منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=273652)

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:50 PM

كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس

الصليب
صليب ربنا يسوع المسيح، قوة حقيقية للخلاص والنصرة في الجهاد.
ومعلمنا بولس الرسول يسلمنا هذا الإيمان الحيّ بقوله: "إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله" (1كو1: 18).
والصليب وإن كانت له أعياد زمنية ومكانية، فهو فوق كل شيء وقبل كل شيء حقيقة إلهية سماوية.


لذلك نستطيع أن نقول في جرأة الإيمان أن الأعياد التاريخية في كنيستنا تستمد مجدها وبهاءها من واقع حياتنا وإيماننا أكثر من أنها تعطى لحياتنا شيئًا من الواقع أو شيئًا من الإيمان.
وصليب ربنا في مضمونه الكلى يلزم أن لا يكون في بالنا حقيقة من حقائق الماضي بأي حال من الأحوال، لا لشيء إلا لأن تأثيره الفعال ممتد بالحقيقة في الحاضر والمستقبل، طالما يوجد إنسان يعيش على الأرض. لأن الصليب مرتبط أساسًا بالمصلوب، والمصلوب حي في السماء يحمل سمات صليبه ويسكبها علينا كل يوم بل كل لحظة غفرانًا وتطهيرًا، بل قداسة وبرًا وفداء. فنحن نختبر بأنفسنا بل ونمارس بأجسادنا وأرواحنا صليب ربنا كل يوم.
وحينما نقول الصليب " المحيى " فإنما نقول ذلك ونظرنا على الدم الإلهي الذي انفجر لنا من الجنب المطعون وجرى على خشبة الصليب نهر حياة!!
ولا يمكن أن نذكر الصليب ذكرًا حسنًا أو ننشد نشيده بالروح إلا والإحساس بالدم يملأ أعماق كياننا الإنساني، فالدم هو الصلة الحية المحيية بين الصليب وقلوبنا، بين المصلوب وبين ضمائرنا، بين المسيح في السماء والكنيسة على الأرض!
ولا يغيب عن بالنا قط أن شركة الدم أو شركة الألم أو شركة المجد، هذه الأنواع المتعددة التي للشركة الواحدة -أي شركة الصليب- إنما تأخذ قوتها من المسيح "الحي" أي من القيامة.
فالصليب قوة حياة أو قوة محيية، لأن المسيح الذي صُلب هو الآن حي! فبدون المسيح الحي يصبح الصليب عثرة وجهالة. ولكن إيماننا بالمسيح الحي القائم من بين الأموات أو بالحرى شركتنا الآن في المسيح الحي تجعل لنا من الصليب قوة حياة. فقيامة المسيح المصلوب جعلت خشبة العار سبب مجد وافتخار ظاهر لكل العالم.
وإن كان التحول الذي تم على الصليب من عار إلى افتخار يظهر أمامنا هائلًا وغير معقول، فإنما ذلك من أجلنا نحن، وقد استدعى عملًا من الله الآب فائقًا أيضًا وهائلًا أكثر مما يتصوره العقل، يقول عنه بولس الرسول: "وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السمويات" (أف1: 19،20).
فهذه القدرة المتعاظمة والفائقة عن حدود العقل والتصور التي أجراها الله الآب في المسيح من أجلنا، هذه العظمة وهذه القدرة الفائقة وهذه الشدة المتناهية التي استخدمها الآب ليحول لنا عار الصليب إلى افتخار في المجد الأسنى بقيامة المسيح، هذا كله وبكامله مذخر في الصليب!!
فبقدر ما احتوى الصليب كل العار البشرى، كذلك وبمقدار أعظم احتوى شدة قوة الله للمجد الأبدي!!

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:51 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة صليبنا



ونستطيع أيضًا في جرأة الإيمان أن نقول أنه ليس من بين أعمال الله كلها عمل بلغ في قوته، بل في شموله، بل في مجده، بل في سلطانه، بل في غايته، مثلما بلغ الصليب!
لأنه رفع الخليقة كلها من دائرة العصيان إلى الصفح الكلى والمصالحة، من الرفض إلى القبول والاختيار، من العبودية إلى البنوة والميراث مع المسيح في الله!!
والصليب مذخر فيه كل مجد الله بل وكل مجد الإنسان. فمن أدرك سر المسيح المصلوب وآمن بالإله المهان، انكشف له السر وانقلب تجديفه إلى دموع وهتاف، وعثرته إلى إيمان وشهادة، وتجلى له الصليب كمصدر وحيد للحق والمعرفة والخلاص...

https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...-05-Silver.gif
آلاف من المعجزات عملها الله في القديم وعملها المسيح في الإنجيل وكلها معجزات للإنسان، أما الصليب فهو معجزة الله..!
"إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض في ذاك" (أف1: 9، 10).
والصليب في حياة المسيح ليس حادثة عرضية بل غاية، جاء وتجسد من أجلها، ونهجًا شمل حياته كلها جاعلًا من الصليب كأسه المفضل وطاعته العظمى للآب، وبرهان حبه الأبدي للإنسان كل الإنسان، نقض به ناموسالخطيئة وبَّرر به الخطاة، وظفر به على قوات الظلمة، وقتل به العداوة، وجمع تحت لوائه شمل الإنسان كل البعيدين والقريبين، كرعية مع القديسين وأهل بيت الله.
لقد حول المسيح صورة الصليب الذي عرفناه يوم الجمعة، صليب الخشب الثقيل الذي لم يقوى هو على حمله فسقط تحت ثقله، الصليب الذي بدا أمام أحبائه كريهًا مشئومًا، والذي تراءى لأعدائه ذلًا وشماتة، وكان بالنسبة للناموس لعنة وعارًا، هذا صار لنا من أجل يسوع وفى يسوع شركة سعادة أبدية ومصدر راحة وسرور وافتخار، وكلما ازدادت الآلام من أجل شهادة يسوع ازدادت رؤية الصليب نورًا وازدادت الحياة قوة وعزاءًا، وارتفع الصليب من التاريخ لينغرس في عمق أعماق الضمير. وتكريم الصليب نابع من كرامة القيامة، لأن الموت الذي باشره الرب على الصليب، أثمر قيامة وبالتالي مجدًا. فيكون الصليب باختصار هو سبب المجد!!
وفى هذا يصف القديس يوحنا في إنجيله – الصليب بالمجد قائلًا في موضوع انسكاب الروح: "لأن يسوع لم يكن قد مُجِدَّ بعد" (يو7: 39).
مشيرًا بذلك الى الصليب، والمسيح نفسه سمَّى الصليب ارتفاعًا: "وأنا إن ارتفعت أجذب إلىَّ الجميع. قال هذا مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت" (يو12: 32، 33).
إذًا فحق لنا أن نهتف بملء أفواهنا: السلام للصليب مصدر كل ارتفاع ومجد!! فإن كان الصليب هو أقصى صورة للاتضاع والمذلة، فهو قد صار أعظم واسطة للارتفاع والمجد.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:52 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
مجد الصليب



السلام للصليب الذي عليه دفع المسيح ثمن كل خطايانا.
السلام للصليب المحيي الذي به زالت اللعنة وقبلنا الحياة الأبدية.
السلام للصليب رمز المجد والنصرة على الخطية والعالم والجسد وكل قوات الظلمة.
إذًا جيد لنا جدًا أن نمجد الصليب وإشارة الصليب، فهو محور كل طقس وبداية ونهاية كل تقديس، سر القوة المتدفقة في كل سر، والنعمة الحالة على كل نفس.

https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...y-Cross-06.gif
فلنحب صليب ربنا يسوع المسيح الذي به صار لنا الفداء والدخول إلى شركة الآلام لكي نحيا له بالحب، وحمل الصليب هو علامة التلمذة الحقيقية بحفظ الوصية، واحتمال المشقة والتجارب ونحن نسير على درب الصليب وقبول الإهانات بشكر، وجحد الذات والخدمة والبذل بتقديم ذواتنا ذبيحة حب، على مذبح الحب الإلهي تتقد بنار محبة الله يشتمها الرب رائحة رضى عن العالم.
ليشرق المسيح بالحب في أعماقنا. وليضئ بالحكمة في عقولنا وليكن فينا فكر المسيح حتى نتصالح مع الصليب كما قال معلمنا بولس الرسول: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خُلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى نفسه أخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب." (فى2: 5-8).
فإن كان لنا فكر المسيح هكذا نكون فعلًا في مصالحة مع الصليب: "وضع نفسه"... "وأطاع حتى الموت موت الصليب".
وحينما نحاول أن نعيش حسب وصايا المسيح، قبل أن يكون لنا " فكر المسيح" (1كو2: 16) من جهة المصالحة مع الصليب وطاعة المسير في الدرب المؤدى إليه، نخفق بشدة، ويتزيف لنا التعليم المسيحي كله، فنصير معلمين كذبة ومتعلمين لأكاذيب.
لأن معرفة الإنجيل ووصايا يسوع لإنسان ليس له "فكر المسيح من جهة الصليب، تصبح كلها معرفة للافتخار والمجد والدينونة.
أما الذي له "فكر المسيح"، "وقد وضع ذاته فعلًا وأطاع مصممًا على المسير في درب الصليب حتى الموت، فلمثل هذا تصير معرفة الإنجيل لا لدينونة آخرين، ولا لتمجيد الذات أو الافتخار بالمعرفة، ولكن لقيادة الآخرين إلى "فكر المسيح" عينه وللمصالحة مع الصليب.
فيصير الصليب سبب فرح لنا، وننال به قوة للخلاص وحياة للمجد الأبدي.
بين يديك أيها القارئ العزيز كتاب:
رؤية كنسية آبائية:
الصليب في المسيحية
يتضمن سبعة فصول كالآتي:
{1} سر الصليب
{2} الصليب وأسرار الكنيسة السبعة
{3} الصليب في حياتنا
{4} إشارة الصليب
{5} قوة الصليب
{6} عيد الصليب
{7} الصليب في التقليد المقدس
ليت الرب يستخدم هذا الكتاب سبب بركة لحياتنا لنحمل الصليب ونسير خلف الرب وننال بركة شركة الآلام وننال مجد الرب في الأبدية.
بشفاعة القديسة العذراء مريم والدة الإله، وكافة الملائكةوالشهداء والقديسين. وبركة صلوات صاحب الغبطة والقداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر أفريقيا وبلاد المهجر.
ولإلهنا المجد والإكرام والشكر والسجود في كنيسته المقدسة إلى أبد الدهور آمين.

بنعمة الله
الأنبا ياكوبوس
أسقف الزقازيق ومنيا القمح
سبتمبر 2001

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:53 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
التجسد والصليب



إذا أردنا أن نتعمق الأصول الأولى التي نبع منها الصليب وبلغت الآلام غايتها العظمى بالفداء، علينا أن نعود مباشرة إلى التجسد، لنربط " الكلمة صار جسدًا" (يو1: 14)، والجسد المكسور الذي ينزف على الصليب! فلولا التجسد، أي لولا أن ابن الله صار إنسانًا كاملًا ذا جسد ونفس وروح مثلنا تمامًا، لما استطاع أن يتألم بآلام تنتهي بالموت الفدائي.
ولا يغيب عن أذهاننا قط لحظة الصلة الحية الجوهرية بين "التجسد" والصليب!! فالكلمة صار جسدًا، ليستطيع عمل الفداء ويكمله بجسده بدم صليبه!!

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...-04-Golden.gif
ولكي نسير خطوة أعمق نحو سر الفداء، الذي نرى أنفسنا فيه كمفديين ونلنا الخلاص بدم المسيح المسفوك على الصليب لأجلنا بالحب الباذل المعطى الموهوب للعالم من قبل الآب، يلزم أن نعرف قبلًا ما هو موقعنا من سر التجسد، لأنه هو السر المؤدى للفداء.
والتجسد هو اتحاد كامل بين الله والإنسان في شخص المسيح، لذلك صار قبولنا للفداء واتحادنا بشخص المسيح (بتناولنا دمه) معناه أننا دخلنا في سر الاتحاد بين الله والإنسان - أي سر المسيح!!
وهو عودة الإنسان إلى الله!! عودة حياة الشركة المقطوعة بآدم التي كانت بين الإنسان والله!!
أما كيف ندخل إلى سر الاتحاد بين الله والإنسان، لنستعيد الصلة مع الله، فهذا أكمله لنا المسيح بدم صليبه بآلام الموت، بالفداء الذي هو تقديم نفس عوضًا عن نفس، ليربطنا في الله بآلامه وموته.
فالآن، كل من يؤمن بصليب المسيح -أي يدخل سر الفداء- ويشرب دم المسيح الذي للخلاص، يتحد بالمسيح، فيدخل في سر التجسد، سر العلاقة أو سر الاتحاد بين الله والإنسان.
وهذا هو واقع المصالحة التي أكملها المسيح للإنسان مع الله بدم صليبه. وكما وضح لنا معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل كولوسى: "لأن فيه سر أن يحل كل الملء. وأن يصالح به الكل لنفسه عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات." (كو1: 19، 20).
وباختصار، يكون التجسد قد أنشأ الفداء. والفداء عاد فأنشأ الاتحاد بالله، الذي كان مقطوعًا بسبب الخطية. والاتحاد هو المصالحة وهو الخلاص. وبهذا يرتبط الصليب بالتجسد ارتباطًا جوهريًا من جهة خلاصنا. فالمسيح له المجد ابن الله الكلمة تجسد ليخلصنا بآلامه وموته بالجسد.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:55 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
التجسد والفداء



https://st-takla.org/Pix/Saints/Copti...of-God-023.jpg
ويقول القديس إيرينيئوس:
"ابن الله صار ابن الإنسان (بالتجسد) لكي يصير الإنسان ابن الله (بالموت على الصليب)".
هذا هو السر المخفي منذ الدهور، والآن قد أعلنه الله للعالم كله بموت المسيح وقيامته:
أن الله أضمر منذ البدء أن يرفع الخليقة البشرية الخاطئة والساقطة إلى حالة التبني ليتحد بها بواسطة تجسد كلمته، الذي به أكمل فداءها من الخطية والموت بموته على الصليب.

