منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=270015)

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:13 PM

شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام
تفسير سفر المكابيين الثاني - المقدمة
من الضروري لدارس العهد الجديد دراسة سفرى المكابيين، إذ تُعد هذه الفترة (القرنين الثاني والأول قبل الميلاد) تمهيدْ وتوطئة للعهد الجديد . كانت الأمة اليهودية قد وصلت إلى حالة سيئة من الضعف والتردى في تلك الأيام ، وذلك على أكثر من مستوى . ومع أن المكابيين قد قاموا بدورهام في سبيل إعادة الأمة إلى الله وتفعيل جذوة الحياة الليتورجية من جديد بعد توقف العبادة في الهيكل وترك الشعب الناموس وإهماله لخلاصه، إلا أن خلفائهم قد مالوا إلى السياسات التوسعية وسعوا إلى تحقيق مآرب شخصية،
فحادوا عن الطريق وأهملوا شئون الأمة.. مما مهد السبيل للرومان لكي يضموا منطقة اليهودية إلى أملاكهم ومستعمراتهم..
ومع ذلك فقد أسهم الرومان بشكل غير مباشر ودون قصد منهم في تسهيل نشر المسيحية في ربوع الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف.. وكان ذلك بتدبير من الله الذي يستثمر كل الأحداث وكل البشر في سبيل تحقيق مشيئته الصالحة وتدبير الخلاص لهم.. ذلك الخلاص الذي نظره آباؤنا من بعيد وصدقوه وحيوه.
وبينما يتحدث سفر المكابيين الأول عن جهاد الإخوة المكابيين الخمسة، في سبيل تنقية الأمة من التأثير الوثني العقيدي الذي وضعه الحكام السلوقيين. فإن سفر المكابيين الثاني هنا يركز على جهاد يهوذا المكابى في نفس الفترة، والذي يعد القائد الأشهر في التاريخ اليهودي بعد داود النبي. كما قدم لنا سفر المكابيين الثاني باقة عطرة من الشهداء، والذين اعتبرتهم الكنيسة شهداءا مسيحيين قبل المسيحية. مثل المرأتين اللتين استشهدتا مع طفليهما لأجل الختان، والشهداء السبعة وأمهم وأبيهم، وكذلك رازيس الشيخ. هؤلاء الذين أشار إليهم القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين قائلا:
"الذين بالإيمان قهروا ممالك صنعوا برا نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود. أطفأوا قوة النار. نجوا من حد السيف تقووا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء. اخذت نساء أمواتهن بقيامة وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس. رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض. فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد. إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا." (11: 33-40)
أشكر جميع الذين اشتركوا معي في إعداد هذا الكتاب سواء من جهة جلب المراجع أو ترجمتها أو مراجعة النصوص أو الأعمال التقنية وغيرها... الرب قادر أن يكافئ الجميع خيرًا عن تعبهم، بصلوات قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الأنبا إيسوزورس، والذي تفضل بمراجعة الكتاب. ولإلهنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
مكاريوس
الأسقف العام
صوم الرسل الأطهار 2004م

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:21 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 1 - تفسير سفر المكابيين الثاني
رسالتان إلى يهود مصر


أراد يهود أورشليم أن يشركوا أقرانهم في مصر فرحتهم في الاحتفال بالتدشين، فأرسلوا لهم يحثّونهم على ذلك شارحين الظروف والملابسات المتعلقة بهذه المناسبة التاريخية العظيمة، والتي لا يزال الاحتفال بها سارياً حتى اليوم وإن اتخذ مظاهرًا مُغايرة لما كان يجرى في السنوات الأولى بعد تدشين الهيكل.
الرسالة الأولى إلى يهود الأسكندرية

1 إلى إخوتهم اليهود الذين في مصر سلام من إخوتهم اليهود الذين في أورشليم وبلاد اليهودية أطيب السلام. 2 وليحسن الله إليكم ويذكر عهده مع إبراهيم وإسحق ويعقوب، عبيده الأمناء. 3 وليؤتكم جميعًا قلبًا لأن تعبدوه وتعملوا بمشيئته بقلب كريم ونفس راضية، 4 ويفتح قلوبكم لشريعته ووصاياه ويحل السلام. 5 وليستجب لصلواتكم ويصالحكم ولا يخذلكم في أوان السوء. 6 ونحن الآن ههنا نصلي من أجلكم. 7 كنا نحن اليهود قد كتبنا إليكم في عهد ديمتريوس، في السنة المئة والتاسعة والستين، ما يلى: "في أثناء الضيق والشدة التي نزلت بنا في تلك السنين، بعد ارتداد ياسون والذين معه عن الأرض المقدسة والمملكة، 8 فإنهم أحرقوا الباب وسفكوا الدم الزكى، فابتهلنا على الرب فاستجاب لنا، وقربنا الذبيحة والسميذ، وأوقدنا السرج وقدمنا الخبز". 9 فنكتب الآن إليكم بأن تعيدوا أيام الأكواخ التى في شهر كسلو.
<SPAN lang=ar-sa> <DIV class=Section2 dir=rtl>
تبدو الرسالة هنا مثل الرسائل الفصحية التي بدأ البابا أثناسيوس الرسولي في توجيهها إلى كنائس العالم لتحديد عيد الفصح، حيث كانت تلك الرسائل السنوية فرصة لمعالجة بعض الخلافات أو تصحيح بعض المفاهيم. هناك أمثلة لمثل تلك الرسائل اليهودية في (أخبار الأيام الثاني 30: 1-9 واستير 9: 20-32) حيث ربطت الرسالتان بين الدعوة إلى التوبة ومراعاة الاحتفال بالعيد(1)
كانت الجالية اليهودية في مصر أكبر الجاليات التي تسكن خارج أورشليم، ويرجع وجودها هناك إلى ما قبل القرن السادس، وقد جاء تعبير: اليهود الذين في مصر (آية 1): في اليونانية(toiVkat Aigipton) ويعني: المبعدين في مصر. غير أن وجودهم في مصر تأكد وتثبّت في عهد البطالمة والذين منحوهم العديد من الامتيازات ليشجعونهم على الاستقرار هناك، فقد قام بطليموس فلادلفوس بترجمة التوراة إلى السبعينية، كما سمح بطليموس السادس لحونيا بن حونيا الثالث ببناء هيكل في مصر سنة 150 ق.م. على غرار هيكل أورشليم، وكما شغل اليهود ثلاثة أحياء سكنية في الإسكندرية من مجموع ثمانية أحياء، فقد شغلوا كذلك المناصب الرفيعة في الجيش والبلاط الملكى، إضافة إلى وجود شريحة كبيرة منهم من الموسرين.
فقد كان من اليهود بعض من رجال البلاط سواء في العاصمة أو الأقاليم، مثل أرسطوبولس المذكور في هذا الأصحاح ودوسيتيوس Dositheos بن دريميلوس Drimylos والذي كان يشغل وظيفة مرموقة في بلاط كل من بطليموس الثالث وبطليموس الرابع، فقد عمل كسكرتير للملك في سنة 240ق.م، وكما كان أونياس موظفًا كبيرًا ربما قائدًا Strategos في إقليم هليوبوليس. وقد سجّلت احدى البرديات خطابًا رقيقًا موجهًا إليه من هيرودس وزير مالية بطليموس السادس فيلوميتور الذي عرف عنه ميله إلى اليهود، حيث يبدو من الرسالة وكأن هذا القائد في هليوبوليس يمت لهيرودس بصلة قرابة (1) كما كان رئيس الشرطة في "أتريب" يهوديًا في الغالب، وبعض رجاله كذلك.
كما شغل اليهود وظائفًا كبيرة في الإدارة المالية مثل مديرى البنوك في عهد بطليموس السادس وبطليموس الثامن، وكان أحد أولئك المديرين اليهود في طيبة وآخر في قفط. كما تولى أحدهم الاشراف على "مخزن التبن" ومنهم من كان جابيًا للضرائب، ومع أن جمع الضرائب كانت مهنة تثير الكراهية ولا تمثل كسبًا ماديًا، إلاّ أنها تقرّب إلى الحكام، ومن هؤلاء اشتهر سمعان بن ألعازر. وكذلك شغل اليهود الكثير من المهن مثل النسيج والنجارة والفخار والنبيذ والزراعة وغيرها.
و برغم تخوف اليهود من بطليموس الثامن (يورجيتيس الثاني) إلا أن الأخير أصدر عفوًا عامًا، فعمّ السلام في البلاد حتى موته سنة 116 ق.م. ومن بعد وفاته ازداد نفوذ كليوبترا الثانية المناصرة لليهود، ومن بعد موتها استولت كليوبترا الثالثة ابنة السابقة وأرملة يورجيتيس على الحكم، حيث أعلنت تعاطفها مع اليهود وتحالفها مع الحونيين (نسل حونيا) رغم كراهية بطليموس التاسع -ابنها- لهم، و هكذا استمرّ دعم الحكام المصريين لليهود زمنًا طويلًا.
كل ذلك يؤكد لنا اندماج اليهود في المجتمع البطلمي، مما حدا بالبطالمة منحهم العديد من الامتيازات، منها الحق في أن يعيشوا طبقًا لشريعتهم وتقاليدهم Tois patrias namois chresthai، ويشير المؤرخ استرابون إلى أنه كان على رأس الجالية اليهودية هناك رئيس Ethnarches يباشر سلطات قضائية وإدارية، كما يرجّح أنه كان لهم "سنهدريم" على غرار الموجود في أورشليم(1) ومع كل ذلك فإنه من المستبعد أن يكونوا قد حصلوا على حقوق "المواطنة" إذ كان ذلك يلزمهم بالاشتراك في العبادة الوثنية والتخلي عن تمسكهم بإلههم (يهوه) ويرد في كتاب المكابيين الثالث (سفر غير قانوني) أن بطليموس الرابع عرض على اليهود الحصول على المواطنة شريطة أن يعبدوا "ديونيسيوس" فلما رفضوا ذلك اضطهدهم كثيرًا، غير أنه ندم في وقت لاحق وسمح لهم بقتل كل يهودي استجاب لدعوته السابقة على الوثنية.!
وكما كان في مصر هيكلًا كبيرًا - كما سبق - فقد أقام اليهود أيضًا العديد من المجامع في أقاليم مصر، فيما يشبه الجاليات والتي كان يطلق عليها "بوليتوما" ولكن أكثر الأسماء التي ُاطلقت على دور العبادة Synagoague, proschoche (2) ومع عدم اعتراف اليهود بهيكل مصر المقام في "لينتوبوليس" سنة 150م إلاّ انهم يرسلون إليهم يعزونهم ويشجعونهم، بسبب الاضطهادات التي يلاقونها على يد بطليموس الثامن(3).
التحية والسلام

استخدمت هذه التحية من زمن بعيد "شالوم" أي سلام، وفي السبت سلام خاص "شالوم شبات" أي سلام السبت، وهي التحية الكتابية الضاربة في القدم، و التي تعني السلام الآتي من الرب، فهو مصدر السلام الحقيقي، ويسأل يعقوب أب الأسباط أهل حاران عن لابان خاله قائلًا: "هل له سلامة فقالوا له سلام" (تكوين 29: 6) وكان السلام هو عطية الله لشعبه متى ساروا في طرقه (لاويين 26: 6) هكذا يقول هرون للشعب "فيرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا (العدد 6: 26) في حين يقول الرب "لا سلام قال الرب للأشرار" (إشعياء 48: 22). غير أن السلام الحقيقي قد تحقق للبشرية عندما صالحها الله بدم ابنه "وصار لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (أعمال 10: 36) بل صار هو نفسه "سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا" (أفسس 2: 14). هذا وقد أرفق القديس بولس الرسول سلامه في الرسائل بالنعمة فصارت تحيته للأمم عبر الرسائل، نعمة وسلام، حيث كانت النعمة هي تحية الرومان، راجع (رومية 1: 7 و كورنثوس الأولى 1: 3 و غلاطية 1: 3) وكانت تحية الرب يسوع لتلاميذه "سلام لكم" (لوقا 24: 36 و يوحنا 20: 19، 21، 26). وقد التقطتها الكنيسة لتبدأ بها كل صلاة وكل خدمة ليتورجية، وفي كل مرة تسحب الكنيسة من ذلك الرصيد الذي تركه الرب يسوع لها "سلامًا أترك لكم سلامي أنا اعطيكم" (يوحنا 14: 27) وهكذا صارت التحية التقليدية بين الناس: "السلام والنعمة".
وفي الآيات العشر الأولى من هذا الأصحاح ترد كلمة السلام أربع مرات، فقد كان كل من يهود مصر وأورشليم أحوج ما يكون إلى هذه العطية في تلك الأيام، مُلحّين على الله أن يذكر عهده مع ابراهيم واسحق ويعقوب فيحميهم ويزيد من رقعة أراضيهم ويكثر من نسلهم.
العبادة بقلب كريم ونفس راضية(آية 3):

وجاءت في اليونانية kardia megalh وهي ترجمة حرفية من الأصل العبري (بقلب كامل ونفس راضية)(1).
عندما تنحصر الصلاة في تحريك الشفاه ورفع اليدين، فهي بذلك مازالت عند مستوى الفريسية وإتمام القانون فحسب، وأما العبادة الحقيقية فيعمل الحب كدافع خلفها. إن العبادة المقبولة هي تلك التي تأتى كتعبير عن الحب الموجود بالداخل من نحو الله مما يهبها الحرارة والفرح والسخاء..! وبالتالي فهي ليست بدافع الخوف أو الرغبة في العطايا أو جريًا لعادة "وأنت يا سليمان ابنى اعرف إله أبيك واعبده بقلب كامل ونفس راغبة لأن الرب يفحص جميع القلوب ويفهم كل تصورات الأفكار.. " (أخبار الأيام الأول 28: 9). ويمكننا أن نجد صدى لمضمون هذه الآية في (تثنية 5: 26 و إرميا 32: 39).
القلب المفتوح على الوصية (آية 4):

إنه القلب الذي تجد فيه وصايا الرب الطريق ممهدًا، تسكن فيه فتطهره وتتخذ لها فيه مكانًا، أنه القلب الذي يجد فيه الله راحته قائلًا ههنا أسكن لأنّى اشتهيتها" (مزمور 132: 14) وهو القلب الذي يوجد مستعدًا دائمًا ليفتح للرب حالما يطرقه فيدخل إليه وفيه يصنع منزلًا "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبى وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" (يوحنا 14: 23) وهكذا يحل السلام في القلب. ويبدو هذا التحوّل في المصطلح من "العينين" إلى "القلب" في (مزمور 119: 18) والأذنين (هوشع 13: 6-8) "أشق شغاف قلبهم" ويظهر هذا الُمصطلح في العهد الجديد في (أعمال 16: 14) وبعض الصلوات اليهودية.وقد تحقق ذلك ليهود الإسكندرية وهم أول جماعة مسيحية في مصر - منذ حضورهم يوم الخمسين ثم بشارة القديس مرقس بينهم بالإنجيل.
المصالحة (آية 5):

يأتي تعبير يتصالح هنا ترجمة للكلمة العبرية "يغفر". والتعبيرات في هذه الآية نجد لها شبيهًا فى: (ملوك أول 8: 30، 34، 36، 39، 49-50) راجع أيضًا: (أخبار الأيام الثاني ص 6). لقد تراءف الله في ملء الزمان على البشرية الصارخة إليه عبر آلاف السنين، وتمّت المصالحة الحقيقية بدم يسوع المسيح فبعد هذا الزمان الذي تُقرأ فيه هذه الرسالة بقليل: ولد المسيح الحقيقي ليتم هذه المصالحة الفريدة، بعدما بدا أن الخصومة قد استحكمت ما بين السماء والأرض "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة" (كورنثوس الثانية 5: 18). وها نحن نطلب كل يوم من صلاحه ألاّ يخذلنا وألاّ يعاملنا بحسب خطايانا، وإنما بحسب بره وخيريته، وأن كنّا في احتياج إلى ذلك كل يوم فكم بالأحرى في زمن السوء، عندما تهبط العزائم وينشب اليأس مخالبه ويشتكى الشيطان على بني الإنسان "الرب الإله إلهي معك. لا يخذلك ولا يتركك.." (1 أخ 28: 20).
الصلاة لأجل الآخرين:

إنها وصيّة الرب نفسه "صلوا بعضكم لأجل بعض لكي ُتشفوا" (يعقوب 5: 16) وفي العهد القديم يطلب الشعب إلى موسى أن يتوسّل إلى الرب عنهم ليرفع الحيات (العدد 21: 7) وفي سفر صموئيل يرد: "وقال جميع الشعب لصموئيل صل عن عبيدك إلى الرب إلهك حتى لا نموت" (صموئيل الأول 12: 19) وقد طلب الله من أصحاب أيوب أن يلتمسوا صلاته لأجلهم (أي 42: 8).
إن محبتنا لبعضنا البعض وصلاة أحدنا عن الآخر تفرّح قلب الله فيستجيب الطلبة، بل يقول الآباء: (أنه من أجل محبة الذي لم يخطئ غفر الله للذى أخطأ) ذلك أن أحد الرهبان سقط في خطيئة فلم يرد العودة إلى الدير إذ كان في القرية لقضاء بعض الشئون، ولكن راهبًا آخر من ديره قابله في القرية وعرف منه ما حدث وعدم رغبتة في العودة، فشجعه بأنه خاطئ مثله ولكنه ليس في مثل اتضاعه لأنه أخطأ هو الآخر ولكنه لم يعترف بخطيئته كما فعل هو، وأشار عليه بالعودة معًا إلى الدير ليطرحا أمرهما قدام الشيوخ، والذين وضعوا على الاثنين قانونًا صعبًا من الأصوام والميطانيات. وكان الراهب الذي لم يخطئ يقول أمام الله: يا رب أنت تعرف أنه لا ذنب لي في ذلك، ولكن احسب تعبى هذا لأخى. وقد ظهر الله لأحد الشيوخ معلنًا له أن الله قبل توبة الخاطئ من أجل محبة الذي لم يخطئ.
زمن الاضطهاد (آية 7، 8):

الضيق والشدة: en th qliyei kai th akmh، استخدم كاتب السفر هنا الأسلوب الكتابي في (صفنيا 1: 15): يَوْمُ ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، ووردت في الترجمة السبعينية (qliyiV kai anagkh) وفي الآرامية: (بعَقتا و بأولِصتانا)، و في الفولجاتا اللاتينية: (in angustiis et pressuris)، وقد أوضح العالم جريتس أن الكلمة اليونانية (akmh) من (anagkh).

كتب اليهود لإخوتهم في مصر في السنة المئة والتاسعة والستين، أي عام (144 - 143 ق.م) يتحدثون عمّا حدث في عهد أنطيوخس أبيفانيوس في سنة (168 - 165 ق.م).أمّا ديمتريوس المقصود في هاتين الآيتين فهو ديمتريوس الثاني الملك السلوقي (145-125 ق.م.) وهو ابن ديمتريوس الأول، استردّ عرش أبيه من الإسكندر بالاس حيث عضده في ذلك بطليموس فيلوميتور ملك مصر، ولكن ديمتريوس الثاني هذا أساء إدارة البلاد وكان حكمه فاسدًا، مما دفع بأحد قواده المقربين وُيدعى تريفون إلى المناداة بأنطيوخس الخامس ملكًا وكان ما يزال صبيًا (1مكا11) وقد استمر ديمتريوس وهو بعيدًا عن العرش في محاولات متكررة لاسترداد عرشه غير أنه لم يفلح في ذلك، بل حوصر في النهاية في صور من قِبل كليوباترا حيث أعدم هناك. وقد لاقى اليهود اضطهادات شديدة منه ولم تفلح المعاهدات المتعددة فيما بينه وبينهم في اتقاء شروره، كما اتّسمت خطاباته إلى اليهود - حتى تلك المعتبرة وديّة - بالعجرفة والتعالى.
لقد كان بالفعل زمن ضيق وشدّة..

ارتداد ياسون والذين معه (آية 7):

<SPAN lang=ar-sa> بعد أن استولى منلاوس على رئاسة الكهنوت فرّ ياسون إلى أرض بنى عمون (4: 26) إلى حصن ابن عمومته "هركانوس الطوبى" ويرى بعض العلماء أمثال بول لاب Paul Lapp أن قصر هركانوس والذي ُيعرف الآن ب " قصر العبد Qasr-el-Abd " كان هيكلًا وأن هناك وجه شبه بينه وبين هيكل مصر الذي شيّده حونيا الرابع (ابن شقيق ياسون)، فإذا كان هناك "هيكل انشقاقى" في المكان المسمى "عرق الأمير" في أرض بنى عمون فسيكون ذلك شرحًا لتمرد ياسون على الأرض المقدسة.

وقد يؤيد هذا الرأي الفكرة القائمة حينئذٍ من حيث أن هيكل أورشليم لم يصر بعد "الموضع الذي اختاره الرب" _ وذلك منذ السبي البابلي _ ومن ثم يمكن أن تنتشر هياكل عدة في أنحاء مختلفة من البلاد، بل ربما اعتقد معارضى منلاوس في أورشليم أن العبادة الانشقاقية في أرض طوب هي شرعية، لاسيما وأنه يخدم فيها واحد من سلالة

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:25 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 2 - تفسير سفر المكابيين الثاني
تدشين الهيكل امتداد لعمل سليمان وأرميا ونحميا


يورد هذا الأصحاح وثيقة هامة عن وجود مكتبة للأسفار في عهد المكابيين، قام يهوذا المكابى بجمعها على غرار ما فعله نحميا المصلح العظيم، ذلك على الرغم من تدمير رجال أنطيوخس ابيفانيوس للكثير من الأسفار والكتب في سعيهم إلى أغرقة اليهودية، والاقتباس الوارد هنا من تلك الأسفار أو السجلات يتعلق بعناصر الهيكل الرئيسية، وقد أورده يهود أورشليم في سياق شرح خلفية الاحتفال بعيد التدشين.
السجلات

1 جاء في السجلات أن إرميا النبي أمر أهل الجلاء أن يأخذوا نارًا، كما ذُكر، 2 وأن النبي أوصى أهل الجلاء بعد أن أعطاهم الشريعة، أن لا ينسوا وصايا الرب وأن لا يضلوا في أفكارهم، إذا رأوا تماثيل الذهب والفضة وما عليها من الزينة. 3ومما حثهم عليه أن لا يدعوا الشريعة تبتعد عن قلوبهم.



https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...ccabeus-05.jpg
تأتى كلًا من كلمة السجلات (آية1) والكتابة (آية 4) بمعنى نص وفي ترجمة يونانية قديمة (دانيال 21:10) تأتى بمعنى "وثيقة سماوية هامة" كما تأتى كلمة Graphe بمعنى "الكتاب المقدس"(1)
وأما كلمة جاء أو وجد (آية 1) فتأتى في العبرية والآرامية والتوارة اليونانية بمعنى التأكد من واقعة من خلال الوثائق (نحميا1:13 و استير 2:6 و دانيال 1:12) وفي النصوص الكلاسيكية القديمة استخدمت كثيرًا العبارة "وجدنا أنه مكتوب"(1).
فُقد العديد من الأسفار والكتب الوثائقية الهامة، خلال عملية تدمير أورشليم وسبى شعبها، بل أن الاحتفاظ بأحد الأسفار كان يعد جريمة يُعاقَب عليها بالموت، ونقرأ في الأسفار التاريخية للعهد القديم إشارات عديدة إلى أسفار أصبحت مفقودة، مثل سفر ياشر وسفر عدو، وسفر أخبار حروب إسرائيل ويهوذا، وغيرها. وفي السفر الأول للمكابيين نقرأ عن كتاب أخبار يهوذا وكتاب آخر عن يوحنا هركانوس رئيس الكهنة (1مكا 16: 23). غير أن بعض الرقوق والأدراج القديمة احتفظت لنا ببعض من تلك الأسفار، ولكن تلك الكتب المفقودة وأن لم تكن كتبًا ُموحى بها من الله، لأن الله يحفظ كلمته من الزوال (السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول) إلا أنها ُتعد مرجعًا هامًا للتاريخ اليهودي القديم والأدب الرؤيوي، مثل تلك التي ُعثر عليها في مغائر قمران ومجمع عزرا في القاهرة: الجنيزا (2) وكذلك تلك البرديات التى ُعثر عليها في آثار مستعمرة إلفنتين في أسوان بمصر.
وصايا الرب:

كان من المتوقع أن يتأثّر اليهود في السبي بالعبادات الوثنية هناك لسببين: أولهما بُعدهما عن الهيكل ومراكز التعليم وندرة وجود الأسفار المقدسة، وثانيهما هو الضغط العقيدي الوثني الذي سيتعرضون له هناك من البابليين لمحو هويتهم الدينية وبالتالي القومية، فقد كانت سياسة تلك البلاد هي تشتيت المسبيين داخل بابل نفسها لمنع التكتلات الدينية أو العرقية، وبذلك يسهل صهرهم في بوتقة بابل بما فيها من ثقافة ولغة ودين. ولكن اليهود والذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة كوّنوا جاليات ضخمة متماسكة لها شرائعها ومحاكمها وتقاليدها، ومع الوقت منح لهم الحكام المزيد من الحقوق بما لا يتعارض مع قانون البلاد، ويلاحظ ذلك من خلال قصة سوسنة الواردة في تتمة سفر دانيال، حيث حاكم اليهود هناك سوسنة داخل بابل نفسها بقوانينهم هم وذلك من خلال الشيوخ المنتَخبون من بينهم.
لذلك كان لزامًا على إرميا النبي أن يحذّر الشعب قبل وقوع السبي إلى ضرورة التمسك بكلمة الله وهي كفيلة بحفظهم من الانحرافات هناك وتربطهم بالله فتمنحهم التعزية في زمن الغربة، وسراج يضيء لهم ظلام تلك السنين الآتية عليهم هم وأولادهم. انظر (باروخ6:1، 7—10).
الأصنام:

كانت عبادة الأصنام راسخة في بابل ولها قوانينها ولها مدافعون عنها ولهم بدورهم فلسفتهم، بل ولها من يكرز بها أيضًا، ومن بين المخاطر التي يتعرض لها الغرباء هناك هو ما يبدو لتلك الأوثان من مصداقية وذلك بسبب الاحتفالات الصاخبة الكثيرة التي تقام لها، وكذلك كثرة الذبائح والهدايا والأموال التي توهب لها، ليس من عامة الناس فحسب بل ومن الملوك والأمراء أنفسهم، إضافة إلى التماثيل البديعة لتلك الآلهة والأحجار الكريمة المرصعة بها، ليس كل ذلك فحسب، بل وتعرّض الغرباء هناك إلى الضغط والاضطهاد للاشتراك في العبادة، وإلاّ ُاعتبروا مناهضين للدولة ولحكامها، ليس بسبب صعوبة الفصل بين الدين والدولة في ذلك الوقت، بل وكثيراً ما كانت هناك أشكال من عبادة الملك ذاته.!! وبالتالي فمن يرفض الاشتراك فهو مناهض للملك شخصيًا كما كان يحدث مع المسيحيين.
إخفاء الأدوات


4 وجاء في هذه الكتابة أن النبيّ، بمقتضى وحى صار إليه، أمر أن يُذهَب معه بالخيمة والتابوت، عندما خرج إلى الجبل الذي صعد إليه موسى ورأى ميراث الله. 5 ولما وصل إرميا، وجد مسكنًا بشكل مغارة، فأدخل إليه الخيمة والتابوت ومذبح البخور، ثم سَدّ الباب. 6فأقبل في وقت لاحق بعض من كانوا معه ليضعوا علامة في الطريق، فلم يستطيعوا أن يجدوه. 7 فلما علم بذلك إرميا، لامهم وقال: "إن هذا المكان سيبقى مجهولًا، إلى أن يجمع الله شمل شعبه ويرحمهم.

بمقتضى وحى صار إليه: جاءت في اليونانية: (crhmatismou genh qentoV autw =كان الكلام من السماء).
أفادت بعض الأسفار والسجلات ما يفيد اخفاء أدوات الخدمة الهيكيلية قبيل استيلاء البابليين على أورشليم، وقد ورد في كتاب غير قانوني ُيدعى "مراثى إرميا" (1) ما يلى: "حسنًا يا رب نحن نعلم الآن أنك ستسلم المدينة إلى أيدي أعدائها وأنهم سيقودون الشعب إلى بابل، فماذا نفعل بأشيائك المقدسة الخاصة بعبادتك. ماذا تريد أن نفعل بها. فأجاب الرب: "خذها واعهد بها إلى الأرض والمذبح قائلًا: "إسمعى أيتها الأرض صوت الذي خلقك في وفرة المياه والذي ختمك بسبعة أختام في سبعة أوقات، والتي بعد ذلك ستحصلين على حليتك، احفظى أدوات العبادة في حضور المحبوب"... ودخل إرميا وباروخ إلى الهيكل وعهد للأرض بآنية العبادة كما كان الرب قد طلب منهما وسرعان ما ابتلعتها الأرض. عندها جلس الاثنان وبكيا (أصحاح 3: 7-8، 14).
وبعد أن أخذ إرميا مفاتيح الهيكل خرج من المدينة ورماها في وجه الشمس قائلًا "اننى أقول لك أيتها الشمس خذى مفاتيح هيكل الله واحفظيها إلى اليوم الذي يسألك عنها الرب لأننا لم نكن أهلًا للاحتفاظ بها، فقد كنا حراسًا غير مخلصين (أصحاح4: 3، 4).
كما يرد في نبوة باروخ (كتاب باروخ الثاني)(1): "لأنني (الملاك) مرسل لكي أعطى أولًا للأرض أمرًا وأنقل لها ما أمرنى به الرب العلى، ورأيته ينزل في قدس الأقداس ويأخذ منه الوشاح والأفود المقدس ومائدة تابوت العهد والطاولتين وثياب الكهنة المقدسة ومذبح العطور (البخور) والثمانية وأربعين حجرًا ثمينًا التي يرتديها الكاهن وكافة الآنية المقدسة في الخيمة، وصرخ في الأرض بصوت عظيم: "أيتها الأرض. أيتها الأرض. أيتها الأرض: إسمعى كلام الله القدير وتلقى الأشياء التي عهد بها إليك واحفظيها حتى الدهور الأخيرة لتعيديها عندما تتلقين أمرًا بذلك، حتى لا يستولى عليها الغرباء، لأن الوقت الذي ستسلم فيه أورشليم لوقت معين حتى يقال أنها رحمت إلى الأبد. وفتحت الأرض فاها وابتلعتها" (أصحاح 4: 6-10).
ويقصد في الآية الرابعة من سفر المكابيين هنا بالخيمة والتابوت محتوياتهما من الأدوات الموجودة داخل التابوت، والأخرى المستخدمة في الخدمة بالخيمة، وأن الخيمة نفسها قد ألغيت منذ بنى سليمان الهيكل.
رحله تابوت العهد (1)

كان التابوت والذي صنع من خشب السنط وغُشىّ بالذهب، يحوى لوحيّ الشريعة (خروج 34: 28، 29) ثم قسط المن (خروج 16: 33، 34) ثم عصا هرون (عد 17: 8-10) وغطى التابوت بغطاء ُسمى كرسي الرحمة وهو مصنوع من الذهب ويسمى أيضًا مكان الكفارة، يظلله كاروبيمان، وقد سمى الهيكل كله والخيمة من قبله ب "بيت الغطاء" إذ ينضح عليه الدم للتكفير مرة كل عام. وقد رافق التابوت بنى إسرائيل أثناء ترحالهم في البرية وكان مجد الرب يظهر لهم من بين الكاروبيمان، وهكذا كان التابوت يمثل الحضور الإلهي بحيث كان الوقوف أمامه يمثل الوقوف قدام الله، ولكن عندما اعتبر اليهود أن التابوت يحوى الله داخله أسلم الله التابوت إلى الفلسطينيين، بل كان الرب يتكلم مع موسى من فوق الغطاء (سفر العدد 7: 89) وكان التابوت يوضع في الخيمة التي تأسست في العام التالي للخروج (خروج 20: 20، 21) بينما في الارتحال كان بنو قهات يحملونه من خلال العصى (سفر العدد 4: 15) ورافقهم في انتصاراتهم وعبر به الكهنة أولًا نهر الأردن عند دخول أرض الموعد (يشوع 3: 17) وداروا به فيما بعد حول أسوار أريحا (يشوع 6، 7) ثم استقر التابوت في الجلجال ثم في شيلوه (يشوع 4: 18) حيث استمر في عهد القضاه هناك، وقد أخذ التابوت من بنى إسرائيل ليستقر في أشدود وعقرون سبعة أشهر لدى الفلسطينيين (صموئيل أول 6: 1) وبعد ذلك نقل إلى قرية يعاريم (صموئيل أول 7: 1) وبعد فترة من إهمال شاول للتابوت نقله داود إلى صهيون عاصمة ملكة الجديرة، وبعد موت عزيا بسبب لمسه للتابوت أثناء نقله بقى في بيت عوبيد الحثي ثلاثة أشهر (صموئيل ثان 6: 11) ثم جاء به داود إلى داخل خيمة نصبها له على جبل صهيون حيث أنشد مزامير خاصة بذلك مثل (24، 47، 122).
ثم في مرحلة تالية وهامة بنى سليمان الهيكل على جبل الموريا ونقل التابوت إلى قدس الأقداس (1مل 6: 19) ثم صنع له كاروبيمان من الخشب المصفح بالذهب، ثم نقل مؤقتًا في عهد منسى الملك الشرير (2 أخ 35: 3، 33:7) حتى جاء نبوخذ نصر وأحرق الهيكل.
ورغم التقليد اليهودي القائل بوجود تابوتين للعهد، الأول به لوحيّ الشريعة اللذين كسرا والآخر يحوى الاثنين اللذين جاءا بدلًا منهما، إلا أن الحقيقة الكتابية تقضى بوجود تابوت واحد فقط، هذا وتحوي المجامع اليهودية اليوم ما يشبه تابوت العهد، وهو عبارة عن صندوق خشبى ُيوضع داخله نسخة من التوراه فقط حيث توضع التوابيت تجاه أورشليم. وبعد السبي كان اجتماع اليهود الحقيقي حول كلمة الله، وفي النهاية يجد القديس يوحنا اللاهوتي في رؤياه تابوت عهد الرب في هيكله (رؤيا 11: 18، 19) رمزًا لتمام عهد الله بالخلاص والحضور الإلهي.
وتفيد بعض التقاليد أن إرميا سبى إلى بابل بصحبة باروخ، وتفيد تقاليد أخرى أن إرميا عندما أخذ عنوة إلى مصر عند السبى، مرَ في طريقه على جبل سيناء في الموضع من على جبل نبو الذي صعد عليه موسى ليرى الموضع من بعيد حيث سيرث بنى إسرائيل أرض الموعد (تث 34: 1).
متى يظهر مجد الرب من جديد؟

8 وحينئذ يُظهر الرب هذه الأشياء، ويَظهر مجد الرب والغمام، كما ظهر في أيام موسى وحين سأل أن يُقدس المكان تقديسًا بهيًا. 9 وكانوا يُخبرون أيضًا كيف أنه قدم، بفضل حكمته، ذبيحة تدشين الهيكل وإنجازه. 10وكما أن موسى دعا الرب فنزلت النار من السماء وأكلت مواد الذبيحة، كذلك دعا سليمان فنزلت النار من السماء وأفنت المحرقات. 11 وكان موسى قد قال: "إنما أفنيت ذبيحة الخطيئة لأنها لم تُؤكَل". 12 وكذلك عيد سليمان عيد التدشين ثمانية أيام.


هنا يشرح إرميا النبي كيف يحلَ مجد الرب فيرضى عن شعبه ويقبل منهم الذبيحة، وعندما أراد البعض وضع علامة على الكهف الذي اختفت فيه عناصر الهيكل لم يجدوا الموضع، فقد اختفى بفعل إلهي وسيظهر بفعل إلهي أيضًا، عندما يعود الرب ليظهر رضاه عن الأمه ويعيد إليها مجدها الحقيقي من خلال استئناف الليتورجية، (1) حيث يظهر مجد الرب في الغمام وهو علامة الحضور الإلهي كما حدث في جبل سيناء(خروج 24: 16 و 40: 34 و لاويين 9: 23) عندما حلّ الله على الجبل وسط انبهار الشعب، كما حدث أيضًا الشئ ذاته عند تدشين الهيكل في أيام سليمان (ملوك أول 8: 10، 11) حين تمنّى سليمان أن يتقدس المكان، فقدّم الذبيحة (1مل 8: 11، 62، 63 و9: 3) و 2 أخ 5: 14 و 7: 2، 12، 16 و إشعياء 40: 5).
على أنه يجب ألاّ ُيفهم ذلك على أن الله سُيظهر تلك الأدوات في نهاية الأيام، ويجمع شتات اليهود ومن ثمّ ُتستئنف الذبيحة، إذ أنه بمجيء المسيح يسوع "الذبيحة الحقيقية" بطلت الذبائح اليهودية وانتهى دور الهيكل اليهودي(1). فإن المقصود هنا هو زمن ما بعد السبي وحتّى مجيء السيد المسيح. "هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا" (ثيئوتوكية الأحد).
وفي إطار حضور الله وقبوله الذبيحة كعلامة رضى، يشير الكاتب إلى دعوة موسى إلى الله لكي تنزل نارًا من السماء لأكل الذبيحة (لاويين 9: 24) وهو الأمر ذاته الذي تكرر أيام سليمان (2 أخ 1:7) وقد نزلت النار وأكلت ذبيحة الخطية لأنها لم تُؤكل " وأماّ تيس الخطية فإن موسى طلبه فإذا هو قد احترق، فسخط على ألعازار وإيثامار ابنى هرون الباقيين وقال مالكما لم تأكلا ذبيحة الخطية في المكان المقدس لأنها قدس أقداس وقد أعطاكما إياها لتحملا اثم الجماعة تكفيرًا عنهم أمام الرب (لاويين 10: 16، 17).
وفي سفر اللاويين (10: 16-20) أمر هرون بحرق لحم جدى ذبيحة الخطية، وبالرجوع إلى خروج (29: 33-37) وبالمقارنة مع لاويين (8: 31-35) نجد أنه في غضون تواصل مراسم تقديس الكهنة والمذبح ينبغي أن يأكل الكهنة جزءًا من كل من تلك الأشياء التي تمت بها الكفارة أى من كل ذبائح الخطية، وأن ما يبقى من كل من ذبائح الخطية دون أن يؤكل حتى فجر اليوم التالي ينبغي أن يُحرق، وعلى ضوء هذا التفسير يجعل سفر الخروج (29: 33) ذبيحة الخطية الخاصة بمراسم التقديس فريدة بين ذبائح الخطية الأخرى التي ذكرت في التوراة، حيث أن خروج (29: 33) هو النص الوحيد في الشريعة الذي يحتم بوضوح على الكاهن أن يأكل لحم ذبيحة الخطية، وفي النصوص الربّانية (تقليد الحاخامات) يرد أنه لا ذبيحة إثم تمنح كفارة ما لم يأكل الكاهن منها.
ثم يشير السفر إلى أوجه التشابه ما بين احتفالات التدشين وتقديس الرب وحضوره، سواء من خلال النار المقدسة أو الضباب (مجد الرب) وتدشين الهيكل هنا في عهد المكابيين والذين يرون أنه حدثٌ لا يقل عن ذاك الذي حدث في عهد كل من موسى وسليمان، فقد عيّد سليمان عيد التدشين في ثمانية أيام إذ تصادف مجئ التدشين في مناسبة عيد المظال (1مل 8: 65، 66) والذي يعيد فيه ثمانية أيام (لاويين 23: 36، 39).
ثمانية أيام الاحتفال:

اُعتبرت أيام التكريس التي قام بها موسى ثمانية، وذلك بإضافة اليوم الثامن مع السبعة كيوم ينطبق فيه الحكم الخاص على ذبيحة الخطية، وكما دامت مراسم تكريس موسى ثمانية أيام هكذا حدث في أيام سليمان، والتي من المفترض أن أيام التكريس قد اشتملت على يوم الاعتكاف الثامن (2اخ 7: 9) وفي سفر اللاويين نقرأ الآتي: " وَمِنْ لَدُنْ بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لاَ تَخْرُجُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِلَى يَوْمِ كَمَالِ أَيَّامِ مَلْئِكُمْ لأَنَّهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَمْلأ أَيْدِيَكُمْ" (لاويين 8: 33) وفي اليوم الثامن بدأ هارون في الخدمة (لاويين 1:9) وعن سليمان قيل: " وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ، جُمْهُورٌ كَبِيرٌ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. 66وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ صَرَفَ الشَّعْبَ" (ملوك أول 8: 65-66). راجع أيضًا أيام التطهير الثمانية التي ل حزقيا (2اخ 28: 22 - 30:37). والكاتب هنا في سفر المكابيين الثاني اقتبس ما قيل في (2 أخ 7:8-9) " وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ وَجُمْهُورٌ عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَعَمِلُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافًا لأَنَّهُمْ عَمِلُوا تَدْشِينَ الْمَذْبَحِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْعِيدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ".
مكتبه نحميا

13 في هذه المؤلفات وفي ذكريات نحميا، كانوا يخبرون بأن نحميا أنشأ مكتبة جَمَعَ فيها الأسفار المختصة بالملوك والأنبياء وداود، ورسائل الملوك في التقادم. 14 وكذلك جمع يهوذا كل ما بُعثر من الأسفار في الحرب التي حدثت لنا، وهو عندنا. 15 فإن كنتم في حاجة إلى ذلك، فأرسلوا من يأخذه إليكم.


هنا يسجّل السفر إشارة هامة خاصة بالأسفار، فقد ُجمعت أكثر الأسفار في عهد عزرا الكاتب، وبالتالي فمن المنطقي أن تكون قد تكوّنت مكتبة ضخمة للأسفار والكتب الأخرى، حيث ضمّ عزرا من تلك الأسفار كل ما هو قانوني - وموحى به ومستوفى كافة الشروط القانونية للأسفار المقدسة - إلى قائمة أسفار العهد القديم، بينما ترك الآخر ليعمل ككتب مساعدة سواء في التاريخ أو الأدب الروحي والرؤيوى أو الحروب، كما سبق الإشارة، مثل حروب داود وأخبار وسليمان ومن قَبلهم من القضاة ومن بعدهم بعد انقسام المملكة، مع الوضع في الاعتبار أن بعض أسفار العهد القديم ظهرت بعد عهد عزرا مثل يشوع بن سيراخ والمكابيين.
ومن الملفت للنظر تلك الرسائل الخاصة بالتقادم (التقدمات / آية 13) ولعلها تحوى الذكريات والظروف الخاصة ببعض التقدمات والذبائح التي قدمت مرتبطة ببعض الأحداث مثل الانتصارات والنجاة من الكوارث وغيرها(1).
وُتلقى هذه الفقرة من السفر الضوء على كيفية العثور على الأسفار الأبوكريفية غير المعترف بها من كافة الكنائس ككتب قانونية، ولكننا بدأنا في الاطلاع عليها الآن بفضل بعض المهتّمين بهذا التراث الهام(2).
كانت مثل تلك السجلات ُتحفظ بمعرفة الكهنة في أماكن حفظ أرشيفات، أو في الخزانة مع كنوز الهيكل، مثلما حفظ الكهنة الفراعنة قوائم التسلسل التاريخي للملوك المصريين في معابدهم.
أما نحميا فمن الممكن أن يكون قد جمع مكتبة، احتوت على كتب (أسفار) الملوك وكتب الأنبياء وبعض المزامير، وبعض رسائل الملوك الوثنيين الذين أرسلوها مع هداياهم الثمينة للهيكل، ويبدو لنا هنا أيضًا أنها اشتملت على أسفار أخبار الأيام وعزرا ونحميا بالشكل الذي لدينا.
أما سبب ذكر ذلك في السفر، فهو وجود شبه بين عمل نحميا هذا، وعمل يهوذا المكابى هنا، والذي اضطلع بتكوين مكتبة للأسفار والوثائق ومختلف الكتب، لاسيما تلك السجلات المتعلقة بكفاح المكابيين وأعمالهم، وهي المكتبة التي اطلع عليها بلا شك كاتب سفر المكابيين الأول جنبًا إلى جنب مع سجلات الهيكل التي تحوى المكاتبات الرسمية ين رئيس الكهنة والقادة الأجانب، كما استفاد بهذه المكتبة أيضًا ياسون القيرينى صاحب مصدر سفر المكابيين الثاني، وأخيرًا الكاتب الذي لخّص عن ياسون. كل ذلك على الرغم من قيام السلطات السلوقية بإتلاف العديد من الأسفار والسجلات إبان فترة الاضطهاد الرئيسية (من سنة 176 حتى سنة 164 ق.م.) راجع (1مكا 1: 56، 57).
الدعوة إلى الأحتفال بعيد التدشين

16 ولما كنا مزمعين أن نُعَيد عيد التطهير، فقد كتبنا إليكم. وإنكم تُحسنون عملًا، إذا عيدتم هذه الأيام. 17 والله الذي خلص كل شعبه ورد إليه كله الميراث والملك والكهنوت والتقديس، 18كما وَعَدَ في الشريعة، نرجو منه أن يرحمنا قريبًا ويجمعنا مما تحت السماء إلى المكان المقدس، فإنه قد أنقذنا من شرور جسيمة وطهر المكان المقدس.



بموجب الانتصارات التي حققها اليهود على يد يهوذا المكابي، استعادت الآن مكانتها بعد أن كانت قد فقدت أهم ما تملك وتفخر به مثل الميراث (1)، والملك، والكهنوت.. حتى وأن كان كل ذلك قد تم جزئيًا إلا أنه كان البداية لاستقلال كامل بل وأكثر، وذلك بالتدريج على يد يهوذا ثم يوناثان ثم سمعان ثم يوحنا هركانوس والذي اتسعت مملكة البهود في أيامه جدًا... انظر (زكريا 8: 7، 12) وقارن مع (اشعياء 49: 7، 8).
أراد يهود أورشليم أن يقولوا لاخوتهم في مصر: حتى وإن كنا مشتتين ولم يسمح الله لنا بعد بلمْ شملنا، فلنعيّد معًا بروح واحدة في توقيت واحد، فإن هيكل أورشليم هو مركز العالم ونقطة تلاقى الله مع شعبه، وهو رمز اليهودية ومكان حضور الله، ويقول الربيين اليهود "إن كان العالم يمثل جسد الإنسان فإن أورشليم تمثل العين بينما يمثل الهيكل حدقة العين" وكل هيكل آخر في أي بقعة من العالم لا يعد شيئًا بجوار هيكل أورشليم كما لا يعترف به اليهود (مثل هيكل مصر اليهودي). أما المجامع فهي شيء مختلف إذ أنها مراكز للتعليم والتسبيح وليس لتقديم الذبائح.
هذه هي الفكرة التي دفعت يهود أورشليم إلى مراسلة إخوتهم في مصر للاشتراك معهم في الاحتفالات ومقاسمتهم فرحتهما. أمّا الميراث الذي ردّه الله إلى اليهود فهو أورشليم والتي صارت حرة مقدسة، وقد رأوا أن ذلك تحقق بانسحاب ليسياس من اليهودية ونهاية الاضطهاد، كما أقر بذلك الملوك السلوقيون في رسائلهم إلى القادة اليهود، ولا سيّما رسالة ديمتريوس الثاني (1مكا 13: 36 42) وقد كمُل هذا الميراث بتطهير القلعة السلوقية في أورشليم والتي كانت تمثل الوجود الوثني في المدينة (1مكا 13: 51، 52) وأماَ المُلك الذي نالوه، فهو عودة القيادة للمكابيين، وإن كان أول ملك فعلى للحشمونيين هو يوحنا هركانوس بن سمعان المكابى آخر الأخوة المكابيين الخمسة، أما الكهنوت الذي استردوه فقد جاء بعد انصراف الكهنة لسنوات عن خدمتهم وممارساتهم الطقسية وانشغالهم بأمور أخرى، نظراً لتوقف العبادة في الهيكل، فقد عادوا للانتظام في وظائفهم، واستئناف الخدمة في الهيكل وأماَ التقديس ويقصد به الهيكل "القدس" بتجديده وتطهيره وتقديم الذبائح من جديد واستئناف الخدمة والتقدمات ومباشرة الاحتفال بالأعياد.
وفي النهاية يرجو الكاتب أن يجمع الله شمل الجميع ليحتفلوا معًا (خروج 19: 5، 6 ؛ تثنية 30: 3-5). وإلى هنا ينتهي نص الرسائل المرسلة إلى اليهود والتي تحمل الدعوة للاحتفال.

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...ccabeus-02.jpg
الكاتب يشرح دوره

19 إن أخبار يهوذا المكابى وإخوته، وتطهير المقدس العظيم، وتدشين المذبح، 20 والحروب التي وقعت بينه وبين أنطيوخس إبيفانيوس وإبنه أوباطور، 21والآيات التي ظهرت من السماء لصالح البُسلاء الذين حاربوا عن دين اليهود، حتى إنهم مع قلتهم نهبوا البلاد بجُملتها وطردوا جماهير الأعاجم، 22 واستردوا المقدس الذي اشتهر ذكره في المسكونة بأسرها، وحرروا المدينة، وأحيوا الشرائع التي كادت تُلغى، لأن الرب وفقهم بكل رفقهِ.


هنا يبدأ الكاتب شرح قصة صراع المكابيين من أجل الحق والوصية، وهو العرض الذي استخلصه بدوره عن مؤلفات ياسون القيرينى والذي هو أيضًا موضوع الرسائل السابقة، والتي عملت كمدخل هام للسفر، ومثل هذه الإعلانات التي كان يستهل بها قدامى الكتاب والمؤرخين، كانت تعمل كمدخل مشوق للكتاب أو الرسالة وكمختصر لها، وقد قرأ (المُلخِّص) نص ياسون القيريني وأعاد صياغته دون المساس به، وذلك من خلال جهد كبير، الهدف منه امتاع القارئ والوقوف به على قصة ذلك التاريخ الرائع دون إسهاب ممل.
وهذه الآيات في هذه الفقرة من الأصحاح هي عنوان لما هو آت في (3: 14 و 5: 2 و10: 29 و 11: 8) وكيف أعان الله المكابيين في حروبهم مع أنطيوخس أبيفانيوس (1مكا 1: 10) ومن بعده ابنه أنطيوخس أوباطور (2 مكا 10:10).
ويلاحظ في الآية (20) أنه لم يذكر سلوقس الرابع، ربما لأن مهمة هليودوروس رئيس وزرائه (ص 3) لم تكن حربية وإن كانت سيئة، كما لم يذكر أن ديمتريوس الأول رغم أن قائده نيكانور خاض معاركًا عدة مع اليهود (14: 16، 17، 29 - 46 و 15: 1-30) بل أن يوم نكانور صار عيدًا هامًا ربما لأن ديمتريوس عاد فهادنهم وعرض عليهم عروضًا سخية، لقد ركّز السفر على انطيخوس وابنه أوباطور لأهميتهما كقضيبي غضب الله الذين بتجاوزاتهما وبسقوطهما جلبا عهد المعجزات العظيم الجديد. أنظر (دانيال 7: 11) فعندما حاصر أنطيوخس الخامس وليسياس الهيكل، رأى الأتقياء اليهود الحادثة على أنها تواصل للمتاعب التي وضعها دانيال في (11: 33 - 36) وقد اعتبر ديمتريوس شخصًا غير مضطهد، إذ ساند ألكيمس بطريق الخطأ (14: 11-13، 27) ولكنه لم يسئ إلى الديانة اليهودية، فلولا خطايا ألكيمس لكان رئيس كهنة شرعي (14: 3) وهكذا كان خطأ ديمتريوس أقل بشاعة منه فبتحريض من ألكيمس مارس ديمتريوس ضغطًا على نكانور قائده، ولكن الأخير هو الذي جدّف على الهيكل من تلقاء نفسه وليس بإيعاز من ديمتريوس.
وقد أيّد الله جهادهم برؤى سمائية لتشجيعهم، أما المقصود ب "نهبوا البلاد" فهو الاستيلاء عليها (آية 21) رغم قلة عددهم مقابل القوات المعادية، وربما كان المقصود هو نهب ممتلكات اليهود الأشرار (الهيلينين) وُحماتهم الوثنيين، وبالجملة فقد أعانهم الله وترفّق بهم حتى استعادوا الهيكل وانتصروا للشريعة والتي كانت قد ُاهملت (2مكا 6: 6-11).
الأعاجم (آية21):

جاءت في اليونانية (to Barbara plhqh) وقد استخدم اليونانيين لفظ " أعجمي" للإشارة إلى غير اليونانيين، فالكلمة اليونانية بربري Barbarous تعني: المتحدث بلغة أجنبية. وبالنسبة لليهود كانت الجيوش السلوقية تتحدث بلغة أجنبية، والكلمة تستخدم في السفر أيضًا بمعنى "متوحش" (4: 25 و 5: 22 و 10: 4 و 15: 2) وفي المقابل يستخدم السفر هنا كلمة Ioudaismos أي يهودية في سياق كلمة أعجم، وربما يريد أن يذكر المثقفون اليونايون بصراع هليوس Helleues الوفي ضد الفرس الأعاجم وضد فجور medioum اليونانيين المتعاملين مع الإمبراطورية الفارسية. في هذه الآية أيضًا يرد تعبير: دين اليهود، وهي المرة الأولى الذي يستخدم فيه هذا اللقب، وجاء في اليونانية (IoudaismoV).
ولقد كان هيكل أورشليم في ذلك الوقت بالفعل أغنى وأعظم وأشهر هيكل على وجه الأرض، لدرجة بهرت الإسكندر الأكبر فأهداه عطايا ثمينة. ولذا فقد أصبح مطمعًا للكثير من الحكام، كما بُهر به تيطس الروماني أيما انبهار، وسعى بعد اقتحام أورشليم بكل قوته حتى لا يُدمّر، ولكن الجنود والذين كان قد نفذ صبرهم بسبب عناد اليهود ومقاومتهم، أحالوه إلى رماد.
هنا يؤكد السفر على أهمية هيكل أورشليم وتفوقه على هيكل السامرة (انظر 6: 2) وهيكل الأونيين (نسل أونيا) في لينتوبوليس بمصر والمعابد الأخرى للمنشقين(1).
الحاجه إلى تلخيص كتب ياسون

23 تلك الأمور التي عرضها ياسون القيرينى في خمسة كتب سنُحاول اختصارها في مُجلد واحد. 24 ولما رأينا كثرة الأرقام والصعوبة التي تعترض من أراد الخوض في أخبار التاريخ لغزارة المواد، 25 كان من همنا أن نوفر المتعة للمطالع والسهولة للحفاظ والفائدة للجميع. 26 فلم يكن يكلفنا هذا التلخيص أمرًا سهلًا، بل تم بالعرق والسهر، 27 كما أن الذي يُعِد مأدبة ويبتغى منفعة الناس لا يكون الأمر عليه سهلًا. غير أننا لمنفعة الكثيرين سنتحمل هذا العمل الشاق عن طيبة نفس، 28 تاركين التدقيق في تفاصيل كل من الأحداث لأهل التاريخ، وملتزمين التقيد بقواعد التلخيص. 29 فإنه كما ينبغي لمن يُهندس بيتًا جديدًا أن يهتم بمُجمل البناء، ولمن يقوم بتزيينه برسوم مدهونة أن يدقق النظر في ما يناسب قواعد التزيين، فهكذا يكون أمرنا على ما أرى. 30 فإن تقصى الأمور والإحاطة بالمسائل والبحث عن جزء فجزء من شأن مصنف التاريخ. 31 وأما الملخِّص فمرخص له أن يسوق الحديث بإيجاز، مع إهمال استنفاد الموضوع.

ياسون القيرينى (القيرواني)

جاءت صفة القيرواني باليونانية (tou kurhnaiou)، وهي مدينة في شمال أفريقيا كان يهود كثيرين يسكنونها(1). أمّا ياسون فهو يهودى سكندرى من شتات القيروان، وضع كتبه الخمسة في زمن قريب من الأحداث، أي بعد سنة 160 ق.م. بقليل، وهو مطَلع بشكل جيد على الأحوال في أورشليم والدوائر الحكومية للسلوقيين وموظفيها وألقابهم، وإلى جانب كونه يهوديًا راسخ الإيمان فهو أيضًا ذو ثقافة يونانية كبيرة، ومن علامات تقواه تسجيله للصلوات التي ُرفعت قبل البدء في المعارك وبعدها.
أما الملخِّص نفسه فقد كان عمله مضنيًا، إذ لم يكن مناليسير وضع الكتب الخمسة في كتاب واحد، تسهل مطالعته والاستمتاع به، معفيًا القارئ من التفاصيل الرقمية ودقائق الأحداث، مركزًا على جهاد المكابيين ودورهم الروحي والليتورجى والقومى في التاريخ اليهودي خلال فترة ما بين العهدين.
كثرة الأرقام:

ترد في بعض الترجمات "بحر من الكلمات" وفي أخرى "كم متدفق من الأعداد" كان العدد وحدة تتألف من حوالي 16 مقطعا من الكتابة، وهو المعيار القياسى للطول في الكتب اليونانية التي كتبت على هيئة نُظم (أبيات شعر) طولها حوالي 16 مقطع، وكان أقدمها قصائد هوميروس(1).
وهكذا جاء السفر ُممتعًا للقاريء العادي كعمل كتابي أدبي حتى لغير المؤمنين، ومادة سهلة غير مركبة لمن يودّ الاحتفاظ بمحتوياته في ذاكرته، وفي كلتا الحالتين وبالنسبة للنوعين فهو عمل مفيد مع كافة مستويات المطالعين للسفر. هذا وقد كلفه ذلك جهدًا كبيرًا إذ قد يكون التأليف من جديد أسهل في بعض الأحيان من إعادة الصياغة والتشكيل(2)، لا سيّما وأن أمام الملخص عدة اعتبارات كل منها أهم من الأخرى مثل الحفاظ على خط الوحي طوال السفر، ثم الاهتمام بإيراد جميع الأحداث الهامة في مساحة محسوبة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى عدة محاولات على مدار فترة زمنية كبيرة، ذلك بالطبع دون المساس بالوحى وإنما الصياغة فقط، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكتاب المقدس كلمة الله، تظهر في ثلاث أشكال أو تحتوى على ثلاثة مستويات:
*اللوغوس:وهو الكلمات التي تعبر عن الله نفسه وحضوره مثل "أنا هو" (إيجو إيمي)
*الريما: وهي كلمة الله إلى البشر: مثل هكذا قال الرب: افعل.. اذهب.. لا تخف.. أنا معك...
*أحداث: مثل أن يورد الوحي أحداثًا بعينها جرت، ومنها أحداث قتل أو سرقة أو خطايا، وهو لا يوافق عليها بالطبع وإنما يؤكد فقط على أنها حدثت بالفعل.
لقد التزم الملخِّص جيدًا بقواعد التلخيص (آية 28) بحيث لا يكون هناك عيبًا (من جهة التقصير المخلّ أو التطويل المملّ) وذلك عن طيب خاطر مبتغيًا منفعة الأكثرين وتاركًا التفاصيل التاريخية للمتخصّصين لكي يطّلعوا على المصادر التاريخية وهي كثيرة في ذلك الوقت. وكما أن التلخيص له قواعده، فإن التصرّف له قواعده أيضًا، ويورد الكاتب هنا عدة أمثلة ليدللّ بها على فكرة مشروعه:
وفى الآية 29: يقصد الكاتب أنه قام بمجمل البيت أي المضمون، وجاءت الكلمة في اليونانية (kataBolh = وضع الأساس)بينما ترك التفاصيل للمهندس المعمارى، الذي يهتم بتفاصيل الألوان وتناسقها وتركيب الألوان والديكورات والزخارف وغيرها، جاءت عبارة التزيين في اليونانية: (egkainein = وضع النقش)، وجاءت في العبرية بنفس المعنى. لقد كان عمل ياسون القيرينى وهو الكاتب الأصلي، مثل البنّاء الذي ينجز عمله في (أبعاد ثلاثة) أما المختصِر فهو مثل مسئول الطلاء الذي يتعامل مع (بعدين فقط)(1) ويشبّه المؤرخ اليوناني تيمايوس Timaeus التاريخ ب "ذلك الفن ثلاثي الأبعاد" بينما الخطيب: " ثنائى الأبعاد" وهكذا تُترك تفاصيل الأحداث والتواريخ والقصص الجانبية للمؤرخين في حين مسموح للملخص بالالتزام بصلب الموضوع.
وفي النهايةيختتم الكاتب ديباجة المقدمة بضرورة الإسراع في مباشرة السفر، إذ أنه من غير المفيد الإسهاب في المقدمة مما قد يؤثر على الموضوع ذاته.

