منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=268736)

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:21 PM

مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
مقدمة كتاب المدخل إلى سفريّ المكابيين

يستمد سفرًا المكابيين أهمية كبيرة في التقليد الكتابي، ليس فقط لكونهما وثيقة تاريخية بالغة الأهمية، وإنما أيضًا بسبب ثرائهما الشديد بالكثير من القيم الروحية والليتورجية وغيرها مما سنعرض له في حينه، وهما كذلك خلفية ضرورية وجيّدة للعهد الجديد.

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...ees-Symbol.jpg

فقد تصارع كل البطالمة والسلوقيين -خلفاء الإسكندر الأكبر- على إخضاع منطقة اليهودية، وتعرّض اليهود لاضطهاد عقيدي وثني شديد، من قبل السلوقيين، والذين نشروا الثقافة الهيلينية وألغوا العمل بالشريعة، فتوقّفت العبادة في الهيكل وأُهملت كافة الطقوس، وانحرفت الأمة بكاملها عن طريق الرب. ومن ثمَ قام بعض الغيورين بالجهاد من أجل إصلاح شأن الأمة واستدرار مراحم الله. فبعد أن خاضوا عدة معارك نجحوا أخيرًا في خلع نير الوثنية وإعادة تدشين الهيكل واستئناف العبادة فيه، وهو ما سُمى بعيد التجديد (يوحنا 20: 22).
ويلاحظ أنه وبينما وقف الله إلى جوار المكابيين في جهادهم في البداية، فإنهم لم يجدوا مثل هذا العون بعدما انحرفوا عن غايتهم النبيلة، إذ لم يكتفوا بما حققوه من مكاسب دينية ووطنية، بل داخلتهم الأطماع فانتهجوا سياسة توسَعيّة، جرّت عليهم الكثير من المتاعب، وازدادت حدّة الشقاق بين خلفائهم بسبب الصراع على السلطة، حتى وصل الأمر بهم إلى أن يستعدى بعضهم: الحكّام السلوقيين على البعض الآخر!! وانتهى الأمر باليهودية أن أصبحت ولاية رومانية.
هذا وقد أفرزت لنا حقبة المكابيين: النواة الأولى للرهبنة، وذلك من خلال جماعة الأسينيين المنبثقة عن الحسيديين، والذين آثروا الاعتزال - في حياة ديرية بمغائر قمران - احتجاجا على انحراف المكابيين عن هدفهم المقدّس (وكانوا حلفاؤهم في البداية).
كما قدَم سفر المكابيين الثاني كوكبة رائعة من الشهداء، ضمّت أطفال ونساء وشيوخ، وهم الذين اعتبرتهم الكنيسة: شهداءً مسيحيين قبل المسيحية!! وأقامت لهم الكنائس وعيّدت لهم واحتفلت بذكراهم في أول أغسطس من كل عام، لاسيّما في إنطاكية.
وقد رأيت أن أفرد للمدخل كتابًا مستقلًا نظرًا لضخامة الموضوع، والذي حظى من الكتاب والمهتمين بهذه الحقبة بعشرات الكتب والمراجع، وإن كان عملي هذا في الواقع أقل بكثير مما كان يجب، غير أنى أترك الاستفاضة والدراسة الأكثر اتساعًا لآخرين جديرين بذلك، وحسبى بهذا العمل المتواضع إلقاء بعض الضوء على هذا القسم من الكتاب المقدس، وتلك الحقبة من التاريخ الكتابي. وفتح الطريق فقط أمام المعنيين والمهتميّن بها. أشكر الأخوة الذين اشتركوا معي في هذا العمل من جلب للمراجع والصور إلى مراجعة النصوص، وأخص بالذكر الأستاذ الدكتور مجدي فهيم بالإسكندرية، والذي قام بترجمة بعض المراجع عن السفرين.
وأكرر من جديد: ليت هذه الأسفار - التي حذفها البروتستانت - تنال اهتمامًا أكبر في خريطة الخدمة والتعليم، والأنشطة والمهرجانات. بصلوات قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث، وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الحبر الجليل الأنبا إيسوزورس رئيس الدير، والذي تفضّل بمراجعة الكتاب. ولإلهنا المجد دائمًا أبديًا آمين.

دير البرموس العامر
صوم السيدة العذراء / 2002م
الأنبا مكاريوس الأسقف العام

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:23 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
الفترة التي سبقت ظهور المكابيين
تشرح لنا نبوات كل من النبيين عاموس وهوشع كيفية انحطاط المملكة الشمالية، المعروفة بمملكة إسرائيل، وذلك بسبب انحراف الشعب وراء عبادة الأوثان. وقد قام ملك أشور بالاستيلاء على العاصمة السامرة سنة 722 ق.م. وبينما سبى رجالها وشتتهم في مختلف البلاد الخاضعة له، فقد أتى من نفس البلاد بالكثير من الوثنيين ليسكنهم في السامرة (ملوك ثان 17: 24) قارن مع (يوحنا 4: 18). وبعد ذلك بقليل وبالتحديد في سنة 701 ق.م. هاجم سنحارب مملكة يهوذا في الجنوب واستولى على مدنها الحصينة في حين فشل في الاستيلاء على أورشليم نفسها (ملوك ثان 17: 3 وص 18 و19) غير أن الشرور الناتجة عن فساد حكم منسى الملك جلبت الدمار على المدينة وأن كان هذا الدمار تأجل قليلًا إكرامًا ليوشيا الملك صاحب الإصلاحات الكثيرة وهو الذي قُتل لاحقًا في معركة مجدو حين وقف إلى جوار ملك أشور ضد ملك مصر، والذي سعى للاستيلاء على جنوب سورية - منتهزًا في ذلك الصراع القائم بين مملكتي أشور وبابل - وكان ذلك في سنة 608 ق.م.
وعاد البابليون فهزموا القوات المصرية في معركة كركميش واستولوا على مملكة يهوذا وسورية، وعلى أثر ذلك قام نبو خذنصر بنقل كنوز بيت الرب والقصر الملكى وآنية خدمة الهيكل الذهبية إلى خزائنه في بابل (ملوك ثان 24: 13) وسبى معه أيضًا يهوياكيم الملك مع أشراف مملكة يهوذا، ولما تمرد صديقا الذي عينه على يهوذا، عاد الملك فأحرق أورشليم وهدم أسوارها، وأخذ صديقًا مقيدًا مع الآلاف من أشراف البلاد إلى مملكته، وذلك في سنة 585 ق.م. ومن ثم فرّ الكثير من اليهود إلى مصر ومن بينهم إرميا النبي (والذي أجبره اليهود الفارين على المُضِيّ معهم إلى هناك) وبذلك تمَ سبى يهوذا.
فلما اجتاح كورش مملكة بابل ودمرها سنة 538ق.م. تحسنت أحوال اليهود هناك، حيث كان هو ملكًا عادلًا، فقد سمح لهم بالعودة إلى أورشليم وبناء الهيكل وترميم أسوار مدينتهم، وذلك سنة 520 ق.م. حيث عادت الخدمة إلى الهيكل بفضل جهود زربابل وبالتحديد في 10/ 3/ 519 ق.م. ومن ثم أصبح الهيكل مركزْ للعبادة ونقطة تلاقى الله مع الشعب. وقد كان لكل من النبيين حجي وزكريا دورًا فعالًا في ذلك، حيث عاش الشعب مع جيرانه في سلام مهتمًا بإعادة التعمير والبناء، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال سفريّ حجي وزكريا. فلما تحسنت الأحوال المدنية والدينية، شجع ذلك الكثير من اليهود على العودة إلى وطنهم لاسيما وأن ملوك الفرس منحوهم المزيد من الحريات.
في هذا العصر عاش ملاخي النبي والذي يُحسب آخر الأنبياء بحسب القانون العبري في الأسفار. ثم جاء كل من عزرا ونحميا وأقاما إصلاحات دينية وقومية هائلة، وذلك بعد مئة عام، حيث اهتم نحميا سنة 444 ق.م. ببناء الأسوار وتحقيق الأنساب وتثبيت الطقس، بينما اهتم عزرا في سنة 457 ق.م. بتعليم الشعب وشرح الشريعة. في ذلك الوقت قطع الشعب عهدًا على أنفسهم بأن يجعلوا الشريعة دستورًا لحياتهم، وذلك في مشهد مؤثر للغاية عندما قرت الشريعة فبكى الشعب متعهدين بذلك (نحميا 8: 1-10).
واستلزم الأمر تعيين فرقة من اليهود تسمى الكتبة تكون مهمتها ليس فقط تفسير الأسفار فقط وإنما حفظها أيضًا وإيصالها للأجيال المتعاقبة، والكاتب في المفهوم اليهودي هو "اللاهوتي" وكان للكتبة سلطان على ضمائر الشعب، حيث أفتوا حتى في دقائق الحياة، ولم يكن أحدا ليجرؤ على مناقشتهم في سلطاتهم فيما يختص بتفاصيل الشريعة الطقسية الدقيقة (كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يخرج من كنزه جددًا وعتقاء (متى13: 52) وبعد خراب الهيكل سنة 70 م. أصبح الكتبة هم المسئولون عن تعليم الشعب، وذلك بعد انتهاء دور الكهنوت بانتهاء الهيكل وتوقف الذبائح.
وقد استمر النظام الذي أسَسه كل من عزرا ونحميا والربيين والكتبة اليهود هو المتبع والمعمول به، وكان عدد السكان قليلًا إذ تمسك الكثير من اليهود بموطنهم الجديد في بابل ولم يعودوا بموجب أمر كورش إلى أورشليم، كما كانت مساحة البلاد اليهودية صغيرة، حيث سكن سبطا يهوذا وبنيامين في بضعة أميال على امتداد أورشليم محافظين على روحهما القديمة الدينية والقومية وكذلك طقوسهما.
ويلاحظ أنه خلال الفترة ما بين العودة من السبي والفتح المقدونى (538-333) لم يطالب الشعب بإقامة ملك لهم حيث اتضح لهم أن الملوك السابقين على السبي كان لهم الضلع الكبير في ضلال الأمة وجلب العار والدمار عليها، وفي هذا عودة إلى حالة الوحي لا التخطيط مثلما حدث عندما رفض الشعب نظام القضاة في أيام صموئيل النبي وطالبوا بملك يحارب عنهم ويخرج ويدخل قدامهم، وعندئذ أقام الله لهم شاول.

ونعمت البلاد بالهدوء خلال هذه الفترة فتعمَقت معرفة الشعب في الشريعة والفضيلة، غير أن سلطة رئيس الكهنة في المقابل تزايدت في ذلك الوقت، وذلك في ظل تساهل ولطف وعطف الحكام الفرس، فقد كان رئيس الكهنة هو الزعيم السياسي للأمة مثلما هو زعيمها الديني. وأصبح هو مركز الوحدة القومية والمرجع الأعلى فيما يتعلق بالأمور الدينية والعادية، وكما يقول "الكانن سل" أن اجتماع الأنفة اليهودية والسياسة الفارسية المتسامحة زاد في أهمية هذه الوظيفة1، وحتى عهد البطالمة كان رئيس الكهنة يتمتع بمزيد من السلطة المحليةْ مادامت الضرائب توفى في موعدها، ومن ناحيتهم ظل

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:26 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
اليهود خارج فلسطين وفي مستعمرة ألفنتين

تعد بابل أكبر تجمعات اليهود خارج فلسطين، تليها مصر، وليس أدل على ذلك من قيام الملك بطليموس فلادلفوس بترجمة التوراة إلى اليونانية، من أجل تشجيع اليهود على الإقامة في مصر، في وقت كانت فيه الأمور قد بدأت تستقر في بلادهم اليهودية، فقد كان يكن لهم مزيد من الحب والتقدير، أما عن الأماكن التي تركز وجودهم فيها بمصر فهما منطقتى الإسكندرية وأسوان ومصر القديمة (بابليون / بابل مصر).

اليهود في مستعمرة الفنتين (الفيلة) Elephantine في مصر1

يرد في الرسالة إلى أرستياس Letter of Aristeas وهي من الأسفار الأبوكريفية، أن اليهود دخلوا إلى مصر مع الملك الفارسى قمبيز، بينما أتى آخرون من قبل إلى مصر (يهود من مملكة أشور) ليحاربوا كمرتزقة في جيش الفرعون بسماتيك ويقول هيرودوت Herodotus أن بسماتيك الثاني (593 - 588ق. م.) شن حربًا على الكوشيين (الأحباش) مما يحمل على الظن بأنه استعان باليهود في هذه الحرب، ثم وضعهم في معسكر "فيلة" بالقرب من الحدود المصرية الحبشية، فإن صحَ هذا القول، فإن المجتمع اليهودي في الفيلة قد ازداد من خلال مجندين جدد من فلسطين، حيث خدم جميعهم في الجيش الفارسى.
والحقيقة أنه ومع ذلك فإن مجتمع اليهود في فيلة، قد حيّر الكثير من العلماء، وجميع النظريات التي طرحت كان لها معارضون، فقد كانت هناك صلات بين مصر وإسرائيل - ما بين سيئة وحسنة - منذ زمن بعيد على ذلك التاريخ، فعندما قرر يربعام Jerobaam أن يهرب من وجه سليمان وجد في مصر ملجأ، كما كان لكل من أورشليم والسامرة حزب موالٍ لمصر، وذلك قبل تدميرهما من قبل البابليين والآشوريين، وقد طلب إرميا النبي من صديقا ألاَ يلتفت إلى الحزب الموالى لمصر، بينما كان صديقا يتوقع معونة من مصر عند مقاومته لنبوخذ نصر، وإلى مصر أخذ إرميا حيث عاش هناك بقية حياته.

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...Babylon-02.jpg

وتوضّح إحدى برديات مجتمع الفيلة أن المجتمع اليهودي هناك يسبق في تاريخه غزو قمبيز بن كورش وخليفته لمصر، تقول البردية:"... بنى آباؤنا الأولون هذا الهيكل في حصن فيلة في الماضي في عهد مملكة مصر، وحين سار قمبيز إلى مصر وجده مبنيًا، لقد هدموا كل هياكل آلهة مصر ولكن لم يضر أحدً هذا الهيكل"1.
وفى سنة 1907 / 1908م وأثناء عمليات الحفر والتنقيب في جزيرة الفيلة الواقعة مقابل مدينة أسوان (حزقيال 29: 10، 30: 6) عند النبع الأول للنيل، تم اكتشاف الكثير من البرديات المكتوبة باللغة الأرامية، والتي كُتبت من قبل الجماعة اليهودية في القرن الخامس قبل الميلاد، ما بين عامى (492 - 400ق.م.) وكانت تلك البرديات في أغلبها مستندات تجارية: ما بين "قروض ونقل ملكية وما شابه ذلك"، ومما يؤكد يهودية تلك المستندات: الأسماء اليهودية الواردة فيها مثل: هوشع، عزرا، صفنيا، يوناثان، زكريا، ناثان، وهي أسماء معروفة جيدًا لقارئي الكتاب المقدس.
غير أن أكثر ما يلفت الأنظار في تلك البرديات تلك التي كتبت عام 407 ق.م.، وهي عبارة عن خطاب مرسل إلى بيوجفاىBiogvai حاكم اليهودية، ويعرض الخطاب كيف أن كهنة مصر وبإيعاز من الحاكم المحلى وبمعونة ابنه، قد قاموا بهدم الهيكل الذي بناه اليهود في جزيرة فيلة، ويرد في الخطاب:.. لقد دخلوا هذا الهيكل وسوّوّه بالأرض وحطموا الأعمدة الصخرية وكذلك سقفه المصنوع من خشب الأرز، وكل ما كان هناك أحرقوه بالنار، إما الأواني الذهبية والفضية فقد سلبوها جميعًا.. لقد اشمئز الكهنة المصريون من وجود هيكل لإله غريب في وسطهم، وقرروا أن يطهروا أرضهم من نجاسته، وبالطبع وجدوا لدى الشعب عداوة كافية ضد اليهود ليحققوا غرضهم...".
وقد طلب يهود فيلة المساعدة لإعادة بناء هيكلهم:"...الآن خادمك يدونيا Yadoniah ومعاونوه وسكان جزيرة فيلة من اليهود جميعهم يقولون، وإن حسن في عين سيدنا فلينظر إلى هذا الهيكل ويعيد بناؤه، لإنهم لا يسمحوا لنا بإعادة بنائه. انظر إلى محبيك وأصدقائك هنا في مصر، فلترسل خطاب من لدنك إليهم بخصوص هيكل الإله يهوه.. ليبنوه في حصن فيلة، كما بُنى من قبل، والتقدمات والبخور وذبائح المحرقة سوف تُقدم باسمك وسوف نصلى من أجلك في كل حين مع زوجاتنا وأولادنا وجميع اليهود الذين هنا إذا فعلت ذلك وأعيد بناء الهيكل، وسوف تنال جزاءك وأجرك من الإله يهوه إله السموات، أكثر من أي رجل يقدم له محرقات وذبائح تساوي آلاف القطع الفضية أو الذهبية، ومن أجل هذا قد كتبنا لنخبرك وكذلك كتبنا مخبرين بكل شيء في خطاب باسمنا إلى "شلميا" و"دلايا" Shelemiah Delaia أبناء سنبلط حاكم السامرة، ولكن ارسوميس Arsumes حاكم إقليم مصر لم يعلم بكل ما فعلوه بنا..."اه -.

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...Babylon-01.jpg

هذا ويؤرّخ الخطاب في العشرين من شهر ماربشوان Marbeshwan في السنة السابعة عشر لملك داريوس.
وبينما كان يهود جزيرة فيلة مهتمين جدًا بالهيكل وعبادة إله إسرائيل يهوه، فإنهم لم يحافظوا على نقاء عبادتهم التي أوصى بها أنبياء إسرائيل، فقد عبدوا آلهة أخرى مثل أشوبيثال Ishumbethal، هيرم بيثال Herembethal، أناثباثال Anathbathal، وكذلك الإله Anathyahu، وكانت Anath إلهة الخصوبة والحرب في كنعان، اخت وزوجة "بعل".
ويعتبر وجود الهيكل والذبائح في فيلة دلالة على أن اليهود هناك رفضوا مبدأ الهيكل الواحد المركزى (فى أورشليم) لتقدم فيه الذبائح ليهوه، وعبر مراحل كبيرة في التاريخ كان هناك صراع بين أولئك الذين دافعوا عن الهيكل المركزى وأولئك الذين يرفضون المركزية بل يفضلون تعدد الأماكن والمرتفعات، فقد كانت فكرة أن الإله يهوه إله واحد، تتمشى مع فكرة وحدانية الهيكل، والمصلحين مثل يوشيا قد صمموا على هدم المرتفعات كمراكز للوثنية، وبالتالي فإن العناصر الوثنية في عبادة يهود فيلة تسهم في رفض فكرة أن هيكل أورشليم هو المكان الأوحد للعبادة والذبائح، غير أن يهود فيلة اعتبروا أنفسهم مستقيمى العقيدة. وتفيد كتابتهم بإنهم اهتمَوا بالفصح والفطير، وكان نظام الكهنوت وتقديم الذبائح الموجود في معبد فيلة، مأخوذ عن نظام الهيكل في أورشليم، ويؤكد التجاءهم إلى كل من أورشليم والسامرة: عدم التحيّز في الانتماء إلى أي من الطرفين في صراعهم.
أما اللغة التي كتبت بها البرديات فهي الآرامية وليست العبرية، فقد كان اليهود الذين حضروا إلى مصر قبل سبى بابل يتكلمون العبرية بينما الآخرون الذين حضروا بعد ذلك كانوا يتكلمون الأرامية.
ويثير البعض مشكلة أخرى من حيث تاريخ وجود اليهود في فيلة، إذ يرون أن بسماتيك الثاني كان يعتلى عرش مصر في الفترة التي سبقت سقوط أورشليم، فكيف يتخلى اليهود عن أرضهم ووطنهم ليحاربوا في جيوش بسماتيك ضد الكوشيين، ويرى أولئك أنه من الممكن أن يكون بسماتيك قد أتى بمجندين يونانيين مرتزقة، وبالتالي فلم يكن بحاجة ملحة إلى مجندين من اليهود. ولكن ديسترلى W.D.E.Desterley يطرح نظرية أخرى مفادها أن المستوطنين في منطقة فيلة، كانوا يتكونون من يهود ولكن من مملكة أشور، ويعتقد أن الأسرى المسبيين الذين أخذوا من إسرائيل بعد سقوط السامرة قد تم تجنيدهم بإرادتهم، أو ربما فروا من جيش أشوربانيبال، وبعد غزو الخير مصر اُقيمت حاميات وحصون آشورية في أماكن عديدة من المنطقة، غير أن تولى أشوربانيببال لمصر لم يدم طويلًا، وترجع انتصاراته إلى سنة 667ق.م. ولكنه ومع اقتراب سنة 663ق. م. طهّر بسماتيك الثاني كافة البلاد من الحصون الأشورية ويعتقد "ديسترلى" هذا أن بسماتيك نظر إلى حصن فيلة باعتباره يخص اليهود فجنّدهم وضمَهم إلى جيوشه.
ومن المحتمل أن يكون يهود فيلة قد سعدوا بابتعادهم عن بلاد أشور، وقد كانت لغتهم في أشور هي الأرامية، ولذلك كتبت مخطوطاتهم بالأرامية. هذا وتشرح وجهة نظر ديسترلى هذه، السبب في طلبهم المعونة من أهل السامرة، ويحتمل أن الغالبية العظمى في مجتمع فيلة ترجع أنسابهم إلى السامريين، إذ أن أوصاف السامريين الواردة في الأسفار المقدسة تتفق مع العناصر الوثنية لمجتمع فيلة، ففي كلا المجتمعين ومع أنهم يخشون "يهوه" إلاَّ أنهم لا يجدون غضاضة في عبادة آلهة أخرى.!
وفى النهاية فإنه وإن كان نحميا المصلح الديني قد بدا متشددًا، جادًا فيما يتعلق بجيرانه من السامريين والوثنيين، فقد ظهر في فيلة في المقابل الخطر الناجم عن ترك اليهود لمجتمعهم الذي يحيون فيه، وسكناهم بجوار مجتمع وثني في مصر حيث انضم يهوه إلى "هيكل كل الآلهة" الوثنيين!!

