![]() |
كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي مقدمة https://st-takla.org/Gallery/var/resi...18-abraham.jpg كان الآباء في العهد القديم ينتظرون المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله، ويبتغون وطنًا أفضل أي سماويًا... وإبراهيم هو أب الإيمان، هو رجل الإيمان الجماهيري الأول في تاريخ البشرية، هو أب تلك العائلة المقدسة التي دعاها الله لكي يجعلها شعبًا خاصًا له بصفة مرحلية لكي تتسع بعد ذلك وتصير عائلة الإيمان. ونستطيع أن نقول إن إبراهيم يمثل بداية متميزة من بدايات علاقة الإنسان مع وعود الله. إن الكتاب المقدس بلباقة عجيبة جدًا وبحكمة إلهية سامية، يرسم حياة الإنسان من خلال هذه الشخصية العظيمة. من البداية الأولى لذلك الشعب الخاص خطوة خطوة، وتقطع البشرية مسيرة الخلاص مع الله، بنفس الصورة التي تقطعها كل نفس تؤمن بالمسيح. وبهذا نفهم أن كل ما حدث في حياة الجنس البشرى هو عملية تخطيط وتهيئة وإبراز للمعالم بالنسبة لمسيرة كل نفس بشرية، وكأن كل واحد منا ممكن أن يعتبر نفسه هو قصة البشرية كلها. عندما خرج إبراهيم من أور الكلدانيين، خرج وهو يرى أمام عينيه مدينة أخرى صانعها هو الله، تجتذبه أشواق تختلف عن أشواق حب الذهب والفضة والعالم... تجتذبه أشواق من نوع آخر. ربما يتعجب البعض كيف يكون إبراهيم في هذه الحالة وهو خارج من أور الكلدانيين،.. فمَنْ كان يستطيع في العهد القديم أن يفكر بهذا الأسلوب؟!! هذا الرجل المختار بدأت حياته بالخروج مع الله، مثالاً لكل من يريد أن يدخل مع الله إلى حياة أبدية. إن أعظم القديسين عاشوا حياتهم كلها على الأرض وهم مغمورون بالتأمل في هذه الأمور، وقد شعروا أن الحياة على الأرض لا تكفى، فخرجوا لكي يكملوا في الأبدية، ليزدادوا شكرًا لله على عظم صنيعه معهم، ويسبحونه إلى أبد الدهور على هذا الخلاص الذي لا يُعَبَّر عنه. حتى وإن كانت كل الطغمات الملائكية والطبائع العقلية تمجد الله كما يقول عنهم القديس غريغوريوس الثيئولوغوس -أى الناطق بالإلهيات- في صلاة القداس }يرسلون تسبيح الغلبة والخلاص الذي لنا{. إن حياة إبراهيم تعتبر مدرسة في الإيمان بمراحله، وكيف ينمو في علاقة الإنسان مع الإله الحقيقي. لذلك نسأل الرب أن يجعل من هذا الكتاب سبب منفعة لكثيرين بصلوات أبينا المبارك صاحب القداسة البابا شنوده الثالث أطال الرب حياته وأدام رعايته. بيشوى مطران دمياط ومفر الشيخ والبراري |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
فيما بين النهرين اسم أبرام يعنى الأب الرفيع أو الأب المكرم. وقد دعاه الله فيما بعد باسم إبراهيم أي أب جمهور.. ولد إبراهيم في العراق، في الشمال، منطقة تسمى ما بين النهرين أي بين نهرى دجله والفرات. واسمها باليوناني Mesopotami,a (ميسوبوتاميا) وهذه المنطقة هي جزء من الهلال الأخضر الخصيب المشهور في منطقة الشرق الأوسط. وهذا أوضحه القديس استفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء في حديثه مع اليهود الذي سُجل في سفر أعمال الرسل، أن الأمر الذي صدر لإبراهيم لم يكن وهو في حاران ولكنه كان في أور الكلدانيين، فيقول: "ظَهَرَ إِلَهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَهَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَخَرَجَ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَكَنَ فِي حَارَانَ. وَمِنْ هُنَاكَ نَقَلَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمُ الآنَ سَاكِنُونَ فِيهَا" (أع7: 2-4). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
الخروج من أور الكلدانيين بدأت الرحلة من منطقة ما بين النهرين، ونجح أبرام أن يقنع أباه تارح ولوطًا ابن أخيه أن يخرجوا معه إلى حاران، وهناك مات أبوه، فأكمل هو الرحلة مع ابن أخيه.. فقد بدأت الرحلة من أور الكلدانيين، وكان الرب قد أمر إبراهيم أن ينتقل من هذه الأرض إلى أرض كنعان.. "وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" (تك12: 1-3).. إذن عندما خرجوا من أور الكلدانيين إلى حاران لم يكن تارح هو الذي اتخذ هذا القرار، ولم يأمر الرب تارح، لكن كان الأمر لإبراهيم ابنه، لذلك يقول الكتاب: وَمِنْ هُنَاكَ نَقَلَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ إِلَى هَذِهِ الأَرْضِ" (أع7: 4). وللأسف كان كل أقارب إبراهيم تقريبًا يعبدون الأصنام. وكان إبراهيم يرى حالة الشر الموجودة في العالم. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
أقروا بأنهم غرباء ربما يتساءل البعض: لماذا أمر الرب إبراهيم أن يترك أرضه الأصلية، وحياته وسط أهله وعشيرته؟ لماذا يخرج إبراهيم من بين أهله، خاصة إن كان سيذهب إلى بلاد هي أيضًا تعبد الأصنام؟! ففي نزوله إلى مصر، وجد عبادة وثنية؛ وإن كانت زيارته لمصر كانت سريعة. وعندما ذهب إلى أرض كنعان كان الساكنون هناك يعبدون الأصنام!! فهو إن كان قد خرج من أرض تعبد الأصنام إلى أرض فيها عبادة أصنام أيضًا.. لكن هناك فرقًا كبيرًا، فإن كان أهله يعبدون الأصنام، لكن في خروجه من وسطهم إلى مكان آخر سوف يكون غريبًا، وهذه الغربة تضع فاصلاً وعازلاً بينه وبين أهل العالم. من أجل ذلك قال السيد المسيح لتلاميذه "لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلَكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ لِذَلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ" (يو15: 19). وقال الكتاب عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ" (عب11: 13). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
بين بابل وأورشليم لقد أمر الرب إبراهيم أن يخرج من أور الكلدانيين أي يخرج من حضارة مملكة بابل. بابل حيث البرج الذي أراد بنو البشر أن يبنوه حتى إذا جاء طوفان مرة أخرى لا تصل إليهم المياه!! وهذا نوع من التحدي لله... وقتها قال الرَّبُّ: "هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ وَهَذَا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ. فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ الْمَدِينَةِ لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا "بَابِلَ" لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ الأَرْضِ. وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ الرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ" (تك11: 6-9). حضارة بابل تحمل ذكرى كبرياء الإنسان وتحديه لله، ولذلك في بابل بلبل الرب ألسنة بني البشر، بينما في أورشليم في يوم الخمسين بعد إتمام الفداء أعطى الله لبنى البشر أن يتكلموا بألسنة جديدة؛ "وامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا" (أع2: 4)، وكل شعوب الأرض الذين اجتمعوا في أورشليم سمعوا كل واحد من الرسل يتكلم بلغته التي وُلد فيها.. هكذا بينما كانت ذكريات بابل تمثل الكبرياء والتحدي لله، كانت أورشليم تمثل الموضع الذي اختاره الرب لكي يجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
