منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=267787)

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:42 PM

كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
مقدمة



التوبة تفرِّح قلب الله جدًا، وتغيِّر طريق الناس، وتحوِّل الخطاة إلى قديسين، وتفرح ملائكة السماء، وتنقذ الإنسان من فقدان حياته الأبدية، وتحوِّله إلى سيرة روحانية ملائكية. بالتوبة يشعر الإنسان بسعادة الرجوع إلى الله "ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (ملا3: 7). والسعادة التي في التوبة تفوق بما لا يُقاس لذة الخطية وشهواتها المتنوعة..

ربما الإنسان الذي يعيش في الخطية يكره التوبة لأنه لم يذُق حلاوتها، بل ربما يخاف من التوبة لئلا تحرمه حلاوة الخطية التي يحبها، لكن إذا عاش حياة التوبة والنقاوة بعدما ذاق مرارة الخطية سوف يتعجب كيف قَبِل أن يكون للخطية وجود في حياته في وقتٍ من الأوقات!!
المشكلة هو أن الإنسان عندما تثور عليه شهوة أو لذة الخطية أو رغبتها يتصور أنه لا يوجد أحلى منها، أو لا يستطيع أن يتحرر من سلطانها، أو إنها محبوبة جدًا رغم إنها مؤذية جدًا، ومريرة للغاية وهي سبب شقائه وتعبه ومعاناته ليس في السماء فقط إنما على الأرض أيضًا.
وفى كتابنا السابق عن داود النبي والملك إذ لم نتعرض فيه لخطية داود وتوابعها التي تاب عنها والتي احتمل بسببها متاعب كثيرة، وقد وعدنا أن هذه المسألة تحتاج إلى كتاب خاص بعنوان "داود الملك التائب".
وفى كتابنا هذا نستعرض بالأكثر توبة داود القوية، فإن كان داود النبي قد أخطأ، ولكن لأن محبته لله كانت قوية جدًا فإنه لم يحتمل أن يبقى في الخطية، وكانت دموع التوبة كأنهار غزيرة،ليست المسألة إن كان الإنسان قد أخطأ أو لم يخطئ. لكن المسألة هي: هل قلبه ممتلئ بمحبة الله أم لا؟. الإنسان الذي يمتلئ قلبه بمحبة الله لا يفقد علاقته بالروح القدس.. علامة محبتنا لله أننا إذا أخطأنا نسرع إليه ونتوب.. الرب يجعل من هذا الكتاب سبب بركة لكثيرين في حياة التوبة والنقاوة بصلوات قداسة أبينا المبارك البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته.

بيشوى
مطران دمياط وكفر الشيخ والبراري
رئيس دير القديسة دميانة

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:44 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
خطورة الفراغ

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...-Bathsheba.jpg
داود على السطح يشتهي بثشبع وهي تستحم
لا نقصد الفراغ من العمل بقدر ما نقصد الفراغ الروحي أو التكاسل عن الحرب الروحية، أحيانًا يكون الإنسان جادًا في حياته الروحية، ويدرك أن هناك حربًا مستمرة بينه وبين الشيطان، بينما في وقتٍ آخر يقبل الإنسان أن يتكاسل عن الجهاد أو يأخذ فترة هدنة من الحرب مع الشيطان!! وهذه الفترة تكون هي فترات الفتور الروحي واحتمال السقوط في الخطية. لذلك أوصى السيد المسيح بالسهر كما أوصى الآباء الرسل أيضًا بالسهر. يقول معلمنا بطرس الرسول في رسالته الأولى: "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ إبليس خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1بط5: 8).
الشيطان لا ينام ولا يعرف الهدنة في الحرب، ولا يتعب أبدًا من القتال ضد المجاهدين. لا يتعب.. فقد عبرت آلاف السنين وهو يحارب البشر، ويصرع منهم الكثيرين ولم يتعب من الحرب، ويقول الكتاب عن الخطية "لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ" (أم7: 26).. وسوف نرى في حياة داود النبي مثال واضح لهذا الأمر.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:45 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
رجل الصلاة والجهاد

كان داود النبي رجل قتال، إلى جانب إنه كان رجل صلاة. وكما ذكرنا في كتابنا السابق عن "داود النبي والملك"، كان رجل حرب (بمفهوم العهد القديم) وكان يعتبر أن الرب هو الذي علَّم أصابعه الحرب وفنون القتال فيقول في المزمور: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ صَخْرَتِي الَّذِي يُعَلِّمُ يَدَيَّ الْقِتَالَ وَأَصَابِعِي الْحَرْبَ" (مز144: 1)، منذ صغره كان جبار بأس وهو ما يزال شابًا صغيرًا...
استطاع أن يخلّص إحدى غنماته من الأسد والدب، لقد حل عليه روح الرب بعد أن مسحه صموئيل النبي في وسط إخوته، ولأنه كان مسيح الرب وقد حل عليه روح الرب خرج وراء الأسد والدب وقتلهما جميعًا وخلّص الشاة أو النعجة من بين أنيابهما. رجل بأس شاب صغير لكن لا يخاف لا من أسد ولا من دب مفترس، هذا بالرغم من وداعته فقد كان إنسانًا وديعًا يقول عنه سليمان: اذكر يا رب داود وكل دعته أي وداعته "اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ كُلَّ ذُلِّهِ" (مز132: 1)، وكان إنسانًا متواضعًا حتى بعدما قتل الأسد والدب.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:46 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
رجل الحروب الغالب

عندما نزل إلى المعركة لكي يسأل عن إخوته المجندين في الحرب ويوصل لهم المؤن ويسأل عن سلامتهم، ورأى جليات الوثني واقفًا يعيِّر صفوف الله الحي. كان جبار بأس واستطاع أن يهزم جليات كما ذكرنا. ويوم أن قتل جليات الفلسطيني، لم يفعل ذلك فقط إنما قاد الشعب في معركة أو اشترك في قيادة الشعب في معركة ضد الوثنيين، وتعقبهم وانتصر الجيش انتصارًا ساحقًا في ذلك اليوم، أي أن الرب صنع خلاصًا عظيمًا لشعبه بواسطة داود.

هذا الرجل داود الذي قضى سنين طويلة من حياته مطاردًا من شاول الملك الشرير. وكم من مرة حاول شاول أن يقتله ولم يستطِع. ولما كانت ميكال ابنة شاول الملك تحب داود، أراد شاول الملك أن يعطيه ابنته لكي يوقعه في يد الوثنيين،فقال له شاول لتأتى لي بمائة غلفة من الوثنيين وأنا أعطيك ابنتي. فقتل داود مائتين بدلاً من المائة.. وهكذا كان داود يستطيع أن يصنع ببأس في إسرائيل.
ولما هرب داود من شاول عند الفلسطينيين، ونزل الفلسطينيون إلى الحرب، وكان هو ساكنًا في مدينة اسمها صقلغ. ولما رجع وجد عماليق قد هجموا وسرقوا كل ما في المدينة وأحرقوها بالنار، فنزل وخلص وصنع ببأس وأرجع كل شيء (انظر 1صم27)...
في كل هذا نتكلم عن داود النبي كرجل قتال وحرب رمزًا للحرب الروحية بالنسبة لنا نحن. لأننا نفهم حروب العهدالقديم حاليًا في العهد الجديد إنها الحرب ضد الشيطان وضد مملكة الشر الروحية الغير منظورة.
بعد أن صار داود ملكًا، حارب حروب الرب وكان يخرج على رأس الجيش وينتصر، وصنع ببأس وأخضع شعوب كثيرة، وطهر الأرض من العبادات الوثنية لدرجة أن الشعوب التي لم ينتصر عليها شعب إسرائيل أثناء دخولهم أرض الميعاد انتصر هو عليهم وأخد منهم ممتلكاتهم..
وفى كل هذا كان داود هو رجل الله العظيم الذي قيل عنه "وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي" (أع13: 22)، رجلاً يسير حسب مشيئة الله.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:47 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
رجل الحرب يسترخى تحت ضغط