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:26 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
فلسطين و العصر اليوناني
بينما كان الفرس يجدون صعوبة في إخضاع إمبراطوريتهم الممتدة، كان النفوذ اليوناني في تزايد مستمر على الرغم من محاولات الفرس الدائبة للتفريق بين مدن اليونان وإثارة إحداها ضد الأخرى، غير أن فيلبس المقدونى وهو غير يوناني بالطبع، استطاع توحيد تلك المدن واصبح الحلف اليوناني (فيما عدا إسبرطة) هو الأداة التي قضت على إمبراطورية فارس، غير أن فيلبس هذا قُتل في سنة 336ق.م. وذلك قبل أن يتم تنفيذ مخططاته، ومن ثمَ تولى ابنه الإسكندر مكانه، وكان ذا شخصية عظيمة مهيبة، يندر وجود قائد فاتح مثله على مدار التاريخ، فقد تدرب على يد أرسطوطاليس وتمتع باخلاق عالية دمثة، وكانت أولى امنياته هي توحيد البلاد تحت لواء الإمبراطورية اليونانية، بحيث تكون لها لغة واحدة وعقيدة واحدة، كذلك توزع الثروات بالتساوي بين رعاياها، ويقام فيها نظام قضائى عادل.
بدأ الإسكندر بعمل تحالف ما بين المقدونيين (وهو منهم) واليونانيين والذين سيعمل لأجلهم ويسمى باسمهم، حتى أنه لما قتل أهل طيبة الحامية المقدونية، احرق الإسكندر مدينتهم وباع أهلها كعبيد، وكان ذلك بمثابة إنذار بأن التحالف بين المقدونيين واليونانيين يجب أن يُحترم. ثم بدأ زحفه بجيش صغير من المقدونيين يصحبهم بعض المؤرخين والجغرافيين وعلماء النبات، بعبور نهر الدردنيل وذلك بقارب صغير من نفس المكان الذي عبر منه احشويرش الملك ولكن من أعلى كوبرى مصنوع بإتقان، واحتل طروادة فقدّم ذبائح لآلهة اليونان وأبطالهم، وبذلك أعلن عن البدء في حرب جديدة.
غير أن داريوس الثالث ملك الفرس لم يأخذ هذه الحملة مأخذ الجدّ، بل أنه أمر باسر الإسكندر وحمله إلى شوشن مرسلًا في ذلك جيشًا مكونًا من فرسان من الفرس وبصحبتهم مرتزقة يونانيين وقوات محلية لإعتقال الإسكندر، وتلاحم الجيشان عند نهر جرانيكوس Cranicus وبينما توقّع الفرس نصرًا سهلًا، إذا بهم ولكن الفرس ينهزمون بعد قتال شديد، ولم يهتم الإسكندر بضمَهم إلى صفوفه بل أمر بقتل المرتزقة اليونايين لخيانتهم، وبذلك صار الطريق ممهدا أمام الإسكندر إلى أسيا الصغرى ففتح مدنها، بينما ظلت هاليكارناسيوس Halicarnasus موالية لبلاد فارس، ولكن الإسكندر أحرقها أثناء حصارها.
ثم تحرك تجاه الشرق مجتاحًا تلك النواحي حيث لم يواجه مقاومة حقيقية حتى وصل إلى بوابات كليكية في إيسوس Issus حيث تقدم داريوس بجيشه الفارسى متصدّيًا للإسكندر، غير أنه انهزم واُخذت منه دمشق عُنوة، واُسرت عائلة دريوس مع شرفاء من اسبرطة وأثينا وطيبة، إضافة إلى كمية هائلة من الغنائم، ويقال أن الإسكندر دخل خباء داريوس فوجد زوجته وابنتاه وابنه، فطمأنهم جميعًا وأوصى بهم خيرًا ومنع جنوده من المساس بهم، بل وأجزل لهم العطايا، بل إن المؤرخ بلوتارك يقول أن الإسكندر قد عاقب بعض جنوده بالموت لإسائتهم إلى نساء أعدائهم.
وخلال الفترة التي اخضع فيها الإسكندر جميع مدن فينيقية (عدا صور) عرض داريوس مرتين التفاوض مع الإسكندر، عارضًا عليه الهدايا والمقاطعات والمال الوفير والزواج من ابنته في مقابل عودة عائلته، غير أن الإسكندر لم يلتفت إلى هذا العرض، إذ قد سبق فأعدّ خطة لغزو العالم كله (في تأبين الإسكندر قال أحد الفلاسفة "بالأمس لم يسع العالم الإسكندر فكيف اليوم يسعه هذا الصندوق الضيق").
اما إخضاع صور فقد احتاج إلى سبعة أشهر في ملحمة بطولية ظهر فيها بأس الإسكندر وشجاعته ومثابرته وعدم يأسه، وهي وقعة كفيلة وحدها بتحديد معالم شخصية الإسكندر وعظمته، وتقدم مثلًا هامًا في المثابرة، ولعل أهم ما يميز هذه الحملة على صور: هو إقامته طريقًا في البحر يصل بين اليابسة والجزيرة المقامة المدينة عليها، وبسقوطها سقطت أهم مدينة بحرية لها الكثير من النفوذ على المنافذ البحرية والتجارية.
تلا ذلك حصار غزة ولمدة شهرين جُرح فيها الإسكندر واستبسل واليها، غير أن الإسكندر قد مثَل به بعد فتح المدينة، فقد سحله في شوارع المدينة وهو مربوط بحبل من عرقوبه، في حين كان الوالي نفسه فخورًا بذلك لتشبهه في ذلك ببعض الأبطال المشاهير.!
ودخل الإسكندر إلى مصر والتي رحبت بمقدمه كمخلَص، ليس فقط بسبب كراهيتهم للفرس المحتلّين البلاد، وإنما بسبب ما صرَح به الكاهن المصري في معبد آمون في مصر، إذ أنه ما أن دخل الإسكندر كعادته إلى الهيكل لتقديم الذبائح حتى أعلن أن الإسكندر هو ابن آمون وأنه سوف يغزو العالم!!هنا سُرَ الإسكندر بهذه النسبة (النسب) واعتبر نفسه فرعونًا شرعيًا له هيكله في معبد الكرنك، وبدأ في التركيز على نسبته (نسبه) إلى مصر، أكثر من نسبه إلى الإغريق. وابتعد عن الأيديولوجية اليونانية بعد أن كان مقتنعًا بطريقة الحياة اليونانية، ومن ثم أعاد التنظيم الإدارى لمصر، معطيًا للمصريين النصيب الأكبر في حرية إدارة بلادهم، على أن يظل للمقدونيين النفوذ العسكري (أي أنهم يكونون مسئولين عن الجيش) وظلت مدينة الإسكندرية هي الأثر العظيم الباقي الذي يدلَ على علاقة الإسكندر بمصر، فقد حلّت المدينة التي بُنيت على اسم الإسكندر (الإسكندرية) كميناء مركزى للتجارة في حوض البحر المتوسط، بديلًا لصور التي دُمرت في فينيقية. وشجع الإسكندر اليهود على السكنى فيها، حيث أصبح لوجودهم التأثير الهام على تاريخ اليهودية المسيحية فيما بعد.
وفى أورشليم اتجه الإسكندر عقب فتحه إيّاها إلى الهيكل، هناك رحب به رئيس الكهنة وفتح له سفر دانيال وشرح له كيف أنه هو المقصود بالكبش ذي القرنين، وفسر له النبوة، فسُرَ لذلك كثيرًا ولما طلب أن يقام له تمثال من الذهب في الهيكل تذكارًا له يقوم هو بنفقاته، اعتذر رئيس الكهنة بعدم جواز ذلك، ونصحه في المقابل بتوجيه المال إلى إصلاح أحوال الكهنة والخدمة في الهيكل حيث سيكون له بذلك الذكر الأفضل فوافق مسرورا، وهكذا تُظهره التقاليد اليهودية كشخص ودود، فيما يتعلَق بالصراع القائم ما بين اليهودية الأرثوذكسية والحضارة اليونانية.
فى سنة 331ق.م. اتجه الإسكندر شمالًا من خلال سورية وفلسطين حيث شعر أنه بإمكانه مواجهة جيوش الفرس في أراضيهم، وهزم الإسكندر بالفعل الجيش الكبير لداريوس في معركة جوجاميلا Gugamela فيما بين النهرين، وبهزيمة داريوس لم يجد الإسكندر مانعًا أمامه فاستولى عندئذ على جميع مدن فارس وعواصمها مثل بابل وشوش وبرسابوليس وأكبتانا، وبالمثل فقد رحب به أهل البلاد وجاء كهنة "مردوخ" يقدمون الهدايا ومعهم أشراف المدينة ووعدوه بإعطائه جميع ثروات بابل، وصدر الأمر بتزيين الشوارع بالزهور وأن يأتوا بالإكليل ليرحبوا ب"الملك العظيم" وأحرق البخور على المذابح، ورتل المجوس، ولقاء ذلك أمر الإسكندر ببناء الهياكل التي أهملت منذ إيام أحشويرش، وبنى هيكل الإله مردوخ Bel Mardukh، وهو أحد أمجاد بابل مرة اخرى.
وبعد عشرين يومًا من تركه لبابل اتجه الإسكندر إلى شوشن حيث كانت كنوز قصر الملك داريوس الأول في انتظاره، وبعد حصوله عليها اتجه نحو برسابوليس حيث كانت أغنى مدن العالم قاطبة، ولكنه - وعلى غير عادته - سلك هناك بوحشية، حيث ذبح جميع رجالها وسبى نساءها، وتصارع أتباعه على الغنائم. وفي سنة 330 ق.م. مات داريوس وأخذ الإسكندر لقب ملك الملوك أو الملك العظيم Basileus. وكان نهب برسابوليس هو علامة سيادته التامة على مملكة فارس، وقد ارتدى الإسكندر في فارس الزى الفارسى وعاش مثل حياتهم وكان يحكمهم كأمير شرقى وقامت هناك مؤامرة ضده حيث أراد ابن "برمنيون" (احد قواده) قتله والاستيلاء على المُلك فقتل الاثنين.
وبعد بلاد فارس اتجه إلى المشرق حيث استغرقت الحرب ثلاثة سنوات مريرة ليستولى على بكتريا Bactria وسجديانا Sogdiana (تركستان الحالية) وكعلامة على التسوية تزوّج الإسكندر من الأميرة روكسانا Roxana من بكتريا، وقد كان اقليم بونجات Bunjat هو آخر الحدود التي وصل إليها الإسكندر حيث رفض الجيش التعمق أكثر من ذلك.
وكانت السنين الأخيرة للإسكندر مأساوية، فقد عاد نصف جيشه من الهند عن طريق البحر في اسطول حديث البناء، ونجح الاسطول في الرحيل من Indus Della وحتى الخليج الفارسى بينما رحل باقي الجيش عن طريق البر، فلمَا عاد هو إلى شوشن سنة 324ق.م. وجد الفوضى تدب هناك، حيث تذمَر الحكام الذين تركهم، على حكمه، وثارت فضيحة عندما علموا أنه قتل المؤرخ كالسيتينوس Callistenos ابن أخيه نيفيوNephew، كما تذمّر اليونانيون من الإسكندر وأوامره، لاسيما عندما شعروا أن الإسكندر يريدهم أن يعاملونه كإله، واختلطوا بالفرس واتخذوا لأنفسهم منهم زوجات، ولما رتب أن يقوم برحلة بحرية حول الجزيرة العربية سنة 323ق.م. مات في الطريق اثر حمى (ويقال أنه مات مسمومًا) وكان ذلك في 21 إبريل من نفس العام ولم يكن قد تجاوز عامه الثالث والثلاثين، بينما كانت روكسانا زوجته قد ولدت له ابنه الوحيد.
فى هذا الزمن القصير والذي لم يتخطَى أحد عشر عامًا هي مدة ملكه، استولى الإسكندر على ما لم يستطيع أحد من قبله الاستيلاء عليه من البلاد والحصون، ولم يجد متسعًا من الوقت لتحقيق أمنيته في خلق إمبراطورية متماسكة، ولكن هذه السنوات منذ عبوره الدردنيل وحتى موته، قد غيرت مجرى التاريخ وخلقت الحضارة الإغريقية، ويقال أن فليمون وزيره أخفى خبر موته عن الناس ووضعه في تابوت من الذهب وغطّاه بالعسل (حسب رواية يوسيفوس) وعند مجيئه إلى الإسكندرية كشف للناس الخبر، ووضع التابوت أمامهم ثم أشار إلى الحكماء والفلافسة وأصدقاء الإسكندر، لكى يقول كل منهم كلمة في رثائه وتأبينه1 (لمطالعة أروع ما يمكن أن يقال في مناسبة مثل تلك: راجع تاريخ يوسيفوس، بيروت 1873م.)، ويقال ان وصوله إلى الإسكندرية كان بعد سنتين من موته، وذلك بسبب الخلافات بين القادة وترتيب جنازته.

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:27 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
فلسطين تحت حكم خلفاء الإسكندر
لم يترك الإسكندر خليفة من نسله سوى الابن الذي أنجبته له أروكسانا زوجته التي من بكتريا، وكان ما يزل طفلًا، ويروى سفر المكابيين الأول أن الإسكندر عندما شعر بدنو أجله قسَم المملكة بين أربعة من قواده الأشرار "فدعا أشراف ضباطه الذين تربوا معه منذ الصبا، وكان الإسكندر قد ملك اثنتى عشرة سنة حين مات، فتولى ضباطه المُلك كل واحد في منطقته، ولبس كل منهم التاج بعد وفاته، وكذلك بنوهم من بعدهم سنين كثيرة فأكثروا من الشرور في الأرض (1مكا1: 6-9). ويفيد التاريخ المدني بأنه بعد صراع طويل استمر لسبع سنوات ظهر هؤلاء الأربعة البارزين وهم انتيجونوس Antigonus وهو الذي أخضع الأراضي الواقعة بين البحر المتوسط وحتى وسط آسيا الصغرى، ثم كاسندر Cassander والذي كان يحكم مقدونية، ثم بطليموس لاجى Lagi والذي حكم مصر وسورية الجنوبية، ثم ليسيماخوس Lysimachus حاكم ثراكية.
وكان سلوقس Seleucus والذي لعب دورًا بارزًا في الأحداث التي جرت في فلسطين في الفترة التالية لذلك، هو أحد قواد بطليموس، وبينما مثل البطالمة (البطالسة) في مصر: "بطليموس"، فقد مثًل سلوقس عائلة السلوقيين في سورية، وقد ظل اثناهما يتنازعان الحكم، حيث قام بطليموس بعدة هجمات ضد منطقة جنوب سورية للاستيلاء على فلسطين، بينما حاول سلوقس في المقابل غزو الجنوب للفوز بفلسطين أيضا، وفي سفر دانيال نجد نبوة عن قيام الملوك الأربعة والصراع المستمر بينهم، هكذا: "ويقوم ملك جبار متسلط تسلطًا عظيمًا ويفعل حسب إرادته، وكقيامه تنكسر مملكته وتنقسم إلى رياح السماء الأربع ولا لعقبه ولا حسب سلطانه الذي تسلط به لأن مملكته تنقرض وتكون لآخرين غير أولئك" (دانيال 11: 3، 4).
ويعود سفر دانيال ليؤكد ذلك ويشير إلى نهاية مملكة الإسكندر وقيام الرومان: "فرفعت عيني ورأيت وإذا بكبش وقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد أعلى من الآخر والأعلى طالع أخيرًا، رأيت الكبش ينطح غربًا وشمالًا وجنوبًا فلم يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده وفعل كمرضاته وعظم، وبينما كنت متأملًا إذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض وللتيس قرن معتبر بين عينيه وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذي رأيته واقفًا عند النهر وركض إليه بشدة قوته ورأيته قد وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده" (دانيال 8: 3-7).
ويروى كل من المؤرخين "أريان" و"كينتوس كورس":أن الإسكندر جعل الخلافة للأرشد منهم، وروى "ديودورس الصقلى" و"يستينوس" أنه دفع بخاتمه إلى "برديكاس" وأنه بعد وفاة الإسكندر وبينما كان القواد مجتمعين ليحدّدوا من يخلفه، دخل برديكاس عليهم وبيده خاتم الملك ووضعه على العرش المنصوب في ردهة الاجتماع، وكانت روكسانا زوجة الإسكندر حُبلى في الشهر الثامن، في حين كانت برسين زوجته الأخرى قد ولدت ابنًا أسمته "هرقل" ولكن الخلاف اشتد بين الجميع على النحو التالي:
قد طلب الجميع أن يختاروا ملكًا يمتثل له الجميع، إلى أن تلد روكسانا، وكان برديكاس يأمل أن يفوز بلمُلك، ولكن "نيارك" (زوج أخت برسين) اعترضه، وراى الحضور أن يكون "هرقل" الطفل هو الملك الخليفة، ولكن بطلميوس اعترض ورفض أن يخضع المقدونيين لأي من الابنين، سواء أكان ابن برسين أو ابن روكسانا الذي لم يولد بعد، بل رأى أن يبقى العرش خاليًا وأن يُعهد بالولاية إلى من كانوا مشيرى الملك، فاستحسن وجهاء الدولة الرأي، غير أن الجنود استاءوا من ذلك وراوا أن يُعهد بتدبير المملكة إلى برديكاس وإلى "ليوناس" في أسيا، وإلى "انتيباتر وكراتر" في أوروبا، وذلك حتى تلد روكسانا ابنًا، وكان القائد "ملياكر" عدوًا لبرديكاس فأثار الجنود ضد الفرسان الموالين لبرديكاس (الجنود في الجيوش هم المشاه وهي جماعة تختلف عن الفرسان والذين يتميزون عليهم. ويقال في العادة "الرجال والفرسان" أي المشاة وراكبي الخيول.)، ورشح لهم "أريداى أخ الإسكندر لأبيه لخلوّه من الدم البربري فاختاروه رغم عدم أهليته للحكم، فلما شرعوا في توليته اعترض وجهاء الدولة، ولكن الجنود نصّبوه بالقوة، فدارت حينئذ معركة بين الفريقين، وكان من الضروري حلّ النزاع، واتفق كل من الجنود والفرسان على أن يتقاسم كل من "اريداى" و"ابن روكسانا" (إن ولدت ذكرًا) المُلك، بينما يحكم أنتيباتر في أوروبا. في حين يدير "كراتر" الأمور بأمر أريداى، وأمّا برديكاس فليكن في منزلة الوزير الأول، وأما "ملياكر" فيعمل كنائب له (ولكنه لم يمض وقت طويل حتى قام برديكاس بقتل ملياكر).
ثم ولدت ركسانا ابنا أسموه الإسكندر، وأقروا له بالملك مع أريداى، ولم يكن لكليهما إلا اسم ملك، إذ كان الأول طفلًا بينما كان الثاني غير كفء، وكانت الإدارة الفعلية لكبراء الدولة على النحو التالي:
ليسيماخوس: ثراكية وما حولها.
انتيباتر وكراتر: مقدونية وبلاد اليونان.
بطلميوس: مصر وما فتحه الإسكندر في أفريقيا.
لاوميدون: سورية وفينيقية.
وأما بقية مدن آسيا فقد تُرك عليها الولاة الذين سبق فعيّنهم الإسكندر. وكان سلوقس بن أنطيوخس رئيسًا على الفرسان المتحدين، وللإسكندر بن انتيباتر الرئاسة على فرق الجيش، وأما برديكاس فاتخذ قيادة الجيش في آسيا، إضافة إلى الوصاية على الملكين والسلطان المطلق بحجة الخاتم الذي تركه الإسكندر معه.
و قامت منازعات وحروب متواصلة بين جميع أولئك القادة والولاة، حيث رغب كل منهم في الاستقلال وتسمية نفسه ملكًا، بل أن روكسانا نفسها قامت بقتل ضرتها ساتيرا امرأة الاسمندر وابنة داريوس ملك الفرس، كما قتلت كذلك اختها دريباتيس أرملة افستيون.
وليعذرنا القارئ في إيراد هذه التفاصيل، فقد أردنا تسليط الضوء على الوضع في تلك اليام وما جرى فيها من الصراع الذي نشب في المنطقة قبل ظهور المكابيين، حيث كانت فلسطين بحسب موقعها هدفًا لكل من أراد أن يحمل على الآخر سواء سورية وبابل في الشمال او مصر وافريقيا في الجنوب.
لقد تحالف "برديكاس" و"أدمان" وإلي الكبادوك لمحاربة كل من بطليموس وإلى مصر وكراتر وانتيباتر والي مقدونية وانتيكون والي بمفيلية وفريجيا، ولكن برديكاس قتل غيلة على يد بعض جنوده بعد أن هزم بطليموس سنة 321 ق.م. فأقيم انتيباتر مكانه وقام كذلك أنتيكون والي (أنتيغونوس) قائدًا للجيش في آسيا وأوصياه بملاحقة أدمان حليف برديكاس، فاتصلت لذلك الحروب بينهما، أُسر على أثرها أدمان وقام انتيغونوس بقتله سنة 315 ق.م. فاهتز من ثم وضعف ركنًا من أركان الأسرة الملكية.
ثم ما لبث أن مات أنتيباتر سنة 313 ق.م. وبينما كان يحتضر أوصى بالملك ل "بوليسبركون" والولاية كذلك على مقدونية، مفضلًا إياه على ابنه لما فيه خير المملكة، كما أوصى أن يكون ابنه نائبا له، فاستعان ب أوليمبيا ابنة الإسكندر الأكبر فأصبحت من ثم مقاليد الأمور في يدها، عند ذلك قامت بقتل " أريداي" الملك سنة 317 ق.م. بعد ست سنوات وأربعة أشهر قضاها في ملك شكلي، ثم ما لبثت أن قتلت زوجته ثم أحد أبناء أنتيباتر ثم مئة من رجال إسكندر بن انتيباتر.!!
عند ذلك قام الإسكندر هذا متجهًا إلي مقدونية قاصدًا الانتقام من أولمبيا، فتحصنت في قلعة، ولكن الجنود انحازوا إلي عدوها، غير أنهم استحوا من قتلها بعد خروجها كأمر الإسكندر، وعندئذ أرسل الإسكندر إليها بعض من أقارب مَن قتلتهم فقتلوها، وكان ذلك في سنة 316 ق.م. وأراد أيضًا قتل روكسانا وولدها واللذين كانا متحصّنين معها ولكنه لم يستطيع.
ثم تزوج الإسكندر من " تسالونيس" أخت الإسكندر الأكبر رغية منه في الحصول على تأييد الأكبرين طمعًا في الملك بعد ذلك واستعجل أمره في مقدونية وبلاد اليونان، بينما اشتدت شوكة أنتيغونوس في آسيا، وفرّ سلوقس والي بابل من قدامه إلى بطليموس في مصر، بينما كان إسكندر باكوس وابن روكسانا أسيرين في مقدونية.
و في سنة 315 ق.م. تحالف بطليموس وكاسندر وإلى مقدونية وليسيماخوس والى ثراكية لمهاجمة أنتيغونوس الذي اشتاق إلى أن يصبح مثل الإسكندر الأكبر، فطلب بطليموس من أنتيغونوس الذي اشتاق إلى أن يصبح مثل الإسكندر الأكبر، فطلب بطليموس من أنيغونوس أن يتخلى عن جزء من البلاد الأسيوية التي أخضعها، وطلب سلوقس أن يأخذ بابل التي ُطرد منها قبلًا، وعندما لم يلتفت أنتيغونوس إلى مطالب بطليموس، اشتعلت الحرب بينهما واراد أنتيغونوس الاستعانة باليونان وبعض القبائل واشترى كذلك أسلحة ولكنه لم ينجح وهُزم من قبل بطليموس وسلوقس، وكان ديمتريوس بن أنتيغونوس هو قائد الجيش، وقد جرت هذه الواقعة في حرب بحرية في غزة سنة 312 ق.م. وتقدم المنتصرون أكثر وأخذوا المدن السورية الهامة ومنها صيدون.
و في المقابل ينقل يوسيفوس عن المؤرخ "أجاثا ركيديل" Agatha rachidel وصفه لغز بطليموس لأورشليم، فيقول: "أن الشعب بينما كان يصلى في السبت دخل "بطليموس لاجوس Lagus " إلى المدينة وأخذها، وبذلك ظهر لدى اليهود "عيبًا خطيرًا" في السبت، فاتفقوا من ثم على جواز الحرب في السبت متى كانت دفاعًا عن النفس. وهو ما أكده بعد ذلك المكابيين، بعدما هاجمهم السلوقيين وقتلوا منهم ألفي نفس.
و يرد في رسالة أرستياس عن بطليموس:".. لقد غمر جوف سورية وفنيقية بكاملها ليجرب بسالته، فقتل البعض وأسر البعض الآخر وأذلّ الكل وأخضعهم، لقد نقل إلى مصر مئة ألف شخص من اليهود إلى مصر، وجند منهم ثلاثيين ألفًا من رجال البأس وأعطاهم السلاح ووضعهم في حصون في مصر " وتدل الحفائر والكتابات والبرديات المصرية على وجود أعداد كبيرة من اليهود في مصر البطلمية، بعض من هؤلاء قد حاربوا سابقًا، ومن المحتمل أن يكون "بطليموس لاجوس" قد أتى بالكثير منهم.
فى سنة 314 ق.م. حقق أنتيغونوس بعض النصر عندما فتح صور بعد حصارها خمسة عشر شهرًا، وفي سنة 313 ق.م. كانت لهم حروب في بلاد اليونان ولكنها لم تكن حروبًا فاصلة، غير أنه في سنة 312 ق.م. عهد أنتيغونوس إلى ديمتريوس أبنه أن يمنع المصريين من دخول سورية، ولكن بطليموس ومعه سلوقس كسرا جيشه عند غزة فتقهقر إلى أشدود ومنها إلى طرابلس، ومن ثم أسرع سلوقس إلى ولايته في بابل والتي كان طرد منها قبلًا، فلما سمع أنتيغونوس بانكسار جيش ابنه هبّ لنجدته بجيش كبير، فانسحب بطليموس إلى مصر وهكذا استمرت سورية في حوذة أنيغونوس، واستمرت هذه المناوشات مدة أربع سنوات دون حسم ومن ثم عقد الطرفان صلحًا سنة 311 ق.م. بشرط أن يبقى حكم مقدونية لـ كاسندر حتى يبلغ إسكندر اكوس ابن الإسكندر الأكبر رشده، وأن يستمر أنتيغونوس على ولاية أسيا الصغرى وسورية، وليسيماخوس على ثراكية، وبطليموس على مصر وما يليها مع قبرص ورودس، أما سلوقس فلم يرد ذكره لأنه كان يظن أنه منهزم مع أنه كان قد عاد إلى بابل، وقبله أهلها باحتفال كبير وانضم إليه كثيرون فاستفحل مره في بابل وشرقى الفرات.
من هنا أو من سنة تولّيه الحكم ثانية في بابل يبدأ تاريخ السلوقيين والذي يسميه البعض تاريخ الإسكندر وكان المسيحيين وغيرهم يؤرخون به ويسمى في سفرى المكابيين تاريخ دولة اليونان، حيث تبتدئ السنة الأولى في خريف سنة 312 وتنتهي في الخريف سنة 311، وأما اليهود فيحسبون السنة الأولى باعتبارها تبدأ في الربيع سنة 312 وتنتهي في ربيع سنة 311 ق.م. ولكن يعوّل في التاريخ بالأكثر على الحساب الأول.

