله فسوف أطلقه إليه أخته باكية على الباب. فلم يجبها بجواب البتة. فكررت عليه " يا قاسى القلب ، ويا حديدى الأحشاء ، ارحمنى فانه وحيدى وليس فقال لها : " بيمين ما ولد أولاداً ". فلما سمع الوالى قال : وان سألنى فقط فانى أطلقه. فأجاب الشيخ قائلاً : " استفحصه على ما يأمر به فان كان مستحقاً للقتل فليقتل؟ وإلا فافعلى ما تريد ". وهكذا عاش القديس أنبا بيمين فى البرية سنين طويلة جاهد خلال الحسن وأكمل السعى فى هدوء ودعة ، ثم انتقل إلى بيعة الابكار بعد عيشة كانت محل إعجاب الملائكة وتقوية لعزائم القديسين. |
رد: بستان الرهبان
أنبا بيصاريون قيل عن الأب بيصاريون انه كان كطيور السماء ، وكأحد وحوش البرية ، وكائنات الأرض الزاحفة. أكمل حياته فى سكينة بلا هم. ولم يهتم قط ببيت ، ولا خزن طعاماً ، ولا اقتنى ملبساً أو كتاباً ، بل كان بكليته حراً من الآلام الجسدانية ، راكباً فوق قوى الإيمان ، صائراً بالرجاء مثل أسير الأمور المنتظرة ، طائفاً فى البرارى كالتائه ، عارياً تحت الاهوية وكان يصير على الضيقات مسروراً ، وكان إذا وجد مكاناً فيه أناس أو رهبان يعيشون حياة المجمع كان يجلس على الباب باكياً منتحباً مثل إنسان نجا من الغرق. وحدث مرة ان وصل إلى دير فجلس على باب الدير باكياً. فلما خرج أحد الإخوة قال له : لماذا تبكى أيها الإنسان ، اننى مستعد أن أعطيك قدر استطاعتى ما تحتاج إليه من أمور هذه الحياة. نهض ادخل الدير وارح ذلك على مائدة الشركة المباركة. أجابه أنبا بيصاريون : إلى أن أجد ممتلكات بيتى الذى نهب، وغنى بيت بائى الذى أخذ بشتى الطرق ، لن اسكن تحت سقف لان قراصنة دفعوا بى فى البحر ، وعاصفة هبت على ، فتجردت من غناى ، وسقطت عن شرف نسبى اصبحت موضوع احتقار. فلما سمع ذاك الأخ منه هذا الكلام المحزن. دخل وأحضر له قليلاً من الخبز وقال له : خذ هذا يا أبتاه ، واله قادر ان يرد لك حاجتك التى ذكرتها. لكن أنبا بيصاريون كان يصرخ ويبكى بصوت عال ويقول : " آمين. أطلب أنت يا أخى ، كى يرد لى الله شيئاً منها ، انى لست أعلم ان كنت أستطيع الحصول لى ما فقدته ، وما ابحث أنا عنه وهاأنذا فى عذاب ، وقد اقتربت من الموت بسبب العاصفة القاسية المتعددة الشرور المحيطة بى ، وانى احتمل هذا كله على رجاء رحمة الله التى ربما استحقها فى يوم الدينونة ". وسأل إخوة بخصوص معنى ما قاله أنبا بيصاريون على باب الدير قائلين: أهو الغنى الذى ورثه من أبويه وفقده. ماذا تعنى هذه القصة؟ من هما الأبوان؟ ماذا قصد بالكلمات : بحر ، عواصف ، أمواج. |
رد: بستان الرهبان
القديس أخيلاس جاء عن هذا الأب القديس أنه جاء إليه ثلاثةُ شيوخٍ، وكان أحدُهم سيئ السيرةِ، فطلب الأول من الشيخ أن يصنع له شبكةً، فلم يُجبه إلى طلبهِ. وسأله الآخر أن يصنع محبةً ويجعل لنفسِه في ديرهم تذكاراً بشبكةٍ يصنعها لهم، فوعده عندما يتفرغ يعملها. ولما تقدَّم إليه الثالثُ ذو السمعةِ السيئة وطلب منه أن يصنعَ له شبكةً ليكون له شيءٌ من عملِ يديه، أجابه إلى طلبهِ في الحال. فسأله الاثنان الأولان في خَلوةٍ وقالا له: «كيف إننا لما طلبنا إليك نحن الاثنين لم تُجبنا إلى طلبنا، أما ذاك فأجبتَه لوقتهِ وقلتَ له نعم»؟ أجابهم الشيخُ: «لقد قلتُ لكما: لا، لأني عالمٌ أنكما لا تغتمَّان. ثم إني في الحقيقةِ لم أكن وقتئذ متفرِّغاً لذلك. أما ذاك فلو أني قلتُ له: لستُ متفرِّغاً لإجابةِ طلبك، لقال في نفسهِ: إن الشيخَ قد سمع بخطيئتي، ولأجل ذلك لم يُجبني إلى طلبي. فيحزن وينقطع رجاؤه. ففعلتُ معه هكذا كي لا يهلك في الحزنِ واليأسِ». ودفعةً جاءه أحدُ الشيوخِ، فوجده قد طرحَ من فمِهِ دماً، فسأله: «ما هذا يا أبتاه»؟ فأجابه الشيخُ: «إن هذه كلمةُ أخٍ أحزنتني، فجاهدتُ وطلبتُ من اللهِ أن يرفعها عني، فصارت الكلمةُ دماً في فمي، فبصقتُ واسترحتُ منها ونسيتُ حزنَها». وقال عنه أنبا أموناس: إنني مضيْتُ إليه أنا وأنبا سميوس، فسمعناه يردِّد هذا الكلام قائلاً: «لا تخف يا يعقوب من النزولِ إلى مصر». فلما كرَّر هذا القولَ مراراً كثيرة قرعنا البابَ ففتح لنا وقال: «من أين أنتما»؟ فخشينا أن نقولَ إننا من القلالي، فقلنا له: «إننا من جبل نتريا». فقال: «ماذا أصنعُ وقد جئتما من ناحيةٍ بعيدةٍ». فدخل بنا فوجدناه قد عمل في الليلِ ضفائرَ كثيرةً. فسألناه كلمةً، فأجابنا قائلاً: «إني منذ البارحةِ حتى هذه الساعة قد ضفَّرتُ عشرين باعاً. وصدِّقوني إني لستُ في احتياجٍ إلى كلِّ ذلك، ولكني أخافُ أن يقولَ لي الربُّ: لماذا لا تعمل ما دمتَ تقوى على العملِ؟ من أجلِ ذلك أتعبُ بكلِّ قوتي». فانتفعنا وانصرفنا. |
رد: بستان الرهبان
أنبا دانيال كان أنبا دانيال، سائراً مرةً مع تلميذِه في طريقٍ، فلما قربا من موضعٍ يقال له أرمون المدينة، قال لتلميذِه: «امضِ إلى هذا الدير الذي لهؤلاء العذارى، وعرِّف الأم، أني ههنا». وكان الدير يُعرف بدير أنبا أرميوس، وكان فيه ثلاثمائة عذراء. فلما قرع التلميذُ البابَ، قالت له البوابةُ بصوتٍ خافتٍ: «من هذا، ماذا تريدُ يا أبي؟» قال لها الأب: «أريد أن أتكلمَ مع الأم». فقالت له «إن الأم لا تتكلم مع أحدٍ، فعرفني بما تريده، وأنا أعرِّفها»، فقال لها: «قولي لها، هو ذا راهبٌ، يريدُ أن يتكلمَ معكِ»، فمضت ودعت الأم، فجاءت إلى عندِ البابِ، وتكلمت معه على لسانِ البوابةِ، فقال لها الأخُ: «اصنعي محبةً، واقبلينا إليكِ هذه الليلة، أنا وأبي، لئلا تأكلنا الوحوشُ». فأجابت قائلةً: «ليست لنا عادةٌ أن يبيتَ عندنا رجلٌ، والأصلح لكما أن تأكلكما وحوشُ البريةِ، ولا تأكلكم السباعُ الجوانية، الذين هم الأعداءُ الشياطين»، فقال لها الأخُ: «إنه أبونا دانيال، أرسلني إليكِ». فلما سمعتْ أنه أنبا دانيال، خرجت مسرعةً إلى البابِ الثاني، والعذارى يجرين خلفها، وهن يفرشن بلالينهن في الطريقِ إلى موضع الشيخِ، فما أن دخلَ الديرَ حتى قدمت له لقّاناً فيه ماء، وغسلت رجليه، ولما فرغت من غسلهما، جعلت العذارى يأخذن الماء ويغسلن وجوهَهن، ما خلا أختٌ واحدةٌ، كن يقلن له الهبيلة، مطروحةً عند البابِ، بخرقٍ زريةٍ جداً، فلما فرغوا من الغسل، خرج الأب أنبا دانيال عند البابِ، فنظر إلى تلك الأختِ، فلم تسلِّم عليه، ولا التفتت إلى كلامِه، فصرخت عليها الأخواتُ، أن تقبِّل يدي أبينا أنبا دانيال، فلم تقف، فقالت الأم للأنبا دانيال: «يا أبانا إنها مجنونةٌ، وطلبتُ مراراً كثيرةً أن أطرحها خارجَ بابِ الديرِ، ولكني خشيتُ من الخطيةِ». ثم إنهن قدمن للأنبا دانيال طعاماً ليأكلَ، وبعد ذلك أكلن، ثم قال لتلميذِه: «اسهر معي الليلةَ، لتنظرَ عِظم فضائل هذه القديسةِ التي يدعونها مجنونةً». ولم تمضِ هجعةٌ من الليل، وإذا بالمجنونةِ قد قامت، وانتصبت، ورفعت يديها نحو السماءِ، وفتحت فاها وباركت الله، وصنعت مطانيات كثيرةً، وكانت دموعُها تجري مثلَ ينبوعٍ يجري، من أجلِ حُرقة قلبها في اللهِ، وكان هذا عملها في كلِّ ليلةٍ، وإذا سمعت حساً نحوها، طرحت نفسَها على الأرضِ، وتظاهرت بأنها نائمةٌ. وهذا كان تدبيرُها جميعَ أيامِ حياتِها. فقال لتلميذِه: «استدعِ الأم بسرعةٍ». فلما أتت ونظرت الأختَ عبدة المسيح، والنورَ بين يديها، والملائكةَ تسجدُ معها، بكت وقالت: «الويل لي أنا الخاطئة، فكم صنعتُ بها من الشتمِ والإهانةِ والتعيير». فلما ضُرب الناقوسُ، واجتمعت الأخوات للصلاةِ، عرفتهن الأم بما عاينت. فلما علمت (القديسة) أنهن علمن بخبرِها، كتبت ورقةً وعلقتها على قصبةٍ عند بابِ الدير، وخرجت من الديرِ، وكان مكتوبٌ في الورقةِ: «أنا الشقيةُ، لشقوتي، ومعاندة العدو، أخرجني من بينكن، وأبعدني من وجوهكن المملوءة حياةً. إهانتكن لي كانت قرة نفسي، وضجركم عليَّ كان ثمرةً تُجمع كلَّ يومٍ، استقلالكن لي كان ربحي، ورأس المال يزداد كل يوم وساعة، فمباركةٌ تلك الساعةِ التي قيل لي فيها: يا هبيلة، يا مجنونة، وأنتن محاللات من جهتي، بارئات من الخطيةِ، وإني قدامكن، قدام المنبر، سوف أجاوب عنكن لأجلي؛ ليس فيكن مستهزئةٌ، ولا من هي محبةٌ للحنجرةِ، ولا للِّباس، ولا للشهوةِ، بل كلكن نقيات». وهذه هي آخرُ رسالةٍ لها، فلما قرأها أنبا دانيال قال: «ما كان بياتي البارحة هنا، إلا لهذا السببِ». وإن جميعَ الأخوات، أقررن له بما كنَّ يهينونها، ويفترين به عليها، فحينئذ حاللهن الأب أنبا دانيال وعرَّفهن بأن لا يستهزئن بخليقةِ اللهِ، فهذه أعظم الخطايا، حتى ولو كان هبيلاً، لأن توراة موسى النبي تقول: «خُلق الإنسانُ على صورةِ الله ومثالِه بالوقار، والإكرامِ، وطولِ الروحِ، والتأني»، ثم إنّ الأب صلى عليهن، وتوجه إلى ديرِه. كان بالقربِ من جبلِ شيهات، الذي تفسيرُه ميزانُ القلوب، ديرٌ فيه كثيرٌ من العذارى، وكان لهن رزقٌ قليل، وكن يفرقن منه على المساكين والغرباء، وإنَّ مبغضَ الخير، لم يحتمل البرَّ الذي يصنعنه، فدخل في قلبِ مقدمِ قبيلةٍ بالقربِ منهن، وأغراه بسرقةِ الديرِ، وكم كان فرحُ رجالهِ لما عرََّفهم بعزمهِ. فلما جاءوا إلى الديرِ، تحايلوا كيف يجدون السبيلَ لأخذهِ، لكنهم لم يقدروا، لأن حصنَ الديرِ كان منيعاً، فقال لهم مقدمُهم: «ما أقوله لكم افعلوه، امضوا واحضروا لي ثيابَ راهبٍ، وبليناً أسودَ، وقلونية منقوشةً كلها صلبان، مثل شكل أنبا دانيال، الذي من شيهات، فإذا أمسى الوقتُ، لبستُ كلَّ ذلك، وآخذ بيدي جريدةً، وأقرع البابَ، فإذا نظرن إليَّ يفتحن لي من أجلهِ، وبذلك أهيئ لكم الموضعَ لتنهبوه براحةٍ». فلما سمعوا فرحوا، وأحضروا الثيابَ الذي طلبه. ولما أمسى الوقتُ، قام المقدمُ، لابساً الثيابَ، وأخذ في يدهِ جريدةً، وقرع البابَ، فجاوبته البوابةُ: «من أنت يا سيدي وأبي؟»، فقال لها: «امضِ وعرِّفي الأم بأن المسكينَ دانيال القسيس، الذي من شيهات، قائمٌ على البابِ، ويقول: اقبلنني عندكن إلى الغداةِ لكي أستريحَ». فأبلغت البوابةُ الأم بالكلام، وما أن سمعت الأم أن أنبا دانيال قائمٌ على البابِ، حتى قامت مسرعةً، والأخوات يتبعنها، وقبَّلن رجلي ذلك الإنسان. ولأن الوقتَ كان مساءً، فإنهن لم يتحققن شخصَه، بل أسرعن، وأحضرن ماءً في لقانٍ، وغسلن رجليه، ولما أردن أن يفرشن له في علو الديرِ، منعهن قائلاً: «لن أفارقَ هذا الموضعِ». وإن الأم والأخوات أخذن الماء الذي غسل فيه رجليه، ووضعوه قدامه، وبدأت كلُّ واحدةٍ تغسل وجهَها منه، وهو يُصَلِّب عليها. وكانت بين الأخوات بنتٌ عذراء عمياء من بطنِ أمها، فحدث لما أمسكن بيديها، وأحضرنها إلى ذلك الإنسان، أن كان الأب أنبا دانيال قد حضر عندهن بالروح في تلك الساعةِ، وأمسك بيد العذراء وأحضرها إلى ذلك الإنسان، وقلن له: «يا أبانا، نطلب من قدسِك أن تصلِّب على عينيها»، فقال لهن: «قدِّمن لها فضلةَ الماءِ الذي في اللقان». وكان قولُه هذا استهزاءً بالماءِ، واستقلالاً لعقولهن، فلما أخذت الأختُ الماءَ، ورشمت عليه باسمِ المسيحِ قائلةً: «بصلاة القديس أنبا دانيال»، فللوقتِ انفتحت عيناها، وذلك الإنسانُ ينظرُ. فيا للخوفِ الذي لحقه ويا للرعدةِ، وما أعظم الصراخ الذي صرخن به في تلك الساعةِ وبدأن يقبِّلن رجلي ذلك اللص، قائلات له: «يا أبانا، مباركةٌ الساعةُ التي دخلتَ فيها إلينا». أما اللصُ، فقال: «يا ويلي، ويا غربتي من اللهِ، إذا كان باسمِ أنبا دانيال، تُفتح أعينُ العميان، فكم تكون عظمة ذلك الذي يعمل عملَ الربِّ، ويلي، كيف ضيعتُ زماني في عملِ النجاسات، وحق صلاة أنبا دانيال، من الآن، لن أرجعَ أسلك الطريقَ التي كنتُ أسلكها»، وكان يقول هذا، وهو يبكي، وينتف شعرَ لحيته. أما العذارى، فكن يكررن عليه القولَ: «مباركةٌ الساعةُ التي حضرتَ فيها إلى ههنا»، وأما هو فكان يقول: «بالحقيقة إنها ساعةٌ مباركةٌ». وأما الرجالُ الذين كانوا ينتظرونه، ليفتحَ لهم البابَ، فقد كانوا قياماً، وسيوفُهم بأيديهم، وهم قلقون على فتحِ البابِ، وقد سمعهم، وهو في الداخلِ، يقولون: «لقد أزف الليلُ، لعله يريدُ أن يترهب ويسكن عندهن»، وآخر منهم يقول: «لعل راهبةً منهن جعلته نصرانياً»، وكانوا يقولون هذا الكلامَ باستهزاءٍ، فكان يسمع ذلك ويقول: «حقاً، لقد نطقَ نبيُ الله على أفواهِهم، بأني أترهب، وأن راهبةً منهن جعلتني نصرانياً». ولما أنار النورُ، وانقطع رجاؤهم فيه، خافوا وانصرفوا إلى مكانِهم محزونين، وأسنانُهم تصرُّ على مقدِّمهم. ولما كان الصباحُ سَحراً، بسط ذلك اللصُ يديه نحو المشرقِ قائلاً: «يا ربُّ، إنك لم تأت لتدعو الصديقين، لكن الخطاةَ، فاقبلني إليك بصلاةِ الذين تعبوا على اسمِك». ثم إنه ودعهن، وخرج وهن متحققات من أنه أنبا دانيال. فلما توسط الطريقَ، خرج عليه رفقاؤه، وقالوا له: «ما الذي أصابك؟ إنما قعودك كان لأنك وجدتَ جواهرَ حسنةً، وأنت تقصد أن تبدِّي نفسَك علينا. أرنا ما معك». فلما فتشوه، وجدوه بأسوأ حالٍ، وقد تغير وجهُه، وتورمت عيناه، من عِظم البكاء، وقد تغيَّر كلُّه، وخرجت منه النفسُ السبعية، وعند ذلك خافوا وارتعدوا، وبدءوا يسألونه بخوفٍ وحشمةٍ، أن يُعرِّفهم ما السبب في تغيير جميعِ حياته. وعند ذلك بدأ يعرِّفهم من وقتِ دخولهِ عندهن، وأمرُ العذراءِ العمياء، حتى الساعة التي هو فيها. أما هم فلما سمعوا، داخلهم الخوفُ وسكتوا. ثم إنه توجَّه نحو البريةِ، إلى عندِ الأب دانيال، وتبعه بعضُ رفقائه، وقصَّ عليه ما جرى بدير العذارى، فقال له أنبا دانيال: «أنا الذي أحضرتُ إليك العذراءَ العمياء، ومن وقتِ دخولك إليهن، أنا كنتُ حاضراً بينكم بالروحِ». ومن بعد ذلك رهبنه، وأقام عنده بالعبادة الحسنةِ، والزهد الزائد، إلى يومِ وفاته، وعمل هذا اللصُ معجزاتٍ عظيمةً، وبصلاته سكن فردوس النعيم، بركة صلاته تكون معنا آمين. |
رد: بستان الرهبان
أنبا أمونيوس الأسقف طلب منه أحدُ الإخوةِ أن يقولَ له كلمةً، فقال الشيخُ: «امضِ وتمثَّل في فكرِك دائماً فَعَلَةً الشرِّ الذين في السجون، فإنهم في كلِّ ساعةٍ يسألون عن الوالي وأين هو ومتى يجيء، ومتى يجلس للحكمِ؟ ومن شدةِ فزعهم يبكون. هكذا سبيلُ الراهبِ أن ينظرَ دائماً إلى نفسِه ويُبكِّتها قائلاً: ويحي، كيف أقفُ أمام منبر المسيح، وكيف أستطيع أن أجيبَه. فإن كان يتلو ذلك دائماً فإنه يستطيع أن يخلصَ». وجاء عنه أنه مضى مرةً إلى القديس أنطونيوس فضلَّ الطريقَ، فصلَّى إلى اللهِ قائلاً: «أسألك يا ربي وإلهي أن لا تُهلك جُبلتَك»، فظهر له من السماءٍ شعاعٌ ممتدٌ وصار يرشده في الطريقِ حتى وقف على مغارةِ القديس أنطونيوس. فقال له أنطونيوس: «إنك تنجح بمخافةِ اللهِ». وأخرجه خارج القلاية وأراه صخرةً عظيمة وقال له: «اشتم هذه الصخرة واضربها». فصنع كما أمره. فقال له أنطونيوس: «هل تكلمت الصخرةُ»؟ قال: «لا». فقال له: «إنك تستطيع أن تكونَ هكذا فتخلصَ». ودفعةً أتاه أناسٌ يريدون أن يتحكَّموا بحكمتهِ، وكان الشيخُ يجعلُ نفسَه جاهلاً. فوافت امرأةٌ ونظرت إليه وقالت: «إن هذا الشيخَ موسوسٌ»، فلما سمعها قال لها: «أتعلمين مقدار التعب الذي كابدتُهُ في البريةِ حتى اقتنيتُ هذا الوسواسَ»؟ قالت: «لا». قال: «لقد تعبتُ خمسينَ سنةً لأجلِهِ، فهل أفقده من أجلِك في هذه الساعةِ»، وإذ قال ذلك تركها في القلايةِ وترك الأسقفيةَ ومضى. وسُئل دفعةً: «ما هي الطريقُ الضيقةُ الكربة»؟ أجاب: «إن الطريقَ الضيقةَ الكربةَ هي هذه: أن يراقبَ الإنسانُ فكرَه ويقطع بوجهٍ خاص هواه، وهذا هو ما يُقصد بذلك القول: قد تركنا كلَّ شيء وتبعناك». |
رد: بستان الرهبان
الأب سلوانس زار أحدُ الإخوةِ الأب سلوانس في جبل سينا، فلما رأى الإخوةَ منكبِّين على العملِ، قال للشيخِ: «لا تعملوا للطعامِ البائد أيها الأب، لأن مريمَ اختارت لها الحظَّ الصالح». فقال الشيخُ لتلميذِه: «أعطِ الأخَ مصحفاً (أي إنجيلاً) وأدخله في قلايةٍ فارغةٍ». ففعل. فلما حانت ساعةُ الأكلِ بقي الأخُ منتظراً على البابِ مترقباً وصول من يسأله المجيء إلى المائدةِ. فلما لم يدعُهُ أحدٌ، نهض وجاء إلى الشيخِ وقال له: «أما أكل الإخوةُ اليوم يا أبانا»؟ فأجابه: «نعم». فقال له: «ولماذا لم تدعُني للأكلِ معهم»؟ فأجابه الشيخُ: «ذلك لأنك رجلٌ روحاني، لستَ في حاجةٍ إلى طعامٍ، وأما نحن فجسديون نحتاجُ إلى طعامٍ ولذلك نمارسُ الأعمالَ. أما أنت فقد اخترتَ النصيبَ الصالح، تقرأ النهارَ كلَّه، ولا تحتاج إلى أن تأكلَ طعاماً». فلما سمع الأخُ هذا الكلامِ خرَّ ساجداً وقال: «اغفر لي يا أبانا». فأجابه الشيخُ: «لا شكَّ أن مريمَ تحتاجُ إلى مرثا، لأن مريمَ بمرثا مُدحت». وحدث في بعضِ الأوقاتِ أن سُئل الأب سلوانس: «أيَّ سبيلٍ سلكتَ حتى حصلتَ على هذه الحكمةِ»؟ فأجاب وقال: «إني ما تركتُ في قلبي قط فكراً يُغضبُ اللهَ». سُئل أحدُ الشيوخِ: «أيُّ الوصايا يقتنيها الإنسانُ حتى يستطيعَ بواسطتها الخلاص»؟ أجاب وقال: «إنها أربعُ فضائل يلزم للإنسانِ اقتناؤها: الصوم، الطلبة إلى الله، العمل بيديه، عفة جسمه. فالشيطان يعمل ضد هذه الأربعة، فإنه أخرج آدم من الفردوس أولاً إذ خدعه بالمأكلِ، وأضلَّه ثانياً بالهربِ فلم يَدَعه يطلب من الله غفرانَ خطيئته، كذلك احتال عليه بواسطة البطالةِ لما طُرد من الفردوس، فرماه في كثرة الشبقِ والتهور باللَّذة، حتى صيَّره أسيراً بالكليةِ. فلِعلم السيد محبّ البشر بسوءِ أعمال المحتال، أعطى آدم عملاً يشتغلُ به حتى لا يتسلَّط عليه المحتال بواسطة البطالة والفراغ، قائلاً له: اعمل الأرضَ. لذلك يعمل الشيطان على إبطال الصوم لأن به يتذلل الجسدُ ويتلطف العقلُ ويستنير، كما يحرص على إبطال الصلاة لأن بها يدنو الإنسانُ من الله، كما أنه يعمل كذلك على إبطال العمل لأن العمل يمنع شرورَ المحتالِ ويُعين على حفظِ العفةِ التي بها يتَّحدُ الإنسانُ بالله، فإذا أحكم الإنسانُ اقتناء وممارسة هذه الأربع فضائل، أمكنه بواسطتها الحصول على باقي الفضائل». قال أحدُ الآباءِ: «اهتم بعمل يديك ومارسه إن أمكنك ليلاً ونهاراً. لكي لا تُثقل على أحدٍ. وحتى يكون لك ما تعطي المسكين، حسب ما يأمر به الرسول، ولكي ما تصرع شيطانَ الضجر، وتُزيل من نفسِك بقيةَ الشهوات، لأن شيطانَ الضجرِ منكبٌ على البطالةِ وهو في الشهواتِ كامنٌ». قال القديس نيلس: «إن البطالةَ هي مصدرُ رداءةَ الأعمالِ، لا سيما من أولئك الذين قد عدموا الأب. لأن اليهودَ لما لم يكن لهم في البريةِ عملٌ يشتغلون به، خرجوا من البطالةِ إلى عبادة الأوثان. فعلينا ألا نفارق عملَ اليدين، لأنه نافعٌ جداً ومهذِّبٌ». وقال أيضاً: إن إنساناً كسلاناً بلغني عنه أنه أخذ من خزانتِه الإنجيلَ من الساعةِ السابعة إلى غياب الشمس، ولم يستطع أن يفتحَه البتة، وكأنه كان مربوطاً بالرصاصِ. أما أنطونيوس فإنه لم يفعل هكذا، بل عمل كما أراه الملاك؛ فتارةً كان جالساً ولعملِه ممارساً، وتارة أخرى كان قائماً وللصلاةِ ملازماً. فكان يؤدي ذلك، ولا يترك تلك. فحظيَ بنورٍ فائق الحدِّ. حتى أنه قال لأحدِ فلاسفة زمانه: «إني كما في لوحٍ أتأمل طبيعةَ المخلوقات دائماً، وذلك بتلاوةِ أقاويل الربِّ حتى ولو في ظلمةِ الليل الحالكة». بهذا المقدار فإنه كان يتصل بالله، فكان ليلُه نهاراً مضيئاً. كما هو مكتوبٌ: «إنَّ كلامَك سراجٌ منيرٌ والليلَ يضيءُ مثل النهار». وقال أيضاً: «يجب أن تكون أعمال يديك إلهيةً لا أرضية. ولتكن أثمانُها مشاعةً بينك وبين المساكين». قال ما أفرآم: «فاتحةُ العجرفةِ هي عدم مشاركة الراهب الإخوة في العمل حسب قدرتهِ، وإذا ما جئنا إلى العمل فلا نُكثر الكلامَ بل ليكن اهتمامُنا وتفكيرُنا في الهدفِ الذي من أجلهِ خرجنا». سأل أخٌ القديسَ يوسف قائلاً: «ماذا أعملُ فإنه لا يمكنني أن أتعبَ أو أعملَ أو أتصدق»؟ فقال الشيخُ: «إن لم يمكنك العملَ فاحفظ قلبَك ونيَّتك من كلِّ ظنِ سوءٍ بأخيك فتخلص، لأن اللهَ يريدُ النفسَ ألا تكون خاطئةً». قال أحدُ القديسين: «إن الآباءَ قد سلموا إلينا هذه الطريق، وهي: أن نعملَ بأيدينا، وأن نلازمَ الصمتَ، وأن نبكي على خطايانا». قال القديس مرقس: «لا تكن من القومِ البطالين الذي يؤثِرون الاغتذاءَ من وجوهٍ سمجةٍ لا سيما من النساءِ، وإذ لك يدان فاعمل وكُلْ، لأنه أوفق لك أن تتشاغل بعملِ اليدِ من أن تُصرع بأعمال الخطية. لأن العمّال لا يقبل البطالةَ لئلا يسقط كمن يظن أنه منكبٌ على عملٍ روحاني ولا يسير فيه كما ينبغي». أخبرنا يوحنا الخصي أنه سأل في شبابهِ شيخاً قائلاً: «كيف استطعتم أن تعملوا عملَ الله بنياحٍ، مع أننا لم نستطع أن نعملَه نحن حتى ولو بالتعبِ»؟ فقال الشيخُ: «نحن إنما أمكننا ذلك لأن عملَ الله كان رأسَ مالِنا، وحاجة الجسد كانت في المرتبةِ الثانية. أما أنتم فحاجةُ الجسد عندكم هي رأسُ مالِكم، وعملُ الله في المرتبةِ الثانية، من أجل ذلك فإنكم تكلِّون وتخورون، وبخصوص ذلك قال مخلصنا لتلاميذِه: يا قليلي الإيمان اطلبوا أولاً ملكوتَ اللهِ وبرَه، أما هذه الأشياء فتُزاد لكم». فسأل الأخُ الشيخَ قائلاً: «زدني إيضاحاً». فقال له: «ها أنت تسمع عني أني مريضٌ ويجب عليك افتقادي، فتقول في نفسِك: إذا ما فرغتُ من عملي أمضي إليه وأفتقده، ويتفق أن يعوقك عائقٌ ما فلا تجيء إليَّ بالكليةِ، وبذلك تكون قد جعلتَ عملَ السيد الذي هو رأسُ المال وحياةُ النفس في المرتبةِ الثانية. كذلك ربما يطلب إليك أخٌ آخر قائلاً: تقدم يا أخي وساعدني في هذا الأمر. فتقول في نفسِك: أأترك عملي وأذهب معه؟ فتكسر وصيةَ المسيح التي تتعلق بالعمل الروحي، وتعكُف على عملك الذي ينبغي أن تجعله في المرتبةِ الثانية». سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «قل لي كلمةً». فأجابه قائلاً: «واظب على عمل يديك ما استطعت، وذلك لتعمل منه صدقةً، لأنه مكتوبٌ: إن الرحمةَ تُطهِّر الخطايا». قال الأب لوط: «الراهب الذي لا يمارس عملاً يُدان كإنسانٍ نهمٍ مغتصب». قال الأب بيمين: «ثلاثةُ أعمالٍ رأيناها للأب بموا: صومٌ إلى المساءِ كلَّ يومٍ، وصمتٌ دائم، وعمل اليدين». وقيل عن الأب بموا أيضاً لما حضرته الوفاة، أن سأله الآباءُ قائلين: «قل لنا كلمةً». فقال: «إني منذ دخولي هذه البرية وبنائي القلاية وسكناي فيها، ما انقضى عليَّ يومٌ واحدٌ بدونِ عمل، ولا أتذكر أني أكلتُ خبزاً من إنسانٍ، وإلى هذه الساعةِ ما ندمتُ على لفظٍ واحد تلفظتُ به، وها أنا منطلقٌ إلى الربِّ كأني ما بدأتُ بشيءٍ يرضيه بعد». وقال أحدُ الآباء: إذا قمتَ باكر كلِّ يومٍ، خاطب نفسَك قائلاً: «يا نفسي استيقظي لترثي مُلك السماءِ». ثم خاطِب جسدَك قائلاً: «وأنت يا جسمي اعمل لتغتذي». سُئل أحدُ الآباء: «أيُّ شيءٍ يلزم لمن يريد الخلاصَ»؟ وإذ كان الأبُ ملازماً العمل لا يرفع رأسَه عنه، أجاب: «هذا هو ما تراه». قال الأب إشعياء: «اِغصب نفسَك على العملِ، وخوفُ اللهِ يحلُّ عليك». جاء أحدُ المتوحدين إلى غديرٍ فيه قصب، فجلس هناك وصار يقطعُ من حشائشِ النهر ويضفِّر ويرمي الضفيرةَ في النهرِ لأنه لم يكن يعملُ لاحتياجٍ، بل لكي لا يكون بطالاً، فكان يُتعب جسدَه، ولم يزل هكذا حتى قصده الناسُ، فلما رآهم تحول عن ذلك المكان». سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «إن اتفق لي تحصيل حاجاتي من حيثما اتفق، فهل يليقُ بي أن لا أعمل بيدي»؟ أجاب الشيخُ: «حتى ولو اتفق من حيثما اتفق، فلا تترك العملَ، اعمل بكلِّ جهدك». قال الأب لوقيوس: «أنا عبدٌ وسيدي قال لي: اعمل عملاً وأنا أعولك بالطريقة التي أراها؛ فإن أنا استجديتُ واقترضتُ، فليس هذا من شأنك، فقط اعمل أنت، وأنا أقوم بأَوَدك». جاء قومٌ إلى الأب شوشاي ليسمعوا منه قولاً. فلم يخاطبهم بشيءٍ ولم يزد عن: «اغفروا لي». ولما رأوا عنده زنابيل قالوا لتلميذهِ: «ماذا تعملون بهذه الزنابيل»؟ قال لهم: «إن الشيخَ يفرِّقها هنا وهنالك». فلما سمع الشيخُ قال: «إن شوشاي من هنا ومن هنالك يغتذي». فلما سمعوا ذلك انتفعوا جداً. قال مار أفرآم: «إن أحدَ الإخوةِ قال: طلبتُ من اللهِ أن يعطي عمل يدي نعمةً كي أعولَ جميعَ من هم في الكنوبيون، لأني بذلك أفرحُ». قال أحدُ القديسين: إذا باشرت عملاً في قلايتك وحانت ساعةُ صلاتك، فلا تقل: «أفرغ من هذا القليل الذي بيدي وبعد ذلك أقوم»، بل بادر للوقتِ وأوفِ الصلاةَ لله في وقتِها في كلِّ حين، لئلا تعتاد نفسُك تدريجياً إهمالَ الصلاةِ. قال قاسيانوس الرومي: إنه لأمرٌ فظيع وقبيح بنا أن يتعبَ العلمانيون ويعملون ويعولون أولاداً ونساءً، ويدفعون خِراجاً وضريبةً، ويُحسنون إلى فقراءٍ ومحتاجين حسب طاقتهم، ويحملون إلى بيتِ الله باكوراتٍ وقرابين، أما نحن فلا نقتني من أتعابنا حتى ولا حاجاتنا اللازمة لنا، بل نحبس أيدينا داخل ثيابنا، ونستجدي أتعابَ غيرنا، ولا نُصغي إلى الرسولِ القائل: «إن هاتين اليدين قد خدمتا حاجاتي وحاجات الذين هم معي». وقوله: «إن الربَّ أعطى الطوبى للمعطي أكثر من الآخذ». وقوله أيضاً: «نحن نوصيكم يا إخوتنا باسم ربنا أن تتجنبوا كلَّ أخٍ عديم النظام، لا يسلك حسب التقليدِ الذي سلمناه لكم، لأننا ما أسأنا إلى النظامِ بينكم، ولا أكلنا من أحدٍ خبزاً مجاناً، بل كنا نتعب ونكد عاملين ليلاً ونهاراً لئلا نُثقل على واحدٍ منكم. ليس لأنه لا سلطان لنا، بل لنعطيكم أنفسَنا مثالاً. لأني وقت أن كنت عندكم، قد أوصيتُكم بهذا: إن من لا يشاء أن يعمل عملاً فلا يأكل، والآن فقد سمعنا أن فيكم قوماً يسيرون بعدمِ نظامٍ ولا يمارسون عملاً. فنحن نوصي هؤلاء ونسألهم باسم ربنا يسوع المسيح أن يعملوا عملَهم بسكونٍ، ويأكلوا خبزَهم». أسمعتم كيف أن الرسولَ بحكمةٍ يزيل عِللَ الصلفِ. ويدعو الذين لا يعملون عادمي النظام. وبهذا أرانا رذيلةً كبرى شريرة. لأن البطَّال غيرُ نافعٍ في أيِّ أمر. وهو مهيأٌ للغضبِ، وغيرُ موافقٍ للسكوتِ، وعبدٌ للضجر ومنغمسٌ في الشهوات، كما أنه متهجمٌ في أقوالهِ فاعلٌ الرذائل الأخرى كلَّها. أما قوله: «أنهم لا يسلكون بحسب الوصية التي أخذوها منا»، فيقصد به أنهم متوانون ومتكبرون معاً، ومبطلون للوصايا. كذلك قوله: «لم نأكل منكم خبزَ البطالةِ»، فيؤنِّب به الذين لا يعملون بأنهم يأكلون خبزَ البطالةِ أي أنهم يُعالون بغير واجبٍ. ولذلك كان الآباءُ بإسقيط مصر لا يسمحون للرهبان لا سيما الشبان منهم بأن يتفرَّغوا من عملٍ، لا صيفاً ولا شتاءً حتى ولا إلى لحظةٍ من الزمان، لأن الذي يمارس العملَ يتخلَّص من الضجرِ ويتحصل على ما يقتاتُ به ويسعفُ منه المحتاجين. قيل إن أحدَ الرهبانِ كان يشتغلُ في عيدِ شهيد. فلما أبصره آخر هكذا، قال له: «أيجوز اليومَ العملُ»؟ فأجابه: «إن الشهيدَ فلان قد عُذب في هذا اليوم، وجُلد وتجشم أتعاباً كثيرةً حتى الموت، ألا ينبغي لي أن أتعبَ ولو قليلاً في عمل يدي». قيل: إنه حضر إلى الأب لوقيوس رهبانٌ من أولئك الذين يُدعَون مصلين، فسألهم عن عمل أيديهم، فقالوا له: «نحن لا نهتم بعمل اليدين. إنما نهتمُ بالصلاةِ الدائمة كقولِ الرسول». فقال لهم الشيخُ: «أما تأكلون وتنامون»؟ قالوا: «نعم». فقال لهم: «فإذا ما جلستم تأكلون أو إذا نمتم فمن يصلي عنكم»؟ فلم يكن لهم ما يجيبونه به. فقال لهم: «اغفروا لي، فإن عملَكم ليس كقولِكم، لكني أُريكم كيف إني أمارسُ عملَ يدي وأصلي دائماً. وذلك بأن أجلسَ بعونِ الله وأبلَّ خوصاً وأضفِّر الضفيرة، وأقول: ارحمني يا الله كعظيمِ رحمتك وككثرة رأفاتك امحُ إثمي. أفما يُعتبر ذلك صلاةً»؟ أجابوه: «نعم». قال لهم: «وإذا مكثتُ هكذا طولَ النهار أعمل وأصلي فيكون لي عن عملي كلّ يومٍ ستة عشر فلساً، فأعطي منها على الباب فلسين، وآكل بالباقي. فيصبح آخذ الفلسين مصلياً عني في وقتِ أكلي وفي وقتِ نومي، وبنعمةِ الله تكمُل لي الصلاةُ الدائمة كأمرِ الرسول. وإذ أمارسُ عملي فبذلك أقهر شيطانَ المللِ والشهوةِ. لأن المللَ يؤدي إلى البطالة، والشهوةُ كائنةٌ في البطالة. والطريق التي سلمها لنا جماعةُ الآباءِ هي هذه: «إنه يلزمنا أن نشتغلَ بأيدينا ونصوم طول النهار، ونقتني صمتَ اللسان، ونبكي على خطايانا». وبخصوص الصلاة، قال القديس برصنوفيوس: «الصلاةُ الكاملة هي أن تخاطب الله بلا طياشةِ عقلٍ ولا سجس العالم. لأن المصلي الكامل قد مات عن العالمِ. إن إمساك البطن هو أن تُقلّل من شبعك قليلاً، وإن كان عليك قتالٌ فاترك قليلاً أكثر، أما إمساك العقل والقلب فهو أن يكون متيقِّظاً. لا تتهاون بأفكارِك، وإذا قاتلك العدو بالفكرِ فلا تلتفت إلى قتالهِ لأنه يريد بذلك أن يشغلَك عن مخاطبةِ الله». قال القديس أوغريس: «تغافل عن ضروريات الجسد عند وقوفِك للصلاة، حتى ولو لدغك برغوثٌ أو بعوضة أو ذبابة أو أحدُ الهوام فلا تنشغل بها لئلا تخسر الربحَ العظيم الذي للصلاةِ. وقد حكى لنا آباؤنا القديسون عن أحدِهم كان الشيطانُ يحاربه إلى درجةٍ كبيرةٍ عند وقوفهِ للصلاة. وذلك أنه عندما كان يبسط يديه للصلاة كان الشيطانُ يغيِّر شكلَه قدامه بهيئة أسدٍ، ويشبك رجليه الاثنين في رجلي القديس وينتصب قبالته. ثم يجعل مخالبه في حَقويْ المجاهد من هنا وهنا. فلا يرجع عنه حتى يُنزل يديه، ولم يكن المجاهد يُنزل يديه حتى يُكمل صلاتَه كعادته. كذلك عرَّفونا أيضاً عن آخر أنه كان منفرداً في جبٍ جاف، وكان اسمُه يؤنس الصغير، ولو أنه في الحقيقةِ كبيرٌ عظيمٌ في الرهبانِ جداً. هذا قيل عنه أنه كان بغير انزعاج في مخاطبة الله بالصلاةِ، وكان الشيطانُ يظهر له في هيئة تنينٍ عظيمٍ يطوِّقه حول حلقهِ وينهش في لحمِه وينفخ في وجهِه بغير شفقةٍ. فإذا وقفتَ للصلاة قدام ضابط الكلِّ الخالق صانع الخير لكلِّ البريةِ، لماذا تُظهر ذاتك أمامه باحتقارٍ فتخاف من البعوضِ والذباب؟ أما سمعتَ القائل: إن الربَّ إلهك هو الذي يُخاف منه؟ ويقول أيضاً: إن كلَّ الأشياءِ تخاف وترتعد من قدام وجه قوتِه». «قرأتُ في سيرةِ رهبان دير تاسا ما هو مكتوبٌ عنهم هكذا: إنه بينما كان القديسُ باخوميوس يتكلم مع الإخوةِ دفعة بكلامِ الله، إذ بحيتيْن قد جاءتا والتفتا حول رجليه. أما هو فلم يقلق ولكنه تظاهر كأنه يطرح حُلَّته تحت رجليه حتى فرغ من حديثهِ بكلمة الله، وحينئذ أعلم الإخوة بهما». «كذلك قرأنا عن أخٍ روحاني أنه فيما هو يصلي مرةً جاءت أفعى وحكّت رجليه وهو يصلي، فلم يبالِ بالكليةِ حتى أكمل صلاتَه كالمعتاد، ولم يُؤذَ بالكليةِ. ذلك لأنه كان يحبُ الله أكثر من جسدِ لذاتهِ. اقتنِ لك عيناً غيرَ متشاغلةٍ وقتَ الصلاةِ، واجحد ذاتك واطلب الله بكلِّ قلبك». «وآخر أيضاً من القديسين الذين يصلُّون كما ينبغي كان منفرداً في البريةِ، هذا وقف قدامه الشياطين مقدار أسبوعين وهم يلكمونه ويُحَلّقون به في الجوِ ويقطعون عليه الحصير، وبرغم هذا كلِّه لم يستطيعوا بالجملةِ أن يخطفوا عقلَه ولو كان في صلاةٍ قليلةٍ بحرارةٍ مع الله. اجتهد أن توقف عقلَك كمن هو أطرش وأخرس في وقتِ الصلاة، وهكذا تستطيع أن تصلي. إن كنتَ تريد أن تصلي جيداً ويصير لك افتخارٌ قدام الله، فاجحد ذاتَك في كلِّ حينٍ وفي كلِّ ساعةٍ. الصلاةُ هي بابُ الفرجِ والشكر. الصلاةُ هي دواءُ الأحزانِ وضيقِ الصدر، لا تصلِّ بالشكلِ الظاهر فقط ولكن بمخافةِ الله ورعدةٍ وخشوع مع الالتفات بعقلِك نحو المعقولات. الصلاةُ هي فهمٌ للعقلِ، الصلاةُ ترفعُ العقلَ إلى الله، الصلاةُ هي عملٌ يليقُ برتبةِ العقلِ وبطبيعتهِ الفاضلة». وقال أيضاً: «فالواجب علينا أن نفحصَ السُبلَ التي سلك فيها الرهبان الذين تقدَّمونا ونستقيم مثلهم، فنجد أموراً كثيرةً جداً قالوها وصنعوها، لأن واحداً منهم قد قال: إن الأكلَ بضيقٍ، والحياةَ بغير تلذُّذٍ إذا اقترنا بالمحبةِ فإنهما يوصلان الراهبَ بسرعةٍ إلى ميناءِ عدمِ الأوجاع، وقد شَفيا فعلاً أحدَ الإخوةِ من خيالات الليل التي كان يقلق منها، ولما أُمر أن يخدم المرضى وهو صائمٌ خفَّت عنه، وحينئذ قال: إن أمثال تلك الأعراض لا يستطيع أحدٌ اجتنابها إلا بالرحمةِ». تقدم أحدُ الحكماءِ في ذلك الزمان إلى القديس أنطونيوس وقال له: «كيف أنت ثابتٌ في هذه البريةِ وليس لديك كتبٌ تتغذى بها»؟ فأجابه قائلاً: «أيها الحكيم، إن كتبي هي شكل الذين كانوا قبلي، أما إن أردتُ القراءةَ، ففي كلامِ الله أقرأ». وقال أيضاً: مضيْتُ دفعة إلى الأب مقاريوس بالنهارِ ظهراً، وقد عطشتُ لدرجةٍ كبيرةٍ جداً، فطلبتُ منه قليلَ ماءٍ لكي أشرب، فقال لي: «يكفيك ذلك الظل الذي أنت واقفٌ فيه، لأنّ كثيرين الآن في المسالكِ والوهاد في العراءِ، لا يجدون ظلاً مثل هذا». فسألتُه بعد ذلك أن يقول لي كلمةً عن النسكِ، فقال لي: «قوِّ قلبَك يا ابني فإني أقمتُ عشرين سنةً لم أشبع من خبزٍ ولا من ماءٍ ولا من نومٍ، وكنتُ آكل خبزي بقانون، أما من جهة النوم فإني كنتُ أستند على الحائطِ وأختطف يسيراً منه». أُخبر أحدُ الرهبان أن أباه قد مات، فأجاب الذي أتاه بالخبرِ قائلاً: «كُف عن التجديف، فإن أبي لا يموت». قال أحد الرهبان: «لأجل هذا تركتُ عني إرادتي لكي ما أنزع معها مسببات الغضب الذي يحارب الإرادةَ في كلِّ حينٍ، ويُقلق العقلَ ويطرد المعرفةَ». قال أحد الشيوخ: «إن المحبَّ للهِ لا يحفظ ملاذَّ الأطعمة ولا المال». كما قال أيضاً: «إني لا أتذكر أن الشياطين أطغوني مرتين قط في أمرٍ واحدٍ». سُئل القديس برصنوفيوس: «إن الآباء قالوا: ينبغي لنا أن ندخلَ إلى القلاية ونتذكر خطايانا، لكني أجد نفسي إني أتذكرها بدونِ وجعٍ، وأشتهي أن أتخشع فلا يأتيني الخشوع، فما السبب»؟ الجواب: «لستَ تسلك في سبيل الحق، لأنك تحتاجُ إلى تفتيش القلبِ وضبطِ الفكرِ عن كلِّ إنسان، فمن لم يقطع هواه، لا يوجعه قلبه، وقلةُ الإيمانِ لا تدع الإنسانَ أن يقطع هواه، وسبب ذلك هو محبةُ مجدِ الناسِ أكثرَ من مجدِ اللهِ، كما قال الربُّ. فإن أردتَ بالحقيقةِ أن تبكي على خطاياك، فمُت عن كلِّ الناسِ واقطع هواك واجتنب تزكيتك لنفسِك وإرضاءك للناس، ولا تتلذذ بطعامٍ ولا تشبع ولا تدن أحداً، وكن حسنَ الطاعةِ لتبلُغَ الاتضاع، والاتضاع يُميتُ الأوجاعَ». سُئل أيضاً هكذا: «قُدسك قال لي هو ذا خطاياك قد غُفرت، وأنبا إشعياء قال: ما دام الإنسانُ يجدُ في قلبهِ لذةَ الخطيةِ، فلم يحظَ بعد بغفرانِها، وإني إلى الآن أحسُّ بلذتها، لذلك أظن أنها لم تُغفر بعد، فأحزن وفكري يحدثني قائلاً لي: إن الله خذلك لأن قتالَ الزنى قد ثقل عليَّ طول هذا الأسبوع»؟ الجواب: «لقد قلتُ لك إن خطاياك القديمة قد غُفرت، أتراني قلتُ لك إن قتالات العدو قد بَطُلت؟ فالراهبُ قائمٌ في صفِّ الجهاد ولو لم يكن لك خطايا. فالشيطان يجلبُ لك لذَّةَ الخطيةِ بالفكرِ، أمَّا ما قاله لك أنبا إشعياء فهو عن فاعليها المتلذِّذين بعملِها، لأن ذِكر حلاوة العسل شيء، وتذوُّق حلاوة العسل شيءٌ آخر. حتى إن الذي يتذكر لذَّة الخطية ولا يفعل ما يتعلق باللَّذةِ، بل يجاهد في سبيل إبعادها عنه فذلك هو الذي غُفرت له خطاياه القديمة. ومن خيالات الشيطان أنه يقول لغير المتمكنين: إن خطاياكم لم تُغفر، وذلك ليقطعَ رجاءَهم، فَتَحَفّظ من ذلك. أما عن قتال الزنى، فيحتاج الإنسانُ إزاءَه إلى جهادٍ واتضاعٍ، فبلا تعب واتضاع لن يخلُصَ أحدٌ. أما من جهةِ الخذلان فالله لا يخذلنا، فما لم نتخلَّ نحن عن محبتِه أو نحيد عنه، فهو لا يتخلى عنا، إذ أن مشيئته هي أن نلجأ إليه ونخلص». وبصدد الابتعاد عن العالم قال البار إشعياء: إني في بعضِ الأوقات كنتُ جالساً بقرب القديس مقاريوس الكبير حين تقدم إليه رهبانٌ من الإسكندرية ليمتحنوه، قائلين: «قل لنا كيف نخلص»؟ فأخذتُ أنا دفتراً وجلستُ بمعزلٍ عنهم لأكتبَ ما يتحاورون به. أما الشيخُ فإنه تنهَّد وقال: «كلُّ واحدٍ منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاصَ». فأجابوه: «كثيراً ما أردنا الخلاصَ، إلا أن الأفكارَ الخبيثةَ لا تفارقنا، فماذا نعملُ»؟ فأجابهم الشيخُ: «إن كنتم رهباناً، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين، إن الذي قد هجر العالمَ ولبس الزي الرهباني، وهو وسط العالم، فهو لنفسِه يُخادع. فمن كانت هذه حالُهُ، فقد صار تعبُه باطلاً. لأنهم ماذا يربحون من العلمانيين سوى نياحِ الجسد، وحيث نياحُ الجسد لا يوجد خوفُ الله، لا سيما إن كان راهباً ممن يُدعَوْن متوحدين، لأنه ما دُعي متوحداً إلا لكي ينفرد ليلَه ونهارَه لمناجاةِ الله. فالراهبُ المتصرِّف بين العلمانيين هذه هي تصرفاته: قبل كلِّ شيءٍ تكون فاتحةُ أمرهِ أنه يضبطُ لسانَه ويصوم، ويذلِّل نفسَه إلى أن يُعرف ويخرج خبرُه، ويقال عنه الراهب الفلاني هو عبدُ اللهِ. وسرعان ما يسوق إبليس إليه من يُحضر له حوائجَه من خمرٍ وزيتٍ وثيابٍ ودراهم وكلِّ الأصناف، ويدعونه: القديسَ القديس. فبدلاً من أن يهرب من السُبح الباطل الناتج من قولِهم له القديس، يتعجرف الراهبُ المسكين، ويبدأ في مجالستِهم، فيأكل ويشرب معهم، ويستريح براحتهم، ثم يقوم في الصلاةِ ويعلِّي صوتَه حتى يقول العلمانيون إن الراهب يصلي ساهراً. وكلما زادوه مديحاً، زاد هو كبرياءً وعجرفة. فإن كلَّمه أحدٌ بكلمةٍ حسنة جاوبه حسناً. ثم يُكثر نظره إلى العلمانيين ليلاً ونهاراً، ويرشقه إبليس بسهامِ النساء، ونِشاب الصبيان، ويلقيه في اهتماماتٍ عالمية، ويَقلق وينزعج كما قال الربُّ: إن كلَّ من نظر إلى امرأةٍ نظرةَ شهوةٍ فقد أكمل زناه بها في قلبهِ. وإن كان ينظرُ إلى هذا القولِ على اعتبار أنه خرافة، فليسمع الربَّ قائلاً له: إن السماءَ والأرض تزولان، وكلامي لا يزول. وبعد ذلك يبدأ في حشد حاجته لسنتِهِ، بل يجمعها مضاعفةً، ويبدأ كذلك في جمعِ الذهبِ والفضة، ويلقيه الشيطان في هوَّةِ حبِّ المال، فإن أحضر له إنسانٌ ذهباً أو فضةً أو ملبوساتٍ أو غير ذلك مما يرضاه، فللوقت يقبله بفرحٍ ويُعدُّ المائدةَ الحسنة ويبدأ يأكل . أما البائسُ، لا بل المسيح، يتلوى جوعاً، ولا يفهمه أحدٌ. لهؤلاء قال سيدنا المسيح: إن دخولَ الجملِ في ثقبِ إبرةٍ، أيسرُ من دخول غني إلى ملكوتِ الله. قولوا لي يا آبائي، هل الملائكةُ في السماءِ تجمعُ ذهباً وفضةً وتسجد لله. فنحن يا إخوتي عندما لبسنا هذا الزي، أتُرى لنجمعَ مقتنياتٍ وحطاماً، أم لنصير ملائكةً؟ فإذا كنا يا إخوتي قد هجرنا العالمَ ورفضناه، فلماذا نتراخى أيضاً ويردُّنا إبليس عن طريق المسكنةِ، أما فهمتم أن الخمرَ ونظرَ النساءِ والذهبَ والفضةَ والنياحَ الجسدي وقربَّنا من العلمانيين، هذه كلُّها تبعدنا من الله، لأن أصلَ الشرورِ كلِّها محبة الفضة، وبمقدار ما بين السماء والأرض من البُعد، هكذا بين الراهب المحبِ للفضةِ وبين مجدِ الله. نعم لا توجد رذيلةٌ أشرُ من رذيلةِ الراهب المحب للفضةِ. إن الراهبَ الذي يجالس العلمانيين يحتاج صلوات قديسين كثيرين. أما سمعتَ قول الرسول يوحنا: لا تحبوا العالم ولا شيئاً مما في العالم، فمن أحبَّ العالم، فليست فيه محبةُ الله. كذلك الرسول يعقوب يقول أيضاً: من أراد أن يكون خليلاً للعالم فقد صار عدواً لله. فلنَفِرَّ نحن أيها الإخوة من العالم كما نَفِرُّ من الحيةِ، لأن الحيةَ إذا نهشت فبالكاد تبرأ عضتُها، كذلك نحن أيضاً إن شئنا أن نكون رهباناً فلنهرب من العالم، لأن الأوفق لنا أيها الإخوة أن تكون لنا حربٌ واحدةٌ بدلا من قتالاتٍ كثيرة. قولوا لي يا إخوتي ويا آبائي: في أي موضعٍ اقتنى آباؤنا الفضائل، أفي العالم أم في البراري؟ إذن، كيف نقتني الفضائل ونحن في العالم؟ لن نستطيع ذلك ما لم نجُع وما لم نعطش وما لم نساكن الوحوش ونموت بالجسد، كيف نريد أن نرث ملكوت الله ونحن بين العالم؟ لننظر إلى ممالك الأرض فإنه ما لم يحارب الجندي ويغلب فلن ينالَ الرتبةَ، فكم وكم أحرى بنا أن نفعل ذلك. فلا نظن أننا نرثُ ملكوتَ السماوات ونحن بين العالم. فلا يُوَسوِسُ لنا الشيطانُ أفكاراً رديئةً هكذا قائلاً: اجمع حتى تستطيع أن تعمل صدقةً. لنعلم أن من لم يشأ أن يصنع رحمةً من فلسٍ واحدٍ فلن يعملَ رحمةً من ألفِ دينار. لا يليق بنا أن نفعل ذلك يا إخوتي، لأن هذه الأمور هي من عمل العلمانيين. إن الله لا يريدُنا نحن الرهبان أن نقتني ذهباً أو فضةً أو ملابس أو أموراً هيولانية، لأن الربَّ أوصى قائلاً: انظروا إلى طيورِ السماء، فإنها لا تزرع ولا تحصد ولا تخزِّن في الأهراء، وأبوكم السماوي يقوتها. إن الراهب المقتني ذهباً وفضةً لا يثق بأن الله قادرٌ على أن يعوله. وإن كان لا يعوله فلن يعطيه مُلكه. إن الراهبَ الذي عنده حاجته وينتظر من يُحضر له، فهو شريك ليوداس الذي ترك النعمةَ وسعى طالباً محبة الفضة، وبولس الرسول إذ عرف ذلك، لم يَدْعُ محبةَ الفضةِ أصلَ كلِّ الشرورِ فحسب، بل وسماها أيضاً عبادة أوثان. فالراهب المحبُّ للفضةِ هو عابدٌ للأوثان، إن الراهب المحبُّ للفضةِ بعيدٌ من محبةِ المسيح، الراهبُ الذي له في قلايته فضة فإنه يعبد ويسجد للأصنام المنقوشة، أعني الدنانير، وكلُّ يومٍ يذبح لها عجولاً وكباشاً، بإخضاع نيته وإرادته لمحبة الفضة الرديئة، تلك التي تفصل الراهبَ عن طغماتِ الملائكة. فيا لمحبة الفضة المُرة، أصل كلِّ الشرور، الفاصلة الراهب من مُلك السماوات، والباعثة إياه إلى التعلق بسلاطين الأرض. يا لمحبة الفضةِ سبب كلِّ الرذائل، الساحبة للسان الراهب إلى كل شتيمةٍ وخصومة ونميمة، والجارة له إلى المحاكمات شبيهاً بالعلمانيين، ويح ذلك الراهب المحب للفضة، لأنه قد تخلى عن الوصية القائلة: لا تكنزوا لكم ذهباً ولا فضة. وقد يزعم ذلك الراهبُ المسكين قائلاً: إن الاقتناء لا يضرُّني. وهو لا يعلم أنه حيث الذهب والفضة والهيولانيات، فهناك دالةُ الشياطين وهلاكُ النفوس، والويلُ المؤبَّد. كيف يدخلُ الخشوعُ في نفسِ إنسانٍ مقتنٍ للفضة، وقد حاد عن مصدر دعوتهِ إلى الحياة الدهرية، خالقه ورازقه، وصار بذلك متعبداً وساجداً لمنحوتات غير متحركة، أعني الدنانير. كيف يقتني الخشوعَ مَن هذه صفته؟ يا إخوتي ويا أحبائي، كيف يكون لنا نحن الرهبان ذهبٌ وفضة وملابس، ولا نكف كذلك عن الجمع، مع أن البائسَ، لا بل المسيح، جائعٌ وعطشان وعريان، ولا نفكر فيه؟ ماذا يكون جوابُنا أمام السيد المسيح، وقد هجرنا العالم، وها نحن نعاودُ الطوافَ فيه؟ إن طقسَنا ملائكيٌ لكننا جعلناه علمانياً. لا يكون هذا منا يا إخوتي. إيانا أن نعمله بل لنهرب من العالم، لأنه إن كان بالكاد نخلص في البريةِ، فكيف يكون حالُنا بين العلمانيين؟ فلن يكون لنا خلاصٌ، لا سيما والربُّ يقول: من لا يهجر العالم وكل ما فيه وينكر نفسَه ويأخذ الصليبَ ويتبعني فلن يستحقني. وأيضاً يقول: اخرجوا من بينهم وافترقوا عنهم وأنا أقبلكم وأجعلكم لي بنين وبنات. أرأيتم عِظم المنفعةِ من الهربِ من العالم؟ لأنه نافعٌ لنا جداً وموافقٌ، لأن مجالسَ العلمانيين ليس فيها شيءٌ سوى البيع والشراء وما يتعلق بالنساء والأولاد والزرع والدواب، فهذه المخالطة تفصل الراهبَ عن الله، فمشاركتهم في الأكلِ والشربِ تجلبُ الكثيرَ من الضررِ. ولسنا نعني بهذا أن العلمانيين أنجاسٌ، معاذ الله، لكنهم يسلكون في الخلاصِ طريقاً آخر غير طريقِنا. فهروبُنا هو هروبٌ من مخالطتهم. فلنطلب سبَّهم فينا أكثر من مديحهم لنا، لأن سبَّهم لن يفقدنا شيئاً أما مديحُهم فهو سببُ عقوبتنا. فما منفعتي إذا أنا أرضيْتُ الناسَ وأغضبتُ ربي وإلهي، لأنه يقول: لو كنتُ أرضي الناس فلستُ بعد عبداً للمسيح. إذن فلنبتهل أمامَ ربنا قائلين: يا يسوع إلهنا نجنا وأنقذنا من مخالطتهم». من كلام مار إسحق قال: «ابتعد عن العالم، وحينئذ تحس بنتانتهِ، لأنك إن لم تبتعد عنه، فلن تحسَّ برائحتهِ الكريهة». فسُئل مرةً: «ما هو العالم؟ وكيف نعرفه؟ وما هو مقدار مَعزَّتهِ لمحبيه»؟ فأجاب وقال: «إن العالم هو تلك الزانية التي بشهوةِ حسنِها تجذبُ الناظرين إليها إلى حبِّها. والمقتَنص بعشقهِ والمتشبث به لا يقدر أن يتخلَّص منه حتى تفنى حياته، فإذا ما عرَّاه من كلِّ شيءٍ وأخرجه من منزلهِ يوم موتهِ، حينئذ يعرف الإنسانُ في ذلك اليوم أنه خداعٌ وسرابٌ مضل، حتى إذا ما جدَّ الإنسانُ في الخروج من هذا العالم المظلم، فإنه لن يستطيعَ الخلاصَ من حبائِلهِ ما دام هو منغمساً فيه». جاء أحدُ الإخوةٍ إلى شيخٍ من الرهبان وشكا أخاه إليه قائلاً: «ماذا أصنعُ يا أبي فإن أخي يحزنني لأنه دوَّار»؟ قال الشيخ: «احتمله يا حبيبي، فإن الله قادرٌ أن يردَّه إذا ما رأى تعبَك وصبرَك، وأخذك له بالرفقِ واللين. وإياك والقساوة، فإن الشيطانَ لا يطردُ شيطاناً. وبرفقِك وصبرِك يرجع، لأن الله إنما يردُّ الإنسانَ بطولِ روحهِ وطيبِ قلبهِ واحتمالهِ». أخبروا عن أنبا تاؤدورس: إنه لما كان شاباً وهو يسكنُ في البريةِ، قام ذات يومٍ يخبز لنفسِه خبزاً، فوجد أخاً ليس له من يعمل له خبزاً إذ لم يكن يجيد صناعةَ الخبز. فترك أنبا تاؤدورس خبزَه وعمل خبزَ ذلك الأخ، وجاء أيضاً أخٌ آخر فخبز له خبزَه، وبعد أن أراحهم حينئذ عمل خبزَه أيضاً». جاء خبرٌ عن أخوين قوتل أحدُها بالزنى، فقال لأخيه: «يا أخي، إني منطلقٌ إلى العالم»، فبدأ أخوه يبكي ويقول: «لا أتركك تذهب إلى العالم لئلا تُتلف تعبَ رهبانيتك وبتوليتك». فأبى أن يقبلَ منه وقال له: «إما أن تتركني أمضي وحدي، وإما أن تجيء معي». فذهب أخوه، وحدَّث أحدَ الشيوخ بحالِه، فقال له الشيخ: «اذهب معه، فإن الله من أجلِ تعبك لا يتركه يقعُ في الزنى». فلما بلغا القريةَ، رفع الله عنه قتالَ الزنى من أجلِ تعب أخيه وعنائِه معه. وإذ به يخاطبُ أخاه قائلاً: «هَب أني وقعتُ في دنسِ الخطيةِ، فأي ربح لي من ذلك»؟ ثم أنهما رجعا إلى قلايتهما وحمدا الله على خلاصهِ وحسن صنيعه معهما. أخبروا عن أخٍ حريصٍ على خلاصهِ، جاء من غربةٍ فأقام في قلايةٍ لطيفةٍ بطور سينا. فلما جلس في اليوم الأول، وجد على خشبةٍ صغيرة كتابةً قد كتبها الأخُ الذي كان فيما مضى ساكناً فيها وهو يقول فيها: «أنا موسى بن تادرس قد حضرتُ وأقمت ههنا». وكان الأخ يضع تلك الخشبةَ قدامه طول النهار يومياً. ويسأل: «من كتب هذه الكتابةَ»؟ ثم يُردف قائلاً: «أيها الإنسان، ليت شعري، أين أنت الآن؟ لأنك قلتَ: قد حضرتُ وأقمتُ. فإلى من كتبتَ هذا يا تُرى؟ تُرى في أي عالمٍ أنت في هذه الساعةِ»؟ فكان يداوم هكذا على هذا العمل طول النهار متذكراً الموت، ثابتاً في النحيبِ والبكاء. وكانت صناعتُه الخطَ المليح. فتناول من الإخوةِ ورقاً ليكتبَ لهم شيئاً كتذكارٍ منه لهم. لكنه لم يكتب لأحدٍ شيئاً سوى صيغةٍ واحدة، كتبها في ورقِ كلِّ واحدٍ منهم وذكر فيها: «اغفروا لي أيها الإخوة سادتي، فإنه كان لي عملٌ مع ذاك القادر على خلاصي، لذلك لم أفرغ منه حتى أكتبَ لكم». أخبروا أيضاً: أنه كان يسكنُ بقرب هذا الأخِ أخٌ آخر كان بُستانياً، وقصد مرةً المضي إلى ديرٍ في يومٍ من الأيام، فقال لذلك الأخ الكاتب: «اعمل محبةً يا أخي واهتم بالبستان حتى أرجع». فقال له الأخ: «صدقني أنه على قدر استطاعتي لن أتوانى في الاهتمامِ به». وبعد انصراف الأخ البستاني قال الأخ الكاتب في نفسِه: «يا مسكين، لقد وجدتَ خَلوةً فاهتم بالبستانِ». ثم أنه انتصب في قانونهِ من المساءِ إلى الصباح، لم يفتر، مترنماً بدموعٍ، مصلِّياً، ومكث على هذه الحال طول النهار كذلك إذ كان يوم الأحد المقدس. فلما جاء الأخ البستاني عند المساءِ، وجد البستانَ قد أفسدته القنافذ، فقال له: «غفر الله لك يا أخي،لأنك لم تهتم بالبستانِ». فقال له ذاك: «يا معلم، عَلِم الله، إني قد بذلتُ كلَّ قوتي وحفظتُه إلا أن اللهَ قادرٌ أن يعطينا ثمراً من البستانِ الصغير». فقال له الأخ: «صدقني يا أخي لقد تلف كلُّه». فقال له الكاتب: «لقد علمتُ بذلك إلا أني واثقٌ بالله، أنه قد أزهر أيضاً». فقال البستاني: «هلم بنا لنسقي». فقال الأخُ: «انطلق أنت اسقِ في النهار وأنا أسقي في الليلِ». فلما صار القحطُ والجدبُ، اغتمَّ البستاني وقال لذلك الكاتب جارِهِ: «صدقني يا أخي، إذا لم يُعِن الله، فليس لنا في هذا العام ماءٌ». فقال له الكاتبُ: «الويل لنا يا أخي إن جفَّت ينابيعُ البستانِ، بالحقيقة لن يكون لنا خلاصٌ أيضاً». وكان يقول هذا قاصداً ينابيعَ الدموعِ. فلما جاءت الوفاةُ للمجاهد القديس، سأل البستاني جارَه قائلاً: «اصنع محبةً ولا تقل لأحدٍ إني مريضٌ، لكن امكث عندي ها هنا اليومَ، وإذا انصرفتُ إلى الربِّ فاحمل أنت جسدي، واطرحه عارياً لتأكله الوحوش والطيور لأنه أخطأ قدام الله كثيراً، ولن يستحقَ أن يُدفن». فقال له البستاني: «صدقني يا معلم إن هذا الطلبَ صعبٌ عليَّ إتمامه». فأجابه قائلاً: «لا تخالفني في هذا الطلب، وإني أُعطيك عهداً، إن سمعتَ مني وعملتَ بي كما سألتُك، واستطعتُ أنا القيام بما ينفعك لنفعتك». ثم أنه بعد وفاتهِ، عمل به كما أمره في ذلك اليوم، فطرح جسمَه في البرية عارياً، لأنهما كانا مقيميْن في مكانٍ يبعدُ عن الحصنِ عشرين ميلاً يقال له ( ) وفي اليومِ الثالث ظهر له الأخُ المنصرف للربِّ في الرؤيا وقال له: «يا أخي، يرحمُك الله كما رحمني، صدقني إن رحمتَه عظيمةٌ جداً، فلقد رحمني الله بسببِ بقاء جسمي غير مدفون، وقال لي: لأجل تواضعك الكثير، قد أمرتُ أن تكونَ مع أنطونيوس، وقد طلبتُ إليه من أجلِك أيضاً، لكن اذهب واترك البستانَ، واهتم بالبستانِ الآخر، لأني في الساعةِ التي خرجتْ فيها نفسي كنت أبصرُ دموعَ عينيَّ وقد أطفأت النارَ التي كنتُ مشرفاً على المضي إليها». كان أخٌ فاضلٌ حريصاً، وإذا صلَّى مع أخيه قانونَه تغلبه دموعُه، فيفوته من المزمور استيخن أو أكثر، وفي أحد الأيام سأله أخوه أن يخبرَه بما ينتابه أثناء قراءة قانونه حتى يبكي ذلك البكاء المر، فقال: «اغفر لي يا أخي، فإني أثناء قراءة القانون، أبصر القاضي دائماً، وأرى ذاتي واقفاً قدامه وقوفَ المجرمِ، وهو يفحصُ أحوالي، وأسمعه قائلاً لي: لِمَ أخطأتَ؟ وإذ ليس لي جوابٌ أحتجُّ به إليه يستدُّ فمي، وعلى هذا الوجه يفوتني الاستيخن من المزمور، فاغفر لي لأني أغمُّك. وإن كنتَ تجد راحةً في أن يصلي كلُّ واحدٍ منا قانونَه منفرداً، فافعل». فقال له أخوه: «لا يا أخي، لأني وإن كنتُ أنا لا أبكي، إلا أني في الواقع إذا رأيتُك تبكي، أعطي الويلَ لنفسي وأعتبرها شقيةً». فلما أبصرَ الله تواضعه، وَهَبَ له اتضاعَ أخيه. قيل عن أخٍ من الرهبان إنه زار شيخاً متعَباً في عملِ الخير، كان ساكناً في المغاير التي تقع فوق المكان الملقب بإسرائيل، وكان الشيخُ ذا عقلٍ متيقظٍ لدرجةِ أنه كان حيثما توجَّه، يتوقف عن السيرِ ويستعرض فكرَه ويسأله: «كيف حالُك يا أخي؟ أين نحن»؟ فإذا وجد عقلَه يترنَّم بالمزامير ومتضرعاً، حمده واستدامه، وإن وجد ذاته متفكراً في أيِّ شيءٍ من الأشياء، شتم ذاته في الحال قائلاً: «هلم من هناك، قف عند حدك، والزم عملك». وكان الشيخُ يخاطب نفسَه بهذا الكلام دائماً: «يا أخي، يلوح لي أن الانصرافَ قريبٌ، ولستُ أرى مجالاً للنومِ أو التهاون بعد». فهذا الفاضل ظهر له الشيطانُ في وقتٍ من الأوقات، وقال له: «لماذا تتعب، إنك لن تخلص». فقال له الشيخ: «وماذا يهمك إن كنتُ لا أخلص؟ لكني سوف أوجد في العذابِ فوق رأسك، وتحت كل من فيه». هذا قال أيضاً: «سبيلُ الراهبِ إذا وقف مع إخوةٍ رهبان، أن يطرقَ برأسهِ دائماً إلى أسفل ولا ينظر بالجملةِ إلى وجه إنسانٍ، وخاصة وجه شاب. وإذا كان منفرداً ينبغي له أن ينظرَ إلى العلو دائماً. ذلك لأن الشيطانَ من شأنِه أن يغتمَّ ويرتاع إذا نظر إلى العلو نحو ربنا». أُخبر عن أحد الرهبان أنه لم يكن له عملٌ سوى الصلاةِ بلا فتور. وكان كلّ عشيةٍ يجدُ في قلايته خبزاً يأكله. فزاره أحدُ الرهبان مرة ومعه ليف، فأخذه منه وصار يعمل في الليف. فلما حان وقتُ المساءِ طلب خبزاً كعادته ليأكل، فلم يجد. فبقي حزيناً، فأتاه صوتٌ قائلاً: «لما كنتَ تعمل معي كنتُ أعولك، فلما بدأت ممارسة عملٍ آخر، فاطلب طعامك مما تعمله بيدك». قيل عن أحد الرهبان إنه كان بليغاً جداً في الإفرازِ والتمييز، وأراد السكنى في القلالي فلم يجد قلايةً منفردة، وأنه خرج تائهاً في البريةِ إلى أن لقيه أحدُ الشيوخ فأخبره بحالهِ، فأجابه الشيخ: «إن لي قلايتين، فاجلس في واحدةٍ منهما إلى حين يسهِّل المسيحُ لك قلايةً. فحَمَدَ أفضالَه. ولما سكن في القلاية قصده قومٌ من الرهبان لينتفعوا منه لكونهِ من أهلِ الفضل، وكانوا يحملون إليه ما سهل عليهم حمله. فلما نظر الشيخ صاحب القلاية ذلك، بدأ يحسده بإيعازٍ من الشيطان وقال لتلميذِه: «كم من السنين ونحن مقيمون في هذا المكان، ولم يقصدنا حتى ولا واحد من هؤلاء الرهبان. وهذا المحتال في أيامٍ قلائل استمال إليه الكلَّ. امضِ اطرده من القلاية». فمضى التلميذُ وقال له: «إن المعلمَ يسلِّم عليك ويسأل عن صحتِك ونجاح أحوالك واعتدال مزاجك، ويسألك أن تصلي من أجلهِ لأنه مريضٌ. ويقول لك: إن كان لك احتياجٌ إلى شيءٍ أقوم بتأديته لك». فقام الراهبُ وسجد للتلميذ وقال له: «بلِّغه سلامي عني، وقل له إني بخيرٍ ببركة صلواتك وليس لي احتياجٌ لشيء». فرجع التلميذ إلى الشيخ وقال له: «إن الراهبَ يُقبِّل يديك ويسألك أن تصلِّي من أجلِه وتمهله أياماً قلائل حتى يجدَ لنفسهِ قلايةً، ويرتحل عن قلايتك بسلام». فصبر ثلاثة أيام. وبعد ذلك أقلقه الحسدُ، فقال لتلميذهِ:« اذهب وقل له لقد صبرتُ أكثر من اللازم، فاخرج من قلايتي». فأخذ التلميذُ بركةً مما كان يوجد في القلاية، ثم جاء إلى الراهبِ وسجد بين يديه وقال له: «إن المعلمَ يسلِّم عليك ويسألك أن تَقبل منه هذه البركة لأجلِ السيد المسيح وتصلي من أجلهِ لأنه متعبٌ جداً، ولولا توجعه لكان قد حضر إليك». فلما سمع الراهبُ ذلك أدمعت عيناه وقال: «كنتُ أشتهي أن أذهبَ وأبصره». قال له التلميذ: «لا يا أبتاه، فإنه لا يحتمل أباً مثلك يرافقني إليه، لئلا يلحقني من ذلك شرٌ، ابقَ أنت ههنا وأنا أبلِّغه سلامَك ورسالتك». ثم ودَّعه وخرج وأتى إلى الشيخِ وقال له: «يا أبتاه إن الراهب يقول لك: لا يصعُب عليك الأمرُ، ولا تغضب، ففي يوم الأحد سوف أخرج من قلايتك». فمازال الشيخُ يترقب سواعي الليل حتى يوم الأحد، فلما لم يخرج الراهبُ، قام الشيخُ وأخذ عصا وهو مسبي العقل طائر الفكر، وقال لتلميذهِ: «تعالَ معي إلى هذا الراهب المحتال، فإنه إذا لم يخرج باختيارِه فسوف أطردُه بهذه العصا مثل الكلبِ». فلما رآه التلميذُ هائجاً، وقد سلب العدو فكرَه، قال له: «أسألُك يا أبتاه أن تستمعَ إلى مشورتي بأن تجلسَ ههنا وأنا أسبقك إليه وأُبصر إن كان عنده رهبان، لئلا إذا أبصروك على هذه الحال يطردونك عنه فلا تنال بُغيتك، أما إذا وجدتُه وحده أعلمتُك لتمضي إليه وتطرده». فاستصوب الشيخُ كلامَ التلميذ، وجلس وهو يصرُّ بأسنانهِ، ومضى التلميذُ إلى الراهب، وسجد له كعادتهِ وقال: «إن المعلم يسلِّم عليك، ولما أعلمتُه أن جسمَك ضعيفٌ احترق قلبُه ولم يستطع صبراً، وقد جاء ليبصرَك، وإنه بسبب ضعفهِ ما أمكنه المجيء إليك». فلما سمع الراهبُ ذلك الكلام خرج لوقتهِ للقائه بلا كساءٍ ولا قلنسوة على رأسهِ ولا عصا بيده. فسبقه التلميذُ إلى معلمهِ وقال له: «هوذا الراهبُ قد ترك قلايتك وها هو حاضرٌ ليودِّعك ويأخذ بركة صلاتك قبل ذهابهِ وانصرافهِ بسلامٍ». فلما سمع الشيخُ هذا الكلامَ تذكَّر كلامَه ومراسلاته له، وانكشفت عنه غمامةُ الحسدِ وبقى حائراً في نفسِه ماذا يعمل، وخجل من لقائِه، ولشده الحياءِ لم يقدر أن يرفعَ عينيه نحوه، فأخذ يولي الأدبار، فلما رآه التلميذُ على هذه الحال سجد له وقال: «يا أبتاه، التقِ بأخيك دون خجلٍ فإن جميعَ الكلامِ الذي قلتَه لي لم يصل إلى مسامعِه قط». فلما سمع الشيخُ بهذا الكلام فرح جداً، والتقى بالراهب بفرحٍ وقلبٍ نقي، ورجع معه إلى قلايته. فقال له الراهب: «اغفر لي يا أبتاه، لأنه كان الواجب عليَّ أنا أن آتي إليك، لأنك تعبتَ في المجيء إليَّ». فلما رجع الشيخُ إلى قلايته سجد بين يدي تلميذهِ وقال له: «إنك من الآن أنت الأب وأنا لا أستحق أن أكونَ لك تلميذاً، لأنك بعقلِك وسلامة ضميرك وحسن إفرازك خلَّصت نفسي من الفضيحةِ». قيل أيضاً: «إنه كان يوجد شيخٌ له تلميذٌ جيد. ومن المللِ كان الشيخُ يخرجه خارج الباب ويزدري به، فكان التلميذُ يمكث جالساً خارجاً، ولما فتح الشيخُ البابَ في اليوم الثالث، وجده جالساً، فأدى له الشيخُ مطانية وقال له: «يا ولدي إن تواضعك وطول أناتك قد غلبا شرِّي وصغر نفسي، فهلم الآن إلى داخل، ومنذ الآن، كن أنت الشيخَ وأنا التلميذ». قال الأب أوراسيوس: «إن عجينةَ فطيرٍ تُطرح في أساسٍ بقرب نهرٍ، لا تثبت ولا يوماً واحداً، وأما المطبوخة بالنارِ فتثبت كالحجرِ. هكذا كلُّ إنسان ذي عقل بشري، إذا صار رئيساً فإنه ينحلّ من التجارب إن لم يُطبخ بخوفِ الله مثل يوسف، فالأفضل للإنسان أن يعرفَ ضعفَه ويهرب من نير الرئاسةِ». قيل عن أخٍ راهب كان يسكن القلالي، هذا أقام عشرين سنةً مواظباً على القراءة ليلاً ونهاراً، وذات يومٍ نهض وباع الكتبَ والمصاحفَ التي كان قد اقتناها، وأخذ وشاحَه وذهب إلى البريةِ الجوانية. فالتقاه أنبا إسحق وقال له: «إلى أين تمضي يا ولدي»؟ فأجابه الأخُ قائلاً: «يا أبي، إن لي عشرين سنةً وأنا أسمع أقاويلَ الكتبِ فقط، والآن أريدُ أن أبدأَ في الابتعادِ عملاً بما سمعتُه من الكتبِ»، فقدَّم الشيخُ صلاةً من أجلهِ ثم أطلقه. قال أنبا أفرآم: إن أحدَ الإخوةِ سأل أخاً له قائلاً: «إن الأب أمرني بالمضي إلى المخبز لنخبز خبزاً برسم الإخوةِ، ولما كان عُمالُ المخبزِ علمانيين يتكلمون بما لا يليق، فلستُ أنتفعُ من سماعِ ما يقولونه، فماذا أصنعُ»؟ فأجابه قائلاً: «أما رأيتَ في المكتبِ صِبياناً كثيرين، وكيف أن كلَّ واحدٍ منهم يقرأُ ما لا يقرأه رفيقُه لعلمهِ أن معلمَه يطالبه فقط بإتقان ما يختص به ولا يطالبه بإتقان ما يختص بغيره، فإن كنتَ أنت تنهزمُ للآلام بمجرد سماعِك فظيع الكلام، فاستمع لقول القائل: امتحنوا سائرَ الأشياءِ وتمسكوا بأحسنِها». وقال أيضاً: «وما لنا وللعالم، وما لنا بمعاملاته؟ نحن قد مُتنا عن العالم، كلٌّ منا بأكلةٍ يسدُّ جوعَه، وأيدينا تساعدنا على خدمةِ جسدِنا بمعونةِ الله لنا، لأنه قال: لا يوجد متجندٌ يقوم بنفقةِ نفسه بانشغاله في أمورِ الحياة، إذ كيف يستطيع وهو مشغولٌ أن يُرضي قائدَ الجيش ومليكه». قال أنبا إشعياء: «إن مضيْتَ إلى رؤساءِ العالم مريداً مصادقتهم فليس فيك مخافةُ الله». وقال أيضاً: «إياك أن تقتني لك أصدقاءً من بين رؤساءِ الدنيا لكي لا يبعد اللهُ عنك». وقال أيضاً: «إن شئتَ أن تكونَ معروفاً عند الله، فلا تُعرِّف الناسَ بنفسِك، لأن المرتبطَ بأمورِ العالم إذا سمعَ الحقَّ يُرذلُ قائلَه». قال أنبا أبوللو: «لتكن عندكم هذه علامةً عظيمةً للنجاحِ متى اقتنيتم عدمَ الشهوةِ لشيءٍ ما من أمورِ العالم، لأن هذا هو فاتحة جميع مواهب الله». تأهل أحدُ الشيوخ لمواهب الله، وذاع صيتُ فَضلِهِ فاستدعاه الملكُ لينال بركةَ صلاتِهِ، فلما تناقش معه وانتفع منه، أحضر له مالاً، فقبله الشيخ وعاد به إلى قلايتِهِ، وبدأ في تنظيفها وتعميرها، فجاءه مجنونٌ (بروحٍ نجس) فقال له حسب عادتهِ: «اخرج من خليقةِ الله». فقال له الشيطانُ: «لن أطيعَك». فقال الشيخُ: «ولِمَ»؟ فأجابه: «لأنكَ صرتَ واحداً من خدامِنا إذ تركتَ عنك الاهتمامَ بالله، وأشغلتَ ذاتَك بالاهتمام بالأرضيات». وراهبٌ آخر كان فاضلاً جداً لدرجةِ أنه كان يُخرج الشياطين بصلاتِهِ، وكانت له أمٌ عجوز مسكينةٌ، فحدثت مجاعةٌ عظيمةٌ، فأخذ الراهبُ خبزاً ومضى ليفتقد والدته، وبعد أن رجع إلى قلايتهِ أُحضر أمامه مجنونٌ فقام ليصلي عليه كعادتهِ، فأخذ الشيطانُ يهزأ به قائلاً: «ماما، ماما». قيل عن الأب مقاريوس الصعيدي: إن إنساناً (دوقس) حضر من القسطنطينية ومعه صدقة للزيارة، فزار قلالي الإخوة طالباً من يقبل منه شيئاً، فلم يجد أحداً يأخذ منه لا كثيراً ولا قليلاً. وكان إذا قابل أحدَهم أجابه بأن لديه ما يكفيه، وأنه مصلِّ من أجلِهِ كمثل من أخذ منه تماماً، فصار ذلك الدوقس متعجباً، ثم أنه أحضر ذلك المال إلى القديس مقاريوس وسجد بين يديه قائلاً: «لأجلِ محبةِ المسيح اقبل مني هذا القليل من المال برسم الآباءِ». فقال له القديس: «نحن من نعمِةِ الله مكتفين، وليس لنا احتياجٌ إلى هذا، لأن كلاًّ من الإخوة يعملُ بأكثرِ من حاجتِهِ». فحزن ذلك المحتشم جداً وقال: «يا أبتاه من جهةِ الله لا تُخيِّب تعبي واقبل مني هذا القليل الذي أحضرتُهُ». فقال له الشيخُ: «امضِ يا ولدي وأعطه للإخوةِ». فقال له: «لقد طفتُ به عليهم جميعاً، فلم يأخذوا منه شيئاً، كما أن بعضَهم لم ينظر إليه البتةَ». فلما سمع الشيخُ فرح وقال له: «ارجع يا ابني بمالِك إلى العالم وأهلِهِ، لأننا نحن أناسٌ أموات». فلم يقبل المحتشمُ ذلك. فقال له القديس: «اصبر قليلاً». وأنه أخذ المالَ وأفرغه على بابِ الدير وأمر بأن يُضرب الناقوس، فحضر سائرُ الإخوةِ وكان عددُهم ألفين وأربعمائة، ثم وقف الأب وقال: «يا إخوةُ، من أجلِ محبة السيد المسيح، إن كان أحدُكم محتاجاً إلى شيءٍ فليأخذ بمحبةٍ من هذا المال». فعبر جميعُهم ولم يأخذ واحدٌ منه شيئاً. فلما رأى الدوقس منه ذلك صار باهتاً متعجِّباً متفكِّراً، ثم ألقى بنفسِهِ بين يدي الأب وقال: «من أجلِ اللهِ رهبني». فقال له القديس: «إنك إنسانٌ كبيرٌ ذو نعمةِ وجاهِ ومركز، وشقاءُ الرهبنةِ كثيرٌ، وتعبُها مريرٌ، فجرِّب ذاتَك ثم أخبرني». فقال: «وبماذا تأمرني أن أفعلَه من جهةِ هذا المالِ»؟ فقال له: «عمِّر به موضعاً بالأديرةِ». ففعل، وبعد قليلٍ ترهب، صلاته تكون معنا، آمين. قيل عن القديس مقاريوس الوسطاني إن إنساناً أتاه بعنقودٍ مبكرٍ. فلما رآه سبَّح الله وأمر أن يُرسلوه إلى أخٍ كان عليلاً، فلما رآه الأخُ فرح، وهمَّ أن يأخذَ منه حبةً واحدةً ليأكلها، لكنه قمع شهوَتَه، ولم يأخذ منه شيئاً وقال: «خذوه لفلان الأخ لأنه مريضٌ أكثر مني». فلما أخذوا العنقودَ إليه رآه وفرح، لكنه قَمَعَ شهوتَه، ولم يأخذ منه شيئاً. وهكذا طافوا به على جماعةِ الإخوةِ فكان كلُّ من أخذوه إليه يعتقدُ أن غيرَه لم يره بعد، وهكذا لم يأخذوا منه شيئاً. وبعد أن انتهوا من مطافِهِم على إخوةٍ كثيرين أنفذوه إلى الأب. فلما وجد أنه لم تضع منه حبةٌ واحدةٌ، سبَّح الله من أجل قناعةِ الإخوةِ وزهدِهم. وكان القديسُ يقول: «كما أن بستاناً واحداً يستقي من ينبوعٍ واحدٍ، تنمو فيه أثمارٌ مختلفٌ مذاقُها وألوانُها، كذلك الرهبان فإنهم يشربون من عينٍ واحدةٍ، وروحٌ واحدٌ ساكنٌ فيهم، لكن ثمرَهم مختلفٌ، فكلُّ واحدٍ منهم يأتي بثمرةٍ على قدرِ الفيض المُعطى له من الله». قال أحد الرهبان: «لا تتعرَّف بالرئيسِ ولا تتملَّقه، لئلا يحصلَ لك من ذلك دالةٌ فتشتاقَ للرئاسِةِ». قال شيخ: «يا حنجراني، يا من تطلب أن تملأ جوفَك، الأجودَ لك أن تُلقي فيه جمرَ نارٍ من أن تتناول أطعمةَ الرؤساءِ». قال أنبا أفرآم: «اهرب من المشارب، ولا تدخل المجالسَ لئلا تصير زانياً خِلواً من امرأةٍ تساكنك». قال شيخ: «المنصرف إلى العالمِ بعد رفضهِ إياه، إما أن يسقطَ في فخاخِه ويتدنس قلبُه بأفكارِه، وإما أنه لا يتدنس لكنه يدين المتدنسين فيتدنس هو أيضاً». قال القديس باسيليوس: لا تتجول في سائرِ العالم حيث لا تنتفع، ولا تحب الأسفارَ أو الطوافَ في القرى والبيوت، بل اهرب منها لأنها فخاخُ الأنفسِ. فإن ألحَّ عليك أحدُهم كي تدخل بيتَه معتقداً فيك العفةَ، فليتعلَّم ذلك الإنسان كيف يتبع إيمان قائد المائة الذي قال للسيد: «إني غيرُ أهلٍ لأن تدخلَ تحت سقف بيتي». وبذلك يقوم إيمانُهُ هذا مقامَ كلِّ شيءٍ له. قال أنبا أفراطس: «إن شاء اللهُ حياتي فهو يعلم كيف يسوس أمري، وإن لم يشأ فما لي وللحياةِ». وكان يأبى أن يأخذَ من أحدٍ شيئاً، وإذ كان مُقعداً مُلقىً علي سريرٍ، فقد كان يقول: «إن أخذتُ من أحدٍ شيئاً، فليس لي ما أكافئه به». وقال أيضاً: «يليق بالمتقدمين إلى الله أن ينظروا إليه وحده. ويلتجئوا إليه بوَرَعٍ هكذا، حتى لا يُعِيروا الشتيمةَ التفاتاً، حتى ولو كانوا مظلومين ربواتٍ من المرات». قال شيخٌ: «المرائي بالمسكنةِ ويخدع بها الرحومين ليأخذَ منهم شيئاً في خفيةٍ، فهو خاطفٌ وظالم. لأنه أخذ بالرياءِ بغيرِ وجه حقٍّ، وما كان وقفاً على المساكين أخذه هو». قال الأب زينون: «إن الراهبَ الذي يأخذُ صدقةً، سوف يعطي حساباً عنها». قيل: حدث يوماً أن جاء إلى الإسقيط إنسانٌ غني عاد من غربةٍ وأعطى لكلِّ راهبٍ ديناراً صدقةً. وأنفذ كذلك بركةً لبعض الملازمين قلاليهم، فرأى أحدُهم في تلك الليلةِ حقلاً مملوءاً أشواكاً، وإنسانٌ يقول له: «اخرج ونظِّف حقلَ من أعطاك الأجرةَ»، فلما قام باكراً، أرسل الدينارَ لصاحبهِ قائلاً له: «خذ دينارَك، لأنه ليست لي قوةٌ على اقتلاعِ أشواكِ غيري، يا ليتني أستطيعُ اقتلاعَ أشواكَ حقلي فحسب». قال أحدُ الآباء: «لا يكن لك في قلايتِك ثوبٌ زائدٌ عن حاجتِك ولستَ في احتياجٍ إليه، لأن هذا هو موتُك، لأن هناك قوماً آخرين غيرَك يؤلمهم البردُ، وهم أبرُّ منك وأحقُّ. وأنت الأثيم عندك ما يفضل عنك. لا تقتنِ إناءً يزيدُ عن حاجتِك حتى ولا سُكرُجة واحدة (أي طبقٌ واحد)، وإلا فعليك أن تجيبَ عما فضل عنك. لا تقتنِ ذهباً في كلِّ حياتِك وإلا فما يهتم الله بك. وإن أتاك أحدٌ بذهبٍ، وكنتَ محتاجاً، فأنفقه في قُوتِك، وإن لم تكن محتاجاً، فلا يبيت عندك. إن شئتَ أن تمتلك النوحَ، فاجتهد أن تكونَ أوانيك وكلُّ أمتعتك مسكينةً فقيرةً، مثل الإخوة الشحاذين. إذا اقتنيتَ مصحفاً (أي إنجيلاً) فلا تتنمَّق في تجليدِه ولا تُزيِّنه. ثوباً جديداً لا تلبس، لأن جميعَ هذه تمنع من النوحِ. وبالإجمال، ليكن جميعُ ما هو لك مما لا تتألم على فقدانِه. ثيابُك وحذاؤك وكلُّ أوانيك لتكن هكذا حتى لو جاء قومٌ ليسرقوها لا يرضون بها ولا يعجبهم شيءٌ منها». وقال أحدُ الآباءِ أيضاً: «إن اللهَ يحتملُ خطايا أهلِ العالم، أما خطايا أهلِ البراري فلا يحتمل، لأن ما يطالبُ به أهلَ العالم يختلفُ عما يطلبه ممن قد تخلُّوا عن العالم. لأنَّ مَن هو في العالم له أعذارٌ كثيرةٌ، فأما نحن، فأيُّ عذرٍ لنا، نحن الذين قد قصدنا البريةَ، وتغرَّبنا فيها؟ الحقيقةَ، إن عقاباً شديداً وناراً تلتهب تلحَقُ بالعارفين لمشيئةِ الربِّ ولا يسلكون بمقتضاها». قال القديس باسيليوس: «هذا ما يليق بالراهبِ: التمسكن، عقلٌ منخفضٌ، نظرٌ مُطرقٌ إلى الأرض، وجهٌ مُقَطَّبٌ، زيٌ مهمل، ثوبٌ وسخ حتى يكون حالُنا كحالِ النائحين الباكين، ثوبٌ بقدر الجسدِ لأن الغرضَ منه شيءٌ واحدٌ هو ستر الجسد من الحرِ والبرد، ولا نطلب ازدهار الصبغ وحسنَه ولا نعومةَ الثوبِ ولا ليونَتَه، لأن الميلَ إلى ذلك من صفاتِ النساء، كما يجبُ أن يكونَ الثوبُ سميكاً حتى لا يحتاج الأمرُ إلى وشاحٍ ليدفئَ من يلبسه. وليكن الحذاءُ بسيطاً يتمم الحاجةَ الداعيةَ إليه فقط. وكذلك الحال في الطعامِ، خبزةٌ واحدةٌ تسدُ الجوعَ، والماء ليروي ظمأ العطشان. أما المشي فلا يكون بطيئاً بانحلالٍ كما لا يكون بسرعةٍ وعجرفةٍ حيث الحركات الخطرة». من كلام مار إسحق: «شيطانُ الزنى يرصُدُ ثوبَ الراهبِ، هل يلبسه باستمرارٍ أو يغيره عند التقائهِ بآخر، لأن هذا هو مفتاحُ الزنى». وقال أيضاً مخاطباً الإخوة: «إن آباءَنا كانوا يلبسون خرقاً موصولةً قديمةً، وأغطيةً عتيقةً. أما الآن فلباسُنا ثيابٌ غالية الثمن. امضوا من ههنا ، فقد أفسدتم ما كان ههنا». ولما كانوا عتيدين أن يمضوا إلى الحصادِ قال لهم: «لن أوصيكم بشيءٍ لأنكم لا تحفظون شيئاً». قال أنبا بموا: «يليقُ بالراهبِ أن يلبسَ ثوباً لو تركه خارج قلايتهِ أياماً مطروحاً، لا يرضى أحدٌ أن يأخذه لحقارتهِ». قيل عن يوحنا فم الذهب: «إن مدةَ إقامتهِ في البطريركية كان غذاؤه ماءَ الشعير والدشيشة يومياً، كما كان يأخذ طعامَه بوزنٍ ومقدار. وهذا ما جعله ينسى الشهوةَ، أما ثوبُه فقد كان من خِرَقٍ وشعرٍ خَشِن، ولم يكن له ثالثٌ». وبخصوص البعدِ من الأقرباءِ قيل: إن راهباً سأل الأب برصنوفيوس بشأنِ أخيه العلماني المحتاج إلى ثوبٍ، فأجابه: «أتسألني أيها الأخ بخصوصِ أخيك؟ إني لا أعرفُ لك أخاً غيرَ المسيح، فإن كان لك إخوةٌ فاعمل معهم ما شئتَ، فأنا ليس لي كلامٌ، لأنه إن كان الربُ نفسُه قال: من هي أمي ومن هم إخوتي؟ فماذا أقول أنا لك؟ هل تطرح وصيةَ الربِ وترتبط بمحبةِ أخيك حتى ولو كان مفتقراً إلى ثوبٍ، وإن كنتَ قد ذكرتَ أخاك، فلِمَ لم تتذكر المساكين الآخرين، لا بل لم تذكر القائل عن نفسِه: إني كنتُ عرياناً ولم تكسوني. ولكن الشياطين تُلاعبك بل وتُذكِّرك أيضاً بأولئك الذين كنتَ قد جحدتَهم لأجلِ المسيح لكي ما تظهر مخالفاً لأوامره». كذلك قيل: سأل أحدُ الإخوةِ شيخاً وقال له: «إن أختي مسكينةٌ فهل أعطيها صدقةً، إذ ليس لها نظيرٌ في المساكين»؟ قال له الشيخُ: «لا». قال الأخ:« لِمَ أيها الأب»؟ قال له الشيخ: «لأن الدمَ يجذبُك إلى ذلك، أكثر من وصيةِ المسيح». قيل كذلك إن أحدَ الإخوةِ كانت له والدةٌ تقيةٌ، فلما حدثت مجاعةٌ كبيرةٌ، أخذ قليلاً من الخبزِ ومضى إليها، ولما كان يسيرُ جاء إليه صوتٌ قائلاً: «أتهتم أنت بوالدتك أم أنا المهتمُ بها»؟ فميز الأخُ قوةَ الصوتِ، وخرَّ على الأرضِ بوجههِ قائلاً: «أنت يا ربُّ هو المهتمُ بنا». ونهض راجعاً إلى قلايتهِ. وفي اليوم الثالثِ جاءت إليه والدتُه وقالت له: «إن فلاناً الراهب أعطاني قليلاً من الحنطةِ، خذها واصنع لنا أرغفةً لنأكلَ». فلما سمع الأخُ بذلك، مجَّد الله وقوي أملُه. قال أحدُ الآباء: «إن جحدتَ أنسباءَك بالجسدِ مع أمورِ الجسدِ لأجلِ الله، فلا تنخدع للرحمةِ على والدتك أو ابنك أو أخيك أو أحد أنسبائك، لأنك قد تخليتَ عن هذه كلِها، اذكر ساعةَ موتِك، فلن ينفعَك واحدٌ منهم». قيل عن أحدِ رهبانِ الإسقيط (إنه كان له ولدٌ قبل رهبنتِه) وأنَّ ولدَه أُخذَ في خدمةِ السلطان، فكتبت أمُّ الصبي إلى زوجِها الراهب أن يسأل الوالي في إطلاقه، فأجاب الراهبُ وقال للمرسال: «إن هو أُخلي سبيله أما يأخذون غيرَه»؟ قال: «نعم». قال الراهب: «وأية منفعةٍ من أن أُفرِّح قلبَ هذه، وأُحزن قلبَ أخرى»؟ وكان ذلك الراهب يعملُ عملاً متواصلاً، فكان يأخذُ منه حاجتَه، وما بقي بعد ذلك يفرِّقه على المساكين، فلما حدثت مجاعةٌ عظيمةٌ، أرسلت الوالدة ولدَه إليه تطلب منه أن يعطيها خبزاً قليلاً، فلما سمع الراهبُ قال لولدِه: «أما يوجد في الموضعِ قومٌ آخرون محتاجون مثلُكم»؟ فأجابه: «نعم يا أبي كلُّ الناسِ محتاجون». فأغلق البابَ في وجههِ وتركه باكياً وقال: «امضِ يا ولدي، والمهتمُ بالكلِّ يهتم بكم». فسأل أحدُ الإخوة الشيخَ قائلاً: «أما يؤلمك الفكرُ إذ رددتَ هكذا»؟ فأجابه: «إن لم يُكره الإنسانُ نفسَه في كلِّ أمرٍ، فما يقدر أن يُقِّوم شيئاً من الصلاحِ البتةَ». كان لأحدِ الرهبان أخٌ علماني وكان يواسيه من عملهِ وبقدر ما كان يواسيه، كان ذاك يفتقرُ أكثر. فمضى الراهبُ وأخبر أحدَ الشيوخِ، فقال له: «إن سمعتَ مني، فلا تعُد تعطيه شيئاً بعد، بل قل له: لما كان لي كنتُ أعطيك، أما الآن، فبقدر ما تيسَّر لك هات أنت لي. وكل ما يأتي به إليك أعطِه للمساكين واسألهم أن يصلَّوا من أجلِه». فلما جاء أخوه العلماني، قال له كما أعلمه الشيخُ، فمضى من عندِه كئيباً. وفي اليوم الثالث، أحضر له من تعبهِ قليل بَقلٍ، فأخذها الراهب وأعطاها للشيوخِ وسألهم أن يصلُّوا من أجلِه. ولما جاء ثاني مرة، أحضرَ له بقولاً وثلاث خبزات، فأخذها الراهبُ وعمل مثلما عمل أولاً، ولما جاء لثالثِ مرةٍ، أحضر له أشياءً ذاتَ ثمنٍ كنبيذٍ وسمك. فلما رأي الراهبُ ذلك تعجَّب واستدعى المساكين وأطعمهم وقال لأخيه: «هل أنت محتاجٌ إلى قليلٍ من الخبزِ فأعطيك»؟ فقال له ذاك: «لا يا أخي، لأني لما كنتُ آخذ منك شيئاً، كان كأنه نارٌ يدخلُ إلى بيتي فتأكله، وكأنه هباءٌ تأخذه الريح فلا أجده. ومنذ أن توقفتُ عن أن آخذ منك شيئاً، بارك الله لي». فمضى الراهبُ وأخبر الشيخَ بكلِّ ما جري فقال الشيخُ: «إن متاعَ الراهبِ هو نارٌ، أينما دخل أحرقَ». قال أحدُ الآباء لراهب له مقتنيات: «لقد سُمي الراهبُ متوحداً لأنه أصبح يعيشُ وحدَه، لا يمتلك شيئاً. فإن كان له مِلكٌ يُجار عليه ويُظلم فيه، أو يجور هو ويَظلم، فليس هو إذن براهبٍ. لأن نواميسَ الملوك لا تُسلِّم بأن يحاكَم الرهبانُ في مجالسِ أحكامِهم، لأنهم قد ماتوا عن العالم، ولذلك فقد عَدِمَ كلَّ عفوٍ ذلك الراهبُ الذي يُدخِل نفسَه في مجالسِ الحكام لأجل شيءٍ يُظلم فيه أو يُجار عليه». قيل أيضاً: أراد في يومٍ من الأيام والي البلاد أن يشاهد أنبا بيمين. لكن الشيخَ لم يشأ ذلك. فقبض الوالي على ابن أختِه بهذه الحجة وحبسه، كأنه قد عمل عملاً منكراً. وقال: «إن جاء الشيخُ وسألني من أجلِه فسوف أُطلقه». فجاءت إليه أختُه باكيةً على الباب، فلم يُجبها بجوابٍ البتة. فكرَّرت عليه قائلةً: «يا قاسي القلب، ويا حديدي الأحشاء، ارحمني فإنه وحيدي وليس لي سواه». فقال لها: «بيمين ما ولد أولاداً». فلما سمع الوالي قال: «وإن سألني بالمكاتبةِ فقط فإني أُطلقه». فأجاب الشيخُ قائلاً: «افحصه على ما يأمرُ به الشرعُ، فإن كان مستحقاً للقتل فليُقتل، وإلا فافعل كما تريد». قال أحدُ الشيوخ: إن الرهبان المتوشحين بالزي المقدس، القاطنين في الأديرةِ، لا يليق بهم أن يقولوا: «لي ولك، ولهذا ولذاك». والجماعةُ المشتركة كذلك، ليس لهم أن يعتبروا شيئاً ما ملكاً لواحدٍ منهم. ولا يدورُ فيما بينهم القولُ: «لي ولك، ولهذا ولذاك». وإلا فما يليقُ أن تُدعى الجماعةُ بالكنوبيون، أي العيشة المشتركة، بل تُدعى مجامعَ لصوصٍ ومغارةً مملوءةً من كلِّ رذيلةٍ وسلبٍ للأشياء الطاهرة». من الديادوخس: «الذي قد حظي وقاراً بمعرفةٍ مقدسة وذاقَ الحلاوةَ الإلهية، لا يجبُ له أن يحاكِم قط ولا يقيم دعاوى أو يجذب إلى مجلسِ حكمٍ بالجملةِ، حتى ولو سلب سالبٌ ملابسَه، لأن عدالة السلاطين في هذا الدهر ليست شيئاً بالمرة بالنسبة إلى عدالة الله. وإلا فأي فارقٍ إذن بين أولاد الله وأولاد هذا الدهر؟ وإليك ما فعله سيدنا يسوع المسيح، فإنه لما شتموه لم يشتم هو عوضاً، ولما آلموه لم يهدِّد، ولما نزعوا ثيابَه لم يتكلم، وتوجَّع لأجلِ خلاصنا، وما هو أعظم من ذلك كلِّه، أنه سأل الغفرانَ لفاعلي المكروه به». سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «أريدُ أن أقيمَ مع آخر في كنوبيون حتى أستريحَ في قلايتي، ويعطيني عملاً أعمله بيدي ويهتمُ بي». قال الشيخ: «لا تفعل ذلك، وإلا فما كنتَ تستطيع أن تعطي أحداً خبزاً». سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «أريدُ أن أدخلَ إلى كنوبيون وأسكن فيه». فقال له الشيخُ: «إن شئتَ سكنى الكنوبيون، فإن لم تعتق نفسَك من هَمِّ كلِّ محادثةٍ، وتبتعد عن سائرِ الأشياء، فلا يمكنك سكنى كنوبيون، لأنه لن يكون لك هناك سلطانٌ إلا على عصاك». قال أحدُ الآباء: إن شئتَ أن تجدَ راحةً في هذه الدنيا، قل في كلِّ أمرٍ تعمله: «أنا من أنا»؟ كما لا تدن أحداً. وقال آخر: «ليكن فكرُك فكراً صالحاً هادئاً في أيِّ موضعٍ سكنتَ فيه، كما لا تطلب أن تُلقي قولَك قدامك، فتستريح». وقال آخر: حيثما تجلس قل: «غريبٌ أنا، غريبٌ أنا». وقال آخر: جاور من يقول: «أيَّ شيء أريد أنا»؟ فبمجاورتك لذاك سوف تجد راحةً. وقال آخر: «لا تسكن في موضعٍ له اسم، ولا تجالس إنساناً عظيمَ الاسم». سأل أخٌ الأب بيمين قائلاً: «ما معنى قوله: الذي يغضبُ على أخيه باطلاً»؟ قال له: «إن أخذ أخوك منك شيئاً، وظلمك فيه وغضبتَ عليه بسببهِ، فغضبُك هذا يكون باطلاً، لأنك غضبتَ لأجل أشياءٍ باطلةٍ، أما إن أراد إبعادك عن الله خالِقك، فحينئذ اغضب جداً، لأن غضبَك حينئذ لا يكون باطلاً». ومرة سَمِعَ عن إنسانٍ أنه كان يواصل صومَ ستةِ أيامٍ، لكنه كان يغضبُ، فقال: «إن كان هذا قد تعلَّم كيف يطوي الأسبوعَ، فكيف لا يتعلم كيف يُبعد عنه الغضبَ»؟ قال الأب مقاريوس: «إن كنتَ في حالِ ردعِك غيرك تَحرد وتغضب، فأولى بك أن تشفي ألمَك أولاً، لأنه لا يليقُ أن تُهلك نفسَك لتُخلِّص غيرَك». سأل إخوةٌ الأب أرمانيوس قائلين: «ماذا يجب أن نتدبَّر»؟ فأجابهم الشيخُ: «لا أتذكر أني سألتُ في وقتٍ من الأوقاتِ إنساناً بأن يعملَ شيئاً، ما لم أسبق فأُجيل في خاطري أني لا أغضب متى خالفني، ولم يعمل بما قلتُه له. وهكذا عشنا عمرَنا كلَّه بسكونٍ وسلامٍ». سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «إن سكنتُ مع إخوةٍ، ورأيتُ منهم أمراً غيرَ لائقٍ فهل تشاء أن أتكلَّم»؟ قال الشيخُ: «إن كانوا هم أكبر منك أو في مستواك، فسكوتك خيرٌ لك. لأنك بسكوتك تخلص». فقال الأخُ: «فماذا أعملُ أيها الأب، لأن الأرواح تقلقني بأن أتكلمَ، وهكذا تجدني متعَباً». فقال الشيخُ: «إن كان ولا بدّ، فذكِّرهم مرةً باتضاعٍ وذلك بأن تؤخر إرادتك وتخضع لله، محتاطاً لنفسك ألا تتكلم فيهم بنميمةٍ، وعندي أن السكوتَ أفضل، لأنه دليلٌ على الاتضاع». قال أحدُ الآباء: إنه لا يوجد أفضلُ من هذه الوصية: لا تزدرِ بأحدٍ من الإخوة، هو ذا قد كُتب: «توبيخاً توبِّخ قريبك ولا تأخذ بسببهِ خطيةً». فإن علمتَ أن أخاك مخطئٌ ولم تخبره بغلطتِه وثبت فيها يموتُ بخطيئتهِ، ما أجود التوبيخ لا سيما إذا كان بمحبةٍ واتضاع، لا بمعيرةٍ وازدراء». قال شيخٌ: «إن كلَّ كلمةٍ يتكلمُ بها الإنسانُ ولا يستطيع أن ينطقَ بها قدامَ أخيه، فإنها تُعتبر نميمةً ووشاية». من كتاب الدرجي: سمعتُ نمَّامين، فلما زجرتُهم قالوا لي بأنهم لا يفعلون شراً، وإنما يفعلون ذلك محبةً وشفقةً على أولئك الذين يتكلَّمون في حقِهم. أما أنا فقلتُ لهم: «ليست هذه محبةً، لكنك إن كنتَ تُحبَه حقاً، فصلِّ من أجلهِ خفيةً ولا تهجو أو تسبَّ أحداً». قال أنبا بيمين: قد تجد إنساناً يُظنُّ به أنه صامتٌ، لكن فكرَه يدين آخرين، فمن كانت هذه صفته، فهو أبداً يتكلم. وقد تجد آخرَ يتكلم من بُكرةٍ إلى عشيةٍ، ويلازم الصمتَ، أعني أنه لا يتكلم كلمةً بلا منفعةٍ. وقال شيخ: «إن شئتَ معرفةَ الطريقِ فعليك بأن تعتقدَ في ضاربك كاعتقادِك فيمن يحبك، وفي شاتمك كمن يمجِّدك، وفي ثالبك كمن يكرِّمك، وفي مُخزيك كمن ينيِّحك». وقال آخر: «إن لم يكن قد صار عندك الامتهان كالإكرام، والخسران كالربح، والغربة كالقرابة، والعَوَز كالفضيلة، فامضِ واعمل ما شئتَ». وقال آخر كذلك: «إن لم يعتقد الإنسانُ فيمن يظلمه كاعتقادِه في الطبيبِ، فإنه يظلم نفسَه ظُلماً عظيماً، فسبيلُك أن تتذكر من يظلمك كتذكرك طبيباً نافعاً لك، مُرسَلاً من قِبل المسيح إليك كما يلزمَك أن تتألم من أجلِ اسمِهِ». قيل عن القديس مقاريوس: إنه كان في بعضِ القلالي أخٌ صدر منه أمرٌ شنيع وسمع به الأب مقاريوس، ولم يُرد أن يبكِّته. فلما علم الإخوةُ بذلك لم يستطيعوا صبراً. فما زالوا يراقبون الأخَ إلى أن دخلت المرأةُ إلى عِندِه. فأوقفوا بعضَ الإخوةِ لمراقبتهِ، وجاءوا إلى القديس مقاريوس. فلما أعلموه قال: «يا إخوة لا تصدقوا هذا الأمرَ، وحاشا لأخينا المبارك من ذلك». فقالوا: «يا أبانا، اسمح وتعالَ لتبصرَ بعينيك حتى يمكنك أن تصدِّق كلامَنا». فقام القديسُ وجاء معهم إلى قلاية ذلك الأخ كما لو كان قادماً ليسلِّم عليه، وأمر الإخوةَ أن يبتعدوا عنه قليلاً. فما أن علم الأخُ بقدومِ الأبِ حتى تحيَّر في نفسِه، وأخذته الرعدةُ وأخذ المرأةَ ووضعها تحت ماجورٍ كبيرٍ عنده، فلما دخل الأب جلس على الماجور، وأمر الإخوةَ بالدخول، فلما دخلوا وفتشوا القلايةَ لم يجدوا أحداً ولم يمكنهم أن يوقفوا القديس من على الماجور، ثم تحدثوا مع الأخِ وأمرهم بالانصراف. فلما خرجوا، أمسك القديس بيدِ الأخ، وقال: «يا أخي على نفسِك احكم قبل أن يحكموا عليك، لأن الحكمَ لله». ثم ودَّعه وتركه، وفيما هو خارجٌ، إذ بصوتٍ أتاه قائلاً: «طوباك يا مقاريوس الروحاني، يا من قد تشبَّهتَ بخالقك، تستر العيوبَ مثلَه». ثم أن الأخَ رجع إلى نفسِه وصار راهباً حكيماً مجاهداً وبطلاً شجاعاً. صلوات جميعهم تكون معنا آمين. |
رد: بستان الرهبان
أنبا يوساب السائح عاش في برية شيهيت المقدسة وكان شيخًا قد ضعف جسمه ووهن من شدة التعب والجهاد في الصوم والزهد. وكان عظيمًا في صلواته وسهره الروحي وصبره، وكان يلبس لباسًا من الليف الخشن. وكان لا يفتر عن الصلاة الدائمة والتسبيح ليل نهار، فنال من السماء العناية الكاملة، كما أرسل الله إليه الطعام كل حين، بل صار يركب السحاب وينتقل به إلى أي مكان، وهكذا كان عظيمًا في روحانياته ممتلئًا من الروح القدس مشتملاً بالفضائل المقدسة. من يماثلني في الأبدية مع ما اتسم به السائح يوساب من تواضع، وشعوره بيد الله العجيبة التي ترفعه إلى السماء، اشتهى يومًا أن يعرف من يماثله في الأبدية، فتضرع وابتهل للرب يسوع أن يحقق له هذه الشهوة، فأتاه صوت يقول له: "السلام لك يا يوساب رجل الله. أنا ملاك الرب جئت إليك لأحقق لك أمنيتك في أن ترى من يماثلك في حياة القداسة"". سأله يوساب: "ومن يكون هذا القديس؟" أجاب الملاك: "ملك إنطاكية وزوجته أيها الحبيب يوساب، فاذهب إليهما لتعاين مجد الله فيهما". تساءل في أعماقه هل يمكن للملك والملكة وهما يعيشان في قصر ملكي، يملكان الكثير، ويحوط بهما رجال الدولة ورجال القصر يكرمانهما، ويخضع الكل لهما، أن يصيرا مثله في ملكوت السموات. حينئذ ركب أنبا يوساب السحاب ووصل إلى مدينة إنطاكية، فنزل خارج المدينة وأخذ يسير بعكازه حتى باب المدينة، ولما دخلها شاهد الملك ممتطيًا جواده لابسًا أفخر الملابس وعلى رأسه تاج مرصع بالجواهر، وحوله الجنود والحرس يقدمون له الاحترام والتبجيل. وعندما شاهد القديس هذه عظمة الملك تشكك السائح في أمر الصوت الذي سمعه، وحزن على الملك الذي يعيش بهذه العظمة الفائقة، وحسب أنه يستحيل أن يكون نصيبه في السماء كنصيب راهبٍ سائحٍ في البرية. عندئذ التفت إليه الملك قائلاً: "يا أنبا يوساب لقد اشتهيت لنفسك تعبًا ما كنت في حاجة إليه بعد"، ثم أمر جنده أن يأخذوا القديس ويمضوا به إلى قصره ويكرمونه لحين عودته إليه. في قصر الملك دخل أنبا يوساب القصر، ثم بعد حين جاء الملك الذي أخذ بيده ودخل إلى قاعة كبيرة، هُيئ فيها طعامًا فاخرًا حيث جلسا على طرفها، بينما جلس حرس الملك حولها يأكلون ويشربون إلى أن شبعوا وانصرفوا. أمسك الملك بيد السائح يوساب ودخل معه إلى جناح الملك والملكة حيث استقبلته الملكة بالترحاب، وبعد أن انصرف كل الخدم خرج الملك والملكة وعادا لابسين مسوحًا من الشعر. ذهبوا جميعًا إلى موضع آخر من القصر وهناك رأى راهبًا يجلس على الأرض وهو يعمل في شغل اليدين، وما أن رآهم الراهب حتى انتصب واقفًا ودنا من السائح القديس وقبَّله ثم حيّا الملك والملكة. وبعد ذلك وقف الجميع في خشوع وانسحاق للصلاة والسجود. وبعد انتهاء الصلاة جاء خادم إليهما وقدم لهما عمل كل واحد منهما، وأخذا يعملان في صمت وتسبيح حتى وقت الساعة التاسعة حيث جاء الخادم بمائدة عليها خبز وطعام قليل فصلوا وأكلوا وشكروا الله. عرف السائح أنهما لا يأكلان إلا مرة واحدة عند الغروب، يسهران معًا في الصلاة إلى ما بعد منصف الليل، ويعيشان معًا في حياة البتولية. كانا أيضًا يمارسان العمل اليدوي تشبهًا بالرهبان. بعد أن تناول السائح الطعام معهم خرج من القصر تبارك منه الملك وزوجته والراهب، ثم عاد إلى الإسقيط وهو يقرع صدره حيث عاش في فرح حتى تنيّح بسلام |
رد: بستان الرهبان
أنبا مقارة الكاتب قال مقارة الكاتب: أردتُ الدخولَ إلى مدينةِ الإسكندريةِ لقضاءِ بعض حوائجي، ولما دخلتُ إلى المدينةِ قابلني رجلٌ لا أعرفه خارجاً من المدينةِ، وعلى كتفِه وعاتقهِ آلةُ صناعةِ البستانِ ومعه من ثمارِه، فقال لي: «من أين أتيتَ يا أبي، وإلى أين تذهبُ»؟ فقلت له: «أنا من الوادي المقدس، وأنا طالبٌ هذه المدينةَ». فقال: «أنا أسألك أن تبيتَ عندي الليلةَ في منزلي، وعند الصباحِ تمضي حيث تريد». وكان ذلك الوقت مساءً، وسألني باسم يسوع المسيح، فأجبتُه إلى ما سأل، وكنتُ لا أعلمُ معبودَه، ولا مذهبه، إلا أنه يعرفُ كلامَ أهلِ الجبالِ، وهي اللغة القبطية، فمضيتُ معه إلى منزلِه، فأخرجَ مفتاحاً، وفتح البابَ، ودخلنا، فنظرتُ يميناً وشمالاً، فلم أجد شيئاً سوى حصيرةٍ، قد مضى عليها مدةٌ من الزمنِ، ووعاءً فيه ماء، وحبلاً مشدوداً في سقفِ البيتِ، وكتاباً موضوعاً على كرسي، وسراجاً فيه زيت، ومنديلاً فيه رغيف من الخبزِ اليابسِ لا غير. فقدَّم لي ماءً أولاً، فغسلتُ وجهي ورجليَّ، ثم بعد ذلك انتصب إلى الصلاةِ، فوقفتُ وصليتُ معه إلى حينِ أتم صلاتَه، وأنا معه، فأحضر ذلك الرغيف اليابس وقليلاً من الملحِ، وسألني أن آكلَ، فأخذتُ وأخذ معي، وأكلنا جميعاً. أما أنا، فلما وقع ذلك الطعامُ في فمي، وإذا طعمُه مثل شهدِ العسلِ، وأحلى منه، والملحُ أيضاً كان كأنه مثل ذلك، فتداخلني العَجَبُ، وأكلنا من رغيفِ الخبزِ هذا، نحن الرجلين، ولم يذهب منه شيءٌ، فقلت: «يا ليت شِعري، ما هذا الرجل»؟ وبعد أكلِ الطعام بدأ يسألني عن الكتبِ المقدسةِ، وما فيها من آلام المسيح، ويشرحُ تفسيرها، ورغم أني كاتبٌ جميعُ أيامي كلِّها، ومطَّلع في الكتبِ المقدسةِ، إلا أني لم أكن عارفاً بما أوضحه لي. فقلتُ: «هذا من اللهِ، هذا الرجل هو ملاكٌ، وإن الله سهَّل طريقي، إذ جمعَ بيني وبينه». وكنتُ أسمع منه، ولا أقدر أن أجيبه، لأجلِ ما فيه من الروحِ الناطقةِ. ولما كان الصباحُ، وهو لم ينم، أخذ آلتَه، وأراد الخروجَ إلى المكانِ الذي فيه الكرم الذي كان له، وأنا لا أعلمُ بذلك، وقال لي: «أنا أريدُ أن أخرجَ إلى عملي باكراً حتى أنصرفَ باكراً»؛ وإنما كان يشيرُ بذلك إلى الآخرةِ، وأنا لا أعلمُ. ودفع لي مفتاحَ منزلِه، وقال لي: «اخرج أنت واقضِ ما تريده من حوائجك، وعد إلى منزلي، فإنك تكون عندي إلى عشرةِ أيامٍ»، فأخذتُ المفتاحَ، وتوجَّه هو إلى عَمَلِهِ. أما أنا فقد مضيْتُ إلى البيعةِ والصلاةِ وتناول الأسرار، فوجدتُ فيها رهباناً قديسين كنتُ أعرفهم، فلما رأوني، فرحوا بي وقالوا لي: «يا مقارة، متى أتيتَ إلى هنا»؟ فقلتُ: «بالأمسِ». فقالوا: «أين أنت نازلٌ»؟ فقلت لهم عن صفةِ ذلك الرجلِ، فتعجبوا، ولم يعرفوه، فسألوا عنه الرجلَ الذي كان قيِّماً بالبيعةِ، وهو خبيرٌ بجميعِ سكانِ المدينةِ، فلم يعرفه، وكان ذلك عجيباً. ولما فرغتُ من الصلاةِ والقداس، عدتُ أريدُ المنزلَ، فلم أجده، وتعبتُ متحيراً، لا أدري كيف أذهبُ، فتفكرتُ وقلتُ: «لعل الذي رأيتُه كلَّه كان مناماً، أمضي وأجلس على الطريقِ في المكانِ الذي اجتمعتُ به فيه أولاً، لعلي أراه». وكنتُ قد وضعتُ في المنزلِ قبل خروجي منه بعضَ حوائجي، فخرجتُ إلى خارجِ المدينةِ، وجلستُ على الطريقِ في المكانِ الذي اجتمعتُ به فيه أولاً، فلم أجلس إلا قليلاً، وإذا بذلك الرجلِ قد أقبلَ عليَّ، على تلك الحالةِ الأولى، فتطلَّع وأبصرني، وقال لي: «لِمَ خرجتَ إلى ها هنا»؟ فأعلمتُه بجميعِ ما نالني في ذلك اليوم. فقال لي: «أسأتَ إليَّ اليومَ لَمَّا فعلتَ هذا، إني رجلٌ مُطَالبٌ بما قدمته يداي، وكنتُ لا أريدُ أن يعرفَ موضعي أحدٌ»، وهذا كان تعليماً حسناً. ثم إنه مشى، وأنا أتبعه، حتى دخلنا إلى المنزلِ، وفعل مثلَ المرةِ الأولى، وأقمتُ عنده ثلاثةَ أيامٍ، وذلك الرغيف لم يذهب منه شيءٌ، وقضيتُ بعضَ حوائجي في هذه المدةِ، وأردتُ الانصرافَ، فقال لي: «ألم أقل لك إنك ستقيم عندي عشرةَ أيامٍ»؟ وأخذ آلتَه، وأراد الخروجَ إلى كرمِهِ، فقلتُ له: «أنا أمضي معك اليومَ إلى كرمِك لأبصرَه، وأنظرَ عملَك». فقال لي: «قم وامشِ»، وأخذ بيدي، وخرج أمامي، وأنا أتبعه حتى خرجنا من بابِ المدينةِ. وإذا بثلاثةِ رجالٍ، لابسين لِباسه، ومعهم أداةً مثلَ أداتِه، وقالوا له: «قد أبطأتَ علينا، انهض»، فنهضَ وهو يقول لي: «يا مقارة، امشِ خلفَنا». فمشيتُ وأنا أريد أن أكلِّمهم، وهو وإياهم لا يلتفتون إليَّ، وهم مجدين في المسيرِ، وأنا لا أعلمُ أين يريدون إلى وقتِ صلاة الثالثةِ من النهارِ؛ وإذا نحن قد أشرفنا على عينٍ جاريةٍ ونهرِ ماءٍ لا يعرفُ أحدٌ آخِرَه، وحوله شجرٌ من النخيلِ والعنب والزيتون والتين والرمان؛ فصلوا، وأخذوا الأداةَ التي معهم، وجعلوا يكرمون في تلك الأشجار، ولا يأكلون من ثمارِها، وأنا كنتُ متفكراً. فدنوتُ إلى الرجلِ الذي كنتُ نازلاً عندَه، وقلتُ له: «هؤلاء القوم شركاؤك في هذه الروضةِ، لم يكلموني»، فقال لي: «هم يعرفونك، لكنهم يقولون إنك لا تريدُ أن تكونَ معهم مقيماً». فقلتُ: «إنهم يعملون أعمالاً لا أعرفها، وأنا مشغولٌ بما أنت عارفٌ، فإني أكتبُ كتبَ البيعةِ، وأريد بذلك عمارتها، فأجدد ما قدم منها». وأقمتُ ذلك النهارَ كلَّه معهم، وعند صلاة التاسعةِ أكلتُ من ثمرةِ ذلك الشجرِ، وكنتُ أُكثرُ من الأكلِ منه ولا أملُّ، وهي لا تُشبعني، فقلتُ لذلك الرجلِ: «إن ثمرات هذا الشجرِ لا تُشبع الجائعَ». فقال كلاماً، وهو تعليمٌ روحاني: «إنّ اهتمامَك هو بطعامِ العالمِ، وتركتَ الاهتمامَ بالعملِ الصالحِ، والطعام الروحاني»؛ وللوقتِ علمتُ أن القومَ صالحون، فدنوتُ إليهم أريدُ أن أتباركَ منهم، وطلبتُهم فلم أجدهم. وبقيتُ في الروضةِ وحدي، أطوفُ فيها يميناً وشمالاً، ولا أدري أين أذهبُ، وأقمتُ على هذه الحال عاماً كاملاً، آكُلُ من ثمرِ الشجرِ، ولا أدري من يجاوبني، ولا القوم الذين رأيتُهم، وقلتُ: «لقد فعل الله معي، مثل قديسيه، وأسكنني هذا الجنان، وهو الذي بعثَ لي هؤلاء القوم الذين رأيتُهم». وبينما أنا في آخرِ العامِ، وإذا بي أرى ركاباً يريدون المسيرِ إلى حاجتهم، فتقدمتُ إليهم، وقلتُ لهم: «إلى أين تقصدون»؟ فقالوا: «مدينةَ الإسكندريةِ». فقلتُ لهم: «هل لكم أن تأخذوني معكم؟ فإني ها هنا في هذه البريةِ لا أعلمُ أين أذهبُ»، حدث هذا لما داخلني الفكرُ بحبِ العالمِ بينهم، فظهر لي الشيطانُ وجنودُه في هذه الهيئةِ، ليخرجوني من الموضعِ الرحبِ إلى الضيقِ والتعبِ. وحملوني وأنا لا أعلمُ أنهم الشياطين؛ وفي أسرعِ وقتِ مضيتُ إلى مدينةِ الإسكندرية، وكان رجلٌ من الركابِ يقول: «قد ربحنا هذا، وأخرجناه من النعيمِ إلى التعبِ». وفيما أنا متفكرٌ في كلامهِ، إذا بالرجلِ الذي كنتُ نازلاً في منزلهِ، وكنتُ قد جعتُ، فمشى أمامي وأنا أتبعه إلى منزلِه، فأحضر لي ذلك الرغيفَ بعينِه، وأكلتُ، وأكل معي كالعادةِ، وقال: «يا مقارة، أين كنتَ في هذه المدة»؟ فقلتُ له: «إني في الروضةِ، ومنذ فارقتُك انتظرتُك عساك تعودَ إليَّ، فلم أنظرك إلا في هذه الساعةِ»؛ ثم أقبل عليَّ، وقال لي: «يا مقارة، اخترتُ لك مكاناً تكون فيه، ولكنك لم ترغب فيه؛ لكن الشيطانَ العدو، هو الذي أخرجك منه ولم تعلم». فقلتُ له: «يا أبي، مَن هؤلاء القوم الذين كانوا معك»؟ فأخبرني بأنهم قديسون عظام، يسكنون هذه المدينةَ، ومنازلهم مثل منزلي هذا، ونحن كلّ يومٍ نمضي مع بعضنا سراً إلى هذه الروضةِ، نصلي فيها، ونُصلح أشجارها، ونعودُ إلى منازلنا، وأهلُ هذه البلادِ لا يشعرون بنا، فلو صبرتَ قليلاً، لكنتَ لنا رفيقاً. هل تعرف هذه البريةَ والروضةَ؟ فقلت: «لا». فقال لي إنها من الجنانِ التي وعدَ الله بها أتقياءه وأصفياءه، ولا يعرف أحدٌ من الناسِ بُعدَ المسافةِ بين العالم الكوني وبينها. وللوقتِ صرتُ نادماً، وكلح وجهي، وأطرقتُ وجهي إلى الأرضِ، ولم أستطع رفعَ رأسي، ثم رفعتُ صوتي وبكيتُ نادماً، فقال لي: «قم ارجع إلى مكانِك، فإنّ اللهَ جعلَك لتمجيدِ اسمه فيما تكتبه، وستصير راعياً، وأخبرني بأشياءٍ كثيرةٍ، وأقمتُ عنده بقيةِ العشرةِ أيامٍ التي ذكرها، ولم تكن المدة التي كانت، وكنتُ فيها في الروضةِ، إلا مثل منامٍ رأيته، وإني سألتُه في عدةِ مسائل وأبوابٍ، فأخبرني بها، وقد كتبتُها في كتابٍ آخر. ولما أردتُ المسيرَ، أخرج لي ذلك الرغيف، وأعطاه لي، وقال لي: «استعمل منه وقتَ حاجتك، فإنه يُغنيك عن كثيرٍ من الطعامِ، واحذر أن تُعلِمَ أحداً بما رأيتَ، وسطِّره في كتابٍ، ولا يقرأه أحدٌ إلا بعد وفاتِك، وإني أُعلمك أنك ستكونَ رئيساً، وتدوم رئاستُك اثنتين وعشرين سنةً، وتكتب كتباً كثيرةً، فيها عجائب وبراهين، وهي تكون بعدك ذِكراً لك». ولما خرج يريدُ أن يودعني عند مسيري، قال لي: «يا ولدي أوصيك إذا انتقلتْ إليك الرياسةُ، فلا تَكبُر نفسُك على أخيك، بل كن متواضعاً، رحوماً جداً، عفيفاً، وطوباك لأنك تقدس قرابين كثيرة، وتصبغ شعباً كبيراً بالمعموديةِ. وفي العام التالي، تأتي إلى هذا المنزلِ، وتطلبني، ويهديك الله إليه». ثم إني انطلقتُ، وفي تلك الساعةِ وصلتُ إلى مسكني بدير برموس، ولم يمضِ إلا خمسةٌ وعشرون يوماً، وإذا بالأب البطريرك البابا ديمتريوس يدخل إلى الدير، ويأخذني ويرسمني أسقفاً على كرسي نقيوس، وسلم إليَّ رعايةَ شعبٍ كثيرٍ، كما ذكر لي الأب القديس؛ ولما كان في العام الثاني، أتيتُ إلى مدينة الإسكندرية، واجتمعتُ بذلك الأب القديس، فوجدتُه على حالِه، وعندما رآني، قبلني وقبلته، ونزلتُ بمنزلِه، ووجدتُ عنده القومَ رفقاءَه، فسلموا عليَّ، وسلمتُ عليهم، وقالوا: «يا مقارة، اليوم تحصنتَ من الشيطانِ، احفظ هذه، فهي حصنٌ عظيمٌ»، وتباركتُ منهم، وودعوني، فلما أرادوا المسير، سألتهم هل لي وصولٌ إلى تلك الروضةِ؟ فقالوا: «لا، فهو ذا أنت ترعى شعباً كثيراً، إياك أن تحيفَ في الحكمِ أو تحابي». وأما أنا، فإن ذلك الرغيفَ الذي أعطاني إياه القديس، فقد كنتُ آكل منه في اليومِ ما يغنيني عن ثلاثةِ أيامٍ، وسألتُ القديس عنه، فلم يخبرني ما هو. وأنا مقارة، كتبتُ هذا جميعَه، وكنتُ قد سألتُ الله أن يحلَّ هؤلاء القوم في منزلي ويصلُّوا في بيعتي بنقيوس، فرأيتُ أحدَهما قائماً أمامي، وقال لي: «يا مقارة، إنك لن ترانا إلى اليوم الذي تمضي فيه إلى ربك، فنكون حاضرين الصلاةَ عليكَ». فنسأل الله أن يجعلنا من العاملين بطاعتِه، ويكفينا شرّ الشياطين، آمين. Ð Ñ w Ð Ñ كان شابٌ اسمه مقارة، اتفق له وهو يرعى ويلعب مع صديقٍ له، فقتله بغيرِ تعمدٍ، ولم يعلم به أحدٌ. فمضى لوقته إلى البريةِ وترهب، وأقام ثلاث سنين في البردِ والحرِ، في أرضٍ ليس فيها ماءٌ. وبعد ذلك بنى كنيسةً داخل البريةِ، وأقام فيها خمساً وعشرين سنةً، واستحق نعمةً من الله، حتى إنه قويَ على الشياطين، وفرح في نسك الرهبنةِ. وأقمتُ بالقربِ منه زماناً، ولما صار لي عليه دلالٌ، فتشتُهُ عن فكرِهِ بسبب خطيةِ القتلِ، فقال: «أقمتُ أياماً كثيرةً متعباً، لأجلِ هذا الفكر، وهو يلازمني ليلاً ونهاراً، ويقلقني جداً، وآخر الأمرِ أراحني الربُّ من حزنِ القلبِ بسببه، حتى لقد شكرتُ القتلَ الذي فعلتُه بغيرِ اختياري، لكونه كان سبباً لخلاصي، وبنعمةِ الربِ صرتُ، إذا تعرضتْ إليَّ الشياطينُ، بفكرِ تعظيم القلبِ، ويقولون لي: قد صرتَ رجلاً عظيماً أكثرَ من الرهبانِ كلِّهم، فأجيبهم قائلاً: «والقتل الذي فعلتُه، ما أشد عذابي في الجحيم بسببه». فيمضون عني. ومرةً أخرى يقولون لي: «أيها القاتل، لماذا تقعد في هذه البريةِ، وليست لك توبةٌ، فتتعب في الباطلِ، امضِ إلى العالمِ واصنع إرادتك لئلا يفوتك الأمران»، فأقول لهم: «الربُّ الذي صنع الرحمةَ مع عبدِه موسى، يرحمني أنا أيضاً»، وكنتُ أعزي نفسي وحدي بأن موسى لم يستحق أن يرى الله، إلا بعد أن هرب من مصر، ودخل البريةَ، لأجلِ الذي قتله بغيرِ اختياره. وما قلتُ هذا ليطيبَ قلبُ أحدٍ بالقتلِ، بل ليعرفوا أن أسباباً كثيرةً مختلفةً تجتذبُ الناسَ إلى الفردوس؛ فواحدٌ يهربُ لأجل الفقرِ والاستدانةِ، وآخر يهربُ من جورِ المتسلطين، وآخر بسببِ زنى زوجته، وآخر من شرِّ أسياده، وبالجملةِ فإن قوماً يهربون من الخوفِ الدنيوي، وقوماً يحبون الله، ويؤثرون خلاصهم، فيصيرون رهباناً بإرادتهم. قال دورثاوس: «إن الأوجاعَ هي غيرُ الخطايا، فالخطايا هي عملُ الأوجاعِ بالفعلِ، والأوجاعُ هي أسباب الخطايا، فقد يوجد إنسانٌ فيه الأوجاع كالغضبِ الضار، وشهوةِ الشرِّ، ولا يستعملها. والقديسون ما اكتفوا بأن لا يفعلوا الشرورَ فقط، بل واجتهدوا في أن يقلعوا من نفوسِهم الأوجاعَ التي هي أصولُها، ولما صَعُبَ عليهم ذلك وهم بين العلمانيين، تغرَّبوا في البريةِ، ولازموا الصوم والصلاةَ والسهرَ، فقاموا بما قُرر عليهم من الوصايا، من عفةٍ، ومسكنةٍ، ونافلةٍ، وغربةٍ، لتكميل وصايا الربِّ. وزيادة العفةِ، وهي عدم الجماع البتة. والمسكنةِ، وهي عدم القنيةِ بالكمالِ. والنافلة، وهي ما زاد على الفريضةِ، وهي الرهبنة. وفرزوا للرهبنة شكلاً (أي زِيًّا) فيه رموزٌ على غرضها. أما القلونية التي ليس لها كُم، فإذا أردنا أن نعملَ بأيدينا شراً، إما بالسرقةِ، أو الضربِ، أو غيرهِ، فإن ذلك يُقصِّر أيدينا كتقصيرِ كُمِّنا. وأما الاشتداد بالمنطقةِ، فللتشمر والاجتهاد في خدمةِ اللهِ، وكونها من جلدٍ ميت، لنميتَ أوجاعَنا. وأما الأباليون بشبهِ الصليب، فإشارة إلى حملِ الصليبِ واتِّباع سيدنا. وأما القوفلية، فهو شبه الخنق، وهو لباس الأطفال، والأطفال لا مكر عندهم، ولا حقد ولا نجس، ولا إقامة هوى، وذلك هو أكبر أغراض الرهبنةِ». قال شيخٌ: «الرهبنة هي غربةٌ، وفقرٌ، وصبرٌ على البلايا والظلمِ». وقال أيضاً: «إن لم تبغض الإثمَ، فلن تستطيعَ أن تحبَّ البرَّ، كما كُتب: حِدْ عن الشرِّ واصنع الخيرَ». كذلك قال: «النيةُ هي المطلوبةُ في كلِّ موضعٍ، لا الموضعَ، فإنَّ آدم كان جالساً في الفردوسِ، وأطاع مشورةَ الشيطانِ، وتبعَ هواه وعصى وصيةَ اللهِ، وأيوبَ كان جالساً على المزبلةِ، وقاوم الشيطانَ، وضبطَ هواه، وحفظ وصيةَ الإله». كما قال: «إنَّ المسيحيين الحقيقيين، هم أفضلُ الأممِ، والرهبان (الحقيقيين) أفضل المسيحيين». كان رئيسُ ديرٍ أباً لمائتي راهب، هذا زاره السيد المسيح بصورةِ شيخٍ مسكينٍ، فسأل البوابَ أن يقولَ للمعلمِ عنه، فدخل، فوجده يخاطب آخرين، فصبر، ثم عرَّفه، فقال له: «دعنا في هذا الوقتِ»، فتأخر البوابُ. وعند الساعةِ الخامسةِ زارهم رجلٌ مُوسِرٌ، فتلقاه رئيسُ الديرِ بسرعةٍ، فتقدم ربنا سائلاً قائلاً: «أريدُ يا معلم أن أكلمَك»، والرئيسُ دخل مع ذلك الغني مسرعاً ليصلحَ له طعاماً، بمعنى أنه غريبٌ، وبعد الأكلِ شيَّعه إلى البابِ، ونسي المسكين إلى المساءِ، ولم يَقبل الغريبَ المسكين. ثم انصرف الربُّ، بعد أن راسله على لسانِ البوابِ قائلاً: «قل للمعلمِ إن كنتَ ترى كرامةً وتشريفاً، فذلك لأجلِ سالفِ تعبك، إني مرسلٌ لك أقواماً يزورونك من أربعِ جهات الدنيا، وأما خيرات ملكوتي، فلا تذوقها». فعرف حينئذ أن الشيخَ المسكين، هو الربُّ، وتندم وتألم. اتفق اثنا عشر من القديسين الحكماء، واجتمعوا على رأيٍ واحدٍ، ورغب بعضُهم إلى بعضٍ في أن يَذكُرَ لهم طريقةَ نسكِهِ، لينتفعوا: فقال الأول:« أنا منذ بدأتُ بالانفرادِ، صلبتُ ذاتي عما هو خارج عني، وجعلتُ فيما بين نفسي وبين الأشياءِ الجسمانيةِ سوراً، وصرتُ في بيتي، كمن هو داخل السورِ، فلا ينظر إلى ما هو خارج عنه، فكنتُ أتأمل ذاتي فقط، منتظراً الرجاءَ كلَّ وقتٍ من اللهِ، وصوَّرتُ الأفكارَ الخبيثةَ بصورةِ العقاربِ والحيات، فمتى أحسستُ بها متحركةً فيَّ، طردتُها وأبعدتُها بالغيظِ والتهويل، وما كففتُ في وقتٍ من الأوقاتِ من الغضبِ على نفسي وجسمي، لكي لا يعملا عملاً شريراً». وقال الثاني: «أنا منذ زهدتُ في العالمِ، قلتُ في نفسي، اليومَ وُلدتَ، فاترك ما مضى وابتدئ بالعبادةِ لله. وأنزلتُ نفسي منزلةَ الغريبِ في المكانِ الذي من شأنهِ أن ينصرفَ غداً». وقال الثالث: «أنا من باكرِ النهارِ أطرحُ ذاتي على وجهي أمامَ ربي، وأقرُّ بجرائمي، ثم أتضرعُ للملائكةِ أن يسألوا الله العفوَ عني، وعن الناسِ جميعاً، ثم أطوفُ أماكنَ العذابِ بعقلي، وأبكي وأنوح إذ أرى أعضائي مع الذين يُعاقبون ويبكون». وقال الرابعُ: «أنا أتصور نفسي جالساً في جبلِ الزيتون مع ربنا وملائكتهِ، وأقولُ لنفسي، منذ الآن لا تعرف أحداً بالجسدِ، بل كن مع هؤلاءِ دائماً، بمنزلةِ مريم الجالسةِ عند قدمي السيدِ، لتسمعَ أقواله سماعاً مطيعاً، كقولِ ربنا: كونوا أطهاراً لأني طاهرٌ، كونوا كاملين مثل أبيكم الذي في السماءِ، فإنه كاملٌ، تعلَّموا مني فإني وديعٌ ومتواضعٌ بقلبي». وقال الخامس: «وأنا أتصورُ الملائكةَ صاعدين ونازلين، في استدعاءِ النفوسِ، وأتوقعُ وفاتي كلَّ يومٍ، وأقول: مستعدٌ قلبي يا إلهي». وقال السادس: «أنا أستشعرُ كلَّ يومٍ أنني أسمعُ من ربنا هذه الأقوال: اتعبوا من أجلي فأُنيّحَكم، إن كنتم أولادي فاستحوا مني كأبٍ محبٍ، وإن كنتم إخوتي فوقروني، إن كنتم أحبائي فاحفظوا وصاياي، إن كنتم رعيتي فاتبعوني». وقال السابع: «أنا أذكِّرُ نفسي بهذه: وهي الإيمان والرجاء والمحبة، حتى أنجح بالإيمانِ، وأفرح بالرجاء، وأكمل المحبة لله والعبادة». وقال الثامن: «أنا أرى المُحال طائراً طالباً واحداً يبتلعه، وأرفعُ نظري العقلي إلى إلهي واستنجدُ به عليه في أن لا يدعه يتقوى على أحدٍ، وخاصةً على الخائفين منهم». وقال التاسع: «إني أرى كلَّ يومٍ كنيسةَ القواتِ المعقولةِ، وأعاينُ ربَّ المجدِ، في وسطِها، لامعاً جداً، وأسمعُ نغماتهم في تسابيحهم التي يرفعونها إلى الله، بمنزلةِ من قد فَهِمَ ما هو مكتوبٌ: إن السماواتِ تخبر بمجدِ الله، فأحسبُ كلَّ ما على الأرضِ رماداً وكُناسةً، ويزولُ عني الضجرُ والتعبُ والغم». وقال العاشرُ: «أنا أرى الملاكَ الذي معي قريباً مني، وصاعداً بأعمالي وأقوالي، فأحفظُ ذاتي، وأتذكرُ قولَ النبي: سبقتُ فرأيتُ الربَّ أمامي في كلِّ حينٍ، لأنه عن يميني لكي لا أتزعزع». وقال الحادي عشر: «أنا أضعُ وجهي على ضبطِ الهوى، والعفةِ، وطولِ الروحِ، والمحبةِ، وأقولُ لنفسي: لا ننم». وقال الثاني عشر: «أما أنتم فلكم أجنحةٌ من السماءِ، طالبين ما في العُلا، فقد انتقلتم بالنيةِ من الأرضِ، وتعريتم من هذا العالمِ، فأنتم أناسٌ سمائيون أو ملائكةٌ أرضيون. وأما أنا، فإذا قايستُ نفسي بكم، أكونُ غيرَ مستحقٍ الحياةَ، لأني أُعاينُ خطاياي أمامي في كلِّ حينٍ، وأينما توجهتُ تتقدمني، وقد حكمتُ على ذاتي أني في جملةِ الذين تحت الأرضِ قائلاً: سأكون معهم، إذا كنتُ مستوجباً أن أكونَ قريبهم، وأُبصرُ هناك الدودَ والحسراتِ والعبراتِ المتصلةَ المُرةَ، أقواماً تُقعقع أسنانُهم، ويقفزون بجملةِ جسمِهم مرتعشين، من رؤوسهم إلى أرجلهم، وأطرحُ ذاتي على الأرضِ، وأنثرُ الرمادَ عليَّ، متضرعاً إلى اللهِ، في أن لا أباشرَ تلك العقوباتِ، وأنظر أيضاً بحرَ نارٍ يغلي، ويعجّ، يتوهم من يُبصرُه، أن أمواجَه تبلغُ إلى السماءِ، وملائكةٌ متنمرين يطرحون أناساً لا يُحصَون في ذلك البحرِ المريع، وكلهم يعجُّون بولولةٍ عظيمةٍ، ويحترقون كالقشةِ، وقد ارتدَّتْ عنهم رأفاتُ اللهِ، لأجلِ آثامهم، وأنتحبُ على جنسِ البشرِ، وأتعجب كيف يجسُرُ أحدٌ أن يتكلمَ كلمةً أو ينظرَ نظرةً بمخالفةٍ، وقد أُعدتْ هذه العقوبات، لكلِّ من لا يؤمن بالإلهِ ويطيع وصاياه، وبهذا أضبطُ النوحَ في نفسي، والدموعَ في عيني، وأحكمُ على ذاتي بأني لستُ أهلاً للسماءِ، ولا للأرضِ، متشبهاً بالنبي القائل: صارت دموعي لي خبزاً نهاراً وليلاً». فهذه أقوالُ وسيرةُ الآباءِ المغبوطين، فطوبى لمن اهتدى بأقوالهِم، واقتدى بأفعالهِم، ومِن ربنا نسألُ العفوَ والعونَ، وله نقدمُ التسبيحَ والشكرَ، ولأبيه الصالح، وروحِ قدسِه، الآن ودائماً، آمين. كان شيخٌ قديس، إذا قام بخدمةِ القداسِ، يرى ملاكين واقفين، واحداً عن يمينِه، والآخرَ عن اليسارِ، هذا كان قد أخذ نسخةَ القداسِ، من واحدٍ من ذوي البدع في الإيمانِ، وإذ كان ساذجاً، لا يعرفُ تحريرَ الآراءِ الإلهيةِ في تقديسهِ بسذاجةٍ، فقد كان يقولُ كما في النسخةِ، ولا يعلم أنه يغلط. وبتدبيرٍ من اللهِ، زاره شماسٌ، راهبٌ، عالمٌ، فلما خدم الشيخُ القداسَ بحضرتِه، قال له: «هذا ليس قولَ أصحابِ الأمانةِ الصحيحةِ»، وإذ كان الشيخُ يبصرُ الملاكين في قداسِه، فإنه لم يلتفت إلى قولِ الشماس. أما الشماسُ، فإنه لبث يقول له: «غلطتَ يا أبي، والكنيسةُ الأرثوذكسية، لا تقبلُ هذا القولَ». ولما رآه الشيخُ لا يكفُّ عن توبيخهِ، التفتَ إلى الملاكين، وقال لهما: «ما معنى قول الشماس»؟ فقالا له: «اقبل منه، فقد قال لك الصوابَ». فقال لهما الشيخُ: «وأنتما، ما بالكما لم تقولا لي»، فقالا: «إنَّ اللهَ رسمَ هذا التدبيرَ، أن يُصلحَ الإنسانَ، إنسانٌ مثله». فانصلح رأيُ الشيخِ من ذلك اليوم، وشكر الله تعالى، والشماسَ. قال القديس يوحنا ذهبي الفم: «إذا ما أخطأنا، فإن الله قد يُنهض علينا أعداءَنا ليؤدبونا، وعلى هذا فلا ينبغي أن نحاربهم، بل يجبُ أن نحاسبَ نفوسَنا ونثقفها، ولكونه أطلقهم علينا لأجلِ خطايانا، فمتى حاربناهم، نصرَهم علينا، ولهذا أمرنا أن لا نكافئَ أعداءنا، فلنقبل الامتحانات، كقبولِ الأدويةِ من الحكيمِ لنخلصَ، وكقبول التأديب من الأب لنتشرف، فلهذا قال الحكيمُ ابن سيراخ: أيها الولدُ، إن تقدمتَ لخدمةِ ربك، فهيئ نفسَك للتجاربِ». قال القديس باسيليوس: «إن النصارى قد مُنعوا من محبةِ المجدِ الباطلِ، ومن إرضاءِ الناسِ، ومن المباهاة، أما العلمانيون فإنهم يَخزون من المسكنةِ، ويهيئون أنواعَ المأكولات للضيفِ، وأما نحن، فلا نرذل المسكنةَ التي طوَّبها الربُّ. وكما لا يليق بنا إعداد الآلات الكريمة الثمينة في الضيافات، وإحضار البُسط فيها، كذلك لا يحسن بنا الاحتفال بالمأكولات اللذيذة الثمينة، الخارجة عن مأكولاتنا. فإن قَصَدَك أيها الأخُ غريبٌ، فإن كان حالُه كحالِك، قدم له الخبزَ، فإنه يعرفُ فائدته ويجد عندك ما تركه في قلايته، فإن كان قد أتعبه، فقدم له ما يزيل تعبَه. وإن قَصَدَك علمانيٌ، فإنه يأخذُ من عندِك رسماً للقناعةِ في المأكولاتِ، وتذكاراً لموائد النصارى، ونموذجاً للمسكنةِ المسيحيةِ. إذا كنا نُغيِّر ملابسنا لمن يتلقانا، فلا نُغيِّر أيضاً موائدنا للذي يطرقُ بابَنا. والرسولُ يقول: إن أكلتم وشربتم، أو مهما عملتم، فاعملوه لتمجيدِ اللهِ. وما يُعمل للمباهاةِ، ليس هو لتمجيدِ اللهِ. ويعقوبُ اكتفى في مطلوبهِ من اللهِ، بخبزٍ يأكله، وثوبٍ يلبسه. والرسول قال: يكفينا القوتُ والكسوةُ. وسليمان سأل اللهَ قائلاً: رتِّب لي الكفافَ، الذي يقومُ بالأَودِ. والكفافُ هو عدم الفضلةِ، وعدم الحاجةِ الضرورية معاً، والغذاء الضروري هو اليسير الثمن، والسهل الموجود، فبهذا يجبُ الاهتمام، وتقديمه لكلِّ محتاجٍ إليه. ولما كان قوتُنا إنما نحصلُ عليه من شغلِ أيدينا، يوماً بيومٍ، فلا نصرفه في تنعيمِ غير المحتاجين، لئلا نضيِّق على نفوسِنا، ونُسببُ لهم المضرةَ الحادثةَ من التبذيرِ حيث يجب التقشف». وقال أيضاً: «لما شاهدتُ قوماً أماتوا أجسادَهم بالنسكِ، مدحتُهم، لأني رأيتُ ضبطَ الهوى قاهراً للشياطين، إذا كان مبنياً على ناموسِ الربِّ. ولما رأيتُهم بعد ذلك كذابين حلافين، سألتُهم قائلاً: إذا كنتم عاملين بوصايا الناسِ، فاهتموا أولاً بوصايا الربِّ، وتجنبوا الكذبَ، واليمينَ الحقَ، وباقي ما نهى عنه، وتوعَّد بالعقابِ عليه. فلمَّا لم يقبلوا مشورتي، بان لي أن الذي يعملونه، إنما هو من أجلِ تمجيدِ الناس، لأن ضبطَ الهوى، يحتاجُ إلى تعبٍ كثيرٍ، أما تركُ الكذبِ واليمين، فلا يحتاج إلا إلى تأملٍ فقط». كان شيخٌ ببريةِ الإسقيط اسمه يوساب، وكان شيخاً كبيراً، متقدماً في الأيامِ، هذا قد فرغ (أي ضمر) جسمُه وبقى يُظَنُ أنه خيالٌ، من كثرةِ الصومِ، والصلاةِ، والسهرِ، والتعبِ، والصبرِ على حرِّ الصيفِ وبردِ الشتاءِ، وكان طعامُهُ من عقاقير البريةِ، ولِباسُه الليفَ الخشن، وكان لا يفتر من التسابيح والقداديس، وتناهى في العبادةِ حتى بقى يركبُ على السحابِ، ويغتذي من طعامٍ يأتيه من السماءِ، في أوقاتٍ معلومةٍ، وحصل له من العبادةِ الربانيةِ قوةٌ تمنع عنه البردَ والحرَّ، وكان يزداد في فضائلِهِ، مزدرياً بنفسِه متيقناً بأنه غيرُ مستحقٍ لِما صار إليه. ومع هذا، اشتهى من اللهِ فكراً طلع على قلبهِ، وهو أن يريه إنساناً يماثله في نعيمِ الآخرةِ، وطلب من اللهِ بخشوعٍ وتضرعٍ كثيرٍ، فجاء إليه صوتٌ يقول له: «يا يوساب، يا يوساب، الملكُ الذي في إنطاكية». واستجاب الربُّ طلبتَه واختطفته سحابةٌ، وأنزلته خارج مدينة إنطاكية، وأخذ جريدته بيدهِ، وقصد باب المدينةِ، فلما انتهى إلى البابِ وجد الملكَ قد ركبَ في ذلك اليوم، وهو خارجٌ من المدينةِ، وحوله عسكرٌ كبيرٌ بالتبجيل العظيم، فبعضهم يمشي في ركابهِ، وبعضهم على خيلهم. فاستند الراهبُ إلى باب المدينةِ حتى يشاهدَ الملك وجهاً لوجه، وإذا الملكُ قد أقبلَ راكباً، وفرسُه مثقلٌ بالحلي والمجوهرات التي عليه، وكان شعاعُ الجواهر المختلفة الألوان التي في التاج الذي على رأس الملكِ يضيءُ. فحينئذ ندم الشيخُ وحزن لما أبصر هذه العظمةَ التي للملكِ، وقال: «من يكون هذا الملك العظيم، كيف يكون له إرثٌ في ملكوتِ السمواتِ»؟ وصار حزيناً باكياً، ووقع الازدحامُ في البابِ وصار الشيخُ من الازدحام في بلبلةٍ وتعبٍ عظيم، ولما وصل الملكُ إلى البابِ خفَّ الازدحامُ. حينئذ التفت الملكُ إلى الشيخِ وقال له: «يا أنبا يوساب، لقد اشتهيتَ لنفسِك تعباً ما كان إليه حاجةٌ»، وأمر بأن يمضي به إلى القصر، حتى يعود. فلما سمع الشيخُ قول الملكِ فرح جداً، وقال: «لولا أن اللهَ ساكنٌ في ذلك الإنسانِ، لما عرفني، ولا عرف قصدي». فلما وصل الشيخُ إلى الدارِ، جلس في الدهليزِ، حتى نزل الملكُ من الركوبةِ، فأخذ بيدِ الشيخِ ودخل إلى مجلسٍ عظيمٍ، وقد هيئ فيه طعامٌ للعسكرِ، فجلس في ناحيةٍ من العسكرِ، ودخل العسكرُ جميعُهم، فلما أكلوا وشبعوا من ذلك الطعامِ، انصرفوا. حينئذ قام الملكُ والشيخُ، ودخلا إلى ذلك القصر، وإذا بالملكةِ زوجة الملكِ، تلتقي بهما وعليها من الحلي والجواهر، ما يفوق الوصف، وحولها من الجواري جمعٌ كبيرٌ، يفوق الوصف في حسن الصورةِ وجمال اللِباس، والحلي. فلم يزالوا في خدمةِ الملكِ حتى جلس على سريرهِ، وحينئذ انعزلت الملكةُ وجواريها عنهما، وبعد ساعةٍ عادت إليهما، وهي لابسةٌ مِسحَ شعرٍ، وعند ذلك انعزل الملكُ أيضاً، ولبس مسح شعرٍ وعاد، ثم نهضا، وخرجا من ذلك الموضعِ، والسائح معهما، وأتوا إلى مكانٍ في القصرِ، فيه راهبٌ جالسٌ، يعمل في شغلِهِ. فلما رآهم الراهبُ، وقف وقبَّل السائحَ، وسلما بعضُهما على بعضٍ، وصلوا جميعهم، وقالوا البركةَ، وجلسوا، وإذا خادمٌ صغيرٌ قد جاء إلى الملك والملكةِ بشغلِ أيديهما، فتناول كلُّ واحدٍ فواحدٍ صنعتَه، ليعملَ فيها. فقال الراهبُ للسائحِ، من حيث لا يعرفه: «يا يوساب، إن الربَّ أراد بك خيراً عظيماً، لأنه أوقفك على سيرةِ الملكِ والملكةِ»، وبدءوا يتحدثون بعظائمِ الله إلى وقتِ الساعةِ التاسعةِ، حيث أتى خادمٌ بمائدةٍ عليها خبزٌ وطعامٌ يوافق الرهبانَ، فصلوا، وأكلوا، ورُفعت المائدةُ. فلما عزم السائحُ على الانصرافِ، تباركوا منه، وقال له الراهبُ: «امضِ بسلامِ الربِّ، وعظ بهذه السيرةِ، فإنها عظيمةٌ جداً، لأنك قد نظرتَ عظمةَ الملكِ وزوجته، وها أنت ترى عيشتهما الآن، والتواضع الذي هما فيه، حتى إنهما لا يتناولان شيئاً من طعامِ المملكةِ البتة، إلا من شغلِ أيديهما، وفي هذا كفايةٌ»، ثم إن السائح ودَّعهم وركب على السحابةِ، وعاد إلى بريةِ الإسقيط، وهو متعجبٌ مما رأى من مجدِ الله، الذي له التسبيح والعظمة والإكرامُ إلى الأبدِ، آمين. أخبروا إنه كان في البريةِ بالديارات، راهبٌ كبيرُ السنِ، طالت أيامُه، وكان له تلميذان، وكان أحدُهما غافلاً عن نفسِه، عن الصلاةِ في أوقاتها، عاجزاً متوانياً فيما يُقرِّبه إلى الله سبحانه، وكان الشيخُ معلَّمُه يعاتبه كثيراً ويعظه، ويوصيه أن لا يتركَ الصلاةَ، قائلاً له: «يا ابني، ليس شيءٌ أضرَ بالراهبِ من تركِ الصلاةِ، وليس شيءٌ يحبه المجرِّب مثلَ تركِ الصلاةِ، فاحذر يا ابني أن تُقوِّي الشيطانَ على هلاكِك». بهذا الكلامِ ومثلِه، كان الشيخُ يعظه، ويؤدبه، وهو لا يسمع، ولا يرجع عن التواني، وأقام على ذلك مدةً. ثم إن الراهبَ تنيح، فأحبَّ الشيخُ أن يَعلمَ مصيرَ التلميذ، فقام وأغلق بابَ قلايته، وأتعبَ نفسَه بالصومِ والصلاةِ والسهرِ الدائم، ولما طال تعبُه، أحبَّ اللهُ أن يُظهرَه له، فطرح عليه سُباتاً، فنام، وبينما هو نائمٌ، رأى ملاكَ الربِّ أخذ بيدِه، يدور به ويريه مواطنَ الأبرارِ، ومساكنَ الصديقين، وهو متعجبٌ من الراحةِ التي هم فيها، وكان الملاكُ يقول له: «هؤلاء هم الذين أرضوا المسيحَ»، كما أراه الملاكُ مواضعَ أصنافِ العذاب، وأهوالاً عظيمةً، ففزع مما رأى، فقال له الملاكُ: «لا تخف، حتى تعلمَ ما أتعبتَ نفسَك بسببهِ»، فقويَ قلبُه، وبقيَ متفرساً. وبينما هو كذلك، إذ رأى بركةً عظيمةً شبه الموضع الواسع، وفيها نيرانٌ متقدة، ولهيبُها يصعدُ، وإذا بجماعةٍ، قيام فيها، بعضُهم في النارِ إلى عنقِهِ، وبعضُهم إلى صدرِهِ، وبعضُهم إلى بطنهِ، وبعضُهم إلى ركبتيه، فلما رآهم، جعل يتفرس فيهم، وبينما هو كذلك، إذا به يرى تلميذَه المتواني قائماً في وسطِ النارِ، إلى سُرَّتِه، فقال له: «أليس هذا ما كنتُ أخشى عليك منه؟ وقد كنتُ أحذَّرك يا ابني»، وصار الشيخُ يبكي عليه، فقال له تلميذُه: «من شأنِ الله يا أبي، ارفع عني القربانَ، واطلب من اللهِ بسببي. يا أبي، إنَّ تحت رجليَّ أقواماً آخرين، وأنا واقفٌ على رؤوسِهم». وبينما الشيخُ كذلك، انتبه من نومِه وهو مرعوبٌ، فصنع الشيخُ عن تلميذِه قرابينَ كثيرةً، وسأل الربَّ أن يريه حال التلميذِ، فخُطف عقلُه في نصفِ النهارِ بسهوٍ، فرأى تلك البركةَ المنتنةَ، ورأى تلميذَه وقد تركته النيران، وبقيت فقط على أمشاطِ رجليه، وهو يصرخُ، فناداه الشيخُ قائلاً،: «يا ابني، ويا نور عينّيَّ، ها قد صنعتُ عنك القربانَ، فكيف حالُك الآن؟» فقال له: «يا أبي، قد زالت النارُ عني، ووجدتُ راحةً ما خلا رجليَّ، فلا زالتا في الأتونِ، فتصدَّق عليَّ بقربانٍ آخر». فلما انتبه الشيخُ، صنع عنه القربانَ، وأَكثَرَ الطلبَ بسببهِ، وسأل أن ينظرَه دفعةً أخرى، فرأى في الرؤيا، وقد زالت النارُ عنه، فسأله قائلاً: «يا ولدي، كيف حالُك اليوم؟»، فقال: «يا أبي، قد زالت عني النارُ، ولستُ أريد شيئاً سوى أن أنظرَ لأني أعمى». وعندئذ انتبه الشيخُ من نومِه، وسبَّح الله قائلاً: «يا رب، ما أكثر تحننك على جنسِ البشرِ»، وهمَّ الشيخُ أن يطلبَ من الربِّ بسببِ التلميذِ كي ينظرَ، ولكن في أثناءِ ذلك، تنيح الشيخُ بشيخوخةٍ حسنةٍ مُرضيةٍ. قيل إن إنساناً تاجراً، خبيراً بالفصوصٍ والخرز، عارفاً بجوهر اللؤلؤ؛ هذا ركب في سفينةٍ مع غلمانِه، وكانت معه جواهر جزيلة الثمن، وأشياء أخرى ثمينة، وكان في السفينةِ عدة نواتية. وكان بين النواتيةِ صبي، حسنٌ، هادئُ الحركةِ، هذا شكا لذلك التاجرِ بأنه يبغضُ صناعةَ البحرِ، كما يبغض معاشرةَ رفقته، لما هم عليه من العوائدِ الذميمةِ. ثم إن التاجرَ قال له: « لا يضيق عليك الأمرُ، فإذا سَهُلَتْ طرقُنا بمعونةِ الربِّ، وصعدتُ من هذه السفينةِ، أخذتُك معي، واعتنيتُ بمصالحك». فطاب قلبُ الصبي بالكلامِ. وحدث في بعضِ الأيامِ، أن تشاورَ النواتيةُ فيما بينهم على أن يقذفوا بالتاجرِ وبغلمانِهِ إلى البحرِ، ومن أجلِ ما معه من المالِ، فلما أعلموا ذلك الصبيَ الذي كان صديقاً لذلك التاجرِ، أسرع وأخبرَه بما تشاورا عليه، فقال له التاجرُ: «هل أنت متحققٌ من ذلك»؟ قال له: «نعم». حينئذ قام الجواهري بسرعةٍ واستدعى غلمانَه، وقال لهم: «كلُّ ما آمركم به، افعلوه بسرعةٍ، لأنه إن تهاونتم، فسوف أموتُ أنا، وسوف تموتون أنتم أيضاً». ثم بَسط إزاراً في وسطِ المركبِ، وقال لهم: «هاتوا ربوات الجواهر كلِّها»، فقدموها إليه، ففتحها وأفرغها قدام كلِّ من في المركبِ، وبدأ يقول: «هذا عدوي، وأنا أشفقُ عليه، هذا قاتلي، وأنا أحبُه، هذا مبعدي من الحياتين، فما انتفاعي به؟ احملوا معي»، فحملوا معه، وبسرعةٍ طرح جميعَ الجواهرِ في البحرِ، فلما رأى الملاحون ذلك تحيروا في أمرهم، وانحلت مشورتهم، ثم أصبح يتصدق منهم الخبزَ، فالملاحون لما أبصروه على تلك الحالِ، رحموه، وبدأ هو يقول: «أشكرك يا ربُّ، لأنك أنهضتني لخلاصِ نفسي وجسدي، اليوم زالت عني قساوةُ القلبِ، وربحتُ تلك النفوسَ الهالكة، أولئك الذين بعمى قلوبهم تشاوروا، وبسببي طلبوا أن يسكنوا الجحيمَ المخلدَ». قال شيخٌ: «حدث أني كنتُ دفعةً سائراً في الصعيدِ مع رجلٍ إسماعيلي، وأمسى علينا الوقتُ، ولم نستطع أن نصلَ إلى مسكنٍ لنلتجئَ فيه إلى باكرٍ، وفيما نحن محتارون، خائفون من الوحوشِ، صادفتنا بربا عتيقةٌ، فدخلناها لنستريحَ إلى باكرٍ. وإني وقفتُ ورشمتُ علامةَ الصليبِ المقدسةِ من ناحيتي هذه، وهذه، ثم رشمتها أيضاً تحتي وفوق رأسي، ورقدتُ. وفي نصفِ الليلِ، إذا بنا نسمعُ صهيلَ خيلٍ، وصياحاً، وخيالاً عظيماً، وقلقاً من الجنونِ، ورأيتُ واحداً أجلسوه على كرسي مثل والٍ، وأمر القيامَ بين يديه، وهم كالرقاصين، أن يدخلوا البربا حيث كنا راقدين، وأخرجوا الراقدَ معي، وضربوه حتى شارف الموتَ، وكانوا يقولون له: «أين هو الراقدُ معك»؟ فيقول لهم: «إنه في الموضع الذي كنتُ راقداً فيه». أما أنا فصرتُ كالميتِ من الخوفِ الذي لحقني، وهم كلما اقتربوا مني ونظروا علامةَ الصليبِ، يهربون إلى خلفٍ، ويقعون على وجوههم. وكان الجالسُ على الكرسي يقول لهم: «ما بالكم لا تحضرونه»؟ فكانوا يقولون له: «إذا نحن دنونا منه، ننظرُ علامةَ الصليبِ، فلا نقدر أن نقفَ، بل نهرب إلى خلف، ونسقط على الأرضِ». فيقول لهم: «اصعدوا إلى الهواءِ، وانزلوا عليه من فوق، وائتوني به». فكانوا لما يأتون إليَّ، ينظرون العلامةَ على رأسي، فيهربون إلى خلف. ومكثتُ هكذا في هذا الانزعاج العظيمِ، حتى أشرق النورُ، حيث ذهبوا خائبين، تاركين ذلك الرجلَ قريباً من الموتِ. وقد عجبتُ إذ لم يقدروا الدنو مني وقلتُ: «سبحان السيد المسيح صاحب العلامة». أما ذلك الرجل الذي ضربوه، فقد تعجب مني لما رآني، وقال: «لماذا لم يقدروا أن يضربوك، وقتلوني أنا (ضرباً)»؟، فأعلمتُه بعلامةِ الصليبِ المخلص الذي لسيدنا يسوع المسيح، فعندما سمع مني هذا، مضى وتعمَّد، وصار مسيحياً مختاراً، وأكمل عمرَه وهو لابسٌ السلاحَ، والمثال الذي لإلهنا يسوع المسيح». أخبر بعضُ الشيوخِ عن رجلٍ كان يعملُ فاعلاً في البساتين، ويتصدق بجميعِ أجرتهِ، خلا قُوتَه، هذا خطر له فكرٌ من العدوِ قائلاً له: «ها قد قضيتَ عمرَك جميعَه وأنت تتصدق بأجرتِك، فهل ضمنتَ لنفسِك عوارضَ الزمان؟ اجمع أجرتَك واحفظها تنفعك». فجمع ما استطاع جمعه من أجرتِهِ. وحدث بعد قليل، وهو في البستانِ يعملُ، أن ضربت شوكةٌ في رجلِهِ، وعمَّلت عليه، فأنفق جميعَ ما كان معه، ولم ينتفع بشيءٍ منه، وبعد ذلك ابتدأ يسألُ ويتصدقُ من الذين كان يتصدق عليهم، وأخيراً… أنتنت رجلُه جداً، فأشار عليه الأطباءُ بقطعِها، لئلا يَسْوَدَّ الجلدُ جميعُه ويُسَوِّس، وأوصوا بسرعةِ قطعها سَحَراً. وفي تلك الليلةِ، بينما كان يبكي ويتنهد، رجع إلى نفسِه وندم، لأنه أخطأ بجمعهِ الصدقةَ التي كان يتصدق بها، وكان يقول: «أخطأتُ يا ربُّ، اغفر لي من أجلِ محبتِك لجنسِ البشرِ». فظهر له ملاكُ الربِّ قائلاً له: «أين هي الفضةُ التي ادخرتَها، وتوكَّلتَ عليها، لتعينك في مرضِك، لقد راح ما جمعتَه باطلاً، والصدقةُ التي كنتَ تصرفها، قد رجعتَ وأخذتها»؟ فبدأ يبكي ويقول: «أخطأتُ إليك، اغفر لي، وإن رجعتُ معافى قوياً، عُدتُ إلى ما كنتُ عليه أولاً». ففي ساعتِها مسَّ الملاكُ رجلَه، وشُفيت للوقتِ، وقام من ساعتِه، ومضى إلى البستانِ الذي كان يعمل فيه. وباكراً حضر إليه الطبيبُ، ومعه المنشار ليقطعَ رجلَه، فقالوا له: «لقد مضى إلى البستانِ يعمل فيه»، فمضى إليه الطبيبُ، فوجده واقفاً يحفرُ في الأرضِ، وهو صحيحٌ، فتعجَّب وسبَّح الله، وحينئذ عرَّفه سببَ مرضِ رجلِه وعافيتها، فمجَّد الله، وانصرف عنه. قيل عن أنبا لونجينوس، إن أفكارَه قاتلته بالخروجِ إلى البريةِ الداخليةِ، لكي يستريحَ، فجاء صوتٌ سمعه سماعاً بليغاً وهو يقول: «قلايتك أعظم من خروجِ البريةِ، وهي صخرٌ أكثر من البريةِ». فنهض بسرعةٍ، وأخذ بيدِه عصا، وبدأ يمشي في القلاية ويقول: «من هذه الجهةِ الشرقيةِ، يمضي الناسُ إلى القدسِ. والقدسُ هذه، هي المدينةُ المقدسةُ وفيها صُلبَ الربُّ، وأيضاً قُتلَ فيها الأنبياءُ، وذُبح فيها زكريا بن برخيا بين الهيكلِ والمذبحِ، فما أعظم ما في هذا المشرقِ، الذي منه المجوسُ أقبلوا كذلك». وانتقل إلى غربِ قلايته، وهو يقول: «وأما هذا الغربُ، فهو الجبلُ المقدس، وهو المعروف بالإسقيط، وأسماه أنبا بلاماي جبل شيهات، الذي هو ميزان القلوب، فما أعظمه من جبلٍ، فالربُ وعد بالمغفرةِ لجميعِ من يسكنونه، ويموتون فيه، وبالراحةِ لهم يوم الدين. وأما الجهة القبلية، فما أعظمها، فقد كان يسكن فيها رأسُ الآباءِ البطاركة إبراهيم أبو الأممِ، وعلى رأس هذه الجهةِ القبليةِ، تكلم الله مع إبراهيم، واستضافه وملائكته، وفي هذه الجهةِ القبليةِ، صعد إبراهيم على رأسِها، وربط ولدهَ إسحق بيديه ورجليه، فقال له ولدُه إسحق: يا أبتاه، هوذا الرباط، وها هي النارُ والحطبُ والسكين، فأين هو الحمل، ألعلي أنا هو الضحية اليوم؟ فنادى الربُّ إبراهيم قائلاً: لا تمد يدَك إلى الغلامِ، قد قبلتُ ضحيتَك». ثم صار يمشي في القلايةِ إلى الجهةِ البحريةِ، وفكَّر قليلاً: «هذا شرحٌ يطولُ، هذه القلايةُ أعظم وأوسع من البرية». ولما أعيى من الفكرِ والمشي، جلس، ثم أدركه المساءُ، وبدأ يقول لأفكارهِ: «لقد دخلنا في البريةِ، ووصلنا إلى المشرقِ والمغربِ»، ثم قال لنفسِه: «إنّ الذين يبتغون سكنى البريةِ، خبزاً لا يأكلون، وماءً لا يشربون، فافعل أنت هكذا». وخرج على بابِ قلايته، وأكل قليلاً من نباتِ الأرضِ، ثم قال لنفسِه: «والذين في البريةِ، لا ينامون تحت سقفٍ، بل تحت السماءِ»، وفعل كذلك، بأن ألقى بنفسِه على الصخرةِ ونام متعباً. وأقام على هذه الحال ثلاثةَ أيامٍ، يمشي من باكر إلى عشية في جوانب قلايته، ويأكل البقل الأخضر، ويضطجعُ قليلاً تحت السماءِ، حتى أعيي وضجر، وبدأ يخاصمُ نفسَه بحردٍ، ولطم على خديه قائلاً: «ادخل بعد إلى قلايتك، وابكِ على خطاياك، ولا يطيش عقلُك بقولِك: البرية، قد دخلتَ البريةَ. أما سمعتَ داود يقول: عينُ الربِ على خائفيه، وأذناه ينصتان إلى تضرعهم، ولا يخفى عنه شيءٌ من أفكارِنا»، فلما نظره المجرِّب هكذا، خاف منه، وانصرف عنه. أخبروا عن شيخٍ قديسٍ، إنه كان داخلاً إلى مدينةٍ لها أميرٌ كبير، وكانت له ابنهٌ، قد قاربت الموتَ، فلما رأى القديسَ، أمسكه وأعاقه من السفرِ قائلاً له: «لن أُطلقَك حتى تصلِّي على ابنتي فتعافى»، فتبعه الشيخُ إلى موضع الصبيةِ، ووقف فوق رأسِها، وبسطَ يديه قائلاً: «أيها الربُّ العارف بخيرة النفوس، يا علام الغيوب، يا من لا يشاء أن يَهلكَ أحدٌ من جنسِ البشر، أنت تعلم خيرة هذه الصبيةِ، إرادتك افعلها معها». وللوقتِ أسلمت الصبيةُ روحَها، فصاح أبوها على الشيخِ قائلاً: «وا ويلاه منك يا شيخُ، فإن كنتَ لم تقدر أن تقيمها، فلا أقل من أن تعطيها لي كما كانت، وإلا فلن أطلقَ سبيلَك»، فطلب الشيخُ من اللهِ، فعادت نفسُها فيها بطلبةِ الشيخ دفعةً أخرى. ولما عوفيت، لم تَلبَث أن سارت سيرةً رديئةً، فأفسدت جلالَ أبيها، فمضى إلى موضعِ الشيخِ، وطلب منه قائلاً: «أريدُ أن تموتَ، فقد عاشت عيشةً رديئةً، وأنا أحتشمُ أن أمشي بسببها»، فقال له الشيخُ: «أنا قد طلبتُ من اللهِ الخيرَ فيما يريد، وقد علم الله أنَّ موتَها أصلح، لكنك لم تُرد، والآن لا شأن لي معك»، ومضى الشيخُ وتركه. وقال هذا القديس: «إني أعرفُ امرأةً بأورشليم اسمها ستروتين، هذه كانت خاطئةً، وتابت بحرقةِ قلبٍ، ورجعت إلى الله، وتنسكت، وعملت فضائلَ كثيرةً، حتى إنها من كثرةِ الفضائل التي عملتها، ونعمةِ الربِّ يسوع المسيح التي معها، صارت مدبرةً لدير عذارى. ولما صارت مدبرةً للديرِ، زادت على نسكِها وصبرِها، حتى إنها من كثرةِ نسكِها وصبرِها، ضعفت قوَّتُها، فسألتها العذارى قائلات: يا أمنا كلي قليلاً من الطعامِ، كي يكونَ في جسدِك غذاءٌ قليل، وتستطيعين أن تمشي إلى داخلِ الموضع المقدس. فقالت لهن: يا بناتي، لا تتعبنني لأجلِ طعامِ قليل، بأكلِهِ أرجعُ إلى عاداتي القديمة، فلأجل هذا أنا أخافُ من الأكلِ». |