دخل داود وجيشه في حروب كثيرة مع الفلسطينيين الذين كانوا وثنيين، وقد تعرض داود فيها للقتل.. يقول الكتاب: "وَكَانَتْ أَيْضاً حَرْبٌ بَيْنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ، فَانْحَدَرَ دَاوُدُ وَعَبِيدُهُ مَعَهُ وَحَارَبُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَأَعْيَا دَاوُدُ. وَيِشْبِي بَنُوبُ الَّذِي مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا، وَوَزْنُ رُمْحِهِ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِلِ نُحَاسٍ وَقَدْ تَقَلَّدَ جَدِيداً، افْتَكَرَ أَنْ يَقْتُلَ دَاوُدَ. فَأَنْجَدَهُ أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ فَضرَبَ الْفِلِسْطِينِيَّ وَقَتَلَهُ. حِينَئِذٍ حَلَفَ رِجَالُ دَاوُدَ لَهُ قَائِلِينَ: لاَ تَخْرُجُ أَيْضاً مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ، وَلاَ تُطْفِئُ سِرَاجَ إِسْرَائِيلَ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ أَيْضاً حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَافَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا.ثُمَّ كَانَتْ أَيْضاً حَرْبٌ فِي جُوبَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. فَأَلْحَانَانُ بْنُ يَعْرِي أُرَجِيمَ الْبَيْتَلَحْمِيُّ قَتَلَ جُلْيَاتَ الْجَتِّيَّ(1)، وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ.

وَكَانَتْ أَيْضاً حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلَ الْقَامَةِ أَصَابِعُ كُلٍّ مِنْ يَدَيْهِ سِتٌّ، وَأَصَابِعُ كُلٍّ مِنْ رِجْلَيْهِ سِتٌّ عَدَدُهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ وَهُوَ أَيْضاً وُلِدَ لِرَافَا.وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يُونَاثَانُ بْنُ شَمعي أَخِي دَاوُدَ.هَؤُلاَءِ الأَرْبَعَةُ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ" (2صم21: 15-22).
كل هذه الحروب وإن كان الكتاب قد لخصها في آخر سفر صموئيل الثاني إلا أنها قد حدثت قبل الحرب مع بني عمون كما هو موضح في سفر أخبار الأيام الأول إذ ذُكرت هذه الحروب مع الفلسطينيين في الأصحاح الثامن عشر: "وَبَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَذَلَّلَهُمْ، وَأَخَذَ جَتَّ وَقُرَاهَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ" (1أى18: 1)، ثم ذُكرت الحرب مع بني عمون في الأصحاح العشرين "وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ اقْتَادَ يُوآبُقُوَّةَ الْجَيْشِ وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ وَأَتَى وَحَاصَرَ رَبَّةَ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيماً فِي أُورُشَلِيمَ. فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا" (1أى20: 1)، تلك الحرب التي سمع داود لنصيحة رجاله الذين قالوا له: "لاَ تَخْرُجُ أَيْضاً مَعَنَا إِلَى الْحَرْبِ، وَلاَ تُطْفِئُ سِرَاجَ إِسْرَائِيلَ" (2صم21: 17)، وبقى في قصره.
"وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ وَحَاصَرُوا رَبَّةَ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ" (2صم11: 1).
ولأول مرة منذ أن مُسِح داود إلى ذلك اليوم أي على مدى ثلاثين سنة؛ من يوم أن مسحه صموئيل ملكًا، لم يكف عن أن ينزل على رأس المقاتلين ولكنه في هذه المرة بقى في قصره بأورشليم ولم ينزل إلى الحرب،وبالرغم من أنه أُجبر على ذلك من قِبَل رجاله المحبين والأشداء؛ إلا أنه لم يكن ينبغي أن ينصاع إلى مشورتهم غير الحكيمة. لأن الله نفسه لم يأمره بذلك كما تعود من قبل أن يسأل الله قبل كل تصرف مصيري. وإلا فما فائدة فصوص الأوريم والتميم.
كيف يا داود ترضى أن تمكث في القصر بينما نزل الجيش ليحارب؟! هل تخاف أن يصيبك أي أذى، لماذا تخاف؟! هل الله الذي أرسلك إلى الحرب لا يستطيع أن يحميك؟! ألست أنت يا داود الذي قلت: "في وَسطِ مِنْكَبَيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ جَنَاحَيِّهِ تَعْتَصِمُ، عَدْلُهُ يُحِيطُ بِكَ كَالِسّلاحِ. فَلاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ. وَلاَ مِنْ أَمْرٍ يَسْلُكُ فِي الظُلْمَةِ، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ. يَسْقُطُ عَنْ يَسَارِكَ أُلُوفٌ، وعَنْ يَمِينِكَ رَبَوَاتٌ، وَأَمَا أَنْتَ فَلاَ يَقْتَرِبُونَ إِلَيْكَ. بَلْ بِعَيْنَيْكَ تَتَأَمْلُ، ومُجَازَاةَ الخُطَاةِ تُبْصِرُ" (مز90: 4-8)(2). كيف يا داود تمكث في القصر ولا تنزل إلى المعركة؟! وماذا يهمك إن قُتِل داود في المعركة، هل الله الذي أقام داود لا يستطيع أن يقيم آخر غيره؟
لكن لسان حال داود تحت تأثير مشورة رجاله الأشداء كان يقول: يكفيني جهاد السنين الماضية، أما الآن لنسلم لغيرنا لكي يجاهد ويتعب ويحارب حروب الرب!!
وكما قلنا أن هناك فرق بين مفهومنا في العهد الجديد وبين العهد القديم؛ ففي العهد القديم كانت هذه الحروب تعتبر حروب للرب أي تعتبر شيئًا مقدسًا. لذلك عند رجوعهم من القتال منتصرين كانوا يهتفون ويسبحون ويدخلون من أبواب أورشليم وهي محاطة بالمجد والفخار لأنهم انتصروا في حروب الرب...
أما في العهد الجديد وقد جاءت شريعة الكمال وشريعة الحب والسلام، فالحرب التي في العهد القديم كانت في حقيقتها هي رمز للحرب ضد الشيطان وضد مملكته الروحية غير المنظورة. فإذا تكلمنا عن المعارك لنفهم جيدًا أنه بمفهومنا الحالي هي الحروب الروحية والجهاد الروحي.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:47 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
رجل الحرب يطرح عنه سلاحه!!

كان يجب على داود ألا يطرح عنه سلاحه، باعتبار أنه هو المثل الأعلى وهو القائد، وهو رجل الله مسيح الرب. هو الذي اختاره الله وأقامه على شعبه ومسحه رئيسًا. فرجل الله ورئيس شعبه وقائد المحاربين قد طرح عنه سلاح الحرب... وهذا كان أكبر خطأ قد حدث في حياة داود النبي.
ربما يقول قائل: إن أكبر خطأ في حياة داود أنه سقط في خطية الزنى وما جلبته بعد ذلك. لكن في الحقيقة إن مفتاح الخطية أو مدخل الخطية كلها، هو إنه اعتبر نفسه قد حارب بما يكفى وله أن يستريح.
نزل الجيش لكي يحارب بينما مكث داود في القصر في فراغ، نزل رجال الحرب ليقاتلوا ويبذلوا أرواحهم من أجل داود ومملكة داود، بينما مكث داود في القصر ليتنعم!!!

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:48 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
ذكريات من الجهاد

أين داود الذي في يومٍ ما عطش جدًا ولم يكن هناك ماء ليشرب، فخاطر ثلاثة من رجاله الأشداء ونزلوا إلى محلة الأعداء بكل شجاعة واستقوا ماء من بئر بيت لحم، وأتوا بالماء وهم فرحين إنهم أحضروه لداود. أما هو فقال لهم كيف أشرب ماء ثمنها هو حياتكم أنتم الذين خاطرتم بحياتكم لأجلى، وأخذ الماء وسكبه أمام الرب، أي قدمه تقدمة للرب، وقال هذه التقدمة ليست لي، هذه تُقدّم لله. فأنتم تقدمون حياتكم من أجل الله.. حسنًا، لأن حياتكم هي مِلك لله، وليست مِلكًا لي أنا (انظر 2صم23: 15- 17).. هذا هو داود في القديم، إنما داود اليوم يمكث في القصر ويخاطر بحياة رجاله، ويخاف لئلا يُقتَل في الحرب!!

