منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=271151)

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 03:53 PM

كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟
الأنبا مكاريوس الأسقف العام
مقدمة

شهدت السنوات الأخيرة إقبالًا منقطع النظير -من الشباب طالبي الرهبنة- لم تشهد الكنيسة القبطية مثله منذ قرون طويلة، وبالرغم من أن الأديرة القبطية الآن ليست مهيأة لاستقبال كل هذه الأعداد الراغبة في الالتحاق بها، فإنها آخذه في التوسع لاستيعابها، ويتقدم للدير (هنا في البرموس مثلًا) كل عام من راغبي الرهبنة ما يصل إلى مئة شخص يختار منهم في الغالب خمسة أو أقل، والسبب في ذلك بالطبع ليس مسألة عرض وطلب على غرار ما يحدث في الأسواق والبورصات، ولكن الدير -أي دير- يخشى ما يسمى نزوات عاطفة روحية (مراهقة روحية)عند البعض أو تأثر وقتي أو دوافع خاطئة وما إلى ذلك،مما يدفع الدير إلى مزيد من التدقيق والتأني، ولأن القرار في مثل هذه الحالة هو قرار مشترك مابين الشخص المتقدم للرهبنة والدير، فإنه لا يكفى أن يحسم الشخص الأمر على مستواه فقط وإنما يجيء دور الدير في دراسة الطلب، وإذا كان من الصعب أن يقبل الدير كل هذه الأعداد -كما سبق- فإنه يختار أفضل -أو بمعنى أدق- أنسب مَنْ يصلحون.
والحق يقال أن الأمر ليست له معايير محددة، فإن القائمين على الأديرة يسلكون ويقررون بحسب رؤيتهم، مع ما يسند هذه الرؤية من صلوات تقام لأجل هذه الأمر، وهكذا فإن العامل البشرى يعمل كمؤثر حيوي في مثل هذه الأمور، ومن هنا فاحتمالات الخطأ والصواب هي واردة بطبيعة الحال.
أما بالنسبة للمتقدم للرهبنة، فإن وجود المدبر في الدير وهدوء المكان، هما في الواقع عاملان أساسيان عند اختيار الدير، ولكن الأمر يتوقف إلى حد كبير على الشخص نفسه ومدى جديته، فهو يستطيع أن يحيا في أي مكان وأية ظروف.. إن الدير يحتضن جهاد الشخص، وفي الدير تتوافر إمكانيات الخلاص والنمو في الفضيلة والحياة النسكية.
والصفحات القادمة تعرض للأسباب وراء اتجاه الكثير من الشبان والفتيات الآن إلى الأديرة إما طلبا للهرب من العالم، وإهداء الله أفضل ما يملكون من مشاعر وعواطف، رغبة منهم في الالتصاق به والاستمتاع به في ظل حياة هادئة بعيدة عن صخب العالم وشروره "هناك أعطيك حبي" (تش 7: 12) أو بدوافع خاطئة تعود عليهم وعلى الرهبنة كافة بالمتاعب.
وإذ أرجو أن يلقى ذلك بعض الضوء على القضية، فإن ذلك قد يعين الشباب الذين تراودهم فكرة الرهبنة. بصلوات قداسة البابا شنودة الثالث باعث النهضتين الديرية والرهبانية، وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الحبر الجليل الأنبا إيسوزورس، والذي تفضل بمراجعة الكتاب، مفسحا المجال لحرية التعبير.
المؤلف
دير البرموس / الصوم الكبير 2001 م.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 03:54 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الحركة الرهبانية بين الماضي والحاضر

تضم الكنيسة القبطية الآن ما يقرب من ألف وخمس مئة راهب وراهبة بما في ذلك الرهبان والراهبات الذين يعيشون في أديرة (عامرة رهبانيًا) خارج مصر مثل أمريكا وإيطاليا والسودان، ويمثل هذه العدد نسبة واحد إلى عشرة آلاف (1: 10000) إذا قيس بعدد المسيحيين في مصر والذي يربو الآن على أثنى عشر مليون مسيحي، وهو عدد متواضع بالنسبة لكنيستنا القبطية والتي نشأت وعنها أخذت بقية التجمعات المسيحية في العالم بدءا بإنطاكيا (سورية) ونهاية ببعض الرهبنات التي ظهرت بين الجماعات المسيحية غير الأرثوذكسية والكاثوليكية (عرف النظام الرهباني الطريق إلى خارج مصر، أولا عن طريق ق. أثناسيوس الرسولي، عندما كان منفيا في أوروبا، ثم ق. أمبروسيوس في إيطاليا، ثم ق. روفنوس وق. يوحنا كاسيان (وقد انتظمت أخيرا هناك على يد القديس بندكت) وشمال أفريقيا عن طريق ق. أغسطينوس، وفي أديرة أثوس باليونان عن طريق ق. باسيليوس الكبير، وفي فلسطين من خلال ق. هيلاريون، وفي العراق عن طريق ق. أوجين المصري، ومن العراق امتدت إلى سوريا وأرمينيا وفارس (الرهبنة الديرية في مصر /د. رءوف حبيب)، فقد شهدت منطقة الإسقيط ونتريا والقلالي مابين القرنين الرابع والسادس الميلادي، تجمعات رهبانية وصلت أعداد الرهبان فيها إلى مئات الألوف، إضافة إلى أديرة الأنبا باخوميوس في صعيد مصر والتي كانت أشبه ما يكون بالمدن الرهبانية، حيث وصل عدد الرهبان في أغلبها إلى عشرة آلاف راهب في الدير الواحد.
وبحسب ما ورد في كتاب فتح العرب لمصر لمؤلفه ألفريد بتلر، فإن عدد الرهبان الذين خرجوا للقاء عمرو بن العاص عند فتح العرب لمصر وصل إلى سبعين ألف راهب يحمل كل منهم عصاه (نقلا عن المقريزي والذي نقل الخبر بدوره عن بعض المؤرخين الأقباط – راجع ألفريد بتلر / فتح العرب لمصر ص 455 مكتبة مدبولي /الطبعة الثانية 1996 م.), بينما يرى البعض أن الذين تقابلوا معه كانوا مندوبين عن سبعين ألفا من الرهبان، وقد كتب لهم كتاب أمان ووهبهم جراية وجه بحري.
هذا في القديم أما حديثا فقد ظهر ثمانية عشر ألف راهب وراهبة في الاتحاد السوفيتي عقب قيام حركة (البروسترويكا) بقيادة الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، ما لبث أن ارتفع إلى مئة وخمس وثمانين ألفا من الرهبان والراهبات في عام 1997 م أي ارتفع العدد إلى عشرة أضعاف خلال عشر سنوات فقط (وإحصائية أخرى تفيد بوصول العدد سنة 2000 إلى 265 ألف راهب وراهبة).
وبدأ عدد الرهبان في الهبوط منذ غزو الفرس وهدم الأديرة وسوء الأحوال في البلاد بسبب الاضطرابات السياسية حتى تخرب أكثر الأديرة وهجرها سكانها باستثناء ما يقارب عدد الأصابع، ثم تحسنت الأحوال قليلًا خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر ثم ما لبثت أن منيت الرهبنة بنكسة حتى وصل عدد الرهبان في العصور المظلمة مابين القرنين الرابع عشر والثامن عشر إلى عدة عشرات في كل الكنيسة، ثم عادت الحياة لتدب من جديد منذ أيام البابا كيرلس الرابع أبى الإصلاح (قد لا يكون البابا كيرلس الرابع قد قام بإصلاحات مباشرة للرهبنة ولكنه اهتم بالإصلاح في الكنيسة يشكل عام وبالتالي فقد شمل هذا الإصلاح الرهبنة بشكل أو بآخر)، حتى وصل عددهم في بداية هذا القرن حوالي مئة وخمسين راهبا في منطقة وادي النطرون (بحسب جداول الأمير عمر طوسون) ثم شهدت الرهبنة القبطية أخيرا نهضة كبيرة في أيام المتنيح البابا كيرلس السادس وازدهرت في أيام قداسة البابا شنودة، والذي ما يزال يغلب عليه الطابع الرهباني سواء في تعليمه أو سلوكه بالرغم من خروجه إلى العمل الرعائي منذ ما يزيد على الأربعين عاما منذ ترك قلايته بالدير طاعة للكنيسة في الاتجاه إلى الرعاية.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 03:55 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
فكرة الرهبنة وكيف نشأت بين الشباب المسيحي

تبدأ الفكرة عندما يرغب شخص ما معنى بخلاصه بالبحث عن طريقة مثلى يخلص من خلالها، فهو يعتبر أن خلاص نفسه (شخصيًا) هو القضية الأهم والأخطر في حياته، من أجلها يضحى بكل شيء وفي سبيلها يقدم على أي قرار، ويرى أنه لن يتسنى له ذلك إلا من خلال حياة هادئة بعيدا عن العالم، ومن ثم يقرر الشاب أن يحيا حياة إنجيلية مثالية، وإذ يتعذر عليه (هو) إتمام ذلك وهو بين الآخرين في العالم فهو يتجه من ثم نحو أطراف المدن (قبل أن تكون هناك جماعات رهبانية) حيث يصنع له كوخا من الخوص يحيا فيه في هدوء وتأمل يلتمس المنفعة من الإنجيل ثم ممن يتقابل معه من الأشخاص الروحيين المختبرين، هذه من جهة ومن جهة أخرى فإنه يعمل كذلك لينفق على نفسه ثم على المحتاجين حتى يتسنى له بذلك إتمام وصية محبة القريب بجانب محبة الله (أروع تسجيد للمحبة هو الصليب، والصليب له بعدان رأسي وأفقي، هكذا المحبة فالبعد الرأسي فيها يمثل محبتنا لله وأما الأفقي فهو محبتنا لمن حولنا من الناس) ولذلك فقد كان عمل اليد ركنا أساسيا في تدابير الراهب منذ البداية.

كما أن الرهبنة هي شهادة للمسيح بين المسيحيين، لأن الراهب يعطى ذاته مثالًا سليمًا للمسيح من خلال جهاده وتشبهه بسيده، وبالتالي فهو مقياس للناس، تدينون أسباط إسرائيل الاثنيّ عشر (مت 19: 28) أو بمعنى آخر فإن الراهب هو شخص مسيحي، يحاول أن يذهب بمسيحيته إلى حدودها القصوى (لقد كان شعار مؤتمر الرهبنة الأرثوذكسية المنعقد بدير الأنبا بيشوي ببرية شهيت، خلال الفترة من 30 / 4 إلى 4/ 5 / 1979 م هو مكان الحياة الرهبانية في الشهادة للمسيح، وقد اشتركت في هذا المؤتمر كنائس القسطنطينية واليونان وروسيا وأنطاكية وأمريكا ورومانيا وبلغاريا وقبرص وفنلندا وأراجواى وإثيوبيا وأرمينيا وانتيلياس والهند وجورجيا والكنيسة القبطية (راجع مجلة الكرازة / عدد 18 بتاريخ 4/ 5/ 1979 م) أو يحاول بمعنى آخر أن يصل إلى ملئ قياس قامة المسيح.. أن يحقق الكمال الذي رسمه لنا الرب يسوع (أسعى لعلى أدرك الذي لأجله أدركني المسيح..)
وهكذا وبعدما أصبح الاستشهاد شهوة كل إنسان تقي يعرف يسوع المسيح، توقف الاستشهاد بينما ما تزال الحمية الروحية قائمة بين المسيحيين ومن ثم ظهرت الرهبنة كبديل، وهكذا جاءت الرهبنة وليدة لبذرة الاستشهاد، والذي هو قمة الحب الإلهي للمحبوب يسوع المسيح، وكما يسجل لنا التاريخ أنه ومنذ استشهاد القديس مرقس الإنجيلي في العصر المسيحي الأول، حتى اشتعلت نار الحب في القلوب لتقديم الحياة كلها بالكامل لله، فلما توقف الاستشهاد ظهرت الحياة النسكية (أي الرهبنة) عندما تصل إلى آخر درجة لها، هي استشهاد يومي بدون سفك دم، وهذا ما كان آباء الرهبنة يريدون أن يقدمونه في بداية خوضهم في هذا الطريق.
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه عن القديس انطونيوس، أنه لما حل الاضطهاد بالكنيسة في عهد مكسيميانوس (303-311 م.) ترك القديس أنطونيوس مغارته ودخل إلى مدينة الإسكندرية، آملا أن ينال إكليل الشهادة، ولكن الله لم يشأ له ذلك بل أبقاه لرسالة أخرى، لا تقل كثيرا عن الاستشهاد، ولكنه راح يشجع المقبلين على الاستشهاد حتى أن الحاكم عندما رأى جسارته أمر بألا يظهر راهب في المدينة، ولكن القديس لم يبال بذلك حتى أنه غسل ثيابه ووقف في اليوم التالي في مكان مرتفع أمام الرؤساء، ورآه الوالي في ثيابه الحسنة شجاعا.. وكان يصلى لكي يكون هو شهيدا ولذلك فقد كان يبدو عليه الحزن بسبب عدم نواله هذا الإكليل، ولكن الله أبقاه لمنفعة الكثيرين في الطريق النسكية، ولما انقضى زمن الاضطهاد عاد أدراجه إلى المغارة يجاهد بأشد صرامة.. (سيرة القديس أنطونيوس بقلم القديس أثناسيوس الرسولي / جمعية الأصدقاء المركزية ص 65، 66.)
ونقرأ في الكتابات الرهبانية الأولى كيف أن الراهب كان يحيا على أطراف القرى وبجوار الأنهار والترع، يعمل في صناعة القفف والسلال ثم يدفعها (يسلمها) إلى الجمالين (البدو الرحل) حتى يبيعونها له ويشترون له ما يحتاج إليه من خبز وبقول وخضروات، ثم يتصدقون له بالباقي على المساكين، وبين آن آخر كان يتردد (أي الراهب) على الكنائس القريبة للتقرب من الأسرار الإلهية، حيث كان مألوفا لدى عامة الشعب أن يروا راهبا أو بعض الرهبان عند التناول، وبذلك كان الراهب يمارس حياة الشركة والجسد الواحد مع الكنيسة (ويرد في كتاب الرهبنة الديرية في مصر للدكتور رءوف حبيب: أن رهبان القديس آمون كسبوا معيشتهم من استخراج النطرون وبيعه للقوافل، كما عمل الرهبان في الإسقيط في الأفران واشتغل البعض منهم في الغزل ونسيج الكتان اللازم لصناعة ملابسهم ومنهم من عمل اسكافيا، وأصبح لزامًا على الرهبان أن يحملوا عمل أياديهم أسبوعيا إلى رؤسائهم، كما كانوا يخرجون جماعات في مواسم الحصاد في اقليمي برفا وغرب الدلتا، وكانت أجرتهم قمحا يوضع في مخازن الدير، كما كانت الأديرة تتصدق بالطعام والأقمشة التي تنسجها على فقراء البلاد القريبة منهم، كما أرسلوا سنويا سفنا إلى الإسكندرية مشحونة بالقمح تتوزع على المسيحيين السجناء والغرباء كذلك، ويقرر روفينوس أنه في النصف الثاني من القرن الرابع انتعشت الأديرة حتى أصبحت الجماعات الرهبانية تعطى الكنيسة بسخاء، وبالجملة فقد كان هناك اكتفاء ذاتي بحيث لا تزيد مصروفات الجماعة على إيراداتها، مع الحرص بدقة في الوقت ذاته على تخصيص جزء من هذه الإيرادات للتصدق على الفقراء ص 89-93).
كان ذلك قبل أن تتحول هذه الحالات الفردية إلى جماعات رهبانية تحت إمرة وإرشاد أب كبير مختبر مثلما حدث مع القديس أنطونيوس إذ دخل البرية الجوانية عقب انتهار إحدى الفتيات له بسبب سكناه بالقرب من العالم، هناك تجمع حول القديس شبان كثيرون فبنى لهم كنيسة حيث صار ذلك نواة لأول جماعة رهبانية مسيحية عرفها التاريخ وذلك في سنة 305 م.
ولعل أول راهب عرفه التاريخ هو إيليا النبي الذي عاش في جبل الكرمل قبل الميلاد بسبعة قرون ومن بعده يوحنا المعمدان، ويرى الرهبان الكرمليون (جماعة رهبانية عاشت في جبل الكرمل) أن رهبنتهم هي الأقدم من نوعها في الكنيسة، لأنها تنتمي إلى إيليا النبي (رهبنة الكرمل / مطبوعات رسالة القديسة تريزا ليسوع الطفل – شبرا / ص 11.)
وعاش الآباء مجاهدين من أجل الوصية ويقول البابا أثناسيوس الرسولي في كتاب عن القديس أنطونيوس أن الرهبنة هي جهاد ضد قوى الشر في سبيل تحقيق الوصية، إذا فقد كانت فكرة الرهبنة هي تقديم حياة مثالية حسبما رسم الرب يسوع المسيح، ويرى بعض الآباء أن الرهبنة تحولت في بعض الأوقات – وفق مفاهيم خاصة متطرفة – إلى ما يمكن أن يطلق عليه تطرفات نسكية، بمعنى أن يتخذ شخص ما من الصمت هدفا وحيدا فيمعن فيه ويوقف كل إمكانياته الذهنية والروحية على هذا الهدف، ويجرى آخر بالنسك الشديد تجاه الطعام في اتجاه آخر ويتبارى فيه مع آخرين، وثالث في البعد عن العالم وهكذا رابع في إتعاب جسده – الخ، الرهبنة، وحقيقي أن الرهبنة هي حياة مُغايرة ودعوة لها خصوصيتها، ونمط غير تقليدي، إلا أنها أيضا حياة إنجيلية بالدرجة الأولى يحيا فيها الراهب بموجب الوصية مستخدما في ذلك الوسائط التي تركها له الشيوخ الذين سبقوا فاختبروا تلك الحياة وعرفوا دروبها وذاقوا طعم ثمارها وتجاربها وأمجادها حتى ليقال أنها مهنة (صنعة) مثل كل المهن التي لها أسرارها وخبرتها وشيوخها (شيوخ المهنة).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 03:56 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس

