منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب لماذا القيامة؟ (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=259868)

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:02 PM

كتاب لماذا القيامة؟
 
كتاب لماذا القيامة؟
البابا شنوده الثالث
هذا الكتاب عن القيامة بصفة عامة، أو عن القيامة العامة لجميع الناس في اليوم الأخير.. وليس قيامة السيد المسيح من بين الأموات.
لماذا القيامة؟ وما هي أعماقها الروحية، والدروس التي توحيها القيامة لنا؟ وكيف القيامة ضرورية ولازمة، والأسباب التي تدعو إلى ذلك..

وأيضا القيامة ممكنة، تعتمد في ذلك على قوة الله القادر على كل شيء، الذي استطاع القيامة أن يخلق الإنسان من العدم، وهو قادر أن يقيمه بعد الموت، وهو يريد ذلك..
ويتحدث الكتاب عما هو بعد القيامة: عن الدينونة والحساب، ومجازاة كل إنسان حسب أعماله..
وأنه لابد من القيامة، لكي يمكن محاسبة الإنسان كله: روحًا وجسدًا. لأن الروح والجسد قد اشتركا معا في الخطية أو البر، فيجب أن تكون المجازة أو المكافأة لهما معًا.. بعد القيامة.
كما يتحدث في ذلك أيضًا عن السماء، وعن النعيم الأبدي، وحياة الدهر الآتي..
كما يتحدث عن الحياة والخلود، وكيف أن القيامة هي قيامة الجسد فقط. أما الروح فهي حية بطبيعتها، لم تمت حتى تقوم. وما القيامة بالنسبة إليها، إلا عودة هذه الروح إلى الجسد الذي كانت تسكنه من قبل.
ويتحدث أيضًا عن الاستعداد للقيامة...
وهي تأملات تصلح لأي قارئ.. يمكن أن يقرأها المسلم، كما يقرأها المسيحي.
وأن يقرأها غير المتدين أيضًا. ففيها الفكر الخالص الذي يناسب الكل، دون أن تكون قاصرة على العقيدة المسيحية وحدها..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:42 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة معجزة ضرورية تدل على قدرة الله اللانهائية

يسرني يا أبنائي وأخوتي أن أهنئكم بعيد القيامة المجيد راجيًا لكم فيه حياة سعيدة مباركة، ومصليا أن يعم السلام أرجاء المسكونة كلها.
وإذ نتحدث عن القيامة، وإنما نذكر هذه المعجزات المرتفعة جدًا في مستواها، إذ كيف يمكن أن تقوم كل تلك الأجساد التي امتصتها الأرض، وتحولت إلى تراب، أو أكلها الدود، أو احتراق بعضها، والبعض افتراسه الحيوان.. كيف يقيم الله كل هذه الأجساد التي تعد بملايين الملايين، من شتى العصور والبلاد. ويأتي بأرواحها من حيث شاء لها أن تقيم، ويجعلها تتعرف على أجسادها وتتحد بها، وتقوم من الموت حية.. إنه أمر مذهل بلا شك..!!

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:43 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
إمكانية القيامة
إن كان العقل عاجزًا أمام فهم القيامة وكيف تكون، فإن الإيمان بالله وقدرته قادر على استيعاب ذلك.
فنحن نؤمن أن الله قادر على كل شيء ولا حدود لقدرته الإلهية. ومهما كان الأمر صعبًا أمام الملحدين أو غير المؤمنين، أو أمام الذين يعتمدون على الفكر والعلم وحدهما، فليس شيء عسيرًا أمام. "إن غير المستطاع عند الناس، هو مستطاع عند الله" (مر 10: 27).
إن عملية قيامة الأجساد، أسهل بكثير جدًا من عملية خلقها من قبل.

الله الذي أعطاها نعمة الوجود، هو قادر بلا شك على إعادة وجودها. هو الذي خلقها من تراب الأرض، وهو قادر أن يعيدها من تراب الأرض مرة أخرى.. بل ما هو أعمق من هذا، أن الله خلق الكل من العدم. خلق الأرض وترابها من العدم، ثم من تراب الأرض خلق الإنسان.
أيهما أصعب إذن: الخلق من العدم، أم إقامة الجسد من التراب؟‍‍!
إن الذي يقدر على العمل الأصعب، من البديهي أنه يقدر على العمل الأسهل. والذي منح الوجود يقدر بالحري على حفظ هذا الوجود..
فالذي يتأمل القيامة من هذه الناحية، إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق، الذي يكفى أن يريد، فيكون كل ما يريد، حتى بدون أن يلفظ كلمة واحدة. أو يصدر أمرًا.. إنها إرادته، التي هي جوهرها أمر فعال قادر على كل شيء...
نسمى القيامة إذن معجزة، ليس لأنها صعبة، وإنما لأن عقلنا البشرى القاصر يعجز عن إدراكها وكيف تكون.. ولكن الإيمان دائرته أوسع وأعمق.. يقبل ذلك بسهولة معتمدًا على الوحي الإلهي.
لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين.
الذي يؤمن بالله وقدرته، يستطيع أن يؤمن بالقيامة. والذي يؤمن بالله كخالق، يؤمن به أيضًا مقيمًا للموتى. أما الملحدون وأنصاف العلماء، فلا يصل إدراكهم إلى هذا المستوى. إنهم لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالروح وخلودها، كما لا يؤمنون بالله نفسه وعندما أقول أنصاف العلماء، إنما أبرئ العلماء الكاملين في معرفتهم.
نصف الحقيقة أن الجسد قد تمتص الأرض بعض عناصره، ويتحلل جزء منه، وقد يتداخل في أجساد أخرى. والنصف الثاني أن المادة لا تفنى. فأينما ذهب الجسد، فمكوناته موجودة، ومصيرها إلى الأرض أيضًا.. والله غير المحدود يعرف تمامًا أين توجد عناصر الجسد، ويقدر على إعادتها مرة أخرى إلى حالتها، الله بقدرته اللانهائية. وبخاصة لأنه يريد هذا، ولأنه قد وعد به البشرية على ألسنة الأنبياء. وفي كتبه المقدسة.
إذن القيامة في جوهرها، تعتمد على الله تبارك اسمه. تعتمد على إرادته، ومعرفته، وقدرته
فمن جهة الإرادة: هو يريد للإنسان أن يقوم من الموت، وأن يعود إلى الحياة. وقد وعده بالقيامة والخلود. وتحدث عن القيامة العامة بصراحة كاملة وبكل وضوح. وما دام الله قد وعد إذن لابد أنه ينفذ ما قد وعد به.
ومن جهة المعرفة والقدرة: فالله يعرف أين يوجد عناصر الأجساد التي تحللت، وأين توجد عظامها. ويعرف كيفية إعادة تشكليها وتركيبها. كما يعرف أيضًا أين توجد أرواح تلك الأجساد، ويسهل عليه أن يأمرها بالعودة إلى أجسادها، ويسهل عليها ذلك. وهو يقدر على هذا كله، جل اسمه العظيم، وتعالت قدرته الإلهية. وبكل الإيمان نصدق هذا..
إن الذي ينكر إمكانية القيامة، هو بالضرورة ينكر المعجزات جملة. وينكر الخلق من العدم. وينكر قدرة الله، وقد ينكر وجوده أيضًا.
مثال ذلك الصدوقيون الذين "يقولون إنه ليس قيامة، ولا روح، ولا ملاك" (أع 23: 8). حقًا، إن عدم الإيمان بأمر ما، يؤدى إلى عدم الإيمان بأمور أخرى كثيرة.
أما المؤمنون، الذين يؤمنون بالله، ويؤمنون بالمعجزة، ويؤمنون بعملية الخلق من العدم، يؤمنون بالقدرة غير المحدودة التي للخالق العظيم، فإن موضوع القيامة يبدو أمامهم سهل التصديق إلى أبعد الحدود.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:44 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
ضرورة القيامة



وكما أن القيامة ممكنة بالنسبة إلى قدرة الله، كذلك هي ضرورية بالنسبة إلى عدل الله وصلاحه وجوده.
1- إنها لازمة من أجل العدل:
من أجل محاسبة كل إنسان على أفعاله التي عملها خلال حياته على الأرض، خيرًا كانت أم شرًا
فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر. ولو لم تكن قيامة، لتهالك الناس على الحياة الدنيا، وعاشوا في ملاذها وفسادها، غير عابئين بما يحدث فيما بعد! وأيضًا

https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...-Advent-01.jpg
إن لم تكن قيامة، لساد الظلم واستبداد القوى بالضعيف، دون خوف من عقوبة أبدية. أما الإيمان بالقيامة وما يعقبها من دينونة وجزاء، فإنه رادع للناس. إذ يشعرون أن العدل لابد سيأخذ مجراه: إن لم يكن في هذا العالم، ففي العالم الآخر.
2 – إن الله قد وعد الإنسان بالحياة الأبدية. ووعده هو للإنسان كله. وليس للروح فقط التي هي جزء من الإنسان.
فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم والأبدي، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة، وإنما جزء واحد منه فقط، بينما قد حرم بالجسد. إذن لابد بالضرورة أن يقوم الجسد من الموت وتتحد به الروح. ويكون الجزاء الأبدي للإنسان كله..
3 – ولولا القيامة لكان مصير الجسد البشرى كمصير أجساد الحيوانات!
ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع والقدرة على صنع مركبات الفضاء التي توصله إلى القمر، وتدور به حول الأرض وترجعه إليها سالمًا.. والذي قد قام بمخترعات أخرى مذهلة كالكومبيوتر والفاكس وغيرهما.. هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب الذي سلطه الله على نواح عديدة من الطبيعة، يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهواء؟! إن العقل لا يمكن أن يصدق هذا..
إن قيامة الجسد تتمشى عقليا مع كرامة الإنسان.
الإنسان الذي يتميز عن جميع المخلوقات الأخرى ذوات الأجساد، والذي يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعًا، وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد، أو أن يقوم عليها بحق السيطرة والاستخدام.. فكرامة جسد هذا المخلوق العاقل لابد أن تتميز عن مصير باقي أجساد الكائنات غير العاقلة وغير الناطقة، التي هي تحت سلطانه..
4 – والقيامة لازمة أيضًا من أجل التوازن.
ففي الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر. ففيها الغنى والفقير، المنعم والمعذب السعيد والتعيس.. فإن لم تكن هناك مساواة على الأرض، فمن اللائق أن يوجد توازن في السماء. ومن لم ينل حقه على الأرض، يمكنه أن يناله في العالم الآخر، ويعوضه الرب عما فاته في هذه الدنيا وقصة الغنى ولعازر المسكين التي وردت في الإنجيل المقدس (لو 16) تقدم لنا الدليل الأكيد على التوازن بين الحياة على الأرض، والحياة بعد الموت.
5- القيامة أيضًا لتقدم لنا الحياة المثالية التي فقدناها هنا.
تقدم لنا صورة الحياة الجميلة الرائعة في العالم الآخر، حيث ل ا حزن ولا بكاء، ولا فساد ولا ظلم، ولا عيب ولا نقص. بل حياة النعيم الأبدي، والإنسان المثالي الذي بلا خطيئة.. مع العشرة الطيبة مع الله وملائكته وقديسيه. ما أجمل هذا وما أروع.
ختامًا في ظل الحديث عن هذه السعادة، نرجو لبلادنا حياة الرفاهية والرخاء والسلام، ونرجو لكم جميعًا حياة سعيدة، وكل عام وأنتم بخير.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:45 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة هي قيامة الجسد وحده، أما الروح فهي دائمة الحياة



أهنئكم يا أبنائي وأخوتي جميعًا بعيد القيامة المجيد، راجيًا فيه من الرب خيرًا لبلادنا المحبوبة، في كل نواحي الحياة اجتماعية واقتصادية وسياسية. كما نرجو لكم سعادة ورفاهية.
فينا طبيعتان متمايزتان :

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ristianity.jpg
وأزد فيما أهنئكم بالعيد، أن نتأمل معنى القيامة ونرى ما الذي يقوم.. إننا حسب تكويننا البشرى فينا طبيعتان متحدتان، هما الجسد والروح: الجسد طبيعة مادية، والروح طبيعية غير مادية. الجسد مرئي، والروح غير مرئية. الجسد طبيعة قابلة للموت، والروح حية لا تموت. هذه ميزة ميزنا بها الله على كل الكائنات إلى على الأرض: أن لنا الروح التي هي دائمة الحياة.
لذلك فلا يوجد موت كلى للإنسان. إنما هو موت للجسد فقط بانفصاله عن الروح التي تبقى حية بعد موت الجسد.
وعلى هذا القياس، فالقيامة هي قيامة الجسد وحده. لأن الروح لم تمت حتى تقوم وهكذا لا نقول بقيامة الروح، إنما بعودة الروح، أي بعودتها إلى الجسد ليقوم.
هذه الروح الإنسانية هي روح حية خالدة، عاقلة ناطقة وهى أسمى وأرقى ما في الإنسان.. الجسد هو الغلاف الخارجي الذي يغلف الروح، بينما الروح هي الجوهر. الجسد هو الصدفة التي تحوى اللؤلؤة، والروح هي اللؤلؤة ومهما كان الجسد جميلًا وبهيًا من الخارج، فلا قيمة لجماله إن لم تكن الروح جميلة أيضًا. بل إن جمال الروح يعطى ملامح الجسد جمالًا أروع. بينما لو دخل الشر إلى الروح، تكون ملامح الجسد منفرة...
الجسد يعتمد في كيانه ووجوده على الروح. فإن فارقته الروح، تفارقه الحياة وكل مظاهرها. تفارقه الحرارة فيبرد، والحركة فيخمد. ويصبح بلا نبض،، بلا نفس، بلا شعور بلا حس بلا صوت. توقف المخ والقلب وكل الأعضاء. وأصبح جثة هامدة يوارونها التراب. كما قال الرب لأبينا آدم "أنت تراب، وإلى التراب تعود".
إذن كل ما كان للجسد من نشاط، كان مصدره الروح.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:47 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
أنواع الأرواح


على أن الأرواح تختلف في نوعايتها ودرجاتها.
أعظم الأرواح درجة هم الملائكة، الذين لهم قوة عجيبة جدًا.. يستطيعون في لمح البصر أن ينزلوا من السماء إلى الأرض، أو أن يصعدوا من الأرض إلى السماء. حسبما يكلفهم الله من مهمات يقومون بها في طاعة كاملة وفي سرعة هائلة، وأحيانًا بأسلوب معجزي حسب نوع المهمة.


وأرواح الشياطين هي أيضًا قوية، ولكنها شريرة. فقد كان الشيطان ملاكًا حينما خلقه الله ولما سقط فقد قداسته وطهارته، ولكنه لم يفقد طبيعته..

