منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الكتب الدينية (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=56)
-   -   كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=267417)

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:43 PM

كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
مقدمة
القيامة هي إعلان الحياة الأبدية؛ الحياة الجديدة للإنسان، وهي العبور بطبيعتنا من الموت. وإمكانية الانتصار على الموت والانتصار على سلطان المادة وسلطان العالم، بل هي أيضًا التحرر من كل معاناة هذا الزمان الحاضر، وانطلاق طبيعتنا من هبوطها ومعاناتها إلى مجدها وفرحها وانتصارها وتحررها من كل رباطات الخطية والموت، وكل هذا تم في شخص السيد المسيح الذي حمل خطايا البشرية في بشريته الخاصة ودفنها في قبره، ثم قام حيًا من الأموات، فهو الذي "أبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ" (2تي1: 10).
وفى القيامة نرى؛ كيفية انتصار الحق الذي في المسيح على مملكة الظلمة؛ سواء بسلطانها المنظور أو سلطانها غير المنظور.
لقد أراد مسيحنا القدوس غير الزمنى بلاهوته أن يدخل إلى الزمن بتجسده من العذراء القديسة مريم، ثم يمسك بالزمن في قبضته وبالأبدية في القبضة الأخرى ليجعل من الحاضر مستقبلاً، ومن المستقبل حاضرًا حتى تاهت عقول التلاميذ وهم يبصرون الحي الذي كان ميتًا وها هو حي إلى أبد الآبدين،وتغنى حبيبه يوحنا الرسول الإنجيلي متجليًا بالروح القدس فقال: "الَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (1يو1: 1، 2).
كيف أمكن للتلاميذ وهم تحت الزمان أن يمسكوا بالأبدية؟ إنها القيامة التي تخطت كل حدود الزمان لتُعلِن أن الزمن سوف ينتهى، ولترفع الذين يئنون الآن تحت الزمان ليتطلعوا بأعينهم في إشراقة الأبدية وكأنهم قد اقتبلوا عربونها في لقائهم المبهر مع الرب القائم وقد وهب كنيسته هذا العربون في تاج الأسرار: في إفخارستية الذبيح الحي الكائن والذي كان والذي يأتى القادر على كل شيء.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:44 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
الله هو النور الحقيقي
قال معلمنا يوحنا الإنجيلي عن السيد المسيح "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ. وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ" (يو1: 4، 5). وقال عن مجيئه إلى العالم "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إلى الْعَالَمِ. كَانَ فِي الْعَالَمِ وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. إلى خَاصَّتِهِ جَاءَ وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ" (يو1: 9-11).
وقال أيضًا "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ... وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقّاً" (يو1: 1، 14). لقد رآه يوحنا متجليًا على الجبل حينما أضاء وجهه كالشمس وهي تضىء في قوتها..

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:45 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
أهمية النور في حياة الإنسان

يتكلم السيد المسيح أنه قد جاء نورًا للعالم فقال: "أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إلى الْعَالَمِ حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ" (يو12: 46) وقال "فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلا يُدْرِكَكُمُ الظّلاَمُ" (يو12: 35). وقال أيضًا عن إشعياء النبي إنه تكلم عن اليهود الذين لم يؤمنوا بالسيد المسيح وقال عنهم: "قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ لِئَلا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ" (يو12: 40، انظر إش6: 10)، قال إشعياء هذا الكلام عندما رأى مجد الله وتكلم عنه.. هذا كله يدُلنا على أهمية النور..

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:46 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
ظهور الملائكة في أنوار سمائية

مع حديث السيد المسيح الذي نطق به عن أهمية النور في حياة الإنسان ومع تذكرنا لأحداث القيامة المجيدة، نقرأ في إنجيل متى "عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ. وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ. فَأجاب الْمَلاَكُ وقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ: لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ. هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ. وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ" (مت28: 1-7)، إن الملاك الذي ظهر ودحرج الحجر عن فم القبر وجلس عليه كان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج.. إنه من الأمور المبهرة أن يظهر كائن من السماء؛ مُرسل من العالم الآخر؛ لأناس يعيشون على الأرض.
ونفس الأمر حدث في ليلة ميلاد السيد المسيح حينما ظهر الملاك للرعاة "وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ. وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ" (لو2: 8، 9)، تحول الليل إلى نهار، وأيضًا شعر الرعاة بالخوف لأنهم أبصروا كائنًا سمائيًا وأحاطتهم أنوار سمائية تعلن الحضرة الإلهية. يقول معلمنا لوقا الرسول في إنجيله عن الرعاة "فخافوا خوفًا عظيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ" (لو2: 9، 10).