أما بالنسبة لما ورد في بستان الرهبان من جهادات عنيفة للآباء فإن بستان الرهبان هو تجميع لمقتطفات ومشاهد من حياة الآباء عبر ثلاثة قرون، والجزء الأكبر منه ينسب لبلاديوس الأسقف (ولد الأسقف بلاديوس في غلاطية سنة 364 م. وترهب في العشرين في جبل الزيتون على يد الأب اينوسنت Innocent، زار الإسقيط بعد 4 سنوات وتعرف على إيسيذورس (77 سنة) وديديموس (80 سنة) فعاش معهما، طاف بأديرة الإسكندرية لمدة ثلاث سنوات، تقابل مع ألفى راهب ثم قضى عشر سنوات في الإسقيط ومن ثم توجه إلى صعيد مصر حيث تقابل مع العديد من النساك هناك وزار أديرة الأنبا باخوميوس وقد وجد هناك في مدينة واحدة اثنيّ عشر ديرا للراهبات. هذا وقد قام العالم بتلر BUTLER بتحقيق هذا الكتاب سنة 1898 م. وذلك بتكليف من جامعة كامبريدج (الرهبنة الديرية في مصر – د. رءوف حبيب ص 94-99). Palladuis والذي كتبه تلبية لرغبة لوساس Lausas وهو من كبار حاشية الإمبراطور ثيئودوسيوس الثاني في القسطنطينية، وقد عاش بلاديوس مابين أديرة الإسكندرية ووادي النطرون ما يزيد على ثلاث عشرة سنة تقابل خلالها مع ألفين من الآباء النساك ونقل ما لاحظه وما سمعه من كل ما هو عجيب وملفت إلى مذكرات خاصة أرسلها إلى صديقه الحميم لوساس، حيث ظل هذا التراث النفيس يعرف باسم التاريخ اللوزاكى (نسبة إلى لوساس) لمدة طويلة.

ولربما يظن أن هذا هو الهدف من الرهبنة، ولكن الهدف من الرهبنة هو العمل على تهذيب الحواس والأفكار والجسد دون الجنوح (عمد بعض الآباء إلى فقأ عيونهم أو إتلاف أحد أعضائهم بدافع الفضيلة وتعتبرهم الكنيسة قديسين بالنظر إلى الدافع الذي حملهم على ذلك، غر أنها لا تنصح أحدا بأتباع ذات المنهج، بل تنصح بالضبط لا بالقمع).
غير أنه يجب الإشارة هنا إلى أن التطرف قد جاء نتيجة الخطأ في التنفيذ والسلوك وليس في المعنى الروحي السليم الذي ينتج عن ممارسة صحيحة، ففي الصمت مثلا يسعى المجاهد إلى تحقيق هدفين، أولهما تحاشى العثرات الكلامية وثانيهما تفريغ وتكريس النفس بالقدر الكافي ليكون الحديث مع الله متصلا من خلال التسابيح والصلوات والتأمل، وفي هذا عدم توقيف للقدرات الذهنية، كذلك في النسك أيضا يبغى الإنسان أن يتحول إلى إنسان روحاني، حيث يقول الكتاب أن الروح تشتهى ضد الجسد والجسد يشتهى ضد الروح، كما أن الاهتمام الدائم بالجسد وحده هو ما ينطبق عليه القول الإنجيلي أن اهتمام الجسد هو عداوة لله وموت (رومية 8: 7).
وقد عرفت الرهبنة نظام الشركة كبديل لنظام الوحدة المطلق بسبب التطرفات النسكية المنتشرة، حيث يجد الشخص الجديد حيرة في أيهما يختار من سبيل بين مدارس نسكية متنوعة، كما أن نظام الشركة فد رتب كتخفيف لنظام الوحدة، فإن الوحدة في زمن لاحق لظهور الرهبنة كانت تسبقها حياة الشركة بحيث متى نجح الراهب فيها سمح له بالتكميل في الوحدة حيث يصل من خلالها إلى قامات روحية عالية حتى السياحة، من هذا فإن الشركة الرهبانية تقوم على ركيزتين أساسيتين هما الأب وقانون.
ومن الهام جدا أن ندرك أن بستان الرهبان ليس كتابا منهجيا وليس دستور حياة، سواء بالنسبة لشاب يحيا في العالم أو حتى لراهب يحيا في الحياة النسكية، وليس من المستحسن أن يطبق شخص ما، ما يقرأه أو يعجب به في بستان الرهبان (أو الكتب النسكية الأخرى) من تلقاء نفسه وإنما يفضل الانتفاع به من خلال المرشد الروحي (المرشد الروحي هو في الواقع شخص يخضع لسلطان الروح القدس، يأخذ منه ليعطى أولاده (يقول القديس أغسطينوس أن يوحنا الإنجيلي في رؤياه في بطمس أخذ من الرب أرغفة لأجل عشائنا) والمرشد بذلك لا يعتمد على الجهد العقلي أو الحكمة النفسانية، كذلك يجب أن يكون بمثابة الطبيب الروحاني والذي يعرف كيف يصف الدواء المناسب والكمية والتدرج في العلاج وما إلى ذلك)فإن جميع ما دون فيه قد كتب (أو قيل) لأشخاص ذوى ظروف معينة في أوقات معينة، وبالتالي فهو لا يصلح لكل شخص في كل الظروف والأوقات، مثل أن يهرب شاب من منزله ليحيا في الصحراء أو يبيت آخر على باب الدير لعدة أيام، أو أن يتخذ أحد الأشخاص قرارا من تلقاء ذاته بتقليد أب ما بأن يحذو حذوه دون تدبير، حيث أن الخطورة تكمن هنا في تلاهى الشياطين به إن هو تصرف من تلقاء نفسه، وقد يحبط إذا لم يستطع المواصلة وبالتالي فلن يقتنع بالقليل الذي كان يقدمه فتكون النتيجة ألا يفعل هذا ولا ذاك (تقابلت ذات مرة مع شاب في المرحلة الثانوية، وكان يضع في فمه حصاة (زلطة) فإذا ما أراد التحدث إلى آخر سحبها من فمه ثم راح يثرثر لمدة طويلة فإذا ما كف عن الكلام أعادها ثانية إلى فمه، في حين كان يجب أن يدرك أن فاعليتها تكمن في تذكيره بضرورة الصمت (متى أراد الكلام) فيمسك عن الكلام، ويبدو أنه أراد بذلك أن يقلد القديس أرسانيوس، ولكنه من غير المقبول أن يبدأ شخص ما من حيث انتهى القديسون بل عليه أن يتدرب قليلا قليلا فالنمو الطبيعي أكثر ضمانًا من الطفرات والحماسة الوقتية) ومع ذلك فإن كتاب بستان الرهبان يعكس في الحقيقة الحياة الرهبانية في القرون من الرابع إلى السادس الميلادي، بكل ما فيها من جهاد شديد إلى فضائل وإلى معجزات، ولكن بلاديوس كان مثل من يقطف الثمار، غير أن هذه الثمار سبقها تفليح للأرض وتعب وسهر وجهاد ودموع وعرق مما يفوق الوصف، فقد كانت الجماعات الرهبانية آنذاك صورة صادقة ومفرحة من بين صور الكنيسة مثلها في ذلك مثل الاستشهاد ومثل عصر المجامع المسكونية والعصر الرسولي، ولعل شخص قد يسأل إن كانت الرهبنة حياة غير عادية؟

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 03:57 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
انتشار الإباحية وتفشي الانحلال الأخلاقي

وكأن التاريخ يعيد ذاته، إذ كان من بين الأسباب التي تدفع الشباب إلى الرهبنة وسكنى البراري في عصور الرهبنة المزدهرة، انتشار الفجور وتفشى الانحلال وسرعة انتشار الحضارة والتمدين بما يحمله معه من تجاوزات وما يرافقه من تشكيك في القيم الروحية والسلوكية والخلط بين مفهوم الفضيلة من جهة والضعف والانسحابية من جهة أخرى، ويرى الشاب نفسه وقد حوصر من جميع الجهات بالعثرات من خلال المشاهدات والسماعات غير العفيفة، وقد أصبحت أروقة الكليات والمكاتب الحكومية والشوارع والمرافق ووسائل النقل، بيئة غنية بالإسفاف، يسمع ويرى فيها ما لا يجب سماعه ولا يسوغ ترديده من أحاديث يندى لها الجبين.
وقد أسهم في ذلك بقدر فعال كل من شبكة المعلومات العالمية Internet وأطباق الإرسال الفضائية وغيرها، وفي الطريق الآن للانتشار ما يوازى حجم النوتة الإلكترونية Organizer يمكن الحصول من خلالها على الجديد في الانترنيت دون الحاجة إلى كمبيوتر، كذلك انتشار الفلسفات التي تفيد بأن البحث عن الفضيلة وضبط النفس والغرائز هو شكل من أشكال الجنوح والحرمان غير المبرر!!.
إزاء كل هذا يتوق الإنسان إلى حياة يرعى فيها عفته وبتولية ذهنه وحواسه، مكان تقنن فيه الفضيلة والبر.. مكان للقافلة فيه هدف واحد في مسيرتها وهو الملكوت ويقود هذه القافلة الرب يسوع وأما علامات الطريق فهي آثار الغنم التي تبعته من قبل، فلا يجد سوى الأديرة.. (إن كنت لا تعرفين أيتها الجميلة فاخرجي على آثار الغنم وارعى نش 1: 8)
والآباء الكهنة يعملون على مساعدة من يحيا في العالم لكي يسلك في بر وتقوى بينما يعينون الآخرين الذين يودون الالتحاق بالأديرة، ويرشدونهم حتى يسلمونهم إلى الطريق الرهباني ويسعدون في ذلك بأنه قد صار من أولادهم من سيتفرغون للصلاة عمن يحيون في العالم، فإذا ما وجد الكاهن ميلا لدى الشاب أو الفتاة تجاه الزواج، شجعه دون تردد حيث أنه الدرب الذي سلكه أكثر الناس، بينما يتأنى كثيرا أمام شخص يفكر في الرهبنة، فلا يشجعه أو يوافقه سريعا وإنما يختبره أولًا، وهكذا يعمل الكهنة على المستويين (ينقسم آباء الاعتراف تجاه فكر الرهبنة إلى ثلاثة أنواع، نوع يشجع ويحفز أولاده لولوج ذلك الطريق، وآخر يقاوم هذا الطريق، وأما الثالث فهو محايد يحاول تشجيع كل شخص بحسب مواهبه واكتشاف دعوته) وتجدر الملاحظة هنا أن السواد الأعظم من الكهنة الذين تمت سيامتهم في الثلاثين سنة الماضية تتلمذوا على الأديرة، ونسبة لا بأس بها منهم كانت لهم ميول رهبانية غير أنهم عدلوا عن ذلك وقبلوا دعوة الكهنوت وهم بذلك يجمعون بين المنهجين الرعائي والنسكي.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 03:59 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الرهبنة طريق استثنائي

الطريق التقليدي والطبيعي هو أن يتزوج الإنسان وينجب نسلًا "اثمروا وأكثروا واملأوا الأرض" (تك28:1) ويتربي هذا النسل حسنًا ويدرس جيدًا من ثم يتزوج ثم ينجب ويعد أولاده لدورة جديدة في الحياة وهكذا مثل ساقية تدور يدفعها هو إلي آخر ما تصل إليه يده ومن ثم يبدأ الابن في تسلم مكانه وهكذا، فيولد الإنسان في العالم يأكل ويشرب ويعمل ويلبس ويفرح.. يحيا بين الناس.. يجري عليه كل ما يجري عليهم ويصدر عنه جميع ما يصدر عنهم. ولكل إنسان دوره في الحياة والذي يختلف عن الآخر.
أما الراهب فقد اختار حياة مختلفة (ليست ضد ما هو طبيعي، بل سمو بما هو طبيعي) فهو يحيا وحيدًا في قلايته.. يترك أسرته وعمله وما كان يحيط به من كرامة أو مال أو كتعة ليبحث عن بدائل يطول أمدها ويستمر تأثيرها.. فيعمل في أي شيء ويرتدي ما يستر عريه فقط ويكتفي من الطعام بما يقوم بأوده، ويوجه عواطفه وطاقاته نحو الله من خلال العبادة والتسبيح ونحو الناس من خلال الصلاة لأجلهم (لقد سأل الأنبا بولا وكذلك القديس مرقس الترمقي عن أحوال العالم وهل يصوم الناس وهل يجترحون الآيات وهل انتهي الاضطهاد وساد الهدوء)..
إن حياة الراهب ليست منطقية (حسب الأعراف والتقاليد). فهي محاولة للعودة بالإنسان إلي ما قبل السقوط، حيث الإتحاد بالله وعندئذ يملك علي كافة مشاعره، فلا يحتاج الإنسان، المخلوق الاجتماعي، إلي معين نظيره، أي الحياة الاجتماعية.. لذا فالرهبنة طريق خاص جدًا..