والروح الإنسانية هي أيضًا روح قوية. ولكننا بمزيد الأسف لم نستخدم كل طاقات أرواحنا. مثلما استخدمنا طاقات العقل.
فاستطاع العقل أن يصل إلى الكواكب، وأن يخترع الأقمار الصناعية والكومبيوتر والفاكس والتليفونات عابرة القارات والمحيطات، وأن يستخدم الليزر، ويرقى في كل مجالات العلم.. ولم تلحق به الروح في رقيه..
ولما لم نستخدم طاقات الروح، ضعفت مثل آية طاقة أو موهبة تضعف بعدم استخدامها أو بقلة استخدامها...

كثير من النساك وصلوا إلى درجات من شفافية الروح.
ووصلوا إلى قامات روحية عالية في صلتهم بالله -تبارك اسمه- الذي منحهم مواهب عديدة أضيفت إلى القوة الروحية الطبيعية التي لأرواحهم.. بل إن جماعات من اليوجا ومن الهندوس أمكنهم بتدريبات روحية قوية أن يكشفوا الطاقات القوية التي لأرواحهم حسب طبيعتها البشرية. وقاموا بأعمال مذهلة يقف أمامها العقل متعجبًا ومبهورًا..
إن كان الأمر هكذا، فكم بالأولى أهل الإيمان، الين يتولى روح الله قيادة أرواحهم. وهم قد عاشوا في تسليم كامل للمشيئة الإلهية..! وكما يقول بولس الرسول عنهم إنهم ينقادون بروح الله (رو 8: 14).

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:50 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
الأرواح الكبيرة




https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ine-Ascent.jpg
هناك أرواح كبيرة، فوق المستوى الجسدي والنفسي والمادي.
هذه تستطيع أن تقود نفسها، وأن تقود غيرها، وأن يكون لها تأثير قوى على المجتمع الذي تعيش فيه. بل كل من يتقابل مع هذه الأرواح، يعر أنه منجذب لتأثيرها، خاضع للقوة التي فيها.. هذه هي أرواح قيادية. وأرواح يمكنها أن تحمل مسئوليات ضخمة تعجز عن حملها الأرواح العادية.
إنها أرواح كبيرة في قدراتها، في مواهبها، في شفافيتها، في معرفتها وحكمتها، في صلتها بالله. كبيرة في مستواها، وفي عملها ومعاملاتها، وفي تأثيرها على غيرها. ينطبق على صاحب هذه الروح قول المزمور "وكل ما يعمله ينجح فيه (مز 1)
هذه الأرواح الكبيرة استطاعت أن تنال قوة من فوق، من عمل الروح القدس فيها.
حسب الوعد الإلهي: إنكم "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: 8). وأيضًا قوله "تلبسون قوة من الأعالي" (لو 24: 49).
ومن أمثلة هذه الأرواح:
أرواح الأنبياء والرسل، وكبار القديسين والرعاة ومن قد نالوا من الله مواهب فائقة للطبيعة (1كو 12).
هذه الأرواح الكبيرة – حتى بعد الموت يأتمنها الله على مهمات معينة تقوم بها على الأرض
كما يحدث بالنسبة إلى بعض القديسين، يرسلهم الله إلى الأرض لكي يبلغوا رسالة خاصة، أو أن يقوموا بمعجزة شفاء، أو تقديم معونة معينة لشخص ما أو لمجموعة من الناس.
ليست كل الرواح يأتمنها الله على صنع معجزة، لأنه توجد أرواح ضعيفة إذا اجترحت معجزة، يدخل العجب إلى قلبها، وترتفع في داخلها بكبرياء، لأنها لم تحتمل تلك الكرامة. وكما قال القديس الأنبا أنطونيوس إن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة..
فإن تكبرت الروح تفقد سموها وتسقط.
كما تكبر الشيطان وسقط (أش 14: 13، 14).
وكما قال الكتاب "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18).

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:51 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
ضباب الجسد


الروح تعيش الآن محاطة بضباب الجسد وضباب المادة.
وهذا الضباب يمنع عنها الكثير من المعرفة، ويعوقها في كثير من الأحيان عن التأمل في الإلهيات والتأمل في السماويات. بل قد يجذبها الجسد معه إلى أسفل، فتستغرق في أمور العالم الحاضر. أو قد تضعف جدًا، فتشترك معه في شهواته الجسدية وتسقط، أو على الأقل تستنفذ طاقتها الروحية في الصراع مع الجسد "الروح تشتهى ضد الجسد، والجسد يشتهى ضد الروح، ويقاوم أحدهما الآخر" (غل 5: 17)

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:52 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
الأرواح الضعيفة



الروح الضعيفة تخضع للجسد، والروح القوية تنتصر عليه. والروح المتوسطة تصارعه. فأحيانا تعلو عليه، وأحيانا تنجذب إليه.
الروح القوية تغلب الشيطان أيضًا. يحاول أن يجس نبضها لكي يعرف كنه معدنها.. مرة بفكر، وأخرى بإغراء خاص، أو بمداعبة الحواس. فإن ثبتت صامدة أمامه، وقد أغلقت كل أبوابها في وجهه.. حينئذ يشعر بأنها من نوع غير عادى، فيهابها ويخشاها.. وقد ترتقي مثل هذه الروح إلى الوضع الذي تستطيع فيه أن تخرج الشياطين من المصروعين منها. وتكون لصلواتها قوة ترعب الشياطين.

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...org--Doubt.gif
أما الأرواح التي خضعت للشياطين، وسارت في تيارهم، فهذه تكون للشياطين سلطة عليها في وقت الموت.
يلتف الشياطين حولها ساعة الموت، ولا يعطونها فرصة للتوبة، بما يلقونه في عقلها من أفكار وشهوات وأمنيات، أو ما يلقونه فيها من شكوك إيمانية كثيرة. حتى إذا ما خرجت هذه الروح من الجسد، يجذبونها معهم إلى الهاوية، لتكون في صحبتهم بعد الموت كما كانت معهم خلال حياتها الأرضية.
أصعب من هذا يا أخوتي ما يحدث لروح الملحد وغير المؤمن.
هذا الذي لا يؤمن بوجود الله، ولا بالحياة الأخرى.. يحدث له في ساعة الموت أن ترتعب روحه التي تشعر بأن الموت بالنسبة إليها هو فناء وضياع، ونهاية كاملة لوجودها . وتتمنى لو كانت تستطيع التخلص من أفكار الشك التي عليها.. وفي هذه الحالة يغذى الشيطان كل هذه الأفكار، وكأنها نار يلقى عليها حطبًا. فإذا خرجت روح الملحد من جسده، ووجد أن هناك حياة بعد الموت، يشعر بخوف كبير بسبب عدم إيمانه، ويشعر أنه غريب في جو لم يألفه. فتستطيع أن تجذبه إليها أيضًا. وتقول له: أنت لنا بجملتك..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:54 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
الأرواح القوية



أما الأرواح القوية فلا تخف. هي أقوى من الخوف.
إنها لا تخاف الموت، لأنها استعدت له بالإيمان والتوبة. ولا تخاف مما بعد الموت، إذ لها رجاء في الحياة الأبدية والعشرة مع الله فيها.
إنها تدرك تمامًا أن الموت هو مجرد انتقال من حياة أرضية مادية، إلى حياة سمائية أفضل بكثير. فتفرح بما يسمونه الموت. ولكنها تسميه الانطلاق من روابط الجسد المادية. وهى لا تخاف أيضًا من الشياطين الذين لا يجدون لهم مكانًا فيه. والأجمل من هذا كله أنها في ساعة الموت، تحيط بها الملائكة، وتحملها إلى الفردوس (لو 16: 22) وتزفها في فرح إلى مجمع الأبرار.

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...Church-016.jpg
الأرواح القوية -في حياتها على الأرض- تستطيع أن تجذب الجسد إلى حياة الطهارة، ويمكنها أن تحمله وتصعد به إلى ما هو فوق مستواه المادي.
أنظروا إلى روح مثل روح يوسف الصديق، كيف رفعته روحه الطاهرة القوية إلى مستوى فوق الجسد وفوق كل شهواته وملاذه، فكان ساميًا جسدًا وروحًا على الرغم من الإغراءات التي أحاطت به (تك 39).
كذلك في الصوم إذا انشغل الإنسان بالفكر الروحي، لا يشعر بتعب الجسد مهما صام. لأن الروح حينئذ ترفع الجسد وتحمله. مثال ذلك من ينشغل بقصة جميلة جدًا تستهوي روحه وفكره: إن قالوا له تعال فالأكل معد، يقول ليس الآن. ولا يشعر بجوع فروحه منشغلة.. وهكذا أيضًا من ينشغل بألحان أو قراءات أو تأملات روحية، تجعل روحه في حالة لا تعبًا فيها بتعب الجسد.
ومثل هذا يحدث لنا في أيام مقدسة مثل أسبوع الآلام، وبالذات يوم الجمعة الكبيرة بكل ما تحمل من صوم شديد.
الروح القوية تحمل الآخرين أيضًا. وتحتمل إساءاتهم.
الروح الضعيفة هي التي يقوى عليها الغضب والضيقة والرغبة في الانتقام من إساءات الناس. أما الروح القوية فهي كالجبل الراسخ تصدمه الرياح والزوابع والرمال، وهو صامد لا يتأثر.. لذلك قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا" (رو 15: 1)
لا شك أن الذي يحتمل هو أقوى روحًا من الذي يعتدي!
الروح القوية لا تهزها الأخبار ولا الأحداث بل لا يتعبها لمرض والألم. يقول الأطباء عن أمثال هؤلاء إن روحهم المعنوية قوية.
الإنسان الذي له روح قوية يتمتع بحرارة الروح.
تكون صلاته حارة ومستجابة، تستطيع أن تفتح أبواب السماء. وكل عمل طيب تعمله الروح في حرارة، بغير تكاسل ولا تهاون، بل بحماس وغيره ونشاط. وإن قامت بمسئولية معينة أو بخدمة للغير، تفعل ذلك بكل عواطفها. لذلك ينصحنا الكتاب بأن نكون "حارين في الروح" (رو 12: 11).
هذه الروح الحارة الطاهرة، تكون لها هيبة.
مثل هيبة الآباء أمام أبنائهم، وهيبة المرشدين أمام تلاميذهم. يكون لها هيبة أمام أفكار الخطية. فأي فكر أو شعور خاطئ لا يقوى على الاقتراب إليها. بل تكون لها هيبة أمام الأشرار وأمام الشياطين. فيخجل الأشرار أن يستهتروا أمام روح طاهرة، ولا يجرؤون على ذلك..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:57 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
تقوية الروح

يا أخوتي وأبنائي الأحباء.
إن كنا ونحن نتحدث عن القيامة نذكر الأبدية ومصيرنا الأبدي، فلنستعد لذلك بتقوية أرواحنا والسلوك بالروح.
فقد قال الكتاب "أسلكوا بالروح، ولا تكملوا شهوة الجسد" (غل 5: 16). فالسلوك بالروح هو الذي يوصلنا إلى الله.
والشخص الذي يسلك بالرجوع، لا يكون جسدانيًا ولا ماديًا ولا شهوانيًا. بل تكون حياته روحية، وأهدافه روحية، ووسائله روحية، وكلماته روحية، ومعاملاته روحية وأفكاره روحية، وأحاديثه روحية. وكل من يتصل به ينتفع بأسلوبه الروحي وقدوته الروحية.. مثل هذا يكون له في القيامة نصيب مع الأبرار الذين لم يسلكوا حسب الجسد، بل حسب الروح (رو 8: 1).
ولكي نصل إلى هذا علينا بتقوية أرواحنا.
نغذى روحنا بالصلاة والتأمل والقراءات الروحية والتفكير الروحي. ونغذيها بالفضائل الأساسية كمحبة الله ومحبة الناس ومحبة الغير. ونغذيها بالسلام والوداعة والإيمان والاتضاع ونبعد عنها كل ما يهدم بناءها على الأرض، ويقوى أرواحنا، ويجذبنا إليه، فتسكن محبته في قلوبنا ونستطيع بنقاوة الروح أن نسكن في السماء مع الله، ومع أرواح الملائكةوالقديسين، بعد القيامة..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:58 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
لماذا يهتم الله بالأجساد ويمنحها القيامة من الموت؟

أهنئكم يا أخوتي الأحباء بعيد القيامة المجيد، راجيًا لكم فيه ولبلادنا العزيزة كل خير وبركة.
وفى مناسبة عيد القيامة، نود أن يكون لنا تأمل روحي في القيامة، حتى نستشف ما تحوى من معان عميقة..
المعروف أن القيامة هي قيامة الجسد، لأن الروح عنصر حي لا يموت. فلماذا اهتم الخالق العظيم بقيامة الأجساد، على الرغم من صعوبة عملية قيامة الأجساد؟
هذه الأجساد التي ماتت وتحللت وامتصت الأرض كثيرًا من عناصرها، وأكل الدود ما أكله منها، وتحول الباقي إلى تراب، حسب قول الرب لأبينا آدم بعد أن أخطأ "لأنك تراب وإلى التراب تعود" (تك 3: 19). وكما قيل في سفر الجامعة عن الموت "يرجع التراب إلى الأرض كما كان. وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جا 12: 7). والأصعب من هذا أن بعض الأجساد قد حرقت، والبعض افترسته حيوانات، والبعض دخل في تركيبات أخرى معتدة.
إذن معجزة إعادة الأجساد إلى وضعها الأول هي معجزة خارقة للطبيعة ليس من السهل فهمها يضاف إليها مناداة الأرواح من مستقرها، لتتعرف على أجسادها وتتحد بها، فتعود إليها الحياة...
فقيام الله -جل اسمه- بهذه المعجزة الجبارة التي تشمل ملايين الملايين من الأجساد من أيام أبينا آدم حتى يوم القيامة.. لابد وراء هدف إلهي في الاهتمام بهذه الأجساد، ليكون لها وجود واستمرارية في العالم الآخر..
فهل تستحق الأجساد من الله كل هذا الاهتمام؟ ولماذا؟

أما كان ممكنًا أن تبقى الأرواح وحدها في العالم الآخر، بينما تترك الأجساد للفناء؟‍! وتكون السماء للأرواح فقط ملائكة وبشرًا! ولا داعي لتلك المعجزة الصعبة في أقامة الأجساد!!
ولكن الروح وحدها لا تكون إنسانًا. فالإنسان مركب من روح وجسد. ولابد أن يقوم كله، ويقف أمام الديان العادل لينال حسابه وجزاءه حسبما فعل وهو في الجسد خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10).