رد: بستان الرهبان
تدبيرات الرهبنة ماهى الرهبنة + قال أحد الشيوخ: " لا تكون تحت السماء امة مثل المسيحيين إذا اكملوا ناموسهم كما لا توجد مرتبة جليلة كمثل مرتبة الرهبان إذا حفظوا طقوسهم. ولذلك فان الشياطين تحسدهم. يحاربونهم بكل اصناف الرذيلة ، ويجعلونهم يغمضون أعينهم عن خطاياهم ويوبخون خطايا غيرهم لكى يبعدوا عنهم السلامة ، ويلقوا فيهم الشرور. فنسأل الرب الإله ان يخزق شباكهم عنا ويخلصنا من أيديهم " . + وقال شيخ آخر : " كما ان الإنسان الذى ترك المملكة وترهب يمدح من كل العقلاء والفضلاء لان الرهبنة أفضل من كل ما تركه ، إذ هى توصل إلى المملكة السمائية الدائمة ، كذلك إذا ترك إنسان الرهبنة وصار ملكاً ، فانه يلم من كل الفضلاء". + وقيل أيضا : " ان المسيحيين الحقيقيين ، هم أفضل الأمم ، والرهبان أفضل المسيحيين ". + وقال أنبا يوحنا القصير : " بالرغم من اننا نفر قليلون فى نظر الناس لكن دعنا نقدر الشرف الذى لنا أمام الله ". ضبط الجسد وضبط الفكر : من هو الراهب .. ؟ + قال شيخ : " ان الراهب يدعى راهباً من وجهتين : الأولى ، ان يبتعد من مناظر النساء ، ويرفض العالم وكل ما فيه ، ولا يهتم بشئ البتة. والثانية ، ان يتقى عقله من الآلام ويتحد بالرب وحده ، وحينئذ يثمر ثمر الروح الذى هو الحب والفرح والسلامة والخيرية ، وطول الروح والإيمان والود والوداعة والامساك. ومن كان هكذا فلن يوجد له ناموس يقاومه. وبقدر ما تكون همة الإنسان ملازمة لله بلا طياشة ، بقدر ما تكون نعمة الله متضاعف عليه ، وبقدر ما نتقرب إليه بقدر ما يهتم هو بنا ، ويقدر ما نبتعد عنه بهمتنا بقدر ذلك يبتعد هو عنا ، لأنه جعل الاختيار لنا فى ذلك ، إذ خلق روح الإنسان على صورته ، فهى بطبعها تحبه وتشتاق إليه ، وهى روحانية ، فهى تشتاق إلى الأمور الروحانية واما الجسد فخاصته من الأرض ، فهو يحب الأرضيات واليها يميل بطبعه. الصلاة الدائمة بتحريك الشهوات الجسدانية يجذب الشيطان النفس إلى الأمور الأرضية ، فينبغى للراهب ان يكون له افراز ، ويطلب من الله الهداية والمعونة حتى لا ينخدع ويعتمد عليه بإيمان تام ، لأنه بغير معونة من الله لا يقدر ان يناصب الشيطان ولا يبعد منه الأفكار الرديئة. لكنه إذا سلم نفسه لله ولازم الصلاة فان الله حينئذ يملك على نفسه ويجعل فيه هواه ، ويكمل فيه وصاياه. فالذى يعلم انه لا يقدر ان يعمل شيئاً بغير الله ، لا يفتخر كأنه قد عمل شيئاً ، لكنه يشكر الله الذى عمل. والشيطان إذا رأى إنسانا مجاهداً ، فانه يحرك عليه الأوجاع الخبيثة ، وقد يفسخ الله له المجال فى ذلك – حتى لا يتعظم بأنه جاهد ، حتى يلتصق به الصلاة الدائمة ، فإذا هو عرف ضعفه ، فان الله يبطلها عنه اعنى الأوجاع الخبيثة ، وتعبر نفسه فى هدوء وسلام ". إلى المنتهى : قال سمعان العمودى : " كما ان الإنسان إذا مشى كثيراً نحو المدينة ونقص سيره ميلاً واحداً ، فقد أضاع كل تعبه ولم يدخلها ، كذلك الراهب إذا لم يجاهد إلى النفس الأخير لا يدرك مدينة الأطهار. وكما ان الإنسان إذا عدم آلة واحدة لا يقدر ان يكمل الصناعة اللازمة لها تلك الالة ، هكذا الراهب إذا عدم وصية واحدة ، لا يقدر ان يكمل سيرته ، فليس يكفيه ان يمنع جسده من الزنى فقط / بل ان يضبط فكره ونظرع وشهورة لسانه من الكذب والنميمة والشتم واتنعبير والمداينة والمزاح والمماحكة ، وبالاجمال من كل كلام بطال ، كما ينبغى له أيضا ان يعلم اعضاءه الخضوع لارادة الله ، وليست اعضاء جسده فقط ، بل وأعضاء انسانه الجوانى كذلك ..". وجماعة من الإخوة انو إلى أنبا ايلاريون وقالوا له : " ما علامة فضل الراهب ؟ .. فقال لهم : " كثرة الحب والاتضاع يزنيان الراهب ويشرفانه فى الدنيا وفى الاخرة ، فيجب ان تكون له هذه الخصال وهى : ان يكون عاقلاً ، عالماً ، محتملاً صبوراً ، طاهراً ، عفيفاً ، سمعياً ، جواداً ، متريثاً ، رحيماً ، وقوراً ، كتوما ، شكوراً ، مطيعاً ، مداوماً الصمت ، متوفراً على الصلاة ". + قالوا : " إذا اجتمعت هذه الخصال فى إنسان ، فهل يسمى راهباً؟ " قال: " نعم ، انه راهب إذا تعب كذلك وشقى بمقدار ما تصل إليه قوته ". ما عمله وسيرته قاله شيخ : " سيرة الراهب : " الطاعة – الهذيذ فى ناموس الله الليل والنهار – لا يدين لا يغضب – لا يتكلم – لا يبصر بعينه سراً – لا يبحث عن عيوب الناس – لا يسمع بأذنيه نقض آخرين – لا يخطف بيديه – لا يستكبر فى قلبه – لا يملأ بطنه- لا يفتكر افكار سوء – لا تكن له دالة ولا مزاح مع احد – ويعمل اعماله بمعرفة – ويجعل باله فى خطاياه – ويطلب من الله ان يهب له نياحاً واتضاعاً حقانياً ، ولا تكون له دالة مع صبى ، ولا خلطة مع امرأة. وان كلمه إنسان فلا يلاحجه ، وهكذا يكون ساكناً هادئاً مسكناً للروح المقدس. وقال أنبا بيمين : " ومن أدلة الرهبانية الشدة والمسكنة والمعرفة ، لأنه مكتوب من هؤلاء الثلاثة الرجال : نوح وأيوب ودانيال ، ان نوحاً يشبه المسكنه ، وأيوب يشبه الشدة ودانيال يشبه المعرفة ، فان كانت هذه الخصال الثلاثة موجودة فى إنسان فالله ساكن فيه ". ما هو الفرق بين رهبنة القدماء ورهبنة زماننا. سئل شيخ : " بماذا تشبه رهبنة القدماء ، ورهبنة زماننا هذا ؟ " فأجاب قائلاً : " كان إنسان غنياً وحكيمأً ، وكان يطلب المسك الخالص ، فلما لم يجد المسك الحقيقى الذى يريده ، قطع المسافات براً وبحراً حتى وصل إلى الصين حيث قدم هدايا للملك الذى هناك ، وسأله ان يعطيه مسكاً ، وطلب إليه ان يقطعه هو بيده ، فلما أخذ المسك ورجع ، أعطاه لأولاده وأولاده بدورهم أعطوه بعضهم لبعض ، وقليلا قليلا غشوه وخلطوه بما يشبه المسك الحقيقى فى اللون ، ويختلف عنه فى الرائحة ، ومع تمادى الزمن بقى الزغل ( التقليد ) موضع المسك الحقيقى ، وعدمت رائحته ، وبقى الشكل والاسم فقط. وكذلك الآباء القدماء ، فإنهم تجاسروا على الحياة والموت ، وذاقوا كل التجارب ، واحتملوا الضوائق ، وقدموا ذواتهم ذبيحة حية روحانية ن ووهبت لهم المعرفة الروحانية ، وصاروا سكناً لله ، وأحسوا بالأسرار. ثم واتصل الشر شيئاً فشيئاً ، حتى انتهى الحال الينا نحن الذين بالاسم والشكل فقط. ان أمور سيدنا مرارات تعقبها حلاوات ، مظلمات تعقبها نيرات ، محزنات تعقبها مبهجات ، أما أمور العالم فهى حلاوات تعقبها مرارات ، نيرات تعقبها مظلمات، مبهجات تعقبها محزنات ، يعرف الحق ذاك الذى اختبر هذه ، ليس من سماع الاذان فقط ". كيف أكون راهباً؟ سأل أنبا يوسف أنبا بيمين قائلاً : " قل لى ، كيف أكون راهباً؟ " قال له: "إن كنت تريد أن تجد نياحاً هاهنا وفى الآخرة ، فقل فى نفسك فى كل أمر : أنا من أنا ، ولا تدن إنسانا" عمل الرهبان قال القديس دوروثيئوس : " إن الأوجاع هى غير الخطايا ، فالخطايا هى عمل الأوجاع بالفعل والأوجاع هى أسباب الخطايا ، فقد يوجد إنسان فيه الأوجاع كالغضب الضار ، وشهوة الشر ، ولا يستعملها. والقديسون ما اكتفوا بأن لا يفعلوا الشرور ، فقط ، بل واجتهدوا فى أن يقلعوا من نفوسهم الأوجاع التى هى اصولها ، ولما صعب عليهم ذلك وهم بين العلمانيين ، تغربوا فى البرية ، ولزموا الصوم والصلاة والسهر ، فقاموا بما قرر عليهم من الوصايا ، من عفة ، ومسكنة ، ونافلة ، وغربة ، لتكميل وصايا الرب.. وزيادة العفة ، وهى عدم الجماع البتة ، والمسكنة، وهى عدم الفتنة بالكمال ، والنافلة ، وهى ما زاد على الفريضة ، وهى الرهبنة ، وفرزوا للرهبنة شكلاً فيه رموز على غرضها ، اما القولية التى ليس لها كم ، فإذا أردنا أن نعلم بأيدينا شراً ، كالسرقة ، أو الضرب ، أو غيره ، فاها تقصر ايدينا كتقصير كمنا ، واما الاشتداد بالمنطقة ، فللتشمر والاجتهاد فى خدمة الله ، وكونها من جلد ميت ، لنميت أوجاعنا ، وأما الابلايون بشبه الصليب ، فإشارة إلى حمل الصليب واتباع سيدنا : وأما القوفلية ، فهو يشبه الخنف ، وهو لباس الأطفال ، والأطفال لا مكر عندهم ، ولا حقد ولا نجس ولا اقامة هوى ، وذلك هو اكبر أغراض الرهبنة". انسحاق التوبة : كان شاب اسمه مقاره ، اتفق له وهو يرعى ، ويلعب مع صديق له ، فقتله بغير تعمد ، ولم يعلم به احد ، فمضى لوقته إلى البرية وترهب ، وأقام ثلاث سنين فى البرد والحر ، فى ارض ليس فيها ماء ، وبعد ذلك بنى كنيسة داخل البرية ، وأقام فيها خمساً وعشرين سنة ، واستحق نعمة من الله ، حتى انه قوى على الشياطين ، وفرح فى نسك الرهبنة وأقمت بالقرب منه زماناً ، ولا صار لى عليه دالة ، فتشته عن كفرة بسبب خطية القتل ، فقال : أقمت أياما كثيرة متعباً، لأجل هذا الفكر ، وهو يلازمنى ليلاً ونهاراً ، ويقلقنى جداً ، وآخر الأمر اراحنى الرب من حزن القلب بسببه ، حتى لقد شكرت القتل الذى فعلته بغير اختيارى ، لكونه كان سبباً لخلاصى وبنعمة الرب صرت ، إذا تعرضت إلى الشياطين ، بفكر تعظيم القلب ، ويقولون لى : " قد صرت رجلاً عظيماً أكثر من الرهبان كلهم ". فأجيبهم قائلاً : " والقتل الذى فعلته ، ما اشد عذابى فى الجحيم بسببه " . فيمضوا عنى ، ومرة أخرى يقولون لى : " أيها القاتل ، لماذا تقعد فى هذه البرية ، وليست لك توبة ، فتتعب فى الباطل ن امض إلى العالم ، واصنع ارادتك ، لئلا يفوتك الامران!" فأقول لهم : " الرب الذى صنع الرحمة مع عبده موسى ، يرحمنى أنا أيضا " وكنت اعزى نفسى وحدى بأن موسى لم يستحق ان يرى الله ، الا بعد ان هرب من مصر ، ودخل البرية لأجل الذى قتله باختياره. وما قلته هذا ليطيب قلب احد بالقتل ، بل ليعرفوا ان اسباباً كثيرة مختلفة تجتذب الناس إلى الفردوس ، فواحد يهرب لأجل الفقر والاستدانة ، وآخر يهرب من جور المستلطين ، وآخر بسب زنى زوجته ، وآخر من شر سادته ، وبالجملة فان قوماً يهربون من الخوف الدنياوى ، وقوم يحبون الله ، ويؤثرون خلاصهم فيصيروا رهبانا بإراداتهم ". كيف يقتنى الراهب الفضيلة سئل شيخ : " كيف يقتنى الراهب الفضيلة ؟ " فأجاب : ان شاء احد ان يقتنى فضيلة ما ، فانه إن لم يمقت اولاً الرذيلة التى تضادها فلن يستطيع احد ان يقتنيها. فان شئت ان يحصل لك النوح فامقت الضك. وان اثرت ان تقتنى التواضع ابغض الكبرياء. وان احببت ان تضبط هواك فامقت السر والتحريف فى الاشياء. وان شئت ان تكون عفيفاً فامقت الفسق. وان شئت ان تكون زاهداً فى المقتنيات ان يكون له سكوت ، فليمقت الدالة. ومن أراد ان يكون غريباً من عاداته فليبغض التخليط. ومن يريد ان يضبط غضبه فليبغض مشيئاته. ومن يريد ان يضبط بطنه فليبغض اللذات والاقامة مع أهل العالم. ومن أراد عدم الحقد فليبغض المثالب. ومن لا يقدر ان يكابد الهموم فليسكن وحده منفرداً. ومن يريد ان يضبط لسانه فليسد اذنيه لئلا يسمع كثيراً. ومن يريد ان يحصل على خوف الله ، فليمقت راحة الجسد ويحب الضيقة والحزن. فعلى هذه الصفة يمكنك ان تعبد الله باخلاص". الطريق الضيق – الزهد قال أنبا ابراهيم: " إذا حملت نير المسيح ، فانظر كيف تمشى فيه ، ينبغى لك الا تخلط عمل الدنيا بعمل المسيح ، لانهما لا يجتمعان معاً ، ولا يسكنان كلاهما فى موضع واحد، ، لا تسلك فى الطريق الواسعة ، لان كثيرين سلكوا فيها فضلوا وذهبت بهم إلى الظلمة ، حيث النار المعدة ، ولكن اسلك طريق الحق والصواب ، فانها وان كانت ضيقة حزينة ضاغطة ، لكنها تخرج إلى السعة والحياة ، والنعيم الدائم. لا تبن جسدك بالنعيم واللباس ، مثل البيوت المزخرفة ، التى تؤول إلى الهدم والهلاك ، ولكن ابنه بالتوبه والاعمال المرضية لله على الاساس الوثيق ، الذى بنى عليه القديسون : يمشى هين وصوت لين ، ولباس حقير ، وطعام يسير ، وحب تام ، وطاعة واتضاع ، وأفكار نقية ". قانون الحياة اليومية قال شيخ : " إذا قمت باكر كل يوم : امسك لك امراً يجلب الصلاح ، واحفظ وصايا الله يطول روح ، بمخافة الله ، بالصبر على الاحزان ، وبالحبس وبالصلوات ، وبالتنهد ، بضبط اللسان ، بحفظ العينين ، بقلة الغضب.ولا تحسب نفسك شيئاً بل اجعل فكرك تحت كل الخلقة ، بجهاد الصليب ، بالتوبة والبكاء ، بسهر الليالى ، بصبر صالح ، بالجوع والعطش وذلك لتستحق الدعوة السمائية ، بنعمة ربنا يسوع المسيح له المجد". وقال أخر: " ينبغى للمجاهد ان يبتعد عن كل امتلاء ، ولو من الخبز والماء ، وان يجمع عقله فى صلاته ، ليكمل قربانه الروحانى ، ويتذكر خطاياه دائماً ويحزن عليها ، وليكن كل ما يعمله ويقوله من أجل مرضاة الله لا من أجل مجد الناس ، وان يتفقد تدبيره دائماً ، لكى لا تكون سكناه فى البرية على غير مذهب الرهبنة ، فانه قد سكن البرية كثير من اللصوص ، وهى مأوى للوحوش والطيور المؤذية ، اما الراهب فانه يسكنها هرباً من سجن العالم الذى يشغله عن عبادة الله التامة. كما ينبغى ان يصبر على البلايا وكيلف نفسه فى كل شئ ، وان يقدم حب الله على حب القريب ، وحب القريب على حب نفسه ، وحب نفسه على حب كل ما سواها، وليكن له ايمان قوى بالله ورجاء واتضاع وامساك وصمت وصلاة دائمة وتهاون بالارضيات وتذكر للموت والمجلزلة ، وقراءة فى الكتب وتميز كل الأمور وحفظ العقل والقلب ، وطاعة الآباء والوصايا من أجل الله". قال القديس باسيليوس " هذا ما يليق بالراهب : التمسكن ، عقل منخفض ، نظر مطرق إلى الأرض ، وجه مقطب ، زى مهمل ، ثوب وسخ حتى يكون حالنا كحال النائحين الباكين ، ثوب بقدر الجسد لان الغرض منه شئ واحد هو ستر الجسد من الحر والبرد ، ولا تطلب ازدهار الصبغ وحسنه ، ولا نعومة الوثب ولا ليونته ، لان الميل إلى ذلك من صفات النساء ، كما يجب ان يكون الثوب سميكاً حتى لا يحتاج الأمر إلى وشاح ليدفئ لابسه وليكن الحذاء بسيطاً يتمم الحاجة الضرورية إليه فقط. وكذلك الحال فى الطعام. خبزة واحدة تسد الجوعة ، والماء ليروى ظمأ العطشان. أما المشى فلا يكون بطيئاً بانحلال ، كما لا يكون بسرعة وعجرفة ، حيث الحركات الخطرة". |
رد: بستان الرهبان
من أقوال القديس إكليمادوس وصايا لمن يريد الدخول فى سلك الرهبنة اسمع يا بنى كلامى واحفظه فهذه وصاياى يجب ان تمارسيها ان اثرت ان تكون رابهاً لأنك ان كسلت فى اتمام احدى هذه الوصايا فما اكملت الواجب ، ويكون وعدك كاذباً وآراؤك عن الرهبنة ليست صحيحة ، ومالك الذى وزعته قد أضعته سيدى إذ تصبح طلباتك فارغة لأنك لم تستيقط بقوة ولم تقبل على السيرة الرهبانية باجتهاد ولم تربط وسط قلبك بالكمال ولم تستعد للقتال الشيدد ضد الشياطين الغير منظورين ، كما يقول الرسول بولس: ان قتالنا ليس مع لحم ودم ، بل مع الرؤساء والسلاطين ومع احياء الشر فى عالم الظلمة ومع الارواح الخبيثة. ( أ ) الرهبنة 1 – الانحلال من العالم : الرهبنة هى درجة الملائكة الذين لا يفترون ليلاً ونهاراً عن خدمة ملكهم ومن دخل فيها بانحلال وكسل فقد صير نفسه اشقى حالاً مما لو كان بانحلال فى العالم. + الراهب هو ذاك الذى يستعد ليصير مثل الملائكة بدون هم. ويشق عنه ثوب العالم. لا تظن ان معاشرات القديسين وحدها أو السكنى فى مواضع الصديقين فقط تنفعك، بل أرفض جميع هذه الخرافات لأنه لا تؤخذ اجرة المجاهدين لتعطى للكسلان لان الأخ لا يفدى أخاه إذ يقول " انك تجازى كل واحد حسب عمله ". 2 – السعى للفضيلة : + لا تتخل عن كبيرة ولا صغيرة من جميع الوصايا ، بل قم بجميعها بثبات والا فالأفضل لك ان تقيم مع العلمانيين. + ان علمت هذا فافحص قبلك قبل ان ترفض الدنيا وتهبئ ذاتك جندياً للسيد المسيح. + لا تتوان لئلا تندم اخيرا وتصبح رهبانيتك باطلة. واذكر هذه الوصايا: ( ب ) الصلاة والهذيذ فى الكتب 3 – الصلاة الجامعة والانفرادية: + تأدب فى صلاتك ولتكن من من كل قلبك وعقلك. + إذا ضرب الناقوس فى نصف الليل لا تكسل بل قم وصل بحرص ولا تتل صلاتك بفمك وحده بل ليكن فكرك وعقلك وجميع حواسك متضرعة لله وناظره إليه. 4 – الكنيسة : + لا تكسل فى الذهاب إلى الكنيسة وقت الصلاة الجامعة وأكمل عبادتك له بخوف. + إذا مضيت إلى الكنيسة فاياك ان تجلس عند الباب وهم داخلون للصلاة. احفظ نفسك وكن خائفاً من الله. + إذا أتاك أخ وكلمك فيما لا يجب فلا تخف البتة بل اجعل نفسك اخرساً واصما ولا تسمع لقوله ولا تلمه فى قلبك بل كن مثل طفل صغير لا يعرف شراً ولا شيئا من المكر. + اياك ان تجيب أو تحدث أحدا حتى ولو كان بكلام جيد ما دمت فى الكنيسة. 5 – الهذيذ فى الكتب : + إذا رجعت إلى قلايتك اهتم بقراءة الكتب الإلهية والصلاة ولا تتفرغ لشغل اليد وحده فتنس ذكر الله خالقك. + إذا جلست فى خزانتك فاقرا بتعقل وتفهم ، وفكر فى تمجيد الله. ( جـ ) ضد الشياطين 6 – المحاربة : + اعلم انك منذ الآن قادم لتقاتل السباع والتنانين والاراكنة الشياطين فى طريق التوبة التى هى كربة وصعبة. + انك ذاهب لتقاتل الذئاب والنمور والسباع والوحوش الضارية وليس ذلك لايام ولا لشهور ولا لسنين قلائل بل حياتك كلها حتى تظفر بالعدو. ( د ) الاستسلام للشدائد والضوايق 7 – الصبر : + انك قد نصبت نفسك هدفاً للشدائد والاحزان يوماً بعد يوم ان اردت ان تكون راهباً لأنه مكتوب : توقع يا ابنى الشدة بعد الشدة من وقت لاخر وهئ نفسك لهذا. ( هـ ) النسك 8 – الطعام : + لا يوجد هاهنا طعام أو شراب ، بل جوع وعطش دائم. 9 – الهدوء : + منذ الآن لن يكون لعب أو ضحك أو قهقهة أو انحلال. 10 – السهر : + دوام على السهر والصوم إلى المساء فى كل زمانك الا فى حالة مرض يلحقك أو ضعف يصيبك. ( و ) أساس الفضائل 11 – التواضع : إذا لبست اسكيم الرهبنة فلا تتعظم بل بالاكثر اتضع لأنك قد اخذت خاتم الجندية للمسيح واخضع عنقك تحت نيره ولا تكن مقاومً له ولا محاربا. 12 – قطع الاهواء الجسدانية: + انكر نفسك فى كل شئ ولا تكمل اغراضك الجسدانية. + ان اردت ان تكون راهباً فانزع جميع افكار العالم من قلبك. 13 – الانسحاق : + لازم الحزن والبكاء عوض الانحلال واللعب. + اندم على خطاياك واجعل قلبك مع الله فى كل وقت لتستحق نعمته. ( ز ) آداب المائدة 14 – إذا جلست على المائدة لتأكل مع الإخوة فلا تتحدث مع احد. وان حدثوك فلا تجبهم حتى تفرغ من الاكل واشكر الله سبحانه وتعالى على جميع افعاله وما انعم به علينا بالرغم من عدم استحقاقنا. هكذا تعفل كل أيام حياتك أمام الله لتكون لك الطوبى اى الحظ الشريف مع القديسين. ومع هذا كله عليك ان تتحقق انه لا يلبس الاكليل الا من جاهد وصبر على الشدائد وغلب الاعداء وهزمهم وظهرت شجاعته فيهم أمام الملك العظيم الرب يسوع المسيح الذى استحققت ان تحارب من اجل اسمه القدوس فتغلب كما غلب هو. إذ يساعدك بقوته العظيمة. لأنه قال : " ها أنا معكم كل الأيام والى انقضاء الدهر " له المجد آمين. |
رد: بستان الرهبان
من تعاليم القديس مار اسحق ما هو المتوحد؟ ما عمل سيرته؟ المتوحد: هو إنسان ترك العالم بالكلية وكذلك بلده واقاربه وانتقل إلى الاديرة أو البرارى ، ليجلس فى الهدوء ، يعمل بيده ويقيت نفسه ويعبد اله ليلاً ونهارا. عمل سيرته ( أ ) الجهاد 1 – الجدية : + الراهب الذى فى زمان الطاعة والخضوع يختار لنفسه الراحة والحرية ، فانه فى زمان الراحة الحقيقية ، بالعدل يبكى ويجوع ويشقى بالندامة. الراهب الذى فى وقت الحصاد والفرح ، يملك عليه الندم والكآبة ، هو شاهد على ذاته فى اوان الزرع والخضوع والعمل ، لم يغضب نفسه على ان يصبر ويحتمل حدة البرد والجليد ليشق بالمحراث خطوطاً عميقة فى باب قلبه ويظهر فيها زرع خبز الحياة ، لذلك فهو يشقى بالجوع فى وقت الحصاد. + الراهب الذى يحارب قبالة الآلام ، يحفظ الوصايا لكى تقطع الآلام من القلب ولا تهدأ النعمة ، إذ تساعده خفية. + التاجر إذا أكمل واتم ما يخصه فانه يجتهد فى ان يمضى إلى منزلة ، والراهب بمقدار ما يعوزه من زمان العمل ، على ذلك الحد يحزن ان يفارق نفسه وإذا احس فى نفسه ، انه حصل على الوقت واخذ العربون ، فانه يشتاق إلى العالم الجديد. 2 - الحرص : + ان التاجر مادام فى البحر ، فالخوف منبث فى اعضائه ، لئلا تتعالى عليه الامواج فيغرق ويخيب امله من عمل ، والراهب مادام فى بحر هذا العالم ، فالخوف يستولى على سيرته لئلا تثبت عليه اذية فتهلك عمله منذ الشيبوبة حتى الشيخوخة. 3 – مراقبة الموت : + التاجر عينه نحو البر ، واراهب يرمق ساعة الموت. ان السابح يغوص غائراً فى البحر ، إلى أن يجد اللؤلؤ ، والراهب الحكيم يسير فى الدنيا عارياً ، إلى ان يصادف فيها الحقانية التى هى يسوع المشيح ، وإذا ما وافاه ، فلن يقتن معه شيئاً من الموجودات. ب – فى النسك 4 – الصوم : + الصوم من العشاء إلى العشاء. البعد عن كل شره ورغبة والزهد فى كل شئ ما خلا الخبز من الماء ، والامتناع عن شرب الخمر الا فى حالة مرض أو واجب ضيافة وهذا إذا ما عرض فلا يزيد عن ثلاثة اقداح فقط لا غير. 5 – السهر : + السهر لنصف الليل وصلوات لا تنقطع ليلا ونارا وخدمة المزامير وضرب المطانيات والسجود ، والهذيذ فى الصلوات ، وتضرع القلب ، وبسط اليدين نحو السماء. 6 – المرقد : + الرقاد على الأرض إلى وقت الشيخوخة الا فى حالة المرض. 7 – قراءة الكتب : ( جـ ) فى التوبة: 8 – التوبة : + المسكنة والتجرد ، والبكاء والنوح والتنهد ، وليس المسوح ، والسكوت والصمت ، وحفظ الحواس ، والعفة. ( د ) فى محبة الاعمال : 9 – الرحمة : + خدمة الغرباء. خدمة الضعفاء. عمل اليدين. المحبة للرهبان الطاعة لسيدنا بحفظ وصاياه. الخضوع للاباء. ( هـ ) فى الاستسلام للضوائق 10 – الاحتراس من طياشة الأفكار : + الصبر. عدم الغضب. الصفح عمن يضره ويحزنه. التعرى من الآلام. وثبات داخل القلاية فى الدير. ولغير سبب هام لا يخرج الا للصلاة أو لامر ضرورى للجميع والوقف بثبات ليلا ونهارا مقال الآلام والشياطين العالم والنفس والجسد حتى الموت. ( و ) الاتضاع 11 – تحقير نفسه فى كل شئ: + اعتبار الراهب نفسه كلا شئ. + هذا هو الراهب وهذه هى سيرته ، وكل راهب لا يمارس كل ذلك فى ذاته فهو لا يزال فى رتبة ومنزلة العلمانيين. + طوبى للذين يحفظون ويعلمون. لا تفتخر بالاسم بل اجتهد فى عمال ، لان العمل هو الذى يبرر ولو كان بلا شكل ولا اسم. |
رد: بستان الرهبان
تعاليم الأنبا أشعياء للمبتدئين 1 – التحفظ : + النفس التى تريد ان تقف أمام الله بغير ذنب فلتحرص كالتاجر الذى يطلب الارباح ويفر من الخسائر ، أما خسائر تجار المسيح فهى طلب مجد الناس الكبرياء – تزكية الذات – التكلم بمايغضب السامعين. محبة الاخذ والعطاء ، هذه كلها خسائر ولا يستطيع احد ان يرضى الله وهذه كلها فى خزانة قلبه ، فمن أراد ان يجئ إلى نياح الرهبنة فليتباعد من الناس فى كل الأمور ، ولا يمد إنسانا ، كما لا يزدرى ولا يدينه ولا يزكيه ولا يترك فى قلبه هماً من ناحية إنسان ، وليرفض من كل قلبه مقابلة شر إنسان بشره لئلا تكون خدمته باطلة ، لان الذى لا يهتم بأحد ويدين نفسه وحده ويلومها فحياته تكون هادئة مستريحة ، لان التقى يحب ان يكون الناس كلهم أتقياء ، اما الذى فى قلبه وجع.. للا يرى احد نقياً بل كنحو اوجاعه يفكر فى قلبه عن كل احد ، وان سمع مديحاً عن إنسان يحسده. 2 – الوداعة : + ان الإنسان لا يستطيع ان يتحفظ من الخطية ان لم يحفظ نفسه مما يلدها وهذه الاشياء التى تلد الخطية : صغر النفس ، الملل ، اتمام الهوى – حب الاتساع طلب الرئاسة – حديث العالم – التماس ما لا ينبغى – عدم الحذر من الناس – سماع الوقعية – نقل الكلام من أناس إلى أناس ، الذى يحب ان يعلم دون أن يسأل الذين يدين القريب. فهذه الأمور وغيرها تلد الخطية ، فمن أراد ان ينجح ويتقدم فى الاعمال الصالحة ، فليحفظ نفسه من كل شئ يلد الخطية ، فان الخطية منها وبها – فمن حرص يجد خيراً فى الاعمال الصالحة، ومن تهاون وتغافل فهو يعد نفسه للعذاب ، لأنه واجب على كل معتمد ان ينقى نفسه من كل الشرور. وهذا ما اقوله لكى تتحفظ فلا تزدرى بانسان. ابطل معرفتك واقطع هواك. فان من وثق بمعرفة وتمسك بهواه لا يستطيع ان يفلت من ايدى الشياطين ولن يبصر نقائصه ولن يجد راحة ، اما إذا خرج من هوى الجسد فيتعب يجد رحمة ، ومحمل هذا كله ان تراقب الله من كل قلبك ومن كل قوتك وتترحم على كل الخليقة وتطلب من الله العون والرحمة فى كل ساعة. 3 – ترقب الموت : + الحكيم هو الذى يحرص إلى الموت على مرضاة الله ، لنعمل بقدر قوتنا والله يعين ضعفنا. + ان سمعت اخبار القديسين واعمالهم الشريفة فلا تطمع فى اقتنائها بلا تعب ان لم تشف نفسك اولا وتتأهل لها ، حتى إذا قدمت على عمل جاءتم من تلقاء نفسها. أولاً : الصلاة 4 – الجهاة فى الصلاة : + أحب الصلاة فى كل حين ليضئ قلبك بأسرار الله. + إذا أراد العقل ان يترفع على الصليب فانه يحتاج إلى طلبة كثيرة ودموع غزيرة وخضوع فى كل ساعة قدام الرب ، ويسأل منه المعونة حتى يقيمه غير مقهور متجدداً بالروح القدس. لان شدائد كثيرة عند ساعة الصليب ، وهو محتاج الىصلاة وايمان صحيح وقلب شجاع ورجاء الله إلى أخر نفس. + إذا صليت ولم يرد على فكرك شئ من الشر فقد صرت حراً. + الزم نفسك بأن تصلى فى الليل صلوات كثيرة لان الصلاة هى ضوء النفس. ادرس فى مزاميرك وصل لله بفكرك. 5 – صلاة الانسحاق : + جاهد فى أن تصلى دائماً ببكاء لعل الله يرحمك ويخلصط من الإنسان العتيق ويعطيك الملكوت. 6 – صلوات الساعات : + لا تتوان فى صلوات الساعات لئلا تقع فى أيدى اعدائك. اجهد نفسك فى تلاوة المزامير ، فان ذلك يحفظ من خطية الدنس. + إذا قمت فى قلايتك لتصلى ساعاتك فاياك ان تكون صلاتك بتهاون لأنك بذلك بدلاً من ان تكرم الله تغضبه. ولكن قف بخوف ورعدة ولا تتكئ على الحائط ورجلاك مرتخيتان ولا تقف على واحدة وترفع الأخرى. وان كنتم تقرأون صلواتكم وانتم مجتمعون فليقدم كل واحد منكم صلاة ، فان وجد معكم غريب فاطلبوا منه بمحبة أن يصلى ولا تلحوا عليه أكثر من مرتين او ثلاث. 7 – الافراز الروحى : + ان كنت فى شئ من تعب الرهانية ورأيت الشياطين قد انهزموا منك وانغلبوا فى القتال ، فلا تطمئن ، بل كن على حذر منهم ... واعلم إنهم يهيئون لك قتالاً اشر من الأول ، ويكمنون لك به من وراء فان أنت ناصبتهم تظاهروا بانهم طردوا بمكر منهم ، وذلك ليستكبر قلبك وتثق بقوتك ، فإذا ابصروك قد خرجت هكذا عن فضيلة الاتضاع ، قام الكمين عليك من ورائك وهاجمك الآخر من قدامك واحافطوا بنفسك اننى لم يكن لها ملجأ وقتئذ ، فلا تمل اذاً من السلاة إلى الله بأن يخلصك ويدفع عنك كل بلية تأتيك ، فان لم يسمع منك سريعاً فلا تمل من التضرع إليه لأنه يعرف ما فيه خيرك أكثر منك. وإذا صليت إلى الله فلا تقل له : " أرفع عنى هذا وهبنى ذاك " بل قل : " يا ربى يسوع أنت عونى ورجائى وانا فى يديك وانت تعرف ما هو صالح لى ، فأعنى ولا تتركنى اخطئ إليك أو اتبع هواى ولا ترفضنى فانى ضعيف ولا تسلمنى لاعدائى فانى لجأت إليك فخلصنى بتحننك ليخز كل الذين يقومون على لأنك أنت القادر على كل شئ ولك المجد ". + وقال أيضاً : ان شغل الشياطين قلبك بأتعاب تفوق طاقتك فلا تطعهم لانهم يشغلون قلبك الإنسان بأمور لا تقوى عليها حتى إذا ضعف وقع فى أيديهم فيضحكون عليهم لان كل أمور العدو هى بلا نظام وبلا حدود – ولكن كل مرة واحدة فى النهار ، واعط جسدك حاجته بقدر بحيث تكف عن الطعام وانت لا زلت تشتهيه ( بدون شبع ) كذلك سهر يكون بقدر ، اسهر نصف الليل فى الصلاة والنصف الآخر لراحة جسدك. ومن قبل ان تنام اسهر ساعتين مصلياً ومزمراً ، وإذا اقتنيت طول الروح فاصنع قانوناً بحرص واجتهاد ، وان ابصرت جسدك قد كسل فقل له : " اتريد ان تستريح هذا الزمان اليسير وتذهب إلى الظلمة الخارجية ، اليس من الافضل لك ان تتعب زماناً يسيراً لتتنيح مع القديسيين إلى الابد؟ " وبهذا الكلام يذهب الكسل وتأتيك المعونة. 8 – الصوم والسهر : + الصيام بذل الجسد ، والسهر ينقى العقل اما كثرة النوم ففيها خسارة العقل ، وجفاف العينين ، وتغلظ القلب. 9 – التوبة : + أيها الأخ الحبيب ان كنت قد تركت العالم الباطل وقربت نفسك لله لتتوب عن خطاياك السالفة ، فاياك ان تتراجع عما عزمت عليه من نحو حفظ وصايا السيد المسيح واتمامها والا فلن يغفر لك خطاياك القديمة. وان قال لى إنسان انى اريد ان اتوب عن خطاياى ، وهو ما يزال بفعل شيئاً منها فهو كذاب. 10 – التناول : + إذا كنت واقفاً فى القداس فراقب افكارك لكى توقف جسدك وحواسك بخوف الله لتستحق ان تتناول من القربان الذى هو جسد المسيح ودمه الأقدس فيشفيك الرب. + إذا أنت ذهبت لتتناول جسد المسيح ودمه الاقدسيين فاياك ان يكون فى قلبك حقداً أو غيظ على إنسان ، فان علمت ان فى قلب إنسان عليك شيئاً فاذهب واستغفر منه أولا لئلا تأخذ دينونة لنفسك وهلاكا. 11 – تعب الجسد : + ابغض كل ما فى العالم من نياح الجسد لان ذلك يصيرك عدواً الله ، الجسد كمن يقاتل عدواً لدوداً جداً – الذى يطلب الرب بوجع قلب يسمع ان هو سأله باهتمام ومعرفة وهو غير مرتبط بشئ من العالم الا بنفسه فقط وذلك لكى يوقفها قدام الرب بلا عيب كنحو قوته. + لا تتضجر من الاتعاب مطلقاص فيأتيك النياح من قبل الله سريعاً. مثل خرب خارج المدينة يرمى فيه كل نتن ، هكذا نفس الراهب العاجز تصير مأوى شر. + أحب التعب والمشقة فى كل شئ لتخف عنك اوجاعك. 12 – عدم الملل : + احفظ نفسك من الملل فانه يتلف ثمرة الراهب ، ان كنت مقهوراً وانت تجاهد فلا تمل ، بل الق نفسك قدام الله وقل : " أعنى يارب أنا الشقى لا اقوى على هذا الوجع " فيعينك سريعاً ان كانت طلباتك بقلب مستقيم. + الكسل يجلب علينا الاعداء فابغض الكسل لكيلا تحزن. ثانياً – العزلة 13 – البعد عن الرئاسات : + ان مضيت إلى رؤساء العالم مريداً مصادقتهم فليس فيك مخافة الله. + اياك ان تقتنى لك اصدقاء من بين رؤساء الدنيا لكى لا يبعد الله عنك. + ان شئت ان تكون معروفا عن الله ، فلا تعرف الناس بنفسك لان المرتبك بأمور العالم ذا سمع الحق يرذل قائله. 14 – وحدة السكن : + إذا مضيت إلى إخوة وقال لك احدهم: " انى لا أستطيع النجاح مادمت مع هؤلاء واود ان اسكن معك ، فاياك ان تبادر بموافقته على ذلك لئلا تصير عثره له ولكثيرين غيره ، فان باح لك بأفكار مكبوتة فيه وعلمت ازاءها انه سيهلك بوجوده فى وسطهم تعرفه بأن يهرب إلى مكان أخر وارفض سكناه معك. 15 – عدم الدالة : + أى موضع دخلته لا توجد لنفسك دالة مع أهله ، وكن جاداً فى كل أمر من امورك فبدء الصلاح هو المحبة والاتضاع والمسكنة ، وعدم الدالة. + إذا عزمت على السكنى مع إخوة. فلا يكن لك مع احدهم دالة ما ، ولا تخلط كلامك بكلامهم ، ان فعلت ذلك فانك تمكث زمانك كله معهم فى سلامة. + ان كنت ماضياً مع إخوة فى طريق وكانت بينك وبين احد محبة فلا تكن لك دالة معه امامهم لئلا يكون فيهم ضعيفاً فيموت من الغيرة منكما وتكون الخطية عليك لأنك سببت له عثره. 16 – تجنب العلمانيين: + الخلطة مع العلمانيين تمنع التوبة وتبرد الحرارة ، والفرار منهم ينشط إلى العمل الروحانى فاحذر لئلا تكون بينك وبين الناس معاملة مادمت فى التوبة فان الخلطة تشغلك عن الروحانية. 17 – تجنب الاهل : + ان اتفق لك قضاء مصلحة هامة فى بلدك فاحفظ نفسك من اهلك واقربائك ولا يكن لك معهم دالة ولا خلطة فى كلام أو فى غيره. + الذين فارقتهم حباً فى الله لا تكثر ذكرهم فى قلبك لئلا ينشغل عقلك بهم بل اذكر الموت الدينونة وكيف انه لا يستطيع احد منهم ان يعنيك فى ذلك الوقت. 18 – تجنب الصبيان : + اياك ان تؤاخى غلاماً حديث السن. 19 – تجنب النساء : + إذا دعيت لتأكل عند إنسان وعلمت ان هناك امرأة جالسة ستأكل معك فارفض ولا تأكل هناك البتة ، لأنه خير لك ان تحزن ذاك الذى دعاك من أن تزنى بفكرك فى الخفاء ، حتى وان رقدت فلا تبصر ثياب النساء بعينيك – وان كنت فى طريق ولقيتك امرأة فجاوبها بفمك فقط. 20 – السكون : + ارفض محبة الخروج والجولان فيما لا ينفعك ، وان عرض لك أمر هام كافتقاد أخ أو الذهاب إلى دير وقدموا طعاماً لذيذاً ، فلا تشبع منه ، واسرع فى العودة إلى قلايتك. + إذا انصرفت من المائدة فادخل قلايتك ولا تجلس تتحدث مع من لا ينفعك. ثالثاً – العفة العفة عمل قلبى وحفظ حواس : حفظ الحواس 21 – العين ( النظر ) : + كن متحفظاً لعينيك ، وإذا نزعت ثيابك فاياك ان تبصر شيئاً من جسدك. + احتفظ بقلبك وعينيك فلن يصيبك بأس فى جميع أيام حياتك ، كل من نظر فى وجه أخيه بلذة شيطانية قد فسق. + ان سرت مع إخوة فى طريق ، فتباعد عنهم قليلا ولتكن صامتا ، وإذا مشيت فلا تلتفت يمنة ولا يسرة بل ادرس فى مزامير وصل لله بفكرك. 22 – دهن الجسد : + ان كنت قد تعبت من السير فى الطيرق واردت ان تدهن جسدك بقليل من الزيت فليكن لك ذلك الحياء ، ولا تدع احداً يدهن لك جسدا وانت صبى. 23 – فى العالم : + إذا ذهبت إلى مدينة أو قرية فلتكن عيناك ناظرتين للارض لئلا تسبب لك محاربات فى قلايتك. 24 – فى الزيارات : + ان أنت ذهبت إلى ضعية. ونزلت عند إنسان فى قلايته واضطر ان يخرج هو لامر ما وتركك وحدك فى القلاية فاياك ان ترفع نظرك لتبصر شيئا مما فى قلايته أو تحرك شيئا من موضعه. ولكن عند خروجه قل له اعطنى شيئاً اقوم بعمله. وكل شئ يرضيك به افعله بلا كسل. + إذا دخلت قلاية أخ لك به سابق معرفة فحيثما اجلسك اجلس ولا تتحرك من الموضع الذى اجلسك فيه الا بدعوة منه. 25 – السمع : + إذا تحدث أناس بأفكار لم تبلغها بعد ولم تحارب بها فامتنع من سماع كلامهم هذا لئلا تجلب على نفسك ذلك القتال. 26 – اللسان : + كثرة المناصبة ( الوقوف فى وجه الغير المقرون بالشتائم والانتقادات والكلام اللاذع ) تدل على أنا اشرار. + إذا قمت فى موقف الأبرار احتفظ بلسانك ليسكن فى قلبك خوف الله لان من ينفلت لسانه فهو مازال عبدا. اما من غلب لسانه فقد صار حرا ، ومن تحاشى الحديث الردئ يحفظه الرب من السقطات ، أما كثرة الحديث فمنها تأتى الرعونة والملل. + لتكن السنتنا ملازمة ذكر الله والعدل لكيما نخلص من الكذب ، فاحفظ نفسك من الكذب فانه يطرد من الإنسان خوف الله. 27 – الضحك : + احذر من فتح فمك بالضحك ، فان الضحك يوضح عدم وجود خوف الله. 28 – آداب المائدة : + اذا جلست على المائدة وانت شاب فلا تتجرأ وتدعو إنسانا إلى الاكل وتشكر له فى الطعام ، بل اذكر خطاياك لئلا تأكل بلذة ، ومد يدك إلى ما هو قدامك فقط ، ولتغط ثيابك رجليك ، وركبتاك مضومتان أحداهما إلى الأخرى ولا ترفع وجهك فى قريبك وانت تأكل ولا تتلفت هنا أو هنالك. ولا تتكلم كلمة فارغة. وإذا شربت الماء فلا تدع حلقك يحدث صوتاً كما يفعل العلمانيون واى شئ يوضع امامك مد يدك إليه بتغصب. + كان الإخوة يتناولون الطعام ويتحدثون اثناءه فانبهم أنبا اشعياء بقوله "الزموا السكوت أيها الإخوة ، فاننى اعرف اخا يأكل ويشرب معنا طبيعياً بينما ترتفع صلاته أمام الله مثل نيران". 29 – آداب الجلوس : + إذا كنت جالساً مع الإخوة واضطررت للبصاق فلا تبصق فى وسطهم بل قم خارجه والقه ، لا تتماطا فى وسط الناس ، وإذا جاءك التثاؤب فلا تفتح فمك فيذهب. 30 – المرقد : + اياك أن تبين فى قرية وتنام فى بيت تخشى ان تخطئ فيه بقلبك. + إذا رقدت فى موضع فلا ترقد مع آخر فى فراش واحد ، ولا تتغط أنت وآخر بغطاء واحد وصل صلاة طويلة قبل ان تنام. 31 – انكار الذات : + احذر من ان تعتبر نفسك شيئاً فى اى أمر من الأمور فان ذلك يفقدك النوح على خطاياك. + لا تضع فى نفسك انك حكيم فتقع فى ايدى اعدائك. + إذا مضيت إلى ضيعة مع إخوة لا تعرفهم فاعطهم التقدم فى كل شئ ولو كانوا اصغر منك. وان نزلت عند صديق لك فليكونوا هم المتقدمين عليك فى كل شئ على المائدة وغيرها. لا تظن انه بسببك يكرمهم صديقك ، بل قل لهم : انه بسببكم يصه بى الرحمة. + ان اردت الذهاب إلى أناس فلا تضع فى قلبك إنهم سوف يفرحون جداً بلقائك. فان قبلوك اشكر الله على قبولهم لك. + ان حفظت وصايا المسيح كلها وعملتها ، قل : " انى لم ارض الله قط ". سابعاً – احتمال كل ما يأتى علينا 32– اساءة الغير : + إذا كنت فى قلايتك وتذكرت ان إنسانا أساء إليك واحزنك فقم فى الحال وصل من اجله من كل قلبك ان يغفر الله له وبذلك تنطفئ عنك محبة محازاة الشر بالشر. + ان شتمك إنسان فلا تجبه حتى يسكت : وفتش نفسك بخوف الله فانك سوف تجد ان ما قد سمعته كائن فيك وان العلة هى منك ، فاصنع له مطانية مثل إنسان يعرف الحقيقة انه هو الذى اخطأ. 33 – المرض : + إذا اصابك مرض وانت ساكن فى قلايتك فلا تصغر نفسك بل اشكر الله على ذلك. 34 – الزهد : + ان أنت بعت شغل يديك فلا تتشدد فى الثمن كالعلمانيين كذلك إذا اردت ان تشترى شيئا زد على ثمنه قليلا وخذخ وان لم يكن معك ما يساوى قيمته فاتركه بسكوت. 35 – الإيمان : + احفظ نفسك من مجادلة المخالفين بحجة انك تريد الدفاع عن الإيمان لئلا يؤثر كلامهم فيك فتهلك. وان وجدت كتابا من كتبهم فلا تقرأ فيه لئلا يمتلئ قلبك بسم الموت بل تمسك بأمانتك كما اضاءت لك المعمودية ، كن على حذر من تعليم الكذاب المضاد. 36 – عدم الادانة : + إذا ابصرت إنسانا قد اخطأ فلا تحتقره ولا تزدر به لئلا تقع فى ايدى اعدائك ، وإذا طغى أخوك بجهله بسبب الهراقطة ، ثم رجع إلى الإيمان القويم فلا تحتقره. + إذا سمعت اخاً يدين آخر فلا تستح منه أو توافقه لئلا تغضب الله. بل قل له ياتضاع : " اغفر لى يا أخى فانى إنسان شقى وهذه الأمور التى تذكرها أنا متغمس فيها ولست احتمل ذكرها. + لا تقبل ان تسمع ضعفات أخيك أو تلومه ، والا فأنت هالك. + إذا أساء إليك أخ وجاء أخر وعاب فيه عندك فاحفظ قلبك لئلا يتجدد فيه ذكر الشر الذى أساء به إليك ذلك الإنسان. + من لا يدين أحدا فقد استحق النوح ، إذا انشغلت عن خطاياك وقعت فى خطايا احيك. + ان قلت ان فلانا صالح وفلانا شرير خربت نفسك. ثامناً – ضبط المشيئة 37 – رفض المشيئة: + لا تكن معاندا أو متمسكا بكلمتك لئلا يسكنك الشر ، فان طالبك الإخوة بامر لا تهواه فارفض مشيئة نفسك وتمم ما يقولونه لك لئلا تحزنهم فتفقدوا السلام فيما بينكم. + إذا كنت ساكناً مع أخ وسألك قائلا: " اطبخ لنا شيئا " فاساله عما يجب فان ترك لك حرية الاختيار فمهما وجدته موافقا له اطبخه بخوف الله. وكل عمل تعملانه اشتركا فيه ولا يطلب احدكم راحة جسده لئلا يضطرب فكر أخيه. + من قطع هواه من أجل أخيه لمرضاة الله فقد أنبأ نفسه انه قد اقتنى الفضائل ، اما الذى يرضى هواه فقد اظهر انه غير خائف من الله. + ان أنت قطعت هواك بمعرفة اقتنيت لنفسك التواضع ، اما الذى يريد ان يتمم هواه فذاك بعدم الصلاح كله ، فلتقطع اهوية قلوبنا ولنلتمس مشيئة الله ويتمهها. + فلنهرب من اللجاجة ( العناد والمجادلة ) فانها تهدم كل بنيان الفضيلة وتصير النفس مظلمة لا تبصر شيئا من الصلاح فتحفظ من هذا الوجع ( هذه الرذيلة ) الردئ الذى إذا اكتنف اى صلاح اعدمه ، لان ربنا ما ان طلع على الصليب حتى طوح يوداس ( يهوذا ) من وسط تلاميذه ، فان لم يقطع الإنسان هذا الوجع الردئ ( اللجاجة ) فلن يستطيع ان يدرك شيئا من أمور الله لان كل شر فى الدنيا يلحق صاحب هذا الوجع .. وهذا الوجع هو نتيجة الكبرياء ، لان المتكبر لا يقدر ان يتحمل شيئاً من الموعظة وهو محب لمجد الناس والغلبة ويسكن فى نفسه كل أمر يبغضه الله ، لان المتكبر لا يقدر ان يكون بغير عثرة ، وهو يسلم نفسه بنفسه إلى ايدى اعدائه .. وحينئذ يصنعون لها شروراً كثيرة. 57 – قبول الغير: + إذا وجه إليك إنسان كلمة قاسية ، فلا تشمئز أو يستكبر قلبك ولكن بادر واصنع مطانية ولا تلمه فى قلبك ، والا فالغضب يثور عليك. + إذا افترى احد عليك بشئ لم تصنعه فلا تجزع ولا تغضب، بل اتضع لصنع له مطانية ، وسواء كنت قد فعلت ام لم تفعل ففى كلتا الحالتين قل: " اغفر لى فلن أعود لمثله مرة أخرى ". + لنتحمل تعبير اخوتنا إذا هم رذولنا لنخلص من العظمة. 58 – الاعتراف بالخطية : + ان أخطأت فى أمر ما للا تستح وتكذب ، بل اسرع واقر بذنبك واستغفر الله فيغفر لك. + طولى لمن اهتم من اجل جراحاته لتشفى ، وعرف خطاياه وطلب من اجلها الغفران. + من كنتم خطاياه عن صاحب سره فقد دل على تعاظمه ، وقد استملك عليه عدوه ، اما الذى يفشى أفكاره فيستريح. لنرفض شرف العالم وكراماته لنتخلص من المجد الباطل. تاسعا – العمل 59 – العمل فى القلاية : + إذا قمت باكر كل بوم فقبل ان تقوم بأى عمل اقرأ كلام الله وبعد ذلك ان كان لك فى القلاية عمل فاعمله بهمة ونشاط. + إذا جلست فى قلايتك فاهتم بهذه الثلاث خصال : " ابدأ عمل يديك ، ادرس مزاميرك وصلاتك ، تفكر فى نفسك انه ليس لك شئ فى هذه الدنيا سوى اليوم الذى أنت فيه فلن تخطئ ". 60 – عمل اليدين : + اتعب نفسك واضطرها على العمل وخوف الله يحل عليك. + اعمل لكيما تعطى المساكين من عرق جبينك لان البطالة موت وهلاك واحرس قلبك قبل كل شئ كى يكون لك شغل فى الروحانية فى كل رهبنتك. + إذا كنت تقوم بعمل يديك فلا تتوان البتة ولكن اهتم به بخوف الله تخطئ بدون وعى ، وكل عمل تؤديه لا تستح ابدا من ان تسأل من يعلمك قائلاً : " اصنع محبة وأرنى .. " وخذ رأيه أيضا فيما لو كان عملك جيداً ام لا. عاشراً – المحبة 61 – معاملة الإخوة : + لتكن محبا للمؤمنين لتحل عليك رحمة الله. لتكن محباً للقديسين لتتحلى بأعمالهم الصالحة. + لنكن محبين لجميع الناس لنخلص من الغيرة لنكن متصالحين مع كل احد لنخلص من البغض اما الذى يلوم اخاه أو يحتقره أو يشى به قدام الاخرين أو يظهر له غضباً ، فقد صار بعيداً من الرحمة. 62 – الملكية المشتركة : + ان سألك أخ ان تعيره اناءك فاعطه اياه ، رغم حاجتك إليه ورغم عدم وجود غيره عندك ، واياك ان تجلس بعد ذلك متضايقاً مرتبكاً فخير لك ان يهلك احد اعضائك من ان يذهب جسدك كله إلى جهنم. + ان أنت اقرضت اناسنا مسكينا شيئا وعرفت انه ليس له ما يوفيك فلا تحزنه ولا تضيق عليه فى شئ مما اعطيته سواء كان ثيابا ام وزنات ام غير ذلك. 63 – اجتماعية : + ان ذهبت إلى قرية وأوصاك أخ ان تشترى له شيئاً ، فاشتره له كما لو كنت تشتريه لنفسك وان كان معك إخوة وقتئذ فاشركهم فى هذا الأمر. + ان مررت واستأذنت الأخ قائلا : " استرح قليلا حتى أتى إليك " فان دعاك صديقك ان تدخل لتأكل عنده ، فاياك ان تلبى دعوته دون ان تشرك الأخ الذى معك". + ان ستعرت من أخيك فاسا أو غيره فلا تتوان فى ان ترده إليه عند قضاء حاجتك ولا تتركه حتى يطلبه منك ، فان انكسر جدده له ، وان اودع أخ عندك اناء ، واحتجت إليه احتجاجا شديدا فاحذر ان تمسه بأذية. 64 – الضيوف والغرباء : + ذا كنت جالسا فى قلايتك واتاك أخ غريب فادهن رجليه وقل له : "اظهر محبة وخذ قليلا من الزيت وادهن به جسدك " فان لم يرد فلا تكرهه ـ إذا كن شيخا عمالا. + إذا زارك غرباء اعطهم حاجتهم برضى ، وإذا كفرا عن الطعام فقل لهم مرتين أو ثلاثة " اصنعوا محبة وكلوا قليلاً ". + إذا جاءك أخ غريب ليكن وجهك صبوحاً حين تسلم عليه ، واحمل عنه ما يحمله بفرح ، وكذلك إذا أراد الانصراف ليفارقك بفرح ولتودعه بخوف الله وبشاشة كى تكونا عند الفراق رابحين نفسيكما ، وكذلك فى حال وصوله إليك اياك ان تسأله عن أمور لا تخلص نفسك بل دعه يصلى اولا ، فإذا جلس قل له : "كيف أنت ، وكيف حالك؟ " ولا تزد على ذلك ، واعطه كتابا ليقرأ فيه. فإذا كان قد جاء متعباً فاتركه حتى يستريح واغسل رجليه. فان كان قد اتاك حاملا إليك كلاماً ليست فيه منفعة فقل له : " اغفر لى يا آخى فانى ضعيف ولست اقوى على سماع هذا الكلام " ، وان كان ضعيفا وثيابه رثه فاغسلها له وخيطها إذا احتاجت إلى خياطة. 65 – الرحمة : + اعط المحتاجين بعين واسعة .. حتى لا تحزن بين القديسين لان قلة الرحمة تعبر عن اننا لا نحب الله. + لنلازم محبة المساكين لنخلص من حب الفضة . + إذا جاءك أحد من الطوافين وتصادف أن كان عندك رجل قديس في نفس الوقت فلا تدخله عليه ولكن اصنع معه رحمة من أجل محبة الله واخل سبيله . وان كان مسكينا فلا تصرفه منعندك فارغا ، بل اعطه من البركة التي أعطاك الله اياها ، وأعلم أن كل شيء لك ليس ملكك فاعطه من أجل الرب . أحد عشر – المرشد الروحي + لا تعمل عملا في توبتك بدون مشورة ، فتعتبر أيامك بنياح . وكل فكر يحاربك أكشفه ولا تستح أن تقول به هو أكبر منك بالروحانية فيخف لكالفكر عنك ويذهب ، واعلم أنه لا يوجد شيء يفرح له الشياطين مثل إنسان يخفي أفكاره ، ردية كانت أم جيدة . + ان سألك شيخ عن أفكارك فاكشفها له بصراحة متي تأكدت ان له أمانة ويحفظ كلامك . ولا تنظر الي كبر السن بل اعتمد علي من له علم وعمل وتجرية ومعرفة روحانية ، لئلا يزيدك سقما بدلا من أن يهبك شفاء . + لا تكشف اسرارك لكل أحد لئلا تسبب عثرة لقريبك . اكشف أفكارك لآبائك الشيوخ لتجد معونة بمشورتهم . + ان وجدت شيوخا جالسين يتكلمون كلام الله وأردت أن تجلس معهم لآبائك الشيوخ لتجد معونة بمشورتهم . + ان وجدت شيوخا دجالسين يتكلمون كلام الله واردت أن تجلس معهم فاستأذن معمك أولا فان أذن لك فاجلس واسمع كلامهم ، وكل ما يأمرك به أفعله وأن أمرك معلمك بقضاء حاجة خاصة به فأسأله عن المكان الذي تذهب إليه لقضائها وما يشير به عليك لا تزد عليه ولا تنقص . *** أساس ومشارب الأساس : وصف القديس برصنوفيوس السلوك الرهباني في كلمات مختصرة فقال : 1- العمل الداخلي هو : وجع القلب ( أي المناجاة القلبية بمسكنة وماأومة ) وهذا يجلب الطهارة . والطهارة تلد سكوت القلب الحقاني . وهذا السكوت يلد التواضع . والتواضع يصير الإنسان مسكنا لله . وهذه السكني تطرد الأعداء الأشرار ، مع كافة الأوجاع الرديئة ، وتحطم الشيطان رئيسها ، فيصير الإنسان هيكلا لله طاهرا مقدسا مستنيرا فرحا ممتلئا من كل رائحة طيبة وصلاح وسرور ، ويصبح الإنسان لابسا لله ، نعم ويصير الها ، لأنه الها ، لأنه قال : أنا قلت أنكم آلهة وبني العلي تدعون . وحينئذ تتفتح عينا قلبه ، وينظر النور الحقاني ، ويفهم أن يقول : اني بالنعمة تخلصت بالرب يسوع المسيح . الطاعة : والذي يريد أن يرضي الله ، فليقطع هواه لأخيه ومعلمه ، لأنه إذا فعل ذلك فهو يجد نياحا بالرب . مشارب : سئل القديس أنطونيوس ما هو العمل الجيد فأجاب وقال : أن الأعمال الجيدة كثيرة لأن الكتاب يقول : أن ابراهيم كان مضيفا للغرباء وكان الله معه ، وايليا كان يؤثر سكني البرية والوحدة وكان الله معه ، وداود كان متضعا ووديعا وكان الله معه ، ويوسف كان حليما عفيفا وكان الله معه ، فالذي يحبه قلبك من كل هذا اعمله من اجل الله واحفظ قلبك . وإذا قاتلتك أفكار كثيرة فقاتل أنت رأسها فان هزمته انهزم باقيها . وقال أيضا : الذي يطرق سبيكة من الحديد يسبق أولا فيمثل في فكره ما هو عتيد ان يفعله ، أما منجلا أو سكينا أو فأسا ، وهكذا بسبيلنا نحن أيضاً ان نفكر في كل شيء نبدأ العمل فيه لئلا يكون عملنا باطلا . القديس يوحنا القصير سأل بعض الشيوخ يوحنا القصير قائلين : عندما كنت في كريت كيف كان الآباء يدبرون انفسهم . قال : كانوا يؤدون عمل الرب بكل قوتهم ليل نهار . أعني أنهم كانوا 1- يتلتون الخدمة ( الصلوات العامة ) 2- يصلون . 3- ويقرأون وكانوا يهتمون بالاكثر علي الانفراد 4- وعوضا عن البطالة كانوا يعلمون بأيديهم . |
رد: بستان الرهبان
تدابير الإرادة - الفقر لقد كان الإنسان في البدء شبه الملائكة، فلما سقط صار شبه البهائم، ولكن إذا كانت الطبيعة الإنسانية تسوق الى الشهوات البهيمية، فان الشريعة المسيحية تؤدي إلى الغاية الملائكية، لأن المسيح وعد الذين يعملون إرادته أنهم سيكونون مثل ملائكة الله، فاعلم يا خى أنه ليس شئ يقرب إلى الله مثل الطهارة والاتضاع ، ويمكن اقتناؤها بالصروم والصلاة والسهر والتعب. وأتمام الخيرات بقطع رأس الشر الذي هو حب المقتنيات . سؤال : ( أسألك يا أبي أن تبين لى ما هى المشيئة الجيدة ، وما هي المشيئة الرديئة ؟ ) . الجواب : ( قلت لك أن كل نياح جسادنى مرذول عند إلهنا) ، لأنه قال : (أن الطريق المؤدية إلى الحياة الأبدية حزينة وضيغة ، فمن يختارها لنفسه المشيئة الجيدة، ومن أرادها فإنه يلقى بنفسه في كل أمر حزين بهواء، وبقدر استطاعته . أسمع ما قاله الرسول: (أني أقمع جيدي واستعبده) فأفهم أن الجسد لا يريد ذلك، بل بمشيئته كان يضمره، فالذي يريد الخلاص يجب أن تكون مشيئته هكذا، ومن كان كذلك فكل أموره مختلط فيها الحزن . لا تستعمل فراشا لينا، وتذكر أن كثيرين ينامون على الأرض وبين الشوك، وأن صادفت طعاماً لذيذا فاتركه وكل من الدون، كيما يحرك على جسمك حزناً، وأذكر الذين لا يذوقون خبزاً البتة، واذكر كذلك الألم الذي قبله سيدك من أجلك ، وأعط لنفسك الويل – هذه هي المشيئة الجيدة ، أما المشيئة الرديئة فهي نياح الجسد في كل ما يطلبه منك، ولاسيما إذا اتفق لك طعام غير جيد، وقلت: (لا آكل) ، فهذه هي المشيئة الرديئة، فاقطعها عنك وأنت تخلص) . قطع الهوى سأل أخ شيخاً : (كيف أعلم، أن أقطع مشيئتي حين أكون في القلاية وحين أكون بين الناش؟ . وما هي مشيئة الله وما هي مشيئة الشيطان ؟ ) . فأجابة : ( أما قطع الراهب لمشيئته في قلايته، فذلك بتهاونه بانياح الجسداني في جميع الأحوال والأمور، أما إذا كان بين الناس، فليكن كالميت بينهم، أو كالغائب عنهم، أما مشيئة الله فهي الا يهلك أحد، كما كتب في الأنجيل، وأن يقبل الكل إلى معرفة الحق، كما قال الرسول بولس ، وألا يموت الإنسان وهو خاطئ ، بل أن يتوب ويحيا، كما قال النبي حزقيال . أما مشيئة الشيطان فهي : (ثقة البار بنفسه ، وعد توبة الخاطئ عن خطيئته). ولما سئل أنبا يوحنا رئيس الكينونيون عند نياحته : (قل لنا كلمة يا أبانا) قال : (إنى لم أكمل هو أي قط ، ولم أعلم أحداً شيئاً لم يسبق لى عمله ) . الصلاة وموافقتها لميشئة الله :- + أخبروا عن شيخ قديس، أنه كان داخلاً إلى مدينة لها أمير كبير، وكانت له أبنة قد قاربت الموت، فلما رأي القديس أمسكه وأعاقه عن السفر قائلاً له : (لن أطلقك حتى نصلي على ابنتى فتصافى). فتبعه الشيخ إلى موضع الصبية ، ووقف فوق رأسها، وبسط يديه قائلاً: (أيها الرب العارف بخير النفوس، يا عالم الغيوب، يا من لا يشاء ان يهلك أحد من جنس البشر، أنت تعلم حيرة هذه الصبية، أرادتك أفعلها معها) ، وللوقت أسلمت الصبية روحها، فصاح أبوها على الشيخ قائلاً: (واويلاه منك يا شيخ، فإن كنت لم تقدر أن تقيمها ، فلا أقل من أن تعطيها لى كما كانت، والا فلن أطلق سبيلك) ، فطلب الشيخ من الله فعادت نفسها إليها بطلبة الشيخ مرة أخرى . ولما عوفيت لم تلبث أن سارت سيرة رديئة، فأفسدت جلال أبيها، فمضى إلى موضع الشيخ وطلب منه قائلاً: ( أريد أن تموت، فقد عاشت عيئة رديئة، وأنا أحتشم أن أمشى بسببها) ، فقال له الشيخ : ( أنا قد طلبت من الله الخير فيما يريد ، وقد علم الله أن موتها أصلح ، لكنك لم ترد ، والان لا شأن لى معاك ومضى الشيخ وتركه . ولذلك كان إنما أغاثون يقول : ( هكذا يجب أن يكون فهم القديسين أن يعرف الإنسان مشيئة الله وأن يكون بكليته سامعاً للحق خاضعاً له لأنه في صورة الله ومثاله). ومن شر الأعمال كلها أن يطيع الإنسان ارادته ويخالف إرادة الله وأن يكون له هوى في شئ وفي غيره هوى آخر في نفس الوقت . كذلك قيل : ( النية هي المطلوبة في كل موضع وليست في موضع معين، فإن آدم كان في الفردوس وأطاع مشورة الشيطان، وتبع هواه وعصى وصية الآله، وأيوب كان جالسا على المزبلة ، وقام الشيطان ، وضبط هواه، وحفظ وصية الآله) . الغربة قال القدس برصنوفيوس : " غرباء نحن، فلنكن غرباء بالكمال، ولا نحسب انفسنا شيئاً، ولا نشاء أن يحسبنا أحد فنتنيح. جاهد ان تموت في القبر من كل أنسان، وقل لفكرك: " لقد مت ووضعت في القبر" وأنت تخلص، وليس غلق الباب هو الموت، بل غلق الفم والطاعة هي أيضاً مطفئة لجميع سهام العدو المحماة . المحبــــة وقال أيضاً : + البذور العظيمة، والأعصاب التى تشدد كل الأعضاء، وتشفى كل مرض وأسترخاء، هي المحبة التى أعطانا الآب وأحيانا بها " . 1- الفقر قال أحد الشيوخ : " لا تطلب حوائج كثيرة، لأنك عاهدت المسيح أن تعيش معه بالفقر، لأن المسيح هو حياة النفس، وكل ما اقتناه في كلبه وفي كره وفي تصرفاته بإمتداد عقله إليه، فهو ذاك الذي ينجح في سيرة هذا العمر، وينال الحياة التى لا تزول " . (أ) حياة النساك أتفق أثنا عشر من القديسين الحكماء، واجتمعوا على رأي واحد، ورغب بعضهم إلى بعض في أن يذكر لهم طريقة نسكه ، لينتفعوا : فقال الأول : ( أنا منذ بدأت بالأنفراد ، صلبت ذاتى عما هو خارج عنى ، وجعلن فيما بين نفسى. وبين الأشياء الجسمانية سوراً ، وصرت في بيتى كمن هو داخل السور ، فلا ينظر إلى ماهو خارج عنه ، فكنت أتأمل ذاتى فقط، منتظراً الرجاء كل وقت من الله ، وصورت الأفكار الخبيثة بصورة العقارب والحيات ، فمتى أحسست بها متحركة في طردتها وأبعدتها بالغيظ والتهويل ، وما كففت في وقت من الأوقات من الغضب على نفسى وجسيمي، لكيلا يعملا عملا شريراً ) . وقال الثاني : ( أنا منذ زهدت في العالم ، قلت في نفسى ، اليوم ولدت ، فاترك ما مضى وابتدئ بالعبادة لله ، وأنزلت نفسي منزلة الغريب في المكان الذي من شأنه أن ينصرف غداً ) . وقال الثالث : ( أيا من بكرة النهار اطرح ذاتي على وجهى أمام ربى، وأقر بجرائمى) ثم اتضرع للملائكة أن يسألوا الله العفو عنى، وعن الناس جميعاً، ثم أطوف أماكن العذاب بعقلي، وبأبكى وأنوح إذ أرى أعضائي مع الذين يعاقبون ويبكون) . وقال الرابع : ( أنا اتصور نفسي جالساً في جبل الزيتون مع ربنا وملائكته وأقوال لنفسي، منذ الآن لا تعرف أحداً بالجسد ، بل كن مع هؤلاء دائماً بمنزله مريم الجالسة عند قدمي السيد، لتسمع أقواله سماعاً مطيعاً، كقول ربنا. (كونوا أطهار لاني طاهر، كونوا كاملين مثل أبيكم الذي في السماء فإنه كامل، تعلموا منى فأنى وديع ومتضع بقلبي " . وقال الخامس: ( وأنا أتصور الملائكة صاعدين ونازلين في أستدعاء النفوس وأتوقع وفاتي كل يوم ، وأقول : (مستعد قلبي يا إلهي ) . وقال السادس : ( أنا أستشعر كل يوم أنني أسمع من ربنا هذه الأقوال . "أتعبوا من أجلى فأنيحكم ، أن كنتم أولادى فاستحوا منى كأب محب، وأن كنتم أخوتى فوقرونى، أنا كنتم أحبائي فاحفظوا وصاياى، أن كنتم رعيتى فأتبوعني " . وقال السابع : " أنا أذكر نفسي بهذه : " وهي الأمانة والرجاء والمحبة حتى أنجح بالأمانة، وأفرح بالرجاء ، وأكمل بالمحبة لله والعبادة " . وقال الثامن : " أنى رأي المحتال طائراً طالباً واحداً يبتلعه، وأرفع نظرى العقلي إلى إلهى واستنجد به عليه في أن لا يدعه يتقوى على أحد، وخاصة على الخائفين منه". وقال التاسع : أني أرى كل يوم كنيسة القوات المعقولة. وأعاين رب المجد، في وسطها لامعاً جداً، واسمع نغماتهم في تسابيحهم التى يرفعونها الى الله ، بمنزلة من قد فهم ما هو مكتوب : " أن السموات تخبر بمجد الله " ، فاحسب كل ما على الأرض ومادا وكناسة فيزول عنى الضجر والتعب والغم . وقال العاشر : (أنا أرى الملاك الذي معى قريباً منى، وصاعداً بأعمالى وأقوالي، فأحفظ ذاتى وأتذكر قول النبى : " سبقت فرأيت الرب أمامى في كل حين ، لأنه عن يمينى لكيلا أتزعزع " . وقال الحادي عشر : " أنا أضع وجهي على ضبط الهوى ، والعفة ، وطول الروح ، والمحبة ، وأقول لنفسي : لا تنامى " . وقال الثاني عشر : " أما أنتم فلكم أجتحة من السماء، طالبين ما في العلا ، فقد انتقلتم بالنية من الأرض ، وتعريتم من هذا العالم، فأنتم أناس سمائيون أو ملائكة أرضيون. وأما أنا ، فاذا قست نفسى بكم، أكون غير مستحق الحياة، لأني أعاين خطاياي أمامى في كل حين، وأينما توجهت تتقدمنى، وقد حكمت على ذاتى أنى في جملة الذين تحت الأرض قائلاً: سأكون معهم ، إذا كنت مستوجباً أن أكون قريبهم، وأبصر هناك الدود والحسرات والعبرات المتضلة المرة ، وأقواما تقعقع اسنانهم، (مرتعشين) بجملة جسمهم، من رؤوسهم الى أرجلهم، وأطرح ذاتي على الأرض، وأنثر الرماد على ، متضرعاً إلى الله، في الا أباشر تلك العقوبات، وأنظر أيضاً بحر نار يغلى، ويعج، يتوهم من يبصره أن أمواجه تبلغ إلى السماء وملائكة متنمرين يطرحون أناساص لا يحصون في ذلك البحر المريع، وكلهك يعجون بولولة عظيمة، ويحترقون كالقش، وقد ارتدت عنهم رأفات الله ، لأجل آثامهم وأنتحب على جنس البشر، وأتعجب كيف يجسر أحد أن يتكلم كلمة، أو ينظر نظرة بمخالفة، وقد أعدت هذه العقوبات، لكل من لا يؤمن بالإله ويطيع وصاياه، وبهذا أضبط النوح في نفسى والدموع في عينى ، وأحكم على ذاتى بأنى لست أهلاً للسماء ، ولا للأرض، متشبها بالنبى القائل : " صارت دموعى لى خبزا نهاراً وليلاً " . فهذه أقوال وسيرة الأباء المغبوطين لمن أهتدى بأقوالهم، واقتدى بأفعالهم ومن ربنا نسأل العفو والعون، وله نقدم التسبيح والشكر ، ولأبيه الصالح، وروح قدسه، الأن، ودائماً آمين " قال القديس باسيليوس : + " إن النصارى قد منعوا من محبة المجد الباطل، ومن أرضاء الناس ومن المباهاة أما العلمانيون فأنهم يخزون من المسكنة ، ويهيئون أنواع المأكولات للضيف، وأما نحن فلا نرذل المسكينة التى طوبها الرب، وكما لا يليق بنا أعداد الآلات الكريمة الثمينة في الضيقات والبسط فيها، كذلك لا يحسن بنا الأحتفال . فإن قصدك أيها الأخ غريب ، فإن كان حالة كحالك، قدم له العيش ، فإنه يعرف فائدته، ويجد عندك ما تركه في قلايته، فإن كأن قد أتعبه السفر، فقدم له ما يزيل تعبه. وأن قصدك علمانى، فأنه يأخذ من عندك رسما للقناعة في المأكولات، وتذكارا لموائد النصارى، ونموذجاً للمسكنة المسيحية . إذا كنا نغير ملابسنا لمن يتلقانا، فلا نغير أيضاً موائدنا للذي يطرقنا، والرسول يقول : " أن أكلتم وشربتم، أو مهما عملتم، فاعملوا لتمجيد الله " وما يعمل للمباهاة، ليس هو لتمجيد الله ويعقوب أكتفى في مطلوبه من الله ، بخبز يأكله ، وثوب يلبسه والرسول قال : "يكفينا القوت والكسوة" وسليمان سأل الله قائلاً: " رتب لى الكفاف، الذي يقوم بالأود" ، والكفاف هو عدم الفضلة وعدم الحاجة الضرورية معاً، والغذاء الضروري هو اليسر الثمن، والسهل الوجود، فبهذا يجب الأهتمام ، وتقديمه لكل محتاج إليه. ولما كان قوتنا أنما نحصل عليه من شغل أيدينا، يوماً بيوم ، فلا نصرفه في تنعيم غير المحتاجين، لئلا نضيق على نفوسنا ، ونسبب لهم المضرة الحادثة من التبذير حيث يجب التقشف " . شيطان النسك الصوم لمرضاة الله وليس للمجد الباطل : وقال أيضاً أنبا باسيلوس : " لما شاهدت قوما أماتوا أجسادهم بالنسك مدحتهم، لأنى رأيت ضبط الهوى قاهراً للشياطين، إذا كان مبنياً على ناموس الرب. ولما رأيتهم بعد ذلك كاذبين حلافين، سألتهم قائلاً: " إذا كنتم عاملين بوصايا الناس، فأهتموا أولا بوصايا الرب، وتجنبوا الكذب، واليمين والحنث، وباقي ما نهى عنه ، وتوعد بالعقاب عليه، ، فلما لم يقبلوا مشورتى، بأن لى أن الذي يعاونه، إنما هو من أجل تمجيد الناس، لأن ضبط الهوى يحتاج إلى تعب كثير، وترك الكذب واليمين لا يحتاج إلا إلى تأمل فقط" . أقوال بعض الأباء في النسك الصوم : + قال أنبا تيموثاؤس " من يهتم بجسده بشهوة أكل وشرب، فهو يقيم عليه الحرب ، ويقاتل نفسه بنفسه " . + قال شيخ : لا تشبع خبزاً ، ولا تشته شراباً " . + قال مار أفرام : " خبز وملح مع سكوت وراحة، أفضل من أطعمة شريفة مع هموم وأحزان " . + قال شيخ : " أرفع الصلاح كله أن يمسك الإنسان بطنه ولسانه ". + وقال شيح أحر : " شاب يتنزه دفعات كثيرة ، قد صار سيفا لنفسه وحده. + وقال أنبا موسى الأسود : " أعلم يقيناً أن كل إنسان ويشرب بلا ضابط ويجب أباطيل هذا العالم فإنه لا يستطيع أن ينال شيئاً من الصلاح بل ولن يدركه، لكنه يخدع نفسه " . + وقال أيضاً : إذا قاتلتك الشياطين بالأكل والشرب واللبس فارفض كل ذلك منهم وبين لهم حقارة ذاتك فينصرفوا عنك " . العفــة : + قال الآباء : " حيث يكون شرب النبيذ أو النظر إلى الصبيان فلا حاجة هناك إلى شيطان " . + قال شيخ : " أن أنت اتبعت المسكنة والضيقة والأمساك فأنك تحيا " . + وقال أنبا أبرام : " أذا أمسك الإنسان بالضيقة فهو ينمو وينظر جميع قوات الله وجميع حسناته " . + وحدث مرة أن سأل أخ الأب دوروثيئوس قائلاً : كيف أحفظ قلبى ؟ فقال له : " أنك لا يمكنك أن تحفظ قلبك ، مادام فمك وبطنك مفتوحين " . النــسك " + من قول بعض الشيوخ : سألنا أنبا أنانية أن يقول لنا كلمة فقال لنا : " عليك بالمسكنة والأمساك ، لأني كنت في برية مصر في شبابي، وحدث أن أشتكى أحد الآباء بطحاله، فطلب جرعة خل، فلم يجد في تلك البرية كلها، وكان فيخا ثلاثة آلاف راهب، فشكى حالة لأحد الشيوخ الذي أمر بأحضار قليل من الماء، ثم قام وصلى عليه ورسم باسم الآب والأبن والروح القدس، ودهن به الطحال، فزال الوجع لوقته برحمة السيد المسيح" . + زاد مرة رهبان من الاسقيط الأم سارة، فقدمت لهم طعاماً، فتركوت الجيد وأكلوا من الدون ، فقالت : " بالحقيقة أنكم استقيطيون" . + قال أحد الأخوة : مضيت مرة إلى الأب مقاريوس بالنهار ظهراً، وقد عطشت لدرجة كبيرة جداً، فطلبت منه قليلاً من الماء لكي أشرب، فقال لى : " يكفيك ذلك الظل الذي أنت واقف فيه ، لأن كثيرين الأن يسلكون في المسالك والوهاد في العراء، لا يحدون ظلاً مثل هذا " ، فسألته بعد ذلك أن يقول لى كلمة عن النسك. فقال لى "قو قلبك يا أبنى فأني أقمت عشرين سنة لم أشبع من خبز ولا من ماء، ولا من نوم، وكنت آكل خبزى بقانون أما من جهة النوم فأني كنت أستند إلى الحائط واختطف يسيراً منه". 1- الطعام (المأكل) + قال القديس أنطونيوس : كل خبزك بسكينة وهدوء وأمساك، أياك والشره فأنه يطرد خوف الله من القلب ، والحياء من الوجه ، ويجعل أصحابه ماسورا من الشهوات يضل العقل عن معرفة الله . أجعل لك مرة واحدة في النهار للقيام بحاجة الجسد لا للشهوة، ولا تأكل حتى تشبع . + قال القديس باخوميوس : الأكل بقدر ليس خطية، وإنما هزيمة الرهبان هى أن تسود عليهم الحنجرة ويتعبدوا للشهوة. فاحفظ نفسك من الأمتلاء بالطعام، لأن الطريق المؤدية كربة واباب ضيق والامتلاء يجعلك خارج الجنة . + قال مار أسحق : + جالس الضباع ولا تجالس الشره الذي لا يكتفي . + التحدث مع الخنايزير ذات الحماة ، أفضل من فم الأكولين . + لا تخاصم ولا تماحك من أجل البطن . + قال أحد الشيوخ : أن المحب لله لا يحفظ ملاذ الأطعمة " . + قال شيخ : يا حتجرانى، يا من تطلب أن تملأ جوفك، الأجود لك أن تلقى فيه جمر نار من أن تتناول أطعمة الرؤساء . + قال آخر : " الذي يأكل كثيراً ويقوم عن المائدة أفضل من الذي يأكل قليلاً ويبطئ أمام المائدة حتى يشبع " . + وقال أيضاً : " ويح لشاب يملأ بطنه ويصنع هواه ، لأن رهبانيته ، وتلميذته، وكل تعبه ، يكون باطلاً " . + كذلك قيل : " أن كانت شهوتك عالمية، فهذه أيضاً شهوة الكلاب والخنازير، أعنى بذلك البطن والزنا. أما أن كانت شهوتك بالله ، فهذه هي شهوة الملائكة " . + ومرة سأل أخ الأب صيصوي عن تدبير ما ، فأجابه الشيخ قائلاً : " أن دانيال النبي قال : خبز شهوة ما أكلت " . + وقيل أيضاً أن شيخا كان يأكل أثناء عمله ، فسئل عن ذلك فقال : " أنى لا أؤثر أن أجعل الطعام عملاً أتفرغ له ، حتى لا تحسن نفسى بثلذذ في الطعام ". + قال القديس برصنوفيوس : أن أمساك البطن هو أن تقلل من شبعك قليلاً، وأن كان عليك قتال فاترك قليلاً أكثر " . سؤال : " كيف أقدر أن أمسك بطني وأن أكل دون حاجتي ، لأني لا أستطيع صبراً ؟ " . الجواب : ليس أحد يفلت من هذا الامر، إلا الذي قد بلغ إلى مقدار ذلك الذي قال: " أني نسيت أكل خبزي من صوت تنهدي، وقد لصق لحمي بعظمي .. فمن كانت حالته هكذا ، فإنه يأتي بسرعة إلى قلة الطعام لأن دموعه تصير له مثل الخبز، ويبدأ إذ ذاك أن يتغذي من نعمة الروح القدس. صدقني يا أخي، أني أعرف أنسناً يعلم الرب أنه قد بلغ إلى هذا المقدار الذي ذكرت، حتى أنه كان لا يأكل في كل أسبوع مرة أو مرتين، وكان مراراً كثيرة يسبى في النظر الروحاني، ومن حلاوة ذلك كان ينسى أكل الطعام المحسوس، وكان إذا أراد أن يأكل يشعر كأنه شبعان، ولا يجد لذة للطعام، وكان يأكل بدون شهوة، لأنه كان يشتهى أن يكون دائماً مع الله ، وكان يقول : " أين نحن " . + قال الأخ السائل : " أنا أطلب اليك يا أبي أن توضح لى قوة هذا الامر ، وكيف يصير الإنسان إلى ما ذكرت، فأني أجهل ذلك، وإذا أنا بدأت أقلل طعامي، فما يدعنى الضعف حتى أعود إلى المقدار الاول، وأنت قلت لى أن الذي يبلغ إلى المقدار الذي قيل فيه : " أن لحمى لصف بعظمي من صوت تنهدي " يصير إلى قلة الطعام، فبين لى هذا الأمر " . + قال الشيخ : " هذا هو التصاق اللحم بالعظم ، أن تصير جميع أعضاء الإنسان ملتصقة، إلى أن تكون أفكار الإنسان كلها فكراً واحداً بالله، عند ذلك يلتصق الجسداني ويصير بوحانياً، ويلحق الجسد بالفكر الإلهي، وحينئذ يصير الفرح الروحاني ، في القلب ، يغذى النفس ويضبع الجسد، ويقوى كلاهما حتى لا يكون فهما ضعف ولا ملل، لأن ربنا يسوع المسيح إذ ذاك يكون الوسيط ويوقف الإنسان بالقرب من الأبواب التى ليس داخلها حزن ولا وجع ولا تنهد ، وحينئذ يتم القول : " حيث يكون كنزك ، فهناك يكون قلبك " ، فالذي يبلغ إلى هذا المقدار قد أقتنى الاتضاع الكامل ليسوع المسيح ربنا. 2- الشرب (المشرب) + قال أنبا موسى الأسود: " لا تحب الخمر لئلا يحرمك من رضى الرب". + قال أنبا أغانون : " من بذل نفسه لشرب الخمر لا يمكنه أن يخلص من شر الأفكار وقبح الأعمال. فأن لوطا لما أمتلأ من السكر وقع في مجامعه قبيحة مغايرة للناموس الطبيعي " . + قال أنبا أبرام " أهرب من المشارب ، ولا تدخل المجالس لئلا تصير زانيا خلوا من أمرأة الساكنك" . + قال بعض الأباء : " لا تقتن أناء يزيد عن حاجتك حتى ولا (سكرجة) واحدة ، والا فعليك أن تجيب عما فضل عنك " . + سؤال : " أن الزمنى أخر أن أشرب معه قدحا من النبيذ في قلايته فهل جيد لى أن أذهب معه ؟ . الجواب : أهرب من شرب الخمر، تسلم سلامة الغزال من المواهق ، وذلك لأن كثيرين بسبب هذا الأمر ، أندفعوا إلى السقوط بالأفكار " . + سأل أخ الأب تستاريوس : " أن وجدت وقتاما ، وأكلت ثلاث خبزات فهل هذا كثير؟ " فقال له : " هل أنت في البيدر يا أخي ؟! " قال له أيضاً : " وأن أنا شربت ثلاثة أقداح خمر ، فهل هذا كثير ؟ " أجابه أيضاً قائلاً : " أن لم يكن هناك شيطان فإنها ليست كثيرة. أما أن كان فهي كثيرة، لأن الخمر مضر جداً للرهبان لاسيما الشبان ومنهم" . + كان أخ مقاتلاً بالزنى ، فسأل شيخاً أن يبتهل في أمرة لكيلا يقهره الشيطان، فسأل الشيخ الله في أمره سبعة أيام وبعدها سأل الأخ عن حاله فقال له : " لم يخف القتال بعد" فتعجب الشيخ لذلك، وإذا بالشيطان قد ظهر له قائلاً: " أما أنا، فمنذ اليوم الأول في أبتهالك إلى الله بشأنه ، أنصرفت عنه، أنما هو يقاتل ذاته وحده ، لأنه يأكل ويشرب وينام كثيراً " . 3- الثياب ( الملبس ) + قال أنبا أغاثون : " أن رداء الراهب هو علامة عدم وجود الشر " . + وقال مار أسحق : " شيطان الزنى يرصد ثوب الراهب ، هل يلبسه باستمرار، أو يغيره عند التقائه بآخر، لأن هذا هو مفتاح الزنى " . + وقال أيضاً مخاطباً الأخوة : " أنآباءنا كانوا يلبسون خرقا موصولة قديمة، وأغطية عتيقة، أما الآن فلباسنا ثياب غالية الثمن. أمضوا من ههنا فقد أفسدتم ما كان ههنا " . ولما كانوا عتيدين أن يمضوا إلى الحصاد قال لهم : " لن أوصيكم بشئ لأنكم لا تحفظون شيئاً " . + وقال بعض الآباء : " لا يكن لك في قلايتك ثوبا زائدا عن حاتجتك ولست في احتياج إليه، لأن هذا هو موتك، لأن هناك قوما آخرين غيرك، يؤلمهم البرد، هم أبر منك وأحق، وأنت الأثيم عندك ما يفضل عنك. ثوباً جديداً لا تلبس، لأن هذا يمنع من النوح " . وقد أعتاد أنبا أسحق قس القلالى أن يقول : + أن أنبا بموا كان يقول : " أن طريقة لبس الراهب ومظهره يجب أن تكون رثة بحيث إذا القيت خارج القلاية لمدة ثلاثة أيام لا يحملها أحد " . + وجاء أحد الأخوة في إحدى المناسبات الى كنيسة القلالى وهو مرتد غطاء الرأس يتدلى على كتفيه، وعندما رآه أنبا أسحق تبعه قائلاً :" هنا يعيش رهبان، ولكنك رجل العالم فليس لك مكان للعيش هنا " . 4- المال + قال أحد الشيوخ : " أن المحب لله لا يحفظ مالاً " . + وقال بعض الآباء : " لا تقتن ذهباً في كل حياتك والا فما يهتم الله بك، وأن اتاك أحد بذهب ، وكنت صحتاجا، فالنفقة في قوتك، وأن لم تكن محتاجاً. فلا بت عندك " . + تأهل أحد الشيوخ لمواهب الله ، وذاع صيت فضله فاستدعاه الملك لينال بركة صلاته ، فلما تناقس معه وافقتع وحضر له مالا ، فقبله الشيخ وعاد به إلى قلايته، وبدأ في تنظيفها وتعميرها، فجاءه مجنون (بروح نجلس) فقال له حسب عادته: " أخرج من خليقة الله " فقال له الشيطان : " لن أطيعك فقال الشيخ: " ولم؟" فأجابه : " لأنك صرت واحدا من خدامنا أذ تركت عنك الاهتمام بالله ، واشغلت ذاتك بالاهتمام بالأرضيات . + سأل أخ شيخاً : " هل تحب يا أبي أحس لنفسي دنانير فتكون عندى لئلا يصيبني مرض؟ " فلما رأي الشيخ أن فكرة قد هوى أمساك الدنانير، قال له : "نعم" ، فلما مضى ، أزعجته أفكاره قائلة له : " أترى بحق قال لك الشيخ أم لا؟" ثم قام أيضاً ورجع إلى الشيخ وطلب اليه قائلاً : " من اجل الله ، قل لى الحق ، لأن أفكاري تحرنني جداً من أجل الدنانير" فقال له الشيخ : " أني لما أبصرت أنك تحب أمساك الدنانير، قلت لك أمسك أكثر من حاجتك، أما أن أمسكت بالدنانير، فسوف يكون رجاؤك عليها، فأن هي نفذت، فأن الله لن يهتم بك ولن يعينك " . + وقيل أن شيخاً راهباً أصيب بمرض الجذام، فأحضر له أحد المسيحيين مالا وقال له : " انفق هذا المال على نفسك في حال كبرك ومرضك" ، فأجابه الشيخ وقال : " أتريد أن تفقدني في ساعة واحدة ما قد تعبت في أقتنائه منذ بدء حياتى حتى هذه الساعة ؟ " وهكذا لم يقبل منه شيئاً . + وجاء عن أنبا مقاريوس الاسكندراني أنه لم يكن في جنبيه أيه محبة للمال. وحدث مرة حين جاء لصوص إلى قلايته ليلا وأخذوا ما وجدوه فيها، أنه لاحظ ما يعملون فساعدهم فيه ثم سهل لهم طريقة حمل ما أخذوا إلى خارج الصحراء. 5- القنيـــة + قال أنبا موسى الأسود : " محبة المقتنيات تزعج العقل ، والزهد فيها بمنحة استنارة " . + قال القديس انطونيوس : " لا تبق لك أكثر من حاجتك ولا تدفع أكثر من طاقتك " . + قال أنبا أغاثون : " أن محبة المقتنيات متعبة جداً تؤدي إلى نهاية مريرة لأنها تسبب أضطراباً شديداً جداً للنفس فسبيلنا أن نطردها منذ البدء أنها أن أزمنت فينا صار أقتلاعها صعباً " . + " أن كنت مشتاقا إلى ملك السماء فاترك غنى العالم " . + قال مار اسحق : " ألتمس فهما لا ذهبا واقتن سلامة لا ملكاً " . " المرتبط بالمقتنيات والملذات فهو عبد للأوجاع الذميمة". " لا يعتبر عدك حكيما ذاك الذي من أجل الحياة في هذا العالم يستعيده فكرة للأرضيات. كل الملذات والشرور التى تعرض للجسد لتكن شبه أحلام، لأنه ليس بموت الجسد فقط تنحل منها بل كثيراً ما يمكنك رفضها والهروب منها قبل الموت. فأن كان لك منها شئ مشترك في نفسك فاعلم أنه مكنوز لك إلى الأبد. لأنها تذهب معك إلى العالم العتيد.. فأن كان ما أكتنزته من الصالحات فافرح واشكر الله في قلبك وأما أن كان ما أكتنزته من الطالحات الرديئات فاحزن وتنهد واطلب الابتعاد عنها مادمت في الجسد " . + وقيل عن با مقاريوس : " إنه كان يوصى تلاميذه بأن لا يقتنوا مقتنيات البته " . وكان يخاطبهم بقوله : " إن الراهب له جبة مع أنه لا يساوى عند نفسه جبة " . + وقال بعض الآباء : " أن شئت أن تمتلك النوح ، فاجتهد أن تكون أوانيك وكل امتعتك مسكينة فقيرة، مثل الأخوة الشحاذين ، إذا أقتنيت كتاباً فلا تنمق في تجليده ولا تزينه وبالأجمال ليكن جميع ما هو لك مما لا تتألم على فقدانه . ثيابك وحذاؤك وكل أوانيك لتكن هكذا حتى لو جاء قوم ليسر قوها، لا يرضون بها ولا يعجبهم شئ منها . + وقال أحد الآباء لراهب له مقتنيات : " لقد سمى الراهب متوحدا لأنه أصبح يعيش وحده، لا يمتلك شيئاً ، فأن كان له ملك يجار عليه ويظلم فيه، أو يجور هو ويظلم ، فليس هو أذن براهب ، لأن نواميس الملوك لا تسلم بأن يحاكم الرهبان في مجالس أحكامهم، لأنهم قد ماتوا عن العالم ، ولذلك فقد عدم كل عفو ذلك الراهب الذى يدخل نفسه في مجالس الحكام لأجل شئ يظلم فيه أو يجار عليه " . + وقال الشيخ : " من لا يستطيع أن يبغض المقتنيات ، فلن يقدر أن يبغض نفسه حسب الوصية المسيحية " . وسئلت القديسة المغبوطة سفرنيكى مرة أن كان عدم الاقتناء صلاحاً كاملاً: فأجابت بأن ذلك هو حد الصلاح لمن أمكنهم ذلك ، لأن الذين يصبرون على عدم الاقتناء يكون لهم حزن بالجسم ، ونياح بالروح، وهدوء في أنفسهم، كمثل الثياب الجلد التى تداس بشدة وتقلب وتغسل فتنظف، هكذا أيضاً النفس المتشددة بالفقر، فأنها تتشدد وتنظف " . + وكذلك قال شيخ : " أنه هوى شيطانى للراهب أن يحتفظ لديه بقوت قليل، ذلك يدخر مالا حاجة به اليه، أما الصديق فإنه يلقى على الرب همه ، وبغير هم يفرق، من أجل ذلك فيد الرب مفتوحة قدامه وهي ممتلئة، فيأخذ ويعطى بسذاجة بغير فكر. من يحفظ شيئاً زائداً لينيح به المحتاجين فهو حكيم بحق. من أجل هذا إذ تفرغ يده ، تجدها تمتلئ كل ساعة، لأنه إذا أعطى ، فله أن يأخذ أيضاً. من ينيح آخر في ضيقته، له هو أيضاً من يهبه نياح الحياة " . + مرة سأل أخ أنبا سرابيون قائلاً : " قل لى كلمة " فقال الشيخ : " وماذا تريد بسماع الكلمة وقد أخذت قوت الفقراء وتركته في هذه الكوة . وذلك لأنه أبضرها مملوؤة كتباً . + وكان الأب تادرس الفرمى يقتنى ثلاثة أناجيل ثمينة جداً فذهب إلى أبا ماقريوس وقال له : " عندي يا أبي ثلاثة كتب، وأنا انتفع منها، والأخوة كذلك يتعيرونها وينتفعون منها . فأخبرنى الآن ماذا يتبغى أن أصنع؟ [ هل استبقيها لمنفعتي ومنفعة الأخوة، ام أبيعها وافرق ثمنها على المساكين ؟ ] . فأجاب الشيخ قائلاً : " أن أعمال الرهبنة جميلة، ولكن أعظمها جميعاً هو الفقر الاختياري" . ولما سمع الأب تادرس هذه الكلمات ، مضى وباع الكتب وأعطى ثمنها للفقراء . + ورجل مدبر ، تصدق بماله ، وأمسك بعضه لقلة ايمانه واتى الى الأب أنطونيوس وسجد له قائلاً : " علمني كيف أخلص " . قال له الشيخ : " هل تريد أن تكون راهباً ؟ أن أردت أن تخلص فأصنع ما أقوله لك أولاً : " أمضى إلى القرية واشتر لحما وانزع ثيابك وعاقه في رقبته وتعال " . فأطاع الشيخ ، واشترى اللحم ، وخلع صيابه ، وحمله على رقبته ، فلم يبق طير ولا كلب في تلك القرية ، إلا واجتمعوا عليه، فنهشه الطير وجرح جسمه، فلما بلغ القديس على هذه الحال، قال له : " مرحبا يا ابن الطاعة ، اعلم يا ابنى انى قلت لك أن تصنع هذا كى أعطيك مثالاً ، فأن كثيرين من الناس إذا سمعوا الوصايا لا يحفظونها، وآخرون ينسونها لقلة الحسن، ولذلك أمرتك بهذا ليكون كلامي فيك ذا أثر لأجل ألم الوجع، فأن أصحاب قلة الحس لا تنفع فيهم الموهبة شيئاً فلهذا المعنى يا أبنى اسست فيك آثاراً لوصيتى . فإذا قد تنقى حقلك من شوك الغفلة، فلنبذر فيك الزرع المقدس . أرأيت يا أبني كيف نهشت الطيور والكلاب جسمك وجرحته، كذلك تنهش الشياطين وتجرح أصحاب القنية ، فأفهم الآن هذا الكلام في عقلك وتفكر به كل أيام حياتك، وأياك يا أبني أن تجعل لك اتكالاً على المال ، بل أتكل على المسيح ، فاذهب الآن وفرق جميع ما أبقيت له من المال، حتى تكون يا حبيبي رهبانيتك صافية من الغش، لأنه ضار بالراهب أن يبقى في قلايته ديناراً وشيطاناً" ، وبعد أن دعمه بالكلام أخذ قليلاً من الزيت وصلى عليه ودهنه ، وللوقن شفى كأنه لم تصبه جراح ولا ألم قط ، وذهب وهو مسرور يسبح الله . 6- الرقاد + قال شيخ " أن لم يتم الشباب وهو جالس ، مادامت له استطاعة في جسده، فإنه عاجز مقصر، وكل شاب يرقد عل ظهره ولو قليلاً، فإنه يوقظ الاوجاع المهينة في جسده، وأي شاب يحب الراحة والنياح ، فإنه لا يفلت من الخطية، كذلك الشاب الكسلان لا يقتنى شيئاً من الحسنات " . 7- نياح الجسد + قال أنبا أغاثون : " ألزم التعب هاهنا، ولا تكف عن البكاء " + وقال أنبا يوسف : " نحن معشر أخوة هذا الزمان نأكل وننيح الجسد من أجل هذا لا ننمو مثل آبائنا، لأن آباءنا كانوا يبغضون جميع نياح الجسد، ويحبون كل الضيقات من أجل الله ، ولهذا اقتربوا إلى الله الحي " . + وقال شيخ : " أن الراهب الذي يعرف موضعاً فيه منفعة لنفسه، وكانت جوائح الجسد في ذلك الموضع عسيرة، ولهذا السبب يمتنع عن الذهاب إلى ذلك المواضع، فإن ذلك الإنسان ليس فيه إيمان بالله . + وقال آخر : " كما أن حمار المسكين لكونه لا يجد قوتاً ليشبع به ، يصبح هزيلاً ضعيفاً فتنطفئ منه شهوة الطبيعة، وإذ ركبه صاحبه، سار به ذليلاً سهل الأنقياد بسبب ضعفه، هكذا الراهب الذي يقمع جسده بنقص القوت ورداءه الملبس، فإن الشهوة العالمية تنطفئ من جسده، ونفسه تتضع بلا افتخار " . + وقال القديس موسى الأسود : " نسك النفس هو بغض التنعم ونسك الجسد هو العوز " . (ب) حياة التجرد + قال القديس ارسانيوس : " أن الراهب غريب في أرض غريبة ، فإذا أراد أن يجد راحة، فعليه أن لا يشغل نفسه بأي شئ فيها " . + وقال أنبا يعقوب : " أن الغربة أفضل من إضافة الغرباء ". + وقال القديس مقاريوس : " كمثل إنسان إذا دخل الحمام أن لم يخلع عنه ثيابه لا ينعم بالاستحمام، كذلك الإنسان الذي أقدم على الرهبنة ولم يتعر أولا من كل اهتمام العالم وجميع شهواته وملذاته فلن يستطيع أن يصير راهباً ولن يبلغ حد الفضيلة، ولن يمكنه كذلك أن يقف قباله جميع سهام العدو التى هى شهوات النفس" + سأل سبعة من الأخوة أنبا ارسانيوس يوماً : " ما هو عمل الرهبان ؟ " فأجاب أنه حين جاء إلى ذلك المكان ليسكن فيه سأل ذات السؤال لشيخين فقالا له : " أتثق بنا ؟ " فلما قال : "نعم" قالا له: " أذهب وكل ما رأيتنا نعمل اعمله أنت ايضاً " وسأله الأخوة : " وماذا كان عملهما أيها الأب؟" فقال الشيخ : " إن أحدهما أقتنى التواضع والأخر أقتنى الطاعة" فقالوا له: "وما عملك أنت ؟ " فرد عليهم : " فيما يتعلق بمشيئتي وعقلي أنه لأمر عظيم أن يجرد الإنسان نفسه من الارتباط بأي أمر" . وهكذا انتفع الأخوة وانصرفوا فرحين ممجدين الله . + سأل القديس مقاريوس الاسكندري القديس أرسانيوس : هل حسن للإنسان ألا يكون له أي شئ يتمتع به بالكلية في قلايته؟ لأني أعرف أخا كان عنده بعض أعشاب الحدائق في قلايته ولكى يمنع نفسه من التمتع بها اقتلعها من جذورها، فقال القديس أرسانيوس له: "هذا حسن ولكن على كل إنسان أن يعمل ما يستطيع عمله وإذا لم يكن لديه القوة ليثبت في هذا فإنه ربما يزرع غيرها فيما بعد ويتمتع بها " . + وقال أنبا أغاثون عن أنبا بيمين : أنه في مرة صنع خمسين مكيالا من حبوب القمح إلى خبز لحاجات المجتمع، ووضعها في الشمس ولكن قبل أن تجف رأي في المكان أمراً ضايقه، فقال للأخوة الذين كانوا معه : " أنهضوا وهيا بنا نمض من ههنا " فحزنوا جداً ولما رأى أنهم أغتموا قال لهم : " هل تضايقتهم بسبب الخبز ؟ لقد شاهدت بالحقيقة رهباناً يهربون ويهجرون قلاليهم بالرغم من أنها مبيضة جيداً وكانت تحوي دواليب مملوءة من الكتب المقدسة، وكتب الخدمة، ولم يغلقوا حتى أبواب الدواليب بل رحلوا تاركين أياها مفتوحة " . 1- الراهب والعالم + سئل نار اسحق : " ما هو العالم ؟ " أجاب : " أن العالم هو تجربة العالم ، العالم هو أن نكمل أرادة الجسد، العالم هو أن يفتخر الإنسان بالأشياء التى تمضي ويتركها، أذن، فلنجاهد يا أخوتي حتى نلبس لباس الفضيلة، لئلا نلقى خارجاً، لأن الرب لا يأخذ بالوجوه" . + وقال أنبا أفرام : " لأي شئ رفضت العالم أن كنت تطلب نياح العالم، للضيق دعاك الله الكلمة ، فكيف تطلب نياحاً . للعرى دعاك ، فكيف تتزين بالرداءة ؟ .. للعطش دعاك فكيف تشرب خمراً ؟ " . + وقال أحد الشيوخ : " إذا كان الراهب حريصا مجاهداً، فأن الله يطلب منه ألا يرتبط بشئ من أمور هذه الدنيا، لئلا يشغله ذلك عن ذكر ربه، وعليه أن يطلب اليه بلجاجة وبكاء ليغفر الله خطاياه " . + وقال شيخ : " كل من ذاق حلاوة المسكنة، فإنه يستثقل توبه الذي يلبسه وكوز الماء الذي يشرب به، لأن عقله قد أشتغل بالروحانيات، فإذا ما أرتبط الراهب بالدنيا وما فيها، وصنع هواه، فأن جميع تعبه يضيع سدى " . + وقال أنبا أبللوا : " لتكن عندكم هذه علامة عظيمة للنجاح متى أقتنيتم عدم الشهوة لشئ ما من أمور العالم، لان هذا هو فاتحة جميع مواهب الله " . + وقال ما سحق : " كل إنسان تدبيره ردئ ، حياة هذا العالم عنده شهية ويلي ذلك قليل المعرفة " . + وقال شيخ : " ينبغي ألا نرغب في نياح هذا العالم لئلا يقال لنا : قد أخذت خيراتم في حياتك " . + وقال أيضاً مار اسحق : " من يهرب من سبح العالم بمعرفة يكتنز في نفسه رجاء العالم العتيد .. والذي يفر من نياح الدنيا قد أدرك بعقله السعادة الأبدية ". + وقال القديس مقاريوس : " أن محبى المسيح الذين أرادوه قد تركوا نعيم الدنيا ولذاتها وصارت منزلة العالم عندهم كمزلة العويد الصغير فلم يتألموا على فقد شئ منه " . + حدث أن شيخاً مغبوطاً أخذ عامودا صغيراً وخيطا صغيراً وقال : "من ذا الذي يغتم على فقد هذه الأشياء الحقيرة ويحقد بسببها أن كان عاقلاً، لعمرى، أن من استبصر في قدر هذا العالم الزائل كله فلن يعتبره سوى اعتباره لهذه الأشياء الحقيرة، ومع هذا أقول أنه لن يضر الإنسان أن يكون له أشفاق على شئ ويأسف على فقده فقط، بل وعلى جسمه الذي هو أكرن من كل ما يمتلكه عنده، لأننا قد أمرنا أن نتهاون بأنفسنا وأجسادنا، فكم يجب علينا على أكثر لحالات أن نتهاون بما هو خارج عنا . + قال مار أفرام : " أن أعظم الناس قدرا من لا يبالى بالدنيا، في يد من كانت؟ " . + وقال أيضاً : " أزهد في الدنيا بحبك الله ، وأزهد فيما بين أيدي الناس بحبك الناس " . + قال أحد القديسين : " النفس تشتهي أن تخلص ، ألا أنها مشتبكة بالأشياء لباطلة، وعند أشتغالها بالأمور الدنياوية، يصعب عليها تعب الأخره، حتى أنها لا تقدر على أن تصلب على وجهها بغير طياشة، فصلاة كهذه ليست لها قوة فعالة، ولكنها قد صارت عادة " . + وقال شيخ : " كما ان عينى الخنزير تنظران إلى الأرض ولا يرفعهما، كذلك كل من أحبت نفسه اللذات العالمية، بصعوبة برفع عقله إلى الله، ويهتم بشئ مما رضيه " . + وقال أنبا مقاريوس : " إذا حسبت التحقير كالاكرام، واللوم كالمديح والفقر كالثراء فإنك لا تموت " . + سأل أخ شيخاً قائلاً : " لماذا إذا أنا مشيت في البرية أكون مرتعباً خائفاً؟ فقل له الشيخ : " ذلك لأنك لا زلت حيا في أمور الدنيا " . + وقال مار اسحق : " كن ميتاً بالحياة ، لا حيا بالموت " . + وقال أيضاً : " أبتعد عن العالم ، وحينئذ تحس بنتانته، لأنك أن لم تبتعد عنه، لن تحس برائحته الكريهة " . + سئل مرة : "ما هو العالم ؟ وكيف نعرفه؟ وما هو مقدار معزته لمحبته؟. + فأجاب : " أن العالم هو تلك الزانية التى بشهوة حسنها تجذب الناظرين إليها إلى حبها. والمقتضى بعشقه والمتثبت به، لا يقدر أن يتخلص منه حتى تفنى حياته ، فإذا ما عراه من كل شئ وأخرجه من منزله يوم موته، حينئذ يعرف الإنسان في ذلك اليوم أنه خداع وسراب مضل، حتى إذا ما جد الإنسان في الخروج من هذا العالم المظلم فإنه لن يستطيع الخلاص من حبائله ما دام هو منغمساً فيه " . 2- الراهب والقنية متاع الدنيا – الخسران الجسداني – الأمر البشرية " + قال شيخ : " أن الله لا يشاء أن يكون الراهب الحريص المجاهد بالحقيقة مرتبطاً البتة بشيء من متاع هذه الدنيا ، حتي ولا ابرة صغيرة ، لئلا تفضل فكره عن ذكر ربنا يسوع المسيح / وتشغله عن الالجاج ( المثابرة ) في التوبة عن خطاياه ، كل انسان قد ذاق حلاوة المسكنة ، يستثقل الثوب الذي يلبسه ، والكوز الذي يشرب فيه الماء ، لأن عقله قد اشتغل باشياء اخري روحانية ، الذي يبغض بعد متاع الدنيا ، كيف يقدر ان يبغض نفسه / كما قال السيد ؟ " + وقال آخر : " علامة طرح العالم هي عدم اضطراب الانسان بشيء اموره ، وقد يوجد انسان يتهاون بمال كثير ، وكن بسبب ابرة ولمحبته لها ينزعج بما لا يزعجه ضياع جملة اموال كثيرة ، وتقول له تلك الابرة مقام وثن فيتعبد لها بأكثر مما يتعبد للاسكيم الكبير ، فمن هذه صورته ، ليس عبدا لله ، وانعم بما قاله احد الفلاسفة : " إذا كان عدد مواليك كعدد اسقام نفسك ، فكفي بذلك شقاء لها وبؤسا " . وقد قال بطرس الرسول : " فما انقهر له الانسان فله يكون عبدا " وقال أيضا : " أن النفس تريد الخلاص لكن لمحبتها الأشياء الباطلة وانشغالها بها ، تهرب من الاتعاب ، أما الوصايا الحقيقية فأنها تحفظها متثاقلة بخلاف السيئات التي هي رديئة وخبيثة " . + وقال ايضاً : " أن قائلاً قال لى : يا معلم، أن الوصايا التى أمرنا بها كثقير، وربما يظلم عقلى، فلا أدرى أيها أحفظ؟ . فقلت له: لا يزعجك هذا ، لكن أعلم أنك متى كان لك عدم تأسف على الأشياء، فقد سهل عليك أحكام الفضيلة، فلا تعتن بالأمور البشرية، لتعتق من العالم " . + قال مار أفرام : " أن تعاونت بالأشياء البالية، تنال الأشياء التى لا تبلى،ليكن عقلنا إلى فوق، لأننا بعد مدة يسيرة نتصرف من ههنا، فالأشياء التى جمعناها ، لمن تكون ؟ " . + قال أنبا أوعريس : " الذي ليست له محبة للقنية له حياة بلا أهتمام ، أما المحب القنية ، فله منغص في قلبه ، الذى هو الاهتمام " . + سأل أخ شيخاً قائلاً : " قل لى شيئاً أحفظه ؟ " فقال له : " أحفظ التعبير والسب ، وأصبر على التحقير والضعف الجسداني " . + قال القديس ابيفانيوس عند خروج نفسه : " لا تحبوا متاع الدنيا فتستريحوا وتفرحوا في الأخرة، تحفظوا من لذات العالم ، فلا يقوم عليك وجع الشيطان ". + وقال أحد الشيوخ لتلاميذه عند خروج نفسه : " لا تشتهوا متاع الدنيا، فتزدادوا متعاً كثيراً " . + وقال أنبا أغاثون : " أن الإنسان الذي يأسف على فقدان شئ منه فهو ليس بكامل بعد ، فإن كنا قد أمرنا ان نرفض أنفسنا وأجسادنا فكم بالحرى المقتنيات " . " أن الشياطين تحترق، وترتاع عندما ترى إنساناً قد شتم أو أهين أو خسر شيئاً ولم يغتم بل أحتمل بصبر وجلد ، أو إذا رأوه غير متلفت إلى الأشياء ، ولا آسف عليها إذا فقدت، لأنها تعتقد وتعلم بأنت يمشى على الأرض بغير هوى أرضى وأنه قد سلك في طريق الله " . + قيل أن أنبا مقاريوس الاسكندري كانم متغيباً عن قلايته فدخلها لص. ولما عاد الأب، وجد اللص يضع كل محتوياتها على جمل، فدخل الأب القلاية وحمل أشياء أخرى وسلمها للص. ولما أراد اللص أن يقيم الجمل رفض الحيوان أن يتحرك. وهنا دخل أبا مقاريوس القلاية وحمل قفة كانت متروكة ووضعها على الجمل وقال للص أن الحيوان يرفض أن يقوم حتى يحمل هذه أيضاً . وصاح القديس بالجمل، فنهض، ولكنه بعد أن سار مسافة قصيرة، برك ورفض أن ينهض حتى أنزل ما عليه . + أتى شيخ إلى قلايته ، فوجد لصا يسرقها ، فقال له : " أسرع قبل أن يأتي الأخوة فيمنعونا من تكميل الوصية " . + سأل أخ أنبا تادرس قائلاً : " أنى أريد أن أتمم الوصايا " ، فقال له الشيخ: "حدث أن كان الباب ثاوفيلس البطريرك في البرية، فقال: أني أريد أن أكمل فكري مع الله. فأخذ دقيقاً وصنعه خبزاً، فأتاه مساكين يطلبون شيئاً، فأعطاهم الخبز، ثم طلب منه آخرون، فأعطاهم الزنابيل، وطلب منه غيرهم، فأعطاهم الثوب الذي كان يلبسه، ودخل القلاية ملفوفاً في وزرة (خرقة) ومع كل ذلك، فإنه كان يلوم ذاته قائلاً : " أنى ما أتممت وصية الله " . + قال أنبا زوسيما : " أنى بينما كنت في الدير بمدينة صور ، جاءنا رجل شيخ فاضل، وبينما كما نقرأ فصولاً مما قاله الشيوخ، لأن الطوباوي كان يحب قراءتها دائماً، ولذلك استثمر منها الفضيلة، واتفق أننا وصلنا في قراءتنا إلى خبر ذلك الشيخ، الذي طرق بابه اللصوص وقالوا له : " إننا جئنا لنأخذ جميع ما في قلايتك " فقال لهم: "خذوا ما شئتم أيها الأبناء" فلما أخذوا جميع ما وجدوه ، مضوا بعد أن نسوا مخلاة، فأخذها الشيخ وجرى وراءهم صارخاً قائلاً : " أيها البنون ، خذوا منى ما قد نسيتموه في القلاية " فتعجبوا من سذاجة الشيخ ، وأعادوا إليه سائر ما أخذوه، وندموا قائلين بعضهم لبعض: "بالحقيقة أن هذا الإنسان رجل الله" ، ففي قراءتنا هذا الفصل، قال لى الشيخ : "هل علمت يا أبانا أن هذا الفصل قد نفعنى منفعة كبيرة؟ " فقلت له : " وكيف نفعك أيها الأب ؟" فقال لى : " لما كنت في نواحى الأردن، قرأته، وعجبت من الشيخ، وقلت في نفسى: يارب أهلنى لأن أسلك في سبيله، يا من أهلتنى لأن ألبس زيه. ولما كان هذا بشوق منى، فقد حدث بعد يومين، أن جائني لصوص، فلما قرعوا الباب، وعلمت بأنهم لصوص، قلت في نفس: المجد للرب، ها قد جاءني الوقت لأزهر ثمرة شوقي. ففتحت لهم واستقبلتهم ببشاشة وأوقدت السراج، وبدأت أريهم ما في القلاية قائلاً لهم : لا تقلقوا ثقتي بالله، أني سوف لا أخفى عنكم شيئاً . فقالوا لى : ألك ذهب ؟ قلت : نعم ، لدى 3 دنانير، وفتحت القفة قدامهم فأخذوا وانصرفوا بسلام " . أما أنا فقد تباحثت مع الشيخ وقلت له : " ألم يعودوا كأولئك الذين طرقوا باب ذلك الشيخ ؟ " فقال لى بسرعة : " لا يغفل الله عن ذلك، لأني ولا هذا أشتهيت. أعنى رجوعهم" وقال : "ها شوق الشيخ، فماذا منحه وماذا أعطاه؟ أنه ليس فقط لم يحزن، ولكنه يفرح بالحرى، كمن استحق هذه الموهبة، وقال مرات كثيرة: "أننا في مسيس الحاجة إلى استيقاظ مثير، وعقل غزير ، تقابل به فنون الشيطان، لأنه يسبب لنا الإنزعاج من لا شئ، ومرات يسبب حجة واجبة، كمن قد حرد موضعه، فهذا الأمر غريب جداً، واجابنى عن المشتاقين إلى سلوك طريق الله، حسبما يقول القديس مقاريوس: "الجرد غريب عن طبقة الرهبان، كما أن الحزن أيضاً غريب عن طريقة الرهبان" . + وقال : " أنني في وقت ما، استحسنت كتاباً عند أحد النساك المهرة (في النسخ)، وبعد أن فرغ من نسخه، أرسل يقول لى : " ها قد فرغت من نسخة، متى تشاء أن أرسله لتأخذه؟ " فلما سمع أحد الأخوة ذلك، مضى باسمى إلى الناسخ، ودفع له دنانير عن نسخة واخذه، ولم أمن أنا عارفاً بذلك ، فأرسلت أخا من أخوتى ومعه دنانير، وكتبت إلى الناسخ ليسلمع الكتاب، فلما تحقق الناسخ أنه قد لعب به وخدعه، ذلك الذي سبق فأخذه، أنزعج لذلك، وقال: "ها أنا ماضي إليه لأوبخه أولاً، لأنه فرر بى، وأخذ ما ليس له " . فلما سمعت بذلك أرسلت إليه أقول له : " أنت تعلم يا أخى أننا نقتني الكتب لكى نتعلم المسكنة، والمحبة، والوداعة، فإذا كانت فاتحة اقتناء الكتب بحرد وخصومة، فلا أريد أقتناءه، ولن أحارب أحداً، أو أخاصمه بسبب ذلك، لأن الخصومة والمنازعة لا تليق بعبيد الله، وها أنا قد طرحت عنى أمر هذا الكتاب، فلا تقلق الأخ بسببه بالكلية " . ولما تذكرت حال الشيخ الذي كان الأخ جاره يسرق ما يجده له ، وانه علم ذلك ولم يوبخه، بل صار يعمل أمثر مما سبق وعمل قائلاً :" ربما يكون الأخ محتاجاً" ، تعجبت من تحنن القديسين، وتذكرت الشيخ الذي سرقت آبنته، ولما وجدها في قلاية الأخ، أحتشم واختفى إلى أن خباها الأخ وسترها. ولما ضبط الأخ من الوالى، مضى الشيخ ولاطف الوالى، حتى أخرجه من الحبس. + وقيل عن هذا الشيخ أيضاً : أنه مضى وقتا ما إلى السوق ليبتاع له توباً، فدفع ثمنه دينارا واحداً، وأخه ووضعه تحته ، إلى أن يتمم عدد الدراهم الباقية من ثمنه، ثم بعد السداد يلبسه، فعبر به من أراد أخذ الثوب، وأحس الشيخ بذلك ، فتحنن على آخذه، وتنحى في جلسته قليلاً عن الثوب الذي تحته، حتى أخذ الثوب ومضى دون أن يوبخه الشيخ على ذلك . + وقال الطوباوي : " كم كانت تضحيته بالأوعية التى تضيع بالثوب ولكن مروءته كانت عظيمة، لأنه أظهر بما فعله، أنها في حال كونها له، كانت كأنها ليست له، وكذلك لما أخذت منه، بقى غير مغموم عليها، ولم ينزعج لضياعها. لذلك أقول: " ليس أمتلاكما الشئ مؤديا، ولكن ميلنا وانصبابنا إلى أمتلاكه، هو المؤذى.. فمثل هذا لو كان له كل العالم لكان حاله كحال من لم يمتلكه، لأنه أزهر بتصرفه، أنه معتوق من كل الأشياء " . + وقال : " أن الشياطين متى أبصروا أنساناً غير ماثل، ولا منصب إلى الأمور ، فلا يحزن لفقدها ، حينئذ يعلمون أن هذا الإنسان يمشى على الأرض وليس له هو أرضى، وذلك يرجع إلى الميول والحركات الخاصة بالنيات والإرادات لأنه يمكن لإرادة وحركة صادرة عن نية واحدة إذا كانت شديدة الحرارة، أن تقدم لله ساعة واحدة، ما لا تقدمه حركة نية أخرى غي خمسين سنة". + وقيل أيضاً : أن إنساناً تاجراً ، خبيراً بالفصوص والخرز، عارفاً بجوهر الؤلؤء، ركب في سفينة مع غلمانه، وكانت معه جواهر وأشياء أخرى غالية وصثمينة، وكان في السفينة عدة نواتية . وكان بين النواتية صبى حسن ، هادئ الحركة ، هذا شكاً لذلك التأجر بأنه يبغض صناعة البحر، كما يبغض معاشرة رفقته، لما هم عليه من العادات والطباع الذميمة. ثم قال له التاجر : " لا يضيق عليك الأمر، فإذا سهلت طريقنا بمعونة الرب، وصعدنا من هذه السفينة، أخذتك معى، واعتنيت بمصالحك" فطاب قلب الصبى بالكلام " . وحدث في بعض الأيام أن تشاور النواتية فيما بينهم على أن يقذفوا بالتاجر وبغلمانه إلى البحر، من أجل ما معه من المال، فلما أعلموا ذلك الصبى الذي كان صديقاً لذلك التاجر، أسرع وأخبره بما تشاوروا عليه، فقال له التاجر "هل أنت متحقق من ذلك ؟ " قال له : " نعم " . حينئذ قام الجواهرى بسرعة، واستدعى غلمانه وقال لهم : كل ما أمركم به أفعلوه بسرعة ، لأنه أن تهاونتم فسوف أموت أنا وسوف تموتون أنتم أيضاً . ثم بسط أزارا في وسط المركب، وقال لهم : هاتوا ربوات الجواهر كلها . فقدموها إليه، ففتحها وأفرغها قدام كل من في المركب، وبدأ يقول : " هذا عدوى، وأنا أشفق عليه، هذا قاتلى، وأنا أحبه هذا مبعدى من الحياتين فما أنتفاعى به، أحملوا معى" فحملوه معه، وبسرعة طرح جميع الجواهر البحر، فلما رأى الملاحون ذلك تحيروا في أمرهم، وانحلت مشورتهم، ثم أصبح يتصدق منهم الخبز، فالملاحون لما أبصروه على تلك الحال رحموه وبدأ هو يقول : "أشكرك يا رب، لأنك أنهضتنى لخلاص نفسى وجسدى اليوم زالت عنى قسوى القلب، وربحت تلك النفوس الهالكة، أولئك الذين بهمى قلوبهم تشاوروا، وبسببى طلبوا أن يسكنوا الجحيم المخلد " . 3- الراهب والصدقة + قال الأب زينون : " أن الراهب الذي يأخذ صدقة، سوف يعطى حسايا عنها" . + وقال شيخ : " المرائي بالمسكنة ويخدع بها الرحومين، ليأخذ منهم شيئاً في خفية هو خاطف ظالم، لأنه أخذ بالرياء بغير وجه حق، وما كان وقفا على المساكن أخذه هو".. + قال أنبا أفراطس " " أن شاء أن أحيا فهو يعلم كيف يسوس أمرى، وأن لم يشأ فما لى وللحياة". وكان يأبى أن يأخذ من أحد شيئاً، وإذ مات مقعداً ملقى على فراشه كان يقول: "أن أخذت من أحد شيئاً ، فليس لى ما اكافئه به" . + قيل : حدث يوما أن جاء إلى الاسقيط إنسان غنى عاد من غربة وأعطى لكل راهب ديناراً صدقة، كما أرسل بركة لبعض الملازمين قلاليهم، فرأى أحدهم في تلك الليلة حقلاً مملوء أشواكا وانسانا يقول له : " أخرج ونظف حقل من أعطاك الأجرة " فلما قام باكراً ، أرسل الدينار لصاحبه قائلاً له : "خذ دينارك، لأنه ليست لى قوة على اقتلاع أشواك غيرى. باليتنى أستطيع اقتلاع شواك حقلى فحسب " . 4- الراهب واحياة البساطة + قال شيخ :- أنى لما كنت في البريى الداخلية، كان بالقرب منى شاب راهب مهتم لخلاص نفسه، فرأيته مصلياً مسالما للوحوش، يأنس إليها كما تأنس هي إليه، وبعد الصلاة كانت هناك ضبعة ترضع صغارها ، فتقدم ذلك الراهب لشاب وطرح نفسه وابتداأ يرتضع مع صغارها . ومرة أخرى رأيته مصلياً وهو يسأل الله أن يؤهله ويعطيه نعمه أن يصالح نار ولا تضره. ثم أضرم ناراً عظيمة وسجد في وسطها على ركبتيه، وكان المصلى الله فيها . |
رد: بستان الرهبان
الطاعة + قال الأب ايرايس : " أن الطاعة فخر الراهب، فمن اقتناها يسمع الله صوته، ويقف أمام المصلوب رب المجد بدالة، لأن إلهنا من أجل طاعته لأبيه صلب عنا " . + وقالت القديسة سفرنيكي : " إذا كما في الكنونيون فأننا نختار الطاعة على النسك لأن ذلك يعلم التعاظم، وتلك تعلم التواضع، فيجب علينا ألا نطلب ما يصلح شأننا ولا نتعبد بشيئاتنا الخاصة، بل علينا أن نطيع ما يامرنا به ذلك الذي بالأمانة نستودعه سراً" + وقال القديس برصنوفيوس : " الذين يريدون أن يسلكوا طريقا ما ، أن لم يسيروا مع من يريهم الطريق مع بدايتها إلى نهايتها، لن يستطيعوا الوصول إلى المدينة، فأن لم يترك التلميذ رغباته خلفه ، ويخضع في كل شئ ويتضع، لن يبلغ مدينة السلام. أما الذي لا يفعل رغباته ولا يلاجج بكلمة فأنه يستريح " + وقال القديس أنطونيوس : " الطاعة والمسكنة يخضعان الوحوش لنا " . (أ) طاعة الله + قال القديس باسيليوس : " درب جسدك على طلعة نفسك، ودرب نفسك على طاعة الله " . + وقال أنبا أنطونيوس : " أن حدثك أخ بأفكار فأحذر أن تظهرها لأحد، بل صل عنه وعنك كى تخلصا معا . أن أمرت بشئ يوافق مشيئة الله فاحفظه وأن أمرت بما يخالف الوصايا فقل أن الطاعة لله أولى من الطاعة للناس. واذكر قول الرب: أن خرافى تعرف صوتى وتتبعنى وما تتبع الغريب " . + وقال أخ لشيخ : " لست قادراً على إتمام الطاعة الكاملة " ، فقال له : "أعمل بقدر قوتك ، وأنا أؤمن أن الله يحسبك مع من يكمل الطاعة، وقد قال : " لا تختنق إذا سقطت ، بل أنهض وتب " ، فقد قال سليمات الحكيم : أن الصديق إذا سقط سبع مرات في اليوم فهو يقوم " . (ب) طاعة المرشد الروحي + قال راهب : " أن الذي يجلس في طاعة أب روحاني لهو أكثر جراءة وأقل خطراً من ذاك الذي يجلس منفرداً في الوحدة والسكون " . + قال القديس انطونيوس : " لا تكن قليل السمع لئلا تكون وعاء لجميع الشرور فضع في قلبك أن تسمع لأبيك فتحل بركة الله عليك " . + وقال القديس باخوميوس : " أسمع يا ولدى وكن أديبا وأقبل التعليم . أحب الذي يؤديك بخوف الله كن مطيعا مثل اسحق الذي يسمع لأبيه ويطيعه كخروف ساذج القلب " . + أخبر أب أنه أبصر أربع مراتب مرتفعة في السماء : الأولى : مريض صابر شاكر لله . الثانية : صحيح يضيف الغرباء وينيح الضعفاء . الثالثة : منفرد في البرية مجتهد . الرابعة : تلميذ ملازم لطاعة أبيه من أجل الله ، ووجد أن مرتبة التلميذ اسمى من المراتب من المراتب الثلاثة الأخرى، وزعم أنه سأل الذي أراه ذلك قائلاً: " كيف صار هذا هكذا وهو أصغرهم فأصبح أكبرهم مرتبة؟" فقال :"أن مل واحد منهم يعمل الخير بهواه وأما هذا فقد قطع هواه لله، وأطاع معلمه، والطاعة لأجل الله أفضل الفضائل . + وقال أنبا دانيال : استدعانى مرة أنبا أرسانيوس وقال لى : " كن في صلح مع أبيك حتى عندما يذهب إلى سيدنا يشفع أمامه فيك ويكون لك خير " . + " من كان بلا مدبر لا تكون له سلامة " الدرجى + قال القديس أنطونيوس : ينبغى للراهب الشاب أن يستشير الشيوخ قبل كل خطوة يخطوها في قلايته وقبل كل نقطة ماء يشربها .. لأني رأيت رهبانا كثيرين بعد أن تعبوا كثيراً – وقعوا في دهشة عقل لأنهم توكلوا على معرفتهم فقط. إذ لم يصفوا إلى الوصية القائلة . " أسأل أباك فيخبرك ومشايخك فيقولوا لك " . + لا تقم بعمل من الأعمال الا بعد استشارة أب الدير . + لا تتحدث بجميع أفكارك لجميع الناس ألا للذين لهم قوة على خلاص نفسك لئلا تكون عشرة . + قال شيخ : " حدث أن انسانا شريفاً فرق جميع ماله وأطلق عبيده وزهد في الدنيا، ألا أنه صار متوكلاً على نفسه وحده، مرشداً لذاته، ولم يرد أن يكون تابعاً لغيره، متعلماً ممن هم أقدم منه، فوقع في نجاسات شنيعة وكاد يهلك، لولا أن مراحم الله أسرعت إليه بالتوبة فتعلم – بالخبرة – أن التواضع أفضل وأعظم من كل الأعمال والفضائل" . بركة الطاعة للمرشد الروحي كان رجل علمانى معه أبن فطيم ، فذهب إلى الأسقيط وطالت مدته، فلما كبر الصبى ونشأ رهبنه، وحدث بعد رهبنته بقليل أن بدأ الشياطين يحركون فيه الشهوة الرديئة ، فقال لأبيه : " أنى ماض من هنا إلى العالم ، لأني لست قادرا على أن أصبر على هذا القتال الصعب" ، أما أبوه فكان يهديه ويطلب إليه ألا يمضي ، ولكن الشاب كان يعود إليه ويقول : " يا أبي، لست قادراً على أن أقيم ههنا ، أتركني أمضى" ، فقال له أبوه : " أطعنى يا ابنى هذه المرة فقط ، خذ معك ثمانين خبزة، وخذ كذلك من الخوص ما يكفي لعملك مدة 40 يوماً ، وأمضى إلى البرية الداخلية، وأقم هناك إلى أن تفرغ من خبزك وعملك وبعد ذلك لتكن مشيئة الله " . فأطاعه الحدث، ودخل إلى البرية الداخلية، وأقام بها يتعب ويضفر الخوص ويأكل خبزا يابساً ، فلما أتم 20 يوما ظهر له الشيطان الذي كان يقاتله في صورة شعة منتنة الرائحة، قذرة جداً لدرجة أنه لم يستطع أن يطيق رائحة نتنها. فبدأ الشاب يطردها، فقالت : " لم تطردني الآم ؟ ألست أنا التى كنت أنت تشتهينى؟ ألست أنا التى أزرع في قلوب الناس الأفكار، وأملأهم شهوة، وأسقطهم في الزنى؟ أما أنت فمن أجل أنك أطعت أباك ، فأن الله لم يتركنى أخذعك وأسقطك في الهلاك، ولكنه نظر إلى خضوعك وأظهر لك رائحة نتنى بغير هواى " . فشكر الشاب الله ، وقام من ساعته وعاد إلى أبيه ، وقال له: " ليست أريد أن أمضى إلى العالم بعد يا أبى، لأنى قد رأيت العدو وتاففت من رائحته" ، وكان أبوه قد أعلن له ذلك، فقال له : " لو أنك صبرت يا بنى لكمال 40 يوماً، وحفظت تمام وصيتى، لكنت رأيت أكثر من ذلك " . + أعترف من أجل سلامتك ، واقطع أهوية قلبك ، فالمعترف في الأكثر يستريح من القتال ، وبغير أعتراف وطاعة لا يخلص الخطاة .. " الدرجى + قال شيخ : " لا تكتم أفكارك الشريرة وخطاياك القديمة، فأن وجد الشيطان فيك هوى واحدا مكتوما، ففيه يطرحك، لأن الشيطان ليست له قوة أن يجر أنساناً إلى فعل الخطية ، ولكنه إذا أبصر هواه مائلاً إلى شئ من الخطية ، ففيه يطرحه ، فأن رآه متحفظاً يستشير في أموره كلها ، ويطع لما يشار به عليه، فلا يقوى عليه في شئ بالجملة " وكان يقول : " لست أعرف للراهب سقطة إلا إذا صنع رغابته، فإذا نظرت راهبا قد سقط، فاعلم أنه وقع بهواه، لأنه فعل برأي نفسه " . قال بعض الأخوة لشيخ من الرهبان : " يا أبى، أنى أطلب إلى الشيوخ فيكلموننى فيما هو لخلا نفسى، ولكنى لست عاملاً بشئ مما يقولون لى فما الذي أنتفع به من هذا الأمر، وأنا مملئ من الشرور" . وكان عند الشيخ كوزان فارغان، فقال له الشيخ : " أحضر أحد هذين الكوزين وصب فيه ماء وخضخضه " فجعله الشيخ يغسل الكوز مرات كثيرة ثم قال له : " ضعه عند الكوز الآخر " ، ففعل ، وبعد ساعة قال له : " أحضر الكوزين معا، وانظر أي الكوزين أنقى" فقال له الأخ : "الذي صببنا فيه الماء النقي" ، قال له الشيخ : " كذلك تكون نفس من يسأل الشيوخ ولا يعمل بما يقولونه أنقى من نفس من لا يسأل ولا يعمل معاً " . + " أختبر مرشدك أولا بحكمة وتجربة لئلا تقع عند مريض بدل الطبيب" الدرجى + قال أنبا قسيانوس : " أن أنبا موسى أوصانا بألا نكتم أفكارنا بل نكشفها لمشايخ روحانيين لهم معرفة وتمييز، وليس لمن طال عمره ، وشاب شعره، لأن كثيرين قصدوا أهل كبر السن وكشفوا لهم عن أفكارهم ، وحيث أنه لم يكن عندهم معرفة فعوض العلاج طرحوهم في اليأس ، وهذا ما حدث لأخ من البارزين في الجهاد إذ أنه لا تأذى بالزنى نتيجة كثرة القتال الواقع عليه، ذهب إلى أحد الشيوخ، وكشف له أفكاره، وكأن الشيخ عادما، فضجر منه وقال : " أيها النقي إذ قد تدنست حواسك بهذه الأفكار فعلى أي شئ تتكل ؟ " فلما سمع الأخ قوله ، حزن جداً ويئس من خلاصه، وترك قلايته ، ومضى قاصداً العالم، ولكن حدث بتدبير من الله أن التقي به شيخ آخر، فلما رآه عابسا مضطربا سأله عن حالة قائلاً : " ماذا بك يا ولدى؟" فقال له الآخ : "يا أبى أنى تأذيت بأفكار الزنى ، فمضيت إلى الشيخ فلان، وكشفت له أمري: فبحسب جوابه ليس لى رجاء في الخلاص " . فلما سمع الشيخ قوله، أخذ يسكن من روعه ويشجعه وابتدأ يعيد إلى نفسه الرجاء في التوبة. قائلا: " لا يغمك هذا الكلا . ولا تيأس نفسك من الخلاص، فها أنا بالرغم مما بلغته من هذا السن وهذه الشيبة، كثيرا ما أتأذى بهذه الأفكار، فلا تحزن من هذا الأشتغال الذي لا يبلغ جهادنا فيه مقدار ما يأتينا رحمة الله ومعونته، لكن هب لى يومك هذا وأرجع إلى فلايتك" ، فأطاع الأخ ورجع إلى قلايته، أما الشيخ الذي رده إلى قلايته، فأتى إلى قلاية ذلك الشيخ الذي قاده إلى اليأس ووقف خارجها وسأل الله بدموع كثيرة قائلاً : " أما أطلب إليك يا ربى وإلهى أن تصرف هذا القتال عن هذا الأخ ، وتسلطه على هذا الشيخ الذي قاده إلى اليأس، وذلك ليجرب في شيخوخته ويتعلم في كبر سنه ما لم يتعلمه في طول زمانه، ليشعر بأوجاع المجاهدين المقاتلين فيتوجع لوجعهم، وبذلك يحصل على منفعة نفسه". فلما أتم الشيخ صلاته، نظر فإذا بجيش واقف قرب قلاية الشيخ وهو يصوب نحوه سهاما ويجرحه، وإذا بالشيخ يقوم لساعته سكرانا، وخرج من قلايته، واندفع يجول من هنا إلى هناك، ولم يحتمل الوقوف على قدميه، ولا أستطاع العودة إلى قلايته، فسلك الطريق التى سلكها الشاب الذي قطع منه رجاء التوبة مريداً أن يعود إلى العالم، فلما علم الشيخ المختبر بما عزم عليه الشيخ الآخر استقبله وقال له : " إلى أين أنت ذاهب أيها الأب ، وما سبب هذا الأضطراب الذي اضطرك للخروج من قلايتك ؟ " ، أما هو فتوهم أن الشيخ قد عرف بحاله، ومن الخجل لم يرد عليه جواباً ، فقال له ذاك : " أرجع إلى قلايتك ، ومن الآن كن عارفاً لضعفك، وأعلم بأن إلى هذه الغاية لم تجرب بعد، أما لأن الشيطان كان غافلاً عنك، أو لاستهانته بك، لم يتجرد لقتالك، ولذلك نجوت ، وها قد ظهر الأن أنك غير أهل لأن تعد من المجاهدين، لأنك لم تقدر أن تصارع يوماً واحداً فما أصابك اليوم كان نتيجة لتصرفك مع ذلك الشاب الذي أتاك، وقد أذاه عدونا كلنا، فبدلاً من أن تعينه تشجعه، القيته في اليأس ، ولم تفكر فيما قاله الكتاب : : خلصوا المسوقين إلى الموت ، شجعوا صغيرى الأنفس " . ولم تذكر أنه مكتوب عن سيدك : " قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ " ، فمن اليوم واظل على الصلاة والدعاء، ليصرف الله عنك هذه الضربة التى أصابتك، لأنه قال : " أنا أضرب وأنا أشفي. وأنا أميت، وأنا أحيي" ، وهو الذي يحذر إلى الجحيم ويصعد. ولما قال القديس هذا، صلى إلى الله فانصرف عن ذلك الشيخ ما كان قد نزل به من القتال، ووعظه قائلاً : "يجب أن تسأل الله في كل وقت أن يعطيك لسان أدب لتعرف ماذا ينبغى أن تقوله في وقته". " من بعد دخولك في طاعة أبيك لا تفتشه ولا تدينه ولا تستبدله بل ليكن لك فيه أمانة " الدرجى + قال أخ : " قلت لتلميذ أنبا بفنوتيوس تلميذ الأب مقاريوس الكبير : " قل لى يا أبي كلمة أحياها " فقال لى : أحفظ القناة التى تجرى إلى مزرعتك" ، فقلت له : كيف أحفظها ؟ " قال : " إذا لم تسكن مع فلاح فمن أبن لك أن تعرف ما تشتمل عليه الفلاحة من حرث وبذر وحفظ وسقى وحصاد وغيره ؟ " . قلت أيضاً : " وما معنى هذا ؟ " قال : " إذا لم تسكن مع شيخ مجرب كي يعلمك الرهبنة ، فمن أين تتعلمها ؟ فلو انتقلت من مكان إلى مكان ، أو أنفردت وحدك ، أو صرت أبا قبل أن تستأهل لذلك من قبل الله ، فانك تقيم كل زمانك وأنت لا تعرف كيف تحصد ثمر الفضيلة، بل تضيع الزرع الذي هو تعليم طريق الله ، فيجب عليك أن تسكن مع شيخ حتى تنال منه البركة الأخيرة، مثل اليشع الذي ثبت مع إيليا حتى رفع إلى السماء ، فلما باركه تضاعفت عليه روحه. ومثل تلميذي الأنبا انطونيوس اللذين سكنا مع الشيخ حتى طرح الجسد ، وباركهما البركة الأخيرة فحل عليهما روح الله وصارا راعيين صالحين . ومثل يوحنا الذي سكن مع " أنبا بموا " أبيه حتى فارق جسده ، فسلمه للشيوخ قائلاً : " هذا ملاك وليس بانسان " . وكمثل يوحنا تلميذ " أنبا بلا " الذي أطاع أباه فأحضر الضبعة مربوطة. ومثل تلميذ آخر لشيخ كان يمشى مع متوحد حتى وصلا إلى شاطئ نهر فيه تماسيح، فعبر التلميذ المطيع بينها ، وما أستطاع المتوحد العبور ، حتى أن الشيوخ في ذلك الوقت قالوا : " أن التلميذ بطاعته صار أعلى من المتوحد " . ومثل تلميذ آخر كات طائما لمقاريوس، هذا كان قد أرسله أبوه إلى مصر فلما وقع في تجربة، صرخ بصوت عظيم قائلاً : " يا إله أبي خاصني" ، فمن ساعته وجد نفسه يمشى في طريق الاسقيط . وقد كتب : " أبذر وقت الصباح، ولا تبطل زرعك إلى وقت المساء " ومعناه: " الصلاح الذي بدأت به داوم عليه إلى وقت وفاتك " . وانظر إلى الذين تركوا آباءهم ماذا أصابهم ، فعيسو لما ترك والده واختلط بالأمم المبذولة رذله الله، وجيحزى لما لم يطع اليشع أصابه البرص، والتلاميذ . فها أنا قد أخبرتك بطريق الحياة والموت، فأن دخلت من الباب الضيق الذي هو طاعتك لأبيك أوصلك ذلك إلى الحياة الأبدية، وأن مشيت في الطريق الواسع الذي هو أهوية قلبك أدى بك إلى الهلاك " . فقلت له : " يا أبتاه ، اقد أتى بعض الأخوة إلى أبي، ولست قادراً على السكنى معهم" . فقال لى : " لو كان فيك اتضاع ، لاستقطعت السكنى مع الوحوش فكم بالحرى مع الأخوة؟ واسمع قول داود النبي : " هوذا ما أحسن وما أحلى أن يسكن الأخوة معاً " . فقلت له : " أنى اشاء أن أصير شهيداً" . فقال لى : " أن خالفت أباك فسوف تتعب ولن تصير شهيداً " . فقد حدث شيخاً قال لتلميذه في زمن الأضطهاد : " يا أبني ، أن كان لك أشتياق أن تصير شهيداً فأذهب" ، أما الأخ فبالرغم من اشتياقه إلى ذلك ، إلا أنه لم يطع رغبته ، ولم يمض ، بل قال : " لو صرت فوق رتبه الشهداء ، فبركتك لى كل يوم هي أفضل يا أبي " ، فلما رأى الله إيمانه في أبيه خاطبه بالصوت قائلاً : " لأنك أطلعت أباك ، ها أنا أعطيك أكليل الشهداء جاعلاً رتبتك في مصاف جماعة القديسين" أما الذين تركوا آباءهم في الرب قائلين: "أننا نتوحد ونصوم ونهرب من الناس" فانخدعوا بذلك الشيطان ولم يصنعوا لا وحدة ولا صوماً ولا هروباً من الناس، بل تنقلوا بين الإديرة والمدن والقرى، وزخرفوا ملابسهم، وفرح بهم الشيطان وهزأ بهم لأنهم قبلوا خداعه " . فقلت له : " لقد ربحت منك كثيراً يا أبي وأريد أن أسكن معك بقية حياتي" فقال لى : " أحى أبوك بعد ؟ " قلت : " نعم " ، فقال لى : " هذا عدم أدب ، لأن من كان لا أب له فأني أقبله ، أما أنت فلا ، لئلا تصبح وقد أفسدت بنوتك وأكون أنا قد بلبلت قانون الرهبنة، فآباؤنا قد كانوا يحفظون ضمير بعضهم بعضاً ، وبغير طاعة لم ينجح أحد " . فقلت له : " يا أبي ماذا أصنع حتى أكمل الطاعة ؟ ، قال : " أسمع، سمعت أنا عن رجعلين، أعطى لكل منهما سبعة فدادين قمح ليحصدها في يوم واحد، فلما نظر أحدهما الفدادين قال : " من من الناس يقدر أن يحصد هذه كلها في يوم واحد ؟ " . وإذ قال ذلك مضى ولم يحصد شيئاً، أما الآخر فقال : "على أن أعمل بقدر قوتى، ولا أوقف الحصاد" . فمن من الأثنين أرضى سيده ؟ " ؟ فقلت : " الذي عمل بكل قوته طبعاً " . قال لى : " أذن أمضى أنت وأعمل بكل قوتك ، وأنا أؤمن أنك تحسب مع الذين أكملوا الطاعة في الملكوت " . ثم قال : " أن الحروف الثابت في الخطيرة محروس، اما الذي يترك حظيرته ويذهب إلى قطيع آخر فإنه يبقى وحشيا، ولن يسلم من ذئب أو لص، وهكذا الراهب الذي يترك ديره، إذ يشبه أيضاً حماراً، وكل من يجده يركبه ، حتى إذا عقر لن يوجد له صاحب ثابت يعتنى به فيهلك من الجوع والتعب والجراح. هكذا تكون حال الراهب إذا ترك ديره وأباه وأخوته، وسكن عند آخرين، فانهم يرسلونه إلى هنا وهناك حتى يسقط في الزنى ويهلك ولا يجد من ينهضه فمن ذا الذي يترك العناية بأولاده ويهتم بأولاد غيره ؟ " . ثم قال : " أن أبي قال لى : أن المفترقين يتعبدون كل واحد حسب هواه وارادته، وأما الذي يطيع أباه من أجل المسيح فهو أفضل، إذ يقطع مشيئته لله. فقلت له يا أبي ، أن النجاسات التى يبذرها الشيطان في ، سواء أكملتها أم لم أكملها فأن العدو لا يتركنى أخبر أبى بها بسبب الاستيحاء " ، فقال لى : لا تطع عدوك بل أخبر أباك بجميعها حتى بأحلام الليل ، ولا تخف عنه شيئاً من أفكارك أن كنت مطيعا له في كل شئ من أجل الله ومؤمنا أنه يحسب عنك لطاعتك له ، وأما ما تخفيه عنه فسوف تحاسب أنت عنه كله " . فقلت له : " هل لى أن أعرف شيخا آخر يطيب به قلبي إزاء نجاستي؟". قال: " إذا توفى أبوك وعين أخ ليصير بعده أبا للأخوة، فاتبعه لأن روح أبيك قد تضاعفت عليه مثل اليشع بعد مفارقة إيليا، ويشوع بعد موسى .. قد قال الآباء: "لا تخبر بجراحك غير أبيك الروحاني " ، وأن كان أبوك متوفي ، ولم يعين للأخوة أب، فأطلب لك أبا شيخاً قديساً كاملاً في أعماله قدام الله ، وأظهر له جميع أمراضك، فهو يصلى عليك فتعافى، وهذا واحد من ربوات، لأن الآباء قالوا: "لا تظهر خطايام لكل الناس ، لئلا تعثر كثيرين وتؤذي الضعفاء ، وأخيراً تعثر بهم، وبالاجمال ، فإن لم تضر بهم ، فأنك لن تنتفع منهم، فتضطر إلى أن تتقدم لغيرهم لتنتفع منهم وهكذا " ، ولكن كما كانت الأحكام الصغيره ترفع إلى الفهماء من شهب اسرائيل/ فيحكمون فيها، والأحكام الكبيرة والمسائل الصعبة ترفع إلى موسى فيحكم فيها، وما صعب عليه منها سأل الله في حكمه فيها، هكذا تصرف أنت ، فالأمور الصغيرة أخبر بها الفهماء من الأخوة، والأمور الصعبة أخبر بها الأب، وما صعب عليه منها فهو يسترشد من الله فيها . واحذر أن تقول بقلة إيمان كلمة رديئة في أبيك وأخوتك لكي لا يمنعك الله من دخول أرض الميعاد ، وتحرم من أكل ثمرتها كما جرى مع شعب اسرائيل ومع موسى أبيهم ويشوع وكالب أخوتهم، وأنذر أنه لا يدخل أرض الميعاد منهم إلا هذان اللذان أطاعا أباهما، أما الذين رجعوا بقلوبهم إلى مصر، فقد ماتوا كلهم في البرية. فائبت أنت مع أبيك، مثل يشوع مع موسى، ليصير مثله نبياً صانعاً العجائب ، وأبا لأمة كبيرة ، ووارثاً لأرض الميعاد ، متمتعاً بثمراتها أنت وبنوك. وقد قتل الله : " أكرم أباك وأمك ليطول عمرك ويحسن إليك"، وقال : من يقل كلمة رديئة في أبيه أو أمخ يهلك" ، فإذا كان هذا عن الأب الجسدانى فكم بالحرى الروحاني. فالذي يترك أباه ويسعى فيه، يشبه بوداس الذي ترك معلمه وأسلمه. كما أن الذي يهزأ بأبيه، فأنه يرث لعنة حام الذي ضحك على أبيه لما أنكشف ، وحرم من بركة سام ويافت اللذين ستراه " . قلت : " يا أبي أن الشيطان يتعب الرهبان أكثر من أهل العالم " ، قال : "نعم ، مثل ملك يريد أن يطرد من مملكته قوما ويدخل عوضهم إليها، فلابد أذن أن يعادى الذين أخرجهم، أولئك الذين أبدلهم بهم، وأجلسهم على كراسيهم، ومهما قدروا على أتيانه من الشر بهم فعلوه، فالرهبان الآن يجاهدون في سبيل دخول هذه المملكة والجلوس على كراسيهم، فالشياطين إزاء ذلك، يقاتلون بالأكثر. فيجب عليك يا بنى أن تطيع وتتضع للآباء الروحانيين ، لئلا تسقط مثلهم (الشياطين) ، فأنهم بالعظمة والمعصية لأبي الأرواح، سقطوا وهلكوا " . قلت له : " يا أبى لقد سمعت عن قوم أنهم يصومون يومين يومين وأربعة أربعة ، وستة وستة ، وتملأنى الغيرة فأود لو أصوم مثلهم " . فقال لى : "الذي صنع هكذا بغير مشورة ، فإن الشياطين يرفعونه بالأكثر ، وهكذا يخفضونه في أسفل سريعاً، فالذي يقوم بما يفوق قدرته يقتل جسده، وحينئذ ينكسر كالقوس، إذا زاد توترها أكثر من حدها " . قلت : " وماذا أصنع أن شتمنى أخ ؟ " فقال : " أن المشتوم إذا احتمل ، ففرت له الخطية التى شتم بها وصارت على الشاتم ، مثل أن يقال " يا سارق ، يا كذاب .. " ، فقد جرى ذلك مجرى الاعتراف، فالمشتوم لما أظهرت خطيته سكت واحتمل فقد أعتبر كأنه أقر بها ودين عليها، أما الذي شتمه ، فقد تحمل وزرها لكونه دان أخاه بذكرها. مع أنه قد أمر بأن يظهر خطايا نفسه ، لكنه بالعكس أظهر خطايا غيره ، وقد قبل : " أنه من الجهالة أن يهتم الإنسان مرض غيره، ويترك الاهتمام بمرض نفسه، أو يترك ميته ويمضى ليبكى على بيت غيره، كما أنه من أعظم الجهالات أن يغفل أنسان عن خطيته، ويذكر خطية أخيه " . + سأل أخ شيخاً : " يا أبي ، أن لى 25 سنة أخدم فيها شيخاً ، ولكنه قد أثقل على الآن ، ذلك فأني أريد أن أتركه " . فقال له الشيخ : " هوذا قد صار لك 25 سنة تحت شجرة الحياة ، وأنت تأكل من ثمرتها ، وتريد الآن أن تأكل من الزوان ، تترك خدمة الشيخ، لأن شجرة الحياة التى بها تعيش هي كلمة الله التى سمعها من أبيك ، والزوان هو أفكار أبليس ، تلك التى إذا قبلتها ، تجعلك غريباً من شجرة الحياة " . أطلع مرسدك بلا تردد وبلا فحص . + الطاعة بلا تردد : قيل عن القديس مرقس تلميذ الأب سلوانس أنه كانت له طاعة عظيمة، ما كان كاتباً. وكان الشيخ يحبه كثيراً من أجل طاعته. وإذا كان له أحد عشر حيذا آخرون ، فهؤلاء كانوت يحزنون بسبب حبه له أكثر منهم، فلما سمع الشيوخ ذلك جاءوا إليه ولاموه على ذلك. فما كان منه إلا أن أخذهم وخرج وقوع على قلايا قائلاً : " أيها الأخ هلم إلى فانى محتاج إليك " فلم يتبعه ولا واحد منهم وراء، وأخيرا جاء إلى قلاية مرفس وقرع الباب قائلاً : يا مرقس " فلما سمع صوت الشيخ وثب في الحال وخرج خارجاً ، فأرسله في خدمة . فقال للمشنح : أيها الآباء، أين باقي الأخوة؟" ثم دخل قلاية مرقس مفتشا فوجده كان يكتب وقت ندائه عليه، وقد بدأ بكتابا الأعداء الكبرى التى فيها ، فعند سماعه صوت الشيخ لم يرسل الفلم ليتمها فتركها فقط فلما رأوا ذلك كذا قالوا : " بالصواب تحب هذا أيها الأب ، ونحن نحبه ، والله يحبه " . وحيث في بعض الأوقات أن كان الأب سلوانى يمشى مع مشايخ في الاسقيط ومرقس معه ، فأبصر الشيخ خنزيرا بريا فقال لمرقس : " أترى يا ولدى هذا الوحش الصغير ؟ " قال : نعم يا معلم. قال الشيخ: " أنظر كيف أن قرونه. مستوية حسنة" قال له : نعم يا معلم. فتعجب الشيوخ من جوابه وانتفعوا من عدم مراجعته لمعلمه . حدث مرة أن القديس أرسانيوس أوصى الكسندروس قائلاً : " إذا أنتهيت من عمل يديك هلم إلى لنفطر، ولكن إذا حضر غرباء فكل معهم ولا تحضر إلى" فبدأ الكسندر في عمله متأخرا ولما كان وقت الأكل لم يزل امامه بعض الخوص ليعمل فيه، ولكن لحفظه وصية الشيخ صبر ليتم شقه، ولما أبطأ ظن القديس ارسانيوس أنه تأخر بسبب بعض الأخوة الغرباء له ، وبعد أن أتم أبا الكسندر عمله حضر إلى الشيخ ، فقال له : " هل حضر عندك غرباء ؟ .. أجابه الكسندر : لا يا ابتاه . فقال له الشيخ : " فلم أبطأت ؟ " أجابه : " لأنك قلت لى إذا أكلمت شق الخوص تعال إلى فحفظا لقولك وبعدما أتممت عملى ، أتيت " فتعجب الشيخ من شدة طاعته وقال له : " هلم أسرع وقدم خدمة التسبيح والصلاة واشرب بعض الماء لأنك ما لم تفعل هذا عجلاً يحدث لجسدك أنحلال " . المثابرة : وقع أخ في بلية ، ومن الحزن أتلف عمل رهبانيته وإذ أراد أن يبدأ بالعمل نم الرأس كان يستثقل ذلك ويقول : " متى أبلغ إلى ما كنت فيه ؟ " وكان يضجر، وتصغر نفسه، فلا يقدر أن يبدأ بعمل الرهبنة مرة أخرى، وأخيراً ذهب إلى أحد الشيوخ وقص عليه أمره ، فلما رأي الشيخ حزنه ، ضرب مثلاُ قائلاً له : " كان إنسانا له بقيع ، فمن توانيه أمتلأ ذلك البقيع شوكا ، فلما أنتبه بعد ذلك ، وأراد أن ينقى ذلك البقيع من الشوك قال لابنه: " يا بنى أذهب الى البقيع ونقه واقلع شوكه"، فلما ذهب أبنه وأبصر كثرة الشوك سئم ومل، ونام، وبعد أيام كثيرة، أتاه أبوه لينظر ماذا عمل الغلام فلما رآه لم يعمل شيئاً قال له : "حتى الآن لم تنق شيئاً ؟" فقال الغلام " "أخبرك يا أبتاه، كلما عزمت بلى البدء في العمل، أبصر كثرة الشوك لأحزن، ومن كثرة الحزن كنت أضع رسى وأنام" . فقال أبوه " لا يكون الأمر هكذا يا أبنى ، ولكن نق كل يوم قدر مفرشك فقط، قليلاً قليلاً" ، ففعل الغلام كما أمره أبوه، وداوم على ذلك حتى فرع الشوك من ذلك البقيع. وأنت كذلك يحبيبي، أبدأ بالعمل شيئاً فشيئاً ولا تضجر، الله بطيبة ونعمته يردك إلى سرتك الأولى " . فذهب لك الأخ وعمل وصبر كما علمه الشيخ فوجد نياحا وأفلح . ذكروا إذ كان في مدينة الاسكندرية هيكل خارج باب الشمس على اسم القديس سرابين، وكان فيه شيخ راهب مسكين بتصدق. وكان ينصرف مرة بعد الثالثة ومرة بعد الخامسة. فأبصره قيم الهيكل مدة طويلة. وانتفع بطريقة وتفكر أن يمضى خلفه ويعرف أين ذهب. وماذا يعمل .. فتبعه ولم يعلم الشيخ فرأه قد اشترى خبزة واحدة وقطعة جبن. ثم خرج إلى اهر المدينة إلى المقابر. ودخل في طافوس جديد، وعند دخوله لاحقه قيم الهيكل وسجد له قائلاً: من أجل الرب قل لى: من أنت ؟ لأجل محبة المسيح .. وما عملك ؟ !! فانتفع وتربح نفسى . فقال الشيخ : وما هو عملى أنا الضعيف حتى تسأل عنه . وكيف خطر هذا ببالك أن تسألني عن عملى. فقال من أجل الرب لا تخف عنى أعمالك النيرة. فعلم الشيخ أنه لأبد من معرفة خبره فقال له : " أنى أجلس في هيكل سرابيون القديس وأجد فيه حاجة طعامى وأخرج إلى هذا الطافوس وأشتغل باقي نهارى بالبكاء على خطاياي " . فعمل مطانية وسأله قائلاً: " من أجل الرب أجلس في قلايتك مبتهلاً في أمرى وأنا أحظر لك كل يوم طعام يومك " . فقال له الشيخ بشرط أن تتركه خارج الباب وتنصرف، وأنا أعمل مرادك. فوافقه القيم على هذا . فلما مكث القيم مدة يسيرة يعمل ما أمره الشيخ ، قرع بابه يوماً من الأيام وثبت خارج الباب حتى خرج له الشيخ . نجد له قائلاً : " من أجل الرب اجعلنى راهباً" ، فأدخله الشيخ عنده وخاطبه بمواعظ الرهبانية وعظم اسكيمها . فلما قبلها رهبنه وصار عند الشيخ راهبا مقيما . واعاد الخروج على قديم عادته إلى ذلك الهيكل يجلس فيه يستجدى صدقة تقوم بحاجتهما ويشترى خبزتين وقطعتين من الجبن فأبصره رجل جندى محب للمسيح وكان يكثر الدخول إلى ذلك الهيكل، وتأمل تردده. وانتفع منه ولحقه ليعرف إلى أبن بمضى فلما عرف حاله سأله أن يقيم في قلايته . مصلياً عليه وعلى منزله وهو يحمل إليه قوته. فقال له الشيخ : " أننى أحتاج إلى خبزتين وقطعتى جبن كل يوم " . ولم يخبره أن قيم الكنيسة عندها . فبعد أن مكث الجندى مدة من الزمان يحمل إلى الشيخ حاجته، تنيح الشيخ وقبل وفاته قال لتلميذه : " أجلس هنا ولا تذهب إلى موضع البتة وإذا حمل اليك الجندي الخبزتين وقطعني الجبن فقل له : " أنى لا أحتاج سوى خبزة واحدة وقطعة واحدة " ثم أجلس مهتماً بنفسك وأن حفظت وصيتى فأنا سأكون معك كل حين على مألوف عادتى، فلما توفى الشيخ دفنه. وكان إذا صلى يشعر أن الشيخ يصلى معه كما وعده . وأقام على هذا الحال أياما كثيرة ، ثم هاجمه الشيطان مبغض الحسنات الذي يحسد الناس الذين يريدون الخلاص. قائلاً : الآن ماذا يقول والدك في أمرك هل قد مات أن هو حى ، فلو ذهبت ورأيت والدك وردعت إلى ذاتك كنت تجلس مستريحاً بعد ذلك بلا هم ولا قتال من العدو. فلما خدعه الشيطان بهذه الحيلة الماكرة، ذهب وأبصر والده ورجع ، فلما حان وقت صلاته وتلاوة مزاميره، لم يعد يسمع صوت الشيخ، فترك المزمور طفق يبكى فوق قبر الشيخ قائلاً : أيا أبتاه خليتنى يا معلمى وتركتنى . أين وعدك الصادق يا سيدي الشيخ المبارك المملوء حمة، لا يتمنى منك لأجل الله. فخرج إليه صوت من القبر قائلاً : العلى أتا تركتك، أنت خالفت وصيتى وتركتنى، أتظن أننى أنا كنت المصلى معك ومؤنسك، أنما ربنا يسوع المسيح الكثيرة الرحمة لما كنت قابلا وصيتى أرسل ملاكاً روحانياً يؤنسك ويصلى معك لأني أنا في موضعي كما أمر الرب إلى وقت مراده. وألما عصيت وصيتى التى كنت من أجل الله أنصرف عنك الملاك، فأجلس وأبك على خطايام والرب برحمته يعينك لأنه صاحب كنوز الرحمة |
