![]() |
كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث مقدمة |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
محاسبة النفس باسم الآب والابن والروح القدس-إله واحد آمين نحن الآن في آخر العام، ونريد أن نبدأ عامًا جديدًا. ما تزال أمامنا بضعة أيام، نريد أن نختم بها عامنا هذا، الذي إن لم نكن قد جعلنا سيرته صالحة، فعلي الأقل: ليتنا ننتهي من هذا العام بنهاية صالحة. فكيف إذن ننهي عامنا هذا ونبدأ آخر؟ يحتاج كل منا إلي جلسة هادئة مع نفسه. ما أكثر ما ينشغل الناس بحفلات رأس السنة وبرامجها والإعداد لها، بحيث يكونون في مشغولية وزحام، وفي لقاءات واهتمامات، لا تعطيهم فرصة علي الإطلاق للجلوس مع أنفسهم. وربما في هذه البرامج يسمعون محاضرات عن أهمية الجلوس مع النفس، دون أن يكون لهم وقت للجلوس مع النفس. أما أنتم فليتكم تجدون وقتًا أو ترتبون وقتًا، في خلوة وهدوء، تنفردون فيه بأنفسكم. تفتشون هذه النفس، وتفحصونها، هي وظروفها كلها. تكون جلسة حساب، وربما جلسة عتاب، أو جلسه عقاب.. وتكون جلسة تخطيط للمستقبل، تفكير فيما يجب أن تكونوا عليه في العام المقبل، في جو من الصلاة، وعرض الأمر علي الله، لكي تأخذوا منه معونة وإرشادًا.. جلسة يناقش فيها الإنسان كل علاقاته، سواء مع نفسه أو مع الآخرين أو مع الله، بكل صراحة ووضوح. ويحاول أن يخرج من كل هذا بخطة جديدة للعام الجديد. خطة عمل، أو خطة عملية، ومنهج حياة.. كما حدث للابن الضال: إذ جلس إلي نفسه، وفحص حالته، وخرج بقرار حاسم لما ينبغي عليه أن يعمله. أقول هذا، لأن كثيرًا من الناس يعيشون في دوامة، لا يعرفون فيها كيف يسيرون أو إلي أين يسيرون يسلمهم الأمس إلي اليوم، ويسلمهم اليوم إلي غد، وهم في متاهة الأمس واليوم والغد، لا يعرفون إجابة من يقول لهم: إلي أين؟ أناس يعيشون في غيبوبة عن روحياتهم وأبديتهم. وخط سيرهم ليس واضحًا أمامهم. وربما يهتمون بتفاصيل كثيرة ودقيقة. وكلن الهدف تائه من أمامهم. والخيوط التي تشدهم إلي واقعهم هي خيوط قوية، كأنها سلاسل لا ينفكون منها لذلك هم في حاجة إلي جلسة هادئة مع النفس، يفحصون فيها كل شيء، بكل صراحة، ويصلون إلي حل،إني أعجب من أشخاص يأخذون عطلات من أعمالهم لأسباب كثيرة، وربما لزيارة أو مقابلة أو لسفر أو رحلة، أو لمجرد الراحة أو الترفيه عن النفس.. بينما لم أسمع عن أحد أنه أخذ عطلة من عمله، لكي يجلس مع نفسه ويفحصها.. ولكي يحاسبها علي عام طويل: ماذا فعلت فيه مما يرضي الله، وماذا فعلت مما يغضبه؟ إن بداية عام هي مناسبة هامة لمحاسبة النفس. كثيرون من الروحيين يحاسبون أنفسهم في مناسبات معينة: قبل الاعتراف والتناول مثلًا، أو في نهاية كل يوم، أو بعد عمل معين يحتاج إلي فحص من الضمير. أما جلسة الإنسان في نهاية العام، فهي حساب إجمالي أو حساب عام، يتناول فيه الحياة كلها. ربما يفحص الخطايا المتكررة والمسيطرة في حياته. الخطايا التي تكاد تكون عنصرًا ثابتًا في اعترافاته، ونقطة ضعف مستمرة في حياته. ويفحص ما هي أسبابها ودوافعها، وكيف يمكن أن يتخلص من هذه الأسباب، وكيف يحيا بلا عثرة. إن الله عليه العمل الأكبر في تخليصه، ولكن لا شك أن هناك عملًا من جانبه كإنسان لابد يعمله، ليكون في شركة مع الله. وقد يفحص الإنسان صفاته الشخصية التي يتميز بها. وماذا ينبغي من هذه الصفات أو يستبدل بغيره؟ وهل تحولت بعض الخطايا إلي هادات له، أو إلي طباع أو صفات ثابتة.. كإنسان مثلًا، أصبحت في صفاته حساسية زائدة نحو كرامته، فهو يغضب بسرعة لأي سبب يحس أنه يمس هذه الكرامة.. وصار هذا فيه، أو صفة ثابتة.. وهو محتاج أن يغير هذا الطبع، ويتخلص من هذه الحساسية، ويصير واسع لطيفًا ومحتملًا.. هنا يفحص الصفة كلها مجرد عارضة من قصص غضبه.. ليت جلستك مع نفسك تكون مرآة روحية لك.. تعطيك صورة عن نفسك، صورة طبيعية تمامًا بغير رتوش، بغير دفاعا بغير تبرير، بغير مجاملة للذات، بغير تدليل للذات. إنك قد تتأثر إذا كشفك إنسان وأظهر لك حقيقتك، التي قد يجرحك معرفة الناس لها. ولكن لا تكون في مثل هذا التأثر، إذا ما كشفت نفسك بنفسك، لكي تعرفها فتصلحها. ولكي تكشف أمراضها فتعالجها. لذلك فلتكن جلستك مع نفسك، مثل أشعة تعطي صورة حقيقة للداخل، وتكشف ما يوجد فيه. لتكن جلستك مع نفسك، جلسة ضمير نزيه.. أو جلسة قاض عادل، يحكم بالحق، جلسة صريحة، حاسمة، وحازمة. وحاسب نفسك في صراحة، علي كل شيء: خطايا الفكر خطايا القلب والرغبات والمشاعر، خطايا اللسان، خطايا الجسد، خطاياك من جهة نفسك ومن جهة الآخرين.. علاقتك مع الله، وتقصيراتك في الوسائط الروحية.. الخطايا الخاصة بوجوب النمو: هل أنت تنمو روحيًا أم حياتك واقفة؟ لا تترك شيئًا في حياتك دون أن تكشفه لتعرفه، فتتخذ موقفًا تجاهه.. أجلس إلي نفسك لتقيمها، وتعيد تشكيلها من جديد. أهتم بروحك، وراجع حياتك كلها. لا تقل "هكذا هي طباعي" أو "هكذا هي طبيعتي". كلا. فالذي يحتاج فيك إلي يتغير، ينبغي أن يتغير. وليست طباعك شيئًا ثابتًا، فكما اكتسبتها يمكن أن تكتسب عكسها. أما طبيعتك فهي صورة الله ومثاله. وكل ما فيك من أخطاء، عبارة عن أشيئا عارضة. فارجع إلي صورتك الإلهية، فهي طبيعتك الحقيقية. أمسك شخصيتك، وأعد تشكيلها من جديد، في هذه الجلسة المصيرية التي تجلسها مع نفسك. والصفات الجديدة التي تلزمك، أبحث كيف تقتنيها، ولو بتداريب تغضب عليها إرادتك، وتصارع فيها مع الله ليعينك. وليكن العام الجديد، عامًا جديدًا في كل شيء. أحرص في جلستك مع نفسك، التي تجلس فيها مع الله، أن تخرج منها وقد تغير فيك كل ما يجب تغييره من أخطاء ونقائض. تخرج منها بخط سير جديد في الحياة، وبطباع جديدة، يحس بها كل من يختلط بك. وحاول أن توجه كل طاقاتك توجيهًا سليمًا.. فمثلًا توجد في داخل نفسك طاقة عصيبة، يمكن أن توجهها نحو نفسك في أخطائها، ويمكن أن توجهها نحو الناس. فاحرص أن يكون توجيهها سليمًا، بعيدًا عن الذاتية، خالصًا من أجل الله، وبأسلوب روحي لا أخطاء فيه. وفي داخلك أيضًا توجد طاقة حب، حاول أن تجعلها تسير بتوجيه سليم، فتكون لك أولًا، وللخير ثانيًا، وللناس في نطاق حب الله وحب الخير. وأحرص في جلستك مع نفسك أن تجعل هذه الطاقة لا تنحرف. ولا تجعل حبًا علي حساب حب.. كذلك كل مواهبك التي منحك الله إياها، فلتكن موجهة توجيهًا سليمًا لله والخير. كالذكاء مثلًا، هو موهبة من الله. لا تتخذه للأضرار بغيرك، أو للفخر والكبرياء، أو لمجرد الانتصار في الجدل والمناقشة، أو لتنفيذ رغباتك الخاطئة. وليكن العام الجديد عامًا منتصرًا في حياتك.. أستعرض في جلستك مع نفسك النواحي التي تنهزم فيها روحيًا. وقل لنفسك ينبغي أن أحيا حياة النصرة ظن فلا أنهزم في كذا وكذا، بل يقودني الرب في موكب نصرته، ويعطيني الوعود التي وعد بها الغالبين (رؤ2، 3). ليكن عامًا فيه نمو روحي، وتقدم وصعود إلي فوق.. ولذلك قرر في جلستك، أن تبعد عن العثرات.. وكل إنسان له في حياته ما يعثره شخصيًا، فالفحص ما هي عثراتك، وابعد عنها "إن كانت عينك اليمين تعثرك، فاقلعها والقها عنك.. وإن كانت يدك اليمني تعثرك، فاقطعها والقها عنك.." (مت 5: 29، 30). إلي هذا الحدة يريدنا الرب أن نبعد عن العثرات. فكن حاسمًا في هذا الأمر. وكما تبعد عن العثرات، أحرص أيضًا أنك لا تكون عثرة لغيرك.. وتذكر قول الرب: أذكر من أين سقطت وتب (رؤ2: 5). وفي ذلك لا تتساهل مطلقًا، ولا تسامح نفسك ولا تدللها. وإن احتاج القيام من سقطتك، أن تؤدب نفسك وتعاقبها حتى لا تعود إلي أخطائها، فكن شديدًا في تأديبك لنفسك. وخذ حق الله كاملًا منها. لأنه ينبغي أن تحب الله أكثر من نفسك. لأنه قال: من ضيع نفسه من أجلي يجدها (مت 10: 39) وقال إنه من أجله ينبغي أن تبغض حتى نفسك (لو 14: 26). فبذلك تحفظها لحياة أبدية.. حاسب نفسك وبكتها. ولكن احترس من شيطان اليأس.. كن حكيمًا في محاسبتك لنفسك، وحيكمًا في تبكيتها وتأديبها. وإن وجدت في محاسبتك لنفسك أن الكآبة القاتلة ستملك عليك، وتدفعك إلي اليأس، تذكر حينئذ مراحم الله، ووعود، وتحويله الخطاة إلي قديسين.. حينئذ يمتلئ قلبك بالفرح الروحاني، كما قال الرسول: "فرحين في الرجاء" (رو12: 12). وفي جلستك مع نفسك، لا تركز فقط علي التوبة، إنما تذكر أيضًا أنه مطلوب منا القداسة والكمال، فقد أوصانا الكتاب قائلًا: كونوا قديسين.. كونوا كاملين.. "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيًا قديسين.. لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (1بط 1: 15، 16). وقال الرب أيضا "فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48). إن التوبة هي مجرد الخطوة الأولي إلي الله. وهناك خطوات أخري كثيرة بعدها، لنصل إلي حياة الكمال. فيجب ألا نركز علي التوبة وحدها، وإلا كان جهادنا كله في التخلص من السلبيات، دون أن ننتقل علميًا إلي الإيجابيات.. إن ترك الخطية هو نقطة الابتداء وعمل المبتدئين.. فلا نقف إذن عند هذه النقطة، وإنما نتجاوزها سائرين نحو القداسة. أما إن كنا لم نصل بعد إلي عمل المبتدئين هذا، فنحن إذن لسنا أعضاء في جسد الرب كما أراد لنا أن نكون.. إن كنا ما نزال نقع ونقوم، وبعد أن نقوم، نقع مرة أخري، فنحن لم نصل إلي التوبة بعد. لا يا أخوتي لا يجوز أن تسير الأمور هكذا.. لا يجوز أن نقضي حياتنا في مرحلة التوبة.. ليس من صالحنا أن نقضي عمرنا كله، صراعًا ضد الخطية، وجهادًا للوصول إلي التوبة. إنما علينا أن نسرع في الطريق لنصل إلي الله، ونتمتع بعشرة الملائكة والقديسين.. وننمو في درجات القداسة وفي طريق الكمال. وليكن هذا العام مباركًا عليكم.. يعطيكم الرب نعمة فيه، توصلكم إليه. _____ * عن محاضرتين: أحدهما في الكاتدرائية الكبرى في القاهرة الجمعة 27/12/74 مساء، والثانية في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية مساء الأحد 29/12/1974. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين. هوذا نحن علي أبواب عام جديد، ومن المعروف أن كل إنسان يحب أن يبدأ عامه الجديد بالتوبة والنقاوة، وطبعًا يبدأه بالاعتراف. وهذا الأمر يحتاج منه إلي جلسة مع نفسه لكي يحاسبها ويلومها علي أخطائها. لذلك أحب أن أقول لكم كلمة مختصرة عن فضيلة لوم النفس. لأن الذي ليست له فضيلة لوم النفس، لا يعرف أن يجلس مع نفسه وإن جلس مع نفسه لا يستفيد. ومادام لا يلوم نفسه، إذن فسوف لا يعترف بخطاياه، وبالتالي سوف لا يتوب، ويظل العام الجديد كسابقه، بنفس أخطائه! لذلك أود أن أكلمكم عن أهمية لوم النفس، وعن الفضائل التي يحصل عليها الإنسان من لومه لنفسه. الذي يلوم نفسه، يستطيع أن يعرف حقيقة نفسه..