بابل وتحدى الله بابل تمثل الإنسان الذي يبنى برجًا رأسه في السماء "وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْماً لِئَلا نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ" (تك11: 3، 4)... بابل تمثل الإنسان الذي يريد أن يضع رأسه في السماء، بينما يقول يوحنا الرائي عن أورشليم الجديدة: "رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا" (رؤ21: 2). بابل مدينة رأسها في السماء.. وأورشليم مدينة نازلة من السماء. ما الفرق بين الاثنين؟ الفرق هو إنه عندما يتكبر الإنسان يحاول أن يضع رأسه برأس الله، بينما الإنسان المتواضع يأتي الله بنفسه إلى حيث هو.. كما يقول الكتاب: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" (يو1: 14). هناك فرق بين الإنسان عندما أراد أن يصير إلهًا، وبين الله الكلمة عندما أخلى ذاته ووُجد في الهيئة كإنسان.. هناك فرق بين آدم عندما أراد أن يصير مثل الله حسب مشورة إبليس عندما قال لحواء يوم تأكلان من الشجرة تصيران مثل الله، وبين ما قاله الكتاب إن السيد المسيح إذ كان في صورة الله أخلى ذاته آخذًا صورة عبد "وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ" (في2: 8، 9). هناك فرق بين إنسان يرفع نفسه في كبرياء، وآخر يرفعه الله ويمجّده في ملكوت السماوات كما يقول السيد المسيح "حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ.." (مت13: 43). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
اخرج من بابل قال الرب لإبراهيم: أنا لا أريدك أن تسكن في هذا المكان، اخرج من هذه الأرض، اخرج من وسط هؤلاء المتكبرين "لأَنَّ اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (1بط5: 5). اخرج يا إبراهيم "فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" (تك12: 2، 3). وقال له الرب: يا إبراهيم إن كان أجدادك قد بنوا برج بابل لكي يتحدونى، فأنا سوف أبنى برجًا آخر، لكن هناك فرق بين برج يبنيه الإنسان لكي يتحدى الله، وبين برج الإيمان والفضائل الروحية وبرج النعمة والكرامة والعظمة التي يعطيها الله للإنسان عندما يحب أن يكرمه، لأنه قال "فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، والَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ" (1صم2: 30)،من أجل ذلك قال السيد المسيح: "فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ" (مت23: 12). هناك إنسان يرتفع إلى أسفل، وهناك إنسان ينخفض إلى فوق!!.. لم يكن ممكنًا أبدًا أن يدخل الله مع إبراهيم في عهدٍ، أو يكوِّن علاقته مع شعبه في منطقة برج بابل.. لا يمكن. لابد أن نغلق تلك الصفحة القديمة المزرية، لابد أن ندفن تلك الذكريات القديمة. كما يقول المزمور: "يَا بِنْتَ بَابِلَ الْشَقِيّةَ طُوبَى لِمَنْ يُكَافِئكِ مُكَافَأَتَكِ الَّتي جَازَيْتِنَا! طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ الصَّخْرَةَ" (مز136: 8، 9). بنت بابل الشقية التي هي خطية الكبرياء ولها أولاد كثيرون، فهي خطية أُم، فالإنسان المتكبر يكون قاسيًا، الإنسان المتكبر يكون غضوبًا، ويسقط في أخطاء كثيرة لأن الكتاب يقول: "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ" (أم16: 18). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
من الكبرياء إلى الاتضاع قال الرب لإبراهيم: أنا أريدك أن تخرج من وسط حضارة الكبرياء، لكي تسلك في حضارة الاتضاع، لا أريدك أن تعيش في وسط هذه المدن والمباني.. لا أريدك أن تعيش في وسط القصور لكن في الجحور.. مع أولئك الذين كُتب عنهم: "تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ" (عب11: 38). لا أريدك أن تعيش في مكان ثابت على الأرض، أريدك ألاّ تعيش في مدينة، ما رأيك؟ أريدك أن تعيش في خيمة.. خيمة ليس لها مكان ثابت، ترتحل ارتحالاً في هذا العالم.. أنا أريدك يا إبراهيم أن تعيش غريبًا على الأرض، وإذا عشت غريبًا على الأرض، أنا سوف أبنى لك مدينة سمائية. أتنظر هذه المباني العظيمة التي في بابل؟ أتنظر هذه القصور الشاهقة وهذه التماثيل الفخمة؟ إنها رمز لمحبة العالم و"مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ لِلَّهِ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبّاً لِلْعَالَمِ فَقَدْ صَارَ عَدُّواً لِلَّهِ" (يع 4: 4). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
بنى مذبحًا للرب الذي ظهر له قال له الله: لا تخف يا إبراهيم من هؤلاء الكنعانيين وما عندهم من عظمة وتشامخ. لا تخف فإن هذه الأرض سوف تتقدس وتتخصص لعبادتي. هكذا يقول الكتاب: "َظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ" (تك12: 7). وعندما ظهر الرب لإبراهيم تبددت مخاوفه، وعندما قال له "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ". فهم أن العبادة الوثنية سوف تنتهي، فقام فرحًا وبنى مذبحًا للرب وقدّم عليه ذبائح. وفى كل مكان ذهب إليه إبراهيم كان يبنى مذبحًا للرب، وكان يسمى هذا المذبح على اسم الرب، وأحيانًا يسمى المكان على اسم المذبح، ولما كان إبراهيم يرتحل من هذا المكان يظل المذبح قائمًا شاهدًا وتذكارًا أبديًا. وكل من يأتي إلى هذا المكان يعرف أن فيه ظهر الرب لإبراهيم، وفيه أعطى الوعد لإبراهيم، فيقوم بترميم المذبح، ويقدم هو أيضًا الذبائح،فصار المذبح ليس فقط مكانًا لتقديم الذبيحة، ولكنه شاهد مستمر على العلاقة الدائمة بين الله والإنسان. كان المذبح هو الرباط الذي يربط الإنسان بالله. إن كان الرب قد ظهر لإبراهيم وأعطاه وعدًا، فكيف يقدم إبراهيم الشكر لله، كيف يقدم اعترافًا بفضل الله، كيف يقدم عربونًا أو برهانًا على الإيمان، كيف يدخل في شركة الحياة مع الله؟ يقول الكتاب: "فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ" (تك12: 7). لكن.. لماذا الذبيحة والمذبح؟!. ألا يكفى التعبير بكلمات الشكر؟ نجيب: كلا.. ليست هناك عبادة مقبولة أمام الله إلا من خلال الذبيحة، وبدون الذبيحة لا يقبل الله صلاة ولا يقبل عبادة، ولا يجد الإنسان قبولاً أمام الله. هذه هي السمة الواضحة جدًا، وهذه هي علامة من علامات الطريق بالنسبة لنا. ليس بالنسبة لنا فقط إنما بالنسبة للآباء أيضًا. هكذا في كل مكان يأتي إليه إبراهيم، كان يبنى مذبحًا للرب شاهدًا وتذكارًا أبديًا. وسر كل ذلك مفهوم طبعًا لأن وعد الخلاص كان هو بتقديم ذبيحة السيد المسيح على الصليب لإتمام الفداء. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
هناك أعطيك عهدي عندما ظهر الرب لإبراهيم، بني له إبراهيم مذبحًا، كوسيلة تعبّر عن العلاقة بينه وبين الله؟ إذ قال له الله: اخرج يا إبراهيم إلى الصحراء، اخرج إلى الأراضي الجرداء.. هناك أعطيك عهدى، وهناك نبدأ علاقة حقيقية وأعطيك وعدى. وهناك تستحق أن تصير أبًا للمؤمنين، وتستحق أن ترث "الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ" (عب11: 10).. إن جلستَ في التراب متضعًا سوف أجعلك ملكًا، إنما إن سعيتَ وراء المُلك، سيكون مصيرك في التراب. إذا خرجت إلى الصحراء، سوف أجعلك غنيًا. لكن إن سعيت وراء الغنى، فالكتاب يقول: "هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ" (يع5: 1-3). وقال السيد المسيح: "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟" (مت16: 26). اخرج يا إبراهيم وسِر في الدنيا وأنت تشعر إن ليس لك فيها شيءٌ، ولا حتى شبر أرض.. هكذا سار إبراهيم. وكلما وصل إلى مكان لعله هو الموضع الذي قال له الرب عنه، يقول له الله: ليست هذه هي الأرض يا إبراهيم، ارتحل غربًا، ارتحل جنوبًا... رحلة طويلة تغرّب فيها إبراهيم، لدرجة إنه في إحدى المرات نزل إلى أرض مصر بسبب المجاعة. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