(1) Jonathan Goldsten II Macc /P.182

(1) في بعض الترجمات اللاتينية ُيذكر اسم إرميا بأكثر وضوح هكذا (Invemtur autem in descriptionibus iussit Jeremiate prophetae quod...) وجاءت في النسخ الآرامية هكذا: (مشتكَح دين بِختافاه دِه إرميا نافيا دِه فقد).

(2) الجنيزا هي المكان الذي كانت ُتدفن فيه الأسفار التي أصابها تلف، إذ لم يكن من الممكن اعدامها.

(1) مخطوطات البحر الميت، التوراه / ُكتب ما بين العهدين. الجزء الثالث.ص 606، 706 - تحقيق جان ريو، اصدار دار الطليعة الجديدة.

(1) كتاب غير قانوني: المرجع السابق ص 383.

(1) حدث مثل ذلك عندما اختفت مغارة كل من القديس ابانفر السائح والقديس مرقس الترمقى، وذلك عقب نياحتهم، فلم يجدها الاباء.

(1) يقول جماعة الأخوة: أنه بعد اختطاف الكنيسة إلى السماء سينتهي تدبير عصر النعمة وسيرجع الله يعامل شعبه الأرضي القديم بموجب شرائعه من خلال الهيكل مرة أخرى والذبيحة.... وهي نفس الدعاية الصهيونية التي يروجها الأخوة في مطبوعاتهم. إذ يرون أن المقصود بشجرة التين التي قال عنها المسيح (متى رأيتم شجرة التين أخرجت أوراقها تعلمون أن الصيف قريب) هو إسرائيل وإخراج الأوراق هو ظهورها كأمة في أرضها.

(1) ورسائل الملوك في التقادم: جاءت في اليونانية (peri (anaqematwn.  جمع نحميا رسائل ملوك الفرس الخاصة بهيكل أورشليم (عزرا 7: 11- 26).

(2) هذه الأسفار مثل آدم وحواء، الآباء الاثنى عشر، رؤيا أخنوخ، باروخ، مراثى إرميا، الحروب، وغيرها كثير جدًا، حيث عثر على أكثرها في مغارات قمران بجوار البحر الميت.

(1) أو الأرض المسلوبة (إشعياء 49: 8 و ارميا 3:19 و 12: 15) قارن مع (زكريا 8:12 و مراثي 5: 2 و 1مكا 15: 33، 34).

(1) لا شك أنه كانت هناك هياكلا رائعة مثل أبوللو وأرطاميس، وفي مصر هيكل حورس. ولكنه بالإضافة لجمال هيكل أورشليم إلا أن شهرته التي طبقت الآفاق ترجع لاختلافه عن بقية المعابد الأخرى إذ لا تماثيل فيه ويقبل اليهود بإستماتة الموت عنه الأمر الذي جعل الكثيرين يفكرون ما عسى هذا

(1) أنظر: (تاريخ اليهود في القيروان لفريدمان (k.Friedman, Le foati per la storia degli ebrei L. Cirenaica nell

(1) Jonathan A. Goldsten, II Macc. في التعليق على هذه الفقرة من الأصحاح

(2) يقول كاليماخوس Callimachus الشاعر السكندرى الذي عاش في القرن الثالث ق.م. في قصيدته المختتمة بفكرة بارعة رقم 29 إن مهمة الاختصار تتطلب سهر الليالي (المرجع السابق).


(1) يقصد في الآية 29 ب الرسوم المدهونة رسوم بألوان شمعية مثبتة بالحرارة، وهو أسلوب يوناني للطلاء يستخدم فيه الشمع الملون الساخن انظر: Jonathan A. Goldsten, II Macc

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:29 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 3 - تفسير سفر المكابيين الثاني
لأن الذي يسكن السماء هو يسهر على هذا المكان

مع أن هليودورس وزير الملك سلوقس الرابع كان مكلفًا بشكل رسمي بنقل كنوز الهيكل إلى خزينة المملكة، إلاّ أن الله دافع عن الهيكل وعاقب هليودورس على نحو غير مسبوق، مما حدا به إلى تقديم ذبيحة سلامة لله في الهيكل ذاته، كما راح يشهد لإله السماء أمام الكل. وهي قصة ممتعة غنية بالصور المتعددة للتقوى والتوبة، وإن كان أجمل ما فيها هو أن الدموع والانسحاق يستدران عطف الله وحنوّه.
حالة من الأستقرار


1 حين كانت المدينة المقدسة عامرة آمنة، والشرائع محفوظة غاية الحفظ، لما كان عليه أونيا عظيم الكهنة من الورع والبُغض للشر، 2 كان الملوك أنفسهم يعظمون المكان المقدس ويكرمون الهيكل بأفخر العطايا، 3 حتى إن سلوقس، ملك آسية، كان يؤدى من دخله الخاص جميع النفقات المختصة بخدمة الذبائح.
يعود بنا السفر هنا إلى ما قبل عصر أنطيوخس أبيفانيوس (وهو الشخصية الوثنية المحورية في كلا السفرين) في تلك المرحلة السابقة عليه كانت اليهودية تنعم بالحرية النسبية، وذلك نظرًا لرغبة كل من السلوقيين والبطالمة في استمالة اليهود إلى جانبهم، وهكذا فإن السلوقيين والذين آلت إليهم اليهودية على يد أنطيوخس الكبير سنة 200 ق.م. أظهروا تعاطفًا مع اليهود مانحين إياهم مزيدًا من الحريات.
سلوقس فيلوباتير الرابع (187-175 ق.م.):

<SPAN lang=ar-sa>
هو الابن الأكبر لأنطيوخس الثالث الكبير، وشقيق أنطيوخس الرابع أبيفانيوس والذي خلفه على العرش، وأبو ديمتريوس الأول (1مكا 7: 2 و2 مكا 14: 1) وفي بداية حكمه شرع بطليموس أبيفانيوس المصري في محاربته، ولكنه قُتل بالسم على أيدي رجاله.
ويدعى سلوقس (في الآية 3) هنا: ملك آسية، وهو اللقب الذي أحبّ الملوك السلوقيين دومًا خلعه على أنفسهم، ذلك على الرغم من كثرة هزائمهم، والتي لم تترك لهم المساحة التي يطلق عليها آسيا كلها. هذا وقد حاول كل من أنطيوخس الكبير وسلوقس ابنه هذا، التصالح مع الحزب اليهودي المؤيّد للبطالمة، وهو الحزب الذي كان يرأسه أسرة أونيا رئيس الكهنة والذي يسمىّ اصطلاحًا "بيت أونيا" أو "أسرة أونيا" في حين كان الحزب المنافس له هو حزب طوبيا "بيت طوبيا" والذي يمثل الفكر الهيليني (الحضارة الهيلينية) وهو الحزب الذي سعى رجاله دومًا في شق الطريق إلى السلطة وذلك بكسب ودّ السلطات السلوقية، حتى وان كان في ذلك خيانة للشريعة والتقاليد والقيم اليهودية.
وكان من بين علامات الودّ بين سلوقس واليهود، تقديره لهيكلهم وشعائرهم، فقد كان يتكفّل بنفقات الذبائح والاحتفالات لاسيما في الأعياد الثلاثة الرئيسية، وكان مثل هذا المسلك بلا شك يشعر اليهود بالامتنان، فقد كانت كافة الشعوب وما تزال ُتولي اهتمامًا خاصًا بالجانب الديني، وبالتالي يمكن كسب ودها من خلال ذلك، فالوطن والدين ُيعدان من أقدس ما يخصّ الشعب. وكان أنطيوخس أبيه قد سبقه في هذا المسلك (1مكا 10: 39). إذ أغدق الكثير من الامتيازات على اليهودية وأورشليم إزاء تعاون اليهود معه.
كما قام كل من بطليموس الثاني الملك المصري ومن بعده بطليموس الثالث بتكريم الهيكل من عطاياهم وأموالهم، حيث احتاجت العبادة في الهيكل كميات كبيرة من الحيوانات والحبوب والخمر والزيت والبخور، وهي باهظة التكلفة لولا كرم أولئك الملوك.
ومن جهة أخرى كان هؤلاء الملوك يسرون بزيادة شعبيتهم من خلال إظهار كرمهم للمعابد، سواء اليونانية منها أو غير اليونانية، كلّما سمحت مواردهم بذلك، وأما سلوقس الرابع فربما يكون قد واصل ممارسات ملوك إسرائيل ويهوذا في القيام بنفقات الذبائح (حزقيال 45: 17) والملوك الفرس (عزرا 6: 9، 10 و 7: 20-23) أما في أيام نحميا فقد قرّر اليهود أن يتحمّلوا النفقات الخاصة بتقديم الذبائح (نحميا 10: 33-34). ربما بسبب أن الملك قد توقّف عن تمويلها. وتشير بعض النصوص الربانية إلى أن الربيين أصروا على قيام الشعب بتحمل نفقات الذبائح، بينما رأى الصدوقيين أن يتحمل هذه النفقات بعض الأثرياء، ولكن وجهة النظر الفريسية هي التي سادت، وقد أشار يوسيفوس إلى ذلك (1).

أونيا: المقصود هناهو أونيا الثالث Onias III ابن سمعان الثاني وحفيد أونيا الثاني (وليس ابنه) كان رئيسًا للكهنة في عهد سلوقس الرابع المذكور هنا، وهو ينتمي إلى ذرية صادوق (2صم 8: 17 و 1أخ 5: 27) بل يرجع أصل هذه العائلة إلى أيام يشوع نفسه (نحميا 12: 10) وقد امتدحه يشوع بن سيراخ في سفره (50: 1) كما أثنى عليه السفر هنا كثيرًا (4: 5-6 و 15: 12) ومن الصفات التي تُنسب إليه: الرجل الصالح / المحب لأمته / المحب للفضيلة / عديم الغش / الساعى في خير أمته، وسوف تكتسب هذه الصفات بعدًا هامًا ومعنىً جليلا، إذا ما ُقورن أونيا ب

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:35 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 4 - تفسير سفر المكابيين الثاني
محاولة أغرقه اليهود



جاء أنطيوخس أبيفانيوس إلى الحكم ليجد أن شقاقًا قد حدث للتوّ في اليهودية بين اليهود أنفسهم، وقد استطاع هو استثمار هذا الشقاق في محاولته نشر الثقافة الهيلينية هناك، مستغلًا في ذلك منصب رئيس الكهنة كعامل مؤثر هناك.

سمعان الخائن يواصل مساعيه

1وكان سمعان المذكور، الذي وشى في أمر الأموال والوطن، يفترى الكذب على أونيا كأنه هو هاجم هليودورس وصنع له ذلك الشر. 2 وبلغ من جرائه أنه وصف المحسن إلى المدينة وحامى أهل وطنه والغيور على الشريعة بأنه صاحب دسيسة. 3فاشتدت العداوة حتى إن أحد خواص سمعان قام بأعمال القتل. 4 فلما رأى اونيا ما في تلك المنافسة من الخطر، وأن أبلونيوس بن منستاوس، قائد بقاع سورية وفنيقية، كان يزيد سمان خبثًا، 5 قصد الملك، لا متهمًا أهل وطنه، بل ابتغاء لمصالح الشعب العامة والخاصة، 6 لأنه رأى أنه بغير تدخل الملك لا يمكن أن تكون الأحوال في سلام، ولا أن يُقلع سمعان عن رُعوته.
فشل سمعان في مسعاه الأول لتحويل خزائن الهيكل إلى الملك (3: 4-6) غير أنه لم يخجل أو يكتفي بما تعرضت له البلاد من نتائج وخيمة، كما أنه لم يتّعظ مما حدث ولم يتخشّع قلبه، بل واصل وشاياته في اتجاه آخر، مدعيًا أن أونيا هو الذي دبر حيلة لإيقاع الرعب في هليودورس حتى يثنيه عن تنفيذ خطته. مفتريًا في ذلك على الرجل الذي حمل له اليهود في ذلك الزمان وفيما بعد ذلك أجمل المشاعر والتقدير.

المحسن.. الحامى.. الغيور على الشريعة (آية 2):

في مملكة جيدة التنظيم في العالم الهلليني كان يتم تكريم فاعل الخير (يورجيتيس) والحامى (كيدينوس) بكتابة اسمه على نصب تذكاري عام مصحوبًا بصفتى الثناء المشار إليهما، أما اليهود فقد اعتبروا أن الإنسان لا يستحق الثناء ما لم يُضف إلى اسمه صفة " الحامى الغيور للشريعة" (1مكا 2: 26-27 و 50 و 58) ولكنه وبدلًا من أن يَلقى أونيّا التكريم اللائق به افترى عليه سمعان كمتآمر على مؤسسات المجتمع(1).
ويبدو لنا من (الآيتين 3، 4) أنه قد جرت مشاحنات ما بين أتباع أونيا وأتباع سمعان أدت إلى وقوع صدام ما بين الطرفين سقط فيه قتلى وجرحى. وهنا شعر أونيا بأن هناك خطرًا على الأمة أشد من نهب الهيكل، وذلك من خلالها انقسامها من الداخل، فإن من شأن ذلك الإضرار بها أكثر من جيوش الأعداء. ويبدو أن أبولونيوس بن مسنتاؤس وهو الشخص المذكور في
(3: 5) على أنه ابن ترساوس، كانت له صداقة ومنافع مع سمعان، وأن خطة نهب خزينة الهيكل كانت من تدبيرهما معًا، فلما فشلت لجأ إلى إذكاء الاضطرابات الداخلية في البلاد لعلّهما بذلك يجدان فرصة لتدخل الملك.

أبولونيوس بن مسنتاؤس:

ليس من المؤكد أن أبولونيوس هذا هو نفسه المذكور فى(3: 5) أو المذكور في (5: 24) يذكر بوليبيوس المؤرخ أن أبولونيوس هذا كان محبوبًا في فترة حكم سلوقس، الرابع وكان له ثلاثة أبناء هم: " أبولونيوس ومليجروس ومنستيوس] وكان اليونانيين غالبًا ما يسمون الإنسان باسم جده، فمن الممكن أن يكون أبولونيوس الذي ذكره بوليبيوس هو نفسه المذكور هنا.
يذكر بوليبيوس في ذات الموضع أن أبولونيوس انسحب إلى (مليتس) Miletus عندما اعتلى أنطيوخس العرش، وأن أولاده الثلاثة تبنّوا قضية ديمتريوس الابن الباقي على قيد الحياة لسلوقس الرابع، فإذا كان بوليبيوس محقًا فإن أبولونيوس الحاكم في عهد أنطيوخس الرابع، من غير الممكن أن يكون هو ذاته أبولونيوس المقصود في تاريخ بوليبيوس، إذ أن أسرة كبيرة ذات نفوذ من الممكن أن تضم عددًا من الأفراد يحملون اسم أبولونيوس ومسنتيوس، ويؤيد أحد فروعها نسل سلوقس بينما يتقبل الفرع الآخر أنطيوخس الرابع.
خدم أبولونيوس الذي نحن بصدده أنطيوخس الرابع كسفير (عدد21) وبذلك من الممكن جدًا أن يكون هو ذاته أبولونيوس السفير عظيم الشأن الذي حثّ الرومانيين سنة 173ق.م. في روما على أن يجددوا لأنطيوخس الرابع علاقات الصداقة التي سبقت مع والده.
وبالتالي فإن مبادرة أونيا إلى الملك كانت من أجل وضع حد لتلك المشاحنات حتى يعود السلام والأمن إلى البلاد، لا لكي يشكو الفريق المناهض، وإنما ليقطع عليه الطريق فلا يشكو إلى الملك.
وقد كان اتهام سمعان بتهمة مثل التسبب في الاضطرابات، تعد تهمة خطيرة لا سيّما بالنسبة لمساحة ضيقة كاليهودية القابلة للاشتعال في أي وقت، وبذلك يمكن أن يكون خطرًا على المملكة(1). ويؤكد لنا تحرُّك أونيا هنا من جديد، البُعد الدبلوماسى الناجح في شخصيته، قدر نجاحه في البعد الروحي.
ولا نسمع شيئًا بعد ذلك عن سمعان حتى في التاريخ المدني، وبالتالي فلا نعرف شيئًا عن المرحلة التالية للصراع بين أونيا وسمعان، وأما أونيا فيبدو أنه بقى في أنطاكية عندما رأى أن الوضع السياسي في أورشليم قد أصبح خطيرًا، فبقى هناك حتى قبل أن يستولى شقيقه على رئاسة الكهنوت، ويذكر في (الآية 33) أنه في إنطاكية ومن المرجح أنه بقى هناك إلى النهاية.

ياسون يستولى على رئاسة الكهنوت

7 وكان أنه بعد أن فارق سلوقس الحياة، وحصل أنطيوخس الملقب بأبيفانس على الملك، حصل ياسون، أخو أونيا، على الكهنوت الأعظم بالتدليس، 8بعد أن قابل الملك ووعده بثلاث مئة وستين قنطار فضة وبثمانين قنطارًا من دخل آخر. 9 وما عدا ذلك ضمن له مئة وخمسين قنطارًا غيرها، إن رخص له الملك في أن يقيم بسلطته مؤسسة للرياضة البدنية ومؤسسة للمراهقين، وبأن يحصى أنطاكيو أورشليم.

كيف مات سلوقس:

تذكر القائمة البابلية للملوك السلوقيين أن سلوقس مات في 6 أيلول من سنة 137 بالتقوىم السلوقس البابلى (3 سبتمبر 175 ق.م.) وربما أشير في (دانيال 11: 20) إلى اغتيال سلوقس من خلال مؤامرة.
وإذا كان أنطيوخس قد أخفق في معاقبة هليودورس قاتل أخيه، فلربما آثر أن يخفى واقع أن سلوقس مات مقتولًا، ومع كل ذلك فقد يكون سلوقس قد مات ميتة طبيعية، ويكون تصريح ابيان المؤرخ Appian غير صحيح.
ويُلاحظ أن سلوقس لم يأمر بمصادرة أموال الهيكل إلاّ من خلال وشاية غير صحيحة لسمعان الوكيل الخائن، وبالتالي فالتعبير عن وفاته جاء لطيفًا "رحل" وقد استخدم هذا التعبير مع الأبطال الذين كانوا ُيعبدون بعد وفاتهم، وما كان يمكن أن يقال عنهم أنهم توفّوا بل (رحلوا) أو (تغيروا) إلى وجود آخر (حياة أخرى) ومع الوقت أصبح تعبير (رحل) مرادف ل (توفى).
بينما كان أونيا يسعى في المثول قدام الملك في أنطاكية، كان أنطيوخس أبيفانيوس قد استولى على العرش، حيث قام هليودورس وهو الصديق الحميم للملك سلوقس الرابع ورئيس وزراءه باغتياله عن طريق الحيلة آملًا أن يؤول إليه العرش، ولكن أنطيوخس وهو شقيق سلوقس استطاع بالتحالف مع بعض الملوك المجاورين له، مثل أومنيس الثاني ملك برغامس، طرد هليودورس والفوز بالعرش سنة 175ق.م.(راجع التعليق على 1مكا1: 10).
ولكن "ياسون" سبق أونيا إلى الملك واعدًا إياه إن هو مكّنه من رئاسة الكهنوت أن يحقق رغبته في جعل أورشليم مركزًا هيلينيا، حيث كانت رغبة الملك هي توحيد المملكة، وذلك من خلال اللغة، ثم العقيدة كإحدى الوسائل شديدة الفعالية. كما وعد "ياسون" الملك أيضًا بمبلغ ضخم (رشوة) يدفع سنويًا لقاء ذلك، وقد سال لُعاب أنطيوخس للعرض، فلم يتردد في تعيينه رئيسًا للكهنة بدلًا من أونيا، حاسمًا بذلك أيضًا الخلاف الذي نشب بين فريق أونيا الموالي للبطالمة، وفريق سمعان وياسون الموالي للسلوقيين.
ويلاحظ أن ما ورد هنا هو ذاته الوارد في (1مكا 1: 11-13) حيث لم تذكر هوية أولئك اليهود الذين قدموا الالتماس إلى أنطيوخس الرابع بشأن الرغبة في أغرقة اليهودية (1).
كما حصل على إذن الملك بإنشاء مؤسسة رياضية في أورشليم وإقامة المباريات والدورات الرياضية. وكان تعيين ياسون (واسمه الأصلي يشوع أو يسوع، بينما اتّخذ هذا الاسم اليوناني إشارة لموالاته للثقافة اليونانية) في رئاسة الكهنوت، بداية انحدار لتلك الرتبة الجليلة.

المؤسسة الرياضية: كانت تلك المؤسسة أشبه بنادى رياضي لتدريب نخبة من المراهقين وأكثرهم من أرستقراطيي اليهود تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة عشر والعشرين، يتدربون هناك على حمل السلاح وبعض الرياضيات الأخرى مع دراسة للثقافة اليونانية، متمثلين في ذلك بأمثالهم من اليونانيين المولعين بأمثال هذه الأنشطة، وكان في ذلك تعزيز لبرنامج أنطيوخس أبيفانيوس لأغرقة البلاد.

وأما أنطاكيّو أورشليم: فالمقصود بهم هنا مَن يدخل مِن سكان أورشليم اليهود ضمن الرعوية الأنطاكية (مثل اكتساب جنسية دولة ما في الوقت الحاضر) أو جعل أورشليم كلها كمدينة رعوية سلوقية، أي تابعة رسميًا للمملكة السلوقية، يتمتع سكانها بحقوق المواطنة السلوقية، وقد حدث في ذلك الوقت أو بعده بقليل، أن كان البعض يشترون رعوية (جنسية) بلد ما آخر بالمال، حتى يتمتع بمزاياها، يذكّرنا ذلك بالحديث الذي دار بين القديس بولس وأحد القادة الرومانيين الذي معاملته " فجاء الأمير وقال له قل لى. أنت روماني. فقال نعم. فأجاب الأمير: أما أنا فبمبلغ كبير اقتنيت هذه الرعوية. فقال بولس أما أنا فقد ُولدت فيها" (أعمال 22: 27، 28).
هكذا خيّب موت سلوقس الرابع (187 175 ق.م.) والتطورات التي تلت ذلك، آمال أونيا ومسعاه في إعادة الاستقرار للبلاد، الأمر الذي جرّ على البلاد ويلات لا حصر لها، ولكن الله وهو سيد التاريخ والعامل فيه: حوّل كل ذلك إلى خير الأمة.. وقد كان من نتائج تدهور الأوضاع الدينية والأدبية: حتميّة قيام الثورة المكابية.

قيمة الرشوة: تبلغ قيمة الرشوة التي وعد بها ياسون: 360 قنطار فضة، وهو ما يساوى 9450 كجم، ثم 80 قنطار، وهو ما يوزاى 2100 كجم، ثم 150 قنطارا أخرى تساوي 3937 كجم، وهو ما يعادل في مجموعه 15.487 طن أي ما يصل سعره الآن 19.350 مليون جنيه مصري، وهو مبلغ سيتحمّله الشعب المسكين بالتأكيد.
ولا شك أن 360 قنطار هي الدخل العادي أي المنتظم، وهو الجزية والتي يجرى جمعها من إنتاج اليهودية الزراعي، وأما الإضافي فلا يعرف على وجه الدقة مصدره، ولا شك أن التضخم المالى الذي ساد في ذلك الوقت جعل الأرقام المذكورة ضئيلة، ولكنها مع ذلك ثقيلة على الشعب كما مر بنا.

ياسون وبرنامجه الهيلينى

<SPAN lang=ar-sa> 10 فأجاب الملك إلى طلبه، فأستولى ياسون على الرئاسة، وما لبث أن صرف أبناء جنسه إلى نمط حياة اليونانيين. 11وألقى الإعفاءات التي أنعم بها الملوك عن إنسانية على اليهود، عن يد يوحنا، أبى أوبولمس الذي قلد السفارة إلى الرومانيين في عقد المصادقة والتحالف. وأبطل المؤسسات المشروعة، وأدخل سننًا تخالف الشريعة. 12 وكان جد القلعة، وساق نخبة المراهقين فجعلهم تحت القبعة. 13 وتمكن الميل إلى نمط حياة اليونانيين والتخلق بأخلاق الغرباء، بشدة فجور ياسون الذي هو كافر لا عظيم كهنة.

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:44 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 6 - تفسير سفر المكابيين الثاني
الاضطهاد الديني وبكور شهداء المكابين

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:50 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 7 - تفسير سفر المكابيين الثاني
استشهاد السبعة المكابيين مع أمهم

كان ذلك خلال مأدبة طقسية أقامها الملك أنطيوخس ابيفانيوس، حيث جئ قدامه بمن ُوشي بهم أنهم يرفضون الهيلينية متمسّكين بشرائعهم (راجع آية 41) وتعد هذه القصة من أروع قصص الاستشهاد في العهد القديم، فلم يكن الأولاد بأقل شجاعة من أمهم في الإقدام على الاستشهاد، كما لم تشفق الأم عليهم بسبب رابطة الأمومة والدم، إذ كانت تؤمن بأن ذلك سيحملهم رأسًا إلى الفردوس.
وبينما يرى بعض الشرّاح أن أحداث الاستشهاد هذه قد وقعت في أورشليم، ومن ثمّ يكون أنطيوخس أبيفانيوس قد عاد إلى هناك سنة 169 ق.م.بعد نهب الهيكل(1). ولكنه من الواضح أن استشهاد آلام وأبناءها قد تمّ في أنطاكية، وأن لغتهم كانت اليونانية بينما لغة أسلافها هي العبرية (آيات 8، 21، 27).
وتحتفل بهم الليتورجية السريانية تحت اسم "السبعة المكابيين مع أمهم"، أما بقية الليتورجيات فتدعوها "أم المكابيين" و "أم شهداء المكابيين". وفي أيام القديس جيروم كان قبرهم معروف ويتم تكريمه(2) ونقلت عظامهم لروما، وهم الآن موجودون في كنيسة القديس بطرس في بينكولي(3). وقد إعتقد كلكمان خطأ أن هذه القبور تخص متتيا الحشموني وبنيه في روما، وكان في كولونيا في ألمانيا كنيسة على اسمهم، كانت هناك واستمرت قائمة حتى 100 سنة مضت، وتدعى: "Makkabaer Kirche".
إننا لا نعرف أسماء الأبناء السبعة، ولكن هناك شواهد كثيرة تقول أن الأم إسمها "حنة " كما دعتها احدى المصادر اليهودية القديمة ب "مريم بنت تنحوم" (1) ويقول التلمود عنها في باب الطلاق (جِطين 2:57) أنها غير معروفة(2).
استشهاد الأبن الأول

1 وقبض أيضًا على سبعة إخوة مع أمهم، فكان الملك يريد أن يُكرههم على أكل الخنزير المُحرم، ويعذبهم بالسياط وأطناب الثيران. 2 وجعل أحدهم نفسه لسان حالهم فقال: "ماذا تبتغى أن تسألنا وأن تعرف عنا؟ إننا مستعدون لأن نموت ولا نخالف شرائع آبائنا". 3 فنحنق الملك وأمر بإحماء المقالى والقدور. 4ولما أُحميت، أمر لساعته بأن يُقطع لسان الذي جعل نفسه لسان حالهم، وأن يُسلخ جلد رأسه وتُجدع أطرافه على عُيون إخوته وأمه. 5 ولما أصبح عاجزًا تمامًا، أمر بأن يُدنى من النار، وفيه رمق من الحياة، ويُقْلى. وفيما كان البخار منتشرًا من المِقْلاة، كان الآخرون هم وأمهم يَحُثُّ بَعضُهم بعضًا أن يُقدِموا على الموت بشجاعة، قائلين: 6"إن الرب الإله ناظر، وهو يرأف بنا حقًا، كما صرح موسى في النشيد الذي يشهد أمام الجميع بقوله: وبعبيده يرأف".

لاشك أن الذي حمل أنطيوخس على السلوك مع هؤلاء الأبرار بهذه القسوة هو كبرياؤه، إذ أنكر على الرعايا مخالفة أوامره، وكان يخشى من تفشّي الظاهرة وانفلات زمام الأمور منه، كما رأى أنطيوخس أنه لا ملك أو إله غيره هو. هذا وبينما أنقذ الله أبرارًا آخرين من الموت على يد مضطهديهم من أجل إيمان وخلاص أولئك المضطَهدين، فإن أنطيوخس ِدين وعوِقب بسبب موتهم على يديه، وفي هذا يقول القديس أغسطينوس:
" لايظن أحد أنه كان ينبغي أن ينقذ الله الشهداء من أيدي مضطهديهم كما حدث مع الفتية الئلاثة ودانيال النبي، فإن هؤلاء قد ُانقذوا من أجل أن يؤمن الملوك الذين يضطهدونهم بأن الذي يعبده هؤلاء هو الإله الحقيقي، لأنه في رحمة الله العجيبة ومشورته التي لا ندركها يدبر لخلاص هؤلاء الملوك، أما في حالة أنطيوخس الملك والذي عذّب المكابيين بقسوة حتى الموت، صارت آلامهم وموتهم عقوبة أكبر له، وقد صرّح الشهيد السادس له بأنه وبرغم أنهم يُعاقبوا بسبب خطاياهم فإنه هو ذاته لن يفلت من العقاب (آية 18، 19) وأنك لترى أيضًا كيف كان هؤلاء حكماء، فإنهم وهم داخل الذلّ والآلام يعترفون بإخلاص بأنهم يعاقَبون بسبب خطاياهم من قبل الرب الذي ُكتب عنه " لآنه الذي يحبه الرب يؤدبه" (أمثال 12:3). (1)
ولم يكن أكل لحم الخنزير في ذاته هو ما يصرّ عليه المضطهدون (وفي المقابل يصر على إنكاره الشهداء) وإنما لأنه كان بمثابة ُكفر باليهودية كلها وتقويض لركن هام فيها، ألا وهو الطهارة والركن الأهم هو الأمانة للوصايا.
سلخ جلد الرأس وجدع الأطراف:

بحسب ما ورد في تاريخ هيرودت Herodotus، فقد كان سلخ جلد الرأس يتم "بالأسلوب المنجلى" وذلك بجز جلد الرأس دائريًا عند مستوى الأذنين ثمّ سلخه بالشدّ والهزّ (1) وأما بتر الأطراف فقد كان يتضمن بتر الأطراف أو النهايات، أما فيما يتعلق بالوجه فقد كان البتر يعنى جدع الأنف والأذنين، ولكن (الآية 5) هنا تشير إلى العجز التام الناتج عن قطع اليدين ربما الذراعين والقدمين والساقين، ومثل هذه الطريقة استخدمها الملوك الأشوريون مع المتمردين(2). وربما الأذنين والشفة والأنف(3) وهكذا عمل أيضًا أنطيوخس الثالث قبل حوالي 50 سنة من هذا التاريخ، لأخياس قريبه الذي ثار ضده.
هذا وقد وردت (الآية 4) في الأصل العبري هكذا: (سَلخ جلد رأسه على طريقة الإسكيثيين) إذ يحدد النص العبري طريقة السلخ وهو الطريقة التي كانت معتادة للاسكيثيين.
على طريقة الإسكيثيين: وباليونانية (periscuqiasantaV): كان الاسكيثيين مشهورين جدًا بقسوتهم في الشرق القديم، ويبدو أن الأنطاكيين اقتبسوا من طرق تعذيبهم: سلخ أعدائهم وتقوير الرأس، إذ كانوا يصنعون بعض الأدوات من جلد فروة الرأس(4).
أطناب الثيران:

كانت تلك الأطناب(الأمعاء) تستخدم في صنع السياط، كما كانت تستخدم كأوتار في شد الخيام ونصبها " أوسعى مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكى أطيلى أطنابك وشددى أوتارك" (إشعياء2:54) ويقول التقليد اليهودي بأن السياط التي كانت تستخدم في جلد المحكوم عليهم كانت تصنع من أمعاء ثور وحمار معًا، حيث يقال للمجرم عند الجلد: " الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم" (إشعياء3:1).
المقالى والقدور:

ربما كانت المقالى هي تلك الأواني الضخمة التي كان يوضع داخلها المحكوم عليه ثم توقد تحتها النار، بينما القدور هي الأواني التي تشبه الغلايات والتي ُتملأ بالماء أو الزيت أوالقار ثم تغلى ليلقى فيها المحكوم عليه، وهي طرق ُعرفت فيما بعد على نطاق واسع إبان فترات الاضطهاد للمسيحيين إذ ُتذكر كثيرًا خلال سيرهم، فنقرأ عن القديسة الشهيدة التي حكم عليها بأن تلقى عارية في قدر كهذا به قار يغلي، إذ طلبت من مضطهديها أن يتركوها بملابسها مقابل أن ينزلوها ببطء في ذلك الإناء الرهيب، وذلك بسبب محبتها للعفة لآخر لحظات حياتها.
كانت مثل تلك الطرق الوحشية في التعذيب معروفة في العالم القديم، ولعل الأشوريين كانوا أول من استنبط هذه الطرق المريعة وعنهم أخذ اليونانيين(1)، فمع أن الإسكندر الأكبر كان ُيعد من أعظم الملوك الفاتحين في التاريخ، إلاّ أنه لم يتورع عن إلحاق العذابات المريرة بالذين عصوا عليه، مثلما فعل مع أهل صور ومع حاكم غزة والذي أمر بربطه من عرقوبه في زيل حصان ثم سحله في شوارع المدينة .!
ونعود الآن إلى الشهداء السبعة، فقد تضايق أنطيوخس من شجاعة الفتى الأول الذي رغم عجزه نتيجة التعذيب تكلّم بشجاعة نيابة عنهم(2)، وأراد من ثم أن يرعبه ويرعب به الأم وبقية الأخوة، ويذكّرنا ما فعله معه بما لاقاه القديس يعقوب المقطع وهو من الشهداء الفارسيين وكان جنديًا ضمن جنود الملك سكراد بن صافور ملك الفرس، فبعد أن ضربوه بدأوا في تقطيع أصابع يديه ورجليه ثم ساعديه ورجليه وفخذيه حتى لم يبق منه سوى الرأس والجذع فقط، وأخيرًا قطعوا رأسه فنال إكليل الشهادة في سنة 420 م.
وكان لسان حال ذلك الفتى البار هو ما قاله القديس يعقوب هذا: " ليس لي رجلان لكي أقف أمامك ولا يدان أبسطهما قدامك، وهوذا أعضائى مطروحة حولى فأقبل نفسي إليك".
وهكذا بدلًا من ينجح المضطهد في ترويع الباقين، إذا بهم يحثون بعضهم بعضًا على التقدم للاستشهاد بفرح وثبات، متذكرين قول الرب على فم نبيّه موسى: "لأن الرب يدين شعبه وعلى عبيده يشفق حين يرى أن اليد قد مضت ولم يبق محجوز ولا مطلق" (تثنية 32: 36).
هذا وقد أرسى هذا الفتى المبدأ الذي سيعمل به بقية أخوته ومضمونه أن الموت هو أفضل من المساس بالشريعة، وبأن الخالق سوف يقيمهم من الموت بحسب الوعد المذكور في (تثنية 32: 39) والذي ذكرتهم أمهم به، والحقيقة أن الأصحاح 32 من سفر التثنية به الكثير من الرسائل والوعود لتعزية أولئك الشهداء، مصائب إسرائيل قد تكون عقاب على خطاياه هو وليست علامة تخلى الله عنه (32: 15 - 30) وأن الله سوف ينتقم من العدو (32: 35، 41 - 43) الذي ليس له مخلص من يده (32: 39) وسوف ُيحي وُيشفي الشهداء الذين ُشوهوا (32: 39).
استشهاد الأخ الثاني

7 ولما فارق الأول الحياة على هذا الوجه، ساقوا الثاني إلى التعذيب، ونزعوا جلد رأسه مع شعره، ثم سألوه: "هل تأكل لحم الخنزير قبل أن تُعاقب في جسدك عضوًا عضوًا؟". 8 فأجاب بلغة آبائه وقال: لا، ولذلك ذاق هو أيضًا بقية العذاب كالأول. 9 وفيما كان على آخر رَمَق قال: "إنك أيها المجرم تسلبنا الحياة الدنيا، ولكن ملك العالم، إذا متنا في سبيل شرائعه، سيقيمنا لحياة أبدية".
كان الأخ الثاني مستعدًا لاجتياز الآلام ذاتها ولم يستطيعوا أن يثنوه عن عزمه هذا، ولكنه لم يتراجع حتى بعد أن قطع شوطًا من الآلام المريعة، هذا ويفيد تعبير نزعوا جلد رأسه مع شعره، أن نزع الجلد تم عن طريق شد الشعر بقسوة، وذلك بخلاف الأخ الأول كما مرّ بنا، وفيما هو مشرف على الموت صرّح للملك بأنه وإن كانت له سلطة فهي فإنما على الأجساد المرتبطة بهذه الدنيا، ولكن الله وهو ملك الملوك ورب الأرباب سيكافئه بحياة لا تفنى.
الحياة الأبدية:

هذه واحدة من المرات القليلة التي يرد فيها تصريح مباشر عن الحياة الأبدية، راجع أيضًا (دانيال12: 2، 3) حيث يشير إلى اضطهاد أنطيوخس في (دانيال 11) راجع أيضًا (2مكا 12: 38-46 و 14: 46) بينما وردت إشارة أخرى في العهد القديم مثل (إشعياء 26: 19 و أيوب 19: 26، 27)، كما وردت إشارات أخرى في السفر هنا تؤكد هذه العقيدة، حيث سيقوم الشهداء بقدرة الخلاّق (آية 23) ويقومون هم للحياة (آية14 قابل يوحنا 5: 29) يقومون لحياة أبدية (آية 9، 36) هذا وقد ُنوقشت هذه العقيدة مرة أخرى عندما أرسل يهوذا يقدّم ذبيحة عن الأموات (12: 38-46).
لغة آبائه:

جاءت في العبرية (بلسان الآباء) وفي اليونانية (patriw fwnh = باللغة الأم) وُيقصد بها العبرية ويعتبرها اليهود "اللغة المقدسة" و "لغة السماء" و"لغة الوحي"، غير أنهم اضطروا إلى تعلّم الأرامية والتكلم بها جنبًا إلى جنب مع العبرية إبان السبى، غير أن الجيل الثاني لجيل السبي ضعفت معرفته باللغة العبرية، ونلاحظ أنه عقب العودة من السبي وعند قراءة عزرا لسفر الشريعة على مسامع الشعب اضطر إلى ترجمة ما يقال إلى اللغة الأرامية حتى يفهم الشعب، إلا أن الأرامية كانت معروفة لدى اليهود قبل السبى كلغة للاتصالات الدبلوماسية مع الشمال مثل آشور وبابل، ولعلّ أول إشارة إلى ذلك جاءت في (2مل 18: 36 و إشعياء 36: 10) عندما طلب مندوبو حزقيا الملك إلى ربشاقى قائد جيوش سنحاريب التكلم بالأرامية حتى لا يعرف الشعب ما يدور من نقاش، من هنا نشأ ما يسمى ب "الترجوم" وهو كتاب من نهرين للأسفار المقدسة، أحدهما عبري والآخر أرامي، مثلما هو الحال الآن في الكنيسة القبطية في جميع كتب الليتورجية، أي عبارة عن نهرين قبطى وعربي.
هذا وقد استخدم كل من الأم وابنها بعض التعبيرات العبرية (آية 21، 27) وهو ما يتضح في موضع آخر (12: 37 و 15: 29) وقد تكون نصوص محفوظة، وربما كانت لغتها الأساسية مع أولادها هي العبرية، هذا ويتضح لنا من النص أن الطاغية كان يكلمهم باليونانية..
هكذا رقد الثاني شهيدًا عن طيب خاطر بعد تقطيع أعضاءه.
وقد كان الهدف من التعذيب بشكل عام قديمًا وحديثًا، إمّا الحصول على المعلومات، أو العقاب على جرائم خطيرة مثل الخيانة. ولكن التعذيب إذا أفضى إلى نتائج لا علاج لها (مثل البتر) فيكون الهدف منه قطعًا هو أن يصبح الشخص عبرة للآخرين، ولذلك فإننا نجد أنه من الغريب هنا أن ُيمنح الثاني فرصة للتراجع عن أفكاره وعناده.
يقول كاتب سيرة الشهيد يعقوب المقطع: "حُرم من قدميه لكن نفسه كانت تسير بخطوات واسعة نحو الفردوس.. وُبترت يداه لكن أعماقه كانت تتسلم غنى نعمة الله الفائقة وشُوّه جسمه في هذا العالم، فكان بهيًا للغاية في عيني الله وأعين السمائيين.. أخذ الملك منه موقفًا مضادًا، فظهر له ملك الملوك السيد المسيح وعزّاه وقواه فابتهجت نفسه(1).
استشهاد الأخ الثالث

10 وبعده عذبوا الثالث، وأمروه فدلع لسانه لساعته وبسط يديه بقلب جليد، 11 وقال بشجاعة: "إنى من السماء أُوتيتُ هذه الأعضاء، وفي سبيل شرائعها أستهينُ بها، ومنها أرجو أن أستردها". 12 فبُهتَ الملك نفسه والذين معه من بسالة ذلك الفتى الذي يبال بالعذاب شيئًا.
إستمر الملك في تعذيب هؤلاء الأبطال بنفس البشاعة، فلمّا جاء دور الإبن الثالث نظر إلى جلاديه مشيرًا إلى أعضاء جسمه معلنًا أنها هبة من الله، فليستردها الله بالكيفية التي يسمح بها، وهي لا تعني شيئًا سوى أنها وديعة لا يملكها، ولكن الله سيعيدها إليه في شكل آخر لجسد نوراني ممجد، لا يجوع ولا يتألم ولا يفنى، ثم بسط (دلع) لسانه ويديه بقلب جليد (صابر) ففعلوا به كما حدث مع السابق وسط ذهول الملك وحاشيته من تلك الشجاعة النادرة، تمامًا كما كان يحدث مع مضطهدي المسيحيين.
استشهاد الأخ الرابع

13ولما فارق هذا الحياة، عذبوا الرابع ونَكَّلوا به بِمِثْل ذلك. 14 ولما أشرف على الموت، قال: "خير أن يموت الإنسان بأيدي الناس ويرجو أن يقيمه الله، فلك أنت لن تكون قيامة للحياة".
المقصود بأن يموت الإنسان بأيدي الناس، أن الأمر متعلق بهذا الجسد وهذه الحياة الفانية، أما من كان موته من قِبل الله فسيكون هلاكه أبديًا " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (متى10: 28)، بل أن الله قادر أن يحوّل اضطهاد الناس إلى بركة، وعوض الجسد الترابي سيرث الملكوت بآخر نوراني ممجد.
ورغم توبيخ الفتى لأنطيوخس إلاّ أن الأخير تمادى في تجبره وشروره إذ لحقت عذاباته ببقية الأخوة وأمهم. ولكن الله كان عجيبًا في محبته لهم فسواء الذين خلصوا من العذاب ولم يحرقوا مثل دانيال والفتية الثلاثة وغيرهم، أو هؤلاء الذين تركهم ليبذلوا حياتهم حبًا به.. فالمهمّ هو المكافأة الأبدية.
يقول القديس أغسطينوس " لا تخف.. فقط إعمل ما يأمرك به وإذا لم يخلصك جسديًا فهو سيخلصك روحيًا، فهو الذي أخرج من النار الفتية الثلاثة، هل أخرج المكابيين من النار؟ ألم يُنشد الأولون (الفتية الثلاثة) الألحان في وسط اللهيب بينما هلك المكابيون في اللهيب؟ ألم يكن إله الفتية هو إله المكابيين؟، الواحد خلّصه والآخر لم يخلّصه؟ كلاّ لقد أنقذ كليهما !! لكن الفتية الثلاثة أنقذهم هكذا حتى تحيّر الجسدانيون لكن المكابيين لم ينقذهم هكذا، لأن هؤلاء الذين اضطهدوهم سوف يجوزوا عذابًا أعظم، إذ بينما اعتقدوا أنهم قد تغلبوا على شهداء الله: تغلب الشهداء عليهم !، لقد خلُص بطرس عندما أتاه الملاك في السجن وقال انهض عاجلًا وانقذه الله، فهل فقد بطرس برّه عندما لم ينقذه الله من الصليب؟ ألم ينقذه آنذاك؟ لقد خلص وقتها، هل صار أثيمًا فلم يسمعه كما في الأول..؟ لقد أرسله الله أخيرًا إلى هناك (الأبدية) حيث لا يمكنه أن يعانى من أي شر. (3)
استشهاد الخامس

15 ثم ساقوا الخامس وعذبوه. 16 فحدق إلى الملك وقال: "إنك بما لك من السلطان على البشر، مع أنك قابل الفساد، تفعل ما تشاء. ولكن لا تظن الله قد خذل ذريتنا. 17 إصبر قليلًا فترى قدرته العظيمة، كيف يعذبك أنت ونسلك".
إن للملك سلطان على الأجساد ليس من قبل الله بالطبع، لأن الله وهبه السلطان ليفعل الخير وينشر العدل في مملكته لا لكي يذلّ أولاد الله، ومع ذلك فهو لن يستطيع القضاء على الأمة، بل لقد أسهم الاستشهاد في جميع عصوره في ازدهار الأمة، وتزايد عدد المسيحيين وحملهم على التمسك أكثر بالله، وصرف أذهان الناس عن الاهتمامات الرديئة جاذبًا أنظارهم نحو السماء، إن الملك قابل للموت والفساد ولكن الله سرمدي، سمح للملك بتبكيت الشعب من جهة ومن جهة أخرى أسهم في منحهم الأكاليل.
وقد مات أنطيوخس بالفعل شر ميتة (راجع تفاصيل ذلك في 1مكا6: 12، 13 و 2مكا 1: 11-17) وكذلك حدث مع كل ملك من العائلة السلوقية خلفاؤه، فلكل منهم قصّة مؤلمة في نهايته، وقد طارد أحدهم الآخر وقتلوا بعضهم بعضًا، ونفى البعض وهرب البعض الآخر، حتى آلت دولتهم إلى الرومان في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد.
يقول القديس أمبروسيوس: "لقد فضّل الشهداء الموت على العبودية والخزى، ماذا أقول عن آلامهم؟ دعنا لا نذهب بعيدًا، ألم ُيحرز أبناء المكابيين انتصارات على الملك أنطيوخس المتكبّر، في مثل عظمة انتصارات آبائهم؟ لقد كان هذا الملك مسلحًا ولكنهم قهروه بدون أسلحة جماعة الأخوة السبعة وقفت غير مقهورة مع أنهم محاطون بجحافل الملك، إلاّ أن التعذيبات فشلت، والمعذبون توقّفوا، ولكن الشهداء لم يفشلوا، إن أحدهم إذ دعوه يخرج لسانه لكي يقطعوه، أجاب "إن الرب لا يسمع أولئك الذين يتكلمون فهو سمع لموسى عندما كان صامتًا، أنه يسمع الأفكار الصامتة لخواصه، أفضل من أصوات الآخرين كلهم، أتخشى سوط لساني ألا تخشى صوت الدم المسفوك على الأرض؟ الدم أيضًا له صوت به يصرخ جهرًا إلى الله كما حدث في موت هابيل".
استشهاد الأبن السادس

18 وبعده ساقوا السادس، فلما أشرف على الموت قال: "لا تَغتَرَّ بالباطل، فإننا نحن جلبنا على أنفسنا هذا العذاب، لأننا خطئنا إلى إلهنا، ولذلك جرى لنا ما يقضى بالعجب. 19 وأما أنت فلا تحسب أنك تبقى بلا عقاب، بعد أن أقدمت على محاربة الله".
لعل الشهيد السادس هو أكثر من نطق الله على لسانه بالكثير من الُدرر في هذا السياق، إنه يؤكد إن هذا الاضطهاد ليس نصرة لأنطيوخس لئلا يغتر وإنما هو تأديب من الله بسبب خطايا الأمةهذا وقد لاقى اليهود على مدار تاريخهم الكثير من الاضطهادات ولكن أكثر تلك الاضطهادات كان قومي أو سياسي، مثلما لاقوا من الأشوريين والبابليين وفي مصر أيضًا، ولكنها المرة الأولى التي يتعرّضون فيها للتعذيب على هذا النحو بسبب العقيدة مما يعنى أن الاضطهاد ديني بالدرجة الأولى، وكان الملوك السابقين الذين احتلّوا أورشليم أو الذين سبوا سكانها إلى بلادهم، يفسحون لهم المجال ليعبدوا إلههم ويقيموا شرائعهم، حتى أن التلمود البابلى فاق في أهميته نظيره الذي ُكتب في أورشليم .!
ولقد اعتبر هذا الشهيد أن أنطيوخس إنما يحارب الله وليس اليهود، لأن اليهود في إصرارهم هذا يتمسكون بوصايا إلههم، ولذلك فإن الله وإن سمح لهم بالموت إلاّ أنه لن يترك أنطيوخس دون عقاب"... فيا بنى لا تحاربوا الرب إله آبائكم لأنكم لا تفلحون" (2أخ 13: 12) هكذا يقول أيضًا غمالائيل معلم الناموس:".. وإن كان مِن الله فلا تقدرون أن تنقضوه لئلا ُتوجدوا محاربين لله أيضًا" (أعمال 5: 39). وقد كانت أقوال الفتى السادس هنا بمثابة نبوءة عما سيجرى لأنطيوخس، فعند موت الأخير قال "الآن أتذكّر المساوئ التي صنعتها في أورشليم وكيف أخذت آنية الذهب والفضة التي كانت فيها وأرسلت لإبادة سكان اليهودية بغير سبب. فأنا أعلم بأنى لأجل ذلك أصابتنى هذه البلايا. وها أنا أموت بغمّ شديد في أرض غريبة (1مكا 6: 12، 13 راجع أيضًا (2مكا 1: 11-17).
الأم تشجع أولادها وتعبر عن فرحها

20 وكانت أمهم أجدرهم جميعًا بالإعجاب والذكر الحميد، فإنها عاينت بنيها السبعة يهلكون في مدة يوم واحد، وصبرت على ذلك بشجاعة، بسبب رجائها للرب. 21 وكانت تُحَرَّضُ كلا منهم بلغة ىبائها، وهي ممتلئة من المشاعر الشريفة، وقد أضفت على كلامها الأنثوى بسالة رجولية، فكانت تقول لهم: 22"لست أعلم كيف نشأتم في أحشائى، ولا أناوهبتكم الروح والحياة، ولا أنا نظمت عناصر كل منكم. 23 ولذلك فإن خالق العالم، الذي جبل الجنس البشرى والذي هو أصل كل شئ، سيُعيدُ إليكم برحمته الروح والحياة، لأنكم تستهينون الآن بأنفسكم في سبيل شرائعه".