_____ * محاضرة ألقيت في الكاتدرائية الكبرى مساء الجمعة 29/12/1977. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
معرفة حقيقة النفس 1- معرفة حقيقة النفس كثير من الناس نفوسهم مغلقة بالتبريرات والأعذار والفهم الخاطئ. وهم لا يلومون أنفسهم، لأنهم يدللون أنفسهم، ويعذرون أنفسهم في كل شيء. أنهم لا يقبلون إطلاقًا أن يأتوا باللائمة علي أنفسهم، لذلك لا يعرفون حقيقة ذواتهم. وقد تبقي ذات كل منهم جميلة في عينيه، علي الرغم من كل نقائصها! مثل هذا الإنسان، الذي لا يلوم نفسه، وبالتالي لا يعرف حقيقة نفسه، هو محتاج أن يأتيه اللوم من الخارج. هو في مسيس الحاجة إلي إنسان من الخارج يلومه، ويعرفه حقيقة نفسه ويفهمه أخطاءه ومواضع الزلل في تصرفه، بل ويعرفه مقدار عمق خطيئته، ويبكته عليها مادام ضميره لم يبكته. وقد فعل الله مع داود، حينما أرسل إليه ناثان، ليلومه ويعرفه كم هو مخطئ، ويقنعه أن يقول "أخطأت إلي إلى الرب" (2صم 12: 13). وفي مرة أخري، لم يكن داود يلوم نفسه أيضًا، فأرسل له الله أبيجايل لتعرفه مقدار الخطأ الذي كان هو مزمعًا أن يقع فيه، لكي تمنعه عن ذلك. وفعلًا،استجاب داود وقال لها "مبارك عقلك، ومباركة أنت، لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي نفسي" (1صم 25: 23). إذن إن الإنسان لا يلوم نفسه علي أخطائه، بعد فعلها، أو علي أخطائه التي هو مزمع أن يفعلها، فقد يرسل له الله من يلومه، كما أرسل أبيجايل وكما أرسل ناثان. ولكن الأفضل أن يكون القلب من الداخل سليمًا؟ فيلوم الإنسان نفسه. ولذلك قال القديس مقاريوس الكبير: أحكم يا أخي علي نفسك، قبل أن يحكموا عليك. إن حكمت علي نفسك، فأنك سوف تعرف حقيقتها وكم هي خاطئة. وإن عرفت حقيقة نفسك، فإنك سوف تدينها وتحكم عليها. هذه توصل إلي تلك.. كل إنسان لم يحكم علي نفسه، ولم يلم نفسه، هو إنسان لم يعرف نفسه بعد: لم يفحصها، لم يحاسبها، لم يكن صريحًا معها. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس يساعد على عدم إدانة الآخرين 2- عدم إدانة الآخرين إن الذي يلوم نفسه، ينشغل، ينشغل بها وبتقويمها وفي خجله. وفي أخطائها، لا ينظر إلي خطايا غيره. وفي ذلك قال القديسون: الذي ينشغل بخطاياه، لا يكون له وقت يدين فيه خطايا أخيه. إن استطاع أن يبصر الخشبة التي في عينيه، يخجل من التحدث عن القذى التي في عين أخيه.. وغنما كلما تحدث عن غيره، ويقول: هذا أفضل، وهذا أبر مني ومهما كانت خطايا فلان، فإن خطاياي أنا أكثر وأبشع.. أما الشخص البار في عيني نفسه، فإن يجلس ويلوم الآخرين! وربما في نقائصه وعيوبه، يأتي باللائمة علي غيره. فإذا أخطأ يأتي باللائمة علي الناس، وعلي الظروف، وعلي البيئة.. علي الناس الذين أوقعوه في الخطيئة، كما حدث لآدم إذ ألصق السبب في خطيئة حواء.. وقد يلصق الإنسان السبب، بالظروف المحيطة، كما برر إيليا هروبه بقوله للرب "قتلوا أنبياءك بالسيف.. وهم يطلبون نفسي ليأخذوها" (1مل 19: 14).. وقد يلصق السبب بالبيئة، كما حدث أن أبانا إبراهيم قال عن زوجته سارة إنها أخته! ثم حاول أن يغطي ذلك بقوله "أني قلت: ليس في هذا الموضع خوف الله البتة، فيقتلوني لأجل امرأتي" (تك 20: 11). ولوم كان إبراهيم يلوم نفسه ما قال هذا. وكذلك لو كان أبونا آدم يلوم نفسه، ما لام حواء، ولو كان إيليا النبي يلوم نفسه، ما لام الظروف! ولكن الإنسان يلوم غيره ويدينه، لكي يبرر نفسه. لأنه لا يريد أن يلوم نفسه، ولا يريد أن يلومه الناس، فيلصق خطيئته بغيره ليخرج هو بريئًا..! كثيرون يغسلون أيديهم بالماء، كما فعل بيلاطس؟! خير للإنسان أن يلوم نفسه، من أن يبرر نفسه. والذي يلوم نفسه ضعفه، فيعذر غيرة ولا يدينه. حدث للقديس موسى الأسود، الذي رفض أن يدين راهبًا مخطئًا عقد له مجمع لإدانته. حمل هذا القديس علي ظهره كيسًا مملوءًا بالرمل ومثقوبًا. ولما سئل في ذلك قال "هذه خطاياي وراء ظهري تجري وقد جئت لإدانة خطايا أخي.."! الذي يلوم نفسه، إن سئل عن خطايا شخص آخر، يقول لسائله: اسألني عني خطاياي أنا،أما ذلك الإنسان فهو أبر مني. أخاطئ هو؟ لست أعلم (يو 9: 25). الذي يلوم نفسه، لا يقسو في الحكم علي خطايا الآخرين، كما فعل الفريسيون الذين طلبوا رجم المرأة الخاطئة، فقال لهم السيد المسيح: من كان منكم بلا خطية، فليقذفها أولًا بحجر (يو 8: 7). ذلك لأن الذي يقذف بالحجارة، إنما يظن في نفسه أنه بلا خطية، أو علي الأقل يكون في ذلك الحين ناسيًا لخطاياه، وليس في وضع من يلوم نفسه. أما الذي الأقل يكون في ذلك الحين ناسيًا لخطاياه، وليس في وضع من يلوم نفسه. أما الذي يلوم نفسه، فإنه يقول في فكره "من أنا حتى ألوم الناس؟ أنا الذي فعلت كذا وكذا.. الأولي بي أن أصمت مادام الله قد سترني.. تري لو سمح الله أن أنكشف، أكنت أستطيع أن أتكلم. هذا عور من يضع خطيئته أمامه في كل حين (مز50). ولكن للأسف فإن كثيرين، من أجل راحة نفسية زائفة، أو من اجل كبرياء داخلية ومجد باطل، وليس من أجل أبدتهم، لا يحبون أن يتذكروا خطاياهم، ولا أن يلوموا أنفسهم، كما لا يقبلون أن يأتيهم اللوم من آخرين!.. يحبون أن ينسوا خطاياهم، وفي نفس الوقت يذكرون خطايا الناس..! وما الفائدة لهم من كل هذا، سواء في السماء أو علي الأرض؟! لا شيء. حقًا ما أجمل قول القديسين: إن دنا أنفسنا، رضي الديان عنا. من فوائد لوم النفس أيضًا: إصلاح الذات وتنقيتها. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس يساعد على إصلاح الذات وتنقيتها 3- إصلاح الذات وتنقيتها الذي يلوم نفسه، يكون مستعدًا لإصلاح ذاته. ما دمت أعرف أن هذه خطية، يكون عندي إذن استعداد لكي أتركها. ولكن كيف يمكن لإنسان أن يترك شيئًا، مادام لا يلوم نفسه إطلاقًا علي عمله؟! إذن لوم النفس يسبق بلا شك تنقية النفس من أخطائها. هو خطوة أولي التوبة. أما تبرير الذات، فهو الذات، فهو شيطان يلتهم التوبة ويفترسها. إن وجد الشيطان إنسانًا يلوم نفسه، ويريد أن يترك الخطية ويتوب، يحاول الشيطان أن يخرجه من هذا النطاق الروحي، ويقول له: لا تظلم نفسك بلا داع. في أي شيء أخطأت؟ إن الموقف كان طبيعيًا جدًا،لك عذرك في هذا الأمر. والمسئولية تقع علي فلان وفلان. أو أن الظروف كانت ضاغطة. والضغوط الخارجية نفسك بلا سبب..! هذا هو كلام الشيطان، أسلوب تبرير الذات. أما القديسون فيقولون: في كل ضيقة تحدث لك، قل هذا بسبب خطاياي. إنك لن تخسر شيئًا إذا لمت نفسك. بل إن هذا يقودك إلي التوبة إن كنت مخطئًا، وينميك روحيًا إن كنت بريئًا. في إحدى المرات زار القديس البابا ثاوفيلس جبل نتريا، والتقي بأب الرهبان المتوحدين في هذا الجبل، وسأله كأب عن أعظم الفضائل التي أتقنوها طول ذلك الزمان في الوحدة القديس أب رهبان نتريا: صدقني يا أبي لا يوجد أفضل من أن يرجع الإنسان باللائمة علي نفسه في كل شيء.. فائدة أخري للوم النفس |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس يساعد على المساعدة علي الاعتراف 4- المساعدة علي الاعتراف ما هو الاعتراف في معناه الروحي؟ الاعتراف هم أن يدين الإنسان نفسه.. يدين الإنسان نفسه أمام الله، في سمع الأب الكاهن، لينال المغفرة. فإن كان الإنسان يلوم نفسه، كيف سيعترف إذن وكيف ينال المغفرة؟ الخطوة الأولي هي بلا شك، أن يدين نفسه فيما بينه وبين نفسه، في داخل قلبه وداخل فكره. حينئذ يمكنه أن يعترف بهذه الخطية أمام الله في صلواته، ثم يمكنه أن يعترف بها أمام الكاهن.. أما الذي يفقد الخطوة الأولي، التي هي لوم النفس، فمن الطبيعي أنه سيفقد باقي الخطوات.. ولذلك، فالذي لا يلوم نفسه، لا يعترف.. علي الأقل لا يعترف بالنقط التي لا يلوم نفسه عليها.. وقد يجلس مع أب الاعتراف وقتًا طويلًا، ومع ذلك لا يعترف.. وكيف ذلك؟ بعض الناس تتحول اعترافاتهم إلي شكوى، ضد غيرهم! هم يشكون ظروفهم، في البيت أو في العمل، أو في الكنيسة.. مثل زوجه تجلس مع الأب الكاهن لتعترف، فتحكي سوء معاملة زوجها لها. فتعترف بخطايا زوجها، وليس بخطاياها هي. أو تعترف بمشاكل ومتاعب تحيط بها. أما نفسها فلا تقول عنها شيئًا، لأنها لم تجلس أولًا لكي تلوم نفسها قبل الاعتراف! وهناك من في اعترافه، يدين أب الاعتراف نفسه! يقول له: أنت يا أبانا مقصر في حقي، لا تفتقدني، لا تهتم بي، لا تعطيني تداريب روحية، لا تحل مشاكلي، لا تتابع حياتي الروحية، لا تصلي لأن خطاياي ومشاكلي مازالت كما هي باقية.. أنت يا أبي لا تسأل عني..! فهل هذا يمكن أن نسميه اعترافا؟! حيث ينسي الإنسان نفسه ونقائصها، ولا يلوم نفسه،بل يجعل سبب ضعفاته، عدم اهتمام أب الاعتراف به. فيلوم أب الاعتراف، بدلًا من أن يلوم نفسه.. ثم بعد ذلك يطلب تحليلًا..! تحليلًا عن ماذا؟! إننا نريد أن تبدأوا هذا العام بالاعتراف السليم. بلوم النفس أمام الله، في اقتناع كامل بكل أخطائها ونقائصها، وبدون تقديم أعذار أو تبريرات للتخفيف من ثقل خطاياها.. ولا نقف أمام الله لنشكو غيرنا، إنما لنشكو أنفسنا التي تعدت كثيرًا علي وصاياه.. لذلك أجلسوا إلي أنفسكم وحاسبو، وفتشوا علي نقائصكم. حاولوا أن تبصروا كل ما فيكم من عيوب، لكي تستطيعوا أن تتخلصوا منها وتتنقوا.. فالجلوس مع النفس هو تمهيد للوم النفس. ولوم النفس هو تمهيد للاعتراف والتوبة. وهذا ما نريد أن نبدأ به عامنا الجديد.. نلوم أنفسنا أمام ذواتنا، أمام الله، وأمام الأب الكاهن.. وهكذا لوم النفس يقودنا إلي المغفرة. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس يقود إلي المغفرة ما الذي يغفره لك الله؟ هو ما تعترف بأنك أخطأت فيه. أما الذي تقول انك لم تخطئ فيه، طبيعي إنك لا تطلب عنه المغفرة، وبالتالي لا تنال مغفرة عنه إن كان في واقعه خطأ. إن كنت تعرف أنك مريض، فسوف تسعي إلي الطبيب لكي تشفي.. وأما إن أصررت علي أنك سليم وصحيح، فحينئذ ستسمع قول الرب: لا يحتاج الإصحاح إلي طيبي، بل المرضي (مت 9: 12). إن العشار الذي لام نفسه وقال "إني خاطئ" استحق أن يخرج من الهيكل مبررًا، بعكس الفريسي الذي لم يجد شيئًا يلوم عليه نفسه فقال: أشكرك يا رب إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاضعين الزناة (لو 18: 11). حقًا ما الذي يمكن أن يغفره الله لهذا الفريسي (البار)؟! آية خطيئة يغفرها لهذا البار في عيني نفسه، الذي لم يعرض خطيئة واحدة أمام الله طالبًا عنها مغفرة.. لو كان خاطئًا مثل العشار، لكان يطلب الرحمة مثله. ولكنه يفتخر قائلًا إنني "لست مثل هذا العشار". لم يعترف بخطايا تحتاج بخطايا تحتاج غلي غفران، ولم يطلب غفرانًا. فأبعد نفسه عن المغفرة وعن التبرير بدم المسيح. كذلك لم يقل الكتاب إن الله قد برر الابن الأكبر، الذي هو أيضًا لم يجد شيئًا يلوم عليه نفسه، بل أكثر من هذا غضب وألقي اللوم علي أخيه وعلي أبيه فقال له "أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أخالف وصيتك. وجديًا لم تعطني قط لأخرج مع أصدقائي.." (لو 15: 29). حقًا أية مغفرة تعطي لمن يقول: قط لم أخالف وصيتك. ونفس هذا الابن لم يطلب مغفرة، لأنه لم يجد في تصرفاته خطأ واحدًا يحتاج إلي مغفرة!! أما أخوه الأصغر فقد تبرر لأنه لام نفسه وقال لأبيه "أخطأت إلي السماء وقدامك. وليست مستحقًا أن أدعي لك أن تدعي لك أبنًا.." إذن أن كنت لا تدين نفسك فأنت تبدو بارًا في عيني نفسك، بينما السيد المسيح قد قال: ما جئت لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلي التوبة (مت 9: 13). وبهذا تكون خارج نطاق المسيح / ولم يأت لأخلك. إنه جاء من أجل الخطاة. جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (لو 19: 10)،جاء من أجل المرضي ليشفيهم. جاء ليبشر المنكسري القلوب.. فهل أنت من هؤلاء؟ إنك تكون منهم في حالة ما تلوم نفسك وتدينها. أما أن كنت تري نفسك بارًا ومحقًا ولا عيب فيك.. فكأنك تقول: لا شأن لي بدم المسيح وكفارته. إن دم المسيح هو لمحو الخطايا. أعترف إذن بخطاياك، لكي يكون لك نصيب فيه ولكي ينضح عليك بزوفاه فتطهر، وتنال المغفرة. لماذا تبعد نفسك عن دم المسيح وفاعليته؟! علي أنني أقول لكم في هذا المجال ملاحظة مؤلمة وهي: كثيرون يقولون إنهم خطاة. وداخلهم لا يعترف بهذا كلمة "خاطئ "قد يقولها الواحد منهم عن نفسه، بشفيته فقط، ليبدو متضعًا. ولكنه في داخل نفسه غير مقتنع بأنه مخطئ. وأن قلت له إنك مخطئ، يثور عليك، ويدافع بشدة عن نفسه.. ونحن لا نقصد أن يلوم الإنسان ملامة باطلة زائفة. فهذه الملامة الشكلية الباطلة، هي غير مقبولة أمام فاحص القلوب والكلي.. إنما حينما نقول لك أن تلوم نفسك. نقصد أن تكون مقتنعًا في أعماقك اقتناعا كاملًا بأنك مخطئ. وهذا اللوم الحقيقي للنفس هو الذي به تستحق المغفرة.. لوم النفس يقود إلي المغفرة. ويقود أيضًا إلي الاتضاع.. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس يقود إلي الإتضاع الذي يلوم نفسه، يصل إلي الاتضاع وانسحاق القلب، ولا يكون كبيرًا أو بارًا في عيني نفسه، لأنه بلوم لنفسه يدرك نقائصه وضعفاته. الشخص المتضع، باتضاع يصل إلي لوم النفس. والذي يلوم نفسه، يصل بذلك إلي الاتضاع. كل واحد من هاتين توصل إلي الأخرى، لأنهما مترابطان. إن بدأت بأي منهما يمكن أن تصل إلي الأخرى. وكل واحدة منهما. تكمن الأخرى في داخلها. إذ كيف يمكن لإنسان أن ينتفخ، أو يفتخر بنفسه، أو يكون بارًا في نظر نفسه، بينما أخطاؤه ماثلة أمام عينيه؟! يتذكرها فتنحني نفسه في داخله.. و المتضع الذي يلوم نفسه، لا شك يشفق علي غيرة. أنه يدرك تمامًا ضعف النفس البشرية أما هجمات الشيطان وحيله ودهائه وإغراءاته، لذلك فإنه يعذر كل من يسقط، ولا يقسو عليه مطلقًا في أحكامه، متذكرًا قول القديس بولس الرسول: "اذكروا المقيدين، كأنكم مقيدون معهم". "اذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.من أجمل الأمور في الحياة الروحية، أنك تكون شديدًا علي نفسك، تلومها في كل خطأ. وعلي العكس من الناحية الأخرى، تكون شفوقًا علي المخطئين، تحاول أن تعذرهم بقدر ما تستطيع.. وكما يقود لوم النفس إلي الاتضاع، يقود أيضًا إلي الدموع.. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس يقود إلي الدموع يقود إلي الدموع لذي يتذكر خطاياه، ويحزن عليها، ويبكت نفسه عليها، يؤهل لموهبة الدموع. والدموع تغسل نفسه من كل خطية، وتجعله منسحق القلب. قريبًا إلي الله. أما الذي لا يلوم نفسه، فعيناه باستمرار جافتان، مع قسوة في القلب.. المرأة الخاطئة، في تذكرها لخطاياها، بللت قدمي الرب بدموعها في بيت الفريسي. وكانت دموعها مقبولة أمام الله، فنالت المغفرة.. ونحن نتذكر دموع هذه المرأة في صلاة نصف الليل، فيصرخ القلب قائلًا "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة.." (لو 7: 38). من فوائد لوم النفس، أنه يؤدي إلي التوبة، وإلي الاتضاع والانسحاق والدموع. كذلك هو يؤدي إلي الصلح والسلام مع الناس. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
الصلح والسلام مع الناس الصلح والسلام مع الناس: الذي يلوم نفسه يمكنه أن يعيش في سلام دائم مع الناس. حتى إن حدث خلاف، فبلوم النفس يسهل أن يتم الصلح. إن الخصومة تشتد، حينما يصر كل من الطرفين علي موقفه، ويبرر نفسه مدعيًا أن الحق في جانبه، وأن الجانب الأخر هو المخطئ. أما إن سلك أحدهم باتضاع، وأتي بالملامة علي نفسه في هذه الخصومة، حينئذ ما أسهل أن يتم الصلح.. فالخصم لا يحتمل أن يسمع منك عبارة: "حقك علي. وأنا غلطان". أو قولك له "أنا آسف جدًا، لأني آلمتك أو أحزنتك".. وكما قال الحكيم" أن "الجواب اللين يصرف الغضب" (أم 15: 6). إن كثيرًا من الذين يعاتبونك، أو غالبية الذين يعاتبونك، أو كل الذين يعاتبونك، إنما يريدون أن يسمعوا منك كلمة واحدة، تلوم بها نفسك، وتعطيهم الحق، فينتهي الموضوع عند هذا الحد. وإلا.. فإن تبرير النفس يقود إلي العناد. والعناد يشعل الخصومات. إن الذي يلوم نفسه، لا يعاند، ولا يقاوم، ولا يخاصم، ولا يجادل كثيرا، ولا يرد علي الكلمة بمثلها أو بما هو أقسى.. إنما يسلك مسالمًا للناس، مراضيًا لخصمه مادام معه في الطريق.. (مت 5: 25)،إن شيطان الغضب، وشيطان الخصومة، شيطان العناد، وشيطان الكبرياء، كل أولئك يقفون في حيرة كل الحيرة أمام الشخص الذي عنده فضيلة لوم النفس، لا يعرفون كيف ينتصرون عليه. بل هم يصرون علي أسنانهم في غيظ، مهزومين أمام هذا الذي لا يبرر نفسه أبدًا، ولا يغضب من أحد ولا يخاصم ولا يصيح، وبالجواب اللين والكلمة الطيبة، وجلب الملامة علي نفسه يحل كل خصومة، ويصرف كل غضب.. إنه يعيش وديعًا هادئًا مسالمًا، يحبه الكل.. فهو لا ينازع أحدًا، ولا يسمح لنفسه أن يغضب من احد، مهما كان الحق في جانبه، لأنه يلوم نفسه قائلًا: إن غضبت من هذا الإنسان وثرت عليه، أكون قد فقدت فضيلة الوداعة، وفقدت الاحتمال الحب وفضيلة السلام مع الناس.. وأكون بهذا مخطئًا.. وهكذا يلوم نفسه لا علي أخطاء أرتكبها، إنما علي أخطاء يحذر نفسه الوقوع فيها.. وبهذا يكون حريصًا ومحترسًا، وتتقدم نفسه نحو الكمال. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
لوم النفس يفتح أبواب الكمال والنمو يفتح أبواب الكمال والنمو لوم النفس يساعد علي التقدم في الحياة الروحية. لأن كل شيء يلوم الإنسان نفسه عليه يحاول أن يتخلص منه، ويتنقى منه، وهكذا يتقدم في حياته الروحية وينمو. كذلك يلوم نفسه في فضائله، مقارنًا إياها بمستويات أعلى. كل فضيلة يمارسها، بدلًا منه.. نراه يقارن حالته بما وصل إليه القديسون في هذه الفضيلة، فيري أنه لا شيء إلي جوارهم، وأن كل ما فعله تافه وبسيط، ولا يقاس بتلك القمم العالية.. فيلوم نفسه ويدفعها إلي قدام نحو الكمال، فينمو.. وهكذا كان يفعل القديس بولس الرسول إذ يقول: ليس إني نلت أو صرت كاملًا ولكني أسمع لعلي أرك.. أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكني أفعل شيئًا واحدًا.. ونسأله ما هو؟ فيجيب: أنسي ما هو وراء، وأمتد إلي ما هو قدام (في 3: 12، 13). لا يقصد أنه ينسي الخطايا التي في الماضي، فقد كان يذكر دائمًا أنه كان مضطهدًا للكنيسة.. إنما هو ينسي كل الفضائل التي أتقنها من قبل، لكي يمتد إلي ما هو قدام، ساعيًا نحو الغرض. وفي كل فضائله كان يلوم نفسه بعبارة "لست أحسب نفسي أني قد أدركت". لهذا السبب، كانا القديسون يعترفون بأنهم خطاة. حقيقة واضحة ندركها كلما تأملنا في بستان الرهبان، أو سير القديسين، أو صلواتهم: يعترفون باستمرار أنهم خطاة، بل ويبكون علي خطاياهم.. ونسأل أنفسنا ماذا كانت خطايا القديسين، وهم في ذلك السمو؟ إنها ليست فقط خطايا الماضي التي غفرها الرب لهم: إنما بالأكثر، نظرهم إلي الفارق الكبير الذي بينهم وبين الكمال المطلوب، فيقول كل منهم مع الرسول: لست أحسب نفسي أني قد أدركت (في 3: 13). وهكذا بلوم النفس علي حالتها، كان القديسون يمتدون نحو الكمال أما الذي لا يلوم نفسه، أو يرضي بحالته التي هو فيها، فإنه قد يعيش جامدًا مجمدًا في الوضع الذي هو فيه، لا يتحرك منه إلي قدام.، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.لا يفكر في وضع أفضل، ولا يسعي إلي درجة أعلي،لأنه راض عن نفسه بما قد وصل إلية..! مثل الذي استقر علي مجموعة من المزامير يصليها، وانتهي به الأمر عند هذا الحد دون أن يفكر في إضافة شيء، ودون أن يفكر في عمق الصلاة، وحرارتها وما يمتزج بها من حب وإيمان واتضاع.. والامتداد أعلي يعمق صلته بالله أكثر..! ليتنا في آخر هذا العامجلس إلي ذواتنا، ونفكر في خطايانا، ونلوم أنفسنا علي عيوبنا ونقائصنا، ونقارن ما وصلنا إليه بالمستويات العليا التي وصل إليها القديسون.. ولا نعذر أنفسنا مهما كانت الظروف، بل نبعد عن تبرير الذات، لأن هذا لا يرضي الله، ولا ينقينا، ولا يقودنا إلي التوبة.. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
ارتباط الحكمة والإفراز بلوم النفس ينبغي أن يرتبط لوم النفس بالحكمة والإفراز. فلا يكون مجرد لوم ظاهري بعيد عن الاقتناع الداخلي، لأن هذه الفضيلة ليست مجرد لسان، إنما هي فضيلة قلب. كذلك ينبغي ألا يقودنا لوم النفس إلي اليأس والتعب النفسي، إنما في كل لومنا لأنفسنا نحرص علي هذا أن يكون لوم النفس، ممزوجًا بالرجاء.. نلوم أنفسنا علي أخطائها، ونحن مملوءون رجاء في التخلص من هذه الأخطاء. ونلوم أنفسنا علي ضعفها ولنا ملء الرجاء في قوة الله العاملة معنا المعينة لضعفنا.. ونلوم أنفسنا علي ضعف مستوانا، ولكن في رجاء "نمتد إلي قدام". نقول "لست أحسب أني قد أدركت"، وفي فمنا أيضًا عبارة الرسول "ولكني اسعي نحو الغرض. اسعي لعلي أدرك "نلوم أنفسنا لأننا سقطنا. ولكن يقول كل منا أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني (في 4: 13). إذن قف في ختام هذا العام لكي تعد خطاياك أمام الله، وتبكت نفسك عليها أمامه، وتطلب عنها مغفرة.. وفي ليلة رأس السنة، وكلما نقول "يا رب أرحم "عددًا من المرات.. في كل مرة أذكر خطية من خطاياك، في ندم عليها، طالبًا العشار فتبرر. قل ذلك في انسحاق قلب، وليس في روتينية أو شكلية. وأذكر العابرة التي قالها القديس الأنبا أنطونيوس الكبير: أن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله، وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله. أذكرها جميعًا إذن، وأطلب من الله قوة، حتى تنتصر عليها في المستقبل، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.وفي لوم لنفسك أذكر أيضًا إحسانات الله إليك، واشكره.. وأبدأ العام بالشكر. مجرد أن الله أعطاك عامًا جديدًا، أمر يستحق أن تشكره عليه، لأنه أعطاك فرصة للتوبة، أو لتحسين مستواك الروحي والاهتمام بأبديتك. في بداية العام أيضًا، أذكر إحسانات الله إليك. تذكرها جميعًا واحدة، واشكر الله عليها. وأذكر مزمور الشكر (مز 103) الذي قال فيه داود النبي "باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته". وتأمل أيضًا في عبارات صلاة الشكر.. ولا تشكر فقط علي إحسانات الله إليك في العام الماضي، إنما أيضًا في كل أيام حياتك. وكذلك إحساناته إلي أحبائك (1) له المجد إلي الأبد آمين. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
قلبًا جديدًا وروحًا جديدة باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين أهنئكم ببداية هذه السنة الجديدة، وأحب أن أقول لكم: نريد أن تكون هذه السنة جديدة في كل شيء. جديدة في الحياة، في الأسلوب، في السيرة، في الطباع.. يشعر فيها كل منا، أن حياته قد تغيرت حقًا أبي أفضل. وكما قال الرسول "الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كو 5: 17). هناك أشخاص يعترفون، ويتناولون ويقرأون الكتاب، ويواظبون علي حضور الكنيسة والاجتماعات الروحية، ويمارسون كثيرًا من وسائط النعمة.. ومع كل هذه الممارسات الروحية، ضعفاتهم ونقائصهم هي هي. مازالت لهم نفس الطباع، ونفس العيوب، ونفس الشخصية.. لم يتغير في حياتهم شيء. تراهم اليوم كما هو بالأمس..لا فارق! وفي السنة الجديدة كما في السنة الماضية.. لا تغيير! الاعتراف عندهم هو تصفية حساب قديم، ليبدأ حساب جديد، بنفس النوع وبنفس الأخطاء، ونفس العيوب والنقائض والسقوط! ونحن لا ننكر قيمة الأسرار الكنسية وفاعليتها، لمن يسلك فيها بطريقة روحية سليمة. فبلا شك الاعتراف له عمله، والتناول له فاعليتها، لمن يسلك فيها بطريقة روحية سليمة. فبلا شك الاعتراف له عمله، والتناول له فاعليته، وحضور الكنيسة له تأثيره. ولكن هؤلاء الأشخاص لم يأخذوا القوة الموجودة في الأسرار، أنما رأوها وجازوا مقابلها..! ونحن نريد أن نستغل هذا العام الجديد، لنعمل فيه عملًا لأجل الرب ويعمل الرب فيه عملًا لأجلنا،ونقول فيه: كفي يا رب علينا السنوات القديمة التي أكلها الجراد. تكفي السبع سنوات العجاف التي مرت علينا بلا ثمر. ولا داعي لأن تستمر الضعفات القديمة.. نريد أن نبدأ معك عهدًا جديدة، نفرح بك وبسكناك في قلوبنا، وتجدد مثل النسر شبابنا. فيهتف كل منا: امنحني بهجة خلاصك.. قلبًا نقيًا أخلق في يا الله. وروحًا مستقيمًا جدد في أحشائي (مز 50). _____ * ألقيت هذه المحاضرة في بداية عام 1977 بالكاتدرائية الكبرى. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
