منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=289792)

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 05:18 PM

مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي

سلوكيات الشباب المسيحي
أبنائي وأحبائي شباب الكنيسة.. أريد أن أتخاطب معكم، وأذكركم بقول الكتاب المُقدَّس لنا:
"اذكُرْ خالِقَكَ في أيّامِ شَبابِكَ" (جا12: 1).


فكيف نذكر خالقنا في أيام شبابنا؟

أيام قوتنا الروحية والجسدية.. الأيام التي أستطيع أن أهديها لسيدي ومُخلِّصي وفاديّ يسوع المسيح.. أُقدِّم له كل ما أملك وهو باكورة حياتي (شبابي).. لكي يقبلها السيد المسيح ويشتم رائحتها مثل رائحة بخور عطر تفوح رائحته لتملأ كل بيوتنا، كما فاحت رائحة الطيب في بيت سمعان الأبرص، عندما جاءت مريم بقارورة الطيب الناردين الكثير الثمن، وسكبته على قدمي مُخلِّصنا الصالح.. فامتدحها السيد المسيح بل قال: "حَيثُما يُكرَزْ بهذا الإنجيلِ في كُل العالَمِ، يُخبَرْ أيضًا بما فعَلَتهُ هذِهِ تذكارًا لها" (مت26: 13).
أين نحن يا شبابنا المبارك من تعاليم السيد المسيح.. "إنَّ بَيتي بَيتُ الصَّلاةِ" (لو19: 46).. هل نحن بالفعل نحيا هذه الآية؟
بل أصبح تواجدنا في الكنيسة لمجرد المقابلات والعلاقات الاجتماعية، وحضورنا للكنيسة أصبح في مناسبات معينة وفي اجتماعات معينة.. والهدف الأساسي ليس هو حضور الاجتماع أو القداس.. بل لنتقابل بعضنا مع بعض كما نتقابل في كلياتنا أو النادي أو ماشابه ذلك.
أحيانًا كثيرة..

* نقضي وقتًا كثيرًا جدًا في الكنيسة (اسمًا فقط)، ولا ندخل الكنيسة نفسها التي يُصلى فيها القداس أو يُقام فيها الاجتماع.. بل نظل كل الوقت في الفناء أو أمامه أو أمام المكتبة أو في الكافيتريا أو....
* نقضي ساعات طويلة في حلقات ضحك ولهو ونكت وصوت عالي وغيره... ولا نفكر نهائيًا أن ندخل كي نستفيد من القداس أو من الكلمة التي تُقال في الاجتماع.. بل من الممكن أن يعلو صوتنا داخل الفناء لدرجة أنه يُغطي على صوت الكاهن المُصلي أو المُتكلم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. وحينما توجه لنا أي ملاحظة نتذمر ونتضايق ويكون رد فعلنا غريبًا.. (يعني نقف في الكنيسة ونبقى في حضنها ولا نخرج في الأماكن الأخرى أو في الشوارع أو النوادي أو غيره.. أنتم عايزين مننا إيه بالظبط!).
هل من اللائق بنا كشباب مسيحي أن نحيا هذه الحياة؟


نقطة أخرى أصبحت ظاهرة منتشرة الآن بين شبابنا، وهي بعض قصات الشعر وعمل شعر الرأس بشكل معين أو قصة معينة، ونتباهى ونقول هذه القصة هي قصة الفنان الفلاني أو المغني الفلاني أو أو.... وننسى كلام مُعلِّمنا بولس الرسول الذي قال لنا: "لا تُشاكِلوا هذا الدَّهرَ" (رو12: 2).
*هل هذا المنظر عندما نتشبه به يكون لنا فيه صورة المسيح الذي قال:"تعَلَّموا مِني" (مت11: 29)؟
* فماذا نتعلم من السيد المسيح عندما نتمثل بأهل العالم ونتشبه بهم في مظهرهم العام؟
*أين نحن من المبدأ الذي نحيا به: "كُلُّ الأشياءِ تحِلُّ لي، لكن ليس كُلُّ الأشياءِ توافِقُ" (1كو6: 12)؟
*هل بسلوكنا هذا نُقدِّم للآخرين صورة المسيح.. أم ماذا نُقدِّم لهم؟
تعالوا بنا نتذكر الآية القائلة: "صِرنا مَنظَرًا للعالَمِ، للمَلائكَةِ والناسِ" (1كو4: 9). فما هو منظرنا الذي نقدمه للعالم كله، وللناس الذين نعيش في وسطهم؟
* أين نحن من الوصية القائلة لنا: "عيشوا كما يَحِقُّ لإنجيلِ المَسيحِ" (في1: 27)؟
* هل إنجيل السيد المسيح قال لنا نُماثل أهل العالم في سلوكياتهم وتصرفاتهم وأسلوبهم في التخاطب؟
نقطة أخرى نقع فيها دون أن ندري ما هي أبعادها وخطورتها على حياتنا الروحية.. وهي التكلّم والتخاطب ببعض الألفاظ التي يتخاطب بها أهل العالم..
تعالوا بنا نرى مُعلِّمنا يعقوب الرسول يخاطبنا عن اللسان وماذا يخرج منه: "وأمّا اللسانُ، فلا يستطيعُ أحَدٌ مِنَ الناسِ أنْ يُذَللهُ. هو شَرٌّ لا يُضبَطُ، مَملوٌّ سُمًّا مُميتًا. بهِ نُبارِكُ اللهَ الآبَ، وبهِ نَلعَنُ الناسَ الذينَ قد تكَوَّنوا علَى شِبهِ اللهِ" (يع3: 8-9).
فهل الفم الذي نُبارك به الله نلعن به الآخرين أيضًا؟! هل اللسان الذي يبارك الله في الصلوات ويقول: "قدوس قدوس قدوس".. هو نفسه الذي يقول بعض الألفاظ التي لا يجب أن نسمعها من الأصل؟ ويتطور بنا الموقف بأن نسمعها ونتمتع بها وننطق بها.. هذه الكلمات التي نتلفظ بها سوف تؤدي بنا لبعض الخطايا الأخرى.. وهذا الأسلوب العالمي نحن غير مطالبين ولا ملزمين به لا بقليل ولا بكثير.
قد يدافع البعض ويقولون لازم نساير أهل العالم، لكي نقدر أن نعيش معهم أو نأخذ حقوقنا. لأننا عندما نقول صدقني أو الله يسامحك أو... تؤخذ عنَّا فكرة أننا ضعفاء وليس لنا حيلة غير ذلك.
مَنْ قال هذا؟ الإنسان القوي هو الذي يستطيع بكلمة واحدة يقنع من أمامه بأسلوبه وبحياته.
ما هو رأيكم في:

*مَنْ يقف داخل الكنيسة نفسها -وليس في فنائها- ويتكلّم بصوت عالٍ ويصيح ويلهو مع أصدقائه سواء كانوا أولاد أو بنات، ولا يأخذ في اعتباره أنه واقف في بيت الملائكة - والملائكة لغة تخاطبهم هي التسبيح المستمر؟! بل نتحدث في بعض الأحاديث العالمية التي لا يليق بنا أن نتحدث فيها حتى في فناء الكنيسة، ونتكلّم عن آخر فيلم وآخر مباراة وآخر نكتة وآخر وآخر... وننسى "ببَيتِكَ تليقُ القَداسَةُ" (مز93: 5).
* ومَنْ يقف في الكنيسة في فمه قطعة من اللبان كان قد وضعها في فمه قبل دخوله الكنيسة، وعندما دخل احتفظ بها ليستكمل مضغها.
هذا السلوك إنما يُعبِّر عن أن الإنسان ليس لديه فارق بين الشارع والفناء والنادي والكنيسة وغيرها...
نحن كشباب مسيحي إذا تركنا أنفسنا بدون ضابط أو رابط إلى أين سنذهب!! - هل نستطيع بهذه السلوكيات العالمية أن نُقدِّم للآخرين صورة حيَّة للمسيح؟ أين نحن من قول مُعلِّمنا بولس الرسول: "نَسعَى كسُفَراءَ عن المَسيحِ، كأنَّ اللهَ يَعِظُ بنا" (2كو5: 20)!!
نحتاج جميعًا إلى وقفة حساب مع النفس..
لكي نصحح هذا السلوك الغير لائق بنا كشباب مسيحي..
يشهد للسيد المسيح بحياته..
"كَيْ يَرَوْا أعمالكُمُ الحَسَنَةَ، ويُمَجّدوا أباكُمُ الذي في السماواتِ" (مت5: 16).
ربنا يبارك حياتكم.. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 05:19 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
سلوكيات الفتاة المسيحية
أخواتي الأعزاء:
نحن جميعًا أبناء الملك السمائي مُخلِّصنا يسوع المسيح.. وما دمنا أبناء الملك فيوجد حدود لأبناء الملك في التصرفات.. في الزى.. في الكلام.. في السلوكيات العامة لحياتنا.
وما دمنا أبناء ملك فيجب علينا أن نحافظ على هذه الصورة الجميلة التي خُلقنا عليها.. فقد خُلقنا على صورة الله كشبهه.. "وقالَ اللهُ: نَعمَلُ الإنسانَ علَى صورَتِنا كشَبَهِنا" (تك1: 26).
فصورة الله كما تعودناها مليئة بالاتضاع، والمحبة، والصوت الوديع، والشكل الخارجي المهيب التي تجلت في صورة السيد المسيح.. "أبرَعُ جَمالًا مِنْ بَني البَشَرِ" (مز45: 2).
فملكنا كان وديعًا متواضعًا كل مَنْ رآه كان يحب أن يجلس تحت قدميه ليستمع له ويتعلّم منه.
والسيد المسيح وُلد من السيدة العذراء التي لا يشابها أحد في صفاتها.. فنحن نقول في ئيؤطوكية يوم الأربعاء: (تطلع الآب من السماء فلم يجد مَنْ يُشبهك أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ).
فالسيدة العذراء هي أمنا كلنا، وهى مَثلنا الأعلى في التقوى والحشمة وكل شيء.. ونحن نتعجب مما يحدث الآن بينا.. ماذا حدث في هذا العصر؟ فقد قيل عنَّا:
* "أنتُمْ نورُ العالَمِ" (مت5: 14).
* "أنتُمْ مِلحُ الأرضِ" (مت5: 13).
* أنتم "رائحَةُ المَسيحِ الذَّكيَّةُ للهِ" (2كو2: 15).
* أنتم رسالة المسيح.. "أنتُمْ رِسالَتُنا، مَكتوبَةً في قُلوبِنا، مَعروفَةً ومَقروءَةً مِنْ جميعِ الناسِ. ظاهِرينَ أنَّكُمْ رِسالَةُ المَسيحِ" (2كو3: 2-3).
* أنتم مثل "خَميرَةً صَغيرَةً تُخَمّرُ العَجينَ كُلَّهُ؟" (1كو5: 6).
* أنتم "هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟ إنْ كانَ أحَدٌ يُفسِدُ هيكلَ اللهِ فسَيُفسِدُهُ اللهُ، لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الذي أنتُمْ هو" (1كو3: 16-17).
فإذا كنا نحن كل هذا.. فلماذا نفرط في كل هذا المجد وهذه العظمة، ونتمثل بأهل العالم، ونتمثل في زيهم الذي أصبح اليوم يسيء لكل منَّا.. بل ويسيء للمسيحية عمومًا ولمسيحنا القدوس.
نحن (الكنيسة) لا تفرض لبس أو زى معين، ولا تفرض مَنْ يرتديه.. ولكن "كُلُّ الأشياءِ تحِلُّ لي، لكن ليس كُلُّ الأشياءِ توافِقُ" (1كو6: 12).. فما يوافق الآخر لا يوافقني أنا ابنة الملك.. فابنة الملك يجب أن يكون زيها يشرّف أبيها ولا يجلب عليه عارًا.

الإنسان المسيحي إنسانًا يحيا حياه الالتزام في كل شيء.. في الحياة الشخصية وحياته الروحية حياته العائلية وحياته العامة في المجتمع.. فنحن صورة المسيح أمام الجميع.
يقول لنا مُعلِّمنا بولس الرسول: "صِرنا مَنظَرًا للعالَمِ، للمَلائكَةِ والناسِ" (1كو4: 9)..فما هو هذا المنظر الذي صرنا فيه للناس.. هل نصير منظر يشمئز منة الكل.. أم نصير منظر يرى فيه الآخرين صورة المسيح.. "لكَيْ يَرَوْا أعمالكُمُ الحَسَنَةَ، ويُمَجّدوا أباكُمُ الذي في السماواتِ"(مت 16:5)؟
الفتاة المسيحية يجب أن يكون لها رونق مميز عن الآخرين.. فقديمًا كانت تعرف الفتاة المسيحية من بعيد من مظهرها الخارجي المحتشم الذي يجبر الكل أن ينظر لها نظرة احترام وتقدير.
وأما الآن فماذا يحدث في لبسنا، ومظهرنا الخارجي، وما نستخدمه من أدوات تجميل تزيد عن الحد الطبيعي الذي يجعل الطرف الآخر أن ينظر إلينا بنظرة غريبة.. إما نظرة احتقار أو افتراس!!
أتساءل مرارًا وتكرارًا ماذا يحدث في أفراحنا اليوم.. ماذا يحدث في حضورنا صلاة الإكليل (سر الزيجة)؟! اعلموا يا أخوتي أنه سر مُقدَّس مثل الإفخارستيا وسر المعمودية وسر الاعتراف وباقي الأسرار.
* هل يليق بنا أن نذهب إلى كنائسنا المليئة بالملائكة والقديسين لأننا نقول في تسبحة باكر: "السلام للكنيسة بيت الملائكة".. بهذه الملابس الغير محتشمة وهذا المنظر الخارجي الذي يوحى للآخرين أننا ذاهبون إلى حفلة في أحدى أماكن الحفلات الليلية؟
ماذا حدث لنا في هذا العصر وهذه الأيام..
* هل ذاب الملح وتلاشى في بحر العالم؟
* هل أنطفأ النور الذي ينير العالم وسط ظلامه الذي يتزايد يومًا بعد يوم؟
* هل ضاعت صورة السيد المسيح؟
* هل تلاشت رائحة المسيح الذكية؟
* هل تمزقت رسالة المسيح المقروءة للجميع وطُرحت في سلة المهملات؟
أين نحن الآن؟!
هل يليق بنا أن نذهب لحضور سر الزيجة المُقدَّس لمجرد تقديم التهنئة للعروسين واستعراض لمظهرنا الخارجي؟
ولا نكتفي بذلك.. بل قد يحدث أن نذهب بعد الإكليل في إحدى الأماكن التي يقيم فيها العروسين حفلًا مبهجًا للجميع، لكي نقضى باقي السهرة في فرح عالمي ولهو فاضح لا يليق بنا كمسيحيين وننسى نهائيًا أننا كنا في الكنيسة، وقد حل الروح القدس على العروسين وحولهم شخصًا واحدًا.،"إذًا ليسا بَعدُ اثنَينِ بل جَسَدٌ واحِدٌ" (مت19: 6).
الروح القدس الذي يحل على القربانة ويحولها إلى جسد حقيقي للسيد المسيح، ويحل على عصير الكرمة ويحولها إلى دم حقيقي للسيد المسيح.. هو نفسه الذي يحل على العروسين ويحولهم شخص واحد وكيان واحد.. فهل نخرج بعد ذلك لنضيع أقدس لحظات في عمرنا بالهو والغناء والرقص وغيره؟
ختامًا أقول:

الفتاة المسيحية التي ترتدي الصليب على صدرها يجب أن يكون كل تصرف في حياتها يمجد الصليب الذي ترتديه، وتمجد السيد المسيح نفسه"كَيْ يَرَوْا أعمالكُمُ الحَسَنَةَ، ويُمَجّدوا أباكُمُ الذي في السماواتِ" (مت5: 16).
ارجعوا إلى قول مُعلِّمنا بولس الرسول القائل لنا جميعًا:"لا تُشاكِلوا هذا الدَّهرَ" (رو12: 2).
إذًا.. فيجب عليكن أن تكن فتيات مميزات في كل شيء حسن عن أهل هذا العالم، ولا نتشبه بهم في أي شيء.
ربنا يبارك حياتكم .. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 05:27 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
كيف.. ولماذا أعترف؟!

https://upload.chjoy.com/uploads/1358668224572.jpg

الراهب القس بطرس البراموسي

فهرس

أهمية سر الاعتراف
لماذا نعترف للكاهن؟
كيف اختار أب
ما هي حدودي مع أب الاعتراف؟


في إحدى الأيام طلب مني أحد الخدام بأن أقدم ندوة للشباب عن أهمية سر الاعتراف، والمشاكل التي تواجهنا في هذا العصر.. وباءت الندوة بأهمية هذا السر، ثم توالت بعض التساؤلات وطُلب الرد عليها.



أهمية سر الاعتراف:


سر الاعتراف هو السر الذي يُمارسه الإنسان لكي يقدم توبة عن كل ما فعله من خطايا وشرور، ويلقي بهذه الخطايا مُعترفًا بها وتائبًا عنها، ويعترف بها لله في سمع الأب الكاهن، فيقوم الأب الكاهن بصلاة التحليل للمُعترف، فتنتقل الخطية من حساب الشخص المُعترف إلى حساب السيد المسيح، فيغفرها له.

وعندما وصلنا إلى هذه النقطة.. قاطعني أحد الشباب المستمعين بسؤال:



لماذا نعترف للكاهن؟ فالكاهن هو شخص مثلنا.. نريد أن نعترف لله مباشرة.



نُعيد القول..

* إننا نعترف للسيد المسيح في سمع الأب الكاهن.. معك حق إن الكاهن شخص مثلنا.

* لكن الكاهن لا ينسى أنه وكيل لأسرار الله، وهذا الوكيل له حق ممارسة هذه الأسرار.

* واعترافنا أمام الكاهن يُعطي الشخص نوع من الخجل وهو يعترف بخطاياه.

* الإنسان يخجل من الكاهن، وفى نفس الوقت يسمع الإرشاد المناسب عن كيفية التغلب على هذه الخطايا التي تسيطر عليه.

* كثيرًا ما يشكو الإنسان بأنه توجد خطية أو بعض الخطايا تسيطر عليه، ولا يستطيع الشخص أن يقلع عنها، لكن بالمناقشة مع أب الاعتراف في كيفية التغلب على هذه الخطايا يمكنه بمساعدة أب اعترافه أن يُبطل هذه الخطايا، وبمتابعة أب الاعتراف لابنه وبمساندته له، وصلواته لابنه يأخذ المُعترف قوة وشجاعة، ويقف مثل الابن الأصغر ويقول: "أقومُ وأذهَبُ إلَى أبي وأقولُ لهُ: يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ، ولستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا. اِجعَلني كأحَدِ أجراكَ" (لو15: 18-19).

* فالاعتراف يكون لله في سمع الأب الكاهن.. وبعد أخذ الإرشاد المناسب يُصلى لنا الكاهن صلاة التحليل لمغفرة الخطايا التي اعترفنا بها: (... الذي نفخ فى وجه تلاميذه الأطهار ورسله المكرمين قائلًا: "مَنْ غفرتم لهم خطاياهم غفرت ومَنْ أمسكتموها عليهم أمسكت"... عن عبدك (فلان) وضعفي المنحنيين برأسهما أمام وجهك المقدس.. ارزقنا رحمتك واقطع عنَّا كل رباطات الخطايا.. إن كنَّا قد أخطأنا إليك في شيء بعِلم أو بغير عِلم أو.... فأنت كصالح ومحب البشر اللهم أنعم لنا بغفران خطايانا.. باركنا.. طهرنا.. حاللنا وحالل كل شعبك...).

إذن فنحن في صلاة التحليل.. نأخذ غفران خطايانا من السيد المسيح نفسه له المجد وليس من الكاهن، .. لكن نسمعه من فم الكاهن لأن هذا السلطان أعطي له.. "مَنْ غَفَرتُمْ خطاياهُ تُغفَرُ لهُ، ومَنْ أمسَكتُمْ خطاياهُ أُمسِكَتْ" (يو20: 23).



سؤال: أنا شاب مش عارف أختار أب اعترافي.. فكيف أختاره؟

لماذا لا تعرف أن تختار أب اعترافك وأنت إنسان ناضج تعرف أن تختار كل شيء، ولكن أساسًا يجب أن تتوافر بعض الشروط المهمة في الأب الكاهن الذي تختاره كأب اعتراف:

* أن تكون أنت ترتاح إلى أسلوبه وشخصيته.

* أن يكون قريبًا منك من المنطقة السكنية إن أمكن، ذلك لكي يسهل أن تتقابل معه باستمرار حسب الظروف المتاحة.

* أن يكون عنده مُتسع من الوقت لكي تجلس معه وتتحاور في كل شيء تريد أخذ إرشاده فيه.

هذه الشروط الثلاثة الأساسية على الأقل لابد أن تتوافر في أب الاعتراف الذي تختاره لكي يسهل عليك أن تبدأ وتستمر.. وفي نفس الوقت تكون أنت ملتزم باستمرار على مقابلته في مواعيد ثابتة حسب ترتيبها بينكما.


سؤال: أنا شابة أعترف بانتظام، ولكنني أريد أن أعرف ما هي حدودي مع أب الاعتراف؟

إن علاقة المعترف مع أب الاعتراف هي علاقة أب وابن أو ابنة.. وطبعًا هذه العلاقة يجب أن تكون علاقة صريحة وواضحة.. أي لا يحجب المُعترف أي شيء في حياته عن أب اعترافه.. يجب أن يأخذ مشورته في كل شيء لكي يأخذ خبرته، ويأخذ إرشاده لأن الكتاب المقدس يقول: "الذين بلا مرشد يسقطون كأوراق الشجر".

وأيضًا يجب أن أحافظ على وقت أب الاعتراف:

* كثيرين يشتكون ويقولون إن أب اعترافي لا يعطيني وقتًا كافيًا لكي أتكلم في كل شيء أريد أن أتكلم فيه.

* دائمًا أب اعترافي مشغول.. وحينما استفيض في الكلام في إحدى المواضيع أفاجأ بأن أب اعترافي يمسك الصليب ويقف يصلي لي التحليل ويقاطعني في الكلام ويقول: (يكفى هذا.. أنا مشغول).

من الطبيعي أن يتصرف أب اعترافك هذا التصرف، لأنك من الممكن أن تتكلم في حكايات كثيرة بعيدة عن الاعتراف.

فمن الأخطاء الشائعة أن يلتقي المُعترف بأب اعترافه، ويتكلم ساعة أو أكثر عن حكايات غريبة وخطايا آخرين.. دون أن يدرك أنه بعد هذا الوقت الكثير لم يعترف بأي شيء يخصه... فهل أنا ذاهب لأب اعترافي لكي اعترف عن خطاياي أم عن خطايا الآخرين؟!

أيضًا إذا أخذت وقتًا طويلًا من أب اعترافك.. فهل لا يوجد غيرك الذي يريد أن يعترف، ويكون أب الاعتراف عنده مئات المعترفين غيرك؟

من أين يأتي بالوقت الذي يكفي هؤلاء المئات بجانب الصلوات الطقسية المطلوبة منه: (قداسات، جنازات، خطوبات، أكاليل، صلاة حميم، معموديات... بجانب الافتقاد وزيارة المرضى... الخ)؟

من أين يكفي هذه الخدمات كلها وقتًا، وكل مُعترف يريد أن يجلس بكامل راحته مع أب اعترافه، ولا يضع في ذهنه أنه يوجد غيره يريد أن يعترف؟

نحن نقترح هنا أن في وقت الاعتراف نخصص الكلام في الخطايا التي وقعنا فيها، ونترك طلب الإرشاد في أي مواضيع أخرى في أي وقت وقت أتقابل معه.. بعد القداس أو بعد اجتماع أو أي وقت فراغ آخر، وأترك أوقات الاعتراف المعروفة والمُعلن عنها لكل المعترفين.. احترامًا لوقت الأب الكاهن وأيضًا لوقت المعترفين الآخرين.

ويجب أن تكون حدودي بيني وبين أب اعترافي كالآتي:

* الاحترام والتوقير.

* والسماع لإرشاده.

* وطلب صلواته باستمرار.

* وعدم تواجد دالة زائدة لكي لا تضيع هيبة أب الاعتراف من نظري، وأبدأ أفقد توقيري الكامل له.

وهنا نسمع المَثَل الشعبي: "كثرة الألفة تزيل الكلفة".. فلابد أن نحافظ على هذه المهابة والتوقير والمحبة المتبادلة بيني وبين أب اعترافي.

ربنا يبارك حياتكم ويجعلنا نحيا حياة التوبة المستمرة..

ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 05:31 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
كيف.. ولماذا أعترف؟! 2
نتابع معًا بقية الأسئلة عن سر الاعتراف:


سؤال: أنا أخاف أن أحكي لأب اعترافي كل شيء.. لئلا يأخذ عني فكرة سيئة، ويحتقرني، وأصغر في نظره، ويغيِّر طريقة تعامله معي؟

طبعًا هذا التفكير تفكير خاطئ.. لأنه يجب أن أعترف لأب اعترافي بكل شيء ولا أحجب عنه شيء. تخيلوا معي مريضًا ذهب لطبيب لأنه يعاني من مرض ما.. وهذا المريض وصف للطبيب نصف الأعراض التي يعانى منها.
هل من المتوقع أن يكتشف هذا الطبيب المرض اكتشافًا سليمًا، ويبدأ في علاجه ويأتي هذا العلاج بالنتيجة المطلوبة وهي شفاء المريض؟
بالطبع لا.. لأن المريض لم يعرض للطبيب كل ما يعاني منه.
هكذا بالنسبة للمُعترف.. إذا ذكرت بعض الخطايا ولم تذكر الباقي خوفًا من أن أب اعترافك يأخذ عنك فكرة تسيء إليك وسوف يغيِّر فكرته عنك.
أقول لك: لا تخف من هذا.. كيف تخاف من أبوك الذي يريد أن يضمد جميع جراحاتك.. الذي يفرح ويقف منتظرك.. وعندما يراك من بعيد يفرح.. "فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ" (لو15: 20).
*أب اعترافك منتظرك لكي تحكي له كل متاعبك، ومتوقع أن يسمع منك ضعفاتك وخطاياك.. وليس أن يسمع طموحك ومشاريعك وما حققته من نجاح علمي.
*لا تخف من ذلك لأنه ليس صحيحًا أن يغيِّر أب اعترافك فكرته عنك بمجرد أن تقول له بعض الخطايا.. وإذا لم تقل هذه الخطايا لأب اعترافك.. هل سوف تحتفظ بها داخلك مدى الحياة أم لمَنْ تقولها؟
*إذا قلتها لأحد آخر سوف يقول لك الشيطان نفس هذه المقولة: "لا تعترف بها لأبونا لكي لا يغيِّر فكرته عنك".. وتظل هذه الخطية رابطة داخلك تتعبك طوال حياتك لأنك لم تبوح بها لأب اعترافك.
*كن شجاعًا واعترف لأبيك بكل شيء، وتأكد أن أب اعترافك سوف لا يغيِّر فكرته عنك بمجرد سماعة بعض الخطايا التي تعاني منها.
*الكاهن مثل الطبيب.. مَنْ من الأصحاء يذهب للطبيب! كل مَنْ يذهب للطبيب هو مريض ودائمًا الطبيب منتظر المريض.. "لا يَحتاجُ الأصِحّاءُ إلَى طَبيبٍ، بل المَرضَى" (لو5: 31)، (مت9: 12)، (مر2: 17).. هكذا الكاهن منتظر منك اعتراف بالخطايا والرذائل وليس حكايات عن أحلامك المستقبلية.
بعضنا يقع في مشكلة التأجيل.. فسؤال يطرح كثيرًا..
إنني باستمرار أؤجل الاعتراف.. وكلما أردت الاعتراف يأتي عليّ فكر أن أنتظر إلى الأسبوع القادم وأسبوع يجر أسبوع.. فأجد أنني أجلت الاعتراف لمدة شهور.. فما هو الحل؟

هذه طبعًا حرب من حروب الشيطان وهي حرب التأجيل.. وهذه حرب في منتهى الخطورة في ممارسة سر الاعتراف..
*لا تؤجل الاعتراف مهما كانت الظروف حتى لا تتعود على ذلك.. فالتأجيل يجعلك تتراضى في ممارسة السر، وأيضًا يجرك إلى النسيان.. فكلما طال الوقت من الاعتراف للآخر.. ينسى الإنسان ما قد وقع فيه من أخطاء وخطايا.
*حاول باستمرار أن تحدد مواعيد ثابتة للاعتراف مع أب اعترافك، ويكون إلزام عليك أن تلتزم بهذا الميعاد حتى لو كنت لا تشعر بالرغبة في الاعتراف.. وذلك لكي تحافظ على التزامك بالاعتراف.. وإذا طال الوقت لظروف خارجة عن إرادتك يكون معك ورقة خاصة بك لا يراها غيرك، وتكتب فيها أفكارك والخطايا التي وقعت فيها.
*حاول أن تجمع فكرك أثناء محاسبة نفسك.. فالمفروض علينا أن تكون لنا جلسة هادئة ولو لعدة دقائق يوميًا في آخر اليوم لكي تحاسب نفسك وترى ماذا عملت طوال اليوم.. وتكتب بهدوء خطاياك التي وقعت فيها.
هنا وننتقل إلى سؤال مهم آخر وهو..
ما هي التصرفات التي يجب مراعاتها قبل الاعتراف وأثناء الاعتراف؟

أهم تصرف يجب أن يسلك فيه الإنسان طوال حياته وليس في الاعتراف أو ما قبله فقط هو الخشوع المستمر.
إذا الإنسان سلك بهذا الأسلوب المسيحي.. سوف يخجل من فِعل الخطية من الأصل، وإذا وقع فيها دون ما يدري يقوم بسرعة ويُحاسب نفسه ويقف على قدميه ويقول: "لا تشمَتي بي يا عَدوَّتي، إذا سقَطتُ أقومُ" (مي7: 8).
أما قبل الاعتراف مباشرة فيجب على كل واحد منَّا:
*محاسبة نفسه بتدقيق وبجدية وبدون أن يعطي لنفسه أي أعذار أو يختلق لنفسه بعض الأعذار في كثير من الخطايا التي وقع فيها.
*يُحاسب الإنسان نفسه ماذا فعل من خطايا.
*ويكتبها في ورقة إذا كان خائفًا من النسيان كما قلنا.
*ويفحص فكره وتصرفاته كلها في الفترة التي لم يعترف فيها.
*ويقدم عنها توبة لله في صلاة فردية داخل غرفته الخاصة قبل ذهابه لأب اعترافه.
هذا ما فعله الابن الضال.. "فرَجَعَ إلَى نَفسِهِ وقالَ: كمْ مِنْ أجيرٍ لأبي يَفضُلُ عنهُ الخُبزُ وأنا أهلِكُ جوعًا! أقومُ وأذهَبُ إلَى أبي وأقولُ لهُ: يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ، ولستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا. اِجعَلني كأحَدِ أجراكَ" (لو15: 17-19).
وبعد أن يحاسب الإنسان نفسه بدقة ويفحص فكره جيدًا يذهب لأب اعترافه لكي يقدم توبة أمامه.. "فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ. فقالَ لهُ الاِبنُ: يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ، ولستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا" (لو20:15-21).
*يقدم الإنسان توبة بقلب نادم على كل خطأ وقع فيه.
*ويكون خاشعًا في كلامه واعترافه.
*نادمًا - احساس المذنب- كل ما ينطق به يكون بالفعل نادمًا عليه ومعترفًا بخطئه فعلًا.
*ويكون الإنسان مركزًا كلامه كله في خطاياه وأخطاءه هو وليس على خطايا الآخرين.
إننا نرى البعض قد يأخذون وقتًا طويلًا في الاعتراف ويكون اعترافهم عبارة عن سرد لأخطاء مَنْ حولهم ومَنْ يتعاملون معهم.
يحضر شخص للاعتراف.. ونجده يحكي بعض القصص التي تستغرق وقتًا طويلًا،يحكى قصة بكاملها وكل ظروفها، ويسرد كل تصرف حدث من كل شخص اشترك في هذه القصة، ويُعلق بعض التعليقات على هؤلاء الأشخاص، ومَنْ منهم مذنب ومَنْ منهم بريء، وينصب ميزان الحكم على الآخرين.. بل من الممكن أن يخرج من هذه القصة إلى قصة متعلقة بها ويكون فيها أشخاص آخرين، ويتخذ معهم نفس الأسلوب الذي اتخذه مع الآخرين.. وفي كل هذا لا يسرد ماذا فعله هو، أو ما الخطأ الذي صدر منه الذي جعله يسرد هذه القصة الطويلة التي استغرقت حوالي النصف ساعة.
وفى آخر جلسة الاعتراف يكون هذا الشخص جلس مع أب اعترافه جلسة مودة وصداقة يحكي له قصص وحكايات، ولم يعترف بخطية واحدة.
هل هذا يعتبر اعتراف؟ أب اعترافك في هذه الحالة يصلي التحليل لمَنْ - لك أم للآخرين الذين اعترفت بأخطائهم؟
ومن الممكن أن الإنسان يكون تفكيره عن أب اعترافه أنه هو حلال المشاكل.. أذهب إليه عندما أقع في مشكلة.. أو حينما أكون متضايق من موضوع ما.. أجري عليه وأحكي معه.
وذلك في وقت الاعترافات وليس في أي وقت آخر.. وهذا هو الخطأ.. لأنني أستهلك وقت باقي المعترفين في هذه المشاكل.
أريد أن أقول يجب أن نميز بين أب الاعتراف وبين الصاحب أو الصديق الذي أتكلم معه في أي شيء يخصني.
سؤال: إننى في اعترافي أحجب (أخبي) خطية معينة عن أب اعترافي.. لا أريد أن أقولها له.. ها هذا خطأ؟

طبعًا هذه الطريقة خطأ..
أب الاعتراف هو الطبيب وأنا المريض.
كيف يعالج الطبيب المريض دون أن يحكي المريض كل المرض الذي يعاني منه؟
تخيلوا مريضًا ذهب للطبيب وسأله الطبيب بماذا تعاني.. وما هي شكواك؟ وقال المريض بعض الأعراض التى يعانى منها، ولكن جاء على عرض مهم جدًا يعاني منه، ولم يذكره للدكتور وهذا العرض يكون المريض فقط هو الذي يؤلمه أو يشعر به.. وكتب الطبيب العلاج حسب المريض وسماعه لشكوته.. هل سوف يأتي الدواء الذي كتبه الطبيب بنتيجة فعّالة ويشفى المريض شفاءً تامًا؟ أم يظل يعاني من هذا المرض لأنه لم يعرف حالته بالكامل للطبيب؟
هكذا كل إنسان منَّا إذا اعترف ببعض الخطايا وترك خطية أو اثنين لم يقولها خجلًا من أب اعترافه أو خوفًا من اهتزاز صورة الشخص أمام أب اعترافه.. وكلها تخيلات شخصية.. فصورتك لا تهتز إطلاقًا أمام أب اعترافك ما دمت صريحًا وواضحًا ضد الخطايا التي تقع فيها.
بل صورتك سوف تهتز بالفعل عندما تنكشف حقيقة فعلًا أنك تكذب على أب اعترافك أو أنت لا تتعامل معه بصراحة وأمانة وتخفي الخطايا عنه.. هذا الذي سوف يهز صورتك وليس اعترافك بكل أمانة بكل خطاياك.
أريد أن أذكركم بقول مُعلمنا يعقوب الرسول: "اِعتَرِفوا بَعضُكُمْ لبَعضٍ بالزَلاَّتِ" (يع5: 16).
إذًا يجب علينا أن نثق فى أب الاعتراف.
إنه أب يريد خلاص كل منَّا..
ويفرح أيضًا بتوبتنا، كما فرح الأب عند رجوع ابنه.
*"فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ" (لو15: 20).
*"فقالَ الأبُ لعَبيدِهِ: أخرِجوا الحُلَّةَ الأولَى وألبِسوهُ، واجعَلوا خاتَمًا في يَدِهِ، وحِذاءً في رِجلَيهِ، وقَدّموا العِجلَ المُسَمَّنَ واذبَحوهُ فنأكُلَ ونَفرَحَ، لأنَّ ابني هذا كانَ مَيّتًا فعاشَ، وكانَ ضالًا فوُجِدَ. فابتَدأوا يَفرَحونَ" (لو15: 22-24).
ربنا يبارك حياتكم ويجعلنا نحيا حياة التوبة المستمرة..
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:23 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
سؤال: إننى في اعترافي أحجب (أخبي) خطية معينة عن أب اعترافي.. لا أريد أن أقولها له.. ها هذا خطأ؟


طبعًا هذه الطريقة خطأ..
أب الاعتراف هو الطبيب وأنا المريض.
كيف يعالج الطبيب المريض دون أن يحكي المريض كل المرض الذي يعاني منه؟
تخيلوا مريضًا ذهب للطبيب وسأله الطبيب بماذا تعاني.. وما هي شكواك؟ وقال المريض بعض الأعراض التى يعانى منها، ولكن جاء على عرض مهم جدًا يعاني منه، ولم يذكره للدكتور وهذا العرض يكون المريض فقط هو الذي يؤلمه أو يشعر به.. وكتب الطبيب العلاج حسب المريض وسماعه لشكوته.. هل سوف يأتي الدواء الذي كتبه الطبيب بنتيجة فعّالة ويشفى المريض شفاءً تامًا؟ أم يظل يعاني من هذا المرض لأنه لم يعرف حالته بالكامل للطبيب؟
هكذا كل إنسان منَّا إذا اعترف ببعض الخطايا وترك خطية أو اثنين لم يقولها خجلًا من أب اعترافه أو خوفًا من اهتزاز صورة الشخص أمام أب اعترافه.. وكلها تخيلات شخصية.. فصورتك لا تهتز إطلاقًا أمام أب اعترافك ما دمت صريحًا وواضحًا ضد الخطايا التي تقع فيها.
بل صورتك سوف تهتز بالفعل عندما تنكشف حقيقة فعلًا أنك تكذب على أب اعترافك أو أنت لا تتعامل معه بصراحة وأمانة وتخفي الخطايا عنه.. هذا الذي سوف يهز صورتك وليس اعترافك بكل أمانة بكل خطاياك.
أريد أن أذكركم بقول مُعلمنا يعقوب الرسول: "اِعتَرِفوا بَعضُكُمْ لبَعضٍ بالزَلاَّتِ" (يع5: 16).
إذًا يجب علينا أن نثق فى أب الاعتراف.
إنه أب يريد خلاص كل منَّا..
ويفرح أيضًا بتوبتنا، كما فرح الأب عند رجوع ابنه.
*"فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ" (لو15: 20).
*"فقالَ الأبُ لعَبيدِهِ: أخرِجوا الحُلَّةَ الأولَى وألبِسوهُ، واجعَلوا خاتَمًا في يَدِهِ، وحِذاءً في رِجلَيهِ، وقَدّموا العِجلَ المُسَمَّنَ واذبَحوهُ فنأكُلَ ونَفرَحَ، لأنَّ ابني هذا كانَ مَيّتًا فعاشَ، وكانَ ضالًا فوُجِدَ. فابتَدأوا يَفرَحونَ" (لو15: 22-24).
ربنا يبارك حياتكم ويجعلنا نحيا حياة التوبة المستمرة..
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:25 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
الخادم وحياة الصلاة
إن الصلاة هي أداة اقتراب الإنسان من الله..
*فهي تُمثل العلاقة الشخصية بين الإنسان والله.
*وهي علاقة العروس بعريسها السماوي.
ففيها..
*تقترب النفس البشرية إلى عريسها المحبوب شهوة قلبها.
*يقترب الشيء إلى كل شيء.
*يقترب الكيان المحدود إلى اللا محدود.
*تقترب الطبيعة الساقطة إلى الله الذي بلا خطية.. ليغسلها ويُطهرها، ويُعيد لها صورتها الأولى الجميلة التي ُخلقت عليها.
بالصلاة.. نستطيع أن نفتح السماء..
لأن الصلاة هي مفتاح السماء..
كما أن التوبة هي باب السماء.
ففي الصلاة تُشفى النفس المريضة المنكسرة..
وبالصلاة تفرح النفس الحزينة.
فالصلاة هي باب ثمين..
مَنْ يُفرط أو يتهاون فيه..
فهو يُفرط في أغلى شيء عنده.
لقد تغنى آباءنا القديسين بعِظَم الصلاة وقوتها وفاعليتها.. لأنها كانت حياتهم ومصدر شبعهم وغذائهم الروحي الذي لا ينتهي، وعين الماء التي يستقوا منها ولا تنضُب.
*"الصلاة هي سلاح عظيم، كنز لا يفرغ، غنى لا يسقط أبدًا، ميناء هادئ.. هي مصدر وأساس لبركات لا تُحصى.. هي قوية.. بل أشد من القوة ذاتها" (القديس يوحنا ذهبي الفم).
*"الصلاة هي مفتاح السماء.. بقوتها تستطيع كل شيء.. هي حِمى نفوسنا.. مصدر لكل الفضائل.. هي السلّم الذي نصعد به إلى الله.. هي عمل الملائكة.. هي أساس الإيمان" (القديس أغسطينوس).

لذلك أصبحت الصلاة احتياج أساسي للإنسان مثل الأكل والشرب.. فكما يهتم الإنسان بغذائه الجسدي لضمان استمرار الحياة بصحة جيدة.. هكذا لابد من استمرارية الصلاة من أجل ضمان صحة الروح أيضًا.
فما أكثر حاجة الإنسان للصلاة من أجل احتياجاته الروحية والجسدية معًا.. فبدون الصلاة لا تستقيم الحياة الروحية.. فهي المطلب الأول لبداية طريق الروح والجهاد الروحي لأنها تعلّمنا كل شيء.
*الصلاة فيها شفاء من كل الزلات والخطايا.
*الصلاة هي رباط متين يربطنا بالله، ويشدنا بالسماء بقوة، ويقينا شر السقوط والانحراف.. فهي تخلّصنا من كل الضيقات والمتاعب.
حتى إذا اعترانا فتور في الصلاة نفسها، وبدأ إحساس الملل والضجر وعدم الرغبة وعدم الشعور بالتلذذ بها.. فليس علاج من هذا إلاَّ الالتجاء للصلاة.. فبالتمسك بالصلاة نستطيع أن نخرج من حفرة الملل والضجر والفتور.
يستطيع الإنسان أن يقول: "مهما حصل لي لازم أصلي".. فالاستمرارية حتى مع عدم الشعور بقيمتها هو الضامن الوحيد للرجوع إلى حياة الصلاة بعمق وتركيز وتأمل واستمتاع.
*إن الصلاة بالنسبة لحياتنا الروحية هي مثل اليد بالنسبة للجسد.. فاليد عضو عام للجسد كله، ومع ذلك فهي آلة خاصة لذاتها تخدم بها نفسها.. فإذا كانت يد مريضة تداويها اليد الأخرى، وإذا كانت متسخة فتغسلها وتنظفها، وإذا كانت باردة فتدفئها... ولذلك فاليد تعمل كل شيء.
هكذا الصلاة هي العنصر الأساسي لحياتنا الروحية، وبالاهتمام بحياتي الروحية أكون مهتم بالروح والجسد.. (والعكس ليس صحيح).
*إن الصلاة بالنسبة للإنسان هي مثل النَفَس الذي يدخل الرئتين بالنسبة للجسد.. فبدون استنشاق الهواء لا يستطيع الإنسان أن يعيش، لأن الرئتين كيف تعمل وما هو عملها بدون هواء؟! فبقلة الهواء يحدث اختناق ويموت الإنسان (الجسد).. هكذا الصلاة عندما تقل تضعف الروح وتذبل بل قد يؤدي ذلك إلى موت الإنسان (روحيًا).
ونستطيع أن نلمس حاجتنا للصلاة بالنظر إلى النقاط الآتية:

أولًا: لأنها سر النصرة:

لاشك أن الصلاة هي سر النصرة في حياتنا الروحية والجسدية.
*يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:"إذا لاحظت أن إنسانًا لا يحب الصلاة.. فاعرف في الحال أنه ليس فيه شيء صالح بالمرة.. فالذي لا يُصلي لله هو ميت وليست فيه حياة".
ولقد ذُكر عن القديس تادرس المصري القصة التالية:
"في حين وجوده في القلاية في الإسقيط.. أتاه شيطان محاولًا الدخول، فربطه خارج القلاية بصلاته.. وأتاه شيطان ثاني وحاول دخول قلايته، فربطه القديس أيضًا خارجها.. ثم جاء شيطان ثالث فلما وجد زميليه مربوطين قال لهما: "ما بالكما واقفين هكذا خارج القلاية؟" فأجاباه: "بداخل القلاية مَنْ هو واقف يمنعنا من الدخول". فغضب هذا الأخير وحاول اقتحام القلاية، لكن القديس ربطة كذلك بصلاته.. فضجت الشياطين من صلاة القديس، وطلبوا أن يطلق سراحهم.. حينئذ قال لهم: "أمضوا واخزوا"، فمضوا بخزي عظيم".
هذه هي قوة الصلاة..
هي سور يحمينا من هجمات العدو الشرير.
ثانيًا: لأنها وسيلة البركات:

*بالصلاة يكمل عمل التوبة.. فعندما يريد شخص ما أن يقدم توبة عملية فلا بد أن يقدمها في الصلاة.
*بمداومة الإنسان على الصلاة ينمو بداخله إحساس الحياة والحشمة من الله.. "الذي يتهاون في عفة جسده يخجل في صلاته" (القديس الأنبا موسى الأسود).
*وقت الصلاة هو الوقت الذي نلتقي فيه مع الله، ونحظى بحضوره معنا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. "لأنَّهُ حَيثُما اجتَمَعَ اثنانِ أو ثَلاثَةٌ باسمي فهناكَ أكونُ في وسطِهِمْ" (مت18: 20).
*بالصلاة نسعى ونسير نحو نقاوة القلب.. لأنها توضِّح للإنسان عيوبه وخطاياه.. "بالصلاة نصل إلى الحب الإلهي الذي هو أسمى الفضائل والدرجات" (مار إسحق).
*وبالصلاة نتأهل لأن نشعر بمراحم الله ونتمتع بإحساناته.. "الصوم والصلاة هما اللذان عملا بهما الأنبياء والرسل والشهداء ولبّاس الصليب" (قسمة الصوم الكبير).
فما أعمق وأغزر حياة الصلاة..
فهي تؤهلنا لمعرفة لغة السماء..
وطننا الأصلي الذي نسعى جميعًا للوصول إليه.
أخي الخادم.. اسأل نفسك..

*هل أستطيع أن أخدم بدون صلاة؟
*ما هو عمق صلاتي.. هل هي بنفس مقدار الخدمة؟
*هل اهتمامي بمخدعي وصلاتي الشخصية مثل اهتمامي بالخدمة المُؤتمن عليها؟
*هل أحاسب نفسي على تقصيري في الصلاة مثلما أحاسب نفسي على تقصيري في الخدمة؟
*هل صلاتي في حياتي رقم واحد وبعدها الخدمة.. أم العكس؟
*هل مخدومينا يروا فينا (الخادم والخادمة) - (المُصلي والمُصلية) بالفعل وليس بالمظهر؟
* هل اهتم بحضور القداس قبل الخدمة ليبارك الرب خدمتي.. أم أنشغل في هذا الوقت بتجهيز الخدمة وتحضيرها، وأترك الذبيحة على المذبح دون التمتع بها؟
نحن نحتاج إلى خادم مُصلى..
وليس خادم متكلم وواعظ شهير.
فالصلاة هي التي تعطي النجاح للخدمة..
وتثمر في قلوب المخدومين.
فهلموا بنا نطلب من السيد المسيح في صلاتنا الشخصية..
أن ينجح كل ما تمتد إليه أيدينا.
ربنا يبارك حياتكم وخدمتكم ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:27 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
العفة والطهارة في حياة السيدة العذراء والآباء الشهداء
*حياة العفة والطهارة من أهم مقومات الحياة الروحية.. فهي التي تساعد الإنسان في جهاده الروحي وبناء حياته الروحية بناءً سليمًا، وعلى أساس صخري لا ينحل ولا ينهدم أمام عواصف الحياة وصدمات التجارب.
*إن العفة تساعد الإنسان على تكوين علاقة قوية بين الإنسان والله عن طريق الصلاة.. وعلى عكس ذلك مَنْ يتهاون فيها تكون مُعطلًا قويًا في حياته وصلاته.. وذلك كما قال الأنبا موسى الأسود: "الذي يتهاون في عفة جسده يخجل في صلاته".
وهذا ما يحدث بالفعل.. فالذي يسلك أي سلوكًا شاذًا أو منحرفًا لا يستطيع أن يقف للصلاة.. فكيف يقف أمام الله بهيكل مُنهدم ومُدنس وفاسد.. "أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟ إنْ كانَ أحَدٌ يُفسِدُ هيكلَ اللهِ فسَيُفسِدُهُ اللهُ، لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الذي أنتُمْ هو" (1كو3: 16-17).
هذه العفة تميزت بها السيدة العذراء مريم..
وعاشت طوال حياتها بطهارة.
*لقد عاشت السيدة العذراء مريم بتولًا طاهرة في بيت خطيبها يوسف النجار، وذلك رغم عقد الزواج الذي عقده ودوّنه لهم كهنة الهيكل.. فهي أمام الشريعة وأمام المجتمع متزوجة ليوسف النجار.
*هي صبية في سن الثانية عشر من عمرها، وهو شيخًا يُقارب الستين من عمره.. فهي كانت بمثابة الابنة أو الحفيدة معه في بيته، وهو كان يرعاها ويعولها.. لذلك حينما جاء الملاك ليبشرها بحَبَلها للسيد المسيح قائلًا لها: "ها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ.... فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ: كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟" (لو1: 31-34).