رد: بستان الرهبان
العفة قال شيخ : " طوبى للإنسان الذي يحفظ نفسه طاهراً في الصغر حتى الكبر، طوبى بمن له نصيب في قيامة الصديقين، فأن الملائكة تجمعه إلى أهواء الحياة، التى هي فرح ملكوت السموات " . وقال القديس موسى الأسود : + " لنحب طهارة القلب والجسد لننجو من الدنس " . + " الذي يريد كرامة الرب عليه أن يتفرغ لطهارة نفسه من الدنس". + " الذي يتهاون بعفة جسده يخجل في صلاته " . وقال مار أفرام : " مسك البطن وصيانة اللسان ، ولجام العينين، طهارة للجسد، فإن أمسكت بطنك ، وصنت لسانك ، ولم تحفظ ناظريك الا يجمحا فلست ممسكا بالطهارة بالكامل " . وفي بعض الأيام جمع الأب باخوميوس الأخوة وقال لهم : أريد الأن أن أقول لكم وصايا لكي تحفظوها كلكم خلاصا وثابتا لنفوسكم لا سيما لأولئك الذين لم يقووا في الإيمان والأعمال حتى لا يقعوا في فخ أبليس . وأياكم أن يشك أحد منكم في هذا الكلام الذي أقوله لكم وأذكروا الكلام المكتوب : " أنكم لا تؤمنون ولا نفهمون وهذا هو الكلام الذي أريد أن تحفظوه " . + تشبه بعفة يوسف وحكمته وصبره وأتبع سيرته . + ألزم البكورية في أعضائك والطهارة في قلبك وجسدك . + أياك والنجاسة فهي تفصل الإنسان عن الله وأهرب من جميع ملذات الدهر الحاضر . + أحرص على طهارة جسدك وسلامة قلبم فإنك أن تحققت من نوالهما أبصرت الله ربك . + أحتفظ بالقدس لئلا تفتضح في موضع الحكم . فيبصرك معارفك ويعيرونك قائليت : " كنا نظنك حملا فوجدناك ذئباً " . أين تستر وجهك وكيف تفتح فاك. وبماذا تتخلص من عملك الملتصق بك كالصبغة بالثوب وماذا تصنع. حينئذ تبكى ولا ينفع البكاء . تسأل ولا يسمع منك. الآن يا بنى أرفض هذا العالم وارذله وأمشى مستقيماً . + قال الأب أغريفوريوس الثاؤلوغوس : إن هذه الأشياء الثلاثة الآتية ، يطلبها الله من كل إنسان من بنى المعمودية وهي : إيمان مستقيم من كل النفس، وصدق اللسان ، وظهر الجسد وعفته " . قصص عفيفات + تحدثوا عن عذراء حرة عفيفة هادئة في منزلها، فأحبها شاب ردئ ، ولم يكن يكف عن التردد على منزلها، فلما شعرت العذراء لتردده وقتاله، شق ذلك عليها جدا وحزنت ، فحدث في يوم من الأيام أنه جاء كعادته يدق ألبان ، وكانت العذراء حينئذ جالسة على المنسج، فلما علمت أنه هو الذي يدق على الباب ، خرجت إليه ومعها مخرازها، وقالت له : " ما الذي يأتي بك إلى ههنا يا إنسان ؟" فقال لها " " هواك يا سيدتي " فقالت : " وما الذي تهواه منى ؟ " فقال لها : "عيناك فتنتانى ، وإذا أبصرتك يلتهب قلبي " ، فجعلت مخرازها في أحدى عينيها ، وقلعتها بصرامة وطرحتها له ، وشرعت في قلع الآخرى، فأسبرع الشاب وأمسك بيدها، فدخلت إلى منزلها وأغفلت بابها، فلما رأى الشاب أن عينها قد قلعت حزن جداً، وندم على ما كان منه، وخرج إلى البرية من ساعته وترهب " . + وقيل أنه لما نهب بيت المقدس ، وقعت عذراء راهبة شابه جميلة ، في قسم أحد الفرسان الذي أراد أفسادها. فقالت له : " تمهل قليلا لأن بيدى مهنة تعليمتها من العذارى ، ولا تصلح لعملها الاعذراء، والا فلا نفع لها" فقال لها : "وما هى ؟ " فقالت له : " هي ذهن إذا دهن به إنسان ، فلن يؤثر فيه سيف أو أي نوع من الأسلحة البتة. وأنت محتاج إلى ذلك، لأنك في كل وقت تخرج للحرب" ، فقال لها "وكيف أتحقق ذلك؟" فأخذت زيتا ووجهت إليه الكلام قائلة : "أدهن رقبتم، وأعطنى السيف كى أضربك به " فقال لها : " لا ، بل أدهنى أنت رقبتك أولاً ، وأنا أضرب بالسيف " فأجابته إلى ذلك ببشاشة ، وأسرعت فدهنت رقبتها وقالت: "أضرب بكل قوتك" ، فاستل سيفه، وكان ماضيا جداً، ومدت القديسة رقبتها، وضرب بكل قوته، فتدحرج رأسها على الأرض، ورضيت عروس المسيح أن تموت بالسيف دون أن تدنس بتوليتها. فحزن الفارس جداً، وبكى بكاء عظيماً، إذ قتل مثل هذه الصورة الحسنة، وعرف أنها خدعته لتلفت من الدنس وفعل الخطية. 1- قمع شهوات الجسد + قال شيخ : " كما أنه من بذار عرق الصوم ينبت سنبل العفة، كذلك أيضاً من الشبع يتولد الفسق، ومن الامتلاء النجاسة، أما الأفكار الشهوانية فلا تجسر على البطن الدائعة المتذللة قط ، فحين يصبح المأكول داخلنا يتسبب عنه زيادة في أفرازات الزرع الطبيعي المجتمع في جسدنا، وإذا امتلأت أوانى الزرع من السائل، فإنه يسيل تلقائياً، إذا عرض له أن ينظر جسداً ما، إذ يحرك فيه السعور من غير الإرادة مع ما يتحرك بالفكر في ساعته من مادة بلذة، تتحرك من هناك وتنطلق في جميع الجسم، حتى ولو كان الفكر شجاعاً جداً وعفيفاً ونقيا بحركاته. ولكن بسبب ذلك الأحساس في الأعضاء، فلوقته يضطرب أفرازه، وعفة أفكاره النقية تتسخ. وطهارته تتنجس، لأجل أضطراب تلك الآلام التى تتحرك في القلب عن توقد الأعضاء، وفي الحال تذهب قوته، ويوجد مغلوباً مهزوما بغير قتال. ولن يتعب عدوه في الجهاد معه لأنه غلب تحت إرادة الجسد الثائر، وهكذا يجمع أفكاراً متلبسة بأشكال مثيرة أثناء رقاده، ويلقى سريره الطاهر فندقا للزوانى، وتتدنس أعضاؤه الطاهرة من غير أن تدنو منه أمرأة. أي بحر يضطرب هكذا، مثل أضطراب العقل السديد، بقوة الأمواج الثائرة عليه في جسمه من امتلاء البطن. + أيتها العفة، ما أنقى حسنك بالرقاد على الأرض. وألم الجوع يشتت النوم لأجل ضعف الجسد، أقمعوا البطن عن كل مأكول يبعث داخلنا أشكالاً مرذولة، وصوراً مثيرة تتشكل منه، فتخرج وتظهر لنا في بلد عقلنا الخفي، جاذبة أيانا إلى مشاركتها بأفعال الشر. أما خلو البطن فإنها تكون كمثل برية مقفرة للضمير، هادئة من سجس الحسيات . البطن الملآن ، هو بلد الهواجس والمناظر، حتى أننا نحن الذين في البرية والقفر ، وجدنا الشبع بسبب الكثير من أمثال ذلك " . + وقال أنبا أغاثون : " أن الله لا يطلب من أولئك الذين يبدأون خدمة أعمال خوف الله شيئاً سوى أن يضبطوا أجسادهم بالطاعة للوصايا ضد انفعالات الشهوة " . أسباب الخطية + قال شيخ : " ثلاثة تسبق كل خطية : الغفلة . النسيان . الشهوة " . + وقال مار أسحق : يسقط في كل الظنون الردية السمجة ، كل أنسان مستعبد للأربعة الآلام الأتية: جسد شهوانى، رغبة في أشياء جسدانية، لسان قاس، نقل الكلام من أحد إلى آخر بنوع المثلبة " . كما أن الذي يتخلى عنه الله لأجل تعظمة يسقط في واحد من ثلاثة أنواع من الخطية وهي : " أما في فسق سمج ، وأما في ضلالة شيطانية ، وأما في أذية (مضرة عقلية) " . تحكم قبالة مسببات الآلام، فتهدأ منك الآلام من ذاتها . كما أن جريان الماء يتجه إلى أسفل ، هكذا قوة الغضب إذا ألفت موضعاً في فكرنا . + وقال أحد الشيوخ لتلاميذه عند خروج نفسه : " تحفظوا من كل شئ فيه لذة من لذات هذا العالم التى تحرك الجسد بالفكر، وذلك ليكون الجسد دائماً هادئاً ومحفوظاً من الحركات الشيطانية " . + وقال الشيخ : " أن للشيطان ثلاث خصال قوية ، وهي تتقدم كل خطية، وهي: النسيان – التوانى – الشهوى ، ومن الشهوى يقع الإنسان ، فإن أنتبه العقل ولم ينس ، فلن يجئ إلى التوانى، وأن هو لم يتوان، فلن يأت إلى الشهوة، وأن هو لم يشته، فلن يسقط بنعمة ربنا يسوع المسيح " . (أ) نياح الجسد + سأل أخ شيخاً عن الجسد ، فقال له الشيخ : " أن جميع الوحوش والحيوانات إذا أنت أكرمتها، لا تسئ إليك إلا الجسد وحده، فأنك إذا أحسنت إليه أساء إليك عوض الأحسان" . كما قال هذا الشيخ أيضاً: " أنى سألت شيخاً آخر، وكان ذلك الشيخ في رباطات ضيقة فقلت له : ياأبى ، لعلك إذا جئت إلى وسط الأخوة استرحت من هذا التعب فقال : "نعم، يا أبنى، لكنى أخاف من هذا الفرس الذي أركبه، أعنى جسدى لأنه إذا أصبخ في الراحة، وعدم الضيق، رمانى إلى أعدائي، وجعلني شماتة" . + وقال أنبا موسى الأسود : " لا تأمن للجسد إذا رأيت نفسك مستريحاً من المحاربات في أي وقت من الأوقات. لأنه من شأن الأوجاع أن تثوق فجأة بخداع ومخاتلة عسى أن يتوانى الإنسان عن السهر والتحفظ وحينئذ يهاجم الأعداء النفس الشقية ويختطفونها لذلك يحذرنا ربنا قائلاً : " أسهروا " . + وقال أيضاً : زينة الجسد هزيمة للنفس ومن يهتم فليست فيه مخافة الله . + وقال مار أسحق : من أكرم الجسد ، فقد أكرم معه الشياطين الذين خدعوه منذ القديم . + وقال أيضاً : معرفة الله لا تسكن في جسد محب للراحة، أي إنسان يحب جسده لا يؤهل لمواهب الله، كما يتفق الأب على أبنه هكذا يشفق المسيح على الجسد العمال ، وفي كل وقت قريب من فمه " . + وقال القديس أنطونيوس : لا تكن كسلاناً فتموت بأشر حال . أضعف جسدك كمريض ملقى على سرير فتهرب الأوجاع عنك. أياك واللعب فإنه يطرد خوف الله من القلب ويجعله مسكناً لجميع الشرور . + وقال أيضاً مار استحق : " بأمرين يصنع الجسد نياحة بحماقة ، مسببا للنفس تعباً وشقاء، وطلاسم عظيمة للفكر، أما هذان الأمران: فأولهما عدم ضبط البطن الغير مخضعة لتجلد الصوم، وثانيهما : عدم ترتيب الأعضاء التى تعطى سبيلاً للنظر واللمس العديم التعفف، الذي منه يحدث فساد هيكل الله بتوسط الأفكار الطائشة في الأباطيل" . " العفة في وسط التنعم لا تثبت بغير فساد، كما أن الجوهرة في وسط النار لا يحفظ شعاعها بغير فساد " . + وقال أنبا بنيمين : " ممقوت عند الله كل نياح جسداني : . + وقيل أيضاً : " كما أنه لا يمكن أن يكون بغير أذية ذاك الذي يشفق على عدوه المحارب له في صفوف القتال، هكذا لا يمكن أن يشفق المجاهد على جسده، وتنجو نفسه من الهلاك " . (ب) الشهوة + قال أنبا باخوميوس : " أحفظ نفسك من الشهوة فهي أم جميع الخطايا والشباك والمقتضى بها يضل عقله فلا يعود يعلم شيئاً من أسرار الله " . + وقال أنبا موسى الأسود : "قهر الشهوة يدل على تمام الفضيلة والانهزام لهل يدل على نقص المعرفة" + وقال أنبا أوغريس : " كل ما يريده الإنسان بلا شك يشتهيه. وما يشتهيه يجهد نفسه حتى يقتنيه. فإذا اقتناه، فقد اكمال الشهوة، وإذا أكمل الشهوة فقد أرضى جميع حواسه ولذذها، وكل من ليست فيه شهوة حسنة فهو جرن للأوجاع " . + وقال أنبا انطونيوس : " أحذر من أن تحب بلوغ شهواتك واغراضك وابغض كل أعمال الدنيا وأرفضها فإنها تبعد الإنسان عن الله " . + قال أحد الشيوخ : " أن لى أربعين سنة أحس بقتال الخطية في قلبى، وما خضعت لها قط لا بشهوة ولا بغضب " . + وكان أحد الشيوخ يمشى ومعه تلميذه، فوجد في الطريق تفاحة مطروحة فأخذها وفحصها، ثم طرحها تحت رجليه وسحقها في الأرض، فقال له تلميذه: "لم فعلت هكذا يا أبى ؟ " فقال الشيخ : " نهم يا ابنى ، لأن شهوة الثمرة أخرجت آدم من الفردوس " . (ج) الأكل + قال مار أسحق : " كما أن المواد الدهنية تزيد النار اضطراما، هكذا طرأوة المأكل تنمى ألم" + قال أنبا موسى الأسود : " أبغض شهوة البطن لئلا يحيط بك عماليق ، ضبط شهوة البطن يقلل من تأثيرات الشهوات. شهوة الأطعمة توقظ الغرائز والأنفعالات، والامتناع عنها يفمعها . شهوة البطن أساس كل الأوجاع " . + قال شيخ أن أنبا بفوتيوس قال لى : " أن جميع أبائنا .. الذين كانوا قبلنا .. حفظوا قلوبهم . أذن فإن كان أحد من جيلنا الآن يحفظ لسانه من النميمة وجسده من الزنى ويديه من السرقة وبطنه من الشره ، فهو طوباوى. لأن الشره هو الذي يولد الزنى والسرقة وأشياء أخرى كثيرة جداً " . + وقال أنبا بلا : " أن حفظنا الإيمان الصحيح ، وحفظنا الجسد من الزنى ، واللسان من النميمة ، فنحة بنعمة الله مفلحون حسب هذا الزمان " . + قال أنبا موسى الأسود : " الشبع من النوم يثير الأفكار وخلاص القلب هو السهر الدائم – النوم الكثير يولد الخيالات الكثيرة والسهر بمعرفة يزهر العقل ويثمره – النوم الكثير يجعل الذهن كثيفاً مظلماً والسهر بمقدار يجعله لطيفا نيراً. من ينام بمعرفة هو أفضل ممن يسهر في الكلام الباطل " . + وقال أنبا أنطونيوس : أبغض الجسد وأرفض لذاته فأنها ممتلئة شروراً ولا تنم إلا يسيراً بقدر. (هـ) الجسدانيات + قال أنبا بنيمين : " أنه خير للراهب أن يفر من الجسدانيات ، لأنه ما دام الإنسان قريباً من الجسدانيات، فإنه يشبه من يجلس عند فوهة جب عميق، ففي أي ساعة أراد العدو دفعة فيه هان عليه طرحه فيه، أما إذا كان الراهب بعيداً عن الجسدانيات، فإنه يشبه رجلاً بعيداً عن الحب، ففي الوقت الذي يعمل العدو على جرفه إليه، يكون الله قد بعث إليه بمن يخلصه " . (و) التجول في العالم + كمثل من هو حامل جوهرة ثمينة ، ويمضى بها في طريق، وتشاع عنها أفكار سمجة، فيصبح في كل وقت مرتعباً من السالب، هكذا الذي قد أقتنى جوهرة العفة، ويسير في العالم الذي هو طريق الأعداء ، بدلا من أ يدخل منزل القبر (القلاية) الذي هو بلد الثقة، فهذا ليس له رجاء في أن يفلت من اللصوص السالبين، وكما أنه لا يمكن لذاك أن لا يخالف، كذلك أيضاً ولا هذا، لأنه لا يعرف من أي بلد وفي أي وقت يخرجون عليه بغتة ويجردونه من جميع ماله، ثم يسلب في باب داره ، ولو كان في الشيخوخة " . + وقال شيخ : " المنصرف إلى العالم بعد رفضه أياه ، أما أن يسقط في فخاخه ويتدنس قلبه بأفكاره ، وأما أنه لا يتدنس لكنه يدين المتدنسين فيتدنس هو أيضاً " . + وقال أنبا موسى الأسود : " ملازمة خوف الله تحفظ النفس من المحاربات وحديث أهل العالم والاختلاط بهم يظلم النفس وينسيها التأمل " . قتال الزنا + وقال أنبا موسى الأسود : " إذا حسن لك الزنى أقتله بالتواضع والجأ بنفسك إلى الله فتستريح ، وإذا حوربت بجمال الجسد فتذكر نتانته بعد الموت فانك تستريح " . + قال أنبا أيليا السائح : " أنه كان في مغارة قرب دير الخصبان ، فلم يأت مصف النهار في شدة الحر في شهر أغسطس، حتى قرع انسان على مغارته، فخرج وأبصر أمراة، فقال لها : ماذا تضعين ههنا ؟ قالت له : أنا بقربك في مغارة على ميل واحد ، أسير سيرتك ، وفيما كنت أدور في البرية عطشت من شدة الحر ، فاصنع حبا يا أبى واسقنى قليل ماء . ثم قال : فسقيتها وأخليت سبيلها ، فلما أنصرفت تملكنة قتال الزنى ، فهزمت له ، وأخذت عصاى ومضيت سائراً إلى مغارتها في ساعة حر صعب، فلما دنوت من مغارتها والشهوة تلهلنى، سهوت فأبصرت الأرض قد أنفتحت وظهر من تحتها أجساد موتى كثيرين منتنة جدا، وكان أنسان بهى يرينى تلك الأجساد ويقول لى : " هذا جسد أمرأة، وهذا جسد صبى فاشف الأن شهوتم من أيهما شئت ، وأبصر كم من الأتعاب تريد أن تهلك من أجل هذه الشهوة المنتنة، وتحرم نفسك ملك السماء! أيى لهذا الإنسان الذي يضيع تعبه من أجل شهوى بطالة" . ومن شدة رائحة النتن وقعت على الأرض، فأقامنى ذلك الرجل، وأزال عنى القتال، ورجعت إلى معارتى أسبح الله وأمجده على خلاصي " . فانظروا يا أخوتى، كيف أن القرب من النساء هو مهلك، ويسبب القتال حتى للرجال الأبرار المتعبين بالنسك طوال أيامهم . سؤال : ما بال الزنى يؤذي الإنسان ، ويلح عليه كثيراً؟ الجواب : لأن الشيطان قد عرف أن الزنى من شأنه أن يجعلنا عراة من الروح القدس ، واسمع ربنا قائلاً" " لا تثبت روحي في هؤلاء الناس بسبب كونهم زناة ". + قوتل أخ بالزنى فذهب إلى شيخ كبير قال له : " يا أبى ماذا أصتنع فأن قتال الزنى قد آذانى؟ " قال له الشيخ " هذا الشئ لم يقاتلنى قط " فدهش ذلك الأخ، وذهب إلى شيخ آخر، وقال له. ألا تعجب ؟ فأنى قد شكوت إلى فلان الشيخ أذيتى من قتال الزنى فأخبرنى بشئ يفوق الطبيعة إذ قال لى : لم أقاتل أنها بهذا الشئ قط.. فقال له ذلك الشيخ : يا حبيبى ، أن ذلك القديس لم يتكلم بذلك جزافاً، ولكن أرجع وتب إليه وأسأله بأن يخبرك بقوة الكلمة . فرجع الأخ إلى الشيخ واستغفر منه قائلاً" أغفر لى يا أبي، فأنى خرجت من عندك بجهالة، ولكنى أحب تبين لى كيف أنك لم تقاتل قط بالزنى؟ فأجابه الشيخ قائلاً : "أنى منذ ترهبت، لم أشبع قط من الخبز ولا من الماء ولا من النوم ، فأشغلتنى هذه الثلاثة، ولم تدعنى أحس بالقتال الذي ذكرته " .. + قيل عن راهب ، أن ألم الزنى أتى عليه بشدة، فلما أزعجع جداً، قام وخرج من قلايته ومضى إلى جحر ضبعة ، ونزل إليه وهو يقول: "خير لى أن أموت بهذه الضبعة، من أن أموت بالخطية" فأقام هناك ستة أيام وهو صائم لا يذوق شيئاً، وفي اليوم السابع أتته الضبعة بمأكول ، فاستمر مقيما في ذلك الموضع 40 يوماً، وفي كل أسبوع كانت الضبعة تأتيه بما يأكله ، وبعد ذلك أتاه صوت يقول له : تقو . ومن ساعته هرب عنه روح الزنى ، فشكر الله ورجع الى قلايته. + قيل عن الأم سارة ، أنها مكثت 13 سنة وهي مقاتلة قتالاً شديداً من شيطان الزنى، وكان يصنع معها مغريات العالم، ولم تكن تحيد قط عن مخالفة الله والنسك، فصعدت مرة إلى السطح لتصلى فرأت روح متجسماً وقال : لقد غلبتينى يا سارة. فأجباته: أنى لم أغلبك، ولكن سيدى يسوع المسيح . فأنصرف عنها القتال من ذلك الوقت . شكا أخ إلى شيخ من قتال الزنى فقال له الشيخ : " أتريد أن تخلص وأنت نائم؟ أذهب وأتعب واجتهد، أطلب تجد، اسهر وتضرع تعط، أقرع يفتح لك. فكم من الناس يتجلدون في التعب والسهر وقد يتحملون العذاب من أجل ربح جسماني، فأثبت أنت أذن وتجلد من أجل الله ، والله يمنحك النصرة " . + قال شيخ : " إذا قوتل راهب بالزنى وحفظ بطنه ولسانه وغربته ، فلى إيمان أنه لا يسقط بمعونة الله " . + وقال آخر : " ليس شئ يغسل دنس الزنى مثل دموع التوبة، لأن الزنى يخرج من الجسد والقلب، وكذلك الدموع تخرج من الجسد والقلب " . + وقال آخر : " السهر والصلاة والجوع والتعب مع العزلة من الناس تبطل شهوة الزنى" 2- جمع العقل (أ) مقاومة الأفكار الشريرة + قال الأب جرينوس : " أن كثيرين يقاتلون بشهوة الجسد وهم زناة من غير أن يقتربوا إلى جسد غريب، لأنهم لم يعرفوا كيف يقمعون أفكارهم، فحفظوا البتولية لأجسادهم فقط، وزنوا بأنفسهم، فيجيد أن يحرص كل واحد منا على أن يحفظ قلبه " . + سأل أخ شيخاً قائلاً : " إذا بذر في الشياطين فكرا نجساً، أو غواية الليل بالجنابة، يمنعوني من أن أصلى قائلين لى : أنك نجس " . أجاب الشيخ قائلاً : " إذا وضعت الأم الصبى الأم على الأرض متمرغاً في وسخه فإنه عندما يرى أمه يرفع ووجهه نحوها وعيناه ممتلئة دموعاً، لتتحنن أمه عليه وتضمه إليها، وتصعده على صدرها، وتقبله، ولا تنظر إلى شئ من وسخه، كذلك نحن يا أخى ، إذا ما أغوتنا الشياطين فلنسرع صارخين نحو الله باكين بين بدية، فإنه يقبلنا من وسط نجاساتنا ويظهرنا له دفعة أخرى " . + سأل أحد الأخوة أنبا موسى قائلاً : ماذا أصنع لكي أمنع أمراً يتراءى لى دائماً، فقال له الشيخ: أنك ان لم تصبح مقبور كالميت فلن تستطيع أن تمنعه (يقصد الفكر) . + وقال ايضاً : + الحرية تولد العفة ومكابدة الهموم تولد الأفكار . + أن جاءتك أفكار عن النساء فاذكر أين ذهبت الأوليات منهن وأين حسنهن وجمالهن . + وقال القديس أنطونيوس : + لا تتبع جميع أفكارك بل أجعل فكرك في الوصايا كل حين وداوم على فعلها. + لا تفكر في الخطايا القديمة التى فعلتها لئلا تتجدد عليك – لا تذكر لعبك ولذاتك في زمان كسلك ولا تتحدث عنها لئلا يصبح ذكرها لك عثرة . ومرة سألة أحد الأخوة بخصوص الأفكار فأجابه الشيخ قائلاً : لا تطع أفكارك. أتركها حتى تهدأ وتخمد فيظهر فيها الدود ثم تموت . (ب) طرد الخوف والشك + قال أنبا موسى الأسود : ليكن قلبك من نحو الأفكار شجاعاً جداً فتخف عنك حدتها، أما الذي يخاف منها فإنها ترعبه فيخور، كما أن الذي يفزع منها يثبت عدم إيمانه بالله حقا ولن يستطيع الصلاة قدام يسوع سيدة من كل قلبه ما لم يطرد الإفكار أولاً . + وقال الأب إيرايس: " كما أن الأسد مرهوب لدى الحمير الوحشية ، هكذا الراهب المهذب، مرهوب لدى أفكار الشهوة " . 3- ضبط الحواس (أ) النظر + قال القديس أنبا موسى الأسود : + أحفظ عينيك لئلا يمتلئ قلبك أشباحاً خفية . + من ينظر إلى أمراة بلذة فقد أكمل الفسق بها . + وقال بعض الشيوخ : " أضبط عينيك لئلا تنظر الأرضيات ، وتصير غريبا من السمائيات " . + وقال شيخ : كما أن رائحة السم المميت تفسد مزاج الجسد، كذلك المناظر السمجة تفسد سلامة الضمير وكما أنه لا يثبت الزجاج في تقلبه مع الأحجار بل ينكسر ، هكذا لا يمكن أن يكون أحد طاهراً، وهو مداوم النظر والكلام مع الناس. + وقال القديس باسليوس : أبتعد من نظر وسماع مالا يفيد ، فتتخلص من فعل ما لا يفيد . (ب) اللســــان + قال أنبا موسى الأسود : + كمثل بيت لا باب له ولا أقفال ، يدخل كل من يقصده ، كذلك الإنسان الذي لا يضبط لسانه . + من يهتم بضبط لسانه يدل على أنه محب للفضيلة، وعدم ضبط اللسان يدل على أن داخل صاحبه خال من أي عمل صالح . + أحتفظ لسانك ليسكن في قلبك خوف الله . + لنستعمل اللسان في ذكر الله والعدل لنتخلص من الكذب . + وقال أنبا أنطونيوس : + أحذر أن تتكلم بكلام فارغ ولا تسمعه من غيرك أو تفكر فيه ؟؟ زليكن كلامك في ذكر الله واستغفاره . + لا تكن مقاتلاً باللسان ، أجعل كل أحد يباركك . والرب يسوع المسيح يعينك على العمل بمرضاته . + أياك والكذب فهو بطرد خوف الله من الإنسان . + لا تحلف البته لا بشك ولا بحق . + لا تتكلم قط في هموم الدنيا بشئ . + وقال القديس مقاريوس : + أحتفظوا ألسنتكم ، وذلك بألا تقولوا على أخوتكم شراً، لأن الذي يقول عن أخيه شراً يغضب الله الساكن فيه لان ما يفعله كل واحد برفيقه، فبالله يفعله. + أحتفوا ذواتكم من كلام النميمة الوقيعة، لكي تكون قلوبكم طاهرة، لأن الأذن إذا سمعت الحديث النجس، لا يمكن أن تحفظ طهارة القلب بدون دنس. + أحتفظ نفسك من حرية الكلام والعمل. لأنه لا يليق بالراهب أن يسمح بأن يدينه فكره في أمر من الأمور . + قيل أن بعض الأخوة في الاسقيط اتفقوا على زيارة القديس أنطونيوس فلما ركبوا المركب وجدوا فيها شيخاً من الآباء يريد المضي إليه كذلك. ولم يكن الأخوة يعرفونه. ثم أندفعوا يتحدثون حديث الآباء وبما جاء في الكتب ويذكرون أيضاً صنائع أيديهم .. والشيخ جالس يسمع صامتاً. فلما صعدوا من المركب علموا أن الشيخ ماض معهم إلى الأنبا أنطونيوس . فلما وصلوا إليه نظر إليهم القديس وقال للأخرة : نعم الرفيق وجدتموه (يقصد الشيخ) ثم قال للشيخ نعم : الرفقة وجدتهم أيها الأب . فقال له الشيخ : أما هم فممتازون ولكن دارهم ليس عليها باب. فإذا أراد أحد الدخول إلى الأصطبل ليحل الحمار ويأخذه، ما كان له مانع ، أعنى أنهم يتكلمون بكل ما يجرى على ألسنتهم . (ج) المــس + قال أنبا أنطونيوس : أحرس ثيابك لئلا تمشى عرياناً في يوم الحكم فتفتضح. وإذا نمت لا تدخل يدم داخلك لئلا تخطئ بغير هواك. لا تحل منطقتك وأنت قوي. وإذا تعريت فلا تنظر جسدك ولا تمسك خد قريبك ولا يده لا صغيراً ولا كبيراً وليكن جلوسك بأدب. (د) الضحك + قال يوحنا ذهبى الفم : " من أجل أننا لا نحتفظ من الزلات الصغار فإننا نقع في الكبار ، فمثل ضحك أنسان في غير وقت الضحك ، فجر غيره إلى الضحك " + كما قال ايضاً : " ما هو لضحك ؟ وما هي مضرته ؟ . حينئذ تبدأ مخافة الله في أن تنقطع ويتولد من الضحك المزاح ، ومن المزاح الأقوال القبيحة، ومن هذه تكون الأفعال المذمومة، فالعدو المخادع يسهل علينا الزلات الصغار، ومنهما يولجنا الى الخطابا الكبار ومن هنا يقودنا إلى اليأس . فينبغي لنا أن نطرد هواجسه من مبادئها ، ولا نتهاون بالصغار حيث العدو فيها، ومنها يجرنا إلى الكبار. والا فلو كان يحاربنا ظاهراً عيانا، لكل تتاله سهلا علينا، وقهره متيسراً لدينا لكنه يعمل لنا كمينا وفخا ، لا نقف على الخلاص منه سريعاً، فإن تيقظنا أفسدنا عليه كل حيله، وذلك لان ربنا قد كسر عنا سلاحه ، وقد حذرنا من الصغائر، إذ أنه ما وقف عند حد قوله "لا تقتل" فحسب، بل قال: ولا تغضب وأنتهى إلى منعنا من مخاطبة أحد لأخيه بكلمة امتهان ، وما وقف عند حد قوله " لا تزن " ، لكنه حذرنا من النظر إلى أمرأة بشهوة، وأعطى الويل للضاحكين، وبالغ في الاستقصاء في باب الصغار إلى أن قال : " أن كل كلمة بطالة يقولها الإنسان ، سوف يعطى عنها جوابا " . فإذا عرفنا ذلك ، فسبيلنا أذن أن نحفظ أنفسنا من الخواطر ، فلا نسقط سريعاً . + من قول بعض الشيوخ : " أحذر من الضحك لأنه يحل الحواس ، ويبطل كل فضيلة " . + قال شيخ : أحذر أن تصنع خطية بهواك ، لئلا تعتادها فتصنعها بغير هواك كالضحك " . + قال أنبا أغاثون : أن الدلال والمذاح والضحك امور تشبه ناراً تشتعل في قصب فتحرق وتهلك . + أبصر " أنبا نومين " أخا يضحك فقال له : لا تضحك يا أخي، لئلا يبتعد الله عنك. + أبصر شيخ آخر أحد الأخوة يضحك فقال له : " لا تضحك يا أخى، والا بعدت عنك الطوبى التى أعطاها الرب للحزانى". 4- الغربة والهروب من الدالة والنساء + جاء أخ مرة لأنبا أغاثون وقال له : يا أبي أريد أن أسكن مع أخ فارسم لى كيف أقيم معه ؟ فقال له الشيخ : كن معه دائما كمثل اليوم الذي بدأت سكنك عنده. واحفظ غربتك هكذا كل أيام حياتك وأياك أن تكون بينكما دالة " . + فقال له الأخ : ولماذذا نتحاشى الدالة ؟ أجابه أنباء أغاثون : " أن الدالة تشبه ريح السموم . عند هبوبها يهرب الناس جميعاً من أمامها وهي تهلك ثمار الأشجار " . + فقال الأخ : أبهذا المقدار تكون الدالة رديئة ؟ أجابه الشيخ : " لا يوجد وجع أردا منها لأنها مصدر كل الأوجاع " لذلك يجب على الراهب الحريص أن لا تكون له دالة حتى ولا على القلاية ولو كان وحيداً فيها. لأنى رأيت أخا يسكن في قلاية زمانا وكان له فيها مضجع وقال لى : " أنى خرجت من القلاية . ولما عدت إليها لم أعرف المضجع لو لم يدلنى أخر عليه " . وهكذا يجب أن يكون الراهب النشيط المجاهد . + قيل عن القديس مقاريوس : أنه كان يوصى تلاميذه قائلاً : " أهربوا من كلام النساء المؤدى إلى الهلاك " . وكان يقول أيضاً : " احذروا ألا تكون بينكم وبين صبى دالة لأن الصبى إذ رأيته صاعداً إلى السماء فهو سريع السقوط فما عليكم ألا أن تطلبوا من المسيح ألهنا أن يعينه " . + وقال القديس برصنوفيوس : " لا تأخذ ولا تعط مع إنسان يقاتلك به العدو، بل أنظر لنفسك وأعلم أن مصيرك أن تموت وتلقى الديان " . + وقال أيضاً : " إذا كنت تحب أن تخلص من الأوجاع النجسة، أقطع منك الخلطة والدالة مع كل إنسان، ولا سيما من ترى قلبك مائلاً إليه بشئ من الأوجاع، وهكذا تعتق من السبح الباطل، لأن السبح الباطل ملتصق بالرباء والرياء يلد الأوجاع، لأن المجاهدين ، أن لم يحرصوا فلن يكللوا، والفرسان أن لم يجاهدوا في معركة الحرب، فلا يمدحون من الملك " . + وقال شيخ : " من يغلب الأسد ليس بشجاع ، كذلك من يقتل اللبؤة ليس بجبار ، أما من يخرج من هذا العالم وهو نقي من عيب النساء فهذا هو الغالب". + وحدث مرة أن سأل أخ الأب دانيال قائلاً : " أرسم لى وصية واحدة أحفظها " فقال : لا تجعل مع أمرأة في صحفة واحدة، ولا تأكل معها لأن هذا فخ شيطان الزنى " . + وقيل : أن أنبا أسحق خرج مرة فوجد آثار قدم أمرأة في الطريق ففكر في هذا الأمر ، وأزال الأثر قائلاً : " لربما يراه أحد الأخوة فيسقط " . + في بعض الأوقات ، قامت سفينة من ديولفن ، ورمتها الرياح إلى بعض الجبال حيث كان هناك رهبان، فخرجت أمرأة من السفينة ، وجلست على الشاطئ فوق تل رمل ، واتفق حينئذ أن جاء أحد الرهبان ليملأ جرته ، فأبصر المرأة، فرمى الجرة وعاد مبادراً إلى رئيس الدير وقال : " يا أبتاه عند النهر امرأة جالسة" ، فلما سمع الشيخ قوله ، خفى قلبه ، ثم أخذ عصاه وخرج بسرعة وهو يصيح قائلاً : " أغيثوني فقد جاءنا لصوص أشرار" ، فلما أبصروا أنزعاج الشيخ لحقوه حاملين عصيهم إلى النهر، فلما رأي النوتية قدومعم عليهم هكذا خطفوا المرأة من فوق التل بسرعة، ووضعوها في السفينة، وقطعوا حيل السفينة وتركوها منحدرة في جريان النهر . 5- التحرر من قيود السحر حدث في ذات يوم أن ألتقى الأب القديس أفرام السريان بأمرأة فاسدة، وراودته عن نفسها كي يشترك معها في جماع دنس ولا شنعت عنه ، فقال لها : "أن بعض الأخوة اعتدوا المجئ إلى هنا، فاتبعينى إلى موضع آخر" فتبعته، ولماأقتربوا من موضع يجتمع فيه أناس كثيرون، قال لها: " أنى أرى أن نكمل الفعل ههنا" فقال له : " يا رأهب ، أما تستح من الناس الذين يبصروننا ونحن في الفعل القبيح؟! " فقال لها : وانت يا امرأة ، اما تستخين من الله خالق الناس الذي ينظرنا في هذا الفعل القبيح؟ فخزيت وأنصرفت خائبة. + وبلغ الأب مقاريوس عن راهب متوحد داخل البرية منذ خمسين عاماً لم يأكل خبزا قط وقد كان يقول عن نفسه أنه قتل ثلاثة أعداء : " الزنى ، وحب المال ، والسبح الباطل " . فمضى الأل مقاريوس إليه، فلما رآه المتوحد فرح كثيرا وكان رجلاً ساذجاً. فسأله الشيخ عن عزائه وعن أحواله وعن جهاده فقال له: "أنه استراح من قتال الزنى وحب المال والسبح الباطل" . فقال له الأب : لى بعض أسئلة أريد أن أوجهها إليك فأجبنى عنها وهي : + إذا اتفق لك أن عثرت على ذهب ملقى وسط حجارة فهل يمكنك أن تميز الذهب من الحجارة ؟ قال : نعم ولكنى أتغلب على فكرى فلا يميل إلى أن آخذ شيئاً منه . قال : حسنا . + وإذا رأيت امرأة جميلة أيمكنك ألا تفكر فيها أنها أمرأة ؟ قال : لا . لكنى أمسك فكري ألا يشتهيها . قال : مبارك . + وأن سمعت أن أخا يحبك ويمجدك وعن آخر يبغضك ويشتمك؟ واتفق أن حضر أليك الأثنان. أيكونان أمامك في منزلة واحدة ؟ قال : لا . لكنى أمسك أفكاري فلا أكافئه حسب أعماله وأقواله وشتيمته بل أزهر له المحبة . أخيراً قال له الأب مقاريوس : " أغفر لى يا أبي فأنك حسنا جاهدت وقاتلت وصبرت من أجل المسيج . لكن أوجاعك لم تمت بعد، بل مازالت حية ولكنها مربوطة، فتب واستغفر الله. ولا تعد إلى ما كنت تصف به نفسك لئلا تثور عليك الأوجاع بالأكثر. فاما سمع المتوحد ذلك الكلام أنتبه من غفلته وسجد بين يدى الشيخ قائلاً : " أغفر لى يا أبي فلقد داويت جهلي بمراهم وعظك الصالح " . + أتى أخ إلى الأب مقاريوس وقال له : يا معلم قل لى كلمة تنفعنى . فقال له القديس : " أمضى إلى المقابر وأشتم الموتى " . فمضى الأخ وشتمهم ورجمهم وعاد وأخبر الشيخ بما عمله. فقال له الشيخ: " أما خاطبوك بشئ " . فقال : لا . فقال له الشيخ : أمضى غدا وأمدحهم. فمضى الأخ ومدحهم قائلاً " يا قديسون . يا أبرار . يا صديقون " ؟ وعاد وأخبر الشيخ بما صنعه فقال له " أما أجابوك بشئ ؟ " قال : لا ، قال الشيخ : "أن كنت حقا قد مت مع المسيح ودفنت معه فاصنع هكذا مثل أولئك الأموات ، لأن الميت لا يحس بكرامة ولا باهانة وبذلك تستطيع ان تخلص" فانتفع الأخ بذلك. 6- تنقية النقس + قال أنبا مقاريوس : كمثل الحديد الذي إذا طرحته في النار يصير أبيضاً ويتنقى من الشوائب كذلك النفس إذا ما حل فيها الروح القدي المعزى وسكن فيها فأنها تصير نقية كالملح متلألئة ببياض الفضيلة فتنسى الأرضيات وتشتاق إلى السمائيات وتوجد في كل وقت سكرانة بالالهيات شغوفة بالعلويات. وذلك من أجل نقاوتها وطهارتها حتى يظن الإنسان أنه قد أنتقل من هذا العالم إلى الحياة الأبدية بربنا يسوع المسيح، ويرى الجزاء الكامل العادل العتيد أن يكون للأبرار والخطأة في الدهر الآتي الذي لن يزول ، الدائم إلى الأبد .. + وقال أيضاً : نفسى الكامل في الفضائل نجدها نقية كالشمس من قبل أن تلحقه كلمة ردية – فإذا سمع كلمة ردية أو نميمة، للوقت تطفى الشياطين على عقله، وتحجب عنه النور ، وتصيره شقيا، وتكون نفسه متزعزعة، وفضائله ناقصة. + وقال أيضاً : أن نحن ذكرنا السيئات التى تحل بنا من الناس ، فأننا نقطع قوة ذكر الله من قلوبنا وأن نحن ذكرنا شرور الشياطين نبقى غير مجروحين. 7- رؤية الله + قال القديس مقاريوس : أن النفس لها استطاعة أن تنظر إلى الله في كل حين ، فتوجد لها دالة عند سيدها، لأنها حينئذ يكون لها قدرة على ذلك، لذلك فلنحرص بكل قوتنا ألا نحيد عن خوف الله ولا نتعبد للأوجاع. + وسأله أخ قائلاً : كيف تقتنى النفس خوف الله ؟ أجابه : إذا لم تنظر النفس إلى الله لا تخافه . قال له : وبماذا يظهر الله للنفس . أجابه : بالعزلة ، والضيقة ، والصراخ كل حين بشوق ولا يفتر عن أن ينادي قائلاً : " يا ربى يسوع المسيح" فإذا ما كان ذكره دائماً في قلبك كل حين فانه يجئ وبسكن فيك. ويعلمك كل الأعمال الصالحة . 8 - خوف الله + قال القديس أنطونيوس . " يجب أن يكون خوف الله بين أعيننا دائماً أبداً . وكذلك ذكر الموت، وبغضه العالم ، ونتجنب كل ما فيه من راحة ولذة للجسد ، وأن نزدرى هذه الحياة الفانية، لنحب الله ونحيا له، لأنه سوف يطلب منا هذا في يوم الديونية، ما إذا كنا قد جعنا، أو عطشنا، أو تعرينا، أو تنهدنا، أو حزنا من كل قلوبنا، أو أمتحنا لأنفسنا هل نحن مستحقون لله، فلنؤثر الحزن لكي نجد الله، ولنستهن بالجسد لكي تنجو أنفسنا من العذاب " . + وقال أيضاً: سيأتي وقت يصير فيه أولاد الناس أغبياء ، يتحولون عن خوف الله ، وإذا وجدوا انساناً غير أرعن أو أحمق مثلهم يقومون عليه ويقولون له : " أنت أرعن واحمق " لأنه لا يماثلهم . + وقال أنبا باخوميوس : سبيل الراهب ألا يكتفي بنسك الجسد وتعبه وحده. بل عليه أن يحصل على خوف الله ساكنا فيه فأنه هو الذي يحرق الأفمار الرديئة ويفنيها كمثل النار التى تحرق الصدأ وتنظف الحديد من الشوائب. كذلك خوف الله يطرد كل رذيلة من الانسان ويجعله للكرامة يصلح لعمل الله . + وقال أيضاً : لا تكسل عن أن تتعلم خوف الله لكى تطلع وتنمو مثل الغرس الجديد وترضى الله كطفل صغير . سئل مرة الأب سلوانس : أي سبيل سلكت حتى حصلت على هذه الحكمة؟. أجاب وقال : " أنى ما تركت في قلبي قط فكراً يغضب الله " . + وقال أنبا مقاريوس : ليس شئ يعلو على خوف الله . لأنه يسود على كل شئ. فبخوف الله يحيد كل إنسان عن كل الشرور، فلنقتن لنا هذا، ولنبتعد عن كل ما لا يريده الله . ولنصنع كل ما يرضيه ونحفظه ، ولا نصنع شيئاً يغضبه، ولنعلم أن كل ما نعلمه عريان ومكشوف لديه ولا نخفى عليه خافية . + وقال أيضاً : لا تطاوع مشورة الشياطين الأنجاس، إذا حدثوا بخداع قائلين: أن الله لا يؤاخذك بخصوص هذا الأمر اليسير أو هذه الوصية الصغيرة، إذا توانيت فيها، بل أذكر أن كل معصية كبيرة أم صغيرة فانها تغضب الله . + سأل أخ أنبا تادرس : " بأي طريق يمكن للأنسان أن يخرج الشياطين من ذاته ؟ " . + فقال له القديس : " أذا قبل إنسان ضيفا وأكرمه ، فأن كان لا يقدر أن يطرده اليوم ، ففي الغد لا يقدر أن يطرده ذلك إذا كان متاعه داخل بيته ، أما إذا أعطاه متعه وجميع ما كان داخل بيته، فحينئذ لو أراد طرده أغلق الباب في وجهه، وهكذا الحال مع الشيطان، إذا لم تطرح متاعه خارجاً عنك، الذي هو الزنى والنجاسة والكذب وجميع آلاته، فلا تقدر أن تطرده " . |
رد: بستان الرهبان
العمل (أ) عمل اليدنين أن أباءنا الروحانيين جعلوا عمل اليدين مثل قانون محدد وليس من أجل المال وحسبوه كأحد الفضائل للأسباب الآتية : (أ) لأنه يخفف عن الأخ الثقل والملل : (ب) لكي يعد قوته ويعطى أيضاً منه صدقة لآخرين لئلا يجد مجالاً للخروج من قلايته بسبب العوز فيسبب له دالة وخلطة مع العلمانيين . (ج) لكي يمنع عن نفسه الشرور التى تتولد من البطالة . وفيما يلي بعض أقوال قديسين : + قال أحد القديسين : " أن الآباء قد سلموا إلينا هذه الطرق ، وهي أن نعمل بأيدينا وأن نلازم الصمت. وأن نبكي على خطايانا " . + وقال الأب لوط : " الراهب الذي لا يمارس عملا يدان كانسان لهم مغتصب " . + وقال الأب بيمين : " ثلاثة أعمال رأيناها للأب بموا : صوم إلى المساء كل يوم. وصمت دائم. وعمل اليدين " . + وقال القديس مرقس : لا تكن من القوم البطالين الذين يؤثرون الاغتذاء من وجوه سمجة لا سيما من النساء ، وإذ لك يدان فاعمل وكل ، لأنه أوفق لك أن تتشاغل بعمل اليدين من أن تتضرع لأعمال الخطية، لأن العمال لا يقبل البطالة لئلا يسقط كم يظن أن منكب على عمل روحاني ولا يسير فيه كما ينبغى . + قيل أن أحد الروهبان كان يشتغل في عيد شهيد. فلما أبصره أخر هكذا. قال له : أيجوز اليوم ؟ فأجابه : أن الشهيد فلان قد عذب في هذا اليوم . وجلد وتجشم أتعابا كثيرة حتى الموت . ألا ينبغي لى أن أتعب ولو قليلاً في عمل يدى!! (ب) عمل اليدين بالنسبة للراهب + قال قاسينوس الرومي : " أنه لأمر فظيع وقبيح بنا أن العلمانيين يتعبون ويعملون ويعولون أولادا ونساء ويدفعون خراجا وضريبة ويحسنون إلى فقراء ومحتاجين حسب طاقتهم ويحملون إلى بيت الله باكورات وقرابين، أما نحن فلا نقتنى من أتعابنا حتى ولا حاجاتنا اللازمة لنا، بل نحبس أيدينا داخل ثيابنا، ونستجدى أتعاب غيرنا، ولا نصغى إلى الرسول القاتل: " أن هاتين اليدين قد خدمتا حاجاتى وحاجات الذين هم معى " وقوله : " أن الرب اعطى الطوبى للمعطى أكثر من الآخذ" وقوله أيضاً: "نحن نوصيكم يا أخوتنا باسم ربنا أن تتجنبوا كل أخ عديم النظام، لا يسلك حسب التقليد الذي سلمناه لكم، لأننا ما شئنا عدم النظام بينكم ولا أكلنا من أحد خبزا مجانا، بل كما نتعب ونكد عاملين ليلا ونهارا لئلا نثقل على واحد منكم. ليس لأنه لا سلطان لنا، بل لنعطيكم أنفسنا مثالاً . لأني وقت أن كنت عندكم، قد أوصيتكم بهذا . أن من لا يشاء أن يعمل عملاً فلا يأكل. والأن فقد سمعنا أن فيكم قوما يسيرون بعدم نظام ولا يمارسون عملاً. فنحن نوصى هؤلاء ونسألهم باسم ربنا يسوع المسيح أن يعملوا عملهم بسكون . ويأكلوا خبزهم " . أسمعتم كيف أن الرسول بحكمة يزيل علل الصلف. ويدعو الذين لا يعملون عادمي النظام. وبهذا أرانا رذيلة كبرى شريرة، لأن البطال غير نافع في أمر ما . وهو مهيأ للغضب . وللسكوت غير موافق . وهو عبد للضجر . منغمس في الشهوات متجهم في أقواله فاعل الرذائل الأخرى كلها ، أما قوله " أنهم يسلكون بحسب الوصية التى أخذوها منا ، فيقصد به أنهم متوافون ومتكبرون معاً. ومبطلون للوصايا . كذلك قوله : لم نأكل منكم خبز البطالة. فيؤنب به اذلين لا يعملون بأنهم يأكلون البطالة أي أنهم يعالون بغير واجب، - ولذلك كان الآباء باسقيط مصر لا يسمحون للرهبان لا سيما الشبان منهم – بأن يتفرغوا من عمل. لاصيفا ولا شتاء حتى ولا لحظة من الزمان . لأن الذي يمارس العمل يتخلص من الضجر ويتحصل على ما يقيت به نفسه ويسعف به المحتاجين . + قيل : أنه حضر إلى الأب لوقيوس رهبان من أولئك الذين يدعون "مصلين" فسألهم عن عمل أيديهم فقالوا له : نحن لا نهتم بعمل اليدين. أنما نهتم بالصلاة الدائمة كقول الرسول. فقال لهم الشيخ : أما تأكلون وتنامون؟ قالوا : نعم. فقال لهم : فإذا ما جلستم تأكلون أو إذا نمتم فمن يصلى عنكم؟ فلم يكن لهم ما يجيبونه به . فقال لهم : أغفروا لى فأن عملكم ليس كقولكم، لكنى أريكم كيف أنى أمارس عمل يدى. وأصلى دائما. وذلك بأن أجلس بعون الله وابل خوصا واضفر الضغيرة وأقول : أرحمني يا الله كعظيم رحمتك وككثرة رأفتك أمح أثمى ، أفما يعتبر ذلك صلاة . أجابوه : نعم. قال لهم : وإذا مكثت هكذا طول النهار أعمل وأصلى فيكون لى عن عمل كل يوم ستة عشر فلسا. فأعطى منها على الباب فلسين.. وآكل بالباقي فيصبح آخذ الفسين مصليا عنى في وقت أكلى وفي وقت نومي وبنعمة الله تكمل لى الصلاة الدائمة كأمر الرسول. وإذ أمارس عملي فأني بذلك أقهر شيطان الملل والشهوة . لأن الملل يؤدي إلى البطالة. والشهوة كائنة في البطالة. والطريق التى سلمها لنا جماعة الرهبان هي هذه : أنخ يلزمنا نشتغل بأيدينا ونصوم طول النهار ، ونقتني صمت اللسان، ونبكى على خطايانا . + ومرة زار أحد الأخوة الأب سلوانس في جبل سيناء، فلما رأي الأخوة منكبين على العمل قال للشيخ : " لا تعملوا للطعام البائد أيها الأب، لأن مريم أختارت لها الحظ الصالح " . فقال الشيخ لتلميذ : " أعط الأخ انجيلا وادخله في قلايو فارغة " ففعل . فلما حانت ساعة الأكل بقى الأخ منتظرا على الباب مترقبا وصول من يسأله المجئ إلى المائدة. فلما لم يدعه أحد ، نهض وجاء إلى الشيخ وقال له : " أما أكل الأخوة اليوم يا أبانا ؟ " أجابة : نعم . فقال له : ولماذا لم تدعنى للأكل معهم ؟ فأجابه الشيخ " ذلك لأنك روحاني ، لست في حاجة إلى طعام ، وأما نحن فجسديون نحتاج إلى طعام ولذلك نمارس الأعمال. أما أنت فقد أخترت النصيب الصالح" تقرأ النهار كله، ولا تحتاج إلى أن تأكل طعاماً" . فلما سمع الأخ هذا الكلام خر ساجدا وقال : " أغفر لى يا أبانا " فأجابه الشيخ : " لا شك أن مريم تحتاج إلى مرثا . لأن مريم برمثا مدحت " . + جاء قوم إلى الأب شوشاى ليسمعوا منه قولا . فلم يخاطبهم بشئ ولم يزد في كلامه عن " أغفروا لى " ولما رأوا عنده زنابيل قالوا لتلميذه : ماذا تعملون بهذه الزنابيل ؟ قال لهم : أن الشيخ يقرقها هنا وهناك ... فلما سمع الشيخ قال: أن شوشاى من هنا ومن هناك يغتذي .. فلما سمعوا ذلك أنتفعوا جداً. (ج) أعمل في هدوء + قال مار أفرام : " فاتحة العجرفة هي عدم مشاركة الراهب الأخوة في العمل حسب قدرته ، وإذا ما جئنا إلى العمل فلا نكثر الكلام بل ليكن اهتمامنا وتفكيرنا في الهدف الذى من أجله خرجنا " . + سكن شيخ مع أخوة ، واعتاد أن يقول لهم عن الشغل دفعة واحدة ، فإذا لم يفعلوه قام هو وعمله بدون غيظ. + سئل أحد الآباء : " أن شئ يلزم لمن يريد الخلاص ؟ " وأذ كان الأب ملازما العمل لا يرفع رأسه عنه ، أجاب : " هذا هو ما تراه " . + سأل اخ أنبا سيصويص الصعيدي : قل لى كلمة .. فأجابه .. " لماذا تطلب كلاما. أصنع مثلما ترى " . + وسأل أحد الشيوخ أنبا بيمين قائلاً : ماذا أعمل يا أبت مع أبنى أسحق الذي يسمع الى بسرور؟ قال له أنبا بيمين : " إذا كنت ترغب أن تكون ذا منفعة له أعطه مثالا عن طريق الأفعال وليس عن طريق الأقوال، لئلا بملاحظته الأقوال فقط يكون عديم النفع . أما إذا أعطيته مثالاً عن طريق الأعمال فستمكث طويلاً معه وسينتفع " . + يقول أنبا اسحق قسيس القلالى : أنه عندما كنت شابا صغيرا أعتدت السكنى مع أنبا كرونيوس، ولم يكن يكلفني مطلقاً بعمل شئ ما .. والآن وقد صار شيخاً لا يستطيع التحكم في أطرافه ألا أنه لا يزال يقف ويقدم لى الماء بيديه وكذلك الأمر مع الجميع .. وهذا هو ما كان يحدث أيضاَ بالنسبة لأنبا تيودور الذي من البارما ، إذ أنه لم يكن يكلفني بعمل أيا كان نوعه. وكان يعد هو المائدة وكنت أقول له : لقد جئت يا أبي لكي أساعدك فلماذا لا تطلب منى أن أؤدى لك عملاً ؟ . لكن الشيخ كان لا يخاطبني بشئ بل كان يحفظ الكون. فصعدت أنه واعلمت الشيوخ بالأمر فجاءوا إليه قائلين: " يا أبانا لقد جاء إلى قداستك هذا الأخ لكي تعينه ، فلماذا لا تأمره بعمل ما ؟" أجابهم النسيخ: وهل أنا رئيس دير حتى آمره؟ أنني لن أقول له شيئا ألا عن رغبتي في أن يفعل هو مثلما يراني أعمل . ومن ذلك الوقت كنت أسبقه في عمل الشئ قبل أن يقوم هو به. ولا زال يعمل هو في صمت وسون وبهذه الطريقة جعلنى أتعلم أن أعمل في سكون وهدوء. (د) تعب الجسد + قال أنبا أنطونيوس : - أختر التعب فهو يخلصك من جميع الفواحش مع الصوم والصلاة والسهر، لأن تعب الجسد يجلب الطهارة للقلب. وطهارة القلب تجعل النفس تثمر. - اشتغل بكل قوتك ليتمجد أبوك الذي في السموات . - لتكن متعبا في شغل يديك فيأتيك خوف الله . + وقال أنبا موسى الأسود : - أهم أسلحة الفضائل هي أتعاب الجسد بمعرفة والكسل والتواني يولد المحاربات . - أتعب جسدك لئلا تخزى في قيامه الصديقين . - إذا سكنت مع أخوة فلا تأمرهم بعمل ما. بل أتعب معهم لئلا يضيع أجرك . - لا تحب الراحة ما دمت في هذه الدنيا . - أن الارتداد الخفي من العمل يظلم العقل ، أما احتمال الأنسان وجلده في الأتعاب فهذا ينير العقل بربنا ويقوى ويسلح الروح. + قال أنبا دانيال : ما دام الجسد ينبت ، فبقدر ذلك ، تذبل النفس وتضعف، وكلما ذبل الجسد نبتت النفس. + وقال شيخ : يتقدم كل الفضائل احتقار الإنسان للراحات . الذي يغذب جسده بالراحة في بلد السلام ، فإنه يبقغط بالضيقة والذي يتنعم في شبابه ، يكون عبدأ في شيخوخته، وفي الآخر يتنهد . جاء أحد المتوحدين إلى غدير فيه قصب (بوص أو غاب) فجلس هناك وصار يقطع من حشائش النهر ويضفر ويرمى الضفيرة في النهر لأنه لم يكن يعمل لاحتياج ، بل لكي لا يكون باطلاً، فكان يشعب جسده، ولم يزل هكذا حتى قصده الناس فلما رآهم تحول عن ذلك المكان . + سئل مرة أنبا أغاثون : أيهما أعظم ، تعب الجسد أم الاحتفاظ بما هو في داخله؟ فأجاب وقال : أن الانسان يشبه شجرة، فتعجب الجسد هو الورق أما المحافظة على ما هو من داخل فهي الثمرة، لذلك فكل شجرة لا تثمر ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النيران. فلنحرص على الثمرة التى هى حفظ العقل. كما يحتاج الأمر أيضاً إلى الورق الذي يغطى الثمرة ويزينها، وما الورق ألا تعب الجسد كما ذكرنا . (هـ) أعمل بأجتهاد + الأب أغريفوريوس الثيؤلوغوس : + وقال أنبا بيمين : " مثل الدخان الذي يطرد النحل حتى يقطفوا العسل، كذلك نياح الجسد يطرد خوف الله ، ويتلف كل عمل صالح " . + قال شيخ : " ليست الحاجة إلى كثرة الكلام .. لأن كثرة الكلام غريرة في الناس ، وإنما الحاجة ماسة إلى العمل " . + وقال آخر : " إذا كان للراهب كلام بغير عمل ، فأنه يشبه شجرة مورقة لا ثمر فيها، أما من له كلام وعمل ، فهو مثل شجرة مورقة مثمرة " . + قال أنبا ماطوس : " أنى أحب العمل الخفيف الدائم ، أكثر من عمل شديد في بدئه، لا يلبث أن يقطع سريعاً " . + قال شيخ : أراد أنسان موسر أن يعلم أولاده النشاط ، فقال لهم : " هل تعلمون كيف صرت غنياً ؟ أن سمعتم مشورتي أستغنيتم مثلي" . فسألوه عنها، فقال لهم: "في كل سنةيوجد يوم من أيامها، كل من عمل فيه باجتهاد استغنى، ألا أنى لشيخوختي قد نسيت أي يوم هو ، فلا تتوانوا أنتم في العمل كل يوم ، لئلا يفوتكم العمل في ذلك اليوم المبارك ، فيضيع تعبكم في السنة كلها" ثم قال الشيخ " هكذا نحن أيضا لسنا نعرف يوم وفاتنا، فأن توانينا حين وفاتنا، فاتنا مقصدنا وضاع كل تعبنا، وأن أجتهدنا إلى الآخر وجدنا ملكوت السموات " . + وقال أحد الآباء : إذا قمت باكر كل يوم ، خاطب نفسك قائلاً : " يا نفسى استيقظى لترئى ملك السماء " ثم خاطب جسدك قائلاً : وأنت يا جسمى عمل لتفتذى " . + سأل أخ شيخاً : " أن اتفق لى تحصيل حاجاتي من حيثما أتفق فهل يليق بى أن بيدى ؟" أجال الشيخ : " وحتى ولو أتتك حاجاتك من حيثما أتفق فلا تترك العمل ، أعمل بكل جهدك " . + قال الأب لوقيوس : " أنا عبد وسيدى قال لى : أعمل عملا وأنا أعولك بالطريقة التى أراها، فأن أنا استجديت واقترضت، فليس هذا من شأنك، فقط أعمل أنت ، وأنا أقوم بأودك". وقيل عن الأب بموا لما حضرته الوفاة ، أن سأله الأباء قائلين : قل لنا كلمة فقال: " أنى منذ دخولي هذه البرية وبنائي القلاية وسكناى فيها، ما أنقضى على يوم واحد بدون عمل، ولا أتذكر أنى أكلت خبزا من أنسان ، والى هذه الساعات ما ندمت على لفظ واحد لفظته وها أنا منطلق إلى الرب كأنى ما بدأت بشئ يرضيه بعد " . (و) أعمل وستعطى أجر تعبك + في أثناء جهاد الأسقف أنبا كيرادوس لما كان يهذب على اسم المسيح، قال مثلاً: " أن الأرض التى تشق بالسكة، وتقلب بالمحراث، تثمر ثمراً مضاعفاً، كذلك الجسد إذا أنكسر وأنحل بالتعب، حينئذ يثبت للنفس أجنحة وتتعالى إلى المسيح الذي قتل من أجلها وهي حاملة ثمرة مائة ضعف " . + كان شيخ جالسا في البرية ، وكان بينه وبين الماء الذي يستقى منه 12 ميلا ، فذهب مرة ليستقى، فضجر وقال لنفسه: لماذا أعاني هذا التعب؟ فلأذهب وأسكن بقرب الماء. وفيما هو يفكر في هذا الأمر، التفت إلى خلفه، فأبصر شيخاً يعد خطوانه، فسأله: " من أنت ؟ " فقال له : " أنى ملاك الرب بمعثنى لأعد خطاك، لكى يعطيك أجر تعبك" فلما سمع الشيخ ذلك ، طابت نفسه، وزاد على المسافة خمسة أميال أخرى . (ز) أعمل لأن البطالبة مفسدة للنفس + قال أنبا موسى الأسود: إياك والبطالة لئلا تحزن . أحرى بك أن تعمل بيديك ليصادف المسكين منك خبزة ، لأن البطالة موت وسقطة للنفس. + قال القديس نيلس : أن البطالة هي مصدر رداءة الأعمال، لا سيما من أولئك الذين قد عدموا الأب. لأن اليهود لما لم يكن لهم في البرية عمل يشتغلون به، خرجوا من البطالة الى عبادة الأوثان. فعلينا ألا نفارق عمل اليدين، لأنه نافع جدا ومهذب. + وقال أيضاً : أن أنسانا كسلانا، بلغنى عنه أنه أخذ من خزانته الأنجيل من الساعة السابعة الى غياب الشمس ، ولم يستطع أن يفتحه البتة، وكأنه كان مربوطاً بالرصاص... أما أنطونيوس فأنه لم يفعل أمامنا هكذا ... بل عمل كما أراه الملاك، فتارة كان جالسا ولعمله ممارسا، وتارة أخرى كان قائما وللصلاة ملازماً. فكان يؤدي ذلك، ولا يترك تلك .. فحظى بنور فائق الحد. حتى أنه قال لأحد فلاسفة زمانه: " أنى كما في لوح أتأمل طبيعة المخلوقات دائماً، وذلك بتلاوة أقاويل الرب حتى ولو في ظلمة الليل الحالكة . بهذا المقدار فإنه كان يتصل بالله، والليل يضئ مثل النهار " . (ح) أعمل لتعطى المساكين + قال احد الآباء " " أهتم بعمل يديك ومارسه أن أمكنك ليلاً ونهاراً. لكي لا تثقل على أحد. وحتى يكون لك ما تعطى المساكين، حسبما يأمر به الرسول. ولكيما تصرع شيطان الضجر، وتزيل من نفسك بقية الشهوات ، لأن شيطان الضجر منكب على البطالة ، وهو في الشهوات كأمن ". + قال القديس نيلس : " يجب أن تكون أعمال يديك الهية لا أرضية . ولتكن أثمارها مشاعة بينك وبين المساكين . + قال مار أفرام : أن أحد الأخوى قال : طلبت من الله أن يعطيني عملا بدل نعمة كي أعول جميع المنكوبين ، لأنى بذلك أفرح . + سأل أخ شيخاً قائلاً : " أريد أن أقيم مع آخر في كنونيون (حياة مشتركة) حتى أستريح في قلايتى ، ويعطيني عملا أعمله بيدي ويهتم بى " . قال الشيخ : " لا تفعل ذلك ، وألا غما كنت تستطيع أن تعطي أحد خبزاً" + يأل أخ الأب بيمين قائلاً : قل لى كلمة . فأجابه قائلاً : واظب على عمل يديك ما استطعت وذلك لتعميل منه صدقة لأنه مكتوب " أن الرحمة تطهر الخطايا " . أجعل لك عمل اليدين مثل قانون محدد وليس من أجل الطمع ، فلا تبطل بسببه الأعمال الروحية . + أخبرنا يوحنا الخادم أنه سأل في شبابه شيخاً قائلاً : كيف استطعتم أن تعلموا عمل الله بنياح، مع أننا لم نستطيع أن نعمله نحن حتى ولو بالتعب ؟ فقال الشيخ: نحن أنما أمكننا ذلك لأن عمل الله كان رأس مالنا ، وحاجة الجسد كانت حقيرة عندما. أما أنتم فحاجة الجسد عندكم هي رأس مالكم، وعمل الله ليس مما لابد منه لديكم، من أجل ذلك فأنكم تكلون وتخورون. وبخصوص ذلك قال مخلصنا لتلاميذه : " يا ٌليلي الإيمان أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره ، أما هذه الأشياء فتزدادونها " . + فسأل الأخ قائلاً : زدنى أيضاحاً. فقال له : " ها أنت تسمع عنى أنى مريض ويجب عليك أفتقادى ، فتقول في نفسك : إذا ما فرغت من عملى أمضي إليه وأفتقده، ويتفق أن يعوقك عائق ما فلا تجئ إلى بالكلية، وبذلك تكون قد جعلت عمل اليد الذي هو رأس المال وحياة النفس في المرتبة الثانية. كذلك ربما يطلب إليك أخ آخر قائلاً : تقدم يا أخي وساعدني في هذا الأمر؟ فتقول في نفسك : أأترك عملي وأذهب معه، فتكسر وصية المسيح التى تتعلق بالعمل النفساني وتعكف على عملك الذي ينبغي أن تجعله القصد الثاني . أجعل لك عمل اليدين مثل قانون محدد ولا تبطل شيئاً من الصلوات السبعة الموضوعة بواسطة آبائنا القديسين . + قال بعض القديسين : إذا باشرت عملا في قلايتك وحانت ساعة صلاتك ، فلا تقل : أفرغ من هذا القليل الذي بيدي وبعد ذلك أقوم . بل بادر للوقت وأوف الثلاة لله في وقتنا في كل حين ، لئلا تعتاد نفسك تدريجيا أهمال الصلاة |
رد: بستان الرهبان