التجديد: إنه عمل إلهي وأريد بهذه المناسبة أن أقرأ معكم بعض آيات هامة جدًا في هذا الموضوع من سفر حزقيال النبي. ولاحظوا في هذه الآيات، أن الرب يحدثنا عن الدور الذي يقوم به هو من أجلنا، وليس عن عملنا نحن. إنه يقول: أرش عليكم ماء طاهرًا، فتطهرون من كل نجاستكم. ومن كل أصنامكم أطهركم.. وأعطيكم قلبًا جديدًا. وأجعل روحًا جديدة في داخلكم. وأنزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي، وتحفظون أحكامي وتعلمون بها.. وتكون لي شعبًا، وأنا أكون لكم إلهًا وأخلصكم من كل نجاستكم.. (حزقيال 36: 25-29). إذن الله نفسه، هو الذي سيعمل فينا هذا التغيير.. هو الذي سينزع القلب الحجري، وهو الذي سيعطي القلب الجديد. وهو الذي سيسكن روحه القدوس في قلوبنا. وهو الذي سيطهرنا من نجاساتنا، ويخلصنا منها.. كل ذلك عبارة عن عمل إلهي هو.. حقًا إننا نتوه في الحياة، أن كان لي عمل التوبة في نظرنا، هو عمل ذراعنا البشري الذي نتكل عليه. ويقف الأمر عند هذا الحد... وهكذا كلت وضعفت وأنهارت كل أذرعتنا البشرية، ولم يتغير فينا شيء، ولم نكمل الطريق.. ونسينا قول الرب لنا "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريكم (مت 11: 28). أنا أريحكم من كل نجاستكم. أنزع منكم قلب الحجر. وأعطيكم قلبًا جديدًا وروحًا جديدة. وأسكن في قلوبكم.. إنه عمل إلهي: إن تركتموه، وأعتمدتم علي سواعدكم البشرية، ستظلون كما أنتم.. متعبين، وثقيلي الأحمال.. لذلك حسنًا قال مار اسحق عن عمل الله في التوبة: "الذي يظن أن هناك طريقًا آخر للتوبة غير الصلاة، هو مخدوع من الشياطين".. لا شك أن عدونا قوي.. طرح كثيرين جرحي، وكل قتلاه أقوياء (أم 7: 26).. ولكن الله أقوي من عدونا هذا. وهو قادر أن يغلبه فينا، ويخلصنا من كل نجاساتنا، أن كنا نلجأ إلي معونته الإلهية. لذلك فلنمسك بالرب في بداية هذا العام الجديد.. نمسك به من أعماقنا، ونقول له: أنت لا تقبل يا رب مطلقًا، أن يكون العام الجديد بنفس ضعفات وسقطات العام الماضي،مستحيل يا رب أن ترضي بهذا مستحيل إذن فأعطنا قوة لكي ننتصر بها.. إننا سنتمسك بمواعيدك التي ذكرتها في سفر حزقيال النبي. لقد وعدتنا. وأنت أمين في مواعيدك. حقق وعودك لنا.. قلت لنا علي فم عبدك حزقيال "أعطيكم قلبًا جديدًا". فأين هو هذا القلب الجديد؟ وقلت "أنزع منكم قلب الحجر". وللآن لم ينتزع. فأعمل يا رب عملًا. نفذ وعودك. فلح هذه الأرض. وكما قلت في القديم ليكن نور. ورأيت النور أنه حسن. قل أيضًا هذه العبارة مرة أخري "أرنا يا رب رحمتك، وأعطنا خلاصك" (مز 85: 7). أعطنا هذا القلب الجديد، وأعطنا تجديد أذهاننا (رو 12: 2). |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
حياة جديدة ما أكثر الذين ساروا مع الرب، وأعطاهم أسماء جديدة، وكان ذلك رمزًا للحياة الجديدة، التي عاشوها معه.. إبرآم: أعطاه الرب اسما جديدًا هو إبراهيم، وساراي: أعطاها الرب اسمًا جديدًا هو سارة، وشاول الطرسوسى: صار له اسم جديد هو بولس، وسمعان: صار أسمه الجديد هو بطرس، ولاوي: أعطاه الرب اسمًا جديدًا هو متى. وكان كل ذلك رمزا للحياة الجديدة التي عاشها كل هؤلاء القديسين مع الرب. وكان الاسم الجديد يذكرهم بها. مثلما نرسم كاهنًا، ونطيعه اسمًا جديدًا في الكهنوت. لكي يشعر أنه دخل في حياة جديدة مكرسة للرب، غير حياته الأولي. وانه نال نعمة جديدة لم تكن عنده، وأخذ سلطانًا جديدًا لم يكن له. وصارت له مسئوليات جديدة قد وضعت عاتقه.. بل حتى شكله يتغير من الخارج، وملابسه تتغير ويشعر أن شيئًا جديدًا قد دخل في حياته.. جعل هذه الحياة تتغير في طبعها وأسلوبها ومسئولياتها.. وأنت في السنة الجديدة، هل تشعر بتغيير في حياتك؟ لا تجعل هذه السنة تمر عليك، وكل ما فيها من التغيير هو بعض التفاصيل البسيطة.. لا، فالكتاب لم يقل تفاصيل. وإنما قال "أنزع قلب الحجر، وأعطيكم قلبًا جديدًا..". والسيد المسيح يشرح لما طبيعة هذا التغيير، فيقول: "ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة علي ثوب عتيق. لأن الملء يأخذ من الثوب، فيصير الحزق أرادا". "ولا يجعلون خمرًا جديدة في زقاق عتيقة. لئلا تنشق الزقاق، فالخمر تنصب، والزقاق تتلف. بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاق جديدة، فتحفظ جميعًا" (مت 9: 16، 17). إذن لا نضع رقعة جديدة علي ثوب عتيق.. أي لا تكون كل الجدة في هذه السنة، أن نضع تصرفًا روحيًا، أو تدريبًا روحيًا أو سلوكا جديدًا في نقطة ما،كل ذلك علي نفس النفسية ونفس الطباع، ونفس النقائص والضعفات. ويبدو هذا التصرف منا جديدة علي ثوب عتيق.. المطلوب إذن، هو أن يتغير الثوب كله. تخلع الثوب العتيق، الذي هو قلبك الحالي بكل أخطائه.. قلبك الخالي من محبة الله، الخالي من النقاوة والطهارة، بل الخالي حتى من مخافة الله، إذ تسكنه محبة العالم.. هذا القلب كله، يجب أن ينزع من داخلك، ويحل محله قلب جديد. كلما نقول في صلواتنا، ونحن نصلي المزمور الخمسين: "قلبًا نقيًا اخلق في يا الله". ما معني كلمة اخلق؟ ولماذا لم نقل رمم هذا القلب، أو أصلحه، أو جمله؟ لماذا نقول "قلبًا نقيًا اخلق في يا الله. وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي "؟ أليس المعني هو أننا نريد شيئًا جديدًا.. وليس مجرد رقعة من سلوك معين توضع إلي جوار طباعنا الحالية الخاطئة؟ إنها عملية تجديد مستمرة نطلبها في حياتنا كل يوم.. تجديد الطبيعة نأخذه في المعمودية (غل 3: 27)، رو6: 3، 4). أما تجديد السيرة، وتجديد الذهن (رو 12: 2) فنأخذه في التوبة باستمرار. فنقول "روحًا مستقيمًا جدده في أحشائي" (مز 50). ويرد علينا "يجدد مثل النسر شبابك" (مر 103: 5). إنها عملية تجديد مستمرة، يعلمها الرب في حياتنا، ونطلبها كل يوم في مزاميرنا. وليست مجرد حادثة عارضة نذكرها في تاريخ معين. إنه تجديد يشمل القلب كله، والحياة كلها.. ومن الأمثلة التي تناسبنا هنا: مثال الفحمة والجمرة: تصور مثلًا قطعة سوداء من الفحم، كل من يلمسها يتسخ منها. هذه الفحمة دخلت في المجمرة (الشوريا) وتحولت من فحمة إلي جمرة.. أخذت حرارة لم تكن فيها. وأخذت ضياء ولهيبًا وإشراقًا لم يكن لها. بل حتى لونها الأسود صار يحمر ويتوهج. ويعد أن كانت وهي فحمة توسخ كل من يلمسها، أصبحت وهي جمرة تطهر. مثال ذلك ما قيل من أن واحدًا من السارافيم، لما سمع أشعياء يقول "ويل لي قد هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين.."، اخذ جمرة من علي المذبح، ومس بها فم أشعياء، وقال له "هذه قد مست شفتيك، فانتزع إثمك" (أش 6: 7) لأن النار تطهر كل شيء.. النار التي ترمز إلي روح الله. فهل أنت في حياتك فحمة أم جمرة؟ هل دخل في طبيعتك شيء جديد، يعمل روح الله الناري فيه؟ هل في هذا العام الجديد، وضعك الله في مجمرته المقدسة، وأصبحت تخرج منك رائحة بخور هل تحس سكني الله فيك؟ إن لم يعمل الله فيك، فباطل كل ما تعمله. لابد أن يسكن النور فيك، فلا تعود بعد ظلمة. ولا أن يسكن الحق فيك، فلا تكون باطلًا. لابد أن تسكن فيك الحرارة، فلا تكون باردًا ولا فاترًا وهذه السكني تغير حياتك كلها.. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
كيف يحدث التغيير كيف يدخل هذا التغيير إلي حياتك؟ إنك لن تتغير بحق، إلا إذا دخلت محبة الله إلي قلبك. اسأل نفسك بصراحة: ما سر عدم الثبات في حياتك؟ لماذا تقوم وتسقط، وتعلو وتهبط؟ ما السبب؟ ما هي مشكلتك الحقيقية في حياتك الروحية؟ أن مشكلتك هي بكل صراحة: إنك تريد أن تحب الله، مع بقاء محبة العالم في قلبك. فأنت تحب العالم، ولك فيه شهوات تعرفها. غير انك من أجل الله-تحاول أن تقاوم هذه الشهوات.. تقاومها من جهة الفعل، مع بقائها من جهة الحب. في قلبك اثنان لا واحد. ينطبق عليك قول أحد الأدباء: "وكنت خلال ذلك، أصارع نفسي وأجاهد، حتى كأنني اثنان في واحد هذا يدفعني. وذاك يمنعني".. مشكلتك إذن، هي هذه الثنائية التي تعيشها. هذا الصراع الذي فيك بين محبة العالم، بين الخير والشر، البر والفساد، الحلال والحرام. ذلك لأن محبة الله لم تستقر بعد قلبك. لا تتمسك إذن بالتفاصيل، وتترك هذا الجوهر، أعني محبة الله. صارع مع الله في بداية هذا العام، وقل له: "أريد يا رب أن أحبك. أريد أن محبتك تسكن في قلبي. أنا محتاج أن أحب الخير والقداسة، أن أحب الفضيلة والحق". "لا أريد أن أضع أمامي الخير كوصية، وإنما كحب.." "لا أريد أن تكون الخير وصية، أكافح نفسي لكي أصل إليها. إنما أريد أن يكون الخير حبًا، أتمتع به.. أريد أن تكون وصيتك محبوبة لدي. أجد فيها لذة. أذوقها فتشبع نفسي.. مثلما قال داود النبي "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفس كما من لحم ودسم" (مز 62)، محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119)، "أحببت وصاياك أكثر من الجوهر الكثير الثمن" (مز 119)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى."وجدت كلامك كالشهد فأكلته.. أحلي من العسل والشهد في فمي" (مز 119). هذا الأساس المتين، الذي تبني عليه حياتك الروحية.. من الصعب ومن المؤلم، أن تكون حياتك صراعًا متوصلًا: قيام وسقوط، توبة ورجوع، حياة مع الله وحياة مع العالم إذن قف وقل له: أنزع مني يا رب هذه الشهوات الباطلة. أنزعها أنت بنعمتك، بقوتك الإلهية، بفعل روحك القدوس.. أنزع مني محبة العالم. أنزع مني القلب الحجر. أنا أضعف من أن أقاوم. وقد دلت الخبرة علي سقوطي في كل حرب مهما كانت بسيطة. ليست لدي أية قوة. ولست لدي أية قوة. ولست مستطيعًا أن أعتمد علي نفسي. فادخل أنت إلي حياتي وانقذني. أنني مثل إنسان مهدد بالموت، فماذا بالموت، فماذا أفعل؟ أنني امسك بقرون المذبح، في مدينة الملجأ، لأجد حياة لأنني لو تركت قرون المذبح، أقاد إلي القتل، ولا قوة لي.. أن قلبي الذي يحبك، أو الذي يريد أن يحبك، لا تزال فيه محبة الخطية. لا تزال فيه الشهوة الفلانية تتعبه. وها أنا قد أمسكت بك.. ولن أتركك حتى أتمتع بالآية القائلة: أبيض أكثر من الثلج. ومتى أبيض أكثر من الثلج؟ عندما تغسلني أنت.. إذن "انضح علي بزوفاك فأطهر. واغسلني فأبيض أكثر من الثلج (مز 50) نعم هذا الذي نقوله في الكنيسة، في صلوات القداس الإلهي: "طهر نفوسنا، وأجسادنا، وأرواحنا". أنت الذي تطهرها، لأنها لا يمكن أن تطهر بدونك.. أنت الذي ستطهر فينا النفس والجسد والروح. أنت الذي ستنزع هذه النفس الساقطة الخاطئة الملوثة، وتعطينا بدلًا منها نفسًا جديدة.. تعطينا روحًا جديدة، قلبًا جديدًا، وتر علينا ماء طاهرًا فنطهر.. أنت يا رب منذ زمان، رششت علي ماء طاهرًا فطهرت، ثم رجعت فلوثت نفسي. لكن لي أملًا في قولك المعزي: من كل نجاساتكم، ومن كل أصنامكم، أطهركم وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم. نعم يا أخوتي، ليتكم تحفظون هذه الآيات. وتصارعون بها مع الله.. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