هذا الموقف كان خطيرًا جدًا بالنسبة لها.. فهي تعرف نفسها جيدًا، وتعرف مدى حفاظها على نفسها وطهارتها.. فهي لم تقترب لرجل، ولم تسمح لأي رجل حتى يوسف نفسه أن يقترب إليها.. (فكيف يكون لها هذا؟)، ولم تطمئن لذلك إلاَّ حينما عرفت من الملاك أن هذا الحَبَل ليس من إنسان بل هو من الله.. "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العلى تُظَلّلُكِ" (لو1: 35).
*وقد عاشت السيدة العذراء بتولًا طوال حياتها حتى بعد ولادتها للسيد المسيح لم تنجب أولادًا بعد أن ولدته الولادة المعجزية، وهذا هو إيماننا الأرثوذكسي السليم في دوام بتولية السيدة العذراء.. (بتول قبل الزواج، وقبل الحَبَل بالسيد المسيح، وبعد ولادتها للسيد المسيح).
*فقد عاشت السيدة العذراء حياة البتولية والعفة طوال حياتها حتى فارقت الحياة إلى الحياة الأبدية.
وأصبحت السيدة العذراء مَثلنا الأعلى..
الذي نحتذي به في التمسك بحياة العفة والطهارة..
رغم كل إغراءات العالم وشروره وانحرافاته.
فالطهارة هي حياة تشبه حياة الملائكة.. لأن الله خلق الحيوان بجسد وغرائز بدون روح، وخلق الإنسان بجسد وروح، وخلق الملائكة أرواحًا نورانية.. فهذا المخلوق المتوسط وهو الإنسان إذا سَلَك حسب غرائزه الجسدية وأهوائه الشهوانية تحوّل إلى حيوان، وإذا سَلَك بالروح ولم ينغمس في شهوات الجسد صار ملاكًا وهو ما زال على الأرض.. وعن ذلك يقول القديس يوحنا الدرجي: "مَنْ غَلَبَ جسده فقد غَلَبَ طبيعته، ومَنْ غَلَبَ طبيعته فقد صار فوقها، ومَنْ صار فوق الطبيعة الإنسانية فقد شارك الطبيعة الملائكية".
ويقول القديس كبريانوس الشهيد مُخاطبًا بعض العذارى: "لقد ابتدأتن الآن وأنتن في هذه الحياة أن تتمتعن بما سيكون لكّن في السماء بعد القيام لأنكن بحفظكن بكارتكن قد تشبهتن بالملائكة".
ويقول الآب يوحنا كاسيان: "إنه لا توجد فضيلة تعادل تشبيه البشر بالملائكة مثل فضيلة العفة، لأن البشر يعيشون بواسطة العفة وهم في الجسد كمَنْ لا جسد لهم وكأنهم أرواح مجردة".
والأكثر من ذلك.. أن هؤلاء البشر الذين يعيشون حياة العفة والطهارة، يكونون بدرجة أعلى من الملائكة، الذين ليس لهم أجساد تشتهي ضد أرواحهم.
وهنا أوضح نقطة.. أنه يوجد فرق كبير بين البتولية والعزوبية.. فالبتولية تختلف اختلافًا كبيرًا عن العزوبية في أنها مكرسة ومخصصة من أجل الله فقط، فهي ثمرة حبه الكامل، لأنها تحمل معنى روحي أسمى من العزوبية ولها قيمة مقدسة.
فالإنسان الذي كرّس بتوليته لله يختلف عن الإنسان الأعزب، الذي لم يتزوج لأنه لم يستحسن إمرأة ما في الزواج، أو أنه قد يرى أن العزوبية أكثر راحة من تحمّل المسئولية وتحمّل مسئولية زوجة وأولاد، أو أنه يريد أن يعيش مُتحررًا من الأعباء.. أو قد يكون إنسان ذو شخصية أنانية مُحبة لذاتها، فهو لا يريد أن يفيد أحدًا بل يريد أن يأخذ باستمرار، فيرفض رباط الزوجية والقيود.. (وذلك حسب تخيله الشخصي).
والبعض قد يختارون العزوبية نتيجة صدمة معينة، فيمتنعون عن الزواج نهائيًا ليس حبًا في البتولية، ولكن رد فعل مُعاكس لهذه الصدمة، (في شخصية معينة.. كثرة فك الخطوبات.. عدم الصدق والصراحة من الطرف الآخر).
وهنا أتذكر قول للقديس "جيروم" مُوجّه للأمهات التي ترفض أن تبقي ابنتها عذراء مثال السيدة العذراء: "لماذا تغتاظين وتئنين إذا بقيت ابنتك عذراء؟ هل تحزنين لأن ابنتك اختارت أن تكون زوجة للملك وليس للعبد؟ لقد جاءت عليك بامتيازات عظيمة.. لقد أصبحتي الآن حماة الرب".
لذلك نجد أن الآباء القديسين والشهداء أحبوا هذه الحياة وفضلوها على كل شيء.. فنجد شهداء نالوا إكليل الشهادة من أجل حفاظهم على عفتهم، وتساوا في الاكليل مع مَنْ ناله من أجل حفاظهم على الإيمان والعقيدة.
* القديسة "فبرونيا العذراء":

عندما حدث أن "مروان بن محمد الأموي" عندما استغاث بالبشموريين لمقاومة الخراسانيين في القرن الثامن بعد الميلاد، أطلق لهم حرية النهب والسلب، فكان من ضمن ضحاياهم أحد أديرة العذارى في نواحي أخميم.
وبينما كانوا ينهبونه رأوا راهبة صغيرة جميلة جدًا اسمها "فبرونيا"، جاءت من الشام، وترهبت في ذلك الدير، وكان لها ثلاثة سنوات.. فأخرجوها من الدير رغمًا عنها، وسبوها دون غيرها لجمالها.
وبدأوا يتشاورون بخصوصها.. البعض يقول نقدمها هدية للخليفة، والبعض الآخر يريد أن يقترعوا فيما بينهم عليها.. وبينما هم يتباحثون رفعت هي قلبها إلى الملك الحقيقي الحافظ عهده ورحمته للذين يحبونه بكل قلبهم، وألقت بذاتها بين يدي الله تبارك اسمه.. تبكي وتطلب خلاصها من هؤلاء القوم الأشرار، وحفظها من الدنس ولو أدى ذلك إلى قتلها.
وفي الحال فكرت في طريقة عجيبة للخلاص مما أحاط بها.. إذ طلبت مقابلة رئيسهم. ولما حضر أخبرته أنها ستقول له سرًا عظيمًا بشرط أن يتركوها فوعدها بذلك.
فقالت له: إن أسلافنا كانوا حكماء واكتشفوا سرًا سلّموه لآبائنا، ولم يعرفه سواهم.. وهذا السر هو أنه يوجد زيت حينما تُتلى عليه الصلوات ونُدهن به لا نخاف الموت ولا السيف ونضمن الحياة.. ولقد عرفت أنا هذا، وأن التجربة والامتحان هما أعظم شاهد، وأنني مستعدة أن أدهن رقبتي وأنت تضربني بسيفك بكل قوتك لترى نتيجة ذلك، أو إن أردت تدهن أنت رقبتك وأضربك أنا!!
فخاف هو على نفسه وقال لها: ادهني أنتِ رقبتك وأضربك أنا بسيفي، ففرحت هي جدًا لأنها كانت لا تخاف الموت بل تشتهيه أفضل من الحياة في الجسد مع الدنس.. إذ بذلك ستنال الحياة الأبدية، وطلبت منه أن تذهب إلى الكنيسة أولًا لتحضر الزيت وتُصلي، فسمح لها مع مراقبتها.
فذهبت أمام صورة أمنا العذراء الطاهرة مريم، وصلّت بحرارة لكي يُعينها الله بشفاعتها على حفظ بتوليتها، ثم أحضرت من زيت القنديل ودهنت عنقها، وأعطته كمية من الزيت أيضًا، وقالت له: خذ من هذا الزيت، وها أنا قد دهنت رقبتي فاضربني بكل قوتك، وسترى النتيجة بنفسك.
ففرح هو واستل سيفه وضرب عنقها بكل قوته، ففي الحال انفصلت رأسها عن جسدها وتدحرجت على الأرض.
فذهب القائد والجند واندهشوا من شجاعة تلك العذراء ومحبتها للعفة، وندموا على ما فعلوا.. ثم تركوا كل ما كانوا قد سلبوه من الدير، ومضوا متأثرين لما حدث.
* القديسة "بوتامينا":


وأمامنا القديسة "بوتامينا"، وكيف فضلت أن تُحرق بالنار، ولا تنزع ثيابها منها عند الحرق والعذاب.
* القديسة "أربسيما العذراء":

كيف طرحت الوالي على الأرض.. الذي كان يريد أن يفعل بها شيئًا دنسًا، والنتيجة أنه أمر بقلع عينها وقطع رأسها.
* الشاب العفيف:

والشاب العفيف الذي عندما ربطوه وقيدوه لكي تفعل معه إحدى الساقطات الخطية.. اتقدت فيه نار الوصية وحملته غيرته أن يهلك عضوًا واحدًا من جسده ولا يترك جسمه ونفسه للهلاك الأبدي، فقرض لسانه وبصقه في وجه تلك المرأة الشريرة بدماء كثيرة، وللحال وقع الرعب في قلبها وارتعدت من رجل الله القديس، متفكرة أنه مجنون، وسرعان ما هربت بخوف عظيم تجر أذيال الفضيحة.. وهرب هذا الشاب من فِعل خطية الزنا رغمًا عن إرادته.
فها آباءنا الشهداء..

قد تمثلوا بالسيدة العذراء أمنا كلنا في حفظ بتوليتهم..
فالآن هيا بنا أيها الشباب..
نتمثل بأمنا العذراء وآباءنا الشهداء والقديسين،
في حفاظنا على عفة جسدنا وفكرنا،
ونحيا في طهارة كاملة..
رافضين كل مغريات العالم وشهواته الدنسة.
ناظرين إلي السماء وما فيها..
فالسماء ليس فيها شيئًا نجسًا..
بل كل مَنْ يحيا فيها يحيا بطهارة وعفاف.
طالبين معونة ربنا يسوع المسيح إلهنا الحنون..
الذي له كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:29 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
الكمبيوتر والانترنت
نحن الآن نحيا العولمة في كافة صورها.. وأصبح العالم كله قرية صغيرة.. نتخاطب مع بعضنا البعض عن طريق كافة وسائل الاتصالات (الموبايل والانترنت و....)، وكل يوم يفاجئنا العالم بجهاز جديد أحدث مما سبق بأسابيع.. ويسعى الكل وراء كيفية اقتناء هذا الجهاز الأحدث والأدق في وسيلة الاتصالات.
ومن أهم هذه الأجهزة هو (الكمبيوتر). هذا الجهاز الصغير بكافة ملحقاته أصبح يحقق لنا ما نريده من برامج ومعلومات مرئية أو مقرؤة أو سمعية.. حسب ما يريد كل منَّا، وحسب هوى وراحة كل واحد.
بل وأصبح من السهل الآن أن أحمل جهازي الخاص (lap top) في الجامعة أو العمل أو الرحلات أو الكنيسة أو....
وقد أفادنا هذا الجهاز الصغير في العمليات الحسابية الكبيرة عن طريق برامج الـ (Excel وأيضًا في كتابة الموضوعات والكتب ببرنامج الـ word) وكذلك أفادنا في عرض بعض الفقرات اللذيذة الترفيهية التي برع فيها شبابنا اليوم عن طريق الـ (Data Show)، والـ(Power Point).
وقد أفادتنا - نحن الخدام - هذه البرامج في عرض كثير من الموضوعات بطريقة شيقة تشد انتباه أولادنا في الخدمة، وتساعدني أنا الخادم في تقديم الموضوعات بطريقة جذابة للمخدومين.
أيضًا قدّم لنا جهاز الكمبيوتر خدمات كثيرة من حيث سهولة تداول أفلام القديسين وسيرهم، والعظات التي يصعب اقتنائها عن طريق شرائط الكاسيت، وذلك لتلف بعض هذه الشرائط بسهولة.. فقدمتها لنا المكتبات المسيحية المتخصصة في صورة (CDوالتي تحمل عشرات العظات في أسطوانة واحدة.. وأصبح من السهل أن يقتني الشخص منَّا آلاف العظات على بعض هذه الأسطوانات.. ويشاهد أفلام القديسين وغير ذلك من الأشياء المفيدة.
ولكن كما اتفقنا سابقًا أن لكل شيء استخدامه المفيد والاستخدام الخطأ. فالإنسان بطبعه يميل إلى الشر منذ خلقته.. ولذلك قد يسئ استخدام ما بين يديه.. ويتضح ذلك أكثر وأكثر بين الشعوب الغير متحضرة، أو التي لا تساير ركب الحضارة السريع الذي تسير فيه باقي دول العالم المتقدمة.
وما دام الإنسان تعود أن يسئ استخدام الأشياء المتاحة بين يديه، لذلك يجب أن يكون حريصًا جدًا في استخدام ما بيده أو ما يتاح له استخدامه.
من ضمن ذلك جهاز الكمبيوتر الذي قدّم لنا كل المميزات السابقة وغيرها الكثير والكثير.. نجد البعض يسئ استخدامه في مشاهدة بعض الأسطوانات التي تحمل بعض الأفلام المخلة، والتي تسئ أولًا للشخص الذي يراها وثانيًا للذي يتداولها والذي يروج لها.

وأصبح لدينا الآن وسيلة أعظم وأعظم في الاتصال والمعرفة في كل شيء وهو الانترنت.. نجد عليه الآن كل ما نحلم من أبحاث وكتب وشرائط وأفلام وغيره.. ومن الممكن أن نحضر أبحاثًا قيمة عن طريقه، ونتطلع على أحدث هذه الأبحاث والكتب، وأحدث ما وصل إليه أي علم من علوم الحياة، بكتابة بعض البيانات البسيطة والضغط على زر أو أيقونة بالـMous* نجد هذا البحث القيم أو التسجيل الصوتي أو غيره بسهولة جدًا بدون بذل أي جهد وبدون تضيع وقت في البحث عن هذا الكتاب في المكتبات.
كل هذه الإمكانيات والفوائد التي لا تعد ولا تحصر يقدمها لنا الانترنت وجهاز الكمبيوتر، وأصبح الآن لا يستطيع أحدًا منَّا الاستغناء عن ذلك.
ولكن الأشخاص يسيئون استخدام كل ما هو مفيد ويحولونه إلى ضرر.. وذلك بأن يقضى وقتًا كبيرًا جدًا أمام الكمبيوتر يلعب Gamesويترك مذاكرته أو عمله أو ما يطلب منه في المنزل.. يجلس أمامه ساعات طوال، ولا يفكر لحظة أن يقف ليصلى أو يجلس يقرأ في كتابه المُقدَّس، ومع ذلك نجده يتعلل بضيق الوقت..
* أنا لا أصلي لأنني لا أجد وقتًا أصلى فيه.
* أنا لا أقرأ الكتاب المُقدَّس لأن الوقت ضيق جدًا وعندي مشغوليات كثيرة.
ونجد البعض يجلس أمام الكمبيوتر ويدخل على النت على بعض المواقع المخلة التي تعرض بعض الأشياء التي تفسد الأخلاق الجيدة، ويجلس أمامها مسبي العقل والإرادة.. وقد يترك الأشياء وما هو مهم في حياته في مقابل جلوسه أمام هذه الأفلام أو الصور وغيرها.. وبعد ذلك يشكو هذا الشخص بأن أفكاره تلوثت من الخطية ونظره تدنس من بعض المناظر.. وكثيرًا مَنْ يقول إنني تعلمت بعض العادات الرديئة عن طريق مشاهدة بعض الأفلام وغيرها.
في حين أننا دائمًا عندما ننظر إلى الحياة الروحية والممارسات الروحية نشكو دائمًا من ضيق الوقت وكثرة المشغوليات والتزامات الحياة الصعبة.
نجد البعض يقع في خطأ خطير وهو دخوله على حجرات ال (Pall Talk)، ويدخل في حوارات مع مَنْ لا يعرفهم.. وبالطبع كثير من الداخلين هذه الحجرات يكونون بأسماء مستعارة (مزيفة)، وننخدع في هؤلاء الأشخاص، ويدخلون معنا في بعض الحوارات أيًا كانت دينية أو ثقافية أو غيرها.. ونسترسل معهم في الكلام دون أدنى معرفة، ونقع في المحذور أننا نتكلم في كلام كثير غير مفيد بل مضر جدًا غير عالمين أن "كثرَةُ الكلامِ لا تخلو مِنْ مَعصيَةٍ" (أم10: 19).. وهذا ليس كلامًا عاديًا نافعًا بل كلامًا مضرًا مفسدًا للأخلاق الجيدة.
ويدخل البعض في حوارات الـ (Chattingويتحدث للآخرين في كل شيء، وغالبًا قد تكون غير مفيدة، وأيضًا لا يعرف الشخص مَنْ يُحادثه معرفة حقيقية، وندخل في المحذور وهو الوقوع في بعض الأخطاء.
ونجلس على هذه المحادثات والحجرات بالساعات الطوال، وننسى مَنْ حولنا، وما هو مطلوب منَّا، ويضيع الوقت الثمين الذي لا بد من استثماره فيما هو حسن وجيد.
وبعد كل ذلك تكون الشكوى المستمرة من ضيق الوقت.. لا نجد وقت كافي للمذاكرة ولا للعمل ولا للقراءة ولا...
نجلس أمام الكمبيوتر حتى الفجر، وممكن حتى بزوج نور اليوم التالي، حتى نصل إلى مرحلة الإرهاق التام، فتنام حتى بعد ظهر اليوم، ونبدأ يومنا الساعة الثالثة أو الرابعة ظهرًا، بعد أن يكون أغلبية الناس أنهوا يومهم العمل العادي،وفى ذلك الوقت يبدأ الإنسان يومه فيصبح نهاره ليل والعكس.. عكس باقي الأشخاص.. وذلك لعدم تنظمه للوقت.
بالطبع هذا الشخص سوف يهمل العمل والقداسات والصلوات وغيرها.. لأن اليوم لم يصبح يومًا عاديًا.. ونقول له: هل حضرت القداس أو صليت صلوات الأجبية؟ يجيب إننى كنت سهران حتى طلوع ضوء اليوم التالي، وتعبت جدًا واضطررت أن أنام.. فنمت نومًا ثقيلًا، ولم أستيقظ إلاَّ والشمس في طريقها إلى الغروب.
بالطبع هذا الإنسان سوف يكون مقصرًا في حق نفسه وفى حق الآخرين، ويكون غير أمينًا على وقته ولا على حياته ولا على مستقبله.. لأنه يفسد نفسه بنفسه.
هذه الآفة الصغيرة التي بدأت تتسلل لكثيرين غير مدركين خطورتها على الحياة الروحية بل على الحياة العامة.. يجب أن نقف ونستيقظ، ونأخذ موقف إيجابي تجاه هذا التعرف السلبي الذي ننساق في تياره، وننجرف إلى موجته العالية، ولا ندرى ماذا سيكون فيما بعد.. هل الجهاز الذي أمامي هو الذي يتحكم فيَّ.. أم أنا بإرادتي القوية أستطيع أن أميز ما هو مفيد وما هو مضر؟.. ماذا ينفعني وماذا يضرني؟
إذا أعطاني أحد أصدقاء السوء عنوان موقع، وقال لي أدخل إليه ستجد ما يمتعك.. هل أستجيب أم أرفض؟ أم أوافق بواقع حب المعرفة؟
هل ستكون عندي الشخصية القوية التي تستطيع أن تقول لا؟ "كُلُّ الأشياءِ تحِلُّ لي، لكن ليس كُلُّ الأشياءِ توافِقُ" (1كو6: 12).. هل أستطيع أن أميز ما بين ما يضرني وما يفيدني؟ أم أصبح إنسان مسلوب الشخصية لا يستطيع أن يقول لأي شيء لا.
أرجوكم في هذه الأيام أن يقف كل منَّا وقفة حساب مع النفس لكي نبني شخصيتنا.. لتكون شخصية قوية واضحة المعالم.. تُميز ما بين ما يفيدها وما يضرها.. شخصية تبتعد عن كل السلبيات وتبحث وتسعى نحو الإيجابيات.
وبذلك نكون شباب مسيحي..
يشهد للمسيح في كل مكان بتصرفاته الجيدة.
ربنا يبارك حياتكم.. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:30 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
الموبايل – التليفون المحمول
مَنْ منَّا كان يخطر على باله لحظة أن يكون بين يدي الناس آلة تستطيع أن تربطهم بعضهم مع بعض.. (الأسرة، الأصدقاء، الأحباء، أصحاب العمل......).. إلى أن جاء عصرنا الذهبي الذي نحيا فيه الآن.. عصر التقدم التكنولوجي السريع الذي يتحفنا كل يوم بما هو جديد ومفيد.
كل يوم نسمع عن أحد الأجهزة التي تم اختراعها أحدث مما سبقها، ونسمع بعض المميزات التي تميز هذه الآلة (الجهاز).. فنسرع جميعًا إلى شرائها واقتنائها والتمتع بمزاياها التي تفوق العقل البشرى المحدود.
ومنذ سنوات محدودات ظهر لنا (التليفون المحمول) (الموبايل) الذي أبهر الكل، وأصبح من أحدث الوسائل التي تربط الكل.. وبدأ طرحه في السوق لرجال الأعمال الذين يحتاجون وسيلة ربط بين بعضهم وبين الدول التي يتعاملون معها في الصفقات التجارية وغيرها.. ثم انتشر أكثر بأن حمله القادرين على المصاريف الباهظة التي تدفع في الفاتورة، ثم ظهرت أكثر من شركة تنافس بعضها في طرح العروض للجمهور لكي تكتسب عملاء وتستفيد من ورائهم.
وانتشر الموبايل إلى أن أصبح في يد الجميع، وأصبح لا يميز مَنْ يحمله ولا يقلل من شأن مَنْ لا يحمله.. حتى الأطفال حديثي السن في المرحلة الابتدائية بدأوا يحملونه ويعرفون بعض إمكانياته ومزاياه التي ممكن أحد الكبار لا يعرفها.
كل هذا شيء رائع جدًا، وأصبح العالم عن طريق النت والموبايل قرية صغيرة يترابط جميع مَنْ فيه كأنهم في بلدة صغيرة معًا.
هذه الآلة الصغيرة أصبحت تربطني بأمريكا وأستراليا وجنوب أفريقيا وجزر المحيط وجميع أنحاء العالم، ويمكنني عن طريقها أن أسمع صوت مَنْ لا أستطيع أن أراهم لمده سنوات، والذين فرقت بيننا الأيام والمسافات و..... لكن ما يؤسف هو أن بعضًا منَّا يسئ استخدام الأشياء التي في يده! فكل آلة أو جهاز أو أي شيء في يدنا له الاستخدام السليم والاستخدام السيئ.
مَنْ منَّا لا يقتني سكين في بيته!! فالسكين ظهر لنا لكي نستخدمه في أعمال الطهي وتقطيع اللحوم المستخدمة في الأكل والخضروات والفواكه وغيرها، ولم يظهر لنا أو كان الهدف من ظهوره هو استخدامه في عمليات القتل والانتحار وغيرها.
القلم الذي في يدنا.. مَنْ منَّا لا يستخدم الأقلام بكل أنواعها!! هل اخترعت لتساعدنا في المذاكرة والأعمال الكتابية بكل أنواعها والمراسلات الجيدة؟ أم اخترعت لكي نكتب بها مقالات خاطئة وألفاظ لا يمكن أن تُقال أو... فكل شيء له الاستخدام الحسن الذي اخترع بسببه ولكن من الممكن أن الإنسان يخترع استخدام سيء بل وسيء للغاية لهذا الجهاز.
هذا ما حدث في الموبايل الذي بين أيدينا جميعًا... نظرًا لسهولة استخدامه، وأصبح بين يدي الجميع ورخص أسعار المكالمات، بل ودخول بعض الخدمات الجديدة مثل (Video Call) أصبح الشباب اليوم يستخدمونه بطريقة خاطئة في رؤية بعض المناظر التي لا تليق بنا كشباب وشابات يحملوا اسم المسيح.

بل أصبح وسيلة سهلة لتداول بعض الصور وال (Clips) التي تسيء لنا وللكل، بل أصبح وسيلة دمار لأخلاق مَنْ يريدون أن يعيشوا بطهارة وبفكر نقي إذا تهاونوا مع أنفسهم وفتحوا الباب للصحبة الشريرة.. التي تهدف إلى تدمير كياننا الروحي.
هذه الآلة الصغيرة التي أساءنا استخدامها أصبحت مصدر معرفة خاطئة لكثيرين، واستخدامها في المناظر أو المشاهد الخاطئة أو الصور الفاضحة، وأصبحت مصدر عثرة لكثيرين عن طريق إرسال بعض الصور الغير لائقة... أو غيره.
نرى هذه الظاهرة وقد بدأت في الانتشار بين فئة الشباب والفتيان من الجنسين، ونحن لا ندري أو لا نقدر ما مدى خطورة هذا التصرف الخاطئ، ونحن ننسى وصية السيد المسيح الذي قال:
?"إنْ كانَتْ عَينُكَ اليُمنَى تُعثِرُكَ فاقلَعها" (مت5: 29).
?وأيضا: "إنَّ كُلَّ مَنْ يَنظُرُ إلَى امرأةٍ ليَشتَهيَها، فقد زَنَى بها في قَلبِهِ" (مت5: 28).
فحتى النظرة الشريرة نهانا عنها السيد المسيح لأنها تعتبر زنى قلب، وذلك لأنها تلوث الفكر والذهن والحواس، ويترتب عليها بعد ذلك ميول لإرادة الإنسان في ارتكاب الخطية.
* يجب علينا نحن أولاد المسيح أن نستخدم العالم وما فيه ولا يستخدمنا العالم.
*لا نساير هذا الدهر.. "لا تُشاكِلوا هذا الدَّهرَ" (رو12: 2).
إذا كان هذا التصرف القبيح بدأ ينتشر مع الآخرين.. فيجب علينا كأبناء للسيد المسيح أن نقف وقفة صامدة وواعية ضد هذا التصرف وهذا السلوك الغير لائق.
نقطة أخرى في استخدام الموبايل وهى الظاهرة التي انتشرت كثيرًا في قداستنا واجتماعاتنا وهى عدم إغلاق التليفون.
فنحن في القداس أقدس شيء بالنسبة لنا.. نجد أثناء الصلاة تليفون واثنين وثلاثة وأكثر،كل بضع دقائق يرن تليفون أحد الحاضرين، ومن الممكن أن يتركه هذا الشخص إلى أن ينتهي الرَنّ، وتعاد مرة أخرى، وهو لا يدرى أن هذا السلوك يتعب الآخرين ويفقد تركيز مَنْ يريد الاستمتاع بالقداس أو بالعظة.
بل أكثر من ذلك ممكن نجد هذا الشخص يخرج التليفون من جيبه ويرد على مَنْ يطلبه، ويتكلّم معه بدون تحفظ وبصوت عالي، أو ممكن يضع يده على فمه ويتكلّم بصوت خافت.
كل ذلك يشد انتباه مَنْ حولك وأنت لا تدري.. ويفقد تركيز الأب الكاهن المُصلي والشعب كله، ويفقد تركيز المتكلم في الاجتماع.
نحن غالبًا لا ندري خطورة هذه الظاهرة.. إذ تتحول الكنيسة في بعض الأحيان إلى ما يشبه السنترال.. كل واحد واقف يتحدث مع مَنْ طلبه، ويتكلّم بصوت مسموع، ولا نراعي مشاعر بعضنا البعض.
ومن الممكن أن نقرأ اللافتة الموضوعة أمامنا في كل مكان: (برجاء غلق التليفون المحمول).. نقرأها ولا نعطيها أي نوع من الاهتمام ولا نغلقه.. ونقول بعض الأسباب الواهية: أصل البيت لازم يطمئن علينا، أصل في حالة حرجة لازم اطمئن عليها، أصل في الشغل بيحتاجوني باستمرار، أصل ممكن حد يطلبني ويجد التليفون مغلق ويقلق علينا...أصل وأصل وأصل... ونتجاهل نهائيًا ما قاله السيد المسيح: "بَيتي بَيتَ صَلاةٍ يُدعَى" (مر11: 17).
أرجوكم نضع هذه النقاط في الاعتبار، وتكون محل اهتمام وتفكير.. لان هذه السلوكيات الغير لائقة تسيء لنا جميعًا إساءة ليست بقليلة.
ومَنْ تعود أنه لا فرق بين الكنيسة والشارع والعمل والبيت.. يفقد مهابة واحترام بيت الله.. بل يفقد مخافة لله نفسه.
ربنا يجعلنا قطيع ذو آذان صاغية..
يسمع صوت راعيه الحبيب وليس صوت العالم..
فنسمع ونعمل.
ربنا يبارك حياتكم..
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:32 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
المسيحية والاستشهاد
إن قصة الاستشهاد هي قصة المسيحية كلها.. فالاستشهاد والمسيحية صديقين متلازمين لا يفترقان عن بعضهما.
فالإستشهاد هو قصة الكرازة بالإنجيل في كل العالم لأن الإيمان المسيحي كان ينتشر في كل مكان، وكانت جذوره تدب في أعماق البشرية.. فكان يمتد في المسكونة طولًا وعرضًا وعمقًا، وذلك بشهادة الدم أكثر من الوعظ والتعليم.
فنجد مُعلِّمينا الكبار بطرس وبولس كليهما استشهد من أجل انتشار الإيمان: الأول مصلوبًا منكس الرأس، والآخر بحد السيف، ونالا إكليل الشهادة من أجل تمسكهم بالسيد المسيح.
وهذا هو الفكر السامي في الكرازة والتبشير في المسيحية.. أن المبشر والكارز هو الذى يستشهد من أجل الإيمان، وليس مَنْ لا يؤمن بالدين هو الذي تقطع رقبته.
فلم تعرف البشرية في كل عصورها شهداء مثل شهداء المسيحية.. من حيث شجاعتهم وإيمانهم ووداعتهم وشجاعتهم واحتمالهم وجدّهم وفرحهم بالاستشهاد.. فنجدهم يعانقون الموت في فرح وهدوء ووداعة عجيبة تزهل مَنْ يعذبونهم ومضطهديهم!! مما يجعلهم في آخر هذه المرحلة الأليمة يؤمنون بالسيد المسيح الذي يعبده النصارى، عندما يرون إيمانهم وجدّهم واحتمالهم للعذابات لآخر نَفَس!!
فقد وجدنا "إريانوس" أشرس الولاة الذين قاموا بالتفنن في تعذيب المسيحيين، وكل مَنْ احتاروا في أمره أوصلوه إلى إريانوس القاسي القلب.. فتارة يعذبهم بالهنبازين، وتارة بالحرق، وتارة بتعليقهم على ساري المركب، وتارة أخرى بتمشيط أجسادهم ثم وضعهم في جير حي.. وتبارى في أنواع التعذيب. وأخيرًا نجد إريانوس هذا يؤمن بالسيد المسيح بل ينال إكليل الشهادة من أجل إيمانه!!
يا ترى ما هو السبب في ذلك؟!
وما الذي جعل الشهداء يحتملون هذا العذاب؟

*لقد نظروا إلى العالم نظرة وقتية.. فهذا العالم الفاني لا يُقاس بالحياة الأبدية التي سوف يحيون فيها.. وذلك لأنهم عاشوا الإنجيل وتعاليم الآباء الرسل.. "لأنَّ خِفَّةَ ضيقَتِنا الوَقتيَّةَ تُنشِئُ لنا أكثَرَ فأكثَرَ ثِقَلَ مَجدٍ أبديًّا. ونَحنُ غَيرُ ناظِرينَ إلَى الأشياءِ التي تُرَى، بل إلَى التي لا تُرَى. لأنَّ التي تُرَى وقتيَّةٌ، وأمّا التي لا تُرَى فأبديَّةٌ" (2كو4: 17-18).

*وقد عاشوا حياة الغربة على الأرض، وشعروا أنهم غرباء ونزلاء في هذا العالم.. فالنزيل أو الغريب لا يمكنه أن يمتلك شيئًا إلاَّ في وطنه وفي أرضه.. "أيُّها الأحِبّاءُ، أطلُبُ إلَيكُمْ كغُرَباءَ ونُزَلاءَ، أنْ تمتَنِعوا عن الشَّهَواتِ الجَسَديَّةِ التي تُحارِبُ النَّفسَ" (1بط2: 11).
إن حياتنا على الأرض مهما طالت فلا بد أن نرجع إلى وطننا السماوي مستقرنا الأخير بيتنا الأصلي، وإلى ميراثنا المحفوظ لنا في السموات.. وهذا ما أكّده لنا مُعلِّمنا بولس عندما قال: "في الإيمانِ ماتَ هؤُلاءِ أجمَعونَ، وهُم لم يَنالوا المَواعيدَ، بل مِنْ بَعيدٍ نَظَروها وصَدَّقوها وحَيَّوْها، وأقَرّوا بأنَّهُمْ غُرَباءُ ونُزَلاءُ علَى الأرضِ" (عب11: 13).
*وقد شعروا أن هذا العالم قد وُضع في الشرير، وأن الحياة فيه كلها حزن وألم وضيق.. ولكن هذا الضيق والألم سرعان ما سوف يتحول إلى فرح، عندما نصل إلى السماء.. وهذا ما قاله السيد المسيح له المجد: "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّكُمْ ستَبكونَ وتنوحونَ والعالَمُ يَفرَحُ. أنتُمْ ستَحزَنونَ، ولكن حُزنَكُمْ يتحَوَّلُ إلَى فرَحٍ" (يو16: 20).
*ولمعرفتهم أيضًا أن نهاية ضيقات وأحزان وآلام هذا العالم الذى نعيش فيه سوف تؤول إلى مجد عظيم في السماء.. ولذلك صبروا واحتملوا الآلام مُفضلين الضيقات الأرضية التي تؤهلهم إلى المجد السماوى الذي لا يوصف.. عاملين بما ذكره مُعلِّمنا بولس الرسول: "صادِقَةٌ هي الكلِمَةُ: أنَّهُ إنْ كُنّا قد مُتنا معهُ فسَنَحيا أيضًا معهُ. إنْ كُنّا نَصبِرُ فسَنَملِكُ أيضًا معهُ" (2تي2: 11-12). "فإني أحسِبُ أنَّ آلامَ الزَّمانِ الحاضِرِ لا تُقاسُ بالمَجدِ العَتيدِ أنْ يُستَعلَنَ فينا" (رو8: 18).
*ولذلك زهدوا كل شيء في أيديهم وفي العالم، عائشين حياة التجرد والاختلاء من كل ممتلكات العالم، سائرين على خُطى بولس الرسول الذي قال: "لأنَّنا لم نَدخُلِ العالَمَ بشَيءٍ، وواضِحٌ أنَّنا لا نَقدِرُ أنْ نَخرُجَ مِنهُ بشَيءٍ. فإنْ كانَ لنا قوتٌ وكِسوَةٌ، فلنَكتَفِ بهِما" (1تي6: 7-8).. وذلك لأن مُعلِّمنا بولس اعتبر أن الغنى هو غنى الروح وليس الجسد.. (أي الغنى الروحي وليس الجسدي).
*لذلك اشتهوا أن ينطلقوا من الجسد لكي يكونوا مع المسيح.. "ليَ اشتِهاءٌ أنْ أنطَلِقَ وأكونَ مع المَسيحِ، ذاكَ أفضَلُ جِدًّا" (في1: 23). وما شجعهم على هذا هو قول السيد المسيح: " في بَيتِ أبي مَنازِلُ كثيرَةٌ، وإلاَّ فإني كُنتُ قد قُلتُ لكُمْ. أنا أمضي لأُعِدَّ لكُمْ مَكانًا، وإنْ مَضَيتُ وأعدَدتُ لكُمْ مَكانًا آتي أيضًا وآخُذُكُمْ إلَيَّ، حتَّى حَيثُ أكونُ أنا تكونونَ أنتُمْ أيضًا" (يو14: 2-3).
من أجل هذا اشتهى آباءنا القديسين الاستشهاد.. لأنه هو الذي يُؤهلهم لهذا اللقاء مع عريسهم السمائي،وقد فعلوا كل ذلك من محبتهم العجيبة للسيد المسيح، مُفضلين الحياة معه عن سواه، واضعين أمام أعينهم الآية القائلة: "مَنْ أحَبَّ أبًا أو أُمًّا أكثَرَ مِني فلا يَستَحِقُّني، ومَنْ أحَبَّ ابنًا أو ابنَةً أكثَرَ مِني فلا يَستَحِقُّني" (مت10: 37).. فكانت حياتهم في الجسد وليست للجسد، وحياتهم في العالم وليست للعالم.. عاشوا في العالم دون أن يعيش العالم في داخلهم وفي قلبهم.. لذلك أحبوا الموت أفضل من الحياة في الخطية.. سفكوا دمائهم من أجل محبتهم في الملك المسيح الذي بذل نفسه على عود الصليب من أجلهم.
فيا إلهنا الصالح..
الذي أعنت آباءنا الشهداء على احتمال الآلام والعذابات..
من أجل تمسكهم باسمك المبارك..
أعنَّا نحن أيضًا لكي نستطيع أن نشهد لإسمك القدوس المبارك..
ونقدم للكل مَثلًا حيًا للإنسان الذي يشهد للمسيح في كل مكان..
ليروا أعمالنا الصالحة فيمجدوك أنت..
الذي لك كل المجد والاكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:33 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
المسيحية والبتولية
لقد تميزت المسيحية عن غيرها من الديانات الأخرى في فكر البتولية..
*وحياة البتولية هذه تعني عدم الزواج، وهي ليست حياة العفة.. فحياة العفة والطهارة مطلوبة من الكل (بتوليين ومتزوجين).
*أما حياة البتولية.. فيسلك فيها مَنْ لا يريد الارتباط بزوج أو زوجة.. فهو يريد أن يعطي كل حياته للسيد المسيح (الرهبان والراهبات)، ويخدم السيد المسيح بكل قوته وحياته (المكرسين والمكرسات).
والبتولية قد عُرفت قديمًا بين بعض الديانات الوثنية لدى شعوب الحضارات القديمة.. أمثال المصريين والهنود والصينين، وأيضًا عُرفت بين شعب الله فى العهد القديم.. فكان البعض يحيون حياة البتولية مثل: "إيليا النبي".. ولكنها في المسيحية أخذت مفهوم سامٍ.. فبدت تتألق بين الفضائل جميعها.. فهي أسمى الفضائل وأجملها لأنها تهيئ للإنسان أن يرتبط بعريس نفسه السماوي السيد المسيح.
فالسيد المسيح هو المثل الأعلى لنا (المسيحيين)..
فقد عاش بتولًا..
ووُلد أيضًا من عذراء بتول (السيدة العذراء الدائمة البتولية).
*فنجد السيد المسيح نفسه يتكلّم عن البتولية في حديثه عن الخصيان الذين خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات.. "قالَ لهُ تلاميذُهُ: "إنْ كانَ هكذا أمرُ الرَّجُلِ مع المَرأةِ، فلا يوافِقُ أنْ يتزَوَّجَ!". فقالَ لهُمْ: "ليس الجميعُ يَقبَلونَ هذا الكلامَ بل الذينَ أُعطيَ لهُم، لأنَّهُ يوجَدُ خِصيانٌ وُلِدوا هكذا مِنْ بُطونِ أُمَّهاتِهِمْ، ويوجَدُ خِصيانٌ خَصاهُمُ الناسُ، ويوجَدُ خِصيانٌ خَصَوْا أنفُسَهُمْ لأجلِ ملكوتِ السماواتِ. مَنِ استَطاعَ أنْ يَقبَلَ فليَقبَلْ" (مت19: 10-12).

*وأيضًا عندما سألوه الصدوقيين عن المرأة التى تزوجت من سبعة أخوة... ففي القيامة لمَنْ تكون زوجة من السبعة.. فكان رده واضحًا عليهم قائلًا: "لأنَّهُمْ في القيامَةِ لا يُزَوّجونَ ولا يتزَوَّجونَ، بل يكونونَ كمَلائكَةِ اللهِ في السماءِ" (مت22: 30)، (لو20: 35).. ويقصد بذلك أن حالة عدم الزواج (البتولية) تشبة حياة الملائكة.
ويؤكد هذا الفكر القديس "كبريانوس الشهيد" فى إحدى رسائله لبعض العذارى قائلًا لهن: "لقد ابتدأتن الآن وأنتن في هذه الحياة في التمتع بما سيكون لكّن في السماء بعد القيامة. لأنكّن بحفظكن بكارتكن قد تشبهتن بالملائكة".
*ونجد مُعلمنا بولس الرسول مَثلًا آخر واضح في حياة البتولية.. فقد تحدث عنها راجيًا أن يكون الجميع مثله متمتعين بحياة البتولية قائلًا:
*"ولكن أقولُ لغَيرِ المُتَزَوجينَ وللأرامِلِ، إنَّهُ حَسَنٌ لهُمْ إذا لَبِثوا كما أنا" (1كو7: 8).
*"فأُريدُ أنْ تكونوا بلا هَم. غَيرُ المُتَزَوّجِ يَهتَمُّ في ما للرَّب كيفَ يُرضي الرَّبَّ، وأمّا المُتَزَوّجُ فيَهتَمُّ في ما للعالَمِ كيفَ يُرضي امرأتَهُ" (1كو7: 32-33).
*"إذًا، مَنْ زَوَّجَ فحَسَنًا يَفعَلُ، ومَنْ لا يُزَوّجُ يَفعَلُ أحسَنَ" (1كو7: 38).
ففي هذه الآيات يوضِّح أهمية البتولية.. بل أن البتولية أحسن من الزواج (مَنْ لا يُزَوّجُ يَفعَلُ أحسَنَ).. ولم يقصد هنا أن الجميع يعيشون حياة البتولية، ولكنها في مرتبة أحسن من مرتبة من يتزوج.
فلا يستطيع الكل أن يعيشوا حياة البتولية.. فالطرق كثيرة وكل منَّا يسلك حسب ميولة وحسب اشتياقات قلبه وإمكانياته الروحية.
*ونرى مُعلمنا يوحنا الرائي يوضِّح لنا مركز البتولية في السماء فيقول: "ثُمَّ نَظَرتُ وإذا خَروفٌ واقِفٌ علَى جَبَلِ صِهيَوْنَ، ومَعَهُ مِئَةٌ وأربَعَةٌ وأربَعونَ ألفًا، لهُمُ اسمُ أبيهِ مَكتوبًا علَى جِباهِهِمْ. وسَمِعتُ صوتًا مِنَ السماءِ كصوتِ مياهٍ كثيرَةٍ وكصوتِ رَعدٍ عظيمٍ. وسمِعتُ صوتًا كصوتِ ضارِبينَ بالقيثارَةِ يَضرِبونَ بقيثاراتِهِمْ، وهُمْ يترَنَّمونَ كتَرنيمَةٍ جديدَةٍ أمامَ العَرشِ وأمامَ الأربَعَةِ الحَيَواناتِ والشُّيوخِ. ولم يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يتعَلَّمَ التَّرنيمَةَ إلاَّ المِئَةُ والأربَعَةُ والأربَعونَ ألفًا الذينَ اشتُروا مِنَ الأرضِ. هؤُلاءِ هُمُ الذينَ لم يتنَجَّسوا مع النساءِ لأنَّهُمْ أطهارٌ. هؤُلاءِ هُمُ الذينَ يتبَعونَ الخَروفَ حَيثُما ذَهَبَ. هؤُلاءِ اشتُروا مِنْ بَينِ الناسِ باكورَةً للهِ وللخَروفِ. وفي أفواهِهِمْ لم يوجَدْ غِشٌّ، لأنَّهُمْ بلا عَيبٍ قُدّامَ عَرشِ اللهِ" (رؤ14: 1-5).
وهنا نجد كلامًا في غاية الوضوح عن عِظم وامتياز البتولية والبتوليين.. فهو يظهرهم هنا أنهم ملازمون للمسيح (الخروف)، فهم يتبعونه حيثما ذهب، وأيضًا ينفردون عن غيرهم في معرفة الترنيمة التي لا يستطيع أحد أن يرددها غيرهم (حياة التسبيح المستمرة).. والسبب في ذلك: "إنهم لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار".
هكذا سارت موجة شديدة من الحماس للبتولية على مر العصور، وتغلغلت في صدور المؤمنين بعمق،فتغنى بها آباء الكنيسة، وتباروا في مدحها.. ليس عن اصطناع ومغالاة بل عن حب وعمق وممارسة وتقدير لأهميتها.. فقد عاشها الآباء الأولين بعمق.
فنجد القديس "أمبروسيوس" أسقف ميلان.. يكتب ثلاث كُتب عن البتولية لأخته مرسللينا، ويقول فيها: "ليست البتولية مستحقة المديح من حيث أنها توجد في الشهداء، بل لأنها هي نفسها تصنع الشهداء. ومَنْ الذي يستطيع أن يدرك بفهمه البشري ذاك الذي لا تحويه الطبيعة في قوانينها؟ أو مَنْ يقدر أن يشرح في أسلوب مألوف ذاك الذي فوق مستوى الطبيعة؟ لقد استحضرت البتولية من السماء ما يمكنها من أن نحاكيه على الأرض".
وبعد أن وصف البتوليين كملائكة الله استكمل كلامه قائلًا: "وما قلته ليس كلامي طالما أن الذين لا يتزوجون ولا يزوجون هم كملائكة السماء.. فلا تعجب إذن اذا ما قورنوا بالملائكة الملتصقين برب الملائكة. مَنْ يقدر إذن أن ينكر أن هذا النهج من الحياة له نعمة فى السماء؟ ولم نجده بسهولة على الأرض إلاَّ بعد أن نزل الله أخذًا جسدًا بشريًا".
فهل ترى أيها الحبيب فى الرب.. أن حياة البتولية هي بتولية الجسد فقط.. أم يشترك فيها بتولية الفكر والحواس؟
فكر معي!!

*كيف يسلك الإنسان في حياة البتولية في هذا العالم الشرير، وهذا المجتمع المليء بالمعاثر والشهوات!!
*هل يلزم ذلك منَّا جهادًا مستمرًا ونموًا روحيًا دائمًا.. أيًا كان كل واحد منَّا راهبًا أو راهبة أو مكرسًا أو مكرسة أو علمانيًا؟
فلنتمسك بالمسيح..
ونطلب معونته لتآزرنا في جهادنا وحياتنا على الأرض..
لكي نكون كملائكة الله في السماء.
ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:34 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
المسيحية والجسد
نحن في المسيحية لا ننظر لجسدنا على أنه عدو يجب محاربته أو معاداته أو إهانته... فمُعلِّمنا بولس الرسول يوضِّح لنا هذا المعنى بفلسفته البليغة قائلًا:"فإنَّهُ لم يُبغِضْ أحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بل يَقوتُهُ ويُرَبيهِ" (أف5: 29).
ولكن في كل حياتنا نسعى في جهادنا اليومي أن يكون هذا الجسد مقدسًا للرب وهيكلًا طاهرًا.. هذه النظرة العاقلة غير العدائية نجدها واضحة كل الوضوح في رسائل مُعلِّمنا بولس الرسول حينما تكلم عن الجسد قائلًا:
*"ولكن الجَسَدَ ليس للزنا بل للرَّب، والرَّبُّ للجَسَدِ" (1كو6: 13).
*"ألستُمْ تعلَمونَ أنَّ أجسادَكُمْ هي أعضاءُ المَسيحِ؟" (1كو6: 15).
*"أم لستُمْ تعلَمونَ أنَّ جَسَدَكُمْ هو هيكلٌ للرّوحِ القُدُسِ؟" (1كو6: 19).
وفي هذا كله كان مُعلِّمنا بولس يتكلم عن الجسد مميزًا ذلك عن الروح وليس كلامًا شاملًا الجسد والروح، ويتضح ذلك مما كتبه قائلًا:
*"فمَجِّدوا اللهَ في أجسادِكُمْ وفي أرواحِكُمُ التي هي للهِ"(1كو6: 20).
وهنا تختلف نظرتنا عن نظرة الغنوسيون الذين أنكروا تجسد السيد المسيح، وذلك لاعتقادهم أن الجسد شر وهو مصدر الخطية، وهو الذي يؤدي بالإنسان إلى الأفعال الدنسة والمميتة، فقالوا لا يمكن أن الله الكلي القداسة والطُهر يأخذ جسدًا (شرًا) إذ كيف يتحد الأقنوم الثاني (الكلمة) بجسد يميل للخطية!

هؤلاء حرمتهم الكنيسة وحرمت كل مَنْ يتبع كلامهم لأنهم أساءوا فهم عقيدة التجسد وأنكروها.. بل تعاملوا مع الجسد على أنه شيء مظلم يميل للخطية، بل هو السبب في كل خطية والبُعد عن الله.
ولكن فكرنا المسيحي السليم عن الجسد نجده يتمثل في أننا نمقت ونقاوم أعمال الجسد الشريرة، وليس الجسد نفسه.. ونقصد بها هنا الخطايا والشهوات الدنسة والأعمال الدنيئة التي يميل إليها الجسد، وهذا ما وضحه مُعلِّمنا بولس الرسول عندما قال:"وأعمالُ الجَسَدِ ظاهِرَةٌ، التي هي: زِنىً، عَهارَةٌ، نَجاسَةٌ، دَعارَةٌ، عِبادَةُ الأوثانِ، سِحرٌ، عَداوَةٌ، خِصامٌ، غَيرَةٌ، سخَطٌ، تحَزُّبٌ، شِقاقٌ، بدعَةٌ، حَسَدٌ، قَتلٌ، سُكرٌ، بَطَرٌ، وأمثالُ هذِهِ" (غل5: 19-21).
هذة الأعمال الرديئة التي تصدر من الجسد ذكرها مُعلِّمنا بولس قبل أن يذكر ثمر الروح الذي ذكره في نفس الاصحاح:"وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ" (غل5: 22-23).
فقد ذكر لنا على سبيل المثال 17 عملًا رديئًا من أعمال الجسد، في حين ذكر 9 ثمرات من ثمار الروح، وهذا يوضح لنا أن خطايا الجسد كثيرة لأنه يميل إلى الخطية.
ومن هنا يتضح لنا أن جهادنا ضد أعمال الجسد يكون مستمر، ويحتاج إلى يقظة مستمرة وجدية في الحياة الروحية.
فمَنْ يهتم بروحه ويهمل جسده يكون مثل إنسانًا ساعيًا نحو السراب في الصحراء.. لأن هيهات أن ينمو روحيًا دون أن يجاهد ضد أعمال الجسد.
مثال على ذلك:
إنسانًا يُصلي باستمرار وينتظم على حضور القداسات والتناول من سر الإفخارستيا،ومع هذا يأكل كثيرًا جدًا، فيجد نفسه باستمرار خاملًا كسولًا، لا يريد الاستيقاظ، ففي ذلك الوقت يقوى الجسد على الروح، ويهمل هذا الإنسان صلاته وحضوره القداسات مؤجلًا من يوم لآخر، لأنه يشعر بالحاجة إلى النوم الكثير، ويجد صعوبة في استيقاظه لحضوره القداسات، ويتراخى في حياته الروحية.. وبمرور الوقت يجد نفسه ترك الصلاة والقداسات والتناول، وأصبح يهتم فيما للجسد وليس فيما للروح.
وباستمراره في هذا الفِعل يجلب على نفسه حرب الفكر الدنس والشهوة، وتتلوث أفكاره بالأفكار السمجة الشريرة، ويشكوا أنه مُحارب بأفكار دنسة كثيرة وخيالات مثيرة للشهوة، ويعتبرها حرب روحية موجهة له بسبب جهاده وصلاته، وهو غير مستيقظ أنه هو الذي يجلب على نفسه هذه الحرب بسبب عدم يقظته بأنه يجب أن يضبط جسده في الأكل والشرب وكل احتياجاته.
ولذلك عاش آباءنا القديسين مجاهدين باستمرار ضد أعمال الجسد الشريرة، متيقظين في إعطاء الجسد احتياجه الضروري الذي يعيش به، ولا يعطوه كل ما يطلبه لكي تنمو الروح وتتحرر من قيود الجسد الأرضية، فانطلقت أرواحهم محلقة في السماء والسماويات، متمتعين بالسيد المسيح وهم على الأرض.. فلا يوجد عائق يمنعهم عن ممارساتهم الروحية وجهادهم اليومي المستمر.
وهذا الجهاد مطلوب من الكل.. ليس آباء الصحراء فقط، ولكن من كل إنسان يحيا على الأرض لكي يصل إلى السماء، متذكرين كلمات مُعلِّمنا بولس الرسول:"كُلُّ مَنْ يُجاهِدُ يَضبُطُ نَفسَهُ في كُل شَيءٍ" (1كو9: 25).
ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:35 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
المسيحية والعفة
أخي الحبيب.. أختي المباركة..
*هل تعلموا أننا أولاد الله بالحقيقة وليس بالاسم فقط؟
*وهل تعوا جيدًا أننا أصبحنا هيكلًا للروح القدس وروح الله ساكن فينا؟
"أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟
إنْ كانَ أحَدٌ يُفسِدُ هيكلَ اللهِ فسَيُفسِدُهُ اللهُ،
لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الذي أنتُمْ هو"
(1كو3: 16-17).
هذا الهيكل المقدس الذي يسكن فيه روح الله القدوس يجب أن يكون طاهرًا نقيًا.. فكل آنيته (أعضاءه) مقدسة، ولا يوجد شيء فيه للشيطان.
فنحن نلنا فِعل التقديس والتدشين والتخصيص لله، لنصبح هياكل مقدسة له يوم المعمودية، عندما خرج كل منَّا من جرن المعمودية إنسانًا جديدًا طاهرًا، لا يحمل أي خطية.. فتقدست أعضاءنا كلها بزيت الميرون، وأصبحنا هياكل مقدسة برشمنا به 36 رشمًا:
*1 : عند المخ : لتقديس الفكر.
*2 : الأذنين : لتقديس الحواس.
*2 : العينين : لتقديس الحواس.
*2 : المنخارين : لتقديس الحواس.
*1 : الفم : لتقديس الحواس.
*2 : القلب والسُرة : لتقديس القلب.