لم يتبق الآن سوى الأخ الأخير ولعله أصغرهم سنًا، وإنّا نتعجب كثيرًا كيف تجلّدت هذه الأم واحتملت كل ذلك على مرأى ومسمع منها، ويقول الكتاب أن ذلك بسبب رجاءها الشديد في الرب ولكونها ناظرة إلى لا ما يرى، بل كانت ترى في عذاب أولادها تمجيدًا لهم، وفي موتهم من أجل الله إكليل شهادة وحياة أبدية، لقد كانت تمتلك شجاعة تعوز الكثير من الرجال الذين يخرّون تحت أقل الضغوط، لقد كانت تشعر أنهم ليسوا ملكًا لها بل وهبها الله إياهم وكونهم في رحمها وليس لها فضل في حياتهم، بل أن خالق الجنس البشرى هو القادر أن يهبهم حياة من جديد وإنما حياة أبدية خالدة معه، راجع (أيوب 1: 8-12 و مزمور 139: 13-15 و جامعة 11 ؛ 5).
الروح والحياة (آية 22):

من الملفت استخدام التعبيرين معًا، وهل هناك فرق بين كل منهما، فقد تكون الروح هي النسمة التي وهبها الله للإنسان حسبما ورد في (تكوين 2: 7) بينما الحياة صفة تشترك فيها جميع الخلائق، ومع ذلك فإن الحياة تأتى نتيجة للروح، ولكن الحيوانات والطيور والأسماك وغيرها لها نفس وليس روح، وبالتالي فهي تفنى بمجرد موتها (انفصال النفس عن الجسد) وهكذا ُتطلق صفة الروح على النفس البشرية العاملة المفكرة والمبدعة والتي على صورة الله.
ولا أنا نظمت عناصر كل منكم: جاءت في الأصل العبري للآية هكذا (ومادة كل أحد لم أصورها أنا) وكلمة مادة الواردة في الأصل العبري هي كلمة (حومير) والتي تعني (مادة - عنصر - طين - قش - صلصال)، وربما تكون بذرة الجنين الأولى المعروفة بالزايجوت.وجاءت باليونانية هكذا kai thn...... stoiceiwsin ouc egw dieruqmisa = ومادة.... لم أشكلها بشكل مناسب). أي أن الأم ليست هي المسئولة عن خلق وتصوير وابداع الأعضاء البشرية بالكيفية الممتازة هذه، بل هي مجرد حاوية لما يعمله الله. وجاءت باللاتينية في الفولجاتا هكذا (membra non ego compegi) وتعني (والأعضاء لم أقسّمها أنا) وبالإجمال فإن الفكرة هنا مطابقة تماما لما ورد في: (مزامير 139: 13 - 17 و أيوب 10: 8 - 12).
هذا وقد أثنى الكثير من آباء الكنيسة العظام على هذه الأم العظيمة وخصّوها بالكثير من المديح والاطراء. فيقول القديس أغسطينوس في تناوله لأمثلة في الثبات:
" لكن بما أننا نتكلّم هنا عن احتمال الآلام والمعاناة الجسدية، أعبر من هذا الرجل (أيوب البار) العظيم دائمًا وغير المقهور أبدًا: هذه حالة رجل، لكن هذه الكتب المقدسة (المكابيين) تقدم لي امرأة لها ثبات ُمذهل، ويجب على أن أدخل حالًا إلى الحديث عنها، هذه المرأة وبصحبتها سبعة أبناء سمحت للمستبدّ الجلاد أن ينتزع أعضائها الحيوية من جسمها بدلًا من كلمة بذيئة من فمها، مشجعة أبناءها بحثهّا إياهم، مع أنها عانت من تعذيب أجسامهم، بل هي نفسها خضعت إلى ما دعتهم إلى احتماله، أيّ صبر يمكن أن يكون أعظم من هذا؟ وإلى الآن مالنا نندهش من ُحب الله المزروع في قلبها وتحملها ظلم المستبد والجلاد والألم، وطبيعتها كامرأة والعاطفة الطبيعية؟ ألم تسمع "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه" (مزمور166: 15) ألم تسمع " البطئ الغضب خير من الجبار" (أمثال 16: 32) ألم تسمع "مهما نابك فاقبله و كن صابرا على صروف اتضاعك، فإن الذهب ُيمحّص في النار، والمرضيين من الناس يمحّصون في آتون الاتضاع" (سيراخ 2: 4، 5) كل هذا قد عرفَته (هى).
والكثير من النصائح الأخرى للثبات ُكتبت في هذه الكتب التي وحدها كانت موجودة في ذلك الوقت بنفس الروح القدس الذي يكتب ذلك في العهد الجديد (1). وفي موضع آخر عند الحديث عن الطاعة لله أولًا ثم الوالدين ثانيًا، يقول: لاحظ أم المكابيين تقول "يا أبنائى أنى لست أعلم كيف نشأتم في أحشائى (آية22) يمكنني أن أحبل بكم، أن ألدكم استطيعه، لكن أن اُنشئكم هذا لا أستطيعه، اسمعوا له (لله) إذًا، فضلّوه عنى لا تزعجوا أنفسكم بأنه ينبغي لي أن أبقى هنا بدونكم هكذا أمرتَهم وهم أطاعوها. ما علمته هنا الأم لأطفالها علَمه الرب يسوع المسيح لذاك الذي قال له "ابتعنى". (2)
أماّ القديس جيروم فيقول في الرسالة إلى كروماتيوس وجوفينوس ويوسابيوس:
" أحيي أمك وأمى بالتقدير الذي ُاكنه لها كما تعرف، مرتبطة معكم كما في حياة مقدسة، هي عندها بدايتكم يا أولادها القديسين إنها أمكم، أحي معها أخواتكن اللواتى يُرحّب بهن حيثما يذهبن، لأنهن قد انتصرن على طبيعتهن والعالم، وينتظرن مجيء المسيح العريس مصابيحهن مُلئت ثانية بالزيت. سعيدة هي الدار التي هي بيت الأرملة حّنة وبيت عذارى هنّ نبيات، وتوأم صموئيل الذي تربى في الهيكل! محظوظ السقف الذي يظلل الشهيدة أم المكابيين مع أبنائها حولها كلهم لابسون إكليل الشهادة! فعلى الرغم من أنكم تعترفون يوميًا بالمسيح بحفظ وصاياه، إلاّ أنكم أضفتم إلى مجدكم الخاص هذا مجدًا عامًا بالاعتراف العلني لأنه من خلالكم أبعد ُسم البدعة الأريوسية سابقًا من مدينتكم(1).
وأما القديس باسيليوس الكبير فيقول في الرسالة السادسة حيث يبدو من السياق أنها موجهة إلى أم فقدت ابنها:
" دعونا نقبل ما حدث لأنه من يقبل أن يقاوم إرادة الله، فالرب الآن يختبر حبك له، هناك الآن فرصة لك من خلال صبرك أن تأخذي نصيب الشهداء، فإن أم المكابيين رأت موت بنيها السبعة بدون تنهّد، بدون حتى أن تذرف دمعة بلا قيمة، وشكرت الله لأنها رأتهم يتحررون من قيود الجسد بالنار والحديد والضربات الشريرة، وربحت المديح من الله والشهرة وسط الرجال إن الخسارة كبيرة، كما يمكنني أنا نفسي أن أقول، ولكن عظيمة أيضًا المكافآت الممنوحة من الرب لمن يصبر(2).
ويطوّبها القديس أمبروسيوس قائلًا: "ماذا أقول عن الأم التي بالبهجة نظرت جثث أطفالها كأكاليل كثيرة كجوائز الانتصار، ووجدت لذة في أصوات أبنائها المحتضرين، كما في أغانى المغنيين، وكأنّ أولادها هم نغمات القيثارة المجيدة من داخل قلبها، وانسجام للحب أحلى من أي نغم يمكن أن يعطيه العود(3).
الملك يحاول إغراء آخر الأخوة المكابيين

24 وظن أنطيوخس أنه يسخر به ورأى في هذا الكلام إهانة، فأخذ يحرض بالكلام أصغرهم الباقي، بل أكد له بالقسم أنه يغنيه ويسعده، إذا ترك سُنَنَ آبائه، ويتخذه صديقًا له ويُقَلدُه المناصب. 25 إلا أن الفتى لم يصغ لذلك البتة، فدعا الملك أمه وحثها أن تشير على الفتى بما يؤول إلى خلاصه. 26 فانحنت عليه واستهزأت بالطاغية العنيف، وقالت بلغة آبائها: "يا بنى أرحمنى أنا التي حملتك في أحشائها تسعة أشهر، وأرضعتك ثلاث سنوات، وعالتك وبلغتك إلى هذه السن وربتك. 28 أسألك يا ولدى أن أنظر إلى السماء والأرض، وإذا رأيت كل ما فيهما، فأعلم أن الله صنعهما من العدم، وان جنس البشر هو كذلك. 29 فلا تخف من هذا الجلاد، بل كن جديرًا بإخوتك وأقبل الموت لألقاك مع إخوتك بالرحمة".
يتحول الملك هنا من الوعيد إلى الوعد، ومن التهديد إلى الملاطفة والاغراء، فها هوذا بعد أن فشلت طرق التعذيب الرهيبة في التأثيرعلى الإخوة الستة ولا الباقين، وقد رفض الابن الصغير العروض السخيّة التي يسيل لها لعاب الكثيرون، والتي من أجل اليسير منها ترك آخرون إلههم سعياُ وراء مجد زائل. وهو النهج الذي انتهجه أيضًا مضطهدي المسيحيين في القرون الأولى حين كانوا يعرضون المناصب الرفيعة على الشهيد بينما يعدون الآخرين بالزواج والمال، وهوذا أنطيوخس هنا يعرض عليه ما هو أكبر إذ يتخذه "صديقًا للملك" وهي رتبة كبيرة كما أسلفنا مُنحت ل فيلبس ونكانور وهما من كبار ضباطه.
ولكن التعزية التي ملأت قلوب الشهداء، وكذلك المجد الذي انفتحت عليه أعينهم في السماء، وهم ما يزالون في الأرض وتحت وطأة التعذيب والإهانات.. كل ذلك جعلهم يستخفّون بمثل تلك العروض.
حينما حاول الملك توسيط الأم لدى ابنها (آية25) لكي يخلص، لم يكن يقصد خلاص نفسه بالطبع بل خلاصه من ذات المصير الذي آل إليه إخوته من التعذيب والموت، وفيما ظن الحاضرون أنها انصاعت لرغبة الملك وتوسلاته، إذ بها تشجعه على أن يحذو حذو إخوته الذين سبقوه ليلحق بهم ويفوز بالإكليل، بل أنها اعتبرت موته شهيدًا بفرح هو رحمة بها واكرامًا لها، وعليه أن ينظر لجميع ما حوله ليرى ويدرك أن الله هو خالق العالمين.
فأعلم أن الله صنعهما من العدم (آية 28): جاءت في اليونانية (ex ouc ontwn) وجاءت في المخطوطات اليونانية والفولجاتا اللاتينية والآرامية بدلا من النسخة الشائعة هكذا: (ouc ex ontwn = من أين) وفي الفولجاتا(ex nihilo). والمقصود هنا سؤال بقصد الإستنكار وتوضيح "من أين جاء أصل العالم"؟! فتكون الإجابة الإعجازية: "من العدم". وهو الشيء الذي كثيرا ما ورد في حوارات الربيين مع الكفرة. قال أحد الفلاسفة للربي غمالائيل: " لقد كان إلهكم خالق عظيم لكنه وجد مادة عمل منها الأشياء... و أودع فيها الروح بقوة...." ونجد لدى بعض النتأغرقين من اليهود إيمانهم أن العالم ُكوّن من مادة أولية مثل قول فيلون: (إن العالم خُلِقَ ex amor fou ulhV من مادة هيولية).
ولعلّه في هذه الآية أول تأكيد صريح لخلق الله كل شيء من العدم، راجع (إشعياء24:44) ففي إشارة الأم إلى أن الله قد خلق كل شيء من العدم تأييد هام لفكرة خلق الله للمادة والتي منها خلق جميع الأشياء بعد ذلك، وعلى هذا يعلق العلامة أوريجانوس قائلًا: " هكذا تعلّمنا أم المكابيين الشهداء السبعة" (1).
هذا وقد ثار نقاش فلسفى كبير بين الفلاسفة الوثنيين قبل الميلاد، حول الخلق وهل تم من مادة موجودة أم من العدم، بحيث خلق الله المادة أولًا ومنها خلق كل شئ، ولكن الأمر ُيحسم هنا في مواجهة المتشككين من اليهود المهلّنين (المتأثّرين بالفلسفة اليونانية) وكذلك اليهود الذين بدأوا في اعتناق الفكر الصدوقى، ولذلك فإن عبارة ex duk onton والتي وردت في المخطوطات اللوسيانية تعني: "مما لم يكن" (آية 28) وكذلك العبارة اللاتينية ex nilulo تعنى: " من لا شيء". ومن ثم أصبحت عقيدة الخلق من العدم أساسية في الإيمان المسيحي، وهكذا وجد الشراح واللاهوتيون في سفري المكابيين تعليمًا عقائديًا وركيزة هامة.
ويقول القديس أغسطينوس تعليقًا على أن المخلوقات خلقت من العدم:
" لذلك فإن الله قد صنع كل الأشياء لا من مادة موجودة سابقًا، لأنه لم يكن شيء موجود مطلقًا، بل من العدم يقول القديس بولس.. "الذي... يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة" (رومية 4: 17) ولكنه وبأكثر وضوح ُكتب في سفر المكابيين: أنظر يا ولدى إلى السماء والأرض وإذا رأيت كل ما فيهما فأعلم أن الله صنع الجميع من العدم (آية 28) ومن هنا فقد ُكتب في المزمور "لأنه أمر فُخلقت" (مزمور 148: 5) وهكذا صنع كل الأشياء بكلمته وبأمره، يقول القديس بولس أيضًا " لأن منه وبه وله كل الأشياء" (رومية 11: 26) (1).
الفتى يوبخ الملك

30 وما أن انتهت من كلامها حتى قال الفتى: "ماذا أنتم منتظرون؟ إني لا أطيع أمر الملك، وإنما أطيع أمر الشريعة التي ألقيت إلى آبائنا عن يد موسى. 31 وأنت أيها المخترع كل شر على العبرانيين، إنك لن تنجو من يدي الله. 32 فنحن إنما نتألم من أجل خطايانا. 33 وإن سخط علينا ربنا الحي حينًا قليًا لمعاقبتنا وتأديبنا، فسيصالح عبيده من بعد. 34 وأما أنت أيها الكافر، يا أقذر كل بشر، فلا تتشامخ باطلًا ولا تعلل النفس بالآمال الكاذبة وترفع يدك على عبيده، 35 لأنك لم تنج إلى اليوم من قضاء الله القدير الرقيب. 36ولقد صبر إخوتنا على ألم ساعة، سعيًا لحياة لا تزول، وسقطوا في سبيل عهد الله. وأما أنت فسيحل بك، بقضاء الله، العقاب الذي تستوجبه بكبريائك. 37 وأنا كإخوتي أبذل جسدي ونفسي في سبيل شرائع آبائنا، وأبتهل إلى الله أن لا يبطئ في توفيق أمتنا وأن يحملك، بالمحن والضربات، على الاعتراف بأنه هو الإله وحده. 38 عسى أن يحل علَىَّ وعلى إخوتي غضب القدير الذي ثار على أمتنا بالعدل!" 39فحنق الملك لمرارة الاستهزاء فزاده تعذيبًا على إخوته. 40وهكذا فارق الفتى الحياة غير مدنس، وقد وَكَلَ إلى الرب كل أمره. وفي آخر الأمر ماتت الأم بعد بنيها. 41 وكفى ما رويناه عن المَآدبِ الطقسية والتعذيبات المُبَرحَة.
مخترع الشر: تعبير شائع في ذلك الوقت، ُاطلق أيضًا على الشيطان. وهكذا وبينما يدّعي أنطيوخس الألوهية، فإنه ُيوصف هنا بالشرير والمفكر بالشر والمتفنّن فيه " في قلبه أكاذيب يخترع الشر كل حين. يزرع خصوما" (أمثال 6: 14) وأيضًا " أما يضلّ مخترعوا الشر، أمّا الرحمة والحق فيهديان مخترع البر" (أمثال 14: 22) وأيضًا لا تخترع شرًا على صاحبك (أمثال 3: 29).
عبرانيين: وأما هذا التعبير فقد استخدم للإشارة إلى اليهود في السفر أكثر من مرة (راجع أيضًا 11: 13 و 15: 37) كما استخدم في سفر يهوديت أكثر من مرة (يهوديت 10: 12 و 12: 11 و 14: 18) ولكن مصطلح عبرانيين استخدم بالأكثر للإشارة إلى اليهود خلال الفترة من إبراهيم حتى حلم يعقوب حين تحول اسمه إلى إسرائيل، ومن ثم أطلق تعبير بنى إسرائيل على الشعب منذ ذلك الحين وحتى سبى بابل. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم ُيستخدم تعبير يهود نسبة إلى يهوذا السبط الأكبر والأكثر فعالية.
يشير الشهيد هنا إلى أنه وبالرغم من أن الله يعاقب الأمة على خطاياها، وهو في ذلك عادل (آية 38) إلاّ أنه سريعًا ما يفتقدها بالخير، كما أنه (أي الشهيد) لا يعدّ نفسه قديسًا لكونه سيموت لأجل الله، وإنما هو يرضى بتأديب الله بشكر! مثل إخوته الذين صبروا على الآلام الحاضرة من أجل المجد العتيد.
أماّ الآمال التي يشير إليها هنا ويتعلق بها أنطيوخس فهي القضاء على العقيدة اليهودية، وتحويل البلاد إلى مملكة هيلينية ثقافةً وعقيدةً ولغةً، غير أن ذلك لن يتم له يصرح الشهيد فإن الله سيعاقبه ويثأر لدم الشهداء الأبرار.
هذا ويلخص الشهيد الأخير جميع الأفكار والدروس المهمة في الأصحاح، لاسيما وأن الاضطهاد قد جاء على إسرائيل نتيجة خطاياه وهو ما ورد أيضًا في (6: 12 - 16). ويقول التلمود في أحد أبوابه (سنهدرين 27: 2) عن هؤلاء الشهداء: " لقد ماتوا بعد خطأ جمهور إسرائيل، إذن فإسرائيل كلها مسئولة عن هذا".
وكان من الطبيعي أن يستاء الملك من جرأة الفتى وتصريحاته مما جعله يزيده آلامًا أكثر من السابقين. وأمّا الأم وبعدما اطمأنت على الكل وأنهم قد ماتوا أمناء من أجل الله والوصية، فقد قبلت الموت بفرح وراحة(1) ولعلها تذكّرنا بالأم دولاجي والتي ُذبح أولادها على حجرها واحدًا بعد الآخر، وحينما كان المضطهِدون يظنّون أنهم بذلك يرعبونها حتى ترجع عن إيمانها، كانت هي في الحقيقة تسرّ لأنها كانت تخشى أن تضعف عزائهم إن ماتت هي قبلهم.
بعض من أقوال الآباء عن الشهداء المكابيين

نظر الكثير من الآباء إلى هؤلاء الشهداء باعتبارهم شهداءً مسيحيين قبل المسيحية، لأسباب عدة، منها الأمانة إلى حد الموت في الشهادة لله وحفظ الوصية، ثم التشابه الكبير بين أساليب كل من الوعد والوعيد من قبل الحكام المضطهدين، ثم أساليب التعذيب ذاتها والتي اتصفت بالبشاعة والتمثيل بالأجساد قبل القتل، وفي المقابل البسالة والشجاعة التي لاقى بها الشهداء مثل ذلك الظلم، ثم التوبيخ الناتج عن تلك الشجاعة للمضطهدين، ولقد أثنى القديس بولس عليهم في فجر المسيحية قائلًا".. تقووّا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء. أخذت نساء أمواتهن بقيامة (استعادت أم المكابيين أولادها بالقيامة) وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل (السبعة الشهداء) وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس. وُرجموا ُنشروا ُجرّبوا. ماتوا قتلًا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلّين، وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض. فهؤلاء كلهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا" (عبرانيين 11: 34-40).
الكنيسة الجامعة من الختان والغرلة

هكذا يجمع القديس بولس بين شهداء اليهود الذين من الختان والآخرين الذين من الأمم (الغرلة) حيث سيكُمل الفريقان معًا بالله. يقول القديس أغسطينوس تعليقًا على الآية " اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك نجسوا هيكل قدسك، جعلوا أورشليم أكوامًا دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء، لحم أتقيائك لوحوش الأرض، سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن" (مزمور 79: 1-3) وهي الآية التي تعد بمثابة نبوءة عما سيحدث في العصر المكابى، يقول"..هذه الأشياء ُعملت من قبل الأعداء الآخرين، قبل أن يجئ السيد المسيح بالجسد، في ذلك الوقت كان الأنبياء القديسون عندما حدث السبي إلى بابل، وتلك الأمة قد تضررت بشكل كبير، وفي ذلك الوقت وتحت حكم أنطيوخس، أيضًا المكابيون بعدما تحمّلوا الآلام المروعة، تكللّوا بشكل مجيد، أو بالتأكيد بعد قيامة الرب وصعوده، وكذلك هؤلاء الذين تعذّبوا بأيدي عابدي الأصنام وأعداء السيد المسيح، وهكذا زخرت هذه الكنيسة بهذا الكم من الشهداء، إذا فهي ميراث الله، تجمّعت من الختان والغرلة، أي من شعب إسرائيل ومن بقية الأمم، بواسطة الحجر الذي رفضه البناؤون والذي أصبح رأس الزاوية (مزمور 118: 22) (1)
أما القديس يوحنا ذهبي الفم تعليقًا على الآية "ولما أكمل يسوع أمره لتلاميذه الاثنى عشر انصرف من هناك ليعلم ويكرز في مدنهم" (متى10: 1) فيقول: ماذا إذن هل كان الذين عاشوا قبل مجئ المسيح مخطئين؟ كما يظن البعض قد خلصوا، دون اعترافهم بالسيد المسيح لأن هذا لم يكن مطلوبًا منهم، وإنما طلب منهم فقط ألاَ يعبدوا الأصنام وأن يعرفوا الإله الحقيقي، لأن الرب إلهنا قد قيل عنه "رب واحد" (تثنية 6: 4) لذا فإننا نعجب بالمكابيين لأنه بسبب مراعاتهم للشريعة عانوا ما قد عانوا (2).
وفي حديثه عن معاملات الله مع شعب إسرائيل يقول: "حتى بعد السبي لم يتركك بل أعادك إلى حريتك وأعاد إليك الهيكل وشكّل حكومتك وكان هناك أيضًا أنبياء ثانية، بل حتى في زمان سبيك لم يتركك دون أنبياء فهوذا دانيال وحزقيال وفي مصر إرميا وموسى في الصحراء، ولكنك عدت إلى رزيلتك ثانية وانجذبت إلى النهج الإغريقي في حكم انطيوخس الأثيم (دانيال 8: 14 و 1مكا4: 54) ولمدة ثلاث سنوات ونصف كنت مُسلمًا إلى أنطيوخس ولكنه وبواسطة المكابيين رفعت تلك الكؤوس الساطعة البهية ثانية، وأما الآن فلا شيء من هذا.(1)
وفي حديث طويل عن الشهداء المكابيين، يقول الشهيد كبريانوس في مقالته إلى فرتوناتوس للحثّ على الاستشهاد:
"وهذه الأمور التي تواجه المسيحيين الآن ليست جديدة أو مفاجئة، حيث يتعرض الأبرار والأمناء على الدوام للضيقات والآلام الحادة من بدء العالم وحتى الآن. وها هم الأخوة السبعة رمز الكمال في عددهم، لقد برهنوا على إيمانهم قدام أنطيوخس، نعم لقد تمثّل في أنطيوخس هذا المسيح الدجّال (ضد المسيح) والذي طلب أن يلوّث أفواه الشهداء المجيدة غير المقهورة، عن طريق أكل حلم الخنزير، وإذ ضربهم بشدة بالسياط ولم يظفر بشيء أمر بأن تسخن أسياخ من حديد حتى توهّجت، وقد بدأ بالفتى الذي جعل من نفسه نائبًا ومتحدثًا عنهم، وأمر بقطع لسانه ثم شيّه بالنار، حيث أثار الملك بقوة إيمانه وثباته في الفضيلة، هذا الذي اعترف بالله فمجده الله، لأن اللسان الذي اعترف باسم الله أوجب على نفسه أن يمضى أولًا إلى الله. ثم فى الثاني أبتكر آلامًا أشدّ، حيث أنهم قبل أن يعذبوه في أطرافه الأخرى نُزع عنه جلد وشعر رأسه بدافع الغيظ بلا شك لأنه بما أن المسيح هو رأس الرجل والله هو رأس المسيح، فإن الذي قطع رأس الشهيد كان يضطهد الله نفسه والسيد المسيح في هذا الرأس، لكن الأخ الثاني هذا وإذ وثق بشهادته واعدًا نفسه بمكافأة الله بالقيامة، صاح قائلًا: " إنك أيها الفاجر تسلبنا الحياة الدنيا ولكن ملك العالمين، متى متنا في سبيل شريعته فسيقيمنا لحياة أبدية (آية9). وأما الثالث فإذ أوقفوه بادر ببسط لسانه إذ تعلم من أخيه أن يحتقر عذاب قطع اللسان، بل أنه قدّم يديه أيضًا لتُقطعا، وهو سعيد بهذا النمط من العقاب، إذ كانت قرعته أن يمد يديه على مثال الرب المصلوب، أما الرابع ففي فضيلة مماثلة احتقر التعذيب مجيبًا لكي يُفحم الملك صارخًا بصوت سمائي: "حبذا ما يتوقعه الذي يُقتل بأيدي الناس من رجاء أقامة الله له أما أنت فلا تكون لك قيامة الحياة" (آية14). أما الخامس فبجانب وطئه تحت أقدام المعذبين وعذاباته الحارة المتعددة بقوة الإيمان منتعشًا أيضًا بعلم الغيب ومعرفة الأحداث المستقبلية (التنبؤ) بروح إلهي تنبأ إلى الملك، بقضيب الله والثأر الذي يتحتم أن يلبيه بسرعة شديدة: " أنك بما لك من السلطان على البشر مع كونك فانيا تفعل ما تشاء، ولكن لا تظن أن الله قد خذل ذريتنا. أصبر قليلًا فترى بأسه الشديد كيف يعذبك أنت ونسلك (آية 16) فأية راحة يجدها الشهيد وأي تخفيف عنه عندما ينظر إلى عذابه الخاص، بل وتنبأ أيضًا بعقوبات ُمعذّبه.! وأما السادس فعلينا ألاَ نستعرض شجاعته فحسب وإنما أيضًا تواضعه، لأنه لم يدع فضلًا لنفسه ولا عمل اعتبار لشرف اعترافه الخاص بكلمات عزيزة، وإنما بالأحرى نسب الاضطهاد الذي كان يعانيه من الملك إلى خطاياه هو، في حين نسب إلى الله أنه سينتقم منه لاحقًا، وقد أثبت هذا الشهيد أن الشهداء متواضعون واثقون من انتقام الله نيابة عنهم، ولم يفتخر الشهداء بشيء في معاناتهم، فيقول في شهادته: لا تغترّ بالباطل فإن نحن قد جلبنا على أنفسنا هذا العذاب لأنا قد خطئنا إلى إلهنا، ولذلك وقع لنا ما يقضى بالعجب، وأما أنت فلا تحسب أنك تُترك هكذا بعد معاداتك لله.
وأماَ الأم الطوباوية والتي لم تهتز بسبب ضعف طبيعتها، ولا تزعزعت بسبب فداحة مصابها، وإنما نظرت إلى بنيها المحتضرون بابتهاج، ولم تحسب ما يحدث لهم عقابًا من الله بل أمجادًا، معطية نفسها كامرأة عظيمة شهادة لله بطهارتها مثل أولادها الذين أعطوا أنفسهم كشهود لله من خلال التعذيب وبتر الأعضاء.
فلما جاء دور الأخ الأخير، حاول الملك استمالته واسترضاؤه بالاغراءات بأمور هذا العالم، لعلّ رجوعه عن الاستشهاد يسكن غضب الملك نفسه! وتسكن قوته وشراسته باستمالته واحدًا فقط منهم، بل طلب الملك إلى الأم التوسّط لدى ابنها في هذا الأمر، ولكنها إذ أصبحت أم الشهداء متذكرة الشريعة والله ومحبة أبنائها، توسلت إلى ابنها بشجاعة ودون ضعف أن يعترف بالله! ساعية ألاّ ينفصل الأخ السابع عن إخوته في تحالف المجد والفرح، وأرادت أن تقدّم السبعة كاملين كهدية لله لا العالم، ولذلك فقد حثّته وشجعته متوسلة إليه أن يرحمها وُيقدم على الاعتراف بالله والشهادة، لقد كانت الأم عظيمة حين حثّت ابنها على الفضيلة ومخافة الله، وفي إيمانها الصادق لم تَعد نفسها ولا ابنها بشيء من شرف الشهداء الستة ولا اعتقدت بأن صلوات الأخوة تنفع لانقاذهما إذا أنكرا الإيمان بل أقنعته أن يصبح شريكًا في آلامهم حتى يوجد معهم في اليوم الأخير. وفي النهاية استشهدت تابعة أولادها، إذ لم يكن ممكنًا أن ترسلهم شهداء ولا تلحق بهم(1).
وقد استشهد الشهيد كبريانوس مرة أخرى باستشهاد ألعازر والأخوة السبعة وأمهم في الكتاب الثالث ضمن ثلاث كتب للرد على اليهود، في أن ما نعانيه في هذا العالم من آلام لا يقاس بالمكافآت التي وعد بها الرب (2).
ويقول القديس أغسطينوس أن تعب هؤلاء المكابيين الشهداء لم يكن هباءً، ودون فائدة، كلاّ، فقد تمسّكوا بالشريعة والتقليد.(1) وهو ما يردده أيضًا القديس جيروم في رسالته إلى القديس أغسطينوس(2).
وعن الأم يقول القديس أغسطينوس أيضًا: "لقد قرأ كلنا عن أم الفتية المكابيين، والتي كانت أكثر عثرًا حقًا في الفضائل عندما عانى أولادها أكثر من المعاناة في الولادة، هكذا حثتهم على الثبات متكلمة بحكمة (كيف أن الله هو الذي تولى تكوين أجسادهم ونفوسهم في رحمها، وهو خالق العالم وهو الذي سيعيد إليهم الحياة من جديد (آية 23) وكان القديس في هذا السياق الرد على بدعة نشأة بخصوص الروح ومنشأها والأعضاء كذلك، فهي من الله وليس من الوالدين(3).
قصة شهيده يهودية من التاريخ

يتحفنا تاريخ الكنيسة بقصة رائعة لشهيدة يهودية ماتت أيضًا في سبيل محبتها لله وأمانتها للوصية، فقد اضطهدت كثيرًا بسبب عفتها، وكانت تدعى حسنة، إذ تركها زوجها في عهدة أخيه الصغير حتى يعود من تجارته فلما أراد ذلك الأخ أن يحملها على خيانة زوجها نهرته وأبت ذلك بشدة، ومن ثمّ أقام عليها شهود زور بأنها خاطئة فحكم عليها المجلس بالرجم، ولما ظنّوا أنها ماتت جرّوها من رجليها حتى المدافن حيث تركوها هناك دون دفن، غير أن أعرابيًا صالحًا أنقذها واعتنى بها في بيته، فلما طلب الزواج منها رفضت لكونها متزوجة، ولكن زوجة ذلك الأعرابى وبدافع الغيرة دبرت لها مكيدة إذ سعت في أن يتزوجها عبد كان يعمل لديهم فلما رفضت أيضًا، قام ذلك العبد بقتل ابن الإعرابى ثم اتهمها بذلك، وقبل أن يهمّ الأعرابى ذاته بقتلها انتقامًا، أدرك في الحال أنها مكيدة وأنها بريئة. ومن ثمّ فقد صرفها من عنده خوفًا على حياتها وأعطاها أربعين دينارًا. وبينما هي في طريقها رأت رجلًا ُيساق إلى الصلب بسبب دين كان عليه بلغ مقداره: مقدار ما معها هى، فأعطته إياه وأنقذته من الموت.
ومضت هي بلا مال أو مأوى إلى أن آوتها سيدة فاضلة في بيتها، وفي ذات يوم ُاصيبت السيدة بحمى فصلّت حسنة لأجلها فُشفيت، وجاء إليها قوم مرضى فصلت لأجلهم فنالوا الشفاء إلاّ واحدًا كان مصابًا بالبرص هذا اعترف أمام الجميع أنه صنع ذنبًا عظيمًا إذ أراد التزوج من زوجة أخيه فلما رفضت أقام عليها شهود زور وتسبب في قتلها رجمًا، وكان أخيه يقف إلى جواره باكيًا، فصلت لأجله إلى الله فشفى في الحال، ولكن المفاجئة الكبرى أنها رفعت عنها غطاء الرأس قائلة للأخ الكبير أنا حسنة زوجتك.. لا تحزن، فذهل الرجل من المفاجأة، وعاشت معه بعد ذلك خمسة
عشر عامًا(1).
مابين المكابيين والثلاثة فتية

يظن البعض أن النجاة من الأخطار أو الموت، أو اجتراح الآيات هي شرط حتمى لتعزيز قداسة إنسان وعلامة قبوله لدى الله، ولكن الذين قاموا من الموت على يد السيد المسيح ومن بعده التلاميذ ومن بعدهم القديسين، ماتوا أيضًا بعد ذلك! والذين اجترحوا المعجزات وشفوا مرضى عديدين مرضوا وماتوا، وكثير من القديسين تغلبوا على الوحوش والحيات، ولكن قديسين آخرين قتلتهم الوحوش والأفاعى سواء في ساحات الاستشهاد، أو في مناسكهم في الغابات والجبال ولم ينتقص هذا من قداستهم في شئ، كذلك فإن بعض أجساد الراقدين مازالت سليمة لم تتحلل رغم مرور مئات السنين على رقادهم، في حين تحللت بقية الأجساد مع أنها أجساد شهداء وقديسين أيضًا، ولم يفصل هذا الأمر بين قوم وآخرين في مسألة القداسة.
هكذا فقد كانت هناك حاجة إلى تناول ما حدث للفتية الثلاثة ودانيال من جهة، وما حدث للمكابيين الشهداء من جهة أخرى، وهل تميز الفتية على المكابيين لأنهم نجوا من الموت على يد المضطهد.؟
يقول القديس أغسطينوس: "أليس هو الله نفسه، من كان إله المكابيين وإله الثلاثة فتية؟ فهؤلاء أنقذهم من النار بينما المكابيون فنيت أجسادهم في العذاب بالنار، ولكن إرادتهم بقيت صامدة في حفظ الناموس، الفتية ُانقذوا علانية، بينما المكابيون تكلّلوا سرًا؟ إنه لشيء عظيم أن تُنقذ من لهيب جهنم ذاك أفضل من النجاة من آتون الاضطهاد البشرى(1).
وفي موضع آخر يقول "إذا ماذا ؟ هل الشهداء الذين تعرّضوا للوحوش المفترسة لتتصارع معهم، وتمزقوا بأسنان الوحوش الضارية، ألم يكونوا خاضعين لله ؟ أو هل كان الفتية الثلاثة خدامًا لله بينما لم يكن المكابيون خدامًا لله ؟ هل تعرّفت النار على هؤلاء الرجال الثلاثة كخدام لله فلم تحرقهم ولا آذت ملابسهم، بينما لم تتعرّف على المكابيين ؟ كلاَ، لقد تعرفت عليهم يا اخوتى، ولكنه هناك حاجة إلى السوط بإذن من الرب، لقد قال في الكتاب المقدس "يجلد كل ابن يقبله" (عبرانيين 12: 6) اتظنون يا اخوتى أن الحديد كان سيثقب الأعضاء الحيوية من جسد الرب ما لم يسمح له الرب بذلك، أو أنه كان سيعلَق موثقًا في الشجرة (الصليب) ما لم تكن تلك إرادته، ألم يتعرف عليه مخلوق؟ أم أنه وُضع مثالًا للصبر للمخلصين له ؟ انظروا إذن فالله أنقذ البعض علانية، بينما أنقذ البعض خفية، ولكنه خلصهم جميعًا روحيًا (خلّص أرواحهم) ولم يتخلّ عن أحد قط "(1).
وفي تفسيره لسفر المزامير تعرض من جديد لهذا الأمر، حيث عَلق على الآية: " ُانظر إلى نفسي وبخّها من أجل أعدائي خلصني" (مزمور69: 18) قائلًا: يجب ألاّ نعبر سريعًا على هذه الآية، فهناك نوع من النجاة السريّة للرجال القديسين صُنعت لأجلهم خصيصًا، فإنه من الواضح أن هذا جُعل بسبب أعدائهم، إمّا لعقابهم أو لنجاتهم، لأن الله حقيقة لم ُينقذ الأخوة في كتاب المكابيين من نيران المضطهد.. في حين أن الفتية الثلاثة قد أنقذوا علنًا من آتون النار، لأن أجسادهم أيضًا قد ُانقذت، فكانت سلامتهم علانية، وفي حين أن (الأخوة المكابيين) تكللوا سرًا فإن الفتية ُانقذوا جهرًا، كلٍ على أية حال خلص.. هناك إذن نجاة سرية وهناك نجاة علنية، السرية تعود على الروح والعلنية تعود على الجسد أيضًا مع الروح، لأن الروح تخلص سرًا والجسد بشكل علني.. هكذا عندما قام الرب يسوع المسيح من الأموات وصعد إلى السموات آمن به أولئك الذين شكّوا عند موته... هكذا يقصد داود النبي
ب "من أجل أعدائي خلصني" لأن الأعداء لن يربحوا شيئًا إذا نجيت
روحي فقط " (2).
وتعليقًا على الآية "يدعوني فاستجيب له. معه أنا في الشدة " (مزمور 91: 15) يقول القديس أغسطينوس أيضًا: " بينما تظن أن الله تركك لأنه لا ينقذك عندما تشاء فإنه ينقذك، لقد أنقذ الفتية الثلاثة من النار؟ هل الذي عمل هذا، تخلّى عن المكابيين؟ حاشا لله! لقد خلص كليهما: الأولون جسديًا حتى يخزى الكافرون، والآخرون روحيًا لكي يحذوا المؤمنون حذوهم
" ُانقذه وأمجده " (1).
وفي النهاية يقول في ردَه على فستوس المانوي: إن الرجال الأبرار الأقدمون والذين رأوا في الأسرار التي كانت أيامهم وعند إعلان الإيمان في المستقبل، إذ مكنتهم تقواهم من أن يتبينوا في ضوء النبوة الخافت، والذي به عاشوا "لأن البار بالإيمان يحيا" (رومية 1: 17) إذًا فهؤلاء الأبرار كانوا مستعدين أن يعانوا، بل أن العديد منهم عانى في الحقيقة، كل محاكمات التعذيب القاحل لأجل تلك الأسرار الرمزية التي تنبأت عن أشياء في المستقبل.. أننا نشعر بالإعجاب الشديد تجاه المكابيين الذين رفضوا أن يمسّوا الطعام الذي يتناوله المسيحيون بشكل قانوني، هكذا أكثر بكثير يجب على المسيحي في أيامنا هذه أن يكون مستعدًا أن يعانى كل الآلام، لأجل معمودية السيد المسيح وافخارستيا المسيح وصليبه المقدس، إذ أنها براهين تحقيق ما أشارت إليه النبوات (الأسرار) القديمة أنه سيتحقق في المستقبل(2).

(1) يرد ذلك في كتاب المكابيين الرابع (4: 22 _ 5: 4) وهو كتاب غير قانوني، وكذلك كتاب جورجيوس كادرينوس Georgios Cadrenus وكتاب يوسيفون اليهوديYosefon (القرون الوسطى) الفصلين 18، 19 باعتبارها أحداث وقعت في أورشليم أو بالقرب منها، وكجزء من الاحداث المترتبة على نهب أورشليم، كما حاول بعض المفسرين استنتاج ذلك من (إرميا 15: 5_9).
(2) onomast.ed.Lagarde 140
(3) راجع Card Rampolla وفي جريدة Bessarione 1897 - تحرير Bevenot.
(1) راجع ملاحظة إينيليو في منوراة هماؤور - شمعدان النور - لألنقاف 337:2
(2) يوجد لهذه القصة إشارات كثيرة جدًا في الأجاداه اليهودية (راجع سونيس GVd 131 و أيضا في أعمال جاستر في الجزء الإنجليزي 196).
(1) Nicene and P.N.F, vol. IV, P. 357. الرسالة 111 إلى فيكتوريانوس
(1)تاريخ هيرودت (4 / 64).
(2)جدير بالملاحظة هنا أن هناك عدة تعبيرات في اللغة العربية خاصة بهذا النوع من العقاب والتعذيب، فيقال "بتر ذراعه" أو جدع أنفه أو صلم أذنيه أو خمس عينيه أو قطع أو حزّ رأسه...الخ.
(3) زينوفون 1، 9، 13 Anab.
(4) هيرودوت: (4: 64 - 65).
(1) هناك إشارة إلى مثل هذه العقوبة في (إرميا 29: 22) لاثنين من الأنبياء الكذبة صدقيا وآخاب (شخصيتان غير معروفتان) اللذين قلاهما ملك بابل بالنار، ومن المعروف أن عبادة النار كان يرافقها تقديم ضحايا بشرية.
(2) ولما أصبح عاجزًا تمامًا(آية5): جاءت في الأصل العبري (مُرُسَّق أفاريم = مسحوق الأعضاء - مقطوع الأعضاء) وجاءت في اليونانية (acrhston = بلا فائدة).
(1) قاموس آباء الكنيسة وقديسيها. القمص تادرس يعقوب (الجزء الخامس / ص 169 172).
(3) NPN F. S1 , voi v111, P. 77. تفسير مزمور 34
(1) NPN F, S1, Vol. V1, P. 53. مقال في مبادئ الكنيسة الجامعة (فصل 23، 43)
(2) NPN NPN F, S1, Vol. V1, P. 53. مقال في مبادئ الكنيسة الجامعة (فصل 23، 43)العظة 50 في دروس من العهد الجديد.
(1) NPNF, s1, voi. V1, P. 10 الرسائل
(2) V111, P. 115 رسائله
(3) Ibid S2, vol.X,p.34 واجبات الإكليروس
(1) ANF. Vol X, P. 307 الكتاب الأول / تفسير إنجيل يوحنا
(1) NPEF. S1, vol. Iv, P. 357.
(1) لم يذكر هنا شيء عن كيفية استشهاد الأم، ولكن تفاصيلًا كثيرة عن ذلك وردت في كتاب المكابيين الرابع، وكذلك كتاب (يوسيفون) والذي يرجع للعصور الوسطى.
(1) NPNF, s1, vol. V111, P. 301. تفسير سفر المزامير
(2) NPNF, S21, vol. X, P. 241.
(1) NPNF, S1, vol. X, P. 241.
(1) ANF, Vol. V, P. 502-505. الأطروحة الحادية عشر
(2) Ibid, P 539.
(1) NBN.F, S1, Vol. 1, P. 274. رسائل بين القديس أغسطينوس والقديس جيروم /رسالة 40
(2) Ibid, S1, Vol. 1 , P. 340. رسائل القديس أغسطينوس
(3) NPNF, S1, Vol. V, P. 324.
(1) قاموس آباء الكنيسة وقديسيها / القمص تادرس يعقوب / الجزء ح-ص / ص19-22.
(1) NP.NF. S1, Vol. V11, P. 80 عظات على إنجيل يوحنا (يو2: 23-25 ؛ 3: 1-5)
(1) NPNF, S1, Vol V11, P. 509. العظة الثامنة على (يوحنا الأول 4: 12-16)
(2) Ibid, Vol V111, P. 306.
(1) Ibid, P. 381.
(2) NPNF, S1, Vol. IV, P. 244

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:56 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
بدايات الثوره المكابية
1مكا 3: 1 - 4: 26
إكتملت سلسلة الاضطهادات السلوقية من نشر الهيلينية بالقوة ونهب الهيكل إلى التعذيب والقتل من أجل الإيمان، وعند هذا الحد كان من الضروري أن يأخذ الغيوريين من اليهود على عاتقهم دفع تلك الشرور وقيادة الأمة لتصحيح المسار ومواصلة المسيرة. وعندما بدأ يهوذا المكابى وجد تعاطفًا وتجاوبًا كبيرًا مع دعوته. فاستطاع بعد عدة معارك خاطفة إيقاع الرعب في قلوب السلوقيين. وكانت تلك هي بداية الحقبة المكابية.
يهوذا الماكبى والغيرة المقدسه



1وكان يهوذا المكابى ومن معه يتسللون إلى القرى ويدعون إليهم أبناء جنسهم ويضمون إليهم الذين ثبتوا على دين اليهود، حتى جمعوا نحو ستة آلاف. 2 وكانو يبتهلون إلى الرب أن ينظر إلى الشعب الذي أصبح يدوسه كل أحد، ويعطف على الهيكل الذي دنسه الكافرون، 3ويرحم المدينة المتهدمة والتي أشرفت على الزوال، ويُصغى إلى صوت الدماء الصارخة إليه، 4ويذكر إهلا الأطفال الأبرياء ظلمًا والتجاديف على أسمه، ويُظهر بُغضه للشر.
أقربائهم: جاءت في اليونانية (suggeneiV: أي من أبناء اسرهم) ويؤكد هذا المعنى الكلمة الواردة في الترجمة اللاتينية الفولجاتا (Propinquos أو Cognatos) ونرى من سياق النص هنا أن الباقين في اليهودية كدين كانوا ستة آلاف شخص، وطبقا لما ورد في (1مكا6:4) نرى أن الذين اشتبكوا في القتال مع جرجياس من جيش يهوذا ثلاثة آلاف، مما يعني استعفاء نصف قوته بسبب الخوف.
بعد أن هرب يهوذا المكابي ومن معه إلى الجبال (5: 27) بدأوا في حشد الغيورين من الشعب من أجل تنسيق المقاومة ضد هذا الخطر الذي زحف على الأمة، وقد وجدوا مناصرين كثيرين كانوا فيما يبدو ينتظرون مَن يقودهم في تلك الحرب المقدسة (1)، حيث جعلوا هدفهم منذ البداية ودافعهم هو إنقاذ الشعب من الضلال وإعادة الكرامة والطقوس إلى الهيكل، وصيانة المدينة المقدسة أورشليم. ولذلك فهي حرب مقدسة في منشأها، وإن كانت قد انحرفت عن هذا الهدف بعد ذلك، حين برزت الأهداف
السياسية والتوسعية.
الدماء الصارخة إليه:


إنها بالتأكيد دماء الشهداء المكابيين (ألعازر والأم وبنيها السبعة ثم استشهاد السيدتين مع ابنيهما اللذين ختناهما) والتي صعدت إلى قدام الله، فسمع لصراخهم ونزل وخلصهم كما سيجيئ لاحقًا ".. وتنهّد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية. فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب ونظر الله بنى إسرائيل وعلم الله" (خروج 2: 23، 24) ومرة أخرى سنقرأ في سفر الرؤيا كيف صرخ الشهداء من جديد إلى الله".. رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضى وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض.. " (رؤيا 6: 9، 10). وفي حين انتقم الله للشهداء المكابيين في العصر المكابى ذاته، فإن أكبر انتقام أجراه الله لشهداء سفر الرؤيا هو أن بعض مضطهديهم قد استشهدوا مثلهم فجاءوا هم الآخرين واخذوا ثيابًا بيض مثلهم ورقدوا إلى جوارهم!! مثل لونجينوس وأريانوس وغيرهم (رؤيا 6: 11).
هذا ويلاحظ أن هذه الصلاة قد جاءت عقب صلاة الأخ السابع بين الشهداء المكابيين في الأصحاح السابق (7: 38) ولاحقًا سيدرك المحاربون كيف أسهمت دماء هؤلاء الشهداء في الانتصار (آية 28).
وهكذا تحددت دوافع الثورة المكابية وتبلورت (آية 2-4):


1 الشعب الذي صار مدوسًا.
2 الهيكل الذي دنّسته الأمم.
3 أورشليم المدينة التي تهدّمت.
4 دماء الشهداء الذين ُقتلوا.
5 اهلاك الأطفال الأبرياء (الذين ُختنوا).
6 التجاديف على اسم الله.
7 الشر الذي استشرى بشكل عام. (راجع 1مكا 2).
بواكير الثوره الماكبيه


1 مكا 3: 10 - 26
5 ولما أصبح المكابى على رأس جيش، لم تعد الأمم تثبت أمامه، إذ استحال سخط الرب إلى رحمة. 6 فجعل يفاجئ المدن والقرى ويحرقها، حتى إذا استولى على مواقع توافقه، هزم الأعداء الكثيرين. 7 وكان أكثر غاراته في جنح الليل، فذاع خبر شجاعته في كل مكان.
هنا عرض مختصر لأعمال يهوذا المكابى، ولعل الأصحاحات السبعة السابقة كانت تمهيدًا ضروريًا لإبراز حتميّة قيام المكابى بما هو آت، فها قد تبلورت الثورة المكابية وصار لها جيش، ومن ثم بدأ يهوذا في شن حملات خاطفة في عمل عسكري محلّى وفي مواقع منفصلة، كانت أشبه بغارات ليلية، حيث كان لعنصر المفاجآت العامل الفعّال في احراز الانتصارات، ويتضح لنا هنا بجلاء أن يهوذا كان يجيد التخطيط وأنه قائد موهوب وفذّ، وكما سبق في حديثنا عنه في (1مكا 3: 2-9) فهو يعد القائد العسكري الأشهر بعد داود النبي في التاريخ اليهودي كله، ومن بين أسباب نجاحه أيضًا أنه لم تكن له أية أهداف شخصية، غير أن السرّ الحقيقي لهذا النجاح الباهر هو أن:
سخط الرب تحول إلى رحمة (آية 5/ب): فالحرب للرب، وهو قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل (1 صموئيل 4: 16) وكما سمح الله للأعداء بالاساءة إلى الشعب، فهوذا يعود من جديد ليرحم هذا الشعب. وكان هذا هو مفتاح الحل، أن يرحم الله هذا الشعب ومن ثم فلن تقدر عليه أية قوة.
وهكذا بدأ السلوقيون في الانتباه إلى أن هناك ثورة وجيش وهجمات وانتصارات، ومن ثم بدأت المواجهات العسكرية الحقيقية، بعد أن كانت مجرد اضطهادات عنيفة من قوم لهم اليد العليا في البلاد، ضد شعب مقهور ومفكك بلا قائد.
حمله نكانور وجرجياس


8 فلما رأى فيلبس أن هذا الرجل آخذ في التقدم شيئًا فشيئًا وأن انتصاراته تتزايد، كتب إلى بطليمس، قائد بقاع سورية وفينيقية، يسأله النجدة لشؤون الملك. 9 فاختار الساعته نكانور بن بتركلس، من خواص أصدقاء الملك، وجعل تحت يده لا أقل من عشرين ألفًا من مختلف الأمم، ليستأصل ذرية اليهود عن آخرهم، وضم إليه جرجياس، وهو من القواد المحنكين في شؤون الحرب. 10 فعزم نكانور أن يؤخذ من مبيع اليهود المسبيين جزية ألفى القنطار التي كانت للرومانيين على الملك. 11وأرسل لوقته إلى مدن الساحل يدعو إلى شراء عبيد يهود، مُسعرًا كل تسعين عبدًا بقنطار، ولم يخطر له ما سيحل به من عقاب القدير.
فيلبس المذكور ههنا هو ممثل الملك في أورشليم (راجع التعليق على 5: 22، 23) وكان هو أول من أحسّ بتلك التحركات والهجمات المتلاحقة، وقد خشى من تفاقم المقاومة وانفلات زمام الأمور من يده وقد أفلت لاحقًا بالفعل وقام بطليموس قائد إقليم بقاع سورية وفينيقية (راجع 1مكا 3: 38 و 2مكا 4: 45 و 6: 8) ويشمل الإقليم أيضًا أورشليم: بتجهيز حملة عسكرية قوية أسند قيادتها إلى قائد محنك ُيدعى جرجياس، (راجع التعليق على 1مكا 3: 27-60).
أماعن نكانور بتركلس، فقد كان الاسم نكانور شائعًا في الفترة التاريخية التي نحن بصددها، وقد يكون من الصعب تحديد شخصية نكانور هنا، ولكن النص هنا يوحى بأنه هو ذاته المذكور في (1: 12-15: 37). وقد جاء ومعه أكثر من عشرين ألف جندي(1).
من خواص أصدقاء الملك: جاءت في الأصل العبري (ميه أَهَفايو هَريشونيم = من أحبائه الأوائل).
جرجياس: ربما كان هو الشخص ذاته المذكور في (10: 14 و 12: 32-37) وقد شارك في حملة مهمة ثم حكم مواقع استراتيجية بعد ذلك، وإن كانت اخطاؤه التكتيكية (1مكا 4: 1-22) قد أسهمت في انتصار يهوذا المكابي هنا، ومع ذلك فقد واصل ليسياس ثقته به (ُانظر التعليق على 10: 14، 15).
في ذلك الوقت كان السلوقيون قد وثقوا بقوتهم أكثر من الضروري فلم يحتطوا، وهو شرك تقليدي يسقط فيه الأقوياء، إذ يجب على الإنسان مهما كان قويًا أو ناجحًا: التحسّب لكل شيء، وألا يفْرط في الثقة بنفسه وإمكانياته. وقد اعتمد السلوقيون على قوتهم وجنودهم وعتادهم، ولم يكونوا قد عرفوا أن الله قد حوّل سخطه إلى رحمه لشعبه (آية 5/ب) وأنه ليس بالكثرة ولا بالقوة "بل بروحي قال رب الجنود" (زكريا 6: 4).
بل ومن المؤسف أنهم قد نشروا إعلانًا بين سكان الشعوب الوثنية لاسيّما سكان الساحل مثل صور وصيدا وهم أغنياء يعملون في التجارة وفي الرقيق، بأن هناك أعدادًا ضخمة من الأسرى اليهود سيتم بيعهم، وأن كل تسعين منهم سيباعون بقنطار، أي أن العبد يساوى 67دراخمة أو12 جنيه مصري (إذا كان قنطار ذهب) وهو سعر منخفض جدًا، حتى إذا كان سعر الجملة ! أما إن كان المقصود قنطار فضة فسيكون أقل من ذلك بكثير جدًا. فإذا كان المطلوب تحصيل ألفى قنطار من بيع الأسرى فإنهم في هذه الحالة يحتاجون إلى بيع مئة وثمانين ألف يهودي (ما بين عبد وأمَة) راجع في ذلك (1مكا 3: 41).
إلى هذا الحد كان السلوقيون واثقون بأنفسهم، وهكذا "باع" نكانور وجرجياس اليهود قبل المُلتقى (آية 14) ولكن الله خذلهم إذ نفخ في تلك الفتيلة المدخنة..
الجزية المقررة:


فُرِضَت الجزية من الرومان على أنطيوخس الثالث بموجب معاهدة السلام الُمبرمة بين الطرفين في سنة 188 ق.م. وحتى ذلك الوقت كانت ما تزال بعض الأقساط واجبة السداد، ومع أن الغنائم التي حصل عليها أنطيوخس الرابع من مصر كانت كافية لسداد جميع الديون، إلاّ أنه كان ُمسرفًا بطبيعته، مما أرهق خزانته، كان على أنطيوخس أن يدفع مبلغ 12000 طالن على 12 قسطًا سنويًا متساويًا، مما حدا به إلى الاستيلاء على كنوز مصر ومحاولة نهب الهيكل وكذلك نهب هيكل برسابوليس.. ويقول المؤرخون أن أنطيوخس قام بدفع المبلغ المتبقي من التعويض للرومان بالكامل مصحوبًا بالاعتذار عن التأخير حيث كان يتوجّب سداد الأقساط بالكامل عند عام 177 أو 176 ق.م.
ويقول المؤرخ بوليبيوس أن فترة دفع الجزية كانت اثنتى عشر سنة (تبدأ سنة 188 أي تاريخ معاهدة أباميا) ونعرف من العالم ليفى Livy أن أبولونيوس كان في روما في سنة 173 ق.م. ليعتذر عن التأخير في الدفع(1)، رغم أن الوصف الذي يورده يوحى بأنه في تلك المناسبة كان يحضر معه آخر دفعة من المبلغ، ولهذا فمن المرجح أن الرومان قد وافقوا على تأجيل دفع الدين، كما أنه قد جاء بدفعة معدّلة الموعد.
يهوذا يعظ جنوده التوجيه المعنونى


12 فبلغ يهوذا خبر قدوم نكانور، فأخبر الذين معه بمجئ الجيش، 13فهرب الخائفون وقليلو الإيمان ببر الله وهاجروا إلى أماكن أخرى. 14 وباع الآخرون كل ما كان باقيًا لهم، وكانوا يبتهلون إلى الرب أن يُنقذ من نكانور الكافر من باعهم قبل الملتقى، 15 وإن لم يكن ذلك من أجلهم، فمن أجل العهود المقطوعة مع آبائهم وحُرمِة اسمه العظيم الذي أطلق عليهم. 16 فحشد المكابى رجاله وهم ستة آلاف، وحرضهم أن لا يرتاعوا من الأعداء ولا يخافوا من كثرة الأمم المجتمعة عليهم ظلمًا، وأن يقاتلوا ببأس، 17 جاعلين نُصب عيونهم الإهانة الأثيمة التي ألحقوها بالمكان المقدس وما أنزلوه بالمدينة من سوء المعاملة والعار، مع القضاء على سُنن الآباء. 18 وقال إن هؤلاء إنما يتوكلون على سلاحهم وأعمالهم الجريئة، وأما نحن فنتوكل على الله القدير الذي يستطيع بإيماءة واحدة أن يصرع الزاحفين علينا، بل العالم بأسره. 19 ثم ذكر لهم النجدات التي أمد بها آباؤهم، وما كان من إبادة المئة والخمسة والثمانين ألفًا على عهد سنحاريب، 20 وما كان من المعركة التي شنوها على الغلاطيين في بابل، كيف برز اليهود للقتال وهم ثمانية آلاف رجل، ومعهم أربعة آلاف من المقدونيين، وكيف، حين أصبح المقدونيون في وضع حرج، أهلك أولئك الثمانية الآلاف مئة وعشرين ألفًا بالنجدة التي أتتهم من السماء، وعادوا بغنيمة وافرة.
كانت تلك نذير أول معركة حقيقية ما بين جيش يهودي والجيش السلوقى، إذ سيتحول الأمر من الآن فصاعدًا إلى مواجهات عسكرية منظمة وليس اضطهاد شعب من ِقبل الحكام، أو المناوشات المتفرقة. وكالعادة في كافة الحروب فقد تراجع البعض بسبب الخوف، وحتى وبعد سن القوانين التي تمنع الهروب من الخدمة العسكرية ما تزال هذه الظاهرة موجودة. وهنا يخشى بعض الجنود اليهود من عدم التكافؤ ما بين القوة السلوقية الكبيرة المدرّبة والمسلحة تسليحًا جيدًا، والجيش اليهودي الناشئ قليل العدد والعتاد.
ولا شك أن ذلك كان يعكس ضعف إيمان منهم، لأن الحرب مقدسة في حالتهم هذه ومع ذلك فنحن نقرأ في (1مكا 3: 56) أن يهوذا نفسه قد صرف البعض منهم عملًا بما ورد في (تثنية 20: 1-9) والذي يقضي بإعفاء كل خائف وحديث الزواج وصاحب البيت أو الكرم الجديد، من الخروج للحرب لئلا يضعف قلبه فيؤثر على الباقين. وفي المقابل فقد باع البعض الآخر جميع ما يملك ليتفرغ للحرب على الأرجح. حاسبين ذلك رسالتهم وجُلّ اهتمامهم وربما وضعوا مالهم تحت تصرف القادة اليهود.
وفي (1مكا 3: 40-54) ُيذكر أن الشعب اجتمع في المصفاه مع يهوذا ورجاله، مثلما اجتمع من قبل صموئيل النبي، ويتبع اليهود في ذلك ذات الخطوات التي سلكها حزقيا بعد ما واجه إنذار سنحاريب الأشورى.
وصلى اليهود إلى الله لكي يمد لهم يد العون، إن لم يكن لأجلهم لأنهم خطاة، فليكن من أجل العهود التي قطعها مع آبائهم(1)ومن أجل مدينته وهيكله ومن أجل:
إسمه الذي دعى عليهم (1مكا 7: 37):


وهو اصطلاح عبري ظهر للمرة الأولى في (تثنية 28: 10) راجع أيضًا (1مل 8: 43 و 2 أخ7: 14 و عاموس 9: 22 و أعمال 15: 17) هكذا يقول الرب "فإن تواضع شعبي الذين ُدعى اسمى عليهم وصلّوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الرديئة فإننى أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم" (2أخ7: 14). وفي الصلوات اليهودية ُوجدت هذه الصلاة " أبانا وملكنا تصرف من أجل اسمك القدير المرهوب الذي دعى علينا.. " (2)
التوجيه المعنوى:


وهو أمر شائع وضروري لاسيّما قبل البدء في المعارك، والهدف منه تذكير الجنود بالقضية التي سيحاربون لأجلها، ويظهر من حديث يهوذا أنه كان شخصية روحية وليس قائدًا عسكريًا فذًا فحسب، فهو مُطّلِع بشكل جيد على الأسفار وتاريخ الآباء وتراثهم، وهو الآن يرسّخ في أذهانهم المبدأ الهام بأن الرب ليس كثير عليه أن يغلب بالقليل.
فإن داود النبي قد سبق فأكّد هذه الحقيقة وترك هذه الخبرة ميراثًا لكل الآتين من بعده، إذ وقف أمام جليات الفلسطيني قائلًا "أنت تأتى إليَّ بسيف ورمح وأما أنا فآتى إليك باسم رب الجنود" وفي المزامير يقول "هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل أما نحن فبإسم الرب إلهنا نذكر. هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وانتصبنا" (مزمور 20: 8) وهكذا يستطيع الله بنفخة فاه أن يبيد الأمم، بإيماءة واحدة.. أي بمجرد إرادته(1)، وهو ما حدث مع الأشوريين بقيادة سنحاريب إذ هلك منهم 185 ألف (2مل 19: 35 وإشعياء 37: 36).
معركة الغلاطيين:


الغلاطيون هم الغاليون Galatians: وُيعرف عنهم قوة أبدانهم وبطشهم في الحروب وهم قبائل سلفية شرسة غزت العالم الناطق باليونانية في النصف الأول من القرن الثالث ق.م. وقد استقرت أعداد كبيرة منهم في منطقة وسط آسيا الصغرى، وسببوا ضيقًا شديدًا لسكان المنطقة على مدار سنين طويلة. وقد خاضوا حروبًا كثيرة مع الرومان قبل أن يخضعوا لهم في سنة 189/188 ق.م. بعد حملة ناجحة بقيادة جنايوس مانليوس، ومع ذلك فقد منحهم الرومان مزيدًا من الحريات (راجع التعليق على1مكا 8: 2) كما قام أومنيس ملك برغامس بإخماد ثورة كبيرة لهم فيما بعد خلال عامى 168-166 ق.م.
أما عن معركتهم مع اليهود المذكورة هنا فالأرجح أنها دارت في سنة 220 ق.م. عندما تحالف اليهود مع أنطيوخس الثالث الكبير لمحاربة المرتزقة الغلاطيين التابعين للقائد الثائر (مولون) وهو حاكم ولاية متمرد في ميديا، وكان معه قوة كبيرة من الغلاطيين في جيشه، حسبما أورد المؤرخ بوليبيوس(1) ومن المحتمل أن يكون اليهود وقتها يعملون كمرتزقة في جيش أنطيوخس هذا، حيث يوجد في التاريخ أكثر من دليل على أن اليهود كثيرًا ما عملوا كمرتزقة مع ملوك يونانيين.
وقد انضم إلى اليهود في تلك المعركة أربعة آلاف جندي مقدوني ما لبثوا أن انسحبوا متخلّين عنهم تاركين اليهود يجيشهم الُمؤلّف من ثمانية آلاف مقاتل فقط. يواجهون هذا العدد الضخم من جنود الغلاطيين. ولا غرابة في الاعتماد على اليهود في حماية المملكة المقدونية، إذ شكّل اليهود نسبة كبيرة في التعداد البابلي، كما كانوا مفضّلين عن غيرهم بسبب إخلاصهم ومهارتهم العسكرية. وبالرغم من تشكيك العالم " ليفى" في هذا العدد الضخم من الغلاطيين (120 ألفا) حيث يظن أنهم (20 فقط) إلاّ أن العشرين في حد ذاتهم كثيرين أيضا، ونحن نعلم أن الحرب لها مفاجآتها وقوانينها وثغراتها أيضًا، يضاف إلى ذلك التدخل المباشر لله، فإن النجدة أتتهم من السماء وعادوا بغنيمة وافرة (آية 20).
الهجمة الأولى على نكانور


21 و بعدما شددهم بهذا الكلام حتى أصبحوا مستعدين للموت في سبيل الشريعة والوطن، قسمهم إلى أربع فرق. 22 و أقام كل واحد من إخوته، سمعان و يوسف و يوناثان، قائدًا على فرقة، و جعل تحت يده ألفًا وخمس مئة. 23 ثم أمر عزرا أن يتلو عليهم الكتاب المقدس، وجعل لهم كلمة السر نجدة الله، ثم اتخذ قيادة الكتيبة الأولى وحمل على نكانور. 24 فأيدهم القدير، فقتلوا من الأعداء ما يزيد على تسعة آلاف، وجرحوا وجدعوا أعضاء معظم جيش نكانور، وألجأوا الجميع جميع جنوده إلى الهرب. 25 و غنموا أموال الذين جاءوا لشرائهم ثم تعقبوهم مسافة غير قصيرة، إلى أن استعجلتهم الساعة، فأمسكوا وعادوا.
كان تقسيم الجيش إلى فرق وأقسام، يعد تكتيكًا عسكريًا قديمًا وضروريًا وناجحًا، حيث يمكن ارباك العدو من خلال مهاجمته من أكثر من جهة، أو محاصرته من كل جانب، كما أن ذلك يتم خوفًا من تمكن العدو من كسر الجيش، فلا يخور الجيش كله ويهلك جميع الجنود. كما استخدمت في هذا الإطار أيضًا طرقًا أخرى مثل الكمائن والتربصّ وغيرها..
الفرق العسكرية:


الكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي Speira بمعنى فرقة وتضم حوالي 1500 رجل، وبنهاية القرن الثاني ق.م. ونتيجة لجهود جريويس ماريو Grius Mariu الإصلاحية تحولت الكتيبة أو الفرقة من مجرد شرذمة من الجنود، فأصبحت تضم من 500 إلى 1000 رجل، وهكذا يكون يهوذا المكابى قد حاكى التكتيكات الرومانية مقابل المقدونية.
وأما القادة الذين جعلهم يهوذا رؤساءً للفرق ومنهم سمعان (وهو شقيقه الأكبر) ويوناثان وهو شقيقه أيضًا، وأماَ يوسف المذكور هنا فهو نفسه المذكور في (1مكا 5: 55-62) وهو الذي أضرّ بالجيش حين رغب في كسب نصر باسمه، وأما ذكره هنا باعتباره أخو يهوذا المكابى فهو من قبيل الأخوية في الأهداف والود، وإن كان البعض يخمّن أن يوسف هذا هو: يوحنا "الأخ الخامس للمكابيين" (مع يهوذا / سمعان / ألعازر / يوناثان) وفي اتجاه آخر يرى البعض أن يهوذا اختار ثلاثة قادة منهم اثنان من إخوته والثالث وهو يوسف ليس من اخوته، إذ أن ألعازر أخوه والمذكور لاحقًا هنا لم يعمل كقائد عسكري (إذ لم تكن له هذه الموهبة) بل كمرشد ديني، مثل يوحنا أيضًا وهو الأخ الخامس والذي كانت تنقصه الحكمة إلى جوار شجاعته.
الكتاب المقدس: لعلها المرة الأولى التي يذكر فيها مصطلح "الكتاب المقدس" كتعبير عن الكتب الإلهية، وهو التعبير المستخدم الآن للدلالة على العهدين القديم والجديد، بل أن كلمة "ال كتاب" وحدها مع "ال التعريف" تعني على الفور الكتاب المقدس، ولكنه للتأكيد يقال الكتاب المقدس، وهو الصفحات التي تقدست بأنفاس الله من خلال ما أوحى به إلى رجال الله القديسون الذين دونوه. هذا وقد وردت تعبيرات مشابهة لذلك في (رومية 1: 2 وتيموثاؤس الثانية 3: 15 "الكتب").
ويؤكد لنا من جديد هذا السلوك قبل الحرب من حيث التقوى والتسلّح بكلمة الله، أن الحرب ليست استعمارية وليست مبنية على مخططات توسعية، بل هي من أجل الرب والوصية والعبادة(1).
كلمة السرّ Watch word: وهي عادة حربية متبعة منذ القديم، فقد ُوجدت في التراث اليوناني والروماني، كما وردت في كتاب " قاعدة الحرب" في خرائب قمران، والهدف منها هو التمييز بين الجندي الوطنى وجنود الأعداء، وكذلك على سبيل الحذر من اندساس الأعداء، وإن كان البعض يرى في هذه الكلمة: الهتاف الذي يطلقه الجنود عند الهجوم، مثل صيحة الهجوم في المباريات والمعارك أيضًا.
أبقى يهوذا المكابى معه عدد ألف وخمسمائة جندي فقط، في حين جعل بقية الآلاف الستة مع القادة الثلاثة الآخرين، وهذا يفسر لنا ما ورد في (1مكا4: 6) حين هاجم جرجياس ومعه ثلاثة آلاف فقط، فلعله هناك استعان ببعض مما لدى القادة الآخرين في تلك الهجمة، فقتلوا كثيرين وجرحوا مثلهم، وأما عن "جدع الأعضاء" الُمشار إليه هنا فهو لا يعنى التمثيل بالجثث وإنما يعنى المصابين والجرحى، بينما هرب الجنود المتبقين أحياء.. ويذكر هنا أنه في بعض الحروب كان الجنود يحملون أعضاء قتلاهم مثل الأيادي أو الآذان كدليل على النصر ولإحصاء عدد القتلى أمام القائد.
وأما الذين استعدوا لشراء اليهود! حسبما بشّرهم نكانور وجعلهم برفقة جيشه، فقد لاذوا بالفرار حالما رأوا أن اليهود قد ألحقوا الهزيمة بأعدائهم، ولكن اليهود طاردوهم واستولوا على أموالهم. ثم توقّفوا عن مطاردة جنود نكانور إذ كان اليوم هو الجمعة وقد قارب السبت على المجئ. فكان من اللائق أن يستريحوا محتفلين بالسبت. وفي حين يذكر 1مكا 3: 38 الخ و 4: 1-25) دورًا أكبر ل جرجياس وليسياس في المعركة في حين لا يشار إلى دور نكانور، فإنه هنا يركز على دوره.
الأحتفال بالسبت وتقسيم الغنائم


26 وكان ذلك اليوم عشية السبت، ولذلك لم يُطيلوا تعقبهم. 27 وجمعوا أسلحة الأعداء وأخذوا أسلابهم، ثم حفظوا السبت، وهم يباركون الرب كثيرًا ويحمدونه لأنه حفظ لهم إلى ذلك اليوم أولى قطرات ندى رحمته. 28 ولما أنقضى السبت، وزعوا على المعذبين والأرامل واليتامى قسمًا من الغنائم، واقتسموا الباقي بينهم وبين أولادهم. 29 وبعدما انتهوا من ذلك، أقاموا صلاة عامة، سائلين الرب الرحيم أن يعود فيصالح عبيده مُصالحة تامة.