رأس جسر للعبور إلى السماء وأخيرًا قال له الله: يا إبراهيم أنا سوف أعطيك قطعة أرض. فقال له إبراهيم: ماذا تعطيني يا رب؟ قال له: سوف أعطيك قطعة أرض لا تتعدى مترين!! وما هي هذه الأرض؟ هي مغارة المكفيلة لكي تُدفَن فيها أنت وامرأتك!! ليست هذه الأرض لكي تبنى فيها بيتًا ولا لتزرع فيها أو تقلع، لكنها مجرد مكان لكي يرتكز عليها السلم المتجه إلى العالم الآخر، هذه الأرض هي فقط لكي تعبر بها من الأرض إلى عالم الروح في الطريق إلى الفردوس بعد إتمام الفداء. فقال له إبراهيم أشكرك يا رب، ماذا أطلب بعد، هذه الأرض تكفى لكي يتوارى فيها الجسد بعد الممات، من أجل ذلك لم يشترِ إبراهيم أرضًا على الإطلاق. حتى عندما ذهب لبنى حث قال لهم: سارة امرأتي قد ماتت وأريد أن أدفنها، فقالوا له خذ مغارة حقل المكفيلة هدية يا إبراهيم. قال لهم لا آخذها هدية ولكنى أدفع ثمنها، فوافقوه وأعطوه إياها، فقام وسجد أمامهم على الأرض وشكرهم... (انظر تك23). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
حقل مغارة المكفيلة هذا الحقل كان مجرد مغارة. وضع إبراهيم فيها سارة امرأته... ومرت الأيام وجاء ابن إبراهيم الذي هو السيد المسيح، "وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ" (يو19: 41)، كان القبر منحوتًا في صخرة مثل مغارة المكفيلة. هكذا دُفن السيد المسيح في قبر استعاره من يوسف الرامي، ولم يكن له قبر لكي يُدفَن فيه. وكأن السيد المسيح يقول ليوسف الرامي: يا يوسف أنا أشكرك لأنك دفنتني، لكنى أريد أن أقول لك يا يوسف.. هل الحي (بعد قيامته) يحتاج إلى مقبرة؟! أنا سوف أترك لك هذا القبر لكي يكون أعظم كنيسة في العالم كله، فعندما ذهبت المريمات باكر يوم الأحد "وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟" (مر16: 3). كانت النسوة حاملات الحنوط والطيب لكي يضعنه على جسد الرب يسوع، فوجدن الملاك داخل القبر قال لهن: "لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لَكِنَّهُ قَامَ!" (لو24: 5، 6)،كان القبر فارغًا، ورأين الكفن والمنديل موضوعًا وحده، والملائكة منيرة، ومنظر القبر عجيب جدًا... هكذا رأين القبر الفارغ الذي يعلن الحياة الجديدة. وكأن السيد المسيح يقول: حتى القبر الذي وهبتموني إياه قد تركته لكم، وليس القبر فقط إنما حتى الكفن، والملابس التي لي وأنا معلق على الصليب أخذها العسكر وقسموها، واللباس اقترعوا عليه.. فقد خرجتُ من هذا العالم وليس لي شيء؛ لا ملابس قبل الصلب ولا كفن بعد الصلب، ولا قبر.. لقد تركتُ كل شيء.. القبر يشهد للقيامة، والكفن يشهد لموتِى وقيامتي من الأموات.. ولكي أُعلمكم أيضًا أن هذه هي حياة أولاد الله، عابرين غرباء ولسان حالهم يقول مع أيوب الصديق: "عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ" (اي1: 21). حتى الجسد الذي أخذه الرب من العذراء مريم قال لتلاميذه "خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي" (مت26: 26). "وَأَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: هَذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي" (لو22: 19). قال جسدي أبذله من أجل حياة العالم، سوف أعطيكم جسدي لكي تحيوا به، سوف أعطيه لكم عطية للحياة.. جسدي ودمى في سر الإفخارستيا؛ جسدي أبذله ودمى يُسفك من أجل خلاصكم جميعًا. وهذا الجسد المصلوب القائم الممجد صعد إلى السماء ليشفع في المؤمنين أمام الآب كل حين. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
أرض الميعاد وُضع السيد المسيح في القبر ولكنه قام وصعد إلى سماء السماوات، فكان القبر له مكانًا للعبور وليس مكانًا للسكنى. فمثلما كان القبر بالنسبة للسيد المسيح هكذا كانت مغارة حقل المكفيلة بالنسبة لإبراهيم. وهكذا أيضًا كانت كنعان أو أرض الميعاد بالنسبة له، لم تكن هي الميراث الذي تطلع إليه عندما قال له الله هلم إلى الأرض التي أريك.. كانت أرض الميعاد بالنسبة لإبراهيم رأس جسر للعبور من الأرض إلى السماء. ولم يأخذ من الأرض التي وعده الرب بها ميراثًا له هو شخصيًا، وقد شرح القديس إستفانوس ذلك أمام مجمع اليهود في سفر الأعمال فقال: "وَلَمْ يُعْطِهِ فِيهَا مِيرَاثاً وَلاَ وَطْأَةَ قَدَمٍ وَلَكِنْ وَعَدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مُلْكاً لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدُ وَلَدٌ" (أع7: 5). فالأرض التي أراه إياها الله لم تكن أمام عينيه هي الأرض بقدر ما كانت هي السماء. الأرض التي أراه كانت هي أورشليم السمائية. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
ترك العالم من كل قلبه لما خرج إبراهيم، خرج أي ترك العالم، تركه من كل قلبه، وبذلك استطاع أن يدخل في عهد مع الله. لكن إذا كان العالم يشغل قلب الإنسان، لا يمكن أن يسكن الله فيه، لا يمكن أن يسكن الله في القلب الذي يحب العالم كما يقول الكتاب: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ لِلَّهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبّاً لِلْعَالَمِ فَقَدْ صَارَ عَدُّواً لِلَّهِ" (يع4: 4). "إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ" (1يو2: 15). هكذا يذكر معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين عن إبراهيم إنه: "بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثاً، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي. بِالإِيمَانِ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ كَأَنَّهَا غَرِيبَةٌ، سَاكِناً فِي خِيَامٍ مَعَ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ الْوَارِثَيْنِ مَعَهُ لِهَذَا الْمَوْعِدِ عَيْنِهِ. لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ... وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَناً أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيّاً. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً" (عب11: 8-16). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
المدينة التي لها الأساسات كان الآباء مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب في العهد القديم ينتظرون المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله، ويبتغون وطنًا أفضل أي سماويًا... إبراهيم عندما خرج من أور الكلدانيين، خرج وتترآى أمام عينيه مدينة أخرى صانعها هو الله، وهو يرى أمام عينيه أمجاد أخرى خاصة بالله، تجتذبه أشواق تختلف عن أشواق حب الذهب والفضة والعالم، تجتذبه أشواق من نوع آخر. ربما يتعجب البعض كيف يكون إبراهيم في هذه الحالة وهو خارج من أور الكلدانيين.. لأن من كان يستطيع في العهد القديم أن يفكر بهذا الأسلوب؟!! ويقول يوحنا الرائي الذي من نسل إبراهيم، وهو من رسل الخروف الاثنا عشر يقول: "وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا" (رؤ21: 2). فإن كان يوحنا أحد أبناء إبراهيم قد رأى هذا المنظر، فهل رآه إبراهيم؟ |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