*2 : الظهر والعمود الفقري : لتقديس الإرادة.
*6 : مفاصل اليد اليمني : لتقديس الأعمال.
*6 : مفاصل اليد اليسري : لتقديس الأعمال.
*6 : مفاصل الرجل اليمني : لتقديس الخطوات.
*6 : مفاصل الرجل اليسري : لتقديس الخطوات.
فأصبح الإنسان كله هيكلًا مدشنًا مخصصًا مقدسًا للرب.
هذه الحياة (حياة العفة والطهارة) مطلوبة من الجميع.. من المتزوج والمتبتل والراهب وكل البشر.. لأنها تحافظ على طهارة الجسد من أي سلوك رديء دنس يدنس الجسد كله.
ولذلك صرخ مُعلِّمنا بولس الرسول قائلًا:"لأنَّ هذِهِ هي إرادَةُ اللهِ: قَداسَتُكُمْ. أنْ تمتَنِعوا عن الزنا، أنْ يَعرِفَ كُلُّ واحِدٍ مِنكُمْ أنْ يَقتَنيَ إناءَهُ بقَداسَةٍ وكرامَةٍ، لا في هَوَى شَهوةٍ كالأُمَمِ الذينَ لا يَعرِفونَ اللهَ، أنْ لا يتطاوَلَ أحَدٌ ويَطمَعَ علَى أخيهِ في هذا الأمرِ، لأنَّ الرَّبَّ مُنتَقِمٌ لهذِهِ كُلها كما قُلنا لكُمْ قَبلًا وشَهِدنا. لأنَّ اللهَ لم يَدعُنا للنَّجاسَةِ بل في القَداسَةِ" (1تس4: 3-7).
فالقداسة هنا توجد في العفة والطهارة التي هي ضد الزنا والنجاسة.. فهي تشبه حياة الملائكة في السماء، كقول السيد المسيح له المجد:"لأنَّهُمْ في القيامَةِ لا يُزَوجونَ ولا يتزَوَّجونَ، بل يكونونَ كمَلائكَةِ اللهِ في السماءِ" (مت22: 30).
وعن هذه الحياة الملائكية تحدث آباء الكنيسة بغزارة وعمق..
*فيقول الأب يوحنا كسيان: (أنه لن توجد فضيلة تعادل تشبه البشر بالملائكة مثل فضيلة العفة.. لأن البشر يعيشون بواسطة العفة وهم في الجسد كمَنْ لا جسد لهم وكأنهم أرواح مجردة.. كقول الرسول بولس:"وأمّا أنتُمْ فلستُمْ في الجَسَدِ بل في الرّوحِ"(رو8: 9)..بل أن البشر الذين يحيّون في العفة والطهارة يسمون عن الملائكة الذين ليس لهم أجساد تشتهي ضد أرواحهم).
هذه الحياة الطاهرة حافظ عليها آباءنا القديسين، مما اضطر بعضهم أن ينالوا إكليل الشهادة من أجل حفاظهم على عفتهم وطهارتهم.
وها هي قصة الفتاة الصغيرة (أجنس) بطلة الإيمان.. من أجل حفاظها على عفتها تحملّت الكثير، فتعالوا نرى قصتها معًا:
وُلدت بروما في أواخر القرن الثالث الميلادي.. شريفة بالمولد ومسيحية الوالدين، بارعة الجمال.. وما أن بلغت عامها الثاني عشر حتى اتجهت بكل أشواقها نحو الرب.
تعلق بها قلب شخص يدعى "بروكوبيوس"، وكان أبوه حاكم مدينة روما، فعزم على الزواج بها،وافقه أبوه على ذلك، وطلب الفتاة من أبويها. ولما تأخر ردهما نفذ صبر الشاب، فحاول أن يكلمها مُظهرًا عواطفه نحوها.
التقى بها في الطريق، واقترب منها ليكلمها.. لكنها رجعت إلى الخلف كما لو أبصرت حيَّة.. وقالت له: "ابعد عني يا حجر العثرة.. أنا لا يمكنني أن أنكث بعهدي وأخون عريسي الإله الذي لا أحيا إلاَّ بحبه".. ثم أفاضت في إظهار مشاعرها وعواطفها نحو هذا العريس الإلهي.. ورفضت أخذ هدايا كان يقدمها لها.
وكشاب وثني لم يفهم بروكوبيوس حقيقة كلامها، وظن أنها تحب شخصًا آخر غيره، وأنها لفرط حبها اتخذته معبوًد لها.. ومن فرط هيامه وتعلقه بالفتاة مرض.
قلق عليه والده واستدعى "أجنس"، وفاتحها في الأمر.. لكنها شرحت له في أدب نذر بتوليتها.. ولأن هذا الأمر لا مثيل له في الوثنية لم يستطيع أن يفهم كلامها على حقيقته.
تدخل أحد الحاضرين وأفهمه أن الفتاة مسيحية، وما أن سمع ذلك حتى خيّرها بين أمرين: إما أن تعبد الآلهة الوثنية وتتزوج بابنه، وإما أن تُعذب حتى الموت.
وأعطاها مُهلة للتفكير حتى اليوم التالي، لتعطيه جوابًا.. لكن الفتاة رفضت هذه المهلة للتفكير، وقالت له إن الأمر لا يحتاج إلى تفكير، لأنها قد انتهت من اختيار الطريق.. كانت إجابتها هذه بداية آلامها.
أمر الحاكم أن تُقيد بالأغلال الحديدية، وسحبوها إلى هيكل للأصنام لتسجد لها.. أما هي فرشمت ذاتها بعلامة الصليب، ولم تنظر نحو الأصنام.. ولما فشل في إرهابها، هددها بإرسالها إلى أحد بيوت الدعارة. أما هي فقالت له: لا أخاف بيت الفساد، لأن معي ملاكًا يحفظني من كل سوء.
شرع الجنود يعرونها من ثيابها وهم يدخلونها ذلك البيت، لكن شعرها غطى كل جسمها بطريقة معجزية حتى تعجب الجميع، وما أن دخلت ذلك البيت حتى أضاء نور من السماء، فتعزت وشكرت الرب.
أما بعض الأشرار ممَنْ أتوا خصيصًا لارتكاب الفِعل الردئ مع هذه العذراء، لما رأوا المنزل مضيئًا بنور لا مثيل له ارتعبوا ولم يجسروا أن يتقدموا.
غير أن "بروكوبيوس" ابن حاكم روما الذي كان يود أن يتزوجها تجاسر ودخل ذلك البيت ليفسد طهارتها.. وحينما اقترب منها ضربه ملاك الرب فخر ميتًا.. وما أن رأى الحاضرون ذلك حتى هربوا، وأذاعوا الخبر في كل المدينة، فأسرع الحاكم والد "بروكوبيوس" وعنفها.. وبعد أن عنفها عاد يتذلل إليها طالبًا منها أن تُقيم ابنه الميت.. فصلّت "أجنس" إلى الله ، فقام الشاب وهو يصيح: "ليس إله حق إلاَّ الذي يعبده المسيحيون".
انتشر خبر هذه المعجزة في كل روما، ولكن كهنة الأوثان هيجوا الناس، وقالوا: "لتمت أجنس الساحرة".
أما الحاكم والد بروكوبيوس فجبن إزاء صخب الناس، وترك الأمر لوكيله.. وهذا استحضر "أجنس"، وأمر أن تلتقى في النار.. لكن النار لم تؤذها، بل شوهدت وسطها واقفة تصلي. فلما رأى ذلك أمر بأن تقطع رأسها بالسيف.. فاقترب منها الجندي لينفذ الحكم، لكنه ارتعد وتراجع.. أما هي فشجعته، وقالت له: "هلم اقتل هذا الجسد الذي أعثر غير العريس السماوي"، وكان استشهادها في الاضطهاد الذي أثاره "دقلديانوس"، وكان لها من العمر 12 أو 13 سنة.
هذه شهيدة من ضمن آلاف استشهدوا من أجل حفاظهم على عفتهم وطهارتهم.. فهل نحن لنا فكر آباءنا، أو نسعى نحوه ونقترب إليهم لكي نُعطى قوة من التمثل بهم.. أم نترك أنفسنا لتيار العالم المنحرف الذي يقدم لنا العثرات والرذائل التي إذا سار فيها الإنسان يكون سائرًا في طريق النجاسة والرذيلة والضياع الروحي؟!
فهلموا بنا ننظر إلى آباءنا الشهداء والقديسين..
لنتمثل بهم ونسير على دربهم..
لنصل إلى السماء،
وإلى عريسنا السمائي ربنا يسوع المسيح..
الذي لهالمجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:36 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
المسيحية والنُسك

معني كلمة نُسك:

*إن كلمة نُسك في اللغة العربية تأتي من الفعل (نُسك نُسكًا) - أي تعني: (تزهد أو تقشف أو تعبد)، وكلمة نُسك تعني في مفهومها الأوضح: (العبادة)، ومنها لقب الشخص الزاهد أو المتعبد بلقب الناسك.
*أما من الناحية الكنسية أو المعنى الكنسي لكلمة نُسك فهي تعبِّر عن كل أنواع إماتات الجسد.. أي الزهد في العالم وملذاته وشهواته الزائلة.. وهذه الكلمة أطلقت على الرهبان الذين تركوا العالم وكل ما فيه من مُغريات، وعاشوا في تجرد وتقشف وزهد وبتولية، وضاعفوا في صلواتهم وأصوامهم.. وذلك بقصد تقديم الجسد ذبيحة حيَّة مرضية للرب يسوع المسيح.
النُسك في المفهوم الكنسي:

يوجد فرق جوهري واضح جدًا بين النُسك في المفهوم المسيحي والتنسُك بالمفهوم الغير كنسي..
*فالاول (المفهوم المسيحي): يرتبط بحياة الروح، وهدفه هو انعاش الروح وانطلاقها لكي تتحرر من رباطات الجسد الأرضية وتتغلب على معوقاتها.
*أما الثاني (المفهوم الغير مسيحي): ترتبط ممارسته بفكرة خاطئة عن الجسد باعتبار الجسد شر وهو شيء مُعطل للإنسان، فتنصب ممارسة النُسك على تعذيب الجسد وإزلاله بطريقة خاطئة.
وهذا خطأ فادح.. فنحن في فكرنا المسيحي لا ننظر للجسد على أنه شرًا، أو سبب للخطية التي يرتكبها الإنسان، أو هو معطل للإنسان الذي يريد الحياة مع الله.. ولكن الجسد هو وزنة أعطاها الله لنا، ويريد من كل واحد منَّا استثمارها.. فيوجد مَنْ يربح خمس وزنات ويوجد مَنْ يطمر وزنته في التراب..

"وكأنَّما إنسانٌ مُسافِرٌ دَعا عَبيدَهُ وسلَّمَهُمْ أموالهُ، فأعطَى واحِدًا خَمسَ وزَناتٍ، وآخَرَ وزنَتَينِ، وآخَرَ وزنَةً. كُلَّ واحِدٍ علَى قَدرِ طاقَتِهِ. وسافَرَ للوقتِ. فمَضَى الذي أخَذَ الخَمسَ وزَناتٍ وتاجَرَ بها، فرَبِحَ خَمسَ وزَناتٍ أُخَرَ. وهكذا الذي أخَذَ الوَزنَتَينِ، رَبِحَ أيضًا وزنَتَينِ أُخرَيَينِ. وأمّا الذي أخَذَ الوَزنَةَ فمَضَى وحَفَرَ في الأرضِ وأخفَى فِضَّةَ سيدِهِ. وبَعدَ زَمانٍ طَويلٍ أتى سيدُ أولئكَ العَبيدِ وحاسَبَهُمْ. فجاءَ الذي أخَذَ الخَمسَ وزَناتٍ وقَدَّمَ خَمسَ وزَناتٍ أُخَرَ قائلًا: يا سيدُ، خَمسَ وزَناتٍ سلَّمتَني. هوذا خَمسُ وزَناتٍ أُخَرُ رَبِحتُها فوقَها. فقالَ لهُ سيدُهُ: نِعِمّا أيُّها العَبدُ الصّالِحُ والأمينُ! كُنتَ أمينًا في القَليلِ فأُقيمُكَ علَى الكَثيرِ. اُدخُلْ إلَى فرَحِ سيدِكَ. ثُمَّ جاءَ الذي أخَذَ الوَزنَتَينِ وقالَ: يا سيدُ، وزنَتَينِ سلَّمتَني. هوذا وزنَتانِ أُخرَيانِ رَبِحتُهُما فوقَهُما. قالَ لهُ سيدُهُ: نِعِمّا أيُّها العَبدُ الصّالِحُ الأمينُ! كُنتَ أمينًا في القَليلِ فأُقيمُكَ علَى الكَثيرِ. اُدخُلْ إلَى فرَحِ سيدِكَ. ثُمَّ جاءَ أيضًا الذي أخَذَ الوَزنَةَ الواحِدَةَ وقالَ: يا سيدُ، عَرَفتُ أنَّكَ إنسانٌ قاسٍ، تحصُدُ حَيثُ لم تزرَعْ، وتجمَعُ مِنْ حَيثُ لم تبذُرْ. فخِفتُ ومَضَيتُ وأخفَيتُ وزنَتَكَ في الأرضِ. هوذا الذي لكَ. فأجابَ سيدُهُ وقالَ لهُ: أيُّها العَبدُ الشريرُ والكَسلانُ، عَرَفتَ أني أحصُدُ حَيثُ لم أزرَعْ، وأجمَعُ مِنْ حَيثُ لم أبذُرْ، فكانَ يَنبَغي أنْ تضَعَ فِضَّتي عِندَ الصَّيارِفَةِ، فعِندَ مَجيئي كُنتُ آخُذُ الذي لي مع رِبًا. فخُذوا مِنهُ الوَزنَةَ وأعطوها للذي لهُ العَشرُ وزَناتٍ. لأنَّ كُلَّ مَنْ لهُ يُعطَى فيَزدادُ، ومَنْ ليس لهُ فالذي عِندَهُ يؤخَذُ مِنهُ. والعَبدُ البَطّالُ اطرَحوهُ إلَى الظُّلمَةِ الخارِجيَّةِ، هناكَ يكونُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ" (مت25: 14-30).
فالهدف الأساسي في كل الممارسات النسكية من (صوم، صلاة، ميطانيات، سهر....) في المسيحية هو إذلال الجسد (أي إخضاعه لسلطان الروح)، وليس إذلاله بطريقة خاطئة.. أي إهانته وتعذيبه وإهماله حتى يكون معوق لممارسة هذه الممارسات فيضعفه أكثر من اللازم.
وعلى سبيل المثال:

*إنسانًا يفهم الصوم بطريقة خاطئة، فيفرض على نفسه أصوامًا كثيرة ومتلاحقة بدون تدبير أو تمييز أو إرشاد من أب اعترافه.. فيقع في حصار الصوم، ويعتبر نفسه من الآباء الصوّامين، فيؤدي ذلك إلى ضعف الجسد، ويصل إلى حد الأنيميا الحادة والدوخة والغثيان حتى لا يقدر أن يقف ليصلي أو يضرب الميطانيات أو حضور القداسات أو السهر أو... فيكون حَكَم على نفسه بالإنقطاع عن هذه الممارسات النسكية كلها باقي عمره بسبب سوء فهمه وتصرفه الخاطئ.
*إنسانًا آخر يتوسم في نفسه أنه إنسان مُصلي، فيقف يُصلي ساعات طويلة، ويترك على أثر ذلك عمله.. (هذا إذا كان علمانيًا أو راهبًا في الدير)، وبذلك يكون قد ترك جزء من برنامجه أو قانونه اليومي.. فمن أين يأكل ما لم يعمل؟!
* ولعل ذلك يذكرني بالقصة المذكورة في بستان الرهبان.. عن أحد الآباء الرهبان الذي توسم في نفسه أنه رجل صلاة، فعندما ذهب لدير آخر دخل قلاية وحبس نفسه فيها للصلاة، ولم يخرج مع أخوته للعمل.. فأخذ يصلي، وحينما جاء ميعاد المائدة للأكل انتظر مَنْ يقرع بابه ليدعوه لتناول الطعام مع باقي الآباء.. وطال انتظاره ولم يذهب إليه أحد.. وأخيرًا خرج من قلايته ذاهبًا للأب مدبر الدير وخاطبه قائلًا: أما أكل الأخوة اليوم يا أبي؟ قال له الرئيس: لقد أكل الأخوة في ميعادهم. فقال له: ولماذا لم يدعوني أحد لتناول الطعام معهم؟ فاجابه الرئيس قائلًا: أنت رجل صلاة، ولا تحتاج إلى طعام.. فطعامك هو العمل الروحي والغذاء الروحي، ولا تحتاج إلى الطعام الجسدي الذي نعمل من أجله لأن "مَنْ لا يعمل لا يأكل"!! فشعر هذا الراهب بخطأه، وضرب ميطانية للأب المدبر قائلًا له: أخطأت ومنذ اليوم سوف أعمل مع أخوتي وأصلي باقي الوقت.. وانصرف عنه.
* إنسانًا آخر يسئ فهم الميطانيات وفوائدها، فيكثر منها بإرادته وتدبيره الشخصي،فيضع لنفسه عددًا لا يحصى مع أن إمكانياته الجسدية لا تساعده على ذلك فيؤدي به إلى أمراض في العظام، وخشونة في الركب، وانزلاق غضروفي في العمود الفقري، ويصبح طريح الفراش يحتاج إلى عمليات جراحية كثيرة.. وبسبب ملازمته للفراش وتقرير الاطباء الذي يحذرة بلهجة شديدة بعدم الحركة يفقد حرارته الروحية وصلواته وأصوامه.. ويكون قد أساء إلى جسده الذي هو وزنة مؤتمن عليها.
فلنلاحظ أنه إذا ضعف الجسد ومرض.. لا يستطيع الإنسان أن يؤدي واجباته الروحية على الوجه الأمثل.. فالنُسك يحتاج إلى إفراز وتدبير من أب الاعتراف وليس حسب هوى كل انسان.
فلنتحلي بفضيلة الإفراز فهي أهم الفضائل..
ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 12 - 06 - 2014 06:37 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
المسيحية وحياة التوبة
نصف دائمًا الخطية بأنها انفصال عن الله.. وما دام الإنسان يحيا حياة الخطية فهو دائمًا بعيد عن الله يحيا في كورة بعيدة، فلا يتمتع بوجوده مع الله إلاَّ إذا ترك هذه الكورة البعيدة ورجع إلي بيت أبيه مرة أخرى وقدّم توبة.. إذًا فالتوبة هي رجوع وعودة إلى حضن الآب السماوي.
فعندما ننظر إلى الابن الأصغر.. (لو15: 11-32):
*نجدة تمرد على أبيه.. وأخذ ما يحق له من الميراث.
*وأراد أن يعيش بعيش مُسرف، ويبدد هذه الأموال (هذا هو الميول والتفكير في ارتكاب الخطية).
*ثم نفذ ذلك.. بأن صمم على أخذ ماله بعد أن نصحه أبوه، ولم يسمع النصيحة (وهذا هو التصميم على فِعل الخطية).
*وذهب فعلًا إلى كورة بعيدة، وهناك عاش العيشة المُسرفة، فتبددت أمواله (وهذا هو فِعل الخطية نفسه).
*ثم بعد ذلك ضاعت ثروته ونضارته، وفقد الجميع (وهذا هو تخلي النعمة الإلهية عن مَنْ يسلك في الخطية بعناد وتصميم).
*ثم احتاج أن يأكل مما يأكلة الخنازير فلم يجد (وهذا ما تفعله الخطية في الإنسان.. أن تنزله من مرتبته الإنسانية الجميلة) التي خلقت على صورة الله ومثاله.. "فخَلَقَ اللهُ الإنسانَ علَى صورَتِهِ. علَى صورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وأُنثَى خَلَقَهُمْ" (تك1: 27).
*وأخيرًا فكّر في العودة إلى بيت أبيه عندما جلس مع نفسه وقال: ماذا فعلت إنني أُهلك جوعًا!! (وبالطبع سوف يهلك الإنسان المنغمس في الخطية جوعًا، ليس جسديًا فقط بل روحيًا) لأنه ابتعد عن الخبز السماوي.. "خُبزَ اللهِ هو النّازِلُ مِنَ السماءِ الواهِبُ حياةً للعالَمِ" (يو6: 33).
*ولكن هذا الابن الشاطر وقف مع نفسه، وأخذ قرارًا جديًا بأن يترك الخطية، ويرجع إلى أبيه.."أقومُ وأذهَبُ إلَى أبي" (لو15: 18)، وهذا ما يفعله الإنسان عندما يفيق ويعود إلى نفسه، ويحاسب نفسه عن خطأه والخطايا التي وقع فيها، ويقول لنفسه: لماذا فعلت هذا الجُرم العظيم وأخطأت إلى الله؟
*فقام الابن مسرعًا نحو أبيه ليعتذر عما صدر منه، ويستسمح أبوه لكي يغفر له، وقدم ندمًا على فِعله.. "أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ" (لو15: 18)، (وهذا ما يفعله الانسان في الاعتراف أمام الأب الكاهن).
وهذا ما يميز مسيحيتنا ومسيحنا الحنون.. فهو يقف من بعيد فاتحًا ذراعيه لكل إنسان يعود ويندم على فِعل الخطية، ويقدم توبة فيقبله لأنه هو القائل:"مَنْ يُقبِلْ إلَيَّ لا أُخرِجهُ خارِجًا" (يو6: 37). ولأن الله"يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يَخلُصونَ، وإلَى مَعرِفَةِ الحَق يُقبِلونَ" (1تي2: 4)
ونلاحظ أن الله عندما خلق الإنسان طاهرًا قديسًا.. خلقه على صورته ومثاله، لكنه بعصيانه لخالقه سقط في الخطية، فتغيرت طبيعته، وسقط من رتبته، وفَقَدَ أشياء كثيرة..

*فَقَدَ الفردوس الذي كان يتنعم فيه بوجوده في حضرة الله المستمرة.
*فَقَدَ سلامه وفرحه وسلطانه كتاج للخليقة.. لأن لله سلطان على كل شيء.
*فَقَدَ أشياء كثيرة لا تقدّر قيمتها، ولا يُقيّم ثمنها، وبقيت الخطية لاصقة به بآثارها.. يتلوى من آلام أشواكها، ويعاني من مرارة مذاقها، ويسري سُمها في جسده.
*لقد نقض بيده خيمة مسكنه السمائي، فعصفت به رياح الشهوات، وتعرى بإرادته من ثوب البر، فعانى من برودة الإثم، ونأى بنفسه عن شمس البر.. فلم يتمتع بالشمس، ولا استدفئ بحرارتها.. بل أصبح في برودة مستمرة وهي برودة الخطية لبعده عن شمس البر.
وليكن معلومًا عندنا أن الخطية التي نستخف بها –حتى ما يبدو لنا منها تافهًا– هي العصيان ضد الله، وهي تعدي عليه: "كُلُّ مَنْ يَفعَلُ الخَطيَّةَ يَفعَلُ التَّعَديَ أيضًا. والخَطيَّةُ هي التَّعَدي" (1يو3: 4).
والخطية أيضًا هي انفصال عن الله، لذلك تصبح موت للإنسان،"ابني هذا كانَ مَيّتًا فعاشَ، وكانَ ضالاًّ فوُجِدَ" (لو15: 24)، "وأنتُمْ إذ كنتُم أمواتًا بالذُّنوبِ والخطايا" (أف2: 1).
فإذا كانت الخطية هي (موت روحي وانفصال عن الله)..
إذًا فالتوبة هي انتقال من الموت إلى الحياة.
*وذلك كما قال لنا مُعلِّمنا يوحنا: "نَحنُ نَعلَمُ أنَّنا قد انتَقَلنا مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ" (1يو3: 14).
*وهكذا أوضح لنا مُعلِّمنا بولس قوله: "استَيقِظْ أيُّها النّائمُ وقُمْ مِنَ الأمواتِ فيُضيءَ لكَ المَسيحُ" (أف5: 14).
*ويوضحها أكثر مُعلِّمنا يعقوب: "فليَعلَمْ أنَّ مَنْ رَدَّ خاطِئًا عن ضَلالِ طريقِهِ، يُخَلّصُ نَفسًا مِنَ الموتِ، ويَستُرُ كثرَةً مِنَ الخطايا" (يع5: 20).
والتوبة أيضًا هي:

*عودة إلى الله وإلى محبته.. فهي ليست مجرد امتناع عن الخطية.. لأنه من الممكن أن يمتنع الإنسان عن الخطية خجلًا أو خوفًا أو عجزًا عن فِعلها، ولكن لا يدل ذلك الامتناع عن محبة الإنسان لله.. لكن العلامة الواضحة على محبة الإنسان لله هي بُعده عن حياة الخطية والجهاد المستمر ضدها.
*تجديد للطبيعة.. أي طبيعة الإنسان الساقطة.. وذلك يتم في المعمودية.
*تجديد للذهن.. وذلك يتم في التوبة والاعتراف.. "تغَيَّروا عن شَكلِكُمْ بتجديدِ أذهانِكُمْ، لتختَبِروا ما هي إرادَةُ اللهِ: الصّالِحَةُ المَرضيَّةُ الكامِلَةُ" (رو2:12). ولذلك دعيت التوبة معمودية ثانية.
فإذا كانت المعمودية الأولى لا تتكرر ولكنها تُمارس مرة واحدة في العمر.. فإن المعمودية الثانية التوبة تتكرر يوميًا بل أكثر من مرة كل يوم.. لكي يصل الإنسان إلى حياة النقاوة والبر والقداسة التي دعي إليها كل إنسان.. "كونوا قِدّيسينَ لأني أنا قُدّوسٌ" (1بط1: 16).
فلنسعى في حياتنا.. ولنجاهد ضد الخطية..
ولنرجع ونتوب عن كل ما اقترفناه خطأ في حق الله..
ولنقدم توبة من كل القلب..
طالبين من إلهنا الصالح أن يقبلها،
ويغفر لنا خطايانا التي صنعناها بإرادتنا وبغير إرادتنا..
التي فعلناها بمعرفة وبغير معرفة.. الخفية والظاهرة.
لكي نتمتع معه بالعِشرة السمائية، ونوجد معه في ملكوته الأبدي.
الذي له كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:02 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
اتركها هذه السنة أيضًا
"فأجابَ وقالَ لهُ: يا سيدُ، اترُكها هذِهِ السَّنَةَ أيضًا، حتَّى أنقُبَ حَوْلها وأضَعَ زِبلًا. فإنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وإلاَّ ففيما بَعدُ تقطَعُها" (لو13: 8-9).
إنها دعوة إلى التوبة..
إذا طلبنا من إلهنا الحنون أن يترك هذه الكرمة، لنحاول ونجاهد.. لكي تثمر ولا يقتلعها، فيعطيها فرصة أخرى.. فيجب أن تثمر الثمر المطلوب.
فالله محب البشر بدافع محبته لأولاده يدعونا للتوبة.. ذلك لأنه "يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يَخلُصونَ، وإلَى مَعرِفَةِ الحَق يُقبِلونَ" (1تي2: 4). فهو من محبته لا يشاء أن يهلك أحدًا.. بل أن يقبل الجميع إلى التوبة ليتذوقوا حلاوتها.. "لا يتباطأُ الرَّبُّ عن وعدِهِ كما يَحسِبُ قَوْمٌ التَّباطؤَ، لكنهُ يتأنَّى علَينا، وهو لا يَشاءُ أنْ يَهلِكَ أُناسٌ، بل أنْ يُقبِلَ الجميعُ إلَى التَّوْبَةِ" (2بط3: 9).
وهو أن من أجل خلاصنا مستعد أن يتغاضى عن أزمنة الجهل.. "فاللهُ الآنَ يأمُرُ جميعَ الناسِ في كُل مَكانٍ أنْ يتوبوا، مُتَغاضيًا عن أزمِنَةِ الجَهلِ" (أع17: 30).
فمن محبته الغير متناهية نجده يقول في سفر حزقيال.. "هل مَسَرَّةً أُسَرُّ بموتِ الشريرِ؟.. ألا برُجوعِهِ عن طُرُقِهِ فيَحيا؟" (حز18: 23).
فهو يحبنا جميعًا..
ولذلك يريدنا بالتوبة أن نتمتع بمحبته

لذلك نرى في دعوته لنا للتوبة تعبير عملي عن مشاعر المحبة التي يكنها لنا.. فيقول: "ارجِعوا إلَيَّ بكُل قُلوبِكُمْ.. ارجِعوا إلَى الرَّب إلهِكُمْ لأنَّهُ رَؤوفٌ رحيمٌ، بَطيءُ الغَضَبِ وكثيرُ الرّأفَةِ ويَندَمُ علَى الشَّر" (يوئيل2: 12-13).
*"ارجِعوا إلَيَّ أرجِعْ إلَيكُمْ" (ملا3: 7).
*".. أجعَلُ شَريعَتي في داخِلِهِمْ وأكتُبُها علَى قُلوبِهِمْ، وأكونُ لهُمْ إلهًا وهُم يكونونَ لي شَعبًا.. أصفَحُ عن إثمِهِمْ، ولا أذكُرُ خَطيَّتَهُمْ بَعدُ" (إر31: 33-34).
فإلهنا الحنون يدعونا للتوبة.. لأننا نحتاج إليها فيقول:
*"لم آتِ لأدينَ العالَمَ بل لأُخَلّصَ العالَمَ" (يو12: 47).
*"لا يَحتاجُ الأصِحّاءُ إلَى طَبيبٍ بل المَرضَى. لم آتِ لأدعوَ أبرارًا بل خُطاةً إلَى التَّوْبَةِ" (مر2: 17).
ففي وعده لنا بالتوبة.. وعد بالتطهير والاغتسال.. لينقينا من الخطايا التي تسيطر علينا، لأنه يقول:
*"اِغتَسِلوا. تنَقَّوْا. اعزِلوا شَرَّ أفعالِكُمْ.. هَلُمَّ نتحاجَجْ، يقولُ الرَّبُّ إنْ كانَتْ خطاياكُمْ كالقِرمِزِ تبيَضُّ كالثَّلجِ.." (إش1: 16، 18).
*ويقول في سفر حزقيال.."أرُشُّ علَيكُمْ ماءً طاهِرًا فتُطَهَّرونَ. مِنْ كُل نَجاسَتِكُمْ ومِنْ كُل أصنامِكُمْ أُطَهّرُكُمْ. وأُعطيكُمْ قَلبًا جديدًا، وأجعَلُ روحًا جديدَةً في داخِلِكُمْ، وأنزِعُ قَلبَ الحَجَرِ مِنْ لَحمِكُمْ وأُعطيكُمْ قَلبَ لَحمٍ" (حز36: 25-26).
إذا فالتوبة نافعة ومفيدة لنا مهما كان أسلوبها.. إن كانت باللين أو بالشدة، ولذلك يقول مُعلمنا القديس يهوذا الرسول في رسالته: "ارحَموا البَعضَ مُمَيزينَ، وخَلّصوا البَعضَ بالخَوْفِ، مُختَطِفينَ مِنَ النّارِ، مُبغِضينَ حتَّى الثَّوْبَ المُدَنَّسَ مِنَ الجَسَدِ" (يه22-23).
ولأهمية التوبة نجدها هي أهم موضوع في الكتاب المقدس، وذلك لتنقي الإنسان لكي يخلص.. من أجل هذا أرسل الله الملاك الذي يهيئ الطريق قدامه: "يوحنا المعمدان"، بالمناداة بالتوبة قائلًا:"توبوا، لأنَّهُ قد اقتَرَبَ ملكوتُ السماواتِ" (مت3: 2).
فهذا الملكوت لا يمكن أن نناله إلاَّ بالتوبة
ومن أهمية التوبة أيضًا.. نجدها تحتل المركز الأول في خدمة السيد المسيح، ففي بداية كرازته يقول الإنجيلي:"مِنْ ذلكَ الزَّمانِ ابتَدأَ يَسوعُ يَكرِزُ ويقولُ: "توبوا لأنَّهُ قد اقتَرَبَ ملكوتُ السماواتِ" (مت4: 17)، وأيضًا كان يقول:"قد كمَلَ الزَّمانُ واقتَرَبَ ملكوتُ اللهِ، فتوبوا وآمِنوا بالإنجيلِ" (مر1: 15)، وقبل صعوده أمر أن "يُكرَزَ باسمِهِ بالتَّوْبَةِ ومَغفِرَةِ الخطايا لجميعِ الأُمَمِ، مُبتَدأً مِنْ أورُشَليمَ" (لو24: 47).

ومن أهمية التوبة فقد عاشها الآباء القديسين طوال حياتهم، وتغنوا ببعض الأقوال التي تعبّر عن ما عاشوه وتمتعوا به فنجد:
*مار اسحق يقول: "في كل وقت من هذه الأربع والعشرين ساعة من اليوم نحن محتاجون إلى التوبة". "كل يوم لا تجلس فيه ساعة بينك وبين نفسك, وتفتكر بأي الأشياء أخطأت, وبأي أمر سقطت وتقوم ذاتك فيه لا تحسبه من عدد أيام حياتك".
*القديس باسيليوس الكبير يقول: "جيد ألا تخطيء، وإن أخطأت فجيد ألا تؤخر التوبة.. وإن تُبت فجيد ألا تعود إلى الخطية.. وإن لم تعد فجيد أن تعرف أن هذا بمعونة من الله.. وإن عرفت فجيد أن تشكره على ما أنت عليه".
فدعوة الله بالتوبة لكل واحد منّا تحمل مشاعر الإشفاق والحنان على أولاده.. فهو يريد كل مَنْ ضلّ عنه أن يرجع إليه ليكون له نصيب في الملكوت وفي ميراث القديسين، وفي شركة الكنيسة الجامعة.
فالسلوك الخاطئ يمنع شركتنا مع الله وشركتنا أيضًا بعضنا مع بعض.. "ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ، ودَمُ يَسوعَ المَسيحِ ابنِهِ يُطَهرُنا مِنْ كُل خَطيَّةٍ" (1يو1: 7).
فالله لا يخرج إلى خارج مَنْ يقبل إليه.."كُلُّ ما يُعطيني الآبُ فإلَيَّ يُقبِلُ، ومَنْ يُقبِلْ إلَيَّ لا أُخرِجهُ خارِجًا" (يو6: 37). لكن الأكثر من ذلك أن الرب هو الذي يقف على الباب ويقرع بدون ملل منتظرًا مَنْ يفتح له.."هأنذا واقِفٌ علَى البابِ وأقرَعُ. إنْ سمِعَ أحَدٌ صوتي وفَتَحَ البابَ، أدخُلُ إليهِ وأتَعَشَّى معهُ وهو مَعي" (رؤ3: 20). فإذا كان بنفسه يعمل ذلك فبالأحرى هو يفتح لمَنْ يقرع أبواب رحمته الإلهية.
فمراحم الله هي أقوى من كل دنس الخطية
قال أحد الآباء: "إن أبشع الخطايا وأكثرها -بالنسبة إلى مراحم الرب- هي بمثابة قطعة طين قد ألقيت في المحيط.. فهذه القطعة لا تعكر المحيط، بل يأخذها ويفترشها في أعماقه, ويقدم لك ماءً رائقًا".
قبول الله للتوبة إنما يكشف ويعبّر عن أعماق محبته الإلهية للبشرية
لذلك لا تيأس..
لأن حرب اليأس قد يتعرّض لها البعض ويتعب منها الكثيرين.. لا تقل إنني يئست ولا فائدة مني.. فالشيطان يريدك أن تيأس من التوبة سواء من إمكانياتها أو من قبول الله لها، حتى تشعر من داخلك أنه لا فائدة من التوبة بتكرار الخطية، وبالتالي لا فائدة من الجهاد ضد الخطية.. فتستسلم للخطية وتستمر فيها فتهلك نفسك.
فلا تنصت للشيطان في أي شيء يقوله لك، وكلما حاربتك الأفكار الشيطانيةباليأس يكون ردّك الواضح عليها بما قاله ميخا النبي:"لا تشمَتي بي يا عَدوَّتي، إذا سقَطتُ أقومُ. إذا جَلستُ في الظُّلمَةِ فالرَّبُّ نورٌ لي" (مي7: 8).
فاليأس من التوبة هو أكثر خطورة على الإنسان من السقوط في الخطية نفسها. فهذا اليأس هو الذي أدى بيهوذا إلى أن شنق نفسه ومات هالكًا.
وأكثر من ذلك قد يؤدى اليأس إلى أن الإنسان يندمج في الخطية أكثر وأكثر، حتى تتكبل رجليه بسلاسل الخطية الحديدية، وينغمس فيها، ويمارسها بشراهة وشراسة، لأن الشيطان يغرس في فكره أنه لا أمل في الإقلاع عن هذه الخطية.. فيندرج الإنسان من سيء إلى أسوا، ويبتعد عن أب اعترافه قائلًا لنفسه: لماذا أذهب للاعتراف وأنا أفعل الخطية كثيرًا وأمارسها وأكررها أكثر وأكثر، عندما أتوب سأذهب لأب اعترافي. وهذا يكون هروب من المواجهة، وذلك لأنه لا يستطيع أن يسمع كلام توبيخ أو توجيه. فالإنسان قد يصل إلى مرحلة التلذذ بالخطية بسبب حرب اليأس التي وقع فيها.

فيا أخي الحبيب وأختي المباركة.. إن كنت قد يئست من نفسك فالله الحنون الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا.. لم ييأس من خلاصك.
لقد خلّص القديسة بائيسة, ومريم القبطية، وأغسطينوس، وموسى الأسود.. وأصبح لقبهم بعد ذلك "القديسة" و"القديس"، وتحولت حياتهم إلى شموع مضيئة للكل نطلب صلواتهم وشفاعتهم.
فأنت لست أصعب من هؤلاء.. بل الله قادر على كل شيء.. وقادر أن يخلصك أنت أيضًا طالما أنت تريد ذلك.
فالقديس أغطسينوس يقول: "الله الذي خلقك بدونك لا يستطيع أن يخلصك بدونك". فلازم عليك أن تشترك مع الله في خلاص نفسك في أن تقدم توبة، وتوبة نقية من كل القلب.
أصرخ إلى إلهك مع بداية العام الجديد وقل مع ارميا النبي.."توّبني فأتوبَ، لأنَّكَ أنتَ الرَّبُّ إلهي" (إر31: 8).. فإن كنت أنت عاجز عن أن تقيم نفسك من سقطة الخطية.. فالله قادر أن يقيمك منها.. فهو "عاضِدٌ كُلَّ السّاقِطينَ، ومُقَوّمٌ كُلَّ المُنحَنينَ" (مز145: 14)، وكما نقول في أوشية المرضى: "رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين".
تمثل بالجريح الذي كان ملقى على الطريق، لا يستطيع أن يقوم، وجاء إليه الرجل السامري فأقامه وضمد له جروحه.. (لو10: 30-37).
فتعالوا بنا نصرخ لإلهنا ونقول:
"اجعلنا يا رب أن نبدأ بدءًا حسنًا..
وامسك بيميننا في بداية هذا العالم..
واترك هذه الشجرة هذه السنة أيضًا لكي تثمر بروحك القدوس.
ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن والى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:04 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
ما بين الروح والجسد


الكثير منَّا يكون اهتمامه الأول وشغله الشاغل هو (الجسد)، وكل متطلباته واحتياجاته.. يغذي الجسد ويربيه، ويهتم به، ويهتم بالحالة الصحية، والمظهر العام... وغيره.
وفي وسط المشغولية ننسي الروح..
تبدأ المعادلة العكسية في الوضوح..
الجسد يقوى ويقوى.. والروح تضعف وتضعف.
الجسد يزدهر والروح تذبل.
الجسد يكون صحيحًا.. والروح تصبح مريضة..
ويصبح كل اهتمامنا بالجسد وتُهمَل الروح نهائيًا.
في حين أننا نجد مُعلِّمنا بولس الرسول يتكلم كلامًا صريحًا عن الروح والجسد فيقول:
*"فإنَّكُمْ إنَّما دُعيتُمْ للحُريَّةِ أيُّها الإخوَةُ. غَيرَ أنَّهُ لا تُصَيروا الحُريَّةَ فُرصَةً للجَسَدِ، بل بالمَحَبَّةِ اخدِموا بَعضُكُمْ بَعضًا" (غل5: 13).
*ثم يقول أيضًا: "وإنَّما أقولُ: اسلُكوا بالرّوحِ فلا تُكَملوا شَهوةَ الجَسَدِ. لأنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ والرّوحُ ضِدَّ الجَسَدِ، وهذانِ يُقاوِمُ أحَدُهُما الآخَرَ، حتَّى تفعَلونَ ما لا تُريدونَ" (غل5: 16-17).
دائمًا الجسد يشتهي ضد الروح.. خذوا مثلًا:
الصوم

حينما يأتي علينا وقت الصوم.. نجد الجسد يشتكي باستمرار.. وإذا كنَّا لم نستطيع أن نلّجمه من قبل.. يشتكي ويعترض على الصوم.. ويبدأ الجسد بأعراض الضعف والهزل وعدم التركيز!! وذلك لأنه لا يريد أن يصوم.. لا يريد أي ممارسات روحية.. يهمه الأكل الكثير.. فهو في صراع مع الروح.. يريد أن يقوى على الروح لأنه إذا قويت الروح فسوف تقوده وهو لا يريد ذلك.
نجد الإنسان يعترض على الصوم ويقول إن أصوامنا كثيرة جدًا.. هذه الأصوام سوف تضعف جسدنا.. سوف لا يقدر على تأدية رسالته.. أنا محتاج أن يكون جسدي قوي لكي أستطيع أن أحيا وأتحرك وأمارس كل متطلبات الحياة.
هذه هي النظرة البشرية العادية التي تشفق على الجسد!!
ولكن الإنسان الذي يسلك حسب الروح لا يهمه الجسد.. هذا الجسد هو صورة لكي نعيش بها فترة على الأرض، وهذه الفترة يكون هدفنا هو نمو الروح، لكي نصل للعِشرة مع الله، ونعمل أعمال تزكيتنا للملكوت.. وليس أن يصبح بالنسبة لنا معطل أساسي للروح وللحياة الروحية كلها.
إذا اهتممنا بالجسد بطريقة زائدة عن المطلوب.. فسوف تضعف الروح، ونصبح أناسًا جسدانيين لا روح لهم.. فمُعلِّمنا بولس الرسول تيقظ لهذه النقطة وقال:

*"أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ، حتَّى بَعدَ ما كرَزتُ للآخَرينَ لا أصيرُ أنا نَفسي مَرفوضًا" (1كو9: 27).
وعاد وقال لنا أيضًا في رسالة غلاطية:
*"وأعمالُ الجَسَدِ ظاهِرَةٌ، التي هي: زِنىً، عَهارَةٌ، نَجاسَةٌ، دَعارَةٌ، عِبادَةُ الأوثانِ، سِحرٌ، عَداوَةٌ، خِصامٌ، غَيرَةٌ، سخَطٌ، تحَزُّبٌ، شِقاقٌ، بدعَةٌ، حَسَدٌ، قَتلٌ، سُكرٌ، بَطَرٌ، وأمثالُ هذِهِ التي أسبِقُ فأقولُ لكُمْ عنها كما سبَقتُ فقُلتُ أيضًا: إنَّ الذينَ يَفعَلونَ مِثلَ هذِهِ لا يَرِثونَ ملكوتَ اللهِ" (غل5: 19-21).
نلاحظ أن مُعلِّمنا بولس الرسول ذكر لنا ستة عشر عمل (خطية) من أعمال الجسد..
وقال: "وأمثال هذه".. أي أن أعمال مسيئة للجسد أخرى يعملها الجسد.
من منَّا مستيقظ لهذه الخطايا؟

وهل كل منَّا يحرص أن تكون روحه هي التي تقود جسده..
أم العكس؟
إذا كان العكس.. فسوف نجني ثمرة مُرّة.. وهي أعمال الجسد هذه التي سوف تبعدنا عن الله وعن العِشرة معه لأنه (لا يجتمع النور مع الظلمة).
إن تقييمنا للروح هو الذي يُحدد طريقنا في الحياة.. "لأنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ والرّوحُ ضِدَّ الجَسَدِ، وهذانِ يُقاوِمُ أحَدُهُما الآخَرَ" (غل5: 17)
من منَّا يريد أن يحيا في سلاسل الجسد وظلمة الحياة،

ولا يريد أن يسلك في النور؟

نحن كلنا نتفق في مبدأ أن: "إذا قوي الجسد ضعفت الروح".. فماذا يكون اهتمامنا بالجسد؟ هو الاهتمام الأول (كيف يأكل.. كيف يشرب.. كيف يعالج.. كيف يلبس....)، نوفي له كل رغباته، وكأنه شخص آخر يقف أمامنا،ودائمًا يطالب بجميع حقوقه ونحن لا نملك إلاَّ أن نقول في كل طلب: "حاضر سوف أوفيك إياه.. إنني لا أستطيع أن أمنع عنك أي طلب تطلبه".
إذا وصلنا إلى هذه المرحلة..

فسوف نحيا كجسديين وليس كروحين.

تعالوا بنا نسمع مُعلِّمنا بولس الرسول وهو يقول لنا:
*"اسلُكوا بالرّوحِ فلا تُكَمّلوا شَهوةَ الجَسَدِ" (غل5: 16).
*"ولكن الذينَ هُم للمَسيحِ قد صَلَبوا الجَسَدَ مع الأهواءِ والشَّهَواتِ" (غل5: 24).
*"إنْ كُنّا نَعيشُ بالرّوحِ، فلنَسلُكْ أيضًا بحَسَبِ الرّوحِ" (غل5: 25).
*"لأنَّ مَنْ يَزرَعُ لجَسَدِهِ فمِنَ الجَسَدِ يَحصُدُ فسادًا، ومَنْ يَزرَعُ للرّوحِ فمِنَ الرّوحِ يَحصُدُ حياةً أبديَّةً" (غل 6: 8).
هيا بنا نراجع أنفسنا جميعًا..

*مَنْ الذي يغلب علينا: الروح أم الجسد؟!
*كيف نحيا حياتنا الحالية على الأرض؟
*هل نعيش حسب الروح أم حسب الجسد؟
ليتنا جميعًا نسلك بالروح فلا نكمل شهوة الجسد.. نعيش في حياة روحية.. نتمتع بالسيد المسيح.. نمارس الممارسات الروحية عن حب وليس عن تغصب.. يصبح فكرنا روحي وليس جسدي.. ولا يتحول خوفنا على جسدنا أن يأتي وقت يقف الجسد ومتطلباته ضد الروح ويعطلها.. إلى أن نصل إلى أن نهمل الروح ويقوى الجسد بكل ممارسة الخاطئة.
ربنا يعطينا جميعًا أن نحيا حسب الروح وليس حسب الجسد..
ولإلهنا كل المجد والإكرام في كنيسته المقدسة..
من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:06 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
ما معنى التجسد؟

http://tarnim.files.wordpress.com/2010/12/jesus.jpg

"عظيمٌ هو سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَدِ" (1تي3: 16)

التجسد الإلهي:

* يعني أن الله وهو ملك السموات والأرض قد تنازل وأخذ جسدًا إنسانيًا، فاتحد بطبيعتنا، وظهر بيننا على الأرض.

* وأن الله الغير منظور قد صار منظورًا في جسد الإنسان.

* وأن الله قد تواضع حبًا فينا، وأخلى ذاته وأخذ جسدنا.

- "أخلَى نَفسَهُ، آخِذًا صورَةَ عَبدٍ، صائرًا في شِبهِ الناسِ" (في2: 7).

- "والكلِمَةُ صارَ جَسَدًا وحَلَّ بَينَنا" (يو1: 14).

الله الكلمة

* الله الكلمة "أقنوم الابن" صار إنسانًا وحلّ بيننا.. وكلمة (صار) لا تعني هنا الصيرورة أو التحول.. بل هي تعني حرفيًا (أخذ جسدًا).

* فأقنوم الابن "الله الكلمة" أزلي لا يتغير ولا يتحول بل هو ثابت.. وكل ما حدث هو أنه أخذ جسدًا ليحل بيننا بصورة حسية، فنسمعه ونراه.. ولذا يقول مُعلِّمنا يوحنا الرسول: "الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا" (1يو1: 1).

* أقنوم الابن لم يتجسد فقط ولكنه تجسد وتأنس، وهذا يعني أنه تجسد في جسد إنساني وأخذ الطبيعة الإنسانية كلها.

* التجسد الإلهي لا يعني أن الله قد أخلى السماء من وجوده حين نزل على الأرض، فوجوده يملأ السموات والأرض.. وإنما أخلى ذاته من المجد.

هذا الأمر دخل في دائرة قدرة الله وليس فيه صعوبة أو غرابة، لأن الذي يملك الكل يملك الجزء، والذي يملك الأكثر يملك الأقل.

أليس في قدرة الملك أن يلبس رداء العمال ويجلس بينهم ويتحدث إليهم!!

أليس في قدرة المدرس أن ينزل إلى مستوى التلاميذ ويتحدث إليهم!!

أليس في إمكان الرجل الرفيع الشأن أن يتنازل ويسير بين عامة الناس!!

ولذلك نطرح سؤالًا هامًا ونقول..


هل من قدرة الله أن يتجسد أم ليس في قدرته؟

فإذا قلنا إن الله ليس في قدرته أن يتجسد فإننا ننسب إليه الضعف.. إذ هو لا يستطيع أن يتجسد.

فممكن أن يقول البعض إن التجسد هو ضعف لا يليق بالله، ولكنه هذا ليس من الحق في شيء.. فإن التجسد هو عمل من أعمال القوة وليس عملًا من أعمال الضعف، وهو داخل في قدرة الله اللانهائية وغير المحدودة.

التجسد معناه: شيء كان موجود غير محسوس (لا مرئي)، وليس له كيان جسدي، وبعد ذلك أخذ جسدًا.

مثل "فكرة" في الذهن.. "غير محسوسة وغير مرئية"، ثم أفكر فيها كثيرًا، فتتحول إلى فكرة محسوسة في صورة (ماكيت، شعر، مقالة....) وبذلك تأخذ كيان محسوس.


الله كائن منذ الأزل

* الله كائن منذ الأزل ويملأ الوجود ولكن ليس له جسد، . في ملء الزمان أخذ جسدًا لكي نراه بعيوننا.. فإذا كان لم يأخذ جسدًا كنا لا نراه ولا نتكلم معه ولا نحسه.

* الوحيد الذي تجسد هو السيد المسيح.. لأنه هو الوحيد الذي كان موجودًا قبل ميلاده وليس عنده جسد. وهذا ما يفسر لماذا وُلد من غير أب..

لماذا وُلد من غير أب؟

* لأنه كان موجودًا قبل كل الدهور ولكن ليس له جسدًا.. الأب يعطي الوجود والأم تعطي الجسد، أي كائن حي موجود على الأرض أيًا كان.. حيوان أو إنسان أو نبات.. يحتاج إلى أب وأم.. النبات: "البذرة" (الأب)، "الأرض" (الآم).

ليس له جسد

* الوحيد الذي كان موجودًا وليس له جسد هو الله.. لذلك احتاج أُمًا تعطي له جسدًا، ولكنه كان لا يحتاج إلى أب لأنه كان موجود.. (الأب يعطي الكيان "البذرة" بالنانو جرام، والأم تعطي الجسد).

* كان ممكن أن السيد المسيح يحضر له جسدًا من السماء ولا يحتاج لهذا الجسد.

* كان ممكن ولكنه لو حدث ذلك لأصبح من طبيعة أخرى غير طبيعتنا البشرية، وكان لا يستطيع أن يخلصنا على الصليب لأنه ليس ابن الإنسان.

فالفداء يحدث عن طريق الإنسان..

ليفدي الإنسان الذي أخطأ..

فيلزم نفس الطبيعة.

ربنا يبارك حياتكم ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:07 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
لماذا التجسد؟


لم يكن تجسد ابن الله هدفًا في ذاته بل كان وسيلة لتحقيق أهداف عظمى وهي:
فداء الإنسان
إذ بذل أقنوم الابن جسده فداءً عن الإنسان الساقط.
تجديد خلقة الإنسان
إذ جاء ابن الله الكلمة المتجسد ليتحد بطبيعتنا الساقطة، ويُقيمها من ضعفها ويجددها.. بل ويُعيد خلقتها لتصير طبيعة مُقدسة.
تعليم الإنسان الفضيلة والكمال،
وتقديم المثل الأعلى
إذ أتى أقنوم الابن وعلّم الإنسان الفضيلة والكمال، ليس بكلامه فقط بل بشخصيته أيضًا، فعاش كاملًا، مُقدمًا مَثلًا وقدوة يسير عليها المؤمنون.
لأن الله غير قابل للموت بلاهوته..
أخذ جسدًا قابلًا للموت،
فيه ذاق الموت من أجل الجميع.
"يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة من أجلنا نحن الخطاة" (قطع الساعة التاسعة).
إذًا لابد من التجسد لكي يتم الخلاص وفداء الإنسان.
لماذا يفدينا؟

*خلق الله الإنسان على صورته ومثاله.. "وقالَ اللهُ: "نَعمَلُ الإنسانَ علَى صورَتِنا كشَبَهِنا، فيَتَسَلَّطونَ علَى سمَكِ البحرِ وعلَى طَيرِ السماءِ وعلَى البَهائمِ، وعلَى كُل الأرضِ، وعلَى جميعِ الدَّبّاباتِ التي تدِبُّ علَى الأرضِ" (تك1: 26).
*وبدأ الله يفكر في هذا المخلوق الذي يريد أن يعمله على صورته وشبهه.."وجَبَلَ الرَّبُّ الإلهُ آدَمَ تُرابًا مِنَ الأرضِ، ونَفَخَ في أنفِهِ نَسَمَةَ حياةٍ. فصارَ آدَمُ نَفسًا حَيَّةً" (تك2: 7). بهذه النفخة التي نفخها الله لتعطي الحياة للإنسان.. طبع الله صورته فينا، وسكن فينا بروحه الذي يحبنا ويجعلنا ننمو كل يوم في القداسة على صورة الله.

*"ليس جَيدًا أنْ يكونَ آدَمُ وحدَهُ، فأصنَعَ لهُ مُعينًا نَظيرَهُ" (تك2: 18).. استيقظ آدم فوجد حواء بجانبه وشعر بمحبة عظيمة نحوها.
*"هذِهِ الآنَ عَظمٌ مِنْ عِظامي ولَحمٌ مِنْ لَحمي" (تك2: 23).. أعطى الله آدم السلطان على كل الخليقة.. ثم سقط آدم بمخالفته الوصية.
آدم أيها المحبوب..
إنك مخلوق من تراب،
وكان يمكن أن تظل تربًا،
لكنني أردت أن أخلقك لأمتعك بالوجود معي.
لقد خلقت الحيوانات يا آدم بلا عقل أو حرية،
ولكنني أحبك لذلك أعطيتك من عقلي ومن حريتي ومن إرادتي،
لأني خلقتك رجلًا محبوبًا.
*بعد سقوط آدم وحواء.. صنع لهم الله أقمصة من الجلد "ذبح حيوان" "الدم".. فكرة الذبيحة النائبة عن المخطئ وضعت من ذلك الوقت.
*فكر الله في خلاص الإنسان الذي أخطأ وطُرد من الجنة.. كيف ومتى.. لقد أخذ العدل الإلهي مجراه، فطُرد آدم من حضرة الله القدوس، وسرى عليه حكم الموت الأبدي.
ما هو قدر خطية آدم؟

إنها غير محدودة.
لماذا؟
لأن الخطية تقدر بشخصية المخطئ إليه.
فمثلًا:
*لو أخطأ إنسان في حق ابنه، يكون الخطأ بسيطًا فيمكن إصلاحه بالاعتزاز.
*بينما نفس الخطأ لو حدث مع صديق فيكون الصلح أصعب.
*ولو حدث مع الرئيس في العمل يكون أصعب وأصعب وقد يحتاج تدخل الآخرين.
*ولكن ما رأيك لو حدث نفس الخطأ مع رئيس الدولة؟ بلا شك ستكون هذه الإهانة موجهة للدولة ككل،وقد يقع مرتكب هذا الخطأ تحت حكم السجن مدى الحياة.
هنا نتأمل خطية أبونا آدم..

كم هي معقدة وغير محدودة!! لأنها موجهة ضد الله الغير محدود. هذه الخطية توارثها جميع أبناء آدم ولم يفلت منها أحد.
وبما أن خطية آدم وجهت لله الغير محدود، أصبحت خطية غير محدودة.. لذلك وجب أن الذي يفي العدل الإلهي ويخلص آدم يكون كائن غير محدود.
ولأن الخطية التي وجهت لله كان المخطئ فيها إنسان له جسد.. أصبح الذي يفي عدل الله لابد أن يكون له جسد.
ولأن الإنسان بطبيعته التي أفسدها أصبح طبيعة خاطئة يحمل الخطية في كل شيء، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه.. فكيف يفي الإنسان الخاطئ أو يفدي الإنسان الخاطئ إنسانًا آخر خاطئ مثله؟
فلابد الذي يفديه يكون بلا خطية.

