![]() |
كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية القمص أثناسيوس فهمي جورج مقدمة يتضمن هذا الكتاب تأملا روحية ولاهوتية وطقسية من أجل فهم أفضل لأسبوع آلام الرب المقدسة، وهي في جملتها رحلة شركة مع المسيح المصلوب من أجل خلاصنا وشفاء طبيعتنا. يسرنى أن أقدمه إلى أبناء كنيستى الذين أنا مدين لهم بالحب والتشجيع، أقدمه لكل من يشتاق إلى أن يعيش خبرة البصخة المقدسة التي لمخلصنا الصالح، لكي يكملها لنا المسيح إلهنا ويباركنا بكل بركة روحية ويرينا فرح قيامته سنين كثيرة. والتأملات التي نقدمها في هذا الكتاب هي تأملات آبائية تعكس روحانية وفكر آباء الكنيسة الأولى، إلا أننى حرصت على تقديمها في صورة مبسطة أكثر منها دراسية لنتذوق لذة الحوار والجلوس عند صليب المخلص. إننى أضع هذا الكتاب عند أقدام المسيح المصلوب الذي أحبنا وفدانا، ليجعله سبب بركة لكل من يقرأ ويعمل، ذاكرا على الدوام محبته وإحساناته وخلاصه الثمين ونعمته التي تفاضلت جدا. ولا يفوتنى أن أشكر محبة وتشجيع أبينا نيافة الأنبا أنتونى أسقفنا المحبوب، كذا مساندة إخوتى خدام كنيسة السيدة العذراء والشهيدة دميانة بدبلن- ايرلندا، الذين أعانونى على إستكمال نشر سلسة الأبائيات (إكثوس)، راجيًا صلواتهم لأجلى، وصلوات أبينا الجزيل البركة والغبطة البابا شنودة الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية أبينا نيافة الأنبا أنتونى أسقف أيرلندا وإسكتلندا وشمال شرق إنجلترا وتوابعها. وإلهنا المبارك الذي صلب عنا ودعانا لمجده الأبدي في المسيح يسوع يحفظ كنيسته وشعبه، ويحفظنا جميعا في إيمانه بلا لوم ولا عثرة لحين ظهوره له المجد والبركة والعزة إلى الأبد، عمانوئيل إلهنا وملكنا. تذكار أسبوع الآلام المقدسة القس أثناسيوس فهمى جورجدبلن- ايرلندا |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
أسبوع الآلام في طقوس الكنيسة
من أجل فهم أفضل لأسبوع البصخة أسبوع الدموع تسبحة البصخة (لك القوة والمجد..) القبلة الجنازات قداس اللقان الجمعة العظيمة من أجل فهم أفضل لأسبوع البصخة أسبوع الآلام هو "أسبوع البصخة" أي أسبوع العبور، تلك الآلام التي نعيشها في رحلة هذا الأسبوع مع الكنيسة ليكون لا أسبوع آلام عقيمة بل آلام عبور وآلام فصح حى للمسيح فصحنا الحقيقي الذي ذبح لأجلنا (1 كو 5: 7) فإذا قيل أن الصوم الكبير هو ربيع السنة الروحية، فإن أسبوع البصخة هو ربيع الصوم الكبير، لأنه أسبوع الدخول في شركة آلام المسيح ومن هنا جاءت تسميته بالأسبوع المقدس Holy Week أو أسبوع الفصح المقدس كما جاء بأوامر الرسل. وفى هذا الاسبوع تتشح أعمدة الكنيسة بالسواد والأيقونات ايضا تجلل بالسواد وكذلك المنجلية وبعض جدران الكنيسة، وغاية الكنيسة من ذلك أن تذكرنا بآثامنا التي سببت للمخلص هذه الآلام المرة، وأن يعيش المؤمنون أحداث آلام الرب الفصحية إشارة إلى حزن التلاميذ حين أنبأهم يسوع بموته إذ "ابتدأوا يحزنون" (مر 14: 19). وتتبع الكنيسة مسيحها المصلوب فنخرج معه خارج المحلة لنحمل عاره (عب 13: 13)، فنغلق الهيكل ونترك الخورس الأول، خورس القديسين، ونقضى عبادة أيام البصخة في الخورس الأخير، بعيداً عن قدس الأقداس، بعيداً عن الهيكل والمذبح، لنتذكر أن مسيح الكنيسة المصلوب أبعدوه خارجا وهو القدوس، ونحن معه حيثما أبعدوه لتكون محلتنا معه حيثما كان، لأنه كان خارج المحلة ليدخلنا إليها آخذا محلتنا لنأخذ نحن محلته. وتتركز القراءات في هذا الاسبوع على أحداث الآلام متتبعين المسيح فيه خطوة بخطوة في الأناجيل الأربعة ونبوات العهد القديم، لذا تضع الكنيسة في كل ساعة من ساعات أسبوع الآلام فصولا معينة من نبوات العهد القديم ومن المزامير والأناجيل والطروحات والعظات والطلبات المناسبة وتسبحة البصخة. هذا وتأتى فصول القراءات المتضمنة آلام المسيح في ترتيب يتناسب مع سير أحداث الأسبوع الأخير من حياة الرب على الأرض، ويسير هذا الترتيب على محور واحد ونظام واحد في كل ساعة من الساعات. وتوقد شموع ثلاثة يقال أن الأولى تشير إلى النبوات والثانية إلى الإنجيل والثالثة إلى رسم تذكار الآلام، وهي في جملتها تذكار بأن المسيح هو نور العالم كله الذي تنبأ عنه الأنبياء وكرز به الرسل وتنادى به الكنيسة. فعلامة الصليب هي علامة ابن الإنسان نور العالم الذي أبطل الموت بموته وأنار الحياة والخلود بواسطة إنجيله (2تى 1: 10). وتطلق الكنيسة على أربعاء البصخة اسم أربعاء أيوب، وربما ترجع تسميته بـ"أربعاء أيوب" إلى أنه كان يقرأ في هذا اليوم سفر أيوب الصديق، وكذا للرموز التي يرمز بها أيوب الصديق، وكذا للرموز التي يرمز بها أيوب الصديق في آلامه للمسيح (أى 1: 9، 2: 4، 42: 10) وفي هذا اليوم يتلى ميمر هذا البار الذي كان رمزا للمسيح في تجاربه وآلامه ونصرته. وكذلك تطلق الكنيسة على يوم الخميس الكبير اسم خميس العهد لأن مخلصنا أعطانا فيه عهدا جديدا، إذ منحنا جسده عربوناً أبدياً "دمى الذي للعهد الجديد" (مت 26: 28) وتسمى هذا اليوم أيضا بخميس العهد لأنه اليوم الأول للشريعة الجديدة. تمارس الكنيسة صوم يومى الأربعاء والجمعة من كل أسبوع على مدار السنة منذ العصر الرسولى، لأن في الأربعاء تذكار التشاور على تسليم الرب، وفي يوم الجمعة تذكار صلبه وعمل الفداء العجيب، ولكن لا يصاما في أيام الخماسين المقدسة. تسمى الكنيسة يوم السبت بـ"سبت الفرح" لأنه يوم فرح وتهلل لنفوس المفديين وللأبرار الذين رقدوا على رجاء الحياة الأبدية، والذين ذهب إليهم المسيح في تلك الليلة وقال لهم فيها "اخرجوا" (أش 49: 9) تلك الأرواح التي في السجن (1بط 3: 19) والتي ماتت على رجاء مجئ المخلص مشتهى كل الأمم (حج 2: 7)،ويسمى ايضا بـ"سبت النور" لأن فيه أشرق نور القمر "ويكون قبره مجدا" (أش 1: 10) وخرجت من الحبس كل نفوس المأسورين من بيت السجن والجالسين في الظلمة (أش 42: 7). ولا تصلى صلوات الأجبية في أسبوع البصخة ويستعاض عنها بتسبحة البصخة (ثوك تاتى جوم) لكي نتفرغ لآلام المسيح فقط، فإذا تصنع الكنيسة تذكار آلامه، اختارت من المزامير ما يشير إلى آلامه ورتبت استعماله. وتترك الكنيسة استعمال المزامير في هذا الاسبوع مكتفية فقط بما يتعلق بالآلام الفصحية. لا تصلى القداسات في الثلاثة أيام الأولى من أسبوع البصخة (الإثنين والثلاثاء والأربعاء) وذلك لأن الرب لم يكن قد رسم بعد سر الإفخارستيا، أما في يوم الخميس الكبير فالكنيسة تصلى القداس الإلهي تذكارا لتأسيس السر والذي أعطانا فيه عهدا جديدا، ولا يخفى أن ذبيحة القداس هي بعينها ذبيحة الصليب ويسوع لم يقدم ذاته إلا في يوم الجمعة. هذا وخروف الفصح كان يبقى تحت الحفظ بغير ذبح في هذه الأيام الثلاثة، ويذبح في مساء اليوم الرابع عشر وكان رمزا للمسيح، أما إقامة القداس يوم الخميس فهى لأن الرب قدم فيه جسده ودمه الأقدسين عربونا للمجد الأبدى. أسبوع الدموعإذ أن الرب قد بدأ هذا الأسبوع بالدموع، فبكى عند قبر لعازر (يو 11: 35) وبكى على أورشليم "نظر إلى المدينة وبكى عليها" (لو 19: 41)، لهذا تحاول الكنيسة أن تجمع دموع الرب في زق عندها لترسم في أهان أبنائها صورة صلب المخلص وفقا لقول الرسول بولس: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً" (غلا 3: 1) لتذكرهم بما احتمله من الآلام لأجلهم ولترشدهم إلى التوبة والرجوع للتمتع بالخلاص العجيب. تسبحة البصخة (لك القوة والمجد.. )أخذت هذه البصخة من صلاة المسيح (مت 6: 13) والبعض الآخر من سفر الرؤيا (رؤ 4: 9، 5: 12)، وتنشدها الكنيسة مع الملائكة الذين هم أمام العرش يسبحون الحى إلى أبد الأبدين. وتعتبر هذه التسبحة إعلان اعتراف الكنيسة بالخلاص لإلهنا لأن به نلنا الكرامة والمجد والبركة والخلاص، معترفين بقوته ومجده وبركته وعزته، مقرين أنه إلهنا وملكنا، ونعترف بسلطانه لأنه ملك الدهور كلها الذي لا يفنى (1تى 1: 17). ونكرر هذه التسبحة 12 مرة لأن الكنيسة رتبت لكل صلاة من صلوات السواعي 12 مزمورا، هذا العدد المذكور في (رؤ 7: 4) والذي يرمز إلى المختارين، لذا نردد هذه التسبحة راجين بتكرارها أن نكون في عداد المختارين الذين تمتعوا بالخلاص الثمين. وتسبح الكنيسة هذه التسبحة تمجيدا لمن تألم لأجلها، وبهذا تعلن اعترافها بأن الذي نعيش تذكار آلامه هو حى إلى الأبد. ولأن الكنيسة رتبت لكل صلاة من صلوات السواعي 12 مزمورا، فهى تكرر هذه التسبحة 12 مرة وتختمها بالصلاة الربانية مؤكدة أن الذي صلب هو الله الظاهر في الجسد، لذا نسبحه في قوته لأنه قوتنا وفي مجده لأنه مجدنا الأبدى وفي بركته لأنه باركنا وفي عزته لأنه عز شعبه إلى الأبد. ومن الملاحظ في تسبحة آلام أننا نقول في المقطع الأول منها: "لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين. يا عمانوئيل إلهنا وملكنا"، في صيغة الجمع، وفي مقطعها الثاني نقول: ".. يا ربى يسوع المسيح مخلصى الصالح" بصيغة المفرد، والغرض من ذلك التأكيد على أن ما عمله المسيح على الصليب يحتاج إلى إيمان شخصى لقبوله، كما يؤكد أن المسيح عندما مات على الصليب، مات لأجلى ولأجلك شخصيا، مات لأكل كل إنسان فينا باسمه وشخصه. لذلك نجد الرسول بولس يؤكد على هذا المقهوم الشخصى بقوله: "أحبنى (أنا شخصيا) واسلم نفسه لأجلى" (غلا 2: 20). وتعتبر هذه التسبحة شهادة بألوهية وربوبية المسيح المصلوب نرددها مع السمائيين (رؤ 7: 4) للمسيح الذي معنا عمانوئيل إلهنا وملكنا. وتضيف الكنيسة في تسبحة البصخة "قوتى وتسبحتى هو الرب وقد صار لي خلاصاً" وهو نفس المزمور الذي يسبح به اليهود بعد أكل خروف الفصح تذكارا لخروجهم من أرض مصر، وهو المزمور الذي سبح به التلاميذ ايضا مع الرب يسوع ليلة آلامه: "ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" (مت 26: 30). وقد أخذت الكنيسة هذه التسبحة واستخدمتها في عبادة المسيح المصلوب يوم الجمعة العظيمة. ذلك لأن المسيح أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة. نسبحه في أسبوع آلامه لأنه قوتنا وصخرتنا وملجأننا ومنقذنا ونصرتنا الذي صار لنا خلاصا من عدونا، فخلاص الرب مرتبط دائما بقوته، لأن قوة الله للخلاص لكل من يؤمن به (رؤ 1: 16). وليس إعتباطا أن تختار الكنيسة هذه التسبحة، فالرب يسوع في صلاته ليلة آلامه خاطب الآب قائلا: "أيها الاب قد أتت الساعة (ساعة الصليب). مجد ابنك ليمجدك ابنك ايضا.. أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتنى لأعمل قد أكملته، والأن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 1: 1-5). فمجد المسيح هو آلامه وموته التي لأجل خلاصنا وإن بدت في مظهرها عارا وهوانا وموتا، إلا أنها كانت سلم المجد الذي رفعنا عليه ليجذبنا من فوقه وليدوس الموت ويظهر قيامته، ويعلن لكنيسته أنه "كان ينبغى أن يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو 24: 26) والكنيسة تمجده في هذه التسبحة لأنه قهر الجبار عدونا إبليس وانتزع الغلبة لحسابنا. القبلةمنعت الكنيسة القبلة بداية من عشية الأربعاء إحتجاجا على قبلة يهوذا الخائنة للرب، ويستمر ها الأمر حتى يوم السبت، حتى لا تكون القبلة غاشة، بل إن الإنجيل نفسه لا يقبل في قداس خميس العهد من أجل قبلة يهوذا هذه، فقد ذهب يهوذا الاسخريوطى إلى اليهود للاتفاق معهم على الثمن الذي يدفعونه لكي يخون المسيح في مساء يوم الأربعاء، لذلك يحسب تقليد كنيستنا القديم منعت القبلة في ذلك اليوم. الجنازاتمنعت الكنيسة إقامة أية صلوات تجنيز في هذا الاسبوع وذلك لأنها منشغلة بتذكار آلام وصلب وموت ابن الله، لذا رتبت الكنيسة ألا نشترك في أي حزن آخر غير آلام المسيح عريسها، ولهذا يتم الإكتفاء بالجناز العام بعد قداس أحد الشعانين. فإذا رقد أحد المؤمنين يكتفى بالصلاة وقراءات الفصول الإنجيلية دون رفع بخور. قداس اللقانتصلى الكنيسة قداس اللقان في يوم خميس العهد تذكارا لغسل السيد المسيح أرجل تلاميذه في هذا اليوم، لهذا أخذ هذا التذكار عن المسيح نفسه ورسله الأطهار، ويتمنطق الكاهن وينحنى ليغسل أرجل المؤمنين على مثال السيد والمعلم. الجمعة العظيمةتحتفل الكنيسة بتذكار صلب المخلص في يوم الجمعة الكبيرة لأن الصلب كان فيه (مت 26: 2، لو 3: 56) وتقوم بوضع أيقونات الصلبوت مرتفعة إشارة إلى ارتفاع يسوع على الصليب عن الجميع "كما رفع موسى الحية في البرية كذلك ينبغى أن يرفع ابن الإنسان" (يو 3: 14) ليجذب إليه الجميع (يو 12: 