ومن هنا يجب أن يكون اليقين في القرار مئة في المئة، بحيث لا يصنع الترجيح مع الفكرة أو التغليب أو الاستحسان، فإن مال شخص ما إلي الرهبنة بنسبة ثمانين في المئة فقط، فعليه ألا يغامر بالالتحاق بالرهبنة بل يجب أن يتأكد جيدًا أنه لا يرغب في حياة غير هذه، وهناك في هذا الصدد محوران، المحور الأول هو أن يدرس الشخص الأمر جيدًا: هل سترهب أم لا، وأما الحور الآخر فهو هل إذا لم يترهب سيتزوج أم لا، فإن عدم الرهبنة لا يعني الزواج بالضرورة كبديل، وبالتالي فإن عدم الزواج لا يعني الاتجاه للرهبنة.
"أريد أن تكونوا بلاهم. غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضي الرب وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته. إن بين الزوجة والعذراء فرقًا غير المتزوجة تهتم فيما للرب لتكون مقدسة جسدًا وروحًا. وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها.. وأما من أقام راسخًا في قلبه أن يحفظ عذراءه فحسنًا يفعل. إذا من زوج حسنًا يفعل ومن لا يزوج يفعل أحسن (1كو32-38).
ومن طريف ما يذكر أن الفرق بين الراهب والعلماني من جهة الزواج، هو أن الراهب تعفف عن ألف فتاة (هن عدد الفتيات المستعدات للزواج في بلدته مثلًا) بينما تعفف المتزوج عن ألف إلا واحدة!! فالفرق من جهة الزواج فقط لا يذكر! وعندما سئل شاب راهب لماذا لم يتزوج، قال: أنه يحب جميع الناس قي بلدته رجالًا ونساء فلم يستطيع اختيار أية فتاة ليتزوجها، وبطبيعة الحال فإنه لن يتزوج الجميع، ولذلك فقد أثر أن يترهب!! وقد يبدو الكلام لأول وهلة محض دعابة ولكنه يحمل في ثناياه فكرًا راقيًا وهو أن الرهبنة ليست مجرد امتناع عن الزواج، وكذلك أن الراهب هو شخص وهب كل محبته لله من جهة وللجسد المسيحي كله (الكنيسة) من جهة أخري.
ولكن معلمنا بولس الرسول يضع حدًا فاصلًا ما بين الزواج والبتولية (اكو7) فالعفة في الزواج ارتقاء وانضباط، أشار إليه معلمنا بولس الرسول قائلًا: لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون علي موافقة إلي حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضًا معًا لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم (اكو5:7) غير أن تلك العفة لا ترقي مطلقًا إلي العفة في البتولية والرهبنة، حيث يوصف الرهبان من هذا المنطلق بالملائكة الأرضيين.
يقول ماراسحق، قبل كل شيء ينبغي أن نعلم أن تدابير المسيحيين تنقسم إلي إفرازات كثيرة (طرق) وذلك لمعرفة سيدنا يعجز وضعف طبع بني البشر وكثرة اختلاف آراء النصارى فإنهم ليسوا جميعًا يريدون أو يستطيعون أن يسلكوا في طريق الكمال التعبة العسرة، لكي يدركوا بعمل الجسد وعرق النفس ذلك الشيء الذي من أجله أدركهم المسيح، اعني ان يحبوه بالكمال بعمل وصاياه المحيية حتى إلي الموت، مثلما أحبهم هو وأظهر حبه لهم بالفعل بكل تعب وتجربة احتملها من اجلهم حتى إلي موت الصليب المهين، فلهذا استعمل معهم الرحمة ووضع قدامهم طرقًا كثيرة وسبلًا مختلفة، لكي الذي ما يقدر أن يسير في الطريق التعبة لأجل صعوبتها، يسير في الأخرى لأجل سهولتها، حتى لا يخيب أحد النصارى من ميراث ملكوت السموات، التي أنعم بها عليهم بسفك دمه من أجلهم، لأن كل إنسان حسب محبته لسيدنا وبمقدار عمله لوصاياه، فكذلك تكون مكافأته وتنعمه، قال سيدنا، كثيرة هي المنازل في بيت أبي وكوكب أشرف من كوكب في المجد،1ه.
ولذلك يقول السيد المسيح للشاب الغني إن أردت أن تكون كاملًا اذهب وبع كل أملاكك وتعال اتبعني متي21:19.
ويجدر بالذكر هنا أن بعض الشباب عندما يفكرون في الرهبنة فهم إنما يفكرون في حياة نقية نموذجية وليس بالضرورة أن تكون ديرًا ورهبنة وبالتالي فإن وحج مجتمعًا تتوافر فيه الشروط التي يرجوها فلن تكون هناك ضرورة لحياة رهبانية، ولذلك فقد وجد بعض الشباب في بعض المجتمعات خارج مصر ملاذًا لهم.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:00 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
ظهور الكهنة غير المتزوجين

ربما كان في سماح الكنيسة -بشكل غير رسمي- بجواز رسامة كهنة غير متزوجين، منفذًا لأولئك الذين لا يرغبون في الزواج ومع ذلك فهم مثقلون بخلاص نفوس الآخرين والبذل في العمل الرعوي ومن ثم فهم مرشحون كقادة في الكنيسة داخل إفطار الكهنوتي، ولما لم يكن من الضروري أن يلتحقوا بالأديرة كرهبان ومنها بالتالي إلي العمل الرعائي ثانية، فإن رسامتهم ككهنة متبتلين جاءت حلًا وسطًا، غير أن الفكرة ما تزال قيد الدراسة ولم تقنن أو تعمم بعد (يعطي الكهنوت للخادم مساحة أكبر وإمكانيات أكثر في الخدمة).
ولرهبنة بعدان خارجي وداخلي، أو بعبارة أخري لها شكل ومحتوي أو طقس وجوهر، فشكل الرهبنة أو ظاهرها هو الزي والاسم والانتماء لدير ما والالتزام بنظام ما، في حين أن محتواها هو فضائل الرهبنة أو الحياة الداخلية للراهب، وبالتالي فقد يمتلك شخص ما التركيب الخارجي للرهبنة بينما يفتقر إلي محتواها أو جوهرها، وفي المقابل قد يوجد شخص له مقومات الراهب ومحتوي الحياة الداخلية النسكية في حين لا يلتزم بهذا الطقس المألوف، ويحدث هذا كثيرًا عندما تمنع الظروف شخصًا ما له ميول رهبانية في ولوج هذا الطريق بينما يحتفظ بفكره النسكي واشتياقاته الرهبانية.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:01 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
أسباب ودوافع خلف الرهبنة

أم عن تزايد الإقبال على الرهبنة في السنوات الأخيرة فيرجع إلى عدة عوامل، منها عوامِل جذب وأخرى عوامل دفع..
  1. كثرة الحديث عن الرهبنة والرهبان
  2. تواجد الرهبان في الحقل الرعائي
  3. نشر سير القديسين
  4. رهبنة مئات من المثقفين وأصحاب الدرجات العلمية العُليا
  5. الرحلات إلى الأديرة
  6. بيوت الخلوة
  7. دور الأب البطريرك شنوده الثالث
  8. أناس ترهّبوا دون دافع معروف

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:02 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
كثرة الحديث عن الرهبنة والرهبان

وذلك من خلال العظات والكتب والإرشاد ومناهج التعليم والتربية الكنسية (روى لي أحد الشبان عن خادمة والذي كان لا يكف عن الحديث عن الرهبنة والنساك في كل مناسبة وبغير مناسبة، حتى اصطبغت أقوله جميعها بطابع رهباني فما أن وصل سنه إلى الحد الذي يترهب فيه الشباب، وكانوا يتوقعون بين عشية وصباح أن يسمعوا بخبر رهبنته، فإذا به يتزوج!! ويلطمهم الخبر وتصعقهم المفاجأة وتهتز العديد من القيم أمام عيونهم.. وكان أحرى بذلك الخادم أن يقتصد في هذه المبالغة.. وأن يعلم عن الكمال والقداسة وعن اختيار كل إنسان ما يناسبه وما يشعر أنه يثمر فيه بشكل أفضل).
ثم الفكرة المتوارثة عن أن الرهبان هم الجماعة الأفضل بين شرائح الإكليروس، ويجدر بالذكر أن العديد من الكتب الليتورجية في الكيسة قد قام الرهبان بتصنيفها مثل السنكسار cuna[arion ومجمع التسبحة والقداس وذكصولوجية باكر، وبالتالي فلا شك في وجود بعض التحيز للرهبان وآباء الرهبنة، حتى لقد ترسخ في الوعي الباطن لدى الشعب أن الرهبنة ترتبط وحدها بالعفة وبالتالي فالزواج هو -بمعيار ما- تخلي عن العفة أو التكريس، في حين أن مفهوم البتولية أوسع وأشمل بكثير من مجرد بتولية الجسد، ونلاحظ في مثل العذارى (مت25: 1-13) أن كل من الحكيمات والجاهلات حملن على السواء مصابيحًا بينما خمس منهم حملن معهن زيتًا إضافيًا، هذا يعني أن الجميع كن يحملن عذراوية الجسد في حين أشار الزيت إلى عذراوية القلب، من هنا فقد يكون هناك شخص متزوج وله أولاد وهو بتول طاهر، في حين قد يفتقر آخر إلى ذلك مع كونه غير متزوج.. إن هناك فرقًا بين البتول و(العانس) أو الأعزب والبتول. وقد درج الشعب على تقدير الرهبان أكثر من غيرهم والثقة بهم ومنحهم كرامة كبيرة تغري الكثيرين من المخدوعين والباحثين عن الكرامة الزائلة في الانضمام لصفوفهم، (مما حدا بالبعض إلى القول بأن الرهبنة هي حركة شعبية بالأساس!!(ربما كان ذلك ضربة من الشيطان لإضعاف الرهبنة).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:03 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
تواجد الرهبان في الحقل الرعائي

ساهم الرهبان بقدر في العمل الرعائي، فقد كانت الأديرة في وقت من الأوقات مسئولة عن خدمة بعض القرى والمناطق التي لا يوجد فيها كهنة حيث تقع تلك المناطق بالقرب من الدير وحوله، وقد اعتمد أساقفة الإيبارشيات على رهبان الأديرة الواقعة في دوائرهم، كذلك أصبحت الأديرة في الكثير من الأوقات بمثابة الكنائس التي يصلي فيها الناس الذين حولها ويمارسون فيها سر الاعتراف.
كما عرف التاريخ السابق تواجد الكثير من الرهبان في الريف والقرى لأسباب مختلفة مثل قضاء حاجات أديرتهم أو الاستشفاء، وكان الأب البطريرك في العصور السابقة يستحضر من ديره أثنين أو ثلاثة من الرهبان يسكنون معه (القلاية البطريركية) يساعدونه في بعض الشئون، ومنهم ناسخ القلاية البطريركية، والذي يتولى المكاتبات، كما اعتاد بعض الآباء المرور على القرى بتكليف من أديرتهم لجمع تقدمات المؤمنين في بعض المواسم، حيث كان الناس يتسابقون لنوال بركاتهم، يضاف إلى ذلك الرهبان المسئولون عن مقار أديرتهم في المدن أو القرى، وقد تأثر الكثير من الشباب بأولئك الرهبان بعدما سمعوا منهم الكثير عن أديرتهم، وفضائل وجهادات إخوتهم وزملائهم، وحروب الآباء مع الشياطين، مرددين عشرات القصص الروحية النافعة، كل ذلك في شكل تبشير نسكي تاركين بذلك أثرًا طيبًا لا يمحى بين سكان تلك البلاد.

فاشتعلت قلوبهم بمحبة الرهبنة وحذوا حذوهم، وقد حمل أولئك الرهبان الكثير من سكان تلك البلاد إلى أديرتهم في زيارات لها، مما نمى في داخلهم محبة الرهبنة والأديرة وسكانها. فتتلمذ عشرات الآلاف منهم على أيديهم إبان فترات خدمتهم في العالم.
ويروي التاريخ قصة الراهب مرقص بن القنبر في القرن الرابع عشر والذي كان كفيفًا يطوف في الشوارع يعلم الناس، وكان أيامها مشغولًا بقضية الاعتراف على الكاهن وضرورة عودة هذا السر إلى طقسه وممارسته بعد إهماله زمانًا، ويعتبر البابا كيرلس الثالث ابن لقلق والذي أعاد هذا السر إلى مكانته عند توليه البطريركية تلميذًا لهذا الراهب المجاهد.
وفي الغرب على وجه الخصوص ثبتت الرهبنة الحضارات (الثقافات) وأطعمت الجياع ونشرت العلوم والمعارف وقدمت العديد من الاختراعات وعلم الرهبان هناك السكان الأوربيين آداب السلوك والطعام والحديث (يمكنك مقارنة سلوك الغربيين تجاه الطعام والحديث من خلال قوانين الرهبنة الواردة في الكتب النسكية والمستقاة بطبيعة الحال من الكتاب المقدس) بحيث تكونت جماعات رهبانية يتسم دورها بالخدمة بين الناس مثل التعليم والتمريض ورعاية الأيتام والأرامل. فشيدوا أول المستشفيات في العالم وأنقذوا قيم الجمال والخير ولقنوا الإنسان التقدم البشري، وحرثوا الأراضي وزرعوا القمح ورووا الأراضي وبنوا المنازل(كتاب أصول الحياة الروحية)
وقد ساهم الرهبان بقدر كبير في الخدمة وذلك بتكليف رسمي من رئاسة الكنيسة، ولاسيما في الأماكن الجديدة غير الممهدة أي التي لم يسبق لأحد الخدمة فيها، حيث يشق الراهب طريقًا للخدمة وسط ظروف قاسية وغير مواتية حتى يؤسس الخدمة هناك فإذا ما أعد الخدام ثم المكان صار الطريق بذلك ممهدًا لاستقرار أب كاهن (وجود أب كاهن في خارج مصر أمر مكلف جدًا من حيث إقامته هو وأسرته، مما يستلزم وجود راهب يمهد السبيل حيث يمكن للراهب الحياة بمفرده، بأبسط الإمكانيات).
يضاف إلى ذلك بعض الأعمال الإدارية في الإيبارشيات والبطريركية وهي تختلف عن العمل الرعائي، مثل وكلاء المطرانيات والرهبان الذين يتولون إدارة شئون بعض الأديرة التي يعاد تعميرها.
كما أن الاتجاه الآن يسير نحو تعمير الأديرة الأثرية رهبانيًا، حيث تتناثر مثل تلك الأديرة على طول صعيد مصر، وقد تم بالفعل تعمير عدد كبير منها رهبانيًا، بل وإنشاء أديرة قبطية خارج مصر مثل أمريكا وإيطاليا (حتى عام 1980 كانت أديرة رهبان مصر تبلغ تسعة، هي (البراموس/ أنبا مقار/ السريان/ الأنبا بيشوي/ الأنبا بولا/ الأنبا أنطونيوس/ المحرق/ الأنبا صموئيل/ مار مينا) وفي سنة 1980 تم الاعتراف بدير الأنبا باخوميوس بحاجر إدفو، وفي عام 1985 دير مار جرجس بالرزيقات، وفي عام 1987 دير العذراء بأخميم، وفي عام 1993 دير الأنبا أنطونيوس بكاليفورنيا، وفي عام 1995 دير مار جرجس بالخطاطبة، وفي عام 1997 كل من دير الأنبا شنودة بسوهاج والأنبا موسى والأنبا أنطونيوس بالخرطوم، وفي عام 1998 دير الأنبا شنودة بميلانو، وكذلك دير الأنبا باخوميوس (الشايب) ثم دير الملاك غبريال بالفيوم. وبذلك وصل عدد أديرة الرهبان العامرة تسعة عشر ديرًا. بينما بلغ عدد أديرة الراهبات ستة أديرة هي: (دير مار جرجس بمصر القديمة، دير أبي سيفين بمصر القديمة، دير العذراء بحارة زويلة، دير مار جرجس بحارة زويلة، دير الأمير تادرس بحارة الروم، دير القديسة دميانة بالبراري والذي تم الاعتراف به في سنة 1979م) هذا ويصل الآن عدد الرهبان الذين يخدمون خارج أديرتهم حوالي المئة وعشرون راهبًا، تمثل أديرة وادي النطرون وحدها (البراموس والسريان والأنبا بيشوي) ثلثي هذا العدد

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:04 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
نشر سير القديسين

