![]() |
كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي مقدمة في سلسلة شخصيات من العهد القديم، وبعد أن تكلّمنا عن شخصية أبينا آدم وعلاقة ذلك بآدم الجديد وهو السيد المسيح، نتكلم عن شخصية أخرى هامة؛ وهي شخصية القديس البار هابيل الذي ذكره معلمنا بولس الرسول كأحد أبطال الإيمان في بدايات تاريخ البشرية. ونحن إذ نريد أن نعيش أحداث الكتاب المقدس في العهد القديم، نرى صورة الفادي، نرى صورة السيد المسيح معلقًا على الصليب مخلصًا للبشرية "لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً" (1كو2: 2). هذا هو الهدف الذي كان يسعى إليه كل الأنبياء ليظهروا ماذا أعد الله من أجل خلاص البشرية "فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ" (رؤ19: 10). وفى الكنيسة أيضاً نشعر بشركة القديسين يجمعهم الرأس الذي هو المسيح "لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ" (أف1: 10)، هذه هي الكنيسة التي يقول عنها بولس الرسول "كَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ.. وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ" (عب12: 23)، فالأبكار المكتوبون في السموات هم القديسون الأحياء على الأرض، بينما أرواح الأبرار المكملون هم القديسون الذين انتقلوا، وهذا يوضح لنا السلم الذي يربط السمائيين بالأرضيين. يدخل الإنسان إلى الكنيسة فيشعر أن هناك شركة بينه وبين القديسين الذين انتقلوا، شركة بينه وبين الملائكة، وليس ذلك فقط إنما يدخل إلى المسيح نفسه الذي هو "وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ: يَسُوعَ" (عب12: 24)، فتدخل وأنت مسنود بدم المسيح؛ مسنود بالشفاعة الكفارية،رالآن يمكنك أن تدخل بدالة وبحب إلى أحضان الآب السماوي. وفى الكنيسة أيضا تجد "دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ" (عب12: 24). فإذا كان دم هابيل قال الرب عنه لقايين "صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك4: 10) فإذا كان دم هابيل يتكلم ألا يتكلم دم المسيح بالأولى؛ صوت دم المسيح يشفع في الخطاة، ولذلك لا ندخل في رعب إنما في ثقة بأن خطايانا بالتوبة والإعتراف قد غُفرت. ليتنا نجد نعمة عند الرب بصلوات أبينا صاحب القداسة البابا شنودة الثالث معلم الأجيال أطال الرب حياته ومتعنا برعايته. بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ والبراري ورئيس دير القديسة دميانة |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
هابيل المؤمن البار قدَّم من أبكار غنمه وسمانها "بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ يَتَكَلَّمْ بَعْدُ!" (عب11: 4). قدّم هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها، أما قايين فقدم من أثمار الأرض. كان هابيل راعيًا للغنم فقدم ذبيحة رمزًا لذبيحة السيد المسيح، أما قايين فقد كان فلاحًا في الأرض وقدم من ثمار الأرض، وكان رمزًا للارتباط بالعالم والأمور المادية؛ لم تكن حياته مرضية لله فلم يقبل الله قربانه. الذي يريد أن يقدم لله عليه أن يقدم شيئًا يليق به، فالمسألة في حقيقتها هي مشاعر داخلية، هل تشعر أنه من الواجب أن تقدم لله أفضل ما عندك أم تقدم له ما يفضل عنك أو ما لا ينفعك أو ما لم تعد في حاجة إليه؟ قربان هابيل كان مميزًا لأنه اختار أحسن الغنم عنده ليقدمه لله "قَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِها" (تك4: 4) لذلك يقول الكتاب: "فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ" (عب11: 4). من يقدم أفضل ما عنده هذا يعنى أنه يدرك بإيمان أنه يوجد إله يليق به التكريم، يقبل هذه القرابين وسوف يكافئه عليها. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