لذا وجب شروط للفادي الذي يفدى الإنسان:
شروط الفادي

*كائن ذو طبيعة بشرية... له جسد.
*كائن غير محدود.
*بلا خطية.
مَنْ يفدي آدم؟

*رئيس ملائكة!!
*نبي أو رئيس أنبياء!!
*إنسان!!
اللاهوت لا يموت..
لذلك لازم يأخذ جسد قابل للموت..
لذلك وجب تجسد الابن الوحيد.
لذلك لزم أن يكون كائنًا غير محدود بلا خطية، ذو طبيعة بشرية وطبيعة قابلة للموت.
مَنْ هذا الكائن غير..
الإله المتجسد.. السيد المسيح!
لذلك وجب نزول الأقنوم الثاني، وحلوله في بطن السيدة العذراء، وتكوين جسد له بحلول الروح القدس فى بطنها، وخروجه من بطنها..
إلهًا متجسدًا..
إلهًا آخذًا صورة إنسان.
ربنا يبارك حياتكم ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:09 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 

e الله بنفسه (اللوغوس) دخل في أحشاء السيدة العذراء..
e ونقى لنفسه من لحمها وأنسجتها..
e وكوّن لنفسه جسدًا كاملاً..
e وأخذ ينمو نموًا كاملاً تسعة أشهر حتى وُلد ولادة جسدية عادية..
e وأخذ يعيش على الأرض كإنسان حقيقي، وينمو نموًا بشريًا حقيقيًا كإنسان حقيقي وليس تمثيل.

كان إنسانًا..


ولكنه كان يحمل في داخله جوهر اللاهوت.


السيد المسيح هو الوحيد


الذي اختار والدته واختار لنفسه جسده.

"تطلع الآب من السماء فلم يجد مَنْ يشبهك أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ" (ثيؤطوكية الأربعاء).
العذراء مريم هي أحسن البنات، ودخل فيها، واختار منها أحسن الصفات الموجودة فيها.. لذلك وُلد.. أبرع جمالاً من بني البشر.

وهذا الجسد أيضًا بلا خطية لأن لا يوجد خطية دخلت للسيدة العذراء عن طريق الزواج كما يحدث مع الجميع.. لذلك قطع هذه القصة.. الخطية.. ووُلد من العذراء بغير زرع بشر.

ولماذا أخذ جسدًا بلا عيب؟


(أي بدون عيوب خلقية)

لأنه لا ينفع أن يكون ذبيحة وبها عيب.. فالذبيحة بلا عيب جسدي.. لا يوجد عند السيد المسيح أي عيوب خلقية.. صفاته الجسدية كانت كلها نموذجية.
"أبرَعُ جَمالاً مِنْ بَني البَشَرِ" (مز45: 2).. السيد المسيح بارك كل مراحل الحياة.. من أول الزيجوت حتى الرجل الكامل.

بركات التجسد

1. الخلاص (الفداء):
لولا أن الله تجسد لم يكن الإنسان قد خلص.. لأن الخلاص بالموت "موت المسيح من أجلنا". عندما جاء الله للأرض جاء ليخلصنا.

2. بارك طبيعتنا البشرية:
"باركت طبيعتي فيك".. نشكر الله أنه لم يتجسد في شكل خروف أو أي حيوان أو ملاك أو نجمة أو غير ذلك.. باتخاذه جسد بشري (إنسان) بارك طبيعة الإنسان فيه، وأعطى كرامة فائقة للجنس البشري.. العذراء مريم ليست غريبة عن البشر.

3. تقديس الحياة اليومية:
بارك كل مراحل الحياة (أكل، شرب، نوم، استيقاظ، تأمل، عمل أيام روحية......) قدّس كل مراحل الحياة التي نعيشها.

4. تقديس الجسد:
أعطى كرامة فائقة للجسد.. "أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟" (1كو3: 16). أصبح الجسد له كرامة فائقة بعد تجسد السيد المسيح، كما يحدث مع القديسين.. يخرج من الجسد أنوار، ويخرج منه قوة شفاء حتى بعد موته.
5. شركة الحياة الأبدية:
فتح لنا باب السماء وأعطى للروح كرامة في السماء.. لذلك تصعد الروح للسماء بعد موت الإنسان.

ولأن السيد المسيح بعد موته دخل السماء فاتحًا الباب المغلق.. الملاك ذو السيف الملتهب نار "اِرفَعنَ أيَّتُها الأرتاجُ رؤوسَكُنَّ، وارتَفِعنَ أيَّتُها الأبوابُ الدَّهريّاتُ، فيَدخُلَ مَلِكُ المَجدِ" (مز24: 17).. دخل الإنسان مع السيد المسيح وأصبح باب السماء مفتوح أمامنا.
6. نعمة الإفخارستيا:
أعطانا جسده ودمه في سر الإفخارستيا.. فلو لم يتجسد لم يكن أعطانا جسده نأكله ودمه نشربه.

7. التبني لله الآب:
أصبحنا أبناء الله الآب... بالتبني.

8. معرفة الثالوث:
أوضح لنا الثالوث القدوس بتجسده في المعمودية... وفي التجلي... عرفنا الثالوث القدوس بالفعل في تجسد الابن الوحيد.


Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:12 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
تسبحة 7 و 4 والأربعة هوسات
إن تسبحة كيهك التي تُصلى ليالي الآحاد الكيهكية هي تسبحة كل أحد على مدار السنة.. لأنه هو يوم القيامة، الذي تحتفل فيه الكنيسة بهذه الذكرى أسبوعيًا، بسهرها حتى طلوع الفجر الذي قام فيه السيد المسيح.
وعند طلوع الفجر كانت البُشرى الملائكية بدحرجة الحجر، وإعلان القيامة المجيدة.
*فبعد أن تُصلى صلوات مزامير نصف الليل بخدماتها الثلاثة.. يُقرأ في أول خدمة: إنجيل لقاء العريس مع العذارى اللواتي استعددن بإيقادهن مصابيحهن.. (مت25: 1-13).
"حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ" (مت25: 1-13).
*وفي الخدمة الثانية نصلي إنجيل التوبة "المرأة الخاطئة"، ولقاء المحبة مع السيد المسيح في بيت الفريسي، فنشتم رائحة طيب عطرة (هي أصلًا رائحة دموع المرأة الخاطئة وليست رائحة الطيب المسكوب).. فدموعها التي بللت بها قدمي المُخلّص هي أقصر قيمة وأريجًا من رائحة الطيب المسكوب.. (لو7: 36-50).
"وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلًا: "لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ". فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: "يَا سِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ". فَقَالَ: "قُلْ، يَا مُعَلِّمُ". "كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟" فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ:"أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ". فَقَالَ لَهُ: "بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ". ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: "أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا". ثُمَّ قَالَ لَهَا: "مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ". فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: "مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟". فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ" (لو7: 36-50).
*ونختم صلوات الخدمة الثالثة بوعد الراعي لقطيعه بعدم الخوف من أي شيء.. هذا القطيع ولو أنه صغير ومفروز من العالم، لكنه بإطاعته لراعيه أصبح الرب من نصيبه ومن حقه أن يرث الملكوت.. (لو 12: 32-40).
"لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ. بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً. اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاسًا لاَ تَفْنَى وَكَنْزًا لاَ يَنْفَدُ فِي السَّمَاوَاتِ، حَيْثُ لاَ يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلاَ يُبْلِي سُوسٌ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا. "لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ. وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هكَذَا، فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ. وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ" (لو 12: 32-40).
*وتبدأ التسبحة بلحن نُصليه يوميًا.. وهو لحن (تين ثينو)، ومعناه:"قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات".. وهنا نجد الكنيسة تحثنا على السهر، الذي هو تعبير عن الوقوف في نور السيد المسيح، لنسبح رب القوات، لأن بنوره نعاين النور.. وهنا ينطبق قول بولس الرسول: "جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْل وَلاَ ظُلْمَةٍ. فَلاَ نَنَمْ إِذًا كَالْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ... فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ" (1تس5: 4-8).
*وكلمة "اسهروا" نجدها من أكثر الكلمات التي تكررت في الأناجيل، لأنها هي متعة روحية تنعش الروح، وتجدد النفس، وتقوي العلاقة بين الإنسان والله.
فالسهر في تسبيح رب القوات خالق الكل هو:

- اشتراك في تمجيد مع القديسين والملائكة في تمجيد الرب.
- وتدريب على الوجود مع الله باستمرار.
- وأيضًا استعداد للقاء العريس السماوي.. فهو تصريح واضح لأصحاب المصابيح الموقدة للدخول مع العريس السماوي عندما يأتي الصوت الصارخ: "هوذا العَريسُ مُقبِلٌ، فاخرُجنَ للِقائهِ!" (مت25: 6).
*ولاشك أن السهر في بدايته يكون عبئًا على الإنسان وشيئًا ثقيلًا عليه، ولكن مع جهاد الإنسان وتخطيه هذه المرحلة بالتغصب (يبدأ بالتغصب.. أي تغصب الذات على السهر، وينتهي بالحب).. تنتهي هذه المرحلة بالمحبة الغير محدودة، والانطلاقة الروحية التي لا يساويها شيء، وهي أن يقضي الإنسان ليلة في التسبيح والشكر وتقديم صلوات يشتمها ضابط الكل رائحة بخور عطرة، فيتحول السهر داخل الإنسان من شيء ثقيل إلى عادة شهية لذيذة، يتمتع بها، ولا يستطع فيما بعد أن يتخلى عنها أو يفضل النوم عنها.
أقسام تسبحة 7 و 4

تسمى التسبحة الكيهكية (7 و 4) لأنها تتكون من أربع هوسات، ويعقبها سبع إبصاليات، ثم سبع ثيؤطوكيات، مرتبة على سبعة أيام الأسبوع،وكل يوم من أيام الأسبوع له "إبصالية" و"ثيؤطوكية" الخاصة به، وهذا بخلاف المدائح العربية والابصاليات القبطية المرتبة على الأربع هوسات.. والهدف من ذلك هو إطالة وقت التسبيح الذي نتمتع به في تسبيح رب القوات وخالق الكل.. وأيضًا الطروحات المترتبة على الهوسات والمَجمَع والثيؤطوكيات، التي تفسر لنا مع تذكرة ما نركز عليه في هذا اليوم. وإليك فكرة بسيطة عن ترتيب التسبحة:


(1) الهوس الأول

هو عبارة عن تسبحة موسى النبي والشعب كله عندما عبروا البحر الأحمر، وهى المسجلة بالتفصيل فيسف الخروج (خر 15)..
"حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هذِهِ التَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ وَقَالُوا: "أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ. الرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي. هذَا إِلهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ. الرَّبُّ رَجُلُ الْحَرْبِ. الرَّبُّ اسْمُهُ. مَرْكَبَاتُ فِرْعَوْنَ وَجَيْشُهُ أَلْقَاهُمَا فِي الْبَحْرِ، فَغَرِقَ أَفْضَلُ جُنُودِهِ الْمَرْكَبِيَّةِ فِي بَحْرِ سُوفَ، تُغَطِّيهِمُ اللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي الأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِالْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ الْعَدُوَّ. وَبِكَثْرَةِ عَظَمَتِكَ تَهْدِمُ مُقَاوِمِيكَ. تُرْسِلُ سَخَطَكَ فَيَأْكُلُهُمْ كَالْقَشِّ، وَبِرِيحِ أَنْفِكَ تَرَاكَمَتِ الْمِيَاهُ. انْتَصَبَتِ الْمَجَارِيَ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ اللُّجَجُ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ. قَالَ الْعَدُوُّ: أَتْبَعُ، أُدْرِكُ، أُقَسِّمُ غَنِيمَةً. تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي. أُجَرِّدُ سَيْفِي. تُفْنِيهِمْ يَدِي. نَفَخْتَ بِرِيحِكَ فَغَطَّاهُمُ الْبَحْرُ. غَاصُوا كَالرَّصَاصِ فِي مِيَاهٍ غَامِرَةٍ. مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟ تَمُدُّ يَمِينَكَ فَتَبْتَلِعُهُمُ الأَرْضُ. تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيْتَهُ. تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ. يَسْمَعُ الشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ الرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ. حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ الرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ. تَقَعُ عَلَيْهِمِ الْهَيْبَةُ وَالرُّعْبُ. بِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَالْحَجَرِ حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ. حَتَّى يَعْبُرَ الشَّعْبُ الَّذِي اقْتَنَيْتَهُ. تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، الْمَكَانِ الَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ الْمَقْدِسِ الَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ. الرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ". فَإِنَّ خَيْلَ فِرْعَوْنَ دَخَلَتْ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى الْبَحْرِ، وَرَدَّ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ مَاءَ الْبَحْرِ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ الدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: "رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ..." (خر 15: 1-21).
*والبحر الأحمر هنا يذكرنا أنه كان رمزًا للمعمودية، التي تُعتبر حدًا فاصلًا بين فرعون وجنوده، وبين الشعب الماشي في البرية مع إلهه.
فالكنيسة بعبور أولادها في مياه المعمودية.. هي الآن في برية العالم، وترنم تسبحة الغلبة والخلاص (ترنيمة موسى).. فهي تُرتلها كل يوم إلى أن تُرتلها في تمام الغلبة والنُصرة في الأبدية.. كما ذكر ذلك مُعلمنا يوحنا الرائي..
"ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي السَّمَاءِ، عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتُ الأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ اللهِ. وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ عَلَى الْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ اسْمِهِ، وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ، وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ: "عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَق هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ! مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَارَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ" (رؤ15 : 1–4).
*ومن هنا نجد ارتباطًا قويًا بين كنيسة العهد القديم في رموزها، وبين كنيسة العهد الجديد.. كنيسة تحقيق الرموز.
إن الكنيسة اليوم ترتل ترنيمة الغلبة وهي عابرة بحر هذا العالم، لتؤكد لنا نصرتنا على العالم وشهواته، ولترفع من أرواحنا المعنوية في جهادنا وحربنا الغير منظورة مع قوات الشر الروحية، وأيضا تأكيدًا لقوة الله وروحه القدوس الذي يعمل فيها.. فهي سر نصرتنا.. فهي تؤكد لنا أن الشيطان قد ذُل وهو يغوص مثل الرصاص في بحر ليس له قرار.. أي جرن المعمودية).
(2) الهوس الثاني

هو عبارة عن المزمور (135):
"هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ الرَّبِّ، الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ بَيْتِ إِلهِنَا. سَبِّحُوا الرَّبَّ لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ. رَنِّمُوا لاسْمِهِ لأَنَّ ذَاكَ حُلْوٌ. لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِخَاصَّتِهِ. لأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. كُلَّ مَا شَاءَ الرَّبُّ صَنَعَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ، فِي الْبِحَارِ وَفِي كُلِّ اللُّجَجِ. الْمُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. الصَّانِعُ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ. الْمُخْرِجُ الرِّيحِ مِنْ خَزَائِنِهِ. الَّذِي ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْبَهَائِمِ. أَرْسَلَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي وَسَطِكِ يَا مِصْرُ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ. الَّذِي ضَرَبَ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَقَتَلَ مُلُوكًا أَعِزَّاءَ: سِيحُونَ مَلِكَ الأَمُورِيِّينَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ، وَكُلَّ مَمَالِكِ كَنْعَانَ. وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثًا، مِيرَاثًا لإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. يَا رَبُّ، اسْمُكَ إِلَى الدَّهْرِ. يَا رَبُّ، ذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. لأَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ. أَصْنَامُ الأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. كَذلِكَ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهَا نَفَسٌ! مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَكُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا بَيْتَ لاَوِي، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا خَائِفِي الرَّبِّ، بَارِكُوا الرَّبَّ. مُبَارَكٌ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، السَّاكِنُ فِي أُورُشَلِيمَ. هَلِّلُويَا".
فهذا المزمور هو تسبحة شكر خالص لله.. وهذا الشكر هو الذي تُقدمهُ الكنيسة لله خالقها ومدبرها وراعيها من أجل محبته لها ولنا.. (فالكنيسة هي نحن).. فهو الذي أنقذها عندما عبر بنا بحر الموت، وقد أعالنا في البرية، ويعولنا حتى اليوم في برية العالم، ويقوتنا بجسده ودمه الأقدسين، كما أعال الشعب في البرية أربعين سنة.. وثيابه لم تُبلى، ونِعال رجليه لم تتهرأ، وأعطاهم المَن من السماء.. فهو أعطانا اليوم المَن السماوي الذي يأكل منه لا يموت إلى الأبد.
إن الشكر هو طبيعة الكنيسة المجاهدة كل يوم.. فكما قال مار إسحق:"ليست موهبة (عطية) بلا زيادة إلاَّ التي بلا شكر".. فنحن نشكره لأنه يحتمل ضعفاتنا البشرية، ويستر ضعف طبيعتنا الساقطة، ويغسل أرجلنا التي اتسخت بخطايا وأقذار العالم بالتوبة والاعتراف، ويجدد طبيعتنا، ويعطينا الحياة بدل الموت بالإفخارستيا أي جسده ودمه الحاضرين كل يوم على المذبح.. فهو يقودنا في موكب نصرته من مجد إلى مجد.
(3) الهوس الثالث

هو عبارة عن تسبحة الثلاثة فتية القديسين (وهذه التسبحة مدونة في الكتاب المقدس وقد حذفها البروتستانت في طبعة بيروت).. وملخص هذه التسبحة هو أن الملك أمر بإلقاء الثلاثة فتية القديسين في أتون النار المتقدة.. فرغم أن النار لم تنطفئ لكنها لم تمسهم بأي أذى، ثم بعد ذلك اكتشف الملك وجود شخص رابع (شبيه بابن الآلهة) يتمشى معهم وسط الآتون.. وهذا الهوس ترتله الكنيسة بنغمة الابتهاج والفرح، لتعلن لنا هذه المعاني الروحية السامية وهي:
*أن السلام الداخلي لا يُعني زوال التجارب والآلام عنا.. لكنه يعني وجود الله معنا في وسط نيران العالم.. فمفهوم التجربة في المسيحية هي أنها لا تحل بزوالها، ولكن باجتياز الرب معنا في هذه التجربة، وبحمله الصليب معنا.. أي الوجود الدائم معنا.
فالشهيد اسطفانوس كان يُرجم بالحجارة وعظامه تتفتت، ولحم جسمه يتهرأ من الحجارة.. ولكنه كان يرى ابن الإنسان قائمًا عن يمين العظمة.. فكان شاخصًا للسماء، ولا يبالي بالحجارة ولا الراجمين.
*أن نار العالم لازمة لتجربة الكنيسة.. (الكنيسة كجماعة ونحن كأشخاص في هذه الجماعة)، ولكن الله الرؤوف الحنون واقف في وسط هذا الأتون (التجارب القاسية)، فيحول النار إلى ندى بارد.
*هذه التسبحة تجمع في مشهد واحد وجودها في الحاضر الزمني المؤلم (الأتون)، ووجودها في الأبدية السعيدة (ابن الآلهة الموجود في الآتون).."الخَروفَ الذي في وسطِ العَرشِ يَرعاهُمْ" (رؤ7: 17).. فهي في نار العالم وهى في حضرة الله والسعادة الأبدية.
*أن هذه التسبحة تحمل معنى الغلبة بقوة الصليب، بسر الرابع، الشبيه بابن الآلهة فنهتف كلنا بصوت الفرح والتهليل: "سبحوه مجدوه زيده علوًا"، وهو المَرَد المتكرر في كل أرباع الهوس الثالث.
*وهو اللحن الرائع الذي نتغنى به على مدار ما يقرب من الخمسة عشر دقيقة في تناغم ليس له مثيل في لحن (هوس ايروف)، وهو يقال في آخر ربع من أرباع هذا الهوس.. لنعبر عن فرحتنا بإلهنا الذي لا يتركنا حتى ونحن في آتون النار.
ولعل هذا ما يجعلنا نجد أن الهوس الثالث هو أكبر جزء في التسبحة اليومية بألحانها العديدة والجميلة والرائعة.. فنحن في ختام الهوس الثالث نقول الألحان الآتية:

(1)ازمو ابشويس
(2)هوس ايروف
(3)آري هواؤ تشاسف
(4)أربسالين
(5)تنين ولحنه الممتع الرائع
(6)تين أويه انسوك

كل هذا كختام للهوس الثالث.. ولنلاحظ أن إبصالية أربسالين نجدها تبدأ بـ
"رتلوا للذي صلب عنا وقبر وقام وأبطل الموت وأهانه سبحوه وزيده علوا".. ونعقبها بعد ذلك بلحن تينين، وهى القطعة اليونانية التي تقال للثلاثة فتية القديسين، ونقول فيها: "فمن ثم تقدم الذبيحة والعبادة العقلية. ونرسل لك في هذا اليوم التسابيح لدى مجدك يا مخلصنا.. حنانيا وعزاريا وميصائيل.... يسبحون ويباركون الله كل حين".
*ثم نتبعها بلحن للثلاثة فتية القديسين أيضًا هو (تين اويه انسوك) بلحنه الكيهكي الرائع الذي نقول فيه: "نتبعك بكل قلوبنا ونخافك ونطلب وجهك يا الله لا تحزنا...".
*وأخيرًا نقول بعد هذه الألحان الجميلة (مجمع الآباء القديسين)، الذي هو امتداد للثلاثة فتية.. فكما شهدوا هؤلاء الثلاثة أمام الملك نبوخذ نصر، كذلك هؤلاء الشهداء والقديسين شهدوا أمام الولاة وأمام الكل بحياتهم حسب المسيح.
*فكمثل إحساس الكنيسة بوجود الله مع الثلاثة فتية القديسين في أتون نار هذا العالم.. هكذا يتدرج بإحساس المجاهدين والعابدين بعمق الشركة والعلاقة القوية التي تربط بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة.. يجمعها هدف واحد وروح واحدة.
*فالعضوية هي جسد واحد يقرب بينهما اشتياق لا مثيل له، لملاقاة الرب على السحاب حيث نكون مع الرب كل حين.. "ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ" (1تس4: 17).
*فنجد المجمع يبدأ بشفاعة السيدة العذراء كلية الطهر والقداسة مريم والدة الإله، ثم رؤساء الملائكة وبقية رتب السمائيين، والأربعة وعشرون قسيسًا ويوحنا المعمدان، ثم طلب صلوات القديسين ابتداء من البطاركة الأولين (إبراهيم وإسحق ويعقوب)، ثم الآباء الرسل والأنبياء والشهداء والنساك والرهبان.. إلى أن نصل إلى طلب صلوات البابا البطريرك اعترافًا منا أننا كنيسة آباء وكنيسة رسولية.. هؤلاء أجدادنا والأحياء الآن آباءنا ونخضع لهم بكل ترتيب ونظام.
*فنحن نطلب صلوات الآباء الرسل والأنبياء والشهداء والقديسين.. فهم بمثابة سحابة الشهود التي لنا في السماء تطلب من أجلنا ليلًا نهارًا.. وكل منهم يتطلع لنظيره متمثلًا بسيرته طالبًا معونته.. هؤلاء هم الموجودون تحت المذبح في السماء يصلون من أجل المضطهدين والمتضايقين من اجل المسيح.
وأيضا المئة والأربعة والأربعون ألفًا البتوليون يطلبون من أجل الذين اشتهوا بحياة البتولية والقداسة في السيد المسيح، وأيضًا الغالبون عند البحر البلوري يطلبون من أجل شبابنا المسيحي العفيف المجاهد حتى الدم ضد الخطية.
فالمجتمع يعتبر لحظة من لحظات التجلي على قمة جبل الرب العالي (وهو الكنيسة)، حيث يشمخ الرب يسوع المسيح بين موسى وإيليا (أبطال العهد القديم)، والتجلي ما هو إلا حالة الصلاة التي يجتمع فيها الرب يسوع مع قديسيه.. فلا فارق بينهما في عنصري الزمان والمكان.. إنها الأبدية الجميلة.
(4) الهوس الرابع

الهوس الرابع يتكون من ثلاثة مزامير هم: (مز148، 149، 150)..
"هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا الرَّبَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ. سَبِّحُوهُ فِي الأَعَالِي. سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ. سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ. سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ، وَثَبَّتَهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ، وَضَعَ لَهَا حَدًّا فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ. سَبِّحِي الرَّبَّ مِنَ الأَرْضِ، يَا أَيَّتُهَا التَّنَانِينُ وَكُلَّ اللُّجَجِ. النَّارُ وَالْبَرَدُ، الثَّلْجُ وَالضَّبَابُ، الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ، الْجِبَالُ وَكُلُّ الآكَامِ، الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ وَكُلُّ الأَرْزِ، الْوُحُوشُ وَكُلُّ الْبَهَائِمِ، الدَّبَّابَاتُ وَالطُّيُورُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، مُلُوكُ الأَرْضِ وَكُلُّ الشُّعُوبِ، الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ قُضَاةِ الأَرْضِ، الأَحْدَاثُ وَالْعَذَارَى أَيْضًا، الشُّيُوخُ مَعَ الْفِتْيَانِ، لِيُسَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ. وَيَنْصِبُ قَرْنًا لِشَعْبِهِ، فَخْرًا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الشَّعْبِ الْقَرِيبِ إِلَيْهِ. هَلِّلُويَا" (مز 148).
"هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ. لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ. لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ. لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ، وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ، وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُول مِنْ حَدِيدٍ. لِيُجْرُوا بِهِمُِ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا" (مز 149).
"هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ. سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا" (مز 150).
هذه المزامير كلها عبارة عن تسبيح، وهذا التسبيح هو عمل الملائكة، وهو عمل الكنيسة الدائم في السماء، وعمل القديسين وكل الخليقة أيًا كانت.. إنسان أم حيوان أم نبات أم جماد.. الكل يمجد الله في صورة منقطعة النظير.
فأتركك أيها الفادي العزيز لنتمعن في كلمات الهوس الرابع الرائعة، وأذكرك أنك الآن تعرفت على معنى أربعة.. وبقي أن نتعرف عن جمال سبعة في التسبحة الكيهكية (سبعة وأربعة) وهذا ما سوف نلتقي به في المقال القادم إن شاء الله.
لإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:15 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
السبع ثيؤطوكيات في تسبحة سبعة وأربعة
رموز العذراء
عندما نتحدث عن التسبحة الكيهيكة وخاصة في كلامنا عن الثيؤطوكيات.. لابد أن نذكر السيدة العذراء والدة الإله (الثيؤطوكوس)، والتي جاءت منها كلمة ثيؤطوكية (أي تمجيد لوالدة الإله).
وهنا لابد أن نذكر سر التجسد الإلهي، الذي تم من خلال السيدة العذراء كُلية الطُهر والنقاء.
*فشخصية السيدة العذراء لها أهمية عظمى في سر التجسد.. فسر التجسد الإلهي لا يمكن أن نلمسه أو نحسه، ونأخذ بركته في حياتنا.. إلا بعد إدراك فهم الاتحاد الإلهي بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، وهذا الاتحاد هو الذي حدث في المعمل الإلهي (أي بطن السيدة العذراء).
*ولأن سر التجسد هو أساس كل الأسرار المسيحية، فعيد البشارة نسميه "بكر الأعياد" – لذلك تفنن أنبياء العهد القديم بوحي الروح القدس لهم في إلقاء وتسليط الضوء على هذا السر العجيب، وذلك من خلال وصفهم للسيدة العذراء "السماء الثانية".
*وهذا ما نجده واضحًا جدًا في ثيؤطوكيات التسبحة اليومية (السبع ثيؤطوكيات أي ثيؤطوكية لكل يوم من أيام الأسبوع).
رموز السيدة العذراء في الثيؤطوكيات

(1) التابوت المصفح بالذهب من كل ناحية: (ثيؤطوكية الأحد)

هذا التابوت كان مصنوعًا من خشب لا يسوس، ومصفح بالذهب من كل ناحية.. فهذا الخشب الذي لا يسوس يرمز لطهارة السيدة العذراء، والذهب هو رمز لللاهوت.. وهذا يرمز إلى أن كل العطايا السماوية هي ليست من طبعنا الخشبي (الذي يمكن أن يسوس ويفسد)، ولكنها هي هبة سماوية من الذهب الذي يغطي طبيعتنا الفاسدة، وهذا ما قيل في بشارة الملاك: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَلّلُكِ" (لو1: 35).. ومن هنا نستطيع أن نضع أمام أعيننا كل حين أن: الطهارة نعمة إلهية مرتبطة بوجود الله معنا كل حين.
(2) المجمرة الذهبية: (ثيؤطوكية الأحد)

هذه المجمرة هي رمز للسيدة العذراء.. فالذهب يرمز لطهارتها، والمجمرة نفسها حاملة جمر اللاهوت.

هذه المجمرة لم تحترق بوضع الجمر المحمى بالنار داخلها – مثال: لأن بطن السيدة العذراء لم تحترق عندما حل اللاهوت داخل بطنها وقدسها، وأخذ الإله منها جسدًا.
والمجمرة أيضًا نستخدمها في كل الصلوات الليتورجية.. هكذا يعطينا السيدة العذراء مثالًا لأن طريق العلاقة القوية مع الله هي الصلاة.
(3) السلم الذي رآه يعقوب: (ثيؤطوكية الأربعاء ، السبت)

هذا السلم الذي رآه يعقوب كان ثابتًا على الأرض، ومرتفع حتى السماء، والملائكة نازلة عليه.. "وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِوَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌوَنَازِلَةٌعَلَيْهَا" (تك28: 12).
كان السلم رمزًا للسيدة العذراء الذي استخدمه الله لينزل من السماء من طبيعته اللاهوتية، ثم بعد ذك أصعد طبيعتنا البشرية الساقطة إلى السماء عندما فتح لنا باب الفردوس، وأعطانا الملكوت "لا تخَفْ، أيُّها القَطيعُ الصَّغيرُ، لأنَّ أباكُمْ قد سُرَّ أنْ يُعطيَكُمُ الملكوتَ" (لو12: 32).
(4) باب حزقيال: (لبش ثيؤطوكية الأربعاء)

لقد رأى حزقيال بابًا مغلقًا لم يفتحه إنسان، ولم يدخل منه أحد قط.. "لأنَّ الرَّبَّ إلهَ إسرائيلَ دَخَلَ مِنهُ فيكونُ مُغلَقًا" (حز44: 2).
هذا الباب كان رمزًا لبتولية السيدة العذراء.. فلم يعرفها رجل في حبلها للسيد المسيح، وفي ميلادها المعجزي لم يفتح هذا الباب بل ظلت بتوليتها محفوظة ومصانة، كما نقول في صلاة قسمة صوم الميلاد:"وبتوليتها مختومة". فهي العذراء الدائمة البتولية مثل هذا الباب المغلق الذي لم يقترب إليه أي إنسان.
(5) عليقة موسى: (ثيؤطوكية الخميس)

هذه العليقة التي رآها موسى.. "وظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب بلهيبِ نارٍ مِنْ وسطِ عُلَّيقَةٍ. فنَظَرَ وإذا العُلَّيقَةُ تتوَقَّدُ بالنّارِ، والعُلَّيقَةُ لم تكُنْ تحتَرِقُ. فقالَ موسَى:"أميلُ الآنَ لأنظُرَ هذا المَنظَرَ العظيمَ. لماذا لا تحتَرِقُ العُلَّيقَةُ؟". فلَمّا رأَى الرَّبُّ أنَّهُ مالَ ليَنظُرَ، ناداهُ اللهُ مِنْ وسطِ العُلَّيقَةِ وقالَ:"موسَى، موسَى!". فقالَ: "هأنذا". فقالَ: "لا تقتَرِبْ إلَى ههنا. اخلَعْ حِذاءَكَ مِنْ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ"(خر3: 2-5).
لقد كانت رمزًا للسيدة العذراء التي حل عليها الروح القدس، وامتلأت من نار اللاهوت ولم تحترق كمثال العليقة. وأصبحت بطن السيدة العذراء أرض مقدسة (مكانًا مقدسًا)، لأن الإله المالئ الكون كله ساكنًا في أحشائها وأخذ منها جسدًا إنسانيًا.
(6) المنارة الذهب: (ثيؤطوكية الأحد)

نحن نقول في مقدمة قانون الإيمان يوميًا: "نعظمك يا أم النور الحقيقي..."، لأن هذه المنارة الذهبية كانت رمزًا للسيدة العذراء، لأنها هي حاملة النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آتٍ إلى العالم.. فالمنائر رمز لها في سفر الرؤيا بالكنائس.. "والسَّبعِ المَنايِرِ الذَّهَبيَّةِ: السَّبعَةُ الكَواكِبُ هي مَلائكَةُ السَّبعِ الكَنائسِ، والمَنايِرُ السَّبعُ التي رأيتَها هي السَّبعُ الكَنائسِ" (رؤ1: 20).
لذلك شبهت السيدة العذراء بالمنارة الذهبية، لأنها حملت نور العالم وشمس البر هو ربنا يسوع المسيح.
(7) قدس الأقداس: (ثيؤطوكية الأحد)

قدس الأقداس هو جزء منفصل عن باقي الهيكل، وهذا الجزء ممسوح ومكرس لحلول الله فيه، فرُمز به للسيدة العذراء، لأنها أصبحت نموذجًا حيًا للطريق الذي يجعلنا شركاء للطبيعة الإلهية، وذلك بانعزالنا عن الخطية والشر، فتصبح حياتنا منعزلة عن شر العالم وملذاته، كما كان قدس الأقداس منعزل عن باقي الهيكل ولكنه جزء من الهيكل كما نحن جزء من العالم.
فننعزل عن العالم وشروره بتقديس القلب والحياة، وتكريس الحياة كلها لله، ولتمجيد اسمه القدوس.
(8) عجينة البشرية: (ثيؤطوكية الخميس)

"وجبلت منه امرأة. كل عجينة البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب".. هذا تعبير عن أن السيدة العذراء بطاعتها قدمت ذاتها للسيد المسيح ليأخذ منها جسدًا بشريًا، فهي ممثلة للبشرية كلها التي قدمت عجينة جسدها التي خلقها الله قديمًا عند خلقة البشرية الممثلة في آدم وحواء.. فهي قدمت هذه العجينة له ليأخذ منها نفس الجسد البشري، ليتحد ويتأنس (أي يأخذ جسد إنسان) من السيدة العذراء.
(9) عرش الله: (ثيؤطوكية الأربعاء)

نقول في القطعة السادسة من ثيؤطوكية الأربعاء: "من تخافه الملائكة حملته العذراء في بطنها. هي أرفع من الشاروبيم وأجَلّ من السارافيملأنها صارت هيكلًا للواحد من الثالوث. هذه هي أورشليم مدينة إلهنا وفرح جميع القديسين كائن فيها".
فلقد صارت السيدة العذراء أعلى من الشاروبيم وارتفعت أيضًا فوق السارافيم لأنها صارت عرشًا لله محمولًا بهؤلاء الطغمات السمائية العالية.. كل هذا يبين عِظم كرامة السيدة العذراء.. فصارت أعلى من الطغمات السمائية. لذلك نذكرها في مجمع التسبحة قبل رؤساء الملائكة.
(10) غطاء التابوت: (ثيؤطوكية الأحد)

*نقول في القطعة الخامسة عشر من ثيؤطوكية الأحد: "شبهوا الغطاء بالعذراء وكاروبا المجد يظللان عليها". فهذا التعبير يتقارب لفهم الآية: "قوَّةُ العَلي تُظَللُكِ" (لو1: 35).
فهذا الرمز يبين لنا عمق اهتمام الله بنا، فهو يظللنا برعايته ويسترنا بستر جناحيه. لذلك لا تحرقنا الشمس بالنهار ولا القمر بالليل،"إنَّهُ لا يَنعَسُ ولا يَنامُ حافِظُ إسرائيلَ. الرَّبُّ حافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لكَ عن يَدِكَ اليُمنَى. لا تضرِبُكَ الشَّمسُ في النَّهارِ، ولا القَمَرُ في اللَّيلِ. الرَّبُّ يَحفَظُكَ مِنْ كُل شَر. يَحفَظُ نَفسَكَ. الرَّبُّ يَحفَظُ خُروجَكَ ودُخولكَ مِنَ الآنَ وإلَى الدَّهرِ" (مز121: 4-8).
(11) جبل دانيال: (ثيؤطوكية الثلاثاء)

*في القطعة الخامسة من ثيؤطوكية الثلاثاء نقول: "لأن هذا هو الحجر الذي رآه دانيال قد قُطع من جبل لم تلمسه يد إنسان البتة هو الكلمة الذي من الآب. أتى وتجسد من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا".
فقطع هذا الحجر من الجبل بدون يد إنسان كان رمزًا للسيدة العذراء التي أخذ منها السيد المسيح جسدًا بدون زرع بشر ولا معرفة رجل.. فكما لم يلمس الجبل يد إنسان هكذا لم يقترب أي رجل من السيدة العذراء.. فحبلها بالسيد المسيح كان بالروح القدس.
(12) سماء ثانية جديدة: (ثيؤطوكية الأربعاء، الخميس، السبت)

*في القطعة الأولى من ثيؤطوكية الأربعاء نقول: "كل الطغمات السمائية ينطقون بطوباويتك لأنك أنتِ هي السماء الثانية الكائنة على الأرض".
*وفي ثيؤطوكية الخميس نقول: "الاثنا عشر كوكبًا تكلل رأسها وهي حبلى".
*وفي القطعة الخامسة من ثيؤطوكية السبت نقول: "صرت سماءً ثانية على الأرض يا والدة الإله لأنه أشرق لنا منكِ شمس البر".
هذه السماء الثانية الجديدة هي التي تحدث عنها ملاخي النبي قائلًا: "ولكُمْ أيُّها المُتَّقونَ اسمي تُشرِقُ شَمسُ البِر والشفاءُ في أجنِحَتِها، فتخرُجونَ وتنشأونَ كعُجولِ الصيرَةِ" (ملا4: 2).. فقد أشرق لنا منها شمس البر ربنا يسوع المسيح النور الحقيقي.
(13) المرأة المتسربلة بالشمس: (ثيؤطوكية الخميس)

*نقول في القطعة التاسعة من ثيؤطوكية الخميس: "هي مريم السماء الجديدة التي على الأرض المشرقة لنا منها شمس البر. لأن الشمس المتسربلة بها هي ربنا يسوع المسيح والقمر الذي تحت رجليها هو يوحنا المعمدان والاثنى عشر كوكبًا المكللة رأسها هي الاثنى عشر رسولًا يحيطون بها ويكرمونها".
وهذا الكلام نفسه هو ما ذكر في سفر الرؤيا: "وظَهَرَتْ آيَةٌ عظيمَةٌ في السماءِ: امرأةٌ مُتَسَربِلَةٌ بالشَّمسِ، والقَمَرُ تحتَ رِجلَيها، وعلَى رأسِها إكليلٌ مِنِ اثنَيْ عشَرَ كوكَبًا، وهي حُبلَى تصرُخُ مُتَمَخضَةً ومُتَوَجعَةً لتلِدَ" (رؤ12: 1-2).
هذه التشبيهات كلها تدلنا على أن السيدة العذراء هي المرأة المتسربلة بالشمس والقمر الذي تحت رجليها هو يوحنا المعمدان.. فتدلنا على عظمة السيدة العذراء.
(14) قسط الذهب والمن المُخفى داخله: (ثيؤطوكية الأحد)

*في القطعة الرابعة عشر من ثيؤطوكية الأحد نقول: "كان في القبة قسط ذهبي وكيل منٍ مخفى فيه".
*وفي القطعة الخامسة عشر نقول: "شبهوا التابوت بالعذراء وذهبه المختار بطهارتها شبهوا القسط الذهبي بالعذراء وكيلة المن بمخلصنا".
وهنا نقول إذا كان القسط الذهبي الذي كان رمزًا للسيدة العذراء نال كرامة هذه مقدارها في العهد القديم بوضع المن فيه.. فكم بالعذراء بإعطائها جسدًا للمسيح.. قد نالت كرامة لا توصف فهي التي حملت المن الحقيقي الذي "إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 51). وقدمته لنا، فالذي يأكل منه لا يموت إلى الأبد وتكون له حياة أبدية.
(15) مدينة الله: (ثيؤطوكية الأربعاء)

*تتحدث ثيؤطوكية الأربعاء في قطعتيها الثانية والسادسة عن العذراء وتشبهها بأنها مدينة الله فنقول: "تكلموا بكرامات من أجلك يا مدينة الله لأنك أنت مسكن جميع الفرحين. كل ملوك الأرض يسيرون في نورك والأمم في ضيائك يا مريم أم الله"، "هي أرفع من الشاروبيم وأجل من السارافيم لأنها صارت هيكلًا للواحد من الثالوث. هذه هي أورشليم مدينة إلهنا وفرح جميع القديسين كائن فيها".
وهذا ما ذكره معلمنا داود في (مز87: 7) "لأن سكنى الفرحين جميعهم فيك" – حسب ترجمة الأجبية.
هذه التشبيهات التي اتصفت بها السيدة العذراء على سبيل المثال وليس الحصر.. فيوجد العديد منها لم نذكره في ثيؤطوكية الأحد – حرصًا على وقتكم الثمين.
وهنا نذكر لك أيها القارئ العزيز بعض العبارات المهمة التي ذكرت في الثيؤطوكيات:

*"تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهك أرسل وحيده أتى وتجسد منك" (الأربعاء).
*"غير المتجسد تجسد - والكلمة تجسمت – وغير المبتدئ ابتدأ – وغير الزمني صار زمنيًا – وغير المدرك لمسوه – وغير المرئي رأوه" (الأربعاء)
*"البطن الواقع تحت الحكم وولد الأولاد بوجع القلب. صار ينبوعًا لعدم الموت" (الجمعة)
*"لم يزل إلهًا أتى وصار ابن بشر لكنه هو الإله الحقيقي أتى وخلصنا" (الجمعة)
*"السلام للقديسة أم جميع الأحياء" (الثلاثاء)
*"هذه الصنارة العقلية التي تصطاد المسيحيين" (لبش الجمعة)
ويضاف في تسبحة كيهك العديد من الإبصاليات التي تقال على الهوسات والثيؤطوكيات (وكلمة إبصالية معناها ترنيمة ينتهي المرد بها في كل ربع باسم يسوع).
وبهذا نرى أن الترنيم القبطي يمثل حوار مع اسم المخلص وهو اسم السيد المسيح.. فهو ليس مجرد ترنيم عادي كما نرى في ترانيم هذه الأيام.
فنجد الآباء أبرزوا بحق قيمة ترديد اسم يسوع المسيح وهو اسم الخلاص حتى صار هو محور عبادتهم بل صاروا يتنفسونه لأنه "وليس بأحَدٍ غَيرِهِ الخَلاصُ. لأنْ ليس اسمٌ آخَرُ تحتَ السماءِ، قد أُعطيَ بَينَ الناسِ، بهِ يَنبَغي أنْ نَخلُصَ" (أع4: 12).
فهذا موجز سريع وبسيط أردنا به أن نتعرف على معنى (7 و 4)، وهي التسبحة التي نصليها في شهر كيهك، لكي نكون على دراية كافية بسر التجسد الإلهي وعظمة والدة الإله التي من خلالها تم هذا التجسد. وبذلك تتحول السهرة إلى ليلة نقضيها في السماء حول موضوع التجسد الإلهي عن طريق السيدة العذراء.
ونختم هنا كلامنا بما قاله القديس غريغوريوس النزينزي عن السيدة العذراء فيقول: "من لا يؤمن أن القديسة مريم والدة الإله فهو غريب عن الله".
ربنا يبارك حياتكم ولإلهنا المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:19 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
عُمق قراءات الأحد الأول من شهر كيهك
بشارة الملاك لزكريا الكاهن



مزمور العشية

يُشير مزمور عشية الأحد الأول من كيهك إلى شيخوخة زكريا وأليصابات زوجته العاقر.. التي مضى زمان حَملِها بكثير، وأصبحت عارًا بين جيرانها.
فزكريا المُداوم على الصلاة للرب لكي يرزقه نسلًا.. لم يكِّل من هذه الطِلبة، حتى شاخ وتقدم في الأيام.. لأن من عادة بني إسرائيل أن يعيِّروا كل مَنْ لم يرزق بنسلًا، مُعتبرين إياه معدوم البركة (أي بركة الله).. "وبارَكَهُمُ اللهُ وقالَ لهُمْ: أثمِروا واكثُروا واملأُوا الأرضَ" (تك1: 28).
وكان لسان حاله يصرخ دائمًا: "إلَى مَتَى يارَبُّ تنساني كُلَّ النسيانِ؟ إلَى مَتَى تحجُبُ وجهَكَ عَني؟ إلَى مَتَى أجعَلُ هُمومًا في نَفسي وحُزنًا في قَلبي كُلَّ يومٍ؟ إلَى مَتَى يَرتَفِعُ عَدوي علَيَّ؟ انظُرْ واستَجِبْ لي يارَبُّ إلهي" (مز13: 1-3).
إنجيل العشية (مر14: 3-9)

"وفيما هو في بَيتِ عنيا في بَيتِ سِمعانَ الأبرَصِ، وهو مُتَّكِئٌ، جاءَتِ امرأةٌ معها قارورَةُ طيبِ نارِدينٍ خالِصٍ كثيرِ الثَّمَنِ. فكسَرَتِ القارورَةَ وسكَبَتهُ علَى رأسِهِ. وكانَ قَوْمٌ مُغتاظينَ في أنفُسِهِمْ، فقالوا: "لماذا كانَ تلَفُ الطيبِ هذا؟ لأنَّهُ كانَ يُمكِنُ أنْ يُباعَ هذا بأكثَرَ مِنْ ثَلاثِمِئَةِ دينارٍ ويُعطَى للفُقَراءِ". وكانوا يؤَنّبونَها. أمّا يَسوعُ فقالَ: "اترُكوها! لماذا تُزعِجونَها؟ قد عَمِلَتْ بي عَمَلًا حَسَنًا! لأنَّ الفُقَراءَ معكُمْ في كُل حينٍ، ومَتَى أرَدتُمْ تقدِرونَ أنْ تعمَلوا بهِمْ خَيرًا. وأمّا أنا فلستُ معكُمْ في كُل حينٍ. عَمِلَتْ ما عِندَها. قد سبَقَتْ ودَهَنَتْ بالطيبِ جَسَدي للتَّكفينِ. الحَقَّ أقولُ لكُمْ: حَيثُما يُكرَزْ بهذا الإنجيلِ في كُل العالَمِ، يُخبَرْ أيضًا بما فعَلَتهُ هذِهِ، تذكارًا لها".
يتحدث إنجيل العشية عن المرأة التي دهنت رأس السيد المسيح بالطيب الخالص الكثير الثمن.. فبينما كان السيد المسيح في طريقه ذاهبًا إلى أورشليم.. دخل أريحا، فزار زكا العشار، وأنعم عليه بالخلاص.. وبعدها ألقى على الشعب مَثَل العشر أمناء، وذهب بعدها إلى أورشليم حيث دخل بيت عنيا (بيت الحزن)، ودخل بيت سمعان الأبرص.. فجاءت المرأة ومعها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن، فكسرت القارورة، وسكبت الطيب على رأس الخالق.
والناردين الذي سكبته المرأة على رأس المُخلِّص.. معناه: "السنبل"، وهو النبات الذي كانوا يستخرجون منه الطيب الغالي الثمن ذو الرائحة الذكية، وكانوا يستحضروه من بلاد الهند بعد استخراجه واستخلاصه.
فعندما كسرت المرأة قارورة الطيب، امتلأ البيت من أريج الطيب لكثرته وانتشار رائحته الذكية.. كانت النتيجة أن اغتاظ التلاميذ، وانتهروها وقالوا: "لماذا كانَ تلَفُ الطيبِ هذا؟" (مر14: 4).. وكان على رأسهم يهوذا الإسخريوطي (سارق الصندوق)، فهو كان يريد المال وليس المحبة، وهذا هو نفس قصد الأشرار السيئ في أنهم يخفوا مقاصدهم السيئة تحت ستار التقوى والخوف على الفقراء!!
وأخذ التلاميذ يعنفونالمرأة على فِعلها هذا وأنه إتلافًا... وكيف يكون ذلك!! هل ما تقدمهللسيد المسيح يعتبر إتلافًا؟ هل مَنْ يكرسون حياتهم كلها للسيد المسيح يكونوا قد أضاعوا عمرهم هباء وأتلفوا حياتهم؟
هنا يرد علينا مُعلِّمنا بولس الرسول: "بل إني أحسِبُ كُلَّ شَيءٍ أيضًا خَسارَةً مِنْ أجلِ فضلِ مَعرِفَةِ المَسيحِ يَسوعَ رَبي، الذي مِنْ أجلِهِ خَسِرتُ كُلَّ الأشياءِ، وأنا أحسِبُها نُفايَةً لكَيْ أربَحَ المَسيحَ" (في3: 8)..لكن السيد المسيح لم يتركها، بل طلب منهم أن يكفوا عن إزعاجها، بل وأشاد بما فعلته قائلًا لهم: "قد عَمِلَتْ بي عَمَلًا حَسَنًا!" (مر14: 6).
فكان الواجب عليهم أن يشكروهابدلًا من أن يعنفوها، وقد برّر السيد المسيح رضاه على سكب الطيب وشكرهلمريم على إيمانها هذا بأن قال لهم: "لأنَّ الفُقَراءَ معكُمْ في كُل حينٍ، ومَتَى أرَدتُمْ تقدِرونَ أنْ تعمَلوا بهِمْ خَيرًا. وأمّا أنا فلستُ معكُمْ في كُل حينٍ" (مر14: 7).
وأوضح مُخلِّصنا الصالحللتلاميذ شرف عملها هذا بأن قال لهم: إنها فعلت ذلك لأجل تكفيني.. "عَمِلَتْ ما عِندَها. قد سبَقَتْ ودَهَنَتْ بالطيبِ جَسَدي للتَّكفين" (مر14: 8).