سهلت تقنيات الطباعة الحديثة نشر التراث الرهباني مثله في ذلك مثل شتى أنواع المعارف، فطبعت مئات القصص الرهبانية وقد أعجب الشبان بالبطولات النسكية أيما إعجاب وأحبوا فلسفة الرهبان في تناول أمور الحياة والسلوك ما بين الصمت والكلام والصوم والطعام والهدوء والحركة والإدانة والمديح وما إلى ذلك، ولعل الزيف والانحلال والانحراف واختلاط المفاهيم في العالم كان من بين الأسباب التي جعلت الشبان يبحثون عن حياة تخلو مما يرونه ويعانونه.
كما أُعجب الشباب بالواقف المنسوبة إلى آباء البرية مما يستحق التسجيل، ما بين راهب يحمل ضبعة على كتفه إلى آخر يسكن مع ثعبان ضخم إلى ثالث يقف بالأربعين يومًا صائمًا مصليًا. ورابع يقهر الشياطين وغيره يبصر المسيح والملائكة والقديسين وغير ذلك مما تسبب في زيادة ولع الشباب بتلك الحياة.
ولعله من الملاحظ جيدًا في الآونة الأخيرة إقبال الشعب على ذلك النوع من الكتابات التي تتناول معجزات القديسين (وهي تحقق أعلى نسبة مبيعات من بين أنواع الكتابات المختلفة حتى لقد استغلها البعض كتجارة تدر ربحًا لا بأس به) فالشعب القبطي شعب ناسك بطبيعته، بسيط يتقبل كل شئ، الأرض منفتحة عنده على السماء، يميل إلى كل ما فيه نسك وزهد ويسعى حثيثًا لذلك سواء في بعض الشخصيات أو الكتابات أو الأصوام أو الأفلام أو الآثار.
هنا ويجب الإشارة إلى ضرورة نشر سير القديسين بمنهج وفكر إنجيلي، وليس نسكي خيالي غير واقعي، كما يجب عدم التركيز على المعجزات فقط، وإنما المنهج الذي عاشه الأب وكيف كان تدبيره الروحي.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
رهبنة مئات من المثقفين وأصحاب الدرجات العلمية العُليا

كل شخص يترهب يترك رسالة إلى عدة مجتمعات كانت حوله (مثل العائلة والكلية والعمل والخدمة والأصدقاء) تقول هذه الرسالة، أهرب لحياتك.. اسعى فيما يخلص نفسك، وأما هو فقد مضى مستخفًا في ذلك بالمال والوظيفة وغيرها، ومن ثم فإن كثيرين ممن كانوا ضمن تلك المجتمعات يتأثرون بما فعله ويحذون حذوه ويتبعون مسلكه، كما أن رهبنته وسكناه في الدير يجتذب مئات من محبيه إلى زيارة معبده الجديد، هناك في الدير يتأثرون، ومن يعيدون تقييم حياتهم، ويتعجبون كيف واتته الشجاعة ليتخذ مثل هذا القرار الخطير، والذي لا يخلو من مغامرة قد لا تُحمد عٌقباها.
هناك معادلة تقول أن العالم ليس فيه شيء ثابت بل كل شيء فيه قابل للتغير والتطور في حين أن الحقيقة الثابتة هي الله وكل من أراد أن يضمن مصيره عليه الالتصاق بالله وأن الأفضل للإنسان أن يصنع خيرًا يجده قدامه، وهي في الواقع معادلة منطقية وصحيحة، وهي التي بموجبها قد أتخذ القديس أرسانيوس قرارًا بترك البلاط إلى أسقيط مصر.. غير أن الفرق بين القديس أرسانيوس وغيره من الشباب هو أنه دخل بالفكرة إلى حيز التنفيذ فتحولت إلى فعل قائم، أو أنه كانت له قوة الإرادة اللازمة لذلك. وأظن أنه كان من السهل على عشرات الآلاف من الشبان في جيله من المصريين أن يحذون حذوه، لاسيما وأن النقلة ما بين حياتهم البسيطة في العالم وحياة النسك في البرية لم تكن كبيرة، بالنسبة للقفزة الهائلة التي حققها هو بانتقاله من البلاط الإمبراطوري إلى مكان عرف عنه شظف العيش، - حيث يتضح ذلك جليًا من سيرته وسير الآباء في جيله من سكان الإسقيط – غير أن القديس أرسانيوس كان له من محبة السيد المسيح ما يجعله يفعل أكثر من ذلك.
ونقرأ في سيرته كيف أن كثيرًا من الشبان من وجهاء الروم جاءوا إلى الإسقيط وترهبوا فيه بعد ما سمعوا عنه، فبقراره جعلهم يقررون ذلك وبنسكه اجتذبهم إلى النسك.. وهكذا القديسان الروميان مكسيموس ودوماديوس وكذلك الأب مرقس الترمقي الذي عاش جنوب مصر في القرن الرابع الميلادي والذي كان أيضًا أحد الأمراء في أثينا.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الرحلات إلى الأديرة

كانت زيارة الأديرة حتى الستينات قاصرة على الأفراد وبعض القوافل، وكانت أول سيارات عرفت الطريق إلى الأديرة (لاسيما وادي النطرون والبرية الشرقية) هي السيارات الجيب ذات القدرة على الخوض في كثبان الرمال والطرق الوعرة غير الممهدة، وقد كان على الشباب الراغبين في زيارة تلك الأديرة والإقامة فيها سواء من المصريين أو الأجانب، أن يقطعوا مسافة طويلة سيرًا على الأقدام، وفي دير الأنبا صموئيل في صحراء المنيا والفيوم كان الوصول إليه يتم عن طريق العرب الخبراء بالسير في الجبال حيث تستغرق الرحلة ما يزيد عن الأربعين كيلو مترًا ذهابًا ومثلها إيابًا. فما أن عُدت الطرق إلى تلك الأديرة حتى عرفت السيارات الكبيرة والصغيرة الطريق إليها ومن ثم قام الكثير من الكهنة والخدام المحبين للأديرة والرهبنة بتنظيم الرحلات إلى الأديرة.
لتعريف النشء الجديد بالكنيسة في واحدة من أمجد صورها، وهي الرهبنة (قليلًا قليلًا تحولت زيارة الأديرة إلى نزهة وتغيير وسياحة، حيث يُفسح فيها المجال للأطفال بأن يمرحوا بألعابهم يقفزون هنا وهناك، بينما يجد ذووهم الفرصة للراحة والطعام وما هو أكثر من ذلك حيث هناك ظاهرة آخذة في الانتشار وهي عقد الخطوبات في الأديرة!! مما ولد الشكوى من زيارة العلمانيين للأديرة والمطالبة بتقنينها، غير أن هذا أيضاَ يتم داخل إطار أكبر وهو الشعور بأن الكنيسة قد أصبحت مجتمعًا آمنًا يلوذ به الأفراد والجماعات، وهكذا وبقدر ما أصبحت زيارة الأديرة عامل جذب أصبحت معرقلًا لنمو الراهب وكسرًا للهدوء والوحدة).
وكان تواجد الناس في مثل هذه الأماكن التي ارتوت بدماء الآباء ودموعهم وعرقهم سبب بركة لهم. هناك أنفاس عشرات الآلاف من أرواح القديسين تملأ المكان وتعقبه بعبق نسكي، فتتبكت ضمائر الزائرين وتلتهب فيهم الحماسة للتوبة بينما تشتعل الرغبة في الحياة النسكية بين الصغار منهم. وكانت زيارة الأديرة دائمًا عبارة عن نقطة ارتكاز للزائر يقف فوقها حيث يتسنى له النظر إلى دائرته هو التي يحيا فيها فيقيمها عن بعد..
هذا ويبلغ عدد الزائرين في اليوم الواحد بالنسبة لبعض الأديرة -في بعض الأحيان- ما يصل إلى عشرة آلاف زائر ما بين الحافلات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والسيارات الخاصة والأفراد. وفي بعض الأديرة مثل وادي النطرون قد يتطلب الأمر إلى ما يصل إلى أثنى عشر راهبًا لخدمة الزائرين وفي الإجازات الرسمية قد يتضاعف هذا العدد.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:06 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
بيوت الخلوة

لعل أول بيت خلوة أنشئ للشبان كان في دير السريان سنة 1952، في أيام المتنيح الأنبا ثاؤفيلس حيث كان الغرض من إنشائه هو احتضان الشباب الناضج من الخدام والقادة الروحيين والذين يتدربون على الحياة النسكية تمهيدًا لالتحاقهم بالدير، حيث يوفر الدير لمثل أولئك المرتادين بيت الخلوة، الإقامة والطعام، في حين كان الشاب قادرًا على الاستفادة من المكان والفرصة، وسط مناخ روحي هادئ يستعيد فيه عافيته الروحية ويدرس ما يعن له من قرارات، وهكذا يحتضن الدير جهاده خلال تلك الأيام القلائل التي يقضيها في رحابه.
غير أن الأمر الآن قد تغير إلى حد كبير، فقد تم إنشاء بيت للخلوة في كل دير، أحد هذه البيوت يسع لثلاث مئة شاب، وأعدت برامج للخلوة لمساعدة الشبان على الاستفادة من تواجدهم بالدير، واحتاج الأمر بضرورة الحال إلى إشراف رهباني من قبل الدير حتى يضمن لبيت الخلوة تحقيق رسالته، بل تطور الأمر إلى الحاجة إلى تعليم الشاب في الدير كيفية الصلاة ودراسة الكتاب المقدس وكيف يتدرب على الصمت والهدوء والعمل وضبط الفكر، ومن ثم يدفع الآباء الكهنة في الكنائس بالشباب إلى بيوت الخلوة بالأديرة بغية التزود بقوة روحية ونسكية.
خلال فترة الخلوة يتسنى للشاب التعامل مع رهبان الدير عن قرب من خلال الصلاة والتسبيح والعمل وملاحظة سلوكهم وسماع كلماتهم، فيعود بعد فترة الخلوة محملًا بالعديد من الانطباعات والذكريات ينقلها بدوره إلى آخرين، حيث تكون الأيام التي قضاها في الدير مشحونة بكل ما هو مختلف عن عاديات الحياة في المدينة (تغير الآن دور بيوت الخلوة من مجرد استقبال شباب ناضج روحيًا وإفساح المجال لهم ليتعبدوا في هدوء.. يصلون ويقرئون ويدرسون -دون أن يمثل وجودهم عبئًا على الدير أو إخلالًا بنظامه وهدوئه- إلى حركة منظمة لمجيء ورحيل الشبان والإشراف عليهم عن قرب وتعليمهم، وكثيرًا ما يسبب شباب الخلوة في الأديرة الضوضاء والتجاوزات، مما قد يقلق الآباء، حتى أن ذلك قد يعطل عمل بيوت الخلوة ذاتها، ولربما كان من المناسب توعيتهم من المناسب توعيتهم من قبل آباء اعترافهم أو خدامهم بطبيعة الأديرة وكيفية السلوك فيها، وذلك قبل اتجاههم إليها في خلوة).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
دور الأب البطريرك شنوده الثالث

عشق قداسة البابا شنوده الثالث –أطال الله حياته– الحياة النسكية وكانت وما تزال له اشتياقات في النسك والهدوء وعندما قرر ترك العالم في سنة 1954م منطلقًا إلى البرية وضع في قلبه ألا ينظر مرة أخرى الطريق الذي أتى منه، وقد قرأ وكتب الكثير عن الآداب الرهبانية وحياة الرهبنة (نشر في الستينات قصة أبونا أنسطاسي، وهي تصف بدقة الحياة الرهبانية والمشاعر التي تعمل في نفس الراهب وقد شرح فيها كيفية الموت عن العالم بالنسبة للراهب) وكذلك سجل عدة أشرطة كاسيت عن الرهبنة والسلوك الرهباني وذلك بدير القديس الأنبا بيشوي في الثمانينات، يضاف إلى ذلك أن عظاته – والتي وصلت إلى المخادع – تكاد لا تخلو إحداها من إشارة إلى راهب أو أب رهبنة أو أقوال آباء أو ذكريات رهبانية أو تعليم نسكي، مما ألهب قلوب الكثيرين بحب الرهبنة. كما اعتاد في فترة من الفترات استهلال محاضرته بعشر دقائق يقدم فيها سيرة أب من آباء الرهبنة.
يضاف إلى ذلك اهتمامه بإنشاء الأديرة الجديدة وتعمير القديم منها رهبانيًا -كما سبق- حتى وصلت الأديرة التي عمرت رهبانيًا (تضم مجامع رهبانية) في أيامه حتى الآن إلى حوالي العشرة أديرة في مصر والخارج، كما يسر بإتمام طقس الرهبنة بنفس للرهبان الجدد ويتأثر بذلك كثيرًا باعتباره إعادة ومعمودية جديدة، وهكذا لم تتحول الرهبنة فيه إلى مجرد ذكريات وتاريخ وإنما ظلت تفاعلًا داخله. ويرى كثيرون ممن يعتد بآرائهم أنه إن لم يكن قد ولج معترك الرعاية لأصبح أب رهبنة على غرار القديس أنطونيوس والقديس مكاريوس (عندما رغب أحد رهبان الدير في الخروج إلى الوحدة تقابل أولًا مع قداسته حيث حدثه كثيرًا عن الوحدة -حديث مختبر لهذه الحياة- مما بهر الراهب وأسعده في آن. ويلاحظ أن تعبيراته تميل إلى التعبيرات النسكية الرهبانية ولم تصدر كلمة واحدة علمانية) ويصل عدد الرهبان الذين ترهبنوا في فترة حبريته حتى الآن حوالي ألف ومائة (1100) راهب وراهبة، كما يقوم قداسته بالاجتماع معهم في عدة مناسبات.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:08 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
أناس ترهّبوا دون دافع معروف

هناك فرقٌ بين الأسباب والدوافع، فالذي جعل جميع الرهبان يترهبون هو محبتهم للمسيح ورغبتهم في تبعيته عن قرب، بينما اختلفت الدوافع المباشرة لدخولهم الدير- والعجيب أن نسبة كبيرة ممن ترهبوا لا يستطيعون تحديد السبب الحقيقي وراء مجيئهم إلى الطريق الرهباني، فبعضهم لم يكونوا من رواد وزائري الأديرة، ولم تكن لهم علاقات خاصة بأي من الرهبان بل وجدوا أنفسهم مدفوعين في هذا الطريق، وبعضهم كانت حياتهم تسير في اتجاه آخر ولم يكن في حسبانهم أن يضمهم أحد أسوار الأديرة أو يجدون أنفسهم داخل الثياب السوداء.
روى لي أحد هؤلاء (هو الآن راهب بأحد الأديرة) قال: كنت مترفًا مدللًا، علاقتي بالكنيسة سطحية، ميالًا إلى الاستخفاف بأولئك الذين يترددون كثيرًا عليها، ويكثرون من الأحاديث عن الله والقديسين، وفي يوم من الأيام زارنا راهب في المنزل كان يمت بصلة قرابة لأمي، ولم يتحدث معي بشكل شخصي بل تحدث إلى الجميع وتخلل حديثه الكثير عن الرهبنة والآباء والأديرة.. ماذا أقول؟ ربما تكون أحاديثه قد أيقظت الراهب النائم داخلي نومًا عميقًا!.
ويحكي عن القديسين يوحنا وسمعان (من آباء الروم) أنهما انطلقا يبحثان عن دير يعيشان فيه، فدخلا أحد أديرة فلسطين، وتقابلا مع رئيس الدير، وبينما كانا يكلمانه في ذلك خرج راهب كان قد تقلد الإسكيم منذ أيام فلما شاهداه هتفا على الفور نريد نحن أيضًا أن يكون لنا مثل هذا اللباس المجيد البهي والمميز، لقد انفتحت أعينهما عليه فشاهدا حقيقة الرهبنة من خلال الملابس (أصول الحياة الروحية/ ص52) قمت بسؤال آباء الدير طرفنا، وآباء كثيرين من أديرة أخرى عن ذلك، وخلصت إلى نتيجة جديرة بالملاحظة وهي أن ما يقرب من سبعين بالمئة منهم ترهبوا على هذا النحو! أي أن هناك سرًا لا يدركونه هو الذي جذبهم نحو هذا الطريق (روى لي أحد الآباء في الدير أنه لم يكن يفكر في الرهبنة مطلقًا، بل كانت له اهتمامات أخرى مثل العلم والعمل.. وحدث أن اشترك في رحلة متجهة إلى منطقة وادي النطرون، فإذا به يُسبى بالمكان ويتحول قلبه بشكل مفاجئ نحو الرهبنة، وبينما كان أفراد الرحلة مشغولين بزيارة الأديرة والحديث مع الآباء وتناول الطعام وخلافه، كان هو قد سرح بخياله في عالم آخر، فقد قرر يومها أن يترهب وترهب) غير أنه كانت هناك بدايات في العالم أكملت في الدير أو بمعنى آخر كان هناك راهب صغير في العالم احتاج إلى مناخ ملائم وطقس مواتي لكي ينمو فيه فكان الدير هو البيئة التي احتضنت ذلك الغرس الجيد، كما يجب الإشارة هنا أي أن هناك أشخاصًا لن يخلصوا إلا من خلال الحياة الرهبانية.. يقول القديس يوحنا الدرجي "أناس دعاهم الملك، وأناس خرجوا في موكب الملك، وأناس شاهدوا موكب الملك فانضموا إليه والعبرة بالنهاية؟
فإنه ليس من الضروري أن يكون للشخص تاريخ روحي مجيد في العالم والخدمة، بل يشهد تاريخ الكنيسة والحياة الرهبانية بأن كثيرين ممن كانت حياتهم قبل الرهبنة صعبة وليس في حياتهم ما يعجب به. قد سبقوا الآخرين سالكين في قداسة فائقة، أمثال موسى الأسود ومريم المصرية والأنبا بنيامين أسقف المنوفية المتنيح عام 1964م.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:09 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
عوامل دفع لا تناسب