شهد الله لقرابينه داود النبي شرع في بناء قصرًا له. ولكنه تأثر جدًا كيف يكون الله ساكنًا في خيمة؛ خيمة الاجتماع، وهو ساكن في قصر عظيم.. لا يليق، وهكذا قرر أن يبنى بيتًا عظيمًا لله، وبدأ يجمع كل ما يلزم لبنائه من ذهب وفضة ونحاس وخشب.. فأرسل الرب له ناثان النبي وقال له لا تبنى أنت البيت بل ابنك الذي يأتي بعدك هو يبنى البيت.. و"كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ" (2صم7: 16). ولم يتضايق داود ولكنه في اتضاع قال له أنا يا رب لا أستحق، يكفى أنك جعلتني ملكًا وأنا كنت راعي الغنم، وتعدني أيضًا أن يكون كرسي مملكتي ثابتًا إلى الأبد هذا كله كثير! وبحب أعد داود كل ما يلزم لبناء بيت الله وإن كان سليمان هو الذي بناه، ولكن في الحقيقة إن الذي بني الهيكل هو داود من حيث الإمكانيات، وأما سليمان فهو الذي نفذ. لذلك عندما تكلم الرب عن بيته لم يقل أبنى بيت سليمان، إنما قال "سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضًا خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ وَأَبْنِي أَيْضًا رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً" (أع15: 16) لأنه يعتبر أن بيته هو بيت داود. كان القديسون يشعرون أن الشيء الذي يقدمونه لله؛ به يعبِّرون عن محبتهم ويعبِّرون عن تقديرهم له، لذلك قال عن هابيل "شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ" (عب11: 4) حيث قدمها بروح الحب والتقدير، وبه -أي بقربانه- وإن مات يتكلم بعد. احترس أن تقدم لله من فضلاتك لئلا تحزنه؛ لا تقدم له فضلات وقتك لأنه يقول: "أَنَا أُحِبُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَنِي والَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي" (أم8: 17)، لا تقدم له فضلات إمكانياتك لأنه يطلب البكور، . يقول عندما تزرع أرضك أعطني البكور وليس آخر زرعك، هو يطلب البكر وليس آخر شيء. يقول عن التكريم الواجب له كإله: "فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي, والَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ" (1صم2: 30). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
مفاتيح المظال الأبدية عندما تُقدم شيئًا للفقراء؛ تيقّن أنك تقدِّم لله الذي قال: "ظَالِمُ الْفَقِيرِ يُعَيِّرُ خَالِقَهُ وَيُمَجِّدُهُ رَاحِمُ الْمِسْكِينِ" (أم14: 31)، ويقول أيضًا: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ" (مت25: 40). أين وصية "تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (لا19: 18)؟ لماذا تستكثر على الفقير أن يأخذ شيئًا مثلك؟! لذلك قال السيد المسيح: "اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ" (لو16: 9). الرب يقول لك مثلما تعامل الفقراء هنا سيعاملونك هم على أبواب الملكوت، إذا كنت تعاملهم حسنًا سيستقبلونك استقبالاً حسنًا، وإذا عاملتهم هنا باحتقار، ستجدهم هناك وبيدهم المفاتيح! إذا كنت هنا تملك مفتاح لخزينة أرضية؛ فهم يملكون مفتاح الملكوت، بالطبع ليست مفاتيح الملكوت التي قال الرب عنها لبطرس وللرسل "وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ" (مت16: 19) هذا من ناحية الحِل والربط في الكنيسة، إنما من لهم مفاتيح القبول في ملكوت السموات هم الفقراء وهذا ما قاله السيد المسيح: "إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ" (لو16: 9)،أي يقبلون أن يدخلونك إلى هناك، وإن لم ترضِهم فلن يدخلونك! هذا من حقهم الذي أعطاهم إياه السيد المسيح! الآن أنت تملك مفاتيح الخزينة الأرضية، وفي الأبدية هم يملكون مفاتيح المظال الأبدية، ولك أن تختار أي مفتاح أفضل وأثمن بالنسبة إليك؟ |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
ذبيحة الأشرار مكرهة للرب فيما نتكلم عن هابيل وقايين؛ هابيل الصديق وقايين الشرير يقول الكتاب: "لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ" (1يو3 : 12). ولعل هذا يعطينا تفسيرًا لماذا رفض الله قربان قايين ولم ينظر إلى قربانه. والكنيسة أيضًا ترفض قرابين الأشرار، وقوانين الكنيسة تمنع قبول قرابين الخطاة أو الزناة. كما أن الله رفض أيضًا قرابين الأشرار في القديم وقال لليهود عندما كانوا سالكين في الشر "لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ. وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ" (اش1: 11). لماذا لي كثرة ذبائحكم كرهتها نفسي. "حِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا" (اش1: 15)، لا يريد أن ينظر إلى صلاة الأشرار، ولا أن يسمع كلامهم. ولا يريد منهم شحم ذبائح ومسمنات ومحرقات. وقال لهم: "الْبَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاِعْتِكَافَ. رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حِمْلَهَا" (اش1: 13، 14) ومجمل القول إن الله كره كل تقدمات الأشرار بكل أنواعها. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