23). وكما أن تلك الحية كان كل من ينظر إليها يشفى (عد 21: 5) كذلك يسوع المصلوب يشفى الذين لدغتهم الحية القديمة أي إبليس (رؤ 20: 2). وتمارس الخدمة بالملابس الكهنوتية السوداء إشارة إلى حزن الرسل الذين لما أخبرهم الرب بآلامه وموته ابتدأوا يحزنون (مر 14: 19)، وتطفأ الأنوار والشموع من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة لأن الشمس حجبت أشعتها حزنا على مبدعها شمس البر ولأن إله الطبيعة يتألم، وتلك إشارة إلى الظلمة التي مكثت على الأرض ثلاث ساعات يوم الصلب كقول الإنجيل (مر 15: 33). هذا ونقول مئة مرة كيرياليصون بالميطانيات في كل جهة من جهات المسكونة الأربعة لنشهد أن هذا المسيح الذي تألم وصلب ومات هو رب المجد وأنه حاضر في كل مكان ولا يخلو منه مكان وأنه مات من أجل جميع الناس في سائر أنحاء الأرض كفارة لخطايانا (أش 43: 5، تث 4: 32)، وبعد الميطانيات نطوف بأيقونة الصليب إشارة إلى ما فعله يوسف الرامى ونيقوديموس حيث أنزلا جسد المسيح من على الصليب بإكرام جزيل، ونحمل معنا كتب البصخة والإنجيل لكي نتذكر ما صليناه من أول الأسبوع لنعمل به ونعيش رحلة الآلام وموت الرب حتى نهايتها، ثم نأتى إلى تذكار الدفن الذي يمثل ما فعله يوسف ونيقوديموس وقت وضع جسد المخلص في القبر، عندما تحمل أيقونة الدفن ملفوفة في ستور من الكتان النقى إشارة إلى اللفائف والأطياب ونضعها على المذبح الذي هو القبر الحقيقي ونضع عليها الورود والعطور بحسب ما صنع يوسف ونيقوديموس، وبعد ذلك نضع سترا إشارة إلى الحجر الذي وضع على قبر المخلص يوم دفنه (مت 27: 9). ثم نضع شمعدانين أحدهما من جهة الشرق والآخر من جهة الغرب إشارة إلى الملائكين اللذين كانا جالسين عند القبر بثياب بيض واحدا عند الرأس والاخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً (يو 20: 12). |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
كنوز ألحان أسبوع الآلام الفصحية
انطبع طقس الكنيسة في أسبوع الآلام بروح كتابية وبالتسبيح وروح الصلاة والتضرع والطلبات، وركزت الكنيسة باستمرار على تأكيد ألوهية المسيح المصلوب والاعتراف له "بالقوة والمجد والبركة والعزة". فلحن "أومونوجينيس" يؤكد بإلحاح متكرر أن هذا المصلوب الالهى هو نفسه اللوغوس وحيد الآب والأزلى وغير المائت والواحد من الثالوث، التي هي جميعا ألقاب إلهية. ولا تمل قطع الساعة السادسة والتاسعة من تكرار عبارة "المسيح إلهنا" في حضرة أيقونة الصلبوت التي يقدم لها البخور من جميع الكهنة الحاضرين، إعترافا بألوهية المصلوب الالهى الغالب والذي يغلب. واخيرا يأتى لحن "بك إثرونوس" في أخر يوم الجمعة الكبيرة ليخاطب المسيح المائت معترفا بلاهوته قائلا له "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور". ومن أشهر طرائق ألحان الكنيسة في أسبوع البصخة: نغمات الألحان:1) اللحن الأدريبى 2) اللحن الشامي 3) اللحن الحزايني نماذج من الألحان: 1) لحن أمونوجينيس 2) لحن أجيوس 3) لحن مزمور أف تشي نون 4) لحن فاي إيتاف إنف 5) لحن بيك إثرونوس 1) اللحن الأدريبى: الذي قام رهبان أديرة الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بجبل أدريبة غرب مدينة سوهاج بوضعه، وهو من الألحان الحزاينى الهامة التي تقال كثيرا في أسبوع الآلام، والمطلع على كتب قراءات طقس البصخة يجد بصمات واضحة لرهبان أديرة الأنبا شنودة في وضع ترتيب تلك القراءات والصلوات، فقد أضافوا كثيرا من عظات أبيهم الروحي الأنبا شنودة إلى تلك الصلوات مما يرجح أنهم أصحاب الفضل في وضعها وترتيبها. حتى أن أغلب ألحان أسبوع الآلام تميل بصفة عامة إلى اللحن الحزاينيى وهو الأدريبى. أما مدينة أدريبة فهي بحاجر سوهاج الغربى وتشتهر بدير الأنبا شنودة والأنبا بشاي (الدير الأبيض والدير الأحمر). 2) اللحن الشامي:المتتبع لنغمات هذا اللحن يستنتج أن كثيرا منها مقتبس من ألحان أخرى: "أووه ناي نيم" وهو الترحيم الخاص بالقداس الكيرلسى، ولحن "بيك لاؤس غار"، واخيرا يكمل باللحن الأدريبى. ويرجع أن هذا اللحن منسوب إلى قرية مصرية تسمى "الشامية" بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط. 3) اللحن الحزايني:المعروف باسم لحن أيوب، وهو لحن على نفس طريقة "غولغوثا" (الجلجثة بالعربانية والأكرانيون باليونانية) والذي يقال في يوم الجمعة العظيمة وتسميته بلحن أيوب لأن المرتلين كانوا يقرأوا سفر أيوب بالكامل بهذا اللحن الحزايني. وتأتى ألحان الآلام لتعبر بحق عن اختبار وشركة آلام الرب وموته الخلاصيين، فمتى قيلت بفهم وبروح وبذهن، تكون قادرة أن تؤث في أعتى الخطاة والبعيدين، لأنها تمثل مشاعر روحانية رحلة الآلام المقدسة التي ألفها الروح القدس والتي نقدمها مع الكنيسة لنذبح لله ذبيحة التسبيح على المذبح السماوى مع الخوارس العلوية.. بل بالحرى نقدم نفوسنا ذبائح من أجل خاطر ملكنا المصلوب لنتمثل بآلامه ولنكرم دمه بواسطة دمائنا، ولنصعد على الصليب فإن المسامير حلوة ولو أنها مؤلمة للغاية لأن الألم مع المسيح ومن أجله أفضل من الحياة الهينة مع الآخرين. وسنشير هنا إلى بعض الألحان المعروفة من خضم كنوز ألحان هذا الأسبوع: 1) لحن أمونوجينيس:أمونوجنيس أي الابن الوحيد وهو لحن يونانى الكلمات يتلى قبل التقديسات الثلاثة في صلاة الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة وترجمته العربية الدقيقة "أيها الوحيد الجنس وكلمة الله غير المائت، لقد رضيت من أجل خلاصنا أن تتجسد من والدة الإله القديسة مريم الدائمة البتولية، وتأنست بغير استحالة، وصلبت أيها المسيح الإله، وبالموت دست الموت، أنت أحد الثالوث القدوس، الممجد مع الآب والروح القدس خلصنا". وتعتبر كلمات هذا اللحن بمثابة تلخيص واف لإيماننا في شخص المسيح كلمة الله والابن الوحيد المبذول عن حياة العالم، واعتراف دقيق التعبيرات قليل الكلمات، يشرح ويعلن كل أعمال الرب الخلاصية لأجلنا،وتأتى أهميته في روعة اللحن القبطى المصاحب له، مع كونه يتلى وقت صلب المسيح الخلاصى، أي في وقت الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة. فهو اعتراف الكنيسة العلنى وشهادتها لقبول خلاص المسيح الذي أتمه من أجلنا، ووعى المؤمنين أن هذا الخلاص أثمر في النهاية في القضاء على الموت بموته على الصليب "بالموت دست الموت". وأهم ما في هذا اللحن هو تلقيب المسيح بأنه "هو أحد الثالوث القدوس" مؤكدا على أن الابن هو أحد الثالوث الأقدس، فهو شريك تماما في مجد الآب والروح القدس، وهو الاقنوم الثاني في الثالوث والذي لكل أعماله، بما فيها آلامه وموته، فعاليتها الخلاصية لجنس البشر. ويتفق هذا التعبير تماما مع تعليم القديس كيرلس الكبير عمود الدين والقديس ساويرس الأنطاكى (آباء الكنيسة الأرثوذكسية اللاخلقيدونية) وقد بذل الامبراطور جوستينيان جهده لإدخال هذا اللحن في الكنيسة البزنطية في عصره فصار يتلى ضمن صلوات القداس الإلهي في هذه الكنيسة حتى الآن. وهذا اللحن الرائع يحوى في داخله قوة إيمانية كرازية مسكونية غير عادية، كونه إعترافا وحدويا للإيمان الأرثوذكسى، يلتقى عنده كل المؤمنين الأرثوذكسيين في كل المسكونة بأسرها، يسبحون فيه المسيح الإله المصلوب عن جنس البشر، يسبحونه بصوت واحد وإيمان واحد وتعبيرات واحدة ايضا. 2) لحن أجيوس:لحن أجيوس هو اللحن الحزايني الذي يقال في ساعة الصلب في يوم الجمعة العظيمة، ويقول القديس الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين: {عند تكفين المسيح المصلوب تعجب نيقوديموس ويوسف الرامى كيف قدر الموت عليه، فللوقت سبحاه بالتسبيح المشهور قائلين:"قدوس الله. قدوس القوى. قدوس الحى الذي لا يموت" ثم سجدا وقال "الذى صلب عنا ارحمنا"}. وأول من أدخل هذه التسبحة في العبادة المسيحية هو القديس أغناطيوس الأنطاكى أحد الآباء الرسوليين. 3) لحن مزمور أف تشي نون:ويقال في الساعة الثالثة من ليلة الخميس وكذا في باكر بعد الابركسيس، ويقال هذا المزمور بلحنه المعروف بالشامي وهو عن يهوذا الخائن ونصه هكذا "كلامه ألين من الدهن وهو نصال" (مز 54: 21) ففى هذا اللحن نتذكر تسليم الرب وخيانة التلميذ صاحب القبلة الغاشة. 4) لحن فاي إيتاف إنف:لحن فاي إيتاف إنف والذي فيه تنطلق أصوات المرتلين مسبحة المسيح المصلوب الذي قدم جسده محرقة ورائحة بخور زكية من أجل خلاصنا، وفي هذا اللحن الذي يعد من أروع ألحان الكنيسة، نناجى الذي أصعد ذاته بإرادته وسلطانه ومشيئته وحده على عود الصليب ليقدم نفسه ذبيحة مقبولة من أجل خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة. ويأتى هذا اللحن مع تقديم البخور والعبادة بخشوع وفخر للمسيح المعبود، والذي صنع بذبيحة نفسه عمل الخلاص العجيب. 5) لحن بيك إثرونوس:لحن بيك إثرونوس pek`;ronoc وهو اللحن الذي تختم به الكنيسة قراءاتها في المزامير يوم الجمعة العظيمة، وكلماته كالأتي: "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب الإستقامة هو قضيب ملكك" (مز 44: 9، 11) وهو مزمور أناجيل الساعة الثانية عشرة من الجمعة العظيمة التي تسرد حادثة "دفن المسيح"، وكذلك يقال في الساعة الحادية عشرة من يوم الأربعاء. وقد عبر هذا التعليق العميق في إيجازه عن موضوع وقيمة هذا اللحن: فبآية واحدة ترد الكنيسة على الصالبين. فهى تعلن شهاداتها في هذا الصلب الذي ظنوه موتا. فهى ترى أن المسيح وهو الإله الجالس على عرشه يدين لا إلى "الدهر" فقط بل إلى "دهر الدهور" كما تقول الكلمة الأخيرة من اللحن "شا إينيه". هذه الكلمة "شا إينيه = إلى دهر الدهور" تستغرق وحدها نصف وقت اللحن كله، تعبيرا عن اللانهائية والإمتداد لقضاء حكم المسيح المصلوب إلى نهاية كل الدهور. إن نغمة هذا اللحن هي من نغمات كنيسة أورشليم الأولى، وهي من الأنغام التي احتفظت بها الكنيسة القبطية كما هي مع بعض الإضافة لنغمة الليتروجيا القبطية من اللحن الشامى. وفي أغلب الظن إكتمل هذا اللحن منذ بداية القرن الأول الميلادى أيام القديس يعقوب الرسول. والكنيسة بهذا اللحن تختم ألحانها في هذا اليوم العظيم لتعبر عن مشاعرها وأحاسيسها، بل وإيمانها الراسخ تجاه عريسها المصلوب، الذي قال داود فيه أن الابن إله وأنه دائم إلى الأبد، أنه ملك الدهور وأن ملكه لا نهاية له. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
قصة الحب العجيب
ذكرى آلامه المقدسة فى هذه الأيام التي تتجدد فيها أمام عيوننا آلام الرب يسوع في أسبوع البصخة من كل عام، لابد أن نفكر فيمن جعل نفسه قريبا جدا منا في هذه الذبيحة العظيمة، والذي بها دعانا وفدانا على عود الصليب. فلا ندع أفكارنا تنشغل خلال هذه الأيام إلا بذكر آلامه المقدسة. قصة الحب العجيبما أعجب يا رب أن تقيم لعازر من القبر من بطن الهاوية في أول أيام أسبوع آلامك وكأنك تقدم صورة للنهاية قبل البداية وكأنك تمهد بسبت لعازر للسبت الكبير، سبت النور والفرح الذي ستقيم فيه أسرى الرجاء. ما أعجب أن تقيم الميت الذي أنتن في القبر أربعة أيام بينما أنت سائر في طريق الموت. أنك لست فقط قادر أن تقيم من الأموات بل أن تقوم أيضًا. ما أعجب أن تبكى عند قبر حبيبك لعازر وأنت الذي تمسح كل الدموع. وما أعجب أن تقف أمام القبر وأنت سيد الحياة ورب القيامة. وما أعجب أن تصدر أمرك الإلهي إلى لعازر باسمه فيقوم ويداه ورجلاه مربوطة. ما أعجب أمرك: "حلوه ودعوه يمضى". وما أعجب الجموع التي آمنت بك عندما رأت مجدك وأنت تعطى الحياة للميت الذي شبع من الموت. وما أعجب الذين جمعوا مجمعا منذ ذلك اليوم ليتشاوروا على قتلك (يو 11: 47). ما أعجب أنك أنت الكلمة التي سمعها لعازر الميت فقام من الأموات، إذ أنك تحيي من تشاء، وصوتك حينما يسمعه الذين عملوا الصالحات يخرجون به إلى قيامة الحياة، وكل من آمن بك ولو مات فسيحيا. ما أعجب أن تعطى الحياة الآن للعازر لأنك القيامة بذاتها وأنت حياتنا كلنا وقيامتنا كلنا. ما أعجب أن تبدأ يا رب أحداث أيبوع آلامك بيوم الانتصار في دخولك أورشليم كملك وأنت آت لتكمل الخلاص الذي من أجله جئت إلى الأرض. وما أعجب دخولك أورشليم حيث المدينة المقدسة لتقدم ذبيحة عن الشعب، وما أعجب أن يهتف لك الشعب "مبارك الآتى باسم الرب" لأنك الذي سترحم كل خلقة يديك وستخلص جميع البشر الذين ضلوا وستسكب خمرا وزيتا على الذين وقعوا بين اللصوص. ما أعجب أن تخلصنا بنفسك فلا سفير ولا ملاك بل بنفسك. ما أعجب أن تدخل مدينة