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...on-Matania.jpg
كما أن هناك عوامل جذب سبق الإشارة إلى بعضها، فإن آخرين أيضا قد طرقوا أبواب الأديرة بدوافع لا تفي بشروط الرهبنة، وفي بعض الأحيان تتعارض مع متطلبات الطريق، ولعل هذا هو السبب في اعتذار القائمين على الأديرة للكثيرين، بحيث أن نسبة الذين يسمح لهم بالإقامة في الدير رهن الاختبار تمهيدا لرهبنتهم لا يتعدى الخمسة في المئة (5 %) إذ يجب ألا يسمح لشخص بالدخول للرهبنة إلا إذا كانت ظروفه عادية، ومن جهته هو يكون قد اختار هذا النوع من الحياة طوعًا، وفيما يلي بعض أمثلة ممن يعتذر لهم المسئولون:-
  1. شخص مريض بمرض مزمن
  2. الهوس الديني
  3. النذر الخاطئ
  4. الذين يعانون من متاعب زوجية أو أسرية أو معيشية
  5. الذين يحضرون عقب صدمات عاطفية
  6. الذين يرغبون في الإقامة دون رهبنة
  7. ليس صحيحًا ما يُقال عن أن الرهبنة تُغري الكسالى وراغبي الوظائف الكنسية
  8. إغراء الرفاهية والمدنية في الأديرة
  9. المشكوك في أمرهم

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:10 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
شخص مريض بمرض مزمن

هذا النوع من الشباب يفكر بطيبة قلب في أن السكنى بالدير لن تكلفه العناء الجسداني الكبير الذي يتطلبه العمل في العالم في المقابل، كما يرى ذلك الشاب أنه من الأفضل أن يهب الله السنوات المتبقية من صحته، وأن الراحة النفسية في رحاب القديسين والصحراء ونقاء الطقس وطيبة قلوب الآباء الذين سيحيا بينهم، قد تعينه بشكل أفضل على الاستمرار في الحياة بحيث يصبح معه أقل عرضه للنكبات الصحية.
ولكن الواقع يختلف كثيرا عن ذلك، فالإقامة في الدير تحتاج -لاسيما في السنوات الأولى- إلى مجهود بدنى شاق، إذ يعمل (الأخ) كثيرا في مجالات شتى مثل المطبخ والفرن وبيت لحم وإعداد المائدة، وقد يعمل على (جرار) لنقل احتياجات بعض قطاعات الدير، وربما عمل في الزراعة أو الورش بمختلف أنواعها، وقد تضطره ظروف العمل إلى رفع مختلف أنواع الأثقال. وقد تصل عدد ساعات العمل في اليوم الواحد إلى اثنتي عشرة ساعة وقد تزيد في بعض الظروف والمناسبات، يضاف إلى ذلك الصلوات الجماعية في الكنيسة مع الآباء وصلواته الخاصة في قلايته بما في ذلك الميطانيات. وحقيقي أن هذه هي احتياجات الدير الذي سيحيا فيه، ولكن المبتدئ -من جهة أخرى- عليه أن يعمل كثيرا حتى لا تهاجمه الأفكار متى كان بلا عمل أو معتادا على قسط من الراحة أكثر مما يحتاج، هذا من جهة أما من الجهة الأخرى فإن الفكرة المتوارثة عن الشيوخ هي أن الراهب الذي يعمل ويتعب كثيرا في الدير يتمسك في المقابل بالدير ويتمسك الدير به!
إذا فمتى كان مريضا أو ضعيفًا فكيف يستطيع القيام بكل تلك الأعباء، فإن هو أرهق أكثر من احتماله فقد يقضى بذلك على البقية الباقية في صحته، وثمة أمر آخر يحتسب له وهو احتمال تعرض هذا الأخ لتعب مفاجئ، أليس من الأفضل في هذه الحالة أن يكون قريبا من مراكز العلاج والأطباء والمتخصصين؟ إن كل ذلك يجعل من المناسب ألا يترهب بل يحيا في العالم مختارا بذلك العمل الذي يناسبه والمواعيد التي تتناسب أيضا مع ظروفه الصحية. عند ذلك فله مطلق الحرية في أن يتزوج أو يبقى دون زواج مختارا سبيلا آخرا.
وقد يجيب البعض بأن كثيرين من الرهبان أصيبوا بأمراض مختلفة بعد رهبنتهم، غير أن الأمر في هذه الحالة يصبح مختلفا إذ أن الدير يتعهد بعلاجه واحتمال آثار وتبعات هذا المرض في حين أنه ليس مضطرا لقبول شخص يعرف جيدا أنه مريض (يطالب الدير الآن المتقدم للرهبنة بإجراء فحص طبي شامل بمعرفة الدير حتى يتأكد من خلوه من مثل تلك الأمراض (قصور في وظائف القلب أو الكلى أو المشاكل التي تخص العمود الفقري وما شابه ذلك).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:10 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الهوس الديني

يقول الآباء أن الطريق الوسطى خلصت كثيرين ولذلك فإن الجنوح ذات اليمين أو ذات اليسار يشكل خطورة كبيرة وينبئ بكارثة (يجب أن يحتفظ الإنسان بهامش في حياته، من جهة اليمين ومن جهة اليسار، فإن تعرض لأية طفرة فإن هذا الهامش يستوعبها، وإلا فإنه يسقط كما سقط قطار عن القضبان فتحدث الكارثة ويحطم كل ما في طريقه، ويحتاج إرجاعه إلى القضبان جهدا يفوق الوصف وبالطبع فإنه لا يعود طبعا كما كان.) فإن كثيرا من الشباب يهيم حبا بالرهبنة فيما قد نسميه بـ(المراهقة الروحية) أو عدم النضج الروحي، حيث ينكب هؤلاء على الكتب النسكية ويجمعون الكثير من سير القديسين ويولعون بزيارة الأديرة وإقامة علاقات متعددة بالرهبان في مختلف الأديرة، وفي مخادعهم يحتفظون بالقناديل والبخور وعشرات من صور القديسين، يضربون مئات الميطانيات ويسلكون كما يسلك الرهبان.

مثل هؤلاء يحتاجون إلى مرشد مختبر، يتاجر لهم حسنا في الوزنات، وينصحهم بأن يرتدوا إلى التعقل – فإني أقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي، بل يرتئي إلى التَعَقُّل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الإيمان (رومية 12: 3)، فقد تهدأ مثل هذه المشاعر بعد رهبنتهم إن استطاعوا الالتحاق بأحد الأديرة ولم ينتبه المسئولون إلى ذلك، ومن ثم يعودون أدراجهم إلى العالم مثقلين بعبء الشعور بالفشل، تتجاذبهم تيارات في الداخل من القلق والحيرة وتساؤلات من الخارج تحاصرهم!
من أمثال أولئك شاب جاء إلى الدير ولم يكن مناسبا بحال من الأحوال ليس للالتحاق بالدير فحسب، بل ولا للتقدم إليه أصلا، فاعتذر له الأب المسئول في الدير عن قبول الأخوة ومن ثم نصحه بالعودة إلى عمله وممارسة حياته بشكل طبيعي، غير أنه اعتبر ذلك نوعا من الاختبار، ولم يرجع بل غافل الآباء ودار حول الدير حتى وصل إلى مغارة البابا كيرلس وبالقرب منها جلس يصلى ويضرب الميطانيات، ولمحه عن بعد بعض من الشبان الذين خرجوا إلى خلوة بالبرية بعد الغروب، وتقابلوا معه واستفسروا منه عن حاله ولكنه لم يجبهم على أي من أسئلتهم بل طلب من أحدهم أن يحضر له بعض الخبز والماء وأبلغ الشاب الدير بدوره فالزمه الآباء بترك المكان والسفر إلى مدينته.
ومرة ثانية حضر إلى الدير شخص ذو هيئة غريبة، كان الرجل يقارب الخمسين من عمره، رأسه خال من الشعر، وكانت ملابسه عجيبة فقد كان يرتدى جوالا من الخيش فتح فيه من أعلى فتحة نفذت منها رأسه وصنع فتحتين أخريتين للزراعيين، وكان حافي القدمين وقد ترك لحيته تنمو قليلا، وفي يده يحمل كيسا من البلاستيك وضع فيه بعض أوراق انتزعها من مجلة الكرازة وجريدة وطني، بطريقة غير مرتبة.
وعندما تقابل معه أحد الآباء في الدير سأله عن هويته فلم يفصح عنها في البداية بل تحدث طويلا عن يوحنا المعمدان وقال أنه يحمل معه بعض المقالات عنه في ذلك الكيس، وبعد قليل من النقاش أتضح أنه متزوج ومقيم بإحدى ضواحي شرق القاهرة وأن أحد أبنائه مجند في القوات المسلحة، وقد ألحت عليه فكرة ترك العالم وما فيها فجعلها موضع التنفيذ. كان منظر الرجل ملفتا بحيث يتوقف عنده كل من يمر به فيتأمله كثيرا قبل أن ينصرف، أما الآباء في الدير فقد قدموا له طعاما ولاطفوه حتى خرج من الدير وعندما أحضروا له بعض الملابس المناسبة اللائقة بدلًا من تلك التي تثير فضول الناس وسخريتهم وقد يعرضه ذلك للأذى، فلم يرد بل فاجأ الكل بأنه كان يخفى حقيبة خلف سور الدير من الخارج وفي الحقيبة كان هناك بنطلون وقميص وحذاء من الجلد الأسود، وتحول مظهره في دقائق إلى شخص عادى، وعندما ظن أن الآباء يختبرونه أسرع هؤلاء فأفهموه بأنهم لا يمتحنوه بل يصدقوه القول. وغيره كثيرون مما لا يسع المجال لذكرهم هنا (جاء شخص إلى الدير منذ 4 سنوات للرهبنة ولم يكن تناسبه تلك الحياة مطلقا بل كان في الواقع يحتاج إلى علاج نفسي وحاول معه أحد الآباء كثيرا حتى يعدل عن فكرته ولكنه أصر، وفي النهاية قال له الآباء لنختبرك إن كنت تصلح فوافق فاصطحبوه إلى بوابة الدير الخارجية وهناك قالوا له لا تفكر ثانية في الرهبنة وعليك الطاعة فأطاع وغادر الدير ولم يحضر ثانية!!.) ويجب القول هنا أن هناك فرقا بين التدقيق والوسوسة، فالأول هو الالتزام والجدية في مختلف نواحي الحياة، بينما الوسوسة هي المبالغة في البديهيات!.
جدير بالملاحظة والتسجيل أن الأديرة الآن لا تتبع أسلوب الاختبار التقليدي الوارد في الكتابات النسكية، والسبب في ذلك أن الآباء قديما كانوا يحيون كل منهم في مغارة على حدة ولا يجتمعون معا إلا ليلة الأحد وبالتالي فمن الضروري والحال هكذا اختبار القادم إلى الرهبنة بشكل مفتعل ومنظم ومقصود حتى يتأكد الآباء من أنه على درجة تسمح له باحتمال آلام البرية وقتالات الشياطين وإلا فإنهم يبقونه مع الأب الكبير لفترة يقتنى فيها أساليب التعامل مع الأفكار والحروب، وأما الآن فإن الراهب يحيا في المجمع ويتعامل مع إخوته بشكل دائم طوال اليوم أو أغلبه مما يسهل ظهور الضعفات وبالتالي يتسنى علاجها، وهكذا تبدأ الحياة الرهبانية من خلال الجماعة في الدير أولا.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:11 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
النذر الخاطئ

مثل أن تنذر أم أو أب أو ابنه أو ابنته للرهبنة متجاهلين في ذلك رأى الشخص المعنى بالأمر نفسه، وقد ينذرونه وهو لا يزال رضيعا وأحيانا قبل أن يولد، لاسيما إن كانا ممن تأخرا في الإنجاب، ولكن ذلك يعد نذرا خاطئا، لأنه مبنى على أساس خاطئ، وهو استلاب لحق الشخص، بل عليهم أن يربونه حسنا في خوف الله ومحبته، أما عن الطريقة التي سوف يحيا بها أو السبيل الذي سيسلكه، فليترك للشخص ذاته عندما يصبح قادرا على اتخاذ مثل هذا القرار الهام.
يجب كذلك ألا يتسرع أي شاب في مقتبل حياته -نتيجة أي تأثير وقتي- بأن يقرر نذر نفسه. إن ذلك قد يضع عليه نيرا ثقيلا يرهقه وقد يقعده عن العمل (في جميع الحقول).
يحدث أيضا أن يكون أحد الآباء في زيارة للأسرة فيشير إلى احد الأولاد أو البنات ويقول هذا من نصيبنا أو تلك سوف تترهب وقد يأتي الكلام في البداية على هيئة دعابة أو ملاطفة. ولكن الأمر جد خطير لأنه يضع كلا من الابن وأبويه تحت هذا النير. فإن زوجا ابنهما، فعلا ذلك بكثير من التشكك كمن اعتدى على حق الله. حسبما صرح الراهب الزائر قديمًا – وان قرر الابن عندما يكبر أن يتزوج فقد يعارضه الأبوان.. وإن قرر الجميع أن الزواج هو الأمثل ترك تشككا داخليا يستمر لسنوات عديدة، لاسيما إذا كانت الأسرة بسيطة لا تتمتع باستنارة روحية كافية تجعلها قادرة على الإفراز بين ما هو فرض وما هو متروك لتقييم الشخص في حرية كاملة (منذ سنتين جاءت رحلة من الصعيد إلى الدير وكان بصحبتهم طفل لا يتجاوز الخامسة من عمره ألبسه أبواه ثياب راهب كاملة، وكان يجرى هنا وهناك بين أفراد الرحلة الذين كانوا يتلقفونه الواحد تلو الآخر يحملونه ويقبلون يديه وينادونه أبونا والطفل سعيد بهذا الحب الغامر، غير مدرك لما يجرى.إن هذين الأبوين يؤذيان الطفل أيما أذية من حيث لا يدريان.)
إن الجميع مدعوون إلى حياة القداسة والكمال سواء أكان ذلك في الأديرة من خلال الرهبنة أو الزواج أو غيرها من السبل الأخرى.
وهكذا فإن هناك أناسًا اضطروا للترهب ولم تكن الرهبنة طريقهم.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:12 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الذين يعانون من متاعب زوجية أو أسرية أو معيشية