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:28 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
المؤامرات والاقتتال بين خلفاء الإسكندر
و لكن الهدنة والاتفاق لم ينه المطامع على أية حال، وكان الضحايا الأولى في ذلك هم: من بقى من أسرة الإسكندر الأكبر، فقد قتل كاسندر إسكندر اكوس وأمه روكسانا بالسيف وربما بالسم، وذلك بالرغم من الاتفاق المبرم بين الأطراف، ولم يبق من نسل الإسكندر الأكبر، إلاّ هرقل ابنه وأمه برسين زوجة الإسكندر، ولكن كاسندر قتلهما أيضا، وذلك عن طريق "بوليسيركون" نفسه سنة 309 ق.م. ما قتل أنتيغونوس كليوباترا أخت الإسكندر أرملة ملك "الإبير"، فقد استدعاها بطليموس ليتزوجها ظانا بذلك أنه يزيد من مؤيديه، ولكن انتيغونوس قتلها سرًا سنة 308 ق.م. وهكذا لم تدم الهدنة سوى مدة قصيرة، إذ عاد الجميع إلى الاقتتال، فقد حاصر ديمتريوس ابن أنتيغونوس أثنيا وفتحها، وأقام فيها حكومة جمهورية، وأعد أسطوله لمحاربة بطليموس فانتصر عليه في موقعة حربية أخذ بها سلامينا، ومن سمى نفسه ملكًا وكذلك سمى ابنه ديمتريوس، فقلده بقية الولاة في الجهات الأخرى، فقد سمى بطليموس نفسه ملكًا في مصر، وكذلك ليسيماخوس في ثراكية، وكاسندر في مقدونية، وأخيرًا تحالف كاسندر وبطليموس وليسيماخوس وسلوقس، ضد أنتيغونوس في سنة 302 ق.م. فدارت معركة فاصلة بينهم سنة 301 حيث قتل فيها ديمتروس، واقتسم الملوك المملكة:
1. فأخذ ليسماخوس اسيا الصغرى حتى جبال طوروس مضافة إلي ثراكية.
2. وأما سلوقس فاخذ سورية الشمالية وما بين النهرين وما شرقيها حتى الهند.
3. وأخذ بطليموس اليهودية وفينيقية أي سورية الجنوبية حتى عكا إلى مصر وما يليها.
4. وبقى كسندر في مملكته إضافة إلى ما يسترده من بلاد اليونان، ثم أخذ صقلية لأخيه
و أصبحت الممالك اربعة كما تنبأ عنها دانيال النبي.
و رأى بطليموس أن ضمّ اليهودية إلى ولايته سوف يقى مصر الكثير من المخاطر، فأرسل نكانور إلى سورية بجيشين برى وبحرى، فهزم "لاوميدون" وأخذه أسيرًا وفتح المدن الساحلية، وأصبحت سورية تحت سلطانة ولم يتحرك بقية الولاة تجاه ذلك، ولما حاول اليهود مقاومة بطليموس تعاطفًا مع لاوميدون، هاجمهم بطليموس وحاصرهم طويلًا، ولكنه مع ذلك لم يفلح في فتح أورشليم، ولما علم بموضوع السبت من حيث امتناع اليهود عن الحرب فيه، حاربهم وانتصر عليهم (كما سبق الإشارة) وعند ذلك هادنه اليهود واخلصوا له.

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:31 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
متى بدأ تاريخ البطالمة
حين أراد أنتيغونوس أن يهاجم مصر بعد تراجع بطليموس عن حرب قبرص، حشد مائتى ألف جندي، وأراد أن يباغته من جهة إحدى روافد النيل، ولكن العواصف أخذت بسفنه وجنوده، وأذاع بطليموس بين جنود أنتيغونوس أن الجندي الذي يلجأ إليه فسوف ينال "مئة منا" والضابط "وزنة" واحدة تساوي اربعة أضعاف ما يناله الجندي العادي، وعندئذ تبعه كثيرون حبًا به، فيئس أنتيغونوس لاسيما وقد تفشّى المرض بين جنوده، واحتاج إلى المؤن فعاد يائسًا كئيبًا إلى بلاده، وخسر كثيرا من جنوده وسفنه، يقول بطليموس الفلكى أن بطليموس الملك جعل ذلك اليوم وهو اليوم السابع من تشرين الثاني سنة 305 بدءا للتاريخ البطلمي أو (البطلسي) وهي السنة التاسعة عشر لوفاة الإسكندر.
وكانت سورية الشمالية من نصيب سلوقس، وأما فلسطين وحتى عكا وجوف سورية فكانت تحت ولاية بطليموس، وكانت مملكة سلوقس فسيحة تشمل سورية كما سبق وبلاد ما بين النهرين ومملكة الفرس وحتى الهند، وسميت مملكة سورية، لأن سلوقس بنى أنطاكية وأقام بها هو وحلفاؤه السلوقيون، وسمى المدينة أنطاكية نسبة إلى أبيه (و ربما إلى ابنه) "أنطيوكس" والتي تكتب كثيرا "أنطيوخس" وكانت عاصمة الشرق في ذلك الوقت سواء بالنسبة للسلوقيين والقياصرة الرومان، وكان أنتيغونوس قد بنى على مقربة منها مدينة أسماها أنتيكونية أو "أنتجونية" غير أن سلوقس هدمها ليبنى مكانها مدينة سماها بإسمه: سلوقية.

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:32 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
الحالة الدينية لليهود في بداية فترة البطالسة

عاش اليهود في سلام إبان الفترة التي سبقت حكم انطيوخس أبيفانيوس، فقد كان رؤساء الكهنة يدبرون الأمور الداخلية للبلاد، وتزايدت سلطتهم فكان رئيس الكهنة هو زعيم الأمة السياسي مثلما هو زعيمها الديني - كما سبق الاشارة- فقد خوله حكام مصر وسورية (بحسب انتماء فلسطين للحكم البطلمى أو السلوقس) حتى لقد صار رئيس الكهنة بالنسبة لليهود يمثل ملوكهم القدماء، وأصبح هو المرجع الرئيسى فيما يتعلق بمصالح الوطن وضمانًا لسلامه، ولولا انحرافهم لاستمروا طويلا يعملون لخير بلادهم. و من أبرز الشخصيات الدينية البارزة في ذلك العصر هو سمعان البار simeon the just والذي مدحه يشوع بن سيراخ كثيرًا، حيث يرجع إليه الفضل في بناء أسوار أورشليم التي هدمها بطليموس الأول، ويقال أنه رمم وأصلح الهيكل وقاد أعمال اكتشاف مستودع مياه كبير كان يمد أورشليم بالمياه، لاسيما في أيام انقطاع المياه أو حصار المدينة (1). وبالاضافة إلى منصبه كرئيس للكهنة كان سمعان هو المعلم الأول للشعب، وهو القائل بأن العالم يرتكز على ثلاث دعامات وهى:"الناموس والخدمة المقدسة والصدقة". ولكن سمعان الكبير هذا، يحيط به الكثير من اللبس، فقد كان يحيا في أواسط القرن الثالث قبل الميلاد، بينما عاش شخص آخر يدعى سمعان الثاني سنة 200 ق.م. ولا يعرف أي من هذين الاثنين هو سمعان البار، ولكن الثنان ينتميان إلى حونيا الأول (يكتب في جميع المراجع العربية أونيا ولكن نطقه في العبرية هو حونيا، إذ أن الحرف (ح) لا يوجد في اللغات اللاتينية فيستعاض عنه ب (أ)) رئيس الكهنة.
وكان بيت حونيا (عائلة حونيا) في تنافس مستمر - يصل إلى الصراع - مع جماعة تسمى: حزب طوبيا، فقد كان الأخير مواليًا لمصر وكان يمثل الطبقة
الثرية بين المجتمع اليهودي، وكان للطوبيين صلة القرابة بحزب "طوبيا العموني" الذي سبّب المتاعب لنحميا. ويرد في بردية من عصر بطليموس الثاني، ذكر لرجل يهودي يدعى طوبيا وكان قائد فرسان في جيش البطالمة الموجود في "عمون" شرق الأردن. وفي "عرق الأمير" بالأردن اكتشف مدفن كبير يرجع إلى القرن الثالث ق.م. مكتوبًا عليه بالأرامية "طوبيا".
ويُظن أن اتباع طوبيا العمونيين Tobians كانوا من جباة الضرائب يقومون بنفس العمل الذي قام به العشارون بعد ذلك في زمن العهد الجديد، وظل الصراع قائما بين الحزبين (بيت طوبيا وبيت حونيا) حتى تصاهرا، غير أن التنافس على السلطان السياسي والمدني ظل قائما حتى ملك أنطيوخس أبيفانيوس حين أصبحت عائلة طوبيا هي المسئولة. ويروى يوسيفوس أن حونيا الثاني رفض دفع عشرون وزنة من الفضة لبطليموس الرابع، وكانت فيما يبدو عبارة عن الجزية المفروضة على رؤساء الكهنة وكان برفضه الدفع كمن يتنكر لبطليموس، وبذلك نجح "يوسف" وهو من بيت طوبيا في الحصول على منصب جابي الضرائب في كل فلسطين. ( وكان على جابي الضرائب الحصول بشكل دوري على تصريح لمواصلة مهنته، وكان المنصب له نفوذه، هذا واستمر يوسف فيه عشرون عامًا أثناء حكم البطالسة ثم تحت الحكم السلوقي بعد غزو أنطيوخس الثالث لفلسطين.
وبذلك وبهذه الوسيلة بدأ منصب رئيس الكهنة يباع !، فحين غضب أنطيوخس ابيفانيوس من"حونيا" لأنه طرد حزب طوبيا من المدنية، عيّن ياسون Jason رئيسًا للكهنة برشوة كبيرة، ولكنه سرعان ما استطاع شخص يدعى "منلاوس Menelaus " سلبه المنصب عن طريق رشوة أكبر أعطاها لأنطيوخوس، فصار واحدًا من أتباعه الأذلاء المتزلفّين.

https://st-takla.org/Pix/People-Celeb...05-Coin-03.jpg
و في السنوات التي تلت موت سلوقس وتولّى أنطيوخس ابنه مكانه، كانت هناك ثلاث قوى عظمى في مملكة الإسكندر الكبر، وهى: بطالمة مصر، والسوقيين في سورية، وعائلة انتيغون في مقدونية، وكان هناك صراع مستمر على السلطة بينها، وفي القرن الثالث قبل الميلاد، كان الصراع بين قوتين السلوقيين والأنتيغونييون من جهة والبطالمة من جهة أخرى، ففي سنة 275 ق.م. احتل
بطليموس سورية ولكنه صُدّ أولًا من قبل القوات السورية، غير أن قوته البحرية أطالت أمد المعركة، والتي انتهت دون أن تحسم، وأن كانت قد انتهت بسلام بين الطرفين في سنة 272/ 271 ق.م. ولكن المناوشات عادت من جديد في عهد أنطيوخس الثاني ولم تحسم أيضا، بل عقدت معاهدة سلام بين القوتين بسبب زواج برنيس ابنة بطليموس من أنطيوخس هذا.
وفى سنة 246 مات انطيوخس وخلفه سلوقس الثاني، وفي السنة التالية مات بطليموس الثاني وخلفه بطليموس الثالث يورجيتيس، واندلعت الحرب بين السلوقين والبطالمة عندما عُلم أن برنيس وطفلها قد قُتلا في مؤامرة دبرتها "لاوديس" (الأخت غير لشقيقة لأنطيوخس) حتى تضمن أن يعتلى ابنها هي عرش سورية لا ابن برنيس، مما اوغز صدر البطالمة إذ شعروا بالإهانة لقتل ابنة بطليموس، وثارت بسبب ذلك حرب لاوكية، حيث خضعت سورية تمامًا للبطالمة.
وساد سلام منذ سنة 240 ق.م. إلى أن مات بطليموس الثالث سنة 221 وخلفه ابنه بطليموس الرابع المعروف بـفيلوباتير

Mary Naeem 27 - 03 - 2014 05:42 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
أنطيوخس الثالث وغزو فلسطين


https://st-takla.org/Pix/People-Celeb...87-Coin-01.jpg
https://st-takla.org/Pix/People-Celeb...87-Coin-02.jpg