أورشليم في يوم أحد الشعانين لتملك لا على المدينة بل على خشبة (مز 96: 10) لأنك من فوق هذه الخشبة سوف تملك على قلوب البشر وتأسرها جميعًا،وما أعجب عرشك المفضل الأبدى هذا الذي من أجله ولدت ومن أجله احتملت الآلام كمذنب، فآية رحمة أعظم من هذه، تلك التي أحدرتك أنت خالق السوات من السماء وألبستك لباسا أرضيا، وجعلتك وأنت مساو للآب في أزليته وخلوده، مساويا لنا في الموت، وبينما أنت غذاؤنا تجوع وتعطش وتصير ضعيفا لتروينا وتشبعنا وتشفينا وتحيينا. ما أعجب أن تأتى إلى أورشليم بعد أن أمضيت مساء السب في بيت عنيا وأقمت ميتا كان قد أنتن في القبر أربعة أيام، لذا استقبلتك الجموع كمسيا آت ليملك على كرسى داود وكمخلص آت من الأعالى. لقد انتشر نبأ إقامتك للعازر بين الجموع كلهيب يشعل القلوب التي طال إنتظارها لمخلص، وعبثا حاول الفريسيون أن ينتهروا الجموع وباطلا سعوا لإسكاتهم لأنه "إن سكت هؤلاء فالحجارة تنطق". ما أعجب أن تعلن مملكتك من فوق منبر غاية في العجب!! فبينما يعلن الملوك سلطانهم من فوق المركبات والفرسان، أعلنت أنت ملكك بالحب والوداعة وتدبير الخلاص، لذا طلب منك الشعب لا خلاصا فقط، بل خلاصا مضاعفا. وما أعجب الهتاف والصيغة الرجائية التي توسلوا بها إليك مترجين بلجاجة أن تخلصهم. ما أعجب قلبك الإلهي المملوء رحمة وحلاوة، فبينما أنت في موكب مجد ملوكيتك، إلا أنك نظرت إلى أورشليم وبكيت عليها، لأنك جئت لتفتقد وتصنع فداء شعبك، وبأحشاء رحمتك أتيت لتفتقدنا من المشرق من العلاء (لو 1: 68). فما أعجب إفتقادك الإلهي للإنسان إذ سمعت الأنين وتذكرت الميثاق ونظرت المذلة وجئت لتخلصنا. ما أعجب قولك على إسرائيل الذي لم يعرف إفتقاده، بينما افتقدته أنت يا وحيد الجنس، فإذ بالكهنة يتأمرون على قتلك، فيالفرحة الذين يقبلون إفتقادك ويأخذونك كمخلص آت باسم الرب، تفتح لهم كنوز خيراتك السمائية وتفيض عليهم من بركاتك بما لا تسمعه نفوسهم، ويالشقاوة من يعبر عليه هذا الافتقاد ولا يعلم ما هو لسلامه. إنك ملك متواضع وباك، لكنك قوى بسوط، وارتجت لك المدينة ومن ثم ملكت على الصليب. ما أعجب أن تجوع أمام شجرة التين (مت 21: 18) فلولا أنك أخليت ذاتك وصرت مثلنا لما جعت. وما أعجب تلك الشجرة التي تذكرنا بخطية آدم الذي حاول أن يغطى عريه بورقة التين. وما أعجب أن تلعن الشجرة فتيبس في الحال ليكون لعنك لها لعنا للكتبة وللفريسيين الذين بلا ثمر، فبينما يتعين عليهم أن يقودوا الناس للخير، قادوا يهوذا للخيانة والشهود للزور والحراس إلى الكذب والرشوة، بل وقادوا الشعب كله للتآمر والضلال جاعليين بيت أبيك مغارة لصوص. ما أعجب رفضك لكل شجرة مورقة بلا ثمر، وما أعجب رفضك للمبررات وللأعذار والرياء الذي هو من ورق التين، لأنك تريد ثمرا لا ورقا، الأمر الذي جعلك تلعن الشكليات كما لعنت التينة "هوذا بيتكم يترك لكم خرابا" فذبل الهيكل كما ذبلت التينة. ما أعجب جوعك إلى الثمر قبل الصليب. إنك تجوع إلى خلاص كل أحد، تجوع ليتمتع العالم كله بغفرانك، فقد أطعمتنا جسدك وسقيتنا دمك ورويتنا بعرقك وحوطت علينا بسياجك وربطتنا بمساميرك لتحمى شجرتنا فنعطيك تينا ناضجا. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
عجائب حب الله ما أعجب قدميك التي قبل أن تتسمرا على عود الصليب تقدمت المرأة الخاطئة بقارورة الطيب الكثير الثمن وسكبتها عليهما يا يسوع ومزجتها بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها، لأنها أحبت كثيرا وغفرت أنت لها خطاياها الكثيرة. إن هذا الطيب الذي دهنت به رجليك كان لتكفينك. ما أعجب أن تقدر هذا الطيب يا رب قدر المحبة التي وجدتها تفوق الأرض وما عليها، بينما اعتبرها يهوذا الخائن إتلاف، وكخبير في الأسعار ثمنها بثلاثمائة دينار، لكنك امتدحتها ووزنتها بميزان الحب الصادق ومنحت المكافأة والمجازاة لتلك المرأة، فقد كانت قيمة حياتك عند يهوذا تساوى 30 فضة، أما عند هذه المرأة فقد كانت تساوى كل ما عندها حتى إلى 300 دينار (مر 14: 5). ما أعجب أن يليق هذا الطيب بموتك حتى أنك قلت "اتركوها أنها ليوم تكفينى قد حفظته" (يو 12: 7). لقد أردت يا رب أن تعلمنا أن المحبة لك لابد أن تكون نشطة وحارة وعملية لكن سرية وصامتة. ما أعجبك يا ملك الآلام البشرية وأنت تقبل هذا الطيب وتمتدحه بينما يهوذا الخائن كان يرى أن الصندوق أولى بثمنه إذ كان يلتقط كل ما يوضع فيه. وما أعجب أن تمنح المرأة ساكبة الطيب التكريم والتذكار الدائم على مدى أجيال الكنيسة حيثما يقرأ إنجيل المرأة صاحبة الطيب. لقد جعلت هذه المرأة أسبوع آلامك أسبوع الطيب الناردين إذ سقيت ودهنت بالطيب جسدك للتكفين (مر 14: 6). ما أعجب أن يكون هذا الطيب نبوة عملية عن الموت والدفن الذي ستجوزه بإرادتك. وما أعجب أن الكنيسة قد أخذت الطيب والحنوط، الذي وجد في لفائف أكفانك بعد أن تركتها كما هي وقمت، وصنعت بها زيت الميرون، لذا صار هذا التذكار عجيبا ليس للمرأة في حد ذاتها، وإنما التذكار هو لعملها الحسن الذي به كانت أول من اشتركت في تكفين جسدك كأول عمل مهد لصليبك ولقبرك. وياللعجب فقد تخلد اسمها وعملها في الإنجيل وفي السماء وفي الكنيسة لأنها فعلت بك فعلا حسنا. ما أعجب طيبك الذي هو خلاصة روائح وزهور كثيرة والذي انتشر كرائحة زكية مسكوبة على قدميك ملئت الكنيسة كلها وارتفعت إلى السماء عينها، لأن اسمك أيها المصلوب دهن مهراق فاحت رائحة ناردينه حين اهرق دمك وأنت مجتاز المعصرة وحدك لتقدم حياتك مبذولة كقارورة عطرت السماء والأرض. ما أعجب أن تسقينا دمك وتغذينا جسدك الخاص لتجعل السماء في متناول أيدينا، عندما تثبت فينا ثبوتا متبادلا ونصير ليس فقط ملازمين لك بل متحتدين بك، وهنا نكون مرهبين للشياطين ونخبر بأعمالك العظيمة ونسمع تسابيحك ونشبع من حبك على قدر ما نشتهى، ونبشر بموتك أنت الابن الوحيد ونعترف بقيامتك عندما نقدم الذبيحة غير الدموية في الكنائس وننال الأولوجيات لنتقدس. وياللعجب لراع عال رعيته بأعضائه الخاصة. إنها قصة الحب العجيب. ما أعجب تذكار فصحك الإلهي يا رب فهو ليس مجرد أكل وشرب خمر بل تذكار ذبح حقيقي: كسر جسدك وسفك دمك. والمأكول والمشروب هو جسدك أيها الحمل الإلهي الذي قدمته فصحا للعالم ودمك المسفوك لخلاص الإنسان، فالتذكار حقيقي من جسد ودم حقيقي، والوليمة هي وليمة الملكوت لا بالمثال ولكن بالحقيقة. ما أعجب إنكار بطرس بينما أنت أكدت له مسبقا أنه سينكرك ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك، وبعد أن أنكرك اقتربت إليه بمراحمك في صمت وسرية لتلمس قلبه وذكرته بالماضى،ما أعجب أن تلتفت وتنظر إليه لتفتقده بنعمتك الداخلية، إذ أنه كان في عوز لأن تذكره، لأن نظرتك إليه كانت عوض صوتك حتى يمتلئ مخافة ثم يبكى بكاء مرا. فما أحوجنا أن نرتمى في حضنك لأنك عارف بضعفنا، فلا نثق بذواتنا بل في نعمتك القادرة أن تقيمنا من الضعف، فليتنا لا نفتخر بأنفسنا بل بالحرى نفتخر بعطاياك من بطرس الذي أنكر الواحد الذي أحبه ثم أحب الواحد الذي أنكره. ما أعجب أن تحذر بطرس من نتيجة تجربة الشيطان له، ثم بعد أن أنكرك ثلاث مرات أعطيته كلمات التعزية ليعود ويقوم، ليس هذا فقط بل ويسند إخوته ايضا (لو 22: 31). ما أعجب أن تكون قد جئت فصحا عن العالم، بينما رؤساء الكهنة والكتبة كانوا يطلبون أن يمسكوك بمكر ويقتلونك في عيد الفصح، وهم بهذا ذبحوا الفصح الحقيقي في العيد ولم يتعرفوا عليك ولا فهموا الذبائح الرمزية التي كانت بين أيديهم بكل أسرارها. ما أعجب حملك للصليب إذ أنه الموازى في أعمال النبوة لحمل اسحق حطب المحرقة، فأنت الخروف حمل الله الذي للمحرقة (تك 22) وأنت الذي قال عنك إبراهيم: "الله يرى له الخروف للمحرقة". فبعد 42 قرنا من إبراهيم جاء ملء الزمان وتجسدت مولودا من إمرأة تحت الناموس لتفدينا وننال بذبيحتك الكفارية نعمة التبنى، فمن الضغطة والدينونة أخذت، وقطعت من أرض الأحياء وضربت من أجل ذنب شعبك وجعلوا مع الأشرار قبرك ومع غنى عند موتك. ما أعجب أن اسحق في استعداده للموت حمل صليب الإنجيل قبل مجيء الإنجيل. وما أعجب أن تكون الحمل الحقيقي الذي قدمك الآب ليس فدية عن اسحق وحده بل عن العالم كله. ما أعجب أن توثق بين الأشواك بقرون كما علقت على الخشبة. وما أعجب أن يكون حمل اسحق لخشب الحرقة إشارة ورمزا لك، هذا السر الذي سبق فأعلنه الأنبياء، فكما قدم إبراهيم ابنه الوحيد، هكذا ذبيحتك هي ذبيحة الآب الذي قدمك أنت ابنه فدية عنا. إنها ذبيحتك التي إشتمها الآب رائحة سرور. فذبح اسحق كان إشارة إلى هرق دمك على الصليب عن خلاص العالم، وكما حمل اسحق حطب المحرقة كذلك حملت أنت خشبة الصليب وكما رجع اسحق حيا من الأموات، هكذا ايضا قمت حيا من الأموات وظهرت لتلاميذك القديسين. ما أعجب أن يسكب الرب ماء في مغسل ثم يغسل أرجل تلاميذه وهو الذي سيبذل دمه ويسيل على الأرض ليغسل به أوساخ خطايانا. وما أعجب أن يآتزر الرب بمنشفة ويغسل الأقدام ويمسحها ليس فقط لمن سوف يتألم بالموت من أجلهم، بل وحتى لمن هو مزمع أن يسلمه للموت. وما أشد العجب في إحتمال الرب للشر الذي أتى عليه، حتى في مشهد الخيانة ذاتها!! ولم يقل له "أيها الخائن والردئ، أهذا جزاء ما صنعته من رحمة؟" بل إنه بدلا من أن يغضب عليه قال له ببساطة "يا يهوذا..". مبارك أنت يا رب لأنك علمتنا المثل في إحتمال الشر وأظهرته لنا في شخصك. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
أعاجيب محبة الله لنا ما أعجب أن تخلع ثيابك كما يفعل الخادم والعبد ثم تصب ماء لتغسل أرجل تلاميذك وهم جلوس أمامك. ما أعجب أن تجعل غسلك لأرجلهم شرط أن يكون لهم معك نصيب. إنه إخلائك يا رب لذاتك في أن تكون عبدا بالمشيئة لتعلمنا هذا الفكر، إذ وأنت في صورة الله لم تحسب خلسة أن تكون معادلا لله، لكنك أخليت نفسك آخذا صورة العبد، صائرا في شبه الناس، ووجدت في الهيئة كإنسان ووضعت نفسك طائعا حتى الموت موت الصليب (فى 2: 5). إنها قصة الحب العجيب. ما أعجب كأسك المذاب فيه خطايا العالم الذي رأت مشيئة الآب إلا أن تشتريه. ما أعجب إنحائك وإخلائك لذاتك لكي تتجرع الكأس فيتمجد اسمك بالصليب "مجدت وأمجد ايضا" (يو 12: 28) وبالحق إن اذى سيتمجد لا يتمجد من أجل نفسه، بل يتمجد لمجد الله. وما أعجب أن تجثو على الأرض العراء في برد جثيمانى بينما عرقك يتصبب كالدم. وما أعجب أن تطلب من الآب ثلاث مرات لكي يعبر عنك هذه الكأس، فهذه الكأس لم تكن هي الموت فقط بل عار البشرية وخطاياها التي حملتها كلها لتموت بها كلها موت الخطاة. ما أعجب قبولك للكأس فشربتها حسب مشيئة الآب، لذلك لم تعط إجابة للذين حاكموك، بينما لم تكن فيك خطية، ولم يوجد في فمك غش لكن في كل هذا أردت أن تتمم العمل الذي أعطاه لك أبوك.. إنها كأس الموت وكأس نجاسات العالم، وكأس إثم جميعنا. وما أعجب قطرات العرق التي سالت منك يا رب كقطرات الدم، حتى تجفف وتفرغ ينبوع الخوف عند كل البشرية، وما أعجب الملاك الذي وقف إلى جانبك يقويك وأنت في بستان جثيمانى لأن هذا يتصل بخلاصنا ويعلمنا أننا في أوقات التجارب لابد أن ندخل جثيمانى ونصلى وعندئذ سيأتى الملاك ليسندنا. وما أعجب صلاتك في بستان جثيمانى لأنك أنت الذي تقبل الصلاة ويأتى إليك كل بشر، وما أعجب بكائك وأنت تمسح كل الدموع، وما أعجب أن تباع بثمن بخص بثلاثين من الفضة، إلا أنك افتديت العالم كله وبأعظم ثمن، بدم نفسك. ما أعجب تعبك وإرهاقك بينما أنت وحدك الشافى لكل مرض وضعف. ما أعجب قولك "أنا عطشان" بينما أنت ماء الحياة، وما أعجب أن ترفع فوق خشبة الصليب وأن تسمر عليها لتبرأ البشرية كلها بشجرة الحياة. وما أعجب أن تموت وأنت المحيي والماحق الموت بموتك. وما أعجب أن تنزل إلى الجحيم، إلا أنك ستقوم وترجع معك النفوس. إنها قصة الحب العجيب. ما أعجب أن تجتاز المعصرة الحقة وحدك وأن تدوس فيها ولم يكن معك أحد، بينما هي ليست معصرة الآلام بقدر ما هي معصرة ثقل الخطية التي لا تقبلها ولا تطيقها، لكنك من أجل هذا جئت، ونيابة عنا خضعت أنت في طاعة للآب لتحمل موت الخطية، حملتها نيابة عنا لأننا رفضنا إرادة أبيك فخضعت أنت للصليب بسرور من أجل طاعة أبيك ولأنك أردت ذلك وهو ما أعلنته بنفسك بقولك "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16) وكأن البذل هنا هو من إرادة الآب المحب الذي لم يشفق على ابنه الوحيد.. فما أعجب حبك الذي جعلك تسلم نفسك لأجلنا (غلا 2: 10)،باذلا