ولم يكتفي السيد المسيح بذلك، بل قال لهم مُخلدًا ذكراها إلى الأبد:"الحَقَّ أقولُ لكُمْ: حَيثُما يُكرَزْ بهذا الإنجيلِ في كُل العالَمِ، يُخبَرْ أيضًا بما فعَلَتهُ هذِهِ، تذكارًا لها" (مر14: 9).
إنجيل باكر (مر12: 41-44)

"وجَلَسَ يَسوعُ تُجاهَ الخِزانَةِ، ونَظَرَ كيفَ يُلقي الجَمعُ نُحاسًا في الخِزانَةِ. وكانَ أغنياءُ كثيرونَ يُلقونَ كثيرًا. فجاءَتْ أرمَلَةٌ فقيرَةٌ وألقَتْ فلسَينِ، قيمَتُهُما رُبعٌ. فدَعا تلاميذَهُ وقالَ لهُمُ: "الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ هذِهِ الأرمَلَةَ الفَقيرَةَ قد ألقَتْ أكثَرَ مِنْ جميعِ الذينَ ألقَوْا في الخِزانَةِ، لأنَّ الجميعَ مِنْ فضلَتِهِمْ ألقَوْا، وأمّا هذِهِ فمِنْ إعوازِها ألقَتْ كُلَّ ما عِندَها، كُلَّ مَعيشَتِها".
*يتحدث إنجيل باكر عن الأرملة التي ألقت فلسين في الخزانة، فبعدما أجاب السيد المسيح عن أسئلة رؤساء اليهود المختصة بالزواج بعد القيامة، وما هي الوصية العظمى في الناموس، ولمَنْ تُعطى الجزية... وغيرها من الأسئلة.. أخذ يحذر الناس من الكتبة والفريسيين ورياؤهم، ونطق عليهم بالويلات للمرة الثانية في (مت23: 13-26).
*وبعد ذلك جلس السيد المسيح تجاه الخزانة لكي يعلّمهم درسًا لم يعوه ولم يدركوه.. فكثير من الأغنياء جاءوا وألقوا نقودًا كثيرة، ولكنها لم تكن من احتياجهم.. بل من فضلتهم، ولذلك فهم ليس لهم فضل فيما يعطونه لله، فهم يعطون من الزائد وليس من الاحتياج.
*ولكن كان من بين الذين ألقوا في هذه الخزانة أرملة فقيرة جدًا.. جاءت لتقدم للرب من احتياجها، قدمت له فلسين قيمتها ربع (أي نصف مليم) (أي ما يعادل اليوم خمسة قروش).
*فامتدح السيد المسيح هذه المرأة التي أعطت من احتياجها وليس من الفائض، كما ستفعل فيما بعد أم يوحنا المعمدان (أليصابات) العاقر.. فحينما فتح الرب رحمها، وأعطاها نسل لم تبخل به على الله، فهو وحيدها، ولكنها أعطته لله.. فتركها وذهب للبرية ليُعد طريق الرب.
الرسائل

الرسائل هنا تشير كلها إلى موضوع واحد، وهو: "طلبة أليصابات العاقر"، التي لم تكّل أن تطلب إلى الله أن يرزقها نسلًا، لكي ينزع عارها من بين الجميع.
البولس (رو1: 1-17)

"بولُسُ، عَبدٌ ليَسوعَ المَسيحِ، المَدعوُّ رَسولًا، المُفرَزُ لإنجيلِ اللهِ، الذي سبَقَ فوَعَدَ بهِ بأنبيائهِ في الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ، عن ابنِهِ. الذي صارَ مِنْ نَسلِ داوُدَ مِنْ جِهَةِ الجَسَدِ، وتعَيَّنَ ابنَ اللهِ بقوَّةٍ مِنْ جِهَةِ روحِ القَداسَةِ، بالقيامَةِ مِنَ الأمواتِ: يَسوعَ المَسيحِ رَبنا. الذي بهِ، لأجلِ اسمِهِ، قَبِلنا نِعمَةً ورِسالَةً، لإطاعَةِ الإيمانِ في جميعِ الأُمَمِ، الذينَ بَينَهُمْ أنتُمْ أيضًا مَدعوّو يَسوعَ المَسيحِ. إلَى جميعِ المَوْجودينَ في روميَةَ، أحِبّاءَ اللهِ، مَدعوّينَ قِدّيسينَ: نِعمَةٌ لكُمْ وسلامٌ مِنَ اللهِ أبينا والرَّب يَسوعَ المَسيحِ. أوَّلًا، أشكُرُ إلهي بيَسوعَ المَسيحِ مِنْ جِهَةِ جميعِكُمْ، أنَّ إيمانَكُمْ يُنادَى بهِ في كُل العالَمِ. فإنَّ اللهَ الذي أعبُدُهُ بروحي، في إنجيلِ ابنِهِ، شاهِدٌ لي كيفَ بلا انقِطاعٍ أذكُرُكُمْ، مُتَضَرعًا دائمًا في صَلَواتي عَسَى الآنَ أنْ يتيَسَّرَ لي مَرَّةً بمَشيئَةِ اللهِ أنْ آتيَ إلَيكُمْ. لأني مُشتاقٌ أنْ أراكُمْ، لكَيْ أمنَحَكُمْ هِبَةً روحيَّةً لثَباتِكُمْ، أيْ لنتعَزَّى بَينَكُمْ بالإيمانِ الذي فينا جميعًا، إيمانِكُمْ وإيماني. ثُمَّ لستُ أُريدُ أنْ تجهَلوا أيُّها الإخوَةُ أنَّني مِرارًا كثيرَةً قَصَدتُ أنْ آتيَ إلَيكُمْ، ومُنِعتُ حتَّى الآنَ، ليكونَ لي ثَمَرٌ فيكُم أيضًا كما في سائرِ الأُمَمِ. إني مَديونٌ لليونانيينَ والبَرابِرَةِ، للحُكَماءِ والجُهَلاءِ. فهكذا ما هو لي مُستَعَدٌّ لتبشيرِكُمْ أنتُمُ الذينَ في روميَةَ أيضًا، لأني لستُ أستَحي بإنجيلِ المَسيحِ، لأنَّهُ قوَّةُ اللهِ للخَلاصِ لكُل مَنْ يؤمِنُ: لليَهودي أوَّلًا ثُمَّ لليوناني. لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ بإيمانٍ لإيمانٍ، كما هو مَكتوبٌ: "أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا".
*يوضح هنا إيمانها، فمُعلِّمنا بولس الرسول يُخاطب أهل رومية قائلًا: "أوَّلًا، أشكُرُ إلهي بيَسوعَ المَسيحِ مِنْ جِهَةِ جميعِكُمْ، أنَّ إيمانَكُمْ يُنادَى بهِ في كُل العالَمِ. فإنَّ اللهَ الذي أعبُدُهُ بروحي، في إنجيلِ ابنِهِ، شاهِدٌ لي كيفَ بلا انقِطاعٍ أذكُرُكُمْ، مُتَضَرعًا دائمًا في صَلَواتي عَسَى الآنَ أنْ يتيَسَّرَ لي مَرَّةً بمَشيئَةِ اللهِ أنْ آتيَ إلَيكُمْ. لأني مُشتاقٌ أنْ أراكُمْ، لكَيْ أمنَحَكُمْ هِبَةً روحيَّةً لثَباتِكُمْ، أيْ لنتعَزَّى بَينَكُمْ بالإيمانِ الذي فينا جميعًا، إيمانِكُمْ وإيماني" (رو1: 8-12).
*مُعلِّمنا بولس الرسول يؤكد هنا على الإيمان.. موضحًا إيمان أليصابات في قوله: "لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ بإيمانٍ لإيمانٍ، كما هو مَكتوبٌ: "أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا" (رو1: 17).
الكاثوليكون (يع1: 1-18)

"يعقوبُ، عَبدُ اللهِ والرَّب يَسوعَ المَسيحِ، يُهدي السَّلامَ إلَى الاِثنَيْ عشَرَ سِبطًا الذينَ في الشَّتاتِ. اِحسِبوهُ كُلَّ فرَحٍ يا إخوَتي حينَما تقَعونَ في تجارِبَ مُتَنَوّعَةٍ، عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا. وأمّا الصَّبرُ فليَكُنْ لهُ عَمَلٌ تامٌّ، لكَيْ تكونوا تامينَ وكامِلينَ غَيرَ ناقِصينَ في شَيءٍ. وإنَّما إنْ كانَ أحَدُكُمْ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ، فليَطلُبْ مِنَ اللهِ الذي يُعطي الجميعَ بسَخاءٍ ولا يُعَيّرُ، فسَيُعطَى لهُ. ولكن ليَطلُبْ بإيمانٍ غَيرَ مُرتابٍ البَتَّةَ، لأنَّ المُرتابَ يُشبِهُ مَوْجًا مِنَ البحرِ تخبِطُهُ الريحُ وتدفَعُهُ. فلا يَظُنَّ ذلكَ الإنسانُ أنَّهُ يَنالُ شَيئًا مِنْ عِندِ الرَّب. رَجُلٌ ذو رأيَينِ هو مُتَقَلقِلٌ في جميعِ طُرُقِهِ. وليَفتَخِرِ الأخُ المُتَّضِعُ بارتِفاعِهِ، وأمّا الغَنيُّ فباتضاعِهِ، لأنَّهُ كزَهرِ العُشبِ يَزولُ. لأنَّ الشَّمسَ أشرَقَتْ بالحَر، فيَبَّسَتِ العُشبَ، فسَقَطَ زَهرُهُ وفَنيَ جَمالُ مَنظَرِهِ. هكذا يَذبُلُ الغَنيُّ أيضًا في طُرُقِهِ. طوبَى للرَّجُلِ الذي يَحتَمِلُ التَّجرِبَةَ، لأنَّهُ إذا تزَكَّى يَنالُ "إكليلَ الحياةِ" الذي وعَدَ بهِ الرَّبُّ للذينَ يُحِبّونَهُ. لا يَقُلْ أحَدٌ إذا جُرّبَ: "إني أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ"، لأنَّ اللهَ غَيرُ مُجَرَّبٍ بالشُّرورِ، وهو لا يُجَرّبُ أحَدًا. ولكن كُلَّ واحِدٍ يُجَرَّبُ إذا انجَذَبَ وانخَدَعَ مِنْ شَهوتِهِ. ثُمَّ الشَّهوةُ إذا حَبِلَتْ تلِدُ خَطيَّةً، والخَطيَّةُ إذا كمَلَتْ تُنتِجُ موتًا. لا تضِلّوا يا إخوَتي الأحِبّاءَ. كُلُّ عَطيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ مَوْهِبَةٍ تامَّةٍ هي مِنْ فوقُ، نازِلَةٌ مِنْ عِندِ أبي الأنوارِ، الذي ليس عِندَهُ تغييرٌ ولا ظِلُّ دَوَرانٍ. شاءَ فوَلَدَنا بكلِمَةِ الحَق لكَيْ نَكونَ باكورَةً مِنْ خَلائقِهِ".
*يوضح هنا صبرها في وصية مُعلِّمنا يعقوب الرسول للشعب أن يصبروا على كل ما يصيبهم من تجارب قائلًا: "عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا" (يع1: 3).
*فالعُقر الذي كانت تعاني منه أليصابات كان امتحان لها، لتزكية إيمانها وصبرها،"ليَنزِعَ عاري بَينَ الناسِ" (لو1: 25).
*لذلك يطوّب الذين يحتملون التجربة فيقول: "طوبَى للرَّجُلِ الذي يَحتَمِلُ التَّجرِبَةَ، لأنَّهُ إذا تزَكَّى يَنالُ "إكليلَ الحياةِ" الذي وعَدَ بهِ الرَّبُّ للذينَ يُحِبّونَهُ" (يع1: 12).
الإبركسيس (أع1: 1-14)

"الكلامُ الأوَّلُ أنشأتُهُ يا ثاوُفيلُسُ، عن جميعِ ما ابتَدأَ يَسوعُ يَفعَلُهُ ويُعَلمُ بهِ، إلَى اليومِ الذي ارتَفَعَ فيهِ، بَعدَ ما أوصَى بالرّوحِ القُدُسِ الرُّسُلَ الذينَ اختارَهُمْ. الذينَ أراهُمْ أيضًا نَفسَهُ حَيًّا ببَراهينَ كثيرَةٍ، بَعدَ ما تألَّمَ، وهو يَظهَرُ لهُمْ أربَعينَ يومًا، ويتكلَّمُ عن الأُمورِ المُختَصَّةِ بملكوتِ اللهِ. وفيما هو مُجتَمِعٌ معهُمْ أوصاهُمْ أنْ لا يَبرَحوا مِنْ أورُشَليمَ، بل يَنتَظِروا "مَوْعِدَ الآبِ الذي سمِعتُموهُ مِني، لأنَّ يوحَنا عَمَّدَ بالماءِ، وأمّا أنتُمْ فسَتَتَعَمَّدونَ بالرّوحِ القُدُسِ، ليس بَعدَ هذِهِ الأيّامِ بكَثيرٍ". أمّا هُمُ المُجتَمِعونَ فسألوهُ قائلينَ: "يارَبُّ، هل في هذا الوقتِ ترُدُّ المُلكَ إلَى إسرائيلَ؟". فقالَ لهُمْ: "ليس لكُمْ أنْ تعرِفوا الأزمِنَةَ والأوقاتَ التي جَعَلها الآبُ في سُلطانِهِ، لكنكُمْ ستَنالونَ قوَّةً مَتَى حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيكُمْ، وتكونونَ لي شُهودًا في أورُشَليمَ وفي كُل اليَهوديَّةِ والسّامِرَةِ وإلَى أقصَى الأرضِ". ولَمّا قالَ هذا ارتَفَعَ وهُم يَنظُرونَ. وأخَذَتهُ سحابَةٌ عن أعيُنِهِمْ. وفيما كانوا يَشخَصونَ إلَى السماءِ وهو مُنطَلِقٌ، إذا رَجُلانِ قد وقَفا بهِمْ بلِباسٍ أبيَضَ، وقالا: "أيُّها الرجالُ الجليليّونَ، ما بالُكُمْ واقِفينَ تنظُرونَ إلَى السماءِ؟ إنَّ يَسوعَ هذا الذي ارتَفَعَ عنكُمْ إلَى السماءِ سيأتي هكذا كما رأيتُموهُ مُنطَلِقًا إلَى السماءِ". حينَئذٍ رَجَعوا إلَى أورُشَليمَ مِنَ الجَبَلِ الذي يُدعَى جَبَلَ الزَّيتونِ، الذي هو بالقُربِ مِنْ أورُشَليمَ علَى سفَرِ سبتٍ. ولَمّا دَخَلوا صَعِدوا إلَى العِلّيَّةِ التي كانوا يُقيمونَ فيها: بُطرُسُ ويعقوبُ ويوحَنا وأندَراوُسُ وفيلُبُّسُ وتوما وبَرثولَماوُسُ ومَتَّى ويعقوبُ بنُ حَلفَى وسِمعانُ الغَيورُ ويَهوذا أخو يعقوبَ. هؤُلاءِ كُلُّهُمْ كانوا يواظِبونَ بنَفسٍ واحِدَةٍ علَى الصَّلاةِ والطلبَةِ، مع النساءِ، ومَريَمَ أُم يَسوعَ، ومع إخوَتِهِ".
*يتكلم عن انتظار الرسل في أورشليم، حتى يحل عليهم الروح القدس.. فهم "كانوا يواظِبونَ بنَفسٍ واحِدَةٍ علَى الصَّلاةِ والطلبَةِ، مع النساءِ، ومَريَمَ أُم يَسوعَ، ومع إخوَتِهِ" (أع1: 14).
*فهو يشير هنا إلى مواظبة زكريا على الصلاة والطلبة من أجل أن يرزقه الله نسلًا.. وبالفعل حدث ذلك كما سنرى في الإنجيل.
إنجيل القداس (لو1: 1-25)

"إذ كانَ كثيرونَ قد أخَذوا بتأليفِ قِصَّةٍ في الأُمورِ المُتَيَقَّنَةِ عِندَنا، كما سلَّمَها إلَينا الذينَ كانوا منذُ البَدءِ مُعايِنينَ وخُدّامًا للكلِمَةِ، رأيتُ أنا أيضًا إذ قد تتبَّعتُ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الأوَّلِ بتدقيقٍ، أنْ أكتُبَ علَى التَّوالي إلَيكَ أيُّها العَزيزُ ثاوُفيلُسُ، لتعرِفَ صِحَّةَ الكلامِ الذي عُلمتَ بهِ. كانَ في أيّامِ هيرودُسَ مَلِكِ اليَهوديَّةِ كاهِنٌ اسمُهُ زَكَريّا مِنْ فِرقَةِ أبيّا، وامرأتُهُ مِنْ بَناتِ هارونَ واسمُها أليصاباتُ. وكانا كِلاهُما بارَّينِ أمامَ اللهِ، سالِكَينِ في جميعِ وصايا الرَّب وأحكامِهِ بلا لومٍ. ولم يَكُنْ لهُما ولَدٌ، إذ كانَتْ أليصاباتُ عاقِرًا. وكانا كِلاهُما مُتَقَدمَينِ في أيّامِهِما. فبَينَما هو يَكهَنُ في نَوْبَةِ فِرقَتِهِ أمامَ اللهِ، حَسَبَ عادَةِ الكَهَنوتِ، أصابَتهُ القُرعَةُ أنْ يَدخُلَ إلَى هيكلِ الرَّب ويُبَخرَ. وكانَ كُلُّ جُمهورِ الشَّعبِ يُصَلّونَ خارِجًا وقتَ البَخورِ. فظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب واقِفًا عن يَمينِ مَذبَحِ البَخورِ. فلَمّا رَآهُ زَكَريّا اضطَرَبَ ووَقَعَ علَيهِ خَوْفٌ. فقالَ لهُ المَلاكُ: "لا تخَفْ يا زَكَريّا، لأنَّ طِلبَتَكَ قد سُمِعَتْ، وامرأتُكَ أليصاباتُ ستَلِدُ لكَ ابنًا وتُسَميهِ يوحَنا. ويكونُ لكَ فرَحٌ وابتِهاجٌ، وكثيرونَ سيَفرَحونَ بوِلادَتِهِ، لأنَّهُ يكونُ عظيمًا أمامَ الرَّب، وخمرًا ومُسكِرًا لا يَشرَبُ، ومِنْ بَطنِ أُمهِ يَمتَلِئُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ. ويَرُدُّ كثيرينَ مِنْ بَني إسرائيلَ إلَى الرَّب إلهِهِمْ. ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ، ليَرُدَّ قُلوبَ الآباءِ إلَى الأبناءِ، والعُصاةَ إلَى فِكرِ الأبرارِ، لكَيْ يُهَيئَ للرَّب شَعبًا مُستَعِدًّا". فقالَ زَكَريّا للمَلاكِ: "كيفَ أعلَمُ هذا، لأني أنا شَيخٌ وامرأتي مُتَقَدمَةٌ في أيّامِها؟". فأجابَ المَلاكُ وقالَ لهُ: "أنا جِبرائيلُ الواقِفُ قُدّامَ اللهِ، وأُرسِلتُ لأُكلمَكَ وأُبَشرَكَ بهذا. وها أنتَ تكونُ صامِتًا ولا تقدِرُ أنْ تتكلَّمَ، إلَى اليومِ الذي يكونُ فيهِ هذا، لأنَّكَ لم تُصَدقْ كلامي الذي سيَتِمُّ في وقتِهِ". وكانَ الشَّعبُ مُنتَظِرينَ زَكَريّا ومُتَعّجبينَ مِنْ إبطائهِ في الهيكلِ. فلَمّا خرجَ لم يَستَطِعْ أنْ يُكلمَهُمْ، ففَهِموا أنَّهُ قد رأَى رؤيا في الهيكلِ. فكانَ يومِئُ إليهِمْ وبَقيَ صامِتًا. ولَمّا كمِلَتْ أيّامُ خِدمَتِهِ مَضَى إلَى بَيتِهِ. وبَعدَ تِلكَ الأيّامِ حَبِلَتْ أليصاباتُ امرأتُهُ، وأخفَتْ نَفسَها خَمسَةَ أشهُرٍ قائلَةً: "هكذا قد فعَلَ بيَ الرَّبُّ في الأيّامِ التي فيها نَظَرَ إلَيَّ، ليَنزِعَ عاري بَينَ الناسِ".
*الهدف من قراءة هذا الفصل اليوم هو الاحتفال برحمة الله المتحنن على البشر، وهي تتجلى اليوم في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان، الذي سبق السيد المسيح ليُعد له شعبًا مبررًا، ويُعد له الطريق.
*فميلاد يوحنا المعمدان هو أول خطوة بدأت بها رحلة خلاص البشرية، بتجسد السيد المسيح، وهي أول مظهر من مظاهر هذه الرحمة التي أنعم الله بها على البشرية.
*ففصل الإنجيل يُشير إلى البُشرى التي زفها الملاك لزكريا الكاهن عن قرب الموعد.. لتحقيق أمنيته التي كان يتمناها طوال عمره.. فبينما كان زكريا يقوم بخدمته الكهنوتية في نوبة فرقته، أصابته القرعة أن يدخل إلى الهيكل ليبخّر، فظهر له الملاك ليُبشره بميلاد يوحنا.
*وظهور ملاك وقت البخور لزكريا لهمغزاه.. فيوحنا المعمدان ملاك.. "ها أنا أُرسِلُ أمامَ وجهِكَ مَلاكي، الذي يُهَيئُ طريقَكَ قُدّامَكَ" (مر1: 2).. لذلك اقتضى أن الذي يبشره هو ملاك.. وظهور الملاكعن يمين المذبح إشارة إلى أن يوحنا المعمدان سوف يضع يده اليمنى علىرأس المُخلِّص وقت العماد، فبشر الملاك زكريا أولًا بقبول طلبته وسماعالله لها، وكذلك صلوات امرأته، وأنها سوف تلد ابنًا وتسميه يوحنا.. وهذا المولود سيكون سبب فرح لزكريا وابتهاج له وسيفرح بولادته كثيرين.
*واستكمل الملاك كلامه معزكريا عن المولود العتيد قائلًا: "يكونُ عظيمًا".. فعظمته ترجع إلىامتلائه من الروح القدس وهوفي بطن أمه، وهو الذي فاز بشرف تعميدالسيد المسيح، ووضع يده عليه، وهو الذي فتح باب التوبة أمام الجميع.. "توبوا، لأنَّهُ قد اقتَرَبَ ملكوتُ السماواتِ" (مت3: 2).. واستكمل الملاك كلامه عنيوحنا قائلًا: "ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ" (لو1: 17).
*فالضمير في كلمة "أمامه" يعود على الرب إلههم في الآية السابقة.. "ويَرُدُّ كثيرينَ مِنْ بَني إسرائيلَ إلَى الرَّب إلهِهِمْ" (لو1: 16).. فيكون ذلك واضحًا على أن السيد المسيح هو "الله الذي معنا"، وهو "الله الذي ظهر في الجسد".. "عظيمٌ هو سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَدِ" (1تي3: 16)، وروحإيليا هي الأمور المشتركة بينهم، وهي البتولية والتقشف ولبس الصوف، والقوة.. فكما وبخ إيليا أخاب وإيزابل بكل قوة وشجاعة (1مل21).. هكذا سوف يوبخ في المستقبل القريب يوحناهيرودس وهيروديا.. "فإنَّ هيرودُسَ كانَ قد أمسَكَ يوحَنا وأوثَقَهُ وطَرَحَهُ في سِجنٍ مِنْ أجلِ هيروديّا امرأةِ فيلُبُّسَ أخيهِ، لأنَّ يوحَنا كانَ يقولُ لهُ: "لا يَحِلُّ أنْ تكونَ لكَ" (مت14: 3-4).
*كان على زكريا الكاهن الرجل صاحب الوقار أن تصدمه بشارة الملاك، ولكن حدث العكس.. فقد شك فيالكلام ولم يصدقه، ونسى قصة ولادة اسحق من سارة العاقر وإبراهيم الشيخ، ونسى أن الله قادر على كل شيء، ونسى ولادة شمشون من أم عاقر، وصموئيلالذي ولد من حنة العاقر.. كل ذلك لم يتذكره، وشك في كلام الملاك ولميصدقه، وطالب الملاك بعلامة ظاهرة يستطيع من خلالها أن يصدق هذه البشرى.
*فأراد الملاك أن يعطيه علامة على صدق البُشرى، بأن يعرفه بنفسه.. "فأجابَ المَلاكُ وقالَ لهُ: "أنا جِبرائيلُ الواقِفُ قُدّامَ اللهِ، وأُرسِلتُ لأُكلمَكَ وأُبَشرَكَ بهذا" (لو1: 19).. فعندما تأكد الملاك من شك زكريا أنذره بالعقاب جزاءً لعدم إيمانه فقال له:"وها أنتَ تكونُ صامِتًا ولا تقدِرُ أنْ تتكلَّمَ، إلَى اليومِ الذي يكونُ فيهِ هذا، لأنَّكَ لم تُصَدقْ كلامي الذي سيَتِمُّ في وقتِهِ" (لو1: 20).
*ولاشك أن الصمت الذي حدث لزكريا كان مصحوبًابأصم (عدم السمع)، بدليل أن الناس كانوا يخاطبونه بالإشارة حين أرادوا أنيعرفوا الاسم الذي يتسمى به المولود.. وقد حدد الملاك لزكريا موعد انتهاء فترة صمته، وهو اليوم الذي يتحقق فيه كل ما أنبأه به.
وقد أثار إبطاء زكريا فيالهيكل عن المعتاد استغراب الشعب.. لماذا تأخر؟! ماذا حدث؟! فخرجلهم صامتًا يُومئ لهم برأسه، فأدركوا أنه رأى رؤيا، وأكد ذلك لسانه الذيانعقد وأذنيه اللتين أصيبتا بالصمم.
*واستكمل زكريا خدمته رغمما حدث له.. وحبلت أليصابات، وأخفت نفسها خمسة أشهر خوفًا من تعييرات الجيران، وكانت تردد القول بإن الله فتح رحمها.. إذ نزع عنها عارها، لأن شعب إسرائيل كانوا يعتقدون أن العقم هو علامة على غضب الله على الشخص،فكانوا يعيرونه بذلك.. فهم كما حسبوا الولادة رضى من الله، إذ سلكوابوصايا الله.. "وألتَفِتُ إلَيكُمْ وأُثمِرُكُمْ وأُكَثرُكُمْ وأفي ميثاقي معكُمْ" (لا26: 9). وقوله لنوح وبنيه:"أثمِروا واكثُروا واملأَُوا الأرضَ" (تك9: 1).. لذلككانوا يعيرون العاقر بعدم تمتعها بالثمر والإكثار الذي من عند الرب.
من هنا نرى الخطالمشترك الواضح في قراءات الأحد الأول هو:"البشارة المفرحة".. واستجابةالله للصلوات المستمرة التي كان يقدمها زكريا وامرأته أليصابات..وبدأت الكنيسة شهر كيهك بهذه البشارة لتهيئ ذهننا لولادة المُخلِّص الذييأتي ويُخلِّص الجميع من سلطان الخطية وأسر الشيطان.
ليعطينا الرب روح الصلاة والطلبة المستمرة،
والإيمان بمواعيده الصادقة..
ولإلهنا المجد في كنيسته المقدسة..
من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:28 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
عُمق قراءات الأحد الثاني من شهر كيهك
بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء



مزمور عشية (مز144: 5، 7)


يتحدث مزمور إنجيل العشية عن طلب نزول السيد المسيح من السماء.."يارَبُّ، طأطِئْ سماواتِكَ وانزِلِ. المِسِ الجِبالَ فتُدَخنَ... أرسِلْ يَدَكَ مِنَ العَلاءِ. أنقِذني ونَجني مِنَ المياهِ الكَثيرَةِ، مِنْ أيدي الغُرَباءِ". وكأن البشر يستغيثون بالمُخلص.. بسرعة النزول حتى لو اضطر الأمر أن تدخن الجبال عندما ينزل!! فحلول لاهوت السيد المسيح في أحشاء السيدة العذراء.. سوف يحدث عن قريب عندما يبشرها الملاك بحلول ابن الله في أحشائها.
إنجيل العشية (لو7: 36-50)


"وسألهُ واحِدٌ مِنَ الفَريسيينَ أنْ يأكُلَ معهُ، فدَخَلَ بَيتَ الفَريسي واتَّكأَ. وإذا امرأةٌ في المدينةِ كانَتْ خاطِئَةً، إذ عَلِمَتْ أنَّهُ مُتَّكِئٌ في بَيتِ الفَريسي، جاءَتْ بقارورَةِ طيبٍ، ووَقَفَتْ عِندَ قَدَمَيهِ مِنْ ورائهِ باكيَةً، وابتَدأتْ تبُلُّ قَدَمَيهِ بالدُّموعِ، وكانَتْ تمسَحُهُما بشَعرِ رأسِها، وتُقَبلُ قَدَمَيهِ وتدهَنُهُما بالطيبِ. فلَمّا رأَى الفَريسيُّ الذي دَعاهُ ذلكَ، تكلَّمَ في نَفسِهِ قائلًا: "لو كانَ هذا نَبيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الاِمرأةُ التي تلمِسُهُ وما هي! إنَّها خاطِئَةٌ". فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُ: "يا سِمعانُ، عِندي شَيءٌ أقولُهُ لكَ". فقالَ: "قُلْ، يا مُعَلمُ". "كانَ لمُدايِنٍ مَديونانِ. علَى الواحِدِ خَمسُمِئَةِ دينارٍ وعلَى الآخَرِ خَمسونَ. وإذ لم يَكُنْ لهُما ما يوفيانِ سامَحَهُما جميعًا. فقُلْ: أيُّهُما يكونُ أكثَرَ حُبًّا لهُ؟". فأجابَ سِمعانُ وقالَ: "أظُنُّ الذي سامَحَهُ بالأكثَرِ". فقالَ لهُ: "بالصَّوابِ حَكَمتَ". ثُمَّ التفَتَ إلَى المَرأةِ وقالَ لسِمعانَ: "أتَنظُرُ هذِهِ المَرأةَ؟ إني دَخَلتُ بَيتَكَ، وماءً لأجلِ رِجلَيَّ لم تُعطِ. وأمّا هي فقد غَسَلَتْ رِجلَيَّ بالدُّموعِ ومَسَحَتهُما بشَعرِ رأسِها. قُبلَةً لم تُقَبلني، وأمّا هي فمنذُ دَخَلتُ لم تكُفَّ عن تقبيلِ رِجلَيَّ. بزَيتٍ لم تدهُنْ رأسي، وأمّا هي فقد دَهَنَتْ بالطيبِ رِجلَيَّ. مِنْ أجلِ ذلكَ أقولُ لكَ: قد غُفِرَتْ خطاياها الكثيرَةُ، لأنَّها أحَبَّتْ كثيرًا. والذي يُغفَرُ لهُ قَليلٌ يُحِبُّ قَليلًا". ثُمَّ قالَ لها: "مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ". فابتَدأَ المُتَّكِئونَ معهُ يقولونَ في أنفُسِهِمْ: "مَنْ هذا الذي يَغفِرُ خطايا أيضًا؟". فقالَ للمَرأةِ: "إيمانُكِ قد خَلَّصَكِ، اِذهَبي بسَلامٍ".
*يتحدث إنجيل العشية عن المرأة الخاطئة التي دخلت بيت الفريسي، ودهنت قدمي مخلصنا الصالح بالطيب، واقفة من ورائه باكية، وأخذت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب، وتمسحهما بشعر رأسها.
*وفي هذا البيت أعلن السيد المسيح الخلاص للمرأة الخاطئة قائلًا لها: "مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ".
*فإعلان المخلص للمرأة بالخلاص هو إشارة اليوم لنا بإعلانه لنا بالخلاص، وذلك عن طريق بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء.. فكما أعلن للمرأة خلاصها بمغفرة خطاياها.. هكذا أعلن لنا كلنا الخلاص ببشارة والدته بميلاده منها.
مزمور باكر (مز72: 6-7)


"يَنزِلُ مِثلَ المَطَرِ علَى الجُزازِ، ومِثلَ الغُيوثِ الذّارِفَةِ علَى الأرضِ. يُشرِقُ في أيّامِهِ الصديقُ، وكثرَةُ السَّلامِ إلَى أنْ يَضمَحِلَّ القَمَرُ".
يوضح لنا مزمور باكر حلول مخلصنا الصالح في بطن السيدة العذراء.. بنزوله المملوء سلامًا، وليس كالدخان الذي يصدر من الجبال، عندما يحل عليها.. كما في مزمور العشية، ولكنه يحل بهدوء وسلام.. "يَنزِلُ مِثلَ المَطَرِ علَى الجُزازِ، ومِثلَ الغُيوثِ الذّارِفَةِ علَى الأرضِ. يُشرِقُ في أيّامِهِ الصديقُ، وكثرَةُ السَّلامِ إلَى أنْ يَضمَحِلَّ القَمَرُ".
فهو ملك السلام الذي حل السلام على الأرض بواسطته، كما ترنمت الملائكة عند ميلاده: "المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السَّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ" (لو2: 14)..فهو الذي يعطى السلام لكل نفس متعبة كما سنرى في إنجيل باكر.
إنجيل باكر (لو11: 20-28)


"ولكن إنْ كُنتُ بأصبِعِ اللهِ أُخرِجُ الشَّياطينَ، فقد أقبَلَ علَيكُمْ ملكوتُ اللهِ. حينَما يَحفَظُ القَويُّ دارَهُ مُتَسَلحًا،تَكونُ أموالُهُ في أمانٍ. ولكن مَتَى جاءَ مَنْ هو أقوَى مِنهُ فإنَّهُ يَغلِبُهُ، ويَنزِعُ سِلاحَهُ الكامِلَ الذي اتَّكلَ علَيهِ، ويوَزعُ غَنائمَهُ. مَنْ ليس مَعي فهو علَيَّ، ومَنْ لا يَجمَعُ مَعي فهو يُفَرقُ. مَتَى خرجَ الرّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإنسانِ، يَجتازُ في أماكِنَ ليس فيها ماءٌ يَطلُبُ راحَةً، وإذ لا يَجِدُ يقولُ: أرجِعُ إلَى بَيتي الذي خرجتُ مِنهُ. فيأتي ويَجِدُهُ مَكنوسًا مُزَيَّنًا. ثُمَّ يَذهَبُ ويأخُذُ سبعَةَ أرواحٍ أُخَرَ أشَرَّ مِنهُ، فتدخُلُ وتسكُنُ هناكَ، فتصيرُ أواخِرُ ذلكَ الإنسانِ أشَرَّ مِنْ أوائلِهِ!". وفيما هو يتكلَّمُ بهذا، رَفَعَتِ امرأةٌ صوتها مِنَ الجَمعِ وقالَتْ لهُ: "طوبَى للبَطنِ الذي حَمَلكَ والثَّديَينِ اللذَينِ رَضِعتَهُما". أمّا هو فقالَ: "بل طوبَى للذينَ يَسمَعونَ كلامَ اللهِ ويَحفَظونَهُ".
يتحدث إنجيل باكر عن شفاء السيد المسيح للإنسان الأخرس الذي كان يسكنه الشيطان.. فعندما أخرج السيد المسيح الشيطان.. تكلم الأخرس. فالسيد المسيح ملك السلام جاء ليعطي السلام لكل نفس متعبة.. جاء يشفي كل مَنْ تسلط عليهم إبليس.. فحلول ونزول الإله المتجسد سوف يكون مثل المطر على الجزة ومثل قطرات تقطر على الأرض.. فهو الذي يشرق في أيامه العدل وكثرة السلامة.
*ففي إنجيل العشية أعلن خلاص المسيح للكل.
*وفي إنجيل باكر أعلن سلام المُخلِّص.
*وفي إنجيل القداس أعلنت البشارة بمولده من السيدة العذراء.
البولس (رو3: 1 - 4: 1-3)


"إذًا ما هو فضلُ اليَهودي، أو ما هو نَفعُ الخِتانِ؟ كثيرٌ علَى كُل وجهٍ! أمّا أوَّلًا فلأنَّهُمُ استؤمِنوا علَى أقوالِ اللهِ. فماذا إنْ كانَ قَوْمٌ لم يكونوا أُمَناءَ؟ أفَلَعَلَّ عَدَمَ أمانَتِهِمْ يُبطِلُ أمانَةَ اللهِ؟ حاشا! بل ليَكُنِ اللهُ صادِقًا وكُلُّ إنسانٍ كاذِبًا. كما هو مَكتوبٌ: "لكَيْ تتبَرَّرَ في كلامِكَ، وتغلِبَ مَتَى حوكِمتَ". ولكن إنْ كانَ إثمُنا يُبَينُ برَّ اللهِ، فماذا نَقولُ؟ ألَعَلَّ اللهَ الذي يَجلِبُ الغَضَبَ ظالِمٌ؟ أتكلَّمُ بحَسَبِ الإنسانِ. حاشا! فكيفَ يَدينُ اللهُ العالَمَ إذ ذاكَ؟ فإنَّهُ إنْ كانَ صِدقُ اللهِ قد ازدادَ بكَذِبي لمَجدِهِ، فلماذا أُدانُ أنا بَعدُ كخاطِئٍ؟ أما كما يُفتَرَى علَينا، وكما يَزعُمُ قَوْمٌ أنَّنا نَقولُ: "لنَفعَلِ السَّيآتِ لكَيْ تأتيَ الخَيراتُ"؟ الذينَ دَينونَتُهُمْ عادِلَةٌ. فماذا إذًا؟ أنَحنُ أفضَلُ؟ كلاَّ البَتَّةَ! لأنَّنا قد شَكَوْنا أنَّ اليَهودَ واليونانيينَ أجمَعينَ تحتَ الخَطيَّةِ، كما هو مَكتوبٌ: "أنَّهُ ليس بارٌّ ولا واحِدٌ. ليس مَنْ يَفهَمُ. ليس مَنْ يَطلُبُ اللهَ. الجميعُ زاغوا وفَسَدوا مَعًا. ليس مَنْ يَعمَلُ صَلاحًا ليس ولا واحِدٌ. حَنجَرَتُهُمْ قَبرٌ مَفتوحٌ. بألسِنَتِهِمْ قد مَكَروا. سِمُّ الأصلالِ تحتَ شِفاهِهِمْ. وفَمُهُمْ مَملوءٌ لَعنَةً ومَرارَةً. أرجُلُهُمْ سريعَةٌ إلَى سفكِ الدَّمِ. في طُرُقِهِمِ اغتِصابٌ وسُحقٌ. وطَريقُ السَّلامِ لم يَعرِفوهُ. ليس خَوْفُ اللهِ قُدّامَ عُيونِهِمْ". ونَحنُ نَعلَمُ أنَّ كُلَّ ما يقولُهُ النّاموسُ فهو يُكلمُ بهِ الذينَ في النّاموسِ، لكَيْ يَستَدَّ كُلُّ فمٍ، ويَصيرَ كُلُّ العالَمِ تحتَ قِصاصٍ مِنَ اللهِ. لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ. لأنَّهُ لا فرقَ. إذ الجميعُ أخطأوا وأعوَزَهُمْ مَجدُ اللهِ، مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ. فأينَ الافتِخارُ؟ قد انتَفَى. بأي ناموسٍ؟ أبناموسِ الأعمالِ؟ كلاَّ. بل بناموسِ الإيمانِ. إذًا نَحسِبُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بالإيمانِ بدونِ أعمالِ النّاموسِ. أمِ اللهُ لليَهودِ فقط؟ أليس للأُمَمِ أيضًا؟ بَلَى، للأُمَمِ أيضًا لأنَّ اللهَ واحِدٌ، هو الذي سيُبَررُ الخِتانَ بالإيمانِ والغُرلَةَ بالإيمانِ. أفَنُبطِلُ النّاموسَ بالإيمانِ؟ حاشا! بل نُثَبتُ النّاموسَ. فماذا نَقولُ إنَّ أبانا إبراهيمَ قد وجَدَ حَسَبَ الجَسَدِ؟ لأنَّهُ إنْ كانَ إبراهيمُ قد تبَرَّرَ بالأعمالِ فلهُ فخرٌ، ولكن ليس لَدَى اللهِ. لأنَّهُ ماذا يقولُ الكِتابُ؟ "فآمَنَ إبراهيمُ باللهِ فحُسِبَ لهُ بِرًّا".
يتكلم مُعلمنا بولس الرسول في هذا الفصل أنه بأعمال الناموس لا يتبرر أحد أمام الله.. بل الكل يتبررون بالإيمان بيسوع المسيح، وذلك يبطل الإفخارستيا، ويثبت الناموس.. "لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ" (رو3: 20-22).
"مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ" (رو3: 24-26).
ويظهر هذا الفصل.. إيمان السيدة العذراء ببشارة الملاك لها، عندما قال: "وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ".
الكاثوليكون (1يو1: 1-10 ، 2: 2)


"الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ، وقد رأينا ونَشهَدُ ونُخبِرُكُمْ بالحياةِ الأبديَّةِ التي كانَتْ عِندَ الآبِ وأُظهِرَتْ لنا. الذي رأيناهُ وسمِعناهُ نُخبِرُكُمْ بهِ، لكَيْ يكونَ لكُمْ أيضًا شَرِكَةٌ معنا. وأمّا شَرِكَتُنا نَحنُ فهي مع الآبِ ومع ابنِهِ يَسوعَ المَسيحِ. ونَكتُبُ إلَيكُمْ هذا لكَيْ يكونَ فرَحُكُمْ كامِلًا. وهذا هو الخَبَرُ الذي سمِعناهُ مِنهُ ونُخبِرُكُمْ بهِ: إنَّ اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ. إنْ قُلنا: إنَّ لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ، ودَمُ يَسوعَ المَسيحِ ابنِهِ يُطَهرُنا مِنْ كُل خَطيَّةٍ. إنْ قُلنا: إنَّهُ ليس لنا خَطيَّةٌ نُضِلُّ أنفُسَنا وليس الحَقُّ فينا. إنِ اعتَرَفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادِلٌ، حتَّى يَغفِرَ لنا خطايانا ويُطَهرَنا مِنْ كُل إثمٍ. إنْ قُلنا: إنَّنا لم نُخطِئْ نَجعَلهُ كاذِبًا، وكلِمَتُهُ ليستْ فينا".. "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا".
يتحدث هنا يوحنا الرسول عن ظهور السيد المسيح "الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ".
فهو هنا يعلن ظهور المخلص بدءًا بالبشارة بميلاده العجيب، الذي بشر به اليوم الملاك جبرائيل والدة الإلهفهو يعلن أن "اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ" (1يو1: 5).. وأنه يجب أن تكون شركتنا معه في النور فإن كانت "لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ" (1يو1: 6-7).
وأخيرًا.. يعلن لنا أن الذي بُشر به اليوم هو شفيعنا عند الآب الذي هو المُخلص يسوع المسيح، وهو أيضًا كفارة لخطايانا وليس لخطايانا نحن فقط بل لخطايا كل العالم.
الإبركسيس (أع7: 30-34)


"ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ. إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ".
يتحدث هنا سفر الأعمال.. عن ظهور الرب لموسى النبي في برية سيناء، في لهيب النار، في العليقة المضطرمة بالنار.. "ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ" (أع7: 30-33).
وظهور الرب لموسى النبي في برية جبل سيناء في لهيب نار والعليقة يرمز إلى حَبَل السيدة العذراء بالسيد المسيح بدون رجل، أي بدون زرع بشر.. وهو إشارة واضحة لحلول اللاهوت في أحشاء السيدة العذراء، وخروج الإله المتجسد من بطنها الطاهرة، واتخاذ السيد المسيح جسدًا من جسدها الطاهر.. ثم يختم الفصل بقول الرب: "إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ" (أع7: 34).
فنزول الرب إلى مصر أرض العبودية لشعب الله هي مثلما نزل السيد المسيح إلى أرض الشقاء لكي يخلص البشر من سلطان الخطية وقبضة الشيطان.. ومصر هنا تشير إلى العبودية لشعب إسرائيل كما الأرض كلها تشير إلى عبودية الجنس البشري.
فنزل السيد المسيح إلى الأرض لكي يخلص كل من يؤمن به. فالفصل كله يحكى لنا مغزى روحي وهو نزول السيد المسيح إلى الأرض في بطن السيدة العذراء واتخاذه جسدًا منها يولد به لكي يخلص جنس البشر من عبودية العدو الشيطان.
مزمور إنجيل القداس (مز45: 10-11)


"اِسمَعي يا بنتُ وانظُري، وأميلي أُذُنَكِ، وانسَيْ شَعبَكِ وبَيتَ أبيكِ، فيَشتَهيَ المَلِكُ حُسنَكِ، لأنَّهُ هو سيدُكِ فاسجُدي لهُ".. فهو هنا يخاطب السيدة العذراء.. لمَنْ تسمع قول الملاك بالبشارة المفرحة لها ولكل البشرية "بتجسده منها".. أي أن يأخذ جسدًا منها، وأن تنصت لقول الرب.. وبالفعل فعلت السيدة العذراء هذا.. عندما قالت: "هوذا أنا أمة للرب ليكن لي كقولك". ويقول لها أن الملك بل ملك الملوك قد اشتهى حُسنِك، لأنه هو سيدك وربك.. وبالفعل اشتهى الملك حُسن السيدة العذراء، فنقول: "تطلع الآب من السماء.. فلم يجد مَنْ يُشبهك.. أرسل وحيده.. أتى وتجسد منكِ".
إنجيل القداس (لو1: 26-38)


"وفي الشَّهرِ السّادِسِ أُرسِلَ جِبرائيلُ المَلاكُ مِنَ اللهِ إلَى مدينةٍ مِنَ الجليلِ اسمُها ناصِرَةُ، إلَى عَذراءَ مَخطوبَةٍ لرَجُلٍ مِنْ بَيتِ داوُدَ اسمُهُ يوسُفُ. واسمُ العَذراءِ مَريَمُ. فدَخَلَ إليها المَلاكُ وقالَ: سلامٌ لكِ أيَّتُها الممتلئة نعمة! الرَّبُّ معكِ. مُبارَكَةٌ أنتِ في النساءِ". فلَمّا رأتهُ اضطَرَبَتْ مِنْ كلامِهِ، وفَكَّرَتْ: "ما عَسَى أنْ تكونَ هذِهِ التَّحيَّةُ!". فقالَ لها المَلاكُ:"لا تخافي يا مَريَمُ، لأنَّكِ قد وجَدتِ نِعمَةً عِندَ اللهِ. وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ. هذا يكونُ عظيمًا، وابنَ العَلي يُدعَى، ويُعطيهِ الرَّبُّ الإلهُ كُرسيَّ داوُدَ أبيهِ، ويَملِكُ علَى بَيتِ يعقوبَ إلَى الأبدِ، ولا يكونُ لمُلكِهِ نِهايَةٌ". فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ: "كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟". فأجابَ المَلاكُ وقالَ لها: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَللُكِ، فلذلكََ أيضًا القُدّوسُ المَوْلودُ مِنكِ يُدعَى ابنَ اللهِ. وهوذا أليصاباتُ نَسيبَتُكِ هي أيضًا حُبلَى بابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السّادِسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقِرًا، لأنَّهُ ليس شَيءٌ غَيرَ مُمكِنٍ لَدَى اللهِ". فقالَتْ مَريَمُ: "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب. ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ". فمَضَى مِنْ عِندِها المَلاكُ".
عندما نرجع بخاطرنا إلى إنجيل الأحد الماضي الأحد الأول.. فنجده كان يتكلم عن رحمة الله للأمم التي تجلت في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان السابق للسيد المسيح.
أما إنجيل اليوم فهو يتكلم عن البشارة بميلاد المُخلص نفسه.. فقد أرسل الله ملاكه المبشر جبرائيل للسيدة العذراء في الشهر السادس لحبل القديسة أليصابات بيوحنا المعمدان ليزف لها البشرى المفرحة بميلاد مخلص العالم منها وهذا ما اتضح في قوله: "وهذا هو الشَّهرُ السّادِسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقِرًا" (لو1: 36).
*والحكمة في اختيار العدد السادس (الشهر السادس) دون غيره هو أن في اليوم السادس تمت الخليقة بخلقة الإنسان وسقوطه في الخطية.فوجب أن يوجد فيه مجددًا فائزًا بالغفران وبالصفح عن خطاياه.وتبشيره بالخلاص الآتي وخروجه من تحت قبضة الشيطان.
*وأراد الله أن يبشر السيدة العذراء بالحبل حتى إذا رأت نفسها حبلى لا تستغرب ولا تضطرب، فمن الممكن أن تفكر في التخلص من الجنين أو الانتحار لكي تخفى عارها فدخل إليها الملاك وقال لها: "سلامٌ لكِ أيَّتُها الممتلئة نعمة! الرَّبُّ معكِ" (لو1: 28).
*وقد ابتدأ الملاك كلامه بالسلام لمريم لينزع منها الخوف، وأيضًا لأنه سوف يبشرها بمولد ملك السلام الذي ستتهلل الملائكة بميلاده، وهو الذي سيقيم الصلح والسلام بين السمائيين والأرضيين وبين النفس والجسد، وقد وصفها بعد ذلك بـ "الممتلئة نعمة" وذلك لتجسد كلمة الله منها.
*واستكمل الملاك كلامه معها قائلًا: "مباركة أنتِ في النساء" أي أنها اختصت بركة خاصة تنفرد بها دون سائر النساء لأنها ستدعى والدة الإله. وأن اللعنة التي حلت بالعالم بسبب حواء الأولى سوف ترفع عن الجنس البشرى بسبب حواء الثانية لأن المولود منها قدوس وسوف تتبارك به جميع شعوب الأرض.
*اضطربت السيدة العذراء عندما رأت الملاك وخافت من هيبته ومن كلامه الغريب الذي تسمعه لأول مرة وهى غير مدركة ماذا يحدث.. فاستغربت وخاصة أنها كانت تحيا حياة عادية وسط بنات فقيرات من عشيرتها.. فكيف يدعوها الملاك "مباركة أنتِ في النساء" وهى أحقرهن وأقلهن!! فهدأ الملاك من روعها بقوله لها: "لا تخافي ولا تضطربي"، فدخل السرور في قلبها وتشجعت.
*ومضى بعد ذلك الملاك مسترسلًا الكلام معها قائلًا: "وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ" (لو1: 31).وبهذا تمت نبوة إشعياء النبي القائلة: "ها العَذراءُ تحبَلُ وتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَهُ عِمّانوئيلَ" (إش7: 14).
*واستكمل الملاك كلامه مع السيدة العذراء موضحًا لها مَنْ هو الذي سيولد منها قائلًا لها:"ويُعطيهِ الرَّبُّ الإلهُ كُرسيَّ داوُدَ أبيهِ" (لو1: 32). وكان ذلك إتمامًا للوعد الصادر لداود قديمًا والمذكور في المزمور القائل: "أقسَمَ الرَّبُّ لداوُدَ بالحَق لا يَرجِعُ عنهُ:"مِنْ ثَمَرَةِ بَطنِكَ أجعَلُ علَى كُرسيكَ" (مز131: 11).
وكذلك ما ذكر في سفر صموئيل النبي حيث قال: "مَتَى كمُلَتْ أيّامُكَ واضطَجَعتَ مع آبائكَ، أُقيمُ بَعدَكَ نَسلكَ الذي يَخرُجُ مِنْ أحشائكَ وأُثَبتُ مَملكَتَهُ" (2صم7: 12).
وأما عن قول الملاك: "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد": فالمقصود به هو جميع الذين يؤمنون به أي أولاد إبراهيم بالإيمان وهو اليهود والأمم. وأما عن تخصيصه بيت يعقوب بالذات هو لأن بداية ملك المسيح سوف يكون من بيت يعقوب وهذا الملك لا انقضاء له لأنه روحاني وليس حسب التسلسل الجسدي الذي ينقضي بمرور الزمن، فالسيد المسيح يملك على المؤمنين بالنعمة وعلى القديسين في السماء بالمجد وذلك تحقيقًا لنبوءة دانيال النبي: "وفي أيّامِ هؤُلاءِ المُلوكِ، يُقيمُ إلهُ السماواتِ مَملكَةً لن تنقَرِضَ أبدًا، ومَلِكُها لا يُترَكُ لشَعبٍ آخَرَ، وتسحَقُ وتُفني كُلَّ هذِهِ المَمالِكِ، وهي تثبُتُ إلَى الأبدِ" (دا2: 44).
*تساءلت السيدة العذراء: "كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟" (لو1: 34). وهذا التساؤل كان طبيعيًا لأن مَن مِن البشر يعقل هذا الكلام ولأول مرة في تاريخ البشرية يسمع مثل هذا وهذه البشرى؟ ولمَنْ؟ لعذراء حقيرة لا تتوقع هذا.
ولم يكن سؤالها هذا نابع عن شك في صحة الوعد كما فعل قبل ذلك زكريا ولم يصدق لذلك أخذ عقوبة أنه يبقى صامتًا حتى يرى بعينيه ما سوف يحدث.
ولكن سؤالها كان بسبب أنها تريد معرفة الكيفية التي سوف يتم بها هذا الكلام وهنا أوضح لها الملاك كيف يتم ذلك بأنه: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَللُكِ". فحلول الروح القدس عليك سوف يطهرك ويقدسك من الخطية الجدية ثم يأخذ من جسمك جسدًا يتحد به ويخرج منك الإله المتحد بالجسد الإله المتجسد.
*ثم تحول الملاك بعد ذلك إلى المولود فكلمها عنه لكي تعرف قدر وشرف المولود "فلذلك المولود منك يدعى ابن الله" وكلمة قدوس تدل على لاهوت السيد المسيح وهى من الأدلة القاطعة على لاهوته.
ولكي يؤكد الملاك بشارته للسيدة العذراء ذكر لها خبر حبل أليصابات نسيبتها وهى متقدمة في الأيام ليثبت لها أنه ليس شيء صعب وعسير عند الله.
فما كان من السيدة العذراء إلا أن قالت للملاك: "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب. ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ. فمَضَى مِنْ عِندِها المَلاكُ".
أخيرًا اقتنعت السيدة العذراء بكلام الملاك وببشارته المفرحة فسلمت نفسها لإرادة الله بإيمان وليس بشك كما فعل زكريا فدل ذلك على منتهى التواضع الذي تعيش به السيدة العذراء وفى تلك اللحظة عندما أسلمت إرادتها لله قائلة: "هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك".. حملت السيدة العذراء بالسيد المسيح من الروح القدس عندما حل عليها.
*وعندما نتأمل الخط الروحي الموجود في قراءات الأحد الثاني نجد أناجيل عشية وباكر تعلن الخلاص والسلام الذي سيحل على البشر بتجسد الابن الوحيد وفى الرسائل نجد إعلانًا واضحًا لإيمان السيدة العذراء وظهور السيد المسيح كما ظهر في العليقة.
وفى إنجيل القداس نجد الملاك يزف هذه البشارة المفرحة للسيدة العذراء بل للبشر جميعًا ولسان حاله يقول: "افرحوا وتهللوا يا جنس البشر لأنه هكذا أحب الله العالم فأرسل ابنه الوحيد مولود من امرأة لكي يخلصكم من عبودية العدو".
نسأل إلهنا الصالح أن يجعلنا مستحقين أن ننال وننعم بخلاصه..
الذي قدمه لنا بتجسده من السيدة العذراء.
ولإلهنا المجد في كنيسته المقدسة من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:31 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
عُمق قراءات الأحد الثالث من شهر كيهك
زيارة السيدة العذراء للقديسة أليصابات

مزمور العشية (مز132: 13، 14)

"لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ: هذِهِ هِيَ رَاحَتِي إلى الأَبَدِ. ههُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا".
يتكلم هذا المزمور عن صهيون، وهو يشير هنا بصهيون إلى السيدة العذراء التي يحل فيها كلمة الآب، وهي التي اشتهاها أن يحل فيها وتكون له مسكنًا.. لأن راحة الآب فيها إلى الأبد، ولذلك سينزل الابن ويسكن فيها، لأنه هو اشتهى حسنها وجمالها.
إنجيل العشية (مر1: 23-31)

"وَكَانَ فِي مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، فَصَرَخَ قَائِلًا: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَيَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَمَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ! فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «اخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ!» فَصَرَعَهُ الرُّوحُ النَّجِسُ وَصَاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَخَرَجَ مِنْهُ. فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ:«مَا هذَا؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!» فَخَرَجَ خَبَرُهُ لِلْوَقْتِ فِي كُلِّ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْجَلِيلِ. وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا".
هذا الفصل من الإنجيـل يتحدث عن تطهيـر السيد المسيح للشـعب الإسرائيلي من الأمراض ومن الأرواح النجسة، وهذا الشعب مُمثَّل في الرجل الذي به روح نجس، وكذلك عندما نسمع قصة شفاء حماة سمعان من الحمى.
جاء المسيح مخلص العالم ليُطهر الكل، ويشفي كل مـرض وكل ضعف في الشعب.. جاء ليُقيم الطبيعة الساقطة، ويُحيي الطبيعة الفاسدة التي تسلَّط عليها إبليس.
ووضع هذا الفصل من الإنجيل في عشية الأحد الثالث.. هو إعلان بـأن الذي بُشِّرت به السيدة العذراء هو الله الشافـي الأمـراض بكل أنواعها.
هذا الطفل الذي لم يكتمل نمـوه بعد وهو مازال في بطن أمــه، والذي سوف يسجد له يوحنا المعمدان وهو في بطن أمه.. أيضًا هو الله القـادر على كل شيء.. الذي جاء ليُخلص ويُطهر الشعب من كل شيء.
مزمور باكر (مز 85: 7، 8)