كان الهجوم على قوات نكانور في فجر الجمعة، وقد ُقهرت قوات جرجياس ولاذت بالفرار، وهكذا تدخّلت العناية الإلهية لتعفي اليهود من الدفاع عن أنفسهم في السبت، ورغم أن ذلك قد أصبح مقبولًا بعد الفتوى الحشمونية بجواز القتال الدفاعى في السبوت، إلاّ أن يهوذا ورجاله توقّفوا عن متابعة الأعداء لقرب دخول السبت.
أما تسابيح الانتصار اليهودية، فقد كان لها صيغة مناسبة هي "مبارك هو الرب الذى... " راجع (خروج 18: 1 و صموئيل أول 25: 39 و مزمور 106: 1 - 107: 1 و أرميا 33: 11) وفي الاستخدام الحالي لدى اليهود، يرد: " مبارك أنت أيها الرب إلهنا ملك الكون الذي أحيانا وحفظنا وأتى بنا إلى هذه الساعة.. "
كانت أول باكورات المكابيين، وأول ما اهتموا أن يفعلوه بعد أول فوز ونصر حقيقي، هو الاحتفال بالسبت والوصية والطقس الذي حاربوا لأجله، حيث كان ذلك أول ما اهتم بتأكيده، حين قدّموا الشكر للرب الذي حفظهم إلى اليوم الذي ينعمون فيه بأولى قطرات (ندى) رحمة الله كمقدمة لسيل فياض من تلك الرحمة.
ولكن هل هناك علاقة أو تشابه ما بين هذه العبارة "قطرات الندى" وتلك الواقعة الواردة في (صموئيل الثاني 21: 10) حيث قدم الشعب سبعة من أبناء شاول ُعلقوا على خشب وحرستهم رصفة (أم اثنين منهم) ابتداءًا من يوم الحصاد و حتى نزل المطر؟ ففي النسخة اليونانية لسفر صموئيل الثاني ُترجمت الآية (21: 10) بنفس الكلمات الواردة هنا، إذا فهناك تواز ما بين دماء الشهداء السبعة وأمهم والتي استدرت مراحم الله. ودماء السبعة في أيام داود النبي والتي استدرت أيضًا مراحمه..
وأما الغنائم فقد وزّعوها فيما بين ُاسرهم هم والطبقات المحرومة من الشعب مثل المعوزين المُعدمين (المُعذّبين) والأيتام والأرامل، هذا وقد اتبعوا تقليدًا قد يعدّ جديدًا، وذلك بتوزيع قسم من الغنائم على ُاسر الشهداء باعتبارهم جنودًا، راجع في ذلك أيضًا صموئيل الأول (30: 24، 25 وسفر العدد 31: 26، 27). وهو الأمر الذي فعلوه من جديد بعد المعركة الثانية الناجحة (آية 30) ولا ُيعرف بالضبط المقصود ب الصلاة العامة هنا: هل هي بديل لذبيحة الشكر والسلامة والتي كانت ُتقدم في مثل تلك الحالات بعد النصر، حيث الطقوس في الهيكل متوقفة، هل صلى الجنود معًا، أم أن القادة نادوا بصلاة عامة في الشعب، ولكنها على أية حال بادرة على عودة الأمة للتماسك روحيًا. ومما لا شك فيه أن للاستعمار وللحروب آثارها السلبية سواء على العبادة أو الاقتصاد أو الثقافة والأدب والفن وغيرها.
ملاحظة حول الجزء (2مكا 8: 30 - 10: 9)


يلاحظ القاريء أن الأحداث الواردة في هذا الجزء من السفر غير مرتبة ترتيبًا تاريخيا. ولكنه يجب أن ُتفهم من جهة المضمون وعلاقتها بما قبلها وبما بعدها.
فمن جهة المضمون: نرى من خلال (1مكا 3: 38 - 4: 25) أن هذه الحرب مع ليسياس كانت مع جيش واحد كبير وكان حلفاؤه - طبقا ل (1مكا) هما: نكانور و جرجياس، ولا يوجد ذكر لطيموتاوس وبكيديس هناك. ونعرف أنه من خلال عدد القتلى الذين كانوا من جيش تيموثاوس وبكيديس عشرين ألف، أي أنهم كانوا مساويين لجميع جيش نكانور (2مكا 9:8)، ومن هذا نرى أن جيش طيموتاوس وبكيديس كان كبيرًا جدًا وأكبر من جيش نكانور وجرجياس. ومن خلال هذا أيضًا نرى أنه لا علاقة بهذه القطعة بالحرب الأولى مع ليسياس.
وأمّا من ناحية المكان: فإنه لا توجد أية علاقة بما قبلها أو بعدها، إذ أن الفقرة كلها تتحدث عن نكانور فقط، ونرى أنها جاءت فاصلة وقاطعة للموضوع من خلال (2مكا 8: 29، 34-36) كما أنه لا علاقة ل (2مكا 8: 30-33) بحرب ليسياس الأولى. لكنها ترتبط بحرب ليسياس الثانية وليس الأولى.
ونجد خبر حرب ليسياس الثانية في (1مكا 4: 1- 38) أنه في السنة التالية خرج على يهوذا بستين ألف راجل و خمسة ألاف فارس، وهنا نرى أن عدد جيشه الثاني كان أكثر ب 20 عشرين ألف من عدد جيشه في السنة الأولى. وأكبر دليل على ذلك أن السفر في (2مكا 33:8) يتكلم عن احتفالية الانتصار في أورشليم التي لم تكن قد ُاخِذت بعد - وفي الانتصار الأول على نكانور الوارد ذكره في (1مكا 4: 24-25) لم يأخذوا أورشليم، وهذا أكبر دليل على أن هذه القطعة (2مكا 8: 30 - 33) تتعلق بخبر هجوم يهوذا على ليسياس في المرة الثانية. هذا بالإضافة لعدم ذكر أسماء طيموتاوس وبكيديس رؤساء جيش ليسياس في الحرب الأولى الواردة في 1مك 4: 25... إلخ.
· من كل ما تقدم يمكننا ترتيب الأصحاحات (8-10) بناءً على رؤيتها التاريخية على النحو التالي:
1- (ص 1:8-29) سقوط نكانور وجرجياس في عماوس.
2- (ص 8: 34 -36) هروب نكانور.
3- (ص 8: 30 - 33) سقوط (نكانور؟) وتيموثاوس وبكيديس (رؤساء جيش ليسياس) في ملحمة بيت صور وصعود يهوذا لأورشليم ومعاقبة كليستانيس وأصدقاؤه.
4- (ص 10: 1-8) تطهير الهيكل وتدشينه والاحتفال بعيد المظال.
5- (ص 9: 1- 29) عودة أنطيوخس أبيفانيوس من فارس ومرضه. في الطريق وموته.
6- (ص 10: 9) آية عن موت أبيفانيوس.
7- (ص 10: 10) أنطيوخس أوباطور وليسياس وصيّه والقيم العام.
ولكن اهتمام الروح القدس بالطبع هنا كان جمع الانتصارات في قطعة واحدة، ثم التفرغ لخبر موت الأثيم ضد المسيح أنطيوخس أبيفانيوس، ثم التفرغ لخبر تطهير الهيكل، وهذا لا يخلّ بالسفر مطلقا لأن ترتيبه إلهي، وهو أمر شائع في سائر الأسفار تبعًا للهدف العام من السفر.
هزيمة طيمو تاوس و بكيديس



عرض سريع لعقاب المضطهدين


30 وبارزوا رجال طيموثاوس وبكيديس، فقتلوا منهم ما يزيد على عشرين ألفًا واستولوا على حصون شامخة، واقتسموا كثيرًا من الأسلاب جعلوها حصصًا متساوية لهم وللمُعذبين واليتامى والأرامل والشيوخ. 31 وجمعوا أسلحة الأعداء واهتموا بوضعها في أماكن مناسبة، وحملوا ما بقى من الغنائم إلى أورشليم. 32وقتلوا رئيس سبط من أصحاب طيموثاوس، وكان رجلًا شديد الكفر، ألحق باليهود أضرارًا كثيرة. 33 وبينما هم يحتفلون بالظفر في وطنهم، أحرقوا الذين أضرموا النار في الأبواب المقدسة، كما أحرقوا كلستانيس الذين كان قد فر إلى بيت صغير. فنال الجزاء الذي استوجبه بكفره.

أعطى توقف المكابيين عن مطارة فلول الأعداء بعد الانتصار، الفرصة للأعداء لإعادة الكرّة ومهاجمتهم، فقد تمكن نكانور قائد قوات العدو من الفرار. وعاد الجيشان إلى الالتحام من جديد، وأحرز اليهود نصرًا جديدًا غنموا من ورائه الكثير من العتاد والمؤن والأسلحة.
إلى جوار الغنائم استولى المكابيين على الأسلحة وبعض الحصون، وأغلب الظن أن أسلحتهم هم كانت من صنع محلّى أو مستوردة من ذلك النوع العادي، بل كانو يحتاجون إلى الأسلحة بشكل عام، أنظر (1مكا 3: 6) ذلك مقارنة بما لدى السلوقيين من أسلحة متطورة وحديثة، وها هم قد استولوا على كميات ضخمة منها، الأمر الذي احتاجوا معه إلى البحث عن كيفية تخزينها، حيث يشير تعبير "أماكن مناسبة" هنا إلى أنه قد صار لهم ترسانة من الأسلحة!!
وقد قضت الشريعة في (سفر العدد 31: 12 و 21-54) بأن ُيؤتى بالغنائم إلى المحلة، حيث يقدم منها أولًا نصيب الرب، قبل تقسيمها بين الشعب، وفيما بعد الانتصار على نكانور في هذا الأصحاح كان السؤال الذي يطرح نفسه أين المحلة.؟ هل أورشليم وهي التي لم يستردّوها إلاّ فيما بعد (10: 1)؟ وكيف يأخذ الرب نصيبه في حين ما يزال الهيكل ليس في أيدي اليهود؟
طيموتاوس وبكيديس:


طيموتاؤس المذكور هنا هو ذاته المذكور في (1مكا 5: 11-44) وفي (2مكا 12: 2 و 10-26) وأما بكيديس فهو أحد رجال طيموتاوس، مع أنه لم ُيذكر سواء في (1مكا 5: 11-44 أو 2مكا 12: 10-26) وإذا كان بكيديس قد نجا من الموت، فسيكون هو ذاته القائد الذي عمل تحت إمرة ديمتريوس الأول والذي هزم يهوذا المكابى في النهاية (1مكا 7: 8-20 و 9: 1-18).
رئيس السبط: جاءت في اليونانية (fularchn = رئيس الفيلة) من (fulh)، وجاءت في اللاتينية (الفولجاتا) بأكثر وضوحًا: (فيلارخوس من جيش تيموثاوس). والمقصود به هنا هو رئيس قبيلة عربية، تحالف مع طيموتاوس العموني ضد اليهود، وقد ُهزم في بدايات الحملة المكابية كما هو واضح هنا راجع (12: 10 وما يليها) ولفظة سبط هنا تعني قبيلة. أما عن الرجل نفسه فإنه يوصف بأنه شرير أضرّ باليهود كثيرًا.
كلستانيس Callistanece: هو أحد الضباط السلوقيين المعاونين لنكانور، يبدو أن الأخير كلّفه بإحراق أبواب الهيكل، غير أن المكابيين قبضوا عليه هو ورجاله حيث قتلوهم وأما هو فقد هرب إلى أحد أزقة الهيكل، ولكنهم أمسكوا به وقاموا بحرقه بالنار التي أراد هو اضرامها في المكان المقدس.
ولاشك أن الذين اضرموا النار في الموضع المقدس هم من اليهود المرتدين والذين عملوا كمعاونين ومرشدين للقادة السلوقيين مثل نكانور وجرجياس ونقرأ في (1مكا 4: 38) عن احراق الأبواب كما قام ياسون رئيس الكهنة بإحراق أحد الأبواب، أنظرأيضًا، 2مكا 5: 5-16) ومع أن الدمار قد شمل أكثر من جانب من الهيكل، إلاّ أن البوابة كان لها مدلول خاص لدى المهتمّين اليهود، إذ ربطوا بينها وبين بعض النبوات كدليل على عقاب الله، راجع (إرميا 17: 27 و وقارنها ب 1مكا 1: 43، 45، 52 ثم حزقيال 44: 1، 2 مع 2 مكا 1: 8).
نكانور يهرب ويشهد لإله إسرائيل


34 وأما نكانور الشديد الفجور، الذي كان قد استصحب ألف تاجر لبيع اليهود، 35 فلما رأى الذين كان يحتقرهم قد أذلوه بعون الرب، خلع ما عليه من الثياب الفاخرة، واعتزل عن الآخرين جميعًا وفر كالعبد الآبق في الحقول، حتى وصل إلى أنطاكية، محفوظًا فوق كل شئ، بعد أن انقرض جيشه. 36 وبعدما كان قد وعد الرومانيين بأن يؤدى لهم الجزية من ثمن مسبيى أورشليم، عاد يعلن أن اليهود لهم من يحارب عنهم، وأنهم لذلك لا يُغلبون، لأنهم يتبعون ما رسم لهم من الشرائع.

يحمل اليهود لهذا الرجل ذكريات مؤلمة ويحتفظون له بكراهية كبيرة، إذ جدّف كثيرًا على الموضع المقدس، وأقسم أن يفنى اليهود عن بِكرة أبيهم، حتى أنهم بعدما قتلوه في احدى معاركهم لاحقًا قاموا بتعليق جثته على سور أورشليم، ومن بين بوابات الهيكل كانت هناك "بوابة نكانور" سُميت تذكارًا لانتصارهم عليه. (1) ومن المحتمل أن يكون موضعها باتجاه الموضع الذي علقوا جسده عليه. ويستخدم كاتب السفر التعبير اليوناني Trisaliteuos والوارد أيضًا فى(1: 3) ويعنى " شديد الفجور" أو "خاطئ ثلاثة أضعاف ! !" (2).
وُيضيف السفر هنا بعض التفاصيل، لما ورد في (1مكا 3 و7: 33-50) إذ يُذكر أنه تخفى في شكل شخص فقير حتى لا يُقبض عليه ويقتل، واتخذ الحقول والجبال طرقًا حتى وصل إلى أنطاكية، متحسرًا على جيشه الذي انكسر وحلمه الذي تبدد بجمع المال من بيع اليهود ! .! وبدلًا من رغبته في بيع اليهود كعبيد بأبخس الأثمان، ها هو يهرب مثل عبد فقير(3).
إعترافه: وأكثر ما يهمنا في الأمر أن نكانور يعترف بأن اليهود لهم من يحارب عنهم، والمقصود من (الآية 36) هنا هو أنهم لن يُغلبوا ماداموا يتبعون وصايا إلههم والذي سيتولى حيئذ الدفاع عنهم. ويذكرنا ذلك باعتراف هليودورس رئيس وزراء سلوقس الرابع الذي حاول نهب كنوز الهيكل ولم يستطع، راجع (3: 36-39).

(1) بينما يرد هنا أن عدد الذين تجمعوا حول يهوذا المكابى هو ستة آلاف جندي، فإنه يرد في (1مكا 4: 6) أن عددهم ثلاثة آلاف، وقد يبدو أن هناك تناقضًا ولكن الثلاثة آلاف كانوا قوة أساسية بينما البقية التي انضمت مع الوقت كانت احتياطية راجع أيضًا (1مكا 7: 40 ؛ 9: 5).
(1) ورد في (1مكا 3: 39) أنهم كانوا أربعين ألفا وليس عشرين. وربما كان عشرين ألفا كانوا تحت إمرة نكانور فقط، وفي كتاب المكابيين الثالث "كتاب غير قانوني" (38:3) فنرى أن القوات كلها كانت أربعين ألفا، نصفهم خاضعين لإمرة نكانور (العشرين ألف).أما الرابي كوهين فيقول: رئيس الجيش الموكل ببقاع سوريا و فينيقية أرسل 20 ألف رجل، وانضم هؤلاء للجيش الذي جاء مع القواد الآخرين، فكان التعداد الإجمالي 40 ألفا.
(1) بوليبيوس (21: 17) و Livy (42: 6).
(1) كما ورد في (لاويين 26: 42-45 و تثنية 28: 10 و صموئيل أول 12: 22 و أشعياء 43: 7 و ارميا 14: 7 و حزقيال 36: 22 و دانيال 9: 19 و 2 أخ 7: 14).
(2) وتسمى صلاة (أبينو ملكينو (Abinu malkenu ُانظر:Jonathan A. Goldsten, II Macc.
(1) بإيماءة واحدة: جاءت في اليونانية (eni neumiati) وجاءت في الآرامية: (بروح فيه)، كما ُقرئت في بعض المخطوطات اليونانية: (بروحه = pneumati).
(1) بوليبيوس (5: 40-43)
(1) ويقول الرابي كوهين ما يلي: قرأوا الكتاب المقدس لأنه كان عيد الأسابيع كما جاء في (1مكا 5:3) إذ قرأوا الجزء المخصص لليوم (البراشا = القطمارس katameooc) وهذا يدل على نجاح البعض في إخفاء الكتاب المقدس بطريقة ما أثناء الاضطهاد السلوقي.
(1) راجع كتاب الهيكل / للناشر الباب الثاني.
(2) جاءت في الأصل العبري: (رِشَع همروشاع)، وفي اليونانية: (مثلث الإثم = trisalithrioV) وهكذا جاءت في (3:15).
(3) جاءت الآية 13 في الأصل العبري: (ذُلّ بمعونة الرب على أيدي الرجال الذي كان يعتقد في قلبه أنهم لا شيء ]إِفِس = صفر، لا قيمة له [ بعدما خلع ثياب مجده، هرب وحيدا في الأرض كعبد هارب، وجاء لأنطاكية مُحطّما على فقدان الجيش).

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 02:58 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 9 - تفسير سفر المكابيين الثاني
نهاية أنطيوخس أبيفانيوس


لم تكن وفاة أنطيوخس الرابع قبل تطهير الهيكل وإنما بعده (1مكا 6: 1-17) حيث مات بعد تطهير الهيكل وتدشينه (10: 9) ولكن تفاصيل هلاكه والتي تحتل هذا الأصحاح بالكامل، تأتى في هذا المكان ضمن سلسلة أعمال يهوذا المكابى ونجاحاته البطولية.
أنطيوخس ينفق في نهب هيكل برسابوليس


1 وأتفق في ذلك الزمان أن أنطيوخس عاد من بلاد فارس في حالة يرثى لها. 2 وكان قد زحف على مدينة أسمها برسابوليس، وشرع ينهب هيكلها ويضيق الخناق على المدينة. فثارت الجموع ولجأت إلى السلاح وهزمته، فكان من أنطيوخس أنه تراجع مخجلًا. 3 ولما كان عند أحمتا بلغه ما جرى لنكانور ورجال طيموتاوس. 4 فغضب غضبًا شديدًا وأزمع أن يحيل على اليهود ما ألحقه به الذين هزموه من الشر، فأمر سائق مركبته بأن يجد في السير بغير توقف حتى نهاية السفر. ولكن قضاء السماء كان توقف حتى نهاية السفر. ولكن قضاء السماء كان يرافقه، فإنه قال في كبرياء: "لأجعلن من أورشليم مدفنًا لليهود، عند وصولى إليها"


قلنا فيما سبق أن الديون الباهظة التي تركها أنطيوخس الثالث الكبير لابنيه سلوقس الرابع ومن بعده أنطيوخس الرابع، كانت تثقّل كاهل المملكة والتي لم يكن الفائض من موارد البلاد بكافٍ لمواجهة هذا العبء، ومن ثم اتجه الحكام السلوقيين بفكرهم إلى وسائل متعددة للحصول على المال، مثل نهب كنوز مصر في حملة أنطيوخس الرابع الثانية على مصر، ونهب هيكل أورشليم بالتواطأ مع منلاوس رئيس الكهنة، وذلك بعد فشل محاولة هليودورس (أصحاح 3) ثم محاولة بيع اليهود كعبيد، الخطة التي فشلت بهزيمة نكانور (الأصحاح الثامن) إضافة إلى محاولة أنطيوخس الكبير ذاته نهب هيكل النناية "أرطاميس" (1: 11-17).

https://st-takla.org/Pix/People-Celeb...-Epiphanes.jpg
وهنا يحاول أنطيوخس أبيفانيوس من جديد نهب هيكل أرطاميس في بلاد فارس، وذلك خلال حملته على الشرق لقمع بعض حركات التمرد في بعض من نواحي فارس حيث أبى الرعايا هناك إرسال الجزية المقررة عليهم للعرش في أنطاكية، حيث كانت تلك المناطق الواقعة شرقًا تابعة حينئذ للملكة السلوقية. وكان مصطلح بلاد فارس في ذلك الوقت له أكثر من معنى، فالمعنى الضيّق هو المناطق التابعة للفرس في جنوب غرب إيران، وهو إقليم فارس الحديث، والمعنى المتوسط يشمل مناطق ألمايس (عيلام) وميديا المجاورة بكثافتهما السكانية الإيرانية، والمعنى العام كان كامل إقليم إمبراطورية فارس القديمة أو "المملكة البرثية".
وأماَ برسابوليس: فهي كلمة تعني حرفيًا: مدينة فارس (بِرِس بوليس = مدينة فارس)، وهي المذكورة تحت اسم ألمايس Elymais أو "عيلام" أو "مدينة العيلاميين" أو "المائيداى" راجع (1مكا 6: 1-16).
أحمتا Agbatana: وفي الفارسية القديمة: Agmatana وفي البابلية: Agmadana وفي العيلامية: Hamadan، وهو اسمها الحالي وتكتب أحيانا Ekbatana. وتقع على مسافة 700 كم شمال شرق برسابوليس المذكورة توًا، وتسمى الآن "همدان" (1)وهى المنطقة التي توقّف عندها أنطيوخس في طريق عودته خائبًا من ذلك المعبد بعد أن نجا بالكاد من القتل هناك (1). هناك تقابل مع الرسل الآتين من مملكته يخبرونه بالهزيمة النكراء التي حاقت بنكانور وجيوشه وطيموتاوس كذلك وجيوشه، الأمر الذي زاده ثورة وهياجًا، ليقرر صب جام غضبه على اليهود.
والمقصود بجعل أورشليم مدفنًا لهم، هو جعلها مدينة أموات، إذ يعود في (الآية 15) ليذكر كيف أنهم لن يدفنوا بل يصيرون مأكلًا للطيور والوحوش هم وبنوهم، وإن كان التعبير ذاته شائع الاستخدام للدلالة على الهلاك يجدر هنا أيضًا ملاحظة أن كل من هزيمة نكانور، ثم حملة طيموتاوس العموني والتي تمت بعد تطهير جبل الهيكل ثم تطهير الهيكل نفسه وتدشينه كل ذلك سمع به أنطيوخس وهو في الطريق عائدًا إلى أنطاكية عاصمة ملكة. ولذلك فالكتاب هنا يوردها معًا دون التقيد بزمان وقوعها، وذلك في سياق عرض إنجازات يهوذا المكابى.
تأديب الرب لأنطيوخس

5 لكن الرب البصير بكل شئ، إله إسرائيل، ضربه ضربة معضلة غير منظورة. فإنه ما إن انتهى من كلامه ذاك حتى أخذه ألم في أحشائه لا دواء له وعذابات أليمة في جوفه، 6 وكان ذلك عين العدل في حقه، لأن عذب أحشاء كثيرين بالآلام المتنوعة الغريبة. 7لكنه لم يكف عن عجرفته، وإنما بقى ممتلئًا من الكبرياء، ينفث نار الغضب على اليهود، ويأمر بالجد في السير، فأتفق أنه سقط من المركبة الجارية بصخب، فأنجرت بتلك السقطة الهائلة جميع أعضاء جسمه وترضضت. 8فأصبح، بعد ما خيل له، بزهوه الذي لم يبلغ إليه إنسان، أنه يحكم على أمواج البحر ويجعل قمم الجبال في كفة الميزان، أصبح مصروعًا على الأرض، محمولًا في محفة، ليكون شهادة للجميع بقدرة الله الجلية، 9 حتى كانت الديدان تنبع من جسد ذلك الكافر، ولحمه يتساقط، وهو حي، بالآلام والأوجاع، وصار الجيش كله يَتَكَرَّهُ نَتنَ رائحته. 10 فبعد ما كان، قبيل ذلك، يخيل له أنه يمس كواكب السماء، لم يكن أحد يستطيع حمله لشدة رائحته التي لا تطاق.



يُقصد بالضربة غير المنظورة هنا، تلك الأمراض التي لم تكن معروفة، سواء من حيث التشخيص أو العلاج وما أكثرها سواء في أيامهم، فما تزال هناك أمراض لا دواء لها رغم التقدم العلمى الهائل، حتى ليقال أنه سيظل دائمًا من الأمراض في كل عصر ما لا يمكن شفاؤه، وما أقسى الموت عندما يأتي بطيئًا !! وقد نظر الأقدمون إلى مثل تلك الأمراض باعتبارها قصاصًا من الله رأسًا، يأتي نتيجة أخطاء شنيعة ارتكبها المريض، والتاريخ مليء بأمثال تلك القصص المحزنة، ومن جهة أخرى فقد مات جميع الذين اضطهدوا أولاد الله ميتات غير تقليدية، وفي القرن الرابع كتب أحد المؤرخين كتابًا أسماه نهاية المضطدين، يتناول فيه ظروف موت كل من أولئك الأشخاص الذين تفننوا في إيلام الشهداء.
غير أن تلك الآلام المفاجئة لم تردع أنطيوخس ربما لاعتباره أنها مجرد آلام عابرة (مجرد مغص قوى فحسب) ولكن الله لكي يؤكد له أن الأمر صادر منه وأنه لن ينجو من العقاب، فقد أسفرت الاهتزازات الشديدة للمركبة التي يستقلها والتي أمر قائدها بالإسراع بكل قوته وكأنه متعطَش وجائع لهلاك اليهود ودماءهم إلى سقوطه من المركبة، فتهشّمت أضلاعه نتيجة ارتطامه بالقوة في الأرض.
ويورد بوليبيوس المؤرخ تقارير البعض والتي تفيد بأن أنطيوخس قد توفى فاقد الصواب "تملكته الشياطين" وقد استشهد القديس جيروم بتقارير بوليبيوس هذه وذلك في تفسيره (دانيال 11: 36) فيقول أن أنطيوخس فقد صوابه بعد هلوسة مخيفة ثم توفى بمرض ما.. وأما أبيون Appion فيقول عن نهاية أنطيوخس أنه سلب المعبد ثم مات متأثرًا بداء السلّ.. (1)
ويمكننا من خلال ما ورد في (1مكا 6: 8-16) وما ورد هنا ثم ما ورد في مدخل هذا السفر، استنتاج أن أنطيوخس قد مات بما يعرف الآن بالمرض النفس جسمى "سيكو سوماتيك" وكان تطور معاناته الجسدية والنفسية مؤلمًا للغاية، ولعل اليهود قد رأوا في موته على ذلك النحو تحقيقًا للنبوات في (إشعياء 14 ويوئيل 2: 20 وزكريا 14: 12 ودانيال 11: 44، 45). ونقرأ في سفر أخبار الأيام الثاني كيف لاقى يهورام ملك يهوذا وهو الذي أضل أورشليم. مصيرًا مماثلًا حيث مرض بمرض ليس له شفاء (أخبار الأيام الثاني 21: 18).
وفي وصف يوسيفوس لموت هيرودس الكبير ما يشبه الكيفية التي قضى بها أنطيوخس، فقد عانى آلامًا مبرحة في أحشائه ونوبات من التشنج المؤلم والغنغرينا والرائحة الكريهة التي لم يفلح معها علاج، حيث رأى اليهود في ذلك عقابًا على ما فعله هيرودس بالغير.
كان أنطيوخس قد تشامخ في قلبه، فلقد اعتبر نفسه إلهًا كما أشرنا سلفًا إذ ظن أنه إحدى ظهورات أو تجسد الإله زيوس على الأرض ولذلك فقد أطلق على نفسه ألقاب أنطيوخس أبيفانيوس زيوس أي "أنطيوخس الإله الظاهر" والصفات المذكورة هنا والتي ينسبها لذاته هي صفات تخصّ الله وحده عظم شأنه وبالتالي فقد صارت هذه الصفات ذاتها ديّانة له فالكرامة تهين من هو غير أهل لها، لقد نسب مجد الله إلى نفسه فغار الله على مجده. ففي سفر أشعياء يرد عن الله: "من كال بكفة الماء وقاس السموات بالشبر وكال بالكيل تراب الأرض ووزن الجبال بالقبّان والآكام بالميزان" (40: 12) ويقول داود النبي: "المهديء عجيج البحار عجيج أمواجها و ضجيج الأمم و تخاف سكان الأقاصى من آياتك تجعل مطالع الصباح و المساء تبتهج" (مزمور 65: 7، 8) راجع أيضًا (أيوب 38: 8-11 و إشعياء 51: 15).
وكثيرًا ما يقع الحكام والملوك والرؤساء في مثل السقطة الخطيرة، حين يستبقون مجد الله لأنفسهم، فكل عطية وكل موهبة هي من عند الله ويجب ألاَ يفتخر أحد بأنها ليست من الله "لماذا تفتختر كأنك لم تأخذ؟" (كورنثوس الأولى 4: 7). لقد تشامخ هيردرس في قلبه حين تملقّه الشعب فضربه الرب: " ففي يوم معيّن لبس هيردرس الحلة الملوكية وجلس على كرسي المُلك وجعل يخاطبهم، فصرخ الشعب: هذا صوت إله لا صوت إنسان، ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعطِ المجد لله فصار يأكله الدود ومات" (أعمال 12: 22، 23) من هنا يجب على الإنسان عندما يمتدحه الآخرون أو يثنون عليه أن يعطى المجد لله على الفور، فالشكر والمديح مرسل في الواقع إلى الله مرورًا بهذا الشخص.!
وكثيرًا ما يتحوّل الخدام إلى آلهة صغيرة أو أنصاف آلهة.. يسرقون مجد الله، ويحبون تمجيد الناس لهم ويدافعون عن كرامتهم بكل ما ُاوتوا من قوة.. إن كل مجد وكرامة تليق بالثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس.
هكذا عاقب الله أنطيوخس وأثقلَ عليه الضربة حتى يفيق من غفلته ويرجع عن كبريائه وخيلائه "ُاهبط إلى الهاوية فخرك رنّة أعوادك. تحتك تُفرش الرمّة وغطاؤك الدود. كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم" (إشعياء 14: 11، 12) ويقول الله في سفر يهوديت "الويل للأمم التي تقوم على نسلى فالرب القدير ينتقم منهم في يوم الدينونة يجعل النار والدود في لحومهم فيبكون ألمًا للأبد" (يهوديت 17:16). وهكذا تمت في أنطيوخس نبوءة الفتى الشهيد المكابى الخامس".. أصبر قليلًا فترى قدرته العظيمة كيف يعذبك أنت ونسلك" (2 مكا 7: 17).
وعن العقاب بالدود فهناك الكثير من المواضع في الكتاب المقدس والتي أشير فيها إلى ذلك، فالأشرار الذين يناصبون الله العداء، بل وفي التاريخ اليوناني أيضًا ذكر لكثير من الملوك المتغطرسين والذين خرج الدود منهم وهم بعد أحياء إلى جوار التعفن والروائح الكريهة. ويمكن اعتبار نبوءة دانيال (8: 25) وتنبؤات الشهداء المكابيين (7: 17، 19، 31، 35، 36) قد تحققت هنا بعقاب الملك الذي أسرف في تعذيبهم.
انطيوخس يندم ويتعهد برد الأعتبار لليهود

11 وعندئذ، بعدما تحطم جسمه، أخذ ينزل عن غلواء كبريائه، ويدرك الحقيقة، إذ كانت الأوجاع تتنازعه في كل حين تحت وطأ الجلد الإلهي، 12 حتى إنه أمسى هو نفسه لا يطيق نتنه، فقال: "حق على الإنسان أن يخضع لله وأن لا يحسب نفسه، وهو فان، معادلًا لله". 13 وكان ذلك القذر يتضرع إلى السيد، لكن الرب لم يكن ليرحمه من بعد: 14وعد بأن يجعل المدينة المقدسة، التي كان يسرع في الذهاب إليها ليمحو آثارها ويجعلها مدفنًا، مدينة حرة، 15وأن يجعل اليهود الذين كان قد قضى عليهم بأن لا يدفنوا، بل يلقوا مع أطفالهم مأكلًا للطيور والوحوش، مساوين جميعًا للأثينيين، 16 وأن يزين بأفخر التحف ذلك الهيكل المقدس الذي كان قد نهبه، وأن يرد جميع الآنية المقدسة أضعافًا، ويؤدى النفقات المفروضة للذبائح من دخله الخاص، 17 ووعد فوق ذلك أن يصبح هو نفسه يهوديًا ويطوف كل معمور في الأرض ينادى بقدرة الله.



عند هذا الحد من الآلام المبرّحة ثاب أنطيوخس إلى رشده واتضعت نفسه فأقرّ بضعفه قدام الله كعبد مخلوق وفان، فكيف يجعل نفسه مساويًا لله في حين أنه لا يستطيع شفاء نفسه، إلاّ أن اعترافه بالله وسيادته مقابل ضعف الإنسان ومسكنته قد جاء متأخرًا جدا، إنه يذكرنا بعيسو الذي طلب التوبة بدموع ولم يجدها "حق على الإنسان أن يخضع لله وأن لا يحسب نفسه وهو فان معادلًا لله" (آية 12).
ولقد كان ذلك بمثابة قصاص عادل من الله نتيجة تطاول أنطيوخس على الله وعلى أورشليم والهيكل واليهود، والذين قد وضع في قلبه ما يصل إلى حد إبادة جنس اليهود كله. وربما لو رجع صحيحًا لعاد إلى سابق وعيده وعجرفته، ولذلك فإن توبة البعض قد لا تقبل وهم على فراش الموت، إذ قد لا تكون من قلب صادق نقى بل بسبب العجز العارض فقط، فبعض الذين تجاوزوا محنتهم عادوا إلى قديم سلوكهم بعد أن كانوا قد أفرطوا في الوعود، مثلما يعرض أنطيوخس في هذه الآيات، من حيث جعل اليهود متساوون مع الرعايا الأثينيين في الحقوق والحريات، وأن يكرم الهيكل ويعظمه ويحذو حذو أنطيوخس الكبير أبيه، وبطليموس الملك المصري من حيث القيام بنفقات الذبائح فيه (2مكا 1: 2، 3) وأن ينعم عليه بالتحف والهدايا، ذلك بالطبع مقابل وعيده السابق بتحطيمه.
وفى وعده بجعل أورشليم حرة (آية 14) يقصد اعفاءها من الجزية، ومنحها حرية الإدارة الذاتية، وأما عن مساواة اليهود بالأثينيين، فإن أثينا كانت تقع خارج الإمبراطورية السلوقية، ولكن يبدو أن مواطنيها كانوا يتمتعون بمزايا كثيرة حال مجيئهم إلى أنطيوخس، وذلك عرفانا منه بالجميل حيث مكث هناك بضعة أشهر عقب الإفراج عنه كرهينة في روما وقبل اعتلائه العرش، وقد أكرمه أهلها وربما شرّفوه بمنحه حق المواطنة، هكذا كانت معاملة أي شخص كأثينى تعتبرميزة في ذلك الوقت.
وأما عن دفن المعاقبين من اليهود، فقد كان الدفن في بلد المنشأ حقًا شرعيًا، يستثنى منه عتاة المجرمين والمحرومين من الحقوق الشرعية، ويأتي هذا الامتياز عقب التهديد بجعل كل أورشليم مدفنًا لليهود (آية 4، 15) أي "مقبرة جماعية".
بل أنه يتعهد بأن يتهوّد هو شخصيًا ويتحول إلى مبشّر باليهودية. ولا شك أن كل ذلك يأتي كردّ فعل لشعوره بأن ذلك الذي ألمَ به، لم يأت إلاّ كنتيجة لمعاداته اليهود واضطهاده لهم، لاسيما في إطار الضغط العقيدي.
خطابه إلى اليهود

18 لكن آلامه لم تسكن، لأن قضاء الله البار كان قد حلّ عليه، فيئس وكتب إلى اليهود رسالة بلهجة التوسل، وهذه صورتها: 19 "من أنطيوخس الملك القائد، إلى الرعايا اليهود الأكارم، السلام والعافية والسعادة في كل شئ. 20 إذا كنتم في سلامة وكان أولادكم وكل شيء لكم على ما تحبون، فإني أشكر الله شكرًا جزيلًا. 21 أما أنا فإني طريح الفراش عديم القوة، وأحفظ ذكرًا طيبًا لإكرامكم وولائكم. في عودتى من بلاد فارس، أصابنى داء وخيم، فرأيت من الواجب أن أصرف العناية إلى سلامة الجميع، 22 لا لأني يئست من حالتي، فإن لي رجاء وثيقًا أن أتخلص من عتى، 23 بل أذكر أن أبى، حين قام بحملة على الأقاليم العليا، عين ولى عهده، 24 مخافة أن يقع أمر غير منتظر أو يذيع خبر مشؤوم، فيضطرب أهل البلاد لجهلهم لمن تركت إدارة الأمور. 25 وقد تبين لي أن من حولنا من ذوى السلطان ومجاورى المملكة يترضدون الفرص ويتوقعون حادثًا يحدث، فلذلك أقمت للمُلك أبنى أبنى أنطيوخس الذي سلمته غير مرة إلى إلى كثيرين منكم وأوصيتهم به، عندما كنت أصعد على عجل إلى الأقاليم العليا. وقد كتبت إليه الرسالة الواردة أدناه. 26 فأناشدكم وأرغب إليكم أن تذكروا ما أوليتكم من النعم العامة والخاصة، وأن يبقى كل منكم على ما كان عليه من الولاء لي ولأبنى. 27 وإنى لواثق بأنه سيواصل سياستى برفق وإنسانية ويكون على اتفاق معكم".



يعلن أنطيوخس هنا المنهج الذي سيتخذه بشأن علاقته باليهود، وهو بالطبع مُغاير لسلوكه تجاههم منذ توليه الحكم ولا سيّما في السنوات القليلة الأخيرة، وهو يتذكر أمانة اليهود للإسكندر وخلفاؤه، والخدمات التي قدموها للملكة من حيث تحالفهم مع السلوقيين واشتراكهم معهم في الحروب ضد أعدائهم، ثم استمرارهم في حمل الجزية سنويًا إلى خزينة المملكة، ولذلك فإن أنطيوخس يحفظ لهم ذكرًا طيبًا لإكرامهم وولائهم (آية 21) ويعد بتصحيح الأمور ووضعها في نصابها، متى تجاوز هذه الأزمة الصحية التي ألمّت به. وكان واثقًا من حدوث ذلك .!!
وقد حذا حذو أبيه أنطيوخس الكبير حين أوصى بالعرش لابنه سلوقس الرابع (شقيق أنطيوخس هذا) تحسّبًا لما قد يحدث في حالة وفاته بشكل مفاجئ، أو حتى مجرد إشاعة ذلك في البلاد، وقد مات بالفعل بشكل مفاجئ سنة 178 ق.م.
نظام تعيين الوريث:

استخدمت كلمة ملك Basilius لتعنى ملكًا كامل الاختصاصات، وكلمة Coregent وتعني وريث، وتتحدد اختصاصات الأخير بحسب منطوق الملك في حفل التعيين، سواء من جهة الأقاليم التي يحكمها أو الشارات الملكية التي يرتديها أو عمله كوريث للعرش بصفة مؤقتة، وكان ذلك يتم في احتفال كبير، حيث يظهر الشخص على منضدة عالية أمام الجميع، وفي حالة أنطيوخس هنا وحيث لم يكن ابنه معه أو قريبًا منه فقد أعلن تعيينه أمام جيوشه التي معه، ويما أنه لم تحدد الاختصاصات فقد كان ذلك يعنى تعيينه ملكًا Basilins بكامل الصلاحيات. ويذكرهم أنطيوخس (في الآية 26) بالنعم والخيرات التي منحهم إياها لكي يكونوا أوفياء له من خلال مساندة ابنه الصغير.
ذلك أنه بعد إبرام معاهدة السلام بينه وبين الرومان سنة 188 ق.م. قام بحملة على الأقاليم التي ادّعى تبعيتها له في إيران، حيث ُقتل هناك في يوم 3 يوليو سنة 187 ق.م. عند محاولته سلب الهيكل هناك، وكان قد عين ابنه سلوقس خلفًا ووريثًا له.
ونقرأ أنه بعد وفاة الإسكندر الأكبر نشبت حروب كثيرة بين اتباعه بسبب الصراع على السلطة، وقد عانى الرعايا الكثير بسبب ذلك، ومن ثم فقد خشى أنطيوخس أبيفانيوس من نشوب حروب داخلية بسبب الخلافة على العرش، وكان أنطيوخس ذاته قد اغتصب العرش ُمستبعدًا أنطيوخس الصغير ابن شقيقه، في حين كان الأخ الأكبر لأنطيوخس الصغير هذا وهو ديمتريوس الأول ما يزال رهينة في روما. ومن هنا خشى أن تتحرك عائلتهم للحصول على العرش لديمتريوس.
كما خشى من أن يتحرك البطالمة في مصر لاسترداد أملاكهم التي خسروها في سوريا وفلسطين، منتقمين من أنطيوخس بسبب عدوانه على مصر وتدخله في شئونها.
وكان أنطيوخس أبيفانيوس قد عهد بابنه أنطيوخس الخامس أوباطور إلى ليسياس صديقه (1مكا 3: 32) للاهتمام به وإعداده للمُلك، وذلك في الأوقات التي كان يقوم فيها بحملات طويلة سواء في مصر أو بلاد الشرق. ولكن عند احتضاره هنا عين "فيلبس" نائبًا للملك ووصيًا في ذات الوقت على ابنه، بينما وجه رسالة إلى ابنه، على الأرجح أنها قرار توريثه العرش (آية25).
من المتوقع أن يكون فيلبس هو الذي حمل الرسالة غربًا، ولكنه ما أن اقترب من أنطاكية حتى كان ليسياس قد أعلن الصبى وريثًا للعرش فاستولى على كافة الأمور (1مكا 6: 17 و 2مكا 10: 11) وإذ لم يتمكن من دخول أنطاكية فرّ فيلبس إلى مصر (آية 29). ثم يشير أنطيوخس إلى ما كان هو عليه في السابق من الخير والمودة لرعيته، ويسألهم مواصلة الولاء له من خلال تعاونهم مع ابنه والذي يطمأنهم بأنه سوف يمضى في نفس سياسته.!!
وقد اتبع أنطيوخس هنا صيغة متواضعة ليست مألوفة لدى الحكام السلوقيون، إلاّ في حالات الانتخابات والتي كان يستعطف فيها المرشح عامة الشعب، ويعد أنطيوخس اليهود هنا بالعديد من المزايا ناسيًا آلامه متغلبا على يأسه، فهل ُتحسب مثل هذه دعاية انتخابية يقوم بها أنطيوخس أبيفانيوس لصالح ابنه؟! سواء أكان خطابه موجها إلى يهود أورشليم أو اليهود الأنطاكيين (اليهود المتأغرقين والذين صار لهم بموجب ذلك حقوق المواطنة الأنطاكية) ؟ (1).
هذا ومن المحتمل أن تكون رسالة أنطيوخس هذه ليست موجهة إلى اليهود فحسب، وإنما لجميع المدن الخاضعة للملكة، ففي بعض الوثائق الأخرى استبدلت كلمة "اليهود" ب "السوريين أو الفينيقيين" وبينما كان يأمل أن يكون ابنه على وفاق مع اليهود مداويًا الجرح الذي أحدثه هو باساءاته إليهم، خاب ظنه وفشل أنطيوخس الخامس في ذلك، كما سيجيئ.
أنطيوخس يقضى نحبه

28 وهكذا فإن هذا السفاح المجدف الذي عانى آلامًا مبرحة شبيهة بالتى أنزلها بالآخرين قضى نَحبَه ومات أشقى ميتة على الجبال في أرض الغربة. 29فنقل جثته فيلبس، رفيق طفولته، ولكنه خاف من ابن أنطيوخس، فانتقل إلى مصر إلى بطليمس فيلوميتور.

في ربيع 163 ق.م. عندما خرج أبيفانيوس قاصدا أرض مادي، سلك الطريق الجنوبي بمحاذاة شوشان- أصفهان، وهناك بالقرب من أصفهان، كانت قلعة جبّي (1مكا 6:9) ومن ثم سلك طريق عيلام الجبلية. وعيلام هي برسابوليس ولكن برسابوليس هي صفة يونانية لمدينة فارس الشهيرة وهي تبعد 400 كيلومتر جنوب أصفهان، وكانت نهاية أبيفانيوس في هذه الرحلة، إذ أنه بسبب شهوته الجامحة أن يسرق هيكل عيلام الشهير(النناية - هيكل أرطاميس) وبسبب مرضه المفاجىء حاول الرجوع عن طريق أحمتا، ويقول المؤرخون أنه مات في قلعة "جبّي". ومما يؤكد هذا أن أبيفانيوس أراد أن يرجع عن طريق بابل (1مكا 4:6) جنوب سوريا، وهذا الطريق ليس في أحمتا، لذا كان يجب عليه أن يذهب في طريق دائري حول الجبال والمياه في فصل الشتاء. ويطابق هذا ما ورد في (1مكا1:6-16 و 2مكا 1: 12-16).
مات أنطيوخس عند قرية تاب (طاباى) أو الزابى (جاباى) بالقرب من أكبتانا (أحمتا) وتقع بين أحمتا و برسابوليس، ولم تشفع فيه هذه الرسالة وهذه الوعود والتي جاءت بلا شك متأخرة جدًا، وبدافع الضغط الشديد للمرض على كل من جسده ونفسه، والذي جاء كعقوبة له لقاء ما فعله بيهود أورشليم عامة وبالشهداء المكابيين على وجه الخصوص(1).
وأما جثته فقد نقلها "فيلبس" زميل دراسته وصديقه الحميم وأحد خواصه والذي تربّى معه(2)، حيث يذكر في (1مكا 6: 14) أن أنطيوخس هذا أرسل فاستدعى فيلبس ثم سلّمه التاج والشارات الملكية والخاتم الملكى ليصبح نائبًا للمك ووصيًا على أنطيوخس الصغير وأن يعدّه للمُلك، فقام فيلبس باصطحاب الجيش إلى أنطاكية، ومن المرجّح أنه اتجه لفوره إلى مصر بصحبة جثمان أنطيوخس ليدفن هناك، ربما بناءا على طلب كليوباترا بسبب صلة القرابة، فكما أشرنا سابقًا فإن أنطيوخس الثالث كان قد وهب ابنته كليوباترا زوجة لبطليموس أملًا في أن يصبح ولي العرش ابنها مواليًا للسلوقيين، وبالتالي فإن كليوباترا الثانية ابنة الأولى المشار إليها تعتبر ابنة اخت أنطيوخس أبيفانيوس. هناك أيضًا في مصر جرت المشاورات ما بين فيلبس وبطليموس بخصوص ترتيب شئون المملكة بعد موت الملك(1).
ولكن ليسياس والذي كان قد ُولّى في وقت سابق أمر الملك الصغير، سمع بما حدث في أنطاكية حين كان يحاصر اليهود بعد أن هزمهم في معركة بيت زكريا (1مكا 6: 55-63) ومن ثم رفع الحصار واتجه لفوره إلى أنطاكية حيث استرد العرش من فيلبس، والذي ُقتل لاحقًا بعد القبض عليه بأمر الملك الصغير. وكان موت أنطيوخس أبيفانيوس في سبتمبر / أكتوبر (أيلول / تشرين أول) لعام 164 ق.م.

هذا وقد عمت الصراعات - إن لم يكن الحروب - بين أتباع فيلبس وأتباع ليسياس، خلال الفترة ما بين وفاة أنطيوخس أبيفانيوس في أواخر عام 164 ق.م. ووصول فيلبس إلى مصر في مارس 163 ق.م. ولعل ذلك يفسر لنا بسهولة كيف استطاع يهوذا المكابى ورجاله تحقيق المزيد من الانتصارات في تلك الحقبة، بينما كانت أنطاكية مشغولة في تلك الصراعات (1مكا 5 و 2مكا 10: 14-38 و 12: 2 - 37).
وعلى مرضه وعذابه وموته يعلق الأب أفراهات السرياني قائلًا:
لأن دانيال قال "كنت متأملًا في القرون (التي على رأس الوحش) والقرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك (دانيال 7: 8، 24) الذين قاموا في ذلك الوقت حتى أنطيوخس. وقد قال دانيال "وإذا بقرن آخر صغير طلع بينها وقُلعت ثلاث من القرون الأولى من قدامه" (دانيال 7: 8) لأنه عندما قام أنطيوخس في المملكة (أي تملّك) أذلّ ثلاثة ملوك، ورفع نفسه ضد قديس العلي وضد أورشليم، ودنّس المقدس، متسببًا بذلك في توقف الذبيحة والتقدمات لمدة أسبوع ونصف الأسبوع أي لمدة عشر سنوات ونصف، وجلب الزاني في بيت الرب، وتسبب في أن يتعطل العمل بالشريعة، وذبح رجالًا مستقيمين صديقين واسلمهم لطيور السماء ولوحوش الأرض
لأن في أيامه كمل قول داود النبي "اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك نجسوا هيكل قدسك جعلوا أورشليم أكوامًا. دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء. لحم أتقيائك لوحوش الأرض. سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن" (مزمور 79: 1-3) لأن هذا قد تم في ذلك الوقت عندما ذُبح الشيخ الوقور ألعازار، وأبناء سامونا المباركة (أم المكابيين الشهداء) وعددهم سبعة. وعندما كان يهوذا المكابى واخوته يكافحون نيابة عن شعبهم. عندما كانوا يسكنون المخابئ. في ذلك الوقت "القرن حارب القديسين" (دانيال 7: 25) وقوتهم سادت وأنطيوخس الشرير" يتكلم بكلام ضد العلى ُويبلى قديس العلى ويظن أنه يغيّر الأوقات والسنة" (دانيال 7: 25) وأبطل عهد إبراهيم وألغى سبت الراحة، إنه أمر اليهود بألاّ يختتنوا، لذا قال النبي بخصوصه ويظن أنه يغير الأوقات والسنة ويُسلمون ليده إلى زمان وأزمنة ونصف زمان (7: 25) الآن الزمان ونصف الزمان هو أسبوع ونصف، أي عشرة سنوات ونصف، وقال أيضًا: " فيجلس الدين و ينزعون عنه سلطانه ليفنوا و يبيدوا إلى المنتهى" (دانيال 7: 26) لأن القضاء وقع على أنطيوخس قضاء من السماء وأصبح مريضًا بمرض شديد وشرير، وبسبب رائحته لأن تعفّن، لم يمكن لإنسان أن يقترب منه، لأن الديدان كانت تزحف وتسقط منه وتأكل لحمه لأنه اضطهد دودة يعقوب (إشعياء 41:41) وتعفّن لحمه في حياته، لأنه جعل أجسام بنى أورشليم الميتة تعفّن دون دفن، وأصبح دنسًا في عيني نفسه، لأنه دنس مقدس الله. وصلى ولم يُستجب له، لأنه لم يُصغ إلى تأوهات المستقيمين الذين ذبحهم، وكتب رسالة وأرسلها لليهود ودعاهم "أصدقائى" لكن الله لم يرحمه، بل مات في عذابه. (1)

(1) يوجد من يعتقد مثل: (Kugler, p. 389) أن الكلمة كانت أصفهان Aspadana بدلا من أحمتا Agbatana ، لاحظ التشابه الشديد.

(1) ويقول المؤرخ بوليبيوس Polybiaus أن أنطيوخس قد أخفق في مشروعه لأن البربر الذين قطنوا المنطقة المحيطة بالموضع المقدس رفضوا الاستسلام.

(1) وفي تاريخ يوسابيوس، في نسخة أرمنية (صفحة 119 طبعة كارست 1911 - من حاشية موتزو Motzo) يرد: " ولما كان أنطيوخس أبيفانس حيٌ، ملك ابنه أوباطور الذي كان عمره حوالي 12 سنة، وكان يُكنى باسم أوباطور، وكان قد ملك لمدة سنة وستة شهور عندما كان أبوه مازال على قيد الحياة).

(1) فيما يتعلق برسالة أبيفانيوس المريض، والتي ينقصها التاريخ في مقدمتها يقول: (Bevan,House of Selucus , II 177,299): أن هذه الرسالة كانت لليهود المتأغرقين الذين ُيعتبرون في نظره مواطنين ورعايا، وقد وجه هذا الكلام إليهم لأنهم الوحيدين الذين يعتقد أنهم رعايا دولته الرسميين، وهو يحاول هنا أن يخبرهم بمرضه أثناء سفره لفارس ويتمنى أن يطيب، لذا يطلب منهم مساعدته في توريث ابنه العرش، وهو يسلك هنا تماما كأبيه، إذ لما قصد أبيه الأماكن العليا في مملكته أعلن عمن سيخلفه على العرش. كما يحاول أبيفانيوس هنا استمالة بقية اليهود بوعده ونذره الذي اتخذه كوسيلة للتقرب إليهم.

(1) أشقى ميتة (آية 28): تترجم أيضا: "ميتة شقاء" أو بموت رهيب، وجاءت في اليونانية (Morw = مصير سيء).

(2) الذي تربى معه: جاءت في اليونانية (o suntrofoV autou) وهي صفة تطلق على حبيب الملك وصديقه المقرب من صغره، وقد أورد (Corradi 269 sqq) بحثا في هذا اللقب. وهو يطابق (1مكا 12: 8).

(1) لم يكن هرب فيلبس خوفا من وجه ابن أنطيوخس نفسه، بل من أمام ليسياس (والذي يمثل آنئذ فترة حكم الملك الصغير) حيث أخذ في تدبير المملكة والشعب ورأى أنه لم ينل حظوة أمامه، ونرى من (1مكا 6) أن فيلبس عاد مع جيش الملك أنطيوخس من فارس واحتل أنطاكية، لكن ليسياس هزمه بعد ذلك وملّك أوباطور ابن أنطيوخس، وحينئذ هرب فيلبس لمصر، كما ذكر الخبر بالاختصار في يوسيفوس في (الآثار اليهودية كتاب 12: 7:9) إذ يقول: (أنه قُبِضَ عليه ومات) ربما قبض عليه بعد هروبه لمصر أو وهو في الطريق.