لماذا قتل قايين أخاه يعتقد البعض أن قايين قتل هابيل لأن الله رفض قربانه وبذلك يجعلون النتيجة سببًا والسبب نتيجة... كيف ذلك؟ لقد قتل قايين هابيل لأنه كان شريرًا وأخوه كان بارًا، وهذا هو نفس السبب الذي من أجله رفض الله قربانه، رفض الله قربان قايين لأنه شرير. ربما حادثة رفْض قربان قايين عجّلت بالقرار، بمعنى أنه كان يكره أخاه جدًا، ورفْض القربان أظهر الكراهية فَطَفتْ على السطح. أي بعد أن كانت خطية في داخل القلب، بدأت تأخذ وضعًا منظورًا. والكتاب قال "كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ" (1يو3 : 15). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
صورة مبكرة لخيانة يهوذا يقول الكتاب إن قايين لما جاء ليقتل هابيل كلَّمهُ في الحقل "وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ" (تك4: 8). قبلما يقتل أخاه تكلم معه. وينطبق عليه قول الكتاب "كلامه ألين من الدهن وهو نصال" (مز54: 21)، فقايين لم يقُم على أخيه ليقتله مفاجأة، بل كلّمه أولاً. لعل في هذا نبوة مبكرة أو إيضاح مبكر عن خيانة يهوذا الإسخريوطيللسيد المسيح. هابيل البار يرمز إلى شخص السيد المسيح. وهذا معلوم يقينًا، والكتاب ذكر هذا أيضًا.. يقول الكتاب إن قايين كلمه في الحقل، تُرى ماذا قال له؟ قال له أريد أن أتكلم معك في أمر ما.. وليس كما يظن البعض إنه تشاجر معه مشاجرة انتهت بقتله. كلا، بل إن قايين قال لهابيل وهما ساكنان في البيت معًا أريد أن أكلمك كلمة على انفراد، وسار معه في الحقل واقتاده بعيدًا لكي يقتله بعيدًا عن الأنظار، ولكي يأخذه بغدر وخيانة. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
دخل الموت إلى العالم!! العجيب أن الله قال لآدم يوم تأكل من الشجرة موتًا تموت، ومات آدم أدبيًا وروحيًا، لكنه لم يكن قد مات بالكامل جسديًا ولا انحدر إلى الجحيم الذي هو عربون الموت الأبدي. وبرغم أن الموت الذي تكلم عنه الله من نحو الإنسان لم يحدث بعد على مستوى حياة الجسد، لكن قايين الشرير أنشأ الموت بيديه. ورأى آدم بعينيه الموت وقد صنعه الإنسان قبل أن يأتي به الله على الإنسان.. عجيبة جدًا هذه الأمور!! بمعنى أن الإنسان أدخل الموت الجسدي إلى العالم قبل أن يدخله الله! بل أن الله لم يُدخل الموت، إنما جاء الموت كنتيجة للخطية. ولكن قبل أن ينزل الموت على الإنسان، كان الإنسان قد جلب الموت إلى العالم. ورأى آدم الموت وقد زحف إلى كيان العائلة البشرية، وكان أول حادث اعتداء على حياة الإنسان وأول جريمة قتل في تاريخ الجنس البشرى تلقى بظلالها على حياة الإنسان كله. وكأن القصة من بدايتها تحكى نهايتها!! كيف ذلك؟ |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
الموت حقيقة وليس خيالاً إن الصراع بين الخير والشر في حياة الجنس البشرى بدأ منذ فجر التاريخ في بداية العائلة البشرية، واستمر إلى أن جاء السيد المسيح. وبأيدي أثمة صُلب وقُتل البار رئيس الحياة (انظر أع2: 23). في البداية عندما قال الله لآدم "موتًا تموت" (تك2: 17)، شعر آدم برهبة الموت. وحينما رأى الموت بعينيه بعد مقتل هابيل ابنه أدرك أن الموت هو حقيقة وليس خيالاً، وذلك حينما رأى هابيل البار مدرجًا في دمائه. ثم بعد ذلك عاش آدم سنينًا طويلة، ورأى الظلم ينتشر في العالم والخطية تنتشر في العالم. ورأى أن طبيعة الإنسان التي سقطت قد أخذت تتدهور وصار الشيطان بسلطان الموت سيدًا للبشرية. ولم يعد الموت في نظر آدم شيئًا ثقيلاً فقط، ولكنه نظر إلى الموت كوسيلة للارتياح من التعب الذي شبع منه ومن الأحزان التي تكاثرت عليه!!!. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
هلم نتحاجج يقول الرب بالرغم من أن قايين كان يستحق الموت على خطيته لكن الله تركه، مع أن الله كان يعرف أن قايين قد قسّى قلبه في البداية وفي النهاية. في البداية قال له الله قبل أن يرتكب خطيته "لِمَاذَا اغْتَظْتَ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ. وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا" (تك4 : 6، 7). ربما في خجل لم يستطع أن يرفع وجهه. فقال له الرب ارفع وجهك يا قايين، ارفع وجهك لتكلمني.. ماذا حدث؟ لماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع؟ ارجع وتُب يا قايين وحسِّن أمورك. هل حزنت لأني رفضت قربانك؟ الأحرى بك أن تتوب. ارجع إلى أحضان الله، والله كثير الغفران وكثير الرأفة وبطيء الغضب. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