كان أنطيوخس الثالث يبلغ من العمر ثمانى عشر عامًا حين اعتلي عرش سورية، وذلك في سنة 223 ق.م. كما كان يعمل كحاكم لبابل تحت إرشاد أخيه سلوقس الثالث، وبعد إخماد إحدي الثورات في الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية حاول أنطيوخس أن يغزو "جوف سورية" في صيف سنة 221 ق.م. فقد وصل في زحفه حتى حامية وادي مارسياس Marsyas في لبنان، غير أن "ثيؤدوتس" قائد القوات المصرية في سورية أجبره علي الانسحاب.
ثم قام بمحاولة أخري سنة 219 وكانت الحملة هذه المرة أكثر نجاحًا، فسقطت سلوقية التي في "بيرية" في يد أنطيوخس، وبذلك تحول ولاء ثيؤودتس المصري إلي أنطيوخس بدلًا من ولائه لبطليموس فيلوباتير، وأعطى مدن بتولمايس (عكا) وصور إلي أهل سورية، ولكن "نيقولاوس" أحد القادة المصريين منع أنطيوخس عند حامية "دورا" الواقعة جنوب جبل الكرمل، فلما وصلت إليه أخبار وجود جيوش مصرية قوية في انتظاره عند بيلزيوم Palusium وافق أنطيوخس علي الهدنة، وأنسحب من ثمَ إلي سلوقية تاركًا الإقليم الذي استولي عليه لثيؤدوتس، وأعاد "سوسابيوس" تكوين جيشه لدخول معركة حاسمة.
وفي سنة 218 ق.م. قاد "نيقولاوس" الجيش المصري إلي لبنان لمواجهة السوريين، وذكر المؤرخ بوليبيوس Polybius المواجهة قائلًا: "عندما أجبر ثيؤدتس الأعداء علي الارتداد إلي أسفل الجبل ليقابلهم من مكان أعلي، استدار الذين مع نيكولاس وفرَوا هاربيين وقتل ما يقرب من ألفين أثناء المعركة، وأسر كذلك عددً لا يقل عن ذلك، بينما أنسحب الباقون حتى صيدون Zidon.
وطارد أنطيوخس الجيش المُنهزم حتى شاطئ فينيقية تاركًا نيكولاس في صيدون، بينما استولي أنطيوخس علي صور وعكا، ثم توغل حتى أتى إلي Philoteria طبرية علي بحر الجليل، وعبر الأردن وأخذ مدن "عبر الأردن" القوية والتي تشمل: جادارا Gadara وفيلادلفيا ورباث آمون Rabbat Ammon، ثم عاد في الشتاء إلي عكا.
في ربيع سنة 217 ق.م. واصل أنطيوخس غزاواته فاحتل فلسطين، وشاملة غزة، قبل أن يصل إلي رفح Raphia، ولعله إلي ذلك أشار دانيال النبي "وبنوه يتهيَجون فيجمعون جمهور جيوش عظيمة ويأتي آت ويغمر ويطمو ويرجع ويحارب حتى إلي حصنه، ويغتاظ ملك الجنوب ويخرج ويحاربه أي ملك الشمال ويقيم جمهورًا عظيمًا فيسلم الجمهور في يده، فإذا رُفع الجمهور يرتفع قلبه ويطرح ربوات ولا يعثر" (دانيال 10: 11-12). وتقابل الجيش المصري بقيادة بطليموس فيلوماتير شخصيًا (221 -203 ق.م.) مع الجيش السوري وذلك جنوب "رفح" حيث مُنيت جيوش أنطيوخس بهزيمة منكرة، ويذكر بوليبيوس أن بطليموس بقي ثلاثة أشهر في سورية وفينيقية يعدَ العدة في المدن. ويذكر سفر المكابيين الثالث (وهو سفر غير قانوني) كيف زار بطليموس مدن سورية بعد انتصاره في رفح، وستعاد البطالمة السيطرة علي كل سورية وفينيقية فلسطين.
وكان لزامًا علي اليهود والحال هكذا، أن يرسلوا كبار قومهم ليقدَموا له التهنئة بانتصاراته، أما بطليموس فقد أصرَ علي الدخول إلي قدس الأقداس، ولكنه ارتدَ من أمام الموضع محتارًا مرعوبًا (راجع 3مكا 1: 9-11، 24).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:06 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
كيف حُفظت أورشليم خلال حروب العصر السلوقي
إلي المعركة السابق ذكرها أشار سفر زكريا (9: 1-8 و11: 1-3) حيث يشير إلي سقوط حدراخ علي حدود دمشق وصور وصيدون ووقوع قلعة صور وانكسار أشقالون، لاسيما عندما يذكر انهزام غزة وعقرون وأشدود في فلسطين، ثم لبنان شمالًا، ويضيف النبي تلميحًا جدير بالذكر والإعجاب وهو كيف أن الله نفسه حلَ حول بيته (أورشليم) وأنقذه من كافة المعارك وكافة الغزوات المتتالية (زكريا 9: 8). كما يُفهم من هذه النبوة كيف كان الله قد بدأ يمهد السبيل ليخضع لنفسه صور وصيدا، وكافة هذه البلاد لتؤمن به حيث كان انكسارها تمهيدًا لتطهيرها (9: 4) ثم يزداد الأمر وضوحًا عندما يقول "وأنزع دماءها من فمها ورجسها من بين أسنانها، فتصير هي أيضًا لالهنا، وتكون كعشيرة في يهوذا وعقرون كيبوسي (الذين تهوَدوا سابقًا) راجع (زكريا 9:7 حسب الترجمة الإنجليزية المصححة).
كما تشير النبوة إلي إذلال هذه البلاد الفلسطينية التي علي الساحل، والتي أذلت إسرائيل أكثر من ألف سنة ولم تخضع لها خضوعًا تامًا، ولكن الإذلال هنا يتم عن طريق القضاء علي تعصبَها العرقي والعنصري وذلك بإدخال أعراق وسلالات أخري في تصميم عرقها، يتضح ذلك من ملابسات غزو المصريين ثم اليونانيين ثم السوريين لهذه البلاد وإقامتهم فيها.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:07 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
أنطيوخس يمضي في طريقه لاحتلال سورية
ولسنوات شغل أنطيوخس في الشرق لكنه لم يتخلً مطلقًا عن رغبته وخططه لضمَ "جوف سورية" إلي نفوزه، وعند موت بطليموس الرابع فيلوباتير عام 203 ق.م. كانت مصر ممزَقة بين الاضطرابات والتمرد، وفي ربيع عام 202 ق.م. قام أنطيوخس بحملة عسكرية لم تسفر عن نجاح يذكر، ولكنه أعاد الكرَة في الربيع التالي ودار القتال بشدة في المدن الفلسطينية شاملة غزة واستطاع "سكوباس Scopus" القائد المصري أن يرد السوريين حتى عبر الأردن وذلك في شتاء 201/200 ق.م. إلي ذلك يشير دانيال النبي "فيأتي ملك الشمال ويقيم مترسة ويأخذ المدينة الحصينة فلا تقوم أمامه ذراعا الجنوب ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة للمقاومة. والآتي عليه يفعل كإرادته وليس من يقف أمامه ويقوم في الأرض البهية وهي بالتمام بيده" (دانيال 11: 15 و16) فإن السوريين قد حققوا نصرًا حاسمًا في معركة بانيون Panion وارتدَ سكوباس المصري إلي صيدون حيث حوصر من البر والبحر. وفي ربيع سنة 198 ق.م. أُجبر سكوباس هذا علي الاستسلام ليترك كل سورية في يد أنطيوخس، إضافة إلي مقاطعاته الجديدة، وأتى انطيوخس إلي أورشليم، وحسب قول يوسيفوس فإن سكانها قد رحبوا به ترحيبًا حارًا وربما امدوه ببعض ما يحتاج إليه.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:08 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
معركة مغتيسيا وهزيمة أنطيوخس
وعندما انهزم هانيبال القرطاجي علي يد الرومان في "زاما Zama" سنة 202 ق.م. أنتهت بذلك الحرب القرطاجية الثانية، فقد تقهقر شرقًا ليحصل علي الملاذ والمؤونة من أنطيوخس، غير أنه شجع أنطيوخس علي غزو اليونان ليسبب اضطرابًا في روما، وأعلنت الحرب وتحركت القوات الرومانية إلي اليونان وهزمت أنطيوخس وأجبرته علي التقهقر إلي آسيا الصغرى، وهناك عند "مغنيسيا Maginsia" بين ساردس وسميرنا: هُزم أنطيوخس علي يد القائد الروماني "كورنيليوس سكيبيو" في سنة 190 ق.م. وأجبر علي دفع تعويض هائل مقابل الهدنة، فقد اخذ الابن الأصغر لأنطيوخس إلي روما رهينة لدفع الفدية، حيث مكث هنالك اثنتى عشر سنة، تعلم فيها كيف يخدم القوة الرومانية وكيف يحقق الأهداف.
في سنة 200 ق.م. قامت ثورات ليديا وفريجية بآسيا الصغرى، وقد أمر أنطيوخس الثالث القائد "ريؤكسيس" بنقل العديد من العائلات اليهودية التي كانت متبقية من السبي في بلاد ما بين النهرين وبابل، إلي المنطقة المتمردة في آسيا الصغرى حيث أوصي بهم خيرًا، ويذكر كل من المؤرخين يوسيفوس وبوليبيوس كيف أن ذلك كان تدبيرًا إلهيًا لإعداد هذه الشعوب للخلاص، إذ أصبحوا بعد ذلك أول من قبل الإيمان في الشتات.
واُنشئت في فلسطين مستعمرات يونانية، وشُيدت مدن كبيرة فاصطبغ كثيرون من السكان في اليهودية بصبغة يونانية، وتخلي اليهود عن فكرة الاعتزال عن الآخرين من الأمم، وفي الوقت ذاته تحولوا إلي الفنون اليونانية الجميلة، بل أن السياسيون منهم قد نظروا إلي الحاكم اليوناني باعتباره أصل كرامتهم، وتشرَب العلماء اليهود الأفكار الحديثة من اليونانيين والتي بسطتها أمامهم مؤلفات اليونان، فتألَف بذلك الحزب اليوناني بين اليهود، واستبدلت الكثير من الأسماء اليهودية بأخري يونانية (حيث نجد صدي لذلك في أسماء العهد الجديد، مثل شاول والذي تحوَل إلي بولس وكذلك صفا إلي بطرس...الخ).
واستمر السلوقيون -حكام سورية والذين بسطوا سلطانهم في فلسطين بعد سنة 198 ق.م. -علي معاملة رعاياهم من اليهود باللطف، ووجدوا في الحزب اليوناني الذي عضدوه أكبر معين لهم، وكانت أنطاكية عاصمة سورية مركز هذه الحركة اليونانية، وقد عُرف هذا الحزب في أورشليم باسم أبناء طوبيا (1 مكا 1: 11-15) كما سبق الإشارة. وربما كان الحزب اليوناني هذا هو أصل فرقة الصدوقيين، إذ أنه وبينما كان الفريسيون هم المحافظون، كان الصدوقيين هم الراغبين في التساهل والبحث عن مصلحة الأمة بالوسائط السياسية والحروب.
بل أن السلوقيين بالغوا في ملاطفة اليهود، ويقول يوسيفوس معتمدًا في ذلك علي الوثائق، أن أنطيوخس الثالث أمر بأن تُدفع لليهود عطايا خاصة لتقديم الذبائح بالإضافة إلي السماح لهم بأخذ كافة الأخشاب اللازمة لهم لترميم الهيكل من لبنان دون ضرائب، ويضيف يوسيفوس:"...ذلك لتتمكن هذه الأمة من أن تعيش بمقتضي قوانين بلادها، وليعف كافة أعضاء السنهدريم والكهنة والكتبة والمرنمين الدينيين، من الضريبة المالية العامة وضريبة التاج وكافة الضرائب العادية الأخرى وسكان أورشليم من الضرائب العادية" وقد أرسلت هذه الأوامر إلي جميع حكام لبنان وسورية للعمل بها..."

ولعل السبب في الاهتمام بالجانب الكهنوتي من قبل الحكام، كان بسبب أن رؤساء الكهنة كانوا هم الجهة السياسية المسئولة أمام الدولة، كما كانوا مسئولون عن توريد الضرائب بأنفسهم، حيث أنابوا عنهم عائلة طوبيا (كما سبق) وإن كانوا مع ذلك يدفعون جزءًا من الضرائب بأنفسهم حتى يحافظوا علي مكانهم. في تلك الفترة ظهرت في اليهودية شيعة "الأرثوذكسية اليهودية" وهي تنقسم إلي قسمين: الأسينيين، ويمثلون الجزء المتطرف. والآخر الحسيديم (الاتقياء) وهم الجناح المعتدل، وقد وصف دانيال الحسيديم قائلًا "الشعب الذين يعرفون إلههم" (11: 33) وقد قامت هذه الحركة (الأسينية / الحسيدية) بالدقاع عن الشريعة والتقاليد، بعد أن اُسئ إليها من قبل اليهود المتأغرقين (الموالين للحضارة الإغريقية) بتشجيع من رؤساء الكهنة والذين جنحوا إلي الحياة الأرستقراطية والسياسة، وقد وصف دانيال النبي الهيلينية (التأغرق) بقوله: "المتعدون علي العهد" (11: 32) ويرد في سفر المكابيين الثالث اخبار عن الشقاق والعراك ما بين رؤساء الكهنة، والمؤامرات التي حاكها أحدهما للآخر بسبب الطمع في المال وخزائن الهيكل (3 مكا 3: 4-4: 1).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:09 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
اليهود تحت حكم أنطيوخس أبيفانيوس الرابع
كان سقوط أورشليم في يد السلوقيين عقب نصر أنطيوخس الكبير سنة 198 ق.م. علامة نصرة جديدة في التاريخ اليهودي، فقد تم احتواء دور البطالمة، وبدأ السلوقيون في إرغام اليهود علي قبول الهيلينية (التأغرق).
وقد حمل اليهود في قلوبهم أشد ألوان الكراهية لأنطيوخس هذا والملقب ابيفانيوس (ومعناها اللامع) لأنه دنس هيكلهم ومارس ضدَهم أشد ألوان الاضطهاد الديني، وقد أسموه من باب السخرية المرة أبيمانوس (ومعناها الرجل المجنون). وقد ولد أنطيوخس هذا في أثينا وعمل مسئول ملكي للمدينة، وقد قضي في روما اثنى عشر عامًا كرهينة (كما سبق القول) حيث أيقن من خلال تواجده هناك أن الرومان هم القوة التي سيخضع لها العالم قريبًا.
وقد قرر أنطيوخس أن يُمدين اليهودية ويحضَرها جاعلًا منها مقاطعة هيلينية، ولم يكن يرغب في اضطهاد اليهود، فمن جهة كان اليهود خاضعين له، ومن جهة أخري كان هناك فريقًا كبيرًا من اليهود ممن يؤيدون حركة الأغرقة الجديدة هذه. ففي بداية حكمة كان يحكم أورشليم رئيس الكهنة "حونيا الثالث Onias III" وهو من نسل "سمعان البار" ومن اليهود المحافظين، وبالتالي لم يكن يشجَع علي أغرقة اليهودية، بينما كان أخيه ياسون Jason يناصر هذه الحركة، وقد استطاع الحصول علي رئاسة الكهنوت برشوة كبيرة، وكان أنطيوخس يري أنه مادامت رتبة رئيس الكهنة هي سياسية، فإنه من حقه بالتالي كملك أن يُعين من يختاره، في حين نظر إليها المحافظون باعتبارها رتبة مقدسة، ومن هنا فإن الحصول عليها بالمال يُحسب خطية.

<FONT size=6> ومن هنا نشأ الصراع الكبير بين شيعة الأتقياء (الحسيديم) والجماعة المتأغرقة بين اليهود، ويمكن أن نعتبر أن هذا هو المحرك الأول لاشتعال الثورة المكابية كما سيأتي، إضافة إلي سبب آخر وهو الصراع القائم بين بيت طوبيا جباة الضرائب وبيت حونيا (أونيا) أي

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:12 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
المكابيين ومواجهة الحضارة الهيلينية
لله في كل جيل شهود وركب تأبي أن تجثو لبعل، وعلي أكتاف هؤلاء يصنع الله التغيير، وبهم يعمل ليحقق مشيئته، فقد ثار جماعة الأتقياء علي هذه الأوضاع المتردَية في أورشليم، وأما الذي أطلق هذه الشرارة فهو كاهن يدعى متتيا Mattathia، وقد نشأ هذا الكاهن في قرية تدعي "مودين" الواقعة بجوار "اللد" وهو عميد عائلة تسمى "عائلة حشمون" أو هاسمون أو حشمناي.
فقد أرسل الملك أنطيوخس رسلًا إلي جميع بلاد اليهودية يؤكد علي ضرورة ولاء اليهود للملك، وفي مودين هذه طُلب إلي متتيا باعتباره عميدهم -وكان طاعنًا في السن- أن يقدم ذبيحته لتمثال الملك حتى يقتدي به الآخرين، فرفض بشدة إلا أن آخرين ضعفوا وقدموا ذبائحًا للوثن، وعندئذ غضب متتيا وذهب إلي الهيكل الوثني، وهناك قام بقتل رسول الملك مع الشخص اليهودي الذي كان يقدم الذبيحة. ثم نادي في اليهودية أن يتبعه كل من له غيرة مقدسة إلي الجبال والمغائر حتى يمكنهم تنظيم المقاومة (1 مكا 2: 19- 22) وقد استجاب له الشعب بشكل ملفت (1 مكا 2: 23 - 28) غير أن البعض الآخر انضم إلي أنطيوخس، بينما مات آخرون بسبب مقاومتهم للملك، إلي هذا أشار دانيال النبي (11: 32، 33).
في الأيام الأولي كانت المواجهة أشبه ما تكون بحرب العمليات الخاصة، حيث شن الحشمونيين هجمات علي القري والبلاد، قتلوا خلالها الضباط السلوقيين وكثير من اليهود المتأغرقين، غير أن السلوقيين هاجموهم في السبت، وذلك بإيعاذ من بعض اليهود الخونة، فقد أحاط السلوقيين بالمتمردين من كل جهة وتمكنوا من ذبح ألفين منهم. وعند ذلك صرَح لهم متتيا بالحرب في السبت متى كانت دفاعا عن النفس (وهو تأكيد لفتوي يهودية سابقة بهذا الشأن).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:13 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
يهوذا المكابي
وقبيل موته في سنة 166 ق.م. أوصي متتيا بالقيادة إلي يهوذا ابنه الثالث (1 مكا 2: 49-70) حيث حقق يهوذا العديد من الانتصارات، ولكن السلوقيين استهانوا في البداية بهم فأرسلوا لهم قوة محدودة لتأديبهم، غير أنهم هُزموا من المكابيين المرة تلو الأخري، ويضيف سفر المكابيين الأسباب التي أدت إلي الثورة (1 مكا 1: 11-15 و2 مكا 4: 7-17) وفي المقابل يصف السفر العنف الذي استخدمه أنطيوخس في إخضاع الثورة (1 مكا 1: 30-32). وهنا وقع اليهود المتأغرقون في خطر وحرج، حيث أصبحوا هدفًا للثوار، ومن جهتهم فقد استخدموا العنف في الدفاع عن أنفسهم، حيث أراقوا الدماء في الهيكل وحوله، وأما المكابيون فقد وصفوهم بأنهم غرباء وعداء (أمة خاطئة متعدية للشريعة 1 مكا 1: 34) فتعطلًت الخدمة في الهيكل وهرب كثيرون من اليهود إلي الجبال (1 مكا 1: 25-40).