صراع مع الله لتكن هذه السنة الجديدة، سنة صراع مع الله: تمسك بالرب ولا ترخه (نش 3: 4). وقل له كما قال أبونا يعقوب: لن أتركك.. لن أتركك حتى تباركني (تك 32: 26). ما معني عبارة "لا أتركك "؟ معناها أن تكون طويل الروح في الصلاة. لا تمل بسرعة من الطلبة، ولا تضجر، ولا تيأس مهما تأخر الرب عليك.. بل أمسك بالرب بقوة.. بدموع، بمطانيات، بابتهالات بلجاجة، بصراع مع الله.. قل له: أنا يا رب عاجز عن مقاتلة الشيطان، الذي من قبل أن يسقط قديسين وأنبياء.. لا تتركني أنا الإنسان الترابي، لأقاتل شيطانًا هو روح ونار. أليس الشيطان ملاكًا قد سقط. وقد قال الكتاب "الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نارًا تلتهب" (مز 104: 4). والشيطان وإن كان قد فقد قداسته، إلا أنه لم يفقد طبيعته، فمازال روحًا ونارًا، بكل ما للملاك من قوة. فمن أنا حتى أحاربه؟! إن كان القديس العظيم الأنبا أنطونيوس، قد قال للشيطان: "أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم"! فمن أنا حتى أدعي القوة وأقف وحدي لأقاتلهم؟! بصراحة تامة أنا يا رب لا أقدر..فإن لم تدخل يدك الإلهية لتنقذ وتخلص.. إن لم تعمل روحك القدوس في داخلي.. إن لم تنزع مني قلب الحجر، وتعطيني قلبًا جديدًا وروحًا جديدة.. غن لم تنضح علي بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج.. إن لم تحقق مواعيدك، فلن أتركك في هذه الليلة. هكذا صارع مع الله. فكل الذين صارعوا معه، نالوا ما يطلبون. قل له: أنا لن أتركك يا رب في هذا العام، دون أن أنال قوة انتصر بها. حتى لو تركتني أنت فلن أتركك أنا. وإن تخليت عني، لن أتخلي عنك.. قل له: أنا واقف لك في هذه الليلة. لن أبرح سهرة رأس السنة، دون أن أشعر بتغيير في داخلي، وآخذ قلبًا جديدًا. إن لم تتصارع مع الله، لا يشعر أنك جاد في طلبك. هذه اللجاجة في الصلاة، هي التي تقتدر كثيرًا في فعلها.. أما أن تبحث في بداية العام الجديد عن إرادتك وعن عزيمتك، وتصدر قرارات من جهة ضعفاتك ونقائصك.. فهذا كله لن يفلح في شيء، أن لم يدخل الله معك.. فأكبر جهاد لك إذن تفتتح به هذا العام الجديد، هو الصراع مع الله إن جاهدت مع الله، لا تحتاج أن تجاهد مع نفسك. لأنك في صراعك مع الله، سينزع منك الحجر. ويعطيك قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا،وحينئذ لا يحتاج أن تصارع ضد القلب الحجر، إذ قد نزعه الرب منك وأرواحك من متاعبه.وحينئذ يشعر قلبك الجديد بلذة الحياة الروحية، فتذوق الله، وتستطعمه.. وتحيا حياة جديدة.. ليتنا نأخذ الحياة الروحية بطريقة جدية. وطلباتنا إلي الله تكون طلبات جدية.. بإلحاح شديد برغبة قلب، بحرارة، بدموع، بصلابة، بشدة، بطلب مستمر.. ونمسك بالرب ونقول له "لن أطلقك "ونأخذ منه معونة. ولنأخذ لنا مثالًا صلوات داود النبي: كان لا يترك الصلاة حتى يأخذ، فيحول الطلبة إلي شكر. كان يكلم الله بدالة. وفي أثناء الصلاة يشعر بالاستجابة. يشعر بالإيمان أن الله قد عمل معه عملًا، وأنه قد أعطاه ما يريد، فيشكره وهو مازال يطلب. لقد جرب داود في مزامير كيف يصارع الله: باللجاجة، بالمودة، بالإقناع. جرب كيف يحنن قلب الله، وكيف يحنن قلب الله وكيف يعاتبه في دالة ويقول له: لماذا يا رب تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق (مز 10). جرب داود كيف يحنن قلب الله بالدموع ويقول للرب "في كل ليلة أعوم سريري، وبدموعي أبل فراشي" (مز 6). ويقول له "أنصت إلي دموعي". أختبر أيضًا النقاش مع الله، بأنواع وطرق شتي.. نحن نحتاج في بداية العام الجديد أن نطلب معونة.. إن كان الإنسان الذي تحاربه خطية واحدة، يحتاج إلي معونة للتخلص من هذه الخطية، فكم بالأولي أنا الذي تحاربني خطايا عديدة. لذلك أنا يا رب محتاج إلي شحنة قوية أكثر من جميع الناس.. حسن أن أليشع النبي، طلب اثنتين من روح إيليا وليس واحدة (2مل 2: 9). وأنا يا رب مثله أريد معونة مضاعفة: معونة تغطي علي السلبيات، وأخري تساعد علي العمل الإيجابي. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
تصميم بلا رجعة الانتصار علي الخطية يحتاج بلا شك إلي معونة. والسير في الطريق الروحي وفي عمل البر يحتاج أيضًا إي معونة.. معونة.. ونحن نطلب الأمرين معًا في بداية العام الجديد. وإن أرادهما الله في عمل واحد من أعمال روحه القدوس، فليكن لنا كقوله.. وماذا عن طلباتنا أيضًا في العام الجديد؟ لا شك نريد ثباتًا.. نريد فيه تصميمًا علي الحياة مع الله، تصميمًا بلا رجعة. فلا تدخل إلي العام الجديد، وعيناك لاصقتان بالعام القديم في كل شهواته وأخطائه ونقائصه. لا تكن مثل امرأة لوط، التي خرجت جسديًا من أرض سادوم، وقد تركت فيها هناك، وعيناها لا تزالان متجهتين نحو سادوم.. ولا تكن أيضًا مثل بني إسرائيل، الذين عبروا البحر الأحمر، وخرجوا من أرض مصر. ولكن عقلهم لا يزال متعلقًا بقدور اللحم التي في مصر، وبالبطيخ والكرات.. لكن أخرج من خطايا ذلك العام بغير رجعة. وفي بداية هذا العام الجديد، أحتفظ في أذنيك وداخل قلبك بالعبارة التي قالها الملاكان للوط وهم يخرجونه مع أسرته من سادوم: "لا تقف في كل الدائرة. اهرب لحياتك" (تك 19: 17). نعم، لا تقف في كل الدائرة القديمة، بكل ما تحوي من خطايا وعثرات. وبكل ما فيها من ضعفات وسقطات. أهرب لحياتك. لا تنظر إلي الوراء، ولا تمس نجسًا.. وقل للرب عن العام الماضي كله: هذه العام الماضي كله، سأدفنه يا رب عند مراحمك الكثيرة.. سألقيه كله في لجة محبتك. سأتركه في المغسل الإلهي، حيث يغسل الرب نفسي فتبيض أكثر من الثلج. لست أريد من ذلك العام شيئًا. أنا متنازل عنه كله. حتى أن كانت لي فيه فضيلة معينة، فهذه أيضًا لا أريدها. كل ما أريده يا رب، هو أن أبدأ معك من جديد.. أريد أن انسي ما هو وراء، وامتد إلي قدام (في 3: 13). أريد أن أبدأ معك بداية جديدة، كما بدأت بنعمتك مع نوح، بعد أن أزلت الماضي القديم كله، وغسلت الأرض من أدناسها.. هذا الماضي القديم كله، أنا متنازل عنه. يكفي اليوم شره (مت 6: 34). أما العام الجديد، فأريد أن أبدأه بالرجاء. ربما يحاربني الشيطان باليأس. ويقول أنت هو أنت، في يدي، لا تخرج. ولن تستطيع أن تغير طباعك القديمة أو تتخلص من نقائصك! نعم، أن لا أقدر. ولكن الله يقدر. وأنا لي رجاء في الله، وفي عمله معي وأنا لست وحدي في هذا العالم الجديد، لأن الآب السماوي معي. سأبدأ هذا العام الجديد، معي روح الله القدوس.. ومعي نعمة ربنا يسوع المسيح. ومعي من ملائكة ومن أرواح القديسين ومن صلوات الكنيسة المنتصرة،ومعي أيضًا وعود الله الصادقة. معي وعود الله المحب الرءوف.. والله أمين في كل مواعيده، لا يرجع عن شيء منها.. وأنا سأتمسك بوعود الله، وأطالبه بها، وعدًا وعدًا: يكفيني أن أضع أمام الله ما وعد به في سفر حزقيال النبي. وأقول له في دالة الحب: ألست أنت القائل "أعطيكم قلبًا جديدًا. واجعل روحًا جديدة في داخلكم" (حز 36: 26). أين هو هذا القلب الجديد، الذي وعدت به يا رب؟ وأين هذه الروح الجديدة؟ سامحني يا رب واغفر لي، أن قلت وأنا تحت إقدامك: أنت مديون لي بهذه المواعيد. وأنا سأطلبك بكلامك... حقًا إنني مسكين وفقير ولا أملك شيئًا. ولكني أملك مواعيد. أملك محبتك المجانية التي وهبتني إياها. أملك عهدك معي، وقولك الإلهي: "من كل نجاساتكم ومن كل أصنامكم أطهركم"، أجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي" (حز 36: 25، 27). ولعل الرب يقول: أعطيتك قلبًا جديدًا، فرفضت أن تأخذ! أو لعله يقول "جعلت روحي في داخلك. ولكنك أحزنت الروح، وأطفأت الروح وقاومت الروح". فأنت المديون بهذا كله. نعم يا رب أنا أعترف بهذا. ولكن لا تتركني لضعفاتي. وأن أخطأت، فلا تتركني لخطاياي ولا تحاسبني عليها، وإنما أنقذني منها. فأنت الذي قلت عن سلبياتنا: "من كل نجاستكم أطهركم". وأنت الذي قلت عن الإيجابيات "وأجعلكم تسلكون في فرائضي". وأنا متمسك بكل هذا. وأن كنت أنا ضعيفًا عن حفظ ملكوتك في داخلي، وأن كنت مديونًا لك، إلا أني أقول لك: تقلد سيفك علي فخك أيها الجبار، أستله وأنجح وأملك. العمل ليس عملي، وإنما عملك أنت. تعال إذن وأملك.. أنزع بنفسك القلب الحجر، وامنح القلب الجديد، وأعطني أن أستسلم لعملك في، كما يستسلم المريض لمشرط الطبيب، فيقطع منه ما يلزم قطعه، ويصل ما يحسن وصله. وهو بلا إرادة ولا وعي تحت مشرطه فلأكن يا رب هكذا معك، وأعطني قلبًا جديدًا.. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
بشري مفرحة أود في بداية هذا العام الجديد، أن أكلمكم بكلمة أمل ورجاء.. أود أن يشرق علينا هذا العام كنور، برسالة فرح من السماء. لأنه بميلاد ربنا يسوع المسيح، وولد السلام. وكان ميلاد الرب بشري فرح للجميع وفي يوم ميلاده وقف الملاك يقول للرعاة: "ها أنا أبشركم بفرح عظيم، يكون لجميع الشعب"، "إنه ولد لكم اليوم.. مخلص" (لو 2: 10، 11). ها أنا أبشركم بفرح عظيم".. في هذه العبارة نجد رسالة المسيحية كلها. لقد جاءت المسيحية لكي تبشر الناس بالفرح العظيم الذي يكون لجميع الشعب. لذلك فكلمة إنجيل معناها بشارة مفرحة، أخبار سارة. وكان الرسل يبشرون، أي ينقلون هذه الأخبار السارة.. إلي جميع الناس فيقولون لهم أتي الخلاص. ويوحنا المعمدان، الذي هيأ الطريق أمام ربنا يسوع المسيح، كان يبشر الناس بأنه قد "أقترب ملكوت الله" (مت 3: 2). ونحن كرجال دين، وليس لنا عمل سوي أن نبشر الناس بهذا الفرح العظيم. ورسالتكم أنتم هي هذه، أن تبشروا الناس بهذا الفرح.. وأن تفرحوا معهم.. وأن تفرحوا معهم.. وأي فرح؟ أن المسيح أتي بديانة مفرحة لجميع الناس، تحمل لهم الخلاص. وتحمل لهم الفداء، وتكسر أبواب الجحيم، وتفتح أبواب الفردوس.. أتي المسيح برسالة تقول للص وهو علي الصليب "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43).. رسالة تقول لرئيس العشارين الخاطئ، مثال الظلم والشر في حيله، تقول له: اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت، إذ هو أيضًا أبن لإبراهيم (لو 19: 9). إنها رسالة تبشر الأمم الغرباء، البعيدين عن رعوية الله في ذلك الحين، الذين كانوا محتقرين من إسرائيل، فتقول عنهم: يأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون في أحضان إبراهيم.. في ملكوت الله (مت 8: 11، لو 13: 29). الدين عمومًا هو رسالة مفرحة للناس، وبشارة فرح لهم. _____ |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