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:49 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
وفي غفلته هاجمه العدو

"وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدّاً. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟ فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا" (2صم11: 2-4).
قام داود عن سريره وتمشى على سطح القصر وقت المساء ولكن قبل أن يظلم ضوء النهار، فرأى امرأة أوريا الحثى وهي تستحم فثارت فيه الشهوة وتملكت عليه. وبمجرد أن تسيطر شهوة معينة على الإنسان يفقد صوابه.
يقول الآباء: إن الغراب عندما يأكل العصفور أو يفترس فرخ صغير أو دجاجة، أول شيء يعمله هو أن يفقأ عينيها الاثنتين لكي تفقد القدرة على الرؤية، وبذلك تكون فريسة سهلة.
هكذا يصنع إبليس مع الإنسان؛ قبل كل شيء يفقده البصيرة الروحية، أي يجعله يرى الشر على أنه محبب وجميل جدًا، ويزخرف له الأمور بطريقة تغشى الرؤيا بالنسبة له...

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:52 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
الشيطان فتَّال حبال

يقول الآباء القديسون} إن الشيطان فتَّال حبال، فأنت تدفع له الخيوط وهو يفتل{.. فكثيرًا ما يخدع الشيطان الإنسان قائلاً مادمت ابتدأت في الخطية فهي قد صارت محسوبة عليك فأكملها حتى آخرها! وهذا ما حدث ودخل الأمر في دور آخر بالنسبة لداود نفسه... إذ رجعت بثشبع إلى بيتها بعد أن حبلت فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى... ففكر داود ماذا يصنع، كيف يستطيع أن يخفى الخطية؟

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 06:53 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
محاولة التغطية بورق التين

وأرسل داود واستدعى أوريا الحثى زوجها من صفوف القتال فجاء الرجل وهو يرتدى ملابس المعركة ويحمل سيفه ووجهه معفر من الطريق؛ أي أنه مزين بزينة الكفاح والحرب، زينة المقاتلين. فقال له داود لقد استدعيتك لأني وجدت أنك تركت بيتك مده طويلة، اذهب لكي تقضى في بيتك ليلة وتستريح قليلاً، ثم تعود إلى المعركة.
ولكن أوريا الحثى الذي كان قلبه ملتهبًا غيرة على شعبه، لم ينزل إلى بيته بل نام على باب بيت الملك مع جميع عبيد الملك. ولما سأله داود لماذا لم تنزل إلى بيتك، أجاب أوريا: "إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجِعَ مَعَ امْرَأَتِي! وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ لاَ أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ" (2صم11: 11). وشكر أوريا الحثىالملك داود ولم يقبل أن يستريح، بل ربما قال له: إنك أنت يا سيدي الملك لم تعلّمنا ذلك من قبل..
ولم ينجح داود في حيلته التي أراد بها أن يغطى على خطيته كأبيه آدم الذي أراد أن يستتر بورق التين.
وكل شعب إسرائيل يرى ما يحدث، وكبرت المشكلة بالنسبة لداود، لأنه كان من الممكن في بداية الأمر أن تفتضح امرأة أوريا الحثى، ولا يُعرَف مع مَن أخطأت. إنما الآن قد يظهر لماذا أرسل داود ليأتي بزوجها من الحرب.
حاول داود مرة أخرى، وقال لأوريا الحثى لتبت ليلة ثانية فبات أيضًا على سلم القصر، ولم يدخل إلى بيته. رأى داود أن الأمر سوف يشتهر أكثر، وحتى لو أبقاه شهرًا من الزمان، فلا فائدة. هكذا صرفه وأخذ يفكر في أسلوب آخر للتصرف.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:06 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
شيطان تكميل الفعل

كان أمام داود أحد الاحتمالين؛ إما أن يفتضح أمره وحسب الشريعة يجب أن يُقتل هو وتلك المرأة. وإما أن يتخلص من زوجها وبشهامة ظاهرية يتدخل ويقول إن هذه إنسانة مسكينة فقدت زوجها في معركة من أجل مملكة داود، وهو في شهامته الظاهرية هذه لا يرضى أن المرأة تترمل أو أولادها يصيرون أيتامًا، لذلك عليه أن يأخذها ويضمها إلى بيته ويتزوجها كنوع من تعويضها عما فقدته من أجل ملك إسرائيل.
هكذا فعل داود فأرسل إلى يوآب قائد الجيش يقول له "اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ وَيَمُوتَ" (2صم11: 15). ومع مَنْ يرسل داود رسالته؟!! لقد أرسلها مع أوريا الحثى نفسه، فكان في يده رسالة مختومة بختم الملك ومغلقة، وفيها الحكم عليه بالإعدام!!
في أيام جهاد داود ونصرته، وقبل غفلته... لو كان داود الملك دخل المعركة، ورأى أوريا الحثى أثناء المعركة محاصَرًا من مجموعة من جند العدو كيف كان سيتصرف؟
بالتأكيد كان سيدخل بنفسه ويخاطر بحياته لكي ينقذ قائد من القواد.. أما اليوم فهو يقدم ذلك القائد الأمين بنفسه إلى الموت بأيدي أعداء الرب!!
من أجل ذلك مهم جدًا إذا أخطأ الإنسان وضربه قلبه، عليه أن يتوقف عند مرحلة الضربة الأولى للقلب،لأن هذا هو التحذير الطبيعي الذي يرسله الله للإنسان في لحظة ارتكاب الخطية..
النصرة الحقيقية هي أن لا يعمل الإنسان الخطية، ولكن هناك مرحلة من النصرة وهو عندما يشرع الإنسان في عمل الخطية، أن لا يكملها حتى لو كان قد قطع مرحلة فيها أيضًا.. فعدم استمراره هو نصرة جزئية، نصرة على الجزء الباقي من الخطية.. إن كان قد انهزم في الجزء الأول لكنه انتصر في الجزء الأخير.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:08 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
بين مجد الجهاد وعار الخطية

لقد عرضنا القصة بهذه الصورة لكي نبرز الفرق بين داود رجل الله الذي هو حسب قلب الله ويصنع كل مشيئته، وبين داود الذي انحدر إلى أسفل وارتكب أبشع الخطايا حتى إنه صار عدوًا لنفسه... وما السبب في كل هذا؟ السبب هو أن داود توقف عن الجهاد الروحي، قال في نفسه نأخذ فترة هدنة!! بالنسبة لنا اسمه الجهاد الروحي بالنسبة له (حسب مفاهيم العهد القديم) هو الجهاد من أجل الله لأنه يحارب حروب الرب.
أخطر شيء بالنسبة للإنسان أن تمر على حياته فترات يعتبر نفسه فيها إنه غير محتاج إلى الجهاد الروحي. ومثل هذا الإنسان يخاطبه الرب في سفر الرؤيا قائلاً: "لأَنَّكَ تَقُولُ إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ" (رؤ3: 17).
فى الوقت الذي نشعر فيه إننا غير محتاجين إلى الجهاد الروحي، هذا هو الوقت الذي من الممكن للشيطان أن يصوب فيه سهامه الروحية في مقتل بالنسبة لنا، ومن الممكن للإنسان أن يرتكب خطايا لا يمكن أن يتصور في يوم من الأيام إنه من الممكن أن يرتكبها في حياته.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:10 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
لذة أم مرارة؟!