يتكرر ذلك عندما يقرر الزوج أن يترك منزله هاربًا من مشاكل أسرية أحاطت به وعكرت صفو حياته، وتضيق أمامه السبل، فيتجه بفكره إلى أديرة الرهبان، حيث يجد هناك الإقامة والطعام. وقد يؤدي هناك بعض الأعمال التي تتناسب وخبرته العملية، وقد يأتي ذلك بدايةً في شكل تهديد، كأنه سينتقِم ممن حوله الذين ضايقوه.. غير أن الأديرة في مجملها تعتذر لأمثال أولئك، وذلك لكي تضعهم أمام مسئولياتهم، حيث يجب عليهم ألا يهربوا من دورهم في الحياة، وعليهم بالتالي البحث عن حلول مناسبة وواقعية، وقد يكون من الصعب على شخص عاش حياة اجتماعية متشعبة مابين أسرة وأصدقاء وأقارب، الاستمرار في الدير، بعكس شاب كان يعد ذاته للرهبنة والإقامة في الدير منذ سنوات سابقة على التحاقه بالدير فتدرب كثيرا حتى ترهب.
وهناك مشهد أخذ يتكرر كثيرا في السنوات القليلة الأخيرة، إذ يحضر بعض من الرجال يسألون عن شخص متغيب عن منزله متوقعين أن يكون قد انزوى في أحد الأديرة، ربما بسبب خلافاته معهم وربما رغبة منه في مفاجئتهم وربما لتوارث الفكرة لدى الناس بأن الدير يقبل كل من يفد إليه دون مراجعة أو قيد أو شرط.
ولكن مثل هذا حدث في الأزمنة الغابرة عندما كان الزوج يتفق مع زوجته على ترك الأولاد في بيوت مخصصة لهم، وبينما يتجه الأب إلى دير للرهبان، تتجه الزوجة إلى بيت للعذارى، وقد حدث أيضا أن حضر بعض الآباء إلى الرهبنة وبصحبتهم أولادهم بينما اصطحبت الأم بناتها إلى دير الراهبات (حدث ذلك مع القديس قاريون الذي ترك زوجته وابنه وابنته وترهب، فلما ضاق الأمر بالأسرة حضروا إليه جميعا وكان يفصلهم عنه بحيرة ماء وفيما هو يكلمهم عبر الابن زكريا إليه فقال الأب للأم أنها قسمة عدل: فليكن الولد معي ولتبق الابنة معك، وهكذا عاش زكريا مع أبيه وقد صار من أشهر رهبان الإسقيط فيما بعد).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الذين يحضرون عقب صدمات عاطفية

حدث ذلك كثيرا بين الخدام الذين دفعهم الفشل في مشروعات الارتباط إلى التفكير في الرهبنة. ربما لظنهم أنهم كانوا من نصيب الرهبنة فلما سلكوا على نحو مُغاير فشلوا، وهم الآن إنما يصححون بذلك مسارهم! ولكن الرهبنة -وكما سبق القول- لا تصلح كبديل، أو أن تكون الرهبنة فكرا موازيا لأفكار أو سبل أخرى، بل هي فكر يغشى الإنسان كله لسنوات سابقة على الالتحاق بالدير، فإن كان من غير المناسب ترجيح الرهبنة على الزواج بأي نسبة مهما كانت عالية، فكيف تأتى الرهبنة كبديل لمشروع ارتباط لم ينجح، بل أن محاولة الارتباط أو مجرد التفكير فيها، لها مدلولاتها عند القائمين على الرهبنة، فهم يتساءلون: إن كان الأخ قد فكر في الارتباط فإن فكرة الرهبنة بالتالي في هذه الحالة قد جاءت متأخرة وهو أمر يعنى أن الفكرة لم تختمر طويلا، وإن كانت فكرة الرهبنة قديمة فلماذا عدل الأخ عن ذلك وفكر في الارتباط، إن الثبات أمر هام بالنسبة لكل من الشاب ورئيس الدير، وبالتالي فإن عدم ثبات الفكرة: هو أمر يثير المخاوف.
يضاف إلى ذلك ضرورة أن يتخذ الإنسان القرار وهو في حالة نفسية طبيعية، فالفرحة الغامرة المفاجئة قد تدفعه إلى الإسراف في الوعود مما لا طاقة له به، وكذلك قد يؤدى الإحباط الشديد والشعور بالفشل إلى اتخاذ ما قد يندم عليه من قرارات قد تهدد حياته الروحية (مثل هيردوس الذي وعد في غمرة نشوته بإعطاء أي شيء لابنة هيروديا وقد كلفه ذلك قتل يوحنا وكان يحبه).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الذين يرغبون في الإقامة دون رهبنة

انتشرت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، حيث تقدم إلى جميع الأديرة أشخاص أكثرهم أو كلهم من كبار السن، الذين أحيلوا إلى المعاش ولم يعد لديهم في منازلهم من يحيون معهم سواء زوجة أو أولاد، فلربما توفيت الزوجة وتزوج الأبناء أو هاجروا البلاد، ومن ثم أصبحت الوحدة والفراغ يحاصران الشخص ويسببان له صغر النفس، ومن ثم فهو يفكر في تعويض ما فاته في شبابه، وربما أيضا اشتاق إلى حياة هادئة يقضى فيها بقية أيامه بعد أن عاش عشرات السنين وسط ضجيج البشر وضوضاء الآلات وملايين القصص في ثرثرة لا تبنى.

ولكن الأديرة -في الغالب- تعتذر عن ذلك بسبب صعوبة الحياة بالنسبة لمثل أولئك الذين جاءوا متأخرا، ولا يمكن بالطبع اعتبارهم أصحاب الساعة الحادية عشرة فهم أصحاب الساعة الثالثة أو السادسة ولكن الأمر يتعلق بكيفية التكملة وليس العمل من أساسه.
ولربما قال قائل بأن بعض القديسين قديما ترهبوا في سن الشيخوخة مثل القديس بولا البسيط، هذا صحيح ولكن جميع الشيوخ ليسوا مثل القديس بولا البسيط فإن كان هناك من يستطيع أن يحيا كما عاش بولا فمرحبا به!! كما أن الاستثناء لا يصح أن يتحول إلى قاعدة. وهل يجوز أن يحيا أولئك حياة اجتماعية بحتة في الدير؟
هذا بالنسبة للشيوخ أو المتقدمين في السن، فماذا عن الشبان والشابات؟، يحدث أيضا ذلك عندما يرغب شخص ما رغبة صادقة في الحياة مع الله وتكريس الوقت والقلب له بشكل كامل وصادق متنازلا في ذلك عن أي شكل أو وضع رسمي أو قانوني، مثل أن يمكث في بيت الخلوة أو بين العمال أو ملتحقا بأي عمل يحتوى على مسكن بسيط ملحق به وقد يحيا لسنوات عديدة في ذلك الإطار، ولكن المشكلة تكمن في أنه قد يتراجع عن ذلك الأسلوب في الحياة ليبدأ من جديد في العالم حياة طبيعية، وعندئذ قد يندم ويتألم لضياع تلك المدة التي عاشها في الدير داخل ذلك الإطار دون عائد مالي يذكر ودون مهنة تفيده في العالم، بل وحتى الشهادة الحاصل عليها تكون قد تقلصت أهميتها بسبب عدم وجود الخبرة التي كان من الممكن الحصول عليها في حالة عمله بها في العالم، وربما لا يتوقف الأمر عند حد الندم، بل قد يمتد إلى مواجهة وابل من الأسئلة أو علامات الاستفهام الصامتة حول تلك الفترة، ويجد ذاته مسئولا أمام المجتمع ليجيب عنها. والفرق في هذا بين الأيام السابقة وأيامنا هذه، هو أن الخبر في مثل هذه الحالات سريعا ما ينتشر حول بقاء شخص ما في الدير تحت أي مسمى مهما كان ثم عودته من جديد.
ومع ذلك فهناك بعض ممن سلكوا هذا السبيل، ولكن دون أن يعلنوا عن رغبتهم هذه بل التحقوا بالأديرة من بوابة العمل، وأثناء عملهم سلكوا طريقا رهبانيًا واستطاعوا بهدوء أن يحققوا ذلك.. أما رواتبهم فقد كانوا يضعونها كاملة في صناديق العطاء بكنيسة الدير، وعرفوا كيف يسبحون في كل فجر مع الرهبان وكيف يتناولون في قداسات لا تتعارض مواعيدها مع مواعيد أعمالهم، كما أن أحدا لم يشعر بهم وبنمط حياتهم إلا بعد فوات سنوات.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:15 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
ليس صحيحًا ما يُقال عن أن الرهبنة تُغري الكسالى وراغبي الوظائف الكنسية

كيف يهرب شخص من مسئوليات الحياة التقليدية إلى حياة ليست تقليدية، مفعمة بالحروب والأتعاب، فإنه ما أن يحط الراهب رحاله في البرية حتى يثير الشيطان ضده الحروب وينصب الفخاخ ويثير الشكوك ولا مانع من المواجهة العلنية متى اقتضى الأمر إذا كان الراهب صبورًا مثابرًا.
كما أن الأديرة الآن فيها العديد من الأعمال المختلفة والتي تحتاج إلى جهد كثير ووقت طويل ما بين الإنشاءات والزراعة ومشروعات محطات التسمين والإنتاج عموما، بل أن بعض الأديرة قد يبدو للناظر ولأول وهلة أنه منشأة أو مدينة صغيرة. في المقابل قد يمثل الفراغ مشكلة أكبر للراهب. هذا من حيث الراحة واللامسئولية التي يظنها البعض داخل أسوار الرهبنة.
أما إغراء الوظائف الكنسية فهو أمر غير مضمون، فإن فرص الأسقفية -على سبيل المثال- تعد قليلة بالنسبة لعدد الرهبان الكلى، كما أن الاختيار للأسقفية يتم على أسس يدخل فيها الاختيار الإلهي كعامل أولى وأساسي، كما تلعب الإمكانيات الشخصية دورا لا بأس به في ذلك، وبالتالي فإنه ليس من الحكمة أن يغامر شخص ما غير أهل وغير كفء للحياة النسكية، بأن يلقى بنفسه داخل هذا الإطار مؤملا أن تأتيه الوظيفة أو الدرجة الكنسية. بل أن هذا دليل كاف على عدم مصداقيته، كما يؤكد ذلك عدم رغبته في حياة نسكية خالصة.. وأخيرا فهو مهدد بالفشل.
وإن كانت الرتب الكنسية تغرى الرهبان من الرجال فماذا إذا عن الراهبات، أولئك اللائي يقضين حياتهن داخل مبنى لا يخرجن منه، ولا تتاح لهن حتى فرصة الخروج إلى البرية للصلاة والتأمل، كما هو الحال بالنسبة للرهبان في الصحراء.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
إغراء الرفاهية والمدنية في الأديرة

يرى البعض أن الأديرة في الوقت الراهن قد تخلت عن نسكها وحياتها البسيطة وأفسحت المجال في المقابل للمدنية الحديثة والتطور في المرور إلى الحياة النسكية، ولكن هؤلاء ينسون أن الحياة كلها تتطور بشكل طبيعي، فالشاب القادم اليوم للرهبنة يمتلك السيارة والتليفون المحمول وقد ينتمي إلى أسرة موسرة متحضرة، وبالتالي فإن مستوى المدينة والتطور الذي يحياه في الدير لن يصل بحال إلى مستواه قبل الرهبنة، والملاحظ أن المباني الأثرية الموجودة في الأديرة قد استخدمت فيها أحدث الأساليب التقنية في ذلك العصر عند بنائها، حقيقي أن الخامات كانت من البيئة ولكن الآلات المستخدمة كانت تعكس آخر تكنولوجيا ظهرت حتى ذلك الوقت.
إن الحوار ليس حوارا حول مستوى الرفاهية أو التحديث في الدير ولكنه حوار حول الاحتياج الشخصي للراهب، ويحرص الدير أن يقدم مستوى مقبول من الراحة للراهب حتى يتسنى له الجهاد ومواصلة العطاء، ويؤخذ في الاعتبار أن البني الجسدية للناس الآن لم تعد بنفس القوة التي كانت عليها في الجيل السابق وما قبله، والبنيان الجسدي آخذ في الضعف جيلا بعد جيل (النسك هو الضبط والناسك هو شخص قادر على ضبط نفسه وبالتالي فالنسك لا يعنى الحرمان وأذية الجسد أو الإساءة إليه بنوع من الأنواع.)
وأظن أنه لو عرض على شاب مسكن في البرية مجهزا بأحدث الكماليات ليأتي ويحيا فيه، لما استطاع ذلك أن يغريه بترك العالم والانقطاع في الصحراء ما لم تكن له رغبة صادقة في الحياة في النسك والجهاد ليجاهد ضد ضعفاته ويقدم توبة عن خطاياه، وفي هذه الحالة فهو لن يسعى في الواقع إلى مسكن مريح أو راحة جسدية، وأما التجاوز الذي يصدر عن بعض الرهبان فهو لا يمثل الرهبنة والرهبان، كما أنه قد يكون لهذا الشخص جهاداته الأخرى التي لا يعرفها من يدينونه، وقد أثبتت لنا الخبرة أن أشخاصا ممن كنا ندينهم بسبب مظهرهم قد كانوا قديسين.
يروى الآباء أن أول موقد كيروسين (وابور جاز) دخل إلى الدير، كان الآباء ينظرون إليه في تعجب كمثل شيطان سوف يفسد الحياة النسكية لهم واحتجوا كثيرا إذ كان (الكانون) يؤدى الغرض ولا داعي للتحديث (من وجهة نظرهم) أما الآن فإن المواقد الحديثة ليس فيها ما يغرى فقد صارت قديمة عفا عليها الزمن مقابل ما هو مستحدث الآن..

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
المشكوك في أمرهم

وليس صحيحا ما يقال عن أن الأديرة تقبل إليها الهاربين أو المشكوك فيهم، ففي الأزمنة القديمة كانت الأديرة معزولة جدا، يبلغ فيها العيش حد الشظف، معرضة للغارات وهجمات البدو، وبالتالي فلم يكن من السهل أن يهرب إليها إنسان.
للتأكد من ذلك يطلب الدير من الشاب تزكية أب اعترافه (والتي تشبه إلى حد ما شهادة خلو الموانع التي يطالب بها كل من الطرفين عند الزواج) بل وحدث أن بعض الأديرة في وقت ما كانت تطالب بتوقيع قسم البوليس التابع له على التزكية، وربما كان السبب في ذلك ما نشرته الجرائد الرسمية عن شخص يدعى حافظ نجيب، والذي كان هاربًا من عدة أحكام قضائية بالسجن، ولكنه استطاع أن يترهب بدير المحرق بل وأوشك على نيل درجة الأسقفية، لولا أن البابا كيرلس الخامس اكتشف أمره (كتاب اعترافات حافظ نجيب، تأليف سعدية الحبالى / دار النيل للطباعة – سنة 1946) ويروى القمص أنسطاسى الصموئيلي أنه في بداية إعادة تعمير دير الأنبا صموئيل في أوائل السبعينات أن تقدم إلى الدير شاب عرف منه أثناء الاعتراف أنه واقع تحت حكم قضائي وأنه مظلوم فيه فنصحه أن يعود ثانية إلى العالم لتسوية هذا الأمر قبل تقدمه ثانية للرهبنة. وقد يقبل الدير لصا تائبا ولكنه لا يقبل لصا هاربا.
في المقابل نقرأ عشرات القصص عن الآباء الذين اختاروا شظف العيش داخل الدير طوعا، فهذا راهب في دير البراموس عاش سبعة عشر عاما لا يعرف أسماء الرهبان ولا كيف يصل إلى مرافق الدير، وآخر في دير السريان كان ينام في فناء الدير على أريكة متهالكة وثالث تنيح بسبب شدة النسك ورابع عاش في جبل سيناء 55 عاما لم يسمع عن الحربين العالميتين الأولى والثانية وخامس وسادس. ونقرأ عن رئيس دير في جبل أثوس Όρος Άθως لما رأى الدير قد اغتنى بسبب عطايا الأمراء قام ليلا واحرقه وألزم الرهبان ببنائه من جديد ليختبروا الحياة الرهبانية الحقة..

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
قوانين وخبرات شخصية لبعض الأديرة القبطية الأرثوذكسية

  1. قوانين الرهبنة وقوانين كل دير
  2. الوحيد بين شقيقات
  3. وكثيرون -في المقابل- قرر الدير قبولهم فلم يأتوا
  4. لماذا يترك البعض الرهبنة؟
  5. الحروب والتحديات التي تواجه الراهب في الطريق

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
قوانين الرهبنة وقوانين كل دير

على الرغم من أن هناك قوانين عامة للرهبنة، تسير جميع الأديرة بموجبها، إلا أن تناول هذه القوانين من جهة التنفيذ، يتفاوت من دير إلى دير آخر بحسب ظروفه، وبالتالي وفي هذا الصدد فهناك تفاصيل تختص بقبول الراغبين في الرهبنة، وكذلك بالحياة الداخيلة في الدير، فمن رؤساء الأديرة من لا يحبذ رهبنة الأشقاء معللا ذلك بما قد تجلبه رابطة الدم من دالة قد تعطل خلاص الشقيقين أو سلبيات أخرى مثل التكتل والتعاطف وما إلى ذلك.