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:46 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
أنوار الأبدية

عندما تظهر الملائكة؛ تظهر بنور عجيب مثل البرق، أو مصحوبة بنور الرب المبهر عند حلول مجده؛ ويخاف البشر من رؤيته.. وهذا الظهور يعطينا فكرة عن أنوار السماء {الله هو نور وساكن في النور وملائكة نور تسبحه} (ثيئوطوكية يوم الاثنين qeotokia).
بل ظهور الملائكة أيضًا في هذا النور أو مع هذا النور المبهر؛ يعطينا فكرة عن أنوار الأبدية كما قال السيد المسيح عن الأبدية "حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ" (مت13: 43)..
لهذا حينما قال السيد المسيح"أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إلى الْعَالَمِ" (يو12: 46)، فإنه يريد أن يجذب إنتباهنا إلى الحياة الأبدية. وكان يقصد النور هنا من زوايا عديدة مثل نور القداسة الذي أشرق في حياته باعتباره "قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ" (دا 9: 24).
أما في القيامة فنتأمل في النور من زاوية أن البشرية بدأت تتلامس مع حنان الله وحبه الذي يحررها من مخالب الموت، وتتلامس مع حقيقة الحياة الخالدة أو الأبدية التي يقدّمها لها بكل سخاء وبكل محبة.. إشراق فجر جديد، إشراقة حقيقة جديدة تلامست معها البشرية وعاشتها.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:47 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
فجر جديد

هذه الأنوار التي ظهرت عند القبر تعلن بداية فجر جديد في حياة البشرية، فالموت ظلمة والحياة نور، الجهل ظلمة والمعرفة نور، عدم الإيمان ظلمة والإيمان نور، الباطل ظلمة والحق نور، الخطية ظلمة والبر نور.. فبالقيامة قد أشرق فجر جديد على البشرية.
ولهذا فإن معلمنا يوحنا الرسول كتب في رسالته عن ظهور السيد المسيح بعد القيامة وقال: "الَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (1يو1: 1-2).
الحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا هي حقيقة القيامة، فقد أشرق نور على البشرية.
وكتب أيضًا معلمنا بولس الرسول عن نفس الحقيقة فقال: "الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَقَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ.وَإِنَّمَا أظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ" (2تي1: 9، 10).

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:48 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
نور الحقيقة


عندما ظهر السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة، لم يشأ أن يكون ظهوره بهيئة مثل منظره المنير جدًا على جبل التجلى، لكنه ظهر بصورة تؤكد لهم أن الذي قام من الأموات هو جسد حقيقى، ولذلك قال لهم المسوا الجراحات الموجودة في جسدى لتتأكدوا.. في حين أن الملاك الذي ظهر عند القبر قبل ظهور السيد المسيح للتلاميذ كان بصورة نورانية عجيبة جدًا أزعجت الحراس "وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ" (مت28: 3، 4)، ولكن السيد المسيح اختار أن لا يظهر بهذه الصورة شديدة النورانية لكي لا يظنوا أن كائنًا آخر غريبًا قد أتى إليهم من السماء وليس هو المسيح الذي ولد من العذراء مريم وصلب وقام من الأموات..
النور الذي نتعارف عليه هنا؛ هو نور الحقيقة، وليس مجرد رؤية نور مبهج. لقد كان من الممكن أن يظهر السيد المسيح بنور أقوى من البرق الذي ظهر به ملاك القيامة لكنه تعمّد أن يجعل التركيز هنا على نور الحقيقة، فلهذا عندما يقول يوحنا الرسول "فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (1يو1: 2) فهو يريد أن يقدّم إشراقة الحياة الجديدة كحقيقة تلامس معها يوحنا كأحد الرسل، ولذلك قال: "الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا" (1يو1: 1).
بهذا أوضح وجود النور الذي يسمى نور الحقيقة، ليس هو مجرد النور الذي يعبّر عن البهاء أو المجد، بمعنى أنه نور ساطع أو نور مثل البرق..