نفسك المملوءة حبا، مقدما لنا جسدك ودمك وعرقك ودموعك وصلواتك وسهرك.. ما أعجب أن تجثو على ركبتيك بينما أنت رئيس الكهنة الأعظم، لكنك كنت تقدم ذبيحة العالم الفريدة، تقدم حياتك المبذولة طاعة لأبيك وحبا للبشرية. وما أعجب أن تدخل المعصرة بإرادتك لتجتازها من أجلنا لحظات قبولك الكأس من يدى الآب، لتؤكد لنا ناسوتك الذي شاركت به ناسوتنا. ما أعجب حملك للآلام لكي تمنحنا الفرح. إنك تألمت أيها الرب لا بألامك وإنما بألامى. وما أعجب أن تفيض منك قطرات العرق بطريقة عجيبة كقطرات الدم وكأنك تستنزف دمك مفرغا ينبوع الخوف اللائق بطبيعتنا. ما أعجب أنك كنت تقتاد للموت أليشع وأنت محتقر من العصاة بينما كان تلاميذك يتشاحنون فيما بينهم من يكون الأكبر. وما أعجب أن تكلم أبيك في البستان بينما أنت لم تنفصل عنه، حاملا كأس الألم وحانيا رأسك وكتفيك لترفع عنا ثقل خطايانا وتردنا لا إلى جنة عدن بل إلى الفردوس السماوى. ما أعجب أن يسلمك يهوذا للموت بينما أنت أعظم من الموت، إذ دخله الشيطان ولأجل فضة مدنسة خسر السماء وفقد إكليل الخلود وكرامة الرسولية المحبوبة وحسبانه ضمن عداد الإثنى عشر. ما أعجب قولك عن يهوذا "هوذا الذي يسلمنى قد اقترب" (مت 26: 46) وما أعجب نعتك له "يا صاحب لماذا جئت".. وما أعجب أنك تركته ليخونك لمدة يومين بينما كنت تحاول أن تنبهه لكنه لم ينتبه، ثم أخذ اللقمة وخرج للوقت في الليل ليخونك في الظلام، وبخروجه انفصل إلى الإبد عنك وخنق نفسه. إنه مصير كل من يبيعك يا رب بأي عرض من عروض الدنيا. ما أعجب أن ثمنك، اللذى صار ثمن الدم، جعل يهوذا يرده، فلم يكن ممكنا أن يتركه معه لأنها فضة مرفوضة وزغل مغشوش، إذ كما أن من يترك شيئا من أجلك أيها السيد يأخذ عنه مئة ضعف في هذا العالم مع حياة الدهر الآتى، هكذا من يبيعك أيها السيد يخسر مئة ضعف ويفقد حياته إلى الأبد، فرغم أن يهوذا ظن أنه اقتنى ربحا بالثلاثين من الفضة إلا أنه اقتنى بؤسا وهما وغما، لذا ذهب ليرد الفضة في ندامة بلا توبة وفي مرارة بلا رجاء، حتى أنه لم يطق حياته فمضى وشنق نفسه. ما أعجب أن يكون حقل الدم الذي اشترى بالثلاثين من الفضة هو مدفن للغرباء ليصير هو العالم الذي افتديته يا رب بدمك لكي تدفن فيه الأمم فيتنعمون بخلاصك، إذ أن ثمن تسليمك استخدموه في شراء مدفن للغرباء، لنكون نحن المنتفعين به، فقد اشترى الحقل لأجلنا بثمن دمك، فما الحقل إلا هذا العالم الحاضر وما ثمن الدم إلا ثمن آلامك لكي تحفظ الذين دفنوا معك وماتوا معك في المعمودية لنوال البركات الأبدية.. فعوض أن يعيشوا غرباء تحت الناموس صاروا قريبين بدمك (أف 2: 11). حسبوك عبدا يا رب فدفعوا الثمن ثلاثين من الفضة ثمن العبد (خر 21: 32) تلك الفضة الغاشة التي دفعت ثمنا لخيانتك أيها السيد، والتي دفعت لشراء بيت الفخارى الترابى والأرضى حيث حقل الدم استخدم لدفن الغرباء، ليكون ثمنك هو موضع دفننا إذ أننا دفنا معك. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
حبًا عجيبًا ما أعجب يا رب أن تعلن عن الخيانة لتعطى مسلمك فرصة التوبة والرجوع إن أراد. وما أعجب أنك لم تذكر اسم الخائن حتى لا تجرح مشاعره وأحاسيسه لعله يرجع عن رأيه وحتى لا تجعله في عار أشد. وما أعجب أنك لم تصمت تماما عن الخيانة لئلا يظن اليهود أن أمره غير مكشوف فيسرع بالأكثر لعمل الخيانة بجسارة. وما أعجب أنك يا رب تركته لينضم إلى المائدة حاسبا وكأنه مستحق للطف الإلهي حتى النهاية وبهذا صارت دينونته أعظم. وما أعجب يهوذا الإسخريوطى الذي سلمك أنت الأسد الخارج من سبط يهوذا. وما أعجبه وهو يتقدم بقبلة غاشة كعلامة غش مميت من شفتيه التي هي أكثر مرارة من الأسلحة والعصى. وما أعجب هذا التلميذ البشع في خطئه بينما كنت يا رب تحذره بكل وسيلة، لكنه لم يكف عن خيانته لهذا صارت داره خراب وأسقفيته أخذها اخر، فأى شيء يمكن يا رب أن تقدمه أكثر فائدة للعالم كله من بركات آلامك المخلصة المحيية، بينما هذا الخائن سلمك للآلام ولم ينتفع شيئا من خيانته، لذلك ويل له لأن به سلم ابن الإنسان وكان خيرا له لو لم يولد. وهو جنى حسب ما أراد هو واعتقد. وما أعجب أن يغمس يده معك في الصحفة بينما هو قد تسلم فعلا أجرة تآمره بذات اليد التي تآمرت عليك أيها السيد. وما أعجب طول آناتك على الخائن وضمك له إلى مائدة محبتك المترفقة اللانهائية مع أنه كان قد خانك بعد أن وجد فيه الشيطان موضعا له، وبعد أن كانت جريمة تسليمك قد صارت منه، وصار هو وسيلة لتسليمك إلى الصليب. وما أعجب أن تتحدث عن خائنك وسط الجماعة دون تشير إليه لأنك مهتم بخلاص نفسه دون أن تجرح أحاسيسه لأنه ماض كما هو مكتوب عنه بحسب التدبير الإلهي. ما أعجب أن يسلمك أحد الإثنى عشر بقبلة، فجعل علامة المحبة والشركة علامة للخيانة والقتل، بينما مسلمك هذا لقبته بالصاحب "يا صاحب لماذا جئت؟" (مت 26: 49) فصدق فيه المزمور "ألين من الزيت كلماته وهي سيوف مسلولة" (مز 55: 21). وما أعجب أن يلقوا عليك الأيادى ليمسكوك ومعهم السيوف والعصى بينما أنت كنت معهم كل يوم في الهيكل تعلم وتشبع وتبرأ وتقيم وتشفى المحتاجين إلى الشفاء. ما أعجب أن الذي يأكل خبزك برفع عليك عقبه بعد أن دخله الشيطان وزرع في قلبه فكر الخيانة ليبيعك بالفضة الغاشة، بينما أنت الفضة الحقة كلمة الله المتجسد وكلمتك هى الأصلية المصفاة سبع مرات، إلا أن يهوذا تعاهد وفرح طامعا في فضة العالم مخالفا للناموس، وبشره الشخصي وبطمعه صار ما هو عليه. ما أعجب إشارتك عن يهوذا بقولك "أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم" مشيرا إلى فعلته الغاشة لئلا يعتقد التلاميذ أنك لم تكن على دراية بأعمال خيانته. وما أعجب أن تغمس له اللقمة وتعطيها له، بل وتقول له "ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة" (يو 13: 27). فذهب الخائن سائرا في غيه وأكمل خيانته التي نوى عليها. ما أعجب احتمالك يهوذا ثلاث سنوات ونصف، فهذا إعلان بوداعتك وحلمك ونسيانك للخطايا وصفحك للإساءة. وما أعجب سر تعليمك بل سر علمك الذي لا يوصف، والذي قدمته مثالا لنا كقياس السماء في صفائها وكطبيعة النور في وضوحها وكطبيعة البهاء في إشراقها وكطبيعة المحبة في فيضانها. ما أعجب أن تحسب كلص "كإنه على لص خرجتم" (مر 14: 48) بينما أنت الذي ناديت للمأسورين بالإطلاق (لو 4: 18) واخيرا لم تتساو باللص بل حسب باراباس اللص أفضل منك فأطلقوه عندما صلب البار وإطلاق مثير الفتنة، فحتى في محاكمتك أنقذت بموتك باراباس المجرم الشهير،وما أعجب عريك وجلدك على ظهرك بالسياط موافقا أن تكون لكل إنسان ظهرا مضروبا لينال بواسطتك البراءة ولكي لا تقع على من يؤمن بك ضربة واحدة!!! ولكي نقول جميعا "وبجلدته شفينا" (أش 53: 3، 1 بط 2: 24). ما أعجب أن تظلم فتذلل ولا تفتح فمك. وما أعجب أن تساق كشاه إلى الذبح وكخروف داجن صامت أمام الذي يجزه بينما حمل الله الذي يرفع خطية العالم كله، حمل بلا عيب قائم وكأنه مذبوح، وبسفك دمك الكريم حصلت المغفرة. ما أعجب أنك وأنت بهاء مجد الله ورسم جوهره تتشبه بنا وتأخذ صورة العبد. ما أعجب أن تباع بثلاثين من الفضة بينما أنت لا تثمنك تلال الذهب وجبال الماس. وما أعجب أن ترتضى بظلم هيرودس وبحكم بيلاطس بينما أنت ديان الأرض كلها وقاضى المسكونة طرا. ما أعجب أنك لم تنزل من على الصليب حين تحداك الكهنة والفريسيون بينما أنت قادر على أن تزلزل أساسات الأرض كلها. ما أعجب أن تصلب بيد الأثمة الظالمين الأشرار بينما أنت إله المحبة والبر، ومما يزيد العجب عجبا أنك جعلت كل من يؤمن أنك قادر أن تغفر للفاجر يحسب له إيمانه برا. لقد باعوك أيها الرب وأسلموك للخطاة، حتى تمنحنا نحن العبيد الحرية. لقد خضعت لمحاكمة جائرة، أنت يا من تحكم كل الأرض، حتى نخلص نحن من الحكم الأبدى. تعريت حتى تكسونا برداء الخلاص. وضعوا على رأسك إكليل شوك حتى ننال إكليل الحياة. وضعت في القبر حتى تقيمنا من موت القبر. هذا فعلته من أجلنا نحن عبيدك غير المستحقين.. أيها الرب ما أعجب اسمك.. ما أعجب أنك لما كنت تشتم لم تشتم عوضا، وأنك عندما تألمت لم تكن تهدد بل سلمت لمن يقضى بعدل (1 بط 2: 23) لذا في تواضعك انتزعت قضائك وبسبب صمتك وعدم دفاعك بذلت نفسك فدية عن كثيرين وشفعت في المذنبين لأنك عجيب ومتعجب منك بالمجد. ما أعجب يا رب قول النبي الذي رأك مجروحا فسألك "ما هذه الجروح في يدك" (زك 13: 6) فأجبت بمرارة "هى التي جرحت بها في بيت أحبائى" (زك 13: 6). وما أعجب أن يسلمك الخائن أحد الاثنى عشر، فتزداد جروحك مرارة من أجل الذين خانوك وشهروا بك إلا أنك أشهرت السلاطين جهارا ظافرا بهم على الصليب، ونصبت نفسك على الصليب ملكا إلى الأبد، لأنه قد دفع إليك كل سلطان في السماء وعلى الأرض (مت 28: 8). ما أعجب رفضك للعنف لكي تكمل الكتب أنه هكذا ينبغى أن يكون، ولأنك لا تريد أن يدافع عنك أحد ضدمن جرحوك بل تريد أن تشفى الكل بهذه الجراحات عينها، فبجراحاتك شفيت كل الجروح. ما أعجب أنك تموت في الوقت المعين عن الفجار، ما أعجب أن تصالح العالم لنفسك غير حاسب لهم خطاياهم، وذلك بذبيحتك المقبولة الوحيدة، والتي صارت لله أبيك رائحة طيبة اشتمها رائحة سرور ورضى عن جميعنا. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
أعاجيب الحب ما أعجب القبض على ذاك الذي به يمكن أن يتحرر الكل من رباطاتهم، وكما كان هناك من إستهزأ بك يا رب، كان هناك ايضا من خلص بواسطتك في تلك الساعة ويردد "قد حللت ربطى" (مز 66: 16). ما أعجب العار الذي حملته وقد كسر قلبك (مز 69: 20) بينما أنت تحمل كرامة أبيك وتعمل مشيئته. وما أعجب أن تتعرى لتصلب على خشبة كمجرم ويشهر بك بينما أنت حامل المجد كله، وأنت الذي تعبت بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات (رو 1: 4). وما أعجب قول بيلاطس ثلاثة مرات أنه لا يجد فيك علة ويراك مبررا من كل عيب. فعظيم هو سلطانك أيها المسيح المصلوب، فبعد كل السخريات والاتهامات والتعيير تحرك هذه القلوب نحو الندامة. ما أعجب سكوتك وقت المحاكمة إذ أنك لم تفتح فاك، لأنك شبه الحمل محسوبا في صمتك بارا غير مذنب. وما أعجب أن تحتقر كواحد منا بينما أنت نسمة كل الأرواح المقدسة في السموات. ما أعجب أن يسخروا منك كجاهل بينما أنت المذخر فيك كل كنوز النعمة والمعرفة وأنت الناظر للخفيات التي فينا. وما أعجب بيلاطس الوالى عندما عندما علم أنهم سلموك حسدا. وما أعجب قول زوجة بيلاطس عندما قالت له "إياك وذلك البار، لأنى تألمت اليوم كثيرا من أجله" فكان ذلك القول ليس لبيلاطس وحده وإنما للمتآمرين لكي يروا ويسمعوا بيلاطس غريب الجنس وهو يعلن برائتك بغسل يديه قدام الجميع وهو يعلن أنه برئ من دمك أيها البار. ما أعجب أن الذي دين يجلس ديانا، وأن الذي وقف أمام كرسى الوالى يدان عن جرائم زور بينما هو الذي سيدين الجرائم الحقيقية. وما أعجب نوح الأشرار في مجيئك عندما يروك وقد حملت الجراحات بسببهم. وما أعجب رؤية الذين طعنوك لجنبك المطعون، إذ أنهم سيقرعون صدورهم، لأنهم لم يكونوا يعرفونك قبلا بسبب إتضاع جسدك، بينما ستكون رؤيتك مكافأة للأبرار ليدخلوا أفراحك وأمجادك فيتنعومن بما لا يستطيع الأشرار معاينته. وما أعجب أن يقوم عليك شهود الزور بينما أنت الشاهد الصادق والأمين. وما أعجب أن تحاكم بينما لم تأت لتدافع عن نفسك بأنك بار وتبرر، لأنك جئت خصيصا لا لتتبرأ بل لتحمل الخطية، حتى أن كل الإتهامات التي قدمت ضدك لم تنفها، بل رضيت بها كصانع لكل الخطايا ومن ثم تموت بناء على ذلك فهذا صميم رسالة فدائك أن يموت البار لأجل الأثمة. ما أعجب سكوتك الذي اعتبر قبولا لحكم الصلب، إذ هكذا تكون قد صلبت بإراداتك وحدك وحملت في نفسك الأحكام الواقعة بعدل على الخطاة وصرت لعنة لأجلنا بينما اللعنة هي لنا، وأنت لعنت من أجلنا بينما لم تعرف خطية، لكي تعتقنا نحن من اللعنة القديمة، وأنت قادر أن تحقق ذلك لأنك الإله الذي فوق الكل وتألمت من أجل الكل ليقتنى الكل الفداء بموت جسدك الخاص. ما أعجب أن يشتكوا عليك ويعتبرونك فاعل شر فيسلمونك، لأن بهذا يا رب وضع عليك إثم جميعنا (أش 53: 6) ولهذا حملت في نفسك خطايانا في جسدك على الخشبة (1 بط 2: 24)،وما أعجب وجهك البرئ الذي ينطق لا بالبراءة فقط بل بالبرارة حتى أن بيلاطس بدأ يخاف منك (يو 19: 8) بينما كان الطبيعى أن الذي يخاف هو المقبوض عليه والذي يحاكم وليس الوالى القاضى. ما أعجب أن