(1) NPNF, S2, Vol. X111, P. 359. الشروحات / الشرح الخامس عن الحروب

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:00 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 10 - تفسير سفر المكابيين الثاني
تطهير الهيكل يعقبه سلسله من الأنتصارات


لم يسلك أنطيوخس أوباطور الخامس كما أمل أبيه أنطيوخس الرابع، بل سار في نفس طريقه، ومن ثم فقد واصل اليهود كفاحهم من أجل تأمين البلاد وتعضيد شرائعهم. فبعد الانجازات العسكرية الباهرة التي حققها المكابيون في بداية جهادهم أصبح الطريق ممهدًا لإزالة النجاسة وشناعة الخراب التي ألحقها السلوقيون بالهيكل. هذا ويمكن تقسيم هذا الأصحاح إلى قسمين:
القسم الأول: (1-9) تطهير الهيكل وتحديد عيد التجديد(1).
القسم الثاني: بقية أخبار أنطيوخس.
تطهير الهيكل

(1مكا 4: 36 - 61)
1 أما المكابى والذين معه، فأستردوا الهيكل والمدينة بقيادة الرب، 2 وهدموا المذابح التي كان الأجانب قد بنوها في الساحة وخربوا أماكن العبادة. 3 وبعد أن طهروا الهيكل، صنعوا مذبحًا آخر، واقتروا حجارة اقتبسوا منها نارًا وقدموا ذبيحة بعد مدة سنتين، وهيأوا البخور والسرج وخبز التقدمة. 4 ولما أتموا ذلك، جثوا بصدورهم وابتهلوا إلى الرب أن لا يصابوا بمثل تلك الشرور، وأن يؤدبهم هو بحلم إن خطئوا، ولا يسلمهم إلى أمم مجدفة وحشية. وأتفق أنه في مثل اليوم الذي فيه نجس الغرباء الهيكل، في ذلك اليوم عينه تم تطهير الهيكل، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذلك الشهر الذي هو شهر كسلو. 6فعبدوا ثمانية أيام بفرح، كما في عيد الأكواخ قبيل ذلك في الجبال والمغاور، مثل وحوش البرية. 7ولذلك رفعوا الأناشيد إلى الذي يسر تطهير مكانه المقدس، وفي أيديهم مزاريق وأغصان خضر وسعف. 8 وفرضوا فريضة عامة ومثبتة بالاقتراع أن تُعيد جميع أمة اليهود هذه الأيام في كل سنة.


https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...ccabeus-01.jpg

St-Takla.org Image: Judas Machabeus
صورة: يهوذا المكابي
مثلما كانت الانتصارات من عند الرب، هكذا أيضًا يسترد اليهود الهيكل بقيادة الرب، لقد خرج الأمر من عنده، يسمح بتدنيس الهيكل ثم يقضي بتطهيره. الآن يهرب كهنة الوثن مع أتباعهم ممن نشروا الفساد والدعارة في الموضع المقدس، لقد أوقعت الانتصارات المدوّية الرعب في قلوبهم. ولم يتبقَّ في أورشليم من الوثنيين السلوقيين سوى سكان القلعة (عكرة) والذين لم يستطع المكابي طردهم من هناك، بل اكتفى بمشاغلتهم فقط أثناء عملية التدشين (1مكا 4: 41) وقد ظلوا هناك إلى أن طردهم سمعان المكابي (1مكا 13: 49-52).
ولم تكن هناك قوة كافية لمنع يهوذا المكابي ورجاله من الاستيلاء على أورشليم والهيكل، بعد انسحاب ليسياس على اثر معاهدة السلام مع اليهود، وحتى سكان قلعة عكرة أنفسهم لم يتصدّوا لليهود إلاّ بشكل متقطّع (1مكا 4: 41).
وقد تأخّر تطهير الهيكل لعدة أشهر، ربما بسبب انتظار اليهود التقاة "الموعد المحدد" الوارد ذكره في (دانيال 11: 24) وهو رأس السنة السبتية، وهو الموعد المتنبأ به لنهاية الاضطهاد، حيث تشير النبؤة إلى أن منلاوس رئيس الكهنة المرفوض يفقد سلطانه، وقد اعتمد أولئك التقاة على هذه النبوة في تجريد منلاوس من نفوذه وذلك في أواخر صيف 164 ق.م. أو أوائل خريف ذلك العام، ومن المؤكد أنهم استبعدوه من الهيكل حتى أنه في سنة 163 (13: 3) طلب من الحكومة في أنطاكية تأكيد سلطته.
أما المكابيين فإنهم بعد هدم مذابح "زيوس" قاموا بهدم المواضع التي كانت ُتقام فيها الولائم الطقسية والفجور، وكذلك مساكن كهنة الوثن وكل مكان لحقته النجاسة من خلال التواجد الوثني. هذا وتأتي أماكن العبادة (آية 2) في اليونانية (temenh) وفي الفولجاتا اللاتينية (delubra =الهياكل). والمقصود بالكلمة اليونانية في الأصل هو: (أيكة مقدسة أو شجرة مقدسة كانوا يسجدون هناك كمكان عبادة).
اقتدحوا حجارة:

وُيقصد بها قدح حجر بآخر للحصول على النار، وهو أمر لا يتعارض مع ما ورد في بداية السفر عن اشتعال الذبيحة من خلال "ماء النفطار" الذي جلبوه من الجب حيث دفنت أدوات الخدمة الهيكلية، فإن ذلك تم بعد العودة من السبي، بينما ظلت النار المقدسة مستمرة إلى أن توقّفت الخدمة في الهيكل، ومن ثمّ حصلوا على النار بهذه الطريقة(1). ولكن يجب ألاّ ُيؤخذ القول أن ذلك تم بعد سنتين على نحو حرفي، لأن المدة كانت ثلاث سنوات(1).
وقد صلّى اليهود أن يؤدبهم هو برحمته فيما بينه وبينهم متى أخطأوا من جديد، دون أن يسلمهم لأيدي أعدائهم والذين ثقلت عليهم يدهم هكذا، فلقد أذلّهم السلوقيون وأذاقوهم من المر أشرّه"... قد ضاق بي الأمر جدًا. فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان" (2صموئيل أول 24: 14).
وهكذا تم تدشين الهيكل وسط مظاهر بهجة شائقة، وكان اليوم الذي تدنّس فيه الهيكل هو الخامس والعشرين من ديسمبر (كسلو) وهو نفس اليوم الشهري الذي كان يُحتفل فيه بعيد ميلاد أنطيوخس أبيفانيوس. وهو أيضًا نفس اليوم الذي ُاحتفل فيه بتدشين الهيكل. وكان ذلك بعد موت أنطيوخس أبيفانيوس ببضعة أسابيع فقط، بينما بدأت أعمال التطهير قبل ذلك بفترة أي في حياة أنطيوخس وبينما كان في رحلته إلى الشرق. راجع التعليق على تدشين الهيكل (1مكا 4: 36-61 و 2مكا 2: 16-18).
أما عن وجه الشبه بين يوم التدشين وعيد المظال (آية 6) حيث مدة الاحتفالات ثمانية أيام، فإن تدشين الهيكل أيام سليمان وافق عيد المظال، يضاف إلى ذلك أن يوم التدشين في عهد المكابيين قد جاء بعد ثلاث سنوات قضاها العديد من اليهود في المظال والأكواخ في الجبال بلا بيوت.
المزاريق:

وهي عبارة عن غصن مصنوع من أي نوع من الأشجار، يغطي بأوراق اللبلاب والكروم وله مخروط من خشب الصنوبر عند قمته، كان ُيستخدم في احتفالات ديونيسيوس لدى اليونان، بينما كان الأريزيون Airesione وهو عبارة عن غصن من الزيتون أو الغار ملفوفًا بالصوف وتتدلّى منه ثمار الفاكهة قد استخدم في عبادة أبوللو، وأما اليهود فقد استخدموا أغصان النخيل والآس (نبات عطري) والصفصاف وفاكهة ال الهادار Hadar والتي كانوا ُيؤمرون بأخذها في عيد المظال (لاويين 23: 40) وأصبحت ُتسمّى في اليونانية ثيروسس Thyroses وإن كان الثيروس هنا مميز عن سعف النخل، ويخبرنا المؤرخ بلوتارك أن اليهود في أيام عيد المظال كانوا يأخذون الثيروس وأغصان الأشجار معًا(1).

هذا وتشير "الفريضة والاقتراع" (آية 8) إلى أن تحديد أيام عيد الحانوكاه كان على يد المحكمة اليهودية العليا المختصة بشؤون الدين، بمشاركة يهوذا المكابي. والآية تفرض على كل يهودي أن يعيد عيد الحانوكاة أي عيد التجديد.

بين انطيوخس أوباطور ووصية لسياس

9 تلك كانت ظروف وفاة أنطيوخس الملقب بإبيفانيوس. 10ولنشرع الآن في خبر أنطيوخس أوباطور بن ذاك الكافر، موجزين الشرور الملازمة للحروب. 11 لما استولى هذا على الملك، فوض تدبير الأمور إلى أحد يدعى ليسياس، وكان قائد القواد في بقاع سورية وفينيقية. 12 وأما بطليمس المُسمى بمقرون، وهو أو من أنصف اليهود مما كانوا فيه من الظلم، فقد اجتهد أن يدبر شؤونهم تدبيرًا سلميًا. 13 فلذلك سعى به أدقاء الملك إلى أوباطور وكثر كلام الناس فيه بأنه خائن لأنه تخلى عن قُبُرسَ التي كان فيلوماطور قد ولاَّه عليها، وأنه أنصرف إلى أنطيوخس إبيفانيوس ولم يشرف كرامة منصبه، فسمم نفسه وفارق الحياة.

عند هذا الحد ينتهي القسم الأول من السفر، حيث تمّ شرح الظروف والملابسات التي أوجبت الاحتفال بعيد التدشين، والذي يجب بحسب الرسالة المرسلة ليهود مصر أن يصبح الاحتفال به فرضًا على جميع اليهود سواء داخل اليهودية أو في الشتات، لاسيما يهود مصر.

وبينما يبدو في الأصحاح الخامس من سفر المكابيين الأول أن حروب يهوذا ورجاله كانت موجهة بشكل مباشر إلى الأمم الوثنية المحيطة باليهودية، فإن السفر هنا يشير إلى تحركات عدائية من المسئولين السلوقيين أنفسهم، ولا تعارض في ذلك إذ ساند هؤلاء القادة أعداء اليهود من حولهم، في حين يقوم تيموثاؤس القائد الحكومي بأعمال معادية لليهودية مباشرة (1مكا 5: 11، 34، 37).
ليسياس Lysias: بعد أن تملَّك أنطيوخس الخامس، أسماه ليسياس: أوباطور Eupator والذي يعنى "المشرّف أباه" (1مكا 6: 17) وكان صبيًا في ذلك الوقت لا يتجاوز عمره تسع سنوات وبالتالي فقد كان ليسياس هو الوصيّ عليه والملك الفعلي للبلاد، في حين كان قائدًا لإقليم البقاعولذلك فإن تعيينه (آية 11) هو تحصيل للحاصل وتصديق على الأمر الواقع إذ كان أنطيوخس أبيفانيوس قد عينه وصيًا على ابنه، وذلك قبل أن يقوم بحملته إلى الشرق سنة 165 ق.م. بل وعيّنه قائد قواد (رئيس وزراء) في النصف الغربي من الإمبراطورية السلوقية. وإن كان ذلك يُضاد ما قررّه أنطيوخس بتعيين فيلبس مكان ليسياس. ولكن الأخير اعتاد أن يأخذ بزمام المبادرة (1مكا 3: 38 إلخ.). كما قام ليسياس بحملة ضد المتمردين اليهود انتهت في أوائل عام 164 ق.م. قبل تطهير الهيكل بزمن طويل (1مكا 3: 32-36 و 4: 26-35).
بطليموس مقرون (ماكرون):

هو حاكم إقليم بقاع سورية (قول سوريا) راجع (8:8) ربما بعد تولي ليسياس زمام الأمور في البلاد إذ كان هو ذاته حاكمًا لهذا الإقليم (آية 11) وهو ما جعل البعض يتعجّب كيف يكون حاكم البلاد عامة ثم حاكم إقليم البقاع. وهو واحد من اثنين وسبعين حاكمًا عيّنهم أنطيوخس أبيفانيوس الرابع في مملكته، وبالرغم من تصوّر البعض بأنه شخص غير "بطليموس بن دوريمانس" (1مكا 3: 38 و 2مكا 8:8) ورغم أنه قد حوّل قضيّة منلاوس رئيس الكهنة الخائن من اتهامه إلى اتهام الذين رفعوا الدعوى ضده في صور أمام الملك (4: 45، 46) إلاَ أنه هو هو الشخص ذاته، غير أنه وبعد تلك الإساءة إلى اليهود عاد ليتعاطف معهم ويتكلّم عنهم بالخير لدى الحكّام السلوقيين.
ويذكّرنا بطليموس مقرون بقائد المئة الروماني والذي شفع فيه اليهود لدى السيد المسيح لكي يشفي له غلامه إذ كان خيّرًا يسعى لما فيه خيرهم".. فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد قائلين أنه مستحق أن ُيفعل له هذا لأنه يحبّ أمتنا وهو بنى لنا المجمع. فذهب يسوع معهم" (لوقا 7: 5) ونذكر أيضًا قائد المئة الذي خلّص القديس بولس من الموت مع بقية الأسرى على السفينة (أعمال 27: 34) وغيره كثيرون ممن أعطى الله اليهود نعمة في أعينهم، وهكذا يهيّيء الله في أقسى الظروف من يدافع عن كنيسته "هيأت لي مائدة تجاه مضايقى" (مزمور 23: 5).
غير أن بعض الأشرار سعى فيه ووشى به لدى الملك (في الواقع لدى ليسياس) بحجة أنه أهمل شئون "قبرس" والتي ُعيّن عليها حاكمًا من قبل أنطيوخس الرابع (لحساب بطليموس فيلوميتور ملك مصر) وأنه منحاز إلى فكر أنطيوخس أبيفانيوس "انصرف إلى أنطيوخس أبيفانيوس" (آية 13) وبوصفه كان حاكمًا لقبرس فقد ظل على إخلاصه لبطليموس السادس فيلوميتور حتى بلغ الأخير سن الرشد في النصف الثاني من عام 170 ق.م. وفيما بعد وفي عام 170 / 169 شن وزراء بطليموس هذا غير الأكفاء حربًا غير مدروسة على أنطيوخس الرابع، وقد فسّرت هذه الواقعة على أنها خيانة من بطليموس مقرون. بل لقد اُتهم أيضًا بأنه تقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال زحف يهوذا ورجاله وتحقيق الانتصارات السهلة، فيما اعتبر سياسة استرضائية منه تجاه اليهود.
ويبدو أن الأمر كان أعظم من أن يحتمله أو يسعى لتبرير موقفه، ومن ثم آثر الانتحار، فقد كانت عقوبة تهمة "الخيانة العظمة" هي الموت، وهو أمر شائع سواء الاتهامات الجزافية أو الأحكام الجائرة، وقد اختار العديد من الأشراف الانتحار على تسليم أنفسهم للقتل، بل كان الملوك كثيرًا ما ُيرسلون أوامرهم إلى أمثال هؤلاء ليقتلوا أنفسهم معتبرين في ذلك كرامة لهم، وفي العصر الروماني نقرأ كثيرًا كيف كان أولئك يحضرون طبيبهم الخاص والذي كان يقوم بقطع شريان اليد لينزف الشخص ببطء حتى يدخل في غيبوبة يلقى حتفه فيها(1).
هذا وكان بطليموس مقرون قد تحوّل إلى خدمة السلوقيين عقب احتلال أنطيوخس الرابع لقبرس سنة 166 ق.م. وقد عُثر على بعض النقوش وكذلك في تاريخ بوليبيوس على دلائل تشهد بوجود بطليموس حاكمًا لقبرس(2).
الأنتصار على الأدوميين

14 ووُلَّىَ جرجياس قيادة البلاد، فشرع يجند من الأجانب، وينتهز كل فرصة لإلقام نار الحرب على اليهود. 15 وكذلك الأدوميون الذين كانت لهم حصون في مواقع ملائمة كانوا يضايقون اليهود ويقبلون المنفيين من أورشليم، ويحرضون على الحرب. 16 فابتهل الذين مع المكابى في صلاة عامةن وتضرعوا إلى الله أن يكون لهم حليفًا، ثم هجموا على حصون الأدوميين. 17 واندفعوا عليها بشدة، فاستولوا على تلك المواقع وردوا جميع الذين كانوا يقاتلون على السور وذبحوا كل من وقع في أيديهم، وأهلكوا لا أقل من عشرين ألفًا. 18 وفر تسعة آلاف منهم إلى برجين حصينين جدًا مجهزين بكل أسباب الثبات للحصار. 19 فترك المكابى سمعان ويوسف وزكا وعددًا من أصحابه كافيًا لمحاصرتهما، وانصرف إلى أماكن أخرى كانت أمس حاجة. 20 غير أن الذين كانوا مع سمعان استغواهم حب المال، فارتشوا من بعض الذين في البرجين، وخلوا سبيلهم، بعد أن أخذوا منهم سبعين ألف درهم. 21 فلما أخبر المكابى بما حدث، جمع رؤساء الشعب وشكا ما فعلوا من بيع إخوتهم بالمال، إذ أطلقوا أعداءهم عليهم. 22 ثم قتل أولئك الخونة، واستولى من فوره على البرجين. 23 وقرنت أسلحته بكل فوز، فأهلك في البرجين ما يزيد على عشرين ألفا.



جرجياس:

يعنى تعبير "قيادة البلاد": حاكم الأقاليم، وفي بعض الأحيان كان هذا اللقب يعنى المناطق التي لا تتمتّع بالامتيازات في المملكة مثل أدومية وغيرها، ومن خلال ما ورد في (1مكا 5: 29) حيث نقرأ عن جرجياس الذي حارب اليهود وكانت له قاعدة في يمنيا، ومن خلال (2مكا 12: 32-41) والتي ورد فيها دخول اليهود إلى يمنيا (12: 40) حيث يذكر أن العدد كان جرجياس أيضًا حاكم أدوم (12: 32) وأن هذه الأحداث كلها وقعت في حكم أنطيوخس الخامس، يمكن استنتاج وجود جرجياس واحد وهو حاكم أرض أدوم والمناطق الأخرى المحيطة باليهودية.
قام جرجياس بتجنيد عدد كبير من الأجانب (المرتزقة الفلسطينيين) ومن ثم فقد صار يتحرّش باليهود، لاسيما من خلال جيرانهم الوثنيين والذين تتسم علاقاتهم بهم بالعداء، والذي أصبح سمة تميّز العلاقة بينهم. فقد استعدى جرجياس الأدوميين على اليهود، ففي المدن المحصّنة (الحصون) والتي ُوجدت في المنطقة هناك مثل مستعمرات أدومية متفرقة، مارس هؤلاء أنواعًا مختلفة من الضغط على اليهود، فقد استقطبوا المعارضين للنظام في أورشليم ولا سيّما أولئك المتشيعين بالحضارة الهيلينية، ليس ذلك حبًا بالهيلينية بل رغبة منهم في اضعاف السلطة هناك، ومن ثم أصبحوا حجر عثرة لهم.
ولقد توسّل اليهود إلى الله أن يشهد على مضايقات الأعداء وظلمهم، وتبرئة أنفسهم من دمائهم. ذلك قبل أن يباغتوهم في شجاعة وُيلحقوا بهم هزيمة قاسية ويكبّدوهم خسارة جسيمة.
وقد حقق اليهود الانتصارات الكبيرة على الأدوميين ولاحقوا أولئك الذين هربوا محتمين بالحصون حتى لايعودوا إلى مهاجمة اليهود أو مضايقة السكان اليهود الذين يحيون بينهم، ويشجّعون المرتدين من اليهود على العيش بينهم والعمل ضد بني وطنهم، ثم ولّى يهوذا بعضًا من رجاله لحراسة المحاصرين في الحصون.. انظر التعليق على (1مكا 5: 1-8). ولا شك أن سمعان المذكور هنا هو سمعان شقيق يهوذا، في حين كان يوسف وزكا (زكريا) من القادة الموثوق بهم أنظر (1مكا 5: 17-18، 55-56).
أما الأمور العاجلة التي من أجلها ترك يهوذا الساحة لأولئك القادة، فالأرجح أنها مناوشات وتهديدات طيموتاوس القائد العموني، حيث لم يكن ممكنًا ليهوذا أن يعود لأسر القلاع المحاصرة قبل دحر قوات طيموتاوس (آية 24).
في وسطك خيانة يا إسرائيل (19 23):

لم يخل الأمر مع ذلك من آثار الضعف البشرى والخيانة، ولابد أن يوجد بين الأمناء والثوّار بعض ممن يخونون القضية، ومن يسيل لعابهم أمام المال الوفير، وهو أمر شائع في مثل تلك الظروف. ولم يكن هناك الكثير من أمثلة هؤلاء حول يهوذا المكابي، ولكن ذلك أيضًا ُيظهر لنا بالمقارنة: حكمة يهوذا المكابى وشجاعته.
أما خطورة تلك الخيانة فهي احتمال أن يعود الناجون وعددهم سبعمائة شخص، من جديد لمحاربة اليهود انتقامًا منهم، راجع انتصارات يهوذا المكابي والتعليق عليها في (1مكا 5: 1-8).
رؤساء الشعب والمحاكمات:

من المحتمل أن يكون هؤلاء الرؤساء الذين حاكموا الخونة، عبارة عن مجلس عسكري أو محكمة عسكرية، كبديل لنظام مجلس الشيوخ اليهودي، وقد كوّن أتباع المكابي أجهزة حكومية قومية لهم، وقد عاد الحكام السلوقيون إلى الاعتراف بسلطة مجلس الشيوخ بحلول مارس سنة 164 ق.م. ومن الواضح أن يهوذا لم يعطِ نفسه سلطة مطلقة للحكم بالإعدام على الخونة، رغم أنه كان من سلطته ذلك، لاسيّما في الظروف القتالية الخاصة والطواريء التي عثر بها البلاد.
ومن المؤكد أن سمعان لم يشترك معهم في الخيانة، وأن كان قد ذكر اسمه ضمن الذين تولّوا مراقبة الحصون، فإن سيرته وأعماله في سفر المكابيين الأول تؤكّد عكس ذلك. كما أن ظن البعض بأن "يوسف وزكا" هو تحريف للاسم يوسف بن زكريا المذكور في (5: 56) إلاّ أنهلا مانع من وجود واقعة أخرى غير تلك التي أساء فيها يوسف بن زكريّا إلى الجيش حين اشترك في عملية خطيرة بسبب عدم طاعته، وأمّا الثمن الذي تقاضوه مقابل هذه الخيانة (70 ألف درهم) فهو يعنى أن الُمفرَج عنهم كانوا سبعمائة شخص إذا اعتبرنا أنهم تقاضوا مئة درهم عن كل واحد من الذين نجوا.
أما ن عدد القتلى المذكور هنا (عشرين ألفًا آية 23) مقابل التسعة آلاف المذكورين في (آية 18) فلا تعارض بينهما إذ أنه من المحتمل أن يكون البرجان قد اُحتلاّ من قِبل حامية عسكرية قبل التجاء الفارين إليهما، وقد ُذكر في (1مكا 5: 5) أن يهوذا قد أضرم النار في البرجين حتى مات المجتعون بهما حرقًا.
هزيمة طيماتاوس والأستيلاء على جازر




24 ثم إن طيموتاوس الذي كان اليهود قد هزموه من قبل حشد جيشًا عظيمًا من الغرباء وجمع من أفراس آسية عددًا غير قليل، وزحف كمن يريد الاستيلاء على اليهودية بالسلاح. 25 فلما اقترب، توجه رجال المكابى إلى الابتهال إلى الله، وقد حثوا التراب على رؤوسهم وشدوا أوساطهم بالمسوح. 26 وجثوا عند قاعدة املذبح وابتهلوا إلى الله أن يكون معهم ومعاديًا لأعدائهم ومضايقًا لمضايقيهم، كما ورد صراحة في الشريعة. 27 ولما فرغوا من الصلاة، أخذوا السلاح وتقدموا حتى صاروا عن المدينة بمسافة بعيدة، ولما قاربوا العدو وقفوا. 28 وعند انتشار نور الشمس في طلوعها، تلاحم الفريقان، هؤلاء متوكلون على الرب كفيلًا بالفوز والنصر وعلى بسالتهم، وأولئك متخذون اندفاعهم قائدًا في الحروب. 29 فلما اشتد القتال، تراءى للأعداء من السماء خمسة رجال رائعى المنظر، على خيل لها لجم من ذهب، وتقدموا اليهود، 30 وأحاطوا بالمكابى يحمونه بأسلحتهم ويقيانه الجراح. وكانوا يرمون الأعداء بالسهام والصواعق، حتى عميت أبصارهم وجعلوا يتفرقون لشدة اضطرابهم. 31 فذبح عشرون ألفًا وخمس مئة ومن الفرسان ست مئة. 32 وأما طيموتاوس فقد هرب إلى الحصن الذي يقال له جازر، وهو حصن منيع، وكان تحت إمرة خيراوس. 33 فتحمس رجال المكابى مسرورين وحاصروا المعقل أربعة أيام، 34وإن الذين في داخله، لثقتهم بمناعة المكان، تمادوا في التجديف وأفحشوا في الكلام. 35فلما طلع صباح اليوم الخامس، هجم عشرون فتى من رجال المكابى على السور، وهم متقدون غيظًا من التجاديف، وجعلوا يذبحون ببسالة رجولية وتنمر كل من عرض لهم. 36 وكذلك تسلق آخرون من خلف إلى الذين في الداخل، وأشعلوا البرين وأحرقوا أولئك المجدفين أحياء في المحارق. وكسر آخرون الأبواب وفتحوا ممرًا لبقية الجيش واستولوا على المدينة. 37 وكان طيموتاوس مختفيًا في جب، فذبحوه هو وخيراوس أخاه وأبلوفانيس. 38 وبعد ذلك، باركوا الرب بالأناشيد والتسابيح على إحسانه العظيم إلى إسرائيل ونصره إياهم.


بعد أن ذاق طيموتاوس مرارة الهزيمة على أيدي المكابيين، ولكنه استطاع الهروب ليعيد الكرّة من جديد وبصحبته جيش جرار معضد بعدد ضخم من الخيول جلبها من آسية(1). وقد آثار ذلك مخاوف اليهود، ليس الخوف من الدخول في المعركة فحسب بل استيلاء السلوقيين من جديد على اليهودية، وما قد يتبع ذلك من الإساءة إلى الهيكل والمقدسات من جديد.
وهكذا نجدهم يلجأون إلى الله بالصلاة مما يؤكد استمرار الدافع الديني خلف جميع الأعمال العسكرية الدفاعية، ولقد اعتاد اليهود أن يتوجّهوا بالصلاة إلى الله طالبين مراحمه كأول خط دفاع لهم (8: 2-4، 14-15 و 10: 16، 25 - 26) ولعلها أكثر مراحل جهاد اليهود تشبّعًا بالصلاة والإصرار على أن يكون الله شريكًا أساسيًا في قراراتهم، وهم هنا يذكّرونه بوعده:".. ولكن إن سمعت لصوته وفعلت كل ما أتكلم به أعادي أعداءك وأضايق مضايقيك. فإن ملاكى يسير أمامك.." (خروج 23: 22).
وكان لدى اليهود في ذلك الوقت أربعة نبوات يتوقعون تحقيقها، وهى:

(1) أشعياء (30: 15-36): حيث يُعاتَب إسرائيل لاعتماده على القوة البشرية والخيل دون الاعتماد على الله، فيسمح الله لخمسة من الأعداء بإجبار شعبه على الفرار، ويطالب إسرائيل بطلب الرحمة من الله وطرح الأصنام، وحينئذ تأتى بركته ويأتي الله بغضب ليقضي على أعداء إسرائيل.
(2) زكريا (9: 9-16): حيث يجب على إسرائيل وقادته أن يتواضعوا ولا يكن لهم مركبات ولا فرسان ولا رماة، كما أن "دم العهد" والذي ُيفسّر ببساطة على أنه " دم الشهداء" ُيطلق الأسرى، كما ذكر اسم العدو في تلك النبوة على أنه لاوان أي اليونان (الإمبراطورية السلوقية) وسوف يظهر الرب من فوقهم ب "سهام مثل البرق" ويحميهم.
(3) يوئيل (2: 11-3: 21): ويذكر فيه أنه عندما يرجع اليهود المضطهَدون إلى الله بتوبة وصلاة سيمدّهم بالطعام ويبعد عدو الشمال (أنطيوخس الرابع) عنهم ليهلك بنتن بين البحرين، وُيهلك الأمم التي سارت ضد يهوذا وأورشليم.
(4) دانيال (11: 45 - 12: 1): حيث تنبأ أنه بعد موت ملك الشمال سيأتي زمان من المتاعب غير المسبوقة يخفّ خلاله الُمدافع الملائكي العظيم ميخائيل لنجدة إسرائيل، ويجتاز اليهود الأتقياء المخاطر.
وفي صلاة الحجاب التي يصليها رئيس الكهنة في يوم الكفارة، يَرِدْ: (.. نسألك "يا يهوه" ألاّ يأتي أي سبي علينا، سواء في هذا اليوم أو خلال هذه السنة، وحتى إذا ُاسرنا في هذا اليوم أو هذه السنة فياليته أن يكون إلى مكان تطبق فيه الشريعة) (1). هكذا كان العمل بالشريعة هو على رأس قائمة الأولويات في فكرهم وجهادهم. وهكذا يليق بكل إنسان أن يكون اهتمامه الأول ما يفيد خلاصه، بغض النظر عن المكان والعائد المالي أو الكرامة الشخصية فإن خلاص النفس هو أثمن الأهداف وأولها.

رؤيا لتعزيتهم:


شاع في القديم بين الوثنيين أن لليهود إله قوى يدافع عنهم وصفوه بأنه "إله السماء"، وقد كانو محقّين في ذلك، حيث وعد الله شعبه بأنهم حتى استقاموا بقلوبهم وطلبوه بثقة فهو يؤازرهم ولن يدع أمة ما تتسلط عليهم مهما كانت قوتها، بل "من طريق واحد يخرجون عليك وإلى سبع طرق يتفرقون أمامك" والعكس أيضًا صحيح في حالة مخالفتهم لقول الرب.
فى مقابل ذلك كان الأدوميين متكلين على ذراعهم البشرى وعددهم الحربية، في حين رأى المكابيون كفايتهم في الله (آية 29).
أما عن هذه الرؤيا فهي واحدة من أربع ُرؤى تُذكر في سفر المكابيين الثاني هذا، حيث كانت الأولى قد حدثت عند محاولة هليودورس الاستيلاء على أموال الهيكل (3: 24-26) بينما حدثت الثالثة عندما كان المكابيون يستعدون لهجوم نكانور، حين ظهر إرميا النبي ومعه أونيا الكاهن ليهوذا مشجعين إياه (15: 12-16) وأما الرابعة فكانت عند حصار ليسياس لبيت صور (11: 8). وفى هذه الرؤيا التي نحن بصددها أوقع المنظر الرعب في قلوب الأعداء، قدر ما أشاع الطمأنينة في قلوب المكابيين حيث كانوا في أمس الحاجة إلى تعزية مثل هذه، وقد حارب الرب عنهم من خلال أولئك الفرسان والذين كانوا يعادلون جيشًا جرارًا، وفي هذا يكمل قول الرب أن واحدًا يطرد ألفًا، متى اتكلوا هم عليه كما رأى اليهود أن في هذه الرؤيا تحقيق لما ورد في:(اشعياء 31: 5).
أفراس آسية (آية 24):

آسية بمعناها المحدود هي آسية الصغرى والتي ضاعت من الإمبراطورية السلوقية منذ عام 188 ولم تكن هناك خيول حربية في تلك الفترة تخدم في جيش طيموتاوس في سنة 164 أو 163 ق.م. أما آسية بالمعنى الواسع فكانت الإمبراطورية السلوقية، وبالتالي فربما كان المقصود هو أفراس من سلالة آسية، وفي الأزمنة القديمة كانت هناك سلالة مشهورة جدًا من خيول الحرب عرف باسم سلالة نيصاية Nisaia أو "السلالة النيصانية" نسبة إلى موطنها وهو السهل النيصاني في ميديا، وكان راكبوها من تلك المنطقة ُيعرفون باسم الفرسان النيصانيين، وبالتالي يمكن أن ُتعرّف أفراس (خيول) آسية على أنها الخيول التي كان يحتفظ بها الملوك السلوقيين(1).
والسؤال الهام: كيف أمكن لطيموتاوس أن يجمع مثل تلك الخيول النادرة، والعدد الكبير من الجنود المرتزقة والفرسان الذين يشكّلون أهم صفوف الجيوش، لعلّ الأسر الحاكمة في فيلادلفيا (الأردن) كانت من الثراء والنفوذ بحيث أمكنها تحقيق ذلك، وربما يكون الجنود المرتزقة والفرسان النيصانيين قد أجروا أنفسهم لمن يدفع أكثر، وذلك خلال الاضطرابات التي أعقبت موت أنطيوخس أبيفانيوس.
المواجهة: ثمّ حدثت المواجهة وكانت حصيلة القتلى من الفرسان والجنود وكذلك الجرحى، تعد كبيرة جدًا، فلما حمي وطيس القتال وتكبّد الأدوميين هذه الخسائر الفادحة، هرب طيموتاوس نفسه إلى حصن جازر (13: 43) رغم الرأي القائل بأن الاستيلاء على هذا الحصن قد تم على عهد سمعان المكابي شقيق يهوذا وآخر المكابيين الخمسة، فإن المرجح أن يكون الحصن قد تماسك من جديد وسكنه الوثنيون مع مرور الوقت، حتى جاء سمعان ليحاصره وُيسقطه بعد توسّل سكّانه إليه طالبين الأمان، ثم طهّره من كل ما هو وثني ليجعله من ثمّ مقرًا للمكابيين (1مكا 13: 49-53).
حصن جازر: كتبت جازر بأكثر من طريقة مثل جازارا (جازاره) مثلما وردت في (ملوك ثان 5: 25) ويمكن أن ُتقرأ يازر Iazer مثل جازر Gazer مثلما وردت في (أخبار الأيام الأول 6: 66). وكانت جازر تقع غرب ربات عمون Rabbath-ammon (فيلادلفيا) وهي عمان الآن، وإن لم يكن قد تم تحديد موقعها بالضبط، ولكنه من المحتمل أن تكون خربة جازر. ويشير يوسيفوس في تاريخه إلى أن جازر قد ُاحرقت.
خيراوس Chaereas كيراوس: ربما جاء الاسم من كيريوس ومعناها "سيد أو رب" وهو شقيق طيموتاوس العموني المذكور هنا (آية 37) فلما ُهزمت الجيوش هرب مع أخيه وبرفقتهم ثالث هو أبلوفانيس (معناه: "قوة أبوللو أو ظهور أبوللو").
وهنا تشجّع رجال المكابي فحاصروا الحصن لمدة أربعة أيام، كان الأدوميون خلالها وبسبب ثقتهم الزائدة في قوة الحصن يجدّفون على إله إسرائيل ويشبعون الجنود إهانات، مما دفع بالمكابيين إلى المبادرة باقتحام الحصن من الخلف ليمهّدوا سبيلًا للدخول، في حين اشتبك آخرون مع الذين على الأسوار، وقد أحرق المهاجمين برجين عملاقين للحصن كان يستخدما لأغراض هجومية ودفاعية معًا، وبذلك ارتفع عدد القتلى جدًا. ويجب ألاّ ننظر إلى الرقم باعتباره مبالغ فيه، فإن طيموتاوس بجيشه العملاق قد احتمى داخل هذا الحصن وبرجيه. وتبقّى بعد ذلك أن يعاقب اليهود القادة الثلاثة المختبئين داخل الجب أسفل الحصن حيث قاموا بذبحهم. وعند ذلك قاموا بخدمة التسبيح لله الذي ينسب إليه هذا النصر أولًا.
هذا ويتنبأ أشعياء النبي أنه بعد الهجوم الناري على الوثنيين (30: 27، 28) فرحٌ للرب على جبل الهيكل.

(1) تعتبر الآية الأولى تكملة ل (2 مكا 8: 30 - 33) عن موضوع تطهير الهيكل وتحديد عيد التجديد.

(1) قدح حجارة: أخرجوا نارا من حك حجرين بعضهما البعض، واعتبروها نارا مقدسة وليست غريبة (لاويين 10: 1...إلخ) وعملوا كآدم إذ جهّز له الله حجران ملتهبان ليحكّهما أحدهما بالاخر ويخرج النار (التلمود - باب بساحيم (الفصح) في مشنا 2:54): ] أحضر له الله تبارك اسمه حجران ليحكهما بعضهما البعض فخرج النور [ وأيضا راجع (بريشيت ربا 11 - وهو أكبر كتاب تفسيري أبائي يهودي للتكوين).

(1) السنتان هنا بدءا من بداية أعمال يهوذا المكابي وليس من بداية تدنيس الهيكل. وطبقا ل (1مكا 54:1 و 54، 52:4) ويوسيفوس في "الآثار اليهودية" أنه عبرت ثلاث سنين، وطبقا ل (دانيال 27:9) ويوسيفوس في الحروب اليهودية" (كتاب 1 فصل 1 فقرة 1): أنه عبرت ثلاث سنين ونصف.

(1) جاءت في اليونانية: (qursouV = بغصون من شجر اللبلاب أو من الجفنة مغطاة باللبلاب) التي كانت شعار الإله ديونيسيوس في كأس. و(kai kladouV wraiouV = بأغصان جميلة، بأغصان مزخرفة). كما جاءت الكلمة "سعوف نخيل" في اليونانية (foinikaV)، وهذا يطابق ما جاء في: (1مكا 5:13، Baiwn = سعف). والكلمة العبرية هَدَر Hadar المشار إليها هنا يقصد بها "التعلق بفاكهة الموسم" وتعني أيضا: جلال، مجد، جمال، زخرفة..) فالمعنى في اللغتين واحد. ويرى يوسيفوس وغيره أنه يقصد بها "الموالح".ومما لا شك فيه أنهم اقتبسوا ما جاء في (لاويين 23: 40).

(1) أشهر من قتل نفسه بشرب السم في التاريخ اليوناني سقراط بعد محاكمته في القرن الخامس قبل الميلاد، و شيشرون معلم نيرون قيصر.

(2) هذا وقد ذكر بوليبيوس خدمة بطليموس مقرون هذه وتَركِه لقبرص (بولوبيوس الجزء 18 فصل 55:6 و 27: 13).

(1) وآسيا هنا لا تعني قارة آسيا بالضرورة، بل تعني سلوقية أو أنطاكية حيث التاج والعرش السلوقى، والذي كان ُيسمى أيضًا "عرش آسيا".

(1) راجع كتاب الهيكل للمؤلف / فصل 16.

(1) Jonathan A. Goldsten, II Macc.

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:18 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 11 - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملة ليسياس ومعاهدات الصلح


لا شك أن انتصارات اليهود الُمبهرة قد أثارت حفيظة الحكام في أنطاكية، فقد خشوا من تفاقم أمر اليهود وانتقال الثورة والتمرد إلى المدن الأخرى، ومن ثمّ قرروا القيام بعمل عسكري ضخم لردع اليهود. غير أن الحملة فشلت إذ لحق بالسلوقيين هزيمة منكرة، مما حدا بهم إلى تعديل استراتيجيتهم إلى التفاهم والتصالح وانتهاج الدبلوماسية أسلوبًا في التعامل مع المكابيين.
حملة ليسياس

1 وبعد ذلك بزمان قليل جدًا، إذ كانت الأحداث قد شقت كثيرًا على ليسياس، وصى الملك وذى قرابته والمقلد تدبير الأمور، 2 جمع نحو ثمانين ألف رجل وفرسانه كلهم، وزحف على اليهود، وفي نيته أن يجعل المدينة مسكنًا لليونانيين، 3ويُخضع الهيكل للضريبة كسائر معابد الأمم، ويعرض الكهنوت الأعظم للبيع سنة فسنة، 4 غير حاسب حسابًا لقدرة الله، بل منتشيًا من ربوات مُشاته وألوف فرسانه وأفياله الثمانين. 5 فدخل اليهودية وبلغ إلى بيت صور، وهي مكان محصن على نحو خمس غلوات من أورشليم، وضيق عليها الخناق. 6 فلما علم أصحاب المكابى أن ليسياس يحاصر الحصون، ابتهلوا إلى الرب مع الجموع بالنحيب والدموع أن يرسل ملاكًا صالحًا ليخلص إسرائيل. 7 ثم أخذ المكابي سلاحه أولًا وحرّض الآخرين على المخاطرة معه لنجدة إخوتهم. فاندفعوا كلهم معًا متحمّسين. 8 وكانوا لا يزالون عند أورشليم، إذ تراءى فارس عليه لِباسُ أبيض يتقدمهم، وهو يلوح بسلاح من ذهب. 9 فجعلوا بأجمعهم يباركون الله الرحيم وتشجعوا في قلوبهم، حتى كانوا مستعدين لأن يطعنوا، لا الناس فقط، بل أضرى الوحوش أيضًا، ويخترقوا أسوار الحديد. 10وأخذوا يتقدمون مصطفين للقتال، وقد أتاهم حليف من السماء برحمة الرب. 11 وحملوا على الأعداء حملة الأسود وصرعوا منهم أحد عشر ألفًا ومن الفرسان ألفًا وست مئة، وألجأوا سائرهم إلى الفرار. 12وكان أكثر الذين نجوا بأنفسهم جرحى وبلا سلاح. وليسياس نفسه نجا بفرار مخجل.

هذه الحملة وما تبعها من معاهدات وقعت عقب (8: 36) أي بعد الأصحاح الثامن وقبل موت أنطيوخس أبيفانيوس، ولعل هذا هو المقصود في (الآية1 "وبعد ذلك بزمان قليل") وقد نجد هناك ما يوحى بالخلط بين أنطيوخس الرابع أبيفانيوس وأنطيوخس الخامس أوباطور بسبب وقوع بعض الحملات والأحداث أثناء الفترة الأخيرة من حياة أنطيوخس الرابع والتى قضاها خارج عاصمة ملكه، والفترة التي كان فيها أنطيوخس الخامس ما يزال طفلًا تنقّل تحت الوصاية ما بين فيلبس وليسياس، ولذلك فبعض القرارات تنسب إلى الشخصية الأولى وبعضها إلى الثانية وبعضها إلى الثالثة. والذي يعنينا هنا هو أن الأحداث وقعت بالفعل، وقد كانت الأخبار تصل ببطء، وتتلاحق مما ينتج عنه الكثير من الخلط والكثير من المشاكل الإدارية والسياسية، كما يؤخذ جيدًا في الاعتبار أنه كثيرًا ما يستخدم المؤرخ تقويمًا غير الذي يتخذه الآخر(1).
وصى الملك وذى قرابته والمقلد تدبير الأمور (آية 2):

جاءت الكلمة " قريبه " في اليونانية (suggenhV) بمعنى نسيب، وهذا يطابق ما ورد في (1مكا 10: 89) و"الموكل على الأمور" جاءت في اليونانية (o epi twn praymatwn) وهو يطابق أيضًا ما جاء في (2مكا 7:3) " هليودوروس قيّم المصالح".
كان على ليسياس في الفترة التالية لوفاة أنطيوخس أبيفانيوس، أن يقوّى نفوذه في أنطاكية (10: 11-13) وحتى بعد التخلص من منافسيه، لم يكن من السهل عليه أن يترك العاصمة إلاّ لأسباب قهرية، وكانت انتصارات المكابيين ُمقلقة ل ليسياس وهو رئيس وزراء نظام لا يتمتع بالأمن التام. ولكن حملته تنتهي على نحو مفاجئ عندما يتصدى لها اليهود بمساندة الظهور الإلهي، وينهى ليسياس العداوات بشكل رسمي طبقًا لما ورد في (1مكا 3: 38- 4: 35) وكان غزو ليسياس هو أولى الحملات السلوقية ضد اليهود بعد حملة نيكانور وجرجياس(1) بل كانت رد فعل لما وقع على هذين القائدين (1مكا 4: 1-28) إذ فوجئ بما حدث (10: 16-38).
ونعود الآن إلى حملة ليسياس والتي كان الغرض الرئسيى منها هو: محو الهويّة الدينية لليهود في أورشليم وذلك من خلال تحويلها بشكل رسمي إلى مدينة يونانية (آية2) وهو الهدف الذي طالما سعى أنطيوخس الرابع لتحقيقه ولم يفلح، وأما عن الضريبة التي ينوي ليسياس وضعها على الهيكل فلم تكن عادة راسخة، بل خضعت لطبيعة العلاقة بين اليهود والحكام الأجانب الخاضعين لهم، حيث تأرجحت ما بين كرم الملوك وانفاقهم على الهيكل والذبائح، وبين فرض الضرائب الباهظة على الموضع وعلى رئيس الكهنة، وهو المنصب الذي كان يخضع للعرض والطلب: ففي كل عام كان هناك فرصة للمزايدة على رئاسة الكهنوت حيث يُؤهب لمن يدفع أكثر (4: 24).
هذا وكان ليسياس قد حشد جيشًا عظيمًا من الفرسان والمشاة والأفيال الحربية، وما أن وصل إلى "بيت صور" وهي مدينة حصينة (1مكا 4: 29) حتى قام بحصارها والتضييق على اليهود الساكنين داخلها، ومن ثمّ راح اليهود يبتهلون إلى الرب علّه يزيح عنهم هذا الكابوس المزعج.
بيت صور Beth-zur: هنا ملاحظة تاريخية دقيقة، وهي مرور ليسياس على بيت صور، لم تذكر في المكابيين الأول (4: 29) حيث تقع على مسافة 28 كم جنوب أورشليم على الطريق المؤدى إلى الخليل، وإن كانت على مسافة 14 كم فقط على خط مستقيم (أقصر الطرق)(1).
أهداف ليسياس من الحملة:

1- جعل المدينة مسكنًا لليونانيين: كان مستوطنون غرباء قد فُرضوا على أورشليم بالفعل (1مكا 1: 38) ولكنه يود تحويلها إلى مستعمرة يونانية.
2- إخضاع الهيكل للضريبة مثل سائر المعابد: كان الهيكل في ذلك الوقت يعانى من أزمة مالية، عقب حوادث السلب والنهب والتي كانت أسوأ من دفع الضرائب بكثير (4: 32، 39 و 5: 15-21) كما كان منلاوس قد اشترى رئاسة الكهنوت (4: 24) وكان مستبعدًا من مزاولة عمله، وإن لم يكن ما يزال شاغلًا لمنصبه.وكان اليونانيين وجامعى الضرائب قد ُمنعوا مؤقتًا من دخول أورشليم.
ملاك صالح: مرة أخرى يرسل الله عضدًا من السماء وعونًا من عليائه، وهوذا يظهر من جديد فارس بثياب بيض (سمائى) فعندما تعيي البشر الحيلة فإن الله يتدخل بقوة، فقد كان هذا الفارس كنائب عن الله يحمل بشرى العون والغلبة. هكذا كان وعد الله لشعبه منذ أخرجهم من مصر يتعهدهم من خلال خدامه "ها أنا مرسل ملاكًا أمام وجهك ليحفظك في الطريق ويجئ بك إلى المكان الذي أعددته" (خروج 23: 20).
هذا وقد أكسبتهم هذه الرؤيا ثقة كبيرة بأنفسهم وشجاعة عظيمة، إذ أدركوا أن الرب لن يتخلى عنهم فى تلك المجابهة فهوذا حليفه يتقدّمهم (آية 10). وتعد هذه الرؤيا هي الرابعة التي ُتذكر في هذا السفر خلال كفاح المكابيين(1)، وهكذا استطاع اليهود مواجهة هذا الجيش الجرار ُملحقين به هزيمة مخزية، حيث يبدو ذلك منعدد القتلى والجرحى وهروب ليسياس نفسه.
وهكذا صرح عدد كبير من الأعداء، ومن كان سيصبح جامع جزية لاذ بالفرار إذا أصبح فرسانه بلا جدوى، وقد رأى اليهود في ذلك تحقيقًا لنبوات: (زكريا 9: 15 و 10: 4-5 و أشعياء 31: 8-9).
وهكذا استطاع اليهود مواجهة هذا الجيش الجرار ُملحقين به هزيمة مخزية، حيث يبدو ذلك منعدد القتلى والجرحى وهروب ليسياس نفسه.
وهكذا صرح عدد كبير من الأعداء، ومن كان سيصبح جامع جزية لاذ بالفرار إذا أصبح فرسانه بلا جدوى، وقد رأى اليهود في ذلك تحقيقًا لنبوات: (زكريا 9: 15 و 10: 4-5 و أشعياء 31: 8-9).
التصالح مع اليهود

13 ولم يكن ليسياس عديم الفطنة، فأخذ يفكر فيما أصابه من الهزيمة، وأدرك أن العبرانيين قوم لا يقهرون، لأن الله القدير يناصرهم، فأوقد 14 يعرض عليهم المصالحة في كل ما هو حق، ويعدهم بأن يرغم الملك على مصادفتهم. 15 فرضى المكابى بكل ما اقترح ليسياس، ابتغاء للمصلحة العامة. وكل ما أبلغه المكابى إلى ليسياس بالكتابة في أمر اليهود، أجابه الملك إليه.

سواء أكان قرار التصالح مع اليهود قد جاء قسرًا أو حكمة، فقد أدت بعض الاضطرابات في عاصمة المملكة بأنطاكية إلى تغيير خطة ليسياس، وللرب طرق عديدة في تحقيق مشيئته، فقد بلغت ليسياس الأخبار باستيلاء فيلبس على العرش، ومن ثمّ فقد تحوّل بفكره وقواته عن اليهودية إلى أنطاكية، ويذكرّنا ذلك بما حدث مع أنطيوخس أبيفانيوس حين أزعجته أخبار من الشرق ومن الشمال "وتفزعه أخبار من الشرق ومن الشمال فيخرج بغضب عظيم ليخرب ويحرم كثيرين" (دانيال 11: 44) راجع أيضًا (إشعياء 28: 19).
هذا وقد كان من السهل على ليسياس استصدار القرارات الخاصة بالمصالحة مع اليهود من الملك، إذ كان الأخير ما يزال صبيًا في ذلك الوقت وليسياس نفسه سيصبح الوصيّ عليه، أما اليهود أنفسهم فقد قبلوا العرض، فإذا كان ليسياس قد ُحسب حكيمًا في نظرهم (ليس عديم الفطنة /آية 13) فإن اليهود في المقابل كانوا حكماءً بقبولهم العرض السلوقي، مما يؤكد أن ميولهم حتى ذلك الوقت ليست عدوانية كما لم تكن لهم سياسات توسعية بل دفاعية، وأن كانوا قد انحرفوا عن هذا النهج لاحقًا بالسعي إلى مزيد من السلطة والأراضي.
(1) رسالة ليسياس إلى اليهود

16 وهذه فَحْوى الرسالة التي كتب بها ليسياس إلى اليهود: "من ليسياس إلى شعب اليهود سلام. 17 قد سلم يوحنا وأبشالوم الموفدان من قبلكم الوثيقة المنسوخة أدناه، وسألانا أن نبرم ما تتضمنه. 18 فشرحت للملك ما ينبغي أن يرفع إليه، ووافقت على ما هو في إمكانى. 19 وإن بقيتم على ولائكم للدولة، فإني أبذل جهدى فيما بعد لأن أتوخى ما فيه خيركم. 20 وأما تفصيل الأمور، فقد أوصينا الموفدين ومن أرسلنا من قبلنا بأن يفاوضوكم فيه. 21 والسلام. في السنة المئة والثامنة والأربعين، في الرابع
من شهر ديوسقورس".



كتب ليسيّاس إلى يهوذا المكابى يعرض عليه اتفاقية الصلح (أوبمعنى أدق الهدنة، إذ لم تنته الحرب عند هذا الحد) ومن ثمّ فقد كتب يهوذا بدوره إلى ليسياس يبلغه بمطالب بلاده، هذا وقد ُاشير إلى مضون هذه الرسالة في (1مكا 6: 58، 59) وقد عقد اجتماعه هذا في الرابع والعشرون من شهر كسنتكس.وإن كان ليسياس قد نقض هذا الاتفاق لاحقًا.

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...attathia-1.jpg
يوحنا وأبشالوم: ربما كان يوحنا هو: يوحنا المكابى، الابن البكر لمتتيا الكاهن، كما يذكر اسم يوحنا في عائلة من السفراء اليهود (2مكا 4: 11 و 1مكا 8: 17). بينما أبشالوم هو شخصية دبلوماسية مرموقة، وقد أصبح لابنيه متتيا (متتيا بن أبشالوم 1مكا 11: 7) ويوناثان (يوناثان بن أبشالوم 1مكا 13: 11) مراكزًا قيادية عسكرية هامة.
ولم يكن اسم أبشالوم شائعًا كما هو الحال مع اسم يوحنا ربما بسبب ارتباط الاسم بما حدث بين داود وابنه أبشالوم؛ وفي التعليق على سفر حبقوق كما ورد في مخطوطات قمران يدين الكاتب "بيت أبشالوم" بسبب عدم سماعهم لتبكيت "معلم البر" ضد "رجل الكذب" مما يعنى أنهما أي الضابطان المنتميان إلى بيت أبشالوم، من اليهود الأتقياء وأن اسرتهما كانت تقية ذات نفوذ، تعاونت مع الحشمونيين.
هذا وبينما احتوت وثيقة المعاهدة على الخطوط العريضة للاتفاقية، فقد ُتركت التفاصيل الأقل أهمية للوفدين السلوقى واليهودي، مثلما يعبّر عنها الآن ب "لقاء القمة" بالنسبة للرؤساء وتفاهمات وزراء الخارجية والوفود الدبلوماسية. ويظهر من الوثيقة كيف كان ليسياس صادقًا وموضوعيًا، إذ يَعِد بما في إمكانه بينما يترك الباقي مرتبطًا بمدى التزام اليهود وولاءهم.
كان اليهود قد قدموا التماسًا إلى ليسياس يتضمن طلباتهم وذلك قبل عدة شهور من ذلك التاريخ، وكان الإجراء المتبع في مثل هذه الحالة هو التعليق على الالتماس أسفله (في هذه الحالة أعلاه آية 17) فأعاد إليهم نسخة منها وفي أعلاها وضع تعليقاته، ومن الوثائق البطلمية نفهم أن الناتج عن الالتماس ثم التعليق عليه كان يسمى Chrinatismos، وكان على ليسياس إقناع الوزراء الأقوياء الآخرين بتعديلاته (بدلًا من الملك الصغير السن آنئذ) يضاف إلى ذلك تفاصيلا أخرى شفاهية من خلال الموفدين.
ملاحظة حول تاريخ الوثيقة:

من المحتمل أن تكون هذه الوثيقة قد صدرت عقب وصول نبأ وفاة أنطيوخس الرابع وأما شهر ديسقورس الذي ُكتبت فيه فقد جاءت الكلمة "ديسقورس" في الأصل العبري "ديوس كورنثي" بدون كلمة شهر، وتجيء الكلمة في كل النسخ والمخطوطات باليونانية هكذا (Dioscorinqiou) ولا يوجد شهر بهذا الإسم، ولكن الكلمة عبارة عن كلمتين، حسبما يقرّ بهذا جميع خبراء اللغة: (corinqiou) و (DioV) وقد وردت هكذا في المخطوطة اللاتينية B: "iovis corinthii " ووردت في بقية المخطوطات اللاتينية "Dioskori " وهو الشهر الثالث للكريتيين (نسبة إلى كريت) فهو اسم بديل للإسم اليوناني "ديوس قورنتى" Dios Corinthius (1) وكان يأتي في بداية الخريف. وبالتالي فقد ُابرمت الرسالة في خريف سنة 164ق.م.


https://st-takla.org/Pix/People-Celeb...62-Coin-01.jpg
رسالة من أنطيوخس الخامس إلى ليسياس

22 وهذه صورة رسالة الملك: "من الملك أنطيوخس إلى أخيه ليسياس سلام. 23 منذ أن انتقل والدُنا إلى الآلهة، لم يزل همنا أن يكون أهل مملكتنا في مأمن من الاضطراب ومنصرفين إلى شؤونهم. 24 وبلغنا أيضًا أن اليهود غير راضين بما أمرهم والدنا من التحول إلى سنن اليونانيين، بل أنهم يفضلون مذهبهم الخاص ويسألون أن يباح لهم العمل بسننهم، 25 ونحن نريد لهذا الشعب أن يكون كغيره خاليًا من الاضطراب. فإننا نحكم بأن يرد لهم الهيكل وأن يعيشوا بحسب عادات آبائهم. 26 فإنك تحسن عملًا إن أرسلت إليهم ومددت يمناك إليهم، حتى إذا علموا بما عزمنا عليه اطمأنوا وانصرفوا بسرور إلى شؤونهم".


أخيه: جاءت في العبرية " للأخ "، وهي صفة تطلق لحبيب الملك ومن أخلص له، وهو الشخص الذي أراد الملك قربه، ونعلم أن ملك سوريا السلوقي أعطى يوناثان الحشموني هذه الصفة (1مكا 10: 18).
انتقل والدُنا إلى الآلهة: جاءت في العبرية (نِفطَر أبينو إِل بين ها إلوهيم) بمعنى (غادر أبينا إلى الآلهة). وجاءت في اليونانية (eiV qeouV = إلى الآلهة) ولم يقل (proV qeouV = عند الآلهة). والفارق خطير بين الاثنين هذا لأن أبيفانيوس كان يعتبر نفسه (qeoV = إله) وفي موته عبر ليسكن بين بقية الآلهة أصدقائه إذ هو ليس بشر يستودع لدى الآلهة عند موته .!!
كانت عادة الملوك قديمًا إذا ما اتّخذوا قرارًا بشأن جماعة من رعاياهم، أن يحرّروا خطابًا إلى أحد المسئولين ُيصدروا إليه فيه تعليماتهم، بجعل القرار موضع التنفيذ، وكذلك يكلفونه بإرسال نسخة من القرار إلى تلك الجماعة.
يتدارك الملك هنا بمعاونة مستشاريه الخطأ الجسيم الذي ارتكبه أبوه أنطيوخس الرابع، من حيث اكراه اليهود على اعتناق الحضارة الهيلينية، ومن ثم فهو يعلن عن عهد حكم جديد باستراتيجية جديدة، يمنح اليهود بموجبها الحريات، كما يسعى إلى نشر الوفاق والسلام فيما بين رعاياه. وهي عادة مألوفة لدى الحكام الجدد حال توليهم الحكم، من إعلان سياسات جديدة وتصحيح بعض الأوضاع، وقد تبنّى أنطيوخس الصغير هنا نبرة ودّ تجاه اليهود ولكن الملك في الواقع هنا يقرر ما يعدّ تحصيل حاصل، إذ كان اليهود قد قاموا بشكل منفصل بتطهير الهيكل وإعادة تدشينه، وبالتالي فالرسالة تأكيد وتوثيق لهذا الحق.
أمّا عن تاريخ ذلك الخطاب فهو أواخر سنة 164 أو أوائل سنة 163 ق.م. فإذا اعتبرنا نبوة دانيال (8: 14) تشير إلى هذا الحدث، فقد أعلن دانيال أن القدس سوف يتبرّأ بعد 2300 صباح ومساء (أي 1150 يومًا) من التدنيس الذي حدث في يوم 25 كسلو، وبذلك يكون الخطاب قد ُحرّر يوم: 8 فبراير سنة 163 ق.م.، وهكذا جاءت التبرئة التي تحدث عنها الرائي من خلال خبر موت المضطهِد، ثم رفض سياساته على لسان ابنه شخصيًا. وربما كان إعلان فحوى هذه الرسالة هو التأكيد الرسمي الأول في أورشليم لموت الملك الوالد.
هذا وتحتوى (الآيتان 24، 25) على الأسباب الحقيقية لتمرُّد اليهود واندلاع الثورة المكابية في عهد كل من أنطيوخس أبيفانيوس وابنه. فقد أمرهم الأول بالتحوّل إلى سنن اليونانيين، بينما سار أنه في ذات المضمار. هذا وقد شمل القرار هنا منح اليهود حق الاحتفاظ بالهيكل والذي كان بحوزتهم بالفعل من عام 167 ق.م. وما هذا إلاّ تصديق على ذلك. وهكذا حوّل الله قلوب الأعداء إلى خير اليهود، مثلما حدث مع "كورش" الملك الفارسى والذي ردّ الأواني التي كانت قد ُسلبت من بيت الرب (عزرا 1: 1-4).
ورغم أن التصريحات الواردة في الرسالة مطمئنة ومتعقّلة وواقعية) إلاَ أن الملك لم يفِ بكل ذلك، بل لم يعش طويلًا، إذا اغتيل لاحقًا.
(3) رسالة الملك إلى اليهود

وهذه رسالة الملك إلى الأمة: "من الملك أنطيوخس إلى مشيخة اليهود وسائر اليهود سلام. 28 إن كنتم في خير فهذا ما تحب، ونحن أيضًا في العافية. 29قد أطلعنا منلاوس على رغبتكم في العودة إلى منازلكم. 30 فالذين يعودون إلى اليوم الثلاثين من شهر كسنتكس يكونون في أمان. 31 وقد أبحتا لليهود أطعمتهم وشرائعهم، كما كانوا عليه من قبل وكل من هفا منهم فيما سلف فلا يضايق. 32 وانا مرسل إليكم منلاوس ليطمئنكم. 33 والسلام. في السنة المئة والثامنة والأربعين، في الخامس
عشر من شهر كسنتكس".