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...ccabeus-02.jpg
صورة: يهوذا المكابي
وكان أنطيوخس في ذلك الوقت محصورًا بين أمرين، أحدهما عدم المغامرة بجيش قوي في اليهودية بسبب قربها من مصر، وثانيها حربه مع البرثيين، بسبب تمرد حدث هناك، ومن هنا فقد كلًف "ليسياس" ثم "أبولونيوس" بقيادة جيش يُخضِع به اليهود، ومن قواد ليسياس هذا كل من "نكانور" و"جرجياس"، ولكن يهوذا المكابي استطاع إحراز الكثير من الانتصارات عن طريق الهجمات الليلية والتي حقق بها اسلابًا وغنائم كثيرة وفتح الطريق أمام المكابيين للاستيلاء علي أورشليم عن طريق "عمَاوس" وفعل ذلك وتقهقر قدامه منلاوس (رئيس الكهنة الموالي للسلوقيين) ودخلوا أورشليم واستولوا علي كل شيء فيما عدا حصن أكرا (عكرة) Akra (1 مكا 3: 10، 18و 4: 3-6، 19-22) وعند ذلك قام التقاة بهدم هياكل الأوثان وختنوا الأطفال بالقوة واستردوا سلطان الناموس (1 مكا 2: 43-48) وبعد ذلك قاموا بتطهير الهيكل من المذابح الوثنية وآثارها وهو ما سُمى ب"عيد التجديد" وأصبح ضمن الأعياد القومية لليهود، وسمي أيضًا ب"الحانوكا" أو "الأنوار" يحتفلون به ثمانية أيام بدءًا من يوم 25 ديسمبر من كل عام. وبذلك انهوا ثلاث سنوات من تدنيس الهيكل. إلي ذلك يشير دانيال النبي باعتبار أن ذلك كان بداية توقف الذبيحة الدائمة وترميم الهيكل فهي الـ"1290 يومًا" ثلاث سنوات ونصف، ثم اعادة الذبيحة بعد 45 يومًا "شهر ونصف" (دانيال 12: 12).
ولكن ليسياس استطاع هزيمة اليهود ومحاصرتهم ولكن أنباء عن تمرد في أنطاكية جعلته يؤثر معاهدة صلح مع اليهود ألغى بموجبها كافة القوانين التي تناهض الشريعة والطقوس، كما تقرر إقصاء منلاوس عن رئاسة الكهنوت وتعيين ألكيمس (ألياقيم) مكانه كما وعد بالعفو عن يهوذا ورجاله، وترك ليسياس أورشليم متجهًا إلي سورية في حين كانت أسوار أورشليم مسوَاه بالأرض. وفي تلك السنة عينها كان أنطيوخس قد مات في بلاد الفرس بينما كان يسعى في جمع المال وكنوز البلاد لسداد الدين الضخم الذي تركه أبوه أنطيوخس الثالث، ومن ثم ملك مكانه أنطيوخس الخامس (164 - 162 ق.م.) وكانت أيامة هدوء، بينما كانت المرحلة السابقة مرحلة حرب للرب ومقدساته، فقد أعقبها مرحلة الطمع والاتساع، وبينما نجد أن الله قد أعانهم في المرحلة الأولي فإنه قد خذلهم في الثانية.
أما ألكيمس رئيس الكهنة فقد قبض علي العديد من الحسيديين وقتلهم، ومن ثم بدأت الحرب الأهلية بين اليهود المتأغرقين وأولئك التقاة، وخاف ألكيمس فهرب إلي سورية بغية الحصول علي نجدة عسكرية، وعندما عاد لمحاربة اليهود هجم الجيش أولًا بقيادة نكانور فهُزم الجيش وقُتل نكانور من قبل يهوذا المكابي وجماعته. ولكن عددًا كبيرًا من اليهود انحازوا إلي الآخرين المتأغرقين، وهكذا تُرك يهوذا مع ثمانمائة من الجنود فقط، ومع أنه هزم الجيش السوري في معركة "بئروت" إلا أنه قُتل في تلك المعركة، وبموته انتهت المرحلة الأولي من كفاح المكابيين، وكان يهوذا إبان حياته قد حاول عقد معاهدة سلام مع الرومان ولكنه لم يستفد منها شئيًا إذ أنه مات قبل عودة رسله.
هذا وقد لعب ألكيمس دورًا في هذه الحرب الأخيرة، وقد دُعي بـ"الراعي الأحمق" والذي اشير إليه في سفر زكريا (11: 15-17) وقد ظل في رئاسة الكهنوت لمدة ثلاث سنوات، وفي النهاية مات مشلولًا في سنة 159 ق.م. فظلت الأمة بدون رئيس كهنة من بعده لمدة سبع سنوات، وقد حاول أثناء حياته إزالة الحائط المتوسط بين رواق الأمم والقدس ليتسنى للأمم الدخول إلي القدس.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:14 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
يوناثان المكابي
Jonathan the Maccabee بعد مقتل نكانور أصبح بكيديس واليًا علي البلاد من قبل السلوقيين وقد ساعده ألكيمس في حكمه، وبعد سنتين من موت يهوذا استرد الثوار قوتهم وخلف اليهود المتأغرقون فاستغاثوا ببكيديس فأتى ولكنه صنع صلحا مع يوناثان وأخوه سمعان، واستمر ذلك خمس سنوات فقد اليهود المتأغرقون خلالها سطوتهم (1 مكا 9: 23-31، 57-73) ومال يوناثان إلي الدبلوماسية أكثر من السلاح فنجح في ذلك كثير (ًا)، إذ أنه عندما ثارت الحرب بين ديمتريوس والي سورية والإسكندر بالاس المطالب بعرش سورية، وقف يوناثان إلي جانب الإسكندر لاسيما وأن ديمتريوس قد حاول عدة مرات سابقة تدميرقوات يوناثان، وعقد الأخير اتفاقيات مع إسبرطة وروما، وقبل نهاية الحرب أصبح يوناثان رئيساُ للكهنة وحاكمًا لليهودية في ذات الوقت، بينما وهب سمعان شقيقه حكم شاطئ فلسطين، وكان يوناثان يحكم فلسطين دون مزاحم (1 مكا 10: 1-50).
ولما حاول "ديمتريوس الثاني" ابن ديمتريوس الأول، استعادة عرش سورية بعد مقتل أبيه، هزمه يوناثان، فكافأة الإسكندر بالاس بأن اضاف له أراض جديدة (1 مكا 10: 88، 89) فلما مات الإسكندر وآل عرش سورية إلي ديمتريوس ظن اليونانيون اليهود بأنهم قد وجدوا فرصتهم، فأرسلوا ديمتريوس لكي يخلصهم من حكم يوناثان، ولكن الملك ثبت الصلح وأعطاه ثلاث مدن جديدة، ثم عاد وتخلي عن يوناثان وتحالف مع تريفون ابن الإسكندر طمعًا في مكاسب أكثر، وخاف تريفون من خيانات يوناثان المتكررة فشن عليه حربًا وخدعه ثم قتله سنة 143 ق.م. فتولي عندئذ سمعان قيادة الشعب (1 مكا 11: 54-62 و12: 39-53). وجمع سمعان بين قيادة الجيش ورئاسة الكهنوت، وهو الأمر الذي لم يحدث في إسرائيل قبل ذلك إذ أنه لا يليق الجمع بين إراقة الدماء والخدمة الهيكلية.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:14 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
سمعان المكابي
كان سمعان قد تقدم في السن عندما تولي قيادة اليهود سنة 143 ق.م. وبينما كانت اليهودية قد نالت حريتها الكاملة كانت سورية تتنازعها قوتان، الأولي تناصر ديمتريوس بينما الأخرى تؤيد "أنطيوخس السادس" والذي كان صبيًا تحت وصاية "تريفون" ولكن الآخير عزل أنطيوخس ونزع عنه تاج آسيا (1 مكا 13: 31، 32) وفي أيامه صدر قانون بأن تصبح رئاسة الكهنوت وراثة في عائلة المكابيين (الحشونيين) بدلًا من عائلة حونيا (أونيا) والتي هربت إلي مصر قبل ذلك بقليل (1 مكا 14: 25-49) وطهرَ سمعان جميع البلاد من الآثار الوثنية وأصبحت البلاد يهودية خالصة، وعاد بالكثير من العائلات اليهودية الساكنة هناك في شتى البلاد، حتى "حصن أكرا" نفسه اقتحمه وأخرج منه الجنود الوثنيين.
وفي أيامه حاول أنطيوخس السابع (خليفة ديمتريوس الثاني المأسور) سلب اليهود البلاد التي استولوا عليها خارج حدودهم، ولكن جيشًا يهوديًا بقيادة ابنى سمعان دحره، فهدأت الأمور واستقرت. وقد انتهت حياة سمعان عندما قام زوج ابنته بقتله مع اثنين من أولاده، وذلك طمعًا في أخذ مكانه، بينما استطاع يوحنا ابنه الهرب ليعود ويحل محله في الولاية والكهنوت باسم "يوحنا هركانوس".

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:15 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
الأسرة الحشمونية: ظهورها وانحلالها

بموت سمعان المكابي يبدأ نجم المكابيين في الأفول، لتبدأ عائلة حاكمة جديدة من سلالة الحشمونيين ولقد عاش الخلفاء عالة على نصر أجدادهم!

  1. يوحنا هركانوس John Hyrcanus
  2. أرسطوبولس الأول
  3. الإسكندر جنايوس
  4. المكابيين بقيادة ألكسندرا
  5. أرسطوبولس الثاني

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:16 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
يوحنا هركانوس من الأسرة الحشمونية
1- يوحنا هركانوس (Yohanan Girhan - Yohanan Hyrcanus - יוחנן הורקנוס - Ιωάννης Υρκανός):

ومع أن سورية كانت قد صارت قوية، إلا أنها تركت اليهود وشأنهم، لاسيما وأن يوحنا هذا كان مواليا لهم وفي خدمتهم، وترك لهم السوريون يافا كميناء هام لليهود، وأما اليهود المتأغرقون فقد بدأوا في التخلي عن أحلامهم في حضارة يوناانية يزيحون بها التزامات الشريعة والطقوس الهيكلية، وقد مثل الصدوقيين الحزب الهيللينى بينما مثل الفريسيين الحزب الحسيدي (التقاة)،هذا وقد تبلور الحزبان، وكانت اولى اهتماماته هي استرداد المدن الساحلية، أملًا في انعاش الاقتصاد باعتبارتلك المدن، مدن التجارة والرخاء.
وفى بداية مناوشاته استطاع أنطيوخس سيديتيس، الاستيلاء على هذه المدن لكي يحصل على المال اللازم للاحتفال بعيد المظال حيث قدم ذبائح العيد وهدايا للهيكل، واتفق الطرفان على الاحتفاظ بتلك المدن مقابل جزية يقدمونها عنها، ثم بادر هركانوس بعقد اتفاقية مع الرومان سنة 127ق.م.حتى يقطع الطريق بذلك على كل من مصر وسورية. ثم راح يحتل المدن شمالًا وشرقا.ففى سنة 125 ق.م. أخضع السامرة مدمرًاهيكل جرزيم، ثم صك عمله باسمه ولعله أول الحكام المكابيين الذي يقوم بذلك،غير أنه واجه مقاومة شديدة من الفريسيين الرافضين للعمل السياسي وسياسة التوسع، وفي أيامه أيضًا انفصل الفريسيين عن المكابيين والذين سموا بدورهم "الصدوقيين" والذين انحسرت فيهم رئاسة الكهنوت، وقد أعلن الفريسيين ذلك ليوحنا في مؤتمر عقدوه خصيصًا لذلك، حيث رفضوا أن يكون رئيس الكهنة سافك دماء!، ومنذ الحين بدأت تظهر العداوة التقليدية بين الفرقتين. ثم مات هركانوس سنة 104 ق.م. بعد أن قضى في الحكم والكهنوت إحدى وثلاثين سنة، وقد حقق نجاحًا كبيرًا في مدة رئاسته.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:17 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
أرسطوبولس الأول من الحشمونيين
נמוס
لم يستمر أرسطوبولس - والذي خلف الإسكندر - في الحكم أكثر من عام، واسمه الحقيقي يهوذا، غير أنه فضل الاسم اليوناني، وقد رفض وصاية أمه عليه كرغبة أبيه، فوضعها في السجن إلى أن ماتت جوعا، كما ألقى باخوته الثلاثة في السجن حيث مات اثنان منهم جوعًا أيضًا بينما قتل الثالث، ويقال أنه وثق في الأخير أولا ًولكنه سريعًاما انقلب عليه، وقد ناصبه الفريسيون العداء لانتمائه للحزب اليوناني.
وخلال سنة حكمه حقق بعض التوسعات، وقام بتهويد الجليليين بالقوة، فقد كان شديد الغيرة على الناموس، وقد ثقل عليه الهم بسبب الخوف من التمرد. وأخيرًامات غير مأسوف عليه، بل لوث الفريسيين سمعته وطمسوا تاريخه.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:17 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
الإسكندر جنايوس من الحشمونيون
لعل الإسكندر هذا هو أكثر من أساء إلى اليهود، فقد مضى في سياسته التوسعية أيضًا حتى وصل إلى عكا، فاستغاث أهلها بملكهم بطليموس الثامن في مصر وكان هاربًا من كليوباترا التي خلعته من الحكم، فاستعان الإسكندر بدوره بكليوباترا، واشتعلت الحرب بين الخصوم ولم تسفر عمليًاعن نتيجة. وأكمل الإسكندر توسعاته، غير أن اليهود ناصبوه العداء بسبب إهماله خدمة الكهنوت لانشغاله بالحروب، وزاد في ذلك بزواجه من امرأة أخيه سالومى، وهو ما يتنافى مع الشريعة، وفي ذات يوم أخطأ في طقوس عيد المظال (ويقال عمدًا) فقذفه الشعب بالسعف وثمار الأثراج، فثار حينئذ وأمر بقتل اليهود في الهيكل، فقتل كثيرون منهم فكرهه الشعب ورجعوا عنه، وهكذا وصل الحال بأسرة المكابيين.!!
بل وأكثر من ذلك أنه دخل في حرب مع أبيداس "عوبيداس" ملك العرب بسبب طمعه في التوسع فهزمه وجلده، واستطاع الهرب وجاء إلى أورشليم ولكن الشعب رفضه، فغادر المكان واستعان عليهم بالمرتزقة !! واستعان الشعب في المقابل بديمتريوس الثالث (ستة 88ق.م.) فجاء بجيش قوى وهزمه فهرب إلى الجبال. ومن المحزن أن أبناء الحسيديين يطلبون أبناءأنطيوخس ابيفانيوس المساعدة في مواجهة أبناء المكابيين.!!
فلما هدأ الحال وعاد ديمتريوس إلى دمشق، رجع الإسكندر وصنع وليمة للصدوقيين فرحًا بنصره، وقام بصلب ثمانمئة من وجهاء أورشليم الفريسيين، ثم قتل زوجاتهم وأولادهم ذبحًا قدامهم وهم ما يزالون أحياء على صلبانهم. ثم دخل في حرب مع ملك العرب ثانية فهزم واضطر إلى الصلح بشروط مهينة، وفي سنة 76ق.م. مات بينما كان يحاصر قلعة "راجايا" شرق الأردن، وقبيل موته أوصى زوجته إسكندرا (سالومى) بأن تهادن الفريسيين وتستعين بهم، ويقال أن ذلك جاء في توبته على فراش الموت.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:18 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
المكابيون بقيادة ألكسندرا
Αλεξάνδρᾱ
هى زوجة أرسطوبولس ثم الإسكندر بعد موت الأول، تولت الملك وعمرها سبعون عاما، ولما لم يكن من الجائز أن تصبح رئيس كهنة فقد تولى ذلك ابنها هركانوس بينما تولى أخوه أرسطوبولس قيادة الجيش، وكان يرأس شعبة الفريسيين في ذلك الوقت شقيقها "سمعان بن شيبا" وهكذا اتخذت وضعًا متوسطًا بين الفريقين، وقد سعى الفريسيين بقيادة سمعان إلى تعليم الشبان والأطفال، وعم السلام والهدوء في أيامها بعد صراع طويل.
غير أن الفريسيين تمادوا في سلطانهم فمالوا إلى الاستبداد، بل أنهم اصطدموا بألكسندرا نفسها حين ألحوا عليها بالقصاص من الصدوقيين الذين تسببوا في قتل ثمانمائة منهم مع عائلاتهم، وبالفعل قامت بقتل ثلاثة منهم، غير أنها عملت على حماية الصدوقيين ووهبتهم الحصون ليحتموا بها، وبينما كان أرسطوبولس ابنها يميل إلى الصدوقيين، فقد ناصر أخوه هركانوس الفريسيين، فما أن ماتت ألكسندرا حتى بدأ الصراع على أشده بين الفريقين.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:19 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
أرسطو بولس الثاني من أسرة حشمونية
بدأت فترة حكمه بصراع بينه وبين هركانوس، حيث كون كل منهم جيشًا والتحما في أريحا، فهزم هركانوس وتعقبه أرسطوبولس حتى أورشليم ثم أجبره على التنازل عن الملك ورئاسة الكهنوت، وبذلك أصبح هو ملكًا ورئيسًا للكهنة، ولكن أنتيباتر الأدومى (أبو هيرودس الكبير) كان متعاطفًا مع هركانوس، وبسببالصدقة بين امرأة أنتيباتر وأرتاس (الحارث) ملك العرب، فقد تحالفا ضد أرسطوبولوس وهزماه.
في ذلك الوقت كان "بومباى" القائد الروماني يزحف بجيشة جهة سورية، وأرسل لحسم النزاع بين الأخوين فناصر أرسطوبولس والذي قام بمطاردة أعداؤه حتى أدومية حيث ألحق بهم هزيمة منكرة، فلما وصل بومباى سنة 63 ق.م. إلى هناك احتكم إليه الأخوان فانحاز هذه المرة إلى هركانوس، وطرد أرسطوبولس ثم حاصر أورشليم ثلاثة أشهر حتى فتحها وعندئذ ذبح من أهلها اثنى عشر ألفا. ومنذ ذلك الحين أصبحت اليهودية ولاية رومانية تدفع الجزية، واما هركانوس فقد اكتفى برئاسة الكهنوت بينما منحه بومباى لقب"مشرف" فقط على اليهودية والتي أصبحت تتبع سورية إداريا.
أما أرسطوبولس فقد حمله بومباى مع عائلته إلى روما، ولكن إسكندر ابنه هرب من السفينة وعاد إلى أورشليم، وبدأت اليهودية تدخل عصرًا جديدا، بينما بقى هركانوس مشرفًا من قبل روما على اليهودية، كان انتيباتر والى أدومية هو المدبر الفعلي لهركانوس. وفيما بعد خلف ابنه هيرودس الكبير هركانوس في الحكم، ويعد (أي هيرودس)أشهر الحكام اليهود بعد ذلك.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:20 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
سفر الحشمونيين | اسم سفرا المكابيين

عرف سفر المكابيين أولًا بسفر الحشمونيين، فما هو أصل كل من الاسمين.

  1. الحشمونيين / بنى حشمناى
  2. المكابيون

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:20 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
الحشمونيين | بني حشمناي Asmonians
كان "متتيا" عميد عائلة المكابيين كاهنًا في قرية مودين الواقعة بجوار اللد، وكان لقب عائلته هو حشمون، وكانت عشيرة ينى حشمناى هذه من سلالة يهوياريب (أخبار الأيام الأول 24: 7) ولذلك فقد كان جميع نسل العائلة يكنى ب"الحشمونيين" أو " بنى حشمناى" والكلمة حشمون كلمة عبرية تعني "غنى" وأما اللفظان "همسان" أو "أسمونوس" فهما النطق اللاتيني للكلمة، حيث لا ينطق الحرف (ح) في تلك اللغات المشتقة من اللاتينية، مثل رئيس الكهنة المدعو أونيا والذي يأتي في جميع الترجمات Onias في حين أن اسمه الحقيقي هو " حونيا".