"أَرِنَا يَا رَبُّ رَحْمَتَكَ، وَأَعْطِنَا خَلاَصَكَ. إِنِّي أَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ اللهُ الرَّبُّ، لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِشَعْبِهِ وَلأَتْقِيَائِهِ، فَلاَ يَرْجِعُنَّ إِلَى الْحَمَاقَةِ".
فهو يطلب هنا من الرب أن يرينا الخلاص الذي دبره للبشرية.. اشتياقـًا لرؤيتنا للمخلص المسيح الرب.. الخليقة كلها مشتاقـة لخـلاص إلهنـا، فتطلب أن يعطيها الخلاص، ويريها الرحمـة.. لأن إلهنا إله السلام سيعطي كل أتقائيه وشعبه السلام.. كما قالت الملائكة في بشارتها المفرحة بالميـلاد "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو 2: 14). فالله هو المتكلم لشعبه وأتقيائه.
إنجيل باكر (مت 15: 21-31)

"ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى جَانِب بَحْرِ الْجَلِيلِ، وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَعَهُمْ عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَخُرْسٌ وَشُل وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ حَتَّى تَعَجَّبَ الْجُمُوعُ إِذْ رَأَوْا الْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ، وَالشُّلَّ يَصِحُّونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْعُمْيَ يُبْصِرُونَ. وَمَجَّدُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ".
يتكلم هذا الفصل عن المرأة الكنعانية التي ذهبت للسيد المسيح صارخة له وقائلة "ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا". فهذا الفصل يوضح إبراء المخلص لمرضى شعبه.. بدليل ذلك عندما قال لها: لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب. فَقَالَتْ: نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!
ولأن الكلب من الحيوانات النجسة فكان اليهود يعتبرون الكنعانيين نجسين مثل الكلاب لأنهم ليسوا من شعب إسرائيل.. فأراد السيد المسيح أن يُذكرها بفكر اليهود عنهم بما أنه يهودي، وليوبخ اليهود أيضًا على مفاهيمهم الخاطئة والمعاملات السيئة التي كانوا يُعاملون بها الشعوب الأخرى، وليذكرها أيضًا بوضعها بالنسبة لليهود.
لم تُجادل المرأة في هذه المعاملة السيئة التي كانوا يُعَامَلون بها اليهود بل قالت: "وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!" فأوضحت للكل خضوعها واتضاعها وقبولها أنها تُعامل معاملة الكلاب.
مع كل ذلك آمنت أن السيد المسيح هو شافي الأمراض، وهو الذي سيشفي ابنتها المجنونة.. فمدح السيد المسيح إيمانها، وتسليمها الكامل، وخضوعها، وأعطاها سؤالها بعد أن مدحها قائلًا "عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!"، ولم يكتفي بذلك بل قال لها "لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ"
البولس (رو 4: 4-24)

"أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا. كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضًا فِي تَطْوِيبِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرًّا بِدُونِ أَعْمَال: «طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً». أَفَهذَا التَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى الْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْغُرْلَةِ أَيْضًا؟ لأَنَّنَا نَقُولُ: إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الإِيمَانُ بِرًّا. فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ، بَلْ فِي الْغُرْلَةِ! وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْمًا لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَبًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضًا الْبِرُّ. وَأَبًا لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْخِتَانِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي الْغُرْلَةِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِينَ مِنَ النَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تَعَطَّلَ الإِيمَانُ وَبَطَلَ الْوَعْدُ: لأَنَّ النّاموسَ يُنْشِئُ غَضَبًا، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضًا تَعَدٍّ. لِهذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ:«هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا فِي الإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ ­ وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتًا، إِذْ كَانَ ابْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ ­ وَلاَ مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا». وَلكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ، بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا، الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ".
يتحدث البولس عن إيمان إبراهيم بالله واحتساب هذا الإيمان برًا، فيوضح هنا الإيمان بما سيتم في المستقبل.. كمثل إبراهيم الذي آمن بمواعيد الله.
وهذا ما حدث مع السيدة العذراء حينما آمنت بكلام الله المبعوث لها عن طريق الملاك في بشارته لها "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لو 1: 35)فأجابت السيدة العذراء الملاك قائلة "لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ"(لو 1: 38).
وهذا ما حدث مع أبونا إبراهيم إذ يقول "فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ" (رو 4: 13)، "فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ" (رو 4: 18).
ويستكمل مُعلمنا بولس الرسول موضحًا إيمان إبراهيم"وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا" (رو 4: 20-22).
ويقصد هنا بهذا الفصل أن يربط بين إيمان إبراهيم بنسله الذي سوف يأتي منه السيد المسيح، وبين إيمان السيدة العذراء التي منها سيأتي نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك 3: 15).
الكاثوليكون (1يو 2: 7-17)

"أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ. أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَق فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ".
هنا يعطي يوحنا الرسول وصية جديدة للشعب وهي "أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ" (ع 8).
ثم يستكمل كلامه معهم قائلًا "مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ" (ع 9، 10)،بهذه الوصية يوضح لهم الفرق بين النور والظلمة.. لأن نور العالم سوف يأتي ليُبدد الظلمة التي يحيا فيها الشعب، ويبدد الظلام الذي تحيا فيه البشرية.
الأبركسيس (أع 7: 35-50)

"هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ. هذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعًا عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ. هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، مَعَ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ، وَمَعَ آبَائِنَا. الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالًا حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا. الَّذِي لَمْ يَشَأْ آبَاؤُنَا أَنْ يَكُونُوا طَائِعِينَ لَهُ، بَلْ دَفَعُوهُ وَرَجَعُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مِصْرَ قَائِلِينَ لِهَارُونَ: اعْمَلْ لَنَا آلِهَةً تَتَقَدَّمُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ! فَعَمِلُوا عِجْلًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَأَصْعَدُوا ذَبِيحَةً لِلصَّنَمِ، وَفَرِحُوا بِأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ. فَرَجَعَ اللهُ وَأَسْلَمَهُمْ لِيَعْبُدُوا جُنْدَ السَّمَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الأَنْبِيَاءِ: هَلْ قَرَّبْتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَقَرَابِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ بَلْ حَمَلْتُمْ خَيْمَةَ مُولُوكَ، وَنَجْمَ إِلهِكُمْ رَمْفَانَ، التَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لِتَسْجُدُوا لَهَا. فَأَنْقُلُكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ. وَأَمَّا خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ فَكَانَتْ مَعَ آبَائِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا أَمَرَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى أَنْ يَعْمَلَهَا عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي كَانَ قَدْ رَآهُ، الَّتِي أَدْخَلَهَا أَيْضًا آبَاؤُنَا إِذْ تَخَلَّفُوا عَلَيْهَا مَعَ يَشُوعَ فِي مُلْكِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ مِنْ وَجْهِ آبَائِنَا، إِلَى أَيَّامِ دَاوُدَ الَّذِي وَجَدَ نِعْمَةً أَمَامَ اللهِ، وَالْتَمَسَ أَنْ يَجِدَ مَسْكَنًا لإِلهِ يَعْقُوبَ. وَلكِنَّ سُلَيْمَانَ بَنَى لَهُ بَيْتًا. لكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي، كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ: السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي؟ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ أَلَيْسَتْ يَدِي صَنَعَتْ هذِهِ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا؟".
يتكلم سفر الأعمال في هذا الفصل عن موسى والعليقة قائلًا "هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ" (ع 35) فموسى كان يرمز للسيد المسيح، والعليقة هي رمز للسيدة العذراء.
ويقول أيضًا "هذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعًا عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ" (ع 36، 37). فهو هنا يشير إلى مجيء السيد المسيح. وبعدها تكلم عن خيمة الشهادة التي كانت معهم في البرية والتي صنعها موسى كقول الرب.
هذه الخيمة كانت ترمز للسيدة العذراء فقد حَل الله بلاهوته في بطن السيدة العذراء كما كان يحل مجده على الخيمة.
وهو يختم حديثه قائلًا"لكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي" (ع48) فالسيد المسيح استراح في بطن السيدة العذراء وتجسد منها.. لأنه كما نقول في ثيئوطوكية يوم الأربعاء qeotokia"تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهكِ أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ".
مزمور إنجيل القداس (مز 85: 10، 11)

"الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا. الْحَقُّ مِنَ الأَرْضِ يَنْبُتُ، وَالْبِرُّ مِنَ السَّمَاءِ يَطَّلِعُ".
هذا المزمور يوضح تجسد السيد المسيح في كونه بتجسده.. صالح الكل السمائيين مع الأرضيين.. في أن الرحمة والحق التقيا.
عدل الله (الحق) تقابل مع الرحمة في تجسده، وعندما صُلب على الصليب تلاقى الكل.. فالحق هو السيد المسيح "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يو 14: 6)، خرج من الأرض (أخذ جسدًا من السيدة العذراء) والبر الذي هو عدل الله تطلع من السماء.. فهو يُعلن خلاص البشرية بتجسد السيد المسيح.
إنجيل القداس (لو 1: 39-56)

"فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ. فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا".
يتحدث إنجيل قداس اليوم (الأحد الثالث من شهر كيهك) عن زيارة السيدة العذراء لأليصابات نسيبتها بمجرد سماع خبر حبلها بالقديس يوحنا المعمدان.. فعندما بشَّر الملاك جبرائيل الواقف أمام الله والدة الإله بالحبل المقدس وأراد أن يثبت لها صدق ما يقول بقوة الحجة والبرهان لكي تصدقهُ ولا تشك فيما يقول لها.. قال لها "وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (لو 1: 36، 37).
لذلك بعدما انصرف من عندها الملاك ذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا لكي ترى الأمر ماذا يحدث؟ ولتقوم أيضًا بواجب التهنئة ومشاركة أليصابات فرحتها بحبلها بعد أن كانت عاقرًا.
فلما دخلت السيدة العذراء بيت زكريا سلَّمت على أليصابات "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (ع 41).
فلم يكن ابتهاج الطفل يوحنا في بطن أمه من طبيعته أو من نفسه لأن لم يكن في مقدرته أن يفكر في أن يبتهج أم لا.. بل حدث هذا من فعل الروح القدس الذي ملأه وهو في بطن أمه عندما سمع صوت سلام السيدة العذراء لأمه.
فأليصابات نفسها فهمت معنى ارتكض الجنين في بطنها وأن التي أتت إليها ليست قريبتها فقط وإنما هي أصبحت أم ربها لذلك صرخت "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي" (ع 43، 44).
وعندما أحست أليصابات بالروح القدس.. بأن الطفل الذي حبلت به القديسة مريم هو رب الكل، وأن الذي في بطنها هي هو عبده ورسوله كما سبق وقيل في البشارة به.. صرخت قائلة "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟" (ع 43)، وكأنها تسأل كيف تستحق أن تأتي أم ربها إليها، وصرخت بعد ذلك بأن مجرد سماع صوت سَلاَم مريم إليها تحرك الجنين بِابْتِهَاج في بَطْنها.
وختمت أليصابات بالقول "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (ع 45)، فهي بهذه العبارة تعطي الطوبى للسيدة العذراء التي آمنت بكلام الملاك ولم تشُك فيه.. وهي هنا كأنها تؤكد على حقيقة الإيمان وهي "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عب 11: 1).
بعد أن أعطت أليصابات الطوبى لمريم رأت السيدة العذراء أن ترد هذا المديح لمستحقه، وينبوعه، ومصدره وهو الرب "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ" (ع 47) فهي تُسبح وتعظم الرب لأنه أعطاها كرامة لا تستحقها، لأنه رفع مقامها لأن تصبح أم الرب.
ولم تقتصر مريم على إظهار شكرها لربها بشفتيها بل عبرت أيضًا في ابتهاجها بالروح أيضًا إذ قالت "َتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (ع 47)فدعت الله مخلصها فهو الرب الذي يُخلص شعبه من خطاياهم ومن الموت المحكوم عليهم به، وأوضحت بذلك سبب شكرها لله إذ قالت"لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ" (ع 47) فهي تقصد هنا أن الله نظر إلى ذلها ورفعها من مكانها الوضيع لكي تصبح أن للرب (أي جعلها والدة لابنه) وهكذا نسبت كل ما نالته من نِعَم إلى فضيلة الاتضاع.
ثم بعد ذلك تنبأت السيدة العذراء عن تقدير وتكريم جميع الشعوب لها بما استحقت أن تناله من نِعَم فقالت "فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي" (ع 48)، وهذه الطوبى حدثت بالفعل عندما طوبتها المرأة التي سمعت تعاليم السيد المسيح المحيية بعدما أخرج الشيطان من الرجُل الأعمى الأخرس صرخت المرأة قائلة "طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا" (لو 11: 27).
واستكملت السيدة العذراء كلامها في تمجيد الله بتعداد أعمال قوته فقالت أنه "صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ" (ع 51). فالزراع هنا كناية عن القدرة في العمل.. يمين الرب صنعت قوة يمين الرب رفعتني "يَمِينُ الرَّبِّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ الرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ" (مز 118: 16)، وكما قال إشعياء "هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ" (إش 40: 10).
فالرب هو الذي شتت المستكبرين بفكر قلوبهم وأذلهم.. فالله يقاوم المستكبرين ويعطي المتواضعين قوة "اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (1بط 5: 5).
فالإنسان عندما يعتمد على قوته وذراعه البشري ويستكبر ويستبد بالله ويتجاسر على الله كما فعل فرعون مصر ولذلك قالت السيدة العذراء"أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ" (ع 52)، وهذه العبارة هي نفس المعنى الذي جاء في سفر صموئيل "الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ" (1صم 2: 7، 8)، وكذلك ما قاله داود المرنم "الْمُقِيمِ الْمَسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ، الرَّافِعِ الْبَائِسَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِيُجْلِسَهُ مَعَ أَشْرَافٍ، مَعَ أَشْرَافِ شَعْبِهِ" (مز 113: 7، 8).
أخيرًا قالت السيدة العذراء في ختام تسبحتها "عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً" (ع)، أي أنه أعانهُ بكل الطرق في كل زمان وفي أي مكان..فقد دبَّر حياته وهو في البرية أربعين سنة حين أعال شعب إسرائيل بعد خروجه من مصر، والآن أيضًا تعهده بالخلاص عن طريق المُخلص الذي وعدهم به وهو الإله الذي سيتجسد منها.
ثم أقمات السيدة العذراء في بيت أليصابات ثلاثة أشهر الفترة المتبقية لها في حملها لكي تلد يوحنا المعمدان.. وذلك لخجمتها وإكرامًا لها لأنها كانت امرأة عجوز.. ثم عادت بعد ذلك إلى بيتها قبل أن تلد أليصابات حتى لا يخدم سيد الكل يوحنا في مولده.
وعندما نتأمل الخط الروحي الذي يربط القراءات الخاصة بهذه المناسبة نجد أن مزمور العشية يتحدث عن اختيار المخلص للسيدة العذراء أن يحل في أحشائها "لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ" (مز 132: 13).
ثم يحدثنا إنجيل العشية عن تطهير المخلص للشعب من الأرواح النجسة والأمراض ليعد له شعبًا مبررًا.
وفي مزمور باكر يتحدث على لسان المرأة الكنعانية التي سيتحدث عنها الإنجيل قائلًا "أَرِنَا يَا رَبُّ رَحْمَتَكَ، وَأَعْطِنَا خَلاَصَكَ" (مز 85: 7).
فهي التي صرخت له في إنجيل باكر قائلة "وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!" (مت 15: 27)، فاستحقت أن تسمع "يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!" (مت 15: 28)فتحدث الإنجيل عن إبراء المخلص لمرض شعبه.
ثم تحدث البولس عن الإيمان (إيمان إبراهيم) "فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا" (رو 4: 18، 20-22)، وهذا ما حدث بالفعل مع السيدة العذراء "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45).
ويأتي الكاثوليكون ليوضح لنا أن "أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ" (1يو 2: 8) فيوجه نظرنا إلى قرب مجيء نور العالم، وبطلوع النور تنقشع الظلمة وتتبدد.
ثم يحدثنا سفر أعمال الرسل (الإبركسيس) عن موسى وأمر العليقة التي تشير إلى السيدة العذراء وكلامه عن المسيح "هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ" (أع 7 : 35).
وأخيرًا يُحدثنا إنجيل القداس عن زيارة السيدة العذراء لأليصابات، وإعطائها الطوبى "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45)، وتسبحتها المشهورة "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (لو 1: 46، 47).
فليعطنا الرب أن نتمتع بخلاصُه المُقدَّم لنا.
ولإلهنا المجد في كنيسته المقدسة من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:36 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
عُمق قراءات الأحد الرابع من شهر كيهك

ولادة يوحنا المعمدان

مزمور العشية (مز 87: 5)

"وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: هذَا الإِنْسَانُ، وَهذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ الْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا".
ويتحدث هذا المزمور بلسان السيدة العذراء.. المرموز لها بصهيون فهي مدينة الملك العظيم الذي أحبها واشتهى أنيسكن فيها..فهو يشير إلى حبلها بمخلص العالم في أحشائها الطاهرة، وأن إلهها الذي في بطنها هو الذييقول ويتحدث في هذا المزمور "الأم صهيون تقول أن إنسان وإنسان صار فيها وهو العلىالذي أسسها إلى الأبد".
إنجيل العشية (لو 8: 1-3)

"وَعَلَى أَثَرِ ذلِكَ كَانَ يَسِيرُ فِي مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يَكْرِزُ وَيُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمَعَهُ الاثْنَا عَشَرَ. وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ، وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ، وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ".
يتكلم إنجيل العشية عن مَنْ كان يعول السيد المسيح أثناء حياته وهى ضمنيًا يأخذ معهم السيدةالعذراء التي حملته في بطنها أثناء الحبل به.. ثم ولدته وقمطته وأخذت تعوله وتُعلمه الفضيلة..فأخذ ينمو قليلًا قليلًا بشبه البشر ما خلا الخطية وحدها، وأخذ ينمو في القامة والحكمة عند الله والناس..
ومِنْ ضمن مَنْ كان يعوله أثناء كرازته وبشارته بالملكوت.. بعض النساء التي كن قدشفين من بعض الأمراض والأرواح الشريرة.. ومن ضمن هؤلاء النساء مريم المجدلية التيأخرج السيد المسيح منها سبعة شياطين.. وهنا يوضح أن السيد المسيح جاء شافيًا للأمراضمطلقًا للأسرى الذين تسلط عليهم إبليس مُحررًا للأجساد التي سكنها الشيطان.
مزمور باكر (10:96-12)

"قُولُوا بَيْنَ الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ فَلاَ تَتَزَعْزَعُ. يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاسْتِقَامَةِ. لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ. لِيَجْذَلِ الْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ، لِتَتَرَنَّمْ حِينَئِذٍ كُلُّ أَشْجَارِ الْوَعْرِ".
يتحدث المزمور عن فرحة الخليقة كلها بقرب مجيء المخلص.. الكل يستعد لهذا الحدث العظيم الذي تنتظره الخليقة منذ زمن بعيد.. الكل ينتظر زمن الخلاص.. السموات متهللة بفرحة مجيء المخلص والأرض مبتهجة بنزوله إليها.
إنجيل باكر (مر 3: 28-35)

"اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جَمِيعَ الْخَطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي الْبَشَرِ، وَالتَّجَادِيفَ الَّتِي يُجَدِّفُونَهَا. وَلكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً. لأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مَعَهُ رُوحًا نَجِسًا. فَجَاءَتْ حِينَئِذٍ إِخْوَتُهُ وَأُمُّهُ وَوَقَفُوا خَارِجًا وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ. وَكَانَ الْجَمْعُ جَالِسًا حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجًا يَطْلُبُونَكَ. فَأَجَابَهُمْ قِائِلًا: مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟ ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى الْجَالِسِينَ وَقَالَ: هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي".

يتحدث إنجيل باكر عن مغفرة السيد المسيح لخطايا البشر حتى مَنْ يُجدف عليه نفسه، ولكن مَنْ يجدف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد بل هو مستوجب دينونة أبدية "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جَمِيعَ الْخَطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي الْبَشَرِ، وَالتَّجَادِيفَ الَّتِي يُجَدِّفُونَهَا. وَلكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً" (ع 28، 29).
وهنا أوضح لهم السيد المسيح مبدأين مهمين في إيمان المسيحية عامة هما:
*أنه لا توجد خطية في العالم غير قابلة للغفران متى تاب عنها الشخص واعترف بها أو متى أعقبت الخطية توبة صادقة من القلب وذلك في رجائنا الثابت بالسيد المسيح.
*أن الخطايا التي لا تُغفر هي الخطايا التي تعاند الروح القدس..وقررها آباء الكنيسة وحصروها في ثلاثة وهي ليأس - الإصرار على الخطايا حتى الموت - التجديف على الروح القدس).
فالشخص الذي يُجدف على الروح القدس يفقد رجاؤه في السيد المسيح في الحياة الأبدية والدهر الآتي.. والذي لا ينتبه لتنبيهات الروح القدس وتوبيخاته ويزدري بفعل الروح القدس في تغيير القلوب ويستمر في شروره وأفعاله الرديئة حتى لحظة الموت.
وأيضًا الشخص الذي يُجدف على روح الله القدوس فهذا لا تغفر له خطيئته.. والتجديف على الروح القدس أننا ننسب المعجزات التي يصنعها السيد المسيح بقوة روحه القدوس إلى الشيطان، وذلك كما فعل الفريسييون "إِنَّهُ بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ" (ع 22).
والسبب في عدم مغفرة خطية التجديف على الروح القدس هو أن الذي يأتي بالخاطئ إلى التوبة هو الروح القدس.. فمَنْ أغاظ الروح القدس عمدًا بمقاومته فارقه ومات المسكين في خطيته.
البولس (رو 9: 6-33)

"وَلكِنْ لَيْسَ هكَذَا حَتَّى إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ قَدْ سَقَطَتْ. لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا. لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هذِهِ: «أَنَا آتِي نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ». وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، قِيلَ لَهَا: «إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ». كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ» فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْمًا؟ حَاشَا! لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى: «إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ». فَإِذًا لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى، بَلْ ِللهِ الَّذِي يَرْحَمُ. لأَنَّهُ يَقُولُ الْكِتَابُ لِفِرْعَوْنَ: «إِنِّي لِهذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ، لِكَيْ أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِي، وَلِكَيْ يُنَادَى بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ». فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ. فَسَتَقُولُ لِي:«لِمَاذَا يَلُومُ بَعْدُ؟ لأَنْ مَنْ يُقَاوِمُ مَشِيئَتَهُ؟» بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟» أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ، أَنْ يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ؟ فَمَاذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ. وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ، الَّتِي أَيْضًا دَعَانَا نَحْنُ إِيَّاهَا، لَيْسَ مِنَ الْيَهُودِ فَقَطْ بَلْ مِنَ الأُمَمِ أَيْضًا. كَمَا يَقُولُ فِي هُوشَعَ أَيْضًا:«سَأَدْعُو الَّذِي لَيْسَ شَعْبِي شَعْبِي، وَالَّتِي لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً مَحْبُوبَةً. وَيَكُونُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ: لَسْتُمْ شَعْبِي، أَنَّهُ هُنَاكَ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ الْحَيِّ». وَإِشَعْيَاءُ يَصْرُخُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ: «وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ، فَالْبَقِيَّةُ سَتَخْلُصُ. لأَنَّهُ مُتَمِّمُ أَمْرٍ وَقَاضٍ بِالْبِرِّ. لأَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ أَمْرًا مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَمَا سَبَقَ إِشَعْيَاءُ فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا نَسْلًا، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ». فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ، الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ. وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ، لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ، بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ، وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى".
يتكلم مُعلمنا بولس الرسول هنا في هذا الفصل عن نسل إبراهيم، وأنه ليس جميع الذين مِنْ نسل إبراهيم هم أولادًا.. بل أولاد الموعد فقط هم النسل، وهو إسحق.. وهنا يرمز بولادة اسحق أنه ابن الموعد "لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هذِهِ: أَنَا آتِي نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ"(ع 9).
ويستكمل معلمنا بولس كلامه موضحًا أن اسحق ابن الموعد وهو ابن الحرة الذي يرث "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. قِيلَ لَهَا: إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ"(ع 10، 12).
ثم يقول أن هذه مسرة الله إذ هو يرحم مَنْ يشاء ويقسى مَنْ يشاء.. ويوضح ذلك فيقول "فَمَاذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ. وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ، الَّتِي أَيْضًا دَعَانَا نَحْنُ إِيَّاهَا، لَيْسَ مِنَ الْيَهُودِ فَقَطْ بَلْ مِنَ الأُمَمِ أَيْضًا" (ع22 -24).
ثم يختم بعد ذلك كلامه بقوله "فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ، الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ. وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ، لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ، بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ"(ع 30، 31، 32).
الكاثوليكون (1يو 2: 24-29 ، 3: 1-3)

"أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ. وَهذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هذَا عَنِ الَّذِينَ يُضِلُّونَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَق وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ. وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ بَارٌّ هُوَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ الْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ" (1يو 2: 24-29).
"اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ. أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ. وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ. كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي" (1يو 3: 1- 3).
يتحدث هنا يوحنا الحبيب عن الوعد الذي وعدنا هو به وهو الحياة الأبدية فيثبت المؤمنين على هذا الوعد.. الحياة الأبدية، ويقول لهم "وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ" (ع28).
فهو يُهيئ ذهننا إلى مجيء المخلص له المجد الذي سيولد بعد قليل.. فأغلب القراءات اليوم تهيئ الأذهان إلى قرب مجيء الموعد والموعود به،مجيء المخلص ثم يستكمل معلمنا يوحنا قائلًا "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ" (ع 2).
فهو يتحدث هنا عن ظهور المخلص في جسد بشري كما نحن، ومتى يظهر.. سوف نراه بالجسد فهو يهيئ هنا الأذهان لولادة الإله المتجسد (سنراه كما هو) فنحن نكون مثله.
الإبركسيس (أع 7: 8-22)

"وَأَعْطَاهُ عَهْدَ الْخِتَانِ، وَهكَذَا وَلَدَ إِسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ. وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ رُؤَسَاءَ الآبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ، وَأَنْقَذَهُ مِنْ جَمِيعِ ضِيقَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ نِعْمَةً وَحِكْمَةً أَمَامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَقَامَهُ مُدَبِّرًا عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِهِ. «ثُمَّ أَتَى جُوعٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ وَكَنْعَانَ، وَضِيقٌ عَظِيمٌ، فَكَانَ آبَاؤُنَا لاَ يَجِدُونَ قُوتًا. وَلَمَّا سَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّ فِي مِصْرَ قَمْحًا، أَرْسَلَ آبَاءَنَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ اسْتَعْرَفَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ، وَاسْتَعْلَنَتْ عَشِيرَةُ يُوسُفَ لِفِرْعَوْنَ. فَأَرْسَلَ يُوسُفُ وَاسْتَدْعَى أَبَاهُ يَعْقُوبَ وَجَمِيعَ عَشِيرَتِهِ، خَمْسَةً وَسَبْعِينَ نَفْسًا. فَنَزَلَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ وَمَاتَ هُوَ وَآبَاؤُنَا، وَنُقِلُوا إِلَى شَكِيمَ وَوُضِعُوا فِي الْقَبْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ بِثَمَنٍ فِضَّةٍ مِنْ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ. وَكَمَا كَانَ يَقْرُبُ وَقْتُ الْمَوْعِدِ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ عَلَيْهِ لإِبْرَاهِيمَ، كَانَ يَنْمُو الشَّعْبُ وَيَكْثُرُ فِي مِصْرَ، إِلَى أَنْ قَامَ مَلِكٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. فَاحْتَالَ هذَا عَلَى جِنْسِنَا وَأَسَاءَ إِلَى آبَائِنَا، حَتَّى جَعَلُوا أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ لِكَيْ لاَ يَعِيشُوا. «وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى وَكَانَ جَمِيلًا جِدًّا، فَرُبِّيَ هذَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي بَيْتِ أَبِيهِ. وَلَمَّا نُبِذَ، اتَّخَذَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا ابْنًا. فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ".
في هذا الفصل يتحدث إلينا استفانوس عن ولادة إسحق وختانه "وَأَعْطَاهُ عَهْدَ الْخِتَانِ، وَهكَذَا وَلَدَ إِسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ" (ع 8).
ثم يسترسل في حديثه عن حسد أخوة يوسف له بعد ولادته، وبيعهم له وذهابه إلى مصر (أرض العبودية) ولكن الله كان معه "وَأَنْقَذَهُ مِنْ جَمِيعِ ضِيقَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ نِعْمَةً وَحِكْمَةً أَمَامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَقَامَهُ مُدَبِّرًا عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِهِ" (ع 10)، وهنا بذكره نزول يوسف إلى أرض مصر أرض العبودية.. تشبيهًا لنزول السيد المسيح الإله المتجسد إلى أرض الشقاء.
ثم يستكمل حديثه بذكره المجاعة التي جاءت على أرض مصر وكنعان والضيق العظيم الذي أتى على آباءنا حتى أنهم لم يجدوا قوتًا لهم ولمواشيهم.
فعندما سمع يعقوب أن في مصر قمح أرسل أولاده العشرة في أول مرة ثم تعرف عليهم يوسف في المرة الثانية، وسأل عن حال أبيه.. ثم بعث بعد ذلك يوسف إلى أبيه يعقوب وجميع عشيرته وكانوا نحو خمسة وسبعون نفسًا.
ثم نزل يعقوب وعشيرته إلى مصر أرض العبودية ويقول لهم "وَكَمَا كَانَ يَقْرُبُ وَقْتُ الْمَوْعِدِ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ عَلَيْهِ لإِبْرَاهِيمَ، كَانَ يَنْمُو الشَّعْبُ وَيَكْثُرُ فِي مِصْرَ، إِلَى أَنْ قَامَ مَلِكٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. فَاحْتَالَ هذَا عَلَى جِنْسِنَا وَأَسَاءَ إِلَى آبَائِنَا، حَتَّى جَعَلُوا أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ لِكَيْ لاَ يَعِيشُوا. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى وَكَانَ جَمِيلًا جِدًّا، فَرُبِّيَ هذَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي بَيْتِ أَبِيهِ" (ع 17-20).
فلمَنْ يرمز موسى إلا لمَنْ هو "أَبْرَعُ جَمَالًا مِنْ بَنِي الْبَشَرِ" (مز 45: 2).. فبولادة موسى بدأت قصة خلاص شعب من عبودية فرعون.. وبولادة السيد المسيح بدأت قصة خلاص البشرية كلها من قبضة الشيطان..
ثم يوضح لهم اسطفانوس قصة خلاص موسىلشعب إسرائيل، ويقول لهم "فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ" (ع 22)، وكان السيد المسيح "يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ" (لو 2: 52).
مزمور القداس (مز80: 1 -3)

يقول مزمور القداس "يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ، اصْغَ، يَا قَائِدَ يُوسُفَ كَالضَّأْنِ، يَا جَالِسًا عَلَى الْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ. قُدَّامَ أَفْرَايِمَ وَبِنْيَامِينَ وَمَنَسَّى أَيْقِظْ جَبَرُوتَكَ، وَهَلُمَّ لِخَلاَصِنَا. يَا اَللهُ أَرْجِعْنَا، وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ".
وهنا يوضح لنا مُناجاة البشرية كلها لراعيها وقائد حياتها.. فنحن هنا نقول لراعينا الحنون.. أشرق قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.. فنحن نتوق لخلاص السيد المسيح لنا.. نحن الخطاة نقول له يا الله أرجعنا وأنر بوجهك فنخلص.. فالخلاص آتي عن طريق مخلصنا الصالح.
إنجيل القداس (لو1: 57-80)

"وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ابْنًا. وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِاسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا. فَأَجَابَتْ أمُّهُ وَقَالَتْ: «لاَ! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا». فَقَالُوا لَهَا:«لَيْسَ أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهذَا الاسْمِ». ثُمَّ أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ، مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُسَمَّى. فَطَلَبَ لَوْحًا وَكَتَبَ قِائِلًا: «اسْمُهُ يُوحَنَّا». فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ. وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ اللهَ. فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى كُلِّ جِيرَانِهِمْ. وَتُحُدِّثَ بِهذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا فِي كُلِّ جِبَالِ الْيَهُودِيَّةِ، فَأَوْدَعَهَا جَمِيعُ السَّامِعِينَ فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: «أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟» وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُ. وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ. كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِين الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ، خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ، الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نَعْبُدُهُ بِقَدَاسَةٍ وَبِرّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا. وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ، بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ». أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، وَكَانَ فِي الْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ".
هذا الفصل من الإنجيل يتحدث عن ميلاد يوحنا المعمدان الملاك الذي يهيئ الطريق أمام السيد المسيح.. والكنيسة لم تقصد بهذا الفصل أن تحتفل بميلاد يوحنا المعمدان لأنها خصصت له يوم ثلاثين بؤونة.. ولكن المقصود هنا هو الإشارة إلى تلك النبوة التي تكلَّم بها الوحي على لسان زكريا الكاهن والخاصة بظهور مخلصنا الصالح..
وهذا الجزء من الإنجيل يتكلم عن حدثين هما:ميلاد يوحنا السابق لمخلصنا - التنبؤ بقرب ظهور مخلصنا في الجسد.
أول نقطة يتكلم عنها الإنجيل هي ولادة أليصابات ليوحنا السابق.. فلما تمت شهورها التسعة ولدت ابنها الموعود به، وسرعان ما انتشر الخبر بين جيرانها وأقاربها بأن (الرب عظم رحمته لها), وذلك لأن الرب وهب العاقر ولدًا ففرح الكل لفرحتها بهذا الحدث.. وقد تمت بذلك النبوة التي قالها جبرائيل الملاك لزكريا حين بشرهُ بمولد ابنه وبحبل إمرأته أليصابات "وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ" (لو 1: 14).
وفي اليوم الثامن اختتنوا الصبي كما أمر الله إبراهيم قائلًا: "هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ، وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي" (تك 17: 10-14)، وكان الختان رمزًا للمعمودية وعلامة للتطهير، وحينما ولد الطفل أطلقوا عليه اسم أبيه زكريا في بادئ الأمر لإحياء اسم الوالد لأن هذا المولود كان الوحيد له وقد ولد له بعد كبر سنه.. ولكن الأم الحكيمة اعترضت متذكره كلام الملاك.. بل يُسمىَ (يوحنا).
ولا شك في أن الروح القدس الذي أعلمها بحبل السيدة العذراء بربها.. هو الذي أعلمها باسم المولود (يوحنا) وذلك لأن زكريا كان منعقد اللسان في هذا الوقت.. فلما اعترض الحاضرون قائلين لم يُسمى أحد في عشيرتك بهذا الاسم من قبل.. تحولوا إلى زكريا لكي يسألوه عن اسم المولود وذلك بالإشارة فطلب منهم لوحًا وكتب (اسمه يوحنا) كما سماه الملاك وكتب عبارة (اسمه يوحنا) ولم يكتب (يوحنا) لكي يوضح لهم أن التسمية هي من الله وليست من عنده لكي لا يعترضوا عليه هو أيضًا.
فكما كان اسم يوحنا غريبًا على الكل وعلى العشيرة.. كان يوحنا غريبًا في حياته وفي رسالته.. جاء يُنادي بكل ما هو غريب بالنسبة لهم كقوله"مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ" (لو 3: 11)،ومناداته بالتوبة لليهود والمعمودية لمغفرة الخطايا "فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (لو 3: 3).
كان من الطبيعي بعد أن رأى الناس العجائب التي حصلت بسبب ميلاد يوحنا.. الاسم الغريب، وانطلاق لسان زكريا أن يتساءلوا قائلين: "أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟" (لو 1: 66) أي إذا كان ذلك حدث في مولده فماذا سيحدث بعد في حياته كلها.. وهذا ما حدث إذ كانت يد الرب مع الصبي فمنحه بركة لجسمه وعقله وروحه ليتقوى بها ويستطيع أن يعيش في البرية لابسًا الشعر محتملًا الحر والبرد مهيئًا نفسه بأن يقوم بعمله الكرازي مُمهدًا ومُعدًا للطريق أمام حمل الله.
وامتلأت أليصابات وزكريا زوجها من الروح القدس وتنبأ زكريا بعد استنارته وفك عقد لسانه مُمجدًا الله قائلًا "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ" (ع 68)، وكان قاصدًا بالفداء هو ما صنعه المخلص من تحرير اليهود والبشرية كلها من الخطية وسلطان الشيطان عليها.
ثم قال زكريا "وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ" (ع 69)، والخلاص هذا هو ما وعد به الله إبراهيم أن يباركه ويكثر نسله مثل نجوم السماء حيث قيل"بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تك 22: 16- 18)، وقد تم هذا الكلام كله بظهور السيد المسيح من نسله.
وحينما ينقذنا المسيح من أعدائنا وهم الخطية والشيطان نعبده باطمئنان وبطهارة كاملة وبر كل أيام حياتنا.
ثم بعد ذلك التفت زكريا للطفل وتنبأ عنه قائلًا "وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى" (ع 76)، وكان يقصد بأنه نبي السيد المسيح الذي يسبقه ليُعد له الطريق.. كما قال إشعياء النبي"صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لإِلَهِنَا" (إش 40: 3).
وقال أيضًا ملاخي "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (ملا 3: 1)، وقال أيضًا "هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ، فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ" (ملا 4: 5، 6).
وأخيرًا يختم لوقا البشير كلامه قائلًا "أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، وَكَانَ فِي الْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ" (ع 80).
فبعدما تكلم لوقا البشير عن كل الحوادث التي اقترنت بميلاد يوحنا أخذ يُشير مجملًا إلى نشأته.. فقال أنه مع نموه الجسدي كان ينمو أيضًا ويتقوى بالروح.
وعندما ننظر إلى الخط الروحي في قراءات الأحد الرابع لشهر كيهك نجد..أن مزمور العشية يتحدث عن صهيون التي ترمز إلى السيدة العذراء التي فرحت بسكنى الله فيها وحلوله في بطنها.. ويأتي إنجيل العشية ويُحدثنا عن إعالة السيدة العذراء أثناء حملها له، وحياته على الأرض.. كما كانت مريم المجدلية وأخرى تعوله من أموالهن.. ثم مزمور باكر يتكلم عن فرحة السموات وبهجة الأرض بمجيء المخلص.. وبعده إنجيل باكر يتكلم عن مغفرة السيد المسيح الذي فرحت الأرض به لكل الناس كل خطاياهم ما عدا رفضهم لعمل الروح القدس، فالشخص الذي يفقد رجاؤه هو الذي يجدف على الروح القدس.. فرجائنا الحي هو بالسيد المسيح.
ثم البولس يتحدث عن إبراهيم ونسله والوعد بمجيء الابن (ابن الوعد) وهو الذي يرمز للسيد المسيح (الابن الوحيد الذي في حضن الآب).
وينتقل بنا الكاثوليكون إلى إعلان ظهور الابن "حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ" (1يو 2: 28)، فإننا نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو.
ويتحدث الإبركسيس ويؤكد فكرة ميلاد اسحق، وعهد الختان الذي أعطاه لإسحق، ويربط لنا حسد أخوة يوسف وبيعهم له.. كما حدث مع السيد المسيح وحسد اليهود له وبيعهم له.. أيضًا بتسليم يهوذا له بثلاثين من الفضة.. ثم يأتي صراخ مزمور الإنجيل قائلًا "يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ، اصْغَ، يَا قَائِدَ يُوسُفَ كَالضَّأْنِ" (مز 80: 1)، رابطًا بالإبركسيس الذي كان يتكلم عن يوسف وبيع أخوته له، لكن الله كان قائد حياته وحفظه لكي يكون مصدر حياة لكل العالم..
ويأتي إنجيل القداس ليختم هذه السلسلة.. ليقول لنا قصة ميلاد السابق للمخلص، وكل ما يتعلق بظروف مولده، ونطق زكريا أبوه بالنبوة له..
فليعطنا الرب أن نستقبل مخلصنا الصالح، ونعد له الطريق في حياتنا..
كما أعد يوحنا المعمدان الطريق أمامه.
ولإلهنا المجد في كنيسته المقدسة من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:40 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
يليق بنا أن نكمل كل بر



الراهب القس بطرس البراموسي
يليق بنا أن نكمل كل بر



فهرس

أسباب معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان

(1) يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر

كيف نتمم كل بر.. وهو البار الوحيد.. ونحن الخطاة؟!

تحتفل كنيستنا القبطية الأرثوذكسية يوم 11 طوبة من كل عام بعيد "الثيؤفانيا".. أي عيد الظهور الإلهي.. وقد سمي بهذا الاسم لأن فيه تم إعلان الثالوث القدوس لأول مرة إعلانًا واضحًا كما سنذكر فيما بعد.

وفي فصل الإنجيل الذي نسمعه يوضح لنا مجيء السيد المسيح ليوحنا المعمدان كي يعتمد منه.. ومن المعروف عن معمودية يوحنا أنها معمودية للتوبة.. فكل مَنْ جاء إلى معمودية يوحنا كان يجيء إليها لكي يقدم توبة عن ما فعله.
والسؤال الذي يحضر إلى ذهني هنا الآن هو..

* ما دامت معمودية يوحنا للتوبة فقط.. فلماذا أتى إليها السيد المسيح وهو القدوس الذي بلا شر ولا خطية؟

* هل كان مُحتاج أن يُقدِّم توبة أمام يوحنا المعمدان؟ وما هو احتياج السيد المسيح للمعمودية؟

هناك سبعة أسباب واضحة لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان:

(1) يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر

هذه المقولة قالها السيد المسيح بنفسه، عندما أتى ليعتمد من يوحنا المعمدان، فمنعه يوحنا قائلًا: "أنا مُحتاجٌ أنْ أعتَمِدَ مِنكَ، وأنتَ تأتي إلَيَّ!". فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُ: "اسمَحِ الآنَ، لأنَّهُ هكذا يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر". حينَئذٍ سمَحَ لهُ" (مت3: 14-15).

وهنا نقف أمام كلمة (كُلَّ بر).. فالكتاب المقدس يقول: "ليس بارٌّ ولا واحِدٌ.... الجميعُ زاغوا وفَسَدوا مَعًا. ليس مَنْ يَعمَلُ صَلاحًا ليس ولا واحِدٌ" (رو3: 10-12).

فما هو هذا البر المطلوب منَّا،

والذي تكلم عنه السيد المسيح؟


هذا البر هو جميع الأعمال الصالحة التي يفعلها الإنسان في فترة حياته على الأرض..

* كل عمل خير يفعله الإنسان.. فهو يعتبر عبادتنا كلها.. من صلاة وصوم وممارسات روحية.... وغيرها.

* هو كل شيء نفعله في خدمة الآخرين بحب وتفاني.

* محبة الإنسان للكنيسة، والحضور إليها باستمرار مبكرون وفرحون بالتلاقي مع الرب.. "يا اللهُ، إلهي أنتَ. إلَيكَ أُبَكّرُ" (مز63: 1).


* اشتراك الإنسان في الصلوات.. هي "بر".

* اشتراكك في المناسبات الكنسية والاحتفال بها، والتمتع بمعانيها الروحية.. هي "بر".

* التزام الإنسان بحضور القداسات، والتناول من الأسرار المقدسة.. هي "بر".

* الالتزام بقراءة الكتاب المقدس، ودراسة كلمة الله، والجلوس في حضرته الإلهية لسماع صوته.. هو "بر".

والسيد المسيح وضع نفسه مثالًا ونموذجًا حيًا في ذلك كله.. لأنه إذا كان كل البشر مطلوب منهم أن يتمموا كل بر.. فهو بالأولى كان يجب أن يتمم كل بر!!

1. نجده يذهب في صغره إلى المَجمَع، لكي يتعلم ويناقش الكتبة والفريسيين عن الأمور المختصة بملكوت السموات.

2. اشتغل مع (يوسف النجار) حسب الشريعة اليهودية، لكي يأكل ويتعب مثل باقي البشر، ولم يتكل على أحدًا ليعوله.. لكي نعتمد نحن أيضًا على أنفسنا، وبعرق وجهنا نأكل خبزًا، كما قال الله سابقًا لأبينا آدم.. "بعَرَقِ وجهِكَ تأكُلُ خُبزًا حتَّى تعودَ إلَى الأرضِ التي أُخِذتَ مِنها. لأنَّكَ تُرابٌ، وإلَى تُرابٍ تعودُ" (تك3: 19).

3. ذهب للهيكل للصلاة لكي نتعلم منه أن نذهب إلى الكنيسة للصلاة، ولا نهمل ذلك، ونقول سوف نصلى في بيوتنا ولا نُتعب أنفسنا ونذهب للكنيسة.

4. صام أربعين يومًا على الجبل حتى جاع أخيرًا.. هذه الفترة الطويلة التي لا يستطيع أحد أن يصومها، بالتأكيد كانت فترة ألم للجسد لعدم إعطاءه الاحتياجات الطبيعية من الأكل والشرب.

فجرب الجوع والعطش مثلنا،

لكي نسير وراء خطواته ونفعل كما فعل هو.

فعندما نجوع في الصوم وتخور قوانا، فلا نقول: "ما لنا وهذا العذاب وهذه الممارسات"، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. "سوف نأكل ونشرب ولا نصوم".

فالسيد المسيح بنفسه،

وهو غير محتاج إلى الصوم صام عنَّا أربعين يومًا..

"فبَعدَ ما صامَ أربَعينَ نهارًا وأربَعينَ ليلَةً، جاعَ أخيرًا"

(مت4: 2).

5. صلى في بستان جثماني وهو غير محتاج للصلاة.. فهو يصلي لأبيه، وهو وأبيه واحد في الجوهر.. لقد صلى لكي يعلمنا الصلاة، وقال لنا: "مَتَى صَلَّيتُمْ فقولوا: أبانا الذي في السماواتِ..." (لو11: 2).

لقد مارس السيد المسيح كل الممارسات الروحية والجسدية مثلنا..

لكي نقتضي آثاره.

"شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها"

(صلاة الصلح – القداس الغريغوري)

فحينما يجيء الشيطان ويهتف في أذنك ويقول لك:

"لماذا تصلي؟"، "لماذا تذهب للكنيسة؟"، "صلى وأنت في المنزل".. "أنت صليت أمس".. "كفاية كده".. "أنت صليت صلاة باكر".. "كفاية لا تصلي صلاة النوم".. "ما هو ربنا عارف قلب كل واحد".. "كفاية صوم".. "كفاية ميطانيات".. "كفاية تناول".. "أنت لك زمان تمارس كل هذه الممارسات الروحية".. "يكفي عليك هذا الجهاد".. "اقضي باقي وقتك متمتعًا به".. "كفاك تعبًا"!!

تصرخ بسرعة في وجهة قائلًا:

"ينبغي لنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر".

* وما دام السيد المسيح رئيس خلاصنا (أكمل كل بر).. فـ "يَنبَغي أنَّهُ كما سلكَ ذاكَ هكذا يَسلُكُ هو أيضًا" (1يو2: 6).

* وكما أكمل السيد المسيح (كل بر).. "هكذا يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر" (مت3: 15).

وللحديث بقية..

لإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.


Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:43 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
لكي نعرف السيد المسيح | لكي نعرف الثالوث
نستكمل الحديث في أن هناك سبعة أسباب واضحة لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان، وتحدثنا عن السبب الأول وهو أنه:
(1) يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر

والسبب الثاني هو:
(2) لكي نعرف السيد المسيح

هذه العبارة قالها يوحنا المعمدان بنفسه في (يو1: 33-34) "وأنا لم أكُنْ أعرِفُهُ، لكن الذي أرسَلَني لأُعَمدَ بالماءِ، ذاكَ قالَ لي: الذي ترَى الرّوحَ نازِلًا ومُستَقِرًّا علَيهِ، فهذا هو الذي يُعَمدُ بالرّوحِ القُدُسِ. وأنا قد رأيتُ وشَهِدتُ أنَّ هذا هو ابنُ اللهِ".
*قبل معمودية السيد المسيح.. كان له المجد في نظر الناس شابًا عاديًا لا يتميز بأي شيء عن غيره.. هذا الشاب يعمل نجارًا (حسب شريعة اليهود)، وكان يمارس حياته شخصًا عاديًا جدًا.. يعمل ليأكل.
*لكن منذ لحظة المعمودية.. عرفوه الناس عن طريق يوحنا المعمدان أنه هو "ابن الله".. وذلك حينما سمعوا صوت الآب من السماء يقول: "أنتَ ابني الحَبيبُ، بكَ سُرِرتُ" (لو3: 22)، ورأوا الروح القدس مستقرًا عليه مثل حمامة.
بذلك آمن يوحنا وكل الحاضرين أن هذا الإنسان هو ابن الله واعترفوا جميعًا بذلك.
*فمن أهم مفاعيل عيد الغطاس (عيد الظهور الإلهي) في حياتنا أنه يثبت فينا عقيدة مهمة جدًا في حياتنا المسيحية، وهي أن السيد المسيح هو "ابن الله الظاهر في الجسد".
*هذا الإيمان الثابت على الصخرة لا يستطيع أحد أن ينزعه من قلوبنا، مهما قدَّم لنا الآخرين تشكيكات في إيماننا المستقيم.. فنحن أبناء الشهداء الذين سفكوا دمائهم من أجل حفاظهم على الإيمان المستقيم المسلّم لنا من القديسين.."أنْ تجتَهِدوا لأجلِ الإيمانِ المُسَلَّمِ مَرَّةً للقِدّيسينَ" (يه1: 3).
*فنحن نؤمن أن السيد المسيح هو "الله الظاهر في الجسد".. لأنه هو الذي يعلمنا ذلك بنفسه..
ومُعلمنا بولس الرسول ذكر لنا: "ليس أحَدٌ يَقدِرُ أنْ يقولَ: "يَسوعُ رَبٌّ" إلاَّ بالرّوحِ القُدُسِ" (1كو12: 3). وهذا الروح القدس الذي يسكن فينا يوم المعمودية.. كما حل على السيد المسيح يوم عماده في شكل حمامة، واستقر عليه وهو لم يكن محتاجًا لهذا الحلول والاستقرار، لأنه هو وأبيه وروحه القدوس موجودين منذ الأزل ومتحدين اتحادًا كاملًا.. هكذا يحل علينا الروح القدس يوم معموديتنا ويستقر فينا فنصير هياكل للروح القدس.
*نحن الآن نواجه تشكيكات كثيرة من ناحية لاهوت السيد المسيح، وهجومًا مستمرًا على ألوهيته.. فالبعض يريد أن يثبت أن السيد المسيح هو إنسان عادي بدليل أنه كان يجوع ويعطش ويتعب وينام ويتألم ويصرخ من الألم إلى أبيه.. "إيلِي، إيلِي، لَما شَبَقتَني؟" أيْ: إلهِي، إلهِي، لِمَاذا ترَكتَني؟" (مت27: 46) ويحزن ويكتئب....
ويُقال: "إذا كان هو الله".. فهل الله:
*يحتاج أن يأكل؟ "في التجربة على الجبل (جاع أخيرًا)".
*يحتاج أن ينام؟ "نام في مؤخرة السفينة".
*يحتاج أن يصوم؟ "صام أربعين يومًا".
*يحتاج أن يستريح؟ "تعب وجلس عند البئر (في قصة المرأة السامرية)".