أحيانًا شيطان تكميل الفعليقول للإنسان مادمت ابتدأت في الخطية فخذ لذتها إلى النهاية ما المنفعة أنك ابتدأت فيها ثم تُحرَم من لذتها..؟! هذا مفهوم خطير لأنه ليس مفهوم أولاد الله. وكأن الإنسان يتفاوض مع الله قائلاً مادامت الخطية قد حُسبت علىَّ، فلابد أن آخذ لذةً مقابلها.. وأي لذة؟! هل هي لذة أم جمر نار؟! أم مرار؟!!
يجب أن نفهم أن اللذة سيعقبها مرارة تفوقها أضعاف مضاعفة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن اللذة سيدفع ثمنها في الدموع والتعب والمشقة والجهاد الروحي والنحيب والأصوام والميطانيات التي يمارسها لكي يستطيع أن ينتزع تأثيرات اللذة التي سوف تعتبَر كارثة..
وليس معنى ذلك أن الأصوام والدموع والميطانيات هي التي تكفِّر عن الخطية. كلا.. لكن الخطية تُغفَر بدم المسيح، أما هذه كلها فهي عوامل تساعد على التوبة لمحو آثار الخطية من القلب.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:11 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
هلم نتحاجج يقول الرب

يقول الله لشعبه في سفر اشعياء: "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ يَقُولُ الرَّبُّ" (اش1: 18). تعالوا لنتناقش لكي نصطلح..
قالوا له: كيف نصطلح بعد أن قلت لنا رائحة خطيتكم لا أطيقها. أجابهم: وهل هذا يحزنكم؟ هلم نتحاجج.. قالوا: ها أنت قد أغلقت الباب. قال لهم: كلا، لم أغلق الباب بل "إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ" (إش1: 18).
أنا لم أغلق الباب لكنى أريد أن أوقظكم لكي تستفيقوا وتتوبوا وترجعوا، وأنا مستعد أن أغفر خطاياكم "إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ" (إش1: 18). إن صارت حالتكم في النقع وصار لونها أحمر، فأنا مستعد أن أجعلها بيضاء كالثلج أو مثل الصوف الأبيض، إنما تعالوا واغتسلوا تنقوا. "إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ. لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّم" (إش1: 19).

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:12 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
أين أنت يا داود؟

يقول الكتاب: "وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (2صم11: 27).. وإذ كان داود ما يزال في غفلته، أرسل له الرب ناثان النبي. وتظاهر ناثان أنه يريد أن يحتكم للملك في قضية حدثت بين اثنين، فقال: كان رجلان في مدينة واحدة، واحد منهما غنى والآخر فقير. وكان للغني غنم وبقر كثير جدًا. وأما الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها ورباها، وكبرت معه ومع بنيه جميعًا، تأكل من لقمته وتشرب من كأسه، وتنام في حضنه وكانت له كابنة. فجاء ضيف إلى الرجل الغنى فلم يقبل أن يأخذ من غنمه ومن بقره ليهيئ للضيف الذي جاء إليه، فأخذ نعجة الرجل الفقير وهيأ للضيف الذي جاء إليه...
وقبل أن يسأله ناثان عن الحكم، حمى غضب داود على الرجل الغنى جدًا وقال لناثان النبي: حي هو الرب إنه يُقتَل الرجل الفاعل ذلك، ويرد النعجة أربعة أضعاف لأنه فعل هذا الأمر ولأنه لم يشفق.
فقال ناثانلداود أنت هو الرجل... هكذا قال الرب إله إسرائيل أنا مسحتك ملكًا على إسرائيل وأنقذتك من يد شاول. لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه؛ قد قتلت أوريا الحثى بالسيف وأخذت امرأته لك امرأة!!والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد لأنك احتقرتني.. هكذا قال الرب هأنذا أقيم عليك الشر من بيتك.. لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:12 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
الرب نقل عنك خطيتك

قال داود لناثان النبي رجل الله "قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ. فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: الرَّبُّ أَيْضاً قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ" (2صم12: 13). قال ناثان النبي لداود: وإن كنت أنت خاطئ وتنتظر حكم الموت كزاني وقاتل "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ.." (رو6: 23)، لكن إذا انتقلت الخطية عن الإنسان الخاطئ من الممكن أن لا يموت، لكن بشرط أن يموت آخر عوضًا عنه حاملاً للخطية.. وكلمحة من العهد الجديد أو كإشراقة مبكّرة، وإذ كان المسيح في صُلب داود، قال ناثان ما معناه أن المسيح سوف يموت عوضًا عن داود حاملاً خطيته.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:13 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
البريء يموت من أجل الخاطئ

في شريعة العهد القديم كان الإنسان الذي يخطئ يقدم ذبيحة ويأتي إلى الكاهن في الهيكل، ويضع يده على رأس الذبيحة ويعترف بخطاياه فتنتقل الخطية منه إلى رأس الذبيحة، ثم يذبحها الكاهن أمام الرب. وهذه شريعة ذبيحة الخطية:
"وَإِنْ أَتَى بِقُرْبَانِهِ مِنَ الضَّأْنِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ يَأْتِي بِهَا أُنْثَى صَحِيحَةً. وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَيَذْبَحُهَا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَذْبَحُ فِيهِ الْمُحْرَقَةَ. وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنْ دَمِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ بِإِصْبَعِهِ وَيَجْعَلُ عَلَى قُرُونِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ وَيَصُبُّ سَائِرَ الدَّمِ إِلَى أَسْفَلِ الْمَذْبَحِ. وَجَمِيعَ شَحْمِهِ يَنْزِعُهُ كَمَا يُنْزَعُ شَحْمُ الضَّأْنِ عَنْ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ وَيُوقِدُهُ الْكَاهِنُ عَلَى الْمَذْبَحِ عَلَى وَقَائِدِ الرَّبِّ. وَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ مِنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ فَيُصْفَحُ عَنْهُ" (لا4: 32-35).
كان الغفران عن طريق الاعتراف، ويضع الخاطئ يده على رأس الذبيحة فتنتقل الخطية منه إلى الذبيحة،وتوضع على المذبح ويأخذ الكاهن من الدم ويضع على قرون المذبح ويُكفَّر عنه أمام الرب، وتلتهم النار الإلهية المشتعلة في المذبح شحم الذبيحة لكي تكفر عن الخطية.
أما فكرة الذبيحة التي تنتقل عليها الخطية وتذبح فهذا إشارة أنها تقدم لنا عربون الفداء. وفكرة أن نفس بريئة -التي هي نفس الخروف الذي لم يفعل خطية- تموت عوضًا عن نفس الخاطئ. هل هناك أي خروف أو ذبيحة من الذبائح التي تقدم في العهد القديم يستطيع أن يخطئ أمام الله ويكفر عن الخطية؟ كلا.. وهذا يضمن براءة هذه الذبيحة المقدمة. ووضع يد الخاطئ على رأس الذبيحة معناها أنه ينقل الخطية منه إلى هذا البريء.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:14 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
المسيح مات من أجل الأثمة

الوضع نفسه هو الذي يتم حاليًا في العهد الجديد أيضًا لكن بصورة مختلفة بعض الشيء. وهذا ما أشار إليه ناثان النبي عندما قال لداود: الرَّبُّ أَيْضاً قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ" (2صم12: 13)..
ففكرة أن يُذبح الخروف عوضًا عن إنسان فكرة رمزية فقط. لأن الخروف لا يساوى الإنسان في قيمته ولا يعادله في طبيعته، أو ليس له نفس طبيعته، وليست هناك أي وحدة كيانية بين الإنسان والخروف. لكن على مستوى الرمز ممكن أن يكون مقبولاً أن تموت نفس بريئة عوضًا عن نفس خاطئة.