وإليك اشتياقها..!! إن أحسنت أفلا رفع، ارفع وجهك وإلا فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها. عند باب حياتك وعند باب قلبك خطية تشتاق إليك! يقول له "إليك اشتياقُها" وليس "إليها اشتياقك" بمعنى أن الخطية هي المشتاقة إليك!! وماذا يعنى قوله إن الخطية مشتاقة إليك؟ يعنى أن الشيطان ينتظرك فاغرًا فمه وعلى وشك أن يبتلعك. "إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1بط5: 8). بالضبط بنفس الصورة التي يكون فيها الأسد مشتاقًا جدًا للخروف الذي على بُعد خطوات منه قبلما ينقض عليه، كانت هذه هي حالة قايين قبلما يبتلعه الشيطان بالكامل. وجاء الله يكلم قايين ويحذره.. ولكنه لم يستمع إلى صوت الله، ولا إلى تحذيرات محبته، وبغى وأسلم قيادة حياته للشيطان، يقول الكتاب "كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ" (1يو3: 12). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
أين أخوك؟؟ وبعد أن ارتكب الخطية جاء الله أيضًا ليعاتبه "فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: "أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟" (تك4: 9). وتكلم قايين بصورة كما لو كان الله محدودًا في معرفته! "فَقَالَ: "لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟" (تك4: 9). كما لو كان الله غير موجود في كل مكان! وتنصّل ولم يعترف بخطيته،فقال له الله إن كنت لا تريد أن تعترف، فأنت بذلك لا تريد أن تتوب. وبعد أن كلمه بهدوء وبلطف، وقال له أين أخوك، لكي يعترف بخجل وندم ويقول أنا أخطأت وقتلته وذنبى كبير ليتك تغفر لى، ولكنه قال أحارس أنا لأخى..؟! نعم حارس لأخيك ولماذا لا تكون حارسًا لأخيك؟! أليست هذه هي المحبة؟ وليتك لم تكن حارسًا لأخيك فقط، لكنك أنت قاتل... فقال له اسمع يا قايين مادام الأمر انحدر ليكون في صورة مراوغة وقساوة وجبروت في الشر: "صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك4: 10)، ولا أستطيع أن أسكت أمام هذا الظلم الفادح. هذا الدم يصرخ ويتكلم، لأن الدم هو نفس الإنسان. "فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ!" (تك4: 11). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
صوت دم أخيك صارخ إليَّ هذا الدم الذكي الذي سُفِك يصرخ إلى الله. صوت دم أخيك صارخ إلىَّ. هل تظن أن الله يترك الأمور تسير على هويتها، وكل إنسان يرتكب ما شاء من المظالم والشرور، وكأن الله غير موجود في الكون؟! هذا الظلم المرحلي له حسابه، وكما يقول الكتاب "وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ واسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ" (رو2: 5)، "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟" (رو2: 4). هذا الإله لا يهمل إطلاقًا ولا يتنازل عن مسئوليته كضابط للكون، وكحاكم بين المخلوقات، وكمنصِف للمظلومين، وكديان للظالم والمتجبر والمستبد... يقول الكتاب "بِالإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلَّهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ اللهُ لِقَرَابِينِهِ. وَبِهِ، وَإِنْ مَاتَ، يَتَكَلَّمْ بَعْدُ!" (عب11: 4). هابيل قدم بالإيمان قربانًا مقبولاً أمام الله ولكنه وإن مات يتكلم بعد بهذا الإيمان، أما قايين فكان حيًا في ذلك الوقت ولكن ليته كان ميتًا، بل نقول ليته لم يولد على الإطلاق. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
كان خيرًا له لو لم يولد إن الحياة إذا لم يكن لها قيمة فليس لها لزوم، وقال السيد المسيح عن يهوذا الإسخريوطي "كَانَ خَيْرًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ" (مت26: 24). فعندما وجد قايين أن خطيته قد انكشفت قال لله: مادمتَ قد عرفتَ إني قتلت أخي، سوف تسلِط علىَّ الناس، كل من وجدني يقتلني؛ سوف تستخدم سلطانك الإلهي. فأنا الآن كمن وقع في الفخ، فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: "ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ" (تك4: 13)، وكان يقصد أن المخاوف التي أحاطته بسبب الجريمة التي ارتكبها، أصبحت تمزق كيانه من الداخل، لأنه ينتظر العقوبة والقصاص