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:49 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
نور القيامة في حياة الرسل والقديسين

وهكذا خرج الرسل تلاميذ السيد المسيح لكي يكرزوا بهذه الحقيقة التي تعايشوا معها أربعين يومًا بعد قيامة السيد المسيح من الأموات إلى أن صعد أمام أعينهم إلى السموات بمجد عظيم..
هذه الفرحة التي ألهبت قلوب التلاميذ لكي يخرجوا ويكرزوا في كل مكان بقيامة المسيح من الأموات هي التي ينبغي أن نحياها ونحن نحتفل بعيد القيامة ونعيش هذه الأيام المقدسة..
وهكذا كانت القيامة في قلوب القديسين، فالقديسة الشهيدة دميانة مثلاً، إذ كانت القيامة بالنسبة لها سببًا رئيسيًا في وقوفها بشجاعة أمام ضابط الإمبراطور الروماني الطاغية ديقلديانوس لكي تتمسك بإيمانها بالله وترفض السجود والتبخير للأوثان؛ لأن إيمانها بالقيامة كان نورًا ساطعًا ينير طريقها ويشرق في حياتها. وهذا هو السبب أننا نعيّد لهؤلاء القديسين في تذكار شهادتهم لأننا نرى تأثير القيامة في حياتهم وهذا أيضًا نور نستطيع أن نحتفل به.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:50 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
يُعلن أسراره للقلوب الوديعة

قال السيد المسيحلتلاميذه"سلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا... لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إلى الآبِ لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي" (يو14: 27، 28).. قول السيد المسيح "أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي" قد أتعب الهراطقة مثل أريوس، ويدّعون بأن الابن ليس مساويًا للآب في الجوهر وأن الآب أعظم من الابن، ويستشهدون بهذه الآية.
فمن المعروف في أقوال الآباء أن الإنسان المتكبر يسقط في التجديف لأن العجرفة تعمى العقل والبصيرة عن فهم أسرار الله. أما المتواضع فيعلن له الله دائمًا في قلبه وفي عقله أسراره الإلهية، فقد قال السيد المسيح عن البسطاء لأبيه السماوي "أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ، كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ، وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (مت11: 25-27).
يقول السيد المسيح ليس أحد يعرف الآب إلا الابن، ولا من هو الابن إلا الآب، ولذلك يجب ألا يدّعى أحد المعرفة ويقول أنا أعرف الآب والابن، ومن هو الآب ومن هو الابن. فالله يعلن هذه المعرفة للبسطاء وللأطفال الصغار، يعلن للقلوب الوديعة والقلوب المتواضعة أسرار اللاهوت وسر الثالوث القدوس في بساطة كاملة. أما أريوس فاعتبر هذه الآية كارثة لكي يضرب بها الكنيسة التي تؤمن بوحدانية الآب والابن والروح القدس في اللاهوت وأن الابن مساوى للآب في الجوهر مثلما نقول في قانون الإيمان..

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:51 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
أخلى الابن ذاته