الخروف البريء الذي لم يفعل خطية يُذبَح ويُحرَق بكامله؛ الشحم فوق المذبح والباقي خارج المحلة، ولا يؤكل من لحمه.. لماذا؟ السبب هو إنه حمل خطية الإنسان. فإذا حمل خطية الإنسان فلابد أن يموت، ولابد أن تلتهمه النار الإلهية لكي تبيد الخطية التي هو يحملها..
وبمفهوم العهد الجديد هذه النار هي مجرد رمز، رمز للنار الإلهية التي هي نار الروح القدس ونار العدل الإلهي التي تأخذ قصاص الخطية أو تبيد وتحرق الخطية من حياة الإنسان، فتطهره من كل خطية.
كان الله يقصد أن يدرب البشرية ويوضح لها فكرة دم متكرر كل يوم؛ آلاف من الذبائح تُقدَم تكفيرًا عن خطايا شعب إسرائيل، كما يقول الكتاب: "وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيباً يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (عب9: 22).
هذا الدرس العميق جدًا وعلى مدى أزمنة طويلة كان لتعميق المفهوم عند البشر، ولكي يهيئهم إلى قبول قضية الفداء والخلاص بدم المسيح الفادي الحقيقي؛"حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يو1: 29).
إن سقطت فانتبه إلى ما يجب أن تقوم به،
كثيرون يهوون السقوط مع داود
ويرفضون النهوض معه!!
ليس داود مثالاً للسقوط بل للنهوض
هذا، إن سقطتَ.
لكن حذار من السقوط.
على الصغار ألاّ يغتبطوا بسقوط الكبار،
إنما عليهم أن يخافوا منه
خوفاً يؤدي بهم
إلي الخلاص
(القديس أغسطينوس)

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:15 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
مرحلة جديدة من حياة داود

بدأت مرحلة جديدة من حياة داود هي مرحلة التوبة والنوح والبكاء على الخطية، التي فيها يقول: "تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي. سَاخَتْ مِنَ الْغَمِّ عَيْنِي. شَاخَتْ مِنْ كُلِّ مُضَايِقِيَّ. اُبْعُدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الإِثْمِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَبُكَائِي. سَمِعَ الرَّبُّ تَضَرُّعِي. الرَّبُّ يَقْبَلُ صَلاَتِي" (مز6: 6-9).

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:16 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
عمق التوبة

قد تكون توبة الإنسان عن خطية بسيطة بسهولة أما الخطايا العميقة التي مثل خطية داود ربما تحتاج إلى توبة طويلة.. تحتاج إلى تعب ودموع كثيرة.. وليس المقصود بذلك أن الله يرفض هذه التوبة فتكون طويلة أو مريرة، لكن المقصود أنه بمقدار ما كانت الخطية قد تشعبت وتعمقت في حياة داود، كان احتياجه أن يحزن ويبكى من أجلها كثيرًا. أو بمقدار توغله في لذة الخطية بعمق كان احتياجه أن ينوح على خطاياه أيامًا كثيرة. لأن الدموع تغسل آثار الخطية ونتائجها التي تلامست مع حواسه في الداخل، أو تشعبت في كيانه من الداخل، وكل ذلك بمعونة النعمة.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:17 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
أجرة الخطية هي موت

كثيرًا ما تتنوع الخطايا في نظر بعض الناس فيقولون عن بعضها خطايا كبيرة والبعض الآخر خطايا صغيرة، ويتساءلون هل تتساوى الخطايا عند الله، أو بمعنى آخر هل تتساوى عقوبة خطية بسيطة عابرة مع خطية كبيرة ثقيلة؟!
الخطية عمومًا يمكنها أن تفقد الإنسان علاقته مع الله وتفقده حياته، "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ.." (رو6: 23). لكن كما قلنا سابقًا أنه بقدر ما تكون الخطية سطحية وعابرة بقدر ما تكون قدرة الإنسان على التوبة والتحرر من سلطان الخطية أكبر. فليس الأمر مجرد حساب الخطية، لكن حقيقة الأمر هي: هل الإنسان يحيا مع الله أم لا يحيا معه، وليس الأمر هو ماذا يكون حساب الإنسان من جهة خطيته، فماذا يستفيد من هذا الحساب؟!
الأهم من ذلك أن يعرف الإنسان هل هو محسوب ضمن جماعة أولاد الله أم لا..؟ هل هو مؤَهل لميراث ملكوت السموات، أم مع الذين يُطرَحون خارجًا؟ هل هو مع الخمس عذارى الحكيمات أم مع الخمس عذارى الجاهلات؟!

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:18 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
أثر الخطية

لا يهم إن كانت الخطية حُسبت أم لا، لكن المهم بالنسبة للإنسان الحريص على خلاص نفسه وأبديته هو أن يبحث ما هو كيانه في المستقبل كوارثٍ للملكوت السمائي.
ليس الأمر هل حُسبتْ الخطية أم لم تُحسَب، لكن ما يحسبه الإنسان هو ما مدى تأثير هذه الخطية فيه؛ في كيانه الداخلى.. وما مدى التدمير الذي حدث كنتيجة لها، سواء في حياته هو أو في حياة الآخرين. ولا يهم إن كان في حالة دمار أم عمار، لكن الأهم من ذلك هو هل مصباحه فارغ أم مملوء بالزيت.. هذه هي التوبة الصادقة وهذا هو الاستعداد للملكوت..

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:18 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
خطورة العثرة

قال ناثان النبي لداود: "أَنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِهَذَا الأَمْرِ أَعْدَاءَ الرَّبِّ يَشْمَتُونَ" (2صم12: 14)... فمن الأمور التي أحزنت قلب الله في خطية داود هي إنه جعل أعداء الرب يشمتون، حيث إنه في جولة من هذه المعارك انهزم فيها جيش داود، وللأسف إن هذا كان بأمرٍ من داود نفسه!!
لا تنظر إلى خطيتك وكأنها خطية وقتيه أو كأنها مسألة عابرة، لكن انظر إلى أبعادها وحجمها، وماذا يكون تأثيرها. فالعثرة التي من الخطية خطيرة جدًا. ولذلك عندما يفكر الإنسان في التوبة، يجب أن يفكر فيها من زاويتين:
الزاوية الأولى: هي إنه لا يضمن أن حياته تستمر لكي يستطيع أن يتوب، لذلك يجب أن يتوب بسرعة لئلا يباغته الموت فجأة فيجده غير مستعد.
والزاوية الثانية: إنه حتى لو كان الإنسان سيعيش إلى أن يتوب، لكن كم رصيد الخطايا التي فعلها، وما العثرات الكثيرة التي تكون قد انتشرت بسبب خطيته، لكي يحاول أن يصلحها.. هكذا يجد الإنسان الحمل قد ثقل عليه.
لذلك من الأفضل له أن يبدأ التوبة فورًا، لكي يستطيع أن يطلب مراحم الله ويصلح ما قد فسد. بل ربما يستخدمه الله كإناء للكرامة ينشر القداسة ويغيِّر حياة الناس ويصلح ما أفسدته خطاياه قبل أن يتوب.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:19 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
نجنى من الدماء يا الله

داود النبي في توبته قال في المزمور "نَجِّنِي مِنَ الدِّمَاءِ يَا اللهُ إِلَهَ خَلاَصِي فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ" (مز51: 14).. وماذا يعنى بعبارة نجنى من الدماء؟ بالنسبة لداود تعنى أن يغفر له خطية قتل أوريا الحثى. ولكن بالنسبة لمن يصلى الآن بهذا المزمور؛ هل هي تعنى أن لا يمسك الإنسان السكين لكي يذبح الناس..؟ كلا. لكنها تعنى أن مجرد العثرات، والظلم، والكراهية، وعدم المحبة، كل هذه دماء مسفوكة.
أي إنسان تسببت له في عثرة ما، فدمه يُطلب من يدك. وإن قلت لله "نَجِّنِي مِنَ الدِّمَاءِ يَا اللهُ إِلَهَ خَلاَصِي فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ"، سيقول لك: "اِغْتَسِلُوا. تَنَقُّوا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ" (إش1: 16). اغسل يدك من الدم، انظر من أعثرت، واغسل يدك من دمه..
لكن احذر... أن تفعل مثلما فعل بيلاطس الذي قال "إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ" (مت27: 24)،وغسل يديه وفي نفس الوقت جلس على كرسي القضاء وحكم على السيد المسيح بالإعدام صلبًا!! وقال أنا بريء من دم هذا البار!!
لكن العدل الإلهي لم يغسل هاتين اليدين الأثيمتين، وظل بيلاطس مسئولاً أمام الله عن هذه الجريمة الشنعاء؛ إذ كيف يحكم على إنسان في نفس الجلسة بالبراءة والإعدام في وقت واحد؟! وتهلل اليهود وقالوا "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا" (مت27: 25).
وقال السيد المسيح لبيلاطس "لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ" (يو19: 11). إذا كان دمى مطلوب من يدك أنت يا بيلاطس، لكن هؤلاء اليهود سيُطلَب دمى من أيديهم أكثر وأكثر، لأنه إذا كنت أنت إنسانًا وثنيًا ورومانيًا مطالَب بأن تحفظ الحق بدرجة، لكن هؤلاء مطالبون بالأكثر أن يحفظوا الحق لأنهم قالوا إنهم حماة الحق وحماة الشريعة وشعب الله، فكان لابد أن يعرفوا كيف يسلكون بالاستقامة.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:20 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
إلى هذا أنظر