وهكذا تمت مشورة الله على مرحلتين:
{1} الله استُعلن للبشرية أولًا بالتجسد، فأصبح التجسد تاج الخليقة وكمالها الإلهي في شخص يسوع المسيح:
"عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1تى3: 16).
{2} الحياة الأبدية التي كانت عند الآب محجوزة عنا، استُعلنت ووهبت للإنسان بموت المسيح على الصليب، عندما قام ناقضًا أوجاع الموت وقاهرًا سلطانه وكاسرًا شوكته.
(لأن المسيح بقيامته صار باكورة الراقدين (1كو15: 20).
والنتيجة الحتمية للقيامة هي أن الروح القدس روح الحياة في المسيح يسوع انسكب على البشرية، وهكذا انتقلت الحياة الأبدية للإنسان عَبرْ التجسد والصليب ثم الموت والقيامة.
وهكذا يظهر التجسد كدرجة أساسية في تكميل الخليقة البشرية ورفعها إلى مستوى صورتها الأولى الأساسية المكرمة في الله، في شخص المسيح نفسه. .
ثم يظهر الفداء بموت المسيح على الصليب كدرجة حتمية لتكميل غاية التجسد وهو الاتحاد، حتمية من وجهة نظر الله، حتمية الحب الذي أحب به الله العالم، ليرفع الخليقة البشرية كلها من الهلاك إلى حياة أبدية في حالة التبني.
وهكذا يتضح أمامنا أن التجسد والفداء عملان متلازمان أساسيان، بل وحتميان.
التجسد: الاتحاد كنموذج فعال.
الفداء: إعطاء هذا الاتحاد كهبة.
هذا هو التدبير الإلهي لتكميل الخليقة البشرية ورفعها من العداوة إلى حالة التبني، ومن الانفصال إلى الاتحاد بالله بواسطة المسيح.
من هذا يتضح لنا أن الفداء الذي أكمله المسيح على الصليب ليعيد لنا شركتنا واتحادنا المفقود مع الله، إنما يقوم على أساس لاهوتي بالنسبة للتجسد باعتبار أن التجسد هو المسئول عن عطية الفداء، أي إعادة اتحاد الإنسان بالله.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:57 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
أنواع آلام المسيح



أنواع الآلام التي قبلها المسيح:-
يوجد نوعان أساسيان للآلام التي قبلها:
النوع الأول:
هي الآلام التي دخلت إليه من واقع قبوله للطبيعة البشرية بكل إعوازها وضعفها.
فآلام الجوع والعطش والتعب وحزن النفس من جراء الاتهامات والمطاردات والمصادمات والخيانات والشتيمة والإهانة، كل هذه قبلها المسيح كما يقبلها أي إنسان، فقد صار مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها:" بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية" (عب4: 15).

https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...charist-01.gif
هذا النوع من الآلام قبلها اضطرارًا من جهة الحب والحق والاتضاع، والتزامًا من جهة المشورة الإلهية التي حتمت بالتجسد ولكن لم يكن مضطرًا لقبولها، ولا تحتم عليه الالتزام بها من جهة خبث الناس وشرهم أو جور الطبيعة واختلال موازينها، فهو كان قادرًا على أن يمنعها ويرد عليها ويلغى سطوتها وكل آثارها، فالذي سار على الماء كان في قدرته أن لا يتعب من السفر على الأرض، والذي قال للسامرية أنه قادر أن يعطى ماء حيًا وكل من يشرب منه لا يعطش أبدًا بل ينبع فيه إلى حياة أبدية كان قادرًا أن لا يطلب منها ليشرب ويستقى بفمه من دلوها النحاسي، والذي أطعم الخمسة آلاف من الجموع من خمس خبزات كان قادرًا أن لا يجوع أو على الأقل أن لا يطلب طعامًا ليرد به جوعه، والذي أقام لعازر من الموت كان قادرًا أن يُميت أو يُخرس فم الأشرار من الكتبة والفريسيين والرؤساء الذين تربصوا به وأهانوه وأخرجوا عليه كلامًا شريرًا.
وهكذا يتضح أنه قَبِلَ هذه الآلام في جسده ونفسه قبولًا طبيعيًا بالتزام الحب، وبدافع الاتضاع والمشاركة لنا في آلامنا التي بحسب هذا الدهر "مُجرب في كل شيء مثلنا"، ولكن ليس بحتمية الالتزام أو الخضوع لشر الأشرار وجور الفجار أو ضعف الطبيعة أو تسلط المقادير. إذن فهي آلام لمجرد الشركة في طبيعتنا، دخلت إليه دخولًا طبيعيًا، فقبلها هو حبًا لنا وتكريمًا لضعفنا ومذلتنا.
النوع الثاني:
هي آلام الفداء! آلام الصليب والموت! هذه قبلها هو بإرادته وحتمَّها هو على نفسه تحتيمًا "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12: 27)، وقبل حتميتها من الآب بحسب مشورة ما قبل الدهور كلها: "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها" (يو18:11).
فالصليب محسوب حسابه قبل الزمن: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح. معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم" (1بط1: 18 - 20).
وصلب السيد المسيح له المجد على خشبة الصليب، هذا أيضًا كان مرسومًا ومكمَّلًا في التدبير الإلهي كفعل كامل تم في المشورة العلوية، ولا ينتظر إلا استعلانه بحسب الواقع البشرى.
"... الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذبح." (رؤ13: 8).
وهكذا فإن آلام الصليب الفدائية لها في الحقيقة وجهان:
وجه بشع أرضى، يمثله حقد اليهود وشرُّهم المريع وعداوتهم وكذبهم ونميمتهم، مع ظلم وعنف القضاء الأممي.
ووجه الصليب سمائي، ينضح بالحب والمسرة والبذل الإلهي الفائق الوصف من نحو العالم: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو3: 16)، وإنصافًا للحق وتكميلًا للبر الأبدي وخلاصًا عميقًا متسعًا يشمل كل الدهور.
ولكن الوجه البشع الأرضي لم يثنى المسيح قط عن أن يتمم مطالب الوجه السمائي المملوء حبًا وطاعة ومجدًا وكرامة للآب وخلاصًا عميقًا أبديًا للإنسان!!
لذلك فبسبب حقيقة الوجه السمائي للصليب، صار قبول المسيح لعار الصليب بكل صنوف المهانة والهوان والإذلال المريع، صار يُعتبر انتصارًا رائعًا للحب الإلهي ولمجد الله في السماء وخلاص الإنسان على الأرض!!
فالصليب كان طريق الاتضاع، بل والمذلة الإرادية المذهلة التي أوصلت المسيح إلى قمة الانتصار والمجد السمائي ومعه الخليقة الجديدة، ملايين المفديين من بنى الإنسان الذين رفعهم إلى ذات المجد وذات الانتصار وأدخلهم معه إلى الحياة الأبدية في شركة الآب في الفرح الأبدي.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:58 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
آلام المسيح بالنسبة لحياتنا اليومية وخلاصنا الأبدي: شاركنا في الآلام



لقد شارك الله البشرية في آلامها الطبيعية التي كانت هذه الآلام اليومية محسوبة أنها لعنة بسبب الخطية، فبتجسد ابنه لم تعد آلام حياتنا اليومية معتبرة أنها لعنة أو عقوبة، فالجهد والتعب والعرق من أجل لقمة العيش الذي صار عقوبة لآدم شاركنا فيه كلمة الله بنفسه متنازلًا عن مجده محتملًا كل الآلام والتجارب مثلنا، ليرفع اللعنة عن الجهد والتعب والعرق والألم، ويحوله لنا إلى شركة حب مع الله في المسيح، محولًا الحياة برمتها لتكون غايتها ميراثًا مع الله في المسيح.
"من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيمًا ورئيس كهنة أمينًا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب. لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين". (عب2: 17، 18).

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...h-Jesus-02.gif
"وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام." (2كو5: 15).
"فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1كو10: 31).
كيف يكون ذلك؟
لقد استقطب المسيح ليس فقط الآلام اليومية الطبيعية عندما بلغ بالآلام إلى الموت الفدائي لرفع الخطية وإبطال سلطانها، بل حوَّل الحياة كلها لحسابه!!
أي أننا نتعب ونشقى ونتألم من الآن من أجل الرب وحبا فيه وشركة معه.
لأن الخطية كانت سببًا في انفصال آدم عن الله، ودخوله في لعنة آلام الحياة اليومية: "ملعونة الأرض بسببك" (تك3: 17).
ولكن لأن المسيح أبطل سلطان الخطية التي هي سبب اللعنة بالفداء على الصليب، فانه ينتج من ذلك أن المسيح قد رفع عنصر اللعنة المتغلغل في الآلام والأتعاب اليومية باعتبارها عقوبة الحياة. .
فصار الجهاد والألم لكل إنسان -يعيش في الفداء والصليب- هو مشاركة حياة مع المسيح الذي قبل لعنة الموت في نفسه ورفع الانفصال عن الله.
الآن نحن لا نحيا لأنفسنا، وبالتالي لا نتألم لأنفسنا، لأن ابن الله مات عنا ليعيدنا إلى الحياة مرة أخرى وتألم عنا ليرفع اللعنة عن الألم، فلا..يُحسب الألم عقوبة بل شركة في آلام المسيح.
لذلك أصبحت الآلام اليومية لكل مفدى الله هي شركة حب، هي وقود لإشعال القلب كل يوم بالحب الإلهي، وكأننا لا نتألم وحدنا ولا لأنفسنا بل نتألم لنزداد قربًا من الله ونزداد حبًا وحياة فيه!!

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 03:59 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
آلام الفداء



https://st-takla.org/Gallery/var/albu...-Thorns-18.gif
هنا الآلام التي احتملها المسيح حتى الموت، هي كفاَّرة للفداء، لذلك فهي آلام فوق مستوى البشرية موجهة ضد الخطية مباشرة، ليست لمجرد غفران الخطية، وليست لمجرد المصالحة مع الله، ولكن لاقتلاع الخطية نفسها من أصولها، ومحوها، والإنقاذ من سلطان الخطية وسطوة الموت!!
هذا هو معنى الفداء "الفداء بدم صليبه" (كو1: 20).
هنا ليس آلام وحسب بل آلام للموت. والانتصار الذي تم ضد سلطان الخطية والموت وابليس لم يتم باحتمال الآلام وحسب بل بقبول الموت لتتم القيامة.
فالموت إجراء فدائي أساسي، ولكنه لا ينتهي في ذاته بل هو موت لقيامة. والقيامة هنا مرتبطة بالموت { الفداء }، ثم بالصليب والقيامة معًا. فكل من قبل موت المسيح على الصليب، يكون قبل القيامة، وحاز الفداء.
لذلك فبسبب القيامة، صار موت المسيح نصرة فوق الموت.
ولذلك كان الإيمان بموت المسيح على الصليب ليس لمجرد قبول غفران خطايا ولا لمصالحة مع الآب وحسب، ولا للحصول على البراءة أو التبرير، ولكن: لقبول نصرة على الموت، وعل سلطان الخطية، بقبول القيامة كحياة أبدية، حياة جديدة، خليقة جديدة بالروح القدس.
عمل قوة موت المسيح على الصليب في الطبيعة البشرية بقبول آدم لعنة الموت، بسبب التعدي على وصية الله - صارت نتيجته المباشرة، فقدان الإنسان الصلة المحيية التي كانت تربطه بالحياة مع الله.
لقد فقدت النفس وفقد الجسد الألفة والرباط الذي كان يربطهما بالله، وصارا قابلين للتفكك والنزاع، وبالتالي قابلين للمرض والانفصال - أي الموت والفسادولكن الله خلق الإنسان على غير فساد. إذًا الفساد هنا عرض. وليس من صميم طبيعة خلقته الحسنة، " الموت هو أجرة الخطية" (رو6: 23)، هو استعلان الخطية!!
والموت هنا واقع على الجسد، لأن النفس لا تموت. لذلك بقى للإنسان رجاء. موت المسيح حقق هذا الرجاء، رجاء غلبة الموت بدفع أجرة الخطية، فقام الجسد. وصار باكورة الراقدين (1كو15: 20)، أي أعطى كل الراقدين رجاء بل قوة القيامة!! قيامة الجسد والنفس في ألفة الروح القدس بالاتحاد بالمسيح الذي هو القيامة والحياة!!
وبذلك صار موت المسيح على الصليب هو نفسه مصدر القوة لإلغاء الموت وإعطاء قوة القيامة.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:00 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب وأسرار الكنيسة السبعة




https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...y-Cross-01.jpg
منذ العصر الرسولي وانتشار المسيحية في كثير من المدن والأقطار وإيمان الكثير من الناس، إذ يقول سفر الأعمال: "وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع2: 47). وكانت الكنائس تبنى وتسير في خوف الرب، فيقول معلمنا لوقا في سفر الأعمال أيضًا: "وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع9: 31).
عرف المسيحيون مركز الصليب، وفاعليته في حياة المؤمن، فرتب الرسل القديسون بإرشاد الروح القدس، أن يكون الصليب أساسي في خدمة جميع الأسرار. لما له من فاعلية، فيصبح للسر قوة المصلوب التي تعمل في الشخص الذي ينال بركة السر.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:01 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 

الصليب وسر المعمودية



السيد المسيح له المجد اكتنز في هذا السر فاعلية صلبه وموته وقيامته إذ يقول معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية: "نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها. أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن في جدة الحياة. " (رو6: 2-4).

فالروح القدس الذي كان يرف على وجه المياه وأعطى الخليقة الحياة، في بداية خلقة العالم، هو بعينه يعطى ماء المعمودية قوة لكي يولد المسيحي المؤمن ميلادًا ثانيًا روحيًا جديدًا. وهذا الميلاد الروحي الذي من فوق وضحه السيد المسيح له المجد في حديثه مع نيقوديموس قائلًا له: "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح " (يو3: 16).
فيصير المعمد بهذا الميلاد الثاني، ابنًا للآب السماوي في المسيح بعمل الروح القدس.
والمعمد بميلاده الجديد ترجع إليه الصورة الإلهية مرة أخرى التي فقدها آدم بمخالفة الوصية وتشوهت بالخطية.
ولما كان سر المعمودية هو السر الوحيد الذي يغمر الكاهن الصليب في مادته. والصليب له أثره الظاهر في خدمة قداس المعمودية كما يلي:
  1. [1] عندما يبدأ الكاهن صلاة قداس المعمودية يأخذ الزيت الساذج ويسكب منه فيها على مثال رسم الصليب.
  2. [2] لتقديس الماء يأخذ الزيت المقدس ويسكب منه في جرن المعمودية ثلاث مرات بمثال الصليب.
  3. [3] بعد نفخة في الماء ثلاث مرات برشم الماء ثلاث مرات بالصليب.
  4. [4] وبعد صلاة أجيوسيرشم الماء بالصليب ثلاث مرات.
  5. [5] يأخذ الكاهنالميرون ويسكب منه قليلًا في المعمودية مثال الصليب ليتقدس الماء.
فلذا يخرج المعمد بعد ولادته الجديدة، لابسًا الصليب. فان كانت المعمودية بالصليب هي موت المعمد مع المسيح عن الخطية، كذلك هي ارتقاء المعمد إلى السماء حاملًا الصليب في جسده.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:02 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب وسر الميرون



ينال المعمد سر الميرون بعد المعمودية مباشرة، وهو سر المسحة، أو سر التثبيت.