من بعيد نظرها لنسمع ماذا يقول الكتاب: "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ. فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَناً. فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ. وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَناً أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيّاً" (عب11: 13-16)... وهنا نقول: نعم لقد رأى إبراهيمأورشليم السمائية.. كما يقول الكتاب: "لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ" (عب11: 10)، وإن كان لم يصل إليها بعد ولكنه رآها من بعيد، كان يسير برجليه على الأرض وعيناه ترى السماء. كان يعيش على الأرض وفكره في السماء، لأنه عاش على الأرض كغريب.. وهذه هي حياة أولاد الله. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
يبتغون وطنًا أفضل أي سماويًا لم يكن من السهل أن يترك إنسان كل الحضارة التي نشأ فيها لكي يخرج إلى الصحراء الجرداء إلا إذا كان يعاين أورشليم السماوية بعين النبوة وتتضح أمام عينيه تلك الأمجاد التي دعاه الله إليها. إن كان استفانوس يقول: "ظَهَرَ إِلَهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ"، فإذا كان إبراهيم قد رأى الله نفسه (أي الابن الوحيد الجنس) أفليس من الممكن أن يرى أورشليم السمائية؟! فالرب هو الذي دعا إبراهيم، وهو الذي ظهر له، وهو الذي أعطاه الموعد. وكان الوعد لإبراهيم وعدًا بالخلاص، وعدًا بالحياة أكثر منه وعد بميراث أرضى. لو كان الوعد الذي أعطاه الله لإبراهيم هو وعد بميراث أرضى لكان الأمر مرتبطًا بالأرضيات، لكن الوعد كان وعدًا سماويًا. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
إعداد شعب خاص لله كان الهدف من أرض الميعاد التي أعطاها الله لإبراهيم؛ هو أن يعزله عن منطقة العبادة الوثنية التي تربى فيها وسط عشيرته، فينشأ نسله في أرض غريبة ولا يختلط مع تقاليد وعبادات هذه الأراضي الغريبة، ويعيش يعبد الله بأسلوبه الخاص. وعلى قدر المستطاع أمكن أن يتحقق هذا الهدف، ففي أجيال وعصور متلاحقة عاشت الأمة اليهودية التي أعطاها الله الناموس والشريعة تعبد الله في وسط شعوب وثنية. ولو أنه بالرغم من هذا كانت العبادة الوثنية تتسلل أحيانًا، وكان الله يغضب على شعبه ويؤدبه. بل سمح أن يدخلوا في سبى طويل، وقال: "أَنْقُلُكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ" (أع7: 43)، فرجعوا مرة أخرى إلى ما بين النهرين وإلى أور الكلدانيين لكي يعرِّفهم أنهم إن تركوا عبادة الله فمن الممكن أن يتخلى الله عنهم أيضًا، ويسلمهم لأيدي أعدائهم... ولكن كل هذه المراحل التي عبرت كانت إلى أن يأتي المسيح مخلص العالم. كان الأمر يتطلب أن يكون هناك جماعة لها نبوات وعبادة تشهد بمجيء المخلص،فكانت الأمة اليهودية؛ وكانت الكتب المقدسة، والممارسات الطقسية، والعبادة اليومية، والأعياد والعادات، والتقاليد، كلها تدور حول عقيدة أساسية هي أن الله سوف يرسل المسيا مخلص العالم. من هذا نعرف أن أرض الميراث أو أرض الميعاد التي هي أرض كنعان لم تكن هي الهدف في حد ذاتها، لكن كانت وسيلة مؤقتة لإعداد الشعب اليهودي، لكي يخرج الخلاص من اليهود، وتبدأ الكرازة بالإنجيل وتنطلق من اليهودية إلى أقاصي الأرض. كما قال السيد المسيح لتلاميذه إنهم يشهدون له في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أع1: 8). وقال للمرأة السامرية إن "الْخلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ" (يو4: 22) أي أن الخلاص يبدأ من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومن نسل داود الملك. وبعدما يتم الفداء عن طريق نسل داود يُكرَز باسمه للتوبة في كل العالم، ولا يظل الله متخصصًا لشعبٍ معين لأن ذلك كان أمرًا مؤقتًا إلى أن يتم الفداء. لكن أصبح الشعب المقصود هو كنيسة المسيح والأرض المستهدَفة هي أورشليم السمائية. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
تتبارك فيك جميع قبائل الأرض ثم صار كلام الرب لإبراهيم قائلاً: "لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدّاً" (تك15: 1). وقال له: "ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوباً وَشَرْقاً وَغَرْباً. لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ. وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ حَتَّى إِذَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّ تُرَابَ الأَرْضِ فَنَسْلُكَ أَيْضاً يُعَدُّ. قُمِ امْشِ فِي الأَرْضِ طُولَهَا وَعَرْضَهَا لأَنِّي لَكَ أُعْطِيهَا" (تك13: 14- 17) وأنا يا إبراهيم سأحقق الوعد الذي قلته لك يوم أن قلت لك "اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" (تك12: 1-3). أنت يا إبراهيم سوف تأخذ بركة لا يستطيع عقل في الوجود أن يتصورها، فمن نسلك سوف يأتي مخلص العالم كله. من نسلك سيأتي ملك الملوك ورب الأرباب، من نسلك سوف يأتي الذي تخضع له كل شعوب المسكونة وتتعبد له كل قبائل الأرض. من أجل ذلك قال له وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
هلم ورائي لقد كان كل ما يشغل إبراهيم هو ذلك الوعد الذي أعطاه الله لآدم وحواء أن نسل المرأة يسحق رأس الحية "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ ... وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك3: 14، 15). نتصور أن الله قال لإبراهيم: إن كنت يا إبراهيم مشغولاً بالأمور السمائية، وإن كان يشغلك خلاص البشرية، وإن كنت غير راضٍ عن حالة الإنسان الخاطئة.. وإذ أراك تتأمل في حالة الموت الذي دخل إلى العالم، كما أراك تشعر بتفاهة هذه الأرض وكل ما فيها، لأن الأرض بدون الله لا تساوى شيئًا. أنا أراك ترقب مصير الإنسان المظلم الكئيب، وكيف أن الموت الذي دخل إلى العالم لا يمكن أن يتناسب مع حب الله للبشرية.. أنا أراك تبحث وتفتش، فهيا بنا يا إبراهيم لنعمل معًا. هلم لتدخل معي في عهد، تعال لنبدأ الطريق معًا؛ فبدايته هي خروجك من أور الكلدانيين، ونهايته هي الوصول إلى أورشليم السمائية. أنا الذي سوف أذلل أمامك كل الصعاب، سوف أحطم المتاريس، سوف أفك القيود، سوف أحرر "أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ" (إش43: 11). اخرج يا إبراهيم، اخرج لكي تستطيع أن تخرج من القبر ولكي تستطيع أن تخرج من الموت، وتستطيع أن تخرج من الأسر. اخرج إلى الحرية، اخرج إلى الحياة... وجاء السيد المسيح يقول يأتون من المشارق والمغارب ويتكئون في حضن إبراهيم "إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ" (مت8: 11). يا للعظمة، لقد أصبح الفردوس هو حضن إبراهيم، والفردوس يسمونه أحيانًا الأحضان الإبراهيمية!! |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
عهد الخلاص.. عهد دم عاش إبراهيم متغربًا في هذه الأرض. لكن بعد أن وصل إلى تلك الأرض الموعودة كان لابد أن يدخل معه الله في عهد، هذا العهد هو عهد الخلاص. لذلك "وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: "أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَكَ كَثِيراً جِدّاً" (تك17: 1، 2). في سن تسع وتسعين سنة أعطى الله هذا العهد لإبراهيم وتكلم الله معه قائلاً "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ وَتَكُونُ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيراً جِدّاً وَأَجْعَلُكَ أُمَماً وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ" (تك17: 4-6). "وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ. فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: "هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟" (تك17: 15-17). دعاه الله وأعطاه وعدًا، لما كان في سن تسع وتسعين سنة وصنع معه عهدًا، وقال له الله "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ وَتَكُونُ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ" (تك17: 4)،"وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: وَأَمَّا أَنْتَ فَتَحْفَظُ عَهْدِي أَنْتَ وَنَسْلُكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ. هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ ... يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ" (تك17: 9، 10). وعهد الختان هو عهد دم لأن العهد بين الله وإبراهيم هو عهد خلاص كإشارة للخلاص بدم المسيح "وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (عب9: 22). انتقل من الوعد إلى العهد، ولما تكلم معه عن العهد قال له سارة سوف تلد وأباركها وأعطيك منها ابنًا، فكان عهد الختان مرتبطًا بولادة سارةلإسحاق، "فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ" (تك17: 19)... |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