*يحتاج أن يشرب؟ "على الصليب عندما صرخ: (أنا عطشان)".
*يحتاج أن يرفع أبيه عنه الألم؟ "على الصليب صرخ: (إلهي إلهي لماذا تركتني)".
وغير ذلك من المواقف التي تثبت الاحتياج البشري أو إنسانية السيد المسيح..
هذه الأقوال يرد علينا فيها القديس كيرلس الكبير بقوله: "إننا يجب أن نعرف ونؤمن إيمانًا كاملًا أن السيد المسيح كان إلهًا كاملًا وإنسانًا كاملًا".
إلهًا كاملًا يحمل كل صفات الله:

الخلق

1.معجزة عرس قانا الجليل وتحويل الماء إلى خمر (يو2: 1-11).
2.معجزتي إشباع الجموع: الخمس خبزات والسمكتين للخمسة آلاف نفس (مر6: 30-44)،والسبع خبزات وقليل من صغار السمك للأربعة آلاف ما عدا النساء والأولاد (مر8: 5-9).
3.معجزة خلق عينين للمولود أعمى (يو9: 1-34).
إقامة الموتى

1.إقامة ابنة يايرس من على فراش الموت (مر5: 35-43).
2.إقامة ابن أرملة نايين وهم في طريقهم لدفنه (لو7: 11-17).
3.إقامة لعازر من القبر بعد دفنه بأربعة أيام (يو11: 1-44).
شفاء الأمراض المستعصية

1.شفاء نازفة الدم لمدة اثنتي عشر سنة (مر5: 25-34).
2.شفاء الأعمى (مر8: 22-26).
3.شفاء المفلوج (مر2: 3-12).
4.شفاء طريح بركة بيت حسدا (يو5: 1: 47).
5.شفاء حماة سمعان (مر1: 29-30).
6.شفاء صاحب اليد اليابسة (مر3: 1-6).
7.شفاء كل مَنْ فيه داء (مر3: 10).
8.شفاء الأبرص (مر1: 40-45).
9.شفاء الأصم الأعقد (مر7: 32-35).
إخراج الشياطين

1.إخراج شياطين كثيرة (مر1: 34)، (مر1: 39).
2.رجل به روح نجس في المَجمَع (مر1: 23-26).
3.سجود الأرواح النجسة له (مر5: 23-24)، (مر5: 6-7).
4.الإنسان الساكن في القبور (مر5: 2-13).
غفران الخطايا

هذه هي أهم صفة يوصف بها الله وحده..
فالله وحده الذي له حق مغفرة الخطايا.
1.المرأة التي أمسكت في ذات الفعل (يو8: 4).
2.المرأة السامرية (يو4: 7-15).
3.المفلوج (مر2: 5).
4.مغفرة خطايا صالبيه (لو23: 34).
فإذا أمكن لأي أحد من البشر أن يشفي المرضى ويقيم الموتى ويخرج الشياطين ويحول مادة إلى أخرى أو يكثر من الأطعمة... فهل أحدًا من البشر جميعًا يقدر أن يغفر خطية واحد لأي شخص؟!
إذًا فالسيد المسيح هو إلهًا كاملًا يتصف بكل صفات الله..
وإنسانًا كاملًا يتصف بكل صفات الإنسان.
السبب الثالث الواضح لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان:
(3) لكي نعرف الثالوث

*يوم معمودية السيد المسيح هو أول يوم يظهر فيه الثالوث بشكل واضح أمام الكل.. فالثالوث كائنًا منذ الأزل من قبل إنشاء العالم.. فمن بداية سفر التكوين أول أسفار الكتاب المقدس الذي حكى لنا قصة خلق الخليقة كلها.. "في البَدءِ خَلَقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ. وكانَتِ الأرضُ خَرِبَةً وخاليَةً، وعلَى وجهِ الغَمرِ ظُلمَةٌ، وروحُ اللهِ يَرِفُّ علَى وجهِ المياهِ" (تك1: 1-2).. سمعنا الله يتكلم بلغة الجمع قائلًا:
*"وقالَ اللهُ: "نَعمَلُ الإنسانَ علَى صورَتِنا كشَبَهِنا" (تك1: 26).. لاحظ هنا لغة الجمع: "نعمل" ، "صورتنا" ، "كشبهنا".
*"وقالَ الرَّبُّ الإلهُ: "هوذا الإنسانُ قد صارَ كواحِدٍ مِنَّا عارِفًا الخَيرَ والشَّرَّ" (تك3: 22).. وهنا أيضًا تظهر صيغة الجمع " كواحد منَّا".
فقبل ميلاد السيد المسيح من السيدة العذراء كان موجود هذا الثالوث (آب، وابن، وروح قدس).. فنحن نؤمن ونعرف أن السيد المسيح له ميلادان... الميلاد الأول من الآب قبل كل الدهور كما نقول في قانون الإيمان: "المولود من الآب قبل كل الدهور"، والميلاد الثاني من السيدة العذراء في ملء الزمان حينما أخذ جسدًا إنسانيًا منها وظهر لنا الإله المتجسد مولودًا من السيدة العذراء.
*أما نحن فلم نرى الثالوث القدوس مجتمعًا مع بعض واضحًا إلاَّ في وقت معمودية السيد المسيح.. لذلك نسمي هذا العيد "عيد الظهور الإلهي"، كما نسمع في cuna[arion سنكسار اليوم: (الآب في السماء يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت"، والابن في نهر الأردن، والروح القدس مستقرًا عليه مثل حمامة).
*الله أراد أن يربط بين الثالوث القدوس والمعمودية.. فلكي نستطيع أن ندخل الإيمان لابد من المعمودية.. فالمعمودية هي "باب الأسرار".. ندخل الإيمان بالمعمودية ونعتمد على اسم الثالوث القدوس.
*فنقول إنه لا يستطيع أحد أن يفهم ما هو الثالوث إلاَّ حينما يعتمد على اسم الثالوث القدوس بالثلاث غطسات.. "ليس أحَدٌ يَقدِرُ أنْ يقولَ: "يَسوعُ رَبٌّ" إلاَّ بالرّوحِ القُدُسِ" (1كو12: 3).. ونحن نأخذ الروح القدس في المعمودية، ويسكن فينا من وقت المعمودية، ونصير هياكل لروح الله القدوس.. ولا يستطيع أحد أن يأخذ الروح القدس ويسكن فيه ويعمل فيه.. وينير في حياته إلاَّ من خلال إيمانه بالسيد المسيح والمعمودية.
نأخذ الروح القدس في المعمودية،
ويثبت فينا ويعمل فينا باستمرار..
ما دام كل منَّا يحافظ عليه داخله،
بالأعمال الصالحة والطهارة الجسدية.
*نحن نعتمد على اسم الثالوث القدوس بثلاث غطسات على اسم "الآب والابن والروح القدس"، ونُدفن مع السيد المسيح ثلاثة أيام كمثال الثلاث غطسات، ونخرج من المعمودية بإيمان ثالوثي على مثال الآب والابن والروح القدس.. وبذلك نستطيع أن نفهم ما هو معنى الثالوث القدوس.
وللحديث بقية..
لإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:46 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
عيد الظهور الإلهي


https://upload.traidnt.net/upfiles/Ugb05864.png



أن هناك سبعة أسباب واضحة لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان، وتحدثنا عن عدة أسباب..
(1) يَليقُ بنا أنْ نُكَمّلَ كُلَّ بر.
(2) لكي نعرف السيد المسيح.
(3) لكي نعرف الثالوث.
والآن نستكمل الحديث..
(4) تأسيس معمودية السيد المسيح
(معمودية الماء والروح)
حينما ذهب السيد المسيح إلى معمودية يوحنا كانت هذه المعمودية للتوبة فقط.. فذهب كل الشعب اليهودي ليوحنا مُقرين بخطاياهم (أي تائبين عنها)، فهي معمودية توبة فقط، لا تستطيع أن تغفر الخطايا، ولا تفيد قصة الخلاص الذي قدمه لنا السيد المسيح بشيء.
فكل مَنْ تعمد من معمودية يوحنا لم تفيده بشيء في خلاصه من حيث مغفرة الخطايا التي ارتكبها، وبذلك كان لابد له أن يمارس معمودية أخرى لكي تغفر له خطاياه وتتمم خلاصه.. ويوحنا المعمدان شهد بنفسه وقال: "يأتي بَعدي مَنْ هو أقوَى مِني، الذي لستُ أهلاً أنْ أنحَنيَ وأحُلَّ سُيورَ حِذائهِ. أنا عَمَّدتُكُمْ بالماءِ، وأمّا هو فسَيُعَمدُكُمْ بالرّوحِ القُدُسِ" (مر1: 7-8).
فالسيد المسيح حينما كان ذاهبًا للمعمودية من يد يوحنا كان يعلم جيدًا أنه ذاهب إلى معمودية لا تفيده بشيء، وليس لها أي قيمة بالنسبة له، وبالنسبة لنا نحن أيضًا الآن.
لكن حينما نزل السيد المسيح إلى ماء الأردن.. حوَّل هذه المعمودية من معمودية يوحنا (التوبة) إلى معموديته هو (مغفرة الخطايا).
وبذلك أسس السيد المسيح معموديته هو،
التي نحتاج لها جميعًا، التي تغفر الخطايا، وتجدد الإنسان، وتجعله خليقة جديدة.
فالسيد المسيح لو إنه لم يعتمد فكيف كان سيؤسس معموديته؟ هل ينادي بمعمودية جديدة (أي معمودية الروح) وهو لم يمارسها أو يؤسسها؟ فإذا حدث ذلك فكان كل منَّا من حقه أن يقول أنا لا أعتمد تشبهًا بسيدي يسوع المسيح، وكان من حقنا جميعًا أن نرفض المعمودية.
لذلك اعتمد السيد المسيح لكي يكون هو قدوة ومثال لنا جميعًا، ولكي يقول لنا أنتم سوف تتعمدوا على رسمي ومثالي وأنا مثلاً حيًا أمامكم.
لذا كل واحد منَّا يعتمد بمعمودية السيد المسيح (معمودية الماء والروح ) يصير شريكًا للسيد المسيح حتى في معموديته وعلى رسمه ومثاله.. ولذلك نسمي جرن المعمودية: (الأردن).. فتوجد صلاة تصلى على مياه المعمودية نجد في مقدمتها: (يطرح الكاهن نفسه أمام الأردن ويصلي).
فكل مَنْ نزل إلى جرن المعمودية يعتبر نزل نهر الأردن نفسه مع السيد المسيح واعتمد معه في نهر الأردن.
ونجد هذه المعمودية التي تعمدها السيد المسيح والتي يعتمد بها كل واحد منا، تأخذ قوتها من يوم الجمعة العظيمة.. تأخذ قوتها من قوة الصليب وذبيحة السيد المسيح ودمه المسفوك على الصليب.. لذلك يقول لنا مُعلمنا بولس الرسول: "مَدفونينَ معهُ في المَعموديَّةِ" (كو2: 12).
وهنا يقصد بالدفن.. كما دفن السيد المسيح في القبر ثلاثة أيام.. هكذا ننزل جرن المعمودية ثلاث مرات على مثال دفنه ثلاثة أيام..
الثلاثة أسباب الأخرى.. لم يكن السيد المسيح محتاج إليهم وهم..
(5) السماء انفتحت.
(6) الآب يقول: "هذا هو ابني الحبيب....".
(7) الروح القدس حل على السيد المسيح مثل حمامة.
السبب الخامس الواضح لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان هو أن:
(5) السماء انفتحت
عبارة "السماء انفتحت" معناها أن السموات كانت مغلقة.. فهي بالفعل كانت مغلقة أمامنا نحن وليس أمام السيد المسيح.. فالسيد المسيح ذهب ليعتمد لكي يفتح لنا السماء المغلقة.
إذًا فالسيد المسيح بمعموديته فتح لنا باب السماء.. والذي حدث مع السيد المسيح يحدث مع كل واحد منا لحظة عماده.. تنفتح له السماء.
ومعنى فتح السماء لكل واحد منا هي أن كلاً منا أخذ فرصة الدخول للسماء.. وأنه سوف يدخل السماء ويكتب اسمه فى سفر الحياة.. لذلك وضعت كنيستنا القبطية سجلاً نكتب فيه أسماء المعمدين باسمهم الجديد رمزًا للكتابة في سفر الحياة.
لقد كتبت اسمك في سفر الحياة يوم عمادك على اسم الثالوث القدوس، ويوم دفنت مع السيد المسيح وقمت معه إنسانًا جديدًا لا يحمل أي خطية وفتح أمامك باب السماء المغلق.
فكل منَّا فتح أمامه باب السماء يوم عماده.. ولكن البعض يعودوا يغلقوا هذا الباب المفتوح بيدهم وتصرفاتهم السيئة وسيرهم في تيار الخطية وعدم توبتهم.. بذلك يغلق باب السماء مرة أخرى.. لم يغلق في وجههم ولكنهم هم الذين يغلقونه بيدهم! فيمسحوا اسمهم المكتوب في السموات بيدهم بسبب سيرهم في تيار الخطية والشر وعدم التوبة.
فالسيد المسيح فتح لنا باب السماء الذي كان مغلقًا أمام وجوهنا قبل معموديته، وذلك بسبب غضب الله على البشرية بسبب الخطية التي كانوا يفعلونها ويعيشوا فيها.
السبب السادس الواضح لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان:
(6) صوت من السماء يقول:
"هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت"
لقد سمعنا صوتًا من السماء يقول: "هذا هو ابني الحَبيبُ الذي بهِ سُرِرتُ".. فبعد أن كنت عبدًا متمردًا على سيدي بسيري في اتجاه الخطية والمعصية ومطرودًا من أمام وجه سيدي.. اليوم بالمعمودية اسمع صوت سيدي العذب ينادي لي ويقول: "أنت ابني أنا اليوم ولدتك..."، ويشير عليَّ من السماء لحظة خروجي من جرن المعمودية ويقول: "هذا هو ابني الحَبيبُ الذي بهِ سُرِرتُ" (مت3: 17).
فنحن هنا نقول للآب: نحن قد سمعنا أن لك ابن وحيد.. "اللهُ لم يَرَهُ أحَدٌ قَطُّ. الاِبنُ الوَحيدُ الذي هو في حِضنِ الآبِ هو خَبَّرَ" (يو1: 18).. فكيف يكون لك أبناء كثيرين؟!
فيرد الآب علينا ويقول: هذا الابن الوحيد الذي تتكلمون عنه هو ابني بالجوهر "ليس لي ابن آخر غيره"، أما أنتم فأبنائي بالتبني.
ابني الوحيد هذا مثلي في كل شيء كمثال "الرجل يكون ابنه رجل مثله"، فهو مثلي في كل شيء لكن نحن الاثنين واحد وليس اثنان.. نحن الاثنين متحدين اتحادًا كاملاً.. فلذلك فهو ابني الوحيد بالجوهر وأنتم أبنائي بالتبني.
فالسيد المسيح فتح لنا بابًا أن نصير أبناء الله بالتبني،
وذلك بالمعمودية.
فكل واحد منا حين خروجه من جرن المعمودية.. تنفتح له السماء، وكذلك يسمع صوت الآب السماوي قائلاً له: "هذا هو ابني الحَبيبُ الذي بهِ سُرِرتُ"، فيصير الإنسان ابنًا لله.. لذلك يصرخ كل منا حينما يقف يصلى قائلاً: "أبانا الذي في السموات....".
وبما أننا أصبحنا أبناء لله.. لذلك أصبحنا ورثه للملكوت، وورثة لله، ووارثون مع المسيح.. فابن الله الوحيد نزل للأرض وتجسد وتأنس من السيدة العذراء (أي أخذ جسدًا إنسانيًا) وصار ابن الإنسان.. فأصبح يحمل الطبيعيتين "ابن الله وابن الإنسان".
فنحن كلنا أبناء الإنسان والسيد المسيح أصبح واحد منا بأخذه جسدًا إنسانيًا (هو ابن الله وابن الإنسان)، فأصبح واحد منا، فرفعنا ورقانا لكي نصبح أبناء الله، كما قال القديس أثناسيوس الرسولي: "صار ابن الله إنسانًا لكي يصير ابن الإنسان ابنًا لله".
هذا الإله المتجسد هو ابن الإنسان بالتجسد وابنًا لله بالطبيعة.. ونحن صرنا أبناء لله بالتبني.. أخذنا حق التبني يوم المعمودية العظيمة.. لذلك استقبل السيد المسيح يوم معموديته هذا النداء القائل: "هذا هو ابني الحَبيبُ الذي بهِ سُرِرتُ"، لكي يسكب هذا الابن فينا ونصير نحن في السيد المسيح أبناء لله الآب.
السبب السابع الواضح لنا في معمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان:
(7) حلول الروح القدس مثل حمامة
نفس هذا الكلام ينطبق على النقطة الأخيرة وهو حلول الروح القدس مثل حمامة على السيد المسيح.. الروح القدس هو روح الآب وروح الابن.. فالثلاثة متحدين مع بعض وكائنين منذ الأزل.. وهم في وحدة تامة.. فما لنا نحن بالثالوث.. هذا الثالوث مع بعضه فلا دخل لنا به!!
الروح القدس هذا كان في العهد القديم لا يسكن في أحدًا.. فكان لا يستطيع احد من كل أنبياء العهد القديم أن يدعى أنه مسكن للروح القدس أو أن الروح القدس ساكن فيه.
كان الروح القدس في العهد القديم من الممكن أن يمر مرور سريع على الأنبياء لكي يعطيه نبوة، وكان يمر على الملك والكاهن على السواء حينما كانوا يمسحوا بزيت المسحة.. ولكن الروح لم يكن يسكن في أحدًا ما منهم.
ولكن السيد المسيح جاء يفتح لنا باب السماء لكي نصير مسكن للروح القدس، فاستقبل الروح القدس في المعمودية في جسده الإنساني مثلنا.. فهو إنسانًا مثلنا في كل شيء.. "شابهنا فى كل شىء ما خلا الخطية وحدها" (صلاة الصلح – القداس الغريغوري).
السيد المسيح مكث في بطن أمه العذراء مريم تسعة شهور كاملة... ووُلد ولادة طبيعية.. وكان ينمو قليلاً قليلاً مثلنا.. وكان ينمو في القامة والحكمة والنعمة عند الله والناس مثلنا تمامًا.. "وأمّا يَسوعُ فكانَ يتقَدَّمُ في الحِكمَةِ والقامَةِ والنعمَةِ، عِندَ اللهِ والناسِ" (لو2: 52).
فاستقبل في هذا الناسوت (الجسد) الروح القدس، لكي يكون لنا فاتحة خير، أننا سوف ندخل السماء، وأننا نحن البشر نستطيع أن نستقبل في هذا الناسوت الروح القدس.
صار هو سابقًا لنا.. فتح لنا الباب.. وهذا بالفعل يحدث لنا في المعمودية.. ندهن بالميرون فنستقبل الروح القدس فينطبق علينا ما ذكره مُعلمنا بولس الرسول: "أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟" (1كو3: 16).
إلهنا الصالح يجعلنا أهلاً أن نكون سكنى للروح القدس..
يعمل فينا وبنا لمجد اسمه القدوس،
الذي له كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:49 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
الصوم لجام قوي للجسد
يحدثنا مُعلِّمنا بولس الرسول ويقول:
"لأني لستُ أفعَلُ الصّالِحَ الذي أُريدُهُ، بل الشَّرَّ الذي لستُ أُريدُهُ فإيّاهُ أفعَلُ. فإنْ كُنتُ ما لستُ أُريدُهُ إيّاهُ أفعَلُ، فلستُ بَعدُ أفعَلُهُ أنا، بل الخَطيَّةُ السّاكِنَةُ فيَّ. إذًا أجِدُ النّاموسَ لي حينَما أُريدُ أنْ أفعَلَ الحُسنَى أنَّ الشَّرَّ حاضِرٌ عِندي. فإني أُسَرُّ بناموسِ اللهِ بحَسَبِ الإنسانِ الباطِنِ. ولكني أرَى ناموسًا آخَرَ في أعضائي يُحارِبُ ناموسَ ذِهني، ويَسبيني إلَى ناموسِ الخَطيَّةِ الكائنِ في أعضائي. ويحي أنا الإنسانُ الشَّقيُّ! مَنْ يُنقِذُني مِنْ جَسَدِ هذا الموتِ؟" (رو7: 19-24).
فالاهتمام بالجسد أكثر من اللازم ليس مطلوبًا لأنه يسبب ضياعه.. بل علينا أن نعي أن الإفراط في الأكل والشرب لا يفيد شيئًا بل يصبح ضرر جسيم للجسم والروح.
الصوم يلجم الجسد الجامح

فالصوم يلجم الجسد الجامح الذي يريد أن يشرد بعيدًا عن الطريق الروحي المضبوط الذي نسلك فيه.. وجهادنا الروحي كله مرتبط بالصوم.. وكل ممارسة روحية يجب أن يسبقها الصوم لتقديس هذه الممارسة.
*"كل جهاد ضد الخطية وشهواتنا يجب أن يبتدئ بالصوم، خصوصًا إذا كان الجهاد بسبب خطية داخلية" (القديس مار اسحق).
*"ليس لأن الله الرب وخالق الكون يجد منفعة في قعقعة أمعائنا وخلو معدتنا والتهاب رئتنا، ولكن لأن هذه هي الوسيلة لحفظ العفة" (القديس ﭽيروم).
*"الصوم بالنسبة للشهوات كالماء بالنسبة للنار" (القديس يوحنا الأسيوطي).
فوائد الصوم

(1) الصوم هو بداية الطريق الروحي

فالإنسان مكون من روح وجسد.. فكما نهتم بالجسد ونقوته ونربيه هكذا يجب علينا أن نقوت ونربي الروح بنفس الاهتمام.. فبقدر ما يغلب أحدهما على الآخر هكذا يصبح الإنسان روحانيًا أو جسدانيًا.
*" مُخلِّصنا الصالح حينما أظهر نفسه للعالم عند الأردن ابتدأ من هذه النقطة.. فحينما اعتمد قاده الروح إلى البرية مباشرة، وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة، وكل الذين يريدون أن يتبعوا خطواته عليهم أن يضعوا أساس جهادهم على مثال عمله" (القديس مار اسحق).
(2) الصوم يمهد لكل الفضائل والمواهب

كل الفضائل التي يسعى الإنسان في جهاده الروحي لكي يكتسبها ويحيا بها يسبقها الصوم، بل يمهد لها.. مثل الأرض التي تستصلح وتمهّد للزراعة.. فحينما تقع البذرة في هذه الأرض الجيدة الممهدة تنمو وتكثر وتأتي بالثمر المطلوب.
(3) الصوم يسبق أي عمل روحي

لذلك فالصوم يسبق أي عمل روحي.. وكمثال لذلك نجد الصوم يرتبط ارتباط كلى بالصلاة، فهما لا يفترقان.. فالذي يصوم ولا يصلى لا يكتمل عمله الروحي، ولا يتمتع بالصوم الطاهر النقي.
*لذلك نصرخ في قسمة الصوم الكبير ونقول: "الصوم والصلاة هما اللذان عملا بهما الأبرار والصديقون ولباس الصليب، وسكنوا في الجبال والبراري وشقوق الأرض من أجل عِظم محبتهم في الملك المسيح".
*"حينما يبدأ الإنسان بعمل فلاحة البر بذاته، فأول عمل يعمله هو أن يصوم، لأنه بدون النسك جميع فضائل فلاحة الذات مرتخية. فالصلاة لا تكون نقية والأفكار لا تكون متنقية، والذهن لا يصفو والإنسان الخفي لا يتجدد" (القديس مار فيلو كسينوس).
(4) الصوم يقوى إرادة الإنسان

إن السبب الأساسي في سقوط أبوينا الأولين آدم وحواء في كسر وصية الله هو ضعف الإرادة.. "فأكلت بإرادتي وتركت ناموسك عني.. وتكاسلت عن وصاياك.. أنا اختطفت لي قضية الموت" (القداس الغريغوري).
فبمجرد أن جاءت الحية إلى أمنا حواء وبدأت في تشكيكها في كلام الله.."وكانَتِ الحَيَّةُ أحيَلَ جميعِ حَيَواناتِ البَريَّةِ التي عَمِلها الرَّبُّ الإلهُ، فقالَتْ للمَرأةِ: أحَقًّا قالَ اللهُ لا تأكُلا مِنْ كُل شَجَرِ الجَنَّةِ؟". فقالَتِ المَرأةُ للحَيَّةِ: مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الجَنَّةِ نأكُلُ، وأمّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ التي في وسطِ الجَنَّةِ فقالَ اللهُ: لا تأكُلا مِنهُ ولا تمَسّاهُ لِئلا تموتا. فقالَتِ الحَيَّةُ للمَرأةِ: لن تموتا!" (تك3: 1–4).
خضعت أمنا حواء لكلام الحية لضعف إرادتنا وعدم رفضها لكلام الحية.. وأكلت بل ما هو أعجب من ذلك ذهبت لأبونا آدم وأقنعته بسهولة جدًا، وأكل دون أن يفكر في عاقبة ما سوف يفعله، ووقع في معصية الله.
انتهت القصة بالحكم عليه هو وامرأته وكل بنيه بالموت الأبدي، وطُرد من أمام وجه الله ومن الجنة، وأصبح حزينًا مطرودًا كئيبًا في حسرة على ما عمله.
*"آدم بينما هو حزين سر الرب أن يرده إلى رئاسته" (ثيؤطوكية يوم الاثنين).
*"وعندما خالفنا وصيتك بغواية الحية.. سقطنا من الحياة الأبدية.. ونفينا من فردوس النعيم" (القداس الباسيلى).
فالصوم يقوى الإرادة الضعيفة.. وخاصة الصوم الإنقطاعي.. يتدرب فيه الانسان بأن يقول لنفسه أنا سوف لا أكل نهائيًا حتى الساعة.... وأيضًا حينما آكل سوف أمتنع عن كل المأكولات الشهية المحببة لنفسي... فتبدأ ارادة الإنسان الضعيفة تقوى رويدًا رويدًا حتى يصبح الإنسان قوي الإرادة وله شخصية قوية في كل شئ.
(5) الصوم مهذب للجسد والحواس

*مُعلِّمنا دواد النبي يقول:"أذلَلتُ بالصَّوْمِ نَفسي" (مز35: 13).
*ومعلمنا بولس الرسول يقول: "أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ" (1كو9: 27).
فالصوم من أهم فوائده ه تدريب الانسان على كيفية تهذيب الجسد، وقمع كل ثوراته التى تقوم ضد الروح.. فالصوم يضعف الجسد نسبيًا فتقوى الروح بقدر ما يضعف الجسد.
لذلك آباءنا القديسين كانوا يقظين في قمعهم لثورة الجسد.. وكانوا يعطون الجسد حاجاته الضرورية فقط، ضابطين شهواتهم بكل دقة وحرص.. بل كانوا يمنعون عن أجسادهم ليس كل ما هو شهي ولذيذ فقط بل أيضًا حتى الخبز والماء بكثرة.
تعالوا بنا نرى ماذا قال آباءنا القديسين عن ذلك:

*القديس يوحنا كسيان:
"لقد جرب آباؤنا الصوم كل يوم فوجدوه نافعًا وموافقًا لنقاوة النفس، ونهونا عن امتلاء البطن من أي طعام كان، حتى من الخبز البسيط أو من الماء أيضًا".
*القديسة سارة:
"إن فمًا تمنع عنه الماء لا يطلب خمرًا، وبطنًا تمنع عنها الخبز لا تطلب لحمًا".
*القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو:
"إن مَنْ كان بريئًا من كل خطية (السيد المسيح) صام أربعين يومًا،وأنت أيها الخاطئ تكره هذا الصوم وتأباه. ها هوذا طوفان جديد يدوم مدة 40 يومًا لا تزال السماء فيها هاطلة علينا بأمواه النعم الإلهية. وبه تغرق خطايانا وتحفظ قلوبنا الفضائل والقداسة".
*مار اسحق السرياني:
"الصوم هو بدء طريق الله المقدس. هو يتقدم كل الفضائل، بداية المعركة، جمال البتولية، حفظ العفة، أبو الصلاة، نبع الهدوء، معلم السكوت، بشير الخيرات".
*القديس غريغوريوس رئيس متوحدي قبرص:
"الكبير البطن أحلامه الرديئة تكدر قلبه، والذي ينقص من أكله يصير في كل وقت منتبهًا، لأن مثلما يظلم الجو من الضباب كذلك يظلم العقل إذا امتلأت البطن من المأكولات".
إلهنا الصالح الذي قدّس الصوم بصومه أربعين يومًا..
قادرًا أن يقدس صومنا، ويجعله صومًا روحانيًا..
نسعى فيه لبناء الروح،
ولضبط شهوات الجسد والفكر والحواس..
لكي تتقدس حواسنا وأرواحنا وتتنقى أفكارنا.
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:50 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
الجهاد الروحي

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...g--2tim4-7.jpg


يبدأ الإنسان في الجهاد الروحي من أول ما يعي للحياة والإدراك، ويستمر إلى آخر نفس في حياته.. ومن أهم عناصر الجهاد الروحي:

أولًا: أن يحيا الإنسان حياة التوبة
فالتوبة هي:

* التحرر من عبودية الخطية والشيطان.

* ترك الخطية ولكن تكون من أجل الله.

* يقظة روحية مستمرة.. فالتوبة هي انتقال من الموت إلى الحياة.

* تغيير شامل لحياة الإنسان.


ثانيًا: السعي نحو نقاوة القلب والفكر

* التوبة كأية فضيلة ينمو فيها الإنسان ويتدرج.. ويظل ينمو حتى يصل إلى كمالها.. وهي نقاوة القلب والفكر.. "يا ابني أعطِني قَلبَكَ، ولتُلاحِظْ عَيناكَ طُرُقي" (أم23: 26).

* مهم أن نترك الخطية.. ليس بالفعل فقط بل بالقلب والفكر.

* جهادنا ضد خطايا القلب والفكر أكبر أضعافًا من جهادنا ضد خطايا الجسد.. "الإنسانُ الصّالِحُ مِنْ كنزِ قَلبِهِ الصّالِحِ يُخرِجُ الصَّلاحَ، والإنسانُ الشريرُ مِنْ كنزِ قَلبِهِ الشريرِ يُخرِجُ الشَّرَّ. فإنَّهُ مِنْ فضلَةِ القَلبِ يتكلَّمُ فمُهُ" (لو6: 45).

* نسعى نحو التخلص من كل خطايا الفكر لكي يكون لنا "فكر المسيح"،ونعطي القلب له.. "وأمّا نَحنُ فلَنا فِكرُ المَسيحِ" (1كو2: 16)

ثالثًا: احترزوا.... (مت6: 1-18)


(1) أنْ تصنَعوا صَدَقَتَكُمْ قُدّامَ الناسِ:

* الجهاد في اكتساب فضيلة العطاء.. العطاء الخفي.

الأضرار: العطاء الظاهر.. أخذنا أجرة من الناس.. "فمَتَى صَنَعتَ صَدَقَةً فلا تُصَوّتْ قُدّامَكَ بالبوقِ، كما يَفعَلُ المُراؤونَ في المجامعِ وفي الأزِقَّةِ، لكَيْ يُمَجَّدوا مِنَ الناسِ. الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنهُم قد استَوْفَوْا أجرَهُمْ! وأمّا أنتَ فمَتَى صَنَعتَ صَدَقَةً فلا تُعَرّفْ شِمالكَ ما تفعَلُ يَمينُكَ، لكَيْ تكونَ صَدَقَتُكَ في الخَفاءِ. فأبوكَ الذي يَرَى في الخَفاءِ هو يُجازيكَ عَلانيَةً" (مت6: 2-4).

* التدريب الروحي على الصدقة في الخفاء.. كيف.. لماذا.. فائدتها.

* حاول أن تفكر معي في تنفيذ ذلك.


(2) الصلاة في الخفاء:

"ومَتَى صَلَّيتَ فلا تكُنْ كالمُرائينَ، فإنَّهُمْ يُحِبّونَ أنْ يُصَلّوا قائمينَ في المجامعِ وفي زَوايا الشَّوارِعِ، لكَيْ يَظهَروا للنّاسِ. الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنهُم قد استَوْفَوْا أجرَهُمْ! وأمّا أنتَ فمَتَى صَلَّيتَ فادخُلْ إلَى مِخدَعِكَ وأغلِقْ بابَكَ (الحواس)، وصَلِّ إلَى أبيكَ الذي في الخَفاءِ. فأبوكَ الذي يَرَى في الخَفاءِ يُجازيكَ عَلانيَةً. وحينَما تُصَلّونَ لا تُكَرّروا الكلامَ باطِلًا كالأُمَمِ، فإنَّهُمْ يَظُنّونَ أنَّهُ بكَثرَةِ كلامِهِمْ يُستَجابُ لهُمْ. فلا تتَشَبَّهوا بهِمْ. لأنَّ أباكُمْ يَعلَمُ ما تحتاجونَ إليهِ قَبلَ أنْ تسألوهُ" (مت6: 5-8).

* الصلاة في الخفاء.. غلق باب الحواس.

* الاهتمام بالصلاة المستمرة.. وخاصة صلاة القلب.

* عدم السعي وراء المراآة في الصلاة.. بهدف المدح من الآخرين.


(3) الصوم في الخفاء:

"ومَتَى صُمتُمْ فلا تكونوا عابِسينَ كالمُرائينَ، فإنَّهُمْ يُغَيّرونَ وُجوهَهُمْ لكَيْ يَظهَروا للنّاسِ صائمينَ. الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنهُم قد استَوْفَوْا أجرَهُمْ. وأمّا أنتَ فمَتَى صُمتَ فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وجهَكَ، لكَيْ لا تظهَرَ للنّاسِ صائمًا، بل لأبيكَ الذي في الخَفاءِ. فأبوكَ الذي يَرَى في الخَفاءِ يُجازيكَ عَلانيَةً" (مت6: 16-18).

الصوم في الخفاء، وعدم افتعال أي مواقف تلفت انتباه الآخرين إلى صومي (التصويت بالبوق).


رابعًا: لا تكنزوا.... (مت6: 19-21)

* عدم الاهتمام بالأموال (الكنوز).. وهذا هو التحذير الثاني.

* الجهاد ضد القنية وحب المال.. "مَحَبَّةَ المالِ أصلٌ لكُل الشُّرورِ" (1تي6: 10)،
"لا يَقدِرُ أحَدٌ أنْ يَخدِمَ سيّدَينِ، لأنَّهُ إمّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ، أو يُلازِمَ الواحِدَ ويَحتَقِرَ الآخَرَ. لا تقدِرونَ أنْ تخدِموا اللهَ والمالَ" (مت6: 24).

* أين أنا من المال؟ ومَنْ الذي يستخدم الآخر؟

* المال ومحبته تجلب على الإنسان متاعب كثيرة، وشهوات العالم تجر وراء بعضها.

* التحذير من المال.. يَنقُبُ السارِقونَ ويَسرِقونَ.

* المقتنيات الأرضية.. يُفسِدُ السوسٌ والصَدأٌ.

* "محبة المقتنيات تزعج العقل والزهد فيها يمنحه استنارة" (القديس الأنبا موسى الأسود).


خامسًا: سِراجُ الجَسَدِ هو العَينُ

* نقاوة الحواس.

* العين هي التي تحدِّد فكر الإنسان.. فحسب رؤيتها يترتب عليها الفكر.."فإنْ كانَتْ عَينُكَ بَسيطَةً فجَسَدُكَ كُلُّهُ يكونُ نَيّرًا، وإنْ كانَتْ عَينُكَ شِرّيرَةً فجَسَدُكَ كُلُّهُ يكونُ مُظلِمًا، فإنْ كانَ النّورُ الذي فيكَ ظَلامًا فالظَّلامُ كمْ يكونُ" (مت6: 22-23).

* العين هي الجهاز الذي يعلن عن الشخص نفسه.. (عفيف، شهواني، ماكر، غضوب...).

* حسب رؤية العين تتحدد شخصية الإنسان وحياته الروحية.

* العين توقع الإنسان في خطايا كثيرة.. (الحسد، الإدانة، النميمة، الشهوة، الأفكار الرديئة...).

فسِراجُ الجَسَدِ هو العَينُ..

"لكن اطلُبوا أوَّلًا ملكوتَ اللهِ وبرَّهُ، وهذِهِ كُلُّها تُزادُ لكُمْ" (مت6: 33).

لإلهنا كل المجد والإكرام من الآن والى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:52 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
ما بين الصلاة والفتور
عندما نتكلم عن الصلاة.. يكون كلام شامل كل أنواع الصلاة:
*الصلاة القلبية.
*الصلاة الجماعية.
*الصلاة الفردية بالأجبية.
ويحضرني بعض الأسئلة التي أريد أن أوجهها لكل واحد منَّا:
*ما هو تقيمك الشخصي للصلاة؟
*ما هو مركز الصلاة (الصلة بينك وبين الله) في حياتك؟
*هل هي مجرد معونة لك في وقت الضيق.. تلجأ إليها (حينما تحتاج) إلى الله؟
*أم هي فرض عليك إذا لم تؤده تشعر بتأنيب الضمير لمجرد التقصير؟
*هل هي غذاء روحي لازم لك.. إن لم تتناوله تفتر في حياتك الروحية؟
*أم هي متعة، تشعر بحلاوة مذاقها، فتنسى الدنيا وكل ما فيها، وتود لو طال لك الوقت في الحديث مع الله؟
تعالوا بنا نناقش هذه الأسئلة، ونرى بداية..
ما هو تقييمي الشخصي للصلاة؟

فعلى حسب تقييمي يكون مستوى روحانياتي.. أي مستوى علاقتي مع الله..
*هل أنا دائم الالتصاق به.. أم أعرف الله في بعض المناسبات؟
*هل الصلاة هي غذاء لروحي وشبع لحياتي، ولذلك تصبح ضرورة من ضروريات الحياة لا استغناء عنها؟
*هل الصلاة بالنسبة لي هي غذاء الروح الذي أحرص على تناوله لتغذية الروح كما أحرص على تناول أطعمة الجسد لتغذية الجسد؟

*هل أربي روحي كما أربي جسدي؟
*هل روحانياتي في ازدياد مستمر كما الجسد أيضًا؟
*هل حينما تمرض الروح أعالجها كما أعالج الجسد في حالة مرضه؟ وأقصد هنا مرض الروح أي (الفتور الروحي).
*عندما تفتر حياتي الروحية.. هل أجلس وأنقب داخل نفسي لكي أكتشف ما هو السبب؟ ولماذا مرضت؟ وما هو سبب المرض؟ ما الذي أدى بي إلى هذه الحالة؟
*لماذا بردت روحي وبعدت عن الله؟ هل أتركها حتى أسمع القول الذي قيل لملاك كنيسة اللاودكيين: "أنا عارِفٌ أعمالكَ، أنَّكَ لستَ بارِدًا ولا حارًّا. لَيتَكَ كُنتَ بارِدًا أو حارًّا! هكذا لأنَّكَ فاتِرٌ، ولستَ بارِدًا ولا حارًّا، أنا مُزمِعٌ أنْ أتقَيّأكَ مِنْ فمي" (رؤ3: 15- 16)؟
*هل الصلاة لها مركز أو ترتيب في أولويات حياتي؟ أم هي شيء أمارسه وقت الحاجة له أو وقت الفراغ؟
*هل أصلي لاحتياجي للصلاة؟ أم يدخل في داخلنا الفكر الغير مسيحي وهو أن الصلاة فرض وضع علينا يجب أن نتممه؟
علاقة حب:

*الصلاة هي علاقة حب.. إذا لم تُمارس من خلال هذا الفكر الروحي لا يكون لها أي فائدة، ولا أتمتع بها ولا أذوق حلاوتها.
علاقة الإنسان بالله:

*الصلاة هي علاقة الإنسان بالله.. هي الغداء المستمر للروح، والصلاة هي التي تؤدي إلى التوبة المستمرة.. فالإنسان في صلاته يرجع إلى الله، ويجدد العلاقة التي قد تكون تشوهت بينه وبين خالقه عن طريق سقوطه في بعض الخطايا.
*بالصلاة تعاد هذه العلاقة، وكما يقول أحد القديسين: "إذا كان الإنسان يظن أنه يوجد باب آخر للتوبة غير التوبة فهو مخدوع من الشياطين".
مركز الله في حياتي:

*الصلاة تعبّر عن مدى اهتمامي بالله، ومدى مركز الله في حياتي،هل له أهمية فأضعه في أول حياتي.. أم يأخذ دوره في وسط المشغوليات الكثيرة التي يهتم بها كل منَّا؟
سلّم إلى السماء:

إذا الإنسان استطاع أن يعرف قيمة الصلاة الحقيقية.. فسوف يصل إلى مذاقة حلاوة الرب والعشرة معه.. فهو السلم الذي نتسلقه لنصل به إلي السماء.
العِشرة مع الله:

*الصلاة هي الطريق الذي نصل من خلاله إلى العشرة المستمرة والحضور المستمر مع الله.
النَفس الذي أتنفسه:

*فالصلاة تعتبر مثل النَفَس الذي أتنفسه.. فنجد كثيرًا من الآباء القديسين دخلوا في تدريبات روحية عميقة في صلاة يسوع، حتى وصلوا للصلاة الدائمة التي أصبحت مع كل نَفَس يتنفسه.. وأصبحت "صلاة يسوع" جزء لا يتجزأ من حياته.. لا يستطيع أن يمضي عليه أي وقت حتى لو دقيقة واحدة ولا يذكر فيها اسم السيد المسيح.. فوصلوا بهذه الطريقة إلي الصلاة الدائمة، وإلى العِشرة المستمرة مع الله، وبالتالي أصبحت حياتهم كلها توبة مستمرة، وتمتعوا بالوجود الدائم مع الله وهم على الأرض.
*أما إذا اتخذنا الصلاة على أنها فرض.. فسوف يكون تنفيذها نابع عن ممارسة عادية وليس عن حب.. نابع عن تتميم فرائض لأجل الهروب من العقوبة وليس عن اشتياق قلبي.
*نحن لا نُصلي لأجل عقاب ينتظرنا لو لم نُصلي.. بل نُصلي إلي حبيب قلوبنا جميعنا السيد المسيح ملكنا الحقيقي الحنون.. الذي يستجيب لنا حينما ندعوه.. الذي عندما نطلبه نجده.. الذي يعرف ما نحتاج إليه دون أن نطلب.. الذي يقف على بابنا يقرع باستمرار يريد دخول القلب.
*فمَنْ استيقظ وفتح الباب له يدخل عنده ويملئ القلب بالفرح والبهجة والسلام والمحبة وطول البال.. وتحّل عليه ثمار الروح القدس.."وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ. ضِدَّ أمثالِ هذِهِ ليس ناموسٌ" (غل5: 22 -23).
*أما مَنْ يرفض فتح باب قلبه لله ويقول مع عروس النشيد "قد خَلَعتُ ثَوْبي، فكيفَ ألبَسُهُ؟ قد غَسَلتُ رِجلَيَّ، فكيفَ أوَسخُهُما؟" (نش5: 3)،ويملك الكسل والتهاون علي حياته.. فسوف تمر به الأيام، وعندما يقوم ليفتح الباب سوف يقول أيضًا:"حَبيبي تحَوَّلَ وعَبَرَ. نَفسي خرجَتْ عِندَما أدبَرَ. طَلَبتُهُ فما وجَدتُهُ. دَعَوْتُهُ فما أجابَني" (نش5: 6).
تعالوا بنا ننظر إلى آباءنا القديسين، ونسألهم:
لماذا كنتم تطيلون أوقات الصلاة؟

نسمعهم جميعًا يقولوا لنا: "لأن وقت الصلاة كان بالنسبة لنا هو أمتع وقت نقضيه في حياتنا.. كنا لا نستطيع أن نقطع علاقتنا بالله وتمتعنا بعشرته ووجوده معنا لكي نعمل أي عمل آخر.. فكلما نطيل الوقت بقدر الإمكان.. نتمتع بوجودنا في حضرة الله أكثر وقت ممكن".
ولذلك تحولت الصلاة بالنسبة لهؤلاء الآباء إلى عشرة قلبية.. يشتهوا أن يقفوا مع الله طول الوقت.
نرى القديس الأنبا أرسانيوس مُعلِّم أولاد الملوك.. كان يقف يُصلي رافعًا يديه من وقت غروب الشمس وتضئ في ظهره.. إلى أن تشرق اليوم التالي ويراها تضئ في وجهه.. وهو لا يمل ولا يشعر بالتعب ولا طول الوقت.. وذلك لأن الصلاة تحولت إلى شهوة قلبية وليس إلى واجب أو فرض يفرض علينا عن طريق أب الاعتراف.. أو نقول لازم نعمل كده لكي يرتاح ضميرنا!!
هيا بنا اليوم نقف وقفة حساب مع النفس ونقول:
"إنَّها الآنَ ساعَةٌ لنَستَيقِظَ مِنَ النَّوْمِ،

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:53 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
مفهوم الصوم

الراهب القس بطرس البراموسي
https://upload.chjoy.com/uploads/1361826122471.jpg



مفهوم الصوم الصحيح:

يختلف الكثيرين في فهم الصوم..

* فالبعض يركز على الممارسات الجسدية من ناحية الامتناع عن الطعام (الانقطاع).

* والبعض يركز على الامتناع عن بعض الأطعمة (الصوم النباتي).

* والبعض الآخر يركز على الممارسات الروحية فقط.

ولكن أفضلهم مَنْ يدمج كل هذه مع بعضها، ويفهم ويعي مفهوم الصوم بفهمه الصحيح.. فهيا بنا ندخل إلى العمق، لنرى ما هو مفهوم الصوم الصحيح.


الصوم هو العودة إلى حياة الفردوس الأولى



فعندما خلق الله آدم وحواء ووضعهما في الفردوس، كان طعامهما من الأطعمة النباتية، قائلًا لهم: "مِنْ جميعِ شَجَرِ الجَنَّةِ تأكُلُ أكلًا، وأمّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّر فلا تأكُلْ مِنها، لأنَّكَ يومَ تأكُلُ مِنها موتًا تموتُ" (تك2: 16-17).. ولم يوصهم أن يذبحوا حيوانات ويأكلوا لحومها.

وعاش آدم وحواء حسب هذه الوصية حتى أخطأوا، ووقعوا في معصية الله ومخالفة وصيته، وطُردوا من الجنة، وعاشوا هم ونسلهم على نفس هذه الأطعمة حتى فساد الأرض كلها، وإتيان الله بالطوفان على العالم في عهد نوح.

* بعد فناء البشرية الأولى الفاسدة وخروج نوح من الفلك، بدأ الله بالسماح له بأكل اللحوم.. "ولتَكُنْ خَشيَتُكُمْ ورَهبَتُكُمْ علَى كُل حَيَواناتِ الأرضِ وكُل طُيورِ السماءِ، مع كُل ما يَدِبُّ علَى الأرضِ، وكُل أسماكِ البحرِ. قد دُفِعَتْ إلَى أيديكُمْ. كُلُّ دابَّةٍ حَيَّةٍ تكونُ لكُمْ طَعامًا. كالعُشبِ الأخضَرِ دَفَعتُ إلَيكُمُ الجميعَ. غَيرَ أنَّ لَحمًا بحَياتِهِ، دَمِهِ، لا تأكُلوهُ" (تك9: 2-4).

* الإنسان الأول كان مخلوقًا نباتيًا، وحتى الحيوانات التي يطلق عليها الآن حيوانات مفترسة كانت تأكل العشب الأخضر والنباتات.. بدليل أنها عندما دخلت الفلك مع نوح كانت تأكل من نفس الأكل الذي كان يأكله نوح وبنوه.. "وأنتَ، فخُذْ لنَفسِكَ مِنْ كُل طَعامٍ يؤكلُ واجمَعهُ عِندَكَ، فيكونَ لكَ ولها طَعامًا" (تك6: 21).

* فبممارسة الصوم نكون قد رجعنا إلى صورتنا الأولى التي خُلقنا عليها، وهي الصورة النباتية.. نأكل نفس الأكل الذي كنا نأكله في الفردوس.. وبتهيئتنا لأجسادنا في فترات الصوم وأكلنا أكلًا نباتيًا نقترب من الفردوس الذي طردنا منه بسبب الأكل ومخالفة وصية الله.

تعالوا بنا نرى ما يقوله مار اسحق لنا عن هذه النقطة:

"إن أول قضية وُضعت على طبيعتنا في البدء كانت ضد تذوق الطعام.. ومن هذه النقطة سقط أول جنسنا، لذلك فإن أولئك الذين يجاهدون من أجل خوف الله يجب أن يبدأوا البناء من حيث كانت أول ضربة. مُخلِّصنا الصالح حينما أظهر نفسه للعالم عند الأردن ابتدأ من هذه النقطة.. فحينما اعتمد قاده الروح إلى البرية مباشرة، وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة، وكل الذين يريدون أن يتبعوا خطواته عليهم أن يضعوا أساس جهادهم على مثال عمله".

مفهوم الكنيسة عن الصوم:



الصوم هو حرمان عن بعض الأطعمة،
يتدرج حتى يصبح زهدًا اختياريًا.

وهذا ما تعلمه لنا الكنيسة.. وهو أن في بداية ممارسة أي "ممارسة روحية" تبدأ بما نُسميه (التغصب). ففي بداية ممارستنا للصوم يجب أن نحرم الجسد مما يتلذذ به، أو يرغب فيه، أو ما يفضله عن غيره.. ثم بعد ذلك يتدرج هذا الحرمان مع كل واحد منا إلى أن يصبح الإنسان ممتنعًا عن هذه الأطعمة رغبة ومحبة في الصوم، وأيضًا لأنه يصبح زاهدًا فيها بكامل إرادته.


الصوم ليس إضعافًا للجسد..

بل قمعًا وإذلالًا لإنعاش الروح.

فنحن نصوم ليس لكي نضعف الجسد ونهينه، أو نصل به إلى حالة لا يقوى على ممارسة الحياة، ويصبح الإنسان طريح الفراش بسبب ضعفه الجسدي بكثرة الصوم والإفراط فيه بدون إفراز وحكمة.. ولكن الصوم المصحوب بإرشاد أب الاعتراف يعتبر قمعًا لثورات الجسد، كما يقوم رجال الأمن بقمع أي ثورات ضد النظام أو السلام أو الأمن أو غيره.. هكذا الصوم يقمع تمرد الجسد وهذا ما يجعلنا نضع الصوم من أهم الممارسات التي تنعش وتقوي الروح.


الصوم ليس فرضًا موضوعًا علينا..

لكننا نمارسه لشعورنا باحتياج إليه،
من أجل شقاوتنا وجسدنا المشاغب.

تعلمنا كنيستنا الأرثوذكسية أن لا يوجد أي فرض في ممارسة روحية..

* فالصلاة نمارسها عن محبة لإلهنا الخالق الذي يسمع لنا ويرعانا، ويهيئ كل شيء لخلاصنا.. ف "نَحنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هو أحَبَّنا أوَّلًا" (1يو4: 19).

* الميطانيات نعملها لكي تهيئ ذهننا للتوبة (ميطانيا = تغيير الحالة)، ونمارسها عن حب ورغبة في تقديم الجسد لله ساجدًا خاشعًا طالبًا رحمة الله لنا.

* كذلك الصوم نمارسه في حب الله.. رغبة منا أن نرجع إلى طبيعتنا الأولى التي خلقنا عليها في الفردوس، وأيضًا لكي يخضع الجسد للروح، وتنشط وتقوى الروح على الجسد، وذلك حسب قانوننا الروحي.

* فنحن نشعر باحتياجنا لهذا الصوم، لذلك نصوم حبًا في الصوم وليس لأنه فرض.. فنحن في المسيحية لا يوجد عندنا فروضًا موضوعة علينا يجب أن نمارسها حتى عن عدم اقتناع لكي نعبِّر عن عبادتنا.

* نحن نصوم لأننا نحتاج إلى الصوم، لكي نلجم الجسد الجامح، لكي ينقذنا الله من جسد الخطية.. "لأني لستُ أفعَلُ الصّالِحَ الذي أُريدُهُ، بل الشَّرَّ الذي لستُ أُريدُهُ فإيّاهُ أفعَلُ. فإنْ كُنتُ ما لستُ أُريدُهُ إيّاهُ أفعَلُ، فلستُ بَعدُ أفعَلُهُ أنا، بل الخَطيَّةُ السّاكِنَةُ فيَّ. إذًا أجِدُ النّاموسَ لي حينَما أُريدُ أنْ أفعَلَ الحُسنَى أنَّ الشَّرَّ حاضِرٌ عِندي. فإني أُسَرُّ بناموسِ اللهِ بحَسَبِ الإنسانِ الباطِنِ. ولكني أرَى ناموسًا آخَرَ في أعضائي يُحارِبُ ناموسَ ذِهني، ويَسبيني إلَى ناموسِ الخَطيَّةِ الكائنِ في أعضائي. ويحي أنا الإنسانُ الشَّقيُّ! مَنْ يُنقِذُني مِنْ جَسَدِ هذا الموتِ؟" (رو7: 19–24).


الصوم لم يرتب للتكفير عن الذنوب والخطايا،

لكن لإعداد النفس لاقتبال الله..
إذ لا يوجد عمل ما يكفر عن الخطايا..
سوى دم السيد المسيح المسفوك على عود الصليب.

* فإيماننا المسيحي يعلمنا أنه لا توجد ممارسات تستطيع أن تكفر عن الخطية.. فالشيء الوحيد الذي يكفر عن خطايانا هو دم السيد المسيح.. ففكرة الكفارة تتم بالدم وليست بالممارسات.

* لذلك فالصوم دوره الأساسي هو ضبط شهوات الجسد، وفيه أيضًا يتم ضبط الفكر والحواس.. وحينما يضعف الجسد من الصوم، ويتذلل أمام الله تقوى الروح وتنشط.. وهذا هو الهدف المرجو من الصوم.

* والقديس باسيليوس الكبير يقول: "لقد نفينا من الفردوس الأرضي لأننا لم نصم. فيجب أن نصوم لنرجع إلى الفردوس السمائي، لأن الصوم يرد إلينا الخسائر المسببة عن عدم صوم آدم، ويصالحنا مع الله".

* ونحن نصوم لأن كثرة المأكولات تحرك الشهوات.. وهذا ما نلاحظه على مَنْ يأكلون كثيرًا وتقوى أجسادهم بطريقة غير مألوفة، نجد عندهم استعدادًا كبيرًا جدًا للغضب، فهو لا يمتلك نفسه ولا أعصابه، كذلك أيضًا للقتل معتمدًا على قواه الجسدية.. بل الأكثر من ذلك عندما يقوى الجسد أكثر من اللازم يصبح الإنسان له ميول جسدية ورغبة في ممارسة خطية الزنا.

* هذه الخطايا يقع فيها البعض الشرهين في تناول الأطعمة بحاجة وبدون حاجة.. لذلك نقول إن القصد من الصوم هو إذلال الجسد وإخضاعه فضلًا عن الحد من تغذيته.