الوحدة كرامة الوحدة وأفضليتها + ثلاثة رهبان تأخروا في الرب، فاختار أحدهم الصلح بين الناس كقول الرب: " طوبى لفاعلى السلامة فأنهم بنى الله يدعون " ، واختار الآخر خدمة المرضى وتعهدهم كقوله " كنت مريضا فتعهدتموني" أما الأخير فقد اختار لنفسه الوحدة ليتفرغ لخدمة الرب وحده والصلاة كل حين كقول الرسول. فأما الأول فإنه ضجر من خصومة الناس ولم يقدر أن يرضيهم كلهم، فلما تعب مضى إلى صاحبه الذي يفتقد المرضى فوجده قد ضجر هو الآخر مما هو فيه، فقاما معا وأتيا إلى المتوحد، وأعلماه بحالهما واستخبراه عن حالة فسكت قليلاً، ثم سكب ماء في أناء وقال لهما : " تأملا هذا الماء " ، فتأملاه مضطربا ولم ينظراً فيه شيئاً . وبعد أن سكن الماء قال لهما : " أنظرا الأن " فنظراً، وإذا الماء يريهما وجهيهما مثل المرآة، فقال لهما : " هكذا تكون حال من يكون بين الناس فإنه لأجل أضطرابهم لا يمكنه أن ينظر ما فيه ، أما إذا أنفرد ولاسيما في البرية، فحينئذ يرى نقائصه . وأخبر بعض الآباء القديسين أن رفيقين من الأخوة ترهبا معا وأقبلا يتزايدان في النسك والعفة وسارا سيرة فاضلة مرضية . فعرض أن أحدهما أخذوه وصيروه رئيسا على دير عام وبقى الآخر متوحدا في نسك تام وعمل عجائب كثيرة وشفى مجانين كثيرين وأبرأ مرضى وأخبر بأنباء قبل كونها . فلما سمع الذي كان قد صار رئيس الدير فرح لأخيه إذ أستحق هذه المواهب الجليلة وعجب هو من نفسه أنه ما وصل ولا إلى واحدة منها. ثم سكت ولم يكلم أحدا ثلاثة أسابيع طالبا إلى الله بدوام أن يكشف له كيف صار ذلك يعمل العجائب مشهورة الذكر عند كل من يعرفه وأنا ما وصلت ولا إلى واحدة من مواهب الله . فظهر له ملاك الله وقال له : أن أخاك جلس لأجل الله باكيا حزينا نهاراً وليلاً قدامه جائعا عطشا لا يطلب من يسليه، أما أنت فمهتم بأشياء كثيرة، وتلقى قوما كثيرين وتخاطبهم. فيكفيك عزاء الناس " فهرب لوقته وصار حبسا. + قال القديس أكليميكوس : " من يحب مخالطة الناس لن يستطيع أن يتفرغ لنفسه وهو عاهة لنفسه . + قال القديس برصنوفيوس " محبة المسيح غربتنا عن البشر والبشريات". + وقال شيخ : " كل موضع تمضى إليه، أحرص ألا تجعل ذاتك من أهله" + وقال الأب يعقوب : " أن الغربة أفضل من ضيافة الغرباء" . + وقالت الأم سارة : " أن أنا طلبت أن أصنع إرادة كل الناس ، فانى سوف أوجد تائهة على باب كل أحد، فينبغى لى أن أحفظ قلبي نقياً مع كل أحد ، وأنا مبتعدة عن كل أحد " . قيل أن بعض الآباء كان يجلس في البراري البعيدة ويسكت ، وفي يوم من الأيام سأله تلميذه قائلاً : " لماذا يا أبى تفر هاربا في البراري البعيدة ، مع أنى أسمع الناس تقول أن الذي يسكن بقرب العالم ويقاتل أفكارة من أجل الله يصير أكثر أجرة ؟ " . أجابة الشيخ : أن الذي ينتفع من قربه للعالم هو ذاك الإنسان الذي يصل إلى أن ينظر مناظر موسى النبى ويصير أبنا لله ، أما أنا فانى أبن آدم وأنا مثل آدم أبى الذي بمجرد أن أبصر الخطية أشتهاها فأخذ وأكل منها ومات . من أجل ذلك كان آباؤنا يهربون إلى البراري وهناك كانوا يقتلون شهوة البطن لعدم الأطعمة ، إذ كانوا لا يجدون هناك الأشياء التى تلد الأوجاع كلها". + وسأل أخ شيخاً قائلاً : " يا أبى ، لماذا لا يثبت جيلنا هذا في أتعاب الآباء الأولين ؟ " . فأجابه الشيخ قائلاً : أنه لا يحب الله ولا يفر من الناس ولا يبغض قشاش العالم، لأن كل شخص يفر من الناس ومن المقتنيات فإن تعب الرهبنة يأتيه قبل سنه، فكمثل إنسان يريد أن يطفئ نارا قد أشتعلت في بقعة، فما لم يسبق ويبعد القش من قدام النار، لا يمكنه أطفاؤها، كذلك الإنسان ، أن لم يذهب إلى موضع لا يجد فيه الخبز والماء الا بشدة ، فلا يستطيع أن يقتنى تعب الرهبنة لأن النفس مالم تبصر لا تشتهى سريعاً " . سؤال : " أن أرناب في أخ من الرهبان . تؤثر أن أسجد له سجدة ؟ الجواب : " أسجد له سجدة واقطع ذاتك منه، فإن أنبا أرسانيوس قال : "أحب الكل وأنت بعيد عن الكل" . الثبات في الوحدة + حدث مرة أن جاء للقديس مقاريوس أخ جالسا في قلايته ، فتقلقل في الوحدة ، فلما عرفة بذلك ، قال له الشيخ : " أمضى ودع فكرك ، وأترك الوحدة الآن واجلس في الطاعة مع آخرين حتى يسكن العاصف" ، فمضى إلى جبل السلوى، وسكن مع الأخوة، وبعد قليل عاد إلى الشيخ، وقال له : " ومع الأخوة ما وجدت راحة . فقال له الشيخ : " مع الأخوة لا تستريح وفي الوحدة لا تتنيح ، فلماذا لبست لباس الأجناد المجاهدين ؟ ولما سمين نفسك راهباً ، ألا تتحمل الضرب والطعن والأحزان ، وأقلها الجوع والعطش . كم سنة لك في الاسكيم؟" ، فقال له : " ثمان سنين " ، فقال له الشيخ : " يا أبنى ، أن لى في الاسكيم إلى يومنا هذا سبعين سنة ، لم تخل يوما واحداً من الأحزان المرة ، وأنت في مدى ثمان سنين تريد التياح ! " . فلما سمع الأخ هذا الكلام من الشيخ ، تعزى ومضى وسكن وحده، وبدأ يلبس عدة الحرب، وأخذ بيده الترس المنيع، أعنى الإيمان الصحيح ، ووضع على رأسه خوذة الخلاص، أي الرجاء والتصديق بما في الكتب ، حازيا قدميه ببشارة الأنجيل ، وهكذا أخذ يثبت نفسه بتدبير حسن ، حتى انحلت عنه قوة المعاند . - لا يكن لك رجاء في هذا العالم لئلا يضعف رجاؤك في الرب . رفض العالم + قال أنبا موسى الأسود : - لنرفض شرف العالم وكراماته لنتخلص من المجد الباطل . - لا تهتم بشئون العالم كأنها غاية أملك في هذه الحياة، وذلك لتستطيع أن تخلص . - أبغض كلام العالم كى تبصر الله بقلبك لأن الذي يخلط حديثه بحديث أهل العالم يزعج قلبه . - محبة أهل العالم تظلم النفس والابتعاد عنهم يزيد المعرفة . - الذي يريد أدراك الكرامة الحقيقية عليه ألا يهتم بأحد من الناس ولا يدينه، وكلما يصلى تنكشف له الامور التى تقربه من الله فيطلبها منه. ويبغض هذا العالم، وهكذا فإن نعمة الله تهب له كل صلاح . - أن الإنسان اذي يهرب من العالم يشبه العنب الناضج ، أما الذي يعيش بين مباهج أهل العالم فإنه يشبه العنب الحصرم. + كان أخ مسرعاً في الذهاب إلى المدينة ، فلما سأل شيخاً مشورة صالحة، قال له الشيخ : " لا تسرع في الذهاب إلى المدينة، ولكن أهرب من المدينة بسرعة". الابتعاد عن العالم والعزلة قال البار أشعياء بصدد الابتعاد عن العالم : " أنى في بعض الأوقات كنت جالساً بقرب القديس مقاريوس الكبير حين تقدم إليه رهبان من الاسكندرية ليمتحنوه قائلين : " قل لنا كيف نخلص ؟ " . فأخذت أنا دفترا وجلست بمعزل عنهم لأكتب ما يتحاورون به، أما الشيخ فإنه تنهد وقال :" كل واحد منا يعرف كيف يخلص، ولكننا لا نريد الخلاص. فأجابوه : " كثيرا ما أردنا الخلاص، ألا أن الأفكار الخبيئة لا تفارقنا فماذا نعمل؟ " فأجابهم الشيخ : " أن كنتم رهبانا ، فلماذا تطوفون مثل العلمانيين . أن الذي قد هجر العالم ولبس الزي الرهبانى وهو في وسط العالم، فهو لنفسه يخادع ، فمن كانت هذه حالة ، فقد صار تعبه باطلاً، لأنهم ماذا يربحون من العلمانيين سوى نياح الجسد، وحيث نياح الجسد لا يوجد خوف الله، لا سيما أن كان راهبا ممن يدعون متوحدين ، لأنه ما دعى متوحدا إلا لكى ينفرد ليله ونهاره لمناجاة الله. أما الراهب المتصرف بين العلمانيين فهذه تصرفاته : قبل كل شئ تكون فاتحة أمره أنه يضبط لسانه ويصوم ، ويذلل نفسه إلى أن يعرف ويخرج خبره ويقال عنه : الراهب الفاني هو عبد الله ، وسرعان ما يسوق أبليس إليه من يحضر له حوائجه من خمر وزيت وثياب ودراهم وكل الأصناف، ويدعونه : " القديس ، القديس " . فبدلا من أن يهرب من السبح الباطل الناتج عن قولهم له : " القديس " يتعجرف الراهب المسكين ، ويبدأ في مجالستهم ، فيأكل ويشرب معهم، ويستريح براحتهم ، ثم يقوم في الصلاة ويعلى صوته حتى يقول العلمانيون أن الراهب يصلى ساهراً، وكلما زادوه مديحاً، زاد هو كبرياء وعجرفه. فان كلمة أحد بكلمة حسنة جاوبه حسنا . ثم يكثر نظره إلى العلمانيين ليلا ونهارا ويرشقه أبليس بسهام النساء ، ونشاب الصبيان ، ويلقيه في اهتمامات عالية ويقلق وينزعج كما قال الرب : " أن كل من نظر إلى امرأة نظرة شهوة فقد أكمل زناه بها في قلبه " . وأن كان ينظر إلى هذا القول على أعتبار أنه خزافة، فليسمع قول الرب قائلاً له : " أن السماء والأرض تزولان، وكلامى لا يزول" . وبعد ذلك يبدأ في حشد حاجته لسنته، بل يجمعها مضاعفة، ويبدأ كذلك في جمع الذهب والفضة، ويلقيه الشيطان في هوة حب المال، فأن أحضر له إنسان شيئاً يسيراً أشاح بوجهه عنه ولا يقبله كأنه لم يأخذ شيئاً، أما أن أحضر له إنسان ذهباً أو فضة أو ملبوسات أو غير ذلك مما يرضاه ، فللوقت يقبله بفرح ويعد المائدة الحسنة ويبدأ يأكل . أما البائس ، لا بل المسيح فيتلوى جوعا، ولا يفهمه أحد. لهؤلاء قال سيدنا المسيح : " أن دخول الجمل في ثقب أبرة ، أيسر من دخول غنى إلى ملكوت الله " . قولوا لى يا أبائي : هل الملائكة في السماء تدمع ذهباً وفضة وتسجد لله؟ ، فنحن يا اخوتى عندما لبسنا هذا الزى، أترى لنجمع مقتنيات وحطاما، أم لنصير ملائكة؟. فإذا كنا يا أخوتي قد هجرنا العالم ورفضناه، فلماذا نتراخى أيضاً ويردنا أبليس عن طريق المسكنة، أما فهمتهم أن الخمر ونظر النساء والذهب والفضة والنياح الجسدى وقربنا من العلمانيين ، هذه كلها تبعدنا من الله ، لأن أصل الشرور كلها محبة الفضة ، وبمقدار ما بين السماء والأرض من البعد ، هكذا بين الراهب المحب للفضة وبين مجد الله . نعم لا توجد رذيلة أشر من رذيلة الراهب المحب للفضة . أن الراهب الذي يجالس العلمانيين يحتاج إلى صلوات قديسين كثيرين ، أما سمعت قول الرسول يوحنا: " لا تحبوا العالم ولا شيئاً مما في العالم فمن أحب العالم ، فليست فيه محبة الله" كذلك الرسول يعقوب يقول أيضاً : " من أراد أن يكون خليلا للعالم فقد صار عدوا لله " . فلنفر نحن أيها الأخيرة من العالم كما نفر من الحية ، لأن الحية إذا نهشت فالبكاد تبرأ عضتها، كذلك نحن أيضاً أن شئنا أن يكون رهبانا فلنهرب من العالم، لأن الأوفق لنا أيها الأخوة أن تكون لنا حرب واحدة بدلاً من قتالات كثيرة . قولوا لى يا أخوتى ويا أبائى ، في أي موضع أقتنى أباؤنا الفضائل، في العالم أم في البراري ؟ أذن ، كيف تقتني الفضائل ونحن في العالم ، لن نستطيع ذلك ما لم نجع وما لم تعطش وما لم نساكن الوحوش وتموت بالجسد، كيف تريد أن نرث ملكوت الله ونحن بين العالم ، لتنظر إلى ممالك الأرض فإنه ما لم يحارب الجندي ويغلب فلن ينال الرتبة، فكم وكم أحرى بنا أن نفعل ذلك. فلا نظن أننا نرث ملكوت السموات ونحن بين العالم فلا يوسوس لنا الشيطان أفكارا ردية هكذا قائلاً: أجمع حتى تستطيع أن تعمل صدقة. لنعلم أن من لم يشأ أن يصنع رحمة من فلس واحد فأن يعمل رحمة من ألف دينار . لا يليق بنا أن نفعل ذلك يا أخوتى ، لأن هذه الأمور هي من عمل العلمانيين، أن الله لا يريدنا نحن الرهبان أن نقتني ذهباً أو فضة أو ملابس أو أموراً هيولية لأن الرب أوصى قائلاً : " أنظروا إلى طيور السماء فإنها لا تزرع ولا تمصد ولا تزن في الاهراء ، وأبوكم السماوي بقوتها " ، أن الراهب المقتني ذهباً وفضة لا يثق بأن الله قادر على أن يعوله، وأن كان لا يعوله فلن يعطيه ملكه. أن الراهب الذي عنده حاجته وينتظر من يحضر له، هو شريك ليوداس الذي ترك النعمة وسعى طالبا محبة الفضة . وبولس الرسول أذ عرف ذلك، لم يدع محبة الفضة أصل كل الشرور فحسب، بل وسماها أيضاً عبادة أوثان ، فالراهب المحب للفضة هو عابد للأوثان، أن الراهب المحب للفضة بعيد من محبة المسيح، الراهب الذي له في قلايته فضة فإنه يعبد ويسجد للأصنام المنقوشة، أعنى الدنانير، وكل يوم يذبح لها عجولا وكباشاً، بأخضاع نيته وارادته لمحبة الفضة الردية، تلك التى تفصل الراهب عن طغمات الملائكة فيا لمحبة الفضة المرة، أصل كل الشرور، الفاصلة للراهب من ملك السموات ، والباعثة أياه إلى التعلق بسلاطين الأرض " . فيالمحبة الفضة سبب كل الرذائل، الساحبة للسان الراهب المحب للفضة ، لأنه قد تخلى عن الوصية القائلة : " لا تكنزوا لكم ذهباً ولا فضة " . وقد يزعم ذلك الراهب المسكين قائلاً : " أن الاقتناء لا يضرني" وهو لا يعلم أنه حيث الذهب والفضة والهيوليات، فهناك دالة الشياطين وهلاك النفوس، والويل المؤبد. كيف يدخل التخشيع في نفس إنسان مقتن للفضة، وقد جاء عن مصدر دعوته إلى الحياة الدهرية ، خالقة ورازقه، وصار بذلك متعبداً وساجداً لمنحوتات غير متحركة : أعلى الدنانير ، كيف يقتني الخشوع من هذه صفته ؟ يا أخوتى ، ويا أحبائي كيف يكون لنا نحن الرهبان ذهب وفضة وملابس ، ولا نكف كذلك عن الجمع ، مع أن البائس لا بل المسيح جائع وعطشان وعريان ، ولا نفكر فيه؟ ماذا يكون جوابنا أمام السيد المسيح : وقد هجرنا العالم ، وها نحن نعاود الطواف فيه ؟ أن طقسنا ملائكى لكننا جعلناه علمانياً ، لا يكون هذا منا يا أخوتى. أيانا أن نعلمه بل لنهرب من العالم، لأنه أن كنا بالكاد نخلص في البرية، فكيف يكون حالنا بيت العلمانيين ؟ ، فلن يكون لنا خلاص ، لا سيما والرب يقول : " من لا يهجر العالم وكل ما فيه وينكر نفسه ويأخذ الصليب ويتبعنى فلن يستحقنى" ، وأيضاً يقول: " أخرجوا من بينهم وافترقوا عنهم وأنا أقبلكم وأجعلكم لى بنين وبنات ". أرأيتم عظم المنفعة من الهروب من العالم، لأنه نافع لنا جداً وموافق، لأن مجالس العلمانيين ليس فيها شئ سوى البيع والشراء وما يتعلق بالنساء والأولاد والزرع والدواب، فهذه المخالطة تفصل الراهب عن الله، فمؤاكلتهم ومشاربتهم تجلب الكثير من الضرر. ولسنا نعنى بهذا أن العلمانيين أنجاس ، معاذ الله، لكنهم يسلكون في الخلاص طريقا آخر غير طريقنا، فهروبنا هو هروب من مخالطتهم- فلنطلب سبهم فينا أكثر من مديحهم لنا، لأن سبهم لن يفقدنا شيئاً أما مديحهم فهو سبب عقوبتنا، منفعتى إذا انا أرضيت الناس وأغضبت ربى والهى، لأنه يقول : "لو كنت أرضى الناس فلست عبداً للمسيح " . إذن فلنبتهل أمام ربنا قائلين : " يا يسوع إلهنا نجنا وانقذنا من مخالطتهم" . (أ) وحدة السكن + قال القديس أنطونيوس : - " لا ترقد على حصيرة واحدة مع من هو أصغر منك " . - " لا يرقد أثنان منكم على حصيرة واحدة " . + وقال القديس باخوميوس : " لا يرقد أحدكم على مرقد ليس له، ولا يدخل أحد منكم إلى موضع رفيقه بغير رساله أو حاجة . كي لا يجد العدو له فينا موضعا البتة " . (ب) الزيارات + قال القديس أنطونيوس : " لا تلب دعوة وليمة . وإذ مضيت إلى أخ فلا تبطئ في قلايته " . (ج) أروقة الدير + قال القديس أنطونيوس : " لا تجلس في أزقة الدير " . (د) الأهل + قال القديس أنطونيوس - أن شئت أن تخلص فلا تدخل بيتم الذي خرجت منه، ولا تبصر أبويك ولا أقرباءك الجسدانيين، والا فأنت تقيم زمانك كله بغير ثمرة . - لا تعد تفتقد أهلك الجسدانيين . ولا تعطهم وجهك لينظروك . + قيل عن أحد رهبان الاسقيط أن ابنه أخذ في خدمة سلطانه ، فكتبت أم الصبي إلى زوجها الراهب أن يسأل الوالى في اطلاقه، فأجاب الراهب وقال للرسول: " أن هو أخلى سبيله أما يأخذون غيره ؟ " قال : " نعم " قال الراهب : "وأية منفعة من أن تفرح قلب هذه ، ونحزن قلب أخرى ؟ " . وكان ذلك الراهب يعمل عملا متواصلاً ، فكان يأخذ منه حاجته ، وما بقى بعد ذلك يفرقه على المساكين ، فلما حدثت مجاعة عظيمة، أرسلت الوالدة ولده إليه تطلب منه أن يعطيها خبزاً قليلاً، فلما سمع الراهب قال لولده ، " أما يوجد في الموضع قوم آخرون محتاجون مثلكم ؟ " فأجابه : " نعم يا أبي كل الناس محتاجون" فأغلق الباب في وجهه وتركه باكيا وقال : " أمض يا ولدى، والمتهم بالكل يهتم بكم " . فسأله أحد الأخوة الشيخ قائلاً : " أما يؤلمك الفكر إذا رددت هكذا؟ فأجابه: " أن لم يكره الإنسان نفسه في كل أمر ، فما يقدر أن يقدم شيئاً من الصلاح البتة". قال أحد الآباء : " أن جحدت أنسباءك بالجسد ، مع أمور الجسد لأجل الله، فلا تنخدع للرحمة على والدتم أو أبنك أو أخيك أو أحد أنسبائك، لأنك قد تخيلت عن هذه كلها، أذكر ساعة موتك ، فلن ينفعك واحد منهم " . + أخبر أحد الرهبان بأن أباه قد مات ، فأجاب الذي أتاه بلخبر قائلاً : "كف عن التجديف ، فأن أبى لا يموت " . + قيل أن بعض الأخوة كانت له والدة تقية ، فلما حدثت مجاعة كبيرة ، أخذ قليلاً من الخبز ومضى إليها ، ولما كان يسير جاء إليه صوت قائلاً: " أتهتهم أنت بوالدتك ، أم أنا المهتم بها ؟ " فميز الأخ قوة الصوت ، وخر على الأرض بوجهه قائلا :" أنت يا رب هو المتهم بنا " ونهض رادعاً إلى قلايته. وفي اليوم الثالث ، جاءت إليه والدته، وقالت له : " أن فلانا الراهب أعطاني قليلا من الحنطة ، خذها وأصنع لها أرغفة لنأكل " فلما سمع الأخ بذلك ، مجد الله وقوى أمله . + وراهب أخر كان فاضلاً جداً لدرجة أنه كان يخرج الشياطين بصلاته وكانت له أم عجوز مسكينة ، فحدثت مجاعة عظيمة، فأخذ الراهب خبزاً ومضى ليفتقد والدته ، وبعد أن رجع إلى قلايته ، أحضر أمامه مجنون فقام ليصلى عليهكعادته، فأخذ الشيطان يهزأ به قليلاً : " ماما .. ماما " . + كذلك قيل : سأل أحد الأخوة شيخاً . وقال له أن أختى مسكينة فهل أعطيها صدقة ، أذ ليس لها نظير في المساكين ؟ " قال له الشيخ : " لا " . قال الأخ: " لم أيها الأب " قال له الشيخ : " لأن الدم يجذبك إلى ذلك ، أكثر من وصية المسيح " . + وراهب سأل الأب برصنوفيوس بشأن أخيه العلماني المحتاج إلى ثوب فأجابه : " اتسألني أيها الأخ بخصوص أخيك ؟ ، أنى لا أعرف لك أخا غير المسيح فأن كان لك أخوة فأعمل معهم ما شئت ، فأنا ليس لى كلام ، لأنه أن كان الرب نفسه قال : " من هى أمى ومن هم أخوتى ؟ " فلماذا أقول أنا لك ؟ هل تطرح وصية الرب وترتبط بمحبة أخيك حتى ولو كان مفتقرا إلى ثوب وأن كنت قد ذكرت أخاك، فلم لم تتذكر المساكين الآخرين، لا بل لم لم تذكر القائل عن نفسه: "أنى كنت عريانا ولم تكسونى ؟ " ولكن الشياطين تلاعبك بل وتذكرك أيضاً بأولئك الذين كنت قد جحدتهم لأجل المسيح، لكيما تظهر مخالفاً لأوامره " . + كان لأحد الرهبان أخ علمانى وكان يواسيه في عمله وبقدر ما كان يواسيه ، كان ذاك يفتقر أكثر ، فمض الراهب واخبر بعض الشيوخ فقال له الشيخ: " أن سمعت منى ، فلا تعد تعطية شيئا بعد ، بل قل له : لما كان لى كنت أعطيك ، أما الآن فبقدر ما تيسر لك هات أنت لى . وكل ما يأتي به إليك أعطه للمساكين واسألهم أن يصلوا من أجله " . فلما جاءه أخوه العلمانى، قال له كما أعلمه الشيخ . فمضى من عنده كئيباً، وفي اليوم الثالث ، أحضر له من تعبه قليل بقل ، فأخذه الراهب وأعطاه للشيوخ وسألهم أن يصلوا من أجله . ولما جاء ثانى مرة أحضر له بقولا وثلاث خبزات، فأخذها الراهب وعمل مثلما عمل أولاً. ولما جاء لثالث مرة، أحضر له أشياء ذات ثمن كنبيذ وسمك، فلما رأى الراهب ذلك تعجب وأستعدى المساكين وأطعمتهم وقال لأخيه : " هل أنت محتاج إلى قليل من الخبز فأعطيك ؟ فقال له ذاك : "لا يأ خي . لأني لما منت آخذ منك شيئا. كان كأنه نار يدخل إلى بيتى فتأكله وكأنه هباء تأخذه الريح فلا أجده ، ومنذ أن توقفت عن أن آخذ منك شيئاً، بارك الله لى". فمضى الراهب وأخبر الشيخ . بكل ما جرى فقال الشيخ : " أن متاع الراهب هو نار ، أينما دخل أحرق " . (هـ) الصبيان + قال أنبا أنطونيوس : " لا تتحدث مع صبى ، لا تصادقه البتة ولا تعاشره بالجملة ولا ترهبنة بسرعة . وإذا حدثت عثرة بسبب شاب لم يلبس الأسكيم بعد فلا ترهبنه بل أخرجه من الدير بسرعة " . + قال شيخ : " لا تصادق صبياً ولا تخاطبه ولا تبغض أنساناً " " أن فخ الشيطان بالنسبة للرهبان هم الصبيان أكثر من النساء " . + قال أنبا بيمين : " أن سكن أنسان مع شاب ، فإنه فاعل خطية ، لأن معاشرة الشباب معصية فإحذرها " . + وقال أبو يحنس : " كل من اجتمع أو تكلم مع صبى فهو زان بكفره " . + وقيل أيضاً : " كن ملازماً للشيوخ الروحانيين ، وتعلم سيرتهم وأبعد عن الأحداث والصبيان " . + قال أنبا باخوميوس : " لا تصادق صبيا وأن كنت غريباً فأعتكف ولا تدخل عند أحد ولا تختلفط بصنائع الدنيا " . + قال الشيخ الروحانى : " المحبة المفرزة للصبيان، هي زنى سمج أمام الرب، ولا يوجد جبر لأنكساره. شاب يصاحب شابا ، فليبك عليهما ذوو الأفراز. والشيخ الذي يحب صحبه الصبيان، أعلم أن أوجاعه انجس من الصبيان النجسين ، وأن كان يكلمهم بالأعاجيب لكن قلبه بالحماة غارق، يا أخى، أن عشت للعالم، فسوف تصبح حيا للعالم . واحد بواحد، فأن أثنين لا يوجد أن مثل الكلمة الذي له المجد إلى الأبد آمين " . (و) العلمانيون + قال أنبا انطونيوس : " لا تخالط علمانيا بالجملة " . (ز) الرؤساء + قال أحد الرهبان : " لا تتعرف بالرئيس ولا تتملقه ، لئلا يحصل لك من ذلك دالة ، فتشتاق للرئاسة " . + وقال آخر : " لا تصادق رئيسا " . (ح) الأصحاب والجيران + قال مار أسحق : " من مات بقلبه عن أصحابه، فقد مات المحتال عنه". = سأل أخ أنبا موسى : قائلاً : " كيف يبتعد الإنسان بنفسه عن جاره ؟ قال له الشيخ : ما لم يضع الإنسان في قلبه أنه قد صار في القبر منذ ثلاث سنين ، فلن تكون له القوة الكافية لحفظ هذا القول " . (ط) الأخوة غير الحكماء + قال مار أسحق : - صديق غير حكيم يشبه سراجا في شمس، ومشير أحمق كضرير مرشد. - حالة تفتت القلب هي مجالسة غير الحكماء إذ أنها فخ مخفي . - صديق جاهل هو ذخيرة خسارة . مشاهدة النادبات في منزل البكاء أفضل من رؤية حكيم تابع لاحمق . (ى) الأخوة المنحلون + قال مار اسحق : - لا تكن صديقا لمحب الضحك والمؤثر أن يهتك الناس، لأنه يقودك إلى أعتياد الاسترخاء . - لا تظهر بشاشة في وجه المنحل في سيرته، وتحفظ من أن تبغضه. - عبس وجهك لدى من يبدأ في أن يقع في أخيه قدامك، فإنك أن فعلته هكذا، تكون متحفظاً لدى الله تعالى ولديه . (ك) الاخوة المتعظمون + قال مار أسحق : - جالس المجذومين ولا تجالس المتعظمين . - العادم من الأصدقاء المغرورين ، عادم من الضنك . (ل) النســـاء " لا تقرب إليك امرأة ، لا تأكل معك ولا تدعها تدخل منزلك فالغضب يمشى خلفها " . + قال مار أسحق : " عفة ومحادثة مع أمراة ، كلبؤة وخروف في بيت واحد " . + قال القديس باخوميوس : - لا تحادث أمراة ولا تدخل عندها، لأن الحديد إذا وقع على الحجر قدح ناراً . الجسد قائلاً : " أننا منذ زمان طويل قد تحنكنا بالتجربة، أو أنني قد صرت ضعيفاً أو عجوزا أو أن الحزن والصوم قد أذلنى " . فأياك أن تغتر به لأن الأعداء داخله يكمنون لك. لئلا يحلقوا شعر رأسك (أي أفكار عقلك) فيفارقك روح الله وتضعف قوتك فيأتي الغرباء ويربطونك ويذهبون بك إلى موضع الطحن حيث تصبح أضحوكة والعوبة فيقلعون عينيك ويصيرونك أعمى لا تعرف طريق الخلاص . ولا تنفك من أسرك حتى تموت عند الغرباء بحزن عظيم . فالأن يا بنى استيقظ واعرف مواعيدك وأهرب من القاس القلب الغاش لئلا يقلع عينى عقلك. تحفظ من الزني وأذكر العذاب المعد للدنسين. أهرب من مصر ولا تشرب ميها من جيحون التى هى الأفكار العاهرة . + قال أنبا بنيامين : كما أن الملح من الماء يخرج وفي الماء ينحل ويذوب ، كذلك الرجال من النساء يخرجون ، ومن النساء يهلكون . + قال أبرام تلميذ شيشاي لأبيه : " يا أبي، أنك قد كملت وأرضيت الله، فامض بنا إلى قرب العالم قليلاً ". فقال الشيخ : " أبحث لنا يا أبني عن موضع لا يوجد فبه أمرأة فتمض إليه" قال له التلميذ: " وأي موضوع يوجد خاليا من امرأة غير البرية ؟ " . قال : " فأحملنى يا بنى وادخل بى الى داخل البرية " . + وقيل أيضاً : أن أحد رؤساء ديارات البرية نزل في بعض الأيام، قاصرا المدينة ، فوجد طفلا ملقى على جانب الطريق، فأخذه الى الدير ورباه على (لبن) شاة، حتى كبر ولم يكن يعرف سوى الرهبان، وحدث أن خرج الرئيس مرة لقضاء أمر ما ، فأخذه معه، وبينما هما يمشيان في الطريق، إذا بمواش ترعى ، رآها الغلام قال لمعلمه : " ما هي هذه الأشياء يا أبى ؟ " . فقال له : " هذا بقر ، وتلك جمال ، وهذا حمير ، وهذا كذا .. " ، وهكذا استمر الغلام يستفهم من معلمه عن كل شئ يبصره ، حتى لقيتهما جارية، شابة، جميلة ، فقال الغلام : " ما هذه يا أبى ؟ " . فقال له : " هذه هي الشيطان " ، فلما قضيا حاجتهما ، ورجعا إلى الدير، سأل الشيخ الغلام قائلاً : " ماذا أعجبك يا أبنى من كل ما رأيت ؟ " فقال الغلام: "لم يعجبني شئ إلا الشيطان وحده " . فلما سمع الشيخ تعجب كيف أن المرأة تفتن حتى الذين لا يعرفون شيئاً" . (م) الاحتراس بالأعضاء والحواس من الدالة + قال القديس باخوميوس : - لا يرافق أحدكم الآخر لقضاء الحاجة معا في مكان واحد . - لا يمسك أحد منكم يد رفيقه أو يلمس أي شئ من جسده من غير أمر شروري إلا في رجل مريض أو في حالة وقوع احد فيساعده آخر حتى يقوم ، ويحتاج الأمر حينئذ أن يمسكه حتما ويلمسه . على أن ذلك أيضاً يكون بحرص وحذر " . - لا يجلس أحد منكم مع رفيقه في متكأ في عزلة ليتهامسا معا بل كونوا بعيدين بعضكم عن بعض قليلا حين الكلام مع بعضكم البعض . (ن) الالتصاق بالاطهار والعمالين + قال مار أسحق : " محادثة الفضلا والمشير الحكيم سور رجاء " . + قال أنبا باخوميوس : " إذا ضعفت عن أن تكون غنيا بالله فالتصق بمن يكون غنيا به لتسعد بسعادته وتتعلم كيف نمشى حسب اوامر الإنجيل. فإذا أحببت الأطهار فأنهم يكونون لك أصدقاء ومعهم تصل إلى مدينة الله المملوءة نوراً " . + قال شيخ : " إذا أقام راهب عمال في موضع مع رهبان غير عمالين، فإنه لا يفلح إلا إذا ضبط نفسه ، ولم يرجع إلى الوراء ، ويكون بذلك مستحقاً جزاء صالحاً، أما الراهب الباطل ، الذي يقيم بين مجاهدين فأن أنتبه ، فأنه يمشى إلى قدام ، ولن يرجع إلى وراء . + وقال آخر : " من اجتمع باخوة عمالين ، فلو كان غير عمال فان لم يتقدم إلى قدام ، فلن يتأخر إلى وراء، كذلك من يجتمع بأخوة متهاوئين فلو كان عمالاً فأن لم يخسر فلن يربح . الساقط فينهض لئلا يهلك ، والقائم فليتحفظ لئلا يسقط . + وقال شيخ : إذا أنت مشيت مع رفيق صالح من قلايتك إلى الكنيسة ، فإنه يقدمك ستة أشهر، وأذا أنت مشيت مع رفيق ردئ من قلايتك إلى الكنيسة فهو يؤخرك سنة. |
رد: بستان الرهبان
المجاهد + قال بعض الشيوخ : " ينبغى للمجاهد أن يبغض كل المفرحات التى للعالم، ويقاتل الأوجاع واللذات، ويقضي حياته كلها بالتحفظ، ويطلب محبة الله ورضاه، ويكون دائماً كل حين حذرا من عاداته القديمة، مبتعدا منها، لاسيما الأفعال الرديئة ، وكل الاهتمامات الجدسية والكلام والسمع، وليبتعد أيضاً من الشبع ، وليس الشبع من الأطعمة اللذيذة والشراب فقط، بل ومن الخبز والماء، ومن كل أمتلاء، وليكن أكله بقدر، وفي وقت الصلاة يجمع عقله كمن هو قائم بين يدى الله ، لأنه في ذلك الوقت يحتاج إلى أن يجمع فكره لله بلا طياشة، ويتمم خدمته وذبيحته الروحية، ولا يغفل عن ذكر الرب وتلاوة المزامير في كل حين ، لأنه بهذا تعتق النفس من الأفكار السيئة، وليكن مبتعداً عن كل حديث ، ونظر، وعمل ليس فيه ربح، وكل ما يعمله، ويتكلم به يكون لتسبيح الله لا ليرائى الناس، ولا يفرح بفرح الناس ، ولا يسر بكثرة المقتنيات " . + وقال شيخ : " كما أن الفارس إذا خرج للقتال لا يهتم بأحد من الناس، ولا يفكر أن كان هذا قد طعن أم ذاك، أو أن كان هذا قد خلص أو ذاك، وانما الهدف الأول الذي يضعه نصب عينيه هو كيف ينتصر، هكذا ينبغي أن يكون الراهب ". + وقيل أيضاً : " إذا لم تتحرك الأوجاع على الإنسان، فلن يكون مجرباً" . + وحدث مرة أن سأل أنبا يوسف الآب سيصوى قائلاً : " كم من الزمان يحتاج الإنسان لقطع الآلام ؟ " . أجابه الشيخ : " في أية ساعة تتحرك الآلام ، ففي الحال أقطعها". + سأل أنبا موسى الأنبا سلوانس: " هل يمكن للإنسان أن يبدأ كل يوم؟" . أجابه : أن كان مجاهداً فإن في استطاعته أن يبدأ كل يوم " . + ومرة سمع أنبا اسحق صياح ديك فقال لأنبا بيمين : هل يوجد دواجن هنا يا أبي ؟ " . أجابه قائلاً: " لماذا تجبرنى أن أتحدث إليك يا أسحق ؟ الذين يشهبونك فقط هم الذين يسمعون مثل هذه الأصوات ، أما المجاهد فلا يشغل نفسه بمثل هذه الأمور" . أ- الحرارة في العبادة " حارين في الروح – عابدين الرب " + قال القديس يوحنا القصير : أن أحد الرهبان رأى بالنظر المعقول ثلاثة رهبان وقوفا على شاطئ البحر، فجاءهم صوت من الشاطئ الآخر قائلاً: " خذوا لكم أجنحة من نار وتعالوا إلينا" فأثنان منهم أخذوا أجنحة نارية وطارا بها إلى الجانب الآخر، أما الثالث فصار يبكى ويصرخ نائحاً، وفي آخر الوقت أعطى أجنحة لكنها عديمة القوة وبصعوبة كان يطير ثم يعود فيسقط، وينهض ثم يعود فيغرق وهكذا حتى وصل إلى الجانب الآخر بعد تعب عظيم، هكذا يكون عمل خذا الجيل، فأن كان قد أخذ أجنحة لكن نار الروح ليست فيها، وبذلط تجدها قد عدمت قوة روح الله . + وقيل أيضاً : " جيد للراهب أن يعيش مثلما عاش أنبا أرسانيوس فاحترسوا أيها الأخوة لكى تقفوا أمام الله بلا لوم وأن تقتربوا إليه بالدموع مثل المرأة الخاطئة وتضرعوت للرب الإله باعتباره واقف أمامكم لأنه قريب ويراعانا بأهتمام". + كان رجل راهب رومى في دير ثيؤدوسيوس قرب الأردن. أسمه "اخرسطوفورس" فصنع أحد الرهبان مطانية وقال له : أصنع محبة يا أبي وأخبرنى بعملك وإنت شاب. فعلم الشيخ إنه يطلب ذلك لمنفعة نفسه. فقال له: أخبرك يا أبنى أننى كنت في حرارة أول ما ترهبت وكنت أذهب في الليل إلى مغارة الأب القديس ثيودوسيوس لأصلى وكان لها 18 درجة فكنت أعمل على كل درجة مائة مطانية. فإذا بلغت إلى أسفل المغارة صنعت أيضاً مطانيات كثيرة وأصلى إلى ضرب الناقوس. وبعد ذلك كنت أعمل القانون مع الآباء. فبقيت على هذا مدة عشرين سنة في صوم وتعب ومسكنة وطاعة . وفي بعض الليالي وقد أتممت المطانيات، فبلغت الى أسفل المغارة كأنني قد سبى عقلي . ونظرت إلى أسفل المغارة، وإذا قناديل بعضها مضئ وبعضها مطفأ ورجلان لباسهما أبيض يسرجان تلك القناديل .. فسألتهما عن خبر تلك القناديل. فقالا: في هذه القناديل الآباء فقلت ولم بعضها منطفئ وبعضهم مضئ. فقالا: كل من أحب أخاه فقنديله يسرج . فقلت لهم : أصنعوا محبة من أجل الله وأخبروني أيهما قنديلي، وهل يسرج أم لا . فقالا لى : أصل وأحب ونحن نسرجه . فقلت لهم وأيضاً أنا احتاج أن أصلي فأي شئ عملي إلى هذه الغاية . وبعد ذلك تنبهت ورجعت إلى نفسى. ولم أر أحداً . فقلت لنفسي . أخرسطوفورس : أن كنت تريد الخلاص فأنت محتاج إلى نقاوة وتعب. ولما أصبحت توجهت إلى طورسينا وليسر معى الا الثياب التى على . فأقمت هناك خمسين سنة. فجاءنى صوت يقول : عد إلى ديرك حيث جاهدت لتكون مع آبائك. ببعد أن أخبر بهذا أقام أياماً قلائل وتنيح . ب- تكوين العادة + قال مار اسحق : + " رباطات النفس هي العادات التى يعتادها الإنسان أن كانت بالجيد أو بالردئ" . + " تخوف من العادات أكثر من الأعداء، أن من يربى عنده عادة، هو كإنسان يشعل نارا بكثرة الوقود، وذلك لأن قوة الإنسان تتقوم بالمادة، أما العادة فإنها إذا ما طالبت مرة ولم تجبها إلى طلبها، فأنك تجدها في وقت آخر ضعيفة أما أن صنعت لها ما طلبته فإنها تتقوى في الثانية أكثر مما سلف " . + " لا تثبت مع أي فكر كان حتى ولو كان حقيراً، لئلا تتأسس فيك عاداك، واضطرار العادة يجعلك عبداً لذاك الألم " . + " المتوحد الذي يخدم الآلام هو تلميذ الآلام ، واضطرار عادة معلمه تغصبه ليكون كمثل معلمه بغير أرادته حسب الكلمة السيدية، كل ملك ولو كان حقيراً ، لكنه جبار في بلده وقوى، وكل ألم ولو أنه حقير، ولكن في بلد يظهر سلطانه " . + " العادات تشجع الآلام ، والأعمال تؤسس الفضيلة " . + " سلاح الألام والفضائل هو تغيير العوائد والخاصيات، فالعوائد تطلب ما يقدم لها وهي زباطات بالنفس، وبالسهولة تقتنيا وبصعوبة تنحل منها " . + " أن الآلام والفضائل التى لم تؤسس بالاعتياد مدة من الزمن فهي كالشجاع العارى من سلاحه " . " لا تترك عادة تتأسس فيك وتزيد الأفكار بغير قيام ، لئلا تتجدد فيك الآلام التى قد هدأت قليلاً " . + " الأنواع والعوائد التى عتقت في الإنسان ، تكمل له موضع الطبع". + كل عادة إذا سلمت لها بأهتيارك، تصبح لك في النهاية سيداً، تسير قداكه مضطراً بغير أختيارك " . + قال شيخ : " لا يوجد شئ أصعب من العادة الرديئة، إذ يحتاج صاحبها في سبيل قطعها إلى زمان وتعب كثير، أما التعب فهو في متناول الكثيرين ، ولكن الزمان الذي يحتاج إليه فما أثل من قضاه حتى النهاية، لأن أكثر أصجابها أختطفهم الموت قبل تمام قطعها، والله وحده هو الذي يعلم كيف يدينهم " . ج- اقتناء الفضيلة + سئل شيخ : " كيف يقتنى الراهب الفضيلة ؟ " فأجاب : " أن شاء أحد أن يقتنى فضيلة ما ، فأن لم يمقت أولا الرذيلة التى تضادها فلن يستطيع أن يقتنيها، فإن شئت أن يحصل لك الحزن فأمقت الضحك، وأن آثرت أن تقتني التواضع فابغض الكبرياء. وأن أحببت أن تضبط ارادتك فامقت الشر والتحريف في الأشياء. وأن شئت أن تكون عفيفا أمقت الفسق. وأن شئت أن تكون زاهداً في المقتنيات فامقت حب الفضة. ومن يريد أن يسكن في البرية فليمقت المدن . ومن يشتهى أن يكون له سكوت فليمقت الدالة، ومن أراد أن يكون غريباً من عاداته فليبغض التخليط ومن يريد أن يضبط غضبه فيبغض مشيئاته ومن يريد أن يضبط بطنه فليبغض اللذات والمقام مع أهل العالم. ومن أراد عدم الحقد فيبغض المثالب. ومن لا يقدر أن يكابد الهموم فليسكن وحده منفرداً، ومن يريد أن يضبط لسانه فليسد أذنيه لئلا يسمع كثيراً. ومن يريد أن يحصل على خوف الله فليمقت راحة الجسد ويحب الضيقة والحزن. فعلى هذه الصفة يمكنك أن تعبد الله باخلاص ". + وسأل أحد الأخوة شيخاً " كيف تقتنى النفس الفضيلة ؟ " . فقال : " إذا هى أهتمت بزلاتها وحدها " . + قال قديس : " أن الفضيلة تريد منا أن نريدها لا غير " . من أقوال الأنبا أوغريس : " من يقول أنه أفتنى فضيلة بغير جهاد، فهو إلى الأن ممسوك في الآلام، لأن شر الأعداء هو قبالة أتعاب الفضيلة، والقلب الذي ليس فيه قتال، ليست فيه فضيلة ولا شجاعة ، وكما أن الإنسان البراني يعمل شغل اليد كي لا يحتاج ، هكذا الجوانى يعمل لئلا يثقل العقل، لأن الأفكار إذا وجدت النفس بطالة من تذكار الله، حينئذ تذكرها بالأفعال الردية ". + وقال مار اسحق : + " لا تظن في نفسك أنك تنال مسيرة فاضلة أو صلاحا لنفسك بغير تعب". + " إن حد كل تدبير للسيرة يكون بهذه الثلاثة " : التوبة ، والنقاوة ، والكمال . ما هي التوبة ؟ .. هي ترك الأمور المتقدمة ، والحزن من أجلها . ما هي النقاوة ؟ .. هي قلب رحيم على جميع طبائع الخليقة . وما هو الكمال ؟ .. هو عمق الاتضاع ورفض كل ما يرى وما لا يرى ، أي ما يرى بالحواس ، وما لا يرى بالهذيذ عليه " . + وقال أيضاً : " خمس فضائل يدونها جميع طبقات الناس لا يمكنهم أن يكونوا بلا لوم ، وإذا حفظها الإنسان ، يخلص من كل مضرة ، ويصير محبوباً عند الله والناس أيضاً وهي :- " جسد عفيف ، لسان محترس ، زهد في الرغبة والشره، كتمان الشر في سائر الأشياء بغرض مستقيم إلهي، وأكرام كل طبقات ومراتب الناس، فوق ما يستحق ذلك الوجه ، لأن الذي يكرم الناس يكرم هو ايضاً منهم ، كما يأخذ المجازاة من الله ، لأن الكرامة توجب الكرامة، والازدراء يجلب أزدراء، والذي يكرم الله يكرم هو أيضاً منه " . + وقال آخر : " من أجل هذا لسنا نفلح لأننا لا نعرف مقدرتنا، وليس لنا صبر في عمل نبدأ به ، ولكننا نريد أن نقتني الفضائل بلا تعب " . + وقيل أيضاً : " سمع أخ بأخبار القديسين فظن أن في أمكانه أن يقتني فضائلهم بلا تعب فسأل شيخاً كبيراً ، فقال له : " أن أردت أن تقتني فضائل القديسين، فصير نفسك مثل صبى يكتب كل يوم آية من معلمه، فإذا حفظها كتب غيرها، فافعل أنت كذلك هكذا: قاتل بطنك في هذه السنة بالجوع ، فإذا أحكمت ذلك قاتل حينئذ السبح الباطل لتبغضه كالعدو. وإذا قومت هذيت فاحرص على أن تزهد في أمور الدنيا وتضع أتكالك على الله، فأن تيقنت أنك قد قومت هذه الثلاث خصال، فستلقى المسيح بدالة كثيرة " . + وطلب أخوة الى شيخ أن يترفق بنفسه في كثرة الجهاد فقال : " حقا أقول لكم يا أخوتي ، أن مصير إبراهيم خليل الله أن يندم إذا رأى كثرة مواهب ، ولم يجاهد ويتعب أكثر مما فعل " . + وقالت القديسة سفرنيكي :- " أن الذين يجمعون غنى الدنيا من العتاد في البحار والأسفار الشديدة ، كلما ربحوا وجمعوا أزدادوا في ذلك اشتغالاً، أما ما في أيديهم فلا يلتفتون إليه ، وما ليس في أيديهم من الغنى يشتهونه ويطلبونه، ويحرصون على جمعه . وأما نحن فقد صرنا في سيرتنا في الرهبنة بخلاف ذلك ، لأن الأمر الذي خرجنا لنطلبه وليس في أيدينا شئ منه، لا نريد أن نقتنيه من أجل خوف الله " . + ومرة قال الطوباوي أو غريس للقديس أرسانيوس: " كيف ونحن ليس لنا معرفة وحكمت بشرية ليس لنا فضائل، وهؤلاء القرويون المصريون أغنياء جداً بها " . أجابه أنبا أرسانيوس : " نحن ليس لنا معرفة عالمية ولكن هؤلاء المصريون القرويون أكتسبوا الفضائل بجهادهم " . + لماذا نحب الفضائل : * لنحب المسكنة لتخلص من محبة الفضة . * لنحب السلامة اننجو من البغضة . * لنقتن الصبر وطول الروح، لأن ذلك يحفظنا من صغر النفس. * من له معرفة وهمة فقد هزم الشر لأنه مكتوب ان الاهتمام ملازم للرجل الحكيم والضعيف الهمة لم يعرف بعد ما هو لخلاصه، أما الذي يقهر لأأعداءه فإنه يكلل بحضرة الملك . * لو لم نكن حرب وقتال ما كانت فضيلة ومن يجاهد بمعرفة فقد نجا من الدينونة لأن هذا هو السور الحصين . د- الجهاد ضد الشياطين + أخبر بعض الآباء : " أنه كان ساكنا بالقرب من أخ عمال مع الله ، فاعتراه توان وكسل ، وبعد مدة أنتبه من توانيه ولام نفسه قائلاً : " يا نفسى، التى متى تتوانين عن خلاصك، أما تخافين من دينونية الله يا شقية وأنت في مثل هذا التوانى، فتسلمين للعذاب الدائم؟" فلما تفكر في مثل هذا انهض نفسه في عمل الله. ففي بعض الأيام وهو واقف يصلى، أحاطت به الشياطين وعذبته فقال لهم : " الى متى تؤذونني؟ أما كفى ما قاسيته في زمانى من التوانى؟ " فقالت له الشياطين : "لما كنا نراك متوانيا، كنا متوانين عنك، ولما رأيناك قمت وتجردت لنا، قمنا نحن أيضاً عليك ، فتلق ما يأتيك" . فعندما سمع ذلك ، أخذته الغيرة، وأزداد نشاطاً وحرارة في عمل الله ، وبنعمة الله حصل على الغلبة . سأل أخ الأب صيصوى: " يا ترى ، هل كان الشيطان يضطهد القدماء هكذا؟" أجال الشيخ: " بل اليوم يضطهد أكثر لأن زمانه قد قرب ، فهو لذلك قلق". قال أنبا مطايوس: " أن الشيطان لا يعرف في أي الأوجاع تنهزم النفس، ولكنه يزرع، ولا يعلم هل سيحصد أم لا، أنه يزرع زنى، ودينونة، ووقيعة، وقتل، وجميع الأوجاع ، والشر ، فأي وجع يرى النفس مائلة إليه، ففيه يشغلها". سئل شيخ : " لماذا تقاتلنا الشياطين جدا؟ " فقال " لأننا طرحنا سلاحنا أعنى الطاعة والاتضاغ والمسكنة " . + أخبر بعض الشيوخ : " أنه في بعض الليالى ، في ابتداء صلاته وهو في البرية الجوانية، سمع صوت بوق يضرب ضربا عاليا كمثل ما تضرب أبواق الحرب فتعجبت متفكراً بأن البرية مقفرة ليس فيها أدمى، فمن أين صوت البوق في هذه البرية : أترى حرب هنا ؟ . وإذا الشيطان قد وقف مقابلة وقال بصوت عال: " نعم يا راهب ، حرب هى، أن شئت فحارب، والا سلم لأعدائك ". وسأل أحد الأباء أنبا بيمين قائلاً : " لماذا تقاتلنا الشياطين يا أبى ؟ " أجاب الشيخ قائلاً : الحقيقة أن الشياطين لا تحاربنا إلا عندما نتمم ميولنا الرديئة الى هى في الحقيقة شياطننا التى تحاربنا فنهزم امامها برضانا. اما أن شئت أن تعرف مع من كانت الشياطين تصارع قلت لك " مع أنبا موسى وأصحابه " . + وكان أحد الرهبان المجاهدين إذا قالت له الشياطين في فكرة " ها قد ارتفعت وصرت كبيراً " كان يتذكر ذنوبة قائلاً : " ماذا أصنع من أجل خطاياي الكثيرة ! " ، وإذا قالوا له : " لقد فعلت ذنوباً كثيرة وما بقى لك خلاص" ، يقول: "وأين هى رحمة الله الكثيرة" ، فانهزمت عنه الشياطين قائلة : "لقد قهرتنا، أن رفعناك أتضعت، وأن وضعناك ارتفعت " . + ظن رهبان كثيرون امكانية شفاء شهواتهم، والحصول على راحة النفس بجهادهم وقوتهم. فتخلت عنهم النعمة وسقطوا من الحق، فمنا أن المريض جسديا لا يمكن شفاؤه بدون طبيب بشرى ودواء، بالرغم من كثرة سهره وصومه، في المدة التى يتعاطى فيها الدواء، هكذا أيضا المريض روحيا من قبل انفعالات الخطية، بدون يسوع طبيب الأرواح والقوة الكامنة في وصاياه والتواضع الذي يماثل تواضعه ، لا يمكن أن يبرأ من خطاياه، ولا يمكن أن ينال شفاء كاملاً. من أجل ذلك فكل من يحارب ضد الشهوات والشياطين بوصايا سيدنا يشفى من مرض الشهوات وينال شفاء النفس، ويعتق من فخ ابليس . + أخبر القديس أنبا دانيال الاسقيطى عن أحد الأخوة: أنه كان مقيما في مصر وأثناء سيره في الطريق أدركه المساء، فدخل الى طافوس لينام فيه بسبب البرد. ولما رآه الشياطين، قال أحدهم لصاحبه: أرأيت أي جسارة لهذا الراهب، أنه قد نام في مقبرة، اسرعوا وتعالوا حتى نزعجه. فاجابة الأخر وقال : ما فائدتنا من إزعاجنا له أنه من أصحابنا ويعمل ما نواه – يأكل ويشرب ويقع في الناس ويتوانى في الصلاة – فبدلا من أن نتعب مع هذا سر بنا نحزن من يحزننا ليلاً ونهاراً ففتح الرب اسماع الآخ، فلما سمع ذلك تعجيب وندم على أفعاله وتاب أخيراً. + قال الأخوة : لماذا منع القديس ايسيذورس أنبا موسى الأسود من الجهاد ومن القتال مع الشياطين بالرغم من أن الأباء القديسين كانوا يحفزوننا دائماً على النمو في الفضيلة وعلى القتال ضد الشهوات ؟ لماذا قال له : استرح يا موسى وكف عن محاربة الشياطين لأن الإنسان له حد في كل شئ، فهل ينطبق هذا على الجهاد وأعمال الحياة النسكية ؟ " . + قال الشيخ : أن القديس موسى كان يجهل في الابتداء قواعد الحياة النسكية، ولأنه كان ممتلئا صحة كان يعمل أعمالاً كثيرة وكان يساعده على ذلك قوة جسده، وكان يظن أنه بكثرة أعماله وحدها يستطيع قهر الشياطين اذليت إذ عرفوا غرضه كانوا يهجمون عليه بأكثر قوة بحروب متتالية سرا وجهراً، ولكن أبا ايسيذورس أراد أن يعرفه الطريق السليم ونحصه كمرشد مختبرا أن يتضع وقال له : بدون قوة الروح القدس الذي أعطانا الله أياه لإتمام وصاياه والتى تقوى فينا كل يوم بالتناول من جسده ودمه ، لن نتخلص من الخطايا ولن نستطيع أن نقهر الشياطين، وبالتالي لن نستطيع أن ننمو في الفضيلة . عندئذ تعلم موسى هذه الأمور، واتضعت أفكاره وتناول من الأسرار المقدسة، وهزمت الشياطين وحولوا حربهم عنه، ومن ذلك الوقت فضاعدا عاش في سلام وراحة وإزداد معرفة وحكمة. هـ العمل والمثابرة ( غير متكاملين في الاجتهاد ) قال القديس باخوميوس : + هذه هي الأعمال الفاضلة : أن قاتلك فكر ضجر من نحو أخيك فعليك أحتماله بطول روح حتى ينجيك الله منه. صبر مع صوم دائم، صلاة بغير فتور في مخادع قلبك بينك وبين الله ، وأحساس صالح تجاة أخيك، بتوليه محفوظة في أعضائك، طهارة وقدس في قلبك، عنق منحن، وضرب مطانية فمع قولك :" أغفر لى " ، دعة في أوان الغضب " . + أن كنت بائسا (متضجرا) فداوم على العمل بدون ملل، كن عمالا ولا تكسل وتمم نذرك الذى قررته مع الله خالقك وربك " . + " أجتهد في شبابك لتفرح في كبرك " . + " يا أبنى في كل شئ أطلب الله بطول روح مثل الزارع والحاصد فإنك تملأ أهراءك من نعم الله " . + " لن تشارك القديسين في مواهبهم، ما لم تتعب جسدك أولا في مشاركة أعمالك، كذلك لن تدخل الحياة، أن لم تضيق على نفسك أولا حتى الموت". " جميع المواهب بطول الروح وثبات القلب تعطي، وجميع القديسين لما ثبتوا قلوبهم نالت أيديهم المواعيد. فخر القديسين هو طول الروح في كل شئ، وبهذا حسبوا قديسين . " قال أنبا باخوميوس" + " لا تقض أيامك بالتوانى . كما مر العام الماضي كذلك هذا العام " وكما مر أمس كذلك اليوم . فالى متى تكسل ؟ استيقظ وأيقظ قلبك قبل أن يوقفك مكرها في يوم الحكم لتعطي الجواب عن جميع ما صنعت . أن صرت في حرب الموت لا تجزع فإن روح الله ينقذك. لأنه مكتوب: إنى لا أخشى شرا لأنك معى فكن رجلاً قوياً جبارا في جميع تدابيرك ولا تفسد يوماً واحداً من عملك وتحقق مما تقدمه لله الحقيقي كل يوم . " وقال أنبا يوحنا القصير " + لابد للإنسان من الإيمان الخاص الحقيقي، فالايمان العام هو لكل الناس ومن نعمة ربنا علينا أنه ولدنا . فأما الإيمان الخاص الذي يقربنا من الله فهو بأن تسأل ونطلب منه العظائم التى ولا التصديق بوجودها يقدر عليه آخرون. وأن نعتصم به فهو أقوى من كل شئ، ثم أن الثبات في الجهاد والصبر على البلايا هو ايضاً أفضل كل الأمور . وقال أنبا أغاثون : + " أن السيرة الفاضلة بدون كلام نافعة ، أما الكلام بغير عمل فهو باطل لأن أحدهما بسكوته ينفع والآخر بكثرة كلامه يقلق. فإذا استقام القول مع العمل كملت فلسفته . وقال أيضاً : + " أن الشر أزاغ الناس عن معرفة الله ، وفرق الناس بعضهم عن بعض فلنبغض إذا الشر ولنطلب السلام لبعضنا البعض وبذلك تكمل فلسفة الفضيلة. و- المعرفة الاختبارية قال مار اسحق : + مثل المصور الذي يصور الماء في الحائط ولا يقدر ذلك الماء المرسوم أن يبرد عطشه، وكمثل المرء الذي ينظر الأحلام كذلك الإنسان الذي يتظلم من غير عمل، أما الذي من أختباراته يتكلم عن الفضائل فيكون مثل ذلك الذي من بضاعة تجارته يلقى كلمته لسامعيه ومن الشئ الذي أقتناه في نفسه يزرع التعليم في آذان السامعين ويفتح فمه بدالة مع بنيه اللروحانيين ، وذلك كموقف يعقوب الشيخ مع يوسف العفيف إذ قال له : هو ذا قد أعطيتك نصيباً فاضلاً عن اخوتك وهو ما أكتسبته من الأموريين بسيفي وقوسى . كما قال أيضاً : + " أبله يصنع صناعة البحرية من ذاته، أفضل من عارف يتعلم سيرة الروح من أسطر الكتب ، وبالتسليم من آخرين من غير تجربة محكمة بذاته". ز – إكليل الجهاد والثمار 1- الجهاد قال القديس موسى الأسود : + " من يحتمل ظلما من أجل الرب يعتبر شهيداً. ومن يتمسكن من أجل الرب يعوله الرب. ومن يصير جاهلاً من أجل الرب يحكمه الرب " . وقد وضح هذا القول في خطاب أرسله إلى أنبا نومين قال فيه : أنى أفضل خلاصك بخوف الله قبل كل شئ طالبا أن يجعلك كاملاً بمرضاته حتى لا يكون تعبك باطلاً يكون مقبولا من الله لتفرح .. لأننا نجد أن التاجر إذا ربحت تجارته كثر سروره وكذلك الذي يتعلم صناعة إذا ما أتقنها كما ينبغي إزداد فرحه متناسيا التعب الذي أصابه، وذلك لأنه قد أتقن الصنعة التى رغب فيها . ومن تزوج أمرأة وكانت عفيفة صائنة لنفسها فمن شأنه أن يفرح قلبه. ومن نال شرف الجندية فمن شأنه أن يستهين بالموت في حربه ضد أعداء ملكه وذلك في سبيل مرضاة سيده. وكل واحد من أولئك الناس يفرح إذا ما أدرك الهدف الذي تعب من أجله فإذا كان الأمر هكذا من شئون هذا العالم فكم وكم يكون فرح النفس التى قد بدأت في خدمة الله عندما تتم خدمتها حسب مرضاة الله ؟ . الحلف أقول لك أن سرورها يكون عظيما، لأنه في ساعة خروجها من الدنيا تلقاها أعمالها وتفرح لها الملائكة إذا أبصروها وقد أقبلت سالمة من سلاطين الظلمة لأن النفس إذا خرجت من جسدها رأفتها الملائكة وحينئذ يلتقى بها أصحاب الظلمة كلهم ويمنعونها عن المسير ملتمسين شيئاً لهم فيها. والملائكة وقتئذ ليس من شانهم أن يحاربوا عنها، لكن أعمالها التى عملتها هي التى تحفظها وتستر عليها منهم. فإذا تمت غلبتها تفرح الملائكة حينئذ ويسبحون الله معها حتى تلاقى الرب بسرور، وفي تلك الساعة تنسى جميع ما أنتابها من أتعاب في هذا العالم. فسبيلنا أيها الحبيب أن نبذل قصارى جهدها ونحرص بكل قوتنا في هذا الزمان القصير على أن نصلح أعمالنا وننقيها من كل الشرور عسانا نخلص بنعمة الله من أيدي الشياطين المتحفزين للقائنا إذ أنهم يترصدون لنا ويفتشون أعمالنا أن كان لهم فينا شئ من أعمالهم لأنهم أشرار وليس فيهم رحمة، فطوبى لكل نفس لا يكون لهم فيها مكان فإنها تفرح فرحاً عظيماً. + وقال أيضاً : + " أن كانت الأتعاب لا تقود إلى الصلاة فعمل المصلى باطل " . + وسأله أخ : " ما هى المقارنة بين الجهاد والصلاة ؟ " قال له الشيخ : " من يصلى طالبا العتق من الخطية لا يجوز أن يكون مهملا، لأن من أخضع مشيئته يقبله الرب " . 2- الثمار قال القديس مقاريوس الكبير : " كما أن عصا هرون أزهرت وأثمرت في ليلة واحدة، كذلك الراهب إذ حل فيه الرب فإن نفسه تزهر وتثمر أثمار الروح القدس بمعونة خالفها السيد المسيح له المجد " . وقال شيخ : " كل من يسكن في موضع ولا يعمل فيه ثمرة صالحة فالموضع نفسه يطرده " سأل أحد الأخوة شيخاً وقال له " " ما هي فلاحة النفس ؟ " فقال الشيخ : أن فلاحة النفس هي السكوت ، وضبط الهوى ، وشفاء الجسد، والصلاة الكثيرة والامتناع عن معاتبة زلات الناس، وتأمل الإنسان في هفواته وحده ، فمتى تثبت الإنسان في هذه الفضائل، فإن نفسه لا تبطئ في النجاح والنمو حتى تثمر " . وقال مار اسحق : " أن الهواء يسمن الأثمار والاهتمام بامور الله عز وجل يسمن اثمار النفس، أن أثمار الشجرة تكون فجة ومرة ، ولن تصلح للأكل حتى تقع فيها الحلاوة من الشمس ، كذلك أعمال التوبة الأولى فجة ومرة جداً، ولا تفيد الراهب حتى تقع فيها حلاوة الثاؤريا، فتنقل القلب من الأرضيات . وقال شيخ : " كما أن الأرض لا تثبت وحدها من غير بذار وفلاحة ومطر سمائي وحراسة مما يمكن حراستها من البهائم والطيور ، وسلامة من الله مما لا يقدر الإنسان على دفعه ، كالدود والجراد وريح السموم. فإن كانت الأرض لا تثبت بغير تلك الأمور، فكم بالحرى النفس، فإنها لا تثمر الفضائل بدون تعليم وتعب كثير ومعونة الهية واحتراس من الأعداء بقدر استطاعة الإنسان، ثم تضرع الى الله في طلب تعضيده أزاء ما تعجز قدرته عنه ". |
رد: بستان الرهبان
الصلاة ما هـــي .. ! + قال مار أفرام : " الإنسان مكون من جسد ونفس ، أن لم يتغذى الجسد بالخبز فلن يعيش ، كذلك النفس أن لم تتغذ بالصلاة والمعرفة الروحانية فهي مائتة". + سئل مرة مار اسحق : " ما هي الصلاة ؟ " . فال : " هي تفرغ العقل من جميع أمور الدنيا ، ونظر العقل إلى شوق الرجاء المعد " . + وقال أيضاً : - محاسن الصلاة : الاغتصاب والصبر والاحتمال وطول الروح والتجلد، والصلاة هي صراخ العقل الذي يصرخ من حرقة القلب ". - " أحب الصلاة كل حين ، لكي يستنير قلبك بالله " . - " اذلي يتهاون بالصلاة ويظن أن هناك ثمة باب آخر للتوبة، فهو محل للشياطين " . - " الإنسان العادم من الصلاة ، ويجادل على الفضائي ، لا فرق بينه وبين الأعمى العادم النور ، ويجادل على حسن الفصوص الكريمة ، والألوان الكثيرة " . روح الصلاة (أ) علامة الصليب المقدسة + قال شيخ :- " حدث أنى كنت سائر في الصعيد مع رجل اسماعيلى ، وأمسى علينا الوقت ولم نستطع أن نصل إلى مسكن لنلتجئ فيه إلى الغد، وبينما نحن مختارون وخائفون من الوحوش، صادفتنا برية عتيقة، فدخلناها لنستريح إلى الغد. فوقفت ورشمت علامة الصليب المقدسة من ناحيتى هذه وهذه، ثم رشمتها أيضاً تحت رأسى ، ورقدت . وفي منتصف الليل، إذا بنا نسمع صهيل خيل، وصياحا، وخيال عظيماً ، وقلقا من الجنون، ورأبت واحدا أجلسوه على كرسى وال ، وأمر القيام بين يديه أن يخلوا البرية حيث كنا راقدين، وأخرجوا الراقد معى، وضربوه حتى شارف الموت، وكانوا يقولون له : " أين هو الراقد معك ؟ " فيقول لهم : " أنه في الموضع الذي كنت راقداً فيه " . أما هم، فانهم إذا أرادوا الدخول إلى مر قدى، يرون علامة الصليب المقدس فيهربون إلى خلف، ويقعون على وجوههم، وفي رجوعهم إلى الجالس على الكرسى، كانوا يعاقبون ذلك الاسماعيلى جداً، ويصيحون عليه بأصوات مختلفة قبيحة، قائلين :" أين الذي دخل معك ؟ " فيقول لهم : " أن موضعه في الداخل، راقداً" . أما أنا فصرت كالميت من الخوف الذى لحقنى ، وهم كلما أقتربوا منى ونظروا علامة الصليب، يهربون إلى الخلف، ويسقطون على وجوههم، وكان الجالس على الكرسى يقول لهم : " ما بالكم لا تحضرونه ؟ " فكانوا يقولون له : "إذا نحن دنونا منه، ننظر إلى علامة الصليب، فلا نقدر أن نقف، بل نهرب إلى خلف، ونسقط على الأرض" ، فيقول لهم : " أصعدوا الى الهواء، وانزلوا عليه من فوق وأتونى به" ، فكانوا لما يأتون إلى ، ينظرون العلامة على رأسى، فيهربون إلى خلفا، ومكثت هكذا في هذا الإنزعاج العظيم، حتى أشرق النور، حيث ذهبوا خائبين، ، تاركين ذلك الرجل قريبا من الموت، وقد عجبت إذ لم يقدروا الدنو منى وقلت : " سبحان السيد المسيح صاحب العلامة " . أما ذلك الرجل الذي ضربوه ، فقد تعجب منى لما رآنى، وقال : " لماذا لم يقدروا أن يضربوك وضربونى أنا ؟ " فأعلمته بعلامة الصليب المخلص الذي لسيدنا يسوع المسيح، فعندما سمع منى هذا، مضى وتعمد ، وصار مسيحياً مختاراً، وأكمل عمره وهو لابس السلاح، والمثال الذى لالهنا يسوع المسيح " . + كان في زمان بوريق الملك رجل يقال له الوسيط، تشبه بالمسيح الدجال في سحره ، وكان قد أدرك بسحره ما لم يدركه أحد ممن كان قبله من السحرة وكان له صديق يعمل كاتبا يخاف الله. فأراد الساحر أن يطغيه بعمله السحر فدعاه ليلة وركبا فرسين وخرجا من المدينة أول ساعة من الليل . فلما أنقضى نصف الليل وإذا هما في بقعة سهلة ليس فيها مدينة ولا قرية ، فوجدا بابا في قصر ، فقرع الساحر الباب ففتح لهما ولقيهما جماعة لونهم أسود، فسلما على الوسيط وأجخلوهما إلى موضع مجلس كبير فيه منبر وكراس موضوعة وفي الوسط كرسى، وعليه شخص عظيم أسود اللون وعن يمينه وشماله كثير من السود قيام. فخر الساحر ساجادً له فقال له ببشاشة مرحبا بالوسيط. قد قضيت حوائجك. فقال: من أجل هذا أتيت لأشكرك. فجلس الساحر عن يمينه فلما رآهم الكتاب زهد بهم، ووقف وراء الوسيط فقال الرئيس من هذا الذي معك. فقال : عبدك. فالتفت له الرئيس وقال : أنت عبدى؟ فصلب الكتاب على وجهه وقال أنا عبد الآب والأبن والروح القدس فوقع الأركون من مجلسه وغاص في الأرض وأنطفأت المصابيح وولوا هاربين، وغرق القصر بكل من فيه والساحر ولم يبقى إلا الكتاب والفرسان فقط. فلم يلتفت ولكنه ركب فرسا وترك الأخرى. وسار إلى المدينة وضرب على الباب ففتح له وأخبر بكل ما ناله . وبعد ذلك لجأ إلى رجل من الآباء يخاف الله. ففيما هما في صلاتهما أمام أيقونة السيد المسيح صرفت الأيقونة وجهها عن البطريك ونظرت إلى الكاتب فتحول الأب إلى الشرق الذي كان فيه الكاتب فحولت وجهها أيضاً إلى الكاتب . فخر الأب قبالتها ساجداً. وقال يارب لا تصرف وجهم عنى، بل أظهر لى يارب وارحمنى. فأنني أعلم بأنني خاطئ. ولما أكثر من هذا القول ومثله وهو باك . نظرت الأيقونة للكاتب وقالت للأب أنا أعلم أنك تعطي للمساكين مما أعطيتك وترحمهم وأنا كافيك عن ذلك وأما هذا القديس فحقه على واجب . (ب) بداية الصلاه + قال أنبا أنطونيوس : - " أن أول كل شئ هو أن تصلى بلا ملل وتشكر الله على كل ما يأتي عليك". - " صل أبدأ صلاة في خزانتك أولا قبل صلاتك مع الأخوة " . + سأل الشيوخ مرة أنبا مقاريوس الكبير : " كيف نصلى ؟ فقال : نبسط أيدينا إلى الله ونقول : يا الله أهدنا كما تحب وكما تريد .. وأن أصابتنا ضيقة قلنا : يارب أعنا فهو يعرف ما هو خير لنا ويصنع معنا كرحمته ومحبته للشر .. " . + وقال مار اسحق : - " بالقراءة المفروزة أجمع قلبك من الكل، وقم للصلاة، وفي وقت الصلاة وجه نظرك إلى الجموع الصارخة : " أصلبه " ، وأعجب من مخلص الكل كيف يصرخ بنوع الصلاة : " يا أبتاه، لا تقم لهم هذه الخطية " وتشبه به بأكثر قوتك، وأبدأ بالصلاة والدموع " . - قيل أنه كلما جاء إنسان لأنبا سرابيون الأسقف ليتسلم ثوب الرهبنة كان يقول له : " عندما تصلى قل : " يا سيدى علمنى أن أصنع ارادتك " . + وقال القديس يوحنا القصير : - " إذا قمت في صلاتك قدام الله فأول كل شئ قل : قدوس قدوس قدوس الله القوى ، السماء والأرض مملوءتان من تسابيحك. وبعد ذلك قل : اللهم أهلنا بنعمتك لذلك الشرف الذي أعددته في العالم الجديد. ولا يديننا عدلك في مجيئك العظيم. اللهم أهلنى لمعرفتك الحقانية والخلطة بحبك التام. ووحينئذ أختم صلاتك بالصلاة التى علمها الله لتلاميذه واتلها دائما بتأمل " . (ج) الاسراع الى الصلاة + قال أنبا أنطونيوس : - " إذا ضرب الناقوس لا تتوان عن الحضور الى الكنيسة، لا تتحدث هناك ولا تمض الى كنيسة يجتمع فيها الناس " . + وسئل القديس برصنوفويس : - "إذا طلب منى إنسان أن أصلى لأجله، أينبغى لى أن أصلي لأجله أم لا" أجاب : " جيد أن تصلى عن كل من يسألك، لأن الرسول يعقوب يقول : " صوا لأجل بعضكم بعضا كيما تعافوا ، وقد صلى أناس لأجل الرسل ، على أن تفعل ذلك كمن هو غير مستحق ولا دالة له " . (د) فاعلية الصلاة أتى تلميذ لأنبا مقاريوس وقال له : " أبى يرسلنى لقضاء خدمات له ، ولكنى خائف من الزنى " فقال له الشيخ: في أي وقت تأتيك التجربة قل : "أيها الرب إلهى بصلاة أبى نجنى، وهو يخلصك" وحدث في أحد الأيام أن أغلقت عليه عذراء الباب، فصرخ بصوت عظيم وقال : "يا اله أبى خلصنى" وللوقت وجد نفسه في طريق الاسقيط . + وقيل عن الأب مرقس المصري أنه مكث ثلاثين سنة لم يخرج خارجاً عن قلايته، وقد أعتاد قسيس أن يأتي إليه، ويقوم بخدمة القداس، فاحتال الشيطان في ايقاعة في ألم الديونة، فأوعز الى بعضهم فأتوا إليه بأنسان مجنون بروح نجس ، طالبين أن يصلى عليه، فقبل كل شئ بدأ المريض يقول له : " أن قسيسك له رائحة الخطية فلا تدعه يدخل إليك " فقال له الشيخ : أيها الولد أن كل الناس يطرحون الجيف والنجاسة خارجاً، أم أنت فقد أدخلتها إلى ، أما كتب " لا تدينوا لئلا تدانوا" فهو وأن كان خاطئاً، لكن الرب يخلصه، لأنه كثب " وأن هو سقط فالرب يقيمه" وقد كتب ايضا " ليصل بعضكم من أجل بعض لكي تشفوا " . واذ قال ذلك صلى صلاة فخرج الشيطان من ذلك الإنسان وفر خائباً. فلما أتى القس كعادته قبله الشيخ بفرح، فلما أبصر الآله الصالح أمانة الشيخ، كشف له سرا وهو أن القسيس عندما أعتزم الوقوف قدام المائدة المقدسة، رأى الشيخ أن ملاكا قد أنحدر من السماء ، ووضع يده عليه فصار كعمود نار، فعجب الشيخ من ذلك المنظر، إذا بصوت يأتيه قائلاً : " لماذا تعجب ؟ أن كان الملك الأرضي لا يرتضى أن يقف أحد خدامه بين يديه بلباس قذر، فكم بالحرى ملك السماوات فأنه يحلل خدامه الواقفين بين يديه بالمجد " . + ومرة أحضر إلى الدير سمك، فشواه الطباخ، وتركه في الخزانة وخرج. فقبل أن يمضى أقام عليه صيا ليحرسه الى حين عودته، الا أن الصبى بدأ يأكل من السمك بشره فلما جاء الخازن ووجده يأكل غضب ورفسه، فصادفت نافوخه (أم رأسه) وهو جالس، فوقع الولد على الأرض ميتا. أما الخازن فقد اعتراه الخوف، وأخذ الصبى ووضعه على سريره وغطاه، وجاء إلى الأب جلاسيسوس وخر عند رجليه وأعلمه بما حدث، فقال له الشيخ: " لا تعلم أنسانا بهذا الأمر، لكن أذهب واحضره سرا إلى الدياقونيكون وضعه قدام المذبح وانصرف" فجاء الشيخ الدياقونيكون وقام في الصلاة. ولما أجتمع الأخوة في الكنيسة لتأدية صلاة الليل، خرج الشيخ والصبي خلفه . (هـ) الجهاد في الصلاة + سأل بعض الأخوة أنبا أغاثون قائلين : " أى فضيلة أعظم في الجهاد؟" فقال : أغفروا لى . ليس هناك جهاد أعظم من أن نصلى دائما الله، لأن الإنسان إذا أراد أن يصلى كل حين حاول الشياطين أن يمنعوه. لأنهم يعلمون بأن لا شئ يبطل قوتهم سوى الصلاة أمام الله . كل جهاد يبذله الإنسان في الحياة. ويتعب فيه لابد أن يحصد منه الراحة أخيراً. ألا الصلاة فأن من يصلى يحتاج دائما إلى جهاد حتى آخر نسمة . + وسألة الأخوة بخصوص قتال الزنى فقال : " أمضوا وأطرحوا ضعفكم قدام الله فتجدوا راحة " . + وقال شيخ : ينبغى للراهب أن يقاتل بجهاد كثير ضد شيطان الضجر، وصغر النفس وبخاصة وقت الصلاة، فإذا قوى على هذا، فليحذر من شيطان الكبرياء وليقل : "أن لم يبت الرب البيت فباطلا يتعب البناءون ، وأن لم يحرس الرب المدينة، فباطلاً يسهر الحراس " ، كما يذكر كلام النبي " أن الله يقاوم المستكبرين ويعطى المتضعين نعمة " . + وقال أخ لشيخ : " أن أصابنى ثقل النوم أو فاتني وقت الصلاة وأنتهيت ولم تبسط نفسي للصلاة حزنا، فماذا أعمل ؟ " فقال له : " ولو نمت إلى الصباح فقم وأغلق بابك وأتمم قانونك ، فالنبي داود يقول مخاطباً الله : " لك النهار ولك الليل. والهنا لكثرة جوده ورحمته في أي وقت دعى أجاب " . + وقال القديس مقاريوس الكبير : " أن الذي يلازم الصلاة يقتنى أفضل الأعمال إذ هو محتاج إلى جهاد أكثر من سائر الأعمال . لذلك ينبغى له الحرص الدائم والصبر والتعب دائماً لأن الشرير يناصبه العداء ويجلب عليه نعاساً وكسلاً وثقل جسد وانحلالاً وضجراً وأفكاراً مختلفة وطياشة عقل وحيلا كثيرة محاولاً أبطال الصلاة لذلك يلزمه الجهاد إلى الدم مقابل أولئك الذين يطلبون أبعاد النفس عن الله . وليتيقظ مراقباً ذهنه. مطارداً الأفكار المضادة بشدة. وطالبا من الله عونا وفهما " . وقال أيضاً : " أن لم تكن لك صلاة الروح فجاهد في صلاة الجسد ، وعند ذلك ستعطى أيضاً الصلاة بالروح ، وأن لم يكن لك اتضاع الروح، جاهد من أجل الاتضاع الذي بالجسد وعندئذ ستعطى ايضا الاتضاع الذي بالروح . لأنه كتب : أسألوا تعطوا " . + وسأل أخ شيخاً : كيف أجد أسم ربى يسوع المسيح ؟ قال له الشيخ: "إذا لم تحب الألعاب أولاً لا تستطيع أن تجده " . (و) الالتصاق بالرب يسوع + سأل أخ شيخاً قائلاً : " أتريدنى أن أترك قلبي عند خطاياي ؟ قال : لا. قال : فهل أتركه عند جهنم ؟ قال : لا . بل أتركه عند يسوع المسيح فقط والصق عقلك به لأن الشياطين يريدون أن يأخذوا ضميرك إلى حيث يبعدونك عن الرب يسوع المسيح ، فسأله وبأي شئ يلتصق الضمير بالرب يسوع . قال له : بالعزلة وعدم الهم . والتعب الجسداني بقدر . + وقال القديس باخوميوس : " لا تميز موضعاً من موضع قائلاً : سوف أرى الله هنا أو سوف أراه هناك لأن الله في كل موضع . لانه يقول : أنا ملء السماء والأرض : أن أحببت أن تعبر مياها كثيرة فأحذر لئلا تغمرك. لا تفتش على الأمور المستعلية لئلا تتلف حياتك . أحتفظ القدس فقط فهوذا الله داخلك. أنظر أين كان اللص فورث الجنة، أو أين كان يهوذا فاستحق المشنقة أو كيف حسبت الزانية مع الأطهار أو كيف أغوى الشيطان حواء في الفردوس أو كيف أصعد أيليا الى السماء . أو كيف سقطت الملائكة من هناك فاطلب ولا تكسل . أطلب الله فتجده " . + قال الآب الينوس : من لم يقل : " لا يوجد في هذا الكون كله ألا الله وأنا فقط فلن يصادف نياحا " . + قال الأل مسطوفس : " كلما دنا الأنسان من الله ، فأنه يرى نفسه خاطئا لأن أشعياء النبى لما أبصر الله دعا نفسه دنسا ونجساً ". + وقال القديس باسيليوس : " عموم الناس يظنون أن الله في الهياكل فقط ، فيحسنون سيرتهم فيها فقط ، وذوو المعرفة يعلمون أن الله في كل موضع، فينبغى أن يحسنوا سيرتهم في كل موضع " . + وقال شيخ : كما أن الإنسان لا يستطيع أن يؤذي رفيقه وهو واقف معه قدام السلطان ، كذلك العدو لا يقدر أن يؤلمنا بشئ من السر، مادامت نفوسنا قريبة من الله ، كما هو مكتوب : " أقتربوا من الله يقترب الله منكم " ، ولكننا إذا كنا في كل حين نتنزه ونشتغل بما لا ينبغى ، فأن العدو يتمكن منا ، ويلقينا في أوجاع الخطية " . |
رد: بستان الرهبان