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:21 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
المكابيون Maccabees
انجب متتيا هذا خمسة من الأولاد (ولا يعرف إن كان قد أنجب بنات أم لا) أما الأولاد فهم على الترتيب: يوحنا، سمعان، يهوذا، ألعازر، يوناتان. وقد تولى ثلاثة منهم مقاليد السلطة بعد موته واحدًا تلو الآخر، بدءا بيهوذا الشهير ببطولته وحسب وصية أبيه، ثم يوناثان والذي اشتهر بالميل إلى الدبلوماسية في حكمه، وأخيرًا سمعان والذي يعد أول من جمع ما بين رئاسة الكهنوت وقيادة الأمة، أما ألعازر فقد قتل في تصرف عفوى، وأما يوحنا فإنه لم تتح له الفرصة للقيام بأعمال تستحق الذكر.
هذا وقد نسب إلى كل من هؤلاء الخمسة ألقاب يشير كل منها إلى صفات صاحبه، ومن المرجح أن يكون كل منهم قد اختار لنفسه هذا اللقب،دعاه الآخرون به فصار لقبه، حيث لقب: يهوذا ب المكابى، ومن قائل أن لفظة مكابى هي عبرية تعني مكبة أي مطرقة، وهي كلمة وردت في قصة قتل ياعيل لسيسرا (قضاة 4: 12) تحت اسم "ميتدة"، وقد دعى يهوذا نفسه أيضًا بـ"الطارق Hammerer" (1). ويرى البعض أن الكلمة مكابى مشتقة من مكبى وتعنى المخمد، غير أن الرأي السائد يفيد بأنها تكون الحروف الأولى لعبارة عبرية تقول " من يشبهك في الآلهة يا رب" وهي في الواقع آيه وردت في (خروج 15: 11) وكانت هذه الحروف تكتب على أعلام المكابيين حتى أصبحت لقبهم بمرور الوقت، وفي إسرائيل الآن العديد من الهيئات والفرق الرياضية التي تحمل اسم " مكابى".
وهناك رأى آخر في هذا الصدد نورده إتمامًا للفائدة، وهو أن كلمة مكابى مشتقة من الكلمة العبرية "كابا" ومعناها "أباد" أو "أتلف" وذلك في إشارة إلى أن المكابيين أبادوا أعدائهم، ورأى آخرون أن الكلمة مشتقة من "مخابى" ومعناها "الجراح" أو "العذابات" نسبة إلى ما ألحقوه بأعدائهم، بينما يرى فريق ثالث أن الكلمة مشتقة من اللفظة "مخابا" أي " مخبأ" لأن بنى حشمناى إختبأوا أولًا في الجبال والمغائر هربا ً من أعدائهم.
أما العالم دالمان G.Dalman فقد فسر الاسم تفسيرًا عجيبا،عندما قال أنه يقترح ترجمة أخرى للاسم. وهى "الذي يشبه رأسه المطرقة"وذلك لأن رأس يهوذا كان يشبه المطرقة!
غير أن الرأي الأول هو الأرجح، حيث طبع المكابيين على تروسهم وسيوفهم الحروف (م.ك.ب.ى) والتي هي بدايات الكلمات: (مى / كماما أو "كموخا" / بلوهيم أو "باليم" / يهوه) وتعنى كما سبق: (من مثل الرب بين الآلهة) أو (من مثلك بين الأقويا يا الله).
وقد مُنح كل من أخوه يهوذا الأربعة لقبا، حيث لقب يوحنا بـ"بكيديس" وسمعان بـ"الطسى"، وألعازر بـ"أواران" وأما يوناثان فقد لقب بـ"أفوس". وسيأتي شرح هذه الألقاب في حينه عند تفسير السفر.
هذا وقد أصبح لقب مكابيين رمزًا لعائلة بنى حشمناى، وذلك منذ الثورة التي اندلعت بين اليهود وأنطيوخس أبيفانيوس، بداية بمتتيا ونهاية بـ أرسطوبولس الثاني، أي خلال الفترة (167- 63 ق.م).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:22 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
عنوان سفر المكابيين أو سفر الحشمونيين
عُرف سفر المكابيين اولًا بسفر الحشمونيين، إذ أن كلَ من الكتابات العبرية والأرامية لم تعرف لفظة مكابى، بل استخدمت اللفظ الحشمونى، وهناك كتاب عبري يسمى يوسيبون Josippon وهو ترجمة بتصرف لكتاب "الحروب اليهودية" ليوسيفوس، كتب في القرن الرابع الميلادى، يختم الكتاب وصفه لحروب يهوذا بقوله: والباقي مكتوب في (سفر بيت الحشمونيين).
والسبب في ذلك - كما سبق - هو أن عائلة يهوذا المكابى كانت تسمى عائلة بنى حشمناى أو العائلة الحشمونية، كما أشار التلمود إلى هذه العائلة ب (العائلة الحشمونية)، أما العلامة أوريجانوس فقد أطلق الاسم على سفر المكابيين الأول: "سار بيت سابا نويل" وهي عبارة تبدو أرامية، قال عنها العالم دالمان Dalman أنها محرَفة عن الكلمات الأرامية "سفر بيت الحشمونيين" تمامًا كما كان يسمَيه الربيون اليهود.
ونقلًا عن أوريجانوس أيضا، فإنه يرد في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس، عنوان أرامي للسفر "كتاب بيت أمراء الرب" The book of house of the princes of God وهذا العنوان الآرامى يقابل العنوان العبري "سفر بيت حشمونايم" Sepher beth hashmonim مع الأخذ في الاعتبار أن حشموناى هي كلمة شرفية تعني "أمير" أو "صاحب" المقام الرفيع، وهي موجودة بهذا المعنى في (مزمور68: 31) "يأتي شرفاء من مصر" وتأتى كلمة شرفاء في ترجمتى R.S.V & K.J.V بمعنى برنسيس Princes. هذا ويذكر "الرابى سعديا Saadia " كتابًا باسم درج بيت الحشمونيين Magillath Beth Hashmonim أو كتاب أبناء حشمون Kitab beth Hashmonim.
أما عن تسمية السفرين ب المكابيين، فقد اُستخدم هذا الاسم في أواخر القرن الثاني عنوانًا للسفرين الأول والثاني، وإذا كان يهوذا هو الشخصية المحورية لأحداث السفر الثاني (بينما يتقاسم إخوته معه الأحداث في السفر الأول) فمن المحتمل أن يكون الاسم قد أطلق على السفر الثاني. ويُعدَ أول من ذكر سفر المكابيين الثاني بهذا الاسم هو يوسابيوس المؤرخ الكنسي، فقد دعاه "الكتاب الأول المسمى بالمكابيين" وهكذا يشير إلى الثاني "الكتاب الثاني المُسمَى بالمكابين". مثلما تميز المخطوطات اليونانية بين السفرين بالحرفين ا، ب. وكذلك استعمل القديس جيروم عنوان "الأحداث المكابية" حيث استخدم للدلالة على السفرين، وإن كان قد أستُخدم أولًا للإشارة إلى السفر الثاني فقط (كما سبق). أما القديس كليمندس السكندرى فيصف السفر الأول بـ"سفر الأحداث المكابية" أما الثاني فيسميه "موجز الأحداث المكابية" وأمّا القديس كبريانوس فقد استخدم الكلمة اللاتينية Mackabaei للإشارة إلى كلا السفرين، كما استخدم عنوان "أمور المكابيين" في أواخر القرن الثاني، للإشارة في الأساس إلى سفر المكابيين الثاني، وإن استخدم أحيانا للإشارة إلى الاثنين.
كما اُطلق اسم المكابيين على ثلاثة أسفار أخرى (مكابيين ثالث ومكابيين رابع ومكابيين خامس) وذلك كامتداد لإطلاق اسم المكابى على أي شهيد يهودي، خلال الصراع ضد الأغرقة، سواء خلال تلك الأحداث المنسوبة إلى حكم البطالمة كما في (مكابيين ثالث) أو تلك المنسوبة إلى فترة حكم السلوقيون (مكابيين رابع).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:23 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
كاتب سفر المكابيين الأول
من الصعب تبنى وجهات النظر التي بأن كاتب سفر المكابيين الأول ينتمي إلى فرقة الصدوقيين، فهو لا يعادي الفريسيين العداء، فبينما يشير إلى التسامح في قانون السبت (1مكا2: 41 و9: 43) فهو مدقَق في الشريعة ولا يفصلها عن العهد، فإن حفظ اليهود الشريعة ونبذوا الوثنية - ولو اضطرهم الأمر إلى بذل ذواتهم - فانهم سيحصلون على خيرات العهد. ومع أنه من أنصار الحشمونيين حيث يثنى على الحسيديين، فهو في المقابل لا يشيرإلى الاسينيين المتحدّرين عن المكابيين. ومع أن البعض يرى أنه صدوقى فهو لا يشير كثيرًا إلى جماعته.
بل يرى بعض العلماء أن سفر المكابيين الأول غير متحيز، إذ أنه لا يتبنى أي من أفكار الفريسيين أو الصدوقيين، ولذلك فإنه كتب قبل القطيعة ما بين هركانوس والفريسيين، فالسفر يعرض لأفكار الصدوقيين ويتجنب أية أفكار تسئ إليهم، ولكنه في نفس الوقت يقدم أبناء متتيا كأبطال غيورين على الشريعة وخصوم للوثنية، وفي الوقت ذاته تجمعهم مع الحسيديين أهداف واحدة، وهكذا فهو ليس ضد الفريسيين، ومع ذلك فإنه يشير إلى خطأ الحسيديين عندما رحبوا ب ألكيمس كرئيس للكهنة، رغم عدم ارتياح يهوذا وأخوته (7: 8 - 18) ويسجل السفر هذا الارتداد الجزئى لهم مع نتائجه المأساوية، حيث يظهر ذلك من الكراهية والاستياء الموجودين وقت كتابة السفر ويظهران خلال عرض الأحداث.
والكاتب يهودي من فلسطين تقى غير متعصَب، وهو شاهد أمين لأحداث السفر نظرًا لوقوفه على كافة الأحداث وجغرافية المكان بدقة، وهو مُشبَع بروح وطنية، أما عن أسلوبه في الكتابة فهو بسيط وصريح يحمل على الثقة بكتابه دون أن يترك مجالًا للشك، وهو يميل في كتابته إلى التشبه بكاتبى الأسفار التاريخية في العهد القديم. غير أنه لا يذكر اسم الله بشكل مباشر، ربما لحرمه الاسم وقدسيته (1) (منذ عصر المكابيين أو قبلها بقليل تحاشى اليهود ذكر لفظة الجلالة "يهوة" مستعيضين عنها بألفاظ ]راجع التعليق على لفظه يهوه في القيمة العقائدية للسفر[)، وربما رغبة منه في عدم مداخلة الله رأسًا في شئون البشر مما يتوافق مع عظمة الله من ناحية والحرية الممنوحة للإنسان منه من جهة أخرى، وهو كذلك لا يشير إلى الحياة الأبدية (1مكا2: 51) ولكن السفر به الكثير مما يدل على وجود مسيا وأن النصر يأتي من السماء.
ومن الواضح أن هدف الكاتب كان قوميًا وتاريخيًا مع توجهاته الدينية الصدوقية الواضحة، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر حيث يلاحظ الآتي (2):
1- أن الكاتب شخص محب لوطنه، ويرى أن شعبه هو الذي اختاره الرب ليحقق بهم أهدافه.
2- وهو ناموسي مدقق، يعتقد أنه من واجب كل يهودي أن يحفظ الناموس والوصايا (1: 16، 25، 48، 49، 55، 60، 63 و2: 20 22، 27، 42، 46، 48، 50 و3: 2) وهو كذلك يستنكر كل محاولة لإجبار اليهود على تدنيس السبت والأعياد (1: 45) وأكل الطعام غير الطاهر (1: 65) والذبح للأوثان (1: 45) ومع ذلك فهو يتعامل بمرونة في مسألة حفظ السبت - كما سبق - وهو ما يتفق مع موقف الرب يسوع من السبت (مرقس 2: 27) وهو وأن كان يتوافق مع تعليم الصدوقيين، إلاّ أن متتيا أبو المكابيين نفسه قد تعامل مع السبت بشيء من التفهّم.
3- يبين السفر أن كلمة الرب كانت عزيزة في تلك الأيام، وأن الأسفار المقدسة الموجودة بين أيديهم هي المصدر الوحيد للتعزية في الحزن والضيق (12: 9).
4- لا يشار إلى الله إلا ب"إله السماء" أو "السماء" فقط (3: 19، 50، 60 و4: 10، 55 و12: 15) وهو ما يتفق مع توجَهات الصدوقيين بعد ذلك.
5- تمر مسألة رئاسة سمعان للكهنوت دون اعتراض أو تعليق، رغم تعارضها مع ما ورد في الشريعة من أن الكهنوت وقف على سبط لاوي بل وعلى عشيرة هارون فقط، وهو ما يتفق مع وجهة النظر الصدوقية أيضًا (أي عدم الالتزام بالوراثة).
6- لا توجد في السفر أية إشارة إلى التعليم بقيامة الأموات أو خلود النفس، رغم أنه من المعروف أن اليهود في ذلك الوقت كانوا عمومًا يؤمنون بهاتين العقيدتين (دانيال 2: 3 و2مكا7: 9، 11، 14، 29) ونحن نعلم أن الفرسيين كانوا يؤمنون بالقيامة (أعمال 23: 6) وقد خاض المكابيين المعارك وواجهوا الموت بلا خوف بسبب إيمانهم بالحياة الأبدية.
7- كما لا توجد في السفر أية إشارة إلى الرجاء المسيانى، رغم ما جاء عنه في الأنبياء، وما كان يؤمن به الفريسيون وما جاء في (2: 47) إنما يشير إلى الاعتقاد بأنه يومًا ما ستملك أسرة داود، ولعل الكاتب كان يرى أن هذا الرجاء كان قد تحقق في الحشمونيين.
ولكن جميع ما سبق لا يوكّد أن الكاتب هو صدوقى خالص، حيث لم يكن الخلاف بين الفريقين قد تبلور تماما حتى زمن الكتابة.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:24 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
كاتب سفر المكابيين الثاني
من الضروري أن نعرف أولًا أن سفر المكابيين الثاني ليس تلخيصًا للأول ولكنه تلخيص للمؤلفات التي وضعها "ياسون القيرينى" (القيرواني) وهو يهودي سكندرى من شتات القيروان، وضع كتبه الخمسة في وقت قريب من الأحداث أي بعد سنة 160ق.م. بقليل، ومع ذلك فهو مطَلع بشكل جيد على الأحوال في أورشليم والدوائر الحكومية للسلوقيين وكذلك موظفي الحكومة وألقابهم.
وإلى جانب كونه يهوديًا راسخ الإيمان إلاّ أنه ذو ثقافة هيلينية قوية، وهو يذكر الله في كل حين، ويرد ذلك بوضوح في الصلوات التي كانت تُرفع قبل المعارك وبعدها، كما أنه يهتم بالهيكل قبل كل شيء ويعنَف أعداء اليهود بشدة. هذا ومن المحتمل أن يكون ياسون قد كتب سبعة رسائل أو كتب، لا خمسة.
أما الملخص، والذي قام بتلخيص الكتب الخمسة التي وضعها ياسون في وقت سابق، وذلك في كتاب واحد: فهو شخص مجهول حتى الآن، ورغم ما يظنه البعض من عيوب مثل التعجّل في التلخيص ووجود بعض الثغرات، فإنه سيتضح لنا في الصفحات المقبلة كيف أن هناك تناغمًا ما بين ماة السفر وأسلوبه، وقد راعي هذا الشخص الورع إضفاء روح التقوى خلال سرده للمعجزات، وهكذا تتسم الخطوط العريضة لهذا الملخص بوحدة الشعور الديني أكثر من التركيز على التسلسل التاريخى (1).
والملخص شخص فريسي يدافع عن أفكار الفريسيين، وهو يهودي سكندرى احتفظ بولائه للهيكل في أورشليم، ويبدو اهتمامه وولائه لمصر، حيث كان يرغب ألاَ يتغرب رفقاؤه عن أورشليم والهيكل والأعياد لاسيما "الحانوكا" و"يوم نكانور"، ولعل وجود هيكل لليهود في مصر له نفوذ كبير، يعد من الأسباب التي دفعت الكاتب إلى تدوين السفر والذي يؤكد فيه على أهمية هيكل أورشليم.
كما أن الطلاقة التي كتب بها السفر باللغة اليونانية توحى بأنه من يهود الشتات، كما أن تصريح الشخص بأنه "يهودي" بدل من التصريح بأنه (من سكان اليهودية) يؤكَد ذلك حيث كان هذا التعبير يستخدم خارج فلسطين فقط في ذلك الوقت (2مكا6: 6) ورغم أن البعض يعتقدون أن السفر قد كتب في إنطاكية بسبب احتمال استشهاد بعض اليهود هناك (قارن 7: 3 مع 6: 8) فإن وضع الرسائل في مقدمة السفر والتي هي موجهة إلى يهود مصر، تؤيّد الرأي السائد بأن السفر قد كتب في مصر وربما في الإسكندرية، وربما كان التركيز على القدسية الفريدة لهيكل أورشليم - كما سبق - موجهًا ضد الهيكل المنافس له في هليوبوليس بمصر، كذلك فإن المقصود من التنبيه على يهود مصر بالاحتفال بعيد المظال، وهو تنمية الوحدة بين يهود مصر وفلسطين (2).
ولكن البعض يرى العكس من ذلك، أي أن الملخص كان صدوقيا! يحذف كل ما يتعلّق بمتتيا الكاهن، وتغيب الإشارة في سفره إلى القيامة، ولكن العالم "نيس" دافع عنه قائلًا أن كاتب سفر المكابيين الثاني كان متحيّزًا إلى تمجيد الحسيديين، الذين جاءوا في وقت لاحق ممثلين في سمعان ابنه، كما أن متتيا هو الشخصية الرئيسية في النضال من أجل الحرية الدينية أكثر من كونه أصل فرقة الحسيديين، كما أشار كثيرا إلى القيامة والخلود كما سيجيء.
كما كان أمينًا في عمله، له أسلوب فنى تهذيبى، ويهمَه منفعة القارئ أكثر من الدخول في الدقائق التاريخية، وقد لخص كتب ياسون بشكل جيد وبروح تقوية، وقد لجأ في عمله إلى الطرق المعروفة في زمانه. وهو يشير إلى الآلام التي تحمّلها الشهداء نيابة عن غيرهم (6: 28) وإلى تقديم الذبائح عن الموتى (12: 43) وهو الأمر الذي لا يؤيده الصدوقيين، ويوصى بتدشين الهيكل الذي يحتل مركز الصدارة في روايته (10: 1- 8) كما أنه ينظر من زاوية تفكير لاهوتي مفاده أن جميع الأحداث ناتجة عن مشيئة الله، ليس فقط يتعلق بمعاقبة المضطهدين والخونة أو هزيمة الأعداء الوثنيين، وإنما حتى الأحداث التي تعيد اليهود إلى الطريق الصحيح، فيرى الكاتب أن انتصارات يهوذا المكابى ما هي إلا دليل على لطف الله الذي استدرَه الشهداء المكابيين من الله نتيجة تعبهم وحبهم له.
وأغلب الظن أن المخلص في مكابيين ثان، كان مطّلعًا على المصادر التي أخذ عنها ياسون القيرينى، وقد استخدم أيضًا كل من التقاليد والوثائق كما في (1:1-2: 18) وكذلك أيضًا في (10: 32 - 12: 2 الخ). وعمله ليس بالمخلص الضئيل ولا ملخص الملخص، ولكنه عمل أدبي تمّ انتقاء مادته من العمل الأصلي ل "ياسون" والذي لا يُعرف عن شخصيته شئ، وإن كان البعض قد خلط فيما بينه وبين ياسون المذكور في (1مكا8: 17) مثل الخلط الذي حدث بين يهوذا المذكور في نفس المكان ويهوذا الوارد في (2مكا1: 10 و2: 14) بل استنكر البعض هويَته اليهودية، غير أن ذلك فيه الكثير من الإحجاف.
هذا وقد عُثر على اسم ياسون القيرينى في هذه الصيغة: (Ιασων Κυρηναιος ياسون كيرنايوس) في أحد المعابد المصرية لتحتمس الثالث (1490 - 1436 ق.م.) غير أنه ليس بالطبع ياسون المقصود هنا والذي عوّل عليه الملخص، غذ أن علاقته بالقيروان (حيث تقطن جالية يهودية كبيرة) توحى لنا معرفته الدقيقة بالأماكن والشئون الفلسطينية.
ويرى العالم "بوشلر" أن الكاتب الأخير للسفر "الملخص" كان يهودي هيلينى، قام بالرد على الهجوم الذي وجه للنص الأصلي والذي كتبه (سامري في مصر) ضد الهيكل في أورشليم.
وأخيرًا: فليس هناك دليل على صحة ما قيل عن أن الكاتب ربما كان يهوذا المكابى نفسه أو يشوع بن سيراخ أو فليون السكندرى أو يوسيفوس ولكن المرجح أن الكاتب هو أحد أبناء أو أحفاد هركانوس، والذي أراد أن يجعل لعائلته اسما.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:26 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
تاريخ كتابة السفران
يغطّى سفر المكابيين الأول الفترة الزمنية ما بين (مُلك أنطيوخس سنة 175 وموت سمعان سنة 135 ق.م.) ويعد أول تاريخ يهودي يؤرخ للأحداث من نقطة ثابتة, وهي بدء تولى السلوقيون للحكم (أي منذ عام 312 ق.م.) هذا ويظهر كاتب السفر كشخص قريب من الأحداث, فمن المؤكد أن السفر كُتب قبل سنة 63 ق.م. حين أصبحت اليهودية ولاية رومانية, وإلا لكان الثناء عليها يُعدّ غريبًا في الإصحاح الثامن من السفر, كما أن الإشارة الواردة في (13: 27 30) عن قبر الحشمونيين الذي بناه سمعان في مودين وأنه باق "حتى الآن" إنما ترمز إلى الفترة الزمنية الواقعة بين موت سمعان سنة 134 ق.م. وكتابة السفر, وتجعل أقدم تاريخ لكتابة السفر سنة 110 ق.م.
ومع ذلك فلا مانع من أن يكون الكاتب قد بدأ عمله في أيام سمعان, إذ يبدو من خلال كتابته أنه شاهد عيان, وأنه معاصر للشخصيات الرئيسية في الأحداث, مثل (14: 4 15) والتي يشير فيها إلى أن فترة حكم سمعان كانت فترة سلام. وهكذا فإن عملية جمع المواد بدأت منذ عهد سمعان (143 134 ق.م.) ولكن القيام بإتمام العمل يعود إلى تاريخ لاحق, ربما الربع الأخير من القرن الثاني قبل الميلاد.
ويقول العلامة تورى Torry أن سفر المكابيين الأول كُتب بقلم شخص عاصر كل صراع المكابيين منذ بدايته, أي أن الكاتب لم يعتمد في كتابته للسفر على مصادر خارجية, بل ومن المرجح أن تكون له مصادر مسجلة بمعرفته شخصيًا, وإلى هذا يُعزى السرّ في دقة التفاصيل والتواريخ, ويمكن استنتاج ذلك من (9: 22, 16: 23) حيث الإشارة إلى وجود وثائق وكذلك من العادة القديمة في وجود سجلات محفوظة في الهيكل أو في أماكن أخرى, ولعلها كانت تشتمل على سجلات الدولة المشار إليها مرارًا وكذلك الأسفار وكتب الخدمة.
والإشارة الموجودة داخل السفر في (16: 18 24) تدل على أقرب تاريخ لكتابة السفر, حيث يرد أن يوحنا هركانوس والذي توفى في سنة 105 ق.م. كان قد خلف سمعان منذ عدة سنوات, كما يرى بعض العلماء أن (1مكا: 16 23) تشير إلى أن يوحنا قد مات عند اكتمال كتابة هذا السفر. فإن عبارة".... وبقية أخبار يوحنا وحروبه...." هي العبارة التقليدية لختام تاريخ الملوك في الأسفار التاريخية للعهد القديم, راجع على سبيل المثال (ملوك أول 11: 41, ملوك ثان 10: 34) ولكن البعض يرى في النصب التذكارى الذي أقامه سمعان سنة 143 ق.م. (1مكا 13: 30) تذكارًا لأبيه وأخوته والذي كان ما يزال موجودًا حتى وقت كتابة السفر سنة 113 ق.م. أي بعد نحو ثلاثون عامًا من تاريخ إقامته, إضافة إلى أن مدح سمعان المتوفى سنة 135 ق.م. وحكمه الذي تميز بالسلام (14: 4 15) قد يعطى الانطباع بأنه كان قد مضى الكثير على وفاته, وعليه فمن التواريخ المقترحة لكتابة السفر سنة 80 ق.م.
ولكن العلماء يعودوا فيؤكدون أن كاتب السفر ربما قام بعمله بتكليف من هركانوس ابن سمعان, لتدوين تاريخ رسمي للحشمونيين والذي يبدأ بثورة متتيا الكاهن ويصل إلى الذروة في أيام سمعان, كما قدم الكاتب نبذة مختصرة عن جلوس هركانوس للحكم تأكيدًا لاستمرار حكم نسل سمعان, وهو يقدم نسل متتيا في السفر كأسرة مختارة, ما كان يمكن تحقيق النصر لولا تسلّمها لمقاليد الأمور.
ورغم أن الآيات الأخيرة في السفر يظهر منها وكأن حكم هركانوس قد مضى عليه بعض الوقت, فليس هناك ما يشير إلى أن سجلات كهنوته كانت قد تمت في ذلك الوقت, وربما يدل قلق الكاتب على الأسرة الحاكمة على أنه كان يكتب في ظل عدم الرضا المتزايد من جانب الحسيديين عن سياسة الحشمونيين في القيادة. هذا وقد انتهى حكم يوحنا بقطيعة علنية مع الفريسيين في مقابل مناصرته للصدوقيين. وقد أشار الكاتب إلى ولاية سمعان قائلًا "حتى يقوم نبي أمين" (14: 41) وذلك في إشارة عكسية إلى الشخصيات النبوية مثل "معلم الصلاح" في قمران, و"يهوذا الأسينى" حيث تفيد الإشارة إلى أنهما غير جديرين.
والسفر مفعم بالوثائق والرسائل المتبادلة في جو من الدبلوماسية الحارة, ما بين اليهود وجيرانهم وأصدقائهم, وذلك على غرار ما ورد في سفر نحميا, ومن قبله بعض الأسفار, هذه الوثائق هى:
1. كتاب يهود جلعاد إلى يهوذا المكابى (1مكا 5: 10 13).
2. معاهدة بين الرومان واليهود كتبت على ألواح من نحاس وأرسلت إلى يهوذا (8: 22 32).
3. رسالة من الملك الإسكندر إلى يوناتان المكابى (10: 18 20).
4. رسالة من الملك ديمتريوس الأول إلى يوناتان (10: 25 45).
5. رسالة من الملك ديمتريوس الثاني إلى يوناتان (11: 30 37) ومعه خطاب إلى لسطانيس (11: 31 37).
6. رسالة من أنطيوخس (الصبى) إلى يوناتان وتعيينه رئيسًا للكهنة (11: 57).
7. رسالة يوناتان إلى الإسبرطيين طلبًا للتحالف معه (12: 5 8).
8. رسالة من أريوس ملك أسبرطة إلى حونيا رئيس الكهنة (12: 20 23).
9. رسالة ديمتريوس الثاني إلى سمعان (13: 3640).
10. رسالة الأسبرطيين إلى سمعان (14: 20 24).
11. إقرار من اليهود بالاعتراف بخدمات سمعان واخوته (14: 27 45).
12. كتب من أنطيوخس السابع (سيدتيس) إلى سمعان (15: 2 9).
13. رسالة من لوقيوس قنصل الرومان إلى بطليموس ملك مصر يطلب فيها حماية اليهود (15: 16 21) وصورة منها إلى سمعان (15: 24).
أما بالنسبة لسفر المكابيين الثاني, فإنه من الصعب تحديد تاريخ الملخص وبالتالي تاريخ كتابة ياسون لكتبه الخمسة (أو السبعة) ولكن يبدو أنه كُتب بعد سنة 161 ق.م. حيث أنها السنة التي يختم فيها السفر تاريخه بزمن طويل يكفى لانتشار قصص الاستشهاد (ص6, 7) والظهورات المعجزية كما في (3: 24 30) كما رأى البعض أن الإشارة الواردة في (2مكا 15: 36) إلى (استير 9: 21) دليلًا على أن السفر كُتب نحو سنة 100 ق.م. (نظرًا للاعتقاد السائد بأن سفر استير لم يظهر قبل ذلك الوقت, وهو اعتقاد خاطئ بلا شك).
ومن الصعب افتراض أن الملخص كُتب قبل سنة 130 ق.م. إلا أن الكتاب نفسه قد كُتب خلال فترة لاحقة لسنة 125 ق.م. ومن هنا يمكن القول بأن ياسون قام بعمله بعد سنة 130 ق.م. وبما أنه كُتب بعد سفر المكابيين الأول (حيث يذكر دفع الجزية للرومانيين "2مكا 8: 10, 36" وهو أمر لم يُذكر في مكابيين الأول) وحيث أن فيلو السكندرى قد توفى سنة 40 م. وهو يشير في كتاباته إلى ما ورد في سفر المكابيين الثاني وبالتحديد إلى (2مكا 4: 8 7: 42) فلا بد وأن السفر كان قد كُتب وعُرف قبل ذلك بكثير.
كما أشار السفر إلى أن الخدمات كانت ما تزال موجودة في الهيكل, ولا إشارة فيه إلى خراب الهيكل سنة 70 م. (راجع 2مكا 3: 6 12) كما أن ما جاء في الرسالة إلى العبرانيين عن الشهداء المكابيين (عبرانيين 11: 35, 36) يشير إلى مرور فترة طويلة على كتابة السفر تسمح بهذا الانتشار, وتعليم السفر يمثل آراء الفريسيين في منتصف القرن الأخير قبل الميلاد, وهكذا يكون السفر قد كُتب ما بين (40 ق.م.) و(40 م.).
غير أن العالم كموستر يقول أنه في حال تأكدنا من مقاومة الكاتب للحسيديين فإنه يمكن تحديد تاريخ كتابة السفر لتكون سنة 106 ق.م. وذلك عندما انفصل الفريسيين عن الحسيديين (وذلك بسبب رأى العالم هوشفيلد) وإن كان العداء بين الفريقين بدأ قبل ذلك الوقت بزمن.
وهكذا يمكن القول في النهاية أن سفر المكابيين الأول كُتب ما بين عامى 110 و80 ق.م. وهو بالتالي أقدم من سفر المكابيين الثاني والذي يرجح تاريخ كتابته سنة 40 ق.م. وهو ليس ملخصًا للسفر الأول ولا تكملة له وإنما هو سفر مستقل.
___________________
(1) كان التأريخ قديمًا يرتبط بالأحداث الكبيرة مثل بدء تولّى الملوك أو المجاعات الكبرى والزلازل العظيمة وغيرها, وبالتالي كانت نقطة التأريخ متحركة. ومع أن التأريخ المشار إليه هنا يعد نسبيًا نقطة ثابتة, إلا أن الأمر لم يحسم بشكل نهائي إلا في القرن الخامس حين قررت الكنيسة اعتبار ميلاد المسيح هو الحد الفاصل في التاريخ, فنسبت إليه جميع الأحداث سواء قبل أو بعد ميلاده, وهو ما يشار إليه في اللغة العربية ب (ق.م.) وفي اللاتينية ب (A.D.).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:27 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
التأريخ في حقبة المكابيين
يُلاحظ أن التواريخ في سفر المكابيين الأول تسير بانتظام تبعًا لـ"سنة مُلك اليونانيين" (1مكا 1: 10) لذلك فإن السفر بالنسبة للفترة التي يتناولها (167 134 ق.م.) يعتبر العمود الفقرى لأي تسلسل تاريخى يهودي بالنسبة للتاريخ العالمي, ويذكر يوسيفوس أن هذه الفترة هي فترة (المملكة السورية) والتي تبدأ من وقت احتلال سلوقس نيكانور لسوريا.
أما الحدث الحاسم والرئيسى الذي بدأت به هذه الفترة, فهو "معركة غزة" والتي قامت في صيف سنة 312 ق.م. وكان التقوىم السلوقى الرسمي يتبع العادة السورية لبدء السنة في الخريف, مثل التقوىم اليهودي قبل السبي, وهكذا بدأت الفترة السلوقية رسميًا في خريف سنة 312 ق.م. وتُستخدم هذه الطريقة بالطبع في المراسلات الواردة في الأصحاح الحادى عشر, حيث نجد في نفس السنة التسلسل التالي: ديسقورس (2مكا 11: 21) وكسنتكس (11: 33) والأول هو شهر الخريف (Dios) بينما يقابل الثاني شهر نيسان اليهودي (ابريل تقريبًا) والذي يعدّ بدء السنة الجديدة لليهود, ومن الواضح أن ليسياس استخدم عبارة Diosco في خطابه, واضعًا شهر Dios بأنه Corinthius ربما بسبب إعجابه بكل ما هو إغريقى, ومع ذلك فإن التقوىم اليهودي بعد السبي اتبع العادة البابلية لحساب السنة بدءًا من الربيع في شهر نيسان, ولكنه احتفظ في الوقت ذاته بتقليد الاحتفال بالسنة الجديدة في الخريف (في الشهر السابع تشرين) ويزيد هذا من تعقيد مشكلة التواريخ في سفرى المكابيين الأول والثاني.
ويُتّبَع نفس التقوىم في السرد القصصى للسفر, فحيث يذكر سفر المكابيين الأول تاريخيًا سوريا في (1مكا 7: 1) يتفق معه المكابيين الثاني (2مكا 14: 4) ومن ناحية أخرى عندما يذكر سفر المكابيين الأول تاريخًا يهوديًا (1مكا 6: 20) لصيف سنة 163 ق.م. فإنه يعتبرها سنة 150, بينما يورد سفر المكابيين الثاني نفس الحدث في سنة 149. وقد بدأت سنة 150 طبقًا للحساب اليهودي في الربيع السابق (لهذا الصيف) ولكنه وطبقًا للتقويم السلوقى الرسمي فإنها لا تبدأ حتى الخريف التالي لذلك الصيف, ويدل وجود فاكهة "التوت" (1مكا 6: 34) على أنه الوقت كان صيفًا, ومما يؤكد التاريخ أيضًا أن نقص الطعام الذي عاق دفاع اليهود عن "بيت صور" كان في السنة السابعة (1مكا 6: 49, 53) لأن هذه السنة المقدسة كانت تحسب من الخريف (تشرين 164 ق.م.).
فهل بكر اليهود ببداية الفترة السلوقية وقدموها إلى شهر نيسان سنة 312 ق.م. أو أكثر من ذلك إلى تشرين 313 ق.م. أم أن اليهود الفلسطينيين انتظروا حتى نيسان سنة 311 لبدء هذه الفترة!؟ لقد كان لكل رأى من هذه الآراء من يؤيده من العلماء الأكفّاء, فثار جدل كبير وثرى حول أكثر من طريقة لحساب المصادر المختلفة لسفرى المكابيين الأول والثاني.
إن ترقيم الشهور في سفر المكابيين الأول يؤيّد احتساب السنة ابتداء من الربيع, ولكن من أي ربيع؟! ويمكن معرفة ذلك بطرح الصفة الرقمية المعطاة للسنة ناقصًا واحدًا من 311, وهكذا فإنّ حكم أنطيوخس أبيفانيوس والذي بدأ في (137 سلوقية) يحدد تاريخه بسنة 175 ق.م. (311 136). ولا يمكن أن تكون هذه الحسبة التقريبية دائمًا صحيحة, حتى بافتراض أن البدء من نيسان 311 ق.م. فإن السنة تتداخل مع التقوىم اليوليوسى, ومن ناحية أخرى يمكن أن تكون تواريخ بعض السنوات دقيقة, حتى لو بدأت الفترة في ربيع أو خريف سنة 312 ق.م. لأن السنوات ستكتمل في ربيع أو خريف 311 ق.م.
وقد نتج عن البحث الحديث تحليل التواريخ إلى تواريخ سورية رسمية أو يهودية شعبية, والأولى كلها ذات صفة عامة ولا تعطى رقم أو اسم الشهر, بينما الأخيرة دقيقة جدًا وتسجل الشهر وكثيرًا ما تسجل اليوم, وتتصل الأولى بوجه خاص بالأحداث العامة للتاريخ السورى (مثل سنة جلوس ملك على العرش) بينما تختص الأخيرة بالشئون اليهودية الداخلية أو بالتاريخ السورى فيما يمسّ اليهودية, ويرجع اختلاف حساب هذه التواريخ إلى المصادر التي يستخدمها الكاتب, وأفضل وسيلة لحسمها هي حساب بداية السنة في كل حالة: ابتداء من 312 ق.م.
_______________
(1) هذه المناقشة وإن تبدو غير سلسة إلا أننا سنحتاج إليها كثيرًا أثناء مطالعة التفسير.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:29 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
اللغة الأصلية للسفر