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...Baptism-01.jpg
المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى).
ففى سر المعمودية يحل الروح القدس على الماء فيقدسه لنوال نعمة الميلاد الثاني، ليصير المؤمن ابنًا لله، ومن قطيعه المقدس الذي اقتناه بدمه على الصليب ليرث الحياة الأبدية.
وفى سر الميرون يحل الروح القدس في المؤمن للامتلاء.
الكاهن في سر الميرون يمسح جسم الطفل بمثال الصليب ويرشم على مختلف أعضائه بالميرون المقدس ستة وثلاثين صليبًا، للتقديس فيصير هيكلًا مقدسًا لسكنى الروح القدس فيه.
فهو يختم المؤمن بالميرون بشكل صليب على جبهته، وعينيه وأنفه وفمه وأذنيه، ثم القلب، والسرة، والظهر و الصُلب. ثم ذراعيه، وساقيه، ويقول "أدهنك يا فلان بدهن مقدس" باسم الآب والابن والروح القدس. ثم يرتدى المعمد الثياب البيضاء. ثم يشد وسط المعمد بزنار كمثال الصليب.
أننا قد رُشمنا بالميرون المقدس بمثال الصليب لنبارك الرب في كل حين، ونسبح قيامته، لأنه من قبل الصليب قد أمات الموت بموته.
ونشهد أنه قام من الأموات وصعد إلى السموات، وأرسل لنا الروح القدس المعزى ليثبت فينا.
إن رشم المعمد بالميرون بمثال الصليب هو تعهد المسيحي المؤمن أمام الرب أن يصير تلميذًا حقيقيًا للرب ويحمل الصليب كل يوم ويتبعه شاهدًا للرب بحياته. فالصليب هو رمز إيماننا ومحور حياتنا، التي نعيشها على الأرض في جهاد مستمر، قابلين الألم كشركة مقدسة مع المسيح لننال إكليل المجد المعد لنا.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:03 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب وسر التوبة والاعتراف



بالمعمودية ننال العتق من عبودية الخطية، وبالمعمودية ننال الخلاص، وننال التبني. ونحن في غربة هذا العالم نجاهد ضد شهوات الجسد، وفى حرب دائمة مع إبليس وجنوده، وأيضًا نجاهد ضد إغراءات العالم وسرابه الخادع.
وفى جهادنا اليومي والدائم معرضين للسقوط في الخطية. بسبب الضعف البشرى والتراخي والكسل وفى لحظات التواني في الجهاد. ولكن الكنيسة وضعت لنا سر التوبة والاعتراف.

https://st-takla.org/Pix/People-Chris...-Coptic-02.jpg
في التوبة العزم على ترك الخطية ومكانها، والحزن والندم عليها والإقرار والاعتراف بها. ثم السلوك حسب وصايا الإنجيل.
وفى الاعتراف، جلسة مع النفس لمراجعتها ومحاسبتها.
"فاذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى" (رؤ2: 5).
ثم جلسة مع الله للاعتراف بكل الخطايا، وطلب مراحم الرب، ثم الذهاب إلى الأب الكاهن، وبعد أن يقر المعترف بكل خطاياه، ويعترف بكل آثامه. بندم وانسحاق، لتجديد الحياة مرة أخرى يضع الأب الكاهن الصليب على رأس المعترف، ويقرأ له التحاليل الثلاثة لينفض عنه تراب العالم الذي سقط على ثوب العريس ويستعيد نقاوته، وطهارته، ويكون مهيئًا للتناول من جسد الرب ودمه الأقدسين، ليثبت في المسيح مجاهدًا بالصلاة والصوم، فيحفظ نفسه ويبقى بلا عثرة.
إن وضع الصليب على رأس المعترف يكون بمثابة إعلان وتعهد منه، بل أيضًا قبول منه بأن إنسانه العتيق قد صلب: "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضًا للخطية." (رو6: 6). وأنه مستعد لاحتمال الصليب مستهينًا بالخزي وصلب الجسد مع الأهواء والشهوات. كما يقول معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية: "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24).
لتصبح النفس المعترفة عروسًا للمسيح، وتحفظ نفسها في نقاوة كالعذارى الحكيمات، في الإيمان، والرجاء، والمحبة.
وتستعد بمصباحها المملوء بزيت كلمة الحياة الذي يغذى العقل والروح وبأعمال صالحة هي ثمر الروح، وتكون مستعدة للقاء عريسها بسراج النفس المضيء وآنية الزيت القلب المملوء صلاحًا حينما يأتي في نصف الليل. تخرج مترنمة بقدومه للدخول إلى العرس السمائي، بفرح وبهجة وتسبيح.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب وسر الشكر



حضور الله في القداس الإلهي حضور المحبة المصلوبة، يقودنا من الصلاة إلى التسبيح ثم إلى عمق الشركة مع الله والاتحاد به، والثبوت في المسيح بالتناول من الجسد والدم الأقدسين.
إن هدف القداس هو أن يستمر الصليب، ليسهل لنا أن نتحد بذبيحة الجلجثة، ونستطيع أن نخلص.
إن القداس هو شركة لموت الرب كما قال معلمنا بولس الرسول: "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته" (فى3: 10).
* رشم الصليب في تقدمة الحمل:

https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...charist-01.gif
يرشم الكاهن خبز الصعيدة عند وضعه على المذبح قائلًا: "باسم الآب والابن والروح القدس فهو يقدم بعد ذلك البركة للآب ضابط الكل وابنه يسوع المسيح ربنا والروح القدس المعزى". ثلاث رشومات تقال، وهو يخبر المؤمنين بدعوتهم السماوية قائلًا:
" باسم الآب والابن والروح القدس". وبأن سر التبني الذي من الآب هو الذي يباركون الآب عليه قائلين: مبارك الآب ضابط الكل الذي أعطانا جديدًا سر التبني في الصعيدة الناطقة الروحانية.
والكاهن يدعوهم معلنًا دعوتهم إلى وليمة الابن السماوية ويقول بعدها "مبارك الابن الوحيد يسوع المسيح ربنا" الذي خلع عليهم ملابس الوليمة وجعلهم أهلًا لحضور العرس السمائي أي القداس الإلهي.
أما عند قولنا مبارك الروح القدس المعزى فإننا نعترف بأن الباراكليت الذي نلناه بعد اغتسالنا هو الذي سيعلن لنا سر جسد الرب ودمه.
* رشم بعد تقدمة الحمل:
يقول الكاهن "السلام لجميعكم" ويرشم رشمًا واحدًا معلنًا قبول الله للشعب بعد اعترافهم بقبول الدعوة السمائية.
يجاوبه الشعب: "ولروحك أيضًا" لأن الوحدة الروحية قائمة بالسلام أي ربنا يسوع المسيح وصليبه. لأن بصليبه المحيى صار الصلح والسلام للبشر.
* رشم أثناء صلاة الشكر:
وعند تلاوة صلاة الشكر يقول الكاهن: "وعن سائر شعبك" لكي تبطل علامة الصليب المحيى أفعال الشياطين.
ويرشم الكاهن الشعب داعيًا إياهم إلى اليقظة الروحية وأن يحفظوا ثوب معموديتهم غير دنس، بل نقى دائمًا يليق بأولاد الآب السماوي.
* وعن هذه المائدة:
يرشم الكاهن المذبح مؤكدًا أن الواقف أمام المذبح لا يمكنه أن يُحضر معه الخلافات الأرضية وأفعال الأرواح النجسة. ومن يُزمع أن يأكل من الصعيدة بعد تقديسها برشم الصليب وبالروح القدس ليس له قبول ولا استحقاق لهذه البركة السماوية إلا إذا كان قد تاب وعاد واتحد بالصليب وتصالح مع غيره، بمحبة قلبية خالصة أساسها محبة الله.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:06 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب وسر الإفخارستيا



* رشومات أوشية التقدمة:

https://st-takla.org/Pix/People-Chris...Liturgy-01.gif
يرشم الكاهنخبز الصعيدة والكأس ثلاث دفعات وهو يصلى للابن الوحيد ربنا يسوع محب البشر وعندما يسأله أن يظهر وجهه، يرشم رشمًا واحدًا قائلًا: "باركهما". ثم يرشم دفعة ثانية قائلًا " قدسهما". والرشم الثالث "طهرهما".
* رشومات تحليل الخدام:
الكاهن يرشم شريكه في الخدمة، القس والشماس والخدام والشعب ثم ذاته خمسة رشومات سائلًا الحل من الثالوث والكنيسة الجامعة ورأس البيعة في الديار المصريةمارمرقس وشهود الإيمان الأرثوذكسى وبطريرك وأسقف الزمان ويشير إلى ذاته برشم الصليب الخامس.
ومع تنوع طغمات الكنيسة إلا أن الذي يجمع الكل في الحياة الواحدة هو الصليب ولذلك يطلب التحليل لشريكه الخديم وهو يفعل ذلك بإيمان صحيح وبغير رياء.
لأن الصليب يظهر الحق الذي ينير القلوب.
* رشم الصليب في قدوس الله:
يقف المؤمنون جميعًا للاعتراف بإلوهية ربنا يسوع المسيح وتجسده وموته وقيامته وصعوده. وفى كل مرة يقولون "أجيوس" يرشمون الصليب علامة التقديس الذي نالوه من الابن الوحيد فهو إلهنا القوى والحي الذي تجسد ومات وقام.
ولذلك يختمون أجيوس بذكصولوجية الثالوث شاكرين الآب والابن والروح القدس على نعمة الحياة الدائمة وهو ما يؤهلهم لسماع كلمة الإنجيل الذي به يبشرون.
ورشم الصليب هنا اعتراف بالإيمان وشركة مع السمائيين في تقديس الحمل ابن الله.
* رشم الصليب قبل وبعد قراءة الإنجيل:
عند قراءة الإنجيل يقف الشعب كله بسكوت تام لكي يسمع صوت ابن الله الحي الذي يخرج أمامه الكاهنبالشوريةوالشماس حاملًا البشارة وعندما يصرخ يقول: "مبارك الآتي باسم الرب إله القوات. بارك يا رب الفصل من الإنجيل المقدس". والشعب يصرخ قائلًا وهو يرشم الصليب "المجد لك يا رب". وهم بذلك يستقبلون الإنجيل برشم الصليب لأنه ختم الحمل الحي ابن الله وعلامة شريعة الحياة.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:12 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في القداس الإلهي




https://st-takla.org/Gallery/var/albu...y-Cross-08.gif * رشم الصليب في الأواشي بعد الإنجيل:
قبل كل أوشية يقول الكاهن "إشليل" Slyl ثم يرشم الشعب بمثال الصليب قائلًا "السلام لجميعكم" طالبًا اليقظة والانتباه لكي ينالوا قوة الانتباه للصلاة.
ومتى قال "وعن كل شعبك" يرشم الكاهن الشعب بالصليب وإذا كان الأسقف حاضرًا فهو الذي يرشم عوض الكاهن.
ورشم الصليب هنا ضروري ولازم لأننا في أوشية الآباء نطلب من الآب السماوي أن ينعم على الكنيسة بالسلام وأن يملأها بالخدام الملتهبين بالمحبة والتقوى.
* رشم الصليب في أوشية الاجتماعات:
وعند قوله "أذكر يا رب اجتماعاتنا باركها" يرشم الشعب رشمًا واحدًا عند قوله "باركها" بقوة صليبك لكي تصير للطهارة والاتحاد وتوبة المنشقين. ورجوعهم إلى الكنيسة عمود الحق وقاعدته وبرجوعهم يصيرون في وحدة مقدسة يحفظها الروح القدس في روحانية الحق الذي يضئ بكلمة الإنجيل التي تنير بصائرهم فيعرفون الحق، والحق يحررهم. ولولا طهارة الابن الوحيد التي تفاض علينا بالروح القدس بسبب صليبه وقيامته لما كانت لنا اجتماعات في الكنيسة ولكننا به نجتمع وبه نحيا وبقوة صليبه نتطهر.
ويرفع الكاهن البخور فوق المذبح إلى الجهات الأربعة على مثال الصليب أي شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا ضارعًا إلى الله الآب
" بيوت صلاة. بيوت طهارة. بيوت بركة...".
قانون الإيمان:
وبعد ذلك يمسك الشماس الصليب المكرم ويرفعه مناديًا الشعب "انصتوا بحكمة الله. يا رب أرحم. يا رب ارحم. يا رب ارحم. بالحقيقة نؤمن بإله واحد..". ويظل واقفًا مكانه حتى ينتهي الشعب من تلاوة قانون الإيمان، لأن حكمة أقوالها ليست حكمة بشرية تعلنها أقوال بشرية وإنما هي حكمة إلهية وحسب إعلان محبة الله في صليب ابنه يسوع المسيح.
صلاة الصلح
المصالحة وعلامة الصليب:
ومتى بدأ الكاهن صلاة الصلح يقف الشماس أمام الكاهن ويرفع علامة الصليب المكرم قائلًا: "صلوا من أجل السلامة الكاملة والمحبة والقبلات الطاهرة الرسولية"، محذرًا الشعب أن لا يقبل سلام آخر غير سلام ربنا يسوع المسيح الذي مات عنا وتراءف على جنسنا الساقط وأقامه من الموت بموته المحيى.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:13 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب وقداس المؤمنين



قداس المؤمنين
يأخذ الكاهن اللفافة التي على الصينية ويرفعها ويرشم الشعب رشمًا واحدًا بمثال الصليب: الرب مع جميعكم.
ارفعوا قلوبكم:
ويرشم عن يمينه بعد رشم الشعب سائلًا أن يساعدوه بالطلبة باتحادهم معه في سر موت المسيح وقيامته المزمع أن يعلن في هذه الصلوات.