يقول "أنا لست أجد فيه علة واحدة" (يو 19: 4). ما أعجب أن تكون محاكمتك أمام شهود زور، وأن تتم ليلا مخالفة بذلك التقليد اليهودى في المحاكمات، وفي غياب شهود الدفاع عن المتهم. وما أعجب إتهامك بالتجديف. وما أعجب تلفيق التهم لك، وأسلوب الهزء والإهانات التي استعملت في محاكمتك، مما يثبت أن السنهدريم كان قد بيت النية للقضاء عليك، بينما أنت قاضى المسكونة كلها. ما أعجب قولك أنك ابن الله أمام المحاكمة، وما أعجب قولك عن اليهود: "لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالا لا يعملها أحد غيرى لم تكن لهم خطية، وأما الآن فقد رأوا وأبغضونى أنا وأبى" (يو 15: 24)، إذ أنهم رأوك فعلا تعمل أعمالا لم يعملها أحد غيرك وقالوا فيك: "ماذا نصنع فإنه يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به" (يو 11: 47)، حتى أن بيلاطس اكتشف أنهم أسلموك حسدا (مت 27: 18، مر 15: 10)، وأنت قد أعطيت سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد لك كل الشعوب والأمم والألسنة، وسلطانك أبدى لن يزول وملكوتك لن ينقرض (دا 7: 13، 14). ما أعجب أن يعتبرك الذين حاكموك مجدفا. لقد اعتبروا أن كلماتهم مبرر لجريمتهم، بينما هي في نظر المؤمنين باسمك بمثابة استعلان للحق، أما بالنسبة لك فقد قادتك شهادتك عن نفسك إلى الصليب الذي سبقت وأنبأت تلاميذك عنه. ما أعجب ذبيحتك التي أبطلت كل الذبائح الأخرى والتي كانت سابقة لك كرمز وظل. ما أعجب أنك وقفت أمام هيرودس ولم تجبه بشئ بينما الكل يشتكون عليك بإشتداد. وما أعجب وقوفك أمام بيلاطس ساكتا لا تجب بشئ مما جعله يتعجب من صمتك، إذ أن صمت المتهم في الدفاع عن نفسه معناه ثبوت الإتهام، لتحمل أنت يا ربي كل خطايا الإنسان ولتصير لعنة لأجلنا وتحمل في نفسك خطايانا. ما أعجب هياج اليهود ومرامرتهم ضدك ودينونتهم عليك، إلا أن بهذه الدينونة إنكشف كذب رئيس هذا العالم، وهكذا بدينونتك أدان العالم نفسه " الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا" (يو 12: 31). ما أعجب شخصك القدوس ووجهك الهادئ العذب ووثوقك في أنك الحق، وبسببك صار بيلاطس وهيرودس صديقين لأنهما كانا من قبل في عداوة (لو 23: 8- 12). ما أعجب أن يقبض عليك مع أن يمينك مقتدرة وقوتك لا تهزم. وما أعجب أن توثق بالحبال أنت الذي جئت لتخلص الذين كانوا في قبضة العدو من طغيانه غير المحتمل. ما أعجب أن تعطينا بنفسك مثالا للإحتمال، وأنك لما ضربت احتملت بصبر ولما شتمت لم تشتم مقابل الشتيمة، وعندما تألمت لم تهدد بل أعطيت ظهرك للضاربين وخديك لللاطمين ووجهك لم تدره عن البصق، وعندما إقتادوك إلى الموت ذهبت طواعية وعندما عانيت الآلام كنت تصوغ لنا الحرية. لقد قبلت أن تنزل إلى عالم الفناء حتى يلتحف الفناء بالخلود، وصرت ضعيفا من أجلنا لكي نقوم نحن في قوة، وقبلت الموت لتمنحنا الفناء بالخلود، وصرت ضعيفا من أجلنا لكي نقوم نحن في قوة، وقبلت الموت لتمنحنا الديمومة وتهب الذين ماتوا نعمة الحياة، ودست الوت حتى إذا ا متنا نحن كبشر نحيا ثانية ولا يسود علينا الموت. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
عجائب الحب الإلهي ما أعجب أن يستهزأ بك العسكر ويحتقرونك. وما أعجب أن يبصقوا عليك ويضربوك على رأسك. وما أعجب أن يجلس العسكر ليحرسوك بينما أنت لست محتاجا إلى حراسة بل سمحت أن يخضع جسدك للحراسة لتكون حياتنا محفوظة بعنايتك ومحروسة بقوتك. ما أعجب مضيك مع العسكر إلى داخل دار الولاية وأنت وسط الذئاب الضارية، بينما هم يجازوك عن الخير شرا وقد صروا عليك بأسنانهم، وأنت بقلبك الوديع البرئ المحب للبشر قد تألمت عندما طن جسدك بالحربة، وتألمت عندما وضعوا جسدك في القبر، إلا أنك أقمت جسدك وأظهرته جليا لتلاميذك بل وسمحت لهم أن يلمسوك بأياديهم ويضعوها في مواضع الحربة والمسامير، فتطهرنا جميعا بموتك لأننا معك متنا وقمنا وتمجدنا. ما أعجب جروحك التي صارت ثمن معاصينا وما أعجب سحق عظامك لأنه ثمن آثامنا. وما أعجب استهزاء العسكر لأنه ثمن سلامنا. وما أعجب الشوك وضرب رأسك لأنه ثمن خزينا. لقد ضربوا رأسك التي لم يكن لك أين تسندها وكللوها بالشوك لأنها ستحمل خطية الإنسان وكل فجوره. وما أعجب أن تحصى مع الأثمة وأن يحسبوك مرفوضا، لكنها الكأس التي أعطاها لك الآب لتشربها (يو 18: 12). ما أعجب عريك الذي به سترت عرينا وألبستنا ثياب برك. وما أعجب ضربك على رأسك وأنت الذي تنحنى وتجثو له كل الرؤوس. ما أعجب ساميرك التي بها مزقت صك خطايانا. ما أعجب قول بيلاطس للشعب "أؤدبه وأطلقه"، وما أطلقك بل اطلق باراباس بينما أنت مؤدبنا جميعا، وأنت الذي أعطيت إطلاقا للذين قبض عليهم في الجحيم. ما أعجب احتمالك للطمة عبد رئيس الكهنة على خدك. وما أعجب صبرك على الإمتهان والتلفيق، وأنت ساكت وهم مسرورون بسكوتك بينما هم أسلموك حسدا وأنت راض بكل ما عملوه. ما أعجب هدوئك أمام المحكمة وإحتفاظك بالغفران والصفح وأنت صامت كملك، بينما لابد أننا جميعا سنظهر أمام كرسيك في اليوم الذي فيه ستدين سرائر الناس. ما أعجب أن يلبسوك الرداء معتبرين أنه لباس الملوك، وما أعجب أن يضفروا لك الشوك الذي كان تكميلا لقول الله لآدم "شوكا وحسكا تنبت لك الأرض" (تك 3: 18). وما أعجب القصبة التي في يمينك كصولجان الملك. وما أعجب لقاءك مع النسوة في طريق الآلام، حيث قابلتك النسوة بالنواح والبكاء بينما رددت عليهن "يا بنات أورشليم لا تبكين على بل ابكين على أنفسكن" (لو 23: 28)،إذ أنك لسن أنت الذي يبكى عليك. وما أعجب صورتك التي إنطبعت بالدم على منديل القديسة فيرونيكا. وما أعجب أن تعطش من أجلنا مع أنك أنت الذي تمنحنا الشراب بهباتك الخلاصية، لأن هذا هو مجدك وهذه هي عجيبة لاهوتك، أن يعطش ينبوع الحياة عطشنا لكي بهذا ينبهنا قائلا "إن عطش أحد فيقبل إلى" (يو 7: 37). وما أعجب أن يصير حملك لآلامنا هو مسرتك في أن تسحق بالحزن.. وما أعجب أن تقبل الموت عنا، فلكونك أنت الحياة مت لكي لا نموت نحن، بل نصير دائمى الحياة.. ما أعجب أن تصير جسدا ليما تقيم الجسد بالكلمة. إنها قصة الحب العجيب التي تجلت على الصليب.. ما أعجب سقوطك تحت الصليب يا رب وما أعجب أن يحمل سمعان القيروانى الصليب بدلا منك ويكون هذا القيروانى مصدرا يأخذ عنه الإنجيليون القصة بدقائقها. وما أعجب أن تسقط بالصليب ثلاثة مرات على طريق الآلام الضيق. لقد ذهبت يا رب إلى الجلجثة ورافقك في المسيرة إثنان من اللصوص وهناك في الجلجثة حيث دفن آدم، امتلكت الحياة وملكت عوض الموت. ما أعجب ما أصابك من إنهاك تحت ثقل الصليب حتى أنهم سخروا سمعان القيروانى ليحمله بينما أنت الحامل كل شيء بكلمة قدرتك. ما أعجب أن تحمل الصليب على منكبيك وليس فيك صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت (أش 1: 6) بينما أنت مصدر كل قوة والذي يرطب الجميع بزيت النعمة، إلا أنك وجدت في الهيئة كإنسان وفي الحقيقة أنت ابن الإنسان ولاهوتك لم يفارق ناسوتك. ما أعجب أنك لم تترك وسيلة لتخلص بها على كل حال قوما حتى في وقت صلبك: أنقذت باراباس وخلصت اللص اليمين وحولت قائد المئة وسخرت سمعان القيروانى وتلامست مع من طعنك وجعلتنا جميعا نتقدم في ثقة إلى عرش نعمتك لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه. ما أعجب القصة لأنها صارت صولجانا. وما أعجب جلدات جسدك لأنها شفت البشرية. وما أعجب إكليل الشوك المظفر الذي يدمى جبهتك لأنه صورة لإكليل مجدك الأبدى، فمجدك حوله هؤلاء الأثمة إلى شوك وخزى وعار بأيديهم. فما أعجب رأسك التي ضربوك عليها بالقصبة فبهذه تقودنا يا رب إلى أبيك. ما أعجب قولك "أنا عطشان" بينما أنت ماء الحياة، وما أعجب أن ترفع فوق خشبة الصليب وأن تسمر عليها لتبرأ البشرية كلها بشجرة الحياة. وما أعجب أن تموت وأنت المحيى والماحق الموت بموتك. وما أعجب أن تنزل إلى الجحيم، إلا أنك ستقوم وترجع معك النفوس. إنها قصة الحب العجيب. ما أعجب أن تجتاز المعصرة الحقة وحدك وأن تدوس فيها ولم يكن معك أحد، بينما هي ليست معصرة الآلام بقدر ما هي معصرة ثقل الخطية التي لا تقبلها ولا تطيقها، لكنك من أجل هذا جئت، ونيابة عنا خضعت في طاعة للآب لتحمل موت الخطية، حملتها نيابة عنا لأننا رفضنا إرادة أبيك فخضعت أنت للصليب بسرور من أجل طاعة أبيك ولأنك أردت ذلك وهو ما أعلنته بنفسك بقولك "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16) وكأن البذل هنا هو من إرادة الآب المحب الذي لم يشفق على ابنه الوحيد. فما أعجب حبك الذي جعلك تسلم نفسك لأجلنا (غلا 2: 10) باذلا نفسك المملوءة حبا، مقدما لنا جسدك ودمك وعرقك ودموعك وصلواتك وسهرك.. ما أعجب أن تجثو على ركبتيك بينما أنت رئيس الكهنة الأعظم، لكنك كنت تقدم ذبيحة العالم الفريدة، تقدم حياتك المبذولة طاعة لأبيك وحبا للبشرية. وما أعجب أن تدخل المعصرة بإرادتك لتجتازها من أجلنا لحظات قبولك الكأس من يدى الآب، لتؤكد لنا ناسوتك الذي شاركت به ناسوتنا. ما أعجب حملك للآلام لكي تمنحنا الفرح. إنك تألمت أيها الرب لا بألامك وإنما بألامى. وما أعجب أن تفيض منك قطرات العرق بطريقة عجيبة كقطرات الدم وكأنك تستنزف دمك مفرغا ينبوع الخوف الائق بطبيعتنا. ما أعجب أنك كنت تقتاد للموت البشع وأنت محتقر من العصاة بينما كان تلاميذك يتشاحنون فيما بينهم من يكون الأكبر. وما أعجب أن تكلم أبيك في البستان بينما أنت لم تنفصل عنه، حاملا كأس الأم وحانيا رأسك وكتفيك لترفع عنا ثقل خطايانا وتردنا لا إلى جنة عدن بل إلى الفردوس السماوى. ما أعجب أن يسلمك يهوذا للموت بينما أنت أعظم من الموت، إذ دخله الشيطان ولأجل فضة مدنسة خسر السماء وفقد إكليل الخلود وكرامة الرسولية المحبوبة وحسبانه ضمن عداد الإثنى عشر. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
أعاجيب الحب الإلهي ما أعجب قولك عن يهوذا "هوذا الذي يسلمنى قد اقترب" (مت 26: 46) وما أعجب نعتك له "يا صاحب لماذا جئت". وما أعجب أنك تركته ليخونك لمدة يوميتن بينما كنت تحاول أن تنبهه لكنه لم ينتبه، ثم أخذ اللقمة وخرج للوقت في الليل ليخونك في الظلام، وبخروجه انفصل إلى الأبد عنك وخنق نفسه. إنه مصير كل من يبيعك يا رب بأي عرض من عروض الدنيا. ما أعجب أن ثمنك، الذي صار ثمن الدم، جعل يهوذا يرده، فلم يكن ممكنا أن يتركه معه لأنها فضة مرفوضة وزغل مغشوش، إذ كما أن من يترك شيئا من أجلك أيها السيد يأخذ عنه مئة ضعف في هذا العالم مع حياة الدهر الآتى، هكذا من يبيعك أيها السيد يخسر مئة ضعف ويفقد حياته إلى الأبد، فرغم أن يهوذا ظن أنه اقتنى ربحا بالثلاثين من الفضة إلا أنه اقتنى بؤسا وهما وغما، لذا ذهب ليرد الفضة في ندامة بلا توبة وفي مرارة بلا رجاء، حتى أنه لم يطق حياته فمضى وشنق نفسه. ما أعجب أن يكون حقل الدم الذي اشترى بالثلاثين من الفضة هو مدفن للغرباء ليصير هو العالم الذي افتديته يا رب بدمك لكي تدفن فيه الأمم فيتنعمون بخلاصك، إذ أن ثمن تسليمك استخدموه في شراء مدفن للغرباء، لنكون نحن المنتفعين به، فقد اشترى الحقل لأجلنا بثمن دمك، فما الحقل إلا هذا العالم الحاضر وما ثمن الدم إلا ثمن آلامك لكي تحفظ الذين دفنوا معك وماتوا معك في المعمودية لنوال البركات الأبدية.. فعوض أن يعيشوا غرباء تحت الناموس صاروا قريبين بدمك (أف 2: 11). ما أعجب أن تصير وكأنك لص محتقر ومخذول بينما أنت أبرع جمالا من بنى البشر. وما أعجب أن تتجرع الأوجاع وتختبر الحزن ولم يعتد بك بينما أنت الذي تحمل أثقال وهموم العالم. وما أعجب قطرات عرقك التي كانت كقطرات الدم لأنها آلام الفداء. ما أعجب قولك "نفسى حزينة جدا حتى الموت" فهل كنت تحزن من هروب التلاميذ وإنكار بطرس؟ أم من خيانة يهوذا؟ أم من أن الجميع قد تركوك؟ بينما أنت قد قست طريق الآلام ودست معالم الموت والهاوية قبل أن تجتازها. ما أعجب أن يربطوك- "فأوثقوا يسوع"- فكيف تقيد يدى رب الحرية؟ لقد قبلت القيود في يديك لتستطيع أن تفك قيودنا الأبدية من الخطية والشيطان، إذ أنك لم تستعف من تقديم ذبيحة الآلام حتى تصل نعمة الخلاص للجنس البشرى كله. ما أعجب ثوبك الثمين المنسوج قطعة واحدة، هذا الثوب الإلهي الذي ألقوا عليه القرعة فيما بينهم. وما أعجب أن تؤخذ ملابسك قبل الصليب بيد العساكر الصالبين الرومان، ويالعظم ثوبك الذي نسجته لك مريم العذراء أمك بيديها. ما أعجب قميصك الذي ألقوا عليه قرعة إلا أنهم لم يمزقوه، لتجعل كنيستك منسوجة بيدك غير منقسمة ولا منشقة ووحدتها مقررة ومعانة من عندك، ولتصير كنيستك كقميصك بغير خياطة فلا تنحل أبدا، منسوجة كلها من فوق من السموات، إذ أنها فائقة المعرفة، مرتبطة برباط الكمال، فجعلتها كقميصك كله فلا يستثنى أحد من وحدتها،إنه قميص المحبة الأبدية وقميص صورة الإيمان الذي بشرنا به بدون تقسيم. ما أعجب الثوب القرمزى الذي تلطخ بدمك الكريم لأن به ألبستنا ثوب المجد والطهارة الأبدية، إذ أنه ليس دم إنسان يفسد بل دم المسيح الحى، دم ابن الله. وما أعجب ظهرك المجلود بالسياط لأن به دفعت عقوبتنا وجددت لحمنا وعظامنا، وما أعجب قبولك للإهانات والبصق واللطم لأن بها تقبلت ورضيت أن تكون حاملا لآثامنا ومعاصينا فتأديب سلامنا عليك لأن بجراحاتك شفينا. ما أعجب أن تكون أنت يا رب فصحنا الذي ذبح لأجلنا بينما أنت الراعى والكاهن الأعظم والطريق والباب وكل شيء معا لنا. وما أعجب أن تدان وتحاكم بينما أنت الديان. وما أعجب ما وقع عليك من تعييرات المعيريين بينما أنت الذي ترد إلينا بهجة خلاصنا. وما أعجب أن تحمل اللعنة والعار لأجلنا بينما أنت القدوس الذي بلا عيب. وما أعجب موتك بينما أنت الذي لم يكن ممكنا أن يمسكك الموت، لذا أبدت الموت وزعزعت سلطانه. ما أعجب دمك الذكى الذي به صار تطهير نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا، بينما قديما كان دم التيوس يرش على المنجسين لتطهير الجسد، بينما بدمك الرشوش الآن ليس فقط سيعبر المهلك بل سيكون على عتبة أورشليم السمائية ليدعونا لحضور الوليمة الدائمة. ما أعجب إن تشاركنا بشريتنا وتتبنى قضينا وتضع نفسك متهما بدلا عنا لكي تكتسب لنا النصرة. وما أعجب أن تتخذ شكل العبد لكي يظفر العبيد بنعمة الحرية والبنوية. وما أعجب إخلائك لنفسك يا بر لتكمل سر تدبير تعطفك الجزيل. وما أعجب أن ترتضى الذل والهوان لتحقق لنا الرفعة من بعد سقوطنا، فعذابك صار لنا منزا وأوجاعك صارت لنا تنعما ومرارتك صارت لنا حلاوة، وخزيك صار كرامة لنا، إذ قبلت أن تجرب لتهبنا النصرة، وأهنت لكي تمجدنا، فقدوس أنت لأنك أظهرت بالضعف ما هو أعظم من القوة. ما أعجب أن ترفع على الصليب لتصالح العالم بنفسك غير حاسب لنا خطايانا وواضعا فينا كلمة المصالحة، بينما بإرتفاعك عن الأرض جذبت إليك الجميع. وما أعجب أن تجعل أن نفسك خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيك، ولنصير من أجلك كل ما صرته من أجلنا. ما أعجب أن تثمن يا رب بثمن العبيد آنذاك، وبأن تجرح في بيت أحبائك. لقد أخذت على نفسك ما كان أقل حسنا لتعطينا ما هو أفضل. وما أعجب أن تجعل نفسك فقير البشرية لكي نصير نحن أغنياء بفقرك. وما أعجب أن تأخذ صورة عبد لتعتقنا من العبودية، وأنت تنزل لتصعدنا. وما أعجب أن تموت لتحيينا وتصعد إلى السماء لتجذب إليك المطروحين في الخطية. وما أعجب نزولك لأن به جعلتنا قادرين على الصعود، فنزولك إلى الجحيم إلى عالم الموتى كان أعظم إظهار وإعلان للحياة، إذ أن نزولك إلى الجحيم حول الموت نفسه إلى حياة!! ما أعجب أن تصير آلامك وصلبك ودفنك وقيامتك هي فصح الكنيسة الدائم والمستمر. وما أعجب أن يكون عملك الفصحى الإلهي موضوع لهج كل مؤمن حقيقي، خلاله يعبر من مجد إلى مجد، لأن صليبك وقيامتك هما مركز الإنجيل. ما أعجب أن يتحقق سر الفصح في جسدك وأنت تقاد كحمل وكشاه تذبح لتخلصنا ولتحررنا من عبودية الشيطان خاتما نفوسنا بروحك ومقدسا أعضاءنا الجسدية بدمك. ما أعجب الحمل الصامت الذي أخذ من القطيع وأقتيد للذبح في المساء ودفن في الليل ليخلصنا من العبودية إلى الحرية، ومن الظلمة إلى النور، ومن الظلم إلى الملكوت الأبدى. وما أعجب أن تكون المسامير المسمرة والألسنة المجدفة والشهادات الزور قصة حبك العجيب التي ذبحت الشيطان وجردت الرياسات والسلاطين لتمسح العالم كله بدم العهد. ما أعجب ذبيحة فصحك الحقيقي لأنها بالنسبة لنا بدء الحياة الأبدية التي صارت في آخر الأزمنة (عب 9: 26) والتي بها أعلنت نهاية الناموس وغايته (رو 10: 4). وما أعجب قلبك الحنون الذي ذاب في وسط أحشائك، وقوتك التي نشفت كزق، ولسانك الذي لصق بحنك. ما أعجب أنك جئت لتخلصنا، جئت ليس من أجل نفسك بل من أجلنا، وأخذت شكل العبد (فى 2: 7) بينما أنت الإله ابن الله والملك ابن الملك، لكنك من أجلنا صرت هكذا في شبه الناس وأطعت حتى الموت موت الصليب، لكي تشفق على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
عجائب المحبة حتى الموت ما أعجب أنك تعلمت الطاعة مما تألمت به، وإحتملت الصليب مستهينا بالخزى لكي بدمك الخاص تشترى كل ما تحت السماء وتحرر الناس من دين العصيان، وكأنك تقول لنا: "إنى أموت من أجل الجميع بنفسى لأنى جعلت نفسى فدية عن أجساد الجميع، فإن الموت سيموت بموتى". ولم تكن هناك وسيلة أخرى لإبادة ذاك الذي له سلطان الوت ولإبادة الموت نفسه ايضا إلا بأن تبذل نفسك فدية من أجلنا، الواحد من أجل الجميع لأنه فائق للجميع. ما أعجب ان يموت الحمل الواحد من أجل الجميع لكي يخلص كل القطيع الأرضى لله الآب، الواحد من أجل الجميع لكي يخضع الجميع لله ولكي يربح الجميع، حتى فيما بعد لا يعيش الجميع من أجل أنفسهم بل من أجل الذي مات من أجلهم وقام. فإذ كنا بعد خطاة مباعين للفساد والموت بذل الآب ابنه فدية من أجلنا الواحد من أجل الجميع فيك وأنت أكرم الجميع، الواحد مات من أجل الجميع ليعيش الجميع فيك. ما أعجب أن تأخذ على عاتقك جميع ضعفات البشرية. وما أعجب حب أبيك الذي من أجل حياة العالم قدم ابنه الخاص وحيد الجنس الذي هو منه حقا، فأى عقل وأى سمع يقدر أن يحد لجة محبتك للبشر التي لا توصف يا الله، فمن أجل تحننك ومحبتك للبشر أخضعت نفسك للآلام والإهانات لكي تبطل الألم، وغلبك تحننك لكي بموتك المحيي تبطل الموت وتتدفق نحونا جميع الخيرات. وما أعجب أنك تألمت خارج المحلة وتأخذ وضعنا لكي تعطينا وضعك، فبخروجك خارج المحلة دفعت الثمن الذي ندخل به نحن "دعى اسمه عجيبا" (أش 9: 6). ما أعجب أن تحسب مصابا مضروبا من الله ومذلولا، بينما أنت الذي ناديت بالخلاص للناس، فكيف لا تخلص نفسك وأنت منقذ حياتنا من الفساد ومكللنا بالمراحم والرأفات!! وما أعجب أن ينقض هيكل جسدك بينما لا تزول كلمة واحدة من كلامك ولن تزول ولو زالت الأرض والسماء، فلقد كان موتك مرة واحدة بلا تكرار، لأنك لم تمت عن ضعف بل عن قوة الحب الخلاصى الباذل، لكي إذ لا نموت مرة أخرى تهبنا، ونحن نشترك معك في موتك، أن نشاركك قيامتك التي لا يغلبها الموت. ما أعجب أن تكون لعنة لنتبارك نحن. وما أعجب أن تتعرى لتكسو آدم المفضوح. ما أعجب أن يكون أكليلك من الشوك لتقتلع أشواكنا. ما أعجب أن يبصق عليك بينما أنت جئت لنحتضن البشرية. وما أعجب أن تقبل آلامك لنتبرأ بإتهامك ونحيا بموتك. وما أعجب دمك الذكى الذي يحفط من الموت الذين يؤمنون بك، فإذا كان دم الخروف الأعجم في القديم قد أعطى خلاصا، أفلا يقدر دمك بالأحرى أكثر كثيرا جدا، وأنت الذي لم تعرف لعنة قد صرت لعنة، وأنت الذي لم تعرف خطية قد صرت خطية لأجلنا لتقدم دمك مهراقا ومعتصرا في كأس خلاصنا. ما أعجب دمك الذي دخلت به مرة واحدة إلى الأقداس فوجدت لنا فداء أبديا. وما أعجب دمك الذي بروح أزلى يطهرنا من الأعمال الميتة. وما أعجب دم نفسك الذي قدست به الشعب لما تألمت خارج المحلة، وبقربانك قربتنا لأبيك وأكملت إلى الأبد المقدسين في دمك المعروف سابقا قبل تأسيس العالم. ما أعجب الربوبية التي كانت في شكل العبد. وما أعجب المجد الإلهي في الهوان البشرى. وما أعجب الكرامة الملكية في المذلة المتناهية، إلا أنه بينما يراك البعض مجرد شخص منظور، نحن نرى فيك اللوغوس الذي من الله الآب لتمتزج الحياة بالموت، ونحن نؤمن أن لاهوتك لم يفارق ناسوتك لحظة واحدة ولا طرفة عين. ما أعجب أن يكون المصلوب هو نفسه اللوغوس وحيد الآب والأزلى وغير المائت والواحد من الثالوث،وما أعجب أن يكون صليبك هو عرشك يا الله إلى دهر الدهور. وما أعجب أن يكون ملكك على خشبة يا ملك الكل. وقدوس أنت لأن لا يمكن للموت أن يمسكك وهو لا يعرفك. ما أعجب أن تأتى بيننا لتقدم ذبيحة نفسك عن الجميع، لأنه كان صروريا أن يوفى الدين الذي استحق على الكل إذ استحقوا الموت بسبب الخطية. وما أعجب أن تسلم جسدك للموت لكي تحرر البشرية كلها من معصيتها القديمة ولتظهر أنك أقوى من الموت بقيامتك بعد أن تممت الموت نيابة عن الجميع لتوفى الدين المستحق عليهم. ما أعجب أن يكون موتك أصل ورأس ومبدأ الحياة لنا، فذبيحتك وضعت حدا لحكم الموت الذي كان قائما ضدا لنا، ووضعت لنا مبدأ الحياة برجاء القيامة من الأموات الذي أعكيته لنا. وما أعجب أن تقهر الموت وتشهر به على الصليب فلم يعد للموت سلطانا بل قد مات موتاً حقيقياً. ما أعجب إظهارك لمجد لاهوتك قبل آلامك على جبل طابور، ذلك المجد الذي أدهش تلاميذك، حتى عندما يرونك مصلوبا يفهمون أن آلامك كانت بإختيارك. وما أعجب تجليك وآلامك ودفنك فكلها أفعال إنتصارية مشيئة بقوة لاهوتك. ما أعجب أن تتعب من ثقل حمل الصليب بينما أنت راحة التعابى والثقيلى الأحمال (مت 11: 28). ما أعجب أن تكون كخروف سيق إلى الذبح بينما أنت راعى إسرائيل بل راعى العالم كله، وكحمل كنت صامتا مع أنك أنت الكلمة. وما أعجب ان ينشق حجاب الهيكل في يوم صلبك لتفتح أبواب السماء السرية. ما أعجب رائحتك الزكية التي هي موتك، فبذبيحتك ننال القوة لشفاء طبيعتنا وتقويتها، ونتمكن من مقاومة الموت والخطية. إن محبتك العظيمة من نحونا لم تجعلك تطلب أدنى شيء لنفسك من وراء تقديم ذبيحتك، بل كل شيء كان مدبرا لأجلنا ولأجل خلاصنا. ما أعجب أن تأخذنا كلنا في حضنك على عود الصليب، لأن حبك مع دمك المسفوك وأثار المسامير في يديك وأثار طعنة الحربة في جنبك، يجعلنا حاملين في أجسادنا كل حين إماتتك، لكي تظهر فينا حياتك المجردة من سطوة الموت، ونبلغ في الدهر الآتى إلى أن نصير على مثالك (1يو 3: 2). ما أعجب أن الآب السماوى تقبل ذبيحتك يا يسوع ليس لأنه كان محتاجا إليها، بل لأنه في تدبيره كان لابد أن يتقدس من خلال بشريتك. ما أعجب أن تدعونا لنفسك من خلال خلاصك العجيب الذي أكملته لمجدك. ما أعجب صعودك على الصليب، وما أعجب حوادث الصلب وأدواته وظروفه ومناسباته وأقواله وأعماله التي هي صدى تصويرى للنبوات القديمة، فصليبك هو مركز الحياة والموت معا، وصعودك على الصليب هو حكم ببراءة الإنسان إذ لا دينونة الآن على الذين هم فيك يا يسوع المصلوب. وما أعجب خشبة صليبك المحيية التي صارت علامة نصرة وإفتخار (ارتفاع على الصليب ارتفاع بالقيامة وارتفاع بالصعود). |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