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 03:59 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
اهتمام الله بالجسد البشري

أحب أن أقول أولًا إن الله قد اهتم بالجسد البشرى منذ بدء خلقه للإنسان:
وذلك بما وضعه في هذا الجسد من آلات دقيقة عجيبة.
مهما أوتى عقل الإنسان من ذكاء، لا يستطيع أن يأتي بواحدة من هذه الأجهزة البشرية.
مثال ذلك ما وضعه الله في اللسان من النطق (إن خدش هذا اللسان وأصابته لعثمة أو عجز في النطق، لا تستطيع كل مهارات البشر أن ترجعه إلى وضعه السليم.. ونقول نفس الوضع عن جهاز السمع. إن فقدت الأذن البشرية قدرتها، وأصيب الإنسان بالصمم، هل يمكن لكل التكنولوجيا الحديثة أن تعيد إليه سمعه؟! كلا بلا شك (إن جهاز السمع معجزة إلهية)..
وكذلك ما وضعه الله في المخ من مراكز للحركة وللبصر والنطق أيضًا مع مراكز التفكير..
المخ هو هذه الآلة الدقيقة العجيبة التي إن توقفت، توقفت حياة الجسد كله. والتي إن أختل أحد مراكزها، صار الإنسان عاجزًا تمامًا من جهة عمل هذا المركز. إن أختل مركز الحركة مثلًا، أصيب الإنسان بالشلل، وهكذا مع باقي مراكز المخ.
وما نقوله عن المخ، نقوله عن الأعصاب، وما وضعه الله فيها من الإحساس. فإن تلفت الأعصاب تمامًا، لا توجد قوة بشرية تعيدها إلى حالتها الأولى..
وبالمثل ما وضعه الله في كل آلة من آلات جسدنا الدقيقة العجيبة، ومن الوظائف المتنافسة.. التي إن أختل بعضها، يكون من الصعب جدًا أن يرجع إلى وضعه الأول، أو إلى دقة حالته الأولى.
نضيف إلى كل هذا اهتمام الله بالجسد في القيامة.
حينما يلبس هذا المائت عدم موت، (1 كو 15: 53، 54). وحينما يتحول الجسد الترابي -في القيامة- إلى الجسد سماوي، وإلى جسد روحاني (1كو 15: 49، 44).

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:01 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
لماذا يُقام الجسد؟

ثم لماذا أيضًا يقام الجسد، على الرغم من كل من يقال ضده؟!
ما أكثر الخطايا التي تنسب إلى الجسد، وما أكثر الفضائل التي تنسب إلى الروح. حتى أنه كثيرًا ما يوصف الشرير بأنه إنسان جسداني، ويصف البار بأنه إنسان روحاني..! فلماذا يقام الجسد إذن؟!
ومع أننا لا ننكر أن الجسد طبيعته مادية، والروح طبيعتها روحية. ومع ذلك فغالبية الأخطاء يشترك فيها الجسد والروح معًا. وأيضًا قد تكون بعض الأخطاء من خطايا الروح وحدها كالكبرياء مثلًا أو الحسد. وإن كان الجسد قد يعبر أحيانًا عن إحدى هاتين الخطيتين وأمثالهما بطريقته الخاصة.
على أننا لا نستطيع أن نقول إن الجسد شر في ذاته.
لأنه لو كان كذلك ما خلقه الله.. فالله لا يمكن أن يخلق شرًا. كما أنه مر وقت على البشرية -قبل الخطيئة- كان الجسد والروح كلاهما بارين. ولو كان الجسد خطيئة في ذاته، ما كنا نكرم رفات القديسين وعظامهم ونتبارك بها. أيضًا لو كان الجسد شرًا في ذاته، ما كان يقيمه الله.. إنما الجسد بطبيعته قابل للميل إلى الخير والشر، حسبما توجهه إرادة الإنسان. وكذلك الروح..
" الجسد يمكنه أن يعمل الخير. ولذلك قال الكتاب "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1 كو 6: 20).
إذن يمكن أن نمجد الله بأجسادنا.
مثال ذلك الجسد العابد، الذي يركع أمام الله، ويسجد، ويرفع يديه إلى فوق بالصلاة ويقرع صدره ندمًا على خطاياه. الجسد الذي يضبط نفسه بالصوم. والذي يستخدم لسانه في التسبيح والترتيل والصلاة، وفي تلاوة كلام الله وإنشاده.. كما يستخدم لسانه في الوعظ والتعليم والنصح والكلمة الطيبة.. وهو الذي يبذل ذاته من أجل وطنه، وهو الذي يمد يده ليعطى للفقير وللمسكين.
فلماذا ننظر إليه في إقلال لشأنه؟! أليست أصابع الفنان هي التي تتحرك على آلة موسيقية، فتتحرك معها القلوب، ويمكنها أن تحركها نحو الخير. أليست أصابع الفنان تتحرك بالرسم أو النحت أو التصوير، فتقدم فنًا -إن أرادت- تحرك به القلوب نحو الخير الجسد إذن ليس شرًا في ذاته، إنما يمكن أن يعمل في مجالات الخير أو الشر، والروح كذلك تعمل في كليهما. ويشتركان معًا.
إن بعض الذين ينكرون القيامة، يبدون في أسلوبهم احتقار الجسد.
على اعتبار أن الجسد هو من المادة، بينما الروح لها جوهر يسمو بما لا يقاس عن طبيعة الجسد. ولكننا نقول إنه على الرغم من أن الإنسان من طبيعتين أحداهما روحية والأخرى مادية، وإلا أنهما اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية.
والجسد على الرغم من أنه من المادة، إلا أنه يستطيع أن يسلك بطريقة روحانية، إذا اشترك مع الروح في العمل الروحي.
ومثل الجسد العابد، الجسد الحر غير المستعبد لعادة.
لا تستعبده عادة رديئة، كالتدخين، أو السكر ، وإدمان الخمر أو إدمان المخدرات، وغير خاضع لأية عادة شهوانية، لا شهوة الزنا أو البطنة.. إنما هو جسد منضبط.
مثل هذا الجسد، هو جسد طاهر.
لا يسمح لنفسه أن يقع في دنس أو نجاسة، ولا أن يوقع غيره في خطيئة ما. لا يسعى إلى الخطيئة. وإن طرقت بابه، لا يقبلها. كما فعل يوسف الصديق الذي رفض الدنس حينما سعى ذلك إليه. وقال "كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟!" (تك 39: 9).
وهكذا يكون الجسد الطاهر محتشمًا أيضًا.
ومن الأجساد الخيرة، الجسد الذي يتعب لأجل عمل الخير..
سواء في رفع مستواه الإنساني، كما يقول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجساد
ومن هذا النوع أيضًا: الجسد الذي لا يتكاسل ولا يهمل في أداء، أو في القيام بمسئولية تعهد إليه، أو يتطوع من ذاتها لأدائها. والذي يسرع لإنقاذ غيره بكل همة. ويكون موضع ثقة في كل ما يقوم به من عمل. إنه جسد خير.
إنه جسد خدوم، يبذل ذاته وراحته لكي يريح غيره.
نوع آخر من الأجساد الخيرة، الجسد الذي يقبل تحمل الآلام.
مثل ذلك الشهداء الذين يضحون بأجسادهم، أو يفقدون بعض أعضائهم من أجل وطنهم أو دينهم، أو من أجل إنقاذ الآخرين كعمال المطافئ مثلًا، أو منقذي الغرقى، أو المتبرعين بدمائهم أو بأعضائهم لأجل حياة غيرهم.. كلها أجساد تعمل في مجال الخير لنفع الغير بأسلوب من التضحية أو الفداء.
نوع آخر من الأجساد الفاضلة: الجسد الوديع المتواضع.
الذي لا يتعالى على غيره، ولا يمشى في الأرض مرحًا، ولا يجلس في كبرياء، ولا يسعى إلى الرفاهية والمتعة على حساب غيره، ولا يتهافت على المتكآت الأولى، ولا يزاحم الناس في طريق الحياة. بل يقدم غيره على نفسه إيثارًا وحبًا وتواضعًا...
وبالإضافة إلى كل هذا نقول إن الجسد هو المعبر العملي عن مقاصد الروح.
إن كانت الروح هي السلطة التشريعية في حياة الإنسان، يكون الجسد هو السلطة التنفيذية، والضمير هو السلطة القضائية.
الجسد هو الكيان المرئي للإنسان، وهو العنصر العامل.
الروح العاقل تفكر، ولكن الذي ينفذ هو الجسد. ولولا الجسد، لكان عمل الروح هو مجرد وضع نظري لا يزيد عنه شيئًا.
كل العنصر العملي واقع على الجسد.
قد يضع الفكر خططًا لمخترعات أو تصميمات لها. ولكن الجسد هو الذي يحولها إلى واقع عملي. والأمور النظرية التي تشاءها الروح، الجسد هو الذي يجعل لها وجود عملي.
الروح والعقل يقدمان مفهومًا للخير. والجسد هو الذي يعمل الخير. هو شريك للروح يعملان معًا: الروح للتخطيط، والجسد للتنفيذ.
الجسد هو الذي يعمر الأرض، لولاه ما عمرت.
الفكر وحده لا يقوم بتعمير، بدون جهاز تنفيذي.
الروح قد يكون لها بعض الأماني والأحلام. ولكن الذي يحققها لها هو الجسد. وإلا بقيت في حدود الرغبات وليس غير..
الجسد أيضًا هو سبب التكاثر في الكون.
الروح وحدها ليست مصدرًا للتكاثر.
إذن لولا الجسد ما عمرت الأرض، سواء من جهة العمارة أو الصناعة أو الزراعة وما إلى ذلك. ولولاه ما عمرت أيضًا بالبشر..
إننا لا نستطيع أن نفصل الجسد عن الروح في كل تلك الأمور والأعمال. والله لا يفصلهما أيضًا في الأبدية.
في العالم الآخر يعود الإتحاد بين الجسد والروح. فلولا هذا الاتحاد لا يكون الإنسان إنسانًا. طبيعته خلقها الله هكذا..
ولولا فني الجسد ولم يقم، فأي فرق إذن بينه وبين جسد الحيوان؟! بينما جسد الإنسان هو أكثر الأجساد سموًا في تركيبه، وهو أيضًا أجمل الأجسام وأكثرها قدرة، وله طاقات متعددة.
الجسد هو الوعاء الذي يحوى الروح.
وكثيرًا ما يكون الجسد مطيعًا للروح منقادًا لها، شريكا ً لها في الخير، غير مقاوم لها.. متساميًا فوق مستوى المادة في نسكياته وزهده.
بل إن الروح تزداد درجة، حينما تسلك سلوكًا روحيًا ساميًا على الرغم من اتحادها بمادة الجسد. فتنتصر على هذا العائق المادة، وتجعل الجسد المادي يسلك معها سلوكًا روحيًا. فيتقدس باشتراكه معها في محبة الله، وفي محبة الناس، وفي عمل الخير..
بالقيامة يلتقي هذا الصديقان -الروح والجسد- اللذان عاشا في عشرة عجيبة طوال العمر الأرضي ليكملا عشرتهما معًا في العالم الآخر، مشتركين في دينونة واحدة.
وفى القيامة سيتحول هذا الجسد المادي إلى جسد روحي (1 كو 15) ويتجلى في طبيعته، ويسلك كما يليق بسكان السماء.
مبارك هو الرب الحكيم في خلقه للإنسان، العادل في معاملته له جسدًا وروحًا، الذي يستخدم الكل للخير.
أعود فأكرر تلك الآية الجميلة "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1 كو 6: 19).. نعم لقد خلق الله الجسد لكي يكون له: ينفذ مشيئته على الأرض، ويقوم لينال مكافأته في السماء.
وانتهز فرصة هذا العيد، لأطلب أن يعيده الله علينا كل عام بالخير والبركة، وأن يقدسنا الله جسدًا وروحا، وأن يجعل السلام يسود منطقة الشرق الأوسط، هذه التي شهدت أول قيامة ممجدة.. نطلب من الله القادر على كل شيء، أن يعيد إليها الهدوء والسلام وكل عام وجميعكم بخير.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:03 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة هي الباب الموصل إلى السماء

حينما يموت الإنسان، تنفصل روحه عن جسده. ولكن الروح تظل تنتظر الجسد إلى يوم القيامة، فتتحد به، ويدخلان معا إلى السماء. إذن السماء هي أملنا وهدفنا ومصيرنا الأبدي.
وقد وجه الله أبصارنا إلى السماء من أول آية في الكتاب المقدس إذ تقول "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك 1: 1). والمقصود بالبدء هنا، بدء قصة الخليقة. ونلاحظ أنه ذكر السموات قبل الأرض لسموها وعلوها وقداستها.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:04 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
عدد السموات في المسيحية



وتحدث عن السماوات بصيغة الجمع، لأنه توجد أكثر من سماء:
أ – سماء طيور: وهى المجال الجوى الذي تسبح فيه الطائرات والطيور والكتاب يقول عن الطيور "طيور السماء" (مت 6: 26).
ب – سماء الفلك: التي توجد فيها الشمس والنجوم والكواكب، وقد وضع لها الله قوانين دقيقة تحكمها.
وعنها قيل في المزمور "السموات تحدث بمجد الله. والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 19: 1).
ج – سماء الأرواح والملائكة. وقد أشار إليها القديس بولس الرسول وسماها الفردوس أو السماء الثالثة.
د – وهناك ما هو أعلى وأسمى من هذا كله.
وهو ما سماه الكتاب "سماء السموات" (مز 148: 4) وهى عرش الله.
وعنها قال السيد المسيح في العظة على الجبل "السماء كرسي الله.. والأرض موطئ قدميه" (مت 5: 34، 35).