ومنهم من لا يرحب برهبنة الحاصلين على المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة معللا ذلك بضرورة أن يكون هناك تناسق وتناغم بين أفراد الجماعة الرهبانية على مستوى الثقافة والفكر، في حين يرى آخرون أنه لا مانع من ذلك بشرط تقدم السن قليلا حتى يصل إلى السن التقليدي لرهبنة الشاب (25-30 سنة) بحيث يكون الشخص قد عمل لعدة سنوات أكسبته خبرة وصقلت شخصيته.
ويتردد أن بعض الأديرة لا تقبل القادمين للرهبنة من بعض مدن بعينها، ولكنه لا يجب أن يؤخذ شخص بذنب آخر أو أن يسئ شخص واحد إلى شعب بكامله، ومن الجهة الأخرى ليس بالضرورة أن يكون جميع سكان وشبان بلد ما لهم نفس طباع ومنهج الشخص السيء، فإنه لا يجوز الحكم على جماعة من خلال شخص ولا الحكم على شخص من خلال تصرف (موقف). إن الأمر يتوقف على دراسة الشخص المتقدم نفسه ومدى صلاحيته للطريق ومجيء صدق رغبته، أما إن كان بعض رؤساء الأديرة يخشون من التكتل أيضا فهذا يتوقف على التدبير الداخلى للدير وانشغال الراهب الدائم ما بين الشركة والتدبير الخاص..
فى المقابل هناك أديرة تفتح الباب على مصراعيه لطالبي الرهبنة مكتفين بشرح وعورة الطريق وصعوبة الحياة ملقين المسئولية كاملة على كاهل راغب الرهبنة، وبالتالي يحملونه عبء اتخاذ القرار بالكامل، وهناك أديرة تتبع نظام التسهيل وأسلوب الترغيب والجذب إلى رهبنة الشبان حتى ولو أدى ذلك إلى ترك عدد منهم الدير فيما بعد (أحد الأديرة كان يضم في وقت ما 60 من الأخوة طالبي الرهبنة، بينما كانت هناك قائمة انتظار تحتوى على أسماء 300 شاب آخر). بينما يجب أن يكون القرار مشتركا بين الطرفين اللذين ستقوم الشركة بينهما، أي الدير والشخص، فلا يكفى أن يحسم الشخص الأمر على مستواه فقط وإنما يوضع في الاعتبار المكان الذي سيحيا فيه ولا يكفى أن يحسم الدير الأمر على مستواه فقط، حيث يأتي بعد ذلك الترغيب في الرهبنة ولكنه من المناسب أن يحسم الشخص الأمر على مستواه أولا ومن ثم يتقدم إلى الدير، والذي يبدأ عندئذ دوره في دراسة الأمر والموافقة في النهاية أو الاعتذار..
وأديرة تقبل السن الصغير، ربما العشرين أو بعده بقليل، وأخرى تحبذ الثلاثين وما يليها، ويرى الفريق الأول أن حديث السن يسهل تشكيله وأن استعداده للطاعة والنسك والجهاد يفوق المتقدم في السن، بينما يرى الفريق الآخر أن سن الثلاثين وما بعدها هي سن النضج.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:18 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الوحيد بين شقيقات

لعل المانع الوحيد لتجنيد الأخ الوحيد كونه سيحمل عبء الأسرة عند كبر الأب، وبالتالي فإنه يعفى أيضا الأخ الكبير من التجنيد في حالة وفاة الأب أو إحالته إلى المعاش إذ يصبح هو عائل الأسرة، ولكن ترى ما هي الأسباب التي دفعت بعض الأديرة إلى الاعتذار لطالبي الرهبنة متى كان المتقدم وحيدا بشكل عام أو وحيدًا بين شقيقات، سألت نيافة الأنبا ايسوزورس رئيس الدير خلال السنوات العشر الماضية -هي مدة رئاسته للدير- أي شخص وحيد، فقال:-

رأيت بالتجربة والخبرة الشخصية أن ذلك غير مناسب، وقد أيدنى في ذلك الكثير من رؤساء الأديرة، حين ناقشنا هذا الأمر في لجنة الرهبنة المنبثقة عن المجمع المقدس، وذلك لعدة أسباب:
1- أن الوحيد هو عائل أسرته، والمتبع في الرهبنة أن يضحى الشخص بماله ووظيفته وراحته هو حبا بالمسيح ورغبة في الحياة معه متجردا من أمور هذا العالم، لا أن يضحى براحة أسرته ومواردهم التي من المفروض أن يكفلها لهم، والكتاب يقول (وإن كان أحد لا يعتني بخاصته ولا سيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو أشر من غير المؤمن) (1تى 5: 8) وبالتالي فقد يناسبه الزواج ولكن هذا شأنه هو.
2- يخشى أن يكون الوحيد هو شخص مترف مدلل، كان محط الأنظار والأضواء لسنين عديدة نال فيها من الترفيه ما يجعل من رهبنته سببا في تعبه وشقائه، نظرا لشظف العيش وقسوة الحياة وتجاربها، فنضع بذلك عليه ثقلا لا قبل له باحتماله.
3- أنه قد يتعرض مثل ذلك الشاب –وهو يقيم بالدير- لحروب ثقيلة بخصوص أسرته، حيث تنتابه القلاقل عند توارد أي أخبار تقلقه عنهم مما يدفعه إلى محاولة الاطمئنان عليهم بشتى الطرق وفي هذا تشتيت للذهن وخروج به عن دائرة اهتماماته الحقيقية إلى اهتمامات عالمية.
4- أنه وفي المقابل فقد يبادله الأهل ذات المشاعر وما يرافقها من قلق، مما يدفعهم أيضا وبالتالي إلى بذل شتى المحاولات للاطمئنان عليه، وقد يحدث أن تتطور الأمور إلى الحد الذي يجعلهم لا يستطيعون الاستغناء عن اهتمامه وخدمته لهم.
5- أما تحسب له رعايته لأسرته جهادا ورسالة تستحق المكافأة الأبدية! إن قلبها بفرح وأتمها بأمانة. وهل يجوز له أن يتركهم وهل يسر الله بمثل ذلك؟ ومع ذلك فإذا ترهب بالفعل فإنه يجب ألا يشغل ذاته بهم (يرد في بستان الرهبان أن القديس بيمن رفض التدخل لدى الرائي لإنقاذ ابن أخته المسجون، كما نقرأ عن آخر رفض إعطاء أخته طعاما في وقت المجاعة، حيث من المحتمل أن يستلزم الأمر عودته إلى العالم ليعمل من أجل إعالتهم، وربما كان ذلك أيضا بحيلة من الشيطان ليخرجه من البرية).
ومع ذلك يقول نيافته: أنه قد نجح الكثيرون ممن لهم مثل هذه الظروف الأسرية، في الحياة الرهبانية واستطاعوا التغلب على هذه الظروف غير المواتية، ولكنها مخاطرة على أية حال يجب التحسب لها جيدا.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:19 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
وكثيرون -في المقابل- قرر الدير قبولهم فلم يأتوا

يلح الشاب أو الفتاة شهورا عديدة مستعجلا الآباء في الدير، وقد تصل فترة التردد على الدير بما فيها من التدريبات والنقاشات والمحاورات والزيارات المتتابعة للدير، ما يزيد عن السنة، فإذا ما وافق الدير أخيرًا وقرر قبول ذلك الشاب، فوجئ الشاب أن الأمر قد تحول فجأة بهذا القرار إلى مفاجئة غير سارة! فقرر من جانبه ألا يأتي، وفي حالات أفضل قليلا جاء الشاب وأقام لمدة يوم أو ليلة أو أسبوع على الأكثر ثم عاد أدراجه ليبدأ رحلة مؤلمة، بسبب الشعور بالفشل وقد يرافقه هذا الشعور طوال حياته، وقد رأينا كيف عاش أكثر هؤلاء أسرى تبكيت الضمير حتى بعد زواجهم وإنجابهم وراحوا يروون ذلك لزوجاتهم وأولادهم، وكأنهم يقولون لأولادهم: "هزمنا في معركة وليتكم تحققون ما لم نستطيع نحن تحقيقه" (أو هزمنا في اليدان وليتكم تخوضون تجربتنا).
هنا نستطيع القول بأن القرار نفسه يكشف الشخص، أو بمعنى أدق يجسم للشخص حجم "المشروع"، وخطورة القرار المقدم عليه، تماما مثل قفزة الثقة التي يجب على المتقدم لكلية الشرطة اجتيازها، إنه يعرفها ويسمع عنها منذ صغره كما أنه متأهب لها وقد اجتاز العديد من الاختبارات البدنية والصحية والنفسية في سبيل الالتحاق بالكلية بينما يتبقى أن استعداده للمغامرة والشجاعة، فتكشفه هذه القفزة!! (يصل البعض إلى آخر ذلك اللسان الذي يقفزون من فوقه، فتسمر أقدامهم وتتحول أجسادهم إلى قوة جبارة للرفض، وقد يضطر الضابط المشرف إلى دفعه نحو الماء حتى يجتاز الاختبار ولو بشكل ما).

ويظهر بالتالي أن هدف ذلك الشاب المقدم على الرهبنة، لم يكن أبعد من بوابة الدير إلى الداخل، وربما دخل في تحد مع نفسه من أجل تحقيق هذا الهدف وهو الحصول على موافقة الدير باعتبارها العقبة الكؤود، فبذل الكثير من الجهد لقاء تحقيق ذلك (أصول الحياة الروحية / ص 55)، وربما أشيع بين أخوته من الخدام وأقاربه وزملائه في العمل خبر رهبنته، فامتدحوه كثيرا، فلم ير بديلا عن أن يحقق لهم ذلك، هذا وقد وصل عدد الذين حصلوا على موافقة الدير (دير البرموس) بالالتحاق بالرهبنة ثم عدلوا عن رغبتهم إلى عشرة شبان وذلك خلال السنوات العشر الماضية.
عن المتقدمين للرهبنة يقول القديس أنطونيوس أن البعض أتوا إلى الطريق بموجب ناموس المحبة الكائن في طبيعتهم، وعندما جاءتهم كلمة الله قبلوها بفرح ودون شك مثل إبراهيم أب الآباء والذي يعد نموذجا في الاقتراب إلى محبة الله، ويرى القديس أيضا أن هناك أيضا من يسمعون كلمة الله المكتوبة عن مجد الأبرار وآلام الأشرار فتتيقظ نفوسهم ويدخلون إلى الطريق (ولعله هو نفسه ينتمي إلى هذا النوع) وأما النوع الثالث فهو الذي يأتي بعد تأديبات من الله فيقدم توبة ويدخل إلى معرفته (رسائل القديس أنطونيوس/ الرسالة الأولى/ بيت التكريس 1984م / ص12، 11).
ولاشك أن هناك عملا للروح القدس داخل الشخص الذي يترهب، فالرهبنة هي عمل إلهي إذا لا يستطيع إنسان بقدرته العقيلة والنفسية أن يقدم على طريق ثل هذا ما لم يسنده الروح القدس، فيستخف بكل شيء في العالم ويدير له ظهره في اتضاع، فالرهبنة ليست كلاما فلسفيا جميلا ولكنها خبرة وواقع يعاش ويتحقق، وقد عرفت بلاد الهند قبل المسيحية وليونى ناسك (أصول الحياة الروحية/ ص 86)، مما يعكس الميل الطبيعي لدى الإنسان للعزلة والتأمل، ولكن ذلك كان في إطار نفسي فقط، في حين أن النسك والترويض المسيحي في إطار الرهبنة له دافع آخر وهو سمو الروح، فإن الحاجة إلى واحد اختارته مريم أخت مرثا، وإذا كان هناك راهب أول تبعه جميع الرهبان والراهبات المسيحيين فهو بلا شك السيد المسيح الذي فتح لنا طريقا بالبتولية والنسك والطاعة حتى الموت.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:20 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
لماذا يترك البعض الرهبنة؟

كثيرون بدأوا ولم يكملوا بسبب ضياع الهدف الرئيسي، لعدم اليقظة المستمرة، وظهور أهداف أخرى مثل الكرامة أو محبة الرئاسات، بحيث يجعلها الشيطان، مساوية، للهدف الأصلي أو مزاحمة له، وفي هذا يقول معلمنا بولس الرسول "أنتم عبيد للذي تطيعونه أما للخطية للموت أو للطاعة للبر" (رومية 6: 17). وهكذا فإن محبة الله والعفة والتكريس كدعوة من الروح القدس، هو الدافع الذي جعل كثيرين يثبتون في هذا الطريق لأنهم بدأوا بهدف واضح سليم.

يصل عدد الذين تركوا الرهبنة خلال الثلاثين سنة الأخيرة حوالي الأربعين راهبًا، وقد يبدو الرقم كبيرا ولكنه بالنسبة للعدد الكلى للرهبان وهو ألف وثلاثمائة (1300) رهب -كما سبق- لا يعد كبيرا بل يعد نسبة ضئيلة، فالذين تراجعوا عن الطريق وإما واجهتهم صعوبات لم يستطيعوا الصمود قدامها، كما لم تفلح معهم نصائح الآباء المدبرين (يعول كثيرا في التدبير الروحي، على ضرورة كشف الأفكار للأب المدبر، الجيد منها والرديء على حد سواء. حيث كثيرا ما تلاهت الشياطين بمن أخفوا أفكارهم)، وهناك كذلك من وقعوا تحت التأديب الكنسي، يضاف إلى ذلك أن بعض الذين تركوا الطريق الرهباني قد فضلوا ذلك حين اكتشفوا أنه من العبث المواصلة في طريق لن يثمروا فيه كما تمنوا، فآثروا اختيار طريق آخر علهم يخلصون فيه ويثمرون.
وقد شبه أحد الآباء ذلك بقافلة تسير نحو هدفها وبين آن وأخر يسقط أحد أفرادها، مما يسبب الأسف وربما الذعر بين الآخرين، وكأنما بسبب وعورة الطريق وكثرة الوحوش والأعداء وقسوة الطبيعة (المناخ) فإنهم يفقدون بعض الرفقة، ولعله من الأسباب الهامة وراء ذلك عدم التحسب للطريق وحروبه ووعورته، فإذا اعتبرنا أن الراهب يسمر مع المسيح (يصلب معه) بثلاثة مسامير فإن المسمار الأول هو الطاعة والثاني هو الفقر الاختياري وأما الثالث فهو العفة، وفي التقليد اليوناني يظهر المسيح مسمرا بأربعة مسامير ويقولون عن الراهب في -طقسهم- أنه يسمر مع المسيح وأن المسمار الرابع الذي يسمر به: هو الصبر على المسامير الثلاثة الأخرى"..
هذا وتعبر الكنيسة ترك الرهبنة حنثا بنذر البتولية وتشدد وتدقق جدا فيما يتعلق بالسماح لمن تركوا الرهبنة بالزواج لسببين أولهما لفت نظر حديثي السن بضرورة التدقيق عند اختيار الرهبنة كطريق وثانيهما الضغط على الراهب عله يثابر فلا يترك الطريق ولا يفقد إكليله التالي، هذا ويسبب ترك شخص ما للرهبنة آلاما لكل من الشخص نفسه وإخوته في الدير بل وأسرته ذاتها.
تقول الخبرة ويؤيدها الواقع أن جميع الذين تركوا الرهبنة لم يحققوا الهدف الذي تركوا الرهبنة لأجله، وأن شبح الخيانة يطاردهم، كما نجح الندم الشديد في أن يؤرق حياتهم ويشككهم مرة أخرى في قرارهم بترك الدير، ويقول أحدهم أن هناك لعنة كانت تطارده أينما حل وأينما رحل وأن ثقته في نفسه ونجاحه في عمله قد تأثرًا، كما أن المجتمع في الشرق لا يغفر مثل هذا المسلك (ورد في مجلة الكرازة وهي لسان حال الكنيسة القبطية. ردا على سؤال موجه إلى قداسة الباب عمن لا يجوز الصلاة عليهم بعد موتهم، حيث ذكر قداسته أن من بين أولئك الراهب الذي يكسر نذره ويتزوج ويصبح زواجه خطية يعيش فيها طوال حياته، هذا لا تصلى الكنيسة عليه وغالبا هذا النوع لا يتزوج في الكنيسة، لأنه لا توافق على الاشتراك في كسره للنذر، لذلك فهو يعقد زواجا لا تعترف به الكنيسة. وهذا النوع كثيرا ما يغير مذهبه ويتزوج. فيكون قد فقد رهبنته وبتوليته ونذره ومذهبه الأرثوذكسي، وإن كان راهبًا كاهنًا يكون قد فقد كهنوته أيضًا. وهكذا لا يمكن أن تصلى عليه الكنيسة/ مجلة الكرازة العددان 13 و14- ص 15/ سنة 1998). في هذا يقول السيد المسيح "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 9: 62).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:21 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
الحروب والتحديات التي تواجه الراهب في الطريق

1- الملل أو الحرب الباردة، وهو رفيق رحلة الراهب.. الملل صديق الراهب، حيث يسعى الشيطان في استدراج الراهب قليلا قليلا حتى يفقد حميته الروحية ونشاطه، فتبرد فيه محبة الله وتقل صلواته وتضعف نسكياته، ولعله من العوامل التي تساعد في ذلك الرتابة والتكرار (ترد في بستان الرهبان قصة عن راهب شعر بحروب كثيرة في الموضع الذي كان يسكن فيه فقرر أن يتركه ليمضى إلى موضع آخر، وبينما هو يستعد لذلك نظر عن بعد فإذا بشخص يستعد هو الأخر لترك المكان وعرف فيه الشيطان، فلما سأله عرف أنه ماض معه، قال له فإنني أترك هذا المكان من أجلك، أجاب الشيطان بأنه لا يقيم لأجله أيضا، ومن هنا فقد عطل الراهب عن قراره وهكذا فعل الشيطان!!