أسباب للفرح "افرحوا في الرب كل حين. وأقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4) "افرحوا في الرب" (في 3: 1). افرحوا بالصلح الذي تم بين السماء والأرض. افرحوا في الرب يسوع المسيح، الذي أتي ليصالح السمائيين مع الأرضيين، ويجعل الاثنين واحدًا، ويكمل التدبير بالجسد. افرحوا لأن خطاياكم ستمحى. والرب لا يعود يذكرها (أر31: 34). أفرحوا لأن الرب سيغسلكم، فتبيضون أكثر من الثلج. حقًا إنها بشري مفرحة للناس.. بشري بالخلاص من خطاياهم، يقول فيها الرب "أعطيهم قلبًا ليعرفوني إني أنا الرب، فيكونوا لي شعبًا، وأنا أكون لهم إلهًا، لأنهم يرجعون إلي بكل قلبهم "أر 24: 7). يقول أيضًا "أجعل شريعتي في داخلهم، وأكتبها علي قلوبكم" (أر 31: 33). وماذا أيضًا يا رب في كلامك المفرح هذا؟ يقول: "لأني أصفح عن إثمهم. ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر 31: 34). حقًا مبارك هو الرب، في كل عهوده المفرحة، التي ذكرها في العهد القديم نبوءة عما سيفعله معنا في هذا العهد الجديد ونحن في هذه السنة الميلادية الجديدة، التي نذكر فيها أنه قد ولد لنا مخلص هو المسيح الرب (لو 2: 11)،"يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21). يلذ لنا أن نذكر عمله المفرح، كما رواه أشعياء النبي. قال: روح الرب علي.. ونحن: لماذا؟ لأية رسالة؟ فيجيب: مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق، لأنادي بسنة مقبولة للرب، لأعزي كل النائحين.. لأعطيهم جمالًا عوضًا عن الرماد، ورداء تسبيح، عوضًا عن الروح اليائسة. (أش 61: 1- 3) نعم ما أجملها رسالة مفرحة، تبشر المساكين والمنكسري القلوب. تنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق.. وكلمة المأسورين تعنينا كلنا.. فكلنا كنا في أسر إبليس، مأسورين بالخطايا والذنوب. وكان الشيطان له سلطان، قال عنه الرب لليهود "هذه ساعتكم وسلطان الظلام" (لو 22: 53). ثم جاء المخلص، الذي ينادي بالإطلاق، فهتف الملاك قائلًا للرعاة "ها أنا أبشركم بفرح عظيم". لذلك نريد في هذه السنة، أن تكون لنا النظرة المستبشرة. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
نظرة مستبشرة تكون لنا النظرة المتفائلة، المملوءة رجاء، التي دائمًا تري الفرح في كل شيء.. لأنه كثيرًا ما يوجد أشخاص يعقدون الأمور، ويشعرون اليأس، ويغلقون أبواب الرجاء المفتوحة، ويكونون كالبوم التي تنعق منذرة بالخراب..! وهؤلاء ليس لهم صوت لأن صوت الله يقول: ينادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق. يبشر المساكين، ويعطيهم فرحًا عوضًا عن النوح. ولهذا يقول سفر إشعياء أيضًا. ما أجمل قدمي المبشر بالسلام، المبشر بالخير، المخبر بالخلاص (أش 52: 7). حقًا ما أجمل أقدام المبشرين بالخير، المبشرين بالخير، المبشرين بالسلام، الذين يغرسون الفرح في قلوب الناس، وينزعون الحزن من القلوب المكتئبة، ويجعلونها تمتلئ بالفرح وهذه هي رسالة أولاد الله،وقد كان هذا هو عمل المسيح له المجد، يملًا الدنيا فرحًا وسلامًا، يبهج قلوب الناس، ويمسح كل دمعة من عيونهم (رؤ 7: 17). كان يجول يصنع خيرًا (أع 10: 38). يفرح قلب السامرية، والمرأة الخاطئة، والمضبوطة في ذات الفعل، ويفرح قلوب العشارين والخطاة، ويرفع معنوياتهم بأن يحضر ولائمهم. ويبشر الناس بأن النور قد أضاء في الظلمة، وأنهم في فجر جديد. وقد تعلم الرسل هذا الأسلوب من السيد المسيح، وإذا ببولس الرسول يقول "ثمر الروح: محبة، فرح، سلام.." (غل 5: 22). واضعًا الفرح في مقدمة ثمار الروح.. ويدعوا الناس إلي الفرح الدائم، قائلًا لهم "افرحوا كل حين" (1تس 5: 16)، "افرحوا في الرب كل حين" (في 4: 4). أو ليس هذا أيضًا هو ما قاله لتلاميذه "تفرح قلوبكم. ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22). إذن انشروا رسالة الفرح. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
أفرحوا الناس ارسموا ابتسامة علي كل شفة. واغرسوا الأمل والرجاء. لا تشيعوا الكآبة. فإن الله لا يريدكم أن تحيوا في كآبة، هذا الذي أرسل ملاكه ليبشركم بفرح عظيم.. ولكن لعل إنسانا يسأل: كيف يستطيع القلب أن يفرح، وهناك أسباب كثيرة تدعوه إلي الحزن والتعب: أبواب مغلقة، ومشاكل معقدة، وخطايا تبعد عن الله؟.. وأنا أقول أن الرجاء يحل كل هذا. فقولوا للناس: كل مشكلة لها حل. وكل باب مغلق له مفتاح.. وما أسهل أن تكون لكل خطية توبة، ولكل خطية غفران. وكل خصومة مع الله تساعد النعمة أن توجد لها صلحًا.. لذلك عيشوا باستمرار في الرجاء. دربوا أنفسكم أن تكونوا كما قال الرسول "فرحين في الرجاء" (رو 12: 12) وكونوا أنشودة فرح في قلوب الجميع. لا تجعلوا إنسانًا ييأس مهما كانت الأسباب. وإن سدت الأبواب أمامه، افتحوا له طاقة من نور. وأعطوه رجاء في كل فروع الحياة، مادية أو روحية. كونوا مبشرين بالخير، ومبشرين بالسلام.. قولوا لكل ضعيف: هناك قوة إلهية تسندك. وقولوا لكل خاطئ: إن الله مستعد أن يخلصك "لأن الله يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلي معرفة الحق يقبلون" (2تي 2: 4). قولوا له أن الله مستعد: فروحه القدوس يعمل معك، ونعمته واقفة علي بابك تقرعه. وملائكة الله حالة حولك لتنقذك، وأرواح القديسين تشفع فيك ووسائط النعمة ستأتي بفاعليتها.كونوا رسالة رجاء، ورسالة سلام، وأفرحوا الكل. قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة (عب 12: 12). وقد اخذ معلمنا بولس هذه النصيحة من قول الوحي الإلهي في العهد القديم لسان إشعياء النبي "شددوا الأيادي المسترخية. والركب المرتعشة ثبتوها. قولوا لخائفي القلوب: تشدوا لا تخافوا. هوذا إلهكم.. هو سيأتي ويخلصكم (أش 35: 3، 4). أريحوا الناس من متاعبهم علي قدر ما تستطيعون، فهكذا كان يفعل السيد المسيح الذي قال: "تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الحمال، وأنا أريحكم" (مت 11: 28). تعالوا إلي، فأنا قد جئت إلي العالم لأحمل تعب الناس كما قال عني إشعياء "أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها" (أش 53: 4). لقد جئت لأبشر المتعبين بالراحة. أتيت لأعصب منكسري القلوب، لأبشر المساكين.. حتى القصبة المرضوضة، والفتيلة المدخنة.. قبل عن الرب "قصبة مرضوضة لا يقصف. وفتيله مدخنة لا يطفئ" (مت 12: 20). إنه يعطي رجاء للكل. هذه القصبة المرضوضة يعصبها. ربما تشتد وتستقيم. وهذه الفتيلة المدخنة قد ينفخ فيها فتعود وتشتعل.. إن السيد المسيح أراد أن يقدم لنا رسالة فرح، ديانة فرح.. بشري كلها رجاء بأن الملكوت قريب، والخلاص قريب. إني أعجب من الذين تملكهم الكآبة في الجو الديني! وتصبح الكآبة هي الطابع الذي تتميز به روحياتهم باستمرار. ولا يجدون في الكتاب المقدس كله من أوله إلي آخره، من التكوين إلي الرؤيا، من أول "في البدء خلق الله السموات والأرض "إلي "أمين تعال أيها الرب يسوع"،لا يجدون في كل هذا سوي قول سليمان الحكيم "بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا 7: 3) وإن أرادا أن يضيفوا عليها شيئًا يضيفون "طوبي للباكين الآن" (لو 6: 21). ونحن نريد أن نقول لهؤلاء: حتى البكاء والحزن في المسيحية، ممزوجان بالفرح! وقد قال السيد المسيح لتلاميذه "أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم سيتحول إلي فرح.. عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم فتفرح قلوبكم. ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 20، 22). وما أجمل قول القديس بولس الرسول، التي يلخص فيها متاعبه وضيقاته هو وكل العاملين معه، فيقول: كحزانى، ونحن دائمًا فرحون" (2كو 6: 10). إنه فرح يميز كل أولاد الله في كل ظروف حياتهم، فرح في الرب، فرح لا ينطق به ومجيد (1بط 1: 8)، فرح من النوع السامي، فرح روحاني، فرح إلهي، فرح لا ينتهي فرح كل حين.. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
فرح مهما كانت المتاعب حياة أولاد الله لا تخلو من المتاعب، لأنهم يحملون صليبًا. ولكنهم يفرحون في وسط متاعبهم. لأن المتاعب شيء، والحزن شيء آخر. السيد المسيح كان أمامه الصليب. ومع ذلك قيل عنه في الصليب وآلامه وخزيه "من أجل السرور الموضوع أمامه، أحتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2). وقد قال بولس الرسول "لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات لأجل المسيح" (2كو 12: 10). أولاد الله يفرحون بالتعب، إذ يرون في التعب إكليلًا.. لا تضغطهم المتاعب، بل يفرحون بها، عارفين أن كل إنسان ينال أجرته من الله بحسب تعبه (1كو 3: 8). والقديس يعقوب الرسول يقول "احسبوه كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2). وأولاد الله لا يرون في التجارب والمتاعب شيئًا من التخلي، بل يرون أن الله يفتقد بها أولاده لكي يهبهم نعمًا. الشهداء كانوا يفرحون ويغنون، وهم ذاهبون للاستشهاد. كما كانوا يحبون في فرح، كانوا في فرح أيضًا يستقبلون الموت، شاعرين إن الرباطات التي تربطهم الزائل قد تمزقت. لذلك فهم فرحون أن يلتقوا بالله، وفرحون بالإكليل، وفرحون بإتمام جهادهم علي الأرض، وفرحون بالقوة التي جعلتهم يثبتون في الإيمان.. بولس الرسول كان فرحًا، وهو في السجن. الضيقة دائمًا خارجهم، لا يمكن أن تدخل إلي قلوبهم،لذلك فقلوبهم فرحة وفي عزاء. لأن العزاء يأخذونه من داخلهم وليس من خارجهم. وفي داخلهم يوجد الإيمان بالله المحب الراعي المهتم بالكل الذي قال الكتاب عن اهتمامه ومحبته وحفظه: "أما أنتم، فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة" (لو 12: 7). لا تسقط شعرة واحدة منها بدون إذن أبيكم، الذي نقشكم علي كفه.. الله الذي يحافظ حتى علي العصافير، فلا يسقط واحد منها بدون إذنه، وأنتم أفضل من عصافير كثيرة (مت 10: 29- 31). لذلك كان أولاد الله في كل ضعفاتهم، يغنون للرب أغنية فرح، ويسبحونه تسبيحه جديدة.. ويأخذون بركة هذه الضغطات. قيل عن الآباء الرسل الاثني عشر، بعد أن يجلدوهم، أنهم مضوا "فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهابوا لأجل اسمه" (أع 5: 41) وأولاد الله كما يفرحون في المتاعب، يفرحون مهما كانت العوامل الخارجية تدعو إلي اليأس.. كما في ترنيمة العاقر. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
ترنيمة العاقر إنها قطعة عجيبة في الكتاب، في نبوءة أشعياء، تدعو إلي الرجاء العجيب، وإلي الفرح بالرب، مهما كانت الظروف الخارجية. فهل هناك أصعب من ظروف العقار التي لا رجاء لها في إنجاب البنين! أنظر ماذا يقول الكتاب لها. يقول وهو يحمل لها بشري الفرح: "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد. أشيدي بالترنيم" (أش 54: 1). كيف تترنم هذه؟ وما دواعي الفرح أمامها؟ فيجيب: ترنمي ليس بما هو كائن، إنما بما سوف يكون.. وما الذي سوف يكون يا رب؟ يجيب في رجاء "أوسعي مكان خيمتك، ولتبسط شقق مساكنك"، "لا تمسكي. أطيلي أطنابك، وشددي أوتادك"، لأنك تمتدين إلي اليمين وإلي اليسار"، ويرث نسلك أممًا، ويعمر مدنًا خربة". (أش 53). ويختم الرب هذه الأنشودة الجميلة بقوله: "لحيظة تركتك. وبمراحم عظيمة سأجمعك" (أش 53: 7). إذن بالإيمان "أوسعي مكان خيمتك". سيكون لك أولاد، وسيكثرون.. وتمتدين إلي اليمين وإلي اليسار.. ألا يدعو هذا إلي فرح الرجاء، الرجاء في وعود الرب. لذلك أولاد الله في فرحهم يكونون "غير ناظرين إلي الأشياء التي تري، بل إلي التي لا تري" (2كو 4: 18). إنهم يفرحون لأنهم يحيون بالإيمان. وما هو الإيمان؟ أنه: الثقة بما يرجي، والإيقان بأمور لا تري" (عب 11: 1). ونحن نفرح بهذا الذي لا يري. وبالإيمان نغني أيضًا بترنيمة هذا العاقر، التي تكررت قصتها مع عاقر أخري هي سارة امرأة أبينا إبراهيم. ولم يكن لهما ولد، حتى أنها حينما سمعت وعد الرب، ضحكت في داخلها،وفي يأس قالت "أبعد فنائي يكون لي تنعم، وسيدي قد شاخ.." (تك 18: 12). ولكن الغير مستطاع عند الناس، مستطاع عند الله (مر 10: 27). هكذا قال الرب (لو 18: 27)، ليجعلنا نرجو ونفرح،ولكي يثبت هذا لأبينا إبراهيم وزوجته العاقر. قال له: نسلك سيكون كنجوم السماء وكرمل البحر. إن استطعت أن تعد رمل البحر، تستطيع أن تعد نسلك وكأن سارة تقول: أنا لست أجد أبنا واحدًا فقط أفيكون لي نسل كعدد نجوم السماء؟! هذا عجيب.. نعم، في الرجاء "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلك. أشيدي بالترنيم.. لا يأس في الحياة مع الله.. أنه الرب المعطي بسخاء، الذي يفتح لنا كوي السماء الذي يفيض من محبته ورعايته علي كل أحد، الذي قال جئت لأعصب منكسري القلوب، وأبشر المساكين |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