العادل. فالله لكي يؤكد أنه لا يشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع وتحيا نفسه، أعطاه فرصة للحياة، ووضع له علامة لكي لا يقتله أحد "قَالَ لَهُ الرَّبُّ: لِذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ. وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ" (تك4: 15). أراد الرب ألا ينتشر الشر والقتل في الأرض إلى جوار أنه أراد أن يعطى قايين فرصة للتوبة كقوله: "حَيٌّ أَنَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ, إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ, بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا..." (حز33: 11). ولكن قايين لم ينتفع من هذه الفرصة. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
وضع له علامة!! ليس لأن قايين لا يستحق قصاصًا، ولكن لكي يعلن الله مقدار طول أناته وانتظاره لرجوع الخاطئ. ولكن قايين أصبح يمثل الحياة المنفصلة تمامًا عن الله، لذلك بدأ يبنى مدنًا في الأرض حيث إنه باع الأبدية نهائيًا، إذ كان أولاد الله في ذلك الوقت يسكنون الخيام. وكان قايين هو أول من بني المدن مثل مدينة "حَنُوك" (تك4: 17) وصنع حضارة عظيمة جدًا هو ونسله. وغالبًا مات قايين مقتولاً بواسطة أحد أحفاده وهو لامك الذي كان ضعيف البصر، فبالرغم من العلامة إلا أنه قتل قايين بطريق الخطأ "وَقَالَ لاَمَكُ لإمْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: "اسْمَعَا قَوْلِي يَا مْرَأَتَيْ لاَمَكَ وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي وَفَتىً لِشَدْخِي. إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ" (تك4: 23، 24). وكما نقرأ في سفر التكوين (تك4) إن من أولاده مَن كان يعمل الآلات النحاس والحديد، ومن يضرب على الآلات الموسيقية، بعد أن بنيت المدن العظيمة؛ لقد صنع قايين حضارة ضخمة لأن كل آماله انحصرت في الحياة الزمنية على الأرض،ولأنه أصبح في حالة انفصال تام عن الله، فإن نسله كله كان شريرًا، وللأسف إن أولاد الله أي الأولاد من نسل شيث دخلوا في مخاطرة ومجازفة أنهم رأوا البهرجة والزينة والخلاعة التي للبنات من نسل قايين فاتخذوا لأنفسهم نساءً منهن "وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأُوا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا" (تك6: 1، 2). واختلط نسل الأبرار بالنسل الفاسد الشرير. وابتدأ الشر يكثر في الأرض، وكانت حياة قايين أكبر دليل على أنه لا يمكن أن يكون مقبولاً أن يَسمَح الله للخاطئ بأن يحيا إلى الأبد في خطيته، ويكفى هذا سببًا لكي يترك الله قايين حيًا عددًا من السنين. ليس فقط إنه أعطاه فرصة للتوبة، ولكن في الجانب المقابل صار واضحًا لكل الخليقة من الملائكة ورؤساء الملائكة ومن البشر الأرضيين أنه لا يمكن أن يُسمَح ببقاء الخاطئ حيًا إلى الأبد ولابد أن يمحى الشر. ولذلك "َرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: "أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ. وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (تك6: 5-8). تأسف الله في قلبه أنه خلق هؤلاء الأشرار. إن هلاك الجنس البشرى في ذلك الوقت ونجاة نوح وأولاده؛ كان رمزًا لانتهاء العالم وهلاك الأشرار والدينونة الأبدية، تمامًا مثلما كان مقتل هابيل بيد أخيه قايين رمزًا لمقتل السيد المسيح بيد إخوته من اليهود حينما أسلموه لقضاء الموت و"َصَرَخُوا: اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" (لو23: 21). "دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا" (مت27: 25). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
وإن مات يتكلم بعد "صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك4: 10). سوف يظل هذا النداء مدويّاً إلى أبد الدهور يهز كيان الخاطئ الذي اشترك بخطاياه في صلب المسيح، ويزلزل كيان كل إنسان أسلم قيادة حياته للشيطان. وسوف يكون هذا الصراخ رهيبًا إلى أبد الدهور. تلك اليد الآثمة التي اشتركت في جريمة صلب السيد المسيح؛ كل إنسان منّا يسلك في حياة الشر والخطية بغير توبة؛ فهو قاتل للمسيح. لأن المسيح مات لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا كقول معلمنا بولس الرسول "الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رو4: 25). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