هكذا مرت حياة داود النبي بظروف متنوعة، ظروف البر والقداسة والتسبيح والترنيم والطاعة الكاملة لله، كما مرت بظروف الخطية والندم والحزن والبكاء والتأديبات التي سمح بها الله له، حتى أن الرب قد سحقه بالحزن من أجل خلاص نفسه ومن أجل أبديته، ومن أجل أن يتنقى من الشر الذي سمح لنفسه بأن تتلوث به حياته.
وإذا به بمشاعر التوبة المنسحقة يطلب من الله قائلاً: "قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز51: 14).

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:21 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
قلبًا نقيًا أخلق فيَّ يا الله

بإيمان قوى طلب داود من الله في مزمور التوبة قائلاً: "قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز51: 14). لأنه عرف من يستطيع أن يغفر الخطايا، كما أدرك أنه لا أحد يستطيع أن يخلق الإنسان من جديد مرة أخرى إلا مَنْ خلقه في البداية على صورته ومثاله. فلا يستطيع أن يخلقه من جديد إلا من كان لديه قوة الخلق. هكذا يقول السيد المسيح: "وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يو10: 10)..
مادام السيد المسيح هو الحياة فكيف نستطيع أن نحيا بدونه؟! كما قال عنه بولس الرسول: "لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" (أع17: 28). وهو وحده الذي يستطيع أن يخلص، هكذا قال: "أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأَنَا اللَّهُ" (إش43: 11، 12).. وهو وحده الذي يستطيع أن يحطم الجحيم، والذي يستطيع أن يقهر الشيطان وكل قواته الشريرة.

حين قال داود في توبته: "قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي"(مز51: 14)، قد أدرك بروح النبوة أنه لا يستطيع أن يعيد الإنسان من الموت إلى الحياة إلا رب الحياة، لهذا جاء رب الحياة مخلصنا الرب يسوع الذي قال: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.." (يو14: 6).
إن كان إنسان قد نزف دمه ومشرفًا على الموت، فلا علاج له أو لا حياة له إلا بعملية نقل دم. فالدم هو الحياة.
لذلك كان من اللازم أن تُمنَح هذه الحياة من معطى الحياة الذي له سلطان الحياة ويستطيع أن يقيم من الأموات، الذي قال: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يو11: 25).. والروح القدس يأخذ من دم المسيح ويغسلنا.
وحين قال داود النبي: "قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز51: 14).. ماذا كان يعنى بنقاوة القلب؟ أو بمعنى آخر كيف يحيا الإنسان بقلبٍ نقى؛ بذلك القلب الذي قال عنه السيد المسيح "طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللَّهَ" (مت5: 8).
نقاوة القلب ربما يكون معناها عدم محبة الخطية، أي أن الإنسان لا يحب الخطية ولا يشتهيها ولا يفرح بها،أو تكون النقاوة بدرجة أعمق هي كراهية الخطية.. لأنه من الممكن أن يترك الإنسان الخطية ولكنه لا يكرهها.
وهناك درجة أعلى من هذه وتلك، وهي أن نقاوة القلب هي الامتلاء من محبة الله.. ليس فقط عدم محبة الخطية ولا كراهية الخطية بل أيضًا محبة البر والالتصاق به؛ لذلك قال السيد المسيح إن أنقياء القلب يعاينون الله.. فنقاوة القلب معناها الاشتياق الحار نحو الله والالتصاق المستمر به. هذه هي حياة القداسة الحقيقية.
ليست القداسة هي ترك الخطية فقط، لأنه من الممكن أن يترك الإنسان الخطية خوفًا من العقوبة، لكن ليست هذه هي حياة القداسة. فحياة القداسة هي كراهية الخطية، وليست مجرد الاشمئزاز من الخطية. ويكره الإنسان الخطية ليس في حياته الشخصية فقط، إنما في حياة الآخرين أيضًا. وليس معنى ذلك أن يكره الناس إنما يكره الشر والخطية الموجودة في العالم.
كراهية الخطية تجعل للإنسان حساسية شديدة جدًا نحو الشر وهذا ما قال عنه الكتاب: "كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ" (1يو5: 18). وقال أيضًا: "كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ" (1يو3: 9).
المولود من الله لا يخطئ هذه هي مرحلة ترك الخطية.
أما المرحلة التالية هي لا يستطيع أن يخطئ.. لا يستطيع أن يخطئ بمعنى إنه مهما أتيحت له الفرص والظروف والضغوط لفعل الخطية، بل حتى لو هو نفسه فرضًا حاول أن يخطئ لا يستطيع!! هذه درجة عميقة من النقاوة والقداسة إذا وصل إليها الإنسان يستريح في حياته الروحية. فامتناعه عن الخطية ليس خوفًا إنما طبيعته الروحية لا تقبل أن تتعامل مع الخطية.. لماذا؟
لأن زرع الله ثابت فيه؛ الزرع الإلهي أي الطبيعة الجديدة التي أخذها في المعمودية، هذه الطبيعة الجديدة ثابتة بعمل الروح القدس في سر التثبيت.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:22 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
الذبيحة لله روح منسحق

الروح القدس يأخذ من دم المسيح وينقينا ويقدسنا، كما قال السيد المسيح عنه: "ذَاكَ يُمَجِّدُنِي لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يو16: 14)... والروح القدس لا يعمل إلا في القلب المنسحق، كما قال داود النبي في مزمور التوبة: "الذبيحة لله روح منسحق، القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله" (مز50: 17 في الترجمة القبطية): "ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ" (مز51 :17 في الترجمة البيروتية).
فعندما يجد الروح القدس أن الإنسان حزين على خطيئته يبدأ أن يطهره.. وإذا وجد الإنسان متألم بسبب الخطية، وهو يبكى ويتذلل أمام الله، فيطهره من أجل انسحاقه. فالروح القدس هو الذي يعطى النقاوة الكاملة.. نار الروح القدس تطهر الإنسان.
وكيف ينسحق الإنسان؟ هناك مثل واضح في الانسحاق هو أهل نينوى وكيف انسحقو..؟ لبسوا مسوحًا وجلسوا في التراب وصاموا ثلاثة أيام لم يذُق الناس شيئًا وبكوا أمام الله، فرحمهم الله وغفر خطاياهم ورفع غضبه عنهم.. هذا هو مفهوم التذلل أمام الله،وهذا الانسحاق هو الذي يجعل الروح القدس يأخذ من دم المسيح ويغسلنا، فليس الصوم أو التذلل هو الذي غفر الخطية أو دفع ثمنها، لكن الذي دفع الثمن هو السيد المسيح على الصليب.
النعمة تعمل في الإنسان المنسحق المتذلل في التراب يبكى ويقرع صدره كما فعل العشار الذي "وَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ" (لو18 :13)، فكلما ثقلت الخطية يلزمها تذلل أمام الله أكثر.
يقول الكتاب "َمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ وَارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِكُمْ لأَنَّهُ رَأُوفٌ رَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ" (يؤ2 :13). معنى هذا الكلام في العهد الجديد أننا نبكى وننوح ونمزق قلوبنا من الحزن على الخطية، كل هذه العناصر والعوامل تؤدى إلى تحرك الروح القدس نحونا فيعطينا الغفران باستحقاقات دم المسيح.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:22 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
التوبة تقترن بالاعتراف