أبشر بسنة الله المقبولة ما هي البشري الطبية التي تحملها في هذه السنة المقبولة أمام الله؟ ما هي بشراك يا رب، وكل سنواتك مقبولة؟ جئت لأبشر شاول مضطهد الكنيسة بأنه سيصير بولس الكارز العظيم.. وجئت أبشر كثيرين من أمثاله: أبشر موسي الأسود، القاتل السارق الشرير، بأنه سيصير القس موسي العظيم، أب الرهبنة، وصاحب القلب الحاني الطيب الوديع.. أيضًا أبشره بأنه سيكون شهيدًا.. جئت لأبشر اوغسطنيوس الفاسد، الذي تبكي عليه أمه، بأنه سيصبح كنز الروحيات والتأملات الذي تنتفع به أجيال كثيرة. جئت لأبشر مريم القبطية الزانية بأنه ستصبح سائحة قديسة، يتبارك منها الأنبا زوسيما القس. جئت لأبشر المسبيين بالعتق، والمأسورين بالإطلاق، جئت لأبشركم بسنة سعيدة مقدسة مقبولة أمام الله، وأقول لكم إنه لا يوجد شيء غير مستطاع عند الله.. ولا توجد مشكلة يعصى حلها علي خالقها العظيم، الذي يفتح ولا احد يغلق (رؤ 3: 7). جئت لأبشر الأرض المظلمة الخربة المغمورة بالمياه.. الأرض التي قيل عنها في سفر التكوين أنها خربة وخاوية ومغمورة بالماء، وعلي وجه الغمر ظلمة (تك 1: 2). جئت أبشر هذه الخربة بأن روح الله يرف علي وجه المياه، وأن الله سينيرها، ويقيم فيها كل نفس حية، مع جنات وبساتين، ويجعل فيها أزهارًا وزنابق، ولا سليمان في كل مجده كواحدة منها وستكون هذه الأرض رمزًا لكل نفس خربة وخالية. هذا هو الله المحب القادر، وهذه هي بشارته المفرحة. لذلك كل من يعقد الطريق أمامك، لم يفهم الله بعد.. الذي لا يذكر لك سوي الجحيم وجهنم والعذاب والبحيرة المتقدة بالنار والكبريت، ويعطيك صورة مسودة عن الأبدية، هذا لم يعرف الله بعد، وكلامه غير مقبول في بداية سنة جديدة، نريد فيها بشري طيبة. الأولي إذن أن نبشركم بإلهنا الطيب الحنون، الذي غني بمراحمه وإحساناته داود النبي، فقال في مزمور 103 كلامًا جميلًا محببًا إلي النفس، نقتبس منه قوله: باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته". ويتذكر المرتل في فرح إحسانات الله إليه، ويذكر بها نفسه فيقول: الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك، الذي يفدي من الحفرة حياتك، الذي يكللك بالرحمة والرأفة، الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك (مز 103). ثم يذكر المرتل إحسانات الرب من جهة مغفرة الخطايا، فيقول: لا يحاكم إلي الأبد، ولا يحقد إلي الدهر، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.لم يصنع حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا لأنه مثل ارتفاع السموات والأرض، قويت رحمته علي خائفيه كبعد المشرق عن المغرب، أبعد معاصينا.. إذن ليس هو إلهًا يترصد الخطايا، ليدخل الناس إلي جهنم.. أنه رحيم ورءوف، طويل الروح وكثير الرحمة، يتراءف علي خائفيه، كما يترأف الأب علي بنيه. ومادام هكذا فلنفرح إذن بالرب. علينا أذن أن نفرح الناس، لكي يطمئنوا إلي إله أخذ الذي لنا، ليعطينا من الذي له. صار أبنا للإنسان، ليجعلنا أولادًا الله.. هذا الذي أتي ليخلص شعبه من خطاياهم. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلي طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعًا" (أش 53: 6). هناك أشخاص أفكارهم سوداء. كلها قسوة وعنف وعدم مغفرة. ويلقون ثيابهم السوداء، ليلبس كواحد منهم. ولكن الرب، كل ما فيه أبيض ناصع، ما أبعده عن أفكار الناس السوداء. ونشكر الله أنه حتى الملائكة الذين ظهروا، ظهروا بثياب بيض، ثياب من نور. إلهنا إله طيب. وتأكد أنه سيفتح له طريق الخلاص، وأنه سيخلصك من جميع خطاياك. إنه لابد سيفتقدك، ولو في آخر الزمان.. ولو في الهزيع الأخير من الليل، ولو بعد أن يضطرب البحر، ويخيل إليك أن السفينة ستنقلب.. إنه لن يتركك، بل ستدركك رحمته، ولو ساعة الموت أو قبيل ذلك بقليل.. نعم لن يتركك. أن كانت الخطية أقوي منك، فرحمة الله أقوي من الخطية. إن كانت الخطية تزداد، فالنعمة تكثر جدًا.. إن خفت من الذين قاموا عليك، فاعرف أن "الذين معنا أكثر من الذين علينا" (2مل 6: 6). إننا نحب أن نعيش في فرح دائم.. تهب الأمواج، وته الرياح، وتسيل الأمطار، وتتزلزل الجبال.. أما نحن فنسبح الرب تسبيحه جديدة. نغني أغنية جديدة للرب. نعيش في فرح"، "راسخين غير متزعزعين" (1كو 15: 58)، واضعين في أنفسنا حقيقة هامة، وهي أن الله يتدخل في كل مشكلة، ليحلها. الله يتدخل. والله أقوي من العالم. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
الله سينتصر فيك أن الله قد غلب العالم. وقال لنا "في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33). لقد غلبه في القديم والحاضر وفي كل حين. وهو قادر أن يغلب العالم فيك، وبك. وهو مستعد أن يغلبه في كل معركة روحية تقوم ضدك. إنه لا يترك عصا الخطاة تستقر علي نصيب الصديقين" (مز 124). إنما يعوزك فقط أن تقول له: أرنا يا رب رحمتك (مز 84). أمنحنا بهجة خلاصك (مز 50). جميلة هي عبارة "بهجة خلاصك". أن الرب قد جاء يقدم الخلاص، ويقدم معه أيضًا بهجة خلاصه. لذلك نحن نبشر بسنة مفرحة، بسنة الله المقبولة.. سنة يعمل الله فيها عملًا مفرحًا وقويًا.. نبشر بإله قوي، أقوي من العالم ومن الشيطان ومن الخطية.. إله أنتصر في حروب أولاده في القديم، وينتصر الآن وفي كل زمان.. إله يعطي المعيي قوة (أش 40: 29) ويجدد مثل النسر شبابه.. إله أفرح كل الذين تبعوه، وقادهم في موكب نصرته (2كو 3: 14). هذه هي البشري التي نقدمها في سنة جديدة. فحاذر أن تنظر إلي العالم الجديد بمنظار قاتم.. حاذر أن تنظر إليه بمنظار اليأس أو الخوف أو القلق.. ولا تظن أن الأبواب مسدودة موصدة. أخشى أن تكون نفسك هي المسدودة. أفتح أذن حواسك الروحية، لتري مراحم الله ومعونة الله ومعونة الله وتفرح وتبتهج. وأطلب من أليشع النبي أن يصلي من أجلك، كما صلي من أجل تلميذه جيحزي، ويقول: افتح يا رب عيني الغلام، فيري (2مل 6: 17). وستري جبل الله مملوءًا خيلًا ومركبات، فتطمئن نفسك وتفرح. وستجد الرب قد فتح لك طريقًا في البحر فتفرح. وستسمع داود النبي يرتل في أذنيك قائلًا "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الشياطين. الفخ انكسر ونحن نجونا" (مز 123). ستسمع هذا من فم داود فتفرح. إن القوة الإلهية موجودة. ولكن يعوزك أن تراها. لا تقل في بداية العام "لا توجد معونة" أو "أعطني يا رب معونة"، إنما قل أعطني يا رب أن أري المعونة الموجودة فأمجدك "أرنا يا رب رحمتك" (مز 84). أذن رسالة هذه السنة الجديدة، هي أن نبشر الله المقبلة. نبشر الناس بفرح عظيم، نبشرهم بخلاص الرب. نبشر الضعيف بقوة تحيط به من فوق.. نبشر اليائس بالأمل والرجاء،ونبشر الخاطئ بعمل النعمة فيه، وبافتقاد من الروح القدس ليتوب ويرجع غلي الله. نبشر الكل بأن الله يجول يعمل خيرًا، يجول في كل مكان يشبع كل حي من رضاه، ويمسح كل دمعة يراها في عين كل إنسان. هذه هي طريقة الرب، الذي خلقنا للفرح، وأعدنا لنعيم أبدي لذلك فالأبدية هي مكان للنعيم. والأبدية تعمل فينا. نقول عن الأبدية في صلواتنا "الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد". والأرض أيضًا مكان خلقه الله لفرح "فرح للمستقيمين بقلوبهم" وعبارة "أفرحوا في الرب كل حين "ليست هي مجرد نصيحة، إنما هي أمر من الوحي الإلهي. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
الفرح صورة مشرقه للدين إن سرت في طريق الله، فملكت الكآبة، ستعطي صورة كئيبة عن الدين والحياة الروحية، ويقول كل من يراك: هذا الإنسان كان هادئًا ومطمئنًا، وقلبه عامر بالحب والسلام. ولكن منذ أن تدين صار متجهم الملامح، عابس الوجه، يسير وهموم الدنيا كلها علي كتفيه، وأحزان العالم كله فوق رأسه. وهكذا يعثرون بسببك، ويخافون من الحياة مع الله ومن الطريق الروحي. فلماذا هذا الإتلاف؟ أعط الناس دروسًا بفرحك. علمهم أن: أولاد الله فرحون، لأنهم وجدوا الله وعرفوه وعاشروه. إنهم فرحون بملكوت الله داخلهم، فرحون بعمل الروح القدس فيهم. فرحون بخروجهم من أسر إبليس وتخلصهم من خطايا عديدة. فرحون بالحياة الجديدة. بالحديث مع الله، والتأمل في الإلهيات. فرحون بانطلاق أرواحهم من سلطان الجسد والمادة. فرحون لأنهم صار تحت قيادة الله المباشرة. وتحت رعايته، وقد ذاقوا ونظروا ما أطيب الرب، واختبروا جمال الحياة معه. وهم فرحون أيضًا لأنهم قد لبسوا ثوبًا جديدًا من الرب، بل قد لبسوا المسيح (غل 3: 27). هذه هي أسابا الفرح بالرب التي نبشركم بها. أن وضعت كل هذا في ذهنك فستفرح بالرب. أما إن ملكت الخوف من المستقبل. والخوف من الخطية، والخوف من السقوط، فهذا دليل علي أنك نسيت عمل الله معك. وعمل فيه، وبشراه لخلاصك. وأعرف هذا إذن: إن كل قلق وخوف واضطراب ويأس، هو من عمل الشيطان. هذا هو أسلوبه، يريد أن يزعجك ويخفيك، لكي تتسلم له وتترك جهادك الروحي، وتفشل.. فلا تسمع له فنحن لا نجهل أفكاره (2كو 2: 11). أما ثمار الروح فهي فرح وسلام.لذلك لما بشر الملائكة بميلاد المسيح قالوا: ".. علي الأرض السلام، وفي الناس المسرة". فلتكن المسرة إذن في قلوب الناس، ولنعش في حياة الفرح الدائم، نفرح بالرب كل حين، شاكرين في كل حين، علي كل شيء (أف 5: 20). |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
أرجو لكم سنة سعيدة مباركة ثابتة في الرب أرجو لكم سنة سعيدة مباركة ثابتة في الرب، تكونون فرحين فيها، مملوءين من الرجاء والبهجة، شاعرين بعمل الله فيكم، وعمل الله لأجلكم,.. وشاعرين أن قوة الله تظللكم، وأن يده فوق أيديكم، تمسك بأيديكم، وتعمل به، وتقود خطواتكم إليه. وبهذه الروح تستقبلون العام الجديد، وأنتم لستم وحدكم، وإنما الله معكم، مصلين أن يكون عامنا الجديد عامًا سعيدًا مباركًا. وفي نفس الوقت: نحن نعلم أنه حسبما نكون، هكذا يكون عامنا.. كثير من أحداثه وأخباره وتاريخه، هي من صنعنا نحن.. بإمكاننا بنعمة الله العاملة فينا أن نملأ هذا العام خيرًا وبرًا.. فيكون كذلك. أن حياتنا في أيدينا. ليست مفروضة علينا (1). نحن نصنعها بحرية الإرادة الموهوبة لنا من الله، لنسير في الطريق التي نشاء.. فهكذا ترك لنا الحرية التي نقرر بها مصيرنا.. وماذا عن عمله الإلهي إذن في هذا العام؟ إن نعمته مستعدة أن تعمل معنا الأعاجيب، أن استسلمنا لعملها فينا، ولم نقاوم الروح القدس الذي يريد لنا الخير.. الله يريد لنا الخير، وبقي أن نريده نحن كذلك، فتتحد مشيئتنا مع مشيئة الله الصالحة،حينئذ تصير حياتنا كلها خيرًا.. حتى أن صادفتنا عقبات أو تجارب أو ضيقات، تكون كلها للخير أيضًا. لسنا محتاجين في حياتنا الروحية إلي من يتنبأ لنا كيف يكون عامنا الجديد. إنما نحن محتاجون أن نفحص قلوبنا لنعرف. قلوبنا هي مرآة المستقبل. هي التي ترسم صورة مستقبلنا. القلب القوي النقي هو نبوءة عن مستقبل قوي نقي. والقلب الضعيف هو نبوءة عن مستقبل ضعيف. فلنصل إلي الله أن يعطينا قلوبًا طاهرة وقلوبًا صامدة. ولنطلب إليه من أجل بلدنا وشعبنا، ليكون هذا العام عامًا سعيدًا، مهما حاول عدو الخير أن يعرقل عمل النعمة فيه. ليكن عامًا كله فرح. وكل عام وجميعكم بخير. |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