فكر الصلاة (أ) جمع العقل [ اليقظة في الصلاة ] + قال القديس مقاريوس الكبير : " إذا أقدمت على الصلاة فأحرص أن تكون ثابتاً لئلا تسلم أناءك بيد أعدائك لأنهم يشتهون أختطاف انيتك التى هي أشواق نفسك ، وهي الأشواق الصالحة التى يجب أن تخدم بها الله نهاراً وليلاً. لأن الله لا يطلب أن تمجده بشفتيك فقط بينما تطيش أفكارك بأباطيل العالم ، لكنه يريد ألا توقف نفسك أمامه وأفكارك تنظر إليه بدون التفات " . + وقال أنبا موسى الأسود : " كن متيقظا في صلاتك لئلا تأكلك السباع الخفية " . + وقال أنبا سرابيون : " كما أن أجناد الملك وقوف بين يديه، ولا يقدر واحد منهم أن يلتفت يمينا أو شمالاً ، كذلك الإنسان ، إذا كان واقفا قدام الله في الصلاة ، يجب عليه أن يكون عقله مجموعاً بخوف ، واذا كان كذلك ، فلا يستطيع العدو أن يضره أو يرهبه". + للقديس يوحنا ذهبي الفم عن الكلمة المكتوبة : " أصلي بروحي وأصلي بضميري ، وأرتل بروحي وأرتل بضميري " : يريد الرسول ألا يكون الإنسان مصلياً بلسانه فقط تاركاً عقله يتيه في شتى الأمور ، فيصير بلا ثمر ، بل ليكن جهاد واحد لا ثنيهما ، اللسان ينطق بكلام الصلاة والعقل يميز المعنى الخفي الغير منظور والفكر يتبع يسوع إلى فوق ، مثل النفس الصاعد مع الكلام ، فيكون مثل أنسان يشتكي إلى المالك ووجهه ناظر إليه ولسانه يتكلم بغير أنشغال " . + قال الأب نستاريون : " احرص كل يوم على أن تقف قدام الله بلا خطية ، وهكذا صل لله كأنك مشاهد له ، لأنه بالحقيقة حاضر " . + قال القديس برصنوفيوس : " الصلاة الكاملة هي أن تخاطب الله بلا طياشة عقل ولا سجس العالم ، لأن المصلى الكامل قد مات عن العالم. أن أمساك البطن هو أن تقلل من شعبك قليلاً وأن كان عليك قتال فأترك قليلاً أكثر ، أما أمساك العقل والقلب فهو أن يكون متيقظاً . لا تتهاون بأفكارك وإذا قاتلك العدو بالفكر فلا تلتفت إلى قتاله لأنه يريد بذلك أن يشغلك عن مخاطبة الله " . + قال القديس أوغريس : تغافل عن ضروريات الجسد عند وقوفك للصلاة حتى ولو لدغك برغوث أو بعوضة أو ذبابة أو احد الهوام فلا تنشغل بها لئلا تخسر الربح الظعيم الذي للصلاة " . + وقد حكى لنا أباؤنا القديسون عن أحدهم كان الشيطان يحاربه إلى درجة كبيرة عند وقوفه للصلاة. وذلك أنه عندما كان يبسط يديه للصلاة كان الشيطان يغير شكله قدامه بهيئة أسد ، ويشبك رجليه الأثنين في رجلى القديس وينتصب قبالته. ثم يجعل مخالبه في حقوى المجاهد من هنا وهناك . فلا يرجع عنه حتى ينزل يديه ولم يكن المجاهد لينزل يديه حتى يكمل صلاته كعادته . + قرأت في سيرة رهبان دير تاسا ما هو مكتوب عنهم هكذا : " أنه بينما كان القديس باخوميوس يتكلم مع الأخوة مرة بكلام الله ، أذ بحيتين قد جاءتا والتفتا حول رجليه أما هو فلم يقلق ولكنه تظاهر كأنه يطرح حلته تحت رجليه حتى فرغ من حديثه بكلمة الله ، وحينئذ أعلم الأخوة بهما " . + كذلك قرأنا عن أخ روحاني أنه فيما هو يصلي مرة جاءت أفعى ولمست رجليه وهو يصلي ، فلم يبال بالكلية حتى أكمل صلاته كالمعتاد ولم يؤذ بالكلية. ذلك لأنه كان يحب الله أكثر من جسد لذاته . فاقتن لك عينا غير متشاغلة وقت الصلاة . وأجحد ذاتك وأطلب الله بكل قلبك . + وأخر أيضاً من القديسين الذين يصلون كما ينبغي ، كان منفرداً في البرية، هذا وقف قدامه الشياطين مقدار أسبوعين وهم يلكمونه ويحلقون به في الجو ويقطعون عليه الحصير ، وبرغم هذا كله لم يستطيعوا بالجملة أن يخطفوا عقله ولو كان في صلاة قليلة بحرارة مع الله . فاجتهد يا أخي أن توقف عقلك كمن هو اطرش وأخرس في وقت الصلاة . وهكذا تستطيع أن تصلي . + أن كنت تريد أن تصلي جيداً ويصير لك أفتخار قدام الله . فاجحد ذاتك في كل حين وفي كل ساعة . + الصلاة هي باب الفرج والشكر . الصلاة هي دواء الأحزان وضيق الصدر لا تصل بالشكل الظاهر فقط ولكن بمخافة الله ورعدة وخشوع مع الألتفات بعقلك نحو المعقولات ، الصلاة هي فهم للعقل ، الصلاة ترفع العقل إلى الله ، الصلاة هي عمل يليق برتبة العقل وبطبيعته الفاضلة . فحين تعزل هذه الآية من موضوعها يظن أنها تتكلم عن تشتيت الفكر في الصلاة ، أو الصلاة بلا فهم . ولكنها يلوم أن تكفهم في موضعها وهي تتكلم عن صمر الشركة في الصلاة . + قال شيخ : " أحذر الغضب لأنه يظلم العقل ويلقى من النفس لجام مخافة الله ، أن الغضب أبو الجنون ، فمن يقبله لا يكون وديعاً أمام الله " . (ب) الصلاة بلا طياشة + قال الأب أوغاريتوس : " ما أعظم أن يكون الإنسان بغير طياشة، وأعظم من ذلك من ذلك أن يكون تحت الخليقة كلها " + وقال مار أسحق : أن الذي يمزج قراءته بالتدابير والصلاة يعتق من الطياشة . + وقال بعض الشيوخ : " تحفظ في صلاتك بمخافة الله ، لئلا تغضبه بدلا من أن ترضيه، فتحتاج صلواتك لصلوات " . + أتى لصوص إلى قلاية في وقت الصلاة فقال القسيس للأخوة: أتركوهم يعملون عملهم ، ونحن نعمل علمنا " . + قال شيخ : أنى خرجت مرة من قلايتي وجزت بقلاية شيخ قديسين ، فسمعته وأنا خارجها يخاصم خصومة شديدة ، ويقول : " حتى متى ؟ كيف من أجل كلمة واحدة ذهب هذا ؟ " فلما سمعت صوت الخصومة ، ظننت أن عنده أنسانا يشاحنه. فقرعت الباب لأصلح بينهما ، ولما دخلت لم أجد سوى الشيخ وحده، فسألته ببساطة وقلت له : " يا أبى ، مع من كنت تتخاصم ؟ " فقال لى : " كنت أخاصم فكري، لأني قد أستظرهت أربعة عشر كتاباً ( حفظتها عن ظهر قلب ) ، وسمعت خارجا كلمة واحدة قبيحة فلما بدأت أصلي ، جاءت تلك الكلمة ، ووقفت قدامى وأبطلت تلك الكتب كلها ، فمن أجل ذلك كنت أخاصم فكرى " . (ج) الصلاة بلا فتور + قال شيخ : طوبى لمن أبغض الأثم واحب البر ، وخاف عقاب الجحيم وآثر ثواب الملكوت ، وقاوم أرادة الشياطين وأطاع أرادة الله ، وصلى بلا فتور، بلا طياشة " . + أخبر عن أحد الرهبان أنه لم يكن له عمل سوى الصلاة بلا فتور، وكان كل عشية يجد في قلايته خبزاً ليأكله. فزاره أحد الرهبان مرة ومعه ليف. فأخذه منه وصار يعمل في الليف. فلما حان وقت المساء طلب خبزا كعادته ليأكل. فلم يجد فبقى حزيا. فأتاه صوت قائلاً : " لما كنت تعمل معى كنت أنا أعولك، فلما بدأت ممارسة عمل آهر. أطلب طعامك مما تعمله بيدك ! " . (هـ) علاج الفتور في الصلاة + قال القديس يوحنا القصير : مثل التاجر الذي يطلب الأرباح كذلك حاسب نفسك كل يوم وأنظر ربحك وخسارتك في كل عشية وأجمع عقلك وتأمل ما الذي عملته في نهارك وأنظر إلى صنع الله ربك ، وأفهم بماذا أنعم عليك في يومك : باشراق الضوء، بطيب النهار، بتقويم الأزمنة ، ببهاء الجبال، بحسن الألوان ، بزينة الخليقة ، بحركة الشمس وبزينة قامتك، وبهبوب الرياح ، وبحسن الأثمار، وبحفظه إياك من الأخطار مع بقية أنعاماته . فإذا تفكرت في هذه الأمور كلها يملأ قلبك العجب من عظم حب الله لك ويأخذك العجب إلى أن تشكر الله بحرارة على ما أنعم به عليك – لذلك وجب عليك أن تفتش لعلك فعلت شيئا يدل على انكارك لهذه النعم وقل فيما بينك وبين نفسك : " لعلى فعلت في هذا اليوم أمرا يغضب الله ، لعلى فعلت شيئاً يخالف مشيئة خالقى ، فأن شعرت في نفسك أنك قد فعلت شيئاً يخالفه . ثم في الحال بالصلاة وأشكر الله أولا على النعم التى اقتبلتها منه في يومك هذا ، ثم تضرع من أجل غفران ما أخطأت به وهكذا تنام بخوف ورعدة . + من المعلوم لدينا أننا أن أغضبنا من هو أعظم منا، فأننا نبيت ونحن في خوف ورعدة ، ولكن مع الأسف فهوذا نحن نغضب الله وننام بلا مخافة . + إذا قمت للصلاة قدام الله أحرص أن تجمع عقلك طارحا عنك الأفكار المقلقة، ضع نصيب عينيك كرامة الله ، ونق حركاتك من الميول الشريرة. فأن شعرت بحرارة النعمة تقدم ولا تضعف ، فإذا أبصر الله صبرك فأنه بسرعة يسكب فيك نعمته ويتقوى عقلك وينشط للعمل بواسطة السخونة (حرارة النعمة) فتضئ أفكار نفسك ويسمو بك الشعور الى تمجيد عظمة الله كل حين ، ولن يكون لك ذلك الا بطلبات كثيرة وفكر نقي، كما أنه لا يليق أن يوضع البخور الطيب في أناء نتن كذلك الله لا يظهر عظمته في فكر ردئ . (د) السهــر + قال شيخ : " أحب السهر فإنه ينير العقل " . + قال القديس لنجيوس : " السهر يطهر العقل " + وقال القديس أبيفانيوس عند خروج نفسه : " ايقظوا قلوبكم بذكر الله ، فتخف قتالات الأعداء عنكم " . + وقال شيخ : " كل من يحارب أبليس وجنوده بالقتال ، وهو لأجل ذلك ينوح ويبكى ساهراً، طالبا معونة، فهو يستجاب لأن السهر يحل الخطية، والبكاء يحل الذنوب". + قال أنبا أنطونيوس : + لا يليق بنا أن نتذكر الزمان الذي مضى. الاحرى بنا أن نكون كمن يبدأ عمله حتى يكون التعب المفرط الذي سنحس به لفائدتنا ... ليقل كل واحد ما قاله بولس الرسول : " أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام " (قيلبي 13:3) ولنتذكر أيضاً كلمات إيليا " حى هو الرب الذي وقفت أمامه اليوم " (مل 1:17) لنلاحظ أنفسنا بالحكمة التى تجعلنا نقف أمام الله " . + وقال أيضاً : " إذا قمنا في الصباح لنذكر ربما لا نبقى للمساء. وعندما نرقد لنفكر أننا ربما لا نمكث حتى الصباح لأننا لا نعرف ما هى أيان حياتنا . أنها معروفة لدى الله. ونحن أن مارسنا هذا العمل يوميا لن نخطئ ، لن نفعل شرا أمام الله ، لن نشته أشياء هذا العالم ، لن نغضب أحدا ونكون كمن ينتظرون الموت " . + قال القديس باخوميوس : - يا أبنى أحفظ قلبك كى لا يفرح أعداؤك ، لأن الأنسان إذا لم يحفظ قلبه وقع في الشرك . - " لا تترك قلبك يسبى مع الغرباء لئلا يقال لك : " لأنك لم تثق بالرب فأقم الآن في أرض العبودية " . - + قيل عن أنبا باخوميوس أنه كثيرا ما كان يسمع الشياطين تذكر شروراً مختلفة بعضها كان يأتي على الأخوة فذكر أولا أنه سمع أحدهم يقول : " أنى أقف أمام راهب يناضلني دائماً ، وكلما أقتربت لأزرع أفكارا في عقله تحول في الحال الى الصلاة فأضطر للهروب منه ملتهبا بالنار " كما سمع آخر يقول : " أنى أحارب أنسانا سهل الاقنـاع يطيع ما أرشدة إليه ولذا فأنى أحبه كثيراً " . وهنا قال الأب ... فعلينا أيها الأخوة أن نكون يقظين على الدوام وأن نكون آقوياء في أسم الرب فنحارب الشياطين لأنهم لا يقدرون علينا . + سأل الأخوة أنبا ساوانس عند موته : " أية سيرة صنعتها أيها الأب ، حتى أقتنيت هذا الحكم ؟ ( التدبير ) " أجاب : " لم أترك قط في قلبى ذكرا يسخط الله " . + وحدثنا أحد الآباء قائلاً: " أنى في بعض الأوقات كلمت الأخوة كلاما نافعا ، فغرقوا في النوم غرقا، أنتهوا فيه أنهم ما استطاعوا أن يحركوا جفونهم ، فأردت أنا أن أبين فعل الشيطان، فأوردت حديثا باطلاً، فأنتبهوا للوقت وفرحوا، فتحسرت وقلت: "إلى هذا الوقت كنا نتكلم في أشياء سماوية فكانت أعينكم كلكم غارقة في النوم، فلما أوردنا أقوالا باطلة، قمتم كلكم بنشاط، فلهذا أسألكم يا أخوتى، أن تعرفوا فعل الشيطان الخبيث، وتصغوا إلى أنفسكم، محترسين من النعاس، متى علمتم وسمعتم شيئاً روحانياً " . (هـ) التغصب + قال قديس : " أن الصلاة يتكلف (أي تغصب) من شأنها أن تولد صلاة نقية براحة ، فتكون الأولى بتكلف النية ، والثانية براحة من النعمة " . (و) الصلاة الدائمة + قال انبا موسى الأسود : " داوم الصلاة كل حين ليستنير قلبك بالرب لأن مداومة الصلاة صيانة من السبى ومن يتوانى قليلا فقد سبته الخطية " . + وسأل أخ أنبا برصنوفيوس : " قل لى يا أبى أن كانت الصلاة دائمة ، فما حدها ؟ وهل ينبغى لى أن آخذ قانوناً أزاءها ؟ " . أجاب : أفرح بالرب يا أخى ، أفرح بالرب يا حبيبى ، أفرح بالرب أيها الوارث معى. أن الصلاة الدائمة تكون للذين قد كملوا وبلغوا حد انعدام الأوجاع عنهم . لأنهم إذا بلغوا ذلك عرفوها، لأن الروح يعرفهم كل شئ ، أذ يقول الرسول : " أننا لا تعرف كيف نصلى كما ينبغي ، ولكن الروح يطلب من أجلنا يتنهد لا ينطق به " ( رو 8 : 26 ) وماذا ينفعك أن وصفت لك مدينة رومية ، وأنت لم تدخلها بعد ؟ . أن الإنسان الساكت خاصة يستمر عليه قانون ، ولكن كم مثل إنسان يجوع ويأكل ما يلذ له ، فإذا جاءتك شهوة القراءة وأحسست تخشعاً في قلبك فأقرأ ما أمكنك كذلك في تلاوة المزامير أفعل هكذا وتمسك بالشكر وقل : " يا إلهى أرحمني" . تقو ولا تفزع، ، لأن مواهب الله ليس فيها رجعة – أترك عنك من اليوم الاهتمام ، لأنك بعدم اهتمامك بشئ من الأشياء تصير قريبا من الله ومن مدينة القديسين – وإذا لم تحسب نفسك شيئاً ، صيرك ذلك أهلاَ للسكنى في مدينة الأبكار ، وإذا مت عن كل إنسان ، صيرك ذلك متحداً بالله . وكلما أطفأت حرارة الغضب ، ساعد ذلك على دوام سلامتك . + قيل أن أحد الأخوة أستمر يتردد على الأب مقاريوس المدني مدة أربعة أشهر يومياً، وذلك ليسأله عن كلمة ، فكان ذهب إليه لا يجده متفرغا من الصلاة حتى ولا مرة واحدة، فعجب الأخ لذلك ، وقال : " هذا ملاك وليس بإنسان " وانتفع جداً . (ز) ذكر أسم المسيح + قال أنبا دياراخس : " من يشاء أن يطهر قلبه جدا فليتخذ له كل حين الذكر الصالح الذي هو اسم ربنا يسوع المسيح الاسم القدوس، عملا وهذيذأ وكلاماً وفكرا بغير فتور وبمحبة عظيمة وشوق كثير ، وليخرج من عقله وسخ الخطية بعمل الوصايا كل حين " . + قال مار أفرام : " بمقدار ما للنوانى من مضار ، بمقدار ما للتيقظ من منافع تسبب كل صلاح ، لأن المتيقظ في كل حين ، ذكر الله حاضر عنده ، وحينما يتلو ذكر الله، تكف عنه كل أفعال الخبيث " . + قال القديس باخوميوس : " لا تخل قلبك من ذكر الله أبدأ لئلا تغفل قليلا فيستظهر عليك الأعداء المترصدون لاصطيادك " . + قال شيخ : " ليس هناك فضيلة من الفضائل تشبه فضيلة مداومة الصلاة والتضرع باسم ربنا يسوع المسيح في كل وقت أما في العزلة بالشفين ، وأما في القلب فبغير تنزه (تظاهر) . + وقال آخر :- " إذا ما رفض الذهن أوامر الروح القدس تبعد القوة ذاتها. وتثور أوجاع القلب. فإذا ما رجع القلب إلى الله وحفظ أوامر الروح القدس كان عليه ستر، وحينئذ يعلم الإنسان أن مداومة ذكر اسم القدوس ربنا يسوع المسيح هو الذي يحرسه تحت ستر رحمته " . + كذلك قيل : داوم على ذكر الاسم القدوس ، اسم ربنا يسوع المسيح فهذه هى الجوهرة التى من أجلها باع التاجر الحكيم كل هوايا قلبه واشتراها وأخذها إلى داخل بيتع فوجدها أحلى من العسل والشهد في فمه. فطوبى لذلك الإنسان الذي يحفظ هذه الجوهرة في قلبه فإنها تعطيه مكافآة عظيمة في مجد ربنا يسوع المسيح . + وقيل أيضاً : " أن كان كل ملء اللاهوت قد حل في السيد المسيح جسديا كقول الرسول فلا نقبل زرع الشياطين الأنجاس عندما يقولون لنا : " أنكم إذا صحتم باسم يسوع فلستم تدعون الآب والروح القدس " . لأنهم يفعلون ذلك مكرا منهم لكى يمنعونا من الدعاء بالاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح ، لعمهم أنه بدون هذا الاسم لا ولن يوجد خلاص البتة كقول الرسول بطرس : " أنه ليس أسم آخر تحت السماء أعطى للناس به ينبغي أن نخلص" ، ونحن مؤمن إيماناً كاملاً بأننا إذا دعونا باسم ربنا يسوع إنما ندعو الأب والروح القدس لأننا لا نقبل البتة فرقا ولا أنقساماً في اللاهوت . ونؤمن أيضاً أن ربنا يسوع المسيح هو الواسطة الذي به يحصل الناس على الدنو من الله والحديث معه كقول الرسول : " وفي هذه الأيام كلمنا في أبنه". + قال أخ للقديس مقاريوس الكبير : " أنى خائف بسبب خطاياي فماذا أعمل يا أبي ؟ " . قال له الشيخ : " تقو وتمسك برجاء الحياة والرحمة التى لا حد لها الذي هو اسم ربنا يسوع المسيح " . + وسأل أخ شيخا : " عرفني يا أبي كيف أتمسك باسم الرب يسوع بقلبي ولساني " . أجابه الشيخ : " مكتوب أن القلب يؤمن به للبر ، والفم يعترف به للخلاص. فهدئ قلبك تجده يرتل باسم الرب يسوع دائما . أما أن أصابه عدم هدوء وطياشة فعليك أن تتلو باللسان حتى يتعود العقل . فإذا نظر الله إلى تعبك أرسل لك معونة عندما يرى شوق قليك ، فيبدد ظلمة الأفكار المضادة للنفس " . + وسأل آخر : " يا أبى ماذا أعمل بهذه الحروب الكائنة معي ؟ " . أجاب الشيخ : " أن مداومة اسم الرب يسوع تقطع كل آكلة " . + حدث أن زار الانبا بيمين أنبا مقاريوس الكبير، فقال الأنبا بيمين: " يا أبى : ماذا يعمل الأنسان كى يقتنى الحياة ؟ " . فقال أنبا مقاريوس : " أن أنت داومت كل حين على طعام الحياة الذي للاسم القدوس : اسم ربنا يسوع المسيح بغير فتور فهو حلو في فمك وحلقك وبترديك أياه تدسم نفسك وبذلك يمكنك أن تقتـنى الحياة " . + قال شيخ مثلاً : كان لإنسان في قرية أخت جميلة . ولما كان يوم عيد تلك القرية سألته أخته أن يأخذها إلى موضع ذلك العيد وإذ كان أخوها يخاف أن يرسلها وحدها لئلا يحصل لقوم عثرة بسبب شبابها ، فقام ومضى بها إلى مكان عيد القرية وهو ممسك بيدها . وكان ينتقل بها من مكان لآخر وهو ممسك بيدها .لأنه قال : أن هي مالت إلى فعل جهالة فأنها لن تستطيع لأني ممسك بيدها ، وهكذا فقد كان الكثيرون ينظرون إلى الصبية ويشتهونها من أجل جمالها ولكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا بها شيئاً لأن أخاها كان ممسكاً بيدها .. وهي كذلك كانت تنظر إلى الصبيان الذي يشتهونها وتميل بضميرها للذة ولكنها لم تتمكن من أكمال شهوتها لان أخاها كان ممسكاً بيدها . + ثم قال الشيخ الذي ذكر هذا المثل : ما دامت النفس ذاكرة اسم ربنا يسوع المسيح الذي صار لها أخا بالتدبير، فإنه يكون في كل وقت ممسكا بيدها .. وأن أراد الأعداء الغير المنظورين خداعها فلا يستطيعون أن يفعلون بها شيئاً لأن أخاها ممسك بيدها . وأن هي خضعت للأفكار ومالت للذات العالم، فلن تستطيع أكمال الخطية لأن أخاها ممسك بيدها أن هى تمسكت في كل وقت بالاسم المخلص الذي لربنا يسوع المسيح ولم ترخه. أرأيت يا حبيبي كيف أن التمسك بهذا الذكر الصالح الذي لاسم ربنا يسوع المسيح هو خلاص عظيم وحصن منيع وسلاح لا يقهر وخاتم خلاص النفس؟ فلا تتوان عن أن تقتنى لنفسك هذا الكنز الذي لا يسرق وهذه الجوهرة الكثيرة الثمن التى هي أسم ربنا يسوع المسيح ذلك الاسم المخلص . فإن سألتني قائلاً : " وكيف أقتنى هذا الكنز العظيم ؟ " أجبتك قائلاً : "بالعزلة عن كل أحد وعدم الاهتمام بكافة الأشياء . وأتعاب الجسد بقدر ، والصوم بمداومة . فهذه كلها تلد الأتضاع . والدموع الصادقة تجعلك أن تكون تحت كل الخليقة فإذا ما حصلت على كل ذلك صرت أبنا لله وأنت على الأرض وتنتقل من الأرض إلى فوق السماء وأنت كائن في الجسد . كل نعمة هي منك ولك يا رب. أنك تصنع رحمة مع ضعفنا حتى تنقلنا إلى ملكوتك " . + قيل عن الأب أيليا : أنه لمحبته للوحدة أقام في بربا خربة ، فأتاه الشياطين قائلين : " أخرج من هذا المكان لأنه موضعنا فأجابهم الشيخ : " أنتم ما لكم مكان " ، فبددوا خوصه ، وقالوا له : " أخرج من ههنا " فقام وجمعه ، وجلس يضفر وهو صامت ، فبددوه له أيضاً قائلين : " أخرج من موضعنا " ، فقام أيضاً ، وجمعه وجلس صامتا . ثم أن الشياطين أمسكو بيده ، وبدأوا يجرونه إلى خارج قائلين : " لا تقم هاهنا ، لأنه موضعنا " ، فلما بلغ الباب مسكه بيده وصرخ قائلاً : " يا يسوع المسيح إلهى أعنى" ، وللوقت هربت عنه الشياطين ، فأبتدأ الشيخ يبكى ، فجاءه صوت الرب قائلاً له : " لماذا تبكى ؟ " فقال الشيخ : " كيف لا أبكى ، وهؤلاء يتجاسرون هكذا على محاربة خليقتك ؟ " فقال له الرب : " أنك أنت الذي توانيت ، فلما طلبتنى وجدتنى " . |
رد: بستان الرهبان
مادة الصلاة (أ) الشكر من أقوال مار اسحق : + ليست موهبة بلا نمو وإزدياد إلا التى ينقصها الشكر . + من لا يشكر على القليل فهو كاذب وظالم أن قال أنه يشكر على الكثير والجاهل جزاؤه دائما في عينيه صغير. + شكر الذي يأخذ يحرك الذي يعطى إلى بذل العطايا التى هى أعظم من الضيقات . + تأمل دائما في البلايا الصعبة وفي الذين هم في شدة ومذلة وبهذا التأمل يمكنك أن تقدم الشكر إزاء البلايا الصغيرة التى تنتابك وحينئذ تستطيع أن تصبر عليها يفرح . + دع الصغار تنال الكبار . + مرشد أنعام الله إلى الإنسان ، هو الشكر المتحرك في القلب على الدوام، ومرشد التجارب الى النفس هو التذمر . أن الله عز وجل يحمل كل ضعف من الإنسان ، ولا يتحمل إنساناً يتذمر دائماً ، أن أدبه . + فم يشكر دائما إنما يقبل البركة من الله تعالى ، وقلب يلازم الحمد والشكر تحل فيه النعمة . + قال شيخ : حدث مرة أنى كنت في موضع حيث أتى يتامى ومساكين يسألون صدقة، فلما ناموا ، كان بينهم واحد لا يقتنى شيئاً يلبسه سوى حصيرة ، نصفها فوقه ونصفها الأخر تحته، وكان وقتئذ برد شديد، فخرج بالليل يقضى حاجة الطبيعة فسمعته من شدة البرد يعزى نفسه ويقول : " أشكرك يا رب ، كم من أغنياء الأن في السجون يرزحون في أغلال حديدية ، وآخرين وقد ربطت أرجلهم في الخشب لا يستطيعون الخروج حتى لتبديد الماء ، وها أنا مثل ملك أمد رجلى ، حيثما شئت أذهب " . فلنا أنصت وسمعت كلامه هذا دخلت الى الأخوة وحدثتهم ، فلما سمعوا تعجبوا وأنتفعوا وسبحوا الله . (ب) التسبيح + قال شيخ : لا تدع لسانك يخلو من التسبيح ، فأن تصرفت في تدبير قلايتك ، فأن الأفكار السوء تنقطع عنك، ولا يجد العدو سبيلاً لما يخطره ببالك ، فيبعد عنك . (ج) الاشتياق + قال القديس موسى الأسود : " لنقتن لأنفسنا الشوق إلى الله فإن الاشتياق إليه يحفزنا من الزنى " (د) الانسحاق + قال شيخ : " كما أن عابر الطريق ضيف يومه ، لا يدخل المنزل ما لم يأمره صاحبه بذلك ، هكذا العدو ، أن لم يقبله الراهب، لا يقدر أن يدخل إلى عنده، فإذا صليت فقل: يا رب أنت عارف بكل الأشياء. أنا بهيمة، ما عرفت شيئاً بعد ، لكن علمنى كيف أبدأ ، أنت قد جئت بى إلى ههنا فعلمنى كيف أخلص " . + وقال آخر : " كل راهب يجلس في قلايته ويدرس في مزاميره ، يشبه من يجرى في طلب الملك ، والذي يداوم في الصلاة يشبه انساناً يكلم الملك ، وأما الذي يجرى يسأل ببكاء ، فهو يشبه من هو ممسك برجلى الملك يطلب منه المغفرة " . + قال أنبا شيشاى لتلميذه : " أن لى 30 سنة لم أطلب من الله غفران خطيتى ، ولكن في طلبتي وصلاتي أقول : يا رب يسوع المسيح استرني ، فأني إلى هذا الوقت أزل وأخطئ بلساني " . + وقال أحد الأخوة لقوم من الرهبان : " هل رأيتم قط من هو أكذب من شقاوتي ؟ " قالوا : وما السبب ؟ قال لهم: "إذا أنا وقفت أصلي فأني أرفع يدى ونظرى إلى فوق ، وأبكى وأسأل أن يسمع الطلبة ويرحم البكاء ، وفي الوقت الذي أخطئ فيه ، أقول أنه لا يرانى ، وبهذا السبب نبت عندى كذب نفسى " . (هـ) المزامير + زار أخ شيخا وسأله قائلاً : " كيف حالك ؟ فأجابه الشيخ قائلاً : " أسوأ الأحوال" فقال له الأخ : " لم ذلك ؟ " فأجابه الشيخ قائلاً : " لأن لى 30 سنة وصلاتي خلالها على لا لى ، لأنى أقف قدام الله وألعن ذاتى ، وأقول ما لا أشتهى أن يخرج من فمي إذ أقول : " ملاعين الذين حادوا عن وصاياك " وأحيد أنا عن الوصايا وأفعل الآثام ، وأقول " لا تتراءف على فاعلى الأثم " ، وأكذب كل يوم وأقول لله " أنك تهلك كل من يتكلم بالكذب " ، وأحقد وأقول لله " أغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن لمن أخطأ ألينا " ، وأخطئ وأقول : " عندما يزهر الخطاة ويعلو جميع عاملي الاثم ، فهناك يستأصلون الى الأبد " وآثم وأقول " أبغضت تجميع فاعلي الاثم" ، وهمي كله في المأكل وأقول بين يدى الله : " نسيت أن آكل خبزى"، وأنام إلى الصباح وأقول : " في نصف الليل كنت أنهض لأسبحك " ، وليس لى خشوع ولا دموع وأقول " تعبت في تنهدى " ، وصارت دموعى خبزا لى نهارا وليلا وبدموعى أبل فراشى " ، وافتكر فكرا خبيثاً ، وأقول لله : " أن ما يتلوه قلبي هو لديك كل حين " ، وليس لى صيام وأقول " ركبتاي ضعفتا من الصوم" ، ونفسى متكبرة وجسدى مستريح وأقول لله " أنظر إلى تواضعي وتعبي وأغفر لى جميع خطاياي " ولا استعداد لي وأقول : " مستعد قلبي يا إلهي" . فقال الأخ: "يا معلم ، على ما يلوح لى ، أن النبي قال ذلك عن نفسه " فتنهد الشيخ وقال : " صدقتني يا أبني أن لم نعمل نحن بما نصلى به قدام الله ، فإن صلاتنا تكون علينا لا لنا " . (و) الدموع + قال أنبا موسى الأسود : ينبغى لنا أيها الحبيب أن نجتهد بقدر استطاعتنا بالدموع أمام ربنا ليرحمنا بتحننه . لأن الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالفرح " . + وقال القديس مكاريوس : كما أنه إذا سقط المطر على الأرض نبتت وانتجت الثمار وفي ذلك راحة وفرح للناس ، كذلك الدموع إذا ما وقعت على قلب أثمرت ثمارا روحانية وراحة للنفس والجسد معا . + لنبك أيها الأخوة ولتسل دموعنا من أعيننا قبل أن نمضى إلى حيث تحرق دموعنا أجسادنا بدون نفع. ولما قال هذا بكى وبكى الكل معه وخروا على وجوههم قائلين . أيها الأب صل من أجلنا . + قال شيخ : " سبيلنا أن نتطهر بالدموع مادمنا في هذا العالم ، قبل أن نمضى الى حيث تحرق دموعنا أجسادنا " . + سأل أخ شيخاً : " كيف يقتني الإنسان البكاء ؟ " فقال : " يقتني الإنسان البكاء إذا كان عقله يذكر دائما خطاياه وموته ودينونته " . + وقال شيخ : " كما أننا نحمل معنا ظلنا أينما ذهبنا ، كذلك يجب أن يكون البكاء معنا في كل موضع ، كالقول : " أحمى كل ليلة سريرى وبدموعى أبل فراشى " . + وقال آخر : " من لا ينشق قلبه بالتحسر والتنهد ، وكان فراغا من صلاة الدموع وعادما من القراءة فهو سائر في التيه لأنه إذا ما أخطأ لن يحس " . + وقال مار أسحق : " من أقتنى دموعا في صلاته ، فهو كانسان يقدم قربانا عظيما للملك ، وقد أقتنى عنده وجها بهجا " . + سأل أ شيخاً قائلاً : " ماذا أصنع لأخلص ؟ " قال له : " يجب أن تبكى دائماً " . + قبل عن أحد الرهبان أنه كان كل يوم يبكى على خطاياه ، وكان له جار يسمعه ، وإذا لم يأته البكاء ، قال لنفسه : " لماذا لا تبكى يا شقى ؟ " لماذا لا تنوح يا مسكين ؟ حقا أنك أن لم تبك ههنا طائعاً، فأنك تبكي هناك كارها " ، وكان قد أصلح له حبلا غليطا يضرب به ذاته ليبكى ، فتعجب جاره وطلب من الله أن يكشف له أن كان تعذيبه لنفسه صوابا ، فأبصره وهو وأقف بين جماعة الشهداء، وانسان يقول له : " هذا هو المجاهد الصالح الذي يعذب نفسه من أجل المسيح". + ومن أقول مار أفرام : " تفهم يا أخى أن من أجلك أقبل من السماء الاله الأعلى والأقدس ، ليعليك من الأرض الى السماء ، مغبوط في ذلك اليوم ، الذي قد حرص من هنا، كي يوجد مستحقا لتلك السعادة، وإذ أنه لا يمكن أن تباع الأدوية السماوية والقدسية، لأنه ليس لها ثمن، ولكنها بالدموع توهب للكل . ترى من لا يعجب ومن لا ينذهل ، من لا يبارك كثرة تحننك أيها المخلص لنفوسنا ، لأنك أرتضيت أن تأخذ الدموع أشفيتك. فيالقوتك أيتها الدموع ! إلى أين بلغت ؟! حتى أنك تدخلين إلى السماء مجاهرة كثيرة بلا مانع ، وتأخذين طلباتك من الاله الأقدس. + قال القديس لنجيوس : " البكاء يعمد الانسان ويجعله بغير خطية " . وقبل أنه كان لهذا الأب تخشع كبير في صلاته وقراءته، فقال له تلميذه مرة : " هل هذا هو القانون الإلهي يا أبى ، ان يبكي الإنسان في خدمته لله ؟ فأجابه: "نعم يا ولدى ، هذا هو القانون ، ليس لأن الله قد صنع الانسان للبكاء بل للفرح والسرور وليخدمه بطهارة قلب ، وعدم خطية كالملائكة ، فلما سقط الإنسان في الخطية، احتاج إلى النوح والبكاء ، وحيث عدم الخطية فليست هناك حاجة إلى البكاء" . + قيل أنه كان يسكن بقرب أخ حريص على خلاص نفسه أخ آخر كان بستانيا ، وقصد مرة المضى إلى دير في يوم من الأيام ، فقال لذلك الأخ الكاتب: "أصنع محبة يا أخى واهتم بالبستان حتى أرجع " ، فقال له الأخ : " صدقنى أنه على قدر استطاعتى لن أتوأن في الاهتمام به " . وبعد أنصراف الأخ البستانى قال الأخ الكاتب في نفسه : " يا مسين ، لقد وجدت خلوة فاهتم بالبستان .. ثم أنه أنتصب في قانونه من المساء إلى الصباح، لم يفتر ، مترنما بدموع ، مصليا ، ومكث على هذه الحال طول النهار كذلك إذ كان يوم الأحد المقدس . فلما جاء الأخ البستانى عند المساء ، وجد البساتان قد أفسدته القنافذ ، فقال له : " غفر الله لك يا أخى لأنك لم تهتم بالبستان " فقال له ذلك : "يا معلم ، علم الله ، أنى قد بذلت كل قوتى وحفظته إلا أن الله قادر أن يعطينا ثمرا من البستان الصغير " فقال له الأخ : " صدقنى يا أخى لقد تلف كله" فقال له الكاتب : " لقد تلف كله " فقال له الكاتب : " لقد علمت بذلك الا أنى واثق بالله ، أنه قد أزهر أيضاً .. " فقال البستانى : " هلم بنا لنسقى " فقال الأخ " انطلق أنت أسبق في النهار وأنا أسقى في الليل " فلما صار القحط والجدب ، أغتم البستانى وقال لذلك الكاتب جاره " صدقنى ياأخى، إذا لم يعن الله ، فليس لنا في هذا العام ماء" ، فقال له الكاتب : " الويل لنا يا أخى أن جفت ينابيع البستان ، بالحقيقة لن يكون لنا خلاص أيضاً " . وكان يقول هذا قاصداً بذلك ينابيع الدموع .. فلما جاءت الوفاة للمجاهد القديس ، سأل جاره البستانى قائلاً : " أصنع محبة ولا تقل لأحد أنى مريض ، ولكن أمكث عندى ههنا اليوم ، وإذا أنصرفت إلى الرب فاحمل أنت جسدى ، واطرحه عاريا لتأكله الوحوش والطيور لأنه قد أخطأ قدام الله كثراً ، ولا يستحق أن يدفن " . فقال له البستانى : " صدقنى يا معلم أن هذا الطلب على أتمامه " فأجابه قائلاً : " لا تخالفني في هذا الطلب ، وأنى اعطيك عهداً، أن سمعت منى وعملت بى كما سألتك ، وأستطعت أنا القيام بما ينفعك" ثم انه بعد وفاته ، عمل به كما أمره في ذلك اليوم ، فطرح جسمه في البرية عارياً، لأنهما كانا مقيمين في مكان يبعد عن الحصن عشرين ميلا وفي اليوم الثالث ظهر له الأخ المنصرف للرب في الرؤريا وقال له : " يا أخى، يرحمك الله كما رحمنى، صدقنى أن رحمته عظيمة جداً، فلقد رحمنى الله بسبب بقاء جسمى غير مدفون وقال لى : لأجل تواضعك الكثير، قد أمرت أن تكون مع أنطونيوس، وقد طلبت إليه من أجلك أيضاً، لكن أذهب واترك البستان ، واهتم بالبستان الآخر، لأنى في الساعة التى خرجت فيها نفسى ، كنت أبصر دموع عيني وقد أطفأت النار التى كنت مشرفاً على المضى إليها " . + كان أخ فاضل مريضاً ، وإذا صلى مع أخيه قانونه تغلبه دموعه ، فيفوته من المزمور استيخن أو أكثر ، وفي أحد الأيام سأله أخوه أن يخبره بما ينتابه أثناء قراءة قانونه حتى يبكى ذلك البكاء المر . فقال : أغفر لى يا أخى فإنى أثناء قراءة القانون ، أبصر القاضي دائما، وأرى ذاتى واقفا قدامه وقوف المجرم، وهو يفحص أحوالي واسمعه قائلاً لى : لم أخطأت ؟ وإذ ليس لى جواب أحتج به إليه يستد فمى وعلى هذا الوجه يفوتني الاستيخن من الزمور، فاغفر لى لأنى أغمك. وأن كنت تجد راحة في أن يصلى كل واحد منا قانونه منفرداً، فافعل" فقال له أخوه : " لا يا أخى . لأنى وأن كنت أنا لا أبكى. ألا إلى في الواقع إذا رأيتك تبكى، أعطى الويل لنفسى وأعتبرها شقية" فلما أبصر الله تواضعه : وهب له أتضاع أخيه . + قال شيخ : ذهبنا مع أخوة إلى دير خارج الاسكندرية على بعد 15 ميلا ، فلقينا أنبا تودرى وقد كان رجلا كثير التعب في الرهبنة، ومعه موهبة الصبر، فحدثنا عن أخ كان ساكنا في القلالى الكائنة خارج الاسكندرية، وكان قد أقتنى له موهبة البكاء وفي يوم من الأيام أوجعه قلبه واعتراه بكاء كثير، فلما رأى كثرة البكاء، قال لنفسه : هذه علامة دالة على أن يوم موتى قد دنا فكان كلما تفكر في ذلك كان البكاء يزداد ويكثر كل يوم. فلما أنتفعنا من حديث الشيخ سألناه عن الدموع. " لأي سبب يا أبانا تأتى الدموع من نفسها مرة ولا تأتى من نفسها مرة أخرى؟" فقال لنا الشيخ : " الدموع مثل المطر والراهب مثل الفلاح ، فينبغى له إذا أبصر قد جاء ، أن يحرص ألا يفوته شئ منه بل يصرفه كله إلى أرضه، حقا أقول لكم يا بنى أنه ربما يكون يوم واحد ممطر أفضل من السنة كلها، فمن أجل ذلك أذا رأينا المطر قد جاءنا ، فلنحرص أن نحفظ أنفسنا ونتفرغ إلى التضرع إلى الله دائما، إذ لا ندرى هل نجد يوماً آخر مثل اليوم الذي جاءنا فيه البكاء أم لا " . فسألناه نحن أيضاً وقلنا : " أخبرنا يا أبانا كيف ينبغى للإنسان أن يحفظ ذلك البكاء إذا جاء ؟ " . قال لنا الشيخ : " من قبل كل شئ ، لا يتوجه ذلك الإنسان الذي يأتيه البكاء – في ذلك اليوم ، أو في تلك الساعة أو تلك السنة – الى إنسان ويتحفظ ألا يملاً بطنه وألا يستكبر في قلبه ، ويفضل أن يبكى وأن يتفرغ للصلاة والقراءة، فإذا جاء النوح فهو يعلمه الأمور التى تضره، والأمور التى تأتى به " . ثم حدثنا الشيخ وقال : " أنى أعرف أخا كان جالساً في قلايته يعمل في الضفيرة وكانت الدموع تأتيه بغزارة، فكان إذا رجع إلى العمل في الضفيرة بجمع عقله ويأتيه البكاء ، حتى في القراءة كذلك ، فإنه إذا أخذ الكتاب جاءه البكاء وإذا تركه ذهب عنه، حينئذ قال لنفسه : حسنا ما قاله الآباء: " أن النوح هو معلم الإنسان كل شئ ينفع نفسه " . (ز) طلب الرب في وقت الضيق + قال شيخ : " ألزم الصلاة في التجارب فإن الرب قد قال : " الله ينتقم لعبيده الصارخين إليه " . (ح) الاعتراف + قال أنبا أنطونيوس : " لا تنكر خطيئتك التى صنعتها لان أفضل ما يقتنيه الإنسان هو أن يقر بخطاياه قدام الله ويلوم نفسه " . (ط) طلب الروحيات + قال شيخ : " لتكن همتك في ملكوت السموات ، وأنت سريعا تخلص، وترثها " . + وقال مار أسحق : + لا تطلب الأمور الحقيرة من العظيم القادر على كل شئ لئلا تهينه. أسأل المواهب الكريمة من الله فينعم عليك بها. لقد سأل سليمان من الله الحكمة فأعطاه معها الغنى ودوام السلامة وسأل اسرائيل الحقيرات فرذل لأنه ترك تمجيد عجائب الله وطلب شهوى بطنه ، وأذ الطعام ، وأذ الطعام بعد في أفواهم أتى رجز الله عليهم كما هو مكتوب . + أطلب من الله ما يلائم مجده لتكون كريما عنده ولا تسأل الأرضيات من السمائي فقد كتب : أطلبوا ملكوت الله وبره وهذه كله يزاد لكم . + من يشتهى الروحيات، حتما يهمل الجسدانيات . + ليس شئ محبوبا لدى الله ، وسريعاً في استجابة طلباته، مثل انسان يطلب من أجل زلاته وغفرانها . + وقال أنبا موسى الأسود : أذكر ملكوت السموات لتتحرك فيك شهوتها . + قال القديس باسيليوس : " أن كان غير لائق أن نستشهد بانسان شريف على أمر حقير، فكم بالحرى الله تعالى " . |
رد: بستان الرهبان
بعد الصلاة (أ) استجابة الصلاة + قال أنبا زينون : " من يريد أن يسمع الله صلاته بسرعة ، فإنه إذا وقف يصلى، ليبسط يديه أولاً ، ويطلب من أجل أعدائه بضميره كله ، قبل أن يصلى من أجل نفسه ، بهذه الفضيلة يستجيب الله له في كل مسألة " . + قال مار أسحق : " كما أن شعاع النار لا يمكن أمساكه عن الطوع إلى فوق ، هكذا صلاة الرحيمين لا يمكن الا أن ترقى إلى السماء أما الحقود فيستثمر من صلاته ما يستثمره الزارع في البحر من الحصاد . (ب) الارتقاء بالفكر + قال شيخ :- " لتكن الأرض لك شبه السماء وأنظر لئلا تتفكر بالأرضيات وأنت قائم فيها. قيل عن الأب دقينوس أنه كان يبسط يديه بسرعة عند الصلاة ، فكان عقله يخطف إلى فوق، فإذا اتفق أن صلى معه أخوه، فأنه كأن يحرص على ألا يرفع يديه لئلا يخطف عقله . + وقال آخر : " في خدمتى وصلاتى لست أعرف تعباً، لأنه ليست فيها حركة من هو أى، بل أظل منصتا للروح الساكن في وأتلذذ، وهذا هو المقصود مما قيل : " أن الروح يصلى بدلاً عنا " . + وقال أبا اسحق : كنت جالسا في إحدى المناسبات مع أنبا بيمين فلاحظت أنه كان في حالة دهش عظيم. وبما كان لى من تأثير عليه طلبت منه بالحاح قائلاً : " فيم تفكر يا أبى ؟ " وبعد الحاح شديد أجاب قائلاً : " كنت أتأمل في موضع الصلب، حيث كانت القديسة مريم حاملة الإله، واقفة تبكى بجوار صليب مخلصنا ، كنت أتمنى أن أشعر بمثل هذا كل الأوقات. + ومرة جاء إلى أنبا سلوانس تلميذه زكريا، ووجده في حالةصلاة الدهش ويداه مرتفعتان الى السماء فخرج وأغلق الباب، ثم عاد في الساعة التاسعة فوجدة على نفس الحالة ، وعندما رجع نحو الساعة العاشرة وجده مازال على نفس الهيئة فطرق الباب ودخل ، فرآه في حالة صمت ثم قال له : " ماذا حدث لك اليوم يا أبي" أجاب الشيخ : " كنت أشعر بضعف ومرض يا أبي " . لكن التلميذ أمسك بقدميه وقال : " لن أطلقك أن لم تخبرنى بما رأيته " فقال له الشيخ : " عاهدنى أن لا تكشف الأمر لأحد قبل أن أنطلق عن الجسد وأنا أخبرك " ولما توسل إليه التلميذ أجاب الشيخ . " أختطفت إلى السموات ، ورأيت العظمة التى لربنا ومكثت هناك حتى الأن حيث طردت " . + ولما كان الأب سلوانس بطور سينا ، أرسل تلميذه في خدمة وقال الشيخ في نفسه : " أقوم الأن وأسقى البستان " فخرج وكان وجهه مغطى ، وما كان ينظر سوى أثره فقط ، وفي ذلك الوقت أتى أليه أخ ، زائر له ، وكان يتأمل ماذا يصنع ، في حين أن الشيخ لم يكن يبصره ، فلما جاء إليه الأخ ، قال له : " لماذا غطيت وجهك يا أبي تسقى البستان ؟ " فقال : " قلت لئلا تبصر عيناى الشجر، فينشغل عقلي عن شغله " . + ومرة كان هذا الأب جالساً مع اخوة ، وفجأة أخذ مبهوتاً وسقط على وجهه ، ومن بعد حين قام باكيا ، فقال له الاخوة : " ما الذي أبكاك يا أبانا ؟!" فسكت باكيا، فلما أكرهوه على الكلام قال : " أنى أختطفت إلى موضع الدينونة ورأيت كثيرين من جنسنا يساقون إلى العذاب، وكثيرين من العلمانيين منطلقين إلى الملكوت !" ، وناح الشيخ ولم يشأ أن يخرج من القلاية ، وإذا أكره على الخروج ، فإنه كان يستر وجهه ببرنس قائلاً : " لماذا أرى هذا الضوء ؟ ". |
رد: بستان الرهبان
التوبة حاجتنا إلي التوبة + سئل أنبا بيمن " ما هي التوبة ؟ " فقال : " الاقلاع عن الخطية وأن لا يعاود فعلها ، لأنه لذلك دعي الصديقون لا عيب فيهم ، لأنهم أقلعوا عن الخطية فصاروا صديقين " . + قال القديس مقاريوس الكبير : " كما أن الماء اذا تسقط علي النار يطفئها ويغسل كل ما أكلته . كذلك أيضا التوبة التي وهبها لنا الرب يسوع تغسل جميع الخطايا والأوجاع والشهوات التي للنفس والجسد معا" + قال القديس موسي الأسود : من كان حكيما وعمله بحكمة فلا ينبغي له أن يسلم وديعته من دون اعمال صالحة كي يستطيع الخلاص من تلك الشدة . فلنحرص اذن بقدر استطاعتنا والرب يعين ضعفنا ، لأنه قد عرف أن الانسان شقي ولذلك وهب له التوبة مادام في الجسد . + أيها الحبيب ما دامت لك فرصة فارجع وتقدم الي المسيح بتوبة خالصة ، سارع قبل أن يغلق الباب فتبكي بكاء مرا ، فتبلل خديك بالدموع بدون فائدة . أجلس وترقب الباب قبل أن يغلق أسرع واعزم علي التوبة ، فان المسيح الهنا يريد خلاص جميع الناس وأتيانهم الي معرفة الحق وهو ينتظرك وسوف يقبلك . + وقال مار اسحق : + بالحقيقة أن المعمودية والايمان هما أساس كل خير ، فيهما دعيت ليسوع المسيح لأعمال صالحة . بالأيمان يدرك العقل الأسرار الخفية كما يدرك البصر المحسوسات . + المعمودية هي الولادة الأولي من الله . والتوبة هي الولادة الثانية .. كذلك الأمر الذي نلنا عربونه بالايمان بالتوبة نأخذ موهبته . + التوبة هي باب الرحمة المفتوح للذين يريدونه . وبغير هذا الباب لا يدخل أحد الي الحياة لأن الكل أخطأوا كما قال الرسول : وبالنعمة نتبرر مجانا … فالتوبة اذن هي النعمة الثانية وهي تتولد في القلب من الايمان والمخافة . بر المسيح يعتقنا من بر العدالة ، وبالايمان باسمه نخلص بالنعمة مجانا بالتوبة . + سئل مرة مار اسحق : " ما هي التوبة ؟ " فقال : " قلب منسحق " + التوبة هي أم الحياة ، تفتح لنا بابها بواسطة الفرار من الكل ، نعمة المعمودية التي ضيعناها بانحلال سيرتنا ، تجددها فينا المعمودية بواسطة افراز العقل ، من الماء والروح لبسنا المسيح ولم نحس بمجده ، وبالتوبة ندخل النعيم ، وبنعمة الأفراز التي لنا نتطهر . العادم من التوبة خائب من النعيم المزمع أن يكون ، القريب من الكل بعيد عن التعزية ، اما المبتعد عن الكل بافرازه فهو تائب بحق ، توبة مع احاديث تشبه خابية مثقوبة . + مبدأ التوبة هو الاتضاع الذي بلا زي مشوش . + التوبة هي لباس الثياب الحسنة الضوئية . التوبة كثيرون يعدون ويتظاهرون بها ، وليس من يقتنيها بتحقيق الا المحزون ، وكثيرون يسرعون نحو الحزن ، فلا يجده علي الحقيقة الا الذي قد اقتني الصمت علي الدوام ، كل من هو كثير الكلام ويخبر بأمور عجيبة ، أعلم أنه فارغ من الداخل ، الحزن الجواني هو لجام الحواس . + من زل وأخطأ ، وعرف سبب مرضه فأنه بسهولة يشفي بالتوبة . عواقب الخطية . + قال الشيخ : " لا يوجد أرداً من الانسان الخاطيء ، لا الخنزير ولا الكلب ولا الضبع ، لأن هذه البهائم قد حفظت رتبتها . أما الانسان الذي خلق علي صورة الله ومثاله ، فانه لم يحفظ طقسه . " فالويل للنفس التي اعتادت الخطية ، فأنها مثل الكلب الذي اعتاد زهومات اللحامين ( الجزارين ) وقاذواتهم ، فهو يضرب ويطرد ، فاذا تخلي قليلا ، عاد ثانية الي الزهومات ؟، ولا يزال كذلك حتي يقتل " . |
رد: بستان الرهبان
التوبة المقبولة ( أ ) تحذيرات ونصائح للتوبة الطاهرة + من أقوال الشيخ الروحاني : + الذي يتوب عن سيئاته ولا يعود اليها أيضاً ، حتي ولو كانت قبيحة سمجة ، أكثر من خطايا السدوميين ، ويظهر من اجلها وجع قلب وندامة ودموعا ، وبالجملة يقطع منه كل الشرور ، فلو قته يولد من الروح القدس ، ويكون من أحباء الله الخصوصيين ، وبدالة يأخذ طهارة معتوقة من خزي المجرمين ، وتعاد اليه بتولية لم تتدنس البتة ، ويدعي زرعا الهيا لم يخطيء قط ، ويقبل في قلبه عربونا بثبات رجائه ، وتعطيه الرحمة الأبوية ثقة واتكالا ونسيانا للخطية بالكمال ، من قلبه كأنها لم تكن . + أيتها الرحمة الفائضة ، ما اوفرك يا من عطيت لنا نحن الموتي بالخطايا رحما مقدسا الذي هوالتوبة ، يلد بنينا جددا من عتق ، أطهارا من انجاس ، منيرين من مظلمين . من لا يعجب من رحمتك يا ربنا ، ومن لا يعترف لنعمتك يا من أتيت الي الميلاد لتلدنا من بطن التوبة علي شبهك كشبه مريم والدتك ؟ . السبح لك يا آب الكل ، يا من اعطيتنا أما جديدة بالميلاد الجديد ، وأن كنا بصبوتنا قد تنجسنا بكل نتن ، لكنها تجلي ، وتطهر ، وتطهر ، وتحسن ، وتغطي تحت أطرافها مثل المربية ، أولئك الذين ولدوا منها حتي يصلوا الي عندك محبوبين وأحباء ، ليكونوا آلهة وملوكا ، بنينا لربوبيتك . ( ب ) التوبة تطهر النفس + من اقوال الشيخ الروحاني : + أن كنت يا أخي تقول : " كيف تقدر التوبة أن تجدد الانسان الذي قد تدنس وفسد بالخطية ؟ " فأقول لك : اذكر تكوينه الأول ، ومنأي شيء صار ، أعني من شيء حقير وسمج في البطن الضيق المظلم ، وكما ركبت نعمة الهنا المادة المنتنة في البطن المظلمة مكملة تكوينه ، وأخرجته الي نور هذا العالم ، كذلك الذي أفسد طهارته بعد المعمودية بفعل الشيطان واتسخ بجميع جراحات الخطية النجسة ، بالميلاد من حضن التوبة الكئيب المظلم ، يخرج لنور عالم الروح ، الذي أخذ سره بالمعمودية المقدسة . + وكما أن ذلك السائل السمج ، ان رمي في ارض واسعة مضيئة ، ولم يدخل البطن الضيق المظلم ، يكون بلا منفعة ولا يتشبه بالذي ولده ، هكذا الذي تدنس بالخطية ، اذا لم يدخل البطن الضيق المظلم ( التوبة ) فأنه يكون بلا منفعة ، وغير متشبه بمن ولده من المعمودية المقدسة . وكما أن آدم الجسداني ، من حواء يولد له بنين بشبهه لعالمه الجسدي ، كذلك المسيح ، أب العالم الروحاني ، من المعمودية والتوبة ، يولد له بنين يشبهه للعالم الروحاني ، كما ينادي لهم رأس حياتهم قائلا : " توبوا ، فقد قرب ملكوت السموات " . + " فكيف نجدها أن كانت قريبة ؟ يا أبانا ارنا اياها " ، انها علي الباب اللطيف الضيق ، وكل من يصبر لصعوبته المظلمة ، ويخرج منه ، لوقته يلقي ملكوت النور ويتنعم ، وذلك الباب الذي لمدخل الحياة ، فأنه في أي بلد يوجد داخلكم ، وبابها هذا ، هو التوبة أن التوبة تعيد حياة المعمودية التي للغفران ، وكما ان السائل الحقير بالبطن المظلمة يقتني شبه اقنوم آدم كذلك فالانسان السمج بالخطية ، أن كان يدخل لكور غليان التوبة ، يجلي ويطهر ويقتني بالنعمة المجددة ، شبه حسن المسيح شعاع الاب . + التوبة هي أم الحياة وطوبي لمن يولد منها ، فأنه لا يموت وكما ينادي المسيح لخواصه بالتوبة ، كذلك يبعد الشيطان الناس عن سماع هذا النداء ( وبالشطارة ) واللهو يغطي قلوبهم . + التوبة هي ترياق لأوجاع الخطية القاتلة ، وعذاب عظيم للشيطان مضادها . انها تخلص وتعتق المسببين الذين سبوا بشره وأتعابه التي تعبها في سنين كثيرة ، تضيعها التوبة في ساعة واحدة ، والعبيد الذين بمشيئتهم اخضعوا حريتهم له ، تعيدهم الي مبراثهم ، وتعذب من خدعوهم . زرع الشوك الذي زرع بأرضنا ، وربي بحرص في سنين كثيرة ، في يوم واحد تحرقه ، وتطهر أرضنا ، حتي تعطي أثمار زرع فلاح المسيح ، ثلاثين وستين ومائة . الحصون التي بناها في زمان طويل ، ليسجن فيها اسراره ، الذين سبوا في الظلمة ، بقمر صغير يشع فيها تهدم ، ويشرق النور في وجوه الجالسين في الظلمة ،ورباطتهم تنقطع ، وأحزانهم تستبدل بالسرور ، ودموعهم بالفرح ، أما رابطهم ، فأنه يربط بسيور الظلمة ، ويسلم بأيديهم للعذاب . كل فلاحته تفسد ، وكل الأوجاع التي صنعها بغير عبيده ، تطيب وتشفي ، وكل قتلاه يقومون ، وكل فخاخه تتكسر ، وكل أشراكه تتقطع ، وتهيء الطريق قدام محبيه ، حتي يتقدموا بلا عثرة في طريق المسيح واهبها . + انها ( التوبة ) تجعل الزناة بتوليين ، كما تجلي النوراني الذي علاه الصدأ . انها من الماخور الي البرية تجتذب لعمل الملائكة ، والمضيئون الذين احتقروها تركتهم ، فنزولوا الي الجحيم السفلي . هي تدخل الي مخادع الزانيات وتجتذب الزناة ، وتلدهم من حضنها بتوليين للمسيح . ترد الكافرين الي الرسولية ، والرسل الذين نزعوها لبسوا الظلمة . انها لباس العالي ، وللابسيه تلبس مجد يسوع رداء . هي تجذب من الطرقات الي الملكوت ، ومن بين السياجات تدخل الي العرس . أنها من السوء تصون المضيئين ، وتجعل العميان مبصرين . هي تقلع الشجرة التي أثمارها سم الموت ،وشجرة الحياة تغرس بفردوسنا . هي حاملة براحتها طيباتالنعمة ، والذين نتنوا بالنجاسة أن قبلوها تطيبهم . أنها قائمة بباب الختن السماوي ، وكل من عبر بها استقبل وجهه بيدها ، ووضعوا أكليل العرس ، وكل من تطامن قدامها ، جعلته متكأ في الحجلة تمسك بيدها مفاتيح ملكوت السموات ، فكل من أحبها وعشقها جعلته أمينا . + هي هي ام النور ، وكل من ولد منها ، أنبتت له أجنحته من نار ، ومع الروحانيين يطير الي العلا ، وكل من نتف الصيادون ريشة ، واستتر تحت أحضانها اياما قلائل ، أخذ منها ريشا طيارا ناريا ، أفضل وأخف من الول . + هي هي ملحمة الطب السماوي ، ومن وضعها علي وجه برء لوقته لا تقطع بموسي ولا تصعب الأوجاع ، بالكلي بالرحمة التي هي مخلوط أدويتها ، وباللين تجبر الانكسار . سم الموت واللهو والشغب ، هذه بيد الشيطان ، أما التوبة فهي ترياق الحياة بيد الله ، وكل من سبق وشرب من اكس القاتل يتقدم ويشرب من كأس المحيي للكل ، فيعيش بلا نهاية . أنها تزور الأموات ، وكل من بلعه الموت ، ودنا من احضانها ، شقت الموت واخرجته من جوفه . تري فاقدي البصر كل يوم يبكون علي بابها ، فتجذبهم وتريهم نوح الفرح . تري القتلي الذين قتلهم الشيطان ، وتستدعيهم لتقيمهم قيامة متقدمة . هي خزانة بني مخلصنا ، وفيها يحفظ جميع غني اعمالهم . هي بحر لغسل جميع النجسين ، وكور غليانه يجلي كل من علاه الصدأ . هي نار محرفة للزوان ، ومياه تربي الزرع المقدس . وهي فردوس يطيب الخوص , وتهدم جميع العصاة . انها ارض تربي بني النور ، والمطهرة بيدها من يتجنس . هي قابلة ( داية ) لاجنة بني العلي ، ومربية لتابعي المسيح . انها حصن تحفظ كل ما بداخله ،وجبار يرد كل من سبي . هي هيكل للأمم الطاهرة ، ومنها يأخذون قدسا لقديسهم . هي بيت وملجأ للأشقياء ، فتجعلهم وارثين للملكوت . هي خزانة لجميع الكنوز ، فكل من قرع بابها ، أخذ منها حاجته . هي والدة لم يجف حضنها ،وكل من كان عاقرا وقرب منها، أخذ له منها أولاا محبوبين . هي بوابة قائمة بباب الخالق ، وكل من وجب عليه لحكم وتقرب سائلا أياها ، دخلت وحلته ، بيدها موضوع رشاش الماء ، وبلوغ ادرار المطر ، فمن دخل والتجأ اليها فتحت وأروته ، أنها تقوم بباب الله . وكل الخيرات التي تخرج من عنده ، تجتذبها لخواصها . هي شفيعة المسبيين ، فاذا تقدموا وسألوها تقوم لحمايتهم وتعتذر نيابة عنهم فمن ذا الذي لا يحبك أيتها التوبة ، يا حملة جميع التطويبات ، الا الشيطان لنك غنمت غناه ، واعت كل ما اقتناه ، وجعلته فقيرا معذبا منكسبه ، وفارغا من الارث الذي سباه بغير حق . ذاك هومبغضك بالحق ، لأنك دائما تضادينه ، فما من انسان وقع بين يديه ، ولحقتيه ، وصار وتخلصينه ، كما أنه ما من أحد بلعه ، فصرخ نحوك ، الا وشققت بطنه وأخرجتيه ، وما من شخص ربطه ، ودعاك ، الا وعاجلا قطعت اغلاله وحللتيه . وما من انسان صاده وأنت بعيدة ، ودعاك ، الا وبسرعة لحقت به وخلصتيه . من أجل هذا ، هو يبغضك ( الشيطان ) لأنك بالاكثر أبغضتيه . يبغضك لأنك كل حين تقفين ضده . يبغضك لأنه باغض لمعطيك ، وأنت أيضاً ضده كما أن صاحبك ضده كذلك . + ليس من تمسك برجائك ، ونزل الي الجحيم ، ولا من صعد الي السماء بدونك . من يري الله بغيرك ؟ من تمسك برجائك ووقع في يد الشيطان . ومن تطهر ولم تكوني انت التي غسلتيه ؟ من تقدم لمطهرتك ، ووجدت فيه نجاسة ؟ من الذي سقي زرعه من مطرك ، ولم يحصد منه أثمار الفرح ؟ من ذا الذي تقدم لطلبك ، ولم يكن بعيدا من كل العاهات ؟ ومن صبغ كل ساعة وجهه بقطراتك ، ولم يبصر الله في قلبه . من ذا الذي عدم تذوق مشروبك ولم يبصر قلبه ينبوع الظلام ؟ من نال طلباته ولم تكوني أنت التي رفعت من شأنه ؟ من اتخذك شفيعة ولم تفتحي أمامه أبواب خزائن الله ؟ ليس من أخذك معه في القتال ، الا وأسلمت أعداءه تحت حريته ، ليس من لبسك مقابل مضاديه ، الا وانهزم قدامه باغضوه . + انت خلصت داود من الخطية ، وانت التي وقفت في وجه آخاب الكافر صعد الحكم علي أهل نينوي بالهلاك ، ولكنك تجبرت وقمت وخلصتهم . مباركة أنت يا ام الغفران ، يا من أعطانا اياك الآب المملوء رحمة ، لا يغضبك اذا طلبت اليه – لأنه اعطاك أن تكوني شفيعة للخطاة ، لا يغلق بابه أن سالتيه ، سلم لك مفاتيح الملكوت . + لقد اقترب الملكوت ، فتوبوا . فها هو الخاتم الذي يأخذه الوارثون للملكوت ، توبوا فقد قرب الملكوت ، الجيل القديم الذي لم يشرب مشروبك خنقه سخط الطوفان . سادوم التي لم ترد أن تقبلك ، احرقتها النار السماوية فرعون الذي طردك من عنده ، تعذب في الأمواج الخانقة . + أنها ( التوبة ) ترد الأتعاب التي ضيعها الشيطان ، وتعطي العطايا السماوية . هي التي تجدد البتولية التي اتسخت ، وتحفظ بلا عيب تلك التي لم تفسد بعد . المسيح جاء وخلصنا ، وبصوته نادانا قائلا : " توبوا فقد أقترب الملكوت : له المجد الي الأبد أمين . ( ج ) متي يؤهل الانسان لمغفرة الخطايا ؟ + قال أموس : " توجد ستة ضربات للتوبة : ذم الخطايا والاقلاع عنها ، الاقرار بها الندامة عليها ، الصفح عن خطايا القريب ، ترك دينونة المخطئين ،وتمسكن القلب " . + قال القديس مسكيموس : " لا تحتمل الأفكار التي تغفر لنا الخطايا اذ أن الرب امرنا أن نتحفظ منها قائلا : " تحفظوا من النبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ومن داخلهم ذئاب خاطفة " ، لأنه ما دام فكرنا منزعجا من الخطية ، فلا نكون قد حظينا بالصفح عنها والغفران ، لأننا ما عملنا أثمار التوبة، لأن ثمر التوبة هو عدم انفعال النفس ، وعدم انفعال النفس هو تمحيص الذنوب ، فاذا كنا نوجد وقتا ما قلقين من الآلام فلنتب اذن توبة نقية ، كيما اذا انعقتنا من الآلام نحظي بالصفح عن الذنوب " . سؤال : " كيف تتحقق النفس أن الله قد سامحها من خطاياها ؟ " الجواب : " اذا ما نظرت ذاتها في طبقة ذاك القائل " لقد أبغضت الظلم ورذلته وناموسك أحببته : ، والقائل أيضاً : " أنا أسبحك برحمة وحكم " فلنعمل عمل التوبة ، لنظهر حكم الله العادل ، ويتم فينا رحمته اذ يغفر الخطايا ؟ " سؤال : متي يثق الانسان بأنه استحق وأهل لمغفرة الخطايا ؟ " الجواب : " اذا ما أحسن في نفسه بأنه قد أبغضها بالكمال من كل قلبه ، وبدأ يصنع ما يضاد تصرفه الأول بالظاهر والخفي ، فمن هو هكذا ، فله ثقة بغفران خطاياه من الله ، وذلك بشهادة الضمير التي قد اقتناها في نفسه ، حسب قول الرسول : " لأن القلب الذي لا يلوم فيه ، هو الشاهد علي نفسه " . + والي أنبا زينون ، وقال له : " هل يكون غفران لكل خطيئة ؟ " أجاب الشيخ قائلا : " ان تاب الانسان بقدر خطيئته ، فأنه يحظي بالغفران " . وكان السائل يعلم أن خطيئته عظيمة . فقال للشيخ : " لكني أعجب أن لخطيئتي غفرانا: قال له الشيخ : " قد قلت ان لمل خطيئة غفرانا أن كانت التوبة بقدر الخطيئة ، فأخبرني يا أبني بخطيئتك ولا تخجل ، ولا تكتم عني شيئا ، لأن الذي يخجل أن يقر بخيئتم ولا تخجل ، ولا تكتم عني شيئا ، لأن الذي يخجل أن يقر بخطيئته ، لا ينال البرء منها " . فقال : " يا ابي ، اني لما كنت علمانيا ، نمت مع امي " . قال له الشيخ : " حقا انك فعلت خطيئة قبيحة ، ولكنك ان تبت مقابلها فأنا أؤمن أن الله يغفر لك " . فقال الأخ : " مرني بما أفعله " فأخذه الشيخ الي البستان وأراه أصل شجرة يابسا ، وقال له : " اذهب الي البرية الي المكان الفلاني ، وكن صائما هناك ، ولا تتوان في صلاتك ، وبعده سنة ، تأتي الي ههنا فأن رأيت هذا الأصل اخرج قلوبا ، فتحقق ان الله قبل توبتك " . + فذهب الأخ الي الموضع الذي رسم له ، وصنع كما امره الشيخ ، ولما أكمل السنة أتي فأبصر واذ الأصل علي حاله ، فأعلم الشيخ أن الأصل لم يزل يابسا . فقال الشيخ : " اعلم ان توبتك لم تكمل بعد ، فاذهب واهتم بنفسك هذه السنة أيضاً " . فمضي وبعد سنة رجع الي الشيخ ، ولكن الأصل لازال علي حاله . فقال له الشيخ : " اذهب أيضا واهتم بحسياتك ، ولا تتوان في صلاتك " . وفي السنة الثالثة ، رجع وابصر الأصل ، واذ به قد أخرج قلوبا .فأتي وأعلم الشيخ . فقال له الشيخ : " هوذا أنت قد صرت مصححا " ها أنت قد برئت أي غفرت خطيئتك " ، فلا تخطيء فيما بعد " فذهب شاكرا الله علي عظيم رحمته .. + قصة القسيس الذي كان في القسطنطينية وزني : كان بالقسطنطينية قسيس خدعه الشيطان فزني ، وبعد يومين فكر في خطيئته وخطر بباله ساعة الموت المفزع ، وخشي من يوم الدينونة الرهيب فبكي علي نفسه قائلا : " الويل لي أنا الشقي المدني مضجعي . ماذا أعمل لأنال الغفران والصفح عما حصل من الآثام … " فألهمه الله الرحوم الذي لا يشاء موت الخاطيء أن يمضي الي جبل او لينس ويعترف لبعض الآباء بخطاياه . فلما مضي ووجد شيخا قديسا اعترف له بجميع غلطاته وزناه . فقال له : يا ولدي وبعد ان وقعت في هذا المرض الرديء جسرت أن تكهن . فقال له نعم : يا أبي . فقال الشيخ : اعلم يا ابني ان الكاهن بعد أن يقع في هذا الألم ما له دواء سوي ان يتخلي عن الكهنوت ويتوب توبة خالصة . فأما بعد زناه أن هو جسر وكهن فما أظن له دواء . فقال له : يا أبي أما بقيت لي توبة ؟ فقال له الشيخ : اغفر لي من اجل الرب يا ولدي ، لأني من أنا حتي أحكم في ذلك ، واسمع وأقرأ وأميز ، يا ليتني قدرت أن أبكي علي خطاياي . فسجد له ومضي حزينا . وفي مضيه من عنده لقي الأب بطرس . فلما رآه حزينا سأله عن سبب حزنه فأعلمه بما حدث ، وأن الشيخ قد أوقعه في اليأس . فأجابه بطرس العجيب : علي حسب ظني يا ولي ما توجد خطيئة تغلب محبة الله للبشر . فهلم معي الي قلايتي نتفاوض في ذلك والله يدبرنا بما يشاء . فلما حصلا في القلاية اعترف له بزناه ز فقال له الشيخ : حقا ان الزنا للقسيس أمر صعب وهو ثقيل غير لائق به . ولكن اذ قد صار ماذا تعمل ؟ انت من الآن لا تكهن الا أن تتوب نقية وأنا أرجو من خيرية الله سيدنا يسوع المسيح أن يقبل توبتك مع التائبين كلهم . فلما سمع القسيس ذلك خر علي وجهه ساجدا له قائلا : اذ قد أرشدني الله الي قدسك فما أبرح من عندك . فلما رأي الشيخ دموعه وقلبه المنسحق قال له : ان شئت أن تكون عندي فما أبعدك . لأن الرب قد قال : " من قبل الي لا أخرجه خارجا " . ثم وعظه ورهبه وألبسه الاسكيم . وكان معه تائبا صامتا مستعطفا الله . وكان للشيخ موضع سفلي تحت قلايته . وبعد زمان سأله أن يمكنه من سكناه فأجاب سؤاله ومكنه من ذلك . فمضي وأخذ سلسلة وعلقها في رقبته وسمر طرفها في رقبته وسمر طرفها في الحائط . ولما تخلف عن الشيخ مدة ثلاثة ايام نزل اليه . ولما رأي أنه مربوط بالسلسلة فسأله أن يفكه منها بل يدعه يموت مغلولا بها . قال له الشيخ ما يجب هكذا فحله منها . وصلي وفي صلاته أسلم روحه . + قوتل اخوان بالزني ، فانطلقا الي العالم وعاشرا نساء ، وبعد ذلك ندما وقال بعضهما لبعض " ماذا ربحنا ، لقد تركنا عمل الملائكة وجئنا الي هذه النجاسة ، ومصيرنا بعد ذلك أن نمضي الي جهنم النار ، لنرجع الي البرية أجلهما ، فأمروهما أن يحبسا نفسيهما سنة واحدة ويتضرعا الي الله كي يتحنن عليهما وكانوا يعطوهما خبزا وماء بالتساوي . فلما انقضي زمان توبتهما وخرجا من حبسهما ، أبصر الشيوخ أحدهما متغير الوجه معبسا ،وأبصروا الآخر حسن المنظر باشا ، فعجب الآباء من ذلك ، لأن حبسهما وطعامهما كان واحدا ،ولكن منظرهما ليس بواحد . فسالوا المتغير الصورة : " ماذا كان تفكيرك اثناء مدة حبسك ؟ " فقال : " كنت أتذكر الشرور التي عملتها ، والعذاب المعد لي ، ومن شدة فزعي لصق لحمي بعظمي " . ثم سألوا الآخر : " وانت ماذا كنت تفكر وانت جالس في حبسك " فقال : " كنت أشكر الله الذي خلصني من نجس العالم ومن العذاب الدائم ، وانعم علي بأن أعمل عمل الملائكة ، وعلي ذلك كنت أفرح " فقال الشيوخ : " أن توبة كليهما واحدة عند الله " . + سأل أخ القديس انبا انطونيوس قائلا : " ماذا اعمل لكي أجد رحمة الله : . فأجاب القديس : " كل موضع تمضي اليه اجعل الله بين عينيك ،وكل عمل تعمله يكون لك عليه شاهد من الكتب . وكل موضع تسكنه لا تنتقل منه بسرعة . احفظ هذه الثلاثة تجد رحمة . |
رد: بستان الرهبان