عجائب الصليب ما أعجب صعودك على الخشبة بينما ملعون كل من علق عليها، لكنك لم تمسك يا رب في اللعنة بل حملتها وألغيتها، وأعطيتنا أن لا تسود علينا الخطية لأننا تحت النعمة، وبصعودك على الصليب اشتريتنا وعملت لنا الصلح بدمك وباحتمالك للصلب مستهينا بالخزى من أجل السرور الموضوع أمامك. ما أعجب أن تصلب عوض باراباس فتأخذ أنت موضع هذا القاتل (يو 19: 19- 22). وما أعجب أن تكون علة صلبك أنك ملك اليهود لتنهى محاولة آدم أن يكون ملكا بدون الله، فإذا كان آدم الأول قد أراد أن يملك بالتمرد على الله، جئت أنت آدم الثاني لكي تملك بالطاعة والبذل (فى 2: 5). ما أعجب أن تكتب علة صلبك بثلاث لغات "العبرانية واليونانية واللاتينية"، فالأولى لغة الدين والثانية لغة الفكر، والثالثة لغة المجتمع، وكأنك أردت أن يكون هذا تمهيد لطريق الكرازة بخلاصك العجيب على مستوياته الثلاثة الدينية والفكرية والإجتماعية. لقد أردت بتدبيرك الإلهي غير المدرك أن يكون هذا العنوان بلغاته الثلاثة إعلانا لملكوتك جهارا بأكثر اللغات المعروفة. ما أعجب يوم جمعة صلبوتك. إنه يوم واحد معروف لم يكن فيه النور (زك 4: 6) فلم يكن نهارًا عاديًا تشرق فيه الشمس كعادتها من الشروق إلى الغروب، بل في ذلك اليوم غيب الله الشمس في الظهر وقتم الأرض في يوم نور (عا 8: 9)، لأن أذهان صالبيك قد إلتحقت بالظلمة والإظلام فلم ينظروا (مز 69: 23)،فما أعجبك أيها المسيح المصلوب يا من ألبست السموات ظلاما وجعلت المسح غطاءها في ذلك اليوم (أش 50: 3). ما أعجب يديك المبسوطتين على عود الصليب لتجمع الشعوب، فهاتان اليدان تجمعان الكل لأن رأسك تتوسطهما لتكون إله واحد على الكل وبالكل وفي كلنا (أف 4: 6) حيث أن خلاصا واحدا من الأنبياء إلى الإنجيل حققه الرب الواحد عينه عندما بسط يديه لصالبيه لأنه هو ذلك العبد المتألم الممدود الذراعين لخلاص كل الشعوب، والذي على امتداد ذراعيه سيثبت بره وحقه نورا للأمم. ما أعجب أن تحيط بك ثيران كثيرة وأن توثق كذبيحة بربط على قرون المذبح، وما أعجب أنهم قد ثقبوا يديك ورجليك واحصوا عظامك. وما أعجب أن يحصوك مع الأثمة وينظرون إليك ويتفرسون فيك. وما أعجب أن يقتسموا ثيابك بينهم وعلى لباسك يقترعون. وما أعجب أن يجعلوا في طعامك علقما وفي عطشك يسقونك خلا. وما أعجب أن تحفظ جميع عظامك وواحدة منها لا تنكسر. ما أعجبك يا رب وأنت مسمر على الصليب كمن تقول لنا: "لاشئ يمكنكم أن تصنعوه بى قادر أن يوقف محبتى من نحوكم. من الممكن ان تضربونى وتسحقونى وتجلدونى، ويمكنكم أن تصلبونى، لكننى لن أتوقف عن محبتكم، هذا هو عظم محبتى لكم (يا أبتاه إغفر لهم)". إن ما حدث على الجلجثة كان نافذة يمكننا ان نرى من خلالها قلب المحب المتألم من أجلنا. لقد قدم الإنسان لله ذبائح كثيرة لعدة قرون خلت، أما أنت يا رب فما أعجب ذبيحة جلجثتك التي قدمت فيها ذاتك فدية عن الإنسان، وهذا هو حبك العجيب لكل واحد منا. ما أعجب صلبك وآلامك التي جمعت الجرح والدواء معا، المرضى والطبيب، فما قد سقط في الموت أقمته من جديد إلى الحياة، وما وقع تحت الفساد طردت الفساد عنه. لقد ظهرت كأنك أمسكت في الموت بينما أنت أقوى من الموت. أرادوا أن يحرموك من الحياة وأنت معطى الحياة. إنه سر أتخاذك أيها الكلمة بالجسد الإنسانى لتصنع سر الفداء. ما أعجب أن تصلب بين لصين، واحد عن يمينك والآخر عن يسارك، بينما أنت سيد عظيم ورب وفادى. وما أعجب أنهما احتلا اليمين واليسار لك يا رب عوض يعقوب ويوحنا. وما أعجب أن الذي صلب على يسارك كان يعيرك لكي تحصى مع أثمة ليس بسبب اللصين بل من أجل أنك حسبت خاطئا من الخطاة بل أخطى الخطاة جميعا، بل الحامل للخطاة ولخطاياهم معا. وما أعجب هذا اللص الذي آمن في الوقت الذي فيه فشل المعلمون، واعترف بذاك الذي رآه مسمرا على الصليب ولم يره قائما أو ملكا. وما أمجدك وأعجبك يا يسوع المصلوب لأنك جلبت اللص المصلوب معك من الصليب إلى الفردوس. ما أعجب أن تصلب مع لصين ومن أجلهما حتى أن من يقبلك منهما ترتفع به إلى فردوسك. ما أعجب أن تفتح باب الفردوس للص وأنت معلق على الصليب بينما هو لم يراك متجليا على جبل طابور، لكنه رأى المسامير والصليب والهزء، وأبصر صليبك وعرش قضائك الذي صلبت عليه أيها الديان في الوسط، لكنه آمن فخلص، والآخر جدف فدين، لتتأكد الخليقة كلها من أنك ديان الأحياء والأموات، نعم فالبعض سيكون عن يمينك والآخر عن يسارك. ما أعجب أن يجدف عليك وأن تتهم بأنك لا تقدر أن تخلص نفسك بينما أنت وضعت ذاتك بإرادتك وسلطانك وحدك لترضى مشيئة أبيك، وأنت القادر أن تحضر جيوش من الملائكة لتهلك الأثمة، لكن كان يجب أن تشرب الكأس التي يريد الآب أن يقدمها لك. ما أعجب أن تصلب أنت العود الرطب الذي تحمل أوراقا وثمار وأزهارا لتى هي تعاليمك وقوة لاهوتك ومعجزاتك التي لا ينطق بها. حقيقة أنك العود الرطب لأنك أنت الحياة وقوة الطبيعة الإلهية أما نحن البشر فندعى العود الجاف، ولكن بك تكون لنا الجرأة والقدوم عن الثقة (أف 3: 12). ما أعجب أن بتمدد جسدك على خشبة الصليب وأنت الحمل الذي بلا عيب ولا دنس، بينا صنعت هذا التدبير الخلاصى لتجعل حياة البشر تعبر من الشر إلى الخير. وما أعجب أن يموت الحمل الإلهي نحو المساء لأن آلامك تمت في آخر الزمن حيث مساء العالم، فليس في قدور أحد آخر أن يجعل المائت غير قابل للموت سواك أنت يا ربي يسوع المسيح إذ أنت "الحياة نفسها" يا صاحب الاسم العجيب. لقد حملت حزنى لتهبنى سعادة ونزلت حتى هوة الموت لترجعنا للحياة ثانية، وتألمت لتنصرنا على الحزن. إنك تتألم لا بسبب جراحاتك بل بسبب ضعفاتنا، وهذا الضعف ليس من طبعك يا رب لكنك أخذته لأجلى. ما أعجب أن يموت الحمل الواحد من أجل الجميع لكي يخلص كل القطيع الأرضى لله الآب، الواحد من أجل الجميع لكي يخضع الجميع لله ولكي يربح الجميع، حتى فيما بعد لا يعيش الجميع من أجل أنفسهم بل من أجل الذي مات من أجلهم وقام. فإذا كنا بعد خطاة مباعين للفساد والموت بذل الآب ابنه فدية من أجلنا، الواحد من أجل الجميع لأن الجميع فيك وأنت أكرم الجميع، الواحد مات من أجل الجميع ليعيش الجميع فيك. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
أعاجيب المحبة الإلهية ما أعجب أن تصلب على رابية الجلجثة في المكان الذي دفنت فيه جمجمة آدم، وهكذا صار مكان صلبك هناك حتى يتقابل معطى الحياة مع معطى الموت لتنتصر الحياة بالنهاية. إن رفع صليبك في موضع الجمجمة كان لتهب حياة للعظام الجافة الميتة ولكي لا يعود بعد في آدم بموت الجميع (1كو 15: 22) إنما فيك يحيا جميعنا ونشفى من لدغة الحية القديمة. وما أعجب أن ترتفع على شجرة الصليب في الجمجمة لتهب حياة لآدم فاقد الحياة بسبب أكله من الشجرة. ما أعجب أنك سحقت إبليس (عب 2: 14) بينما آدم الأول غلبه إبليس. وما أعجب أنك قهرت الموت ودست شوكته (1كو 15: 54) بينما آدم الأول قد مات. ما أعجب أنك أبطلت الخطية بذبيحة نفسك (عب 9: 26) بينما آدم الأول أوجد الخطية. ما أعجب أنك فتحت الفردوس (لو 23: 42) بينما آدم الأول أغلقه (تك 3: 24) وبما أن صلبك وموتك كان يوم الجمعة فلا يستبعد أن يكون موت آدم وطرده قد كانا في يوم جمعة أيضا. ما أعجب أن تدخل بوتقة الألم بينما لم تكن قد ارتكبت أية خطية إنما صنعت كل ذلك حبا فينا. وما أعجب آلامك التي كانت فريدة واحتملتها نيابة عن البشرية لتحقق إرادة الآب، وعوض العصيان الذي مارسه آدم الأول جئت أنت يا رب آدم الثاني لتصحح موقفنا بتسليم الإرادة أيها الابن، بل لكما مشيئة واحدة ولاهوت واحد، فلم تكن آلامك عملا تحقق بغير إرادتك. ما أعجب ملكك على الصليب، فبينما أراد آدم أن يكون إلها، لم ترد أنت آدم الثاني أن تكون ملكا دنيويا ولا أن تكون مملكتك من هذا العالم، إذ أن ملكك ملك أزلى أبدى لا يكون له نهاية لأنك مسحت بزيت البهجة أكثر من رفقائك. وما أعجب ملكك على الخشبة، ذلك الملك السماوى الذي به ستأتى لتدين الأحياء والأوات ولن يكون له إنقضاء. ما أعجب ملكك الذي اقتنيته بدمك الكريم حين اشترينا بعد أن كنا مبيعين بسبب الخطية. وما أعجب رفضك لأى ملك أرضى، فبينما أرادوا أن يأتوا ويختطفوك ليجعلوك ملكا (يو 6: 15) أعلنت أنك مجدا من هذا العالم لست تقبل (يو 5: 41) لترد آدم وبنيه إلى الفردوس ملكوتك الأبدى. ما أعجب أن يجعلوا في طعامك علقما وفي عطشك يسقونك خلا ممزوجا بالمر، لأنه كان ضروريا ولائقا بك لأجل التدبير أن تصير إنسانا مثلنا وتمارس أعمالنا عندما استلزم الأمر بذلك، إذ أنك افتديتنا لا بأشياء تفنى بل بدم كريم، وبالجملة رددت كل الأشياء إلى الصلاح والكمال مبطلا تسلط الموت ولعنة الأرض وإنفتاح الجحيم وإغلاق الفردوس وفساد الإنسان وتوحشه (مز 49). ما أعجب يديك ورجليك المثقوبتين يا مسيح الآلام. وما أعجب المعصرة التي اجتزتها ودستها وحدك، بينما دبرت ذلك وقبلته لتحمل عارنا حيا وميتا، ورضيته من أيدى الأثمة وألسنتهم معا، وأنت البار الذي بره أقوى من الموت لأنك بر الله، بر الحياة الأبدية، هذا ما أعلنته في صلاتك الوداعية أنك مجدت أبيك وأكملت العمل الذي أعطاه لك، لذلك تمجدت بالمجد الأزلى الذي لك، وتحمله الآن وأنت في الجسد كبر إلهي لتكون لتكون لنا برا نعيشه ونمارسه ونقول الرب برنا. ما أعجب أفواههم التي فغروها عليك وما أعجب إنسكابك كالماء، فبينما لم يكن هناك من يحكى ولا من ينعى ولا من يدرك صورة آلامك وأحزانك الواقعية، إلا أن سرها يدوى غى عالم الإنسان حتى اليوم وإلى الأبد، إذ تزلزلت أعتاب السماء وسماء السموات لما علق أحد الثالوث المقدس على الصليب!! ما أعجب أن تذوق الموت، إذ لم تبق مائتا معنا لأنك أنت الحياة، وكنت حيا حتى عندما ذقت الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة، محاربا الموت عنا في جسدك الخاص لتبطله وتستطيع بذلك أن نقدم لأجسادنا المائتة كمال عدم الفساد، وهكذا يصير لنا نحن ايضا طريق الحياة. ما أعجب أنك يا رب وأنت على الصليب توصى يوحنا حبيبك وتلميذك على أمك، بينما هي واقفة على رابية الجلجثة تنظر إليك وهي يجوز في نفسها السيف (لو 2: 35)،وها هي واقفة صامتة تشخص نحوك وقلبها يعتصر حزنا وألما، وبينما أنت قد سبقت ووعيتها تماما بكل ما ستجوزه إلا أحشاءها قد غلتهبت من أجل صلبوتك الذي أنت صابر عليه، أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص. ما أعجب حملك للصليب وأنت مكلل بالأشواك، لأن بذلك كانت الرياسة على كتفك (أش 9: 6)، فالصليب هو رئاستك، وإكليل الشوك هو ملكك، وما أعجب أن تصلب في موضع الجمجمة حيث آدم مدفون، لأنك أنت آدم الثاني الذي حررتنا من سقوط آدم الأول، وفي حنان سكبت نفسك حتى نتجمع في حضن أبيك. ما أعجب صلاتك يا رب من أجل مضطهديك لأنهم لا يعرفون ماذا يعملون!! وما أعجب وعدك بالفردوس للص اليمين وأنت معلق على الصليب، إذ أنك السيد الملك. وما أعجب فرحك على الصليب بعد أن ذقت الخل لأنك قد أكملت كل النبوات قبل أن تموت. نعم فقد وبدت من أجلنا وتألمت من أجلنا ومت من أجلنا ثم قمت ايضا من أجلنا ومن أجل خلاصنا. وما أعجب أن تكون أول قدم وطئت الفردوس هي قدم هذا اللص الطوباوى ديماس الحلو اللسان والمنطق، والذي جعلته ملكا للتائبين لتعلمنا أنه ليس من يبدأ حسنا هو الكامل بل الذي يبدأ ويكمل ويواصل إلى التمام هو الذي يربح الميراث الأبدى. وما أعجب صليبك لأن أسماءنا قد نقشت عليه، وما أعجب موتك الذي يبعث الأموات إلى الحياة وما أطهر جرحك الذي يجدد القوى. وما أعجب قطرات دمك المنسابة لأن بها تمحى خطايانا واحدة فواحدة، وما أعجب محاكمتك التي حملت فيها خطايانا بينما أنت الديان والحاكم العادل والقاضى المعين لفحص كل إتهام، وما أعجب قبولك لحكم الموت دون أن ينفصل لاهوتك قط لا عن نفسك ولا عن جسدك، إلا أنك بذلك ألغيت قانون حكم الموت الأبدى بكل مشتملاته، وما أعجب طعنة الحربة التي فتحت باب صمام الحياة ليفيض من جنبك نهر أسرار الكنيسة ويخرج منه دم الكأس لمغفرة الخطايا وماء الجرن المحيية التي للحياة الأبدية. ما أعجب أن تكتب على صلبك Titulus "يسوع الناصرى ملك اليهود" إلا أن في هذا إعلان ملكوتك، وبأنك ملكت على خشبة وأن صليبك هو عرشك وأنك لست ملكا لليهود لكنك ملكا للعالم كله، وملك الملوك ورب الأرباب، ملك الدهور الذي لا يفنى (1تى 1: 17). ما أعجب قولك "إلهي إلهي لماذا تركتني" لأنك جعلت نفسك واحدا منا تتكلم باسم الطبيعة البشرية كلها فبألامك الإلهية وحدها تم خلاصنا وشفاؤنا، لأنك لم لم تكن قد خفت لما كانت طبيعتنا قد انعتقت من الخوف، ولو لم تكن قد حزنت لما كنا تخلصنا من الحزن، ولم لم تكن قد بكيت بشريا لم جففت دموعنا، وهكذا بتدبيرك الخلاصى صرت ضعيفا في بشريتك لكي تبطل ضعفاتنا. وما أعجب الطلبات التي قدمتها للآب في بستان جثيمانى لكي تجعل آذان الآب صاغية لصلواتك فنأخذ نحن شجاعة لائقة بالله ولا نخاف فيما بعد من الموت. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