عهد الختان رمز المعمودية الإنسان يُولد حسب الجسد أولاً من الأب والأم، فيرث طبيعة الجسد. مثلما قال السيد المسيح "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ" (يو3: 6). ثم يُولد بعد ذلك من بطن الكنيسة؛ من رحم الكنيسة في المعمودية التي قال عنها السيد المسيح: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ.. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ" (يو3: 3، 5). فهذا الميلاد الفوقاني يعنى أن الإنسان قد وُلد من الله ولادة جديدة، وتصبح أورشليم بالنسبة له هي أورشليم الجديدة. والأرض هي أرض جديدة يسكن فيها البر... حياة جديدة، أرض جديدة، سماء جديدة، هوذا الكل قد صار جديدًا. "إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً" (2كو5: 17). من أجل ذلك فبدء الطريق إلى أورشليم السمائية هو الميلاد بالمعمودية، المعمودية التي هي بدلاً من الختان. ولذلك عندما تكلم الله مع إبراهيم عن ولادة إسحاق من سارة أعطاه عهد الختان. ولأن الختان كان رمزًا للمعمودية. لذلك صار الختان بالنسبة لنا حاليًا مسألة ثانوية طبية، فالله لا يأمر بالختان لكنه يأمر بالمعمودية "مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" (مر16: 16). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
ختان القلب بالروح يتكلم الكتاب عن ختان القلب بالروح فيقول بولس الرسول: "َخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ؛ هُوَ الْخِتَانُ الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ" (رو2: 29). ففي العهد الجديد أصبح ختان القلب بالروح وليس الختان المصنوع باليد في الجسد، ولذلك يقول الكتاب "وَبِهِ أيْضاً خُتِنْتُمْ خِتَاناً غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ" (كو2: 11)، هذا هو الختان الذي نمارسه في العهد الجديد. وكيف نخلع جسم خطايا البشرية إلا في المعمودية، وهذا ما شرحه معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية بقوله: "فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ... عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ" (رو6: 4، 6). ويقول معلمنا بولس الرسول أيضًا: "لأَنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ. لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غل3: 26-28)،فمن الواضح أنه يربط البنوة لله بالإيمان وبالمعمودية. ولأن المعمودية قد حلت محل الختان الجسدي، لهذا يؤكد معلمنا بولس الرسول أن الختان لم يعد يعتبر كوسيلة للخلاص "لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ" (غل5: 6). من أجل ذلك أصبح الختان في المسيحية لا لزوم له إلا إذا مارسه البعض لأسباب طبية لا علاقة لها بالخلاص. وفى الأصحاح السادس من نفس الرسالة قال: "لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ" (غل6: 15). ففي العهد الجديد قد استبدل الختان بالمعمودية. وأصبح الختان هو ختان القلب بالروح في المعمودية، فالمعمودية بداية الطريق إلى أورشليم السمائية. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
الخروج إلى الحياة الجديدة إن الخلاص الذي صنعه السيد المسيح هو بدم صليبه، والعهد هو عهد خلاص، عهد عبور، عهد حرية، وكما استطاع السيد المسيح أن يسحق الجحيم، ويسحق الموت هكذا أعطى الذين آمنوا به أن يعبروا. ولذلك قال الله لإبراهيم: اخرج من أرضك، اخرج من طبيعتك القديمة، اخرج من القبر، اخرج من الموت، اخرج من العبودية، هذه هي المسيحية؛ هي خروج هي انطلاق، هي تلك الحياة التي أشرقت في قلب الإنسان "إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ" (2بط1: 19) هكذا يقول الكتاب. أي أن النور ينفجر في حياة الإنسان. الدعوة التي وُجِهَتْ إلى إبراهيم هي دعوة للخروج. والخروج هو ولادة جديدة مثل خروج الجنين من بطن أمه، هكذا يخرج الإنسان من الظلمة إلى النور، يخرج من ذاته ومن محبته لذاته لكي تشرق عليه أنوار الأبدية. المسيحية هي الولادة الجديدة لكنها ليست ولادة شكلية طقسية تمارَس في معمودية الماء فقط، ولكنها ولادة حقيقية سمائية من الماء والروح بالإيمان. "فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي" (غل2: 20). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
إبراهيم ومدرسة الإيمان ما حدث مع إبراهيم في حياته هو نوعٌ من التدرج في خبرة الإيمان... هذا الإيمان الذي قال عنه معلمنا بولس الرسول: "وأما الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عب11: 1). في إيمانه قال إبراهيم لله: يا رب مادمت أنت قلت، فأنت قادر على كل شيء، هكذا يقول الكتاب عنه "فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً" (رو4: 3). وتقوَّى إبراهيم بالإيمان معطيًا مجدًا لله وهكذا ولد إسحاق.. "وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِياً مَجْداً لِلَّهِ" (رو4: 20). لكن هل كانت هناك درجة في الإيمان مطلوبة من إبراهيم أكثر من هذه..؟ نعم لقد تدرج إبراهيم في الإيمان وارتفع لدرجة أعلى من هذا بكثير جدًا. وهنا نريد أن نوضح كيف أن الإيمان هو حياة اختباريه.. في خبرة الإيمان ينتقل الإنسان من مرحلة إلى مرحلة ومن درجة أقل إلى درجة أعلى منها.. يتدرج في مدرسة الإيمان.. هكذا كان الإيمان بالنسبة إلى إبراهيم حياة اختبارية. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
النمو في الإيمان الإنسان في حياته الشخصية ممكن أن ينمو في فهم مقاصد الله، فعندما يقرأ في الكتاب المقدس ربما لا يفهم بعض أسفار فيه، لكن سيأتي الوقت الذي فيه يفهمها. هناك تصرفات يعملها الله، ربما لا يفهمها هو، لكن سيأتي وقت يفهم ماذا كانت حكمة الله في هذه الأعمال؛ ليس فقط في حياته الشخصية أو حياته اليومية، إنما في كل ما يدور حوله، وفي القصص التي يقرأها في الكتاب المقدس. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