بينما كانت الرسالة السابقة تتضمن تكليفًا من الملك إلى وزيره ووصيّه ليسياس بالقيام بما يلزم وما يتفق مع مصالح اليهود، فإن هذه الرسالة موجّهة إلى اليهود مباشرة، فهي خطاب الملك إليهم، حيث يعود فيؤكد لهم من جديد الحريات والامتيازات التي أوصى بها ليسياس.

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...ccabeus-03.jpg

صورة: يهوذا المكابي
مشيخة اليهود:

من الُملفت مخاطبة اليهود بهذه الصفة فالنظام المحيط بالملك الصغير يعترف بالمشيخة ولا يعترف باليهود كأمة متمتعة بالامتيازات، ولعلّ الملك يقصد رئيس الكهنة منلاوس وأتباعه لكي يمنحهم مصداقية، باعتبارهم المتحدثون الرسميون عن اليهود، ورغم أن المشيخة اليهودية، كانت قد فقدت كل وضعيتها الرسمية إلاّ أن كثيرين من أعضائها كانوا ما يزالون على قيد الحياة، وربما يكون منلاوس قد اتّصل بالصفوة الحاكمة في أنطاكية لا ليلتمس العفو العام فقط، بل ليحتج على اعتراف ليسياس بالزمرة المتمردة (يهوذا وأتباعه) وقد رأى الملك أن العفو العام سوف يحمل يهوذا ذاته وأتباعه إلى الكف عن القتال، وحمل المتدينين على الإيمان بأن الله ذاته حرم التمرّد ضد الملك.
وأما عن الدور المنسوب هنا إلى "منلاوس" والذي يمقته اليهود بشدة، فإنه لا يعني سوى رغبة الملك في تثبيته في رئاسة الكهنوت، مما يعنى ضمنًا بالتالي عدم اعتراف الملك بالمكابيين وقائد ثورتهم "يهوذا المكابى". ولكن ذلك لم يكن له وزنًا كبيرًا لدى المكابيين إذ كانوا قد حققوا هدفهم من الثورة، أي إعادة العمل بالشريعة واستئناف العبادة في الهيكل، ثم كيف يُرسل منلاوس ليطمئن اليهود على الحرية الدينية وهو الذي له الدور الكبير في نشر الهيلينية ونهب الهيكل.؟
فى هذه الرسالة أيضًا ُيصدر الملك عفوًا عامًا عن اليهود الذين اعترضوا على سياسة السلوقيين في عهد سلفه، مما شكّل ما يشبه جماعات المعارضة داخل أورشليم وخارجها، وقد صرّح الملك لهم بالعودة إلى بلادهم في غضون أسبوعين (من الخامس عشر إلى نهاية شهر كسنتكس والذي هو نفس الشهر ديوس كورنتى / آية 21) وذلك أملًا في أن تستقر الأمور في المملكة وتكفل حركة التنقل بين البلاد.
المهلة المحددة لليهود: بينما يرى البعض أن مدة الخمس عشر يومًا غير كافية لتصل يها الرسالة الملكية من أنطاكية إلى الأقاليم اليهودية، فإن اليهودية كانت منطقة متضامنة، بحيث يمكن للخبر الانتشار على نحو سريع، وفي قسم تاعنيت Ta'anit من التلمود يرد في يوم 28 آذار (كسنتكس) الآتي "في ذلك اليوم ورد النبأ السار لليهود بأن لا يفرض عليهم ترك التوراة" (1) مما يعنى أن الخطاب المرسل يوم 15 قد وصل إلى اليهودية في يوم 28 وهو أمر مقبول، إذ لم ترد الحكومة آنئذ منح مزيد من الوقت للتفكير في الأمر بل رغبت في الحصول على قرار سريع.
كان هذا العفو يحمل في طياته توفير الأمان لليهود الذين يرغبون في التحرك من أورشليم إلى أنطاكية والعكس، لاسيما بعد الانتهاء من احتفالات الفصح التي كانت تجرى في ذلك الوقت، إذ أن شهر كسنتكس يقابل شهر نيسان حيث يقع الفصح في الرابع عشر منه.
(4) رسالة الرومان إلى اليهود

34 وأرسل الرومانيون إلى اليهود رسالة هذه صورتها: "من قونتس مميوس وطيطس منليوس، رسولي الرومانيين، إلى شعب اليهود سلام. 35 ما رخص لكم فيه ليسياس، نسيب الملك، فمنحكم إياه أيضًا، 36 وما استحسن أن يرفع إلى الملك، انظروا فيه وبادروا إلى إرسال واحد لنعرضه على الملك بما يوافقكم، لأننا ذاهبون إلى أنطاكية. 37 فعجلوا في إرسال من ترسلون، لنكون على علم بما تبتغون. 38 والسلام. في السنة المئة والثامنة والأربعين، في الخامس عشر من شهر كسنتكس".



تؤّرخ هذه الرسالة في نفس يوم رسالة أنطيوخس الخامس أوباطور إلى اليهود ويعترض بعض الشراح بأن أول تعاون بين الرومان ويهوذا المكابى كان في سنة 161 ق.م. وليس قبل ذلك التاريخ، ولكن مفاوضات ما غير رسمية، ربما تكون قد جرت بين الطرفين قبل ذلك التاريخ، ويقول يوسيفوس أن يهوذا قد أجرى اتصاله بروما فيما بين وفاة متتيا أبو المكابيين وغزو تالٍ لليهودية بواسطة أنطيوخس الرابع، كما رأى البعض منهم أن اسمي المندوبَين الرومانيَين محرّف، ولكن كثير من المواطنين الرومان في ذلك الوقت كان لهم اسمان: شخصي وعائلى، وأماّ المندوبان فهم:
قونتس (كونتس) مميوَس Quintus Memmius: ولا ُيعرف عنه شيئًا إذ لم يرد سوى في هذا المكان، ومن الممكن أن يكون مميوس هو تهجئة للاسم مليوس Mallius أو Manilius وهو الاسم الثالث للسفير الثاني، والآخر هو:
طيطس منليوس Titus Menius: والذى من المحتمل أن يكون هو "مانليوس توركراتوس"، والذي عمل سفيرًا في مصر سنة 164 ق.م. وُيحتمل أن يكون قد تلقّى تكليفا من حكومته يتعلّق بالشئون السلوقية(1).
وكان يجب أن يكون السفير أو أي مسئول مهم في روما من عائلة عريقة، أو أن يكون هو ذاته ذا مكانة متميزة.
في ذلك الوقت كانت روما تعطى نفسها حق التدخل في شئون الدول الأخرى، حيث تبادر هنا بالإرسال إلى اليهود مؤيدة انعامات أنطيوخس الخامس ووصيّه ليسياس، ثم يخبرهم السفيران بأنهم سيكونا متواجدين بأنطاكية، وعلى اليهود إرسال سفراء عنهم إلى أنطاكية يحملون رغباتهم حتى يؤيداها أثناء تواجدهما هناك، راجع التعليق على (2مكا 5: 1-4) حيث يتضح دور مندوبي وسفراء روما في مصر.
وهكذا يتضح لنا من رسائل السلوقيين الثلاث، كيف أرادوا ضمان موالاة اليهود لهم في ظلّ التهديد البطلمى للشمال السلوقى. كما يتضح أيضًا أن اليهود لم يلقوا السلاح بموجب هذه الرسالة ليتحولوا إلى الدبلوماسية، فما لبث أن تحرك السكان الوثنيين من حولهم خوفًا من تحقيق نبوات مجد إسرائيل، مما حدا باليهود إلى خوض حروب كثيرة ضدهم وردت تفاصيلها في سفر المكابيين الأول الإصحاح الخامس.
رأينا في هذا الإصحاح أربع رسائل لمباحثات السلام، مختصة بالوضع الجديد لليهود الذي نعموا به بعد موت أنطيوخس أبيفانس وانتصارات يهوذا المكابي، ونعرض هنا ترتيب مفاوضات السلام:
1- رسالة أوباطور إلى ليسياس (21 - 26):
بعد موت أبيفانس أبو أوباطور، أراد أوباطور أن ينعم اليهود بالسلام فأعطاهم حريتهم الدينية واسترددوا الهيكل رسميا بإعطائه لهم قرار رسمي بممارسة حقوقهم الدينية.
2- رسالة أوباطور لمجلس شيوخ اليهود (27 - 33):
عندما علم أوباطور من منلاوس أن اليهود يريدون العودة لبيوتهم وأعمالهم أباح لهم حتى اليوم الثلاثين من شهر كسنتكس وأباح لهم أن يحيوا حسب شريعة آبائهم.
3- رسالة ليسياس لليهود (16 - 21):
أُرِّخ لها في 24 من ديوس الكورنثي (مرحشوان اليهودي) لسنة 148 لليونان، ونرى من الرسالة أن مفاوضات السلام بين ليسياس ويوحانان وأبشالوم اقتربت من النهاية.
4- رسالة المرسلين الرومانيين (24- 38):
وهم من كانوا في يافا أو في معسكر ليسياس، وقد ُكتبت في الخامس عشر من كسنتكس في النسخة اليونانية، لكن في النسخ اللاتينية L,B,M,P ونسخة الفولجاتا كتبت (Dioscoridis) وهي على ما يبدو من الكلمة اليونانية DioV corinqiou.

(1) الرجاء الرجوع إلى "التأريخ" فى كتاب مدخل إلى سفري المكابيين للمؤلف، حيث يلقى الضوء على هذه القضية

(1) هناك إشارة إلى حملتى ليسياس على اليهود في كتاب نبوة أخنوخ (الأصحاح التسعون) وهو سفر غير قانوني كتب في تلك الفترة (مخطوطات البحر الميت).

(1) مئة وخمسون غلوة - جاءت في العربية خمس غلوات -: جاءت في النسخة المعتمدة نحو خمس إستاديونات أي خمس غلوات (كالعربي تماما) (wsei stadiouV pente) - يرى الرابي كاهانا أنها مئة وخمسون غلوة، لأن حصن بيت صور على حدود أدوم، يبعد نحو عشرين ميلا رومانيا (وطبقا ليوسابيوس: 160 غلوة من أورشليم). لذلك جاءت في كلا المخطوطتان (راجع تعليق العالم swete على ذلك) هكذا (scionouV) بدلا من (stadiouV)، حيث (scionouV) هي وحدة قياس تبلغ ثلاثين غلوة أي ثلاثين إستاديون (stadiouV)، وإذ ذاك تبعد بيت صور عن أورشليم نحو 150 إستاديون وهو الأمر الذي أورده يوسابيوس.

(1) راجع قائمة تلك الرؤى في التعليق على الأصحاح الخامس عشر.

(1) ديوس قورنتى هو أحد الآلهة المذكورة بضع مرات في الأدب اليوناني، أما الاسم ديسقورس فقد ورد ضمن جدول تاريخى من عهد الإمبراطورية الرومانية على أنه اسم الشهر السادس من العام الكريتى والذي يبدأ بعد الاعتدال الخريفى مباشرة، وربما يكون الاسم ديسقورس Dioskours اسم ُاطلق على الإلهين التوأم Dioskouroi واللذين كانا يعبدان على نطاق واسع في اليونان وتظهرصورهم على العملات السلوقية القديمة. ربما يكون أنطيوخس ابيفانيوس قد أطلق الاسم على أحد الشهور المقدونية ربما تكريمًا لمدينة طرابلس Tripolis.
وطبقا ليوسيفوس (الآثار كتاب فصل 3:3) كانت (DioV) = شهر مرحشوان (مرحشوان: هو الشهر الثامن في التقوىم العبري) وهو كذلك في الترجمة الآرامية: (بأربعا وعسرين بتِشري أحري = في الرابع والعشرين من تشرين الثاني)، حيث شهر تشرين الثاني عند الآراميين هو شهر مرحشوان، وهو الشهر الثامن لدينا.

(1) Jonathan A. Goldsten, II Macc.

(1) جاء اسما السفيران في الأصل العبري (كوينتُس مميوس، تيطس مانيوس) وفي اللاتينية القديمة (Quintus Memmius Titus Manilius) ولا نعرف عنهم أية معلومات في أي موضع آخر.

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:21 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 12 - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملات على المدن الوثنية

1مكا 5: 8 - 68
بالرغم من الاتفاقيات التي أُبرمت بين اليهود والسلوقيين، إلاّ أن الجيران الوثنيين استمروا في مضايقة اليهود الساكنين بينهم بطرق شتى، ويبدو أن ليسياس قد أقدم على تلك المعاهدات مرغمًا ولذلك فلم يكن صادقًا، وفي مثل هذه الحالات يحتاج الأمر إلى إجراءات من السلطة الحاكمة لتعضيد الاتفاقيات، فقد كان بوسع المسئولين المحليين الإخلال بالاتفاقيات أو السياسات الموضوعة في عاصمة البلاد بسبب بُعد المسافات وعدم سهولة الاتصال. وهكذا اضطر المكابيون إلى تأمين بلادهم ثم حماية الجاليات اليهودية خارج البلاد بشتى الطرق. هذا وُتعتبر الأحداث الواردة في هذا الأصحاح امتداد لـ(2مكا 10: 14-38).
خيانه أهل يافا ويمنيا

1 وبعد إبرام هذه المعاهدات، رجع ليسياس إلى الملك، وانصرف اليهود إلى حرث أراضيهم. 2 إلا أن بعض القوالد الذين كانوا في البلاد، وهم طيموتاوس وأبلونيوس بن جنايوس، وإيرونيمس وديمفون، وكذلك نكانور، حاكم قبرس، لم يدعوا لهم راحة ولا سكينة. 3وارتكب أهل يافا جريمة فظيعة، وذلك أنهم دعوا اليهود المقيمين عندهم إلى أن يركبوا هم ونساؤهم وأولادهم قوارب كانوا أعدوها لهم، كأن لا عداوة بينهم. 4 وبناء على قرار أصدره شعب المدينة، قبل اليهود الدعوة رغبة في السلام وبعيدًا عن كل حذر. فلما صاروا في عرض البحر، أغرقوهم ولم يكن عددهم أقل من المئتين. 5 فلما علم يهوذا ما ارتكب على بنى أمته من غدر وحشي، أخبر به من معه من الرجال. 6 ودعا الله الديان العادل وسار إلى الذين أهلكوا إخوته. وأشعل النار في المرفأ ليلًا وأحرق القوارب وطعن الذين لجأوا إلى هناك. 7 ولما كانت المدينة قد أغلقت، انصرف وفي نيته الرجوع ليمحو مدينة اليافيين من أصلها. 8 ولكنه علم أن أهل يمنيا ناوون أن يصنعوا مثل ذلك بالمقيمين عندهم من اليهود، 9فهجم على أهل يمنيا ليلًا وأحرق المرفأ مع الأسطول، حتى روى ضوء النار من أورشليم، على بعد مئتين وأربعين غلوة

يفيد الاصطلاح هنا "حرث الأرض" إلى انتهاء حالة الطوارئ في البلاد، ومن ثم التفات أفراد الشعب بما فيهم الجنود الذين سُرّحوا من الجيش إلى مزاولة مصالحهم والاهتمام بموارد البلاد، وبمعنى أشمل: سير الحياة بشكل طبيعي. أمّا القادة الصغار الذين في تلك المدن فلا يُعرف إن كانوا يسلكون بالغدر مع اليهود بإيعاز من ليسياس ذاته، أم من منطلق كراهيتهم الشخصية لليهود، وهكذا كان للسلوقيين موقف رسمي وآخر ميدانى (عملي).

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...-Yafa-Port.jpg
ميناء يافا
وفي (الآية 2) يستخدم مصطلح " قائد Strategos " وهو متعدد المعاني، فعلى الصعيد العسكري يتراوح ما بين قائد وحدة تكتيكية مستقلة، إلى جنرال (لواء) ومن الممكن أن ُيقصد به أيضًا "حاكم إقليمى" وفي هذا النص يفيد مصطلح "محلىّ " هنا بأنهم قادة من الدرجة الأقل. هذا ومن غير المعروف إن كان أولئك القادة قد أقدموا على مضايقة اليهود بموافقة الحكام في أنطاكية أم من تلقاء أنفسهم.
أما طيموتاوس: فهو القائد العمونى المذكور سابقًا وهو هنا قائد عبر الأردن وجنوبي سوريا، وبشأن الخلط فيما بينه وبين طيموتاوس الآخر انظر التعليق على (8: 30، 32 و 10: 24)، حيث ُهزم ولم ُيقتل، ومن ثم فقد أعاد تنظيم صفوفه ليهاجم اليهود من جديد ولكنه ُحوصر منهم وقُتل لاحقًا مع رفقائه في الجب السفلى (10: 37) ورغم أن فعالية طيموتاوس قد انتهت عند هذا الحد، إلاّ أنه يُحصى هنا مع أولئك الذين ضايقوا اليهود، مع ملاحظة أيضًا أنه من المحتمل أن تكون حملة ليسياس قد جرت قبل ذلك الوقت، غير أن الكاتب كما سبق وأشرنا يجمع جهادات وانتصارات وانجازات يهوذا المكابى معًا، وبالتالي فالترتيب المتعمّد هنا لا يعنى أنه غير واع بالتاريخ وإنما هو يلتزم جانب تقديم كفاح يهوذا المكابى. ومن هنا ليس هناك ما يدعو إلى افتراض وجود قائد آخر باسم تيموثاؤس.
أبولونيوس بن جنايوس Gennaeus:

المعنى الحرفي للإسم: نبيل، وهو بالطبع بخلاف أبولونيوس بن مسنتاوس المذكور سابقًا (5: 24 و 1مكا1: 29) وهو القائد الذي لم نقرأ عنه شيئًا بعد ذلك، وربما كان أحد مندوبى الملك في تلك المدن الوثنية الساحلية والتي تسكنها جاليات يهودية.
ايرونيمس Hieronymus:

ويقرأ في اللاتينية "جيروم" وينطبق عليه الكلام ذاته، من حيث أنه لم ُيذكر في موضع آخر من السفرين، وأنه أحد نواب الملك في تلك المنطقة.
ديمفون Demophon: قائد سلوقى مثل السابقين.
نكانور Nicanor: وهو قائد جيوش المرتزقة القبرصية (انظر 5: 24 وقارن مع 4: 29) وربما كان نكانور بن بتروكلس المذكور في (2مكا 8: 9) ويقول في (14: 12) أنه كان يوجد نكانور آخر وكان مسؤولا عن الفيلة. وهو غير نكانور الشهير الذي اضطهد اليهود فقتلوه وعلقوا رأسه على سور المدينة، وربما عُيّن حاكمًا بدلًا من بطليموس مقرون، والذي انتحر بسبب اتهامه بتعاطفه مع اليهود (6: 13). وكانت قبرص في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية البطلمية.

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...ccabeus-01.jpg

صورة: يهوذا المكابي
انتشرت هذه المضايقات الموجهة للجاليات اليهودية في جميع المدن في وقت واحد، حيث وصلت الشكاوى والبلاغات إلى القيادة العسكرية في أورشليم، وما يحدث هنا في المدن الساحلية مثل يافا ويمنيا وقبرس، هو ما حدث أيضًا في مدن الجليل وجلعاد حيث قام يهوذا المكابى بحملة تأديبية ضد أهلها الوثنيين راجع (1مكا 5).
حادثة يافا المروّعة:

كانت يافا ويمنيا مدينتان وميناءان لهما أهميّة خاصة، وكان سكانها فلسطينيين، أعداء اليهود منذ زمن بعيد، وكان اليهود جالية في يافا ولم يكونوا مواطنين. وكانت المسافة بين يافا وأورشليم حوالي ثمانية وأربعين كيلو مترًا.
وفي تصعيد خطير لهذا الاضطهاد جرت مأساة في يافا الساحلية، ولا يُعرف على وجه الدقة ملابساتها، غير أنه من المحتمل أن يكون أهل يافا الوثنيين قد دعوا أعضاء من الجالية اليهودية هناك إلى مشاركتهم في أحد الأعراس الكبيرة لأحد الشرفاء، وربما كانت مجرد دعوة إلى نزهة بحرية، (مسيرة احتفالية في البحر). وفي الوقت الذي أدخلوا فيه المحتفلين إلى المركب، اختاروا لليهود مراكب محددة معدة خصيصًا لهم، ثم أغرقوهم في البحر. وأما مجلس الشعب (شعب المدينة) فيقصد به شيوخ اليهود هناك فقد رأوا في الدعوة واحدًا من عوامل الوفاق والتعايش السلمى.. ولم يتوقع اليهود بالتالي أيّة خيانة ولذلك فلم يحتطوا، فوقعت الحادثة.
وبلغ يهوذا المكابى الأمر، مثلما بلغه من قبل رسائل الجاليات اليهودية في الجليل وجلعاد، يطلبون نجدة، وصلى يهوذا كعادته قبل التوجه إلى يافا والتي كانت قد أغلقت أبوابها بحلول الليل وكان من الصعب اقتحامها ليلًا، ويبدو أن بعض السكان شعروا بنيّة اليهود في الانتقام من المدينة وسكانها، فلجأوا إلى الميناء سعيًا للامان ولكنهم وقعوا في أيدي رجال المكابى والذين قتلوهم.
المبادرة بمنع تكرار ذلك في يمنيا:

انصرف يهوذا المكابى من يافا وفي نيّته العودة إليها من جديد للانتقام من أهلها، غير أنه سمع بأن ما جرى في يافا من المحتمل أن يتكرر في يمنيا، وتقع هذه على مسافة سبعة كيلومترات شرق البحر المتوسط، واعُتبرت عاصمة ذلك الاقليم البحري (المدن الساحلية) راجع (1مكا5: 55-62 و 10: 69 و 15: 38) ويبدو أن نقمة المكابيين من يمنيا كانت أكبر من تلك التي جرت في يافا، إذ كانت الحرائق التي ُاشعلت فيها عظيمة لدرجة أنها ُرؤيت من أورشليم أي من مسافة خمسون كيلومترًا(1).
حملة على أرض جلعاد

(1مكا 5: 24-54)

10وكانوا قد ابتعدوا من هناك تسع غلوات، زاحفين على طيموتاوس، فتصدى لهم قوم من العرب يبلغون خمسة آلاف، ومعهم خمس مئة فارس. 11فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وكان الفوز لرجال يهوذا بعون الله، فانكسر عرب البادية وسألوا يهوذا أن يمد إليهم يمناه، على أن يؤدوا له مواشى ويقوموا بخدمات في سائر الأمور. 12وأدرك يهوذا أنه يحصل منهم حقًا على منافع كثيرة، فرضى بمصالحتهم، فأخذوا بيمناه وانصروا إلى خيمهم. 13 وأغار يهوذا على مدينة تحميها سدود من تراب وتحيط بها الأسوار ويسكنها خليط من الأمم، واسمها كسفيس. 14 وكان الذين فيها واثقين بمناعة الأسوار ووفرة الميرة، فأبدوا خشونة ليهوذا والذين معه، وشتموهم وجدفوا ونطقوا بما لا يحل. 15 فدعا الذين مع يهوذا ملك العالم العظيم الذي أسقط أريحا على عهد يشوع بغير كباش ولا مجانيق، ثم وثبوا إلى السور كالأسود. 16 وفتحوا المدينة بمشيئة الله وقتلوا من الخلق ما لا يحصى، حتى إنت البحيرة التي هناك، وعرضها غلوتان، ظهرت كأنها امتلأت وطفحت بالدماء.


ذكرت أنباء هذه الحملة بتفاصيل أكبر في (1مكا 5: 24-54) أمّا هنا فإن (الآية 10) تفيد بأن الموضع الذي ابتعدوا منه ليس "يمنيا" ولا "يافا" ولكنه مكان إحدى المعارك في أرض جلعاد (آية 13) وكما قلنا سابقًا فإن السفر هنا يجمع مآثر يهوذا المكابي.
فقد خاض يهوذا حروبًا كثيرة، وأنقذ الكثير من اليهود المحاصرين في المدن الوثنية، وأجلاهم إلى أورشليم وذلك قبل أن يلتقى بالنبطيين العرب، كما أنه مرّ بمواقع عديدة خاض فيها الحروب قبل الوصول إلى "كسفيس".
العرب: هم النبطيون والذين ُاشير إليهم في (1مكا5: 25) حيث كانوا قد صاروا من أنصار المكابيين وقد جاء هذا التعاون نتيجة المعركة الشرسة المذكورة هنا، حيث اتفق الجانبان على أن يؤدى النبطيون الجزية للمكابيين واقامة تحالف بين الطرفين.
كسفيس Caspin: وقد تكون هي نفسها "كسفور" أو "كسفو" المذكورة في (1مكا5: 26) وتقع شرق بحر الجليل إلى الجنوب من الجليل وجلعاد وربما كانت هي "خسفيس" شرق بحر الجليل بعشرة أميال، وتوجد الآن بقعة َسبِخَة في مكان يسمى كسفين Khisfin ربما هي التي كانت بحيرة فيما مضى (آية 16). وكانت كسفيس تحميها أسوار وسواتر ترابية وكذلك خندق أو ترعة صناعية تحيط بها بعرض 500م ونظرًا لثقة أهلها الشديدة بحصانتها فقد سخروا من المكابيين وجيوشهم بل يبدو أنهم وهم من جنسيات وأعراق مختلفة قد تطاولوا على معتقدات اليهود وإلههم وشرائعهم وهيكلهم "ما لا يحلّ" (آية 14).
أما الكباش المنصوبة عليها والمذكورة هنا فهي الذراع الحديدي Battring Rams وهي مثل المجانيق غير أنها تضرب مباشرة في الحوائط بعكس المجانيق التي تلقى بالحجارة الضخمة في الأسوار والحوائط، وتستخدم كلا الآلتين في فتح ثغرات في الأسوار يسهل من خلالها الاجهاز على السور كله وتدميره. وبعد أن فتحوا المدينة انتقموا من أهلها نقمة شديدة(1). انظر (يشوع 6: 1-21).
معركة قدنيم

17 ثم ساروا من هناك مسيرة سبع مئة وخمسين غلوة، حتى انتهوا لي الكرك، إلى اليهود الذين يعرفون بالطوبيين. 18 فلم يجدوا طيموتاوس في تلك الأماكن، لأنه قد غادرها من دون أن يصنع شيئًا، لكنه ترك في بعض الأماكن حرسًا منيعًا. 19فخرج دوسيتاوس وسوسيباطير، من قواد المكابى، وأهلكا الرجال الذين تركهم طيموتاوس في الحصن، وكان عددهم ينيف على عشرة آلاف. 20 وقسم المكابى جيشه فرقًا وأقام من يكونون على رأسها وحمل على طيموتاوس، وكان معه مئة وعشرون ألف راجل وألفان وخمس مئة من الفرسان. 21 فلما بلغ طيموتاوس قدوم يهوذا، وجه النساء والأولاد وسائر الأمتعة إلى مكان يسمى قرنيم، وكان موضعًا منيعًا يصعب الوصول إليه لضيق جميع الممرات. 22 ولما بدت أول فرقة من جيش يهوذا، داخل الأعداء الرعب والرعدة، إذ تراءى لهم من يرى كل شئ، فأسرعوا إلى الفرار من كل جهة، حتى إن بعضهم كان يؤذى بعضًا، وطعن بعضهم بعضًا بحد السيوف. 23وتعقبهم يهوذا تعقبًا شديدًا وأخذ يطعن أولئك الأثمة، حتى أهلك منهم ثلاثين ألف رجل. 24ووقع طيموتاوس في أيدي رجال دوسيتاوس وسوسيباطير، فجعل يتضرع إليهم بكل حيلة أن يطلقوه سالمًا، بحجة أن آباء وإخوة لكثيرين منهم قد يهلكون. 25 وأقنعهم بكلام كثير بأن يطلقهم سالمين، فخلوا سبيله لينقذوا إخوتهم. 26 ثم أغار يهوذا على قرنيم وأترجتيون وقتل خمسة وعشرين ألف نفس.



أغلب الظن أن كلمة "هناك" في (آية 17) يقصد بها في الغالب: أورشليم، إذ تصل المسافة بين أورشليم وأرض طوب حوالي 50 كم(1).
الطوبيين: هم سكان أرض طوب المذكورة في (1مكا 5: 13) أو أرض بنى عمون والتي كان تحكمها أسرة بنى طوبيا، وفيها أيضًا كانت تُدرّب الخيول الحربية. وقد توقع المكابيين أن يكون طيموتاوس قد عاث فيها فسادًا واضطهد اليهود السكان فيها، ولكنه كان فقط قد ترك فيها حامية عسكرية سلوقية قبل أن يغادرها.
ويتضح لنا من النصّ هنا أن الطوبيين كانوا أقوياء بدرجة صدّت عنهم طيموتاؤس بحيث لم يستطع هزيمتهم، وإن كان قد ترك بعض حاميات في بعض الحصون، كان الطوبيين مازالوا قوة حامية في عبر الأردن حتى بعد انتحار القائد الطوبى المتميّز "هركانوس" في سنة 169 ق.م. بل ربما كان دوسيتاوس وسوسيباطير قائدين طوبيين قد انضما إلى قوات المكابى.
وكان الطوبيين من القوة والشهرة بحيث صيغت الصفة "طوبيين Tobian, Toubiakos خصيصًا للإشارة إليهم، بل ربما ُسمى الإقليم الواقع حول الحصن الطوبى ب الطوبياكى وسكانه بالطوبياكيين، وربما يكون أنطيوخس أبيفانيوس قد استولى على الحصن الطوبى في "عرق الأمير" وأعاد توطين جنود هناك في مكان ما بشمالي عبر الأردن أو جنوبي سوريا في المكان المعروف باسم دياتما Dathema أو بالقرب منه (1مكا 5: 9-11، 29).
دوسيتاوس Doisitheus: وهو اسم يوناني معناه "هبة الله" أو "عطية الله" وهو ترجمة يونانية لإسم "متتيا" العبري (وقد وُجِد أيضًا في بعض كتابات آرامية قديمة). وهو أحد القواد اليهود الصغار التابع بدوره لقائد أعلى يسمى "بكينور".راجع (آية 35) وقد اتصف دوسيتاوسبالشجاعة والإقدام.
سوسيباطير Sosipater: اسم يوناني معناه "المدافع عن أبيه" وهو قائد يهودي في ذات الرتبة التي كان فيها دوسيتاوس قام اثنيهما بقتل أفراد الحامية العسكرية التي تركها طيموتاوس خلفه في أرض طوب، بينما كان الأخير ينظم صفوفه بالقرب من الكرك.
الكرك Charax, Charak: وجاءت في اليونانية (eiV ton caraca) مدينة تنتمي إلى "الأورانيين" وتقع في الشمال الشرقي من جلعاد، في المنطقة التي تشمل جبل أوران وتمتد غربًا حتى قرية "باتانا" وهي المنطقة التي تجمّع فيها 112 ألف من الجنود المرتزقة لمحاربة داود (2صم 10: 6). وكان مقر الوالي السلوقي في عهد المكابيين يسكن في حصن الكرك، ويظن البعض أنها الكراك حاليًا جنوب موآب، أو" كَنَّه" في حوران، على مسافة 20 كم شمال غرب بُصرَة. وتسمى أيضًا "عرق الأمير".
والكرك هو اسم يوناني عام يعني (معسكر مطوّق بالحسائك) ويقع على بُعد حوالي 750 غلوة من كسفيس، وقد قطع يهوذا مسيرة ثلاثة أيام إلى الجنوب من كسفيس إلى عرق الأمير، ومثلها عودة إلى قرنائيم.
عندما خشى طيموتاوس من شدة بأس جيش المكابيين لاسيما وقد فشل في الاستيلاء على حصنهم، آثر إجلاء أقاربه وأمتعته من هناك إلى "معبد قرنيم" (karnion) راجع (1مكا5: 26، 43)، وهي العادة المتبعة من حيث الاحتماء في المعابد والهياكل، أملًا في حماية الآلهة وعدم تطاول المغيرين على تلك الأماكن، كما أن الممرات الضيقة في قاع الوادى والمذكور في (1مكا 5: 37) كانت تجعل من الصعب الوصول إلى المعبد الكائن على القمة، والمعبد نفسه "قرنيم" هو بعينه "قرنائيم" هو معبد عشتاروت ذي القرنين والذي ورد ذكره في (1مكا 5: 43).مع ملاحظة أن "النساء والأولاد وساءر الأمتعة" (آية 21): هي للعرب الذين كانوا في جيشه انظر:(1مكا 39:5).
رؤية خامسة: هذه هي الرؤيا الخامسة التي ُتذكر في هذا السفر، وقد آذر الله المكابيين بمثل تلك المناظر الإلهية لكي يعلن لهم تعضيده لجهادهم، وهو الأمر الذي أوقع الرعب في قلوب الأعداء ففروا مذعورين، مما تسبب في قتل وجرح بعضهم البعض وهو ما يسمى في القاموس العسكري الحديث ب (نيران صديقة) وهو ما مكّن المكابيين أيضًا من قتل عدد كبير منهم.
طيموتاوس في الأسر: استطاع طيموتاوس أن ينجو من هلاك محقق من خلال الحيلة والخداع(1)، فعندما لم تفلح توسلاته ودموعه لآسريه: دوسيتاوس وسوسيباطير وهما اللذان كانا قد أهلكا الحامية العسكرية في أرض طوب فقد لجأ إلى التهديد بقتل عدد كبير من اليهود المأسورين لدى رجاله، وعند ذلك أطلق الرجلان سراحه، حقنا لدماء اخوتهما.
أتر جيتون Atargatis:ويقصد هنا هيكل أترجيتيس (1مكا 5: 43، 44) وهي كبيرة آلهة الأراميين، ويتكون الاسم من مقطعين: أتار Atar (عشتار) أو أتاه Ahah ثمّ At.. , Attis "أتيس" (اسم إله ذكر فريجي).
وأترجتيس هي صورة من صور عشتاروت اقترن فيها إله وإلهة، وقد ُجلبت من بلاد فارس وأشور، وأصبحت بعبادتها الخاصة الإلهة الأم لآسيا الصغرى، وكان أهم مراكز عبادتها في سورية في هيرابوليس حيث كان الأهالي متعصّبون لها هناك.
عشتارت: هي إلهة السمك عند البابليين، والآراميين والفلسطينيين، ولكن لمادا ُترجم اسم هذه الإلهة وهو في الأصل العبري "عَتَرْعَتاه" إلى عشتارت؟:
من المعروف أن التسمية الأكادية (Ieshtar) سامية الأصل وقد وجدت بصيغ أخرى مقاربة في مناطق متعددة من الشرق الأدنى القديم، منها Ashtart عند أقوام الجزر الشمالية الغربية، و Athr في رأس شمرة و Athar عند العرب في جنوب الجزيرة العربية. وبالإضافة للتشابه في اللفظ فإن ما يدل على وجود صلة في المعتقدات الخاصة بالإلهة عشتار في وادي الرافدين، وبين الإلهة "عثر" في جنوب الجزيرة العربية، أن كلاّ منهما قد ُجسّد في نجمة سماوية، ثم أنهما عُبِدا ضمن ثالوث المجموعة الشمسية (الشمس والقمر والزهرة) والذي شاعت عبادته في جنوب الجزيرة العربية قديما(1).
وقد ورد ذكرها بعدة أسماء: (عشتارت، عشتاره، عشتارته، عشترة، عشتورة) ويجمع بلفظ عتاروت) ويعني الإسم بصورة عامة: الإلهة إشتارتي، والأهم في كل هذا التفريق بين هذه الإلهة والإلهة "عشيرة" زوجة الإله إيل.
ويبدو أن هذه الإلهة امتصّت صفاتها من "عشيرة" التي أصبحت إلهة أم فقط، وبلغة أخرى فإن عشتار الأكادية أو البابلية عندما دخلت إلى البانثيون الكنعاني إنشطرت إلى إلهتين، الأولى هي عشتارت إلهة الحب والجمال، والثانية هي عشيرة الإلهة الأم زوجة إيل...وأما لقبها الآخر فهو " أم القرنين" حيث ظهرت وهي تلبس رأسا على شكل ثور رمز السلطة، تحيط به ريشتان يبرز تحتهما قرنين. لاحظ أن الأحداث هنا في قرنيم مدينتها وحرمها المقدس. كما يقول في صفحة 100:
عشيرة: هي الإلهة الكنعانية الأم زوجة الإله إيل، التي صارت أما لكل الآلهة الكنعانية من إيل.....وقد حملت عدة ألقاب: مثل: خالقة الآلهة، والأم، وأيلة، إيلات، وسيدة العمودين، وربة اليم، و سمكة البحر، والسارية...ولا بد أن نذكر أن الإلهة الآرامية (عتر) ظهرت من عشتار أيضًا وكونت أساس اسم عترجاتس التي ننفي عنها كونها ظهرت من دمج (عناة + عشتارة) بل هي الإلهة الآرامية عتر اندمجت فيها صفات عناة(1).
هذا وقد ُصوّرت أترجتيس في شكل بطلة مصارعة، تجلس مستندة على مجموعة من الأسود وتحمل في يدها حزمة من السنابل. وقد حمل الجنود الرومان تمثالها هذا إلى شمال بريطانيا. بينما في مصر كانت عشتاروت تصّور برأس لها قرون بقرة وتسمّى هناك "الإلهة هاتور".
العودة إلى البلاد

(1مكا 5: 45)


27وبعد انكسار أولئك وهلاكهم، زحف يهوذا على عفرون، إحدى المدن الحصينة، وكان ليسياس يقيم فيها. وكان على أسوارها شبان من ذوى البأس، يقاتلون بشدة، ومعهم كثير من المجانيق والقذائف. 28فدعا اليهود الرب الذي يحطم بقدرته بأس الأعداء، فأخذوا المدينة وصرعوا من الذين في داخلها نحو خمسة وعشرين ألفًا. 29ثم رحلوا من هناك وهجموا على مدينة بيت شان، وهي على ست مئة غلوة من أورشليم.30إلا أن اليهود المقيمين هناك شهدوا بأن أهل بيت شأن عطفوا عليهم وعاملوهم بإنسانية في وقت الضيق. 31فشكرهم يهوذا وأصحابه على صنيعهم وأوصوهم أن يبقوا على عطفهم على جنسهم وعادوا إلى أورشليم لاقتراب عيد الأسابيع.(يس15: 45).
لم يكن في نيّة يهوذا المكابى مهاجمة عفرون، ولكنه وبالرجوع إلى (1مكا5: 45) سنجد أنه كان في طريقه إلى أورشليم وبصحبته اليهود الذين خلّصهم من مضايقات الوثنيين الذين كانوا يحيون معهم كأقليات خلال الحملة التأديبية الكبيرة، فكانت عفرون في طريقهم، ولم يكن من الممكن تفادي المرور من خلال، مثلما حدث كثيرًا مع يشوع والشعب عند امتلاك أرض الموعد، فقد رفض سكان العديد من البلاد مجرد مرورهم منها حتى بعد تقديم الضمانات بعدم الأذى أو حتى طلب الطعام والماء، مما اضطره إلى محاربتها والاستيلاء عليها. راجع: (يشوع 15: 45)
وقد يتعجب القارئ كيف سكن ليسياس والذي هو في مكانة الملك آنذاك في مدينة بعبر الأردن؟ (آية 27) ولكن ذلك كان مألوفًا بالنسبة للنبلاء والوزراء أن يكون لهم مساكن ريفية في الأقاليم.
عفرون Ephron: يبدو أنها كانت مقر الوالي ليسياس في تلك المنطقة، وهو وصي الملك أنطيوخس الخامس، كما كانت تضم سكانًا من جنسيات مختلفة، وبينما ُيذكر في سفر المكابيين الأول أن سكانها رفضوا مرور اليهود في وسطها، بل أوصدوا الأبواب رافعين خلفها متاريس من الحجارة والرمال حتى يستحيل بذلك فتحها، فالسفر يشير هنا إلى قوة بأس المدافعين عنها على الأسوار بما لديهم من مجانق وقذائف (سهام ملتهبة لاشعال الحرائق).
بيت شان: هي المدينة التي علّق أهلها على سورها جسد شاول (1صم31: 10).وهى المسمّاه أيضًا في اليونانية سكيثوبوليس (Scuqwn poliV) وهي المذكورة في (1مكا5: 46) حيث ُاشير هناك فقط إلى المرور عليها دون الاشتباك مع أهلها الوثنيين، ولكنه وبينما يظهر المكابيون هنا وهم متحفّزون للدفاع عن اخوتهم الساكنين هناك، إذ بهؤلاء يشهدون بحسن معاملة أهلها الوثنيين مما أوجب شكر يهوذا المكابى لهم.
عيد الأسابيع: وهو الترجمة الحرفية للاسم العبري الذي يعنى عيد الخمسين وهو عيد البنطقوستى (آية 32) وهو كذلك العيد الثاني من الأعياد الرئيسية الثلاثة، حيث كان يتوجّب على كل ذكر في إسرائيل أن يظهر أمام الرب في أورشليم (خروج 23: 17 و 34: 22 و تثنية 16: 10) وقد سمى بهذا الاسم لأنه يأتي في اليوم الخمسين أي بعد سبعة أسابيع من الفصح (خروج 34: 22) ولم تذكر إشارة عنه في الكتاب المقدس بعد ذلك إلا في أيام سليمان (2 أخ 8: 12، 13).
ووفقًا للتفسيرات الصدوقية والأسينية كان العيد دائمًا ما يوافق يوم أحد، وكان على يهوذا أن يوقف الأعمال القتالية يوم السبت الذي يسبق العيد (قارن مع 8: 26 و 12: 38) وبحسب التفسيرات الصدوقية والأسينية أيضًا كان يجب على الحجاج الوصول إلى أورشليم قبل السبت، وكان عيد الخمسين بحسب التقوىم الفريسي يوافق 6 سيفان (21 أبريل) وفي حالة التقوىم الكبيس كان العيد يقع في 19 يونية، وهناك نظريات غير مؤكدة تفيد بأن اليهود في تلك السنة (سنة 163 ق.م.) قد استخدموا تقويمًا غير كبيس(1).
في عيد الأسابيع كان ُيحتفل باتمام حصاد الشعير، حيث كان يقدّم في بداية هذا الحصاد "حزمة الترديد" أمام الرب، وهي كذلك بداية حصاد القمح، وكان يومًا مبهجًا حُسب راحة (إجازة رسمية) ومثل احتفال عائلى تقدّم فيه تقدمات اختيارية حسب كرمهم (تثنية 16: 10، 11) وفي الهيكل يقدّم رغيفين من خبز مختمر ومملح (لاويين 23: 17) أما مواصفات الرغيف فهي أن يكون بطول سبعة أشبار وعرض أربعة أشبار وسُمك سبعة أصابع (قراريط) وذلك بحسب فتوى الربيين لاحقًا، مع تقدمات عبارة عن سبع خراف حولية، وثور واحد، وكبشين محرقة مع تقدمتها وسكيبها وقود رائحة سرور للرب (لاويين 23: 18). وفي التقليد اليهودي ُيعتبر هذا اليوم هو يوم اعطاء الشريعة لموسى(2).
وفى العهد الجديد اعتبر هذا اليوم "يوم تأسيس الكنيسة" إذ حلّ فيه الروح القدس، حيث لبس الرسل قوة من الأعالي ومن ثم بدأوا خدمتهم منطلقين إلى كافة أرجاء المسكونة، وصار مع الوقت عيدًا سيديًا بل عُدّ أعظم الأعياد، ومنذ يوم عيد القيامة وحتى يوم الخمسين تعيش الكنيسة حالة من الفرح والبهجة، متسامية فوق القانون.

وهكذا استمرت الحملة التأديبية من ِقبل المكابيين على الأمم الوثنية، عقب عيد الفصح حيث رسائل ومعاهدات السلام وحتى قرب عيد الأسابيع (الخمسين). وجدير بالذكر هنا أنه أثناء تلك الحملة قد وقع يوسف وعزريا في المخالفة وتسبب ذلك في هزيمة الجيش اليهودي الذي كان برفقتهما (1مكا 5: 55-62).
الحملة على جرجياس

1مكا 5: 65 - 68

32وبعد العيد المعروف بعيد الخمسين، أغاروا على جرجياس، قائد أرض أدوم.33 فخرج إليهم في ثلاثة آلاف راجل وأربع مئة فارس.34وأقتل الفريقان، وكان أن سقط من اليهود نفر قليل. 35وكان فيهم فارس ذو بأس يقال له دوسيتاوس، من رجال بكينور، فأمسك جرجياس وقبض على ردائه واجتذبه بقوة، يريد أن يأسر ذلك اللعين حيًا فهجم عليه. فارس من الطراقيين وقطع كتفه، ففر جرجياس إلى مريشة. 36وتمادى القتال بالذين مع أشدرين حتى كلوا، فدعا يهوذا الرب ليكون حليفهم وقائدهم في القتال. 37وجعل يهتف بالأناشيد بلسان آبائه، ثم صرخ، ووثب على رجال جرجياس بغتة وهزمهم.
يتضح لنا من أخبار هذه الحملة أن المكابيين لم يحققوا نصرًا حاسمًا على جيش جرجياس، والذي كان عدد أفراده قليلًا جدًا إذا ما قورن بالأعداد الضخمة من الجنود والفرسان، التي هزموها في معارك أخرى، حيث وصل قوام بعضها إلى مئة وعشرين ألفًا. ويبدو أنها كانت واحدة من جولات الاشتباك مع جيش جرجياس قائد أرض أدوم(1)، إذ يرد في (1مكا 5: 59، 60) فيما يبدو أنه احدى هذه الجولات أنه سقط ألفى يهودي(2).
جدير بالذكر هنا أن أعداد الجنود والفرسان المذكورة في (آية 32) هي ل جرجياس وليست يهوذا المكابى، وبالتالي فهي أرقام متواضعة بالنسبة للقوى التي أغار بها من قبل على اليهود. وفي (1مكا 5: 68) يذكر أن حملة يهوذا هذه قد انتهت بغارة على إقليم أشدود وعلى المعابد الوثنية والأصنام التي فيها.
أما "دوسيتاوس" المذكور هنا فهو مختلف عن الشخص المذكور في (آية 19) لأنه معرّف هنا. وترد العبارة: "دوسيتاوس أحد رجال بكينور" في النسخ الأرامية: (دين جفرا من طوبينا = رجل من طوب)، وهكذا وردت في عدد من المخطوطات اليونانية: (twbihnwn) أو (Toubnhuwn) مما يعني أنه كان أحد رجال طوب.
وأما "بكينور" Bacenor فهو أحد القواد اليهود في جيش المكابي وكان دوسيتاوس قائدا أيضًا ولكنه دوّنه في الرتبة وتظهر لنا شجاعته وجبروته من اختراقه لصفوف الأعداء ومحاولته أسر قائدهم، وبالتالي فقد كان بإمكانه قتله إذ يقترب منه إلى هذا الحد، لولا أن أحد رجال جرجياس تدارك الأمر فأصاب ذلك الفارس الشجاع.
الطراقيين = الثراكيين Thracians: وهم سكان ثراكية والتي تقع في شبه جزيرة البلقان شمال شرق مكدونية، جنوب بلغاريا الحالية، وكانت تقع بين نهرى "فستوس" و "الدانوب" حاليًا، وقد اشترك بعض من رجالها كجنود مرتزقة في جيش السلوقيين، حيث عُرف عنهم شدة البأس.وهم يعملون هنا لحساب المكابيين، وبالتالي فلا ينطبق عليهم التحريم الوارد في الشريعة والخاص بعدم جواز استخدام اليهود للفرسان.
أما الرداء الذي حاول دوسيتاوس امساك جرجياس منه، فهو المعطف القصير الذي كان الفرسان يرتدونه "cloak". وهو بلا أكمام وُيطرح على الكتفين ويثبّت عند العنق بدبوس (مشبك) وكان يتألف من قطعة مستطيلة من القماش، ومن الطرف السفلى تتقوس إلى جناحين فيما يشبه ذيلي المعطف الرسمي.
مريشة: وهي المدينة الفلسطينية الواقعة بين أدوم وحبرون، وهي التي ُاشير إليها سابقًا في (1مكا 5: 66) راجع التعليق عليها هناك.
أسدرين = أشدرين Esdris: وهو واحد من القادة في جيش المكابى، ولم ُيذكر إلاّ في هذا المكان وبالتالي فلا ُيعرف عنه شيء غير ما ورد هنا. وربما كان قائد الوحدة العسكرية التي تعرضت للخسائر والمذكورة في (آية 34). هذا وقد جاءت الكلمة اسدرين في اليونانية (EsdriV) وهو اسم يشابه اسم عزري الوارد (1 أخ 27: 26)، ونرى أن الكاتب لم يعطه كنية والذي بالتأكيد كان مذكور في كتب ياسون الكاملة.
وهكذا كاد اليهود أن يخسروا تلك المعركة، وعندما بادر يهوذا بالهتاف مع الشعب بالأناشيد الحماسية (المزامير)، والتي من شأنها إثارة حميّة الجنود وإذكاء روح القتال فيهم، استطاعوا تدارك الأمر، أمّا المقصود بأن يهوذا أنشد بلغة آبائه وهي العبرية فهو أن تلك الأناشيد كانت معروفة حيث كتبت ولحنت في العبرية وصارت تتلى في مناسبات بعينها. كما يوحى استخدام المكابى هنا للعبرية بأنه كان يتكلم الأرامية هو ورجاله قارن (15: 29).
أصنام يمنيا

38ثم جمع يهوذا جيشه وسار به إلى مدينة عدلام. ولما كان اليوم السابع، اطهروا بحسب العادة واحتفلوا بالسبت هناك. 39وفى الغد جاؤوا إلى يهوذا عندما كانت تقتضيه الحاجة ليحملوا جثث القتلى ويدفنوهم مع ذوى قرابتهم في مقابر آبائهم. 40فوجدوا تحت ثياب كل واحد من القتلى أشياء مكرسة لأصنام يمنيًا، مما تحرمه الشريعة على اليهود. فتبين لهم جميعًا أن ذلك كان سبب قتلهم. 41فباركوا كلهم تصرف الرب الديان البار، الذي يكشف الخفايا.

عدلام Adulam: اسم عبري معناه "ملجأ" وهي احدى مدن السهل الشهيرة وتسمى "عين الماء" وفيها تقع المغارة المسمّاة بإسمها، والتي فيها اختبأ داود من وجه شاول، راجع (يش12:15 و 1صم 22: 1 و 2 أخ 11: 17) وبعد هزيمة طيموتاوس العمونى عسكر الجيش عندها. هذا وتقع عدلام على بُعد حوالي 12 كم شمال شرق مريشة، ورغم أن الأدوميين قد تعدّوا على جزء كبير من جنوب اليهودية، فقد بقت عدلام في أيدي اليهود، أنظر (نحميا 11: 30).
التطهير حسب العادة:

لم يستحم المكابى ورجاله فقط ولكنهم تطهّروا بحسب الطقس، ولكنه لم يكن تطهير بحسب طقس سفر العدد (31: 19 - 24) لأنه يستغرق سبعة أيام، ولكنه كان حسب العادة أو حسبما تقضى تعليمات الحاخامات لمن يدخل الفناء الداخلي للهيكل فقط، فبحسب الرابي يهوذا ابن رابي إيلى كان مجرد غسيل للوجه واليدين بماء دافئ قبل حلول السبت، بينما يحتفظ الحسيديين بعادة التطهير بالغمر الطقسي قبل حلول السبت، كما طالب سكان قمران (الأسينيين) الجنود بتطهير أنفسهم في الصباح التالي لأية معركة (1).
أصنام يمنيا:

وبعد انقضاء السبت والاحتفال به قام الجنود باتمام الواجب والذي كان قد تأجّل بسبب حلول السبت، فعندما همّ رجال المكابي بتكفين القتلى تمهيدًا لدفنهم كلٍ في قبر آبائه، عثروا في طيات ثياب القتلى على تمائم (تعاويذ) وتماثيل صغيرة لآلهة يمنيًا والتي كانوا قد اجتاحوها، ولم تكن تلك الأشياء قد حملها الرجال على سبيل التفاؤل أو أنها تعكس معتقدات وثنيّة لديهم، وإلاّ لما حاربوا مع المكابى ضد الوثنيين، ولكنها على الأرجح كانت مقتنيات استولوا عليها من يمنيا (آية 8، 9) إذ كانت المعابد الوثنية تحتوى على ُحلى ذهبية وفضية مكرسة للآلهة الوثنية وتوضع فوق تماثيلها، ولكن ذلك كان مخالفًا للشريعة إذ يرد في سفر التثنية: " تماثيل آلهتهم تحرقون بالنار لا تشته فضة ولا ذهبًا مما عليها فتأخذ لك لئلا تصاد به لأنه رجس عند الرب إلهك، ولا تدخل رجسًا إلى بيتك لئلا تكون مجدفًا مثله، تستقبحه وتكرهه لأنه محّرم (تثنية 7: 25، 26)(1).
وقد رأى القادة المكابيين أن ذلك كان السبب في قتلهم دون الباقين، حيث لم تحمهم تلك الآلهة التي حملوا تماثيلها وتمائمها.
ويقول العالم إيسيدور ليفي أن أهل يمنيا صوّروا هيرقل وهورون على أنهما الإلهين اللذين يمتلكان يمنيا، ويظهر هذين الإلهين كمدافعين، وكانت يمنيا تقع في الإقليم الذي كانت تسيطر عليه مدينة عقرون حيث كان بعل زبول يعتبر كإله يدافع ويشفى (2مل 1: 2 - 16) وبذلك كانت تلك الأشياء المكرسة تعتبر تعاويذًا تجلب لحاملها قوة آلهة يمنيا الدفاعية، وكما مات الملك أحازيا عقابًا له على طلب قوة الشفاء من بلعزبول (بعل زبوب) هكذا هلك الجنود اليهود بسبب حملهم التعاويذ الوثنية.
ولكن الأرجح أن خطيّة أولئك الرجال كانت الجشع وليست الوثنية (أي الثقة بآلهة كاذبة) وقد كانت خطية "عخان بن كرمي" هي الجشع ولكنه دفع حياته ثمنًا لها (يشوع 7).
ويذكرنا ذلك بأصنام بيت لابان والتي أخفتها راحيل في أمتعتها، ورغم اعتقاد الكثير من الشراح في أن ذلك كان يعبّر عن بقايا التأثير الوثني لدى راحيل، إلاّ أن وثائق " نوزى Nuzi " تفيد بأن ذلك كان يعنى اثبات نصيب الإنسان في الميراث (تكوين 31: 14 16، 30، 32، 33 35).
أما عن مباركة (تمجيد) الشعب للرب الذي كشف الخفايا، فالمقصود به اكتشافهم سبب هزيمة البعض وكذلك الهزيمة العامة التي كانت وشيكة الحدوث في تلك المواجهة مع جيش جرجياس، معتبرين ذلك خيانة على غرار ما حدث في عاى بسبب ما فعله عخان بن كرمى.
الصلاة عن الراقدين


42ثم أخذوا يصلون ويبتهلون أن تمحى تلك الخطيئة المرتكبة محوا تامًا. ثم وعظ يهوذا الباسل القوم أن يصونوا أنفسهم من الخطيئة، إذ رأوا بعيونهم ما حدث بسبب خطيئة الذين سقطوا. 43ثم جمع من كل واحد تقدمة، فبلغ المجموع ألفى درهم من الفضة، فأرسلها إلى أورشليم لتقدم بها ذبيحة عن الخطيئة. وكان عمله من أحسن الصنيع وأسماه على حسب فكرة قيامة الموتى، 44لأنه لو لم يكن يرجو قيامة الذين سقطوا، لكانت صلاته من أجل الموتى أمرًا سخيفًا لا طائل تحته. 45وإن عد أن الذين رقدوا بالتقوى قد أدخر لهم ثواب جميل، كان في هذا فكر مقدس تقوى. ولهذا قدم ذبيحة التكفير عن الأموات، ليحلوا من الخطيئة.