ولتوضيح الأمر؛ كان السيد المسيح يقصد أن يقول لتلاميذه إنه ترك مجده الذي كان منذ الأزل، وهذا ما عبّر عنه في حديثه مع الآب بعدها بقوله: "الآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ" (يو17: 5)، بمعنى؛ قد أخفيت مجدى الخاص بى في السماء، وأخليت ذاتى بالتجسد في صورة عبد وأتيت على الأرض ومجدتك؛ فمجدني بعد إتمام الفداء عند ذاتك، بمعنى أن يُحاط ناسوته القائم من الأموات بمجده الأزلى عند صعوده إلى السماء.
ويقول أيضًا "أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ، فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضًا" (يو12: 28)، بمعنى إن اسم "الآب" يتمجد بتمجيد "الابن" كنتيجة تلقائية.
فحين قال لهم "لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إلى الآبِ" (يو14: 28) أي أمضى إلى مجدى الذي خرجت منه لأنى أتيت إلى العالم في حالة من الإخلاء والاتضاع بعيدًا عن المجد، فإن كنتم تحبونني لكنتم تفرحوني بأني بجسد قيامتي أعود إلى مجدي الذي أخفيته تدبيريًا ومؤقتًا بالتجسد لقصد إتمام الفداء.
والمقصود بقوله "أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي" (يو14: 28) أن الآب كائن حاليًا في المجد، والابن حاليًا على الأرض في وسط البشر وبجسد قابل للموت والألم، كل هذا اقتضى منه إخلاء ذاته وإخفاء مجده الإلهى، وإلا فلن يستطيع أحد أن يلمسه أو يأتي إليه مطلقًا أو يتطاول عليه بالقبض والجلد والضرب والصلب. فحين صعد إلى جبل التجلى تغيرت هيئته أمامهم وصار وجهه يلمع كالشمس وهي تضيء في قوتها، وهذا ليس ملء مجد الابن الوحيد بل شعاع من مجده. أما ملء مجده فلا يحتمل البشر رؤيته على الأرض لأنه قال لموسى النبي عن ذلك "لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي لأَنَّ الإنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ" (خر33: 20)، وقد شرح بطرس الرسول عن موقف التجلي للرب يسوع المسيح فقال: "إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ" (2بط1: 17)، وأوصاهم السيد المسيح أن لا يخبروا أحدًا بما نظروه حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات.. فهذا التجلي بكل روعته هو شعاع بسيط جدًا من مجد السيد المسيح، ولو أعلن مجده بالكامل فمن الممكن أن يحترق العالم بأسره ولا يحتمل أن يراه. فقال لهم لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون أنى أعود إلى أبى من حيث خرجت "خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ وَقَدْ أَتَيْتُ إلى الْعَالَمِ وَأَيْضًا أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إلى الآبِ" (يو16: 28).. من السهل أن يفهم الأطفال البسطاء هذه العبارة، فهو يقول كنت في السماء ممجدًا وأخليت ذاتي وأخذت شكل العبد، فأخفيت مجدي الإلهي بستار الناسوت في وجودي على الأرض متجسدًا، فلو كنتم تحبونني؛ لكنتم تفرحون بأنني ذاهب بناسوت إلى أعلى السماوات حيث يمكن أن يحاط هذا الناسوت بمجدي الأزلي،ولكن لم يفهم أريوس بالرغم من درجته الكهنوتية، وبالرغم من أنه معلم وواعظ. فقال منكرًا مجد الابن الوحيد الجنس: [الآب أعظم من الابن، والابن غير مساوٍ له في الجوهر] ودخل في هرطقته وأنكر لاهوت السيد المسيح.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:51 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
إعلان فائق للطبيعة

قبل أن يقول السيد المسيح هذا الكلام؛ قال لتلاميذه: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو14: 26)، فالإيمان فوق العقل وليس ضد العقل، فهو ليس ضد العقل لأنه غير مستحيل. وهناك فرق بين التعبيرين فوق العقل وضد العقل. ولكي يقبل الإنسان أمورًا فوق العقل يحتاج إلى إعلان فائق للطبيعة، لذلك قال السيد المسيح لبطرس عندما اعترف بأن المسيح ابن الله الحى "طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت16: 17).
فالإيمان؛ ليس هو مجهود بشرى من الإنسان ليفهم من هو الله، لكنه إعلان الآب السماوي عن ذاته بروحه القدوس في داخلنا الذي يشهد عن الابن الوحيد الجنس مخلّص العالم. وبهذا الإعلان يصالحنا مع الآب ويعطينا حياة البنوة فنحيا معه إلى الأبد.
فالمسألة ليست بكاملها عمل بشرى أو مهارة من الإنسان، إنما هي بالدرجة الأولى إعلان من الله في حياة الإنسان.