إبراهيم وفهم مقاصد الله في بداية حياة إبراهيم مع الله لم يكن يفهم جيدًا مقاصد الله، وعندما قال له الله أنا سوف أهلك سدوم وعمورة، قال له "حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا الأَمْرِ أَنْ تُمِيتَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ. حَاشَا لَكَ! أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟" (تك18: 25)، فلم تكن معرفته لله واضحة. أما بعد أن عاش إبراهيم سنين طويلة مع الله ودخل في خبرة عملية معه، فإن قال له الله هذا الكلام، فلا يمكن أن يقول له أتهلك البار مع الأثيم، حيث صار هذا الأمر واضحًا عنده تمامًا، أن هذه القضية لم تعد موضوع جدال، ولكنه صار واثقًا تمامًا إنه من المستحيل أن الله يهلك البار مع الأثيم.. لقد اضطرب إبراهيم في ذلك الوقت لما سمع كلام الله عن هلاك سدوم... لماذا؟ لأن خبرته ومعرفته لله كانت لا تزال تنمو، مازال يكوِّن معرفة عن الله.. من هو الله، وكيف يتصرف... ودخل إبراهيم في نقاش مع الله، قال له إن وُجد خمسون بارًا في المدينة أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين بارًا الذين فيه؟ فقال الرب إن وجدت في سدوم خمسين بارًا فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم. وتدرج إبراهيم في مفاوضته مع الله، وأخذ ينقص في عدد الأبرار إن وُجدوا حتى إلى عشرة، والله من حنوه يوافقه ويقول له: إن وُجد هناك عشرة فلن أهلك من أجل العشرة،وكل هذا كان من أجل أن ينقذ إبراهيم لوطًا ابن أخيه وأسرته. ولكن السيد الرب في عظم حنوه أرسل الملاكين ليخرجا لوطًا من هناك، وأرسلهما بالفعل قبل أن يحاول إبراهيم إنقاذه بالحوار الذي دار بينه وبين الرب. لقد كان الله متحركًا في هذا الاتجاه، لكنه فرح أيضًا أن يطلب إبراهيم من أجل أن يكون هناك أناس أبرار في المدينة، ومن أجل إنقاذ هؤلاء الناس. وهذا يؤكد المقاصد الإلهية ويدعّمها، كما يؤكد كيف يفرح الله عندما تلتقي إرادة الإنسان مع إرادته. هكذا أنقذ لوطًا البار من وسط الانقلاب. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
مرحلة أعلى في إيمان إبراهيم بعدما وُلد إسحاق؛ هذا الابن الذي طالما انتظره إبراهيم كل هذه السنين قال له الله: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ" (تك22: 2).. كيف ذلك؟ أليس هذا الذي قال الرب له عنه أن نسلك سيكون كنجوم السماء؟!!.. قد يفترض البعض أن إبراهيم ربما كان يعرف أنه إن ذبح إسحاق، سوف يعطيه الله ابنًا آخر بدلاً من إسحاق يتم به الوعد.. كلا.. فلننظر هذا التحدي، لقد قال له الله: "وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الآتِيَةِ" (تك17: 21). "لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ" (تك21: 12). كان من المفترض أن يقول إبراهيم لله: يا رب إن كل ثمرة إيماني كانت نتيجتها إسحاق هذا، فهل أذبح كل ثمرة الإيمان؟!!.. فإسحاق هو الثمرة التي حصلت عليها كمكافأة للإيمان الأول.. فيقول له الرب: لا يا إبراهيم.. إن كنت أنت تقدم ثمرة إيمانك الأول كتقدمة، سوف يتولد منها ثمرة أقوى منها. فهكذا أوضح السيد المسيح "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ" (يو12: 24)،قال له اذبح لي إسحاق وأنت سوف تُرفع لدرجة أعلى وتعطَى ثمرة أقوى.. ووافق إبراهيم وتقوَّى في الإيمان، وهكذا يقول عنه الكتاب: "فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحاً وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ وَشَقَّقَ حَطَباً لِمُحْرَقَةٍ وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ" (تك22: 3)... وتساءل إبراهيم ما هي هذه الثمرة الأقوى؟ قال له الله: لو قررت فعليًا أن تذبح إسحاق، أعطيك السيد المسيح نفسه من نسل إسحاق!! من أجل ذلك عندما أمسك إبراهيم السكين لكي يذبح ابنه، قال له الله عبارة عجيبة جدًا قال له "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ. أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ. وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تك22: 16-18). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
وهكذا إذ تأني نال الموعد وحينما تكلم معلمنا بولس الرسول عن وعد الله لإبراهيم، أبرز حقيقة في منتهى الروعة والجمال إذ قال: "فَإِنَّهُ لَمَّا وَعَدَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْظَمُ يُقْسِمُ بِهِ، أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ، قَائِلاً: إِنِّي لأُبَارِكَنَّكَ بَرَكَةً وَأُكَثِّرَنَّكَ تَكْثِيراً. وَهَكَذَا إِذْ تَأني نَالَ الْمَوْعِدَ" (عب6: 13-15)... لقد أوضح معلمنا بولس الرسول أن الوعد بالخلاص، لكي يؤكده الله لإبراهيم لم يكن مجرد كلام، ولكن أكده بقسم وأقسم بذاته. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
أقسمت بذاتي يقول الرب "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ. أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ. وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تك22: 16-18). ربما من يقرأ هذه العبارات يظن أن الأمر مجرد أن الله أقسم لإبراهيم بكلمات.. لكن كلمة أقسمت بذاتى تعنى أكثر من الكلام المجرَّد، فالمعنى هو أني في هذا القسم وضعت ذاتى ثمنًا لتحقيقه.. أي أنه فرضًا إذا لم أحقق الخلاص ستكون ذاتى أنا مقابله.. يا للعجب!! الله يضع ذاته ثمنًا لتحقيق القسم.. أمر يقف أمامه العقل منذهلاً!! ربما يتساءل البعض ويقول لماذا يتجسد السيد المسيح ويُصلب من أجلنا؟!! ونجيب: إذا كان الله أقسم بذاته أن يصنع الفداء، أتستكثر عليه أن يرسل ابنه لكي يُصلب ويفدينا ويخلصنا؟!!.. كلمة أقسم بذاته في حد ذاتها تشير إلى الخلاص.. لماذا؟ لأن معناها أن الخلاص عند الله ثمين جدًا، لدرجة إنه بسبب هذا الخلاص أقسم بذاته. لذلك قال السيد المسيح "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو3: 16)، ولأن الآب والابن متساويان في المجد بسبب وحدانية الجوهر الإلهي؛ فإن الخلاص الذي يتممه الابن المتجسد بذبيحة نفسه يُحسب لحساب الآب والروح القدس. فكل ما هو في ملكية الآب هو في ملكية الابن،والآب يستوفى للعدل الإلهي حقه لحساب الثالوث في قبوله لذبيحة الابن الوحيد. والابن يقدم للعالم محبته لحساب الثالوث أي لحساب الآب والروح القدس مثلما هو لإظهار محبته شخصيًا. فإذا قام أحد الأقانيم الثلاثة بدوره المتمايز؛ فإنه يتممه في إطار العمل الواحد للثالوث القدوس. وبهذا نفهم أن الله قد وعد إبراهيم بأنه سوف يقوم بإتمام الفداء بذبيحة المسيح الذي لم يأتمن غيره من الملائكة والبشر للقيام بهذا الخلاص العجيب. كما يصلى الكاهن في القداس الغريغورى قائلاً: }لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس آباء ولا نبيًا ائتمنته على خلاصنا، بل أنت وحدك بغير استحالة (أي بغير تحول) تجسدت وتأنست{... هذا الخلاص غالٍ وثمين عنده لذلك لم يأتمن عليه أحدًا حتى وإن كان ملاكًا أو رئيس ملائكة أو رئيس آباء أو نبيًا.. لقد عاشت الأجيال بعد ذلك على رجاء ذلك القسم؛ لأنه كان عهدًا قد أقسم الله به.. لقد صنع الله عهدًا مع كثير من القديسين البطاركة الأول.. مثلما قطع عهدًا مع نوح ووضع علامة العهد قوس قزح في السحاب.. لكن العهد الذي مع إبراهيم كان عهدًا عجيبًا جدًا إذ قال له الله: "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ". لذلك من يستطيع أن يشك في هذا العهد الذي فيه أقسم الله بذاته؟!! |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