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
ما معنى أن السماء هي عرش الله؟



ما دام الله في كل مكان، فما معنى أن السماء هي عرش؟
معنى ذلك: أن السماء هي موضع مجده..
الله مطاع في السماء طاعة مطلقة وسريعة من كل القوات السمائية ومن ملائكته "الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز 103: 20). في السماء مشيئة الله منفذة من الكل، بلا نقاش، بلا إبطاء، بل بكل طاعة وحب. ولذلك نقول للرب في صلواتنا "لتكن مشيئتك. كما في السماء، كذلك على الأرض" (مت 6: 10).
على الأرض نجد أناسًا ينكرون وجود الله، وآخرين يقاومونه ويعصون وصاياه، ويدنسون الأرض بخطاياهم.. أما السماء فهي مكان مقدس، يليق بمجد الله، ويتم كل شيء فيه حسب مشيئة الله الصالحة.

https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...okrator-25.jpg
والله في السماء مركز التسبيح من الأجناد السمائية.
إن تأملنا في السماء يرفع مستوى تفكيرنا، ويجعلنا نعيش في جو روحي.
لأننا طالما ننشغل بالأرض، وتصبح هي مركز تفكيرنا واهتماماتنا، فإننا نعيش في جو مادي، غرباء عن الله وعن الروحيات والسماويات. أما القديسون الذين ركزوا فكرهم في الله وفي السماء وما فيها من ملائكة وأرواح الأبرار، فهؤلاء شعروا أنهم غرباء على الأرض، موطنهم الأصلي هو السماء، يشتاقون إلى الرجوع إليه.
ونحن، أترانا نفكر في عرش الله ومجده، أم أننا ننشغل بالأرض والتراب والرماد والمادة.
ونظل هكذا للأسف الشديد، حتى يدركنا الموت، فندرك أننا قد ضيعنا العمر في أمور عديدة لا نأخذها معنا في أبديتنا.
وفى مناسبة الحديث عن السماء وعرش الله، أتذكر إنني قلت في إحدى قصائدي لله تبارك اسمه:
ما بعيد أنت عن روحي التي في سكوت الصمت تستوحي نداك
في سماء أنت حقًا، إنما كل قلب عاش في الحب سماك
عرشك الأقدس قلب قد خلا من هوى الدنيا فلا يحوى سواك
هي ذي العين وقد أغمضها عن رؤى الأشياء على أن أراك
وكذا الأذن لقد أخليتها من حديث الناس حتى أسمعك..
في مرة من المرات يا أخوتي، التقى بأحد القديسين واحد من الملحدين. وسأله الملحد "أين يوجد الله؟ فوضع القديس يده على قلبه، وقال "يوجد هنا".. نعم، يوجد الله في كل قلب يحبه، لأن الله موجود في كل مكان، لا تحده سماء ولا أرض..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
نرفع أنظارنا إلى السماء، و مذاقة الملكوت

ولكن الله يريدنا أن تتعلق قلوبنا وأفكارنا بالسماء، لكي نسمو.
وهكذا دعانا أن نصلى ونقول: "أبانا الذي في السموات "لكي نتذكر السموات أيضًا في صلواتنا، بينما الله موجود في كل مكان. ولكننا نذكره بالأكثر في سمائه، حيث هو ممجد ومسبح. كما نذكره في سمائه التي سينقلنا إليها، لنكون معه في كل حين، في حياة قدسية طاهرة..
وهكذا فنحن دائما حينما نصلى، نرفع أنظارنا إلى فوق، إلى السماء.
وفى ذلك نتذكر أن لنا أسرة كبيرة هناك، من الملائكة ومن أرواح القديسين الذين سبقونا إلى السماء، بعد أن انتصروا في جهادهم على الأرض ضد الخطايا والشهوات. وأصبحوا من "أهل بيت الله" (أف 2: 19).
ونجد أن الإنجيل المقدس يحدثنا كثيرًا عن "ملكوت السموات"، أي مملكة الله التي في السموات، من كل الذين أحبوه وأطاعوه، وجعلوا قلوبهم هياكل مقدسة له.
إن السماء لا يدخلها إلا الطاهرون.
أما الخطاة، فيبقون في الظلمة الخارجية (مت 25: 30). يكفى أنهم نجسوا الأرض بخطاياهم. فلم يعودوا مستحقين للوجود مع الأطهار في السماء.
لذلك حينما نذكر السماء: إنما نضع في أذهاننا كيف نستعد لها. وكيف نسلك بالروح، ونتعلق بالأمور الروحية التي تقربنا إلى الله، ونجد لذة في الصلاة وفي التأمل وفي الحديث عن الإلهيات، وفي محبة الله وكل ما يوصلنا إليه.
وهكذا ندخل في مذاقة الملكوت ونحن على الأرض.
نذوق شيئًا -مهما كان ضيئلًا- من الجو الروحي الموجود في السماء، ونتمتع بالعشرة الإلهية خلال حياتنا الأرضية، ونذوق محبة الله، ونجد عمقًا في كلامه الإلهي يغذى أرواحنا. ونحيا تلك العبارة التي قالها الكتاب وهى "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا ترى، لأن الأشياء التي ترى وقتية. أما التي لا ترى فأبدية "(2 كو 4: 18).

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:09 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
تداريب الروح في المحبة




https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...okrator-38.jpg
نتدرب أيضًا كيف نغذى أرواحنا بمحبة الله.
ونغذيها أيضًا بكلمة الله، لأنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4: 4). ونغذيها بالحديث مع الله في الصلاة بعمق وحب، وفهم وروحانية. كما كان القديسون يصلون، فتسبح أرواحهم في كلمات الصلاة ويجدون فيها أعماقًا للتأمل. حتى أنهم من حلاوة كلام الصلاة في أفواههم، ما كانوا يستطيعون بسهولة أن ينتقلوا من كلمة إلى أخرى..
إن لم ندرب الروح على كل هذا، ماذا يكون مصيرها حينما تنتقل إلى السماء؟ كيف تحيا هناك وكيف تسلك؟!
نعم، إن كانت الروح مرتبطة بالجسد كل الارتباط، وكل متعتها في شهواته. فعندما تفارق الجسد، كيف تحصل على متعتها بعيدًا عنه إلى يوم القيامة؟ وماذا يكون عملها؟ إنه سؤال يحتاج إلى جواب..! والجواب الذي أعرفه، هو أنه يجب أن نتدرب ونحن هنا على متعة الروح. أي متعتها وهى قائمة بذاتها، وليس من خلال الجسد..
ومتعة الروح تجدها بلا شك في الروحيات في الله في التأمل في الإلهيات، في الغذاء الروحي كما قال الكتاب "اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية" (يو 6: 27). هل فكرتم يا أخوتي في طعام الروح وكيف يكون ومما يتكون؟
على قدر محبة الروح لله هنا، تكون متعته به في السماء.
ففي السماء لا يكون الجميع في درجة واحدة، ولا على مستوى واحد في المتعة الروحية. بل كما يقول الكتاب "لأن نجمًا يفوق نجمًا في المجد" (1 كو 15: 41). كل سكان السماء يتمتعون بالنعيم الأبدي. ولكن كل واحد منهم تكون له درجته الخاصة. مثل قوارير مختلفة الأحجام، وكلها ممتلئة لا تشعر واحدة منها بنقص. ولكن الكمية التي في واحدة، غير التي في الأخرى. في هذه أكثر من تلك بكثير. ولكن الكل ممتلئ.
يذكرني هذا برسالة أرسلها أحدهم برسالة أحدهم إلى شيخ روحاني يستأذنه فيها بلقاء قبل تدركه الوفاة، إذ كان ذلك الشيخ كهلًا وفي أيامه الأخيرة. فقال له رسالته "هنا يا أبى يمكنني أن أراك، قبل أن تغادر عالمنا، وتكون في درجة عالية في السماء ليس بإمكاني الاقتراب منها".

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:11 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
التعرف على القديسين والملائكة في السماء




https://st-takla.org/Gallery/var/resi...-Advent-04.jpg
ومع ذلك فإحدى المتع في السماء أن نتعرف على القديسين هناك. ولكن هل سنتعرف فقط على أشخاصهم، أم على أعمالهم أيضًا؟
هل سنتعرف على كل ما عملوه من خير في الخفاء زاهدين في مديح الناس؟ وهل سنتعرف على ما كان لهم من تأملات ومن أفكار روحية؟ وهل سنتعرف على كل الأنبياء والرسل بكل تفاصيل سير حياتهم التي لم يذكر التاريخ عنها شيئًا. وكذلك ما في السماء من الشهداء والرعاة وأبطال التاريخ والنساك والعباد وكل الذين عاشوا حياة مثالية من كل الشعوب..
لا شك أن معرفة كل هؤلاء متعة روحية في حد ذاتها، تضاف إليها متعة التعرف على الملائكة بكل درجاتهم.
ولكن كيف سنتعرف على الملائكة وطبيعتنا غير طبيعتهم؟
إنهم جميعًا أرواح قدسية (مز 104: 4) ونحن لا نراهم بحواسنا الجسدية. فكيف سنراهم إذن في الأبدية؟ هل ستقترب طبيعتنا من طبيعتهم، ونكون كملائكة الله في السماء، (مت 22: 30) نعم ، هذا سيحدث لنا جميعًا حينما تتجلى طبيعتنا البشرية في السماء. وتكون لنا أجساد روحانية، أسمى من المستوى المادي الذي نعيشه الآن.. أجساد تليق بالسماء وسموها وقدسيتها...

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:12 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
نوال إكليل البر في السماء

في السماء، سوف يمنح لنا الله أكليل البر، الذي وعدنا الكتاب به (2 تى 4: 6-8).
نكلل بالبر حينما ينزع الله من قلوبنا ومن أفكارنا ومن ذاكرتنا كل ما يتعلق بالخطيئة وشهواتها. مجرد معرفتها تزول من أذهاننا أنثى وكذلك كل ذكرياتها وأخبارها. ولا يبقى في ذاكرتنا سوى البر فقط.
ولسنا نعود فقط إلى بساطة وبراءة الإنسان الأول، بل إلى ما هو أسمى من ذلك بكثير.
حقًا كان أبونا آدموحواء حينما خلقهما الله في حالة بر عجيبة، في بساطة وبراءة، وكانا عريانين ولا يخجلان (تك 2: 25)، إذ لم يكن في ذهنهما أية معرفة عن الخطية ولا الشهوة.. ولكنهم مع ذلك كله كانت لهما حرية إرادة يمكن بها أن يسقطا، وقد كان..
ولكن أكليل البر في السماء سيشمل الإرادة كما يشمل المعرفة.
فلا يصبح بإمكاننا أن نخطئ فيما بعد. بل نكون كالملائكة الذين تكللوا قبلنا بالبرروما عاد ممكنًا أن يخطئوا. فالخطية لا تناسب السماء مطلقًا والحياة فيها.. ما أجمل هذا وما أروعه، أن تنتهي الخطية إلى الأبد. ليس فقط ينتهي ارتكابها، بل تنتهي معرفتها أيضًا..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:13 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
ليكن لنا فكرًا سماويًا خالصًا


https://images.chjoy.com//uploads/im...7e5178f79b.jpg
فلنتدرب أن تكون لنا أفكار سماوية خالصة، ولو يومًا واحدًا.
بحيث أن كل فكر أرضى أو مادي يزحف إلى أذهاننا، نطرحه جانبًا، ونتخلص منه. ونحيا خلال هذا اليوم مفكرين في السماويات: في الله وملائكته وفردوسه ووصاياه، وفي الحياة الأبدية..
حينئذ نعيش في هذا اليوم وكأننا في السماء، على الرغم من أننا على الأرض تكون السماء بمعناها الروحي قد هبطت إلينا..
ما دمنا لسنا الآن في وقت الذهاب إلى السماء، فعلى الأقل ليتنا نرسل إليها أفكارنا وتأملاتنا.. ولو بعض أفكارنا، ولو إلى يوم..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
كَنْز كنوز في السماء

تدريب آخر: هو أن نكنز لنا كنوزا في السماء.
كما قال السيد المسيح له المجد "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض، بل أكنزوا لكم كنوزًا في السماء" (مت 6: 19، 20).. عالمين أن كل شيء مادي نقدمه، سيتحول إلى شيء روحي في السماء. وسيعوضنا الله عن الفانيات بالباقيات، وعن الأرضيات بالسماويات..
فما الذي أرسلناه إلى السماء، لكي يسبقنا إلى هناك؟.. ما هو رصيد كل منا في حساب السماء؟

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:15 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
وجود الله عز وجل في السماء

فوق كل كما قلناه، وأعلى وأسمى من كل ما قلناه، هناك الله في السماء.
الله -تبارك أسمه- الذي سنعود إليه بعد غربة طويلة على الأرض. كيف سنلقاه وبأي وجه؟ وهل اعددنا قلوبنا لهذا اللقاء؟ وإن كنا قد أخطأنا، فهل اصطلحنا مع الله؟
وكيف ستكون علاقتنا به في الأبدية؟ هل سننسى كل شيء ونذكره؟ أترى سيكون الله هو متعتنا الوحيدة في السماء؟ وكيف سنعرفه؟ وكيف سيكشف لنا عن ذاته ما تحتمل طبيعتنا البشرية أن تعرفه؟
هنا ويصمت قلمي، لأن الموضوع أكبر من اللغة ومن الألفاظ، وأقوى من العقل ومن الفكر.
أترك هذا الذي لا أعرف، وأتكلم أخيرًا عما أعرف.
فأرجو لكم جميعًا حياة سعيدة وموفقة، وليحفظ الله كل الشعوب التي خلقها، والتي يرعاها بعنايته وكل عام وجميعكم بخير.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة هي لقاء عجيب



أبنائي وأخوتي الأحباء:
يسرني أن أهنئكم جميعًا بعيد قيامة السيد المسيح من بين الأموات. المسيح قام، وكانت قيامته عربونًا لقيامة الكل. فالبشر سوف لا تنتهي حياتهم بالموت، وإنما سيقومون لحياة أخرى. ويلذ للنفس أن تتأمل كثيرًا في هذه القيامة العامة، معاينتها عميقة جدًا، ولا تنضب..

القيامة هي لقاء عجيب 1 - إنها أولًا: لقاء صديقين متحدين:
هذان الصديقان عاشًا معًا العمر كله، منذ الولادة، بل وقبلها أيضًا، أثناء الحمل في بطن الأم، لم يفترقا لحظة واحدة، وأعنى بهما الجسد والروح. كل منهما طبيعة متميزة تمامًا:
الجسد طبيعة مادية، والروح طبيعة روحية، اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية، لا تستطيع أن تفصل بينهما فتقول هنا الجسد وهنا الروح. عاشا بهذه الوحدة العجيبة، التي يعبر فيها الجسد عن كل مشاعر الروح: إن فرحت الروح، يبتسم الجسد ويتهلل. وإن حزنت الروح، يظهر حزنها في عينيه.. وبعد عمر واحد، انفصل الاثنان بالموت. وأخيرًا يلتقيان في القيامة.. بعد غربة طويلة، ويتحدان مرة أخرى..!
ترى ما هي مشاعر الروح وهى تلتقي بجسدها، شريك العمر، ربما بعد آلاف أو مئات السنين، مثلما تلتقي أرواح آدمونوحوإبراهيم بأجسادها..!!
تلتقي الروح بجسدها، بعد أن رأته يتحول إلى حفنة تراب، ثم يعود، وفي صورة أبهى من الأول، بلا أي عيب، ولا نقص، حتى العيوب التي كانت فيه أثناء ذلك الزمان السحيق.. نعم، يقوم بلا عيب، لأن العيوب لا تتفق مع النعيم الأبدي (وأيضًا يعود وهو أكثر صداقة، فلا يختلف إطلاقًا في الحياة الأخرى مع الروح، إذ يقوم جسدًا روحانيًا).
2- اللقاء العجيب الثاني في القيامة، هو لقاء شعوب وأجناس التاريخ.
إنها قيامة عامة منذ آدم، تجتمع فيها كل الشعوب والأجناس، التي عاشت خلال أجيال وقرون، بكل ملاحهما ولغاتها، بكل أبطالها وقادتها. ألعلها تتعارف وتتفاهم؟! نعم، بلا شك. لأنه ستكون للكل لغة واحدة هي لغة الروح، أو لغة الملائكة حقًا ما أعجب هذا اللقاء! إنه قصة القصص، وحكاية دهور طويلة. وأجمل ما فيه موكب المنتصرين، الذين جاهدوا خلال حياتهم في العالم وغلبوا. انتصروا للحق والقيم. يلتقون ووراء كل منهم رواية روتها الأجيال.. ويعود العالم شعبًا واحدًا كما كان، قبل أن يفترق ويتشتت.
ترى كيف سيكون لقاء الشعوب التي كانت متصارعة من قبل؟ أترى تبدو أمامهم تافهة جدًا، تلك الأسباب التي دعتهم من قبل إلى الصراع؟!
3 – اللقاء الثالث العجيب، هو لقاء البشر والملائكة.
وهم طبيعة أخرى أسمى من طبيعتنا، ولكن اللقاء بهم إحدى متع الأبدية..
4- وأسمى من هذا كله بما لا يقاس: لقاؤنا مع الله..
التقاؤنا به -تبارك اسمه- هو النعيم الأبدي، ولا نعيم بدون الله.. هنا ويقف قلمي في صمت خاشع، لأني أمام أمر لا تستطيع الألفاظ أن تعبر عنه، لأنه فوق مستوى اللغة في التعبير، وفوق مستوى العقل في التفكير..
القيامة إذن هي لقاء عجيب..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:18 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة هي انتقال عجيب