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...One-Hebrew.jpg

يُجمع العلماء والنقاد والشراح على أن سفري المكابيين قد كٌتبا أولًا بالعبرية، ويذكر جيروم بوضوح في كتابه Prologus Geleatus أن العبرية هي اللغة التي كُتب بها السفر، غير أنه من غير الواضح إن كان يقصد اللغة العبرية الفصحى، وهي ما يسميها اليهود "اللسان المقدس" أم الأرامية التي تكلم بها أهل فلسطين؟ ويقول القديس جيروم أنه اطلع على نسخة من السفر في العبرية، غير أن تلك النسخة اختفت في وقت مبكر، أمّا العلامة أوريجانوس فيقول أن سفر المكابيين الأول كانت فاتحته هكذا "عصا العصاة على الرب" أو "قضيب رؤساء أبناء الله" (وهي مصطلحات فنية عبرية) وهكذا يؤيد كل من القديس جيروم والعلامة أوريجانوس على عبرية السفر أو الأرامية الفلسطينية الشائعة في ذلك الوقت.
غير أن هناك اعتبارين يجعلان من المؤكد أنها العبرية، مثل بعض العبارات الواردة في سفر المكابيين الأول مثل "سنتين من الأيام" (1: 30) و"شهرًا فشهرًا" (1: 16) و"أهل القلعة" (4: 2) وغيرها... وهي مصطلحات عبرية ترد في كثير من أسفار العهد القديم، وكذلك بعض الكلمات التي ترجمت خطأ مثل كلمة "ضد" (1: 28) والتي يفترض أنها تعني في الأصل "بسبب" (والأصل يفيد المعنيين حسب القرينة التي يرد فيها) إضافة إلى أمثلة أخرى (راجع 9: 24 و14: 28) مما يؤكد في جميع هذه الحالات أنها مترجمة عن العبرية، يضاف إلى ذلك أيضًا الكثير من المصطلحات العبرية والتي ترجمت حرفيًا كما هي إلى اليونانية.
ومن بين الأسباب التي تؤكد أن الأصل العبري قد فقد مبكرًا، أنه وحتى يوسيفوس لم يُشر إليه في تاريخه، كما يقول العلامة توري Torry أنه لا يوجد دليل على التصويب من قبل العبرانيين لأي من الترجمات اليونانية أو غيرها، وإنما في المقابل يُنظر إلى النسخة اليونانية بوضوح على أنها نتيجة لترجمة منفردة من مخطوطة عبرية.
أما النص اليوناني الذي أخذت عنه جميع الترجمات، فهو موجود في جميع مخطوطات الترجمة السبعينية (مثل السينائية والسكندرية والفينيسية) وقد ورد نص المكابيين الأول في المجلد السينائي، وأما نص المكابيين الأول والثاني، فقد ورد في المجلد السكندري وفي مخطوطات ثانوية كثيرة.
وفي الفولجاتا توجد ترجمة لاتينية للسفرين، هي ترجمة القديس جيروم والتي تتطابق إلى حد بعيد مع الترجمة اللاتينية القديمة، والتي تكاد تكون ترجمة حرفية عن اليونانية، وأما مخطوطة "ساباتييه" والتي نشرت في سنة 1743م، فهي ترجمة لاتينية للأصحاحات الثلاثة عشر الأولى، ومع أنها تختلف عن الفولجاتا في أكثر من موضع، إلا أنه من المُرجح أنها أقدم من اللاتينية القديمة، وبالتالي فهي أقدم من الفولجاتا.أما بالنسبة للسريانية فتوجد مخطوطتان طبعت أفضلهما في باريس في النسخة متعددة للغات، وأما الثانية فهي تختلف عن الأولى في عدة جوانب، وهي موجودة في إحدى نسخ "البشيطة" (1876 - 1883م) مع أنها مترجمة بدورها عن اليونانية.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:30 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
المخطوطات اليونانية لسفريّ المكابيين
أهم المخطوطات اليونانية لسفر المكابيين الأول هي المخطوطة السينائية (ن) والسكندرية (أ) والفينيسية (ف) وترجع المخطوطة الفينيسية إلى القرن التاسع أو الثامن، ويظهر السفران بشكل أفضل في كل من المخطوطتين الفينيسية والسينائية، ويذكر العالم "توري" في دائرة المعارف البريطانية، أن جميع هذه المخطوطات مأخوذة عن مخطوطة يونانية واحدة قديمة، وقد قام بعض العلماء بعمل دراسات مقارنة بين هذه النسخ وكذلك مع بعض ترجمات لها (1).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:30 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
الترجمات السريانية واللاتينية
يوجد النص السرياني لسفر المكابيين الأول في صورتين: الأولى تمثلها "المخطوطة الأمبروسيانية" (القرن السادس) وهي تنتمي إلى نص المخطوطات اليونانية "البوصية"، أما الصورة الأخرى فهي النص الموجود في "البشيطة" والذي يحمل الطابع اللوكياني (المرتبط بالمجموعة اليونانية المكتوبة بحروف متصلة) وأمّا الترجمة اللاتينية فقد وجدت في نصين منقحين كلاهما سابقين لعهد جيروم، أحدهما يوجد في الفولجاتا والآخر وُجد في مخطوطة "سانجرمانيس" والنص موجود حتى الأصحاح الرابع عشر، وكلا الترجمتان السريانية واللاتينية مأخوذ عن اليونانية.
أما بالنسبة لسفر المكابيين الثاني على وجه الخصوص، فقد وجد أيضًا في المخطوطتين: السكندرية (أ) والفينيسية (ف) بالإضافة إلى بعض قصاصات أخرى، وأمّا الترجمة السريانية فربما كانت تفسيرية أكثر منها نصية وتعد أقل قيمة من سفر المكابيين الأول، وتوجد في نسخة الفولجاتا التي سبقت القديس جيروم، وهناك ترجمة في مخطوطة أمبروسيوس Ambrosianus وأخرى في مخطوطة Complutensis، كما قام "ميركاتى" بنشر أربعة أجراء متناثرة للسفر، هي (4: 39 - 44، 46 و5: 2 و5: 3 - 14 و10: 12 - 26 و10: 27 - 11: 1) وذلك منذ عام 1902م. وتبدو هذه الأجزاء مرتبطة بنص "بيرون" (3: 13 - 4: 4 و4: 10 - 14) والتي توجد أيضًا في مخطوطة "بريسلو" في صورة أجزاء متناثرة، وترجع إلى القرن الثامن أو التاسع الميلادي، وقام بنشرها "مولسدروف" سنة 1904م. وهكذا تمثل الترجمات جميعها ثروة هامة من أجل عمل دراسة مقارنة للوصول إلى نص أقرب ما يكون للنص الأصلي.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:31 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
قانونية السفرين
ظهرت خمسة كتب باسم المكابيين يغطي الأولان منها الفترة التي سبقت مجيء المسيح، ولاسيما من وقت اعتلاء أنطيوخس أبيفانيوس العرش وحتى وفاة سمعان وتولي ابنه هركانوس (أي الفترة من 176 إلى 134 ق.م.). غير أن الكنيسة قبلت السفرين الأولين فقط، بينما رفضت الثلاثة الباقية، إذ رأت السفرين اللذين قبلتهما يتفقان في الوحي مع بقية أسفار الكتب المقدسة القانونية، وكما شرحنا سابقًا في أسفار طوبيا ويهوديت والحكمة وسيراخ وتتمه سفري استير ودانيال، فقد رفض اليهود مثل هذه الأسفار لكونهم لم يجدوها في الأصل العبري، مع أنه اتضح بالأدلة العلمية والتاريخية، أن جميع الترجمات المتاحة حاليًا لها أصل عبري مفقود، أما من جهة اللغة العبرية والتي يشترط اليهود أن تكون الأسفار مكتوبة بها أصلا فهم يعتبرونها "لغة الوحي" أو "لغة السماء" أو "اللسان المقدس". يضاف إلى ذلك أن الأسفار الثلاثة الباقية تورد أحداثًا لا تتعلق بنبوات كتابية، لاسيما السفران الثالث والرابع واللذان يتحدثان عن ثورة يهود الإسكندرية في القرن الأول الميلادي.
ولكن الكنيسة قبلتهما (أي الأول والثاني) منذ البداية جنبًا إلى جنب مع بقية الأسفار التي يؤمن بها اليهود أنفسهم. كذلك قبلتهما جميع الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية. وهكذا دخل السفران لائحة الكتب القانونية منذ البداية.
ويتضح لنا من الكتابات التي وصلتنا للآباء بدءا من القرن الثاني، أنها كانت معروفة ومعترف بها، وقد سبقهم في الاستشهاد بها بعض كتاب أسفار العهد الجديد كم سيجيء بعد قليل.