https://st-takla.org/Pix/Gallery/Open...ch-2007-14.jpg
فلنشكر الرب:
ويرشم الكاهن ذاته بعلامة الصليب شاكرًا الآب الذي أرسل وحيده والابن الذي أقامه لهذه النعمة ودعاه لأن يحمل معه الصليب، والروح القدس الذي أقامه بشريعة الصليب وأفاض عليه النعمة المبررة الثابتة
قدوس:
يضع الكاهن اللفافة التي على يده اليسرى على المذبح ويأخذ اللفافة التي على يده اليمنى ويضعها على يده اليسرى. ويأخذ اللفافة التي على الكأس ويرشم بها ثلاث صلبان وفى كل مرة يقول أجيوس. وفى الرشم الأول يكون متجه إلى الشرق ويرشم ذاته. والثاني عن يمين المذبح ويرشم الخدام والثالث يتجه إلى الغرب ويرشم الشعب، في المرات الثلاث بمثال الصليب.
رشم الخبز
وشكر: وعندما يمسك الكاهن الخبز يرشم صليبًا واحدًا يقول:
"وشكر" معلنًا أن الشكر بعلامة الصليب هو الشكر الكامل المقبول لدى الآب ولدى مسيحه يسوع المسيح ربنا الحمل الذي بلا عيب والروح القدس الباراقليط.
وباركه: ويرشم صليبًا ثانيًا قائلًا "وباركه".
وقدسه: وعند قوله "وقدسه" يرشم صليبًا ثالثًا، والتقديس هو أملاك وتخصيص. وهكذا من قبل صليب ربنا يسوع المسيح يصير الخبز صعيدة مقدسة للآب ضابط الكل ويتم قول الرب الإلهي: "من أجلهم أقدس ذاتي".
الكأس
وبعد ذلك يمسك الكاهن بالكأس ويرشمه بعلامة الصليب مثل الخبز ويردد نفس الكلمات. والصلوات على الجسد أولًا ثم على الدم لأن الدم نبع من الجسد ولا دم بدون جسد.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب واستدعاء الروح القدس في القداس والقسمة

استدعاء الروح القدس

وعند سجوده يقول بعد ذلك صلوات استدعاء الروح القدس ساجدًا. ويطلب الكاهن وهو مطاطي رأسه وساجدًا عند المذبح ووجهه إلى أسفل منتظرًا الروح المعزى. وإذا وقف فليقف منحنيًا قائلًا:
"وهذا الخبز يجعله جسدًا مقدسًا له" وينحني أمام الملك ورئيس الكهنة يسوع المسيح. ويرشم الصليب ثلاث دفوع قائلًا: "ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح" لأن الذي يقدس إنما هو الرب وإذا وقف فليقف منحنيًا قائلًا: يسوع المسيح وبالاعتراف بلاهوته يستدعى الكاهن الروح القدس الذي يحل معلنًا أن يسوع المسيح هو الرب.
أما رشم الصليب عند استدعاء الروح القدس فهو ست رشومات ثلاثة على الخبز وثلاثة على الكأس. والرشومات متساوية في المعنى والعدد لأن الجسد هو بالدم كما أن الدم هو بالجسد. أما الرشومات فهي سرية لا يجوز فيها الكلام فالسَّر الفائق الذي لا يمكن النطق به يتم تقديسه سرًا.
تقدمة القسمة

يقول الكاهن هذه الصلوات بهدوء وبعدها مباشرة يأخذ الخبز المقدس بيديه وينظر إلى فوق إلى السماء. ويقدم صلاة شكر على هذه العطية العظمى ويكسر الخبز.
وبينما يكسر الخبز يصلى من أجل الشعب لكي تحل عليهم نعمة الله ويختم بقوله " لتكن نعمة ربنا يسوع المسيح معكم". ويجاوبه الشعب بالكلمات المناسبة. وبالخبز يعمل علامة الصليب على الدم وبالدم على الخبز، ثم يوحدهما معًا لكي يعلن للكل أنه على الرغم من أنهما عنصرين إلا أنهما واحد لاسيما في القوة وهما لذكرى الموت والآلام التي حدثت لجسد ربنا عندما سفك دمه على الصليب من أجل الكل. وعندما يرشم الكاهن علامة الصليب عليهما فإنه بهذه العلامة يعلن أنهما واحد ولأن الجسد البشرى هو واحد مع دمه وحيثما يوجد الجسد يوجد الدم أيضًا.
ورشم الجسد والدم يؤكد أنهما واحد في القوة، وأنهما يخصان الأقنوم الواحد الذي تألم أي أنهما جسد ودم ربنا يسوع المسيح الذي سفك على الصليب.
ويقول الكاهن: القدسات للقديسين ويرشم بالجسد والدم رشمًا واحدًا لأن المسيح حمل ناسوته وفتح لنا طريق الأقداس ودخل بذبيحة ذاته إلى قدس الأقداس. ثم يأخذ "الاسباديقون" decpotikon ويغمسه بالدم ويرشم به الجسد الطاهر رشمًا واحدًا لأن من قبل اتحاد النفس بالجسد وحياة عدم الموت يصير بعد ذلك الرشم بهما معًا بدون انفصال وبعد أن يرشم الجسد بالاسباديقون يرشم الدم بالاسباديقون ويكون الرشم بالجسد (الاسباديقون) والدم منهما وبهما واحدًا.
ويترك الاسباديقون في الكأس حتى يتناول كل المؤمنين بذبيحة واحدة يوزع جسده ودمه الواحد على المؤمنين ليصير الكل واحدًا. ومن ثم صارت العادة أن لا يتناول الكاهن الاسباديقون حتى توزيع الأسرار وبعد تناول الشعب كله.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:15 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في سر مسحة المرضى



https://st-takla.org/Gallery/var/resi...Baptism-01.jpg
الذين يسقطون في الأمراض بسبب سوء حياتهم وعجزهم وخوفهم من الموت فهؤلاء أحيانًا يؤدبون بالمرض لشفاء النفس من الشهوة ومتى كشفوا هؤلاء لشيوخ الكهنة أمراضهم الحقيقية يأتون بهم إلى البيعة ويشترك الشعب كله في الصلاة لكي يقيم الرب هؤلاء الساقطين بالطلبة والصوم وتضرع الكهنة. وبعد ذلك يرشمونهم بزيت مسحة المرضى:
على جباههم ويرشمون ذات موضع ختم الميرون لأن قوة الروح التي ختمتهم هي التي تعيدهم إلى الحياة وترد لهم بهاء العطية الأولى أي ختم الميرون الذي لا يزول مطلقًا فهو ختم ملكوتي قائم بقوة ربنا يسوع الملك. ولكن بهاء ذلك الختم الذي يحرق الشياطين كَمُنَ بسبب السقطات أما بالمسحة فهو يشع من جديد. ويرشم أيضًا موضِع الحنجرة لأن فيها اللسان والنطق وهى التي فيها تصدر أفعال الشر وتولد فيها الأفكار الخفية التي تصبح جهرانية بالنميمة والسعاية.
والحنجرة رحم العداوة والوقيعة وليس عبثًا أن قال القديس يعقوب الرسول: "الرجل الكامل هو من يلجم لسانه بالكمال". فلا يتكلم إلا كلام المحبة الذي يرطب قلوب الناس ويقضى على الشكاية فيزيل مرارة السعاية ويجعل كلمات العتاب بلسم.
أما رشم اليدين اليسرى وبعدها اليمنى فهو على ذات موضع الرشم بالميرون.
ورشم اليد اليسرى هو طلب شفاء الإرادة الخفية أما رشم اليد اليمنى فهو طلب شفاء قوة الإنسان لكي يعود صحيحًا معافًا وبلا أمراض.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في سر الزيجة



سر الزواج به يتقدس الزوجان، ويمنحهما من النعم ما يمكنهما من النهوض بأعباء الحياة الزوجية. ويرمز إلى اتحاد المسيح بالكنيسة كما أعلن معلمنا بولس الرسول قائلًا: "أيها الرجال أحبوا نسائكم كما أحب المسيحالكنيسة وأسلم نفسه لأجلها. لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة.. كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. من يحب امرأته يحب نفسه.. هذا السر عظيم ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة" (أف5: 25-32).

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...Engagement.jpg
فسر الزواج مرتبط بسر الصليب، فكلاهما أساسه حب وبذل وتضحية وطاعة بلا مقابل.
الصليب له اشتراك في صلوات سر الزواج كما يلي:
عندما يعلن الكاهن عقد الأملاك والإكليل، يمسك الصليب بيمينه، ويعقد برشم الصليب المقدس، ويقول: باسم ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.. نعقد عقد أملاك وزواج الابن المبارك الأرثوذكسي البكر (فلان) على الابنة المباركة الأرثوذكسية البكر (فلانة).
ويرشم بالصليب ثلاث رشومات وعندما يذكر الكاهن في صلاته العريس ومعينته، يرشمهما على جبهتيهما بالصليب.
يرشم الكاهن بالصليب الحلل الموضوعة لكي تصير للزوجين اللذين يلبسانها حلل المجد والخلاص، حلل الفرح والتهليل.
بعد صلاة الكاهن على زيت الفرح يدهن الكاهن العريس وعروسه برشم الصليب.
يضع الكاهن إكليلين على رأسيهما - وهذا يرمز لرجوع الكرامة الملوكية الأولى، وكرامة الكائن الإنساني قبل السقوط، واستعادتها الآن في وحدة الزواج. ثم يبارك الأكاليل الموضوعة على رأسيهما، ويرشم بالصليب عليهما قائلًا: "كللهما بالمجد والكرامة أيها الآب آمين. باركهما أيها الابن الوحيد آمين. قدسهما أيها الروح القدس آمين.
أنها كرامة نقاوة الرباط بين العريس وعروسه، وعودة الطبيعة إلى وظيفتها في اتحاد الرجل والمرأة. هذا كله من أعمال الصليب والفداء.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في إقامة الأغنسطس القارئ

أول درجات الخدمة هي القارئ الذي يقام مع غيره من درجات الشماسية في قداس المؤمنين وبعد صلاة الصلح لأنه يقام لخدمة المؤمنين فقط ويسهر على رعايتهم.
أما الأسقف فيقام بعد الابركسيس لأنه يقام لرعاية الموعوظين والمؤمنين.
ومتى قرأت تزكية القارئ وشهد له الذين قدموه فإن الأسقف يقص شعره من فوق جبهته لزوال مجد العالم ومن خلف لأنه لا يعود يضع يده على أي محراث بل يحرث للرب فقط ثم من فوق الصدغ اليمين لتقبل الإهانات والتحقير وفوق الصدغ الشمال لأنه يدير خده الأيسر كقول الرب ويصير عاملًا بالقول الإلهي الذي يقرأه.
ويكمل بذلك رشم الصليب ودعاء الثالوث القدوس الذي دعاه إلى خدمته.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:19 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في إقامة الإيبوذياكون



https://st-takla.org/Pix/People-Chris...rom-Africa.jpg
لا يقص شعر الايبوذياكون وإنما يرشم ثلاث مرات على جبهته بدون وضع يد لأنه يقام لخدمة البيت وحراسة الأواني والاهتمام بحسن وجمال البيعة. ويدعوه الارشيدياكون لأنه يخدم معه بعد الرشم الأول قائلًا للشعب "فلان" ابوذياكون لبيعة الله المقدسة. آمين، دون أن يقول مثل الأسقف "ندعوك" لأن هذه الكلمة خاصة بالأسقف لأنه هو الذي يكرس ويرشم كل رتب الكهنوت.
ويرشم أولًا باسم الآب والابن والروح القدس لأنه يخدم بيت الثالوث ويحرس الأسرار الإلهية، ويرشم رشمًا ثانيًا باسم الابن الوحيد لأنه يقام لخدمة أسراره والرشم الثالث للروح القدس الذي يفيض عليه نعمة الخدمة. ويلبسه {البطرشيل} قائلًا: مجدًا وإكرامًا لاسمك القدوس أيها الآب والابن والروح القدس السماوي. سلامًا وبنيانًا للكنيسة المقدسة.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:35 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في إقامة الذياكون



https://st-takla.org/Pix/People-Chris...rom-Africa.jpg
الذياكون أول درجات الكهنوت. يضع الأسقف اليد على الشخص وهى أول صلاة لوضع اليد للشرطونية قائلًا:
"أيها السيد الرب الإله ضابط الكل الحقيقي غير الكاذب.. املأه من الروح القدس والحكمة والقوة كما ملأت عبدك اسطفانوس أول الشمامسة ورأس الشهداء المتشبه بأوجاع المسيح".
ويدعوه الأسقف قائلًا: "قسمنا فلان شماسًا على المذبح الطاهر الذي للقديس أو الشهيد في كنيسة الله الأرثوذكسية الكائنة بالمدينة أو الكورة..".
وبهذه الكلمات يناديه قائلًا:
باسم الآب والابن والروح القدس. آمين. رشمًا واحدًا على جبهته معلنًا أن يقام بواسطة الثالوث القدوس ثم يكرر الكلام معلنًا شركته في الخدمة الرسولية مع الأسقف بقوله:
"ندعوك يا فلان في بيعة الله المقدسة آمين باسم الابن الوحيد ربنا يسوع المسيح. باسم الروح القدس الباراقليط آمين.
ويرشمه مرتين لأنه في المرة الأولى يقيمه الثالوث وهى مثال صيغة التعميد أي باسم الآب والابن والروح القدس.
ويرشمه على جبهته لأنه أقيم في أول درجات الكهنوت ليخدم المذبح السمائي الذي يقع في قسمته وهنا عند ذكر المذبح والبيعة يرشمه باسم الابن الوحيد رئيس الكهنة وباسم الروح القدس الفاعل في الكهنوت.
ثم يضع الأوراريون على كتفه الشمال ويقول مجدًا وإكرامًا للثالوث القدوس.
لأن الأوراريون هو علامة الخدمة ويكمل قوله:
"سلامًا وبنيانًا للواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية.. كنيسة الله".