فالأمور الفائقة للطبيعة تحتاج إلى إعلان فائق للطبيعة لكي يعرفها الإنسان ويفهمها. لذلك نظرًا لأن ملكوت الله فائق للطبيعة، سيعطينا الله في القيامة من الأموات جسدًا فائقًا للطبيعة حتى نستطيع الدخول إلى الملكوت حيث إن طبيعة هذا الجسد لا تستطيع الحياة في جو الملكوت النورانى الروحانى، ولكنه يحتاج لجسد يتعامل بإمكانيات مختلفة. فلكى ينقل الله الإنسان من الحياة الجسدية في الأرض إلى حياة الملكوت لابد أن يعطى له الإمكانية.. فإن أراد أحد الصعود بك إلى سطح القمر وهو يحبك فسوف يعطيك الأجهزة والملابس الواقية، ويعطيك الإمكانية التي تستطيع أن تمشى بها على سطح القمر، وهذا ما حدث عندما صعدت مركبة الفضاء، وذهبت إلى سطح القمر ونزل منها رواد الفضاء وساروا على سطح القمر، كانت لهم ملابس (أردية) خاصة، وكانوا مجهزين بتجهيزات خاصة.
فإذا كان الإنسان الذي في أنفه نسمة، استطاع أن يفهم هذه الأمور لأن الله أعطاه شيء من الحكمة والعقل، واستطاع أن يصل إلى هذا المستوى،فكم يكون الله نفسه ينبوع الحكمة ووالد الحكمة الأزلية ابنه الوحيد، خالق الحكمة في المخلوقات، فلابد أن يعطينا إمكانية نتعامل بها مع كل وضع نحتاجه:
فلكي نرث ملكوت الله، سيعطينا أجساد القيامة أجساد روحانية أجساد لها أعين روحانية تستطيع أن تعاين الملكوت.
ولكي نعلم أسرارًا روحانية، فلابد أن يعطينا إعلانًا فائقًا للطبيعة.
لذلك قال لبطرس: "إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ" ويقصد بذلك أن يقول لبطرس أن الجمجمة التي بداخلها المخ والشرايين والأوردة والأجهزة العصبية ليست كافية لكي تعلم أنى أنا المسيح ابن الله الحى، ولكن يوجد في اعترافك إعلان فائق للطبيعة. فإن أراد أحد أن يرى عظام الذراع لا يستطيع أن يراها بعينه المجردة، ولكن باستخدام جهاز أشعة إكس X ray يمكن رؤية ما لم تستطع العين المجردة أن تراه، لذلك فوجود كسر أو شرخ بالعظام أو وجود مسمار بلاتين لا يُرى بالعين العادية ولكن الأشعة يمكن أن تبين كل هذا.
فالإعلان؛ لا يستطيع العقل الطبيعي أن يدركه. فإذا حاول العقل فهم شيء فوق طبيعته، فينظر كما لحائط ولا يرى شيئًا. ولكن حينما يأتي الإعلان الفائق السماوي مثل أشعة نورانية فائقة يجعل الشيء الغير واضح في عقل الإنسان الطبيعي واضحًا جدًا أمام أولاد الله، فهو عبارة عن إعلان فائق للطبيعة لكي يعطى للعقل فرصة المعرفة الإلهية..
فالإيمان ليس ضد العقل ولكنه فوق العقل. فعبارة "ضد العقل" تقال حينما يكون شيء خطأ وغير منطقي، أما "فوق العقل" فهو يحتاج إلى مستوى من الإعلان يرفع العقل أكثر من قدراته الطبيعية، وهذا الإعلان يعطيه الآب السماوى.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:52 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
فهو يعلمكم كل شيء