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:32 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
المجامع التي أقرت السفرين
1. ورد هذان السفران في القانون الخامس والخمسون من المجموعة الثانية للرسل الأطهار، حيث اعتبروها ضمن الكتب التي يجب قبولها بين أسفار العهد القديم. كما يرد في كتاب المراسيم الرسولية الإشارة إلى قبول الله لذبيحة متتيا بنيه المكابيين، من بين القرابين الكثيرة التي قدمها له الآباء (1).
2. كما وردت في قوانين مجمع نيقية سنة 325 م.
3. مجمع هيبو Hippo سنة 393 م. والذي تَرَأّسه القديس أغسطينوس.
4. مجمع قرطاج الثالث سنة 397 م. في هذا المجمع وبعد أن ذكر الأسفار جميعها (بما فيها سفري المكابيين) في القانون 27، أضاف في القانون 47 قائلًا "قد تسلمنا من آبائنا أن هذه الأسفار هي التي يجب أن تتلى في الكنيسة".
5. مجمع قرطاج سنة 419 م.
6. مجمع ترنت الكاثوليكي في سنة 1545 م.
7. مجمع القسطنطينية لليونان الأرثوذكس والذي كمل في "ياش" بقيادة البطريرك دوسيتاوس سنة 1672م.
8. وقد ذكرت في قوانين الشيخ ابن العسال في كتابه أصول الدين.
9. كتاب الشيخ الصفي ابن العسال (القوانين).
10. ذكرها كذلك القس شمس الرياسة في كتاب "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة.
وقد ورد في كتاب "نظام التعليم في علم اللاهوت القديم" للبروتستانت: "ولما كانت شهادة الكنيسة ذات قيمة لأنها شهادة الجماعة التي نالت الوعد الإلهي بالروح القدس الذي هو نفسه أوحى بالأسفار المقدسة، كانت كنيسة الجيل الرسولي أقدر من غيره على تحقيق الأسفار القانونية".
وقد أوضحنا سابقًا (في التفاسير السابقة) أن الكتاب المقدس الذي كان منتشرًا بين رسل المسيح كان هو "السبعينية" والتي تضمنت هذه الأسفار موضوع دراستنا، وقد اقتبس منها معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين (إصحاح 11).
وجاء في دائرة المعارف للبستاني "أن الإسرائيليين الذين كانت لغتهم اليونانية كانوا يقرأون تلك الأسفار في اجتماعاتهم في زمان الشتات، وكانت معتبرة عندهم وكانوا يعدونها كتبًا مقدسة كالكتب العبرانية".
وورد أيضًا في "كتاب ذخيرة الألباب في بيان الكتاب" للبروتستانت: "زعم اليهود أن أئمتهم عقدوا مجمعًا في عهد عزرا وجمعوا الأسفار العبرانية في قانون متعارف عليه عندهم اليوم، وضموا إليه ما لم يكن فيه قبل الجلاء (السبي) لاسيما نبوة حزقيال وحجي وسفرا عزرا ونحميا.وأما الكنيسة المسيحية فأضافت إلى قانون اليهود المدعى الأسفار التي كتبت بعده ولم يمكنهم ومن ثم أن يثبتوها فيه ومنها سفر الحكمة وسفر يشوع بن سيراخ وسفري المكابيين، ثم أثبتت ما بقى من الأسفار بعد أيام بعد أن عثرت على الحجج المؤيدة قانونيتها، وحسم الأمر بعد أن قررت الكنيسة قانونية تلك الأسفار، فلم يعد فرق بين الأسفار الأولى والثانية من جهة صحة الوحي وقوة الشهادة، وتأخر الكنيسة في تقرير قانونية هذه الأسفار لا يضر شيئًا من جهة اعتبارها وانما يزيدها قوة وتأييدًا بحيث لم تقررها إلا بعد التحقيق والإمعان للنظر والتروي في شأنها وتدبر البيانات على قانونيتها" (1).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:33 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
القديسون الذين شهدوا بقانونية السفرين
وإليك قائمة بأسماء بعض القديسين والعلماء الذين أقروا قانونية السفرين، واقتبسوا منهما في تعاليمهم وكتابتهم، منهم:
1. القديس كليمندس السكندري (155-220 م.). هو تيطس فلافيون، ولد في أثينا وتضلع في الفلسفتين الرواقية والأفلاطونية، ورأى أن تلك الفلسفات مهدت الطريق لفهم المسيحية، من أشهر مؤلفاته: تحفيز الوثنيين (على الإيمان) وكتاب المرشد (3 أجزاء) وكتاب المتنوعات (8 أجزاء).
2. القديس كليمندس الروماني (ولد 90/100 م.) أشهر مؤلفاته الرسالة إلى أهل كورنثوس، والتي وضع بها حدًا للشقاقات بين المسيحيين هناك.
3. العلامة ترتليان Tertullian بدأ خدمته في سنة 197 م. له مقالات دفاعية وجدلية وأخلاقية، وله مكانة مرموقة في تاريخ علم اللاهوت.
4. القديس كبريانوس Cyprian أسقف قرطاجنة، سيم أسقفًا سنة 248/249 م. وتنيح سنة 258. كتب بخصوص الذين ضعفوا وقت الاضطهاد، وفي معمودية الهراطقة، وله مقالة طويلة في تطويب الشهداء تضمنت الشهداء المكابيين. كما أورد سيرتهم في براهينه عن أن الله يجرب البشر لكي يثبتوا فيه، وكذلك في المبحث الثاني عشر (ثلاثة كتب في الرد على اليهود) (ومن أهم كتاباته ستة أيام الخليقة (كسيماروس) وكتاب عن (الروح القدس) ثم القوانين المعروفة باسمه).
5. العلامة أوريجانوس (185-254 م.) Origen قبطي ولد في الإسكندرية، نبغ منذ حداثته وصار مديرًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، تضلّع في شتى أنواع العلوم وبرع في التفسير الرمزي للكتاب المقدس، وسُمي: (أمير شراح الكتاب المقدس) من أعظم أعماله "الهكسابلا" وهي مقارنة بين ستة نصوص للعهد القديم وله كتاب شهير في الرد على "كلسس" الوثني، وقد ذكر المكابيين في تفسيره لإنجيل متى (كتاب 13 فقرة 20) وتفسير إنجيل يوحنا (كتاب 1/فقرة 18) (2).
6. القديس هيبوليتس Hippolytus (أبوليدس) الروماني: كاهن روماني قاوم بدعة المونارخية (رفض التمييز بين الأقانيم الثلاثة (من أهم كتاباته الرد على جميع البدع، وتفسير سفر دانيال) وفيه يذكر المكابيين عند تعليقه على الرؤى) ولكن أهم أعماله هي القوانين المعروفة باسمه (3).
7. القديس هيلاري (إيلاريون) أسقف بواتييهHilary of Poitiers: تزعم مقاومة الأريوسية في بلاده، فنفي إلى آسيا الصغرى من 356 إلى 360 م. كتب كتابًا عن "الثالوث" ذكر فيه المكابيين (4) وله العديد من التفاسير، وقد ذكر المكابيين أيضًا في تفسيره لمزمور 134.
8. القديس باسيليوس الكبير: أسقف قيصرية (329-379 م.) درس في القسطنطينية ثم أثينا، أنشأ ديرا في قيصرية، رُسم كاهنًا في 362 م.، ثم أسقفًا على قيصرية سنة 370 م. وهو شقيق القديسة ماكرينا والقديس غريغوريوس النيصصي وصديق القديس غريغوريوس النزينزي، قاوم افكار "فالنس" الأريوسية، وأما المكابيين فقد ذكرهم في الرسالة السادسة إلى زوجة نكتاريوس.
9. القديس غريغوريوس النزينزي Gregory of Nazianzus: ولد في كبادوكية سنة 329 م. وهو صديق القديس باسيليوس، عاش معه في نسكياته أولًا، سيم أسقفًا للقسطنطينية سنة 379 م. ترك الأسقفية سنة 381 م. حيث قضى سنواته الأخيرة في العزلة، تأثر أوريجانوس، كتب في اللاهوت والتجسد والثالوث، له عظة عن المكابيين ومقالًا عن سفري المكابيين، كما ذكرهم في مديح نظمه في القديس باسيليوس (2).
10. القديس أثناسيوس الرسولي (296-373 م.) بطريرك الإسكندرية كان له الدور الرئيسي في حكم مجمع نيقية على أريوس، حيث لم يكن إلا شماسًا حينئذ، سيم بطريركًا سنة 328 م. ونفي خمس مرات بسبب موقفه من الأريوسية، أشهر كتاباته: تجسد الكلمة، الدفاع عن الإيمان، الرد على الأريوسيين، رسائل إلى سرابيون عن الروح القدس، وقد تحدث عن المكابيين في تفسيره لسفر دانيال.
11. القديس كيرلس الأورشليمي (315 - 387 م.) Cyril of Jerusalem سيم أسقفًا سنة 348 م. ونفي مرتين بسبب مقاومته للأريوسية، أهم كتاباته: التعاليم عن المعمودية والموعوظين والتي ألقاها في أورشليم سنة 350 م.وقد ذكر المكابيين في بعض هذه المحاضرات مثل: (2، 14، 19) (3).
12. القديس أمبروسيوس Ambrose أسقف ميلان (340-397 م.) أثر في القديس أغسطينوس عندما كان الأخير في ميلانو، أصبح رئيس أساقفة ميلانو (إيطاليا) له مؤلفات في الطقس وتفسير الأسفار وأناشيد دينية وعظات كثيرة. وفي كتبه واجبات الاكليروس اقتبس من سفري المكابيين أكثر من مرة (1).
13. القديس أغسطينوس Augustine أشهر آباء الكنيسة اللاتينية (354-430 م.). ولد في تاغاست بأفريقيا في قرطاجنة، قضى حياته الأولى بعيدًا عن الله واستجاب الله لدموع أمه، فتأثر بالقديس امبروسيوس أثناء اقامته في ميلانو، تعمد سنة 387 م. ورسم كاهنا في هيبو (إيبون) سنة 391 م. ثم أسقفًا لها في 392 م. قاوم بكتاباته المانويين والدوناطيين والبيلاجيين، ومن أشهر مؤلفاته: مدينة الله، الاعترافات، الثالوث، الطبيعة والنعمة، وغيرها كثير من التفسيرات الكتابية.
ولعله أكثر الآباء الذين اقتبسوا من سفري المكابيين، ففي رسائله من وإلى جيروم: ورد الكثير من الاقتباسات، مثل رسالته إلى جيروم (2)، ورسالة جيروم إليه (3)، والرسالة إلى فيكتوريانوس (4). وفي المباحث العقائدية والأخلاقية، والعناية بالموتى (5)، وفي الرد على المانويين، وطبيعة الصلاح والخير (6)، وكتاب مبادئ الكنيسة الجامعة، ونصائح كتابية (7)، وكتاب الرد على فستوس المانوى (8)، ونعمة المسيح والخطية الأصلية (9)، والروح ومنشأها (10)، والتوبيخ والنعمة (11)، ودروس في العهد الجديد (12)، تفسير إنجيل يوحنا (13)، رسالة يوحنا الأولى (14)، تفسير سفر المزامير (15).
14. القديس يوحنا فم الذهبJohn Chrysostom (تنيح سنة 407 م.) ولد في إنطاكية ورسم كاهنًا في 386 م. ثم أسقفًا للقسطنطينية في 398 م. عزل سنة 403 م. بسبب توبيخه للإمبراطورة بولكاريا. كان واعظًا وخطيبًا نادرًا، وكاتبًا متميزًا، أشهر أعماله: تفسير أسفار العهد الجديد، والرسائل إلى أوليمبياس وأحاديث في الكهنوت والزواج، وأما المكابيين فله ثلاثة ميامر في مدحهم. وكذلك أشار إليهم في تفسير رسالة رومية (16) وتفسير إنجيل متى (17).
15. القديس مار أفرام السرياني Ephrame (تنيح سنة 373 م.) ولد في "نصيبين" في مستهل القرن الرابع، عكف بعد رسامته شماسًا على دراسة الكتاب المقدس والعقائد، هجر بلده إلى "الرها" حيث صار معلمًا هناك، ألّف أناشيدا كثيرة ما تزال تستخدم حتى الآن في الكنيسة السريانية، وله أيضًا روائع أدبية عميقة لغة ومعنى، من ألقابه: نبي السريان، ايليا السريان، عمود الكنيسة، قيثارة الروح القدس، وفي سنة 1920 أعلنه البابا بندكتس الخامس عشر: (ملفان "معلم" الكنيسة السريانية) أما المكابيين فقد ذكرهم واقتبس من سفريهم في تفسيره لنبوة دانيال. وفي ألحان عيد الأبيفانيا (الظهور الإلهي) خصّص اللحن الثامن للمكابيين (1).
16. القديس إيرونيموس (جيروم Jerome) ولد في دلماطية سنة 350 م. عاش أولًا في "خلقيس" ثم بيت لحكم، له دراسات كتابية عديدة وترجم العديد من الأسفار عن العبرية، وهو الذي أشار إلى النسخة العبرية الأصلية لسفري المكابيين، كما اقتبس منهما في كتابه: "مشاهير الرجال" (2) وفي كتابه: ضد البلاجيين (3) وفي رسائله إلى: روماتيوس وجوفينوس ويوسابيوس (4).
17. القديس يوحنا كاسيان (350/360 - 440/450 م.) John Cassian. ولد في سكثيا (رومانيا الآن) وعاش أولًا في بيت لحم ثم الإسقيط، مضى إلى القسطنطينية وتأثر بذهبي الفم الذي سامه شماسًا، أسس ديرًا للرهبان في "مارسيليا" وآخر للراهبات، ويعتبر سفير التراث الرهباني القبطي في الغرب، طور الرهبنة هناك وتدين له الرهبنة البندكتية، ويعد من مشاهير الكتاب في فرنسا في القرن الخامس، من أهم كتاباته "المناظرات" والذي يضم الكثير من أقوال الآباء وسيرهم وآراؤهم، وقد اقتبس من سفري المكابيين في المناظرة الثانية مع "الأب سيرينيوس" (5).
18. الآب أفراهات السريانى (القرن السابع) ويلقب بالحكيم الفارسي، أشهر أعماله "كتاب المقالات أو الشروحات"، وفي الشرح الخامس عن الحروب اقتبس من سفري المكابيين (1)، وكذلك اقتبس في الشرح الحادي والعشروي عن الاضطهاد (2).
19. القديس يوحنا الدمشقيJohn of Damascus (تنيح سنة 754 م.). ولد في دمشق وهو حفيد منصور بن سرجون، ترهب بدير سابا في أورشليم، دافع بقوة عن الأيقونات وتكريمها، ومن مؤلفاته: منهل المعرفة، أناشيد طقسية، المئة مقالة في شرح الإيمان، وفي المقالة التاسعة اقتبس من سفري المكابيين (3).
20. الشهيد فيكتوريانوس: أسقف "بيتاو" في النمسا (تنيح سنة 30 م.) في مقاله عن خلقه العالم وفي تعليقه على حفظ السبت مدح المكابيين في ذلك (4).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:34 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
السمات الأدبية لسفر المكابيون الأول
إن نهضة الأدب العبري في أيام المكابيين يشهد أدب قمران، ويظهر ذلك جليا في فن المدراشيم الشعبي (التفاسير) وفي عرض التاريخ يلاحظ جيدا الاهتمام بتماسك الأمة اليهودية والحفاظ عليها، حتى الأفكار الرؤيوية والمسيانية وجدت في القوالب الأدبية التي ظهرت في ذلك الوقت.
سفر المكابيين الأول:

يلاحظ أن الأسلوب الأدبي للسفر يثير الإ عجاب، إذ كتب بطريق مباشرة وبسيطة، ودون افتعال، لقد قدم الكاتب الأحداث بتفاصيلها بشكل شيق جذاب وبأسلوب ينبض بالحياة، مع التزامه بالخضوع للوحى، بل أنه وحتى ما يظن أنه تعليقات شخصية منه، مثل استخدام الطريقة الشعرية فإن ذلك يعود إلى شخصية الكاتب في الصياغة، إذ يترك الله لكاتب السفر صياغته بما يتناسب مع ثقافته وطبيعة المكان (كما سبق أن أشرنا في التفاسير السابقة).
فهناك عدة قطع شعرية تزين نسيج السفر، منها مراثى بسبب نهب أنطيوخس لأورشليم (1: 24ب-48) وتدنيس الهيكل (1:36-40) ودمار صهيون (2:7-12،3:45،50ب-53) وموت يهوذا (9: 21) وصلاة ضد نيكانور (7: 37،38) ومديح لسمعان (14: 4-15) وكذلك اقتباس من مزمور (79: 2،3) وذلك في رثاء الحسيديين الذين قتلوا (7: 17) ويبين هذا الاقتباس أن الكاتب كانت لديه القدرة على الاقتباس وصياغة ما يقتبسه بما يتناسب مع العمل الذي يقوم به، وربما تكون بعض هذه القصائد قد صاغها، ويرى البعض أن أغلبها يمكن أن يكون مأخوذ من مجموعة مزامير مكابية (ما زال النقاش يدور حول المزامير التي كتبت في العصر المكابى وعددها وظروف كتابتها)، ومثل ترانيم الأسينيين القدماء والتي من المحتمل أنها كانت معاصرة لكاتب سفر المكابيين الأول، إذ أن هذا الشعر مشبع بعبارات مستعارة من العهد القديم (راجع التعليق على لفظ (يهوه) في (القيمة العقائدية للسفر)).
ومع أن الكاتب قد كتبه بأسلوبه إلا أن ذلك الأسلوب يتفق مع أسلوب أسفار العهد القديم، كما يلاحظ عدم وجود أية مبالغات بالنسبة للأعداد، وأما بخصوص الحوارت التي يضعها على أفواه شخصيات السفر، فهي تظهر أنه معاصر للأحداث، وليس روائيا يقدم السيناريو من عندياته.
ونجده رزينا من جهة العقيدة غير ميال إلى المغالاة أو التعصب، ويلاحظ أن السفر لم يشر إلى التدخل المباشر لله في الأحداث، كما لم يذكر اسم الله طوال السفر، وقد حرص ألا يضفى معتقده الخاص على النص، غير أنه له إيمان بأن تدبير الله يشمل جميع الأحداث (راجع2: 16، 3: 18، 4: 10، 9:46،12: 15) كما يظهر الكاتب على نحو ما مضمون المثل الشائع (الله في عون الإنسان ما دام الإنسان في عون اخيه) وهكذا يتضح اتجاهه الديني المتزن والذي لا يظهر فيه القدرية أو التشكك.
والكاتب متأثر بالاتجاهات الدينية لليهود في ذلك الوقت، من جهة عدم الميل إلى ذكر اسم الله صراحة وذلك الوقت، من جهة عدم الميل إلى ذكر اسم الله صراحة وذلك نظرا لعظم جلاله، وقد استعاض عن ذلك ببعض العبارات التي تشير إليه (3)، وبالتالي أحجم عن نسب ما يقوم به الناس إلى الله مباشرة-كما سبق-نظرا لعظمة الله التي يعجز الناس عن إدارتها، وربما كان من نتائج ذلك مزيد من التأكيد على حرية الإنسان وتوسيع نطاقها. وفى النهاية فإن هذه السمات الأدبية تشرح أيضًا السمات الدينية للسفر أو تشير إليها بوضوح.
ويضاف إلى ما سبق أن سفر المكابيين الأول غنى بالمعلومات التاريخية الدقيقة والمفصلة، ليس الرسائل بأسلوبها الرائع فحسب، وإنما أيضًا الطريقة التي يقطع بها سرد الأحداث لإبقاء قصتين مختلفتين تسيران جنبا إلى جنب في ذات الوقت- وهو أسلوب أدبي معروف- مثلما حدث في الإصحاح الثامن والذي قطع السرد ما بين إصحاحى (7، 9)وكذلك قصة أبيفانوس التي قطعت في (3: 37) لتستأنف في (6: 1).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:35 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
السمات الأدبية لسفر المكابيون الثاني
وأما سفر المكابيين الثاني:

فهو ليس ملخصا ضئيلا ولا ملخص الملخص، وإنما هو عمل أدبي تم انتقاء مادته من العمل الأصلي لـ(ياسون). ويرى بعض العلماء أن هذا السفر مقسم إلى خمسة أقسام، ربما تمثل كتب ياسون الأصلية الخمسة، حيث ينتهي كل جزء بعبارة ملخصة تحدد النهاية الرسمية (راجع3: 40و7: 42و10: 9و13: 26بو15: 37أ) وأن أفضل استهلال لهذه الكتب أو الأجزاء، يلاحظ في التصدير للكتاب الأول، راجع (1: 10) وما بعده حيث جاء ذلك عقب المقدمة الاستهلالية في (1: 1-9).
وبالإضافة إلى استعانة الملخص بكتب ياسون، فهو يلجأ لكتب التقليد وهو مطلع أيضًا على سجلات رؤساء الكهنة في الهيكل وكذلك بعض الوثائق الأخرى مثل (1: 1-2: 18) ليس على سبيل الإضافة بل أيضًا على سبيل الصياغة لبعض ما ورد في كتب ياسون (مثل10: 32وما بعده،12: 2 وما بعده). ومن الضروري أن ندرك جيدا أن الملخص يكتب سفرًا حسبما يملى عليه الوحي وإنما يستعين ببعض المراجع والوثائق، مثل موسى النبي الذي كتب الأسفار الخمسة الأولى مستعينا بالتقليد وبعض الوثائق الموجودة كتابة، فيما يتعلق بالخليقة وأخبار الآباء البطاركة فعلى سبيل المثال قول الوحي"هذا كتاب مواليد آدم" (تك5: 1) ويلاحظ أن كلمة مواليد في العبرية (تولدت) تعنى"تاريخ" وهكذا فإن القول "كتاب مواليد" يقصد بها "كتاب تاريخ" مما يعنى أنه استعان ببعض ما قد دون في أزمنة سابقة عليه.
كما قام الملخص بتغيير موضع المواد أكثر من مرة، ولم يرتبط بالتسلسل التلقائي، كما أنع راعي تنويع الأسلوب والصياغة مثل ما هو موجود في الأصحاحات (3-5) ويقول الملخص أنه قام خلال هذا العم ل بحذف بعض الإسطرادات، ثم صياغة ما انتقاه بأسلوب أدبي، مثل (2: 23-31) كما يلاحظ أن بعض الأحداث-لاسيما أحداث الاستشهاد-قد تناولها بشكل مستوف عاطفى مؤثر، بينما ذكر باختصار بعض أحداث أخرى مثل مفاوضات أنطيوخس مع اليهود (13: 22- 26) كما حذف قصة حملة بكيديس لتنصيب ألكيمس رئيسا للكهنة والتي وردت في (1مكا7: 5-7،25،2مكا14: 4-10).

Mary Naeem 28 - 03 - 2014 05:39 PM

رد: مدخل إلى سفري المكابيين الأول والثاني
 
الرسم والنحت والمسرح في السفران
الرسم والنحت:

أثرت الرؤى والمشاهد والأحلام والصور الغنية الرائعة المنتشرة على صفحات السفرين، خيال الأدباء والفنانين لاسيما في عصر النهضة، فقد رأى الرسامون والنحاتون فيها مادة غنية يصوغونها، سواء في قوالب فصنعوا العديد من التماثيل لبعض شخصيات المكابيين، أو لوحات فنية فأبدعت فرشهم الكثير من الكثير من التحف الفنية لنفس الشخصيات أيضا، وتجد في هذا الكتاب لوحة رائعة تصور الفارس الذي ظهر لهيلودورس ومنعه من نهب الهيكل (راجع2مكا3).

فى المسرح:

كما استوحى الكاتب الإنجليزي الشهير"وليم شكسبير" من نفس الحادثة التي جرت لهيلودس، ففي مسرحيته الشهيرة"يوليوس قيصر" يقول:
محاربون قساة أشداء يحاربون فوق السحب في صفوف وفرق وحرب حقيقية وتعلو ضوضاء المعركة في الهواء وتصهل الخيل ويئن الرجال المحتضرون (1).


الساعة الآن 03:37 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025