شعر يهوذا ورجاله أن المجتمع كله قد ُوصم بخطية عبادة الأصنام، من خلال سلوك الجنود المخالفين، فإذا اعتبر يهوذا ما ورد في (لاويين 4: 13) منطبقًا على حالتهم فقد كان (لاويين 4: 14 - 21) بالتالي يحتّم احضار الشعب ثورًا كذبيحة خطية، وفيما بعد نصّت القوانين الحاخامية على أن يُجمع من الشعب مبلغ خاص لشراء الثور، وكان مبلغ الألفي درهم كبيرًا جدًا كثمن للثور (آية 43) وبالتالي كان المبلغ المتبقي يوهب للهيكل، ولكن يهوذا هنا يقدمها عن الأموات.
تعد هذه الفقرة من أهم المصادر الكتابية في تدعيم عقيدة الصلاة لأجل الراقدين، غير أنالأهم من ذلك هو عقيدة قيامة الأموات، فإن هؤلاء الذين ماتوا في الحرب لم يكونوا مجرد كائنات ظهرت حينًا ثم اختفت، مثل أية ظاهرة بيولوجية، ولكنهم أولاد لله أتى بهم إلى هذا العالم ووهبهم ميزة الخلود، وإذا عاشوا هنا بالبر فهم بذلك ُمستحقون لنصيب أبدي أعدّ لهم منذ تأسيس العالم.
أما عن تقديم القرابين عن الراقدين فقد مارست الكنيسة منذ البداية هذا الطقس، إذ ترد إشارة إلى ذلك في قوانين الآباء الرسل (1: 69) " إذا رغبتم في ذلك فكلوا بترتيب وخوف الله حتى يمكنكم أن تصلّوا عن الذين انتقلوا من هذا العالم". ويرد أيضًا في قوانين القديس اكليمندس أن الشرير لن ينتفع حتى ولو ُقدمت كل قنايا (أموال) العالم صدقة نيابة عنه للفقراء، كما يقول القديس أغسطينوس أنه ليس للصالحين جِدًا ولا الأردياء جِدًا، تقدم هذه القرابين (مدينة الله 21: 24/2). والمقصود بالطبع أنها تقدم عن أشخاص أبرار لهم بعض الهفوات والخطايا التي ليست للموت. ويرد في قوانين ابن العسال (القرن13)عن القربان الذين يقدّم يوم الدفن وفي تمام الشهر وعند انقضاء ستة أشهر وعند تمام السنة " ويعطون الفقراء ومن زاد على ذلك فله وللميت زيادة الأجر". كما ورد في كتاب الجوهرة النفسية لابن السباع (بداية القرن 14) "رفع القربان عن الميت في اليوم الثالث والتاسع والشهر و ستة أشهر وسنة " ويضيف: أن القربان على الميت مما ُيوجب له الرحمة من الله. فترتيب الثالث، لنشعر أهل الميت أنه رُحم من الله فيتسلّوا ويتعزوا عن فقده، برحمة الله. ويمضى ابن السباع (في باب 84) فيقول "عند توزيع لقمة البركة فعلى من يأخذها أن يقول قبل أن يأكلها اللهمّ اغفر خطايا مقدم هذا القربان وتستجيب طلبة الكاهن له على وجه الخصوص، وطلبة سائر الشعب على العموم". كما يقول يشوع بن سيراخ: "لا تمنع معروفك عن الميت" (سيراخ 7: 33).
أما عن الخطايا التي نصلي عن الميت لأجلها ونرفع القرابين، فهي تلك التي ليست للموت مثل التي نسى الاعتراف بها، أو تلك التي لم يجد من يعترف بها أمامه، أو عندما لم يجد الوسيلة التي يصحح بها ما ارتكبه أثناء حياته، يقول القديس يوحنا الحبيب " إن رأى أحد أخاه يخطئ خطية ليست للموت يطلب فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت. توجد خطية للموت ليس لأجل هذه أقول أن يطلب" (1يو 5: 16).
ويصلى القديس بولس الرسول عن تلميذه أنيسفورس قائلًا "ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم" (2تيمو1: 18) كما نصلي جميعًا لأجل داود النبي كل يوم قائلين وإذكر يا رب داود وكل مذلته" (مزمور 132: 1).
ولكنه ولا شك أن الذين ماتوا في خطاياهم، لاسيما أولئك الذين كانوا ُمصرّين عليها حتى موتهم، فإن هذه الصلوات والقرابين لن تنفعهم شيئًا (كما ورد في أقوال القديس أغسطينوس وقوانين القديس اكليمندس).
وهكذا نصلي كل يوم في أوشية الراقدين قائلين "وان كان قد لحقهم توان أو تفريط كبشر وقد لبسوا جسدًا وسكنوا في هذا العالم، فأنت كصالح ومحب للبشر اللهم تفضل واغفر لهم".
وفي العصر المسيحي الأول استبدلت القرابين التي ترفع عن الميت (في شكل طعام وصدقات للفقراء) بالافخارستيا، حيث ترفع ذبيحة الافخارستيا عن الميت سواء في الثالث أو الأربعين أو وقتما يشاء ذويه، إذ ُتعد الافخارستيا شركة حقيقية بين الأحياء والراقدين من خلال تناول جسد ودم المسيح الذي هو خبز الحياة (راجع يوحنا 6) كما عرفت في الولائم التي تعقب الافخارستيا في هذه المناسبات عادة أكل السمك من قرابين الموتى، حيث يرمز السمك إلى الافخارستيا، وقد أكله السيد المسيح مع تلاميذه بعد قيامته، ويوجد على الكثير من جدران مقابر المسيحيين في روما رسوم السمك مقترنة بالخبز والخمر.
وفي المقابل فإن الأبرار الذين انتقلوا من هذا العالم هم أيضًا يصلون عنا، ففي سفر المزامير نصلي "من أجل داود عبدك لا ترد وجهك عن مسيحك" (مزمور 132: 10) ثم قال الرب في سفر إرميا "وإن وقف موسى وصموئيل أمامي لا تكون نفسي نحو هذا الشعب" (إرميا 15: 1) أي أن موسى وصموئيل لهم كرامة عند الرب ويسمع لتضرعاتهم ولكن هذا الشعب تجاوزت تعدياته هذا الحدّ، كما يشفع فينا الملائكة أيضًا، فيرد في سفر زكريا: " فأجاب ملاك الرب وقال: إلى متى أنت لا ترحم أورشليم ومدن يهوذا التي غضبت عليها هذه السبعين سنة؟" (زكريا 1: 12، 13، 16). ونقرأ كذلك في سفر الرؤيا عن الحيوانات الأربعة والقسوس الأربعة والعشرون الذين رفعوا البخور وهو صلوات القديسين (رؤيا 5: 8).
جدير بالذكر أن الصدوقيين والذين تبلورت أفكارهم في العصر المكابي أيضًا، أنكروا فكرة قيامة الأموات وكذلك وجود الأرواح والحياة الأبدية ويظهر ذلك في محاجاتهم مع السيد المسيح، راجع (متى 22: 23-33) وقد أسهم هذا الجزء من السفر في بلورة فكرة الخلود.
يقول القديس أغسطينوس في مقاله عن المباحث العقائدية والأخلاقية".. نقرأ في سفر المكابين عن الذبيحة التي ُقدمت عن الموتى، فإن استخدام
(مثل هذه الذبائح) واضح للكنيسة كلها، حيث في صلاة الكاهن التي يقدمها للرب على مذبحه: اطراء للموتى له أيضًا مكانه(1).
وفي وجوب تقديم القرابين عمن ماتوا قبل أن يعتمدوا:".... على مثال المكابين الذين سقطوا في المعركة، فإني أشرح وجهة نظري في ضرورة ذلك، فهم (أي المكابيين) عندما قدّموا خفية التضحيات المحرقة (يقصد أصنام يمنيًا) وبعدما سقطوا في المعركة، نجد أن الكهنة قد لجأوا فورًا إلى هذا الاجراء الشافى، فقد ُقدمت الذبائح بغرض خلاص نفوسهم التي قيّدها الذنب بسبب تصرفهم المحرم" (2).
ويضيف قائلًا في أن ذبيحة جسد ودم المسيح لن تنفع الأشخاص غير المعتمدين، ولا يمكن تقديمها عن غالبية أولئك الذين يموتون بغير عماد: "فإننا نتكلم عن أولئك الذين بميلادهم بين الاشخاص الوثنيين ومن الوالدين الوثنيين لا يمكن بأي شكل أن ينالوا مثل هذا العون والمساعدة، وحتى إن أمكن تقديم هذه الذبائح فإنها بالتأكيد لن تفيد غير المعمّدين، تمامًا كما كانت الذبائح المذكورة في سفر المكابين غير ذي جدوى للموتى الخطاة الذين قدمت عنهم كما لو كانوا بالضبط غير مختونين" (1) ويقصد القديس في الفقرتين السابقتين أنه لن تفيد التقدمات الموتى غير المعمدين، مثلما كانت ستصبح غير مفيدة ذبائح المكابيين عن الذين ماتوا إذا لم يكونوا مختتنين إذ كان الختان في ذلك الحين رمزًا للمعمودية.
ويقول كذلك في دفاعه "إذا رغبت في أن تكون مسيحيًا، فأضرع إليك ألاّ تؤمن ولا تعلّم بأن تقدمة المسيحيين عن أولئك الذين قد فارقوا الجسد من دون عماد لن ُتقبل، وألا فإن ذبيحة المكابيين عن الموتى لن تقبل إذا كانوا غير مختونين" (2) وكان القديس يعاتب شخصًا يدعى فيكتور أو فيكتوريانوس في بعض العقائد.
أخيرًا: يجب أن نلاحظ الفرق بين مبلغ الثلثمائة درهم التي جمعها اليهود للاشتراك في ذبيحة وثنية في صور مجاملة للسلوقيين، ومبلغ الألفي درهم هنا والتي ُجمعت لأجل الذبيحة عن الأموات، حيث يظهر هنا كرم الشعب وتعاطفه وميله إلى تصديق فعالية هذه الذبيحة. هذا وقد اكتسب هذا العمل الذي قام به يهوذا أهمية كبرى في الفكر اليهودي والمسيحي تجاه عقيدة الصلاة عن الراقدين.

(1) مئتان وأربعون غلوة: تقريبا 45 كم، وطبقا للعالم أبل (Abel,RB 1925 , 359) يقول أن المسافة تبلغ 340 غلوة بالضبط. ربما يوجد اختلاف في المقاييس ما بين اليهود واليونانيين؟! وربما أخطأ "أبل".

(1) تشبه المدينة إلى حد كبير "خط بارليف" والذي أقامه اليهود على الضفة الشرقية لقناة السويس للحيلولة دون وصول المصرين إلى سيناء، وهو الخط الذي حطمه الجنود المصريين في حرب 1973م. وطبقًا لبعض المخطوطات اليونانية فإن كلمة جسور جاءت: (gefuraiV) وربما كانت جسور حجرية لتسهيل العبور.

(1) سبع مئة وخمسين غلوة: طبقا للمسافات التي قدرها كوجلر Kugler فإن الغلوة الواحدة = 0.165 كيلومتر، إذن 750 غلوة = 124 كيلومتر.

(1) يتضرع إليهم بكل حيلة: جاءت في اليونانية (meta pollehV gohteiaV) = (بسحر كثير، بشعودة كثيرة)، وهكدا ترجم من للآرامية (وْباعاه هُو مِنْهون وْمِتكَشيف هو = وقد طلب منهم وعمل في الأسحار)، ويوجد من يترجمها في بعض نسخ السفر: "بتحنن عظيم وبكاء".

(1) د/فاضل عبد الواحد علي كتاب: (عشتارت ومأساة تموز)، الطبعة الأولى 1999م. دار الأهالي للطباعة والنشر - سوريا. دمشق /ص 25.

(1) د/خزعل الماجدي في سلسلة "التراث الروحي للإنسان" الجزء الخامس " المعتقدات الكنعانية " الطبعة الأولى 2001م. دار الشروق للنشر والتوزيع عمان - الأردن /ص 97-100.

(1)Jonathan A. Goldsten, II Macc.

(2) راجع كتاب الهيكل للمؤلف / فصل عيد البنطقستى

(1) قائد أرض أدوم: طبقا للآية 40 من هذا الأصحاح فإن بعض اليهود أخذوا قدس من أصنام يبنة، وطبقا ل (1مكا 5: 58 - 9) خرج جرجياس من الحرب من يبنة، وهكذا يقول يوسيفوس (الآثار اليهودية كتاب 12 فصل 8: 6): (رئيس جيش يبنة strathgoV ImaneiaV) بهذا الدليل هناك من يترجم الكلمة في طبعات السفر ب " رئيس جيش يبنة " لأن مدينة يبنة كان بنو أدوم مستوطنين فيها منذ زمان.

(2) يعطينا هذا تأكيدًا اضافيًا لصدق السفر إذ لم يخفى الهزائم التي لحقت باليهود، ولم يقدّمهم على أنهم منتصرون على طول الخط.

(1) كتاب الحرب / مخطوطات قمران.كتابات ما بين العهدين.

(1) أشياء مكرّسة: جاءت في الأصل العبري (كْليْ قودِش) حيث (كْليْ = أدوات، أشياء) بينما (قودِش = مقدس، هيكل، قدس)، وجاءت في اليونانية (Ierwmata). ويرى العديد من المفسرين والتاريخيين أنه كانت هناك فيلة بحجم صغير مصنوعة خصيصا كتعويذة تحمل في الرقاب.

(1) N.P.NF, S1, vol. (1). P. 540. في العناية بالموتى.

(2) Ibid, v.5 , P. 338 فى الروح ومنشأها

(1) Ibid, v.5 , P. 320 فى الروح ومنشأها

(2) Ibid, v.5 , P. 350 فى الروح ومنشأها

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:22 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 13 - تفسير سفر المكابيين الثاني
حملة أنطيوخس الخامس وليسياس



جاءت هذه الحملة نتيجة لاستغاثة الحامية السلوقية الموجودة في قلعة (عكرة) في أورشليم، فقد قام يهوذا المكابى بالتضييق عليها بقصد إخضاعها ولكنه لم ينجح في ذلك، وقد ظلت الحامية موجودة بها إلى أن قام سمعان المكابى بفتحها وطرد الجنود منها حيث كان ذلك إذانا بانتهاء الاحتلال السلوقى لأورشليم (1مكا13: 49-52) أما حملة أنطيوخس الخامس فقد فشلت في تحقيق أهدافها ومن ثم عقد معاهدة صلح مع اليهود، حيث أكدت هذه المعاهدة استمرار نجاح الثورة المكابية.
تزلف منلاوس وقتله

فى السنة المئة والتاسعة والأربعين، بلغ أصحاب يهوذا أن أنطيوخس أوباطور زاحف على اليهودية في جيش جرار، ومعه ليسياس وصيه وقيم المصالح، ومعهما جيش يوناني مؤلف من مئة وعشرة آلاف راجل وخمسة آلاف وثلاث مئة فارس واثنين وعشرين فيلا وثلاث مئة مركبة ذات مناجل. فأنضم إليهم منلاوس، وجعل يحرض أنطيوخس بكل نوع من الحيل، غير مبال بخلاص وطنه، بل ساعيا لأن يعاد إلى منصبه، ولكن ملك الملوك أثار سخط أنطيوخس على ذلك المجرم، فإن ليسياس أظهر له أن الرجل كان هو السبب في تلك الشرور بأسرها. فامر الملك بأن يذهب به إلى بيريه ليقتل على عادة البلاد. وهناك برج علوه خمسون ذراعا مملوء رمادا، وفيه آلة مستديرة تهوى براكبها من جميع جهاتها على الرماد. ففي ذلك المكان يصعد المذنب بنهب المقدسات أو ببعض الجرائم الفظيعة الأخرى، ويفع به لهلاكه. وبهذا التعذيب هلك الأثيم منلاوس، ولم يحصل على تربة يوارى فيها، وحدث ذلك بكل عدل، فإنه قد أرتكب جرائم كثيرة على المذبح الذي ناره ورماده مقدسان، وفي الرماد ذاق موته.
جاءت هذه الحملة ناقضة للاتفاقيات السابقة الواردة في الإصحاح الحادى عشر، ومثلت تحولا كاملا في السياسة السلوقية تجاه اليهود، ولا شك أن العنف والقسوة منسوبان ليس إلى الملك الغلام بل ليسياس الوصي عليه، ثم ما تلبث سياستهم في أن تتحول إلى تعاطف مع اليهود وعقد صلح مع حماة بيت صور، وفي نهاية الحملة يكرم الملك الهيكل بسخاء، في حين يأمر بإعدام منلاوس رئيس الكهنة المرفوض.
فى تلك الحملة كان يهوذا قد قام لمحاصرة قلعة عكرة، بينما استخدم بقية قواته في سد الطرق الوعرة المؤدية إلى أورشليم من السهل السأحلى، ولكن قواته لم تكن تسمح بالهجوم على الجيش المالكى الكبير، وعندما طوق جيش الملك الأوجار التي تسببت في إعاقة تقدمه نحو أورشليم من خلال أدوم، وضرب الحصار حول الحصن اليهودي في بيت صور، اتخذ يهوذا القرار الصعب برفع الحصار عن القلعة ومواجهة الجيش المالكى في بيت زكريا، وهزم يهوذا ومات أخوه كبطل تحت أحد الأفيال، وعاد يهوذا إلى الهيكل الحصين ولم ينقذهم سوى تدخل إلهي من هزيمة ساحقة (راجع1مكا6: 28......الخ).

https://st-takla.org/Pix/People-Celeb...62-Coin-01.jpg
عملة أنطيوخوس الخامس
كانت القوة السلوقية كبيرة إلى الحد الذي يثير الفزع، يضاف إلى تلك أنها حملة انتقامية وليست توسعية أو استكشافية لمدى قوة اليهود وعتادهم. أما الأفيال الحربية فقد أشرنا فيما سبق إلى استخدامها في القتال من قبل السلوقيين، وأما المركبات ذات المناحل (أو الكلاليب) فلعلها ذلك النوع الذي يوجد على امتداد محوره من الجانبين جزء مدبب ومشرشر مثل السكاكين أو المناجل، وكان الغرض منه الإيقاع بأية مركبة تمر إلى جوارها أو الفتك عمومًا بكل ما يمر في محازاة المركبة، وقد ظهر هذا التطور في المركبات الحربية ومركبات المصارعات خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وقد استخدامها الرومان على نطاق واسع.
نهاية منلاوس:

يأتي تزلف منلاوس هنا إلى السلوقيين، على غرار تزلف ألكيمس إليهم، فبينما صاحب الأخير بكيديس القائد السلوقى(1مكا7: 9، 12) أملا في تعزيز موقفه كرئيس للكهنة، هكذا سلك الأول، وكلاهما يدرك أنه غير منتخب ولا محبوب من الشعب، وقد أراد منلاوس العودة إلى منصبه الذي طرد منه ولو على أشلاء بنى أمته، وكان خليقا به أن يؤثر خير الشعب على محبته للرئاسة والزعامة والمال، وفي هذا تأكيد على عدم محبته للشعب من جهة وعدم صلاحيته للوظيفة من جهة أخرى، لذلك ففي الدول ذات الأنظمة المتطورة يؤثر المسئول خير بلاده على محبته للسلطة، ومن ثم فإنه يستعفى من وظيفته متى كان باستمراره فيها يحول دون ذلك.
بل أن منلاوس نفسه قد فقد حياته وأبديته بسبب السعي إلى الكرامة الزائلة، إذ أن أنطيوخس عندما على ليسياس بأنه هو السبب الحقيقي وراء اندلاع الواجهات مع اليهود وهو الذي اقنع أنطيوخس الرابع بفرض الأغرقة على اليهود، وبالرغم من الاتفاقيات التي أبرمت منذ عهد قريب: استاء الملك لذلك فسواء أكان الملك أو ليسياس فإن أثنيهما لم يرغب في استئناف القتال.
معاقبة منلاوس:

قرر أنطيوخس توقيع أشد العقوبة على منلاوس في ذلك الوقت، حيث كان يرسل إلى البرية أعتى المجرمين وأشرهم خطرا وجرما، مثل نهب المعابد أو الخيانة العظمى وما في مستوى ذلك. أما تلك الآلة الرهيبة وهي من اختراع الفرس، فهي ذاتها التي عذب بها ومات: ألعازر الشيخ اليهودي(6: 28).
وكان المحكوم عليه يثبت في آلة تشبه الساقية، ومن ثم تدار وتغطس به داخل خزان أو برج ضخم بارتفاع حوالي 17م، ملئ بالرماد الملتهب، وتسمى هذه الطريقة أيضًا ب"الدولبة" (2مكا6: 28) وهي ما يقصد به عند الفرس ب"التعذيب بالرماد". وكان عدد كبير يشترك في هذه العملية كما هو الحال في عقوبة الرجم، إذ يتناوبون دفع العجلة. وكان منلاوس بحق سارق هياكل ومقترفا لجرائم بشعة (آية6) راجع أيضًا (4: 32-50).
وهكذا مات منلاوس على نحو مريع، ولم يهتم أحد بتسليم جثمانه لدفنه، حيث كان ترك الجثة دون دفن يعد عارا كبيرًا لدى اليهود، "وأتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك على وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تلم وبذلتك طعاما لوحوش البر ولطيور السماء"(حزقيال29: 5). هذا ويورد السفر هنا توازيا ما بين الجرائم التي أقترفها منلاوس، والطريقة التي قتل بها، فقد تعدى على الهيكل والذي يعد كل من ناره ورماده مقدسان، لأنها نار نازلة من عند الله، ولأنه رماد الذبائح التي قدمت لله، وهكذا عذب هو بالنار والرماد.....!!
ويقول يوسيفوس أن منلاوس قال في نهاية الحرب (1) ومن المحتمل أن تكون معاقبة منلاوس قد حدثت عند التفاوض مع اليهود في نهاية الحملة (آيات18-26) كحل بديل وأمثل للحروب بين الفريقين، فجاءت معاقبته في سياق ترضية اليهود. هذا وقد استمر لمدة عشر سنوات كرئيس كهنة.
بيرية Beroea وفي العبرية "برويا" وفي اليونانية ειζ Βεροιαν وفي الآرامية "حلب" (أرام صوبة). وهي مدينة في الجنوب الغربي لمكدونية في مقاطعة "أمباثيا" على مسافة 65كم غرب تسالونيكى، ومسافة 40كم من "خليج ثرماى" ونظرا لبعدها عن الطريق الرئيسى لروما فلم تكن لها شهرة كبيرة، وكانت أول مدينة تسقط في يد الرومانيين خلال الحرب في تلك المنطقة سنة 168 ق.م.، هذا وقد استعار سلوقس الأول اسمها ليُطلقه على مدينة "حلب" في سوريا، حيث كانت تلك الآلة البشعة للتعذيب، وأما بيرية مكدونية الآن فتُسمّى "فيريا".
ويقول يوسيفوق أن أونيا الرابع عندما رأى ألكيمس (وهو لا يتبع العائلة الأونية) قد تولى رئاسة الكهنوت بعد موت منالاوس، رحل إلى مصر البطلمية وشيد هيكله المنشق، وذلك عقب عودة أنطيوخس الخامس وليسياس إلى موضعهما في أنطاكية (2).

المكابيون يصرخون إلى الله

9 وأما الملك، فما زال يتقدم وروحه مملوء مقاصد بربرية، وهو يتوعَّد اليهود بأمر مما حدث على عهد أبيه. 10 فلما علم يهوذا ذلك، أمر الشعب بالابتهال إلى الرب نهارًا وليلًا أن ينصرهم في ذلك اليوم أيضًا، كما كان يفعل من قبل، فإنهم قد أوشكوا أن يحرموا من الشريعة والوطن والهيكل المقدس، 11 وأن لا يدع هذا الشعب الذي لم يفرج عنه إلا من أمد قريب يقع في أيدي الوثنيين الحقيرين. 12 ففعلوا كلهم وتضرعوا إلى الرب الرحيم بالبكاء والصوم والسجود مدة ثلاثة أيام بلا انقطاع. ثم حرضوا يهوذا وأمرهم أن يكونوا متأهبين. 13 وخلا بالشيوخ وعزم ألا ينتظر دخول جيش الملك إلى اليهودية والاستيلاء على المدينة، بل أن يخرج ويقضي الأمر بتأييد الرب. ففوق الأمر إلى خالق العالم، وحضَّ أصحابه على أن يُقالتلوا ببسالة حتى الموت في سبيل الشريعة والهيكل والمدينة والوطن والمؤسسات، ونصب معسكره عند مودين. 15 وجعل لهم كلهم السر "نصر الله". ثم أختار قوما من نخب الشبان وهجم بهم ليلا على خيمة الملك. وقتل نحو أربعة آلاف رجل في المعسكر، وطعن أول الأفيال مع الذي كان في برجه. 16 وأخيرا فقد ملأوا المعسكر رعبا وبلبلة وانصرفوا في فوز 17 تام عند طلوع الفجر وتم ذلك بحماية الرب التي كانت تكتنف يهوذا.
مضى أنطيوخس في سبيله متوعدا يهوذا، (3) ولم يعتبر بما جرى مع أبيه أنطيوخس الرابع عندما تحدى الله وشعبه ففشل وعوقب بشر ميتة. أما اليهود فلم يكن أمامهم تجاه ذلك سوى التوجه إلى الله بكل قلوبهم، مستعطفين إياه بالصلاة والصوم والميطانيات بشكل متصل ولمدة ثلاثة أيام. وهي العادة التي ما تزال متبعة في كنائسنا حتى اليوم عندما يحل بها ضيق ما أو تجربة، حيث يجتمع الشعب مع الكهنة مكرسين صوما وصلاه لمدة ثلاثة أيام استدرارا لمراحم الله، ذلك عندما تعيينا الوسيلة ويخرج الأمر عن الطاقة والحسابات البشرية والإمكانيات الروحية، ويحتاج الأمر إلى قوة إضافية وتدخل مباشر من الله. فقد كان الجيش كبيرًا والعتاد كثيرا، وكان في نية الملك الاستيلاء على أورشليم من جديد وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه من الحضارة الهيلينية، وما رافقها من توقف العبادة وتدنيس الهيكل ومنع العمل بالشريعة.
أما تعبير خلا يهوذا بالشيوخ/ أية3" فهو يعنى عقد مجلس للتباحث فيما يجب أن يفعلوه، وهكذا لم يسلك يهوذا كقائد عسكري وحسب، بل كسياسي محنك أيضا، إذ كان هؤلاء الشيوخ من بين حكماء الشعب وليس من قواد جيشه. وقد قرر المجلس نقل المعركة إلى خارج البلاد وعدم انتظار جيوش أنطيوخس حتى تصبح على مشارف أورشليم، وهكذا خرج جيش المكابى وعسكر عند "مودين" (1مكا2: 1) وأما كلمة السر:"نصرة الله" وكما أشرنا عند التعليق عليها في (8: 23) فهي العبارة التي كانوا يصرخون بها صرخة حماسية عند الهجوم لإكسابهم قوة قتالية إضافية وكذلك لإيقاع الرعب في قلوب الأعداء بها.
كان مجئ العدو عن طريق أرض أدوم (1مكا6: 31) وكانت أرض أدوم في الجانب الجنوبي الشرقي لبيت صور. كان من الصعب على يهوذا أن يعرف في أي طريق سيجيء العدو لأورشليم، فهل سيجيء عن طريق ساحل البحر أم عن طريق لود، أو بكلا الطريقين معا، ومن لود كان أمامه طريقان ليتجه ناحية جنوب أورشليم، الأول طريق بيت حورون، والثاني الطرف الجنوبي، وكان هناك طريق ثالث لأورشليم غربا بجانب قلعة جازر على طريق عماوس. لذا عسكر يهوذا في مودين التي تبعد 15 كم. من لود وجازر وعماوس، إذ رأى أنه أنسب مكان لنصب المعسكر.
هجمة مباغتة:

وبينما كان السلوقيين مطمئنون غاية الاطمئنان مستندين على عددهم وعتادهم، كانت بسالة اليهود أشد تأثيرا وضراوة من ذلك، وأما عن اختيارهم لخيمة الملك عند الهجوم فلابد وأنه كان القصد من ذلك إيقاع الرعب في قلوب بقية الخيام والجنود بقتل ذلك العدد الهائل من الجنود، لاسيما وأنهم من البديهى من خيرة وصفوة الفرسان والجنود، أولئك الذين كانوا حول تلك الخيمة، كما كان قتل فيل واحد يعد خسارة كبيرة، فقد كان العدد الكلى للأفيال الحربية في هذه الحملة" أثنين وعشرون فيلا فقط، ربما أضيف إليهم أحد عشر فيلا في وقت لاحق (راجع1مكا6: 30) إذ يذكر في أنباء هذه الحملة أنها كانت تضم أثنين وثلاثين فيلا، وكان البرج الخشبى المثبت فوق الفيل يسع اثنين وثلاثين رجلا مع أسلحتهم، ولكن الفيل الذي قتل لم يكن معه سوى قائده فقط، وربما كان ألعازر أخو يهوذا المكابى هو الذي قتل الفيل ومات هو تحته (1مكا6: 43-46). وهكذا أوقع اليهود الرعب والفزع في معسكر السلوقيين محدثين جلبة قبل أن ينصرفوا عند الفجر.
أنطيوخس يتفاوض مع اليهود


18 فلما خبر الملك ما عند اليهود من الجرأة، حاول أن يأخذ المعاقل بالحيلة. 19 فزحف على بيت صور، وهي قلعة ليهود منيعة، فهزم وأعاد الكرة فكسر. 20 وأمد يهوذا الذين في القلعة بما يحتاجون إليه. 21 وإن رجلا من جيش اليهود اسمه رودقس كان يكشف الأسرار للعدو، فبحثوا عنه وقبضوا عليه وأعدموه. 22 فعاد الملك وفاوض أهل بيت صور ومد يمناه إليهم وأخذ بيمناهم وأنصرف، وهاجم يهوذا وأصحابه وكسر. 23 وبلغه أن فيلبس الذي كان قد تركه في أنطاكية لتدبير الأمور قد تمرد عليه، فوقع في اضطراب ففاوض اليهود وخضع وأقسم لهم بأن يوافق على جميع شروطهم المشروعة. وبعد أن صالحهم، قدم ذبيحة وأكرم الهيكل وأحسن إلى المكان المقدس. 24 ورحب بالمكابى وترك هيجمونيدس قائدا من بطمايس إلى حدود الجرانيين. 25 ثم جاء إلى بطلمايس، وكان أهل المدينة قد شقت عليهم هذه المعاهدة، فإنهم كانوا ساخطين على تلك الاتفاقيات يريدون نقضها. 26 فصعد ليسياس إلى المنصة ودافع ما استطاع عن تلك الاتفاقيات، فأقنعهم وهدأهم واستمالهم إلى الرفق وذهب إلى إنطاكية. وهكذا كانت حملة الملك ورجوعه.

اجتاح صور:

ترد تفاصيل تلك المعارك والحصار الذي ضرب حول صور في 1 مكا6: 48-63) حيث استطاع الملك بالفعل إجبار سكان بيت صور على الاستسلام وذلك بعد مقاومة لأيام كثيرة(1مكا6: 31)، وذلك بسبب طول مدة الحصار ونفاذ المؤن برغم الإمدادات المستمرة أتى كان يهوذا يرسلها سرا للمدينة كما حاصر الملك أيضًا جبل الهيكل ونصب المجانق والكباش الحديدية، بل كاد أن يستولى على أورشليم من جديد، ولكن اليهود أبدوا مقاومة عنيفة وأظهروا رباطة جأش أذهلت الملك، مما جعله يتجه بفكره نحو المهادنة وعقد اتفاقية سلام.
الجاسوسية:

يبدو أن السبب الحقيقي لفتح "بيت صور" كان الخيانة، حيث مكنهم ذلك الجاسوس الرديء من ذلك، هذا وقد عرف التجسس منذ قديم الزمان سواء في السلم أو في الحرب، وكان عمل الجاسوس يتسم بالمخاطرة الشديدة، إذ كانت العقوبة المرشحة دائمًا لذلك هي الإعدام في حال اكتشافه. هذا وتسمى الجاسوسية في الحروب "الطابور الخامس" وإن كانت في الواقع تعد "الطابور الأول!!" الذي يعمل بفاعلية أكبر إبان الإعداد للحروب (4)، وقد أرسل يشوع بن نون قديمًا الجواسيس ليكتشفوا أرض الموعد، كما أرسل يوناثان المكابي بعض الجواسيس ليكتشفوا معسكر جيش ديمتريوس (1مكا12: 26).
وهنا انتبه اليهود إلى أن هناك من ينقل الأسرار العسكرية إلى الأعداء، فلن يكن التفوق العسكري للسلوقيين هو السبب الفعال لتقدمهم في الحرب، حتى اكتشفوا ذلك الجاسوس، فقد كان هناك بالطبع من أفشى سره!! وحينئذ أعدموه، أما اسم ذلك الجاسوس فهو رودقس.
رودقس Rodokos: الاسم ليس يونانيا ولا يهوديا ولا أراميا، ولكنه إيرانى على الأرجح، وقد تسمى الكثير من اليهود في تلك الآونة أسماء إيرانية (فارسية) ورما جاء من الاسم "رودقس" الأسماء روس Rose أو Rosy ويكون شكل الاسم الإيرانية Rodak، ويأتي من الكلمة Rose أي وردة.
التفاوض مع اليهود:

يأتي السعي إلى هذه المفاوضات عن إعدام الجاسوس، مما يؤكد أنه كان له ضلع في تلك الأحداث المؤسفة، وقد بدأ الملك التفاوض مع بيت صور وعقد الصلح معهم، ربما ظما منه أنهم يؤيدونه ضد المكابى، وإلا لما كان قد واصل هجومه على جيش يهوذا (آية22) غير أن القضية قد حلت بشكل حاسم عندما أصبح الأمر يتعلق بتاجه وعرشه، حيث وصلته الأنباء من إنطاكية بأن فيلبس نائبه هناك قد آثر الاستحواذ على العرش، ومن ثم بادر بعقد الصلح الكامل مع اليهود كافة، ولقد أظهر في ذلك حسن النية عندما قام بإكرام الهيكل، الأمر الذي يحسب بالنسبة لليهود دليلا دامغا على صدقه، إذ يعكس إكرامه للهيكل الذي يحسب بالنسبة لليهود دليلا دامغا على صدقه، إذ يعكس إكرامه للهيكل إكرامه للأمة بأسرها وشرائعها وعقائدها وإلهها.
ثم تصادف الملك مع يهوذا (رحب بالمكابى/آية24) باعتباره ممثلا لليهود كلهم. غير أن ذلك أتى بعد تدمير الملك لتحصينات جبل الهيكل (1مكا:62) ثم تعيينه ألكيمس Alcimus في نفس الفترة رئيسا للكهنة خلفا لمنلاوس.
هيجمونيدس Hegemonids: جاءت هذه الكلمة في العبرية: (سر سافا = رئيس جيش) ووردت في النص اليوناني بمعنى: (يكون حاكما) غير أن البعض بطريقة الخطأ قد ترجمها على أنها اسم قائد عينه أنطيوخس على ذلك الإقليم، ولكن الأرجح أن الملك في سياق مراضاته لليهود قد عين يهوذا قائدا من عكا (بتولمايس) حتى الجرانيين (جرار) وهو ما يرد لوضوح في الترجمة اللاتينية (فولجاتا)، ويبدو الأمر منطقيا عندما نقرأ كيف ثار أهل عكا على تلك الاتفاقية مع اليهود رافضين خضوعهم لقيادتهم، وهو السبب الذي جعل الملك يتجه إليهم بصحبة ليسياس ليهدئ من روعهم مدافعا عن تلك الاتفاقية، مؤكدا لهم عدم تخلى المملكة عنهم، وعليه يمكن قراءة النص كالآتي: "رحب بالمكابى وعيته قائدا لبطلمايس إلى حدود الجرانيين."
وهذه الكلمة هيجمونيدس هي التي اشتق منها كلمة هيغومينوس، والمستخدمة في الكنيسة بمعنى "قمص" أو "مدبر" وهي رتبة إدارية في الكنيسة تعطى لأحد القسوس يصبح بموجبها مسئولا عن مجموعة من القسوس، كواحد متقدم في الجماعة يدبرهم ويخضعون له في أتضاع وطاعة. وفي كثير من الكنائس الآن يوجد أب قمص مع عدد من القسوس ويخضع له الجميع في أبوة روحية.
الجرانيين / الجرار Gerar, Gerrenians

(5) كلمة عبرية معناها "جرة" وهي مدينة هامة بالقرب من البحر المتوسط، جنوب وجنوب غرب حدود كنعان، وتقع كذلك على مسافة 14 كم جنوب شرق غزة وغرب بئر سبع، وهي المدينة التي انحدر إليها كل من إبراهيم واسحق عندما حدث جوع في الأرض (تك20: 1و 126) مما يدل على غناها ورفاءها لمدة طويلة وتقع الآن على مسافة 23كم حنوب غرب "بيت جبرين).
ويرى البعض الآخر أن الجرانيين شعب سكن شبه جزيرة سيناء بقرب سيربونيس Sirbonis شرق البلزيوم، وإن كانت في ذلك الوقت واقعة تحت السيطرة البلطمية بخارج الحدود السلوقية، ولكن علماء آخرين يرون أن جرار كانت بقعة محلية مهمة في أضيق موقع بوادى لبنان شرقا وإلى الجنوب من بيروت قليلا وهي التي اطلق عليها فيما بعد اسم "خلقيس" Chalkis، وقد سميت المدينة ليس باسم المنطقة ولكن باسم الجماعة العرقية التي تسكنها.
وضع اليهود بعد رحيل أنطيوخس الخامس عنها:

انسحب الملك الصغير دون أن يرغم يهوذا ورجاله على إلقاء أسلحتهم، وترك المجال مفتوحا أمام اليهود ليعود من ترك مسكنه منهم إلى دياره، وربما ترك الملك أيضًا الطريق ممهدا أمام المزيد من التوغل اليهودي شمالا رغم أن السامرة كانت تقع ما بين اليهودية والجليل، إلا أن يهوذا ورجاله كانوا يتنقلون بحرية تامة طوال الوقت كم خلال السامرة (1مكا5:21-23و-52-53و2مكا15: 1-5) ومن هنا ربما كان تعيين القائد (الهيغومينوس) بهدف وقف تطلعات اليهود شمالا، وطمأنة الوثنيين الذين سكنوا بمحاذاة الحدود البطلمية، ولكن ذلك على صعيد آخر يعنى تراجع في النفوذ السلوقى مقابل تزايد في القوة اليهودية الأمر الذي حرك المخاوف لدى السكان هناك، بسبب معاهدة السلام ومن اليهود المستردين قوتهم، انظر(6: 8).
هذا وقد سجل اليهود تاريخ رحيل أنطيوخس الخامس عن أورشليم في 5 يناير من عام 162ق.م. (أو5 مارس حسب التقوىم الكبيس) (6) ولا شك أنه هزم فيلبس المتآمر عليه هناك في إنطاكية (1مكا6: 63) وهو ما يؤيده أيضًا يوسيفوس المؤرخ اليهودي. (7)
___________________________________
(1) الآثار اليهودية كتاب 12، فصل9: 7.
(2) Jonathan A. Goldsten, II Macc.
(3) جاء في الترجمة اليونانية للآية 9 τοιζ δε φρονημασιν Βεβαρβαρω μενος= قسى قلبه) وهو التعبير الوراد عن فرعون (خروج7: 14).
(4) هناك العديد من الوقائع المثيرة والمتعلقة بالجاسوسية أثناء الحرب العالمية الثانية، وتجمع ما بين البطولة والخسة والخيانة، جمع بعضها الكاتب: أحمد الصاوى في كتابه "الطابور الخامس".
(5) جاءت جرار في المخطوطة اليونانية التي تحمل رقم 55 هكذا: εως των Τεραρηρων
(6) وذلك حسبما ورد في قسم (تاعنيت Ta'anit في التلمود).
(7) عصور اليهود القديمة (12-9-7-386)

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:25 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 14 - تفسير سفر المكابيين الثاني
المواجهات مع نكانور

ما تزال وشايات رؤساء الكهنة غير الشرعيين ومؤامرتهم مستمرة، ومازال الشعب المسكين يعاني من نتائجها، فقد أثار ألكيمس - رئيس الكهنة المُبعد - ديمتريوس الثاني ضد شعبه وقادته، مبتغيًا من وراء ذلك إعادته إلي منصبه، وقد جرت مواجهات دامية ما بين السلوقيين واليهود نتيجة لذلك، وحتي عندما مال نكانور (القائد الذي عينه ديمتريوس للقصاص من اليهود) إلي مصادقة اليهود، عاد ألكيمس ليثير نار الفتنة بين الطرفين، مما أسفر عن إعلان نكانور الحرب علي اليهود ولكنه قُتل ومُثل بجثته.ويضم الأصحاح أيضًا قصة بطولة إيمانية رائعة لواحد من أتقياء اليهود، تُعزي مطالع السفر عما اقترفه ألكيمس.
وشاية الكيمس

1 وبعد مدة ثلاث سنوات، بلغ أصحاب يهوذا أن ديمتريوس بن سلوقس قد نزل في مرفا طرابلس بجيش جرار وأسطول، 2أوأستولي علي البلاد وقتل أنطيوخس وليسياس وصيه.3 وإن أحدا يدعي ألكيمس الذي كان قد قلد الكهنوت الأعظم، ثم تنجس عمجًا أيام التمرد، أيقن أن لا خلاص له البتة ولا سبيل إلي أرتقاء المذبح المقدس.4فقصد ديمتريوس الملك في السنة المئة والحادية والخمسين، وأهدي إليه إكليلًا من ذهب وسعفة وأهدي إليه، بالإضافة إلي ذلك، أغصان زيتون جرت العادة بأن تقدم للهيكل، وبقي في ذلك اليوم ساكتًا. 5 وسأله عن أحوال اليهود ومقاصدهم. فقال: 6 "إن الحسيديين من اليهود، الذي يقودهم يهوذا المكابي، يلقمون نار الحرب والفتنة، ولا يدعون للمملكة راحة. 7 فبعد أن جردت من منصبي الموروث، أي من الكهنوت الأعظم، قدمت إلي هنا 8 أولا لأهتمامي الصادق بمصلحة الملك، وثانيًا سعيًا مني لخير قومي، لأن رعونة أولئك الذين عنيتهم قد أنزل بأمتنا جميعها مصيبة غير صغيرة.9 فإذا أطلعت، أيها الملك، علي كل من هذه الشكاوي، تنازل وارع شئون بلادنا وأمتنا المهددة من كل جهة، بما فيك من الإنسانية والإحسان إلي الجميع، 10ولما أتم كلامه، اسرع سائر أصدقاء الملك، وهم أعداء ليهوذا، إلي استفزاز ديمتريوس. 12 فأختار من ساعته نكاتور، وكان قد أصبح مروض الأفيال، وأقامه قائدًا علي اليهودية وأرسله.13وأمره أن يقتل يهوذا ويبدد أصحابه ويقيم ألكيمس عظيم كهنة للهيكل الكبير. 14 وأخذ الوثنيون الذين في اليهودية، والذين فروا عن يهوذا، ينضمون أفواجًا إلي نكانور، ظنًا منهم أن نكبات اليهود وبلاياهم ستنقلب إلي خير أنفسهم.

إلي أحد المواني في طرابلس وصل ديمتريوس الأول علي متن سفينة شراعية عادية ساعيًا إلي استرداد العرش، وذلك في ربيع سنة 161 ق.م.(سنة 149 سلوقية) وقد كان ديمتريوس هذا ويلقب "سوتير" في روما كرهينة محل أخيه أنطيوخس الرابع أبيفانيوس، غير أنه استطاع الهرب من هناك بمعاونة بوليبيوس المؤرخ والذي روي هذه الواقعة.(1)
وعندما نزل ديمتريوس في طرابلس كان بصحبته عدد يسير من الجنود (وكانت وقتئذ تقع علي مسافة ثلاثة كيلومترات من طرابلس الحالية)، غير أنه استطاع هناك جمع الكثير من الجيوش المستاءة من حكم أنطيوخس الخامس وليسياس وصيه وهو مايفسر لنا كثرة الجيوش هنا مقارنة بما ورد في (ا مكا 7)، ومن ثم اتجه إلي أنطاكية حيث افتتحها وقتل اثنيهما وملك مكانهما، راجع العليق علي ذلك في (1 مكا 7: 1- 4)هذه هي الأخبار التي بلغت يهوذا المكابي، ومن ثم بدأ القادة اليهود في أنتظار ما عسي أن تتمخض عنه تلك الاضطرابات السياسية.
أما ألكيمس والذي تدنس عمدًا (آية 3) بمعني أنه أعتنق الحضارة الهيلينية بمحض ارادته خلال المدة التي فرضت فيها الثقافة الهيلينية بامر أنطيوخس أبيفانيوس، أو حسبما يري البعض أنه تجرأ علي الخدمة في الهيكل وهو غير طاهر، وأما التمرد: فُيقصد به أيام تمرد المحافظين من اليهود ورفضهم التعامل مع الطقوس الوثنية (آية38) راجع (1مكا1: 53و 2: 33 و2مكا 5: 7).ما أن سمع ألكيمس هذا بالانقلاب الذي جري في أنطاكية حتى بادر إلي هناك عله يجني بعض الثمار، أهمها اعادته إلي وظيفته، وقد نجح في مسعاه.!
يبدو أن ألكيمس قد لاقي بعض المعارضة في أثناء فترة حُكم أنطيوخس الخامس القصيرة، بسبب اعتبار اليهود عدم شرعية حكم أنطيوخس كطفل صغير، وبوفاته سقط تعيين ألكيمس وحتي إعادة تعيينه عن طريق الملك الجديد ديمتريوس، نظر غليه الحشمونيين ومعارضيه بعدم شرعيته كرئيس للكهنة، ولكن كاتب سجلات رؤساء الكهنة لم يأبه لذلك واعتبر مدة رئلسته أربعة سنوات متصلة. ومن (الأية 6) هنا وكذلك من (1مكا7: 5- 7) نلاحظ أن ألكيمس قد واحه متاعبًا من معارضيه اليهود في بدء حكم ديمتريوس الأول.
الحسيديين Asidaioi (آية 6):

هم أول من تقبل ألكيمس، ووثق بالحملة المغيرة علي المكابيين (1مكا2: 42 و 7: 13) ويُشتق اسمهم من hysd العبرية أو الأرامية والتي تعني "تقي " وقد كانوا يهودا أتقياء محاربين (1مكا2: 42) اقتنع الحسيديين في البداية بعمل متتيا الكاهن الحماسي(2) ولنهم عادوا واحتجًوا علي سياسة الأطماع السياسية والتي انتهجها المكابيين فيما بعد، ومن الحسيديين خرج الفريسيين وكذلك الأسينين سكان مغائر قمران.
هدايا ألكيمس:


قدم ألكيمس إلي الملك نفس نوع الهدايا التي قدمها سمعان المكابي إلي ديمتريوس الثاني(1مكا13: 37)مما يدفع إلي الاعتقاد بأنها كانت هدايا تقليدية تُقدم من رؤساء الكهنة إلي الملوك، وكانت التجان تصنع من الذهب وترصًع بالحجارة الثمينة والجواهر، وكانت إما تذكارية وإمًا لاستخدام الملك، وأما السعفة Frond فهي عبارة عن جريدة بها بعض السعفات وُيصنع الكل من الذهب، وكانت تشير إلي البهجة والخير والنصرة، إذ كان السعف وأغصان الزيتون والرمان تستخدم في الاحتفالات، وفي وقت لاحق قدم سمعان المكابي هديتين مماثلتين
لديمتريوس الثاني (1مكا 13: 26- 37)، وكانت مثل هذه " السعفة" تقدم كهدايا للهياكل أيضًا، هذا وقد أضاف ألكيمس إلي هاتين الهديتين: هدية ثالثة عبارة عن أغصان زيتون، من الذهب غالبًا أيضًا.
ويعني تعبير أنه بقي ذلك اليوم ساكتًا، أنه سلك بالخبث، حيث تظاهر بأنه إنًما حضر في ذلك اليوم فقط للتهنئة، وإلً لصارت الهدايا في عيني الملك مثل رشوة!!، فلما وجد الفرصة سانحة: سكب وشايته بغزارة متآمرًا علي شعبه، مؤثرًا كرامة هذا العالم علي خير شعبه وكرامته والمبادئ السامية بل وخلاص نفسه هو.
وكان من حق الملك تعيين أو اقصاء من يشاء من رؤساء الكهنة وفي المقابل كان رئيس الكهنة يسعي دائمًا لتأييد الملك لاسيما إذا لم يكن علي وفاق مع اليهود أو حتى مع بعض منهم.
نكانور:

وهو الذي كان مسئولًا عن الفيلة (3) اقامه الملك هنا قائدًا علي اليهودية بشكل مؤقت (راجع آيه 26) لكي يؤكد خضوعها وتبعيتها للمملكة السلوقية ولكي يجرًد يهوذا من أية سلطة سياسية، وقد وجدها كل من الوثنيين واليهود المتأغرقين والمعارضين، فرصة للتحالف مع نكانور نكاية بالمكابيين، وكانت الأوامر الموجهة من الملك إليه تتضمن التخلص من قادة الثورة في أورشليم وإعادة ألكيمس إلي وظيفته.
هذا وتبدأ قصة نكانور هذا من الآية 15 كتراجيديا مقسمة إلي خمسة أقسام:
1 0 الحرب في دساو: (16 - 17).
2 0 السلام مع يهوذا: (18 - 25).
3 0 وشاية ألكيمس ضده ونقضه للعهد (26 - 30).
4 0 تجبصره علي الهيكل (31 - 36).

5 0 سقوط وموت نكانور (أصحاح 15 كله).
راجع التعليق علي شخصية نكانور ودوره في الأحداث المكابية في (1مكا 7: 26).
ما بين ألكيمس ومتتيا الكاهن:

كان متتيا الكاهن أبو المكابيين مجرد كاهن عادي ولكن تأثيره بلغ أقصي مدي في ذلك الوقت، بينما كان أليكس رئيسًا للكهنة وقد بلغ تأثيره السلبي إلي حد استعداء الوثنيين علي بلاده.
كان متتيا يسعي جاهدًا علي العمل بالشريعة ورفض كافة أشكال الوثنية، بينما سعي ألكيمس في تأكيد الحضارة الهياينية وإبعاد الشعب عن التمسك بالوصايا.
كان متتيا يدافع عن الحق، بينما زيف ألكيمس ذلك الحق. وبينما رفض متتيا الكرامة الزمنية واستخفف بامتياز " صديق الملك" وهي رتبة جليلة مقابل حمل الشعب علي الذبح للأوثان، سعي ألكيمس إلي مثل تلك الكرامات علي حساب الوصية والعبادة ولذلك فليس من العجيب أن يُمتدح متتيا في حين يُذم ألكيمس.(راجع 1مكا 2: 18)
العلاقات بين يهوذا ونكانور:

تأرجحت علاقة المكابي بـنكانور، ما بين الصداقة والمهادنة من جهة، والعداء والمواجهة من جهة أخري، حيث لعب ألكيمس رئيس الكهنة دورًا رديئلً في اشعال نار العداوة بين اثنيما، وذلك خشية أن يؤدي تحالفهما إلي حرمانه من مزاولة رئاسة الكهنوت.
نكانور يصادق يهوذا

(1مكا 7: 27، 28)
15ولما بلغ اليهود قدوم نكانور واعتداء الوثنيين، حثوا التراب علي رؤوسهم وابتهلوا إلي الذي أقام شعبه ليبقي للأبد والذي لم يزل يؤيد ميراثه بآيات مبينة.16ثم أمرهم القائد فرحلوا من ساعتهم من هناك، والتحم القتال بينهم عند قرية دساو.17وكان سمعان نأخو يهوذا، قد شن القتال علي نكانور ففوجئ بقدوم الأعداء، وأصيب ببعض الفشل.18ولكن، لما سمع نكانور بما أبداه أصحاب يهوذا من البأس والبسالة في دفاعهم عن الوطن، خاف أن يفصل الأمر بالدم.19فأرسل بوسيدوينوس وتاودوتس ومتتيا لمد اليمني علي رجاله نفأجمعوا كلهم علي راي واحد ووافقوا علي الاتفاقيات.21وعينوا يومًا يتلاقي فيه الرؤساء علي انفراد.وتقدمت مركبة من الجانبين وجئ بالكراسي، 22وأقام يهوذا رجالًا مسلحين متأهبين في المواضع الموافقة، مخافة أن يدهمهم الأعداء بشرنثم تفاوضوا واتفقوا.23وأقام نكانور في أورشليم لا يأتي منكرًا، لا بل أطلق الجموع التي احتشدت إليه افواجًا.24وكثيرًا ما كان يهوذا عنده، وكان قلب نكانور يميل إليه.25وحثه علي الزواج وعلي إنجاب الأولاد، فتزوج يهوذا وذاق الراحة وتنعم بالحياة.
دسادًاو: جاءت في اليونانية (Δεσσαου) أو "ليساو"، وهو مكان غير معروف علي وجه الدقة، ربما كان جديد " أداسة" (Αδασσα) الوارد في 1مكا 7: 45).
ظهرت بوادر المتاعب بعد الانقلاب الذي جري في أنطاكية وأسفر عن تغيير الملك، ويعود اليهود من جديد للصراخ إلي الله، وكما اعتادوا أن يصرخوا فقد اعتادوا علي الثقة في أن ينالوا المعونة من الله في كل مرة.ولكن سمعان المكابي والذي شن هجومًا مباغتًا عند دساو (أداسة) طالما رأي اليهود الخونة والوثنيون جيرانهم، بين رجال نكانور: صدُم، ولعل ذلك يفسًر لنا تعبير " أصيب ببعض الفشل!" (آية 17).
نكانور يرسل سفارة للصلح:

يبدو هنا وبشكل خاص كيف يفكر نكانور بتعقل وموضوعية رغبة في حقن الدماء، وأن لم تدم الهدنة بينه وبين اليهود كثيرًا، ويُقصد باعطاء اليمني والأخذ باليمني: المصالحة، كما أن عقد الصفقات هو تعبير يجئ من صفق اليد اليمني باليد اليمني......
بوسيدونيوس Posidonius: اسم إله يوناني ذُكر أنه وجه جزيرة "ديلس" إلي موقعها الحالي، بعد أن كانت طافية علي وجه المياة تائهة، كما وهبها أن يولد فيها " أبو للو"(4).
تاودوس Theodotus: اسم يوناني مشتق الاسم " ثيؤدوسيوس".(5)
متتيا Marthathias: ويبدو من الاسم أن الرجل هو من أصل يهودي، عمل كمستشار لنكانور.وقد نجح الثلاثة في مهمتهم حيث مهدوا للقاء القائدين (علي غرار ما يحدث الآن حين يقوم وزراء الخارجية بالتحضير للقاء رؤساؤهم فيما يسمي الآن اصطلاحًا:لقاء القمة) غير أنه ونظرًا لوجود الشك والتحًفز، فقد احتاط كل من الطرفين بوضع قوات علي مقربة من مكان الاجتماع، بحيث تكون علي أهبة الاستعداد وهكذا أبرم الاتفاق.(6)
لفتة إنسانية وجدانية (آية 23 - 25):

هذه الآيات منعمة بالحياة وهي ذات بعد وجداني اجتماعي، وتُعد من اللفتات القليلة في السفر التي تتناول مثل هذا الجانب، لاسيما وسط أحاديث وأخبار متلاحقة عن الحروب والهزائم والدماء والانتصارات والصراعات والوشاية والخيانة والمؤامرات، وهي تؤكد لنا أن لغة المحبة تجمع ما بين يهوذا (إذ عاد ليجمع رجاله عندما شعر بالخطر يحدق به لاحقًا / آية 30) ويظهر - ذلك أن نكانور لم يحتال علي يهوذا بعرض الزواج عليه ليصرفه عن روح القتال، ولكن الوشاية كانت السبب الحقيقي والمباشر في فصم عري تلك الصداقة العجيبة.
ألكيمس يتآمر من جديد

26 ولما راى ألكيمس ما هما عليه من التفاهم، أخذ ما عقد من اتفاقات وذهب إلى ديمتريوس وقال له إن نكانور يرى رأيا يخالف مصالح الدولة، فإنه عين في منصبه يهوذا، عدو المملكة. 27 فغضب الملك غضبا شديدًا واستفزه افتراء ذلك الفاجر، فكتب إلى نكانور يقول أنه مستاء من تلك الإتفاقيات، ويأمره بأن يبادر إلى إرسال المكابى مقيدا إلى أنطاكية.
28 فلما وقف نكانور على ذلك، وقع في اضطراب وصعب عليه أن ينقض الإتفاقيات، ولم ير من الرجال ظلما. 29 ولكنه لم يجد سبيلا إلى مقاومة الملك، فتربص لينفذ الأمر بالمكيدة. 30 ورأى المكابى أن نكانور قد تغير عليه، وأمسى يتلقاه عادة بخشونة. ففطن أن هذا التغير ليس للخير. فجمع عددا كثيرا من أصحابه وتوارى عن نكانور. 31 فلما رأى نكانور أن الرجل خدعه على أكمل وجه، ذهب إلى الهيكل العظيم المقدس، وكان الكهنة يقدمون الذبائح على عادتهم، فأمرهم أن يسلموا إليه الرجل.32 فأقسموا وقالوا إنهم لا يعلمون أين الرجل المطلوب. فمد نكانور يمينه نحو الهيكل، 33 وأقسم قائلا: "إن لم تسلموا إلى يهوذا موثقا، لأهدمن بيت الله هذا إلى الأرض، ولأقلعن المذبح وأشيدن هنا هيكلا رائعا لديونيسيوس". 34 قال هذا وانصرف. فرفع الكهنة أيديهم إلى السماء ودعوا من لم يزل يحارب عن أمتنا قائلين: 35 "يا من هو رب الجميع والغنى عن كل شئ، لقد حسن لديك أن يكون هيكل سكناك فيما بيننا. 36 فالآن، أيها الرب القدوس، يا قدوس كل قداسة، صن هذا البيت الذي قد طهر عن قليل، واحفظه طاهرًا للأبد".
انزعج ألكيمس من تلك الصداقة وخشى من تطورها الأيجابى، إذ كان ذلك يعنى بالنسبة له تهديد وظيفته الكهنوتية، ومن ثم فقد راح يشى من جديد، ولكن وشايته لدى الملك هذه المرة شملت الرجلين "نكانور ويهوذا" حيث استطاع أن يثير حفيظته ضدهما. وبالرغم من استياء نكانور من تلك الوشاية، لقناعته الشخصية بيهوذا المكابى وتقديره لصداقتهما، إلا أنه أذعن لرأى الملك دون الدفاع عن موقفه! ولم يجاهر بالعداء ليهوذا، ولا نقض الإتفاقيات، إلا أنه راح يتحين الفرصة ليغدر بيهوذا، انقاذا لوظيفته وحياته الشخصية، ولما شعر يهوذا بذلك احتاط من جانبه تجاه هذا التحول الجديد، تحسبا لوقوع مالا يحمد عقباه، راجع في ذلك (1مكا 7: 29، 30) ولعل هذا التحول في علاقة نكانور بيهوذا ما يفسر لنا كيف أن نكانور كان مبغضا ومعاديا لإسرائيل، حسبما ورد في (1مكا 7: 26 ب).
ومن ثم فلم يجد نكانور مناصا من مواجهة اليهود ومعاداتهم علانية، حيث يظهر ذلك في أسوأ مشهد عندما ظن أن يهوذا مختبئا في الهيكل، فوقف هناك ورفع يمناه مهددا بهد المكان مجدفا على الله، واعدا بنزع المذبح وتحويل الهيكل إلى معبد للاله ديونيسيوس.
رازيس "أب اليهود"

37 وكان في أورشليم شيخ كبير أسمه رازيس، وهو رجل محب لأبناء وطنه، محمود السمعه، يسمى بأبى اليهود لما كان عنده من العطف عليهم، فوشى به إلى نكانور. 38 وكان فيما سلف من أيام التمرد قد أتهم بالتمسك بدين اليهود، ولم يزل يظهر غيرة تامة ويبذل جسمه ونفسه في سبيل الدين. 39 وأراد نكانور أن يبدى ما عنده من العداوة لليهود، فأرسل أكثر من خمس مئة جندي ليقبضوا عليه، 40 لاعتقاده أنه إن أمسكه، فقد أنزل بهم مصيبة جسيمة. 41 فلما رأى رازيس أن الجنود قد أوشكوا أن يستولوا على البرج ويكسروا باب الدار، وقد أمروا بإضرام التار وإحراق الأبواب، وأنه أصبح محاطا من كل جانب، ضرب نفسه بسيفه. 42 واختار أن يموت بكرامة ولا يصير في أيدي المجرمين ويشتم بما لا يليق بأصله الكريم. 43 ولكنه، بسبب سرعة القتال، أخطأ الضربة، وكان الجنود قد هجموا إلى داخل الأبواب، فصعد راكضا إلى السور بقلب جليد وألقى بنفسه من فوق الجمع. 44 فتراجعوا من ساعتهم فسقط في وسط المكان الفارغ. 45 وكان فيه رمق وقد اشتعلت فيه الحمية، فنهض ودمه يتفجر كالينبوع، وجراحه تؤلمه كثيرا، فاخترق الجمع راكضا، وانتصب قائما على صخرة شديدة الانحدار، 46 وكان قد نزف دمه، فأخرج أمعاءه وحملها بيديه وطرحها على الجمهور، ودعا رب الحياة والروح أن يردهما إليه، وهكذا فارق الحياة.
رازيس Razic: وفي العبرية "رازى" (7)، وفي اليونانية "Ραζεις"، وهو يطابق اسم المرك رازائيل (في التقليد اليهودي) واختصاره رازى (8) وهناك صيغ عديدة ل رازى مثل "رازيا" ك "عزرا وعزرياط"... إلخ، وقد ترجم الإسم للآرامية هكذا "راجيش".
واحد من وجهاء اليهود الغيورين، صاحب تاريخ طويل في الدفاع عن الإيمان، وفضلا عن هيبته واستقامته فقد كان له ثقل كبير في أورشليم، حتى لقد سمى ب "أبى اليهود" مما يعنى أنه كان يعادل في مركزه الأدبي والروحي مركز يهوذا في القيادة ورئيس الكهنة في مكانته، وتشير (الآية 3) إلى أنه من المحتمل أن يكون قد اعتقل إبان فترة الاضطهاد (الآية 3) غير أنه استمر في دفاعه عن الشرائع والخدمة الهيكلية ضد الممارسات الوثنية، ويبدو لنا من الآية نفسها (38) أنه كان من أكثر النشطين في هذا المجال (بذل الجسم والنفس) وهكذا لم يتوقف دوره على الافتاء واصدار البيانات فقط .!!
ولكن لماذا قبض عليه، وما هي التهمة التي وجهت له.. هل كان يعرف مكان اختباء يهوذا المكابى والذي كان يجد نكانور في البحث عنه؟ ثم كيف نجا "رازيس" من أحداث استشهاد العائلة المكابية؟؟ (ص 6 و 7).
وهكذا لم تعدم تلك الفترات العصيبة وجود شهود يشهدون لله ويمجدون اسمه، فيصبحون نماذجا حيَّة لبقية الشعب وسفراء عن الله بين الناس، كما كان يحدث في فترات الاضطهاد النازى والشيوعية في روسيا والاضطهاد في مصر، وهكذا في أحلك الأوقات لم يترك الله نفسه بلا شاهد (أعمال 14: 17) وكان أمثال هؤلاء أقوى من الاضطهاد وأقوى من المضطهدين.
فلما وشى بهذا الرجل إلى نكانور، وجد في القبض عليه فرصة للضغط على اليهود، إذ سوف تكون ضربة موجعة لهم، ويظهر اغتنامه للفرصة وحرصه عليها من العدد الضخم الذي أرسله للقبض عليه، فقد كان "رازيس" يحيا فيما يشبه القلعة، ولكنه لم يزعن لأوامرهم بالخروج للقبض عليه قرروا اقتحام المسكن واضرام النار فيه، فلما أيقن أنهم ماضين قدما لا محالة فيما عزموا عليه، وأنهم أوشكوا على تحقيق غرضهم، أبى على نفسه وعليهم ذلك خوفا من التشهير والإهانة والتعذيب مما يتسبب في خوف الباقين من جنسه، ومن ثم فقد قرر قتل نفسه. ولكن الضربة لم تكن حاسمة أغلب الظن أنه سقط على سيفه مثلما فعل شاول (1 صم 31: 4) وكان الجنود عند ذلك قد أصبحوا داخل المسكن بالفعل، ومن ثم فقد صعد إلى السطح وألقى بنفسه إلى الأرض حيث تفرق الجمهور لمجتمع أسفل القلعة ما بين الجنود واليهود، فلما سقط لم يمت أيضًا وأن كان الارتطام الشديد قد الحق به اصابات جسيمة وآلام مبرحة حتى أن أحشاءئه قد برزت من بطنه، مع كل ذلك فقد تحامل على نفسه ووقف ومشى إلى جرف صخري قريب. هناك أمسك أمعاءه بيديه ودفعها نحو الجمع مصليا إلى الله لكي يردها إليه، أي أن يقيمه في يوم الدينونة.
ونحن نؤمن أن الأجساد ستقوم ولكن في مجد لتكتسب طبيعة جديدة، طبيعة نورانية، لا تجوع ولا تعطش ولا تتألم ولا تفنى "هكذا أيضا قيامة الأموات. يزرع في فساد ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان ويقاوم في مجد. يزرع في ضعف ويقاوم في قوة. يزرع جسما حيوانيا ويقام جسدا روحانيا" (كورنثوس الأولى 15: 42 - 44). وهكذا رقد "رازيس" في الرب.
هل كان موته انتحارا؟