1- هي انتقال من المحدود إلى اللامحدود.
انتقال من هذا العمر المحدود بأيام وسنين، إلى حياة غير محدودة، بل إلى مجال هو فوق الزمن. أترى هل توجد هناك أرض تدور حول نفسها وحول الشمس، وتترجم دوارتها إلى أيام وسنين؟! أم أننا سنرتفع فوق الزمن، بدخولنا في عالم آخر جديد..! مقاييس الزمن ستنتهي. لحظة واحدة في الأبدية، هي أطول وأعمق من حياة الأرض كلها.
2- القيامة أيضًا هي انتقال من المرئيات إلى ما لا يرى.
هي دخول فيما قال عنه الكتاب "ما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر على قلب بشر، ما أعده الله لمحبي اسمه القدوس". إنه دخول في عالم الأرواح، والتقاء مع الملائكة وهم أرواح لا ترى. مع أفراح لم تعرف من قبل في هذا العالم المادي المرئي. وهنا تكون القيامة سموًا فوق مرتبة ما تدركه الحواس، بارتفاع إلى ما لا تدركه سوى الروح.
3- هي إذن انتقال من عالم الحواس إلى عالم الروح.
أو هي اقتناء حواس روحية غير الحواس المادية الحالية، حواس ترى الروح والروحيات، وتبهر بها. وهنا أصمت مرة أخرى..
هنا نوع من التجلي للطبيعة البشرية.
تدرك فيه ما لم تدركه من قبل، وتكتسب خواصًا روحية لم تكن تمارسها قبلًا، وتصبح في القيامة في وضع تستطيع به أن ترى ما لا يرى، أو بعضًا منه، أو تتدرج في الرؤية، منتقلة من شبع روحي، إلى شبع أسمى وأسمى، في حياة التجلي..
4 – والقيامة هي انتقال من عالم الباطل إلى عالم الحق.
من عالم الفناء إلى عالم البقاء. من عالم كل ما فيه يبطل بعد حين، إلى عالم باق إذ ليس فيه بطلان. عالم كل ما فيه حق وثابت. انتهت منه الخطيئة، وأصبح كل ما فيه بر وفيه أيضًا ينتقل الإنسان من عشرة إلى عشرة، أنقى وأبقى وأصفى..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:19 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة معجزة متعددة الجوانب

1- إنها معجزة ممكنة:
هنا قدرة الله العجيبة! كيف يجمع الأجساد مرة أخرى بعد أن تحولت إلى تراب؟! أليس هو الذي خلقها من قبل من تراب، بل من عدم، فالتراب كان عدمًا قبل أن يكون ترابًا. والذي يتأمل القيامة من هذه الناحية، إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق، الذي يكفى أن يريد، فيكون كل ما يريد، حتى بدون أن يلفظ كلمة واحدة. إنها إرادته التي هي في جوهرها أمر فعال قادر على كل شيء..
نسمى القيامة إذن معجزة، ليس لأنها صعبة، وإنما لأن عقلنا يعجز عن إدراكها كيف تكون. وإن كان العقل يعجز عن الفهم، فالإيمان يستطيع بسهولة أن يفهم..
لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين.
الذي يؤمن بالله وقدرته، يستطيع أن يؤمن بالقيامة. والذي يؤمن بالله كخالق، يؤمن به أيضًا مقيما للموتى. أما الملحدون، فلا يصل إدراكهم إلى هذا المستوى. إنهم لا يؤمنون بالقيامة، منا لا يؤمنون بالروح، وخلودها، كما لا يؤمنون بالله نفسه..
2- القيامة معجزة ممكنة. وأيضًا هي معجزة لازمة، لجل العدو ولأجل التوازن:
إنها لازمة من أجل العدل. من أجل محاسبة كل إنسان على أفعاله التي عملها خلال حياته على الأرض، خيرًا كانت أم شرًا، فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر. ولو لم تكن قيامة، لتهالك الناس على الحياة الدنيا، وعاشوا في ملاذها وفسادها، غير عابئين بما يشعرون أن العدل لابد أن يأخذ مجراه في العالم الآخر.
وهذا الجزاء لابد أن يكون بعد القيامة واتحاد الأرواح بالأجساد.
لأنه ليس من العدل أن تجازى الروح وحدها، ويترك الجسد بلا جزاء على كل ما فعله في عصيان أو في طاعتها. إذن لابد أن يقوم الجسد، وتتحد به الروح، ويقف الاثنان معًا أمام الله. لأن كل أعمالهم على الأرض كانت معًا كشريكين ملتزمين..
والقيامة لازمة أيضًا من أجل التوازن.
ففي الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر ففيها الغنى والفقير، السعيد والتعيس، والمنعم والمعذب.. فإن لم تكن هناك مساواة على الأرض، فمن اللائق أن يوجد توازن في السماء. ومن لم ينل حقه على الأرض، يمكنه أن يناله بعد ذلك في السماء، ويعوضه الرب ما قد فاته في هذه الدنيا، إن كانت أعماله مرضية للرب. وقصة الغنى ولعازر في الإنجيل المقدس (لو 16) تقدم لنا الدليل الأكيد عن التوازن بين الحياة على الأرض والحياة في السماء.
3- القيامة أيضًا هي معجزة جميلة رائعة.
لأنها تقدم للعالم الآخر الحياة المثالية. فالإنسان المثالي الذي تحدث عنه الفلاسفة، والذي بحث عنه ديوجين ولم يجده، والذي فكر العلماء كيف يكون.. هذا الإنسان المثالي تقدمه لنا القيامة في العالم الآخر، في عالم ليست فيه خطيئة على الإطلاق، وليس فيها حزن ولا بكاء، ولا فساد ولا ظلم، ولا نقص ولا عيب.
إنها معجزة تقدمها القيامة، أو هي شهوة في حياة البر تتحقق بالقيامة.
4- ولذلك فالقيامة معجزة مفرحة.
مفرحة، لأن بها تكمل الحياة، وينتصر الإنسان على الموت، ويحيا إلى الأبد. إن الحياة الأبدية هي حلم للبشرية التي يهددها الموت بين لحظة وأخرى، والتي تحيا حياة قصيرة على الأرض، وعلى قصرها مملوءة بالمتاعب والضيقات. لذلك يكون فرح عظيم للإنسان أن يتخلص من التعب ومن الموت، ويحيا سعيدًا في النعيم الأبدي.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:21 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة تعزية ورمز




https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...rection-12.jpg
أبنائي وأخوتي الأحباء:
أهنئكم بعيد القيامة المجيد، راجيًا فيه لكم جميعًا مباركة سعيدة وراجيًا لبلادنا كل خير وسلام.
تكلمنا في كل عام من الأعوام السابقة عن جانب معين من جوانب القيامة وفاعليتها في حياتنا. ونتابع اليوم تأملاتنا فنقول:
1- إن كلمة القيامة كلمة جميلة، فيها تعزية للقلوب.
ولا شك أن قيامة المسيح كانت معزية لتلاميذه، وكانت لازمة لهم، لتثبيت إيمانهم. ولبناء الكنيسة.. وأتذكر إنني في هذا المعنى، كنت منذ أكثر من أربعين سنة ، قد كتبت قصيدة قلت في مطلعها:
قم حطم الشيطان لا تبق لدولته بقية
قد نفذ الأرواح من قبر الضلالة والخطية
قم روع الحراس وابهرهم بطلعتك البهية
قم قو إيمان الرعاة ولم أشتات الرعية
واكشف جراحك مقنعًا توما فريبته قوية
واغفر لبطرس ضعفه وامسح دموع المجدلية
وقد كان هذا، وفي قيامة السيد المسيح
عزى تلاميذه، وفرحوا بقيامته، وآمنوا بالقيامة، وبأنها ممكنة، وآمنوا أنهم أيضًا سيقومون بعد الموت، فمنحهم كل هذا عزاء في حياتهم وعدم خوف من الموت..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:23 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة كرمز



القيامة هي رمز للتوبة:
أو أن التوبة تشبه بالقيامة:
فنحن نعتبر أن الخطية هي حالة من الموت، وأقصد الموت الروحي. وقال القديس أوغسطينوس "إن موت الجسد، هو انفصال الجسد عن الروح، أما موت الروح، فهو انفصال الروح عن الله "فالله هو ينبوع الحياة، أو هو الحياة الكلية. كما قال في الإنجيل "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). "أنا هو القيامة والحياة" (يو 11: 25)
من يثبت في الله، يكون بالحقيقة حيًا. ومن ينفصل عن الله يعتبر ميتًا.
والخطيئة هي انفصال عن الله، لأنه لا شركة بين النور والظلمة" (2 كو 6: 14)
فالخاطئ إذن هو ميت روحيًا، مهما كانت له أنفاس تتحرك وقلب ينبض.. قد يكون جسده حيًا . ولكن روحه ميتة ميتة.. وهكذا في مثل الابن الضال، الذي شرد بعيدًا عن أبيه ثم عاد إليه، وقال عنه أبوه في هذه التوبة:
ابني هذا كان ميتًا فعاش. وكان ضالًا فوجد (لو 15: 24).

https://st-takla.org/Pix/Saints/01-Co...gustine-02.jpg
وقيل في الكتاب عن الأرملة المتنعمة إنها ماتت وهى حية" (1 تى 5: 6). وقال القديس بولس الرسول لأهل أفسس "إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلًا.. (اف 2: 1) وقال أيضًا "ونحن أموات بالخطايا، أحيانا مع المسيح.. وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات" (أف 2: 5). وقال السيد المسيح موبخًا راعى كنيسة ساردس:
"إن لك اسمًا إنك حي، وأنت ميت" (رؤ 3: 1).
فحياته الظاهرية حياة حقيقية، لأن الحياة الحقيقية هي الحياة مع الله، أو الحياة في الله، هي الحياة في الحق، وفي النور والبر. أما ذلك الخاطئ، فإن له اسمًا أنه حي، وهو ميت..
لذلك كنت أقول في معنى الحياة الحقيقية:
"أحقًا نحن أحياء..؟"
إن الحياة لا تقاس بالسنين والأيام، وإنما بالفترات الروحية الحلوة التي نقضيها مع الله.. هي وحدها التي تحسب لنا، والتي يقاس بها عمرنا الروحي، وبها يكون تقرير مصيرنا في القيامة. لذلك أيها الأخ بماذا تجيب حينما يسألك الملائكة كم هي أيام عمرك على الأرض؟ هل ستحسبها بالجسد أم بالروح؟..
ومع ذلك، فإن الخاطئ المعتبر ميتًا: إذا تاب تعتبر قيامة..
وعن هذا المعنى يقول القديس بولس الرسول للخاطئ الغافل عن نفس "استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضئ لك المسيح" (أف 5: 14). مشبهًا التوبة هنا، بأنها يقظة روحية، وأنها قيامة من الأموات..
وقد ذكر الإنجيل للسيد المسيح ثلاث معجزات أقام فيها أمواتًا. ويمكن اعتبار كل منها رمزًا لحالة من التوبة:
أقام ابنه يايرس وهى ميتة في بيت أبيها (مر 5). وأقام ابن أرملة نايين من نعشه في الطريق (لو 7) وأقام لعازر وهو مدفون في القبر من أربعة أيام.. وكانت كل إقامة هذه الأحداث الثلاثة تحمل رمزًا خاصًا في حالات التوبة.
أ‌-ابنه يايرس وهى في البيت، ترمز إلى الذي يخطئ وهو لا يزال في بيت الله، في الكنيسة، لم يخرج منها ولم يخرج عنها. ولذلك قال السيد عن ابنة يايرس "إنها لم تمت، ولكنها نائمة" (مر 5: 39). ولما أقامها أوصاهم أن يعطوها لتأكل (مر 5: 43). لأن هذه النفس تحتاج إلى غذاء روح يقويها، حتى لا تعود فتنام مرة أخرى.
ب – أما ابن أرملة نايين وهو ميت محمول في نعش.. فهذا ميت خرج من البيت ترك بيت الله، وأمه تبكى عليه، أي تبكى عليه الكنيسة أو جماعة المؤمنين. هذا أقامه المسيح، ثم "دفعه إلى أمه" (لو 7: 15). أرجعه إلى جماعة المؤمنين مرة أخرى..
ج – لعازر المدفون في القبر، يرمز إلى الحالات الميئوس منها:
حتى أن أخته مرثا لم تكن تتخيل مطلقًا أنه سيقوم. وقالت للسيد أنتن، لأنه له أربعة أيام "
(يو 11: 39). إنه يرمز للذين ماتوا بالخطية وتركوا بيت الله، بل تركوا الطريق كله، ومرت عليهم مدة طويلة في الضياع، ويئس من رجوعهم حتى أقرب الناس إليهم. ومع ذلك أقامه المسيح، وأمر أن يحلوه من الرِباطات التي حوله (يو 11: 44).
فمثل هذا الإنسان يحتاج أن يتخلص من رباطاته التي كانت له في القبر.
كل هذه أمثلة تدعونا إلى عدم اليأس من عودة الخاطئ، فلابد أن له قيامة..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:24 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
قم مثلما قام المسيح

إنني في مناسبة قيامة السيد المسيح، أقول لكل خاطئ يسعى إلى التوبة:
قام المسيح الحى هل مثل المسيح تراك قمت
أم لا تزال موسدًا في القبر ترقد حيث أنت
والحديث عن القيامة من الخطية، هو نفس الحديث عن القيامة من أية سقطة.
وقد يحتاج الأمر إلى دعوة للقيامة، أي إلى حافز خارجى.
مثال ذلك كرة تدحرجت من على جبل. تظل هذه الكرة تهوى من أسفل إلى أسفل، دون أن تملك ذاتها، أو تفكر في مصيرها. وتظل تهوى وتهوى تباعًا، إلى أن يعترض طريقها حجر كبير،فيوقفها، وكأنه يقول لها "إلى أين أنت تتدحرجين؟! وماذا بعد؟! "فتقف. إنها يقظة أو صحوة، بعد موت وضياع.. تشبه بالقيامة..
أو مثال ذلك أيضًا فكر يسرح فيما لا يليق..
كإنسان يسرح في فكر غضب أو انتقام، أو في خطة يدبرها، أو في شهوة يريد تحقيقها، أو في حلم من أحلام اليقظة. ويظل ساهمًا في سرحانه، إلى أن يوقفه غيره، فيستيقظ إلى نفسه، ويتوقف عن الفكر. إنها يقظة أو صحوة، أو قيامة من سقطة.
3 – هناك أيضًا القيامة من ورطة، أو من ضيقة.
قد يقع الإنسان في مشكلة عائلية أو اجتماعية يرزح تحتها زمنًا، أو في مشكلة مالية أو اقتصادية لا يجد لها حلًا. أو تضغط عليه عادة معينة لا يملك الفكاك من سيطرتها. أو تملك عليه جماعة معينة أو ضغوط خارجية، لا يشعر معها بحريته ولا بشخصيته، ولا بأنه يملك إرادة أو رأيًا..
وفى كل تلك الحالات يشعر بالضياع، وكأنه في موت، يريد أن يلتقط أنفاسه ولا يستطيع.. إلى أن فتقده عناية الله روترسل له من ينقذه، فيتخلص من الضيقة التي كان فيها. ولسان حاله يقول:
" كأنه قد كتب لي عمر جديد". أليست هذه قيامة؟ إنها حقًا كذلك.