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:36 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في إقامة القس



https://st-takla.org/Pix/Gallery/Fr-K...Hegomen-01.jpg
وإذا كان قد قسم ذياكون يكمل الأسقف رسامته قسًا،
وإلا فليقسم ويناديه من بعد صلاة الأسقف معلنًا بندائه أنه ينتقل من طقس الشماسية إلى طقس القسيسية،
ويبارك الأسقف عليه ثم يضع يده اليمنى لكي يقام للخدمة ويصلى طالبًا أن يمتلئ من روح الحكمة،
وبعد أن يطلب له ذلك يقول الأسقف:
ندعوك في كنيسة الله المقدسة قسيسًا.
ويرشمه باسم الآب والابن والروح القدس ويعضده باسم الابن الوحيد ويباركه باسم الروح القدس ثلاث رشومات من بعد وضع اليد.
وأما الرشم الأول فهو دعوة الخدمة،
والرشم الثاني إقامة بسلطان الصليب،
والرشم الثالث تأييد بالروح القدس المعزى.
ويكون قائمًا لدى الآب،
بواسطة الابن وبعمل الروح القدس الذي يوآزره في الإنسان الداخلي.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:37 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب في حياتنا



"فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصَّين فهي قوة الله" (1كو1: 18).
الصليب هو أقوى حدث في حياة المسيح بالرغم من أنه أضعف موقف من مواقف الرب على الأرض - فهو الذي يقول عنه الرسول بولس "لأنه وإن كان قد صلب من ضعف لكنه حيَّ بقوة الله. فنحن أيضًا ضعفاء فيه لكننا سنحيا معه بقوة الله من جهتكم" (2كو13: 4).
تلك هي لحظة الإخلاء العظمى التي بلغ فيها المسيح أقصى حدود الهوان عندما عُلق على خشبة الصليب. لأنه معروف أن كل من يُعلق على خشبة هو ملعون بحسب الناموس القديم: "لأن المعَلّق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا" (تث21: 23). لذلك فالقديس بولس الرسول يقول:

https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...y-Cross-07.gif
"المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة" (غل3: 13).
وإذا تأملنا الصليب، فنحن نتأمله كقوة فاعلة، حولت الموت إلى حياة "بالموت داس الموت". حولت اللعنة الزمانية إلى بركة أبدية، حولت الخطية إلى بر، حولت العداوة إلى محبة، والظلام إلى نور أشرق في قلوب الجالسين في الظلمة وظلال الموت إشراقًا لا ينطفئ!
فكل نور يُرى بالعين يمكن أن ينطفئ، أما نور الله إذا أشرق في القلوب فلا توجد قوة في العالم يمكن أن تطفئه.
"الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 6).
نرى بوضوح إذن أن الصليب قوة جديدة دخلت العالم وأقوى من كل ما في العالم. حَّولت السلبيات التي كان يرزح تحتها الإنسان إلى ايجابيات ينعم بها.
فإن كان الصليب من الخارج هوانًا ولعنة، فهو في الداخل مجد وكرامة. وهذا في الواقع يعبر عن مضمون حياتنا التي نحياها في المسيح والتي يطالبنا بها الإنجيل كل يوم: "من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لو 14: 27).
الصليب هنا -بالمفهوم الإنجيلي- المطلوب منا أن نحمله كل يوم على أكتافنا كنير ثقيل، هو في حقيقته قوة حاملة للإنسان وليس ثقلًا عليه، يحول الموت الذي تملَّك الجسد بسبب الخطية إلى قيامة وحياة أبدية بسبب دم الغفران المنسكب عليه.
الصليب نواجه به ظلمة هذا العالم التي تسيطر على قلوبنا بسبب الخطيئة التي تقتحم حياتنا كل ساعة، لأنه معروف أن بقوة الصليب تموت النفس عن شهواتها، فيتحول الحزن والكآبة والندم إلى بر وابتهاج مع فرح أبدى.
وبقدر ما يكون الصليب محنة حقيقية للنفس تجوز فيها غصة الموت، بقدر ما يتجلى الصليب عن سلام يفوق العقل.
نحن ننظر إلى الصليب كممارسة وحياة، وأن كل من لم يعش صليب ربنا يسوع المسيح، فهو لم ينتقل أو يتحرك داخليًا ليذوق معنى العبور من حياة حسب الجسد لحياة حسب الروح، الصليب آلة الفصح والقوة الخفية التي تحمل الإنسان من الموت إلى الحياة.
الصليب حركة داخلية وقوة محولة، والذي لم يدخل اختبار الصليب لا يمكن أن يفهم قول القديس بطرس الرسول: "وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1بط2: 9).
وأيضًا لا يعرف كيف يحول عداوة الناس المقدمة له مجانًا إلى محبة، والحزن الذي يضغط به العالم على قلبه إلى فرح. أما من ارتضى أن يدخل في اختبار صليب المسيح، كنير يعيشه كل يوم بكل خسائره عن مسرة، هذا يعرف كيف تتحول الظلمة إلى نور، والحزن إلى فرح، والعداوة إلى حب، والضيق إلى مسرة وسلام.
لا يوجد في العالم كله ما يعادل فرح الصليب!!
"ودعوا الرسل وجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم. وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع5: 40،41).
إن الفرح المتولد من عبور الألم الذي يكون على مستوى الصليب فهو يكون فرحًا متحركًا يغير ويجدد القلب والفكر والنفس إذ حينما تنقشع المحنة بكل خسائرها يلتفت الإنسان فإذا به قد عبر مرحلة ما قبل الصليب ليدخل مرحلة ما بعد الصليب، والفارق بينهما كالفارق بين الموت والقيامة: ينسلخ الإنسان من الأشياء المحسوسة لتتجلى أمامه وفى أعماقه الأشياء غير المحسوسة، وينتقل وهو في ملء الوعي لينفك من أمور الدهر الفاني.
هذا هو عجب الصليب، فالصليب هو معجزة الإنسان المسيحي التي يحياها كل يوم، هو سر المسيح. وكل من لم يدخل بعد في خبرة الصليب فهو لم يذُق بعد حلاوة المسيح ولا استمتع بعمق المسيحية.
وإذا انتبهنا نجد أن الصليب هو القالب الذي ينصب فيه الإنجيل كله. فحينما يقول المسيح "أحبوا أعدائكم" (مت5: 44)، يقولها على أساس أنك تحمل صليبه وتتقبل في نفسك موت الصليب بالإرادة، فإمكانية أن تنفتح يديك للصالبين ليطعنوا كرامتك، ويهينوا اسمك، ويسلبوا كل إمكانياتك، وقدراتك، وكل مالك، هي كلها وصايا يسوع القائمة على أساس حمل الصليب بمهارة كل يوم للمسير وراء المسيح.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:38 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
جهالة الصليب



الصليب بحسب الواقع النظري جمود وخسران وعدم؛ أما بحسب الواقع الروحي فهو تحرك داخلي إلى أعلى، وانتقال من حال إلى حال أسمى، وتغيير جوهري من مستوى جسدي إلى مستوى إلهي، وبشارة عجيبة ومفرحة من موت إلى قيامة!!
لذلك نستطيع أن نقول إن الصليب كان الواسطة الأولى التي استعلن المسيح بها أنه ابن الله، لأنه لم يكن ممكنًا بدون الصليب أن تتم القيامة من الأموات بكل أمجادها، ثم أعطانا في صميم طبيعتنا هذا السر العجيب أن نصير مثله (1يو3: 2) -وأيضًا بواسطة الصليب- لننال قيامة تعطينا استعلان بنويتنا لله!!

https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...ilae-Egypt.jpg
صليب ثم قيامة، هذا هو القانون الذي وضعه ابن الله في نفسه.
وفى جسده بموته على الصليب وقيامته، لذلك أصبح من غير الممكن أبدًا أن يدخل الإنسان في خبرة الصليب مع المسيح بإيمان كامل إلا ويحوز على قيامة داخلية وتغيير حياة.
الحكم بالصلب، هو أكثر أنواع الموت لعنة وعارًا. هذا هو مظهره، ولكن المسيح استطاع أن يحول هذا الحكم المهين والمزري إلى أعلى وأسمى حقيقة يمكن أن تُسْتَعْلَن على الأرض لمنطق أو لعقل بشرى، وهى القيامة بمجد إلهي!..
هذا هو جوهر رسالة المسيح بالنسبة للإنسان.
فصليب العار جعله المسيح، لما قبله على نفسه، قوة محولة قادرة أن تحول ذل الإنسان وعاره وضعفه إلى شركة في أمجاد قيامة المسيح مع هبة التبني لله.
هذا هو الصليب الذي لا يزال يُنظر إليه عند كثير من الناس أنه جهالة ولكنه وإن كان جهالة فإن " جهالة الله أحكم من الناس" (1كو1: 25).
أي خطة الخلاص العظمى التي فدى بها الإنسان وأقامه من الموت لحياة أبدية.
والصليب يظل محصورًا في فكر الإنسان كحقيقة لاهوتية أو مبدأ عقيدي، إلى أن يرتفع إلى المستوى العملي للصليب في حياتنا وذلك حينما نقبل حكم الموت في أنفسنا اضطهادًا أو ظلمًا واعتسافًا بيد الطغاة أو نُسلّم أنفسنا بإرادة حسنة للموت الاختياري، كما يقول القديسون، أي ندخل في عمق الإماتة لنموت عن أنفسنا وشهواتنا حينئذ تبدأ حقيقة الصليب تتجلى في حياتنا كخبرة مضيئة وقوة رافعة.
فالإنسان الذي يرفض أن يموت بإرادته عن العالم، ويجزع من أن يصلب أهواءه وشهواته وأعضاءه -من أجل المسيح- هذا الإنسان يظل غريبًا عن حقيقة الصليب. ربما يكون دارسًا مدققًا لمعاني الصليب اللاهوتية متقنًا لمفهوم العقيدة نظريًا وفلسفيًا، ولكن الصليب كحركة داخلية وقوة ترفع الإنسان إلى مستوى تقديس الله، هذا يبقى شيئًا مخفيًا عن عين الإنسان وعقله. لهذا فالصليب لا يمكن أن تكشف قوته الإلهية إلا عند قبول الموت والإماتة.
وهكذا يظل الصليب جهالة ورعبة وموتًا جاهلًا لا يستطيع الإنسان أن يقترب منه، إلى اللحظة التي فيها يكشف الروح للإنسان عن سر مجد الشركة في صليب ربنا يسوع المسيح، حينئذ تدفع النعمة الإنسان في طريق الصليب ليذوق -في شجاعة- معنى الموت المحيى مع المسيح. وحينئذ يتجلى الصليب كحكمة الله وقوة الله للخلاص.
إن أصدق علامة لحمل الصليب هي أن يكون البذل والإماتة والخسارة عن رضى وحب وسرور، بمعنى أن أفقد بالفعل ذاتي وأنكرها، ذاتي التي تطلب الشكر والمديح ورد الجميل. هنا تبدأ فعلًا صورة الصليب، حيث لا يكون عائد كرامة أو شكر أو ربح من أي نوع، بل على النقيض نكران وهجران وعداء واعتداء.
يلاحظ هنا أن مواصفات الصليب مأخوذة من مشهد الجلجثة ومحاكمة المسيح بعد حياة كلها بذل وحب.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:39 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
إيجابية الصليب



https://st-takla.org/Gallery/var/albu...-to-Church.jpg
ولقد أعطانا السيد المسيح المواصفات الإيجابية للصليب وما هو قبل الصليب، أي نعمل عن مسرة حتى ولو كان عملنا مكروهًا وبذلنا مرفوضًا.
أما السر الأخير للصليب فهو الموت على الصليب. لذلك فالمسيح لما أكمل الموت على الصليب أعطانا سر الصليب وقوة موته كاملة، بل وكل ما هو قبل الصليب من صبر واحتمال على الموت، أعطاه لنا كخبرة حية ممكن أن نمارسها كل يوم. وهذا يعتبر من أهم معجزات ومواهب الحياة المسيحية. فبالإيمان بالمسيح نأخذ أشياء لم نعملها، كأن نصير شركاء الصليب وارثين لبركاته دون أن نُصلب فعلًا، وهكذا نأخذ حقوقًا لا نستحقها، ونأخذ مواهب لا ندفع ثمنها.
وقوة الصليب هو من أهم هذه الحقوق والمواهب: "مع المسيح صُلبت" (غل2: 20)، أي أن المسيح حينما صُلب عن العالم أعطانا أن نحصل على هذه الموهبة عينها بالإيمان، فصارت في متناول حياتنا. ليس فقط أن نبذل من أجل أحبائنا أو نفقد إزاء مضطهدينا وأعداءنا، بل أن نموت أيضًا بإرادتنا عن العالم كحقيقة نستطيع أن نمارسها بقوة صليب المسيح.
فالصليب يُحسب لنا صليبًا، إذا استطعنا أن نمتد من البذل من أجل أحبائنا إلى البذل من أجل أعدائنا، ثم إلى الخسارة بإصرار وبرضى، وباستعداد الموت من أجل أحبائنا وأعدائنا معًا.
إذا استطعنا أن نضع هذا الحق نصب أعيننا كمسيحيين فنحن نكرم الصليب وخشبة الصليب، لأننا بذلك نأخذ من المسيح سر الصليب كحقيقة نمارسها بالحب.
إن كان لنا هذا الاستعداد : أن نبذل من أجل أحبائنا وأعدائنا ونخسر كل شيء في حياتنا باستعداد الموت، فنحن نستطيع أن نتجاوز مرارة الصليب إلى مسرة القيامة.
ولكن الصليب بالكلام سهل، أما الحقيقة فمّرةٌ... الكلام عن الصليب لاهوتيًا ووعظيًا لذيذ وسهل ومنطقي، ولكن كتجربة، حينما ندخل فيها نجدها مليئة بالألم.
حينما نجوز الآلام -من أي نوع- ولا يبدو لها نهاية، حينئذ تبدأ المرارة ورعبة الموت. ولكن كل ضيقه نجوزها، وكل ظلم أو مرض نجوزه ونرتضيه حتى إلى حدود الموت فإنه يُحسب لنا في الحال صليبًا وشركة حقيقية في صليب المسيح.
إن البذل من أجل الإخوة أو الأحباء أو الأصدقاء، هذا بذل محبة، ليس له ثمن، لأن ثمنه مردود لك في حينه فهو محبة وليس صليبًا لأنه ينشى فرحًا ومسرة للنفس فثمنه فيه. أن تحب أخاك أو تُسلّم عليه فأي فضل لك؟! لكن المحبة تبدأ تُحسب أنها تسير على درب الصليب على نمط الجلجثة، حينما يبدأ البذل أن يكون مرفوضًا والمحبة تُرد إليك عداوة وخسارة، والبساطة والتودد يُقابل بالحقد والانتقام.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:40 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
خبرة الصليب