مات لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا مات لأجل خطايانا فصرنا سببًا في جريمة صلبه وفي جريمة موته، وصار علينا هذا الدم الذكي، وصار دم المسيح يُطلَب. وأقيم لأجل تبريرنا لكي باتحادنا بالمسيح وتوبتنا وإيماننا بمحبته الغافرة وبدمه المطهر لخطايانا؛ حينما يقوم من الأموات يرفع عنا جرم هذه الخطية فنتبرر أمام الله. في المعمودية نُدفَن معه للموت لكي يُصلَب الإنسان العتيق، ثم نخرج من جرن المعمودية لكي نلبس بر المسيح القائم من الأموات. فإذا كان السيد المسيح مات لأجل الجميع، فالجميع إذن ماتوا (انظر 2كو5: 14). وإذا كان قام لأجل الجميع، فالجميع إذن قاموا. وإذا كان مات من أجل خطايانا فنحن قد متنا أيضًا معه؛ متنا عن الخطية. وإذا كان قد قام لأجل تبريرنا فنحن جميعًا قد صرنا أحياءً في المسيح، ولبسنا بِرّه كقول معلمنا بولس الرسول "فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ. هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ" (رو5: 18). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
الحياة أظهرت ولكن لم يظهر السيد المسيح بعد قيامته إلا للذين قبلوه فقط، وكان هذا تأكيدًا على أن التبرير من جريمة صلبه هو للذين آمنوا باسمه وقبلوه فاديًا ومخلصًا. مع أنه ظهر للعالم كله قبل الصليب وفي الصليب. ورآه الكثيرون لأن الموضع كان قريبًا من أورشليم، لكنه خرج خارج المحلة حاملاً عار الخطية ورآه الكل معلقًا على خشبة اللعنة من أجل خطايا العالم كله. ويقول "اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ..." (اش45: 22). لكن في القيامة لم ينظره إلا الذين قبلوه "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ (يو1: 12). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
وماذا عن الحراس؟!
ربما يعترض أحد ويقول إن الحراس الرومانيين رأوه وهو قائم من الأموات فكيف نقول إنه لم ينظره إلا الذين قبلوه. فهل شاهده الحراس أم لم يروه؟ إن رؤية المسيح القائم من الأموات معناها رؤية الحياة الأبدية. لأن الحياة أظهرت "فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا" (1يو1: 2). فكيف يرى الحياة الأبدية من لم يكن في المسيح، على الأقل في وقت رؤيته؟! مستحيل |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
ما هي الأبدية؟ ما هي الأبدية؟ أليست الأبدية هي أن نكون مع المسيح ونراه. يقول الكتاب: "لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ" (1يو3: 2). أليست الأبدية هي أن نرى المسيح؟ وإن دخلنا الحياة الأبدية ولم نجد المسيح هناك لا تكون هذه هي الأبدية، فالمكان الذي لا يوجد فيه السيد المسيح لا يكون فيه الأبدية. وقد قال السيد المسيح "أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (يو17: 24)، "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا. وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا" (يو14: 2، 3) فعندما قام المسيح من الأموات كان هذا يعنى أن الإنسان -في المسيح- أُعلن له إمكانية الحياة بعد الموت بالنسبة له، ولما صعد السيد المسيح إلى السماء أعلن إمكانية أن الإنسان -في المسيح- يدخل السماء. "وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (أف2: 6). فالمسيح عندما قام من الأموات كان هذا إعلان عن الحياة الأخرى التي بعد الموت، ولذلك ماذا يعنى استعلان الملكوت؟ |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
استعلان الملكوت هو مجيء السيد المسيح الثاني. "إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ" (أع1: 11) هكذا قال الملاكان للرسل بعد صعوده. لذلك فإن رؤية المسيح القائم هي عربون للحياة، ولا يمكن أن يرى المسيح القائم من الأموات إلا من كان في المسيح.. هذا من الناحية اللاهوتية. أما من الناحية الكتابية؛ فالكتاب كان واضحًا جدًا عندما قال إن الحراس كانوا مستيقظين. ثم إن الملاك قد جاء ودحرج الحجر عن فم القبر "وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ" (مت28: 2، 3)، ثم جاءت المريمات ونظرن داخل القبر فلم يجدن أحدًا. والسؤال الآن هل قام المسيح والقبر مغلق أم بعدما انفتح؟ لقد قام المسيح ومازال القبر مغلقًا.. ولذلك لم يرَه أحد وهو خارج من القبر، وعلى ذلك لم يرَه الحراس أيضا. حقًا وإن كانوا مستيقظين ولكنهم كانوا جلوسًا تجاه القبر المغلق حيث الأختام موضوعة، وقد رأوا بعيونهم اليهود وهم يضعونه ويتأكدون من وجود جسد يسوع داخل القبر قبل أن يضعوا الأختام،وها هي الأختام مختومة كما وضعوها. والحراسات المتعاقبة طول الليل والدوريات يلاحظون الأختام بأعينهم. وفجأة إذا زلزلة عظيمة قد حدثت ورأوا الأختام تنحل والحجر يتدحرج "لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ" (مت28: 2). وما السبب الذي من أجله جلس الملاك على الحجر؟ جلس الملاك على الحجر علامة الانتصار على الموت، "فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ" (مت28: 4). ولو كانوا نيامًا لما كانوا ارتعبوا ولا صاروا كأموات، ثم جاءت المريمات ودخلن القبر ولم يجدن جسد الرب يسوع، وجدن ملاكين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين بثياب براقة، أما جسد الرب يسوع فلم يكن في القبر، كانت الأكفان ملفوفة والمنديل الذي كان على رأسه ملفوفًا وحده. أقصى ما رآه الحراس هو منظر الملاك النوراني، ورؤيتهم للملاك جعلتهم في رعدة لدرجة أنهم صاروا كأموات من الخوف. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
عربون الحياة الأبدية رؤية المسيح القائم من الأموات كانت خاصة بخمسمائة أخ أولئك هم الذين رأوا السيد المسيح، قال عنهم بولس الرسول في رسالته الأولى لكورنثوس: "وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةِ أَخٍ أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الآنَ. وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا" (1كو15: 6)، "إِلَى الآنَ" أي إلى وقت كتابة الرسالة، ثم صعد إلى السماء بعد أربعين يومًا. يقول أكثر من خمسمائة أخ؛ وكان من يُدعى "أخ" في المفهوم المسيحي في العصر الرسولي هذا لقب يُقصد به عضو في جماعة المؤمنين أو عضو في جسد المسيح. وبولس الرسول قال "إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُوٌّ أَخًا زَانِيًا أَوْ طَمَّاعًا أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّامًا أَوْ سِكِّيرًا أَوْ خَاطِفًا أَنْ لاَ تُخَالِطُوا وَلاَ تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هَذَا" (1كو5: 11). ماذا يعنى بالتعبير مدعوٌ أخًا؟ تعتبر كلمة أخ لقب فبقوله إن كان أحد مدعو أخًا أي له لقب "أخ". فبقوله "ظهر لأكثر من خمسمائة أخ" يعنى ظهر لأكثر من خمسمائة إنسان مؤمن بالمسيح صاروا أعضاءً في الجسد الواحد الذي هو الكنيسة،إذن لم يظهر السيد المسيح بعد القيامة إلا للمؤمنين فقط، لأن رؤية القيامة هي عربون للحياة الأبدية. وأكثر من ذلك إنه حتى بالنسبة للتلاميذ أحيانًا بعد القيامة مباشرة كان يظهر لهم ولا يعرفونه!! مثل تلميذي عمواس "وَلَكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ" (لو24: 16) ثم عرفاه بعد نهاية اللقاء. مريم المجدلية رأته "فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ وَأَنَا آخُذُهُ» قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ!» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي» الَّذِي تَفْسِيرُهُ يَا مُعَلِّمُ" (يو20: 15، 16). أي أنها عرفته بعد أن ناداها بصوته باسمها. |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
أقيم لأجل تبريرنا فالمسيح مات لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا. "الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا" (رو4: 25). قيامة المسيح نزعت الحزن والكآبة والإحساس بالذنب والجريمة، لأنه إذا كانت البشرية قد صلبت المسيح ولم يقم؛ لكان دم المسيح يُطلب من البشرية، أما قيامته فقد بررت الذين قبلوه. القيامة هي هدية يقدمها الرب للذين يؤمنون باسمه. يقول لهم مادمتم قبلتم محبتي وآلام حبي على الصليب فأنتم تستحقون هذه المكافأة. وما هي المكافأة؟ هي أن أعطيكم التبرير من جريمة الصلب. كيف؟ إن المصلوب قد قام حيًا. وبذلك يتبرر الإنسان بقيامة المسيح. إن أقصى ما يتمناه القاتل إذا ندم على خطيته هو أن يقوم المقتول ويعود إلى الحياة. ولنتصور معًا إن كان هناك من هو في قفص الاتهام، وها المحكمة تعلن عن أن هذا المجرم الأثيم الذي ذبح أخاه بلا شفقة وبلا رحمة و... و...، وبينما المحاكمة مستمرة والقاتل في حالة ندم شديد، إذ بأخيه المقتول يدخل المحكمة صحيحًا ليس فيه موت بل يقول ها أنا، ما هذه الاتهامات؟!! وهذا يكفى لتبرير الأخ القاتل. إذن قيامة المسيح تعطينا -كهدية وكهبة من الله- أن نتبرر "مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ (رو3: 24). إذن لماذا مات؟ |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