* فالقديس يوحنا كسيان يقول: "حينما تمتلئ المعدة بكل أنواع الطعام فذلك يولد بذور الفسق، والعقل حينما يُخنق بثقل الطعام لا يقدر على توجيه الأفكار والسيطرة عليها. فليس السكر من الخمر هو الذي يذهب العقل، لكن الإسراف في كل أنواع المآكل يضعفه، ويجعله مترددًا، ويسلبه كل قوته في التأمل النقي. فإن كانت زيادة الخبز وحده أدت إلى مثل هذا السقوط السريع في الخطية عن طريق رذيلة الشبع.. فماذا نقول عن أولئك الذين لهم أجسام قوية ويأكلون اللحم ويشربون الخمر بإفراط، غير مكتفين بما تتطلبه أجسادهم.. بل ما تمليه عليهم رغبة العقل الملحة".

لذلك نجد جميع الآباء القديسين حذروا من كثرة المأكولات والنهم فيها.. ومن امتلاء المعدة.. هذه العادة الغير مرغوبة قد تسيطر على البعض فيتعود الإنسان أن يأكل فوق ما يحتاج.. فيصبح الأكل عنده غاية.

يذكر عن بعض الشعوب اليونانية في إحدى العصور أنه سيطر عليهم حب الأكل والتلذذ به طوال الوقت.. فيذكر عنهم أنهم يأكلون كثيرًا طالما جالسين أمام الطعام، ثم يقومون ويذهبوا إلى W.C لكي يتقيئوا لكي يعودوا للأكل مرة أخرى.. فأصبح الأكل عندهم ليس لسد حاجات الجسد، ولكنه شهوة سيطرت على الإنسان.. فيظل الإنسان يأكل بدون ضابط مثل الحيوانات.

* توجد علاقة طردية بين كثرة الأكل وأفكار الدنس والإدانة ... كلما أكثر الإنسان من تناول الطعام والشراب كثرت هذه الأفكار، وتوالت عليه حروب الشيطان.. وخاصة حروب الفكر.. ويقع الإنسان فريسة سهلة للشيطان، وذلك بسبب امتلاء البطن من الأطعمة.

لذلك مع كثرة الأطعمة وامتلاء البطن يظلم العقل ويصبح كالسماء المليئة بالسحب والغيوم.. فالإسراف في الأكل والشرب يأتي بالضرر الروحي والجسدي على الإنسان.. ويصبح الإنسان في حالة استرخاء وخمول مما يجعله ضحية للشيطان وأيضًا للأمراض الجسدية.


إلهنا الصالح الذي قدّس الصوم بصومه أربعين يومًا..

قادرًا أن يقدس صومنا، ويجعله صومًا روحانيًا..

نسعى فيه لبناء الروح، ولضبط شهوات الجسد والفكر والحواس..

لكي تتقدس حواسنا وأرواحنا وتتنقى أفكارنا.

ولإلهنا كل المجد والإكرام في كنيسته المقدسة..

من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:56 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
شروط الصلاة المقبولة 1
إن الصلاة التي تُقبل لدى الله لابد أن يكون لها شروط.. لأنه يوجد بعض الصلوات المرفوضة والمكروهة من الله.. وهي صلوات الأشرار، والتي يُطلب فيها بعض الطلبات الخاطئة.
فمن أهم شروط الصلوات المقبولة أن تكون:

(1) بحسب مشية الله

يقول مُعلِّمنا يوحنا الرسول: "إنْ طَلَبنا شَيئًا حَسَبَ مَشيئَتِهِ يَسمَعُ لنا" (1يو5: 14). وهذه الآية تُوضِّح لنا أن كل شيء نسأله فيه يجب أن يكون متفقًا حسب مشيئته ومع محبته وحكمته الكاملتين.
*فالبعض يُصلي.. ومن الممكن أن يكون لا يعرف ماذا يطلب.. أو لمَنْ يُصلى!!
*والبعض يقع في خطأ من أشنع الأخطاء.. وهو الصلاة من أجل ضرر الآخرين، أو من أجل طلبة شريرة يريد أن تتحقق في أحد أقاربه أو أعدائه!
هذه الصلوات صلوات مرفوضة.. لأن صلاة الشرير مكرهة أمام الرب.."ذَبيحَةُ الأشرارِ مَكرَهَةُ الربِّ، وصَلاةُ المُستَقيمينَ مَرضاتُهُ" (أم15: 8).
فالصلاة النقية المقبولة هي التي تطلب الخير للكل.. تطلب السلام والوحدانية والمحبة.. ويقول مع الكنيسة: "وحدانية القلب التي للمحبة فلتتأصل فينا.. لينمو بر الإيمان.. سهل لنا طريق التقوى.. الرعاة اضبطهم والذين يرعونهم ثبتهم..." هذه الصلوات النقية تكون حسب مشيئة الله.
وعليها يأتي الشرط الثاني المهم وهو أن تكون:
(2) باسم السيد المسيح

لأن هكذا علّمتنا الكنيسة:
*في نهاية صلواتنا نقول: "بالمسيح يسوع ربنا".
*وفي صلاة الشكر نختمها فنقول: "بالمسيح يسوع ربنا.. هذا الذي ينبغي له المجد والإكرام...".
*في الصلاة الربانية.. "أبانا الذي في السموات" نقول: "بالمسيح يسوع ربنا لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد أمين".. وفي نهاية صلوات القِسم في القداس.

*في طلبات صلوات "سر الزيجة" أغلبها تختم بـ: "بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي ينبغي له المجد والإكرام...".
*في صلوات وطلبات السيامات (شماس – كاهن - أسقف).. تختم الصلوات بـ: "بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي ينبغي له المجد والإكرام...".
ونحن في صلواتنا الخاصة القلبية نطلب من السيد المسيح، ونُخصص الكلام له والطلبة منه، واثـقين في كلام السيد المسيح له المجد الذي قاله:"لأنَّ أباكُمُ السماويَّ يَعلَمُ أنَّكُمْ تحتاجونَ إلَى هذِهِ كُلها" (مت6: 32).
لذلك فالكنيسة تعلمنا أنه عندما نُصلي.. تكون صلواتنا كلها باسم السيد المسيح ملكنا الحقيقي.. فهو الذي يطلب من الآب باسمنا، وهذا ما تُصليه الكنيسة في طلبة (القداس الغريغوري): "شعبك.. شعبك.. شعبك وكنيستك يطلبون إليك وبك إلى الآب معك قائلين: ارحمنا.. ارحمنا.. ارحمنا يا الله الآب ضابط الكل...".
فنحن نطلب إلى السيد المسيح وبه إلى أبيه الصالح لأنهم الاثنين واحد.."الآبَ فيَّ وأنا فيهِ" (يو10: 38).
شرطًا آخر للصلاة المقبولة وهي أن تكون:
(3) من قلب طاهر نقي

أهم ما يعوق الصلاة هي أن تكون من قلب شرير.. يحمل الشر للغير، متذكرين قول السيد المسيح:
*"الإنسانُ الصّالِحُ مِنْ كنزِ قَلبِهِ الصّالِحِ يُخرِجُ الصَّلاحَ، والإنسانُ الشريرُ مِنْ كنزِ قَلبِهِ الشريرِ يُخرِجُ الشَّرَّ. فإنَّهُ مِنْ فضلَةِ القَلبِ يتكلَّمُ فمُهُ" (لو6: 45).
*وأيضًا.. "فوقَ كُلِّ تحَفُّظٍ احفَظْ قَلبَكَ، لأنَّ مِنهُ مَخارِجَ الحياةِ" (أم4: 23).
فما في قلب الإنسان هو ما يُعبِّر عنه في: تصرفاته، وسلوكياته، بل أيضًا في صلواته.. والقلب الطاهر النقي دائمًا يحمل محبة للآخرين، ويبتعد عن البغضة والكراهية.
فهو قلب يسكن فيه الروح القدس، ويثمر ثماره المعروفة.. "وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ" (غل5: 22-23)..
هذه الثمار تنمو وتكثر إلى أن تفيض بخيرها على الآخرين.
*فنجد الإنسان دائمًا يشكر.. دائمًا فرحان.. دائمًا يتمنى الخير للكل.. دائمًا يُصلي: للمتضايقين، والمحتاجين، والمرضى، والمسافرين، وللذين ليس لهم أحد أن يذكرهم، والذين تحت الأحكام الظالمة،دائمًا يُصلي من أجل الكل.. وهو يؤمن إيمانًا أكيدًا أنه فيما هو يُصلي من أجل الكل فالكل يُصلي من أجله.
*لا يوجد عنده فكر أنانية، ولا حب الأخذ.. فلا يقول: لماذا أصلي أنا من أجل الكل باستمرار وهم لا يُصلون من أجلي.. بل لسان حاله يقول: "إنني أحمل كل الخليقة التي تئن مُتعبة من المشاكل والأحزان في قلبي، فأنا أقف أصلي من أجل الكل".
وأيضًا ما يعوق الصلاة:

الشهوات الكامنة في قلب الإنسان

هذه الشهوات تموج داخل فكر الإنسان، وتسقطه في خطايا عديدة، منها الحسد.. فينظر الإنسان بالعين الحاسدة.. "كل حسد وكل تجربة وكل فِعل الشيطان" (من صلاة الشكر).
*فمن الممكن أن يطلب الإنسان في صلاته بعض الطلبات الخاطئة، التي لا يكون من حقه أن يأخذها.. بل من الممكن أن يطلب في صلاته نزعها من أصحابها.. وهكذا تتحول الصلاة إلى صلاة مرفوضة لأنها من قلب شرير.
*أيضًا إذا كانت العين الشريرة.. تنظر إلى مناظر معثرة، فيتحول القلب إلى قلب غير نقي، به خطايا دنسة مسيطرة عليه.. فتتحول صلاته إلى طلبات خاطئة ملوثة بخطايا الدنس.. هذه الشهوات الكامنة في القلب تعوق صلاة الإنسان.. والصلاة التي من القلب المدنس والمليء بهذه النوعية من الخطايا تعتبر من الصلوات المرفوضة.
*وأيضًا هذه الشهوات الناتجة من عدم عفة الإنسان تفقده الحرارة الروحية والتمتع بصلاته.. فيشعر بالخجل من الوقوف أمام الله.. فإما يغرس عدو الخير في عقله وفكره أنه لابد أن يمتنع عن الصلاة حتى يبطل هذه الأعمال الدنسة.. وإما يُوحي له أن صلاته مرفوضة، وأنه عندما يُصلي يجرم في حق الله.
والهدف من هذا أو ذلك.. هو إيقاع الإنسان في اليأس ويبطل الصلاة.. وهنا يذكرنا القديس الأنبا موسى بقول يقول فيه: "الذي يتهاون بعفة جسده يخجل في صلاته".
هذا الخجل مفيد من ناحية أن يشعر الإنسان بعظمة الخطية، فيمتنع عنها من أجل الصلاة النقية.. فيسعى الإنسان ويُجاهد، ويستمر في حياة التوبة، حتى يُقلع عن هذه الخطايا.. وبالتالي تتحول صلاته إلى صلاة نقية مقبولة عندما ينقي قلبه من هذه الخطايا.
*العقل المرتبط بالشهوات لا يرى موضع للصلاة الروحية، لأن هذا العقل يكون قد تشبع وامتلأ من هذه الشهوات ولا يوجد أي مكان للصلاة.. ولذلك من الممكن أن تكون خطايا الإنسان فاصلًا بينه وبين الله، وهذا ما قاله صريحًا بإشعياء النبي: "ها إنَّ يَدَ الرَّب لم تقصُرْ عن أنْ تُخَلّصَ، ولم تثقَلْ أُذُنُهُ عن أنْ تسمَعَ. بل آثامُكُمْ صارَتْ فاصِلَةً بَينَكُمْ وبَينَ إلهِكُمْ، وخطاياكُمْ ستَرَتْ وجهَهُ عنكُمْ حتَّى لا يَسمَعَ" (إش59: 1-2).
*هذه الخطايا التي صارت كفاصل بيننا وبين الله.. لابد أن تكون كبيرة لأن الله الحنون "لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا" (طلبة آخر كل ساعة).
*فالقلب الطاهر ليس هو القلب الذي قد تطهر من الخطية فقط.. بل أيضًا القلب غير المنقسم على ذاته.. (ونعني هنا القلب الذي لا يعرج بين محبة الله ومحبة العالم).
وللحديث بقية..
إلهنا الصالح يعطينا أن نحيا حياة الشكر المستمرة..
ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:57 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
شروط الصلاة المقبولة 2
نستكمل معُا حديثنا عن شروط الصلاة المقبولة.. ففي المقال السابق تعرضنا لثلاثة شروط وهي أن تكون:
بحسب مشية الله.
باسم السيد المسيح.
من قلب طاهر نقي.
والآن نستكمل الحديث..
شرطًا آخر للصلاة المقبولة وهي أن تكون:
(4) بإيمان كامل

هذا الإيمان الذي تحدث عن السيد المسيح عندما قال:
*"لو كانَ لكُمْ إيمانٌ مِثلُ حَبَّةِ خَردَلٍ لكُنتُمْ تقولونَ لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ مِنْ هنا إلَى هناكَ فيَنتَقِلُ، ولا يكونُ شَيءٌ غَيرَ مُمكِنٍ لَدَيكُمْ" (مت17: 20).
*"الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ كانَ لكُمْ إيمانٌ ولا تشُكّونَ، فلا تفعَلونَ أمرَ التينَةِ فقط، بل إنْ قُلتُمْ أيضًا لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ وانطَرِحْ في البحرِ فيكونُ. وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ" (مت21: 21-22).
فقد وصل الآباء القديسين بصلاتهم النقية لتنفيذ هذه الآية.. وقد ذكر في قصة القديس "مرقس الترمقي".. عندما زاره أحد الآباء بعد فترة كبيرة من انعزاله في البرية وتوحده، فأخذوا يتكلموا في عظائم الأمور.
وفي وسط الحديث سأل القديس مرقس زائره قائلًا له: هل للمسيحيين الآن الإيمان الذي في حجم حبة الخردل الذي يقول للجبل انتقل فينتقل؟ وفيما هو يذكر هذا القول ارتفع الجبل الجالسين عليه من مكانه!! فوضع القديس مرقس يده عليه، وقال له: اثبت يا مبارك إنني لا أقول لك أنت هذا القول.. فرجع الجبل إلى مكانه!!
*هذا الإيمان ينبع من صلاة قوية وجهاد مُضني ونقاء قلب ودموع في الصلاة.
*وأيضًا هذا الإيمان يكون بلا ارتياب، كما قال مُعلِّمنا يعقوب في رسالته: "إنَّما إنْ كانَ أحَدُكُمْ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ، فليَطلُبْ مِنَ اللهِ الذي يُعطي الجميعَ بسَخاءٍ ولا يُعَيّرُ، فسَيُعطَى لهُ. ولكن ليَطلُبْ بإيمانٍ غَيرَ مُرتابٍ البَتَّةَ، لأنَّ المُرتابَ يُشبِهُ مَوْجًا مِنَ البحرِ تخبِطُهُ الريحُ وتدفَعُهُ. فلا يَظُنَّ ذلكَ الإنسانُ أنَّهُ يَنالُ شَيئًا مِنْ عِندِ الرَّب" (يع1: 5-7).
هذا الارتياب أو الشك يفقدنا عمل الصلاة.. لأن لا يأخذ مَنْ لا يُؤمن إيمان أكيد وثيق في الله أنه هو الضابط الكل، الذي يسعى لخيرنا، ويُكلل جهادنا وصلواتنا بالخير، ويُعطينا كل ما نسأل.. بل يعرف احتياجنا قبل أن نسأله، ويلبيه لنا إن كان في خيرنا.

وقد وضع السيد المسيح شرط الإيمان في الصلاة لكي ننال ما نطلب.. حينما قال: "كُلُّ ما تطلُبونَهُ حينَما تُصَلّونَ، فآمِنوا أنْ تنالوهُ، فيكونَ لكُمْ" (مر11: 24).
فالصلاة بدون إيمان تكون باطلة..
والصلاة هي طلبة من السيد المسيح.
فتعالوا بنا نرى مَثلًا حيًا للإيمان الكامل في الطلبة.. وهي المرأة الكنعانية، حينما جاءت تطلب من السيد المسيح من أجل شفاء ابنتها المعذبة، وحديث السيد المسيح معها في (مر15: 26-28):
*"أجابَ وقالَ: "ليس حَسَنًا أنْ يؤخَذَ خُبزُ البَنينَ ويُطرَحَ للكِلابِ".. نرى هنا إيمان المرأة الكامل.. "فقالَتْ: "نَعَمْ، يا سيدُ! والكِلابُ أيضًا تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يَسقُطُ مِنْ مائدَةِ أربابِها!".. ما هذا الإيمان الكامل والاتضاع الغير متناهي؟!
*ونتيجة لهذا الإيمان لم يرفض طلبها السيد المسيح، بل قال لها:"يا امرأةُ، عظيمٌ إيمانُكِ! ليَكُنْ لكِ كما تُريدينَ". فشُفيَتِ ابنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعَةِ".
فقد شفيت ابنتها من أجل إيمانها الكامل في طلبها للسيد المسيح أنه سوف لا يَرُدها ولا يخزها.
فتعالوا بنا نأخذ هذه المرأة الكنعانية مَثلًا حيًا لنا في الإيمان الكامل في الصلاة والطلبة.. لأن الصلاة بدون إيمان تعتبر صلاة باطلة ليس لها مفعول.
*وهنا يقول القديس يوحنا الدرجي: "الإيمان هو جناح الصلاة، بدونه تعود الصلاة إلى جفن الإنسان ثانية".
(5) في طاعة كاملة

البعض الكثير يقول: لماذا لا ننال ما نسأل في الصلاة؟ لماذا لا يستجيب الله؟ لماذا لا نستطيع أن نقول مع يوحنا الرسول: "ومَهما سألنا نَنالُ مِنهُ، لأنَّنا نَحفَظُ وصاياهُ، ونَعمَلُ الأعمالَ المَرضيَّةَ أمامَهُ" (1يو3: 22)؟
إن السبب هنا لا يكمن في أن يوحنا كان رسولًا، وكان من المقربين للسيد المسيح.. ونحن مجرد مؤمنين عاديين.. فيوجد هنا تفرقة بين الناس على حسب مستواهم ووضعهم.
لكن السبب الأساسي الذي دفع يوحنا الحبيب أن يقول هذا، لأنه استطاع أن يحفظ وصايا الله ويعمل الأعمال الصالحة المرضية أما السيد المسيح.. بل ويُطيع الله في كل شيء.
فالطاعة لوصايا الإنجيل والسيد المسيح..
هي التي تجعل صلاتنا لها فاعلية وتأثير.
فكما ذكر مار اسحق: "الطاعة تُخليك مسئولية الطريق"، "الطاعة سفر أثناء النوم".
هذه الطاعة التي جعلت قطعة حطب (فرع شجرة جاف) ينبت ويُخرج أوراقًا، حينما أطاع القديس يحنس القصير مُعلِّمه ومُرشده الأنبا بيموا عندما أعطاه له، وقال له: "اذهب اغرس هذا الفرع واسقيه".. فلم يتردد القديس يحنس، وجلس على هذا الوضع ثلاثة سنوات يذهب كل يوم بضعة أميال ليسقه دون شك ولا تردد بل وبلا تذمر، وفي آخر الثلاث سنوات أورق هذا الفرع الجاف بالأوراق الخضراء.
*فهل نقدر نحن في هذه الأيام أن نفعل هذا؟
*أم كل شيء الآن نحسبه بالعقل والتفكير وتراجع الإيمان والطاعة حتى لأب الاعتراف؟
نشكو لأب الاعتراف أن صلواتنا نصليها بفتور وعدم إحساس بالحضرة الإلهية، وعندما يقول لنا أن نستمر في الصلاة.. نفكر ونجادل ونقول: "مش ها ينفع.. أنا مش متمتع بالصلاة.. مش حاسس بها.. أنا ها أبطل صلاة حتى يحين الوقت الذي أشعر فيه بحرارة روحية وشوق للصلاة.. فأصلي في هذا الوقت".. وعندما يقول لك أب اعترافك: "كن حذرًا من هذا الفكر فهو حرب من حروب الشيطان".. نجادل ونلاجج ونعترض.. أين الطاعة؟!
صدقني يا أخي.. إذا أخذت بركة الطاعة، وأطعت أبيك.. فسوف تستمتع بالصلاة، وتكون صلاتك مقبولة ومسموعة أفضل مما تظن أو تفكر.."الطاعة خير من تقديم ذبائح".
(6) تقدم مع الشكر

ما أجمل الصلاة التي تمتزج بالشكر.. فالشكر هو أعلى درجات الصلاة، لأنه يرتفع عن المستوى البشري والطلبات الكثيرة.
نحن نشكره على كل شيء.. لذلك وضعت الكنيسة صلاة الشكر في مقدمة الصلوات والأسرار وكل شيء، لكي نقول للسيد المسيح أولًا قبل أن ندخل في أي شيء: "نشكرك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال".. لماذا؟ "لأنك سترتنا وأعنتنا وحفظتنا وقبلتنا إليك وأشفقت علينا وعضدتنا وأتيت بنا إلى هذه الساعة".
*فمُعلِّمنا بولس الرسول تكلم كثيرًا عن هذا الشكر فقال: "شاكِرينَ كُلَّ حينٍ علَى كُل شَيءٍ في اسمِ رَبنا يَسوعَ المَسيحِ، للهِ والآبِ" (أف5: 20).
*وأحد الآباء القديسين قال: "ليست موهبة بلا زيادة إلاَّ التي بلا شكر".
فالشكر الذي نقدمه في الصلاة هو تعبير عملي على أننا نحب الله، ونلمس محبته لنا وعملة الخلاصي الذي قدمه لنا، وعملة اليومي المستمر معنا في تسديد احتياجاتنا.. فالإنسان يتعود أن يُصلي وهو يشكر، ويطلب بإلحاح دون ضجر.
في الواقع إننا نشكر الناس على عملهم معنا أكثر من الله أضعاف.. فحينما يقدم لنا أحد الأشخاص أي مساعدة ولو بسيطة فنشكره كثيرًا.. ومع ذلك الله يقدم كل يوم وكل دقيقة فيه إحسانات غير معدودة، ولكننا لا نقدرها ولا نشكره عليها!! وهنا ننهي كلامنا.. بأن أقول لك:
لا تتمرد على الله في الصلاة، ولا تُعاتبه بطريقة خارجة عن حدود اللياقة في الكلام.
فإذا كان لنا حدود في كلامنا مع بعضنا كبشر.. فما بال حدودنا مع الله خالق كل البشر!!
يجب أن نتحدث مع الله بمحبة وبدالة البنين.. وليس مثل القاضي الذي يُحاكم المقصِّر في حقه.. فإذا تعودنا أن نشكر الله باستمرار.. فسوف يقبل صلواتنا ويستجيب لطلباتنا، ونشعر بحبة وحنانه، واستجابته لصلواتنا.. حينما نقدمها بشكر من كل القلب.
إلهنا الصالح يعطينا أن نحيا حياة الشكر المستمرة..
ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 03:58 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
اهتفوا.. لأن الرب قام

الراهب القس بطرس البراموسي

http://www14.0zz0.com/2013/10/23/00/119661206.jpg

لقد ظهر الملاك للمريمات قائلًا لهن: "لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟"
(لو24: 5).

لقد بحثن عنه النساء الصالحات، وذهبن إلى القبر.. "وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ" (مت28: 1)
يطلبن القائم من الأموات.

كانت دموعهن ما زالت تسيل من عيونهن.. بينما كان من الواجب عليهن أن يبتهجن ويفرحن من أجل الذي قام من الموت.

ذهبت مريم المجدلية طالبة إياه، ولكنها لم تجده.. ثم سمعت بعد ذلك من الملائكة أنه قام، وبعدها رأت السيد المسيح.

فقد تمثلث المجدلية بعذراء النشيد عندما قالت: "فِي اللَّيْلِ عَلَى فِرَاشِي طَلَبْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ." (نش3: 1)..
هكذا حدث من المجدلية.. "وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا وَالظّلاَمُ بَاقٍ. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ" (يو1:20).

وعندما رأت المجدلية الملاك قالت له: " إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ" (يو20: 13)
لكن الملائكة عالجوا جهلها بالأمر وبقوة لاهوت السيد المسيح، فقال لها الملاك: "لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟" (لو24: 5).

فيريد أن يقول لها.. لم يقم هو فقط بل قام وأقام معه أمواتًا آخرين، لكنها جهلت الأمر ولم تفهمه أو تصدقه.. وهذا ما قالته عذراء النشيد: "وَجَدَنِي الْحَرَسُ الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ فَقُلْتُ: "أَرَأَيْتُمْ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي؟" فَمَا جَاوَزْتُهُمْ إِلاَّ قَلِيلًا حَتَّى وَجَدْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُ بَيْتَ أُمِّي وَحُجْرَةَ مَنْ حَبِلَتْ بِي" (نش3: 3-4).

لذلك بعد رؤية الملائكة حضر السيد المسيح بمفرده. إذ يقول الإنجيل:"وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: "سَلاَمٌ لَكُمَا". فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ" (مت28: 9)، وأمسكتا بقدميه لكي يتم ما قيل في نشيد الأنشاد: "فَأَمْسَكْتُهُ وَلَمْ أَرْخِهِ" (نش3: 4).

وبعد ذلك قال الملاك لهن: "اذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا" (مت28: 7).
فخرجتا سريعًا لتعلن وتهتف أن الرب قا


وأنت أيها الموت ماذا كان ردك أو موقفك؟

لقد هرول الموت سريعًا.. ارتعب الموت وهو يرى إنسانًا جديدًا نازلًا إلى الجحيم بدون أن يكون مقيدًا بقيوده الموجودة هناك على البشر جميعًا.



فلأي سبب يا حراس الهاوية ترتعبون حينما رأيتموه آتيًا إليكم.. إلى جحيمكم؟

أي خوف غريب قد استحوذ عليكم؟

لقد هرول الموت مسرعًا وهرب. وهذا يدل على جبنه وضعفه.. فهو لم يقدر أن يقف أمام القائم.. لم يقدر أن يمسك مَنْ بيده الموت والحياة.

لقد فدى السيد المسيح جميع الأبرار الذين ابتلعهم الموت، لأنه كان ينبغي لذاك الذي كُرز بأنه ملك يصير محررًا للذين كرزوا به.

فافرحي يا أورشليم بل كل المسكونة وكل نفس بشرية، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. افرحوا يا جميع الذين تحبون يسوع لأنه قام من الأموات.. افرحوا يا مَنْ كنتم قبلًا حزانى وأنتم تسمعون عن كل الشرور والجرائم التي فعلها اليهود بوقاحة، لأن الذي كان مهانًا ومحتقرًا من اليهود قام من بين الأموات.. مثلما كان محزنًا كل ما سمعتموه عند الصليب، هكذا بشارة القيامة الحسنة تملأ كل الحاضرين بالسرور.

ليت الحزن يتحول إلى ابتهاج والنوح إلى فرح.. وليمتلئ فمنا فرحًا وسرورًا لأن الرب بعد قيامته المجيدة قال: "سَلاَمٌ لَكُمَا" (مت28: 9).

حقًا لقد قام الذي مات والحر بين الأموات.. "وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: "هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ الْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا" (مز87: 5).

فتعالوا بنا نبشر للجميع ونقول لهم: "اهتفوا لأن الرب قام".. صارخين جميعًا قائلين: "أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" (1كو15: 55).

أخرستوس آنيستى Χριστός ἀνέστη.. آليثوس آنيستى Ἀληθῶς ἀνέστη



ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.


Mary Naeem 13 - 06 - 2014 04:00 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
المسيحية ومفهوم الألم
إن التاريخ البشري حافل جدًا بأنواع لا حصر لها.. من الآلام والمآسي والأحزان التي حلّت به، ومازالت متوالية.. وسوف تستمر بدون انقطاع.
فالسيد المسيح بنفسه تألم كثيرًا.. "البارُّ مِنْ أجلِ الأثَمَةِ" (1بط3: 18).. فهو"رَجُلُ أوجاعٍ ومُختَبِرُ الحَزَنِ" (إش53: 3).
فباحتماله هذه الآلام المبرحة (وهي ليست الآلام الجسدية فقط) في قصة جلده وصلبه.. ولكنه منذ لحظة ولادته تألم كثيرًا..
*ولادته في مذود في شهر كيهك القاصي البرودة.
*وهروبه إلى أرض مصر وهي المدة التي زادت عن سنتين وهو طفل رضيع.
*واحتمال مشقة السفر والهروب بسرعة من بلد لأخرى.
*وفي خدمته احتمل إهانات اليهود، واتهاماتهم له أنه مضل ويُخرج الشياطين برئيس الشياطين، وأنه سامري وبه شيطان ومجدف..
-"أمّا الفَرّيسيّونَ فقالوا: "برَئيسِ الشَّياطينِ يُخرِجُ الشَّياطينَ!" (مت9: 34).
-"وأمّا الكتبةُ الذينَ نَزَلوا مِنْ أورُشَليمَ فقالوا: "إنَّ معهُ بَعلَزَبولَ! وإنَّهُ برَئيسِ الشَّياطينِ يُخرِجُ الشَّياطينَ" (مر3: 22).
-"فقالَ كثيرونَ مِنهُمْ: "بهِ شَيطانٌ وهو يَهذي. لماذا تستَمِعونَ لهُ؟" (يو10: 20).
كل هذه الآلام احتملها مسيحنا المُعلّم الصالح لكي يعلمنا ويعطينا مفهومًا جديدًا للألم.. فقد حوّل الألم من عقوبة إلى بركة (الصليب من لعنة إلى قوة وخلاص).
وعلى نفس خُطى مخلصنا الصالح سار معلمنا بولس الرسول، الذي استعذب الألم وذاق حلاوته، واختبر بركته.. فنجده حينما يتكلم عن الألم يقول: "قد وُهِبَ لكُمْ لأجلِ المَسيحِ لا أنْ تؤمِنوا بهِ فقط، بل أيضًا أنْ تتألَّموا لأجلِهِ" (في1: 29).

فالبعض لعدم اقترابهم لله، وسعيهم وراء الماديات، وعدم اقترابهم إلى المذبح والأسرار.. يحيوا حياة السطحية الروحية. فلعدم تذوقهم لمحبة الله لهم، وجهلهم لحكمة الله في العناية بحياتهم، وعدم تسليمهم لمشيئة الله.. يعثرون في الله بسبب هذه الآلام، فيضعفون أمامها، ويتذمرون على الله بطريقة مباشرة في كلامهم، الذي ينم على الاعتراض المستمر على أحكام الله.. أو بطريقة غير مباشرة وهي عدم شكرهم وقبولهم الألم لفائدتهم الروحية.. بل قد يصل البعض لدرجة عالية جدًا من عدم احتمال الألم، وهو التجديف على السيد المسيح نفسه، واصفين إياه بعدم الرحمة وعدم العدل وعدم العناية وعدم الاهتمام.. ناسبين إليه الظلم والافتراء.. وذلك نتيجة لجهلهم بحكمة الله.
وهكذا مع الأسف الشديد نراهم فيما هم يتجرعون كؤوس الألم بكثرة.. كأس تلو الآخر.. رغم أنوفهم وإرادتهم.. يحرمون أنفسهم من بركات هذه الآلام.. متجاهلين تمامًا أن الإنسان طالما يحيا في الجسد فلا بد له أن يتألم لسبب أو آخر.
لذلك عندما جاء السيد المسيح ليقدم لنا مفهومًا جديدًا لكل شيء.. قدم لنا ذاته كمثال.. فنراه منتصرًا على الألم، وذلك في معجزات الشفاء وإقامته للموتى.. هذه المعجزات كانت مقدمة ومؤشرًا واضحًا لانتصاره النهائي والعظيم على الألم وهو فوق الصليب.
مَنْ يستطيع أن يحتمل كل هذه الآلام النفسية والجسدية؟! ومع ذلك يصرخ وهو في قمة آلامه: "يا أبَتاهُ، اغفِرْ لهُمْ، لأنَّهُمْ لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلونَ" (لو23: 34).
هذا هو الاحتمال الغير متناهي..
بل الاحتمال الغافر لآثام الآخرين..
الملتمس الأعذار.
*فهو الذي أتم نبوة إشعياء النبي: "لَكِن أحزانَنا حَمَلها، وأوجاعَنا تحَمَّلها" (إش53: 4).
*وهو الذي كان يشفي المرضى بدون استثناء..
"لكَيْ يتِمَّ ما قيلَ بإشَعياءَ النَّبي القائلِ: "هو أخَذَ أسقامَنا وحَمَلَ أمراضَنا" (مت8: 17).
"لأنَّهُ كانَ قد شَفَى كثيرينَ، حتَّى وقَعَ علَيهِ ليَلمِسَهُ كُلُّ مَنْ فيهِ داءٌ. والأرواحُ النَّجِسَةُ حينَما نَظَرَتهُ خَرَّتْ لهُ وصَرَخَتْ قائلَةً: "إنَّكَ أنتَ ابنُ اللهِ!" (مر3: 10-11).
وجاء السيد المسيح ليعطي للألم مفهومًا جديدًا..
وهو (البركة).
فقد حوّل مفهوم الألم على أنه (عقوبة)، كما كان يظن شعوب العالم في العهد القديم، وكما وضح ذلك في قصة شفاء مريض بين حسدا.. فبعد أن شفاه السيد المسيح قال له: "ها أنتَ قد بَرِئتَ، فلا تُخطِئْ أيضًا، لِئلا يكونَ لكَ أشَرُّ" (يو5: 14).
فأوضح السيد المسيح أن لا يوجد أي علاقة بين الخطيئة وأي مرض أو حدث يحدث للشخص،في ذكره حادثة قتل هيرودس للجليليون الذين خلط دمائهم بذبائحهم، أو الذين سقط عليهم البرج في سلوام.. "وكانَ حاضِرًا في ذلكَ الوقتِ قَوْمٌ يُخبِرونَهُ عن الجليليينَ الذينَ خَلَطَ بيلاطُسُ دَمَهُمْ بذَبائحِهِمْ. فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: "أتَظُنّونَ أنَّ هؤُلاءِ الجليليينَ كانوا خُطاةً أكثَرَ مِنْ كُل الجليليينَ لأنَّهُمْ كابَدوا مِثلَ هذا؟ كلاَّ! أقولُ لكُمْ: بل إنْ لم تتوبوا فجميعُكُمْ كذلكَ تهلِكونَ. أو أولئكَ الثَّمانيَةَ عشَرَ الذينَ سقَطَ علَيهِمُ البُرجُ في سِلوامَ وقَتَلهُمْ، أتظُنّونَ أنَّ هؤُلاءِ كانوا مُذنِبينَ أكثَرَ مِنْ جميعِ الناسِ السّاكِنينَ في أورُشَليمَ؟ كلاَّ! أقولُ لكُمْ: بل إنْ لم تتوبوا فجميعُكُمْ كذلكَ تهلِكونَ" (لو13: 1-5).

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 04:00 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
اللاهوت الطقسي

http://i14.servimg.com/u/f14/12/34/58/10/untitl10.jpg

الراهب القس بطرس البراموسي

ما هو اللاهوت الطقسي؟

إن عبادتنا الجماعية (الصلوات التي نشترك فيها جميعًا) إذا كانت في الكنائس أو الاجتماعات الروحية عادة ما تتم في طقوس معروفة ومتفق عليها.. (أي نظام الكل يشترك فيه دون أن يشذ أحد عن هذه القواعد أو النُظم المُتفق عليها).

فالطقوس هي عبارة عن مجموعة صلوات وطلبات، ويدخل من ضمنها الشموع واستخدامها، والأيقونات وطريقة وضعها في الكنيسة، ودورات البخور التي تتم في رفع بخوري عشية وباكر، وفي القداس، ودورات الأناجيل في عيدي الصليب وباكر أحد الشعانين.. وغير ذلك من ترتيبات.. فهي تعتبر تراثًا ثمينًا جدًا نفخر به لأننا تسلمناه من أجدادنا ونحافظ عليه.


فمن مميزات كنيستنا القبطية الأرثوذكسية هي أنها كنيسة طقس وليتوروجيا.. فعمق عبادتنا يتمثل في المعنى الداخلي العميق للطقس وليس في شكله الخارجي.

لذلك يجب أن ننظر إلى الطقوس بفهم ونعي جيدًا ما هو الهدف منها.

ما هو الهدف من الطقوس؟

الهدف الأساسي منها هو أن يرتفع فكرنا عن الخطية.. وهنا نقول ما هو معنى هذا الكلام؟ أو ما هي علاقة الطقوس بالبُعد عن الخطية؟

الإجابة هي أنه عندما سقط الإنسان الأول (آدم وحواء) في الخطية.. ابتعد عن الله، ولكن لم يتركه الله في هذا الابتعاد وهذه الحياة المستمرة في الخطية.. بل دبّر الله قصة تجسده وتأنسه من السيدة العذراء، فصار الله ابنًا للإنسان وهو السيد المسيح الإله المتجسد (الله الظاهر في الجسد).. وكل ذلك كان لكي يعيدنا إليه.

لذلك فالعبادة المسيحية محورها الأساسي هو رفع الإنسان الساقط الذي يعيش في الخطية إلى الله الكلي القداسة، وهذا ما قاله القديس أثناسيوس الرسولي: "لقد صار الله ابنًا للإنسان لكي يُصير الإنسان ابنًا لله".

فالطقوس المسيحية أو عبادتنا الطقسية تجسد لنا كل حياة السيد المسيح على الأرض، لأنه "شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها" (القداس الغريغوري).. وتمثل لنا ميلاده العجيب، وأقواله، وتعاليمه، ومعجزاته، وآلامه وصلبه ودفنه، وقيامته من الموت، وصعوده إلى السموات.

فكل ما صنعه السيد المسيح من أجل خلاص العالم والإنسان هو متجسد أمامنا في الطقوس التي تُمارس يوميًا وفي المناسبات الكنسية على مدار السنة كلها.

لذلك فجوهر عبادتنا المسيحية الأصيل هو التمتع بالسيد المسيح حاضرًا أمامنا من خلال الطقوس.

وهنا نطرح سؤالًا وهو:

كيف يحضر السيد المسيح في الطقوس؟


والإجابة هنا سهلة وبسيطة.. وهو أن السيد المسيح يحضر حضورًا سريًا غير منظورًا من خلال الطقوس، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. فهذا ليس لغزًا صعبًا يحتاج إلى تفسير أو إيضاح، مع التأكيد أن حضوره يكون حقيقيًا وليس رمزًا أو نسجًا من الخيال.

* فالسيد المسيح حاضر حضورًا فعليًا في الرموز التي ترمز إليه (الطقوس أو المواد المستخدمة في الأسرار).

* فهو حاضر حضورًا فعليًا في الخبز والخمر المتحولين بعد التقديس في القداس إلى جسد ودم حقيقيين.

وهذه هي الغاية العظمى من طقوس العبادة في المسيحية.. فهي ليست طقوس جافة مثل طقوس العبادات الوثنية أو اليهودية، لكنها حياة معاشة يشعر بها الإنسان الذي يمارسها بعمق وروح وفهم ووعي كامل.. إنها ليست رموز ولكنها حقيقية.

إذًا فالطقوس هي ترتيب إلهي وليست من وضع أو صنع إنسان حسب هواه أو مزاجه الشخصي.. فهي عمل إلهي لأن الله رسمها وأوجدها منذ أن وُجدت الخليقة عامة.. وهذا ما أوضحه أول أصحاح من سفر التكوين عندما خلق الله السموات والأرض.. يقول: "ورأَى اللهُ كُلَّ ما عَمِلهُ فإذا هو حَسَنٌ جِدًّا" (تك1: 31).

لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 04:02 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
كيف نربي أولادنا في خوف الرب؟
الاهتمام الروحي مثل الاهتمام الجسدي:
نهتم بالأكل والشرب واللبس.. فالأم تجهز أشهى المأكولات.
نحضر لأولادنا أشيك وأنيق ملابس بل وأحدث ما ظهر في الأسواق.
نوفر لهم كل احتياجاتهم الشخصية.
نعطيهم مصروف اليد حسب طلبهم دون الرجوع لأي أحد أو تقرير أي مصاريف.
يهتم الأب بالشغل، وتتحول حياته إلى شغل في شغل.. (يصبح دوره مُهمش في البيت.. يأتي الأب من الشغل.. يأكل.. يجلس أمام التليفزيون... يقرأ الجرائد ثم ينام...).
ما هو دورنا في تربية وتهذيب أولادنا؟
يغفل علينا كثيرًا أن دورنا الأساسي المهم ليس سد احتياجات الجسد فقط بالنسبة لأولادنا.. ولكن تنشئتهم وتربيتهم التربية المسيحية السليمة.
وهنا يحضرني بعض الأسئلة:
مَنْ منَّا يهتم أن يسأل ابنه أو ابنته عن متى آخر مرة اعترف فيها؟
مَنْ منَّا يهتم أن يسأل ابنه أو ابنته عن آخر مرة تناول فيها؟
مَنْ منَّا يهتم أن يسأل ابنه أو ابنته صليت اليوم أم لا؟
مَنْ منَّا يهتم أن يستيقظ مبكرًا ويوقظ أولاده يوم الجمعة لكي يحضر بهم إلى الكنيسة مبكرًا لحضور القداس؟
نحن كثيرًا ما نغفل دورنا كآباء وأمهات في تربية أولادنا واهتمامنا بهم روحيًا، ونلقي بالملامة باستمرار على الكنيسة وعلى الخدام والكهنة.
كم ساعة يقضيها ابنك في الكنيسة خلال الأسبوع لكي تقول ذلك؟

3 ساعات قداس + 2 ساعة مدارس أحد + 5 ساعات أنشطة = 10 ساعات.
الأسبوع به 7 ×24 = 168 ساعة.
أين يجلس ابنك أكثر.. في البيت والمدرسة ومع أصدقاء السوء.. أم في الكنيسة؟
إذًا الوقت الذي يقضونه في الكنيسة 1 / 17من وقتالأسبوع أي 6 - 7%.
كيف نحبب أولادنا في ربنا؟
لا أستطيع أن أحبب أولادي في ربنا إلاَّ إذا أنا نفسي أحببت ربنا أولًا.
نحن في بعض الأحيان نغفل أو نتغافل عن نقطة وهي أن أولادنا يتعلموا منَّا سلوكياتنا العامة.. فهم ينظرون لنا كما في مرآة.
في بعض الأحيان نعظهم عن الصوم والصلاة وأهميتهما ولابد أن نمارسهما، ولكن يجدونا نفعل عكس ذلك.. أكيد سوف يعترضوا على كلامنا أو نسقط من نظرهم.
نحن لا نستطيع أن نحب الله أو نحبب أولادنا في الله إلاَّ إذا أحببنا بعضنا بعضًا.
يقول معلمنا يوحنا الرسول:
"بهذا أولادُ اللهِ ظاهِرونَ وأولادُ إبليسَ: كُلُّ مَنْ لا يَفعَلُ البِرَّ فليس مِنَ اللهِ، وكذا مَنْ لا يُحِبُّ أخاهُ" (1يو3: 10).
"لا تتعَجَّبوا يا إخوَتي إنْ كانَ العالَمُ يُبغِضُكُمْ. نَحنُ نَعلَمُ أنَّنا قد انتَقَلنا مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ، لأنَّنا نُحِبُّ الإخوَةَ. مَنْ لا يُحِبَّ أخاهُ يَبقَ في الموتِ" (1يو3: 13-14).
"يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللسانِ، بل بالعَمَلِ والحَق!" (1يو3: 18).
كيف أربط أولادي بالكنيسة؟
نحن نرى الآن كثرة التيارات التي تنشر الانحلال الأخلاقي والتي تموج بها البشرية.. وهذا ما يسميه البعض "بالتحضر والتحرر".. وأصبحنا ونحن شرقيين في تربيتنا نسلك سلوك الغربيين الذي هو في نظرنا سلوك منحل وبعيد عن الدين والكنيسة وغيره.
نحن كآباء وأمهات نحتاج أولًا أن يكون لنا البناء الروحي السليم والكيان المسيحي الذي لا يهتز أمام تيارات العالم.
نحن المسئولون أولًا وأخيرًا عن تربية أولادنا فأمامنا طريقين ليس ثالث لهم.
إما أن نخاف على أولادنا ونسقيهم لبن الإيمان السليم والحفاظ على حياتهم وعفتهم وطهارتهم وجسدهم في كل شيء،وإما أن نتركهم فريسة سهلة للشيطان ولكل التيارات المنحرفة.. التي نسمع عنها الآن.
فلو قلنا نحن لا نريد أن نجرح مشاعرهم ولذلك لا نوجه لهم أي ملامة.. نكون قد تركناهم يعملوا كل شيء خطأ ولم نقف أمامهم ونوجههم.. فسوف تنهدم عندهم كل القيم السليمة.. نتركهم فريسة للشيطان.
عادات خاطئة في تربية الأولاد
ممكن نغرس في أولادنا هذه الرذيلة دون أن ندري.
أحد يسأل علينا في التليفون.. (قول له مش موجود).
أحد حضر لمقابلتنا ونحن لا نريد أن نقابله.
نجبر الأولاد على ذلك ونقول لهم أنتم تقولوا مثلما أنا بأقول لكم وليس عليكم أي مسئولية.. ثم ندخل بعد ذلك في قصة الكذبة البيضاء.. أو كذبة بسيطة لموقف يعدي.
ندخن ونشرب أمام أولادنا.
فيضر نفسه ويضر الآخرين بتلوث الهواء.
ممكن يعطى أبناءه ولو قليلًا.. ويقول هذا أمامي فقط.
إنفاق الأموال الكثيرة في ذلك وحرمان البيت والأولاد منها.
ممكن هذا الشخص يقول أنا موفر للبيت كل احتياجاته ولأولادي كذلك.. وأنا حر في صحتي وفي باقي مالي.. أنت لست حرًا.. لأن هؤلاء البيت والمال وزنة في يدك.
النقود تؤدى بهم إلى الانحراف في أي تيار.. وذلك بحجة أنا لا أريد أولادي يكونوا محتاجين لأي شيء.
الموبايل أحدث ماركة وشحن بلا حساب.
كثرة النقود في يد الأولاد يؤدي باستمرار بهم إلى الانحراف، لأنهم لا يعون جيدًا قيمة المال.. ثم بعد ذلك نأتي ونشتكي للكنيسة (الحقوا أولادنا ماشين في تيار منحرف...).
تقع الأم في هذه المشكلة.. خلي بنتي تلبس على الموضة.
تترك الأم ابنتها تلبس حسب هواها لكي لا تزعلها أو تضايقها.
قد تتهم الأم الخادمات بأنهم معقدات أو بيغيروا من ابنتها.
ممكن الأم تكون هي التي تسلك هذا السلوك ثم ترثه منها ابنتها.
فالمشاجرات بين الزوج والزوجة قد يلاحظها الأولاد.. خاصة إذا كانت بها ألفاظ جارحة.
يرونا أولادنا غير صائمين ونقول لهم صوموا، أو نمنعهم عن الصوم أصلًا خوفًا على صحتهم.
ربنا يبارك حياتكم وأسركم وأولادكم..
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 13 - 06 - 2014 04:03 PM

رد: مقالات أبونا الراهب القس بطرس البراموسي
 
خطوات نحو القداسة
https://upload.chjoy.com/uploads/thu...9315109712.jpg
الراهب القس بطرس البراموسي

فهرس

حياة التوبة المستمرة

ما هي التوبة؟

حياة التوبة المستمرة

الصلاة

أهم شيء في الصلاة

وضوح الهدف

"بل نَظيرَ القُدّوسِ الذي دَعاكُمْ، كونوا أنتُمْ أيضًا قِديسينَ في كُل سيرَةٍ. لأنَّهُ مَكتوبٌ: "كونوا قِديسينَ لأني أنا قُدّوسٌ". وإنْ كنتُم تدعونَ أبًا الذي يَحكُمُ بغَيرِ مُحاباةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُل واحِدٍ، فسيروا زَمانَ غُربَتِكُمْ بخَوْفٍ" (1بط1: 15-17).

حياة التوبة المستمرة


ما هي التوبة؟

* هل هي ترك للخطية؟

هي كذلك.. ولكن هذا لن يعطي سلامًا للنفس.

* هل هي كره للخطية؟

هذا جيد.. ولكن هذه ليست بداية الطريق.. كيف يستطيع الإنسان أن يكره شيئًا يحبه قلبه؟

* هل هي أعمال نسكية؟

صوم، ميطانيات، قرع صدر، تنهد، بكاء... هذه أعمال تساعد على التوبة ولكنها ليست هي التوبة.

* هل هي فعل الصلاح؟

قد تعملها الأمم والشعوب الأخرى "أي ديانة أخرى".

* التوبة هي رجوع إلى حضن الآب.. ارجعي يا نفسي إلى موضع راحتك.

* التوبة هي رجوع للحالة الأولى لآدم في الفردوس.. على صورة الله خلقه.

* الخطية انفصال عن الله، والتوبة هي رجوع النفس إلى الله مرة أخرى.

* التوبة هي التصادق النفسي الدائم بالله مصدر راحتها وتعزيتها.

* التوبة هي تنقية داخل الكأس (القلب).

أول خطوة نحو القداسة هي أن أحيا حياة التوبة المستمرة:

في سن الشباب هذا تسيطر علينا بعض العادات سنين طويلة. ومن الممكن أن نحيا فيها وقتًا كبيرًا ولا نستطيع أن نتوب لأننا نحب الخطية ونتلذذ بها.. فيجب أن نقف وقفة صارمة مع الخطية ونتوب عنها لنبدأ بداية جديدة مع السيد المسيح.


الصلاة

التوبة الحقيقية هي الصلاة بروح منسحق.. الصلاة بقلب مجروح بالتوبة.

التوبة هي الصلاة بروح العشار الذي لم يشأ أن يرفع عينه إلى فوق وقال: اللهم ارحمنى أنا الخاطئ

الصلاة من كل القلب وكل الفكر وكل العاطفة.

* التوبة ليست أعمالًا خارجية أو ممارسات نسكية، ولكن التوبة هي تطهير القلب الداخلي. هي عمل الله الخفي داخل القلب

* وكما أخذ واحد من السيرافيم جمرة نار من على المذبح ومس بها شفتي إشعياء النبي فأنتزع إثمه،.. "فقُلتُ: "ويلٌ لي! إني هَلكتُ، لأني إنسانٌ نَجِسُ الشَّفَتَينِ، وأنا ساكِنٌ بَينَ شَعبٍ نَجِسِ الشَّفَتَينِ، لأنَّ عَينَيَّ قد رأتا المَلِكَ رَبَّ الجُنودِ". فطارَ إلَيَّ واحِدٌ مِنَ السَّرافيمِ وبيَدِهِ جَمرَةٌ قد أخَذَها بمِلقَطٍ مِنْ علَى المَذبَحِ، ومَسَّ بها فمي وقالَ: "إنَّ هذِهِ قد مَسَّتْ شَفَتَيكَ، فانتُزِعَ إثمُكَ، وكُفرَ عن خَطيَّتِكَ" (إش6: 5-7).. هكذا التوبة.. هي وضع جمرة النار (الاسم القدوس الذي لربنا يسوع المسيح) داخل القلب لتطهره من كل الأهواء والشهوات

هكذا اختبر الآباء القديسون وعلمونا أن بداية طريق التوبة هو الصلاة.

وطريق الصلاة طويل.. من الصلاة بالشفتين إلى الصلاة الدائمة إلى صلاة القلب.. وتكمل بالإتحاد بالله.

* الذي يتهاون بصلاته ويظن أنه يوجد باب آخر للتوبة فهو مخدوع من الشياطين(مار اسحق السرياني).

أهم شيء في الصلاة:

* حراسة العقل من الأفكار الطياشة.

* عدم التفكير في الأفكار الدنسة.

* جمع العقل وعدم السرحان.

* عدم التشتت في الصلاة.

ممكن أن نتدرب على صلاة يسوعيا ربى يسوع المسيح ارحمنى أنا الخاطئ. بها نحفظ فكرنا من الطياشة.

*
العقل الفارغ معمل للشيطان(أبو مقار).

*
داوم ذكر الاسم القدوس اسم ربنا يسوع المسيح.. فهذه الجوهرة التي من أجلها باع التاجر الحكيم كل أهوية قلبه واشتراها وأخذها إلى داخل بيته فوجدها أحلى من العسل والشهد في فمه. فطوبى لذلك الإنسان الذي يحفظ هذه الجوهرة في قلبه، فإنها تعطيه مكافأة عظيمة في مجد ربنا يسوع المسيح
(القديس أبو مقار).


وضوح الهدف

* أهم شيء في حياة الإنسان الروحية هو أن يكون مستقيمًا في كل ممارساته الروحية.

* العدو يستطيع أن يزرع داخل قلب الإنسان اهتمامات كثيرة.. مثل الزوان الذي زرع في الحقل.

* يجب مراقبة النفس.. أي طريقة تميل إليه؟ سواء كان نحو الله أو لأجل الصلاح نفسه أو لأجل فائدة النفس.

* الإنسان الروحي يضع أمام عينيه هدف يصل إليه في حياته الروحية وهو الله..
كما يضع أمام عينية هدف عالي وهو النجاح في الدراسة والعمل والحياة الاجتماعية وغيرها


* كذلك يجاهد طول عمرة لكي يصل لقامة روحية عالية.. "اذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ" (جا12: 1).

لإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.


الساعة الآن 04:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025