يقول السيد المسيح: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو14: 26).
فإذا ذهبت إلى مكان ولم يكن معك إنجيل، مثل شخص كان يركب سفينة في البحر وغرقت السفينة بكل ما يملك ووجد نفسه في جزيرة وسط البحر يسكنها شعب وثنى، وشاء الله أن يكمل باقي حياته هناك أو يمكث سنين طويلة فيها، فسوف لا يعيش هناك محرومًا من معرفة الله أو التعليم الإلهى، لأن الروح القدس الذي أوحى بالإنجيل للقديسين متى ومرقس ولوقا ويوحنا هو نفسه من الممكن أن يتعامل مع أي إنسان في كل زمان ومكان كما قال: "فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" ولكن هذا لا يعنى أن يكتب أحدًا إنجيلاً آخر أو سفرًا آخر غير أسفار الكتاب المقدس بعهديه. ومن المؤكَّد أن الروح القدس كان يتعامل بصوره فائقة جدًا مع الإنجيليين حيث يعطيهم الوحى، وهذا ما قاله السيد المسيح للرسل بأن الروح القدس سوف يذكركم بالكلام الذي قلته لكم لكي تعاودوا كتابته مرة أخرى في الأناجيل والرسائل، وتعلمون به الشعب.
وكما قال هذا لرسله القديسين؛ فقد قاله أيضًا للكنيسة بكاملها -هم طبعًا بالدرجة الأولى، ولن نصل إلى مستواهم- ولكن ليس معنى هذا أنه حرم الكنيسة من تعليم الروح القدس لأنه قال: "وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ" (مر13: 37) بمعنى أن كل تعليم يقوله للرسل، يقوله للكنيسة في كل زمان ومكان، إلا إذا كان شىء خاص بهم وحدده لهم بالتخصيص مثل سلطان تقديم ذبيحة الافخارستيا لهم ولخلفائهم ومساعديهم، وسلطان الحِل والربط ومغفرة الخطايا وإمساكها، وممارسة الأسرار الكنسية مع مراعاة معمودية الضرورة التي قبلتها الكنيسة،على هذا الأساس يستطيع الإنسان أخذ معرفة من الله.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:54 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
قصة تؤكد تعليم الروح للإنسان



https://st-takla.org/Gallery/var/albu...f-Egypt-13.jpg
القديسة مريم المصرية على سبيل المثال كانت تعيش في حياة الخطية في الإسكندرية،فقد ولدت من أبوين مسيحيين تقيين، ثم ماتا وتركا لها أموالاً كثيرة. فتجمع حولها الأشرار وكان عمرها وقتئذ اثنى عشر عامًا، فانحرفت في طريق الخطية وبدأت تمارس الشر على أوسع مدى. وذات يوم أرادت أن تسافر القدس وركبت سفينة متجهة إلى القدس؛ ليس لزيارة المقادس ولكن لكي تُعثر الشباب الموجودين داخل السفينة أثناء الرحلة ذهابًا وإيابًا.
ولكن عندما حاولت الدخول إلى كنيسة القيامة منعتها القوة الإلهية، واستطاع كل الأبرار الدخول إلى الكنيسة، أما هي فلم تستطع الدخول. فتابت وندمت أمام أيقونة العذراء مريم، وأثناء بكائها سمعت صوت يدعوها للخروج إلى البرية لكي تخلص. فخرجت للصحراء، وعاشت بعدها خمسين سنة حتى بلغت السبعين عامًا وهي تعيش في الصحراء ولم تبصر وجه إنسان. وكان الله يعولها هناك، ولكن بليت ملابسها ولم يعد لها ما يستر جسدها. وصار جسدها أسود اللون من الشمس. وتقدمت في الأيام، وخرج الأب زوسيما الراهب القس إلى البرية في أيام الأربعين المقدسة وفوجئ بشبح يجرى في البرية ويختبئ وراء صخرة. وعندما أعلمته من هي ألقى لها عباءته لتستتر بها، وعندما أخبرته بكل قصتها وصلى لها طلبت منه إحضار الأسرار المقدسة في العام التالي لتتناول جسد الرب ودمه. وسألها كيف تقرأ كلمة الله وهي تعيش في البرية خمسين سنة وهل معها كتاب مقدس؟
فأجابته إن الروح القدس الذي أوحى بالمزامير والأناجيل، هو نفسه الذي كان يعلمها كل هذه السنين.
وفى العام التالي عاد في نفس الموعد في الصوم الكبير المقدس وناولها من الأسرار الإلهية وتنيحت، فقام بدفنها وكتب سيرتها.
مشكلتنا أحيانًا أننا لا نستفيد من هذه الإمكانية الموجودة في حياتنا المعطاة لنا ألا وهي تعليم الروح القدس.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:55 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
يتكلم الروح في قلبك