4 – القيامة هي حياة من جديد. ما يسمونه بالإنجليزية Revival.
حياة جديدة يحياها إنسان، أو تحياها أمة أو دولة، أو أية هيئة من الهيئات.. أو يحياها شعب بعد ثورة من الثورات التي تغير مصيره إلى أفضل، وتحوله إلى حياة ثانية، حياة من نوع جديد. فيشعر أن حياته السابقة كانت موتًا، وأنه عاد يبدأ الحياة من جديد..
ويود أن حياته السابقة لا تحسب عليه. إنما تحسب حياته من الآن.
هذه القيامة رأيناها في حياة الأفراد، ورأيناها في حياة الأمم: رأيناها في أوروبا بعد عصر النهضة والانقلاب الصناعي، ورأيناها في فرنسا بعد الثورة الفرنسية المعروفة. ورأيناها في روسيا بع إللان البروستوكيا. ورأيناها أيضًا في الهند على يد غاندي، وأيضًا في كل دولة تخلصت من الاستعمار أو الاختلال أو الانتداب..
ورأيناها في مصر، مرة بعد التخلص من حكم المماليك، ومرة أخرى بعد ثورة سنة 1919، ومرة ثالثة بعد ثورة سنة 1952. كما رأيناها كذلك في الثورة الاقتصادية أو في النهضة الاقتصادية التي قادها طلعت حرب...
إن القيامة يا أخوتي، ليست هي مجرد قيامة الجسد. إنما هناك حالات أخرى كثيرة توحي بها القيامة، أو تكون القيامة رمزًا لها.. وتبدو فيها سمات حياة أخرى.
5- ونحن نرجو من الله أن يجعل سمات القيامة في حياتنا باستمرار.
عمليات تجديد وحياة أخرى، تسرى في دمائنا أفرادًا وهيئات.. كما قال الكتاب عن عمل الله في الإنسان إنه "يجدد مثل النسر شبابه" (مز 103). وأيضًا كما قيل في نبوة إشعياء "وأما منتظرو الرب، فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون" (أش 40:31)
إلهنا الصالح، نسأله في روح القيامة، أن يهبكم جميعًا قوة في حياتكم، ونسأله أن تحيا بلادنا حياة متجددة باستمرار، فيها الصحوة وفيها النهضة وفيها روح القيامة، في عزة وفي مجد وفي قوة.
وأمنياتي لكم جميعًا بالسعادة والبركة وكل عام وجميعكم بخير.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:27 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة تعلن أنه قد مات الموت، وانفتح الطريق إلى الأبدية بأفراحها

أهنئكم يا أبنائي وأخوتي الأحباء بعد القيامة المجيد، راجيًا لكم حياة سعيدة مباركة، ثابتة في الله ومحبته. وراجيًا للعالم كله سلامًا وهدوءًا وحلًا للمشاكل الإقليمية والمحلية.. وما أجمل أن ننتهز مناسبة هذا العيد، لكي نتأمل في القيامة: ما هي؟ وما بعدها؟
القيامة هي انتصار على الموت الذي ساد على جميع البشر.
بل هي نهاية للموت كما قال الكتاب "آخر عدو يبطل هو الموت" (1كو 15: 26). فيها تهتف قلوب الجميع: لقد مات إلى الأبد. وانفتح أمام البشرية طريق الأبدية السعيدة، بكل ما فيها من أفراح ومتعة روحية...
الموت الذي انتصر على كل إنسان، سوف تنتصر عليه القيامة العامة. ولا يوجد فيما بعد، سيغنى الجميع قائلين: لقد مات الموت.
وما أجمل ما قيل عن ذلك في سفر الرؤيا "والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد. لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ 21: 24).
وقد يقول البعض إن القيامة هي عودة الإنسان إلى الحياة. وفي الواقع إن هذا التعبير غير دقيق.
فالإنسان يتكون من عنصرين: أحدهما حي بطبيعته وهو الروح. والعنصر الآخر قابل للموت والتحلل وهو الجسد. وعندما يموت الإنسان، إنما يموت جسده ويعود إلى التراب كما كان (جا 12: 7) وتعود روحه إلى الله، وتبقى حية في مكان الانتظار إلى يوم القيامة، حين تعود إلى الجسد المقام.
ولأن روح الإنسان تبقى حية بعد موته، تكون لنا صلة بأرواح القديسين في العالم الآخر، نطلب صلواتهم من أجلنا. كما يحدث أحيانًا أن الله – تبارك اسمه. يرسل بعض هذه الأرواح إلى عالمنا، لتبليغ رسالة أو لإجراء معجزة.. ولأن روح الإنسان لا تموت بموته، لذل نقول لك في صلواتنا".. ليس موت لعبيدك، بل هو انتقال". ونقصد انتقال الروح إلى العالم الآخر.

بالقيامة ينتهي تاريخ الموت إلى الأبد، ولا يكون له فيما بعد سلطان على الناس.
فأجساد القيامة ستكون أجسادًا روحية لا يقوى عليها الموت.
كما أن الموت كان في الحياة قبل القيامة، هو عقوبة الخطية منذ أيام أبينا آدم وبعد القيامة لا تكون هناك خطية، ولا يكون هناك موت.
الأبدية -بعيد القيامة- هي موطن الحياة الدائمة. لذلك قيل عن الأبرار إنهم يحيون إلى الأبد، أو تكون لهم حياة الأبدية" (دا 12: 2)
وقيل "يمضى الأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46).
وهناك نوع آخر من الموت سينتهي، هو موت الخطية.
فالخطية تعتبر حالة موت، موت روحي، لأنها انفصال عن الله الذي هو مصدر الحياة الحقيقية (يو 1: 4) (يو 14: 6)
ولذلك حسنًا قال الرب لراعى ساردس المخطئ "إن لك اسمًا أنك حي، وأنت ميت!" (رؤ 3: 1) وقال الأب عن توبة ابنه الخاطئ "ابني هذا كان ميتًا فعاش" (لو 15: 24) فما دامت الخطية هي حالة موت أدبي وروحي، وفي الأبدية لا تكون خطية، إذن سوف يزول هذا الموت بعد القيامة، ولا يكون له وجود في عالم الأبرار..
والقيامة هي لون من التجلي للطبيعة البشرية. ويشمل ذلك التجلي الجسد والروح كليهما معًا.
فنقوم بأجساد روحانية نورانية سماوية، غير قابلة للفساد (1 كو 15: 42-49). فهي غير قابلة للتحلل ولا للموت. أجساد لا تمرض ولا تتعب، ولا تشكو ألمًا ولا وجعًا. ولا تتعبها شهوة ولا غريزة. ولا تنتقلها المادة، بل تكون خفيفة في كل تحركاتها وتنقلاتها.
نقوم أيضًا بأجساد لا عيب فيها ولا نقص. فالأعمى لا يقوم أعمى، بل يعود إليه البصر. والضعيف لا يقوم ضعيفًا، بل يمنحه الله قوة. والمشوه وغير الجميل، لا يقوم هكذا. بل يلبس في القيامة جمالًا وبهاء.. ففي القيامة يعوض الله الإنسان على كل نقص قاسى منه في هذا العالم الحاضر. ويعطيه أن يقوم بجسد ممجد، "على صورة جسد مجده" (فى 3: 21).
وهكذا الروح أيضًا، سوف تتجلى بالنقاء والصفاء والبساطة.
تتجلى بنقاء أكثر مما كان لآدم وحواء قبل السقوط، حينما كانا في الجنة عريانين ولا يخجلان (تك 2: 25) إذ كانا في براءة عجيبة لا تعرف الخطية. ولكن طبيعتهما مع ذلك كانت تحتمل الخطأ، وفعلًا أخطأ الاثنان.
أما في الأبدية فسوف توجد براءة غير قابلة للسقوط. وتزول من الذهن كل معرفة الخطية. بل تنتهي الخطية إلى الأبد.. وهذا هو الذي قصده القديس بولس الرسول بقوله "وأخيرًا وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تى 4: 8).
إذن تجلى الأرواح في الأبدية هو أن تتكل بالبر، وتصير كملائكة الله في السماء (مت 22: 30).
براءة كاملة لا تعرف الخطية، ولا تشتهيها، ولا تجول في ذهنها إطلاقًا. وذلك بأن ينسى الإنسان نسيانًا كاملًا كل ما كان في العالم من خطيئة ومن شر، أثناء حياته فيه. وهكذا يتنقى القلب والفكر تمامًا. ويعيش الكل في حياة روحية، لهم البصيرة الروحية ولهم الحس الروحي.
وليسوا فقط يتنقون من الخطأ. وإنما أيضًا من الناحية الإيجابية تكون لهم ثمار الروح، التي شرحها الكتاب بقوله "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام.. لطف صلاح إيمان.." (غل 5: 22، 23).
يزول تمامًا الصراع الذي كان في العالم، سواء الذي بين الناس، أو الذي كان بين الروح والجسد.
حينما كان "الجسد يشتهى ضد الروح، والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غل 5: 17).. إذ يصبح الجسد والروح في الأبدية، في خط واحد ومسيرة واحدة، لا تناقض بينهما ولا صراع..
كما تزول الخصومات والمشاكل والمتاعب.. ويعيش الناس في عالم حب وتفاهم. ويكون للكل لغة واحدة يتفاهمون بها معًا، لعلها لغة الروح. وفي حديثهم وتسبيحهم يكون لهم لسان واحد وفهم واحد..
وتزول الثنائية التي عاش فيها الإنسان بعد الخطيئة.
ثنائية الحق والباطل، والحلال والحرام، والصواب والخطأ.. لأنه سوف لا يكون في الأبدية بعد القيامة سوى الحق فقط. ولا يكون مجال للاختيار بين طريقتين. فليس سوى طريق واحد يسير فيه الجميع ولا يعرفون غيره..
وبعد القيامة يعيش الأبرار في فرح دائم، نسميه النعيم الأبدي.
فما هي ألوان هذا الفرح الذي يتمتع به الأبرار.
·أولا فرح الدخول إلى ملكوت السموات. فرح الانتصار على العالم وعلى الخطية والشيطان. هذا الانتصار الذي يؤهل الروح إلى الدخول في الملكوت. ذلك لأن ملكوت الله لا يدخله إلا الغالبون المنتصرون، الذين استطاعوا خلال فترة عمرهم على الأرض، أن ينجحوا في كل الحروب الروحية، ويظهروا أن محبتهم لله كانت فوق كل إغراء وكل شهوة أخرى. فاجتازوا فترة اختبارهم بسلام.
يفرحون في الأبدية أيضًا بعشرة الملائكة والقديسين.
إنها متعة عظيمة بلا شك أن يتعرف الإنسان في الأبدية على كل الأنبياء والرسل الذين وردت أسماؤهم في الكتب المقدسة، أن تعرف على كل الشهداء في كافة عصور التاريخ، وتعرف على كل الآباء القديسين، وكل الرعاة الصالحين، وكل الذين اتصفوا بفضائل عميقة ميزت حياة كل منهم عن غيرها. كما يتعرف أيضًا على كل أبطال التاريخ الذين عاشوا حياة صالحة، وكل الشخصيات البارزة قرأ عنها من قبل في الكتب، وكانت مقبولة أمام الله..
معرفة كل هؤلاء وأمثالهم تملأ القلب فرحًا. أما معاشرتهم والحياة معهم والصلة بهم، فهذه متعة أعمق.
هؤلاء الأبرار يمثلون ما يقول عنه الكتاب "كورة الأحياء" (مز 27: 13)، أي الذين في الحياة الحقيقية الدائمة التي لا خوف عليها من موت فيما بعد..
على أن المتعة في النعيم الأبدي، لابد أن تتفاوت في الدرجة.
الكل يكونون في فرح وفي مجد، ولكن ليس الكل في درجة واحدة. وكما قال الكتاب عن ذلك "لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41). إن الله في الأبدية سيكافئ كل واحد حسب أعماله (رؤ 22: 12).
أو كما قيل "لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2 كو 5: 10). ولا شك أن أعمال الناس تختلف في الدرجة وفي النوع والعمق ومقدار الروحانية، ومقدار المحبة نحو الله.. فعلى حسب جهاد الإنسان على الأرض، تكون مكافأته في السماء، ويكون نوع إكليله في الملكوت..
وحتى الأقل درجة في السماء، لا يشعرون بنقص.
لأن الشعور بالنقص يجلب الحزن. والحزن لا يتفق مع النعيم الأبدي.. ‍! يمكننا تشبيه الأمر بعدد كبير من الأواني منها الكبير ومنها الصغير، والكبير جدًا، والصغير جدًا، والمتوسط. وكلها ممتلئة. أصغر واحدة فيها لا ينقصها شيء..
هكذا الأبرار في الأبدية. كلهم ممتلئون فرحًا، لا يشعر أحد منهم بنقص. وكل منهم في مجد، يشعر بالمكافأة. ولكن درجة الواحد غير درجة الآخر.
مثال آخر: لنفرض أن جماعة من الرفاق والأقارب، ذهبوا للقاء إنسان عزيز عليهم جدًا قد عاد من غياب طويل في سفر. الكل يحبونه، والكل مشتاق إليه، والكل في فرح بعودته. ولكن فرح كل منهم تكون درجته بحسب ما في قلبه من حب وشوق. وقد تتفاوت درجة حبهم، ولكن الكل شعر بالفرح.
إننا نفرح بالقيامة، لأنه فرح بالخلود، وبالنعيم. ولكننا لا نستطيع أن نصف تمامًا كنه هذا الفرح.
اللغة قاصرة عن التعبير، والفهم أيضًا قاصر، والخبرة غير موجودة لأن ساعتها لم تأت بعد. ويكفينا ما قاله الكتاب عن النعيم الأبدي: "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو 2: 9).. مهما يخطر على فكرك من أوصاف، لا يمكن أن تعبر عن الحقيقة، لأن ما أعده الله للأبرار "لم يخطر على بال إنسان".
ولعل في قمة متع الأبدية: معرفتنا لله.
الآن "تعرف بعض المعرفة" (1 كو 13: 12). ولكن معرفتنا هذه تعتبر كلا شيء بالنسبة إلى الله غير المحدود. ولذلك قيل في الإنجيل المقدس "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك.." (يو 17: 3).. كل يوم يمر علينا في الأبدية، سنعرف فيه شيئًا جديدًا عن الله، يبهر عقولنا ويشبع قلوبنا. ونقف في دهش وذهول، ونقول: كفانا كفانا . نحتاج إلى زمن حتى نستوعب هذا الذي كشفه الرب لنا عن ذاته.
ثم يوسع الله عقولنا وقلوبنا لنعرف أكثر، على قدر ما تحتمل طبيعتنا البرية. ومع كل ذلك تبقى طبيعتنا محدودة، تحاول الاقتراب من الله غير المحدود، لتعرف وتبتهج بالمعرفة..
حقًا متى نصير من العارفين بالله؟!.. يقول الكتاب "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك.." (يو 17: 3).
هنا وأقول: إن المتعة في الأبدية ستكون في نمو مستمر، وتعدد..
لأنه لو وقف نمو متعتنا، أو تنوعها، قد تتحول مشاعرنا إلى روتين أو إلى جمود.. ولكن مخازن الله مملوءة خيرات، ومنابعه لا تنضب.. وكل متعة سوف نتمتع بها ستكون في الأبدية مثل نقطة في محيط..
يكفى الشبع الروحي، والشبع بالله نفسه، هذا الذي سنكون في دوام الشوق والحرقة إليه. وكما قال السيد المسيح له المجد "طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون" (مت 5: 6) ومهما أشبعنا الله، سيبقى شوقنا إليه قائمًا.. إلى متى؟ إنها الأبدية..
إن كانت الأبدية هكذا، فما هو استعدادنا لها؟
ليتنا نضع القيامة الأبدية أمامنا في كل حين، ونعمل لملاقاتها.
نعمل بالإيمان بالله، وبنقاوة القلب، وبنمو محبتنا لله، وصفاء معاملاتنا مع الناس. ونعمل للأبدية بعمل الخير كل حين، على قدر ما نستطيع من قوة وعلى قدر ما ننال من النعمة.
لئلا مع وجود الأبدية والنعيم، يوجد إنسان محرومًا منهما..
آباؤنا الذين التصقت قلوبهم بالأبدية، حسبوا أنفسهم غرباء على الأرض (عب 11: 13)، مشتاقين باستمرار إلى السماء، يعملون من أجل استحقاق الوجود في عشرة الله والملائكة والقديسين.