محبة حتى الموت ما أعجب أن تسند رأسك على الصليب وتسلم روحك ساكبا إياها بنفسك في يد الآب لأنه ليس أحد يأخذها منك بل أنت تضعها بسلطانك. وما أعجب أن يقال أنك سلمت الروح بدلا من أن يقال أنك مت، لتضع لنا بداية وأساس الرجاء الثابت. فنحن نؤمن أن نفوس القديسين عندما تفارق أجسادها الترابية وأساس الرجاء الثابت. فنحن نؤمن أن نفوس القديسين عندما تفارق أجسادها الترابية تسلم في يدى الآب المحب، ولا تكون مثل نفوس الأشرار التي تسلم إلى عذاب لا نهاية له أي الجحيم. ما أعجب أن يأتى يوسف الرامى ذلك الرجل البار الصالح والمثير الشريف الذي ينتظر أن يقدم على هذا العمل العظيم والجرئ عندما تخلى الكل عن المصلوب، فتقدم بشجاعة يطلب الجسد المقدس ونال هذه الكرامة العظيمة. وما أعجب أن حجر الزاوية المختار الكريم يرقد قليلا خلف حجارة القبر بينما هو صخرة الخلاص الكلية. وما أعجب أن تدفن في بستان يا رب لأن ذلك خلاص لآدم الذي مات موت الخطية في بستان، فندفنك أيها السيد في بستان مثيله كان لتزيل تبعة الجناية عنا ولتردنا إليك ثانية. ما أعجب أن تضع ذاتك وتأخذها بسلطانك وبحسب الوصية التي قبلتها من أبيك، حتى أنك قلت "قد أكمل" ونكست الرأس وأسلمت الروح لكي بدم عهدك تطلق الأسرى الذين في الجب، وترجع إلى الحصن أسرى الرجاء (زك 9: 11) وتضم الذين سباهم الشيطان وتصعد فوق جميع السموات لكي تملأ الكل ولكي تشفى لعنة الأرض. ما أعجب إنشقاق حجاب الهيكل إلى إثنين من فوق غلى أسفل، فقد حدث هذا ليكون لنا ثقة في الدخول إلى الأقداس بدمك بعد أن كرست لنا طريقا حيا بالحجاب أي جسدك (عب 10: 19). إنه إنفتاح قدس الأقداس. فبموتك انفتح باب السموات للمرة الأولى لكي بدالتك ندخل قدس الأقداس الإلهية خلال إتحادنا بك، بعد أن فارقت نعمة الله الهيكل القديم لتفتح لنا باب الهيكل الجديد. ما أعجب أن تسلم روحك لله أبيك لكي بهذا تحسن إلينا، لأن نفوس الناس في القديم كانت ترسل إلى المواضع السفلية المظلمة لمى تملأ سراديب الموت، لكن منذ أن سلمت الروح فقد افتتحت لنا هذا الطريق الجديد، فإننا لن نمضى إلى الجحيم بل بالحرى سنتبعك في هذا ايضا، بعد أن نكون قد استودعنا نفوسنا للخالق الأمين (1 بط 4: 19) في رجاء الخيرات العتيدة وأنت ستقيمنا جميعا. ما أعجب أن موتك كان سريعا (مر 15: 45) إذ أنك سلمت الروح عندما وجدت أن كل شيء قد أكمل، لأن روحك لم تنزع منك بل أنت الذي تنفستها خارجا. لقد لفظت النفس الأخير وسلمت الروح لتكمل عقوبة الموت بالجيد معنا وعنا كفارة عن خطايانا. https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ifixion-04.jpg ما أعجب أن ترفع وتبيد في الحال حكم الموت، لأنك أعلى من الجميع: كلمة الله، فإذا قد صرت إنسانا حققت إبادة الموت وقيامة الحياة. وما أعجب موتك لأجل الجميع ليعيش الجميع، إذ أنك العظيم الأبدى الذي خلق الإنسان على غير فساد، وبموتك أعطيتنا الخلود لأنك صورة الآب، وجئت إلى عالمنا لتجدد الإنسان المصنوع على صورته، كواحد قد ضل، وبك وحدك نقضت كل أعمال إبليس (1يو 3: 8). ما أعجب أن تموت بسرعة تعجب لها بيلاطس، وما أعجب أن يأتى يوسف عضو السنهدرين والذي كان تلميذا لك، والذي لم يكن راضيا عن إدانتك وصلبك، وقد نال تصريحا ليقوم بواجب دفنك ومعه نيقوديموس، وقد أحضروا معهم الكتان ومزيج من المر والعود ليكفنوك كعادة اليهود. ما أعجب أن يحملك يوسف الرامى ونيقوديموس بينما أنت الذي تحمل المسكونة كلها على مفك، وما أعجب نزولك من على خشبة الصليب بينما أنت الذي تعلق الأرض كلها على لا شيء، وما أعجب أن يحملوك بينما أنت الذي تحمل الكل فيك وتجمع الخليقة كلها في شخصك. وما أعجب أن يأتوا إليك بالطيب والحنوط بينما أنت منبع كل الأطياب والعطور والذي تجعل البحر كقدر عطارة. ما أعجب ما صنعته في نفوس اللص اليمين وقائد المئة وبيلاطس وكذلك نفوس يوسف ونيقوديموس اللذين ذهبا ليطلبا جسدك ولم يخافا من بطش بيلاطس وإنتقام اليهود. وما أعجب ما صنعاه: حملا الجسد وذهبا إلى البستان حيث القبر الذي نقره يوسف. ويالكرامة هذين الشيخين اللذين لمست أيديهما جسدك المصلوب ومسحت دمك المسفوك بإكرام جزيل وسخاء وحب شديد. ما أعجب نزولك من على الصليب وانتزاع المسامير والأشواك المغروسة في جسدك بواسطة يوسف الرامى ونيقوديموس اللذين مسحا دمك الذكى الكريم وكفناك وطيبا جسدك بالعطور والأطياب. ما أعجب نزولك من على الصليب، إذ عندما رأى قائد المئة ما كان معك، مجد الله وشهد بالحقيقة أنك بار وأنك ابن الله، فبينما شاهد من قبل كثير من المصلوبين يموتون، كان موتك فريدا يهز أعماق القلوب، خاصة وأنك ناديت بصوت عظيم "يا أبتاه في يديك استودع روحي" وأن جموع الذين كانوا مجتمعين رجعوا بعد صلبك وهم يقرعون صدورهم،ما أعجب انتحاب الطبيعة وإنشقاق حجاب الهيكل وقت نزولك من على الصليب. فعظيم هو سلطانك أيها المصلوب. (الشمس أظلمت والأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وحجاب الهيكل إنشق). ما أعجب انزال جسدك من على الصليب في اليوم السادس ووقت الغروب، لأنه يوم الاستعداد ولأنك صنعت الخليقة في ستة أيام وفي اليوم السابع استرحت. ما أعجب أنك لم تسمح بأن يكفنك تلاميذك حتى لا يقوم الاتهام بأنهم سرقوك دون دفنك، بل كفنك رجل شريف وبار، وقد تأكد الكل من دفنك عندما ختم القبر. وما أعجب ما قاله قائد المئة "حقا كان هذا ابن الله". فلقد ارتفعت يا رب لتجتذب إليك الجميع، لتجتذب هذا القائد وكثيرين ممن كانوا معه ولتجتذب اللص ديماس. ما أعجب الظلمة التي سادت على وجه الأرض في وقت صلبك. وما أعجب إنقباض الدرارى فلا نهار ولا ليل، نعم إنتحبت الطبيعة ذاتها لموت رب الطبيعة، إلا أن الساعات الثلاث التي سادت فيها الظلمة تحولت إلى نور يكتسح إلى الأبد، وصارت نصرة لسلطان النور. وما أعجب عتابك للكهنة والجند والشيوخ الذين مدوا عليك الأيادى في ساعة الظلمة بينما كانوا يلتقون معك في الهيكل كل يوم ليتمتعوا بأشعة برك وإشراقات محبتك والحكمة التي كانت تخرج من فمك. ما أعجب رأسك التة نكستها إذ أنه لم يكن لك أبدا أين تسند رأسك، وأخيرا سندتها على الصليب، كمن يستسلم للنوم، ثم اسلمت الروح، لأن روحك لم تؤخذ منك كأى بشر، بل أنت تسكبها بنفسك وبإرادتك، تسمبها في يد الآب، كمن يستودع وديعة. وما أعجب قبرك الذي دفنت فيه الفساد والظلمة، وتركته منيرا فارغا تفوح منه رائحة أطياب وعطور الحياة. |
رد: كتاب ذكرى آلامه المقدسة: قصة الحب العجيب، رؤية آبائية
الفرح بالخلاص الإلهي وما أعجب موتك لأنه حياة الجميع وبه سلمتنا النصرة والغلبة وسر الحياة إلى الأبد، وما أعجب رأسك التي نكستها لترفع بها رؤوسنا في قيامتك في اليوم الثالث. حقا انك معى ومن أجلى تتألم، ومن أجلى ونيابة عنى وفي مكانى أنت حزين بينما لم يكن عندك سبب في نفسك يجعلك تحزن أو تتألم. فجروحي يا رب يسوع وليس جروحك هي التي آلمتك، وكما أن موتك قضى على الوت وجروحك قد أبرأت كل الجروح، هكذا أحزانك قد أزالت أحزاننا. لهذا كله أسبحك مع كنيستك: "لك القوم والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين. عمانوئيل إلهنا وملكنا. قوتى وتسبحتى هو الرب وقد صار خلاصا". ما أعجب أن يكفن يوسف البار جسدك بالفائف وبالطيب التي هي جمالك وبرك غير الموصوف. ما أعجب أن تكفن بكفن جديد وتوضع في قبر جديد بينما لم يكن لك مقبرة خاصة بك، لأن القبر يقام من أجل الذين يتعرضون لقانون الموت، أما أنت فغالب الموت وليس لك مقبرة ملكا لك. ما أعجب أن لا تدفن مع آخرين بل تدفن وحدك، وما أعجب أن يوضع الحجر على قبرك ليكون صخرة أساس الإيمان. ما أعجب كتانك الأبيض ورائحة أطيابك ومصاحبة الملائكة لقبرك، إذ أنك مت لتقوم من بين الأموات كعربون لقيامتنا كلنا منتصرا على الموت والجحيم والشيطان وجميع جنود الظلمة. ما أعجب أن تدخل بالليل إلى الجحيم لتفك قيود المأسورين في الظلمة لتنطلق بهم إلى نور الفردوس الذي بلا ظلمة. وما أعجب القبر الذي صار مصدر النور والحياة وأشرقت منه حقيقة الغفران بينما كان قبلا مستودع الظلام والموت. وما أعجب أن يدحرج وينفتح باب القبر مهما كانت الأختام والحراسات. ما أعجب نزولك إلى الجحيم لتحرر أسرى الرجاء وما أعجب دخول الحياة إلى عالم الموت، حيث تزلزل الجحيم وإنكسرت شوكة إبليس بإفتدائك النفوس التي كانت مباعة بسبب الدين. وما أعجب الدين الذي وفيته فمزقت الصك وأرعبت قوات الجحيم وطرحت التنين وخلصت نفوس الراقدين وكرزت للأرواح التي في السجن لأنك صانع العجائب (خر 15: 11). ما أعجب نزولك إلى الجحيم لتنزع عار آدم وبنيه وتعتقهم من أسر العدو، لأن بيدك تعظيم وتشديد الجميع، فليس إله مثلك حافظ العهد والرحمة. وما أعجب عجائبك التي بها أذبت الآكام الدهرية، وبفروسيتك صنعت خلاصا وكسرت قسى الأقوياء، ومنطقت رجالك بالقوة لأنك خرجت لخلاص شعبك ولتخلص الذين مسحتهم لأن اسمك عجيب يا رب في كل الأمم. ما أعجب أن تنزل يا رب إلى أقسام الأرض السفلية لتعلن مجيئك لهؤلاء الذين كانوا ينتظرونك على الرجاء، وقد سبق وأخبروا بمجيئك وأطاعوا وصاياك. ما أعجب أن يكون موتك بالنسبة لهؤلاء الأنبياء والبطاركة والأتقياء شفاء لهم ومغفرة لخطاياهم. ما أعجب أن تقول للأسرى اخرجوا وللذين في الظلمة تقدموا. ما أعجب أن تنادى على هؤلاء الآباء العظام لأنك أنت إله الكل وأعظم من الكل. ما أعجب أن تربط القوى بالصليب وتدخل بيته أي الجحيم ثم تصعد إلى العلا من أجل الذين كانوا في قبضة الموت بسبب الحكم. لقد درت مملكة الموت وأطلقت راح أسرى الرجاء، وكسيد نزلت لكي تخلص، وكمحييا في الروح ذهبت لتكرز وعندئذ رآك بوابوا الجحيم فارتعدوا، أما هؤلاء الآباء الذين أغلق عليهم كانوا يصرخون طالبين الرحمة والخلاص حتى أظهرت لهم سر خلاصك الذي كانوا ينتظرونه بنزولك إلى الجحيم. ما أعجب قبرك الفارغ الذي تركته لنا يا رب مفتوحا لأنه علامة الغلبة على الموت وشهادة على قيامتك التي بها نبشر،وما أعجب محبيك الذين قدموا إلى قبرك ومعهم الهدايا والعطور والمشاعر التي هي أثمن من الذهب الفاني، يسكبونها عند جدران قبرك المجيد والممجد، في إيمان وخشوع وهم يقبلون حجارة القبر وصخرته المنقورة، وهناك يذرفون الدموع. ما أعجب أن القبر بعد أن كان مستودع ظلام وموت صارت تشرق منه حقيقة النور والغفران، فلا بكاء ولا نحيب بل قوة قيامتك قد سرت بالرغم من الأحجار والأختام. وما أعجب أن يكون قبرك جديدا لم يوضع فيه أحد من قبل. ما أعجب قبرك الفارغ الذي برهن على قيامتك التي بها نقضت أوجاع الجسد وأسست الرجاء. وما أعجب أن ترضى أن توضع في قبر، ولكن بينما جميع الأموات يتركون هكذا إلى الأبد، قمت أنت في اليوم الثالث لتلتقى عند القبر مع محبيك وتعود سريعا إلى التلاميذ في العلية، تاركا الأكفان لتحى ضمائرنا من كل الأعمال الميتة. ما أعجب قيامتك غالبا الموت بعد عبور حزن السبت. ما أعجب أن تقوم يا رب والحجر مختوم على باب القبر كما ولدت من البتول وهي عذراء (حز 44: 1). ما أعجب دحرجة الملاك للحجر عن باب قبرك، لكي تعلن لنا قيامتك. وما أعجب أن تكون الملائكة داخل قبرك وخارجه، فقد حولت القبر كما إلى سماء تشتهى الملائكة أن تسكن فيه بعد أن كانت القبور مسكن الأرواح الشريرة. ما أعجب خروجك من القبر وهو مغلق. وما أعجب النسوة اللاتى أخذن معهن الطيب بينما أنت قمت. لقد قبلت الصليب كى تثبت للناس ناسوتك وقبلت القيامة كى تثبت لاهوتك. فقيامتك والأختام قائمة كانت نظير لما تم في ميلادك من القديسة مريم البتولية. وما أعجب دحرجة الحجر بعد القيامة من أجل النسوة ليؤمنوا أن الرب قام ناظرين الحق وأن القبر بدون جسد. ما أعجب الملاكين اللذين كرزا بقيامتك للنسوة عند باب القبر وكأنك اشركت السمائيين في إعلان بهجة قيامتك مؤكدين أنك لست ههنا لكنك قد قمت. وما أعجب أن يرفع الرؤساء أبوابهم وأن ترتفع الأبواب الدهرية لكي تدخل في ملك مجدك وتجعل باب الفردوس مفتوحا بعد أن كان مغلقا أمامنا. ما أعجب قيامتك من الموت ناقضا أوجاع الموت وجراح الصليب وحقد الحاقدين، بينما أنت تعيد الإيمان للمؤمنين وتسجل الدينونة على رؤوس الذين أسلموك حسدا، وتحول عثرة الصليب إلى فخر للذين قبلوك، وبقيت علة هلاك للرافضين وإلى يوم صليبك باق كما هو حجر عثرة للذين يرفضون وسبب مجد للذين يقبلون. ما أعجب ثوبك الأبيض المشرق بالفرح الحقيقي الذي جعل العدو يهرب والملكوت يستعاد. وما أعجب قيامتك لأن فيك كانت الحياة ولأنك حى إلى أبد الأبدين ولك مفاتيح الهاوية والموت (رؤ 1: 18). وما أعجب أن تغلب الهاوية وتكسر شوكة الموت بقيامتك، بل وتصير باكزرة الراقدين. ما أعجب قول الإنجيل أن تلميذك لما رأى المنديل والأكفان مرتبة هكذا "رأى وآمن" (يو 20: 8). إن عيد قيامتك هو ملك الأعياد وعيد الأعياد كلها. فما أعجب أن تعلق الكنيسة أبواب الهيكل قبل عمل تذكار قيامتك إشارة إلى غلق أبواب الفردوس بواسطة آدم، لكي بفتحه نتذكر خلاصك وزوال العداوة التي تسبب فيها آدم وذريته بغواية إبليس. ما أعجب فتح قدس الأقداس السماوى في هذه الليلة. وما أعجب ما تردده الكنيسة عن الأبواب الدهرية وعن رفع الملوك للأبواب: فالكاهن رسم للمسيح والهيكل رسم للسماء، وهذه هي الترنيمة النبوية التي أنشدتها الملائكة. ما أعجب استعداد الكنيسة لإستقبالك ظافرا فائزا غالبا الموت في ليلة القيامة، إذ نحتفل ليلا لنعاين قيامتك باكرا والظلام باق (يو 20: 1) حيث صياح الديك. وما أعجب أن نطوف يأيقونة قيامتك لننشر نبشر بقيامتك ونعاين مع التلاميذ والنسوة أفراحها. |
الساعة الآن 02:14 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025