عندما تقرأ في الكتاب المقدس، ستجد بعض الأمور وكأنك تعلَمها من قبل، لدرجة أن الأشياء التي تفرح بها جدًا هي التي تشعر وأنت تقرأها أنها تعبّر عن مشاعرك الداخلية، بمعنى أنه حينما تقرأ في الإنجيل أو في الكتب المقدسة سواء كان في العهد القديم أو العهد الجديد، ستجد وكأنك كنت تعلم بالمكتوب من قبل أن تقرأه، تشعر بأن الروح يتكلم في قلبك ويقول هذا الكلام من قبل، فأصبح المكتوب على الورق يعبّر عن المكتوب في داخلك. والتعليم الذي تسمعه يتوافق وينسجم في تناغم مع التعليم الذي تسمعه من الروح القدس في داخل قلبك.
ولكن كيف للإنسان الذي ينشغل بأمور العالم أن يسمع صوت الله؟! وكيف يتكلم الروح بأسرار ملكوت السموات في قلب الإنسان الذي ينشغل بالجسدانيات وبالماديات؟! فليست المشكلة أن الروح القدس قاصر على تعليمنا أو التكلم في قلوبنا، ولكن المشكلة أننا نصم أذاننا وأسماعنا عن الحق ونستمع إلى الباطل، وننشغل به ولذلك يقول الكتاب "لاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ" (أف4: 30) وأيضًا "لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ، لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ" (1تس5: 19، 20).
الروح القدس مستعد أن يشعل الكنيسة بالنار الإلهية وأن يتكلم بأسرار كثيرة جدًا ويتكلم بأمور آتية؛ كما قال: "أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ" (أع2: 17، 18). فالله في كل زمان مستعد أن يعطى رؤى وأحلام وإعلانات ونبوات وأن يتكلم بالروح بأسرار في قلوب المؤمنين وتكون جماعة المؤمنين مشتعلة بنار الروح القدس؛ مثلما حل على هيئة نار في يوم الخمسين -ولكن لن نراه كنار منظورة مرة أخرى ولكنه كالنار في قلوب المؤمنين- ولكن ينبغى من الحذر من المواهب المزيفة التي يدّعيها البعض خارج الكنيسة الجامعة الرسولية وهم لا يعترفون بأسرارها المقدسة، أو يندسون في وسط جماعة المؤمنين مفتعلين المواهب الخارقة دون الحصول على شهادة الكنيسة المؤتمنة على حفظ الإيمان المستقيم.
الإنسان المسيحي الحقيقى هو الذي يتكلم روح الله في داخل قلبه، ليس من الضرورى أن يتكلم في داخل قلبه ويقول له أحداث مستقبلية، لأنه يوجد أشياء أخرى أهم من ذلك، فروح الله يرشده ويتكلم على لسانه بكلام معين، ويمنعه من فعل أشياء معينة،فالإنسان الذي يشعر أن الروح القدس يقوده في الداخل، هو الإنسان الذي يشهد له الروح أنه مولود من الله "اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ" (رو8: 16).

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:55 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
الروح القدس والضمير

كثيرًا ما يتكلم الروح القدس داخل قلوبنا ولكننا نرفض أن نطيع صوته. فما هو الفرق بين الروح القدس والضمير؟
الضمير يتكلم داخل الإنسان حتى في عدم وجود الروح القدس. الضمير هو أثر من آثار الحياة الأولى مع الله. فحينما خلق الله الإنسان على صورته ومثاله وضع فيه الضمير لكي يرشده إلى الصواب ويبكته على الخطأ مع عدم إلغاء حريته. ولكن الضمير بعد سقوط الإنسان أصبح من الممكن أن يتغير أو يتسع ويضيق حسب العوامل التربوية للإنسان. من الممكن أن يعمل الإنسان أمرًا يبكته عليه ضميره، ولكن إذا اعتاد على عمل هذا الأمر، فسوف لا يبكته ضميره مثلما قال الكتاب عن الخطاة يشربون الإثم كالماء "فَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ!" (أي15: 16)..