كان هناك اختلاف في الرأي بين اليهود، فيما يتعلق بالأنتحار، فعندما أوشك يوسيفوس ومن معه على الوقوع في أيدي الرومان دارت مناقشة طويلة بينهم حول ذلك، فبينما أيده الرجال فقد رفضه هو، وتدين بعض المدارس الحاخامية الانتحار بشدة، بينما نقرأ عن رابى حنينا بن تيراديون Rabbi Hanina , Ben Tyradion أنه تعجل موته رغم أنه كان يحرق عند الوتد.(9) وهناك أمثلة امتدح فيها الكتاب اليهود القدماء
أولئك الذين سلبوا أنفسهم الحياة في مواقف مثل التي تمر بها "رازيس" هنا، ويمتدح يوسيفوس نفسه شخصا يدعى باسيل Phassel والذى انتحر مفضلا الموت على البقاء تحت نفوذ عدوه اللدود أنتيجونوس، ويذكر فيلو أن اليهود كانوا على أستعداد لقتل أنفسهم وأسرهم بدلا من أن يروا تدنيس كاليجولا المتوقع للهيكل، وتسمح الشرائع الحاخامية عمومًا بالانتحار في حالة التعرض للوقوع في الزنا أو
عبادة الأصنام، بل انتحرت مجموعات يهودية كاملة في العصور الوسطى خوفا من فرض المعمودية عليها. (10)
أما الكنيسة فهي ترفض الانتحار وتعلم بأنه خطية تفضى إلى هلاك الإنسان، فمع أنه لا توجد خطية بلا غفران فإن هذه الخطية على وجه الخصوص لا يتسنى معها وجود وقت للتوبة، ولذلك فالكنيسة لا تصلى على المنتحرين، فالمنتحر شخص ليس فاقدا للرجاء فحسب بل أنه قتل نفسا ليست ملكا له، إلا إذا كان فاقدا لرشده وقت اقترافه هذا العمل، أو لم يكن في كامل وعيه، أو وصل إلى حالة نفسية سيئة أفقدته عقله، أما غذا انتحر إنسانًا ما ولم يمت فور ذلك بل عاش قليلا بعدها، فمن الممكن أن يكون قد قدم توبة عنها فتصلى عليه الكنيسة.
وقد ورد في الكتاب المقدس أكثر من قصة تبدو لأول وهلة أنها انتحار، مثل أبيمالك الذي طلب من غلامه أن يقتله بعد أن أصابته امرأة بحجر ألقته على رأسه من أعلى، وذلك لئلا يقال أن امرأة قتلته (قضاة 9: 54) وفي أوقات الحروب كثيرا ما يلجأ بعض الجنود حال وقوعهم في الأسر إلى قتل أنفسهم خشية أن يقعوا تحت التعذيب الشديد فيضطرون إلى الأدلاء بأسرار تضر ببلادهم، وفي معبد داجون بفلسطين قام شمشون بهدمه فسقط عليه وعلى من بداخله، فقتل في موته أكثر مما قتل في حياته، ومع ذلك يمتدحه القديس بولس كواحد من أبطال الإيمان (عبرانيين 11: 32) كما طلب شاول من حامل سلاحه أن يقتله بعد أن أصيب في الحرب، فلما استعفى الغلام من ذلك سقط شاول على سيفه ومات خوفا من تشهير الفلسطينيين به (1صم 31: 4).
ونقرأ في التاريخ الكنسي أكثر من مرة عن فتاة فضلت قتل نفسها مؤثرة ذلك على فقد عفتها وتدنيس جسدها، مثل تلك التي دهنت رقبتها بالزيت وأسلمت رأسها للجندي الذي أطاح به، وأخرى ألقت نفسها من ارتفاع شاهق فسقطت ميتة، بعد أن خيرت بين أنكار إيمانها أو إفساد بتوليتها، وقد استخف أعدائها بدموعها ولم يأبهوا لتوسلاتها بأن يتركوها وشأنها.. ولكن ذلك لا يحسب انتحارا بل نوعا من الشهادة للمسيح، وفي عصور الاضطهاد كان المسيحيون يندفعون أفواجا معلنين إيمانهم مجاهرين بالشهادة للمسيح مستخفين بالموت.
جدير بنا أن نمتدح رازيس على تفضيله الموت على إنكار الإيمان، لاسيما وقد كان من المحتمل ضعفه بسبب تقدمه في السن وتحت طائلة التعذيب.
_____________________________________
(1) وكانت قد وصلت إلي روما أنباء عن مقتل سفيرها جنايوس أوكتافيوس أثناء قيامه بمهمة إلي الأمبراطورية السلوقية، وقد تم تأريخ جريمة القتل هذه في سنة 162 ق.م.وقد رحل ديمتريوس من روما قبل فصل هبوب العواصف علي البحر المتوسط والذي كان يبدأ في 3 نوفمبر فوصل ولعله تأخر بعض الشيء حتى تسلم الحكم في ربيع 161 ق.م.
(2) في كتاب اليوبيلات (23: 16 و 19- 20) يذكر الحسيديين علي أنهم الشباب المتحمس، وفي كتاب نبوة أخنوخ (كتاب أبو كريفي)(90: 9- 11)يذكروا بوصفهم الحملان ذات القرون.
(3) عُين نكانور من قبل كققائد لفرقة الأفيال وهو منصب رفيع في الجيش السلوقي وكانت الأفيال من مكونات الجيش الهامة، وفي سنة 162 ق.م.عمل وفد روماني علي تأكيد اتفاقية السلام بين روما والسلوقيين والمبرمة سنة 188ق.م. والتي حظرت علي الأخيرين استخدام الفيلة، وعلي ذلك أُبطلت فاعلية تلك الحيوانات بقطع أوتار أرجلها، أما ما ورد في (1مكا 6: 30 - 46، 2مكا 13: 2، 15) عن أستخدام الفيلة فقد كان قبل قطع أوتار أرجلها.
(4) يوجد مؤرخ فيلسوف وروائي مشهور بهذا الاسم "بوسيدونيوس" (135 -51 ق.م)من أباميا، يقول عنه يوسينوس أنه كان أحد الكتاب المعادين لليهود.
(5) نقرأ عن شخص آخر بأسم تاودوس، عينه بطليموس فيلوباتور المصري واليًا علي احدي المدن التابعه له في سوريا، ولكنه تحالف مع أنطيوخس ضد بطليموس وحبك له مؤامرة أدت إلي اغتياله.
(6) حدث مثل ذلك عند عقد اتفاقيات وقف اطلاق النار بين قوات التحالف والعراق، في حرب الخليج الثانية.
(7) وله تهجئات مختلفة في المخطوطات مثل Razias و Radias و Rachisو Raxis و Radoxoc، وقد تكون التهجئة الأخيرة مشتقة عن الإيرانية، ويرى أحد العلماء أن رازيس ربما اسم تدليل مصغر ربما نتج عن حذف المقاطع الأصلية له، وربما كانت هناك علاقة بين ما ورد في إشعياء (24: 16 - 18) وقصة استشهاد الشيخ اليهودي هنا. انظر: Jonathan A. . Goldsten,II Macc
(8) أنظر: Shwab, Vocabulaire de langelologie
(9) (التلمود: عبودا زاراه 18 أ)
(10) (انظر Jonathan A.Goldsten,Ii Macc)

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:31 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
المكابيين الثاني 15 - تفسير سفر المكابيين الثاني
يوم نكانور

يتمادى نكانور في تجديفه وتحدّيه، وينسحب يهوذا إلى قرب السامرة متفاديًا جيش نكانور، وخلال تلك الأزمة الشديدة برى يهوذا رؤيا مُبهجة فيتعزّى هو وجنوده وتثور فيهم الحميّة العسكرية، فيهزمون جيش نكانور ويُقتل الأخير فيعلقون رأسه على القلعة ويرسمون ذلك اليوم ذكرى سنوية لعمل الله معهم. هذا وبينما ترد تفاصيل أكثرعن تلك الحملة في سفر المكابيين الأول، يركز السفر الثاني هنا على الجوانب الإيمانية والروحية، فيورد الصلوات والرؤى والعظات.
تشَامخ نكانور

1 وبلغ نكانور أن أصحاب يهوذا في نواحي السامرة، فعزم على مهاجمتهم يوم السبت دون التعرض للخطر. 2فقال له اليهود الذي رافقوه مضطرين: "لا تهلك القوم بهذه القسوة والبربرية، بل أرع حرمة يوم قد أكرمه وقدسه الرقيب على كل شئ. 3فسأل ذلك الشديد الفجور هل في السماء ملك أمر بحفظ السبت. 4فقالوا:" إن الرب الحي والملك في السماء هو الذي أوصى بحفظ اليوم السابع". 5فقال الرجل:"وأنا أيضًا ملك في الأرض، فامر بأخذ السلاح والقيام بخدمة الملك". ولكنه لم يتمكن من تحقيق مقصده الوخيم.
الأماكن التي بجانب السامرة: جاءت في النسخة اليونانية للسفر هكذا (En toiς kata Samarein topoiς)، وقد وردت في النسخ الآرامية للسفر هكذا (عَل جَنْب شمرون = بجانب السامرة)، بينما وردت في الفولجاتا اللاتينية (In locis Samariae = في الأماكن التي في السامرة). وفي الأصل العبري (في الأماكن التي بجانب السامرة).
انسحب يهوذا ورجاله إلى الأماكن الشمالية من منطقة يهوذا وهي المناطق المتاخمة للسامرة بحكم الموقع الجغرافي، حيث اتخذ موقعًا قرب أداسة (1مكا7: 40) متفاديًا بذلك جيش نكانور. وجدير بالذكر أن المسافة التقريبية من هذه المناطق وختّى بيت حورون التي كان بها جيش نكانور حوالي ساعة ونصف، كما كان هناك أيضًا جيش يهوذا (راجع 1مكا40: 7).
فلما بلغت نكانور تلك الأخبار، قرر مهاجمة اليهود في يوم السبت، وهو يعلم بحكم تواجده في المنطقة لفترة طويلة ماذا يعنى السبت بالنسبة لليهود، وكيف أنهم يمتنعون فيه عن القيام بأي عمل أو قتال، وهذا هو المقصود بأنه لن يتعرض لخطر الحرب (آية)، غير أن اليهود كانوا قد قرَروا من قبل أنه تجوز الحرب في السبت متى كانت حربًا دفاعية، وذلك بعد استغلال السلوقيين ذلك فقتلوا ألف نفس بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، راجع (1مكا2: 41). ولكن يهوذا مع ذلك كان متشددا في حفظ السبت، مما أتاح له حشد تأييد الأتقياء من اليهود، انظر (2مكا 8: 26، 25)
أما اليهود المشار إليهم هنا باعتبارهم مرافقين لنكانور عن اضطرار، فهم إما بعض الأسرى، أو بعض اليهود المتأغرقين والذين ما يزال بهم بقية من الحب والوفاء لأمتهم. وأما ردّ نكنافور فجاء متشامخًا، بغرور وكبرياء، شأن الكثير من الملوك والقدماء مثل نبوخذ نصر الذي تشامخ في قلبه فعوقب بطرده من مملكة البشر إلى الحيوان، وكذلك تشامخ أنطيوخس إبيفانيوس والذي ظن أنه يتسلط على الجبال والبحار (9: 8) وهيرودس والذي نسب مجد الله إلى نفسه فضُرب بالدود ومات.

رؤيا يهوذا المكابى

6ورفع نكانور رأسه بزهو وصلف، وعزم على نصب تذكار مشترك من أسلاب يهوذا وأصحابه. 7زأما المكابى فلم يزل يثق كل الثقة ويأمل كل الأمل أن الرب سيؤتيه النصر. 8فحرض أصحابه على ألا يخافوا من غارة الوثنيين، بل يذكروا النجدات التي طال ما أمدوا بها من السماء، وينتظروا الظفر الذي سيؤتونه الآن من عند القدير. 9ثم شدد عزائمهم بالشريعة والأنبياء، وذكرهم بالمعارك التي قاموا بها، حتى أذكى حماسهم. 10وبعدما استنهض هممهم، شرح لهم كيف نقض الوثنييون عهودهم وحنثوا بإيمانهم. 11وسلح كلا منهم بتشجيع كلامه أكثر مما سلحهم بالتروس والرماح. ثم قص عليهم نوعًا من الرؤيا تجلت له في حلم جدير بأن يصدق، فشرح بها صدورهم أجمعين. 12وهذه هي الرؤيا، قال: "رايت أونيا عظيم الكهنة السابق، رجل الخير والصلاح، المتواضع المنظر الحليم الأخلاق، صاحب الأقوال الطريفة، المواظب منذ صباه على جميع أعمال الفضيلة، باسطا يديه يصلى من أجل جماعة اليهود بأسرها.13ثم تراءى كذلك رجل كريم المشيب، أغر البهاء، عليه جلال عجيب سام. 14فتكلم أونيا وقال: "هذا محب الإخوة، المكثر من الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة، إرميا، نبي الله". 15ثم إن إرميا مد يمينه وناول يهوذا سيفًا من ذهب فقال: 16"خذ هذا السيف المقدس هبة من عند الله، به تحطم الأعداء".
ثم كمن هو واثق في قدرته متأكدًا من النصر، وعد نكانور بأقامة "نصب مشترك" أو نصب عام، وهو عبارة عن كومة من الحجارة على هيئة هرم صغير تقام فوق جثث قتلى الأعداء وتكدس حولها الأسلحة التي سلبت منهم.
وكان من عادات اليونانيين قديمًا، أن يقيموا في موقع الانتصار نصبًا تذكريًا عبارة عن طاقم أسلحة كامل مستولى عليه من العدو ومعلقًا شكل صليب بحيث يبدو وكأنه رجل كامل التسلّح، وبحلول الفترة التي نحن بصددها هنا أصبحت هذه النُصب التذكارية نُصبًا تذكاريًا للنصر ولم يصبح ضروريًا أن تقام في مواقع المعارك. وبحلول القرن الثاني ق.م. لم يكن من الضروري أن يتألف النصب التذكارى من طاقم واحد كامل من الأسلحة معلق على صليب بل كان من الممكن اقامة تشييدات مهيبة تزخرف بعدد كبير من قطع السلاح، راجع (1مكا39: 13) وإنما قال نكانور ذلك ليوقع الرعب في قلوب اليهود.
ولكن اليهود في كل ذلك لم يفقدوا رجاءهم، ولم تلن عزائمهم بل جعلوا ثقتهم في الله.
الرؤيا:

تأتى رؤيا المكابى امتداد وتكليل لكافة الرؤى والمعونات الآتية رأسًا من السماء في جميع مراحل جهاد المكابيين، وقد راح يهوذا يشجع جنوده بتعديد تلك الرؤى التي عاصروها، مضيفًا إليها ما ورد أيضًا في كتب الشريعة والأنبياء من رؤى وأحلام وعون سمائى لشعب الله منذ خروجهم من مصر. هذا وكان العهد القديم يطلق عليه الشريعة (الناموس) والأنبياء، راجع (لوقا 24: 27) وقد أضاف يشوع بن سيراخ إلى ذلك قوله، وسائر الكتب التي للأجداد"، وفي الاشارة إلى كتب الشريعة والأسفار المقدسة، راجع (1مكا3: 48 و7: 17، 12: 9 و2مكا2: 13 و8: 23).
إن جميع الأعمال التي أجراها الله معهم على مدار تاريخهم الطويل، يجب أن تتحول إلى رصيد خبرة يعينهم ويعضّدهم وبقوّى فيهم الرجاء، كلما ألمّ بهم الضيق، لأن الله أمين في وعوده حتى أن عدم أمانة البشر لا تبطل أمانته، حاشا فهو يبقى أمينًا إلى الأبد، في حين ينقض الوثنيون عهودهم ووعودهم كما فعل نكانور هنا (14: 29).
وقد استخدم الله طرقًا شتى في حديثه مع الإنسان "الله بعدما كلم الآباء والأنبياء بأنواع وطرق شتى. كلمنا هذه الأيام في ابنه.." (عبرانيين 1: 1) ما بين الكلام فمًا لأذن، كما حدث مع آدم وقايين وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، إلى استخدام المناظر ذي الدلالات، مثل سلم يعقوب والعليقة، إلى ظهور ملائكة تبلغ الرسائل، مثل نوح وبلعام، وكانت الرؤى تتم والإنسان يقظ مفتوح العينين، أو من خلال الأحلام والإنسان نائم، مثل حلم يعقوب ويوسف وساقى فرعون وخبازه، وكانت بعض الظهورات تمثل الله نفسه مثل عمود السحاب والنار في ترحال بنى إسرائيل والذي عبّر عن الحضرة الإلهية (الشاكيناه) أو ظهور الله في شكل ملاك، مثل ظهوره لهاجر ومناداته لإبراهيم وظهوره ليعقوب في هيئة إنسان يصارعه، لموسى النبي في البرية (خروج33: 2-6) ويشوع لجدعون، من الأحلام نذكر حلم أبيمالك في جرار وحلم لابان وسليمان الحكيم ويوسف النجار والمجوس وغيرهم. كما ظهر الله في العهد الجديد في هيئة حمامة عند معمودية السيد المسيح، وفي هيئة ألسنة من نار عند حلول الروح القدس يوم الخمسين.
الوحى:

يضاف إلى ما سبق: الوحي، عندما يوحى الله إلى بنيه برسالة يكتبها أو يبلغها إلى شعب تاركًا له صياغتها حسبما تكون لغته وثقافته، وكان كلاّ من النبي والكاهن في العهد القديم متمّمان أحدهما للآخر في العمل، فبينما يبلغ النبي الرسالة إلى الشعب، يتلقّى الكاهن اعترافات الشعب ونذورهم وتوبتهم وذبائحهم ليرفعها بدوره إلى الله.
قائمة بالرؤى التعضيدية الواردة في السفر


الرؤيا
المناسبة
الشاهد
1
ظهور فارس على ظهر جواد.
اعتداء هليودورس على الهيكل.
3: 24-28
2
ظهور خمسة رجال يحاربون عن اليهود.
حرب المكابى ورجاله مع طيموتاوس العمونى.
10: 30، 29
3
فرس عليه ثوب أبيض.
حملة ليسياس الأولى على اليهود.
10: 8، 9
4
ظهور الله في شكل غير محّدد
معركة قرنيم.
12: 22
5
ظهور أونيا الكاهن مع إرميا النبي.
المواجهات مع نكانور
15: 11-16
وفى الرؤيا الأخيرة يظهر أونيا الثالث رئيس الكهنة ذو السيرة العطرة، حيث يحمل له اليهود أثناء وبعد وفاته أجمل المشاعر ويوسمونه بأفضل الصفات. وهو يمارس دوره الشفاعي في الرؤيا كما كان يمارسه من خلال العمل الكهنوتي في حياته، راجع التعليق على (3: 10و4: 5) وأما إرميا وهو الرجل المحب لشعبه والذي تألم كثيرًا في سبيله (إرميا11: 19، 21و14: 15 و18: 8 و20: 1، 2، 26) وكانت ظروف البلاد في أيامه مشابهة لتلك الظروف التي يمر بها اليهود هنا. ويمثل ظهور كل من أونيا وإرميا النبى وكأنهما يصدّقان على المسار الذي اتخذه يهوذا المكابى.
هذا وتمثل هذه الفقرة من السفرأهمية بالغة في تعضيد عقيدة قيامة الأموات وشفاعة المنتقلين من الأحياء، وسيكون من المناسب أن نعتبرها كنيسة واحدة مجاهدة منتصرة معًا. (وليس كنيستين احداهما منتصرة في السماء وأخرى مجاهدة ما تزال على الأرض) راجع التعليق على (12: 42-45).
سيف من ذهب: قد يكون من الغريب أن يتسلم يهوذا المكابى سيفًا من إرميا النبي ليحارب ويقتل به، مما يوحى للوهلة الأولى أنها عملية تشجيع على القتل! إلاّ أن اليهود كانوا في ذلك الوقت في حالة دفاع عن النفس، وهناك نوعان من القتل، الأول يتم في الحروب الدفاعية Killing وهو شرعي وتقع تبعيته على الحاكم الذي أصدر قرار الحرب، وهذا يُعفى أو يدان عن مسئولية ذلك بحسب الدافع خلف الحرب، أما النوع الثاني فهو القتل على خلفية جنائية "جريمة Murder" حيث يُحسب خطية.
الاستعداد للقتال

17فطابت قلوبهم بأقوال يهوذا الرائعة التي حركت بقوتها حماسهم وجعلت نفوس الشبان كنفوس الرجال، وعقدوا عزمهم على أن لا يعسكروا، بل يهجموا بشجاعة ويخوضوا المعركة بكل بسالة، حتى يفصلوا الأمر، بما أن المدينة والأقداس والهيكل في خطر. 18وكان قلقهم على النساء والأولاد والإخوة وذوى القرابات أخف وقعًا من خوفهم على الهيكل المقدس الذي كان هو الخوف الأعظم والأول. 19وكان الباقون في المدينة في قلق شديد في أمر القتال الذي كانوا يتوقعونه في العراء. 20وبينما كان الجميع ينتظرون ما يؤول إليه الأمر، وقد احتشد العدو واصطف الجيش وأقيمت الأفيال في مواضعها واصطفت الفرسان على الجناحين، 21تفرس المكابى في كثرة الجيوش وتوفر الأسلحة المختلفة وضراوة الأفيال، فرفع يديه إلى السماء ودعا الرب صانع المعجزات، لعلمه أن ليس الظفر بالسلاح، ولكنه بقضائه يؤتى الظفر من يستحقه. 22وصلى قائلًا: "إنك، ياسيد، قد ارسلت ملاكك في عهد حزقيا، ملك يهوذا، فقتل من جند سنحاريب مئة وخمسة وثمانين ألفًا. 23والآن يا ملك السموات، أرسل ملاكًا صالحًا أمامنا يوقع الرعب والرعدة. 24وبعظمة ذراعك ليروع الذين خرجوا على شعبك المقدس مجدفين". وسكت بعد هذا الكلام.
أثلجت تلك الرؤيا - التي نصها المكابى على رجاله - قلوبهم، وأشاعت الطمأنينة في قلوب الجنود "الشبان" والذين من الواضح أن صغر سنهم كان العامل الكبير في خوفهم، فلما تشجّعت قلوبهم مكتسبين قوة هجومية عظيمة قرروا المبادرة بالقتال دون انتظار هجوم الأعداء ليدافعوا من ثمّ. وقد كان عظيمًا منهم أن يجعلوا الدفاع عن الهيكل والعبادة والشرائع في المركز الأول، قبل أسرهم ومقتنياتهم، حيث كان الهيكل هو مركز العبادة والناموس، كما كان هو الهدف الرئيسى للحرب المكابية (وسوف نلاحظ انتهاء هذا السفر عند تحرير الهيكل واستئناف العبادة) وبعكس ما هو متبع في سائر الحروب، حين يُحفّز الجنود للقتال دفاعًا عن شرفهم وعن زوجاتهم وأولادهم وبيوتهم.. هنا كان اهتمام القائد والجنود هو الحرية الدينية، وفي المقابل كان هدف العدو هو نزع هذه الحرية بتدنيس الهيكل.
وأما الشعب في أورشليم فقد كان يتابع الأمر عن كثب، إذ على نتائج هذه الحرب تتوقف سلامتهم وسلامة هيكلهم وبنيهم وممتلكاتهم.
استعراض السلوقيين للقوة العسكرية:

كان استعراض القوى مسلكًا تقليديًا في الحروب وما يزال معمولًا به، بغرض ايقاع الرعب في قلوب الجنود - وهم المقاتلين الفعليين - اولًا ثم قادتهم، وفي ذلك الوقت (وكما مر بنا في التعليق على هذه الحملة في سفر المكابيين الأول) كانت الأفيال توضع في المقدمة وفوق كل منهما البرج العملاق وفيه الجنود والذين يصل عددهم في بعض الأوقات إلى اثنين وثلاثين جنديًا مع أسلحتهم وذخائرهم، ثم الفرسان بخيولهم على الجانبين ومن خلفهم الجنود المشاه ويسمون الرجال (او المترجلين/ أي على أرجلهم وليس على صهوات الخيول) ومن خلف الجميع كان طابور التمويل سواء الطعام أو الذخائر، وكذلك طابور الاسعافات والخدمات ورفع الجرحى والقتلى، وكان طابور الخدمات يضم الكثير من الدواب مثل الإبل والحمير، وفي النهاية عدة فرق عسكرية لحماية ظهر المعسكر. هكذا كان مجمل المشهد مما يثير الخوف والرعب، كفيلًا بهروب وانسحاب الجنود اليهود قليلى العدد والعتاد. بخصوص استعراض القوة (راجع 1مكا 6: 35 و 2مكا 6: 38).
ومن جديد يلجأ المكابى ورجاله إلى التضرع لله مستندين على وعوده، متذكرين أعماله المجيبة مع أجدادهم عندما هاجمهم جيش الأشوريين (2ملوك أول 19: 35 و إشعياء 37: 36 و 2مكا8: 19) وكذلك جيوش السلوقيين منذ وقت قصير والتي كانت تفوق جيوشهم الآن بكثير (1مكا7: 40-42) وهكذا طلبوا الله بدالة وهم واثقين من نجدته لهم، إذ لا يعسر عليه أمر.
المواجهة.. هزيمة نكانور

25وكان أصحاب نكانور يتقدمون بالأبواق والأغانى الحربية، 26فنازلهم أصحاب يهوذا بالدعاء والصلوات. 27وفيما هم يقاتلون بالأيدي، كانوا يصلون إلى الله في قلوبهم، فصرعوا لا أقل من خمسة وثلاثين ألفًا، وهم في غاية التهلل من ظهور الله. 28ولما انتهوا من هذا العمل، ورجعوا مبتهجين، تبينوا أن نكانور صرع مع سلاحه. 29حينئذ ارتفعت الهتافات وعمت البلبلة، وباركوا الملك العظيم بلسان آبائهم. 30ثم إن يهوذا، الذي لم يزل في مقدمة أهل وطنه، باذلًا عنهم جسده ونفسه، حافظًا لبنى أمته المودة التي كنها لهم منذ حداثته، أمر بقطع رأس نكانور ويده حتى الكتف، وحملهما إلى أورشليم. 31ولما وصل إليها، دعا نبي أمته وأقام الكهنة أمام المذبح، واستحضر الذين في القلعة. 32وأراهم رأس نكانور القذر ويد ذلك المجدف التي مدها متكبرًا على بيت القدير المقدس. 33ثم قطع لسان نكانور الكافر، وأمر بأن يقطع ويطرح إلى الطيور وتعلق أجرة ذلك الأحمق تجاه الهيكل. 34وكانوا جميعًا يرفعون إلى السماء بركات إلى الرب الذي تجلى ويقولون: "تبارك الذي حفظ مكانه المقدس منزهًا عن كل دنس". 35وربط يهوذا رأس نكانور على القلعة، ليكون دليلًا بينًا منظورًا على نجدة الرب. 36ثم فرضوا جميعًا باقتراع عام أن لا يترك ذلك اليوم بدون احتفال، بل يكون عيدًا، وهو اليوم الثالث عشر من الشهر الثاني عشر، الذي يقال له آذار بلسان أرام، قبل يوم مردكاى بيوم واحد.
بينما راح الجنود السلوقيون يطلقون الصيحات العسكرية والأناشيد القومية والحربية (مثلما كان اليهود يهتفون بعبارة "نصرة الله") راح اليهود هنا يتضرعون إلى الله، كانت مثل تلك الترانيم او الأغانى الحربية الوثنية تُعرف باسم "أناشيد الشكر أو التسبيح أو النصرة" وكانت عادة ما توجّه إلى الإله أبوللو Apollo من قِبل الجنود المتوجهين إلى المعارك. وبينما التحم القتال كانوا يرفعون قلوبهم بالصلاة إلى الله، وعند انتهاء الاشتباك والذي أسفر عن قتل هذا العدد الهائل، وُجد نكانور نفسه مقتولًا وبجواره سلاحه ويظهر ذلك عادة عند الكشف عن جثث القتلى مثلما حدث بعد معركة جلبوع حين عُثر على جثث شاول وبنيه الثلاثة وحامل سلاحه (1صم31).
نهاية نكانور:

عبّر اليهود عن سعادتهم بهذا النصر الحاسم بترتيلهم الأناشيد التي تقال في مثل هذه المناسبات (وهي موضوعة وملحنة في اللغة العبرية آية 29) ومن ثَم امر يهوذا بقطع رأس نكانور وذراعه اليمنى بكاملها وهي التي رفعها على الهيكل مهددًا ومتوعدًا (1مكا 7: 35، 2مكا 14: 33) بل أمر يهوذا بقطع لسان نكانور وألقاه إلى الطيور، وربما كان ذلك ردًا على ما فعله السلوقيون قبلًا مع اليهود "دفعوا جثث عبيدك طعامًا لطيور السماء. لحم اتقيائك لوحوش الأرض سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن" (مزمور 79: 2، 3 و1مكا7: 17). وقد يكون التمثيل بالجثّة صعبًا ومؤلمًا، ولكن دعونا نقدّر المعاناة النفسية الشديدة التي لحقت باليهود من ذلك المعتدى والذي كان مقررًا فى قلبه افناء الجيش وتدمير الهيكل والتخلّص من يهوذا المكابى كامر الملك. كما أن مثل تلك الإجراءات كانت تقليدية في أزمنة الحروب القديمة.(وأراهم رأس نكانور القذر (آية 37): وأراهم رأس نكانور القاسي، حيث كلمة "القذر" الواردة هنا غير موجودة في الأصل العبري، بل وردت كلمة "رشع" والتي تعني (قاسي - أثيم - ظالم - مفترى).
أما تعبير أجرة Folly فيعنى حماقة، وفي العبارة "جناس لغوى" إذا قلنا علقت "حماقة الأحمق" وهي الكلمة التي تعني ذراع أيضًا، أما المكان الذي عُلّق فيه كلِّ من الرأس والذراع فهو القلعة، ولكن ولأنها كانت محتلة من الحامية السلوقية حتى ذلك الوقت، ولم تحرّر إلا في أيام سمعان المكابى بعد تسع سنوات من موت نكانور (1مكا 13:51) فالمرجَح أنها رُبطت على سور القلعة من أسفل، مقابل الهيكل الذي جدف عليه لكي يكون في ذلك عبرة بعقبة الأعداء وإذلالاّ لساكنى قلعة عكرة من الجنود السلوقيين، وكثيرًا ما سلك القدماء على ذلك النحو من حيث تعليق الجثة أو الرأس على أسوار المدن كما فعل الفلسطينيون عندما علّقوا جسد شاول على سور بيت شأن (صموئيل الأول 31: 9، 10)، وكذلك عندما قام آخرون بتثبيت رأس القائد المقتول على سن رمح (حربة).
ومع أننا نقرأ في (سفر العدد 19: 11-16 و 21 و 31: 19- 24) عن تحريم احضار مثل هذه الأشياء النجسة إلى المدينة المقدسة، لا سيّما جبل الهيكل، وكذلك لحوم وجلود الحيوانات النجسة. ولكن أجزاء من جثة نكانور قد أحضرت إلى الهيكل ربما في ساحة النساء فوق جبل الهيكل، ويؤكد احد النصوص الحاخامية (8: 1 To Kalim) جواز إحضار جثة حتى إلى داخل فناء النساء، وفي سفر صموئيل الأول نقرأ أن داود حمل رأس جليات إلى أورشليم (17: 54).
رجال القلعة (آية 32، 33):

لم تبق هناك قوات سلوقية تمنع يهوذا من دخول أورشليم، فلقد دخلها كظافر ومنتصر مع رجاله وغنائمه، وأما القوة السلوقية والتي كانت ما تزال في قلعة عكرة، فقد كانت أقل بكثير من قوة المكابى، بحيث لم تغامر بالاشتباك معها، وربما خرج ممثلون عن الحامية للتفاوض وربما خرجوا لمشاهدة رأس تكانور وذراعه معلقتين على سور قلعتهم، وهذه هي المرة الأولى التي تُذكر فيها القلعة في هذا السفر، والتي كانت تُمثل الوجود السلوقى في أورشليم، ولم يخرج الجنود منها إلا في أيام سمعان المكابى حيث قام بتطهيرها واستخدامها (1مكا 13: 49- 51)
يوم نكانور (عيد سنوى):

تحدد الشهور العبرية بأطوار القمر، فظهور الهلال هو بداية الشهر (وهو في العبرية "حودش" أي "شهر"). كما كان يطلق على الشهر أيضًا كلمة
" القمر "، وهي تسمية أقدم ومشتقة من الفينيقية، وظلت تستخدم إلى أزمنة متأخرة، وفيما بعد السبي دخلت أسماء الشهور البابلية إلى التقوىم العبري.
كان يوم نكانور يجئ في الشهر الثالث عشر في التقوىم العبري القديم - وهذا الشهر ما يقابله الآن في تقويم اليهود المعدل بعد السبي (آذار "مارس" في السريانية (الأرامية))، وقد جاء ذلك اليوم قبل "يوم مردخاى" بيوم واحد، وهو يوم خلاص اليهود من المكيدة التي دبرها لهم هامان الشرير (إستير9). وحتى عام 124ق.م. كان يوم مردخاى (ويُسمى اليوم الموردخايي Mordachaiic Day وعيد الكفارة يحتفل بهما في يوم واحد حتى بدأوا منذ ذلك التاريخ في الفصل بينهما. أما الاحتفال ب"نكانور" فقد توقّف في وقت مبكر، وأن كان اسم نكانور قد اُطلق على إحدى بوابات الهيكل الرئيسية. راجع التعليق على (1مكا 7: 49).1(برغم قرب "أراسة" من أورشليم إلا إنه لا يُعرف بالضبط أن كان يوم 13 آذار هو يوم النصر أو يوم الاحتفال بالنصر).
ولكن أورشليم لم تنعم بالحرية بعد قتل نكانور طويلًا (1مكا9: 23وما بعدها) غير أن الهيكل لم يتعرض للإهانة والتدنيس مرة أخرى وكذلك جبل الهيكل كله.

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:32 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
ختام تفسير سفر المكابيين الثاني
هذا ما تم من أمر نكانور. وبما إنه منذ تلك الأيام بقيت المدينة في حوزة العبرانيين، فأنا أيضًا أجعل هنا خاتمة كلامي. فإن كنت قد أحسنت التأليف ووفقت منه، فذلك ما كنت أتمنى. وإن كان ضعيفا ودون الوسط، فإني قد بذلت وسعى. وكما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضر، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتعطى لذة وطربا، كذلك تنميق الكلام بطرب مسامع مطالعى السعر. انتهى.
هنا أدرك كاتب السفر الغرض الذي كتب لأجله، ألا وهو تحرير جبل الهيكل (جبل صهيون) وأما تحرير اليهودية بكاملها فقد استغرق وقتا أطول، فإن جهادات المكابين لها بقية على أيام خلفاء يهوذا المكابى، مثل يوناثان و سمعان وهركانوس، وهي الأحداث المذكورة في سفر المكابين الأول منذ موت يهوذا وحتى تسلم يوحنا هركانوس قيادة الأمة.
ورغم أنه لم تحكم أورشليم دولة يهودية مستقلة منذ ذلك الوقت فصاعدا، إلا أن المدينة كانت بالفعل في حوزة اليهود المتدينين بدلا من المرتدين و الأجانب (أنظر 1مكا 1: 38) كما ظل ألكيمس رئيسا للكهنة حتى مايو 159 ق.م. وظلت المدينة هكذا حتى سقطت في يد بومباى Pompey القائد الروماني سنة 63 ق.م.
وبهذا يكون يهوذا المكابى والذي تدور أحداث هذا السفر كله حول أعماله، قد أتم رسالته من حيث استعادة الحرية الدينية واستئناف الخدمة في الهيكل والعمل بالناموس.
ثم يأتي يوناثان المكابي من بعده ليتخذ خطوات أعظم نحو تحرير أورشليم (1 مكا 10: 6-11 و 12: 35-37) وقد عرف عنه أنه كان دبلوماسيا ماهرا، ومن بعده أتى سمعان المكابى والذي حقق ما هو أعظم من الجميع في الحصول على كامل الحرية (1 مكا 13: 39، 41) وفي الاستيلاء على قلعة عكرة Akra (1 مكا 13: 49 - 51).

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:33 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
العامل البشري في تدوين الأسفار المقدسة


لفتة أدبية:

يتوسم الكاتب في اتضاع أن يحوز أسلوبه اعجاب القارئ، وقد بذل ما وسعه من جهد في سبيل جعل سفره شيق المطالعة، وأما عن تشبيه "مزج الخمر بالماء" فهو لا شك يقصد به عرض الأمور الروحية والعقائدية بطريقة أدبية شيقة، (كانت الخمر في العالم اليوناني قوية جدا، بحيث أصبحت العادة أن تشرب ممزوجة بالماء) فالأدب وحده يمكن أن يجده القارئ في الكتابات والمؤلفات العالمية العادية غير الدينية، كما أن الأمور الروحية واللاهوتية ما لم تعرض بشكل جذاب فقد يجد القارئ صعوبة في متابعتها.
العامل البشرى في تدوين الأسفار المقدسة:

"فإن كنت قد أحسنت التأليف ووفقت منه، فذلك ما كنت اتمنى.
وإن كان ضعيفا ودون الوسط، فإني قد بذلت وسعى"(آية 38):
اتخذ بعض النقاد من هذه الآية هدفًا للتشكيك في كون الكتاب سفرًا موحى به من الله، معتبرين أن النص هنا ما هو إلا جهد بشرى بحت! ولذلك فإننا سنلقى بعض الضوء عليها دفعا للشك وتأكيد لصحة الوحي. فالاية تأتى في الترجمة العبرية هكذا:
(وإم هايا دبورى يافهو عاروخ عل أفنايو، زه هايا حفتسى، وإم قل هو و رافه هلو عاسيتى إت أشر هايا بكوحى) ونرجميها كالآتي:

فإذا كان كلامي جميل ومرتب على شكله، هذه كانت رغبتى، وإذا كان بسيط (خفيف، سهل، صغير، قليل، سريع) هو وضعيف (واهن، ضئيل، مرتخ، كسول، خامل) ألم أعمل ما كان بقوتى؟!
وقد وردت "رافه" ومعناها "ضعف" في العهد القديم في مواضع كثيرة مثل: (أيوب 12: 21، 27: 6 ومزمور 37: 8 و 46: 10 و 138: 8 وأمثال 4: 13 و 18: 9 و 24:10 وإرميا 6: 24 و 38: 4 وحزقيال 1:24 وصفنيا 3:1).
وقد جاءت الكلمة اليونانية " اسثينيس" في العهد الجديد للتعبير عن الكلمة العبرية "رافه" وذلك في (متى 25: 39 و 26: 41 وأعمال 4: 9 ورومية 5: 6 وكورنثوس الأولى 1: 25، 27).
وبالرجوع إلى الآيات التي وردت فيها كلمة (ضعف) سنجد أن المقصود بها ضعف ألم بالشخص نتيجة مرض ما أصابه من عند الله، أو ضعف جسدي...
ثم هل لنا أن نرفض العديد من الآيات التي ورد فيها دور البشر في تدوين الوحي الإلهي بعوى إنها تشكك في صحة الوحى؟! ومن أمثال هذه الايات:
1 - "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كو 1: 25) فهل الله فعلا له ضعف أو هل عند الله جهالة؟ أم أن هذا أسلوب أدبي..؟!
2 - "وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة" (1كو 2:3) هل كان بولس رسول الأمم ضعيف وخائف ومرتعد كثيرا وهو يبشرهم؟؟
أين إذن قوة الله العاملة فيه؟، ولكنه كان يخاف كإنسان أنه ضعف الطبيعة البشرية.
3 - "إن كان يجب الأفتخار فسأفتخر بأمور ضعفى" (2 كو 11: 30). هنا يفتخر بولس الرسول بضعفاته. إنه يفتخر باتضاعه. ولم يقل أحد أن هذا الأسلوب ضد الوحي المقدس!
4 - اتهم بعض الكورنثوسيين بولس بالضعف قائلين: "الرسائل ثقيلة وقوية وأما حضور الجسد فضعيف والكلام حقير" (2 كو10: 10). هل يليق بأن يوصف كلام الله بالحقارة؟ ومع هذا لم يرفض أحد هذه الرسالة طبعا.
5 - قيل عن الرب يسوع أنه صلب من ضعف؟ "لأنه وإن كان قد صلب من ضعف، لكنه حيّ بقوة الله، فنحن أيضًا ضعفاء فيه" (2 كو 13: 4) ومع هذا لم يعترض أحد أن الرب يسوع صلب من ضعف وهو القائل أنه له سلطان على روحه وله أن يضعها وله أن يأخذها.
هذا وقد ورد أيضًا في الكتاب المقدس بعض الآيات التي يظهر فيها الدور البشرى في تدوين الأسفار، ولم ينقص ذلك من قداسة السفر أو يشكك في الوحي المقدس. وإليك بعض الآيات التي يظهر فيها ذلك:
1 - "وأما الباقون فاقول لهم أنا لا الرب أن كان اخ له امراة غير مؤمنة وهي ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها" (1 كو 7: 12).
2 - " ايها الأخوة بحسب الإنسان أقول ليس أحد يبطل عهدا قد تمكن ولو من إنسان او يزيد عليه" (غلاطية 3: 15). فهل نرفض رسالة غلاطية وهذه الآية بدعوى أن بولس الرسول كان يتكلم بالحكمة الإنسانية وليس بوحي الله؟!
3 - "ولكن أن كان اثمنا يبين بر الله فماذا نقول العل الله الذي يجلب الغضب ظالم اتكلم بحسب الإنسان" (رومية 3: 5) وهل نرفض رسالة رومية وهذه الأقوال التي يصرح بولس الرسول فيها بمنطق بشرى محض؟!
ولا شك أن الكاتب -مجهول الأسم- قد أحسن الكتابة و الصياغة كما أمل هو في بداية العمل (2:19- 32)، في حين كان أمينا في نقل الوحي و صياغته، ونحن كمطالعين ودارسين نقدر الجهد الذي بذله، ونشكره لأجله، ونؤكد له كلما طالعنا هذا السفر الرائع، أنه نجح بجدارة في جعله كتابا ممتعا للقارئ، مهما كانت ثقافته. ونطلب له من الله أجرا سمائيًا.

Mary Naeem 01 - 04 - 2014 03:35 PM

رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام - تفسير سفر المكابيين الثاني
 
مقدمة في سفر المكابيين الثاني " Macccbees 2 "

الاختصار: 2مك 2 Macc.
** محور السفر:
+ الحث على مراعاة عيدي التجديد، عيد هزيمة نكانور.
+ ترقب مجيء المسيح.
+ الاستشهاد بثبات، رعاية الله.
** مكان السفر:يوضع في الكتاب المقدس بعد سفر المكابيين الأول أي أن آخر سفر في العهد القديم.
** مكابيين الثانيليس هذا السفر تابعًا ولا ملحقًا لسفر المكابيين الأول، بل هو كتاب ثان عن ثورة المكابيين، ويبدأ في آخر ملك سلوقس الرابع المسمى فيلوباتير وينتهي بخبر انتصار يهوذا المكابي على نكانور سنة 160 ق.م. أي يروى حوادث فترة تمتد خمسة عشر عامًا.
** الكاتب وتاريخ الكتابة:+ السفر في جوهرة عبارة عن ملخص لخمسة كتب تاريخية ليأسون القيرواني (2: 23 - 28)، ويتضح من السفر إنه كان فريسيًا.
+ يروي السفر أحداث التاريخ اليهودي من أيام رئيس الكهنة أونياس الثالث والملك السرياني سلوقس الرابع (فيلوباتير) إلى هزيمة نيكانور (من حوالي عام 180 - 160 ق.م.) وهو يقابل الفترة المذكورة في السفر السابق (1 مك 1: 10- 7: 50).
+ اجمع الآباء على إنه كتب باللغة اليونانية بين سنة 125، 115 ق.م.
** سماته: -+ غايته تفسير التاريخ لاهوتيا معلنا عناية الله الفائقة بشعبه وتدخله في أوقات الشدة (ص 22:2، 29:10، 6:11)، كما يعلن قدسيه الهيكل.
+ يتحدث عن خلقة العالم من العدم (7: 28) ويقدم لنا أعمالًا عجيبة للملائكة.
+ يربط بين الكنيسة المنتقلة والمجاهدة (ص 36:3، 4:6- 14، 44:12) أو بمعني أدق الأعضاء الراقدين والمجاهدين. فالراقدون يطلبون من أجل المجاهدين علي الأرض (15: 11 - 16) والأحياء يقدمون صلوات وتقدمات عن الراقدين (12: 43 - 45).
+ أقتبس الرسول بولس بعض العبارات من هذا السفر في رسالته إلى العبرانيين: 2 مك 6: 9 - 19 مع عب 11: 35: 37، 2 مك 8: 5 - 6 مع عب 11: 33: 34 (ستجد المزيد حول السفر في صفحة سفر مكابيين 1 بقسم أسفار قانونية ثانية في موقع القديس تكلا).
+ يتكلم عن قيمة الصلوات الشفاعية (ص 12:15- 14) وعن الصلوات لأجل الموتى (ص 43:12- 45)، وكثيرا ما يرد فيه اسم الله.
+ يمجد الديانة اليهودية ويعظم الهيكل (ص 19:2، 2:3، 16:9)، (اقرأ بموقع الأنبا تكلا نص السفر كاملًا). ويفخم الأعياد اليهودية الكبيرة ويدعو إسرائيل شعب الله (ص15:14 ، 16:6)، وأقرب إشارة فيه إلى الرجاء بالمسيا قوله أن "الله يرحمنا قريبا ويجمعنا مما تحت السماء إلى الموضع المقدس" 2:18.
** محتويات السفر:
أولا: مقدمة ص 1، 2:
- رسالة إلى اليهود في مصر (1: 1 - 9).
- رسالة إلى ارسطوبولس (1: 10 - 2: 18).
- مقدمة الكاتب (2: 19 - 32).
+ قبل أن يوجز الكاتب تاريخ ياسون قدم رسالتين إلى مصر يحث فيها اليهود عل حفظ العيد الجديد (1: 9، 18).
+ الرسالة الأولي وجهت إلى جماعة اليهود الضخمة في مصر التي عاشت منذ أيام الإسكندر الأكبر (1 مك 1: 1).
+ الرسالة الثانية موجهه إلى ارسطوبولس معلم بطليموس الملك والي اليهود الذين في مصر فيها يروي قصة قتل انطيوخس وأتباعه في فارس (1: 13 - 16) وإخفاء النار المقدسة أيام السبي البابلي في بئر عميق (1 : 19 - 23) وصلاة نحميا وتسبيح الكهنة (1: 24 - 30)، وما جاء من أساطير أرميا أنه أخفي الخيمة والتابوت ومذبح البخور (2: 1 - 8) وصنع خزانه الكتب بواسطة نحميا (2: 13).
+ حدد هدف السفر (2: 25 - 33).
ثانيا: انقسامات داخلية ص (3 - 5):
+ وضح الكاتب أن ما أصاب الشعب من شر ليس بسبب عدو خارجي بل بالأكثر بسبب الانقسامات والفساد الداخلي فأورد حال اليهود قبل تدنيس الهيكل بواسطة انطيوخس:
- خطة شمعون البنياميني ضد حونيا رئيس الكهنة لدي القائد الروماني الذي أرسل حملة يطلب أموال الهيكل والرب يقاومه (ص 3).
- اغتصاب ياسون رئاسة الكهنوت عن أخيه اونيا بطريق الفتنة والغدر (ص 4).
- اغتصاب منلاوس (منيليوس) الكهنوت وسرقته آواني المذبح وإهداؤها إلى القائد الروماني.
- ثورة الشعب ضد ليسيماكس شقيق منلاوس وقتلهم إياه. محاولتهم عزل منلاوس لكن المحاولة فشلت.
- هجوم ياسون علي أورشليم ونهب أموالها (ص 5) وهروبه إلى عمون ومنها إلى مصر.
- هجوم انطيوخس علي المدينة وبيع كثيرين من شعبها عبيدا وتدنيسه آنية الهيكل.
ثالثا: غيرة يهوذا المكابى (ص 6 - 9):
+ استعرض مدي بشاعة ما فعله انطيوخس من تدنيس الهيكل بالزنا وتقديم ذبائح أوثان فيه، وإلغاء الأعياد، واضطهاد المختتنين، وحرق الذين يعيدون السبت، واضطهاد العازار لرفضه أكل لحم الخنزير إلخ..
+ غيرة يهوذا المكابي ونصرته علي نيكانور قائد حملة الملك.
+ سماع الملك وهو يحارب في فارس عن هزيمة قائدة ومرضه من الحزن وموته.
+ هجوم دنس ضد الهيكل والشريعة (6: 1 - 6).
+ الشهداء الأول (6: 7 - 17).
+ استشهاد العازار (6: 18 - 31).
+ استشهاد الأخوة السبعة وأمهم (ص 7).
+ ثورة يهوذا (8: 1 - 7).
+ نصرته الأولي علي نيكانور (8: 8 - 29).
+ انتصاراته الأخرى (8: 30 - 36).
+ مرض انطيوخس (9: 1 - 12).
+ موت أنطيوخس (9: 13 - 29).
رابعا: انتصارات يهوذا (ص 10 - 15):
بدأ يهوذا المكابي بتطهير الهيكل والإصلاح الداخلي الروحي فأعطاه الله نصره علي الأعداء الخارجيين.
+ تطهير الهيكل والتعييد ثمانية أيام. (10: 1 - 8).
- ابن انطيوخس يقيم ليسياس قائدا للجيش عوض بطلماوس.
+ هزيمة ليسياس أمام يهوذا وهروبه.. وتمتع اليهود بشيء من الحرية في ممارسة طقوسهم (ص11).
+ توسع يهوذا واستيلاؤه علي المدن المجاورة. (ص 12).
- اعتقاد يهوذا في قيامة الأجساد والصلاة عن الموتى.
+ تجهيز الملك جيشا بقيادة ليسياس لمحاربة يهوذا. (ص 13).
- انتصارا يهوذا وتمتعه بسلطات واسعة لحكم اليهودية.
+ انتصار ديمتريوس علي الملك وقائدة واستيلاؤه علي الحكم (ص 14).
- مؤامرة الكيمس اليهودي ضد يهوذا وإثارة ديمتريوس.
- تعيين نيكانور قائدا لليهودية وطلبه صداقة يهوذا.
- إثارة الكيمس ديمتريوس ثانية فيطلب الأخير من قائدة نيكانور القبض علي يهوذا فيهرب الأخير.
- محاصرة نيكانور لرازيس أحد الشيوخ اليهود المحبين لوطنهم وموت رازيس بعد أن ضرب نفسه بالسيف والقي أحشاءه علي الجند طالبي نفسه.
+ نيكانور يهاجم يهوذا المحتمي في السامرة فينهزم الأول ويموت، امتلاك اليهود للمدينة (ص 15).
## جدول متزامن من التاريخ الميلادي والتاريخ السلوقي للأحداث المكابية:
+ 323ق.م: موت الإسكندر الأكبر 1مك1:7.
+ 175 ق.م. - 137 سلوقى: تولى انطيوخس أبيفانيوس 1مك1:10،2مك4:7.
+ 174 ق.م. -138 سلوقى: بدء الأغرقة (التأثير اليوناني) 1مك1:11 - الخ، 2مك4:8 - الخ.
+ 172 ق.م. - 140 سلوقى: الحملة الأولى على مصر من قبل انطيوخس أبيفانيوس. 2مك4:21 - الخ.
+ 171 ق.م. - 141 سلوقى: أبيفانيوس في أورشليم منلاوس يتقلد رئاسة الكهنوت 2مك4:21 -24.
+ 169 ق.م. - 143 سلوقى: حملة انطيوخس أبيفانيوس الثانية على مصر 1مك1:21،2مك5:1.
+ 168 ق.م. - 144 سلوقى: نهب الهيكل 1مك 1:21 , 2مك5: 15 - الخ.
+ 167 ق.م. - 145 سلوقى: ابلونيوس في أورشليم، تدنيس الهيكل 1مك1: 29 ,1: 54 ,2مك5:24 ,6: 2.
+ 166 ق.م. - 146 سلوقى: الانتفاضة بقيادة متتيا الكاهن، موت متتيا , يهوذا المكابى يتولى القيادة 1مك 2: 24 ,70 ,3: 1،2مك 8: 1.
+ 165 ق.م. - 147 سلوقى: الانتصارات على ابلونيوس ، الانتصارات على سارون في بيت حورون، وأيضا على نيكانور وجرجياس, وحرب انطيوخس أبيفانيوس في بلاد فارس 1مك 3: 11 , 23 , 37 , 4: 3 - الخ، 2مك 8: 9 - إلخ.
+ 164 ق.م. - 148 سلوقى: هزيمة ليسياس وتطهير الهيكل 1مك 4: 28 - الخ , 2مك 10: 1 - 8.
+ 163 ق.م. - 149 سلوقى: انتصارات اليهود في أدوم و جلعاد 1مك 5: 1 - الخ , 12: 18 - 31، 10: 24 - 38.
+ 163 ق.م. - 149 سلوقى:موت انطيوخس أبيفانيوس و اعتلاء انطيوخس الخامس العرش 1مك 6:16 , 6: 17 , 2مك 9:28 , 11: 22 , 23.
+ 162 ق.م. - 150 / 149 سلوقى: يهوذا يهاجم القلعة في أورشليم انطيوخس الخامس يهاجم اليهودية ويستولى على بيت صور 1مك 6: 20 , 31 - الخ , 2مك 13: 1.
+ 161 ق.م. - 151 / 150 سلوقى: ديمتريوس الأول يصل إلى سورية، ومحاولة بكيدس فرض ألكيمس رئيسا للكهنة , وأيضا محاولة نيكانور فرض ألكيمس رئيسا للكهنة وهزيمة نيكانور في 13 آذار 1مك 7: 1 - الخ , 2مك 14: 1- الخ، 15: 28.
+ 160 ق.م. - 152 سلوقى: المحاولة الثالثة لإعادة ألكيمس بمساعدة بكيدس، وفاة يهوذا المكابى وتولى يوناثان القيادة وحملته عبر الأردن 1مك 9: 1 - إلخ.
159 +ق.م - 153 سلوقى: ألكيمس يأمر بهدم الحائط الداخلي للهيكل، موت ألكيمس 1مك 9: 54 - 56.
+ 158 ق,م - 154 سلوقى: سنتان من السلام. 9: 57.
157 ق.م. - 155 سلوقى: بكيديس يفشل في حملته في بيت حجلة، عقد مصالحة 1مك 9:68 - 70.
+ 152 ق.م. - 160 سلوقى: الإسكندر بالاس يصل إلى عكا (بتولمايس)، يوناثان رئيسا للكهنة 10: 1، 21.
+ 151 ق.م. - 161 سلوقى: الحرب بين ديمتريوس الأول والاسكندر بالاس، موت ديمتريوس 1مك 10: 48 - 50.
+ 150 ق.م. - 162 سلوقى: التحالف بين بطليموس و الإسكندر , ديمتريوس الثاني يرسو في سورية 1مك 10: 57 , 67.
+ 147 ق.م. - 165 سلوقى: ابلونيوس في اليهودية - هزيمته من يوناثان 1مك 10: 69 - إلخ.
+ 146 ق.م. - 166 سلوقى: الخلاف بين بطليموس و الإسكندر بالاس، موت الإسكندر بالاس 1مك 11: 1 - 18.
+ 145 ق.م. - 167 سلوقى: ديمتريوس الثاني يخلف الاسكندر بالاس 1مك 11: 19.
+ 144 ق.م. - 168 سلوقى: يوناثان في عكا ( بتولمايس)، يوناثان يتحالف مع ديمتريوس، تريفون ينصب انطيوخس السادس على العرش، انطيوخس يؤكد امتيازات يوناثان، تجديد التحالف مع روما وهزيمة قادة ديمتريوس 1مك 11:24 ,44 , 54 , 57، 73، 12: 1 - 30.
+ 142 ق.م. - 170 سلوقى: اسر يوناثان وتولى سمعان القيادة، طرد تريفون وتحرير إسرائيل 1مك 12: 48، 13: 8 , 24 , 41.
+ 141 ق.م. - 171 سلوقى: الاستيلاء على القلعة 1مك 13:51.
+ 140 ق,م - 172 سلوقى: ديمتريوس يقع في الأسر (في فارس)، قرار تكريمي لسمعان (نقش على ألواح النحاس) 1مك 14:1 ,3، 27 .
+ 139 ق.م- 173 سلوقى: رسائل إلى سمعان من انطيوخس 1مك 15: 1 - إلخ.
+ 138 ق.م. - 174 سلوقى:انطيوخس السابع ينزل في سوريا، موت تريفون 1مك 15:10.
+ 137 ق.م. - 175 سلوقى: أبناء سمعان يهزمون القائد كندباوس 1مك 16: 10.
+ 135 ق.م. - 177 سلوقى: وفاه سمعان ويوحنا هركانوس يخلفه 1مك 16: 14 - 16 , 23.


الساعة الآن 10:32 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025