وكما رأينا في توبة داود وكيف أقر بخطيئته أمام ناثان النبي، فالتوبة تقترن بالاعتراف.. وهدف ممارسة سر الاعتراف في الكنيسة هو لكي ينال الإنسان الغفران، وبعد أن يأخذ الحِل من الأب الكاهن يتقرب إلى الأسرار المقدسة ويتناول من جسد الرب ودمه لكي ينال غفران الخطية وينال الحياة الأبدية. إذ أن الخطية قد أدخلت عوامل الموت إلى حياته فيطلب الحياة من جسد الرب ودمه.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:24 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
مخدع التوبة

أفضل مكان للتوبة والانسحاق هو المخدع الخاص، وأثناء صلوات القداس، وأثناء الاجتماعات الروحية.. يحاول الإنسان أن يتصرف بحكمة فلا يعيش حياته كلها في كآبة وحزن لدرجة أن يتعب الناس من رؤيته وأسلوبه، بل ربما هو نفسه يدخل في حالة من الكآبة الشديدة. فالأمر يحتاج إلى حكمة.
إذا قضى الإنسان وقت القداس الإلهي في بكاء على خطاياه، لا يمكن أن يخرج ليمزح، وهذه نتيجة طبيعية. إنما يمكن أن يخرج فيرى فيه الناس طلاقة الوجه أو ابتسامة بسيطة ولا يستمر في حزن.. نريد أن نقول أنه لا يمكن أن يتحول الإنسان من مشاعر الحزن العميق إلى مشاعر الفرح بصورة مفاجئة.
لذلك بعد أن يبكى الإنسان على خطاياه كثيرًا سيأتي وقت فيه يفرح، ويفرح معه الناس ويسعدوا بسعادته... لكن ينبغي أن نحترس من كثرة الضحك والمزاح بعد التناول من الأسرار المقدسة،أو بعد ممارسة سر الاعتراف أو جلسة لمحاسبة النفس، هناك أوقات يشعر فيها الإنسان أنه يعيش في مشاعر توبة معينة فلا يصح أن يضيعها..
من أجل ذلك فمن الأفضل -إذا أُتيحت للإنسان الفرصة- أن يسرع إلى مخدعه بعد التناول ليأخذ فترة هدوء مع النفس ويؤجِّل مقابلة الناس..

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:25 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
العين الباكية
داود في توبته بكى كثيرًا، وامتلأت مزاميره بالأنين والدموع والحزن على خطاياه. وفي المزمور يقول: "تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي" (مز6: 6). كما يقول الكتاب: "يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ فَأَبْكِيَ نَهَاراً وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي" (أر1:9).
ويقول القديس يوحنا الدرجي: }العين الباكية هي جرن متجددة لمعمودية التوبة{. كأن العين أصبحت مثل جرن المعمودية، جرن متجددة لمعمودية التوبة.. ونحن في صلاة الخدمة الثانية من نصف الليل نقول: }أعطني يا رب ينابيعدموع كثيرة، كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة. واجعلني مستحقًا أن أبل قدميك اللتين أعتقتاني من طريق الضلالة{، أريد يا رب أن أغسل قدميك بالدموع.
إذا كان إنسان يصلى صلاة نصف الليل وفي الخدمة الثانية يعوِّم مكان الصلاة بالدموع، ويقول مع داود النبي: "أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي" (مز6:6).. هذا الإنسان يكون قد عاش بحق حياة التوبة، بل يمارس حياة التوبة باستمرار. يقول القديس الأنبا أنطونيوس: }أوقد سراجك بدموع عينيك{. ويقول أنبا موسى الأسود} :ينبغي لنا أن نجتهد بقدر استطاعتنا بالدموع أمام ربنا ليرحمنا بتحننه لأن الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالفرح{.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:27 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
فرح التوبة

ربما نجد إنسانًا مرتكبًا جبلاً من الخطايا، ويجلس مع الأب الكاهن ويسرد خطايا تطن لها الأذن، ويأخذ الحِل. ثم يخرج فرحًا وكأنه لم يفعل شيئًا.. هل هذه هي التوبة؟! أين البكاء والحزن على الخطية..؟! فالكتاب المقدس يقول: "اَلْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ الضَّحِكِ لأَنَّهُ بِكَآبَةِ الْوَجْهِ يُصْلَحُ الْقَلْبُ" (جا7 :3)، ويقول السيد المسيح أيضًا: "طُوبَى لِلْحَزَانَى لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ" (مت5: 4).

ليتنا عندما نشعر أننا قد أحزنّا قلب الله في أي شيء نبتعد عن روح المرح والضحك والمزاح والفرح الخارجي.. لا تتعجل الفرح، الفرح سوف يأتي كما قال السيد المسيح: "وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو16: 22)، لكن هذا الفرح يأتي من خلال الحزن.. "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ" (يو16: 20).
اجعلوا فرحكم يتولد من داخل الحزن.. وإلاّ فسوف يولد حزنكم من داخل الفرح. كما قال داود في مزمور التوبة: "امنحني بهجة خلاصك، وبروح رئاسي اعضدنى" (مز50: 12)، وفي الترجمة البيروتية "رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي" (مز51: 12).
إذا عاش الإنسان في الفرح الظاهري في الوقت الذي فيه ينبغي البكاء سوف يجد حزنه قد أتى سريعًا،أما إذا بكى الإنسان على خطاياه وندم وتاب، حينئذٍ يعرف معنى الفرح الحقيقي وبهجة الخلاص كما يقول بولس الرسول: "اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضاً افْرَحُوا" (فى4: 4)، وعبارة "فى الرب" تؤكد أن هذا الفرح نابع من خلال الحياة المقدسة في المسيح في الرب..
الإنسان الخاطئ ليس له الحق أن يفرح، أما الإنسان الذي ذاق حلاوة النصرة مع المسيح هو الذي يفرح. وأفراح القيامة تعمل في حياته. فما هي القيامة إلا الانتصار على الخطية والموت.
ولذلك نحن لا نقصد أن يعيش الإنسان في كآبة مستمرة، ويعكس كآبته على من حوله. بل ينبغي أن يفرح بالنصرة.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:28 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
بماذا أكافئ الرب

ومن ثمار توبة داود ما قاله في المزمور "بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطانيه": (في البيروتية) "مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟. كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو" (مز116: 12، 13).
أنا أريد أن أكلّم الناس وأخبر بكم صنع بي الرب ورحمني. أريد أن أقول لهم ليتنا نتوب كلنا، ونسرع للتوبة قبل أن ينقضي زمان غربتنا في هذا العالم.
هكذا يصير للإنسان غيرة مقدسة ورغبة حارة في خلاص الآخرين، يقول لا يكفى أن أتوب أنا فقط وأرجع لله، إنما يجب علىَّ أن أجذب ورائي آلاف من الناس لكي ينتشر البر وتنتشر محبة الله. وبطريق مباشر أو غير مباشر يصل هذا التأثير إلى نفوس من أكون قد أعثرتهم، أو الأجيال التي سوف تتوارث العثرات التي أنا قد أكون سببتها لهم.
يشعر هذا الإنسان أنه مُطالَب أن يعمل عملاً كبيرًا.. مُطالَب أن يصلح ما قد أفسده بخطيئته. وأن يدَّخر لنفسه أجرًا صالحًا ويعمل أعمالاً ترضى الله. يقول في نفسه أنا مديون لله بالكثير، بماذا أكافىء الرب عن كل ما أعطانيه.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:30 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
حياة الاستعداد للملكوت