الضمير من الممكن أن يضعف وأن ينام، وأن يضيق أو يتسع تبعًا للعوامل التي تمر بحياة الإنسان وتبعًا لمحاولته أن ينمى ضميره ويقوّمه ويهذبه، أو إذا كان يميت ضميره. وهناك من الضمائر من يظن أنه بإضطهاده للمسيحيين يقدّم خدمة لله مثلما كان يفعل بولس الرسول قبل قبوله الإيمان بالمسيح. لذلك قال السيد المسيح: "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلَّهِ" (يو16: 2) لهذا فالضمير يتأثر بما يتلقنه الإنسان وما يعتقده.
لكن الروح القدس ليس كذلك. الروح القدس هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، بنفس قوته الإلهية وبنفس ناره الحارقة للخطية. فهو لا يتغير. الروح القدس يعتبر معلّم للضمير فإذا مات ضمير الإنسان، فسوف يوقظه الروح القدس وسوف يرجع هذا الضمير للمقياس المضبوط، مثلما حدث مع زكا رئيس العشارين عندما قال: "هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَاف. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهَذَا الْبَيْتِ إِذْ هُوَ أَيْضاً ابْنُ إِبْرَاهِيمَ" (لو19: 8، 9).
ضمير زكا الأول كان يسمح له بظلم الناس، ولكن بعد أن استيقظ ضميره قال: "إِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ" فمن الذي يوقظ ويهذب الضمير؟ إنها عطية من عند الله؛ الروح القدس "يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يو14: 26).
فالإنسان لم يُترك في مهب الريح ولكن التعليم الإلهي يُعطى له من الله مباشرةً، في نقاوة كاملة لا تتأثر بالعوامل التربوية أو الاجتماعية أو البيئية، وفوق كل هذا سمو التعليم الإلهى.
لذلك فالإنسان الذي يعيش مع المسيح تختلف تصرفاته عن المجتمع الذي حوله، ويعتبر نوع من الطفرة يختلف عن مقاييس العالم حتى وسط المجتمع المسيحي نفسه،لأن المجتمع المسيحي أحيانًا يتوارث عادات وتقاليد بشرية خاطئة. لكن الإنسان الذي فيه روح الله يرفض العادات السيئة في المجتمع كما قال الكتاب "وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللَّهِ" (يو6: 45)، و"يَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إلى كَبِيرِهِمْ" (عب8: 11).

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:56 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
قوة الروح

"كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ"
(رو8: 14).
من قيامة المسيح إلى يوم الصعود أربعين يومًا، وبعدها حتى أحد العنصرة عشرة أيام ننتظر فيه عيد البنطيقستى أي عيد حلول الروح القدس. ونتذكر انتظار الكنيسة لنوال قوة الروح القدس فيها وعطية الروح القدس. وفي خلال هذه العشرة أيام نطلب بحرارة من الله أن يسكب فينا مواهبه الإلهية، وأن يعطينا قوة الروح القدس في داخلنا، هذا الذي نستطيع به أن نغلب العالم الحاضر لأننا ضعفاء ومساكين في العالم، ولكن الروح القدس هو الذي يرفعنا فوق التجربة، وفوق آلام هذا الزمان الحاضر، وفوق التجارب الشيطانية، وفوق محاربات عدو الخير، فبدونه لا نستطيع عمل شيء ومن الممكن أن نضيع.

Mary Naeem 23 - 03 - 2014 01:57 PM

رد: كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
 
أفراح القيامة

لقد جمع السيد المسيح العالم الآخر مع العالم الحاضر بقيامته المجيدة من الأموات، حيث كرز للأرواح التي في السجن ليقودهم في موكب نصرته، وأراد لهم أن يشاركوا في أفراح وبشرى قيامته المجيدة.. أليس هذا هو اليوم الذي صنعه الرب لنفرح ونبتهج فيه؟!
فليباركنا الرب بأفراح وأنوار القيامة ويهبنا أن نحيا في حقيقة القيامة وقوة الروح. ولإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين.


الساعة الآن 02:11 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025