الوقت باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين يا أخوتي، في بداية عام جديد، أود أن نتذكر حقيقة هامة وهي: الحياة هي وقت. والذي يضيع وقته، يضيع حياته. كما أن الذي يستفيد من الوقت، إنما يستفيد من حياته. حياتك هي أيام وساعات ودقائق. وكما قال الشاعر: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني وأنا اليوم أود أن أقول لكم: كل عام وأنتم بخير. وها قد مضي عام، ونحن نستقبل عامًا جديدًا.. ولست أدري، هل أبارك لكم في العام الجديد، أم أعزيكم بمناسبة العام الذي مضي..؟! فالعام المنقضي، هو عام من حياة كل إنسان قد أنقضي، هو جزء من حياته قد مضي. هو خطوة قد خطاها نحو الأبدية، وأقترب بها نحو العالم الآخر.. هو سجل من صفحات حياته سوف يعطي حسابًا عنه أمام الله وملائكته. وكل عام يمضي من حياتنا، لا نستطيع أن نسترجعه مرة أخري. أصبح أمرًا واقعًا، مستحيلًا علينا، لا نستطيع تغييره. ربما كانت لنا في العام الماضي أخطاء: قد نندم عليها، أو نتبرم بها، أو نتركها، أو نتوب عنها وتغفر لنا. ولكن مع ذلك لا نستطيع أن نلغي حدوثها. لقد حدثت وانتهي الأمر، ولا نستطيع أن نغير هذا أو ننكره. لقد أصبح تاريخًا، ولم يعد في إمكاننا أن نتصرف فيه.. لقد أنكر بطرس سيده. وتاب، وغفرت له هذه الخطية. ولكنها أصبحت تاريخًا. غفرانها لم يمنع أنها حدثت، بل يثبت حدوثها وقد عاش أوغسطنيوس حياة فاسدة. ثم تاب وتغيرت حياته إلي العكس وأصبح كنزًا من روحيات. ولكن هذه التوبة وهذه القداسة لم تمنع ما قد تسجل في صفحات تاريخه.. لذلك علينا أن ندقق في كل دقيقة وكل تصرف. فكل دقيقة هي جزء من حياتنا. وكل تصرف هو جزء من تاريخنا. وكل دقيقة تمضي، لا نستطيع أن نسترجعها. وكل تاريخ لنا، لا نستطيع أن نلغيه أو ننكر وقوعه. ولقد أعطانا الله العمر، لكي نستغله للخير، ونحب الله فيه وأعطانا هذا العام الجديد، ليكون عامًا للحب والخير. وإذا ضاع هذا العام بغير ثمر، يكون هدف الله من إعطائه لنا لم يتحقق. تري كيف سنسلك في هذا العام؟ هو صفحة بيضاء، لم نكتب فيها شيئًا بعد. تري ما الذي سنكتبه في هذه الصفحة من صفحات تاريخنا؟ ماذا سنسجله علي أنفسنا؟ ماذا سنحاسب عليه، عندما يقول الله لكل منا "أنا عارف أعمالك" (رؤ 2: 2)؟ هل سنرضيه في السنة المقبلة، ونفعل مشيئته، نكون أفضل حالًا مما سبق؟ هل سنعتبر العام الجديد، وزنه نتاجر بها ونربح؟ هل ستكون كل دقيقة من دقائقه دسمة ومثمرة، ومملوءة بالخير والبركة، لنا وللآخرين؟ أترانا حريصين علي كل دقيقة تمر من عمرنا؟ وهل كل ساعة من حياتنا ثمينة في نظرنا، عزيزة علينا؟ هل نعتبر أنفسنا مجرد وكلاء علي هذه الحياة؟ هذه الحياة، حياتنا، ليست ملكًا لنا، إنما هي ملك لله، وهبها لنا. ونحن مجرد وكلاء عليها. إنها مجرد وديعة منه في أيدينا، ينبغي أن نكون أمناء عليها وسنقدم حسابًا عنها-جملة وتفصيلًا-حينما يقول لكل منا "أعطني حساب وكالتك" (لو 16: 2). فلنراجع أنفسنا إذن، ولننظر إلي حياتنا كيف هي؟ كل وقت مملوء بالخير، هو الذي سيحسب من عمرنا. هو الوقت الحي في حياتنا. أما الأوقات التي لا تستغل في الخير، فهي ميتة لا تحسب من الحياة، بل قد تميت غيرها معها. فعلي ذلك أسألكم: كم هي الأوقات التي ضاعت من عمركم ولم تحسب لكم. وكم هي الأوقات المحسوبة من عمركم، الحية المثمرة؟ كم هي سنو حياتكم الحقيقة علي الأرض؟ أنظروا إلي حياتكم، وليسأل كل منكم نفسه: كم ساعة من العمر كانت لي مع الله؟ وكم ساعة كانت للشيطان وللمادة وللجسد؟ كم ساعة كانت مثمرة، خيرة نيرة؟ ليتنا نواجه أنفسنا في صراحة وصدق ونسألها: كم هو الوقت الذي كان لنا في عمرنا، وكم هو الوقت الذي كان علينا وضدنا؟ أني أعجب ممن يبحث عن طريقه لقتل الوقت! الذي يقتل الوقت، إنما يقتل حياته، لأن حياته هي بهذا الوقت. مثل هذا الإنسان الذي يبحث عن أية طريقة يقضي بها وقته، لكي يمر الوقت عليه بلا ملل.. مثل هذا الإنسان، لا يشعر بأن هناك قيمة لحياته! إنه يعيش بلا هدف، وبلا رسالة. حياته رخيصة في عينيه، لذلك يبحث عن وسيلة يقتل بها وقته! وعكس ذلك الذين يقدرون حياتهم، فيكون وقتهم مثمرًا. هناك قديسون عاشوا فترة قصيرة جدًا علي الأرض. ولكنها فترة عجيبة الثمر، اقتدرت كثيرًا في فعلها. كل دقيقة من حياتهم، كانت لها قيمة. وكان الله يعمل فيها.خذوا مثالًا لذلك القديس يوحنا المعمدان: لقد بدأ رسالته وهو في سن الثلاثين، قبل بدء خدمة السيد المسيح بسته أشهر، وانتهت خدمته باستشهاده بعد ذلك بقليل. كم كانت فترة خدمته إذن؟ حوالي سنة علي الأكثر. وفي هذه الفترة القصيرة، استطاع أن يعد الطريق للرب، ويهيئ له شعبًا مستعدًا، ويكرز بمعمودية التوبة، ويعمد آلافًا من الناس، ويشهد للحق ويموت شهيدًا،ويستحق أن يدعي "أعظم من ولدته النساء" (مت 11: 11)، كما دعي ملاكًا.. إن الشهور التي قضاها يوحنا في الخدمة، كانت أثمن وأعمق بكثير من عشرات السنوات في حياة خدام آخرين. كان وقته غاليًا جدًا ومثمرًا، ونافعًا لجيله كله.. متوشالح الذي عاش 969 سنة، أطول عمر لإنسان علي الأرض، لم نسمع عنه أنه عمل أعمالًا عظيمة خلال مئات السنوات، كبعض أعمال يوحنا المعمدان في شهور..! وكما تحدثت عن الحياة المثمرة القصيرة التي للمعمدان، يمكن أن أتحدث عن قديسين آخرين كبوليس الرسول.. الذي لو أتيح له أن يزور عالمنا، ولو ليوم واحد، لاستطاع في هذا اليوم الواحد أن يعمل عملًا لا نستطيع نحن مثله في مئات السنين.. هذا القديس الذي تعب أكثر من جميع الرسل (1كو 15: 10)، وأسس كنائس عديدة في أقطار كثيرة، ونشر الإيمان. وكان يكتب الرسائل حتى وهو في السجن.. كم كان وقت هذا القديس ثمينًا، له وللكنيسة كلها، عبر الأجيال الطويلة.. خذوا مثالًا أخر لساعة واحدة من حياة بطرس الرسول، ألقي فيها عظة فآمن علي يديه ثلاث آلاف من اليهود، واعتمدوا (أع 2).. كم كانت تلك الساعة ثمينة، ليست مثل باقي ساعات الناس، وفاعليتها أكثر من فاعليه سنوات في حياة الآخرين وهناك قديسون قضوا أوقاتهم بجدية فنموا نموًا مبكرًا: كالقديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس، الذي صار مرشدًا لكثيرين وهو لا يزال شابًا. وفي سنه الصغير أسس عددًا كبيرًا من الأديرة وأشرف عليها، وصار الساعد الأيمن للقديس باخوميوس، وأعتبره الكل كطاقة روحية جبارة، وهو بعد شاب.. ويشبهه في نموه المبكر القديس يوحنا القصير، الذي قيل عنه إن الإسقيط كله كان متعلقًا بأصابعه، وكان شابًا، ومرشدًا لكثيرين.. نعم كثيرون كهؤلاء عاشوا حياة قصيرة ولكنها غالية. عاشوا حياة مثالية، قدموا فيها صورة حية لأولاد الله، وأدوا فيها رسالات عظيمة، وقدموا للعالم قدوة ومثالًا ونفعًا. وقيست حياتهم بمفعولها وليس بطولها.وكان مفعولها عجيبًا.. ومثل تادرس ويوحنا القصير، نذكر الأنبا ميصائيل السائح. هذا الذي كانت كل دقيقة من حياته الرهبانية لها عمقها الروحي وفاعليتها، حتى انه صار سائحًا وهو في حوالي الثامنة عشرة من عمره.. وهكذا نما بسرعة كبيرة، لأن وقته كان ثمينًا، لم يضيعه، بل استغله في حياة النمو، بجدية لا تعرف التهاون مطلقًا.. ولعلكم وسط هذه الأمثلة تسألون: ما هو أعجب وقت عرفه التاريخ في تأثيره وفاعليته، فأجيبكم إنها الثلاث ساعات التي قضاها المسيح علي الصليب، من السادسة إلي التاسعة: ثلاث ساعات علي الصليب، كانت كافية لخلاص العالم! لا يوجد بالنسبة إلينا، وقت أثمن من هذه الساعات الثلاث، التي فيها سفك السيد المسيح دمه وقدم حياته كفارة عن خلاص العالم كله.. إن آلاف السنين لا يمكن أن تتوازن مع هذه الساعات الثلاث، التي كانت بركة لكل الأجيال من آدم إلي آخر الدهور، والتي محيت فيها خطايا العالم كله، التي حملها المسيح عمن آمنوا به.. حقًا هذه الساعات الثلاث لا توازيها أجيال البشرية كلها. وجزء من هذه الساعات، كان لخلاص اللص اليمين. إن كل العمر الذي عاشه ديماس اللص، لا يمكن أن يقارن بهذه الساعات التي قضاها مع المسيح علي الصليب. وكل أنواع اللذة والسعادة التي تمتع بها في حياته، لا يمكن أن تقاس باللحظة التي سمع فيها من فم الرب عبارة "اليوم تكون معي في الفردوس".. إنها أسعد لحظة في حياته. عمره كله لا يساويها. حقًا أن مقاييس الوقت، تختلف في طولها وعمقها. إن ساعات قليلة من حياة إنسان، قد تكون أطول وأعمق في مفعولها، من عمر كامل لإنسان آخر، سواء من جهة الخير أو الشر، النفع أو الضرر.. ساعة من حياة بطرس الرسول، كانت سببًا لخلاص ثلاثة آلاف. وساعة عكسية في حياة داود النبي، أخطأ فيها، وظل يبكي بسببها حياته كلها، ويبلل فراشه بدموعه، وصارت دموعه شرابًا له نهارًا وليلًا.. وأنت: هل وقتك صديق لك أم عدو؟ هل هو لك أم عليك؟ هل تكسب فيه الحياة أم تخسرها؟ هل تنمو فيه روحيًا، أم ترجع فيه إلي الوراء؟ أسأل نفسك. هل مر عليك يوم قلت عنه ندم: ليت هذا اليوم لم يكن من حياتي.. فمشاكلي طول العمر هي من نتاج هذا اليوم، الذي فيه ضيعت عمري..! ومن الناحية: الأخري: هل مر عليك وقت آخر كان له تأثيره الجميل في حياتك وحياة الناس! هناك أناس كانت حياتهم بركة لأجيالهم.. لدرجة تجعل بعض الناس يقولون "لقد عشنا في زمن فلان، عشنا في جيله وعاصرناه". فهل أنت هكذا، يفرح الناس لأنهم عاشوا في أيامك وعاصروك وتأثروا بك؟ هل لك تأثير وفاعلية وبركة؟ هل وقتك ترك خاتمة علي غيرك؟ كثيرًا ما يرتبط الجيل بالشخص، وتسمي باسمه، كما قلنا.. ليس في النطاق الروحي فقط، بل والمدني أيضًا. فكثيرون يذكرون مثلًا عصر شكسبير، الشاعر المعروف، دون أن يعرفوا القادة الذين عاشوا في عصره، إلا الذين أرتبط بهم تاريخه، فأعطاهم تاريخه شهرة.. أو قد يتحدث البعض عن عصر مايكل أنجلو الرسام الإيطالي المعروف، دون أن يعرفوا البابوات الذين عاشوا في زمنه، أو الأباطرة الذين عاصروه. لقد كان هو أشهر من في الجيل كله، فعرف الجيل كله به، لأن وقت ميشيل أنجلو ترك آثارًا عميقة استمرت حتى جيلنا هذا.. نقول هذا هؤلاء المشهورين، ونقول من الناحية الأخرى: هناك أشخاص آخرون، عاشوا وكأنهم لم يولدوا! قضوا فترة علي الأرض، وكأنهم غير موجودين، كأنهم لم يخلقوا. لم يستفد العالم شيئًا من وجودهم، ولم يحدثوا تأثيرًا حتى في الدائرة الضيقة التي عاشوا فيها كان وقتهم بلا ثمر، لم يستغلوه لمنفعتهم ولا لمنفعة أحد. لذلك صارت حياتهم فراغًا.فحاذروا أن تكونوا من هذا النوع، بل استفيدوا من وقتكم، لبنيانكم وبنيان الآخرين.. ولا أقصد أن يكون تأثيركم في المجتمع الذي تعيشون فيه، هو من أجل لفت الأنظار، إنما من أجل أيمانكم بأن تكون لكم رسالة، في بناء ملكوت الله علي الأرض.. إن كانت أيامكم السابقة بهذا الثمر، فطوباكم. وإن لم تكن فاهتموا من بداية هذا العام الجديد ان تكون حياتكم مثمرة، وأن يكون وقتكم غاليًا، وله فاعليته.. احرصوا أن يكون هذا العام مثالي.. عام مثاليلو كانت أعوام حياتكم تتنافس فيما بينها، فأي عام من هذه الأعوام يكون أفضلها..؟ لا تتبعوا أنفسكم في فحص الماضي، إنما ليت هذا العام الجديد يكون هو الأفضل وهو العام المثالي. ليت هذه السنة الجديدة تكون أحسن سنوات العمر. وليتنا نقول هذه العبارة في كل عام جديد يطل علينا. وكما يدرب البعض أنفسهم علي يوم مثالي يقضونه في أجمل وضع روحي، هكذا فليكن لنا تدريب العام المثالي، كل يوم من أيام هذا العام المثالي، لنجعل كل يوم من أيام هذه العام يومًا مثاليًا، وكل ساعة فلتكن ساعة مثالية. فليعطينا الرب هذه النعمة، له المجد الدائم إلي الأبد آمين. _____ |
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
|
رد: كتاب كيف نبدأ عامًا جديدًا - البابا شنوده الثالث
شكرا على المرور |
الساعة الآن 01:47 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025