لماذا مات؟ مات لكي يدفع دين الخطية الذي لنا، وفي الصليب استوفى العدل الإلهي حقه، ودُفع ثمن الخطية، وبالقيامة ننال التبرير. فأقول إن هذا الدم سوف يُطلب؛ كل دم ذكى سفك على الأرض، هذا ما قاله السيد المسيح لليهود "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هَذَا الْجِيلِ!" (مت23: 36). أي يُطلب من هذا الجيل كل دم زكى سُفك على الأرض مثلما قال: "لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ" (مت23: 35). وأضاف قائلاً: "يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا" (مت23: 37). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
دم يتكلم أفضل من هابيل هابيل هذا كان رمزًا للسيد المسيح، ولهذا يقول الكتاب نحن نأتي الآن ليس إلى أحداث العهد القديم المرعبة، بل إلى كنيسة الأبكار المقدسة "وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ" (عب12: 24). ماذا يعنى دم رش يتكلم أفضل من هابيل؟ بمعنى أنه إذا كان دم هابيل الصديق قد تكلم صارخًا أمام الله، فإن دم السيد المسيح أيضًا يتكلم. وماذا يقول هذا الدم؟ إنه يشفع في المذنبين التائبين الذين يطلبون غفران الله بالصليب. لأول مرة نسمع أن الدم يتكلم إذ يقول الرب لقايين "صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك4: 10). هكذا يستطيع دم السيد المسيح أن يتكلم، سوف يكون شفيعًا من أجل خطايا التائبين، ومن الناحية الأخرى سوف يكون شاهدًا على قساوة صالبيه غير التائبين. لذلك في المزمور الخمسين الذي نصليه باستمرار نقول "نَجِّنِي مِنَ الدِّمَاءِ يَا اللهُ إِلَهَ خَلاَصِي فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ" (مز51: 14). ما معنى ذلك؟ أي يا رب لا أريد أن تكون يداي ملطخة بدمائك المقدسة. نجنى من الدماء يا الله إله خلاصي فيبتهج لساني بعدلك، أو يبتهج لساني ببرك. فأنا أريد عدلك يا رب يكون لصالحي وليس ضدي؛ عدلك عندما يُحسب لصالحي أي أنك توفى دين خطاياي بدمك،وعندما يكون ضدي فإن دمك يُحسب علىَّ كما قال الكتاب "فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟" (عب10: 29). أي أن الدم الذي نتقدس به نحن؛ الذي هو دم المسيح ممكن يعتبرنا العدل الإلهي إننا قد دسنا على ابن الله وحسبنا أن هذا الدم دم دنس، لأننا دنسنا كياننا الذي اغتسل بدم المسيح المقدس. أي أن الدم الذي اغتسلنا به صيَّرناه أو حسبناه دنسًا بخطايانا. طبعًا هذا الدم لا يتنجس على الإطلاق، ولكن حسبناه هكذا حينما استخففنا بقداسة المسيح التي خلعها علينا في المعمودية "لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ" (غل3: 27). |
رد: كتاب هابيل و قايين - الأنبا بيشوي
أول شهيد من أجل الحق هذا البار هابيل هو مثال لجميع الشهداء في كل العصور، هو أول شهيد من أجل الحق، ومن أجل البر، ومن أجل محبة الله. آمن بالذبيحة، وآمن بالفداء، وقدّم قربانًا من سمان غنمه ومن أبكارها. وقبل الله قربانه لأنه آمن بالخلاص الذي كان الرب مزمعًا أن يصنعه من أجل حياة البشرية. واستحق أن يرقد على رجاء القيامة. وحينما دخل السيد المسيح بعد الصليب وكرز للنفوس التي انتظرت مجيئه، لا شك أن هابيل كان في مقدمة صفوف المفديين المخلَّصين الذين دخلوا إلى الفردوس، يتقدم في موكب الشهداء جميعًا هناك في شركة روحية مع الرب وفي حضرة ملائكته وقديسيه. ونحن عندما نحتفل بتذكار أي شهيد من شهداء الكنيسة، فإننا نعتبره ابنًا من أبناء هابيل، ابنًا روحيًا لهذا البار كقول الكتاب "كَانَ قَايِينُ مِنَ الشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ" (1يو3: 12). "وَهَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً" (يو3: 19). فليعطينا الرب بركة هذا الشهيد العظيم وبركة جميع الشهداء الذين سفكوا دماءهم حبًا للبار القدوس أي للسيد المسيح |
الساعة الآن 09:21 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025