https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...ifixion-16.jpg
ولكن لا غنى لنا عن خبرة الصليب والسعي وراء حمله حسب وصية الرب، لأنه إن لم يَصيرْ الصليب -أي الموت عن العالم- في حياتنا حقيقة مقبولة وطريقًا مُشتهى، فسنبقى بعيدين كل البعد عن سر القيامة والحياة الأبدية. فالحياة المسيحية كلها هي حركة مستمرة للانتقال من الحياة حسب الجسد إلى الحياة حسب الروح، وذلك لا يتم إلا من خلال الصليب.
على أن الصليب وإن كان خارجه أو بدايته رعبة ومرارة، فعاقبته نصرة حتمية وسلام وفرح لا يوصف. فعندما ندخل في ضيق - أي ضيق من أي نوع - ونتذكر الصليب الذي صلب عليه ربنا يسوع المسيح، ونضعه أمامنا هدفًا لنا، تتحول الضيقة المرة إلى بركة وسلام فيه، وتتحول الخطية إلى إحساس بالتبرير فيه، والعداوة تزول ويحل محلها مصالحة وصفح أمام المسيح والآب فيه إذن فلننتبه جدًا حينما يداهمنا الضيق، لأننا عندما نجوزه برضى ونتقبله كما تقبله المسيح على الصليب كإرادة الآب عن رضى وسرور داخلي، ننال قوة الصليب، ونذوق النور والحق والحياة من خلال الحزن والألم والضيق.
الصليب، هو بحسب فعله السري في كيان الإنسان والجسد محيى حقًا، فإذا استطعت أن تحتوى الصليب في قلبك كهدية حياة من السماء، فلا الباطل الذي في العالم يستطيع أن يغشاك ولا ظلمة العالم تستطيع أن تطفئ نور الحياة داخلك، ولا أي ضيقة في العالم أو خطية تستطيع أن تحصرك أو تربطك. هذا لو قبلت الصليب كقوة غلبة وخلاص في شخص المسيح المصلوب. وهذه هي حقيقة الإنجيل كله: "قوة الله للخلاص"، و"قوة الله"، و"حكمة الله" و"مجد الله".
وهذه الحقيقة هي التي انكشفت لجميع الشهداء والقديسين، فقبلوا الصليب بفرح من أجل ما وراءه من سرور ونصرة.
لهذا فإن كل من أدرك سر الصليب فإنه لا يعود يتهرب من الضيق أو يخشى الظلم أو يخور تحت الاضطهاد فسرُّ الصليب قوة وهبت لنا لتسكن داخل قلبنا وأجسادنا لتحول كل ما فينا وكل ما هو خارجنا لحساب مجد الله. وهى كهدية، تظل بلا قيمة إلى أن ندخل الضيقة، أو إلى أن تتضافر ضدنا قوى الظلام، حيث يبدأ الصليب يعمل عمله ليتمجد الله في موتنا وحياتنا.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:41 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
الصليب ينقلنا من البغضة إلى المحبة



كيف ينقلنا الصليب من البغضة إلى المحبة؟!
إنسان مظلوم يحقد ويبغض ويهدد، هذا في الحقيقة انحصر عنه نور الصليب لأن روح العالم استطاع أن يحتويه.
والإنسان الذي ينفتح كيانه لحركة العداوة والحقد يلبسه روح العالم في الحال، لأن العداوة تتغلغل في النفس والجسد والعقل والأعصاب ويصير وكأنه سحابة مظلمة تخيم عليه. وكما يقول القديس يوحنا الرسول: "وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفى الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضى لأن الظلمة أعمت عينيه" (1يو2: 11).

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...in-Road-04.jpg
أكبر حاجز يحجب نور الحب الإلهي عن الإنسان هو العداوة والبغضة حينما تكون دفينة في القلب. الصليب وحده هو القوة الإلهية التي هدمت العداوة والتي جاء المسيح لكي يرفعها في جميع صورها، سواء بين الإنسان والله أو بين الإنسان والإنسان.
"هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3 : 16).
هنا حب الله للعالم لم يكمله إلا صليب المسيح، فالحب لا يملك القلوب إلا بالصليب.
ففي الحقيقة إن الحب والصليب لا يمكن أن يفصلهما عن بعض إلا العداوة. والعداوة والبغضة تلغيان قوة الحب وقوة الصليب معًا، لذلك حينما تدخل البغضة تفصل الإنسان نهائيًا عن الصليب، وبالتالي عن كل ما يختص بالفداء والخلاص.
الله حينما أراد أن يصالح الإنسان بنفسه، صالحه بالصليب!!
لا يمكن أن ترتفع البغضة من قلب الإنسان إلا إذا قَبِلَ أن يموت عن مبغضيه أي قَبِلَ الصليب لابد أن يكون الإنسان في استعداد لهذا الموت دائمًا وكاملًا عن العالم وكل ما في العالم، لينفتح أمامه باب الحياة.
فإنسان يترك قلبه للبغضة معناه أنه لم يمت عن العالم بعد، لم يذق هبة محبة الآب للعالم أي الصليب!! هبة الآب للعالم هي بذل ابنه الوحيد على الصليب. فالصليب بحق هو قوة حولت حالة العالم كله من تحت الغضب الإلهي إلى محبة أبوية فائقة. ويقول معلمنا بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس: "أي إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسبٍ لهم خطاياهم وواضعًا فينا كلمة المصالحة (2كو5 : 19) لكن حينما يتجاهل الإنسان ذبيحة المسيح على الصليب التي أكمل بها المصالحة وأسس بها الحب ثم يعود ويُملّكِ العداوة والبغضة في قلبه، فإن هذا يكون بمثابة إعطاء تصريح رسمي للشيطان ليعود بنا مرة أخرى لنكون تحت الغضب الإلهي. إذن فغياب المحبة معناه غياب الصليب وبالتالي غياب محبة الله وسلامه، لقد عبر القديس بولس الرسول عن قوة المصالحة الكامنة في الصليب هكذا: "ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف2: 16).
لو استطعنا أن نؤسس في القلب عهد حب على هذا المستوى، فهذا يكون عيدًا للصليب في الأرض وفى السماء.
وحينما أراد الله أن يحب العالم، بذل ابنه على الصليب، هكذا إن أردت أن تحب، فلابد أن يكون حبك على أساس البذل لتحيا نفسك والعالم حولك.
من أجل هذا كان همُّ القديس بولس الرسول الأول من جهة ثبوت الكنائس في إيمان المسيح أن يكون الصليب حقيقة حية وقوة محركة: "لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (1كو2: 2)، ليس يسوع المسيح فقط وإنما يسوع المسيح مصلوبًا. ممكن أن تكون مسيحيًا ولا تحتمل الظلم والاضطهاد والإهانة فتكون حينئذ غير مدرك لمعنى الإيمان بالمسيح المصلوب - "لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (1كو2: 2). معناها أنى أريد أن يكون إيمانكم قائمًا على أساس المسيح الذي مات من أجلكم وأن يكون ثمر هذا الإيمان فيكم استعدادكم أيضًا للموت حبًا وللآخرين.
لو ارتفع معيار هذه المحبة للمستوى الذي صُلب به المسيح الذي وهبه لنا في سر الكنيسة، سواء في سر المعمودية أو التناول أو بقية الأسرار، لاستطعنا أن نقدم المسيح للعالم كله دون أن نتحرك من مكاننا!! لأن كل من حاز سر الصليب في قلبه وحياته، صار هو بدوره قوة في العالم لا تنتهي لتحويل البغضة إلى المحبة
لأن الذي يصنع سلامًا ويصالح اثنين، ابن السلام يُدعى. ولكن من ذا الذي يستطيع أن يصالح اثنين متخاصمين إلا من كان على استعداد أن يبذل حياته عنهما؟
العالم اليوم محتاج لإنسان المصالحة، إنسان الصليب، الذي يستطيع أن يكرز بالحب والصلح والسلام والحياة يقول القديس يوحنا الرسول: "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة. من لا يحب أخاه يبق في الموت" (1يو3: 14).
عندما نحب الإخوة ننتقل من الموت إلى الحياة. نعم، ومن يستطيع أن يحب الإخوة إلا الذي هو على استعداد أن يموت كل يوم على صليب ربنا يسوع المسيح، الذي أخذ في نفسه قوة أن يغلب الشر بالخير وقدرة أن يقتل العداوة بالحب؟ هذا هو الذي انتقل من الموت إلى الحياة، واستطاع بالتالي أن يحول الموت في الآخرين إلى حياة. نحن في احتياج لنعيش في سر الصليب وقوته فنعيد لصليب المسيح بالروح والحق.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:42 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
لماذا نستخدم نحن إشارة الصليب؟



https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...c-Cross-02.gif
الصليب حامل لشخص المسيح :
الصليب ليس هو مجرد علامة أو إشارة بل هو أعمق من ذلك بكثير، فهو يحمل صفة شخصية ملازمة للمسيح. كما يعّرفه الملاك لمريم المجدلية ومريم الأخرى: "فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب" (مت28: 5).
وكما يقول معلمنا بولس الرسول: "ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. " (1كو1: 23).
إذن فعملية الصلب لم تكن حادثًا وانتهى بل هي حادثة استعدت لها كل الأزمنة السابقة وحملتها كل الأجيال اللاحقة مثل باب حيّ مفتوح للخلاص والعبور إلى الملكوت المعد.
ولا زال المصلوب يحمل في يديه ورجليه جروح الصليب حتى هذه الساعة. ويوضح لنا سفر الرؤيا ذلك: "ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفى وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح... ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف. قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة" (رؤ5: 6،11، 12)
فإذا كان المصلوب لازال دمه يقطر فالصليب لازال قائمًا يعمل بقوة الدم المسفوك عليه! "عاملًا الصلح بدم صليبه" (كو1: 20).

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:43 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
رسالة الصليب



* ماذا يعنى السيد المسيح له المجد بأن نحمل صليبه ونسير وراءه؟
من شروط التلمذة الحقيقية للسيد المسيح هو حمل الصليب ونسير في إثره، وفى ذلك معاني روحية عميقة:
{1} بذل النفس: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16).
{2} أعظم الحب: "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13).

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...in-Road-06.jpg
{3} تتميم إرادة الله حتى الموت: "إن شئت أن تجيز عنى هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لو22: 42).
{4} احتمال الخزي: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي فجلس في يمين عرش الله" (عب12: 2).
{5} احتمال التعيير: "وبذلك أيضًا كان اللصان اللذان صُلبا معه يعيرانه" (مت27: 44).
{6} احتمال الآلام: "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته" (فى3: 10).
{7} الاجتهاد إلى آخر نسمة: "فلما أخذ يسوع الخل قال قد أُكِمْلَ. ونكس رأسه وأسلم الروح "(يو19: 30).
{8} آخر درجة للطاعة: "وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 8).
{9} قتل روح العداوة: "ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف 2: 16).
{10} العمل للصلح حتى الدم: "وأن يصالح به الكل لنفسه عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات" (كو1: 20).
{11} التحرر من سلطان الخطية : "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضًا للخطية" (رو6: 6).
{12} دفع الدين وتمزيق الحجة :" إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًا لنا وقد رفعه من الوسط مُسمرًا إياه بالصليب" (كو2: 14).
{13} شركة موت وحياة مع المسيح: "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ" (غل2: 20).
{14} افتخار: "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم" (غل6: 14).
{15} افتضاح الشيطان: "إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه [في الصليب]" (كو2: 15).
وحينما نؤمن بهذه المبادئ ونعمل بها فنحن نحمل الصليب بحق وندعى مع القديسين "لابسي الصليب"، وهذه الكلمة تعنى الجهاد في السير خلف المسيح حاملين لفضائل الصليب.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:44 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
لمحة تاريخية عن استخدام إشارة الصليب في العبادة



إشارة الصليب تقليد كنسي قديم جدًا يبتدئ بابتداء الإنجيل حيث يشير إليه معلمنا متى البشير في إنجيله قائلًا: "وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء" (مت24: 30). فيذكر هنا معلمنا متى الإنجيلي البشير أن الصليب هو علامة ابن الإنسان.
وأول إشارة بعد الإنجيل نجدها في سنة 150 ميلادية.
[1] في قول للعلامة ترتليان:

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...-Thorns-18.gif
[في جميع أسفارنا وتحركاتنا، عندما ندخل وعندما نخرج، عندما نلبس ملابسنا وعندما نخلعها، في الحمام وعلى المائدة، عندما نشعل مصابيحنا وعندما نطفئها لننام، في جلوسنا وفى كل أعمالنا نرشم أنفسنا بعلامة الصليب].
[2] ثم نسمع عنها في قول ليوليوس أفريكانوس {160-240 م.}:
[وحينئذ نرفع أيدينا ونرشم جبهتنا بعلامة الصليب].
[3] ونجدها في تعاليم امبروسيوس {339-397 ميلادية]:
[وعلينا حينما نستيقظ أن نشكر المسيح ونبدأ نتمم أعمالنا اليومية بقوة الصليب].
القديس امبروسيوس
[4] كيرلس الأورشليمي [315-386 ميلادية] للموعوظين يقول:
[فلا نخزى إذن أن نعترف بالمسيح مصلوبًا، بل ليت إشارة الصليب تكون ختمًا نصنعه بشجاعة بأصابعنا على جبهتنا وعلى كل شيء، على الخبز وعلى كأس الشرب، في مجيئنا وذهابنا، قبل نومنا وعند يقظتنا، وفى الطريق وفى البيت].
[5] يوحنا ذهبى الفم: [347-407 ميلادية]:
[إن إشارة الصليب التي كانت قبلًا فزعًا لكل الناس الآن يعشقها ويتبارى في اقتناءها كل واحد، حتى صارت في كل مكان بين الحكام والعامة، بين الرجال والنساء، بين المتزوجين والعذارى بين المخطوبين وغير المخطوبين، لا يكف الناس عن رسمها في كل موضع كريم ومكرم، ويحملونها منقوشة على جباههم كأنها علامة ظفر على سارية، نراها كل يوم على المائدة المقدسة، نراها عند رسامة الكهنة، نراها تتألق فوق جسد المسيح وقت التناول السري. وفى كل مكان يُحتفل بها في البيوت، في الأسواق، في الصحارى، في الطرق، على الجبال في مغائر الرهبان، على التلال في البحار، على المراكب، في الجزر، في المخدع على الملابس، في الأروقة [المدارس]، في المجتمعات، على الأواني الذهبية، على الأواني الفضية، على اللؤلؤ، في الرسومات على الحوائط، على أجساد الذين مسهم الشيطان، في الحرب، في السلام، في الليل، في النهار في الذين يبتهجون، في جماعات النساك، وهكذا يتبارى الجميع في اقتناء هذه العطية العجيبة كنعمة لا ينطق بها].
[6] القديس أغسطينوس {354-430 ميلادية}:
[من أجل هذا فالرب نفسه يثبت قوة الصليب على جبهتنا حتى أن العلامة التي كانت للخزي تصير للافتخار].