أرجو لكم يا أخوتي جميعًا حياة سعيدة على الأرض، وعملًا دائمًا من أجل الأبدية..
وليتنا ننتهز هذه الفرصة لنصلى من أجل عالمنا أن يسوده السلام وتسوده معرفة الله. في كل مكان..
إلهنا الصالح قادر أن يتولى بعنايته هذا العالم المضطرب، ويمنح معونة وحكمة من عنده.. وكل عام وأنتم بخير.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:28 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
القيامة تتبعها الدينونة وساعة الحساب والثواب والعقاب



أهنئكم يا أخوتي وأبنائي جميعًا بعيد القيامة، راجيًا من الله أن يعيده عليكم بالخير والبركة، وأن يعيده على بلادنا المحبوبة وهى في سلام ورخاء.
وأتابع معكم في هذه المناسبة السعيدة أحاديثنا عن القيامة العامة..
فأقول إن القيامة تتبعها الدينونة العامة. فالإنسان لا ينال جزاءه بعد الموت مباشرة، لأن الجسد يكون وقتذاك في القبر، ويتحول بالوقت إلى تراب.
ولكن في القيامة، حينما يقوم الجسد وتتحد به الروح، يمكن حينئذ أن يبدأ الحساب للإنسان بكامل تكوينه جسدًا وروحًا. وذلك لأن ما فعله الإنسان من خير وشر، اشترك فيه الجسد والروح معًا. فيلزم إذن محاسبة الاثنين معًا: ينالان المكافأة معًا، أو يتحملان العقوبة معًا.

https://st-takla.org/Pix/Ethiopia/Nor...Church-024.jpg
وهكذا شاء الله أن يكون الحساب أو الدينونة بعد القيامة العامة، حينما تتحد الأرواح بالأجساد، ويكون الحساب أيضًا لكل البشر معًا.
كل شيء مسجل أمام الله، وسوف يعلن في يوم الحساب، وسوف يعرف من الكل.. كل أفعال الناس، وكل أفكارهم وأقوالهم ونياتهم وأحاسيسهم، الخفيات والظاهرات. ولذلك صدق ذلك الأديب الروحي الذي قال "فكر كما لو كانت أفكارك مكتوبة على سحاب السماء بحروف من نور، وإنها كذلك.."
الناس حينما يموتون، يتركون أموالهم وأملاكهم، وأقاربهم ومعارفهم. ويفارقون الكل. ولكن الشيء الذي لا يفارقهم هو أعملهم. لأن أعمالهم تتبعهم.
تلصق بهم كل أخطائهم، بكل صورها، وكل تفاصيلها، وكل بشاعتها، فتقلق قلوبهم، وتتعب أفكارهم.. وفي يوم الدينونة العامة يجدون كل ذلك أمامهم. فيكونون مدانين أمام أنفسهم، لا ينفعهم عذر ولا تبرير.
لا يمحو هذه الخطايا والآثام سوى التوبة الصادقة الحقيقية.
فالخطأ الذي تاب عنه الإنسان توبة قلبية بغير رجعة، هذا تدركه مراحم الله الواسعة ومغفرته للتائبين.
والتوبة الحقيقية ليست مجرد ترك الخطية. فقط يتركها الإنسان من حيث الفعل والممارسة، ولكن يستمر يشتهيها في قلبه، ويقبلها في فكره. أما التوبة الحقيقية فهي كراهية الخطية قلبًا وفعلًا..
بكراهية الخطية وعدم اقترافها، يستحق الإنسان المغفرة، ولا تحسب عليه خطاياه في يوم الدين.
ويبقى للتوبة شرط آخر، وهو معالجة نتائج الخطايا.
فمثلًا لا يقل الظالم "لقد تبت، وما عدت أظلم أحدًا، بل صرت أكره الظلم "هذا لا يكفى، لأنه خاص فقط بالحاضر والمستقبل. ولكن ماذا عن الماضي، وعن حال المظلومين الذين لا يزالون يقاسون من نتائج ظلمه؟! عليه أن يعالج هذه النتائج بكل ما يستطيع من قدرة وإن كان قد سرق من أحد شيئًا، عليه أن يرده إلى صاحبه. وإن كان قد أساء إلى سمعة إنسان، عليه أن يصلح ذلك ويرد إليه اعتباره.
هنا يقف أمامنا سؤال قد يكون محيرًا، وهو: ماذا عن القاتل، وهو لا يستطيع أن يصلح ما فعله؟
والجواب هو أنه إذا أخذ عقوبة على الأرض، وقبلها برضى وبشعور أنه مستحق للعقوبة.. فإنه يستريح من عقوبة في يوم الدينونة الرهيب..
الإنسان في يوم الدينونة ينال عقوبة على الخطايا التي لم يتب عنها، والخطايا التي لم ينل عنها عقوبة على الأرض.
إما لأنها كانت خطايا في الخفاء لم يعرفها أحد عنه، أو لم تثبت أدلة عليه، أو أمسك فيها أحد غيره ظلمًا. وفي هذه الحالة يعاقبه الله على خطيئتين: الخطيئة التي ارتكبها، يضاف إليها تركه لغيره يعاقب ظلم على ما اقترفه هو من إثم، دون أن ينقذه باعترافه. ومن الخطايا الخفية أيضًا: النيات والأفكار والمشاعر. وهذه كلها ينبغي أن تدركها التوبة لتمحوها، مع الجهاد الروحي لتنقية القلب والفكر.
ومن الخطايا التي تتعب الإنسان أيضًا في يوم الحساب، وهنا أيضًا على الأرض، أن يوقع غيره في خطية، ويتسبب في إفساده. ثم يتوب هو، ويبقى هذا الغير في الخطيئة والفساد، دون أن يقدر على إرجاعه!!
وفى يوم الحساب، لا يعاقب الإنسان فقط على ما فعله من شر، وإنما أيضًا على ما كان بإمكانه أن يفعله من الخير ولم يفعله..
والكتاب المقدس يقول في ذلك "من عرف أن يعمل حسنًا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع 4: 17) بل من الخطايا أيضًا: تأخير عمل الخير، أو تأخير أعطاء الحقوق لأصحابها. ومن وصايا الكتاب في هذا الشأن:
"لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (ام 3: 27، 28).

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:29 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
حاسب نفسك، فالله رحيم وعادلٌ أيضًا



لذلك كله ولغيره، على الإنسان أن يحاسب نفسه بكل دقة، قبل أن يدركه يوم الحساب وهو غافل عن نفسه...
وصدق ذلك القديس الذي قال لأحد الخطاة: "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يُحْكَم عليك"
ينبغى إن أن يتدرب كل إنسان على محاسبة النفس، وأن يدين نفسه، على أخطائها، ويحاول أن يصلح ذاته. فالفرصة لا تزال قائمة، والتوبة بإمكانه، قبل أن يغلق باب التوبة بالموت، ويقف في ذلك اليوم الرهيب مدانًا أمام الله. وصدق ذلك الشاعر الذي قال:
قبورنا تبنى ونحن ما تبنا
وفى محاسبة الإنسان لنفسه، عليه أن يلتفت إلى الخطايا المركبة والخطايا الأصلية.

https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...okrator-02.jpg
وأعنى بالخطايا المركبة، تلك التي تحوى مجموعة كبيرة من الخطايا، بينما نلقى عليها اسمًا واحدًا.. كما توجد أيضًا خطايا أمهات، تلد كل منها عددًا كبيرًا من الخطايا.
فلا نستهن بالمرة، ونظن أننا قد ارتكبنا شيئًا بسيطًا!!
كذلك لا ننسى الخطايا الأصلية. فغالبية خطايا اللسان وخطايا الحواس، يكون سببها خطية أصلية موجودة في القلب..
فالذي ينظر نظرة حسد، أو نظرة شهوة، أو نظرة حقد، وما أشبه، ليست كل هذه مجرد خطية نظر، وإنما الحسد والشهوة والحقد وغير ذلك، موجود كله في القلب قبل أن يظهر في العين. فخطية القلب هي الخطيئة الأصلية. وخطيئة النظر هي الخطية اللاحقة، أو الثانية في الترتيب. وهكذا عليه أن يطهر قلبه أولًا، فتتطهر حواسه تلقائيًا..
كذلك الذي يوجه إلى غيره كلمة قاسية، القسوة موجودة في قلبه أصلًا، قبل أن تكون خطية لسان، عليه أن يتوب عن كلتيهما..
الإنسان الدقيق في محاسبة نفسه، يمكنه التخلص من نقائصه وخطاياه. وهكذا يقف أمام الله طاهرًا في يوم القيامة، لا يبكته ضميره على شيء.. والإنسان الروحى لا يتساهل مع نفسه، ولا يغطى خطاياه بالتبريرات والأعذار. لأن الذي يبرر نفسه على الأرض، سيكون مكشوفًا تمامًا أمام الله في يوم الحساب، حيث يستند كل فم، ولا تنفع الأعذار..
تقول عن الله رحيم، فأقول لك وهو أيضًا عادل.
رحمة الله سوف تدرك التائبين فيغفر لهم. وعدل الله لابد أن يلاحق المستهترين، الذي يستغلون رحمة الله ومغفرته، للتمادي في خطاياهم وشرورهم، وعصيانهم لله أولئك الذين لم يجعلوا الله أمامهم!
يوم الحساب إذن هو يوم العدل الإلهي، الذي فيه سيجازى كل واحد بحسب أعماله مكافأتهم على برهم وحرصهم وطاعتهم.
هؤلاء الأبرار سيكافئهم الله على كل شيء، ليس فقط عن الأعمال العظيمة التي عملوها، بل حتى لي خير مهما بدا أمامهم ضئيلًا...
يكافئهم ليس فقط على أعمال الرحمة الكبيرة، وإنقاذ غيرهم من المشاكل والورطات، إنما ينالون ثوابًا حتى على كلمة التشجيع ليائس، وبسمة الحنان الصغار النفوس، وزيارة لمريض، ونظرة حب لطفل.
وسوف يعوضهم الله عن كل خير عملوه، ولم ينالوا عنه جزاء على الأرض.
إما بسبب ظلم أو جاهل أو إهمال، أو بسبب أنهم أخفوا فضائلهم عن الناس، حتى لا يستوفوا خيراتهم على الأرض، بل نالوا جزاءهم كاملًا من يد الله يعرف الخفيات..
بل إنهم ينالون مكافأة عن الخير الذين أرادوا أن يفعلوه، ولم يستطيعوا لأسباب خارجة عن إرادتهم.
وكل تعب احتملوه على الأرض، من أجل محبتهم لله ومحبتهم للناس، سيكون سبب راحة أبدية لهم
ستتبعهم في يوم الحساب أعمال برهم، وتكون شاهدة لهم أمام الله فطوبى لمن يتعب الآن في عمل الخير، وفي خدمة الغير، لكي يستريح في ذلك اليوم، وينال أجره بحسب تعبه (1كو 3: 8) في النعيم الأبدي..
ليتنا نضع يوم القيامة والحساب أمام أعيننا باستمرار، حتى نسلك بحرص أمام الله، وحتى نقف أمامه في يوم الدين، دون أن تبكتنا ضمائرنا.
وليتنا نبذل كل جهد وتعب من أجل راحة الآخرين، سواء في محيط الأسرة أو المجتمع أو الوطن أو البشرية جمعاء، حبًا للكل، وليس لمجرد الجزاء. وهذا الحب سيقف إلى جوارنا في اليوم الأخير.
ولن يدخل ملكوت الله في ذلك اليوم، إلا القلوب العامرة بالحب، لن يدخله إلا الذين أحبوا الله، وأحبوا الخير، وأحبوا الغير..
بهذا الحب نصلى جميعًا من أجل بلادنا، ومن أجل أمنها وسلامتها، ومن أجل البلاد التي تسودها الحروب أو النزاعات الداخلية، لكي يمنح الرب سلامًا للعالم. ولكي يعطى الرب الغذاء للبلاد التي تسودها المجاعات، ويمنح النقاوة والتوبة للمجتمعات التي يسودها الفساد. ونطلب أن يبارك الرب كل من يعمل خيرًا فيعم الخير كل مكان. وكل عام وجميعكم بخير..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:30 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
تأملات في أهمية القيامة: الحياة والخلود



مبارك هو الله الذي منحنا الوجود إذ لم تكن، وميزنا عن باقي الكائنات بالعقل والنطق.
وأعطانا الله الحياة. وهى سر يغوص الناس في أعماقه، ولا يصلون إلى مكنوناته.
وأعطى الله الحياة لكائنات حية عديدة جدًا تعيش معنا على هذا الكوكب، من طيوروحيوانات وحشرات وهوام وأسماك، كل منها له طبيعته.. ولكن الحياة في الإنسان تميزت بميزة أسمى من كل تلك الكائنات.. تميزت بالروح التي تختلف عن أنفس الحيوانات..
فتلك الكائنات الحية معنا حياة. أما نحن فلنا حياة، وحياة أخرى. إذ أعطانا الله حين خلقنا أرواحًا خالدة..