ومن أهم ثمار التوبة أن يضع الإنسان أمام عينيه حياة الاستعداد، وكيف يستعد؟ كما يستعد بالتوبة، يستعد أيضًا بالفضائل الروحية ويضع أمامه الوسائط الروحية التي يستطيع بها أن يدخل ملكوت السموات. ينظر كيف يتعمق في قراءة الكتاب المقدس والتأمل فيه؛ يجتهد لكي يحفظ ألحان وتسابيح الكنيسة؟
ويستعد بأن يتدرب حتى يشعر أن محبة الله تغمر حياته، ويشعر بالامتلاء من الروح القدس. كما يترك عنه الطباع الرديئة وتظهر في حياته الفضيلة، وثمار الروح القدس.
أمور كثيرة مطلوبة من الإنسان لكي يكون وارثًا للملكوت، كما قال السيد المسيح: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ" (يو15: 2)..
ليتك تقوم بسرعة وتسعى في عمل الخير لأن الوقت يجرى ويعدو مثلما قال أيوب في حواره مع أصحابه: "أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنْ عَدَّاءٍ تَفِرُّ وَلاَ تَرَى خَيْراً" (أي9: 25)، إذا لم تلحق بالوقت ربما تضيع منك الفرصة. سارع في عمل الرحمة إذا وجدت من هو محتاج أسرع لتعطيه، إن سمعت عن مريض أسرع لتعينه وتهتم باحتياجاته.
فالسيد المسيح يقرع بابك ويقول لك "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ" (مت25: 35، 36)، وعندما تسأله: "يَا رَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟. وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟. وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟. فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ"(مت25: 37- 40).

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:31 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة

اجلس مع نفسك وفكر ما هو أثمن شيء في حياتك؟ وحسب قول الكتاب نقول إن أثمن شيء في حياة الإنسان هو الوقت، لذلك يقول معلمنا بولس الرسول: "مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ" (أف5: 16)، الدقيقة الواحدة ممكن أن تساوى عمر الإنسان كله، لأن عمر الإنسان هو عبارة عن مجموعة دقائق..
عندما تنظر إلى الساعة، وتلاحظ عقرب الثواني لا يهدأ عن الحركة بل يجرى بسرعة، قل لنفسك: إن الذي يجرى ليس هو عقرب الثواني إنما هو عمري، وتتلاحق الأيام وتتلاحق الساعات والدقائق، ويمضى العمر سريعًا، وكما يقول الكتاب: "لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ" (يع4: 14). يجب على الإنسان أن يعرف ما هي قيمة الوقت، يجب أن لا يضيع من وقته شيئًا بل يخاف عليه أن يضيع. حياته هي مجموعة دقائق، وكل دقيقة من عمره لها ثمن، فليته يعرف كيف يستفيد بها..

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:32 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
يا رب افتح شفتاي

داود النبي في توبته قال في المزمور: "يَا رَبُّ افْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ" (مز51: 15).. هذه ثمرة من الثمار الروحية في حياة الإنسان التائب. فعليه أن يبحث أين علاقة الحب والمناجاة والتسبيح.. الإنسان الذي لا يعرف كيف يسبح الله، ماذا يفعل عندما يدخل السماء، وليس هناك في السماء سوى ملائكة روحانية تسبح وتمجد الله؟!!.
هذا الإنسان تكون أفكاره متجه باستمرار للأمور الروحية السمائية. يفرح بأي كلمة روحية جميلة.. وكأنه أكل وجبة دسمة كما يقول المرتل: "هَكَذَا أُبَارِكُكَ فِي حَيَاتِي. بِاسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ. كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي وَبِشَفَتَيْ الاِبْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي" (مز63: 4، 5). أي أني أرفع يداي أمامك يا رب في الصلاة فتشبع نفسي وكأنها أكلت أكله شهية لذيذة دسمة.
لذلك فالإنسان التائب الذي يعيش حياة روحية سليمة مع الله يجد أن أسعد أوقات حياته هي أوقات الصلاة ولذلك يقول القديس يوحنا ذهبي الفم}إذا وجدت إنسانًا لا يحب الصلاة فاعلم أنه ليس ساكن فيه شيء صالح بالمرة{. لماذا؟ لأن من يحب الصلاة هو إنسان يفرح بالوجود في حضرة الله، ومن يفرح بالوجود في حضرة الله يأخذ من الله.. فأعمال البر التي يعملها كلها صادرة من الله الساكن فيه؛ الله الذي هو واقف أمامه، الله الذي يعرفه حق المعرفة.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:33 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
التوبة أسلوب حياة

الحديث عن التوبة حديث طويل جدًا، ونحن أخذنا لمحة قصيرة من حياة داود النبي وتوبته.. والإنسان الأرثوذكسي الحقيقي إنسان يمارس التوبة كل أيام حياته، فالتوبة بالنسبة له هي أسلوب حياة.
من أجل ذلك في ساعة انتقال القديس الأنبا شيشوى من هذا العالم كان يبكى على خطاياه مع أنه قديس عظيم سكن البرية، فسمع الرهبان صوتًا من السماء يقول للملائكة }إيتونى بتائب البرية{، أي ايتونى بهذا الإنسان الذي يبكى على خطاياه حتى لحظة انتقاله من هذا العالم.
فتعجب الرهبان وقالوا له: حتى أنت تخاف يا أبانا، وأنت هو مثلنا الأعلى في هذه البرية؟! فقال لهم: }إنى من خوف هذه الساعة (ساعة الموت) قد عشت كل حياتي{.
ليس معنى هذا أنه يئس أو لم يشبع بالتوبة.. بل أنه كان يبكى على خطاياه حتى أنبتت الأرض زرع من دموعه، أو حتى بللت دموعه القلاية، لكن مع هذا كان يشعر أنه مازال يحتاج أن يقدم المزيد من البكاء على الخطية.. أو بالتعبير البسيط أنه لم يشبع من التوبة طول أيام حياته، هذه هي حلاوة التوبة.

Mary Naeem 24 - 03 - 2014 07:33 PM

رد: كتاب داود الملك التائب - الأنبا بيشوي
 
داود قيثارة الروح القدس

هكذا كان داود النبي.. وهكذا تسميه الكنيسة السريانية الشقيقة في ألحانها. هذا الإنسان الذي هو مدرسة روحية للكل بمزاميره وتراتيله ومشاعره الفياضة. كان شاعرًا، وكان موسيقارًا إلى جانب أنه كان نبيًا وراعيًا للغنم. وكان ملكًا وكان قائدًا للجيش، لكنه كان إنسانًا مرهف الحس والشعور.

ويعتبر داود مثل قيثارة للروح القدس استطاع الله من خلال هذه القيثارة أن يعزف سيمفونية جميلة حتى بما في حياته من أخطاء!! فقد استطاع الرب أن يحولها لمنفعة الكثيرين، فمن الممكن أن يكون في القيثارة أحيانًا أو في الآلات الموسيقية عمومًا وتر إن لعبت عليه بمفرده تجد أن صوته مزعج، لكن إن دخل مع الأوتار الأخرى يعطى نغمات جميلة في يد موسيقار يحسن العزف، هكذا كانت حياة داود فيها أوتار جميلة الصوت وفيها أوتار مزعجة لكن بين يدي الله صارت حياة داود بكل ما فيها من بر وخطية سيمفونية جميلة رائعة يستطيع أن ينتفع منها كل إنسان.
ونختم بعبارة قالها قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الله حياة قداسته- في تأمل له عن داود في توبته:
هذه القيثارة المحطمة اشتدت أوتارها مرة أخرى.
وأرسلت لحن تسبيح وفرح وعرفان بالجميل.
وغنّى هذا الحزين ورتل مبتهجًا وقال:
"أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لأَنَّكَ نَشَلْتَنِي
وَلَمْ تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي"
(مز30: 1)
حقًا قال السيد المسيح إن
"حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ"
(يو16: 20)


الساعة الآن 12:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025