البار بالإيمان يحيا يقول الكتاب: "وَالْبَارُّ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا" (حب2: 4)، وقد اقتبس معلمنا بولس الرسول هذه العبارة وكررها كثيرًا في رسائله فيقول: "لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ لإِيمَانٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا" (رو1: 17)، "وَلَكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا" (غل3: 11)، "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا، وَإِنِ ارْتَدَّ لاَ تُسَرُّ بِهِ نَفْسِي" (عب10: 38). الله يتدرج معنا في مدرسة الإيمان كما مع إبراهيم، في مراحل ليس لها نهاية.. يظل الإنسان يتدرج في حياة الإيمان حتى يصل إلى شركة الحياة الأبدية مع الله. الإنسان الآن يؤمن بما لا يُرى ويثق بما يُرجَى؛ يؤمن أن الله موجود، يؤمن أن الله هو الخالق.. كل هذه أساسيات في حياة الإيمان تستمر معه ولا يستطيع أن يتخلى عنها. لكن هناك ناحية من الإيمان لن يحتاج إليها الإنسان في الأبدية؛ وهي أن يؤمن بما لا يراه.. هذا النوع من الإيمان تنتهي مأموريته عندما يدخل الحياة الأبدية، لأنه سوف يرى أمامه المجد الأبدي فلن يكون هناك أمر قد وعد به الله ولم يتحقق. إلا أن معرفة الإنسان عن الله سوف تزداد باستمرار، وينمو في محبة الله باستمرار، ينمو في معرفته عنه وعن صفاته الجميلة؛ هذا نوع من الانطلاق في النمو في معرفة الله يؤدى إلى السعادة الدائمة.. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
أحكام الله رحمة وعدل لقد بدأ إبراهيم يفهم صفة جديدة عن الله لم يكن يفهمها قبل ذلك؛ إن الله ليس فقط من أجل عشرة كان من الممكن أن يصفح، لكنه إن لم يجد سوى إنسان واحد، هذا الواحد لا يمكن أن يهلك بسبب إثم هذه المدينة.. هذا الواحد لابد أن ينقذه الله، لأن النفس الواحدة في نظر الله غالية جدًا مثل عشرات الملايين من النفوس. في هذا الحوار اعتبر إبراهيم أن عشرة نفوس من الممكن أن تُنقَذ، بينما لا يهم إنقاذ نفس واحدة، لأنه لم يفهم أن الله عنده طرق أخرى للإنقاذ. لقد اعتبر الحد الأدنى للإنقاذ هو العدد عشرة، والعدد عشرة في المفهوم الكتابي يرمز إلى كمال العدد.. لكن النفس الواحدة عند الله لها قيمتها. هنا بدأ إبراهيم يفهم من هو الإله الذي هو يعبده ويحبه، ومن هو الإله الذي يتعامل معه... هل نقول هذا الكلام لننتقد إبراهيم؟ كلا.. فقد كان أبونا إبراهيم ينمو في معرفة الله. ونعتقد أنه لو جاء الله بعد ذلك ليقول له: يا إبراهيم أنا سوف أهلك المكان الفلاني، سيقول له: لتكن إرادتك يا رب، أنت تهلك من تهلك. "قَدْ عَلِمْتُ يَا رَبُّ أَنَّ أَحْكَامَكَ عَادْلةٌ" (مز118: 75)، "عادلٌّ أَنْتَ يَا رَبُّ وَقضاؤُك مُسْتَقِيمٌ" (مز118: 137). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
فتشوا وبحثوا عن الخلاص بعدما أعطى الله لإبراهيم الأمنية التي تمناها وهي ميلاد إسحاق، كان ميلاد إسحاق بالنسبة له هو امتداد لحياته وفرصة الأمل والرجاء في الخلاص الذي أعطى به الله وعدًا لآدم ولنسله، وتجديد الوعد بالخلاص. ويتكلم معلمنا بطرس الرسول عن هذا الأمر في حياة إبراهيم وغيره من رجال الله فيقول: "نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ. الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا. الَّذِينَ أُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لَنَا كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا أَنْتُمُ الآنَ بِوَاسِطَةِ الَّذِينَ بَشَّرُوكُمْ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُرْسَلِ مِنَ السَّمَاءِ. الَّتِي تَشْتَهِي الْمَلاَئِكَةُ أَنْ تَطَّلِعَ عَلَيْهَا" (1بط1: 9-12). هذا الخلاص وإن كان قد فتش عنه أنبياء، فبالأولى كثيرًا يكون إبراهيم كأحد الأنبياء العظام جدًا قد بحث عن هذا الخلاص. والسيد المسيح نفسه قال هكذا وأكد هذا المعنى عندما قال لليهود: "أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ" (يو8: 56). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
إبراهيم تهلل أن يرى يومي متى رأى إبراهيم يومه الذي يقول عنه المزمور "هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ" (مز117: 24). بعدما وُلد إسحاق كان إبراهيم يصلى ويقول: يا رب كيف سيتم الفداء والخلاص؟ فإسحاق إنسان مثل أي إنسان، وليس هناك فرق كبير بين إسحاق وبيني، وهو نفسه محتاج إلى الخلاص، فكيف يكون إسحاق هذا هو الوسيلة التي تخلص بها العالم كله؟!!.. وربما أجابه الرب وقال له: يا إبراهيم إنك تطلب إعلانات ثمنها غالٍ جدًا. فقال له إبراهيم: أنا مستعد أن أدفع الثمن لكي أعرف تدبيرك من أجل خلاص العالم.. فقال له الله: إن كان الأمر هكذا.. خذ ابنك إسحاق وقدمه لي محرقة، "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ" (تك22: 2).. إن كنت تريد أن تعرف تدبيري للخلاص، خذ ابنك إسحاق وقدمه لي محرقة.. أما إبراهيم فلشدة اشتياقه للوصول إلى المقاصد الإلهية، يقول عنه الكتاب: "فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحاً وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ وَشَقَّقَ حَطَباً لِمُحْرَقَةٍ وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ" (تك22: 3). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
لأعرفه وشركة آلامه وفى اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد.. سار ثلاثة أيام وهو لا يكف عن أن يصلى ويفكر؛ إن ذبحتُ إسحاق ماذا يحدث؟!! إن كان بإسحاق هذا قد أخذتُ الوعد بالخلاص فكيف يُذبَح إسحاق ويموت؟!!.. أقول يا رب أفهِمني كيف يتحقق الوعد؟! أنت تقول لي اذبح إسحاق، فهل بعد أن أذبحه ممكن أن يتحقق الوعد؟ نعم... يتحقق الوعد لأن الله ليس إنسان فيكذب كما يقول الكتاب "ليْسَ اللهُ إِنْسَاناً فَيَكْذِبَ وَلا ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَل يَقُولُ وَلا يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلمُ وَلا يَفِي؟" (عد23: 19). وبدأ إبراهيم يشعر بالآلام تعتصره من الداخل، كيف يذبح ابنه بيده؟!!.. في وسط هذه المشاعر بدأ يفهم قيمة مشاعر الله الآب عندما سيصنع الفداء من أجل البشر.. ومدى مقدار محبة الله حينما يقدم ابنه الوحيد ذبيحة عن حياة العالم كله.. وبدأ إبراهيم يفهم معنى محبة الله الباذلة من أجل الفداء ومن أجل الخلاص. وبدأ الإعلان في حياة إبراهيم وهو في ذروة هذا الإحساس.. كيف ذلك؟ إذا كان الإنسان يريد أن يأخذ أعظم الإعلانات الإلهية عليه أن يدخل في شركة الروح القدس، حتى لو كان الموقف صعبًا عليه كإنسان،وعندئذ يتحقق فيه كلام الكتاب "عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي" (مز94: 19). لقد دخل إبراهيم أيضًا إلى شركة الآلام مع المسيح. كانت فترات الانتظار الأولى وفترات التكوين الأولى كلها تهيئه لإبراهيم للدخول إلى شركة الألم مع المسيح، إنما الآن يعتبره السيد المسيح إنه على وشك التخرج في مدرسة الإيمان لكي تعطى له البركة.. التي هي بركة الألم وشركة الألم "لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذَلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضاً" (2كو1: 5). خبرات إبراهيم الأولى كانت خبرات الحيرة والقلق والانتظار أما خبرته الأخيرة كانت خبرة التضحية والبذل وخبرة الألم والمعاناه.. فعندما يرتقى الإنسان في احتماله للآلام، يدخل في شركة الصلب مع المسيح.. وعندما يدخل في شركة الصليب يفهم قصد الصليب وإعلان الصليب.. فيقول مع بولس الرسول: "لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ" (في3: 10). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