كيف اتوب ؟ ( أ ) الحذر من اليأس + قال القديس انطونيوس " كثيرون يسقطون ثم يقومون الي حالة من الصحة والاستقامة ولكن يوجد من يسقطون من أعمال صالحة الي أشياء دنسة ونجسة ، فالذي يسقط ثم يقوم أفضل من الذي يقوم ثم يسقط . + قال ما أسحق : اذكر عظم خطايا القدماء الذين سقطوا ثم تابوا ومقدار الشرف والكرامة اللذين نالوها من التوبة بعد ذلك لكيما تتعزي في توبتك . + قال القديس موسي الأسود : الذين يريدون أن يقتنوا الصلاح وفيهم خوف الله فأنهم اذا عثروا لا ييأسون بل سرعان ما يقومون من عثرتهم وهم في نشاط واهتمام أكثر بالعمال الصالحة . + قال الأب أبيفانوس : " ان الله يترك للخطاه رأس المال ازاء توبتهم ، مثل الزانية والابن الشاطر ، فأما الصديقون ، فأنه يطلب منهم رأس المال مع ربحه ، اذ قال له المجد لتلاميذه : " ان لم يزد بركم علي الكتبة والفريسييون فلن تدخلوا ملكوت السموات . + قال أنبا ايليا : " أي مقدرة للخطية حيث تكون التوبة " . + سئل شيخ : " ان كان الله يقبل توبة الخطاة . فرد علي سائله قائلا : " أخرني أيها الحبيب لو أن ثوبك تمزق ، فهل كنت ترميه ؟ قال : " لا ، ولكني أخيطه وألبسه : . فقال الشيخ : " ان كنت أنت تشفق علي ثوبك الذي لا يحبا ولا يتنفس ، فكيف لا يشفق الله علي خليقته التي تحيا وتتنفس ؟ . + سأل احد الاخوة الأب بيمين قائلا : " يا أبي ، ان وقع انسان في خطيئة ورجع ، فهل يغفر الله له ؟ " فقال له الشيخ : " ان كان الله قد أمر الناس بأن يفعلوا هذا ، أفما يفعله هو ؟ نعم ، بل وأكثر بما لا يقاس ، اذ هو نفسه الذي أوصي بطرس بهذا عندما. قال له : أن اخطأ الي اخي سبع مرات أأغفر له ؟ فقال له سيدنا المتحنن : " لا أقول لك سبع مرات بل الي سبعين مرة سبع مرات . + سئل القديس باسيليوس : " كيف يكون حال من صعب عليه اتمام قانون التوبة ؟ " فأجاب وقال : " حال ذاك يجب ان تكون حكاتل ابن مريض وفي شدة الموت بالنسبة لأبيه الخبير بصناعة الطب والذي يرغب في مداواته ، فلمعرفته بصعوبة وصف الأدوية والتعب الكثير في ثناعتها ، وبخبرة أبيه في الطب ، ولأن قلبه يطيب بمحبة أبيه له ، ولرغبته كذلك في الشفاء ، فكل هذه العوامل تجعله يرسخ لمداواته فيمكنه من نفسه أن يتداوي ويحيا ، كذلك يصعب عليه قانون التوبة ، فليترك الأمر بين يدي معلمه " . + سأل أخ الأب شيشوي قائلا : " ماذا أفعل يا أبتاه ، فقد سقطت ؟ قال له الشيخ : " انهض أيضاً قال الأخ : " نهضت ثم سقطت ثانية : ، فأجابه الشيخ : " أنهض أيضاً " ، فقال الأخ " " الي متي أيها الأب ؟ " فقال له : " الي أن يؤخذ ، أما في الخير واما في السقطة ، لأن الانسان فيما يوجد فيه يؤخذ " . + قال بعض الشيوخ : " احرص بكل جهدك لئلا تسقط ، لأن الوقوع لا يليق بالمجاهد القوي ، فان عرض لك أن تقع ، للوقت اطفر واستمر في الجهاد ، ولو عرض لك ربوات من المرات لتربح النعمة ربوات من الدفعات ، وليكن ذلك – أعني النهوض والقيام – الي حين موتك ، لأنه مكتوب : ان سقط البار سبع مرات في النهار – يعني طول الدهر السباعي – فأنه يقوم سبع دفعات ، انك تحسب مع القائلين ما دمت ممسكا بسلاح التوبة بدموع ، فتذرع بهذه الوسيلة الي الله لأنك وان سقطت ، فانك تمدح بالاكثر ما دمت ملازما للرهبان ، مثل جندي شجاع يقبل الضربات مواجهة ، حتي ولا في حال ضربهم اياك أن تتراخي ووباعد ، ولكت أن انفصلت عن الرهبان فانك تضرب علي ظهرك كهارب جبان طارح سلاحه " . + قال شيخ آخر : " اني رأيت قوة النعمة الالهية الحالة في عماد النور – هي كما هي – حالة في وقت التسربل بالزي الاسكيمي ، أما الذي يطرح عنه زي الرهبنة فلاحظ له مع المؤمنين ، بل سوضع مع جاحدي الايمان ، ويعاقب متي لم يتب الله توبة من كل قلبه " . + قيل عن اخ : " أنه وقع في تجربة ، ومن الشدة ترك اسكيم الرهبنة ، لكنه رجع وندم ، وأراد أن يبدأ في تدبيره الأول فساعده الرب ولم يتركه حتي خلص من مناصب العدو . توبة امرأتين وحدثنا ( شيخ ) عن أحد الأساقفة ، أن أقواما علمانيين ، عرفوا الأسقف عن أمرأتين مؤمنتين ، يتصرفان في غير سيرة العفة . فتألم الأسقف بسببهما ، وأدام التضرع الي الله اسمه طالبا اليه أن يعرفه حقيقة ما قد سمع ، فنال ذلك . وهو انه بعد القداس ، أبصر نفوس الذين تقدموا لينالوا الأسرار الالهية ، وتأمل كل واحد وأبصر وجوه الخطاة سوداء ، ومنهم من كان محترقا ، ومنهم من عيناه كمثل النار مبقعة بلون الدم . ورأي آخرين وجوههم بهية ، وأفواههم بيضاء . ورأي قوما لما أخذوا جسد ربنا أضاءت أجسادهم . وكان فيهم آخرين مضيئين , وأذ أخذوا جسد ربنا أضاءت أجسادهم . وكان فيهم قوم من أصحاب السيرة الرهبانية وآخرين من أصحاب السيرة الزوجية ثم تقدم الي النساء ليعطيهم السرائر المقدسة ، فرأهن عليتلك الحال . واذ نظر الي المرأتين اللتين ثلبوهما عنده . وعند دخولهما ليأخذا جسد المسيح صارتا أيضاً لامعتين بضوئهما . فعاد الأسقف الابتهال الي الله طالبا أن يعرفه معني ما كشفه . واذ ملاكا ظهر له وقال : أما المرأتين اللتين عرفوك بهما ، فان الذي قيل عنهما صحيح .وأنهما فكرتا في خطاياهما ورجعتا الي الله بقلب صالح متضع ، وابتعدتا عن خطيئتهما ورجعتا بالدموع والسهر والتضرع والاقرار بالخطايا . فقبل الرب توبتهما ، وانهما في طريق العفة والصدقة والمحبة لله . فقال الأسقف للملاك : " أنا متعجب كثيرا ، ليس من انتقال المرأتين ، لأن هذا قد صار لكثير من الناس . لكن تعجيبي من موهبة الله اذ لم يجلب عليهما العقوبات فقط ، لكنه أهلهما لمثل هذه النعمة . فقال له الملاك : أمنا أنت فانك انسان وأما سيدنا والهنا فهو بالطبع صالح ومتحنن علي الذين يكفون عن خطاياهم ويرجعون اليه ساجدين معترفين ، ليس من شأنه ان يرسلهم الي العذاب ، يسكن عنهم رجزه وغضبه ويمنحهم كرامته لأنه أحب الناس هذا الحب حتي بذل ابنه الحبيب من اجلهم . وأن كان أهل العالم أعداء له ، اختار ان يموت عنهم أفما يليق به علي الأمر الأكثر اذا رجعوا وندموا علي ما فعلوه ان يزيل عنهم العقوبات ويهب لهم الخيرات المعدة . وأعلم أن رحمته تغلب علي خطايا البشر ، اذا عادوا وتابوا عنها لأنه لم يزل رحوما عارفا بضعف البشر ، فلذلك مغفرته واسعة . فقال الأسقف : اشتهي ان تعرفني اخترف وجوه الشعب عندما أتوا لأخذ الأسرار المقدسة . فقال الملاك : أما الذين وجوههم بهية فهم أصحاب العفة والطهارة والعدل ، وهم ودعاء ورحومون .وأما المسودو الوجوه فهم أصحاب الزنا والفسق .وأما الذين وجوههم وعيونهم مبقعة ، فهم اصحاب الخبث والضجر والوقيعه والافتراء . ثم قال الملاك للأسقف : ان كنت تؤثر خلاصهم ، فعرفهم بعظاتك وردهم الي التوبة . لينتقلوا من سوء الاعمال الي سيدنا يسوع المسيح الهنا ، الذي مات عنهم وقام من الموت ، واجتهد واحرص في العناية ، وعلمهم ان لا يقطع أحد منهم أيامه من رحمة سيدنا يسوع المسيح الذي له المجد الي ابد الآبدين . + حدث مرة أن اتي القديس بولس البسيط تلميذ الأب أنطونيوس الي الاسقيط . لافتقاد الأخوة كعادته ، ولما دخلوا الكنيسة ليكملوا القداس ، كان يتأمل كل واحد من الداخلين ، ويعرف الحال التي عليها نفسه ، وكان يري مناظرهم بهجة وملائكتهم تتبعهم مسرورة . وعاين احدهم أسودا كله ، وشياطين سمجة محتاطة به يجرونه ، وملاكه يتبعه من بعيد عابسا ، فلما رأي ذلك بكي وقرع صدره مرات ، وخرج من الكنيسة باكيا ، فخرج اليه الاخوة قائلين . لماذا تبكي يا أبانا ؟ وطلبوا اليه أن يدخل معهم للقداس ، فأمتنع وجلي علي باب الكنيسة منتبا جدا ، ولما كملت الصلاة وخرجوا كان يتطلع اليهم أيضاً ، مؤثرا أن يعرف خروجهم فرأي ذلك الأخ الذي كان قد دخل علي تلم الخال السمجة ، محتاطة به يجرونه ، وملاكه يتبعه من بعيد عابسا ، فلما رأي ذلك بكي وقرع صدره مرات ، وخرج من الكنيسة باكيا ، فخرج اليه الأخوة قائلين : لماذا تبكي يا أبانا ؟ " وطلبوا اليه أن يدخل معهم للقداس ، فامتنع وجلس علي باب الكنيسة منتجا جدا ، ولما كملت الصلاة وخرجوا كان يتطلع اليهم أيضاً ، مؤثرا أن يعرف خروجهم فرأي ذلك الأخ الذي كان قد دخل علي تلك الحال السمجة ، قد خرج بهي وهم مكمدون ، أبيض الجسم ، وملاكه ملاصق له مسرور ، والشياطين يتبعونه من بعيد وهم مكمدون ، فصفق القديس بولس بيده مسرور ، ووثب بفرح عظيم مباركا الله أبا الصلاح . بصوت عالي قائلا : " هلموا أبصروا أعمال الله الموهوبة المستحقة كل ذهول وعجب ، هلموا أبصروا أعمال الهنا الصالح الذي يشاء خلاص كل الناس ، ومحبته للبشر التي لا يلفظ بها ، هلموا نسجد ونخر قائلين : " انت وحدك يا الهنا قادر أن تنزع كل خطية " فحضر الكل لسماع اقواله ، فأخبرهم بما ظهر له ، وسأل ذلك الأخ أن يعرفه السبب الذي من أجله وهب الله له تبديل تلك الحالة النقية ، فقال بمحضر من الكل : " أني منذ زمان طويل عائش في النجاسة الي أبعد غاية ، فلما رأيت الأب باكيا جدا ، ابتدأ قلبي في أن يتخذ احساسا ، فأنصت الي القراءات ، فسمعت أشعياء يقول : " أغتسلوا صيروا انقياء ، أزيلوا شروركم من امامن عيني ، تعلموا أن تصنعوا حسنا ، وتعالوا نتناظر يقول الرب ، أن كانت خطايكن كالبرفير تبيض كالثلج وان احمرت كالبقم ( كالدودي ) . أجعلها كالصوف النقي " فلما سمعت أنا الخاطي هذا الكلام ، ضعف قلبي وقلت أمام الله ، أنت الاله المتحنن الذي اتيت لخلاص الخطاة ، يا من قلت : " أنه يكون فرح في السماء قدام ملائكة الله ، بخاطيء واحد يتوب" ، والآن ياربي ، ما وعدت به بفم نبيك تممه في أنا الخاطي ، واقبلني تائبا ، وها أنا منذ الآن لا أصنع شيئا مما كنت أصنعه من الآثام ، وسوف أخدمك بكل طهارة الي ىخر نسمة من حياتي ، وعلي هذا العهد خرجت من الكنيسة " . فلما سمع الآباء ذلك صرخوا بصوت واحد . قائلين : " لقد عظمت أعمالك يارب ؟ كلها بحكمة صنعت " .ومن ذلك الوقت عاش ذلك الخ بكل نقاوة وأرضي الله بسيرة فاضلة ، فعلينا ألا نقطع رجاءنا من مراحم الهنا ، لننا اذا أتينا اليه ، لا يطالبنا بسالف أعمالنا ، لأنه كوعده الصادق يغسل الراجعين اليه بكل قلوبهم ويبيضهم كالثلج له المجد دائما . + كان قسيس القلالي : قد أعطي نعمة من الله أن ينظر الأرواح النجسة عيانا ، وكانوا يخافون منه ، وذات يوم بينما كان ذاهبا الي الكنيسة الجامعة ، واذا به ينظر جماعة من الشياطين خارج قلاية أخ فوجد بعضهم في شكل نساء يرقصون ويغنون غناء مطربا ويقولون مالا يجب سماعه ، ووجد البعض منهم في شكل صغار يرقصون ، والبعض الالآخر مختلفين في أعمال رديئة ، فتنهد الشيخ قائلا : " بلا شك أنه يوجد في داخل هذه القلاية راهب في أتون نار ، بسبب هذه الرواح النجسة المحيطة بقلايته ، فلما أكمل القس صلاته في الكنيسة ورجع – اذ أن النجسة المحيطة بقلايته ، فلما أكمل القس صلاته في الكنيسة ورجع – اذ أن الصلاة هي بدء كل عمل – قرع باب قلاية بعضها ، وجلسا ، ثم بدأ الشيخ المبارك الممتليء نعمة . يقول للأخ : " أيها الأخ ، اتيت اليك لعلي أجد عندك راحة ، لأن القلاية التي أنا مقيم فيها قد أمتلأت بالشياطين ، وقد أغتصبوها مني ، لأنهم وجدوا راحتهم داخلها ، لأني كل يوم في طاعتهم ، صانعا لهم ما يريدونه ، ولما كان هذاالنهار ، ما استطعت ان ابقي معهم بسبب سوء عملي ، فأنا أسألك أيها الأخ الحبيب منأجل المسيح أن تصلي عني كل يوم صلاة ، لعلي أجد راحة ، فقد أوشك الرجاء أن ينقطع مني " فلما سمع الأخ كلام الشيخ ، لكم علي وجهه ، واثار التراب علي رأسه . وقال له : " أيها الشيخ ، أنت مصباح البرية وضياؤها ، وتقول لي هذا الكلام ، آه لو علمت ما أنا فيه ، وبدأ يخبر الشيخ ، فبسرعة ضرب له الشيخ مطانية راجيا منه ألا يذكر قدامه شيئا ، لأن الكلام الرديء يخفض القلوب المستقيمة ، وينجس الأسماع حينئذ كف الأخ عن الكلام وقبل مطانية القس ، ولما من عنده قام الأخ يصلي علي الشيخ ، وبدأ يقول لنفسه : أيها الشقي ، أنت قائم لتصلي . وينوح ويضرب المطانيات ويذرف الدموع الغزيرة ، وأقام علي هذه الحال أسبوعا ، وفي السبت التالي ، مضي القس الي البيعة وعبر علي باب قلاية الأخ فوجد الشياطين قياما علي بابها غير قادرين علي دخولها ، ويهتمون بهدم أسوارها ، فعلم القس أن الأخ قد نجح في الصلاة ، ففرح وقرع باب قلاية الأخ ، فخرج الأخ وقد فلما بدأ الشيخ بالسؤال عن حاله ، لم يفتح فاه من الحزن والكآبة ، وكان يقول :" أتري يا ابي هل أعود فأحسب منالرهبان ، طيب النفس لتناول الأسرار المقدسة ، فرحان القلب ؟ ويلاه ، متي يعود يبني ما قد أنهدم ؟ وما ابعد الطريق علي ؟ بهذا الكلام كان يجاوب الشيخ ن ولا يدري ما كان يهدف اليه الشيخ فخرج الشيخ من عنده وهو يقول : تباركت يارب اله الجنود السمائين والرضين ، لأنك تقبل الخاطيء اذا رجل بتوبة نقية ،وتعده أفضل من الذي قضي عمره كله في مرضاتك " ، وأقام الأخ علي مثل هذه الحال أسبوعا آخر ، فعند وقوفه علي باب قلاية الأخ ، وثبت عليه الشياطين الذين تحالفوا علي مقاتلة الأخ ، وقطعوا ثياب الشيخ ونتفوا شعر الحيته قائلين : اما يكفيك أن قلايتك لا نستطيع العبور عليها ، حتي ولا علي جيرانك ، وأخ أحد لنا في هذه الجملة ، جعلته عدوا عظيما يتعدي علينا النهار كله والليل ، قد أحرقنا شرار صلاته ، فلاما تركوه هكذا ، قرع باب قلاية الأخ ووجده متعبا ، فلما اراه حالته سأله الأخ قائلا : " ايها القس ، من الذي صنع بك هكذا ؟ " فأجابه قائلا : " انهم أصدقاؤك الآن " وبدأ يشرح له من أول عبوره عنده لغاية تلك الساعة ، ولما علم الأخ بحقيقة الحال ، شكر الرب الذي افتقده علي يد القس ، وهكذا انصرف الشياطين باكين حزاني ، وبمعونة الرب وصل الي طقسه الأول وأكمل قانونه المقدس . + وقال القديس برصنوفيوس : حدث مرة لأخ أن آذاه اللصوص ، فخاف جدا وبمعونة الله خلص ، فأخبر الشيخ عن انزعاجه وسأله ان يصلي عليه . فقال الشيخ : " يا ولدي : ان الله لا يتركنا أن لم نتباعد تحن عنه لأنه يقول : " لا أتركك ، لا أهملك " ، ولكن قلة ايماننا هي التي تعجلنا نجبن ونخاف من اللصوص الذين حضروا اليك حتي ولو كانوا أكثر من مركبات فرعون وجنوده . وقد علمت أنهم بكلمة الله وعزته قد غرقوا في البحر ، ألا نذكر المكتوب عن الذين جاءوا لأخذ اليشع كيف أصابهم العمي . والكتاب يقول : " الرب يحفظك من كل سوء ، الرب يحفظك ، الرب يحفظ دخولك وخروجك " . وكيف ننسي القائل : " أن عصفورا لا يسقط علي الأرض بدون أذن أبيكم السماوي ، وأنكم أفضل من عصافير كثيرة " ، والجبن هو وليد قلة الايمان وهو منتهي قلة الرجاء ، وهو يرخي القلب ويجتذب الناس من الله الي بلدة الهلاك ، فلنفر منه يا ولدي ولننبه يسوع ربنا النائم فينا قائلين : " يا عظمتنا خلصنا ؟،وهو ينتهر الريح ويسكن الأمواج ، لنترك الآن القصبة المرضوضة ونلتمس عصا الصليب التي شقت البحر وأغرقت فرعون الفعلي ،ونتكل ملقين أنفسنا علي الذي صلب من أجلنا ، لأنه يعرف كيف يرعانا نحن غنمه ويطرد عنا الذئاب الردية . يا ولدي . أني لمتعجب منك كيف تفرع من العبيد الوقوف خارجا ، ولا تفكر في السادة الذين هم من داخل ، لأن اللصوص المحسوسين هم عبيد الشياطين اللصوص الفعليين ، فينبغي لك أن تعرف بالنعمة أن اللصوص اتوك ولكن المسيح لم يتركك ، فأسرع أنت في طلبه ، واساله أن يعينك لأنه مكتوب :" الرب قريب من الذين يدعونه ، والذين يرغبون اليه بالاستقامة ، وهو يصنع مشيئة خائفيه ويسمع طلباتهم ويخلصهم فاقترن بسيدك ملتصقا به وهو يطرد عنك كل الأقوياء ، ويبطل قوتهم " ( ب ) الاسراع الي التوبة + قال القديس أنبا انطونيوس : أطلب التوبة في كل لحظة ، ولا تدع نفسك للكل لحظة واحدة . + قال القديس أنبا باخوميوس : لا تؤجل التوبة لئلا يفاجئك المرسلون ويأخذوك وأنت غير مستعد فتصيبك شدة عظمة وتعاين حينئذ الوجوه الشنيعة التي تحيط بك بقساوة وتمضي بك الي المنازل المظلمة المملوءة فزعا ونيرانا . تيقظ بكل قوتك كي تكون أمينا علي مال سيدك وتدخل الي ملكوته بفرح . + قال شيخ : " أني أهوي الرجل الذي يخطيء ويندم ويقر بخطئه ، اكثر من الرجل الذي يعمل الصلاح ويكزي نفسه " . + قال القديس باسيليوس : " جيد ألا تخطيء ، وأن أخطأت فجيد ألا تؤخر التوبة ،وأن تبت فجيد أن لا تعاود الخطية ، واذا لم تعاودها فجيد ان تعرف ان ذلك بمعونة الله ، واذا عرفت ذلك فجيد أن تشكره علي نعمته وتلازم سؤاله في اراحة معونته . + قال انبا تيموثاوس : " اذا أنت سقطت فلا تتوان ، ولا تكسل ، بل قم بسرعة، واذا ضللت أسرع بالرجوع الي خلف حتي تجد الطريق المستقيمة ، لأن الطريق المستقيمة حسنة جدا وليس فيها دوران ، ولا تحتاج الي طول الزمان ، بل بسرعة تصل الي مدينة السلام . ( ج ) محاسبة النفس + قال مار اسحق اذا ما أفرزت نفسك للتوبة ، فكل يوم لا تصادفك فيه محقرة لا يكون له حساب عندك ، وكل يوم لا تجلس فيه ساعة بينك وبين نفسك ، متفكرا بأي الشياء اخطأت ، وبأي أمر سقطت ، لتقوم ذاتك فيه ، فلا تحسبه من عداد أيام حياتك ، الويل لمن لا يبكي ، ولا يتضايق ، ولا ينقي عيوب نفسه ، ما دام هناك وقت للتوبة ، لأنه هناك بغير ارادته بأمواج النار ينقيها ، حتي يوفي آخر فلس عليه ، الذي هو الزلة الصغيرة . - كن مضيقا علي نفسك ومحزنا لها لكيما ينطرد العدو من امامك . - اصطلح أنت مع نفسك فتصطلح مع السماء والأرض . - افحص ذاتك باستقصاء ، وانظر بأي نوع زلت ، واطلب من الله أن يغفر لك . - دن نفسك وحدك في اعمالك ، حتي لا تنخدع بالاهمال والتهاون . - افحص كل يوم فيم انت عاجز فيه ، لئلا تتعب وقت شدتك . - الانسان الذي يغضب ذاته دائما . ليتدبر بمقتضي حكم النية ، لن يخطيء بلا توبة . - من كان قلبه غير منسحق وغير محزون من الله ، فلن ينعتق من الطياشة . - من يصالح نفسه آخر ممن يصالح شعوبا ، وهو مغتصب منقسم علي ذاته . + قال شيخ : يجب أن نحاسب نفوسنا كل يوم ونفتقد حياتنا بالتوبة . + قال الأب نستاريون : يجب علي الراهب ان يحاسب ذاته كل مساء وكل صباح ، ماذا صنعنا مما يشاء الله ، وماذا عملنا مما لا يشاء الله ، لأنه هكذا عاش الأب ارسانيوس وهكذا نفتقد ذواتنا كل ايام حياتنا ، لأن الانسان اذا عمل الكثير ولم يحفظه فقد أتلفه أما يعمل قليلا ويحفظه ، فانه يبقي معه . + وقالت القديسة سفرنيكي : " اذا أخطأنا الي ملوك العالم . السنا بغير ارادتنا نلقي في السجون ونعاقب ؟ فسبيلنا من أجل خطايانا أن نحبس انفسنا ، ونعاقبها بالأتعاب ، لكي نطرد الذكر الطوعي بالعذاب العتيد " . + سئل مرة القديس آمونت الأسقف : " ما هي الطريق الضيقة الكربة ؟ " اجاب : " أن الطريق الضيقة الكربة هي هذه : أ، يراقب الانسان فكره ، ويقطع بوجه خاص هواه ، وهذا هو ما يقصد بذلك القول " قد تركنا كل شيء وتبعناك " . سؤال : كيف يستطيع انسان خاطيء ان يبتغي الرب في كل حين ؟ " الجواب : " لقد طلبت من الله أن يعرفني جواب سؤالك . فقال لي : " طهر قلبك من كل أفكار الانسان العتيق وأنا أجيبك الي سؤال قلبك لأن مواهبي انما تكون في الأطهار ولهم تعطي ، وما دام قلبك يتحرك بالغضب وبالحقد وبسائر الأوجاع العتيقة ، فلن تدخل فيه الحكمة ، ان كنت تشتهي أن تنال نعمتي ومواهبي فاخرج العدو وابعده عنك . ومواهبي منها وبها .. تأتي اليك . ألم تسمع أن عبدا لا يقدر أن يخدم ربين ؟ فان كنت عبدي فلا تخدم الشيطان وان خدمته فلا تظن – فمن يشتاق الي مواهبي فليقف آثاري ، لأن المشتبه الحمل لا شر فيه لقد قبلت الأوجاع كلها ولم أكلم فيها بشرا . ومع أني اوصيكم بأن تكونوا ودعاء مثل الحمام ، اذ بي أجدكم وقد أتخذتم لأنفسكم قساوة الأوجاع – فانظروا لئلا اقول لكم :" أمضوا الي سعير ناركم التي اضرمتموها ". وعندما سمعت ذلك صرت أبكي ليتحنن علي كصلاحه ، ولينجيني من شر الانسان العتيق ويبلغني الي الانسان الجديد لكيما أقبل كل ما يأتي علي بشكر فصل من أجلي كي أهرب من تزكية نفسي . + قال بعض الآباء : " أن الله يحتمل خطايا العالم ، أما خطايا أهل البراري فلا يحتمل لأن مما يطالب به أهل العالم يختلف عما يطلبه ممن قد تخلوا عن العالم . لأن من هو في العالم له أعذار كثيرة ، فأما نحن فأي عذر لنا ، نحن الذين قد قصدنا البرية وتغربنا فيها ؟ الحقيقة أن عقابا شديدا ونارا تلتهب تلحق بالعارفين لمشيئة الرب ولا يسلكون بمقتضاها . " . + قال شيخ : " أن الله يطيل روحه علي خطية العالم ولا يطيل روحه علي خطية البرية " . + وقالت القديسة سفرنيكي : " أن كثيرين يسكنون الجبال ، ويعملون عمل أشر الناس ويهلكون أنفسهم " . ( د ) الاستعداد + قال القديس أنطونيوس : " تفكر في كل يوم انه آخر ما بقي لك في العالم فان ذلك ينقذك من الخطيئة " . + وقال مار اسحق : - اذا قمت باكر كل يوم ، أذكر انك سوف تعطي جوابا لله عما صنعت فلن تخطيء مرة أخري ، فكر كل يوم ، انه ليس لك في العالم ، سوي يومك الذي انت فيه فلن تخطيء أبدا . - اذكر ملكوت السموات لكي تجذبك شهوتها نحوها ن أذكر ايضا نار جهنم لكي تبغض اعمالها . - حقا لقد قيل أن مخافة الموت ترعب الرجل الناقص ، أما الذي له في نفسه شهادة صالحة فأنه يشتهي الموت كالحياة . - + قال الأب ايليا : " اني أفزع من ثلاثة أشياء : افزع منوقت خروج نفسي من جسدي من لقاء الله ، ومن خروج القضية علي " . (هـ ) الاعتراف + قال القديس أنبا موسي الأسود : من يتذكر خطاياه ويقر بها لا يخطيء كثيرا أما الذي لا يتذكر خطاياه لا يقر بها - فأنه يهلك بها . - الذي يقر بضعفه موبخا ذاته أمام الله فقد اهتم بتنقية طريقه من الخطيئة … اما الذي يؤجل. ويقول : " دع ذلك لوقته ، فانه يصبح مأوي لكل خبث ومكر " . صيانة الانسان ان يقر بأفكاره ومن يكتمها عليه . أما الذي يقر بها فقد طرحها عنه . + قال مار اسحق : المريض الذي يعترف بمرضه شفاؤه هين ، كذلك الذي يقر بأوجاعه فهو قريب من البرء . اما القلب القاسي فتكثر أوجاعه والمريض الذي يخالف الطبيب يزيد عذابه . ليست خطية بلا مغفرة الا التي بلا توبة . + سئل القديس برصنوفيوس : " قل لي يا أبي رأيك فيما لو كنا لأحد الأخوة ببعض القتالات ونلتمس منه الصلاة بخصوصها ؟ " الجواب : " جيد ان نقر لمن له قوة أن يسمع ، ولا نقر بمن هو بعد شاب وأما ابتغاء الصلاة ، فجيد أن نطلب من كل واحد " . + وقال أيضاً : " شاب لا ينفع شابا حتي ولو سقاه بكأس جميع تعاليم الكتب الالهية فلن ينتفع منه " + وسئل أيضاً : " أخبرني يا أبي أن كان ينبغي أن نخبر المشايخ بكل الأفكار النابعة من القلب ، وهل ينبغي للمصلي أن يعلن صوته أم أنه يصلي بعقله " . الجواب : " لا ينبغي للانسان ان يسأل الآباء عن الأفكار التي تنبع من القلب ، لأنها كثير جدا ، لأن الانسان اذا سمع كثيرين يفترون عليه فانه لا يعتني بافترائهم ، ولا يهتم به ، فأما أن انتصب له واحد فقط وافتري عليه وقاتله فحينئذ يجد السبيل كي يستعد له أمام السلطان ، كذلك الحال في الأفكار ، اما من جهة قراءة المزامير والصلاة ، فلا يجب أن تقال بالعقل فقط ، بل بالشفتين أيضاً ، لأن النبي هكذا قال : : يارب افتح شفتي ليخبر فمي بتسحبيحك " . كما يقول الرسول ايضا : " ثمرة شفاه شاكرة لاسمه " . ولا يجب أن يكون في الصلاة شيء من الأفكار الأرضية ، كما ينبغي ان تكون معقولة والاتضاع لأن الآباء لم يقدموا شيئا الا بالتعب والاتضاع . + جاء الي الأب زينون : في بلاد سوريا أخ مصري ، وأعلن له أفكاره ، فتعجب الشيخ قائلا : " أن المصريين اذا ما كان عندهم فضيلة مكتموها ، وما ليس عندهم من الزلات نسبوه الي انفسهم ،وذلك بخلاف ما يفعل الناس الذين اذا فعلوا خير تكلموا به وأظهروه ، والزلات يكنمونها " . + قوتل أخ من الرهبان بالزني ، فقام بالليل وذهب الي أحد الشيوخ وكشف له سره ، وسأله أن يصلي من أجله ، فعزاه الشيخ وشجعه ، ولما رجع الأخ الي قلايته اشتد عليه القتال ، فرجع ثانية الي الشيخ وفعل ذلك مرارا ، وكان الشيخ في كل مرة لا يحزنه ، ولكنه كان يكلمه بما فيه منفعة نفسه قائلا : " كلما قاتلك هذا الشيطان تعال وبح له فانه ليس شيء يبعد شيطان الزني مثل اظهار افكاره وأعماله وفضيحته ، وليس شيء يفرحه غير كتمان ذلك " . فتردد ذلك الخ علي الشيخ في تلك الليلة احدي عشر مرة ، وهو يكشف له أفكاره .وأخيرا قال " قل لي عليك لما احتملت ، ولكنت أنت تسقط بالأكثر يا ابني لو أن الله يدع فكري وقتالي وقفا عليك لما احتملت ، ولكنت أنت تسقط بالأكثر الي أسفل " فلما قال الشيخ هذا الكلام باتضاع ، كف الله عن الأخ . + قال شيخ : " لا تكتم خطاياك القديمة وافكارك الشريرة ، فان وج الشيطان فيك دافعا واحدا مكتوما ، ففيه يطرحك ، لأن ليس للشيطان قوة أن يجر انسانا الي فعل الخطية ، ولكنه اذا أبصر هواه مائلا الي شيء من الخطية ، ففيه يطرحه ، فان رأه متحفظا يستشير في أموره كلها ، ويطيع لما يشار به عليه ، فلا يقوي عليه في شيء بالجملة " . + اتضاع أسقف : ذكروا عن احد الأساقفة أنه كان رجلا خائفا الله . وكان العدو يحسده ويريد ان يلقيه في بعض مصايده . فاتفق انه جربه . ففي العدو يحسده ويريد أن يلقيه وتلميذه غائب انه جربه . ففي يوم من الأيام كان جالسا في قلايته وتلميذه غائب عنه ، فدخلت عليه صيبة حسنة جميلة الصورة جدا ،والقت بذاتها بين يديه ، وصارت تعترف له وتبكي وكشفت وجهها وبدأت تحدثه . وللوقت القي العدو شبكه واوقعه معها ، فلما أخطأ رجع الي نفسه وارتفعت غمامة الشر من علي وجهه . ثم ان تلميذه لما دخل عليه وجده متقلبا في اصناف الويل والعويل علي نفسه ، فتعجب التلميذ غاية العجب ولم يعلم سره وبقي الأب علي قدميه صائما باكيا اسبوعا كاملا ، ولم يشرب الماء البتة .وفي سابع يوم وقع علي الأرض ، والتلميذ يبكي معه ، ولم يعلم أحد سره ز ولما أكمل هذا، خلع ثياب الأسقفية وكان عيد من الأعياد، وترك عكازه وجاء الي قدام المذبح ورماها .والتفت الي الشعب وقال : الرب من اليوم معكم يا اخوة ، صلوا علي فانني من الآن ما بقيت أصلح ان أكون عليكم مقدما . فلما رأي الشعب هذه الأعجوبة ،بكي جميع الناس ، من رجل الي أمرأة الي الصغار خارجا . فأمسكوه وقالوا : يا أبانا من جهة الله لا تجعلنا أيتاما منك ، اعلمنا خبرك . فقال لهم : يا أولادي انا الحزين الخاطيء ، أنا الضعيف الشقي ، انا المرزول . لي اليوم أربعون سنة اتعب واحزن ، وضيعت الجميع في ساعة واحدة ، لأنني قد نجست جسدي القذر المنتن الحقير – هذا والبكاء والصراخ يعمل عمله – فصرخوا بأجمعهم وقالوا : يا أبانا نحن نحمل هذه الخطية علينا وعلي اولادنا ، فلم يقتنع بشيء من هذه ، فأمسكوه ومنعوه من الخروج البتة . فلما علم أنه مغلوب منهم ، قال لهم : أي شيء تريدوني أن اعمل ؟ أبدأ لنا القداس . قال : ما أفعل . فصرخ الجميع بصوت واحد وقالوا : من أجل الله طاعة ولا تخالف . قال : مبارك ولكن علي شرط تعلموا المحبة والطاعة ولا تخالفوني فيما يصلح شاني . قالوا : نعم . فبدأ القداس ، وبعد اتمامه . قال لهم : ما انا اسقفكم أن خالفتموني ومن يخالفني فهو ممنوع من الله . ثم خرج الي باب الكنيسة . ودعا جميع من في الكنيسة من كبير الي صغير الي امرأة وعبد وجارية . وقال : من أجل الله كل من يريد أن يخرج يطأ بقدمه علي وجهي ثلاث دفعات ويقول : يا مسيح العالم اغفر له . ومن يعمل هذا فهو يعرف أي أجر يناله من المسيح .واذ عملوا كما امرهم وهو ملقي علي وجهه ، والناس يطأون عليه ، ولما كان آخر شخص يعمل كما عمل الشعب ، اذ بصوت عظيم قد جاء حتي ارتعب الجميع . وهو يقول : ليس من أجل الوطء عليك قد غفرت لك ، لكن لأجل تواضعك واعترافك بخطاياك . فلما استقرت الصوت في ىذان الشعب ، مجدوا الله وانصرفوا .. + قسيس : سأل أخ أحد الأباء أن يرهبنه فأجاب سؤاله ورهبنه وسماه بطرس ، فتكفل به والده بغير اختيار ومضي به الي موطنه حيث مرض مرضا صعبا ،وانتقل الي الرب وقد أخذ جوائز أتعابه ، ويشهد له بالدالة عند الله العجائب الصائرة عند قبره كل يوم . وقال ايضا : مرض صديق لي ، فمضت أفتقده ، فقال لي علي ما أري من امري ان الموت قد قرب مني ، فان رأيت أن اعترف لقدسك بما عملت فقلت له يا أخي : قل بلا حشمة لاننا كنا خطاة أثمة، وعدونا ابليس يحرضنا علي فعل الخطية ، لكن كثرة خطايانا ما تغلب رحمة الله ورأفته ، أن نحن رجعنا اليه وتبنا توبة خالصة . فاعترف بخطاياه بنشاط . وبعد اعترافه جاءه اصدقاءه واقرباؤه يفتقدونه . فجلسنا كلنا وذلك المريض يتحدث معنا. وفيما هو يتحدث معنا ، التفت بغيتة بوجهه الي الناحية الأخري من السرير بسلطة مولاه كأنه يتكلم مع سلطان . ففزعنا كلنا وجزعنا . وظنناه قد نظر أمرا ما ،وهو قد أدام نظرهه نحو الظاهر له . ثم قال نعم حقيقة هذا عملت لكني قد اعترفت به للقسيس وقال مثل هذا كثيرا أيضا . وهذه صنعتها وأقررت بها . تكذبون ، هذه ما صنعتها .وقال هذه فعلت . وهذاما فعلت ، وهذه نعتموني بها ثم قال : عن الكتاب الذي تقولون يعلم الرب انني ما شئت اخذه ، بل حركني علي ذلك قوم آخرون جهلة مثلي قائلين خذه اسرقه من أمك واعطيه للعبد ونعليك دينارا ، والرب يجازيك عن ذلك ، ثم اجاب بخوف ولكنني اشاء ان تأخذني هذه الساعة فما أطيق الصبر ثلاثة ايام . ثم قال نمضي فأجابه وانتظرك بعد ثلاثة ايام . فلما سمعنا نحن فزعنا ودهشنا من الرؤية الغير مرئية ، فرجع المريض الي ناحيتنا . فقلت له أنا ماذا كنت تقول يا اخي ، ومن كنت تخاطب ؟ فقال لا تظنوا انني قد جننت ،وان عقلي ما هو ثابت . أنتم عميان ما رأيتم الملاك والرجال الأمجاد الذين معه ، والجماعة السود الوجوه المقيمين عند الباب . فقلنا له أي ملاك ، وأي سود عند الباب . فقال الذي كان يخاطبني حتي الأن ، وجهه يتلألأ أكثر من الشمس ، وثيابه تلمع ضياء ، دهل الي ههنا مع قوم ذوي قدر ،وجاء بعض السود قباح الوجوه والعيون ،ووقفوا عند الباب يثلبونني ، ويقولون ما عملت وما لم أعمل .فسألني الملاك ان كان ما يقولونه حقا ؟ فقلت ما عملت وما لم أعمل . فسألني أنا:وما ذاك الكتاب الذي كنت تقول ؟ فقال لي ظننت انه لا شيء ولذلك ما اتعرفت به . فقلت له فماذا كان ؟ فقال كان لوالدتي عبد وعتقته بكتاب واخفت الكتاب لتعظيه اياه عند موتها ويكون معتوقا يذهب حيث يريد .وكان عبدا خبيثا ، فعامل قوما جهله مثلي وكلفوني علي سرقة الكتاب ووعدوني بدينار اذا اعطيته للعبد . فانخدعت منهم وسرقت الكتاب واعطيته للعبد . فبعد اخذ ما عاود خدمة والدتي . ولما فتشت علي الكتاب ولم تجده صعب عليها ولعنت سارقه ،وكنت أسمع لعنتها وما اكثرت لها ولا اعترفت بالكتاب . هذا هو الكتاب الذي كان السود يقولون عنه ، وقالوا غيره اشياء كثيرة ما عملتها . ولما سأل الملاك عن ذلك قلت له اكشف فان كان ما يقولونه صحيحا اقتلني .حينئذ أبعادهم وقال لي امضي اهتم بأمورك وترهب والبس الاسكيم فبعد ثلاثة ايام آتي وآخذك . فقلت له ان شئت أخذي فخذي الساعة يا مولاي لأنني لا استطيع عذاب ثلاثة ايام . فلما سمعنا نحن هذه هلعنا وجزعنا وخفنا ونحنا علي أي غاية مفزعة ننتظر . فصلي المريض وكمل كما يشاء وترهب وبعد ثلاثة ايام مضي الي الرب. |
رد: بستان الرهبان
حياة التوبة ( أ ) الحرص والغربة قال مار اسحق : + من اقتني الفضائل العظيمة ، مثل الصوم والسهر ، ولكنه لم يقتن حراسة القلب واللسان ، فانه في الباطل يتعب ويعمل .واذا وضعت كل اعمال التوبة في ناحية ،والحفظ في ناحية أخري ، فان الحفظ يرجح ، فان المسيح وضع قياس الوصايا علي أصل الأفكار القلبية ، وموسي علي الأعمال المحسوسة . + حفظ الحواسس يقلع الخطايا . وحفظ القلب يقطع الآلآم التي تلد الخطايا . + انسان مماحك لا يظفر بسلامة الفكر ، والعادم من السلامة هو العادم من الفرح ، الانسان الذي يطلق لسانه علي الناس بكل جيد ورديء ، لن يؤهل للنعمة من الله + احفظ لسانك كيما تسكن فيك مخافة الله . ابغض كلام العالم لكي يعاين قلبك الله . وردع صادر عن جسد كسهم مسموم . + قال القديس أنطونيوس : لا تسكن في القرية التي أخطأت فيها . + قال احد الشيوخ : اني لا اتذكر ان الشياطين أطغوني مرتين فقط في أمر واحد . شيخ حدثته أفكاره قائلة له " " استرح اليوم وتب غدا " فقال : " لن يكون ذلك أبدا ، بل علي أن أتوب اليوم ، ولتكن مشيئة الرب غدا " . + قال القديس باسيليوس : علامة الخوف الهرب من العيوب الصغار ، حذرا من الوقوع في الذنوب الكبار . فسر أحد الشيوخ قول الله : " علي خطيتين وثلاث خطايا انا صبور . وأما الرابعة و فلا أحتمل " . فقال : الأولي هي التفكير في الشر ، والثانية هي الخضوع للفكر ، والثالثة هي التحدث ،والرابعة هي اتمام الفعل ، وعن هذه ينتقم . + قال انبا اسحق : " رأيت مرة أخوة يحصدون في حقل ما ، فأراد أحدهم أن يفرك سنبلة فأستأذن صاحب الحقل في لك ، فأجابه متعجبا : أن الحقل كله بين يديك أيها الأب ، وتستأذن في هذا " الي هذا الحد من التحفظ كان ذلك الأخ يحتاط لنفسه . + قال شيخ : أنا قلت لنفسي " يوم خروجي من العالم ، هو اليوم الذي فيه أكون قد ولدت ، وبدأت بعبودية الرب . كمذلك كن كل يوم بمنزلة الغريب الذي يترجي الرجوع بالغداة " . + وقال آخر : حيثما تجلس قل : " غريب أنا ، غريب انا " . + قال القديس برصوفينوس : " ان غلب الانسان بالله التجرية الأولي ، فلن يقوي عليه العدو فيما بعد ، أماأ، أنغلب في التجرية الاولي ، فان العدو متي أراد أتي بع الي عبادة الاصنام . + قيل عن انبا أور أنه لم يكذب قط ، ولم يحلف ،ولم يلعت ، ولا كان يتكلم الا للضرورة ، وكأن يوصي تلميذه قائلا : " انظر يا أبني ألا تدخل هذه القلاية كلمة غريبة " . + حدث مرة أن مضي تلميذ أنبا أور ليبتاع خوصا ، فقال البستاني : " ان انسانا أعطانا عربونا من ثمن الخوص ، ولم يرجع الي الآن فادفع الثمن وخذه " فأخذه وجاء وأخبر الشيخ بما قالهله البستاني ، فلما سمع الشيخ بذلك ، وضع يديه علي الأرض وقال : " أن أور لن يعمل في هذا العام عملا " ، وفعلا لم يدع الخوص يدخل قلايته ، فأخذه التلميذ ورده الي صاحبه . ( ب ) امتزاج الفضائل بروح التوبة + كان انسان جندي من بلاد الأكراد ، قد عمل خطايا كثيرة ودنس جسده بكل أصناف النجاسات ، وبرحمة الله ، تخشع قلبه ، فزهد في العالم ومضي الي موضع فقر ، وبني له قلاية في أسفل الوادي ،وأقام فيها مهتما بخلاص نفسيه . فلما عرف مكانه بعض معارفه صاروا يخضرون له خبزا وشرابا وكل حاجاته ، فلما رأي ذاته في راحة ، وأصبح لا يعوزه شيء ، حزن وقال في نفسه : " أننا ما عملنا شيئا يستوجب الراحة ،وهذا النياح الأن يفقدني النياح الأبدي ، لأني لست مستوجبا لنياح البتة " . وهكذا ترك قلايته وانصرف قائلا : " لنسر الي الضيعة ، لأنه ينبغي لي أن آكل الحشيش طعام البهائم ، اذ كنت قد فعلت أفعال البعائم " وهكذا أصبح راهباً مجاهجا . + وكان هناك أمرأة بأورشليم اسمها سستروتين، هذه كانت خاطئة ، وتأبت بحرقة قلب ، ورجعت الي الله ، وتنسكت ، وعملت فضائل كثيرة ، حتي أنها من كثرة الفضائل التي عملتها ، ونعمة الرب يسوع التي معها ، صارت مديرة لدير عذاري . ولما صارت مدبرة للدير ، زادت علي نسكها وصبرها ، حتي أنها من كثرة نسكها وصبرها ، ضعفت قوتها ، فسألتها العذاري قائلات : " يا أمنا ، كلي قليلا من الطعام ، كي يكون في جسدك غذاء قليلا ، وتستطعين أن تمشي الي داخل الموضع المقدس " فقالت لهن : " يا بناتي ، لا تتعبنني لأجل طعام قليل بأكله أرجع الي عادتي القديمة ، فلأجل هذا أنا أخاف من الأكل " . ( ج ) الانسحاق والدموع قال القديس أنبا أنطونيوس : + لا تجعل نفسك معدودا بالجملة وأنت تتفرغ لتبكي علي خطيئتك . + الزم الحزن علي خطاياك كمثل من عنده ميت . + اوقد سراجك بدموع عينيك . + الزم البكاء فيترحم الله عليك لكن احذر من أن تكون صغير القلب لأن صغر القلب يجلب الأحزان . وقال أيضا : + ينبغي لمن يشتم أن يعتقد في نفسه أنه هو السبب في شتمه لسوء فعله . فيصبح الشاتم مذللا له من الخارج في الوقت الذي يصبح هو مذللا لنفسه من الداخل مثله في ذلك مثل داود النبي الذي منع صاحبه من قتل شاتميه اذ قال لهم : دعوه فان الرب جعله يشتمني . دعوه ( أتركوه ) حتي ينظر الرب ذلي ويرحمني . وأن يشتبه ( المشتوم ) بالسيد المسيح . لأنه لما شتم لم يشتم . وأن اتفتكر في شاتمك انه قد عتقك من السبح الباطل ان احتملته بمعرفة . وانه قد أرسل لك علي لسانه الدواء النافع . اقتسر ذاتك وتعود قطع مشيئتك وبنعمة المسيح تبلغ الي ممارسة كل أمرك بدون اقتسر ذاتك وتعود قطع مشيئتك وبنعمة المسيح تبلغ الي ممارسة كل أمرك بدون اقتسار ولا حزن . أحسن الي كل أحد وأن لم تقدر فأحب كل أحد . وان لم تستطيع فلا أقل من ان لا تبغض احدا . ولن يسير لك شيء من ذلك ما دمت تحب العالميات . + لا تحزن ولا تتألم ولو قليلا علي شيء لهذه الدنيا ، ولا تقلق اذا شتمك جميع الناس ، فهم يشبهون الغبار الذي تحمله الريح ، بل أحزان بالحري اذا ماعملت ما يستوجب الشتيمة . + ما منفعة كلام الكرامة ، فأنه انما يطير في الهواء ، وماذا يحدث من الخسارة العارضة من الشتيمة الصائرة مجانا ، فهوذا الناس يموتون ، وتموت كرامتهم وشتيمتهم أيضاً تذهب معهم . + اخوان كانا يجتمعان في بعض الديرة ، كل واحد منهما منفرد في قلايته فقال احدهما لرفيقه : أنا أقصد المضي لأنبا زينون فأعرفه فكري . فقال الآخر أيضاً : وأنا أريد ان اقول له فكرا . وانطلقا سويا . وأخذ كل منهما الشيخ علي انفراد . وأقفر له بأفكاره . فأحدهما سجد بدموع علي قدمي الشيخ ، يسأله ان يصلي عليه . فقال له الشيخ : اذهب ولا تدفع ذاتك الي شر ، ولا تقع في خطية ، ولا تضطجعن في صلاتك . وبعد مضيه خارجا اعترف الآخر للشيخ بفكره وقال له صل علي ، ولم تكن طلبته بوجع واجتهاد . وبعد مدة من الزمان اتفق انهما اجتمعا فقال الواحد لصاحبه لما زرنا الشيخ هل اخبرته بفكرك الذي ذكرت أنك تريد أن تقوله له فقال : نعم فقال : هل انتفعت بعد اقرارك له ؟ فأجابه : نعم بصلوات الشيخ شفاني الله . فقال له ذلك الآخر : أما أنا وان كنت قد اعترفت له ، الا انني ما احسست بالشفاء . فقال له ذلك الذي انتفع .وكيف سألت الشيخ فقال : قلت له الأن صل علي يا أبي فان الفكر الفلاني يؤذيني. فقال له الآخر : أما انا فعندما أعترفت له : بللت رجليه بدموعي طالبا اليه أن يبتهل في أمري . وبصلواته شفاني الرب . هذا الخبر الذي حدثنا به الشيخ يعلمنا انه يجب علي من يسأل أحد الأباء في أمر أفكاره ، أن يطلب الي الله بكل قلبه وببكاء شدسد فينال مراده . ومن يعترف بتوان وفتور فليس من شانه ان يعدم المتعة فقط بل ويدان ويعاقب . قال مار اسحق + أعمال التوبة والصلوات والدموع باتضاع وكير القلب ، لا تغلب الآلام من النفس فقط بل ومن الموت تقيمها . + الويل لمن له وقت واستطاعه ، ويساعده جسده ، ويتهاون بأعمال التوبة لأنه يبكي وينتخب عندما ينتبه ، ويطلب زمان الراحة فلا يجد . سماء وماء التوبة هما الضوائق والمحقرات والتجاري . وموتها حب الأرباح والكرامة والراحة ، لأنه من الضوائق تتولد الراحة الداخلية ، ومن الحزن والكآبة الذين من اجل الله ، يتولد الفرح وعزاء النفس ، وبايجاز فان السلامة التي لم تتولد من هذه الأعمال هي ضلالة . + الذي يعمل التوبة ويفلح في النسك بل وفي ممارسة الأعمال والفضائل ولكنه يتكل علي بره ، لا علي النعمة ، لا فرق بينه وبين من يجمع حجارة ويوجد بصومه أبعد من الحق ، وأخر بنسكه ، وآخر بحرده ، وآخر بسهره ن واخر بعمله ، وآخر بصدقته وآخر باحتماله وآخر بكمال اعمال تدعي الهية . لأن ربنا حزم الأمر بقوله : بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا ، أي بالهدوء وتواضع القلب اللذان بهما انا غلبت العالم " . + كان شاب : في المدينة قد صنع شرورا كثيرة ، وكان منغمسا في الخطايا وبرحمة الله – أحسن بعد ذلك بكثرة خطاياه فحبس نفسه في قبر لكيما يتوب عما صدر منه ، وطرح وجهه علي الأرض وهو يقول : " لا ينبغي لي أن أرفع نظري الي السماء لكثرة خطاياي ولا أن أذكر اسم الله بفمي النجس ولا أن أصلي " ، وكان يقول في نفسه : " اني لا أستأهل السكني مع الناس والأحياء ، ولكن مع الموتي " ، فحبس نفسه في القبر وهو يائس من الحياة ، وكان يتنهد من وجع قلبه ، فلما انقضي اسبوع وهو علي هذه الحال ، أتاه بالليل أجناد الشياطين وهم يصيحون قائلين : " أين ذلك الحبس الذي لم يشبع من الدنس ، هل الأن ان يصير نصرانيا ؟ ألا تنطلق بعجلة من هنا ، لأن الزواني والخمارين أصحابك يتوقعون حضورك اليهم ، فاطرح عنك هذا الأمر البطال ، فما الذي يحملك علي أن تقتل نفسك أيها الأرعن . انما انت بجملتك لنا وقد وهبت لنا حياتكم بعهود ، فأنت غريم لنا . لماذا تهرب منا ؟ ألا ترد علينا جوابا ؟ ألآ تقوم وتذهب معنا . " أما هو ، فمن وجع قلبه لزم السكوت ، فلما كثر عليه الكلام ولم يجبهم ، حينئذ بدأوا يضربونه ، واستمروا يضربونه حتي مزقوا جسده ، فلم يستطيع أن يتحرم كما لم يقدروا ان يزويغوه علي فكره الصالح ، فتركوه قبل ميت وانصرفوا وهو في تنهد شديد مسلما نفسه لله ، ثم أن أهل بيته خرجوا يطلبونه ، فلما وجدوه سألوه عن أمره ، فأخبرهم بما حل به ، فأرادوا أن يأخذوه معهم ، فامتنع ، وفي الليلة التالية ، عاد اليه الشياطين ، وضربوه ، ولما كانت الليلة الثالثة ، أتوه أيضاً وضربوه حتي بقي فيه قليل نفس ، فلما رأي الله انكسار قلبه ، منعهم عنه ، فهربوا وهم يقولون : " قد غلبتنا " ولم يعودوا اليه بعد ذلك ، فسكن في ذلك القبر بقية حياته ، وأقتني رهبنة فاضلة ، وصار سببا لرجوع خطاة كثيرين الي التوبة : . + اقتل أنبا سيصوي وكان الآباء جلوسا حوله ، فسمعوه يخاطب قوما ، فقالوا له : " ماذا تعاين أيها الأب ؟ " فقال : " ها أنذا اعاين قوما له أحد الشيوخ : " وان هم أمهلوك ، هل تقدر الآن أن تنجح في التوبة وأنت في هذا السن ؟ " فقال : " وان كنت لا أقدر أت اعمل عملا فاني أتنهد وابكي : ، فقال له الشيوخ : " ان توبتك قد كملت أيها الآب " فقال لهمن : " صدقوني ، اني لست اعرف من ذاتي اذا كنت قد بدأت الي الآن ؟ " ولما قال هذا ، أشرق وجهه كالشمس ، ففزع الذين كانوا حوله . فقال : " أنظروا : أن الرب قال : ائتوني بتائب البرية " ، ولوقته أسلم الروح وامتلأ المنزل من رائحة زكية " . -خوف الله – قال أنبا موسي الأسود + أن أثرت ان تتوب الي الله فاحترز من التنعم فانه يثير سائر الأوجاع ويطرد خوف الله من القلب . + أطلب خوف الله بكل قوتك فانه يزيل كل الخطايا . + سأل أخ الأب أورانيوس قائلا : " كيف يأتي خوف الله الي النفس ؟ " قال له الشيخ : " اذا وجد في الانسان الاتضاع والكفر بكل الأشياء وبنفسه أيضا ، وكان لا يدين أحداً ، فخوف الله يأتيه" + قال شيخ : " الضجر انما يعرض لنا من أن خوف الله لم يغرس بعد في فكرنا . ولم ننسي الي الآن أكل خبزنا من صوت تنهدنا . فحب الجسد ،لا يدع عقولنا تسير الـي فوق " . - خطيتي أمامي – قال أخ لأنبا بيمن : " أني خاطيء فماذا أعمل ؟"فقال له : مكتوب :" خطيئتي أمامي في كل حين فأنا أهتم بآثامي وأعترف بذنبي ، فقلت أكشف خطيتي أمام الرب وهو يغفر لي نفاق قلبي " . وقال الشيخ : " اذا تقدمت لأخذ القربان لا تفكر أنك أهل لذلك ولكت اعتبر انك خاطيء ، وأجعل في نفسك أن الخاطيء اذا تقدم الي المخلص بايمان ، وتحفظ حسب قوته ، استحق أن ينال مغفرة خطاياه . فتقدم بتوبة ، واعتقد في نفسك أنك مريض وغير مستحق ، بل مثل مجروح ومحتاج الي الشفاء ، وآمن انك تتقدس بأخذ القربان ، اذا كنت علي توبة ، لأن كل الذين تقدموا اليه بايمان شفوا " . -النوح – قال شيخ : النوح يغسل الخطايا ، ويتعب كثير يصل الانسان اليه . اذ لا يأتي البكاء ألا بكثرة الهذيذ ، وبذكر الموت ، والدينونة المرهوبة ، والعذاب الدهري ، وأن تفكر في نفسك وتقطع هواك وتحمل الصليب . وقال آخر : ان كان انسان يجربه ابليس بأوجاع الخطية ، ويبكي وينوح لذلك بين يدي الله ، ، فان الله يشتاق اليه ، لأن لأن التنهد قادر أن يحل الخطية ، والبكاء يغسل الذنوب . وقال مار اسحق : أحذر من حياة الخلطة لنها تعوق سائر أنواع التوبة ، التخاطب مع كثيرين يعوق الحزن الذي من أجل الله . لقي أنبا جراسيموس امرأة في البرية عريانة ، فلما أبيصرته توارت عنه لكنه أراد أن يكلمها فتوارت خلف صخرة وكلمته ، فقال لها : " كم لك في هذه البرية " من الزمان " ؟ " قالت : " خمسون سنة " قال لها : " ماذا كان غذاؤك ؟ " قالت : " أن الخالق لا يضيع ما خلق " قال لها : " فماذا أبصرت في البرية ؟ " قالت : " ما ابصرت غير المسيح وأعماله وصنائعه " قال لها : " ففيم الخلاص ؟ قالت : " في ترك ما أنت فيه " قال لها : " وما هو ؟ " قالت : شغلك بالبكاء علي خطاياك اولي من سؤالك امرأة عما لا ينفعك قال لها " صدقت " وعمل مطانية ، مضي أنبا بيمن في بعض الأوقات قاصدا مصر ، فنظر أمرأة جالسة علي قبر تبكي بكاء مرا ، فقال لمن كان معه : " لوجيء لهذه المرأة بكل مرطبات العالم وكل الملاهي ، لما انتقلت عما هي عليه من الحزن ، وهكذا يجب علي الراهب أن يكون حزنه دائما أبداً . سأل أخ الأب ماطوس قائلا : " قل لي كلمة " فقال له : " أقطع عنك مما حكة الأمور كلها ، وابك ونح فقد قرب الوقت " . أطلب الي الله أن يعطيك نوحا في قلبك وتواضعا في نفسك وتأملا دائما في خطاياك ، ولا تدن آخرين ، ولا تجعل لك صداقة مع صبي ، ولا معرفة بامرأة ولا صديقا مخالفا ،ولا صلة بانسان ما ، واضبط بطنك ولسانك ، وان تكلم أحد بحضرتك فلا تحاججه ، وأن قال لك جيدا قل نعم ، وان تكلم رديئا فقل : أنت أخبر بما تتكلم به ، ولا ثمار ، فهذا هو حد الخلاص " . + حدث أن مضي ثلاثةاخوة الي الأب بفنوتيوس : وسألوه كلمة ، فقال لهم الشيخ : " أمضوا ، وليكن عندكم الحزن أفضل من الفرح ، والتعب أفضل من النياح ، والاهانة أفضل من الكرامة ، وليكن عطاؤكم أكثر من أخذكم " . + سأل أخ الأنبا مادانا : " قل لي كلمة " فقال له الشيخ : " امضي وأسال الله ان يهب لك في قلبك نوحا واتضاعا ، واجعل بالك من خطاياك كل حين ولا تدن أحدا . بل اجعل نفسك تحت كل الناس ، ولا تجعل لك مرافقة مع صبي ، ولا معرفة بامرأة ، ولا صداقة مع هيراطيقي ، واقطع عنك الدالة ، واحفظ لسانك ، وامسك بطنك من الخمر قليلا ولا تكن محبا للقنية ولا تلاجج احدا ولا تحارنه ،وهذا هو الاتضاع . + جاء عن أنبا يوحنا صاحب القلالي : كانت زانية بمصر ، وكانت جملية جدا وموسرة ، وكان الرؤساء يأتون اليها، وفي بعض الأيام جاءت الي الكنيسة وأرادت الدخول فلم يدعها الايبودياكون ماسك الأبواب قائلا : " لست أنت مستحقة أن تدخلي بيت الله لأنك نجسة " واذا كان معها في الكلام سمع الأسقف الخصومة فخرج فقالت له الزانية " من الآن ما أوني " فقال لها الأسقف : " ان جئتي بغناك كله الي هنا علمت أنك ما تزنين " فمضت وأتت بمالها جميعه ، فأخذه وأحرقه بالنار . ولما دخلت الكنيسة كانت باكية قائلة : " أن كان ههنا حل حل بي هذا ، فهناك ماذا يحل بي " وعملت توبة حسنة وصارت اناء مختارا . ( د ) اذكرت محبتك الأولي قال مار اسحق : في الوقت الذي تكون مغلوبا مقهورا وفي كلل وكسل وقد قيدك عدوك بسماجة فعل الخطية أذكر الوقات القديمة التي فيها تنشطت ، وكيف كنت مهتما حتي بصغائر الأمور ، وكيف كنت تتحرك بالغيرة علي الذين يعوقون مصيرك . وتنهد علي أقل شيء فاتك في عمل الفضيلة – وكذلك اذكر كيف كنت تحظي باكليل الغلبة علي الأعداء . بمثل هذه التذكارات تتيقظ نفسك كمثل من هو في نوم عميق وتلبس حرارة الغيرة – وكمثل من في الموت تقوم النفس من مسقطها وتصلب ذاتها حتي تعود الي طقسها الأول بالجهاد الحار قبالة الشيطان والخطية . ( هـ ) ذكر ساعة الموت والدينونة قال القديس موسي الأسود : + أعد نفسك للقاء الرب فتعمل حسب مشيئته ، افحص نفسك هاهنا واعرف ماذا يعوزك فتنجو من الشدة في ساعة الموت ويبصر اخوتك اعمالك فتأخذهم الغيرة الصالحة . + اذا قمت كل يوم بالغداة ، تذكر انك سوف تعطي الله جوابا عن سائر اعمالم فلن تخطيء البتة ، بل يسكن خوف الله فيك . + فكر في نار جهنم لكيما تمقت أعمالها . + ذكر الدينونة يولد في الفكر تقوي الله . وقلة خوف الله تظلل العقل . قال شيخ : كل من يجعل الموت مقابله كل حين ، يغلب الضجر وصغر النفس . وقال آخر : " أن ابراهيم أول دخوله أرض الميعاد اشتري قبرا فورث هو وزرعه الأرض بكمالها ، هكذا الذي يتخذ له بيتا لموته من هذا العالم ، ويحزن فيه علي نفسه ، فانه يرث أرض الحياة " . قال القديس اكليمكوس : " لا يستطيع انسان أن يختار يوما كما ينبغي ، أن لم يحسبه آخر يوم من حياته في الدنيا " . قالت الأم سارة : " أنني أضع رجلي علي السلم لأصعد فأتصور الموت قدامي قبل أن أنقل الرجل الثانية" . قيل لشيخ : " لماذا تضجر يا أبتاه ؟ " فقال : " لأني في كل يوم أتوقع الموت " قال انبا ابرام : " ساعة الموت مرهوبة ، وهي تأتي علي الانسان مثل الفخ ، حينئذ يلحق النفس ندم عظيم وتقول : " كيف جازت أيامي وأنا مشغولة بالأعمال الفارغة التي . وقال أيضا : يا أخي في كافة أعمالك تذكر اواخرك فلا تخطيء أبدا . يا أخي احضر الي ذهنك النار التي لا تطفأ ، والدود الذي لا يموت ، ففي الحال يخمد التهاب الأعضاء ، لئلا تسترخي ويغلب ، وتستدركك نار حزن الندامة ، وتعتاد أن تخطيء فتندم ، اقتن صرامة منذ الابتداء مقابل كل هشوة لئلا تغلب لها ، ولا تتعود الهزيمة في الحزن ، لأن العادة طبيعة ثانية ، لأن اعتياد الهزيمة لا يبين أن هناك صرامة وشهامة ، بل كل حين يبني هذا الانسان وينقض ، وفي كل وقت يخطيء ويندم . أيها الحبيب ان اعتدت ان تتراخي أن توتلت ، فسوف يكون تسطير كتابة ندامتك لا يمحي الي الأبد . من اعتاد ان يغلب لبعض الشهوات ، فذاك يصير موبخا كل وقت من ضميره ، فتحرز بكل نفسك من الخطر ، حاويا في ذاتك المسيح في كل وقت لأن المسيح هو للنفس حلاوة لا تموت ، فله المجد الي الأبدج آمين . ومن أقوال القديس اوغريس : + أن من كان همه في تذكار الموت ، فذلك يهديه بخوف الله . + " أخبروا عن أخ حريص علي خلاصه . جاء من غربة فأقام في قلاية لطيفة بطور سيناء . فلما جلس في اليوم الأول ، وجد علي خشبة صغيرة كتابة قد كتبها الأخ الذي كان فيما مضي ساكنا فيها وهو يقول فيها : " أنا موسي ابن تادرس قد حضرت وأقمت " وكان الأخ يضع تلك الخشبة قدامه طول النهار يوميا . ويسأل . " من كتب هذه الكتابة ؟ " ثم يردف قائلا : " أيها الانسان . ليت شعري ابن أنت الآن . لأنك قلت " قد حضرت وأقمت " فالي من كتبت هذا يا تري ؟ تري في أي عالم أنت في هذه الساعة ؟ " فكان يداوم هكذا علي هذا العمل طول النهار متذكرا الموت . ثابتا في النحيب والبكاء وكانت صناعته الخط الحسن ، فتناول من الاخوة ورقا ليكتب لهم شيئا كتذكار منه لهم . لكنه لم يكتب لأحد شيئا سوي صيغة واحدة . كتبها في ورق كل واحد منهم وذكر فيها : " أغفروا لي ايها الاخوة قساوتي ، فأنه كأن لي عمل مع ذاك القادر علي خلاصي ، لذلك لم أفرغ منه حتي أكتب لكم" + قال شيخ : " اني مرتعب فزع من تلك الشدة التي سوف تعانيها النفس عن خروجها من الجسد ، اذ تأتيها اجناد الشر ،وما سكو ظلمة هذا العالم الخبيث ، فيأخذونها ويظهرون لها كل ما عملته من الخطايا ، بمعرفة وبغير معرفة ، ويحاجونها علي كل ما عملت ، فأي شدة ورعب تلحق بالنفس في تلك الساعة حتي يصدر الحكم بمصيرها ، وتصبح في عتق . هذه هي ساعة الشدة ، التي تقاسيها حتي تبصر حاتمة أمرها فان كانت مستحقة النعيم ، يأخذها الملائكة بكرامة ويحفظونها من الشياطين الأشرار ،وحينئذ تصبح من ذلك اليوم معتوقة منهم ، كما هو مكتوب : " أن مسكن جميع الفرحين فيك يا مدينة الله " ، وحينئذ يتم المكتوب ان الوجع والتنهد والتعب يهرب ، وحينئذ تفلت من اجناد الظلمة ، لتمضي الي لك المجد الأسني الذي لا ينطق به . أما أن وجدت النفس وقد مانت عائشة بالتواني ، فأنها تسمع ذلك الصوت المحزن : " ليبعد المنافق كيلا يعاين مجد الرب " . وحينئذ يدركها يوم السخط ، يوم الحزن والشدة نيوم الظلمة وظلال الموت ، فتلقي في الظلمة الخارجية ، ويحكم عليها بالعذاب المؤبد في نار غير منطفئة ، حيث يهرب كل نعيم والتذاذ وحيث لا يوجد فرح ولا نياح ، ولا غني ، ولا جاه ، ولا من يخلص من ذلك اللهيب المعد للنفوس الخاطئة ، فاذا كانت هذه الأمور هكذا ، فأي تدبير ذي امانة وقداسة ، ينبغي لنا أن نتدبر به في هذا العمر ، وأي تسبيح وأية صلوات واي تحفظ يجب ان نقتني بغير دنس وبغير عيب ، بطهارة وسلام ، لتؤهلوا لسماع ذلك الصوت المملوء فرحا القائل : " هلموا يا مباركي أبي ، رثوا الملك المعد لكم من قبل انشاء العالم " ، الدائم الي دهر الداهرين آمين . + أحاط أخوة بشيخ عند وفاته ، ففتح عينيه وضحك ثلاث مرات ، المرة بعد الأخري . فقالوا له : " لماذا تضحك با أبتاه ونحن نبكي ؟ " فقال لهم : " أما ضحكي الأول فهو لأني رأيتكم تخافون الموت ، والثاني فهو لانكم رغم خوفكم منه فانكم لا تستعدون له ، أما ضحكي الثالث فهو لأني ماض من التعب الي الراحة " . وهكذا تنبح فانتفع الأخوة منه . + كان انسان اسمه اسطفان : ساكنا طريق النساك ساكني البرية ، وقد أقام في مصارعة التقشف سنين عديدة ، وكانت قلايته في منحدر الجبل الذي سكنه ايليا ، وفي أواخر أيامه صعد الي ذروة الجبل في مواضع حرجة مغشوشة ليس فيها عزاء . فأقام هناك مصليا نادبا متجملا بجميع الفضائل ، فمرض مرضا قضي فيه نحبه ، وقبل موته بيوم واحد ، شخص بعقله وعيناه مفتوحتان والتفت يمنة ويسرة ، وكأن محاسبا يحاسبه والجماعة تسمع ، فكان مرة يقول " نعم هذا صحيح : ، ومرة يقول " لا ، هذا كذب " ، ومرة اخري " نعم ، الا أني صمت عوض هذا كذا وكذا وبكيت وتعبت " ، وفي أشياء أخري كان يقول : " لا هذا كذب ، لم أفعله " ، وكان المنظر مبهرا مفزعا ، وعلي هذه الصفة فارق الدنيا محاسبا ، وأما ما انتهي اليه امره ، ومصير القضية بالنسبة اليه فما أبانها . + سأل أخوة اثناسيوس الرسولي : " لماذا نري قوما من الصديقين ينازعون ( عند الموت ) اياما ويحاسبون .؟ وقوما خطاة نراهم يقضون اجلهم بسكون وهدوء ؟ " . الجواب : " ان عرفنا جميع احكام الله فنحن اذن آلهة ، فيحسن بنا ألا نفتش تفتيشا زائدا عن مثل هذه الأحكام لأنه يتفق ان رجالا أبرارا يعاقبون في وقت نزعهم الأخير ، لنري نحن ذلك ونفزع ونخف ، كما أنه ربما كان لأولئك القديسين – بما أنهم بشر – زلة صغيرة ، فينظفون بذلك العقاب في وقت نزعهم تنظيفا تاما بليغا ، ويمضون بلا عيب أنقياء " . + قال القديس اغريغوريوس : " أن هذا النزع ينظف النفوس الخارجة من العالم من الخطايا الدنية الخفيفة ، وذلك بحسب ما سمعته من رجل قديس ، حكي لي عن قديس آخر فقال : " انه لما حضرته الوفاة فزع فزعا عظيما ، وبعد موته ظهر لتلاميذه بحلة بيضاء ، دالا بذلك علي البهاء الذي حصل عليه " . + تحدث الآباء عن شيخ أخذت روحه ، وبعد ساعة رجعت اليه فسألوه : " ماذا أبصرت يا أبانا ؟ " فقال وهو يبكي " سمعت هناك قوما يقولون وهم باكين : الويل لي ، الويل لي " . + سأل بعض الأخوة شيخا قائلين : " هل الاسم يخلص أم العمل ؟ " فقال لهمالشيخ : " أعرف أخا من الأخوة ، خطر بفكره في وقت من الأوقات أن يبصر نفسي بار ، ونفس خاطيء وقت خروجهما . فابتهل مصليا الي الله زمانا ، واذ لم يشأ الرب الصالح أن يحزنه لأجل تعبه ، حدث أن ذئبا دخل اليه في يوم من الأيام وهوجالس في قلايته . فتناول ثيابه بفمه وجذبه الي خارج القلاية ، فنهض تابعا له ، جتي أوصله الي مدينة كبيرة وتركه قريبا منها ، وانصرف . وكانت هناك قلاية لرجل راهب متوحد كبير له اسم عظيم ، فجلس عنده لينظر حال موته ، لانه كان عليلا ، فأبصر الأخ كميات كبيرة من الشمع والبخور والأطياب والأكفان الفاخرة ، وقد جيئت لدفنه ،وكان اهل المدينة يبكون عليع قائلين : " ان الله بصلاة هذا القديس يثبت مدينتنا ويرزقنا الخير ، ويصنع الرحمة للعالم أسره " ، فلما جاءت الساعة التي لا مناص منها ، كان الأخ يتأمله ، فأبصر حارس جهنم ومعه كلابه حديد ذات ثلاثة شعب متوهجة بالنار ، فوقف علي رأسه ، وسمع صوت الرب يقول : لا ترحم هذه النفس ، لانها لم تنيحني ولا يوما واحدا ، فلا ترث لها في اجتذابها ، فأنها لن تتنيح مدة الدهر " . فحط الكلابة في قلبه . وبعد اسلامه روحه ، تركه ودخل المدينة ، فأبصر اخا غريبا مطروحا في الشارع ، عليلا وليس له من يهتم به ، فجلس عنده باكيا يوما واحدا ، وفي ساعة رقاده نظر واذا بملاكين جليلين قد انحج\را لأخذ نفسه ، فنظر الملاكان الي السماء وقالا : " يارب ، ماذا تأمر عبيدك مناجل هذه النفس ، لأنها لا تشاء مفارقة جسدها ؟" ، فأرسل اليها الرب داود وكل منشدي السماء ، فلما قالوا " أرجعي يا نفسي الي موضع راحتك فان الرب قد احسن اليك " وايضا " كريم أمام الرب موت قديسيه " فمن الفرح خرجت نفس ذلك الأخ متهللة " + كان لأحد المتوحدين في البرية صديق علماني يبيعه عمل يديه ، ويحضر له ما يحتاجه . وكان في المدينة بالقرب منه رجل غني جدا ، ولكنه كان مذموم الطريق ، قليل الرحمة . في أحد الأيام سار العلماني الي المدينة كعادته البيع شغل المتوحد ، فوجد جنازة عظيمة ، والأسقف يتقدمها ،، وجماعة الكهنة وكل أهل المدينة . فاستخبر عن ميت تلك الجنازة ، فقيل له انه فلان الغني كبير المدينة ، فمشي مع الجنازة الي القبر ، وكان معهم شموع وبخور بكميات كبيرة ، فتعجب لذلك ، وبعد أن رجع أخذ حاجة المتوحد ومضي اليه ن فوجده ملقي علي وجهه ميتا ، والضبعة تجره من رجليه ، فبكي بكاء مرا ، والقي بنفسه الي الأرض وقال : " اني لن اقوم حتي تعرفني هذا الحكم ، فذلك الغني القليل الرحمة كان له كل ذلك المجد والكرامة في موته ، وهذا المتوحد الذي لم يزل متعبدا لك ليلا ونهارا تخرجه هذه الضبعة هكذا وتجره من رجليه ؟ " وفيما هو يقول ذلك ، ظهر له ملاكا قائلا : " ومن أنت حتي تعارض الرب وتعيب حكمه ، ولكن لأجل تعبك مع هذا المتوحد القديس ، وخدمتك له ، ها انا اعرفك السبب : أن ذلك الغني مع قلة خيره ، وقلة رحمته ، قد عمل في عمره كله حسنة واحدة مع اليقف ، والرب ليس بظالم ، فأراد ان يعوضه عنها في هذه الدنيا ، حتي لا يكون له عنده شيء ، أما هذا المتوحد القديس ، فقد كانت له زلة صغيرة ، صنعها في كل عمره ، فجوزي عنها ههنا بهذه الميتة ، حتي يكون قدام الله نقيا " ، فنهض الرجل شاكرا الله قائلا : " عادلة هي أحكامك " . |
رد: بستان الرهبان
ثمار التوبة ( أ ) الاتضاع + قال القديس أنطونيوس : أحب الاتضاع فهو يغطي جميع الخطايا . ومرة ابصر أنبا أنطونيوس فخاخ الشياطين مبسوطة علي الأرض كلها فتنهد وقال : " يارب ، من يفلت من كل هذه ؟ " فأتاه صوت من السماء قائلا : " المتضعون يفلتون منها " . - الاتضاع مع الناس – - قال القديس انبا انطونيوس : + اعلم ان الاتضاع هو أن تعد جميع البشر أفضل منك متأكدا من كل قلبك انك اكثر منهم خطيئة ، ويكون رأسك منكسا لسانك يقول لكل أحد : " أغفر لي" + اظلم نفسك لكل انسان تمتلك الاتضاع . والاتضاع يغفر الخطايا كلها . + لا تتوهم بأنك عالم وحكيم لئلا يذهب تعبك سدي وتمر سفينتك فارغة . + عود لسانك القول في كل شيء وفي كل وقت ولكل أخ والله تعالي : " أغفر لي " فيأتيك الاتضاع . + ارفض الكبرياء واعتبر جميع الناس أبر منك . - الاتضاع مع الشياطين – - + أحضر رهبان القديس انطونيوس اليه رجلا به روح نجس متوسلين اليه أن يقيم صلاة من أجل الرجل المعذب الذي طلب الشيطان أن يلقيه في الماء لكن القديس التمس من الأخوة أن يعفوه . وكان لما مكث الرجل الذي به الروح النجس مدة طويلة أنه لطم أنبا انطونيوس علي خده عند ذلك حول له الآخر ففي الحال هرب الروح الشرير . - + حدث انه لما دخل القديس انطونيوس البرية الداخلية أن الشياطين نظرت اليه منزعجة . فاجتمعت عليه وقالت له : " يا صبي العمر والعقل . كيف تجاسرت ودخلت بلادنا لننا ما رأينا بشرا آدميا سواك " وابتدأوا يجاهدونه كلهم . فقال لهم : - " يا اقوياء ماذا تريدون مني أنا الضعيف المسكين وما هو مقداري حتي تجمعتم كلكم علي . ألا تعلمون أني تراب ووسخ وكلا شيء وضعيف عن قتال أحد اصاغركم " ، وكان يلقي بذاته علي الأرض ويصرخ ويقول : " يارب اعني وقو ضعفي . ارحمني يارب فاني التجأت اليك . يارب لا تتخل عني ولا يقو علي هؤلاء الذين يحسبون اني شيء . يارب انت تعلم اني ضعيف عن مقاومة أحد أصاغر هؤلاء " . - فكانت الشياطين اذا سمعت هذه الصلاة المملوءة حياة واتضاعا تهرب منه ولا تقدر علي الدنو منه . - + وحدث ان جميع الاركون ( الشياطين ) كل آلات اللهو والطرب واللذات والنعيم والنساء وسائر انواع الزني ولذاته . - أما القديس أنطونيوس - فكان يغمض عينيه ويقول : " عجبا منكم . كيف تجعلون لي مقدارا وتحتالون في سقوطي مع اني ضعيف عن مقاومة أحد أصاغركم . أبعدوا عني وعن ضعفي انا المسكين التراب والرماد " . - وبذلك كانت الأفكار تسقط عنه بمعونة الله . والشياطين كانت تحترق لكثرة اتضاعه . ومرات كثيرة كانت الشياطين تحضر له جميع انواع التخويف والازعاج والتهويل والعذاب . وهو يصرخ الي الله باتضاع ويقول : " انقذني يارب بمعونتك ولا تبعد عن ضعفي " . وللوقت كانت الشياطين تهرب عنه . - ومرارا كثيرة أيضا كانت الشياطين تهجم عليه وتضربه ضربا مؤلما … وهكذا أقام انطونيوس ثلاثين عاما الي أن نظر الرب يسوع المسيح الي كثرة اتضاعه وثصبره واحتماله وكسر عنه شدة الأعداء .. صلاته تكون معنا آمين؟ - ( ب ) انكار الذات + قال القديس اكليميكوس : من يستطيع ان يميت نفسه من كل شيء فذاك يستطيع أن يتفرغ لنفسه بذكر الموت . + وتعود الشيخ أنطونيوس ان يقول : " ان لم يضع الخباز غطاء علي عيني الحيوان فأن الحيوان يلتفت ويأكل اجرته . وبالمثل أخذنا غطاء من صنع الله حتي نعمل الأعمال الصالحة دون ان نراها وبذا لا ننسب السعادة لنفسنا ونفسد أدرة عملنا ولذلك نترك احيانا لأفكارنا الخبيثة حتي نراها فندين أنفسنا ، وحينئذ تصير هذه الأفكار غطاء للأعمال الصالحة القليلة التي نعملها . لأنه اذا لام الانسان نفسه فانه لا يفسد أجرته " . + ومرة طلبت منه أخ أن يصلي مت اجله فقال له الشيخ : " انني لا استطيع معاونتك ، والله ذاته لا يستطيع ذلك ما لم تنبغض وتنكر نفسك وتطلب انت نفسك من الله أن يذكرك " . + ذهب بعض الشيوخ لزيارة القديس انطونيوس وكان معهم القديس يوسف وحاول الشيخ ان يجعلهم يتكلمون كلمة من الكتاب المقدس فايتدأ بسؤال أصغرهم سنا : " ما معني هذه الكلمة ؟ " فكان جواب كل واحد أنني لم استطيع بعد فهم هذه الكلمة " . واخيرا سأل الأنبا انطونيوس أنبا يوسف : " وماذا تقول انت ؟ " . فأجابه أنبا يوسف : " لا أعرف " . قال له أنبا أنطونيوس : في الحقيقة يا أبنا يوسف انك وجدت الطريق بقولك " لا أعرف " . ( ج ) عدم التذمر + قال أنبا انطونيوس : لا تتقيمقم في عمل ما بل احب التعب وكن متأنيا لكل بلية تأتيك حتي آخر نسمة من حياتك . + ومرة سأل القديس أنطونيوس من الرب ان يخبره عن السبب الذي من أجله يموت اطفال ويعيش الكثير من المتقدمين في السن ، ولماذا هناك مستقيمون فقراء ، وأشرار أغنياء وبعض الناس عمي والبعض يبصرون ، ولم يقاس الصالحون آلام المرض والطالحون أصحاء ، فسمع صوتا قائلا له . " يا أنطونيوس اهتم بنفسك لأن هذه الأمور هي من أحكام الله ". ( د ) تنقية النفس + قال أخوة للأب زينون : ما معني المكتوب : أن السموات ليست نقية قدامه " ؟ فأجابهم : " أن سكان الأرض اهملوا الفحص عن تطهير خطاياهم وصاروا بفحصون السموات ، فهذا القول ، لما كان هو وحده طاهرا ، لذلك قيل أن السموات غير نقية ازاءه " . ط+ قال القديس باسيليوس : " الذي يصالح نفسه خير من الذي يصالح الفضلاء ، والذي يدبر نفسه خير من الذي يدبر غيره " . + قال بعض الشيوخ : " أن الشيطان هوالعدو ، وانت صاحب البيت ، والعدو لا يزال يلقي كل ما يجده من سائر الأوساخ ، فلا تتغافل أنت ، ولا تتوان عن اخراجها أولا بأول لئلا يمتليء بيتك من الاقذار . ولن تستطيع تنظيفه ، بل اهتم بالتنظيف لتبقي تقيا بنعمة الله . + وقال شيخ : " أن ارفع الصلاح كله هو أن نقلع هذا العشب الذي هو الزوان ، قبل أن يصير غابة " . |
رد: بستان الرهبان
الإتضاع ما هو ؟ + سئل شيخ : " ما هي أعظم الفضائل ؟ " فقال : " اذا كانت الكبرياء أشر الخطايا حتي أنها اهبطت طائفة من السماء إلي الأرض ، فمن البديهي أن يكون الاتضاع الحقيقي المقابل لها أعظم الفضائل ، اذ هو يرفع الانسان من الأعماق الي السماء ، وقد طوبه الله قائلا : " مغبوطون أولئك المساكين بالروح – أي المتضعين بقلوبهم – فان لهم ملكوت السموات " . + قال شيخ : " ان خاتم المسيحي الظاهر هو الصليب ، وخاتمه الباطن هو الاتضاع فهذا مثل صليب الرب ، وذلك مثل خلقه " . + وقال آخر : " الاتضاع هو شجرة الحياة ، التي لا يموت آكلوها " . + كذلك قال : " الاتضاع هو ارض حاملة للفضائل ، فان هي عدمت الفضائل ، فبالكمال قد هلكت " + قال القديس انبا اغاثون : " أكليل الراهب الاتضاع " . + قال أنبا موسي الاسود : " تواضع القلب يتقدم الفضائل كلها ، والكبرياء هي أساس الشرور كلها " . + سئل شيخ من الرهبان : " ما هو الاتضاع ؟ " .. " فقال : " انه عمل كبير الهي ، وطريقه متعبة للجسد ، وأن تعد نفسك خاطئاً وأقل الناس كلهم " . فقال له الأخ : " وكيف أكون أقل الناس ؟ " . أجابه الشيخ : " ذلك بألا تنظر الي خطايا غيرك ، بل تنظر الي خطاياك ، كما تسأل دائماً أن يرحمك " . + قال القديس باخوميوس : " سألني أحد الأخوة مرة قائلا : قل لي منظرا من المناظر التي تراها لنستفيد منه . فأحبته قائلا : " أن من كان مثلي خاطئا لا يعطي مناظر ولكن أن شئت أن تنظر منظرا بهيا يفيدك بالحق فاني أدللك عليه وهو : اذا رأيت انسانا متواضع القلب طاهرا فهذا أعظم من سائر المناظر ، لأنك بواسطته تشاهد الله الذي لا يري . فعن أفضل من هذا المنظر لا تسأل " . + سئل ما اسحق : " ما هو الاتضاع ؟ " . فقال : " هو ترك الهوي ، والسكون من كل أحد . الاتضاع يتقدم النعمة ، والعظمة تتقدم الأدب ، ان المتعظم بالمعرفة بضميره يسقط في التجديف ، والمبتهج بفضيلة العمل يسقط في الزني ، والمترفع بالحكمة يسقط في فخاخ الجهل المظلمة . أن جمع المتواضع لمحبوب عند الله تعالي كجماعة السيرافيم ، ان الجسم العفيف لكريم عند الله تقدس اسمه أكثر من الضحية الطاهرة وذلك أن هذين ، أعني الاتضاع والعقة ، ضامنان للنفس بحلول الثالوث الأقدس فيها " + وقال أيضاً : " قال الآباء أن الفضائل الثلاثة الآتية جليلة جدا ومن يقتنيها يستطيع ان يسكن في وسط الناس وفي البراري وحيثما أراد . وهي : أن يلوم الانسان نفسه في أسفل لن يقع ومن ذلك يتبين أن المتعالي هو الذي يسقط بسرعة . + تحدث القديس أرسانيوس : عن انسان وفي الحقيقة كان يتحدث عن نفسه فقال : كان أحد الشيوخ جالسا في قلايته متفكرا فأتاه صوت قائلا : هلم فأريك أعمال الناس . فنهض الي خارج فرأي عبدا يقطع حملا من الحطب وبدأ يجرب أن كان يستطيع حمله فلم يستطيع . فبدلا أن ينقص منه قام وقطع حطبا وزاد عليه وهكذا صنع مرارا كثيرة ثم سار قليلا فرأي رجلا آخر واقفا علي حافتة بئر يتناول منه الماء ويصيبه في جرن مثقوب فكان الماء يرجع الي البئر ثانية وجاز قليلا فرأي رجلين راكبين فرسين حاملين عمودا علي المجانية كل من طرف وسائرين بعرض الطريق ، فلم يتضع أحدهما ليكون خلف الآخر فيدخولان العمود طوليا . وعي ذلك بقيا خارج الباب ، وأردف قائلا : هؤلاء هم الحامليون نير ربنا يسوع المسيح بتشامخ ولم يتواضعوا أن يخضعوا لمن يهديهم . لذلك لم يستطيعوا الدخول الي ملكوت السموات . واما قاطع الحطب فهو انسان كثير الخطايا فبدلا من ان يتوب ، يزيد خطاياه . وأما المستقي الماء فهو انسان يعمل الصدقة من ظلم الناس فيضيع عمله . فمن اللائق أن يكون الانسان متيقظاً في عمله حتي لا يتعب باطلا |
الساعة الآن 07:50 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025