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:46 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
أقوال الآباء عن إشارة الصليب


[1] أعطانا السيد المسيح إلهنا الصليب سلاحًا نافذًا ينفذ في النار والهواء والماء والأرض ولا يحجبه شيء أو يعترض قوته عارض.
فهو قوة الله التي لا تقاوم. تهرب من صورته الشياطين حينما يرسم به عليها! الصليب هو قوة المسيح للخلاص والملائكة يخضعون لقوته ويتبعونه حيثما شاهدوا رسمه ليعينوا الملتجئ إليه ولا تحصل تخلية لمن حمل الصليب إلا للذي ضعفت أمانته فيه البابا أثناسيوس الرسولي.
[2] بدلًا من أن تحمل سلاحًا أو شيئًا يحميك، احمل الصليب واطبع صورته على أعضائك وقلبك. وارسم به ذاتك لا بتحريك اليد فقط بل ليكن برسم الذهن والفكر أيضًا. ارسمه في كل مناسبة:
في دخولك وخروجك، في جلوسك وقيامك، في نومك وفى عملك، ارسمه باسم الآب والابن والروح القدس.
مارآفرآم السريانى
[3] لا تخجل يا أخي من علامة الصليب فهو ينبوع الشجاعة والبركات وفيه نحيا مخلوقين خلقة جديدة في المسيح..ألبسه وافتخر به كتاج.
يوحنا ذهبى الفم

https://st-takla.org/Pix/Saints/01-Co...-Sorany-01.jpg
[4] يقول الآباء أن الذي يرسم ذاته بعلامة الصليب في عجلة بلا اهتمام أو ترتيب، فان الشياطين تفرح به. أما الذي في روية وثبات يرسم ذاته بالصليب من رأسه إلى صدره ثم من كتفه الأيسر إلى الأيمن فهذا تحل عليه قوة الصليب وتفرح به الملائكة.

[5] إن الإهمال في تأدية رسم الصليب أمر ربما ندان عليه. فان سم الصليب اعتراف بيسوع المسيح مصلوبًا، وإيمان بالآلام
التي عاناها فوق الصليب. أنه اعتراف وذكرى لعمل الرب ومكتوب في ارميا (48: 10) ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة".

[6] إن في إشارة الصليب كل روح الإيمان المسيحي:
• فيه اعتراف بالثالوث الآب والابن والروح القدس.
• فيه اعتراف بوحدانية الله كإله واحد.
• فيه اعتراف بتجسد الابن وحلوله في بطن العذراء.
• فيه اعتراف بقوة عملية الفداء التي تمت على الصليب بانتقالنا من الشمال إلى اليمين.
إذن فيليق بنا أن يكون رسمنا للصليب فيه حرارة الإيمان.
الأب يوحنا من كرونستادت
[7] نحن نكرم الصليب ونطلب قوته المحيية في صلواتنا قبل أن نطلب معونة القديسين أو شفاعتهم. وذلك لأن الصليب هو علامة ابن الإنسان ورسم تجسده وآلامه لخلاصنا. فعلى الصليب قدم السيد المسيح نفسه ذبيحة لله الآب من أجل خطايانا لكل من يؤمن به. لذلك صارت علامة الصليب هي الإشارة المشتركة بين جميع المؤمنين كرمز للخلاص والمحبة المشتركة.

[8] فلنكرم الصليب المقدس الذي أعطينا أن نغلب به العدو اللئيم ونرشم به على جباهنا وقلوبنا وسائر أعضائنا لنطرد به الشيطان.
الصليب علامة الرب وخاتمه الذي صار الخلاص لآدم وذريته من أسر إبليس عدونا.
الصليب هو موضوع فخرنا في هذه الحياة وهو علامة إيماننا، كما قال بولس الرسول "وأما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غل6: 14)
كذلك لا نستحي من الصليب لأنه مكتوب أن "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كو1: 18)
بالصليب غلب قسطنطين الملك البار أعداءه وارتفع شأنه لما أظهر الرب له علامة الصليب مضيئة في السماء قائلًا له:" بهذه العلامة تغلب أعداءك". فغلب، وصار الصليب قوة الملوك وعزاءهم ونصرتهم. يضعونه فوق تيجانهم لكي يباركهم ويؤيدهم وينصرهم.

[9] الصليب هو قوة المجاهدين وسلاحهم فقد أوصاهم الرب قائلًا:
"إن أراد أحد يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت16: 24).
[10] إن كانت الحية النحاسية قد أبطلت سم الحيات في العهد القديم فكم بالحرى صليب ربنا يسوع المسيح، الذي رفع عليه، لا حية نحاسية بل رب المجد وسكب دمه على الصليب ليصير لنا بالدم الحياة وبالصليب النصرة.
القديس كيرلس الأورشليمي
[11] إن الشياطين توجه هجماتنا المنظورة إلى الجبناء فارسموا أنفسكم بعلامة الصليب بشجاعة ودعوا هؤلاء يسخرون من ذواتهم أما أنتم فتحصنوا بعلامة الصليب.

[12] حيث وجدت إشارة الصليب ضعف السحر وتلاشت قوة العرافة.
أنبا أنطونيوس الكبير
[13] قدم الأنبا أنطونيوس بعض المرضى المعذبين من الأرواح النجسة إلى بعض فلاسفة الهراطقة قائلًا لهم: هل تستطيعون تطهيرهم بالحجج أو بأي فن أو سحر تختارون داعين أصنامكم؟
وإلا كفوا عن منازعتنا إن عجزتم وعندئذ ترون قوة صليب المسيح.
قال هذا ودعا المسيح ورشم المرضى ثلاث مرات بعلامة الصليب وفى الحال قام الرجال أصحاء وعقلهم سليم وقدموا الشكر للرب في نفس اللحظة.
سيرة أنبا أنطونيوسلاثناسيوس الرسولى
[14] حينما ترشم ذاتك بعلامة الصليب، اذكر دائمًا أنك تستطيع بقوته أن تصلب شهواتك وخطاياك على خشبة المخلص "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 29). عالمًا أن في الصليب قوة إخماد الشهوة وإبطال سلطان الخطية برحمة المصلوب عليه.

[15] حينما ترفع نظرك إلى خشبة الصليب المعلقة فوق الهيكل، اذكر مقدار الحب الذي أحبنا به الله حتى بذل ابنه الحبيب لكي لا يهلك كل من يؤمن به.
فأينما وجد الصليب وجدت المحبة، لأنه هو علامة الحب الذي غلب الموت وقهر الهاوية واستهان بالخزي والعار والألم!
فإذا رأيت الكنيسة مزدانة بصلبان كثيرة فهذا علامة امتلائها بالحب الكثير نحو جميع أولادها.

[16] حينما يباركك الكاهن أو الأسقف ويرشمك بالصليب المقدس، افرح واقبل ذلك كبركة من السيد المسيح. طوبى لمن قبل رسم الصليب على رأسه بإيمان.
"فيجعلون اسمي على بنى إسرائيل وأنا أباركهم" (عدد6: 27).

[17] إن الشياطين ترتعب من منظر الصليب وحتى من مجرد الإشارة به باليد. لأن السيد المسيح له المجد ظفر بالشيطان وكل قواته ورئاساته على الصليب، وجردهم من رئاستهم وفضحهم علنًا فصارت علامة الصليب تذكيرًا لهم بالفضيحة وإشارة إلى العذاب المزمع أن يطرحوا فيه.
الأب يوحنا من كرونستادت
[18] إن الشياطين إذا رأت المسيحيين سيما الرهبان مجدين بابتهاج ومتقدمين، فإنها تهاجمهم أولًا بالتجربة ووضع الصعاب لعرقلة طريقهم محاولة أن تنفث فيهم الأفكار الشريرة. ولكن لا مبرر للخوف من إغراءاتها لأن هجومها يرتد خائبًا في الحال بالصلاة والصوم.. سيما إن كان المرء قد سبق فحصن نفسه بالإيمان وعلامة الصليب.

[19] إذا مدحت الشياطين نسككم ودعتكم مباركين فلا تصغوا إليها ولا تكن لكم معاملات معها. بل بالأحرى ارشموا ذواتكم وبيوتكم بعلامة الصليب، وصلوا تجدوها قد انقشعت. لأنها في غاية الجبن وتخشى جدًا علامة صليب الرب. لأن الرب قد جردها بالحق وأشهرها جهارًا على الصليب. (كو2: 15).

[20] جاء بعض الحكماء اليونانيين وطلبوا من القديس الأنبا أنطونيوس أن يشرح لهم سبب الإيمان بالمسيح. ولكنهم حاولوا أن يحاجّْوه بصدد الكرازة بالصليب الإلهي قاصدين الاستهزاء بالصليب.
فوقف انطونيوس قليلًا وأشفق على جهلهم ثم خاطبهم بواسطة مترجم قائلًا: إن ما اخترناه هو الاعتراف بالصليب علامة الشجاعة واحتقار الموت أما أنتم فقد اخترتم شهوات الخلاعة.
أيهما أفضل عمل الصليب وقت الجهاد ضد مؤامرة الأشرار دون مخافة الموت مهما أتى في أي وضع من أوضاعه، أم الالتجاء إلى آلهة الأحجار ؟!
ما الذي وجد في الصليب حتى يستحق الهُزء؟
بل الصليب هو علامة الغلبة والنصرة على الأعداء. في كل وقت إذا حملناه بالإيمان.
من سيرة الأنبا أنطونيوس بقلم أثناسيوس الرسولي

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:47 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب



https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...c-Cross-01.jpg
مكرمة جدًا علامة صليب يسوع المسيح الملك، إلهنا الحقيقي، فأضحت عنوان الشرف والفخار، بل صارت قوة لسحق الشيطان، وعمل المعجزات والخلاص من التجارب، وحصنًا للمؤمنين، وتعنى بذلك القديسون، وآباء الكنيسة في مختلف العصور.
أنه لمدهش بالحق، وغير مدرك، كيف أن قوة المسيح تحل في رسم الصليب لإطفاء الحريق وطرد الشياطين، وتسكين الآلام وشفاء المرضى.
وفى هذا الفصل سوف نرى عينات من اختبارات آباء الكنيسة، التي تؤكد فاعلية الصليب وقوته على الشياطين وشفاء المرضى، وعلى الطبيعة، والمادة وإطفاء النار والموت والحياة.
وقد انتصر به القديسون على الأعداء وكان مرشدًا وحارسًا لهم فأعطى قوة للمجاهدين، وأضاء قلب غير المؤمنين فآمنوا بالسيد المسيح المصلوب على الصليب، وصار مصدر إيمان لهم.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:48 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب على طرد الشياطين وإخماد قوة الشهوة



أ) القديس باسيليوس يخلص شابًا اتحد به الشيطان:
ارتبط الشيطان بشاب قلبًا ونفسًا، وأحب فتاة مسيحية، ولم يستطع أبواها إقناعها بتركه، فاعتمدا على الصلاة وسكبا دموعًا أمام الله ليتراءف عليها فاستجاب السيد المسيح لصلاتهما وأيقظ عقل الشابة، وأظهر لها أن الشاب الذي هوته غير مسيحي إذ لم تره قد دخل البيعة مدة إقامتها معه، ولا تناول من الأسرار المقدسة، ولا رشم نفسه بعلامة الصليب. فبكت وندمت ولما علم الشاب ذلك منها أنكر. فقالت له إن كنت أنت مسيحيًا، وما تقوله حق، فادخل معي الكنيسة، وتناول من الأسرار أمامي. ولما ألحت عليه، أخبرها بأنه عندما أراد أن يجذب قلبها إليه، ذهب إلى أحد السحرة الكفرة، وكتب له ورقة، وأمره أن يذهب بها إلى القبور.

https://st-takla.org/Pix/Saints/02-Co...e-Great-01.jpg
وهناك ظهر له الشيطان، ووعده أن يعطيه أمنيته على أن يكفر بالمسيح كتابة. فأجاب طلبه فأتحد به الشيطان قلبًا وعقلًا. فلما علمت الشابة بإقراره، بكت على نفسها، وأسرعت إلى القديس باسيليوس وأعلمته بما جرى أن الشاب مشتاقًا أن يعود للإيمان فرشمه القديس بالصليب، وأبقاه عنده، ورسم له صلاة ليصليها مدة أربعين يومًا وفى نهاية المدة دعا القديس رهبانالدير، وكان يرشم الغلام بالصليب والجميع يصلون يا رب أرحم. واستمروا يصرخون يا رب أرحم حتى سقطت الورقة، وقرأها على الشعب وبارك الشاب، وناوله من الأسرار المقدسة وسلمه لزوجته.

ب) القديسة أوفيمية تطرد شيطانًا أتاها بزى ملاك.
ثابرت القديسة أوفيمية بعد وفاة زوجها، على الاهتمام بعمل الصدقات الكثيرة، في أعياد تذكار الملاك ميخائيل، ووالدة الإله، والميلاد المجيد في كل شهر. حسدها الشيطان، وأتاها في شكل راهب، وجعل يحدثها ويؤكد لها أنه مشفق عليها ثم أشار عليها أن تتزوج لترزق أولادًا وأن لا تعمل صدقات لئلا ينفذ مالها. فأجابته إنني قد قطعت عهدًا مع نفسي بأن لا ألتصق برجل بعد زوجي.. فتركها الشيطان غاضبًا.
ولما أتى عيد الملاك ميخائيل، وقد اهتمت بما يلزم كعادتها ظهر لها الشيطان في زى ملاك، وأعطاها السلام قائلًا: أنه الملاك ميخائيل أرسله الله إليها يأمرها أن تترك الصدقات وتتزوج برجل مؤمن فأجابته قائلة: إن كنت ملاك الله فأين الصليب علامة جنديتك؟ فلما سمع منها هذا الكلام، عاد إلى شكله الأول وتبخر مثل الدخان.