ويروى شيوخ دير البراموس، عن راهب فاضل ألحت عليه الأفكار في النزول من الدير لزيارة أسرته، فجمع حاجياته في حقيبة بسيطة، وفي الصباح استعد للسفر فصافح إخوته في الدير وكان الحمار الذي سيركبه إلى أقرب محطة في وادى النطرون جاهزا أمام الباب، فركبه وودعه الآباء ومن ثم أغلقوا باب الدير، فإذا بالباب يطرق بعد ساعة من جديد ويفاجأ الآباء به ثانية فيسألونه ويعرفون منه أنه دار حول سور الدير 3 مرات ثم عاد ثانية!!.
يكن هناك في المقابل عملية بناء داخلية مستمرة تهبه نفقة الطريق فإن الخارج لا يستطيع المواصلة.
2- السبح الباطل وذلك حين يوعز إليه الشيطان بأنه قد صار محسوبا ضمن أفضل شريحة من المسيحيين، وبأنه قد حقق أعلى درجات التخصص الروحي، فيفرح لذلك ويكتفي به، فتتوقف المسيرة عن العطاء ويكمل في الطريق على مستوى الشكل والتركيب الخارجي فقط، ويسلم نفسه من ثم إلى حروب ثقيلة متعددة.
3- التشكك: وذلك حين تتقاذفه الأفكار بين آن وآخر، تشككه فيما اتخذه من قرار بدخوله إلى الرهبنة، وأنه تَسَرَّع في ذلك وكان مُغاليًا في اختيار طريق هكذا، وأنه كان من الممكن أن يحيا مثل الكثيرين من رفقاء الطفولة والدراسة والعمل، الذين سلكوا مسلكا طبيعيا مجنبين ذواتهم ما هو فيه من جنوح خطر، فما هو حقق هدفه فيما اختاره من طريق ونمط حياة، ولا هو عاش مثلهم في بساطة مثل جميع البشر.
هذا وينصح الراهب من المدبرين الروحيين أن يكون شجاعا مثابرا حيث يحسب له هذا جهادًا، وبأن أمانته للطريق تستحق المكافأة وعند سيامة راهب لدى الروم الأرثوذكس يسأله رئيس الدير: أتلبث ثابتا في الدير وفي النسك حتى نسمتك الأخيرة؟ أتحتمل بصبر جميع أحزان السيرة الرهبانية وضيقاتها لأجل ملكوت السموات؟
وفى الطقس القبطي يتعهد الشخص عند الرهبنة قائلا: "أنا الضعيف المتقدم بنعمة الله للدخول في سلك الرهبنة.. أتعهد بأن أسلك حسب قوانين الرهبنة، معترفا بأنهم موت عن العالم.. وأبعد عن محبة المال.. وأن أعيش حياة الطاعة وألا أسلك حسب هواي ومشيئتي وأتعهد بأن أعيش في حياة الطاعة الكاملة.. وأن أكون أمينًا في اعترافاتي.. كما أتعهد بالقراءة في الكتاب المقدس وكتب الآباء.. والمواظبة على الأسرار الإلهية، والتسبحة.. وحياة السكون والتأمل" أ ه.
ومع ذلك فقد رأى البعض الانسحاب من المعترك متى تأكد من عدم جدوى الاستمرار (تتوقف خطورة هذا القرار على أساس أن المسألة أو الفرق بين ضرورة الصبر لكون ما يمر به الراهب هو محض حروب سوف تمر، وبين ضرورة أن يتخذ قرارا بخروجه من الدير مسافة صغيرة للغاية وربما شعرة!! وبالتالي فإن قرار خروجه من الدير أصعب من قرار خروجه من العالم).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:22 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
عند لبس القلنسوة والمنطقة للرهبان

وعند لبس القلنصوة والمنطقة يصلى الرئيس قائلًا:

أيها السيد الرب الإله ضابط الكل، أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، نسأل ونرغب إلى صلاحك يا محب البشر ارشم عبدك بيمينك عده مع عسكرك السمائي، ارعه، باركه، ثبته، احفظه من كل الأفعال الشيطانية. هب له مخافتك. احفظه كل حين ليكون بلا خطية لكي يجاهد الجهاد الحسن الذي للرهبنة. ويكمل سعيه حسنًا. ويحفظ الأمانة بغير تحول ولا ميل ولا لوم عليه. بربنا يسوع المسيح هذا الذي له المجد والإكرام الآن وكل أوان آمين).
وصلاة شكر أيضا على القلنسوة والمنطقة
نشكرك يا الله ضابط الكل الذي برحمتك الكثيرة خلصت عبدك (..) من التعب الباطل الذي للعالم، ودعوته إلى الوعد الصادق. نسأل ونطلب من مجدك المقدس اجعله مستحقًا لوعدك الطاهر الكريم، احفظه من كل فخاخ إبليس وكل جنوده. هب له صلاحًا واتضاع قلب ووداعة ونسك وإيمان ورجاء ومحبة بابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي له المجد والاكرام أمين.
ثم يرشم الثياب ثلاثة رشومات وبينما يرتدى الشخص الثوب يهتف الرئيس قائلا (ألبس ثوب البر ودرع النور. وأصنع ثمرة تليق بالتوبة بالمسيح يسوع ربنا. هذا الذي ينبغى له المجد إلى الأبد آمين.
وعندما يلبسه القلنسوة يهتف أيضا، البس قلنصوة الاتضاع وخوذة الخلاص وأعمل ثمرة صالحة بالمسيح يسوع ربنا. هذا الذي ينبغي له المجد إلى الأبد آمين. ثم يمنطقه بالمنطقة وهو يقول شد على حقويك بجميع رباط الله وقوة التوبة بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي ينبغي له المجد إلى الأبد آمين.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:23 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
وصية الراهب

وعندما ينتهي من لبس الشكل الرهباني يرتل الحاضرون لحن خين أفران وبعد قراءة التحاليل والختام والبركة تتلى الوصية على الراهب:

اعلم أيها الأخ مقدار النعمة التي أدركتك لأنك قد لبست شكل الملائكة، وأقمت ذاتك جنديًا للمسيح وتقدمت إلى جهاد صالح.
أول كل شيء قد تجددت وتنقيت من الأعمال الردية التي للعالم كما قال أبونا القديس العظيم أنطونيوس أب الرهبان إن الروح الذي يحل على المعمودية المقدسة هو يحل على شكل الرهبنة ويطهر الذي يصير راهبًا.
ثم يشهد أيضًا. أعنى أبانا القديس أنطونيوس. قائلًا أنه رأى ذاته وكأن نفسه قد خرجت من جسمه وأعاقوها في الجو، وأراد أن يحاسبوها منذ صغرها، وإذا صوت من السماء يقول أنني من حين صغره إلى حين صار راهبًا، قد تركت له ذلك وغفرت خطاياه بالرهبنة ولكن من وقت أن صار راهبًا حاسبوه. وهكذا حاسبوه فوجدوه بغير لوم كريمًا أمام الرب ذا إعمال فاضلة.
والآن أيها الأخ ها قد طهرت من دنس العالم الكثير الأنواع، فاحفظ نفسك منذ الآن لتكون جنديًا صالحًا للمسيح ملك الملوك، وتقاوم الحرب الخفية التي لإبليس وجنوده الأشرار.
واحفظ العهد الذي قررته الآن بأن تعبد الله بخوف ورعده وتتلو في المزامير، مع سهر الليل، وتلاوة الإبصلمودية، وصلاة الكنيسة المفروضة.
تكمل ذلك بكل الاجتهاد، مع صوم بمقدار ونسك، وطهارة الجسد لكي تكون صديقًا للملائكة الأطهار، وأيضًا الخضوع والطاعة تكملها.
واحرص أن تسمع لمن يرشدك إلى طريق الله ووصاياه المقدسة إلى حد الموت، لكي تنال تاج أبناء الله وترث ملكوت السموات، ويكون لك نصيب وارث مع كافة القديسين الذين أرضوا الله منذ البدء.
والرب الإله يساعدك في كل عمل صالح، ويحرسك من التجارب إلى النفس الأخير، ويجعلنا جميعًا مستحقين سماع الصوت المملوء فرحًا القائل، تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملك المعد لكم قبل إنشاء العالم.. بشفاعة كافة القديسين آمين.

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:23 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
نهاية طقس رسامة الرهبان

وبعد نهاية القداس الإلهي يطوفون بالراهب الجديد الهيكل ثلاث مرات ثم صحن الكنيسة ثلاث مرات أيضًا، ثم في النهاية دورة واحدة في الهيكل حسب طقس الدورة العادية، وعند تمام ذلك يقفون حوله ويقرأون الطرح الآتي:

افرحوا معنا كلكم اليوم يا آبائي وإخوتي من أجل أبينا المكرم الراهب (..) الذي لبس ثوب الرهبنة الملائكي، ونال الموهبة الصالحة التي يعطيها الرب لمن يعمل صلاحه فقد اختاره الرب كما قال بولس الرسول لسان العطر، ومعلم المسكونة في رسالة رومية ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم.(رو 16:9).
وكذلك قال يعقوب الرسول إن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبى الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران شاء فولدنا بكلمة الحق لنكون باكورة من خلائقه.
وكما قال الرب موضحًا طريق الكمال لذلك الشاب، إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع كل أموالك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني (مت 21:19) حاملا الصليب (مر 21:10).
فتقدسه تقديسًا يليق بمجده، ونشكره شكرًا على ما وهب لنا من جزيل بركاته، ونسأله أن يعطينا فهمًا لكي نفتح أفواهنا اليوم وننطق ونتهلل ونفرح بكرامة أبينا الطاهر الراهب (..) الذي لبس شكل الملائكة وصار في طقس الروحانيين.
طوباك أيها الراهب الطاهر إذ نلت هذه النعمة الجليلة، والموهبة العظيمة التي أنعم بها عليك السيد المسيح، ولما لبست شكل الرهبنة المقدس، وأفرزت ذاتك جنديًا صالحًا ليسوع المسيح، صرخ السمائيون والأرضيون قائلين: مستحق. مستحق. مستحق يا أبانا (..) الراهب.
ونحن نسأل ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح أن يحفظ رهبنتك بالبر والطهارة ونكمل جهادك في طريق القديسين، لكى نفرح معهم في ملكوت السموات ونسمع من الفم الإلهي ذلك الصوت الفرح القائل نعمًا أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير أدخل إلى فرح سيدك. (مت 25:23) آمين.
هذا وقد اتبع طقس جديد منذ عدة سنوات، يقضى بأن يمكث الراهب الجديد بعد رسامته، ثلاثة أيام في قلايته حبيسًا متأملًا فيما صار إليه والنعمة التي أسبغها عليه الرب بتبعيته له.
(لا يقل الخصي ها أنا شجرة يابسة لأنه هكذا قال الرب للخصيان الذين يحفظون سبوتي ويختارون ما يسرني ويتمسكون بعهدي إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نصبًا واسمًا أفضل من البنين والبنات. أعطيهم اسمًا أبديًا لا ينقطع) (أش 56: 3-5).

Mary Naeem 04 - 04 - 2014 04:24 PM

رد: كتاب لماذا يقبل شباب الأقباط على الرهبنة؟ - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
 
مَنْ هو الراهب؟


أخيرًا: فإن الراهب هو شخص خرج يطلب وجه الله (وجه النور) لسان حاله يقول لك قال قلبي اطلبوا وجهي وجهك يا رب اطلب (مز 8:27) ويصبح هذا هو شعاره على مدى سني حياته الرهبانية، وقد كان هذا بالفعل هو لسان حال الآباء السواح الذين خرجوا من مغاراتهم ولم يلتقوا إلى الخلف ثانية ودخلوا من ثم في خبرة شخصية مع الله، وقد كانت الرهبنة أقوى ما يكون عندما كان الرهبان يحيون فرادى في المغارات وشقوق الجبال حيث أهتم الله بهم بشكل شخصي وبالتالي فقد كان للمتوحد أو السائح عمق اختياري، حدث هذا قبل أن تعرف الأديرة الحصون والأسوار وحياة الشركة المنظمة فالرهبنة هي حركة Movement وليست مؤسسة Organization، هي حركة داخلية من النسك والحب الإلهي وليست تنظيماُ إداريًا ودرجات وظيفية.
إن الراهب هو، إنسان القلب الخفي (1 بط 4:3) والراهب ما لم يحيا أبديته هنا، بأشواق متجددة ورجاء كامل، فان ذلك يعنى وجود خلل في طقسه ورهبنته، وللراهب جناحان للوصول إلى الله: العزلة والحياة المشتركة والراهب يمارسها من خلال أمانته في تدبيره الروحي وصلاته لأجل الآخرين في الكنيسة جسد المسيح.. إن الكنيسة الآن في احتياج إلى عشرات الآلاف من الرهبان، يصلون من أجلها ويعلمون كخط دفاع عنها، يسبحون ويدرسون ويبحثون ويعملون، لا يراهم الناس ولكنهم يشعرون بصلواتهم وفاعلية وجودهم في تلك القفار، وحينئذ تصبح الأديرة حصونًا للعقيدة ومعاقلًا للفضائل، ومن يرغب في هذا الطريق عليه أن يراعى:
1- أن يصلى بتسليم كامل لله، حتى يرشده الروح القدس كيف يفكر وكيف يقرر, ولكي يهبه الحكمة اللازمة لاتخاذ مثل هذا القرار الهام، ويطلب ذلك بإلحاح وميطانيات في كل صلاة.
2- أن يدرس الأمر بصدق وصراحة شديدين، في ضوء كلمة الله وكذلك إمكانياته ومواهبه وملامح شخصيته، على أن يكون شموليًا موضوعيًا في دراسته وتفكيره، محايدًا واضعًا رأيه الشخص جانبًا.
3- أن يسترشد بمن يوثق بهم ممن لهم خبرة بهذا الطريق، وقد عركوه واختبروا دربه، على أن يراعى في كل ذلك عدم المماحكة أو المناورة من أجل الحصول على تأكيد لرغبة شخصية من المحتمل أن تكون غير ناضجة.


الساعة الآن 12:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025