كما تكثر الآلام تكثر التعزية لا يستطيع الإنسان أن يدرك قوة قيامة المسيح، ولا أن يدرك إعلان أسراره الإلهية، ولا يمكن أن يدخل إلى أمجاد الحياة الأبدية.. لا يمكن أبدًا أن يشترك مع المسيح في مجده إلا إذا اشترك معه في آلامه. لاشك أن الإنسان في لحظات الألم يكون موضع عناية خاصة من الله ويحل عليه روح الله، وإذا حل عليه روح الله فهناك نعمة وفرح وتعزية وسلام، كما يقول معلمنا بولس الرسول: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ. وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ" (غل5: 22). "وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا" (رو8: 37). فإبراهيم مع أنه نبي ويرشده روح الله ويعلن له أمورًا كثيرة، لكن في لحظات ذروة الألم أخذ إلهامًا خاصًا من الروح القدس، رفعه إلى مستوى الرؤيا السامية جدًا والإعلان الفائق للطبيعة.. وهو يجتاز بحر الآلام ويمسك السكين لكي يذبح إسحاق ابنه. في هذه اللحظة كان في حالة رؤيا واستعلان يفوق النظرة البشرية تمامًا، واستطاع أن يرى السيد المسيح معلقًا على صليب الجلجثة.. واستطاع أن يرى التدبير الإلهي لخلاص البشرية، واستطاع أن يرى السيد المسيح قائمًا من الأموات منتصرًا على الموت والخطية،هكذا اختفى إسحاق من قدامه، لم يعد يرى إسحاق ولكنه رأى السيد المسيح نفسه معلقًا على الصليب. ومن يتطلع لهذا المشهد يرى أبًا يمسك بالسكين لكي يذبح ابنه، لكن هذا الأب لم يكن يرى هذا الابن ولم يكن يرى هذه السكين، ولكنه كان يرى العدل الإلهي وهو يستوفى حقه في ذبيحة الصليب. وعندما رجع إسحاق معه حيًا، بعدما أرسل الله حملاً من السماء لفداء إسحاق، لم يكن إبراهيم يرى إسحاق، إنما كان يرى بعين النبوة السيد المسيح عندما ظهر لتلاميذه في العلية وقال لهم سلام لكم "فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ" (يو20: 20). عاش إبراهيم تلك اللحظات المجيدة في أيامه.. عاش وشعر بها. ويقول معلمنا بولس الرسول: "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ" (عب11: 13). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
كيف شهد الروح بآلام المسيح؟ يقول معلمنا بطرس الرسول في رسالته: "الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا" (1بط1: 10، 11). فكيف شهد الروح القدس بآلام المسيح في حياة إبراهيم؟ من خلال شركة الألم مع المسيح والأمجاد التي بعدها، استطاع أن يفهم ما معنى أن أبًا يذبح ابنه؟ ربما نحن نتكلم عن هذه الحادثة ونحاول أن نتخيلها ونتصورها، إنما إبراهيم عاشها فعليًا. في هذه اللحظات تلاقت مشاعره مع مشاعر الله وأصبح بهذا مستحقًا فعلاً أن يكون وارثًا للوعد بالخلاص. ويقول معلمنا بطرس: "الَّذِينَ أُعْلِنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لَنَا كَانُوا يَخْدِمُونَ بِهَذِهِ الأُمُورِ". بمعنى أن إبراهيم وهو يذبح إسحاق كان يعرف أنه يخدم هذه الأمور مثل الكاهن عندما يدخل الهيكل ليخدم على المذبح في القداس الإلهي.. ونستطيع أن نقول أن إبراهيم في ذلك الوقت كان وكأنه يصلى قداسًا ويقدم ذبيحة. وكان يستمد من ذبيحة الصليب إعلانًا عن رجاء الخلاص العتيد أن يكون.. كان يمارس كل هذه الأمور.. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
آمن إبراهيم بالله فحسب له برًا كيف حُسب لإبراهيم الإيمان برًا؟ وهل تبرر بالإيمان المجرد من الأعمال، أم أن أعماله أكدت صدق إيمانه؟ يقول يعقوب الرسول في رسالته: "أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً» وَدُعِيَ خَلِيلَ اللَّهِ. تَرَوْنَ إِذاً أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ" (يع2: 21-24). لم تكن أعمال إبراهيم للافتخار أو أعمال للجسد. لكن كانت أعماله هي أعمال طاعة الإيمان وإيمان بالطاعة. فإيمان إبراهيم لم يكن إيمانًا نظريًا لأن "الشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!" (يع2: 19). هكذا يقول يعقوب الرسول أيضًا: "أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي" (يع2: 18). |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
هل تبرر بالإيمان أم بالأعمال؟!! يتساءل بولس الرسول هل إبراهيم تبرر بناموس الأعمال أم بناموس الإيمان؟ ويجيب إنه تبرر بالإيمان. هكذا يقول: "بِأَيِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ الأَعْمَالِ؟ كَلاَّ! بَلْ بِنَامُوسِ الإِيمَانِ. إِذاً نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ" (رو3: 27، 28). وربما يبدو هذا الكلام في ظاهره أنه عكس ما قاله يعقوب الرسول.. لكن عندما تكلم بولس الرسول عن ناموس الأعمال، كان يقصد أعمال الناموس التي هي تقديم الذبائح الحيوانية والشرائع الرمزية المتعددة والختان، وكل هذه الأمور التي يمكن أن يظن الإنسان أنه بواسطتها سوف ينال الخلاص، وأن البشرية من الممكن أن تستغنى بها عن ذبيحة الصليب.. هذه الأعمال تعطل الإيمان. لكن عندما قدم إبراهيم ابنه ذبيحة كان يؤمن أن الله قادرٌ أن يقيمه من الأموات. إذن كان هذا عملاً من أعمال الإيمان؛ أي الأعمال التي هي وليدة الإيمان بذبيحة الصليب نفسها. وهذا يؤكِّد صدق إيمانه الذي بسببه حسب له إيمانه برًا "فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً". هذه الأعمال تكمل الإيمان كما قال يعقوب الرسول.. فليس هناك تناقض بين الآيات. كان إبراهيم مؤمنًا أن الله سوف يقيم إسحاق مرة أخرى حيًا.. حتى وإن كان سيذبحه ويحرقه ويصير رمادًا على المذبح، لكنه سوف يرجع إسحاق حيًا كقول معلمنا بولس الرسول: "بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ. الَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضاً.." (عب11: 17-19). فالذي آمن بالقادر أن يقيم من الأموات إذ قد آمن بموت المسيح وقيامته،وإذ آمن بهذا حُسب له برًا، ولم يحسب له فقط بل لنا نحن أيضًا نحن الذين نؤمن بموت المسيح وقيامته.. مثلما قال بولس الرسول في رسالة رومية "لأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً" (رو4: 3). "لِذَلِكَ أَيْضاً حُسِبَ لَهُ بِرّاً. وَلَكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ. بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ. الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رو4: 22-25). لقد نزل إبراهيم من جبل المُرِيَّا، نزل شخصية جديدة بمفهوم جديد، ولم يعد إسحاق بالنسبة له موضوع انشغال شخصي، ولكن أصبح إسحاق بالنسبة له هو رمز لمعنى كبير جدًا. فهمه هناك على أحد جبال أرض المُرِيَّا، بقرب الموضع الذي قرَّب فيه ابن الله نفسه ذبيحة عن خلاص العالم. ونحن أيضًا لابد أن تكون لنا مع السيد المسيح خبرات خاصة، ويجب أن لا نقف عند حد معين بل تمتلئ حياتنا من الإعلانات الإلهية على مثال إبراهيم. |
رد: كتاب إبراهيم أبو الآباء - الأنبا بيشوي
إبراهيم وفلسفة الطاعة الطاعة هي طاعة الإيمان، وهي الإيمان بالطاعة، من أجل ذلك "بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثاً، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي" (عب11: 8). لأنه كان يؤمن أن وعد الله صادق، وأن دعوة الله هي بلا ندامة. حتى لو كانت الدعوة: اخرج من أرضك ومن عشيرتك، واترك كل شيء، وتعالَ إلى الأرض التي أريك إياها. فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي. |
الساعة الآن 06:58 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025