ج) القديس بلامون يطرد شيطان الشهوة.
ظهر الشيطان للقديس بلامون في شكل امرأة، وأخذ يغريه على الزواج ذاكرًا بعض رجال العهد القديم الذين كانوا متزوجين ومع ذلك كانوا أبرارًا. ولكن القديس عرفه أنه الشيطان فرسم على نفسه علامة الصليب، وصلى إلى الرب فتحول الشيطان إلى دخان وغاب.

د) الأنبا أغاثو العمودي يطرد شياطين ظهروا بزى قديسين.
ظهرت الشياطين للأنبا أغاثو العمودي في زى ملائكة، يرتلون ترتيلًا حسنًا ويعطونه الطوبى. فعرف مكرهم بقوة السيد المسيح، وصلب عليهم فانصرفوا مهزومين.

ه) القديسة مارينا تربط الشيطان بعلامة الصليب المجيد
بعد ما عذب الوالي مارينا بعذابات قاسية، ظهر لها الشيطان وقال لها: "يا مارينا لو أطعت الوالي كان أصلح لك، فإنه رجل قاسى ويريد أن يمحوا اسمك من على الأرض". فعرفت أنه شيطان. وفى الحال أمسكته من شعر رأسه، وأخذت مرزبة من حديد وبدأت تضربه وتقول له "كف عنى يا شيطان" ثم ربطته بعلامة الصليب المجيد أن لا يبرح من أمامها حتى يعرفها جميع ما يعمله بالبشريين وبعدما عرَّفها طردته القديسة. ولما رآها الوالي تعجب كثيرًا.
إن الشياطين ترتعب من منظر الصليب، وحتى من مجرد رشمه باليد، لأن السيد المسيح له المجد انتصر على الشيطان وكل قواته على الصليب، وجردهم فصارت علامة الصليب تذكيرًا لهم بالفضيحة.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:49 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب على مقاومة الوحوش



https://st-takla.org/Pix/People-Chris...-The-Cross.jpg
القديس برسوم العريان يحول ثعبانًا هائلًا عن طبعه.
حبس القديس برسوم العريان نفسه في مغارة داخل كنيسة القديس مرقوريوس أبى سيفين - مدة عشرين سنة، ملازمًا الأصوام، والصلوات، ليل نهار بلا فتور. وكان في تلك المغارة ثعبان هائل. فعند دخوله رأى هذا الثعبان فصرخ قائلًا: "يا ربي يسوع المسيح ابن الله الحى. أنت الذي أعطيتنا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب، وكل قوات العدو. أنت الذي وهبت الشفاء لشعب إسرائيل الذين لدغتهم الحيات، عندما نظروا إلى تلك الحية النحاسية. فالآن انظر إليك يا من علقت على الصليب كي تعطيني قوة بها استطيع مقاومة هذا الوحش". ثم رسم ذاته بعلامة الصليب وتقدم نحو الثعبان قائلًا: تطأ الأفعى وتدوس الأسد والتنين. الرب نورى وخلاصي ممن أخاف. الرب ناصر حياتي ممن أجزع. ثم قال للثعبان "أيها المبارك قف مكانك" ورشم عليه علامة الصليب، وطلب من الله أن ينزع منه طبعه الوحشي. ولم ينته من صلاته حتى تحول الثعبان عن طبعه وصار أليفًا...

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:50 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب على المادة



أ) بالصليب تحول الماء المنتن إلى ماء حلو.
كانت الشعوب تحج إلى أورشليم للتبرك من الصليب المقدس، واتفق أن إنسانًا كان مسافرًا هو وجماعته مع الشعب إلى أورشليم يدعى اسحق السامري. هذا كان يبكت الناس، على تكبدهم المتاعب في الذهاب إلى أورشليم للسجود لخشبة.
وكان مع الشعب قسيس يسمى اوخيدس. وفيما هم سائرون في الطريق عطشوا، ولم يجدوا ماء فأتوا إلى بئر فوجدوا ماءها منتنًا مرًا. فضاق جمهور الشعب جدًا. وابتدأ اسحق السامري يستهزئ بهم، ويقول: إن أنا شاهدت قوة باسم الصليب آمنت بالمسيح، فغار القس أوخيدس غيرة إلهية وصلى على الماء المنتن ورسمه بعلامة الصليب فصار حلوًا وشرب منه كل الشعب ودوابه.

https://st-takla.org/Pix/Saints/03-Co...Demiana-05.jpg
أما اسحق فانه لما تناول وعاء ليشرب، وجده منتنًا مُدَوِّدًا: فأتى إلى القديس أوخيدس وخر عند قدميه وآمن بالسيد المسيح وشرب من الماء فكان حلوًا في فمه وصارت في ماء هذه البئر قوة أن يكون حلوًا للمؤمنين، ومرًا لغيرهم. كما ظهر فيه صليب من نور وبنوا عليه كنيسة. لئلا يظن الناس أن قوة الشفاء كائنة في الخشب أو الذهب المصنوع منه الصليب، أو في مجرد لفظ الاسم فقط، صارت قوته وفاعليته متوقفة ومحدودة على الذين يؤمنون به فقط.

ب) الصليب يطرد ماء البحر المالح بعدما أغرق شمال الدلتا.
قال الأنبا يؤانس في ميمره، أن كنيسة القديسة دميانة في الجيل الثامن خربت بيد أحد حكام العرب وبنى مكانها قصرًا لإقامته. طغت بعد ذلك مياه البحر على هذه المنطقة، بسبب قطع الجسر الحاجز لمياه البحر، وصل الخبر للملك حسان بن عتاهية بأن بلادًا كثيرة خربت. أحضر البطريرك وألزمه برد كل شيء لأصله بقوة إيمانه. أعان الله هذا البطريرك بمعاونة أحد قديسيه المعروف بـ"التفاحي" على هذه التجربة. فأقاموا صلاة القداس في بيعة سمنود المسماة صهيون، بحضور الملك. وخرج البطريرك رافعًا الصليب بيده، والشعب يصلى كيرياليسون والتفاحي خلفه. وللوقت هرب الماء قدام الناس تجاه البحر والأب البطريرك وخلفه الرجل التفاحي والكهنة والشعب والملك وعسكره إلى أن آتوا إلى الدميرتين، والماء هاربًا أمامهم، ووصلوا إلى الزعفرانة فضربوا الخيام للملك بجوار القصر المهدوم الذي تحته جسد القديسة دميانة وبقية الشهداء، والماء يجرى أمامهم مثل جرى السحاب أمام الريح الشديدة... أمر الملك بإعادة بناء بيعة القديسة دميانة.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:51 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب على الطبيعة والمرض



https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...-02-Wooden.jpg
الصليب يشفى مريضًا ويجعل الجو صحوًا.
القديسة ثاؤغنسطا اختطفها رسل من قبل ملك الهند، وانطلقوا بها إلى بلادهم وصارت رئيسة على حشم الملك ونسائه. واتفق أن ابن الملك مرض مرضًا شديدًا، فأخذته في حضنها وصلبت عليه بعلامة الصليب، فعوفي لوقته، فشاع خبرها في تلك البلاد.
واتفق أن الملك ذهب إلى الحرب فحل عليه قتام وضباب، ولمعرفته بعلامة الصليب التي تعملها ثاؤغنسطا، صلب على الريح فصار الجو صحوًا، وبعلامة الصليب غلب أعداءه ولما عاد من الحرب ركع عند قدمي القديسة طالبًا المعمودية المقدسة، هو ومن بتلك المدينة. فعرفتهم أنه ليس لها أن تعمد، فأرسل الملك اندريوس إلى قس كان يقطن بالمنطقة فعمدهم جميعًا.
إذا حلت قوة المسيح في مكان ما، تستطيع أن تدعو الأشياء غير الموجودة إلى الوجود، أي تخلقها من العدم خلقًا.
فقد أعطى اسم المسيح لمعقد باب هيكل الجميل نعمة الشفاء. وباسم المسيح وقوة صليبه، استطاع المؤمنون أن يهبوا الصحة والشفاء للمرضى بإشارة الصليب المحيي.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:52 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب على إطفاء النار



https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...c-Cross-02.gif
ا) الصليب يطفئ نار الآتون :
كان سافورا ملك الفرس يعبد النار والشمس، وكان يعذب المؤمنين كثيرًا. فلما علم أن طاطس مسيحي، أمر أن يُعد له آتون نار ويطرح فيه. صلب القديس طاطس على النار فانطفأت، فتعجب كوبتلاس ابن الملك وصديق طاطس، وقال له كيف تعلمت هذا السحر؟ فأجابه ليس هذا من السحر، بل من الإيمان بالمسيح، فقال له هل أستطيع أن أفعل هكذا؟ أجابه بالإيمان تفعل أكثر من هذا.. فآمن كوبتلاس بالسيد المسيح، ثم تقدم إلى النار وصلب عليها، فانثنت راجعة خمس عشر ذراعًا فأرسل الوالي إلى الملك يبلغه ذلك الأمر. فأمر بقطع رأس طاطس، وتقطيع ابنه ثلاث قطع، ورميه على الجبال لتأكله طيور السماء فنالا أكاليل الشهادة.

ب) الصليب يحول نار الآتون إلى ندى بارد.
يذكر تاريخ الكنيسة في قصة استشهاد العذارى القديسات بيستس وهلبيس وأغابي وأمهن صوفية، أن الصغيرة أغابي وكان سنها تسع سنوات خافت أمها عليها بأن تجذع من التعذيب. فكانت تقويها وتصبرها.
فلما أمر الملك أن تعصر بالهمبازين. استغاثت بالسيد المسيح فأرسل ملاكه وكسر الهمبازين. فأمر الملك أن تطرح في النار فصلت ورسمت وجهها بعلامة الصليب وانطرحت فيها فأبصر الحاضرون ثلاثة رجال بثياب بيضاء محيطين بها، والأتون كالندى البارد فتعجبوا، وآمن كثيرون بالسيد المسيح فأمر بقطع رؤوسهم.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:53 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب على شفاء المرضى



https://st-takla.org/Pix/Cross/www-St...ilae-Egypt.jpg
القديس جاؤرجيوس يشفى أعمى وأصم وأخرس.
قدمت امرأة ابنها إلى القديس جاؤرجيوس وكان أعمى، وأصم، وأخرس. فصلى إلى السيد المسيح، ورسم الطفل بعلامة الصليب، فشفى من جميع أمراضه.
أننا كمؤمنين نرى في كل إنسان أيًا كان... ذلك الأخ الذي مات المسيح لأجله، لذلك يصبح كل إنسان في نظرنا ذا قيمة لا تقدر، قيمة الدم الذي سفك من أجله.
لذلك جاهد القديسون بالصلاة والطلبة من أجل شفاء الآخرين، طالبين في صلواتهم قوة الصليب المحيي، الذي هو علامة ابن الإنسان ورسم تجسده وآلامه من أجل خلاصنا.

Mary Naeem 12 - 04 - 2014 04:54 PM

رد: كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية - الأنبا ياكوبوس
 
قوة الصليب على الموت والحياة



أ) بالصليب أعاد القديس الراهب أباهور الحياة إلى طفل ميت.
القديس أباهور الراهب الناسك، ذهب إلى الإسكندرية، بعد انفراده في البرية، وكان يسقى الماء للمسجونين والمنقطعين وحدث أن خيولًا كانت تركض وسط المدينة، فصدم أحدها طفلًا ومات لوقته. وكان القديس أباهور واقفًا في المكان الذي مات فيه الطفل، فدخل الشيطان في أناس كانوا حاضرين، وجعلهم يصرخون قائلين: "إن القاتل لهذا الطفل هو الشيخ الراهب". فتجمهر عليه عدد عظيم من المارة وكانوا يهزأون به. ولكن القديس أباهور لم يضطرب، وتقدم وأخذ الطفل واحتضنه، وهو يصلى إلى السيد المسيح في قلبه. ثم رشم عليه علامة الصليب المجيد فرجعت إليه الحياة وأعطاه لأبويه فتعجب الحاضرون ومجدوا الله.
ب) بالصليب أعاد القديس يوحنا الرسول الحياة لابن وحيد لأمه.
مضى القديس يوحنا الرسول إلى مدينة افسس، ونادى فيها بكلمة الخلاص. فلم يقبل أهلها تبشيره في أول الأمر، إلى أن حدث ذات يوم أن سقط ابن وحيد لأمه في مستوقد حمام كانت تديره. فأسرعوا لإخراجه، ولكنه قد مات. فعلا الصراخ من والدته فتقدم الرسول من الميت، وصلى إلى الله بحرارة ورشمه بعلامة الصليب ونفخ في وجهه، فعادت إليه الحياة للوقت فابتهجت أمه..
ومن تلك اللحظة أخذ أهل المدينة يأتون إليه ليسمعوا تعاليمه.
ج) بقوة الصليب أعاد القديس الأنبا يعقوب الحياة لطفل.
القديس العظيم الأنبا يعقوب بابا الإسكندرية الخمسون وهبه الله قدرة على عمل الآيات من ذلك أن أرخنًا شهيرًا اسمه مقاريوس من نبروه كان قد طعن في السن ولم يرزق نسلًا وبعد زمن أعطاه الله ولدًا، فصنع وليمة، ودعا إليها هذا القديس فحدث أثناء الوليمة أن مات الطفل فلم يضطرب والده، بل حمله بإيمان ووضعه أمام البابا واثقًا أن الله يسمع لصفيه ويعيد نفس الطفل إليه. فأخذ البابا الطفل الميت ورشمه بعلامة الصليب على جبهته وصدره، وقلبه وهو يصلى قائلًا: يا سيدي يسوع المسيح الواهب الحياة. أقم بقدرتك هذا الميت حيًا لأبيه ثم نفخ في وجهه فعادت نفس الطفل إليه، فدفعه إلى أبيه.
الصليب هو قوة المسيح للخلاص من الموت، فحينما نرسم علامة الصليب بإيمان نكون قد اعترفنا وآمنا بموت المسيح وقيامته ويكون عملنا بمثابة رؤية حقيقية بالإيمان المقدس لقوة يسوع المصلوب على عود الصليب، وثقة بانتصار المسيح القائم من الأموات على الموت، إذ بموته داس الموت وكسر شوكته وأبطل سلطانه، ووهب الحياة للذين يؤمنون به.


الساعة الآن 12:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025