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...e-With-God.jpg
الخلود عطية عجيبة وعميقة جدًا، منحها الله للبشرية. فكان إذن من أهم عطاياه لنا: الوجود، والحياة، والخلود. مع سمو في كل من هذه الأمور الثلاثة، نتفوق فيها على كل المخلوقات الأرضية. يضيف لها الله مجموعة من المواهب والقدرات، تتنوع من إنسان لآخر، حسبما قسم الله لكل واحد كما شاءت مواهبه الإلهية (1 كو 12: 11).
خروج الحياة من الإنسان سر لا ندريه. ورجوع الحياة إليه سر أعظم..
كل ما ندريه عن خروج الحياة من الإنسان هو بعض مظاهر خارجية، مثل توقف المخ، وتوقف القلب، وتوقف النفس، وتوقف النبض، وتوقف الحرارة، وتوقف الحس، وبالتالي توقف كل أجهزة الجسد.
أما خروج الروح من الجسد، فهو سر. كيف يحدث، ومتى؟ وما تحيط به من مشاعر وأحاسيس، أو من مناظر. وما يتبع ذلك، ومسيرة الروح.. كل هذه أسرار.. حتى الذين عادوا إلى الحياة، وأقامهم الأنبياء في العهد القديم، أو أقامهم السيد المسيح له المجد، لم يخبرونا بما حدث لهم، وكيف خرجت منهم الحياة، وكيف عادت إليهم، وكيف كانوا بين الحالين؟!.. كل ذلك بقى سرًا مختومًا عليه بسبعة ختوم.
كل ما نستطيعه، هو أن نشكر الله لأنه وعد أن يعطينا حياة أخرى..
إنها حياة بعد الموت، ننالها في القيامة العامة، التي تقوم فيها جميع البشر. ترجع الأرواح إلى أجسادها فتقوم، لتقف في يوم الدينونة العظيم، الذي فيه يجازى الله كل نفس بما عملت. وينال كل واحد منا حسبما صنع بالجسد كان أم شرًا (2 كو 5: 10).
ولكن كيف تعود الأرواح إلى الأجساد؟ هنا نقف بالإيمان أمام قدرة الله القادر على كل شيء.
الله الذي خلق الكون كله من العدم، أتكون القيامة صعبة عليه؟ حاشا..
القيامة تعطينا إذن فكرة عن قدرة الله.
الله القوى المتناهي في قوته، الذي يستطيع أن يعيد هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحلل وبعد أن نتحول إلى تراب..
ويعيدها في نوع من التجلي، أجسادًا روحانية، سماوية، نورانية (1 كو 15: 49). لا يدركها الموت فيما بعد، ولا يدركها تعب، ولا مرض.
فالله وعد الإنسان بالخلود، وليس بالخلود لجزء منه فقط هو الروح، بل الخلود للإنسان كله، روحا ًوجسدًا.
فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم الأبدي، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة، وإنما جزء منه فقط، وهو الروح. فبالضرورة إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت، وتتحد به الروح، لتكون إنسانًا كاملًا تصير له الحياة الدائمة.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:32 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
الجسد والروح معًا

القيامة عقيدة أساسية في جميع الأديان.
ولولاها ما يثبت دين إطلاقًا. فنحن نؤمن بقيامة الجسد من الموت وبالحياة الأخرى والنعيم الأبدي وعقوبة الأشرار.
إن قيامة الأجساد ضرورة تستلزمها عدالة الله:
فالإنسان مخلوق عاقل ذو إرادة. وبالتالي هو مخلوق مسئول عن أعماله. وسيقف أمام الله، لينال ثوابًا أو عقابًا عما فعل خلال حياته بالجسد على هذه الأرض. فهل يعقل أن يقع هذا الجزاء على الروح فقط، أم يقع على الإنسان كله بروحه وجسده؟
إن الروح والجسد اللذين اشتراكًا معًا في العمل، تقتضى العدالة الإلهية أن يتحملا الجزاء معًا، أو أن يتنعمًا بالمكافأة معًا.
الجسد هو الجهاز التنفيذي للروح أو للنفس أو للعقل. الروح تميل إلى عمل الخير، والجسد هو الذي يقوم بعمل الخير، يجرى ويتعب ويشقى ويسهر ويحتمل. أفلا تكون له مكافأة عن كل ما اشترك فيه من خير مع الروح؟ أم تتنعم الروح وحدها في الأبدية، وكل تعب الجسد يضيع هباء؟! وهل يتفق هذا مع عدل الله الكلى العدالة؟!
ونفس الوضع نذكره أيضًا عن عمل الشر الذي يشترك فيه الجسد مع الروح. بل قد يكون له في الشر النصيب الأوفر.
فالجسد الذي ينهمك في الملاذ العالمية، من أكل وشرب وسُكْر ومخدرات وزنى ورقص وعبث ومجون، ويلذذ حواسه باللهو.. هل بعد هذا كله، تدفع الروح الثمن وحدها في الأبدية، ولا يلحق بالجسد شيء من العذاب أو من المجازاة؟! كلا، فهذا لا يتفق مطلقًا مع العدل الإلهي، الذي لابد أن يجازى الإنسان كله روحًا وجسدًا.. إذن لابد أن يقوم الجسد ليشترك في المجازاة، ويكون الحساب لكليهما معًا.
لأنهما اشتركا في العمل معًا، سواء بدأت الروح، وأكمل الجسد. أو أشتهى الجسد واستسلمت الروح له، واشتركت معه في شهواته.
إن الجسد ينفذ ما تريده الروح، ويبر أيضًا عن مشاعرها.
ولنأخذ الجندي في الميدان مثالًا لنا.
الجندي تدفعه روحه إلى أعمال البسالة والبذل والفداء، وتشتعل روحه بمحبة وطنه ومواطنيه. ولكن الجسد هو الذي يتحمل العبء كله، ويدفع الثمن كله. الجسد هو الذي يتعب ويسهر ويحارب، وهو الذي يجرح ويتمزق وتسيل دماؤه. فهل بعد كل هذا تتمتع الروح وحدها، والجسد لا يشترك معها في المكافأة؟! وكأنه لم ينل أرضًا ولا سماء؟! إن العدل الإلهي لا يوافق إطلاقًا على هذا. إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت، ليشترك مع الروح في أفراحها.
ولنضرب مثلًا واحدًا للشركة بين الروح والجسد، وهو العين:
الروح تحب أن تشفق، ويظهر الحب والإشفاق في نظرة العين. والروح تغضب أو تميل إلى الانتقام. وترى العين نظرة الغضب أو نظرة الانتقام. الروح تتجه إلى الله بالصلاة، وترى في العين نظرة الابتهال، أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح..
الروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة. والروح المتكبرة المتغطرسة المتعالية، يشترك معها الجسد أيضًا بنظرات التكبر والغطرسة والتعالي.
وكما تشترك العين، تشترك أيضًا كل ملامح الوجه، كما تشترك دقات القلب ومراكز المخ، وأعضاء أخرى من الجسد..
هذه أمثلة من الشركة بين الروح والجسد.
وفى مجال الجد والاجتهاد، نرى هذا أيضًا. ويوضح هذا قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجساد
إذن تكون المكافأة في الأبدية للروح الكبيرة التي أرادت الخير وصممت على عمله، وأيضًا للجسد الذي حمل عبء وجاهد واحتمل وصبر، حتى حقق حقق للروح رغبتها. وهكذا كما اشترك معها في العمل، ينبغي أن يقوم ليشترك معها في الجزاء وفي حمل المسئولية.. فالمجازاة هي للإنسان كله ..
ونحن على الأرض نكافئ الجسد، ونعتبر هذا أيضًا مكافأة في نفس الوقت للروح التي لا نراها
ألسنا نمجد أجساد الشهداء والأبرار، ونجعل مقابرهم مزارًا، ونضع عليها الورود والأزهار والأطياب، ونصلى هناك من أجلهم..؟ ولا نعتبر هذا كله مجرد إكرام للجسد أو للعظام أو للرفات أو للتراب، وإنما للإنسان كله. لأننا فيما نفعل هذا، إنما نكرم روحه أيضًا..
وإن كان الإنسان لا يستحق الإكرام، ينسحب الإهمال على جسده وعلى روحه معًا. فالمجرمون الذين يحكم عليهم بالإعدام أو بالسجن، تنال أجسادهم جزاءها. وفي نفس الوقت يلحق بأرواحهم سوء السمعة، وتتأثر أرواحهم بما يحدث لأجسادهم.
فإن كانت عدالتنا الأرضية تفعل هكذا، فكم بالحري عدالة الله..
عدالة الله تشمل الإنسان كله، روحًا وجسدًا، لذلك لابد أن يقوم الجسد الذي عاش على الأرض مشتركًا مع الروح في أعمالها. وليس في مجرد الأعمال فقط، بل حتى في الأفكار والمشاعر.
فإن الجسد ينفعل بحالة الروح، بفكرها ومشاعرها ونياتها.
الروح تقدم المهابة أو الخشوع فينحني الجسد تلقائيا. الروح تحزن فتبكى العين، ويظهر الحزن على ملامح الوجه وفي حركات الجسد. الروح تفرح، فتظهر الابتسامة على الوجه.. الروح تخاف فيرتعش الجسد، ويظهر الخوف في ملامحه. الروح تخجل، فيعرق الإنسان، أو يبدو الخجل في ملامحه...
إنها شركة في كل شيء، ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها أو الجسد وحده إنما يتحملها الاثنان معًا، وهذا هو الذي يحدث في القيامة.
كذلك من العدالة أن تقوم الأجساد لتنال تعويضًا عما كان ينقصها.
فالعميان مثلًا والمعوقون أصحاب العاهات، والمشوهون، وكل الذين لم تنل أجسادهم حظًا من الجمال أو الصحة أو القوة.. من العادلة أن تقوم أجسادهم في اليوم الأخير، وتقوم بلا عيب، حتى يعوضها الله عما قاسته على الأرض من نقص وألم.
كذلك الذين عاشوا على الأرض في فقر وعوز، وفي جوع ومرض، كان له تأثيره على أجسادهم، يحتاجون أن تقوم أجسادهم في حياة أخرى لا تشعر فيها أجسادهم بما كان لها على الأرض من ألم..

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:32 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
كرامة الإنسان

إننا نفرح بالقيامة، ونراها لازمة وضرورية وممكنة. ونراها تعبيرًا عن محبة الله للبشر، وتعبيرًا أيضًا عن عدله.
القيامة أيضًا تعطينا فكرة عن محبة الله للبشرية،
الله الذي أحبنا حتى أنعم علينا بالخلود، كما أحبنا من قبل وأنعم علينا بالوجود. الله المحب منح البشرية هذا الخلود العجيب، فيحيون إلى الأبد في نعيم دائم.
القيامة أعطت الإنسان قيمة معينة، أعطت لحياته قيمة.
فلو كانت حياة الإنسان تنتهي عند القبر، لأصبح مخلوقًا فانيًا زائلًا، مثله مثل الحيوان تمامًا، ومثل باقي الكائنات التي لها مجرد حياة أرضية فقط.
ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع، والذي سلطه على كل الكائنات الأرضية الأخرى..! هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب، يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام؟! إن العقل لا يمكنه أن يصدق هذا..
إذن قيامة الجسد تتمشى عقليًا مع كرامة الإنسان.
الإنسان الذي يتميز على جميع المخلوقات ذوات الأجساد، والذي يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعًا، وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد. فكرامة الجسد هذا المخلوق العاقل، لابد أن تتميز عن مصير باقي أجساد الكائنات غير العاقلة غير الناطقة.
وهذه الميزة تظهر في قيامة الجسد وتجليه.
لذلك نشكر اللهلأنه بالقيامة أعطى لحياتنا امتدادًا كبيرًا إلى غير نهاية، حيث يعيش الإنسان في حياة أخرى لا تنتهي إلى الأبد.
عندما خلق الله الإنسان خلقه حيًا، ذا نفس حية، ولم يكن تحت سلطان الموت.
إذن الموت دخيل على العالم، والحياة هي الطبيعة الأصلية للإنسان.
وبالقيامة يرد الله الإنسان إلى رتبته الأولى، إلى الحياة التي خلق بها ولأجلها.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:33 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
فوائد أخرى للقيامة

بالقيامة تتثبت المبادئ الروحية، ويصبح الإنسان صاحب رسالة وصاحب قيم.
لأنه مع القيامة توجد المسئولية وتوجد الدينونة، والإنسان يقوم من الموت لكي يقف أمام منبر الله العادل ليعطى حسابًا عن كل ما فعله بالجسد إن خيرًا وإن شرًا. يعطى حسابًا ليس فقط عن أعماله، وإنما أيضًا عن أعماله ونياته وحواسه ومشاعره الباطنية.
ومادام الإنسان سيقوم وسيعطى حسابًا عن كل شيء، ينبغي إذن له أن يحيا حياة التدقيق والحرص، حياة البر والقداسة التي يقف فيها بلا خجل ولا خزي ولا خوف أمام الله، وأمام الناس في اليوم الأخير.
لو لم تكن قيامة لساد الفساد العالم، ولأنتشر الظلم، ولأكل الناس بعضهم بعضًا.
لو لم تكن هناك قيامة للأجساد، وحياة أخرى، لانتشر الفساد والأبيقورية التي تقول "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت"، ولتهالك الإنسان على ملاذ الدنيا وعلى المادة. لكن بالقيامة أصبحت هناك قيم، وهناك مبادئ، وهناك أهداف روحية يحيا الإنسان لها، وهناك الحياة الآخرة التي يسعى الإنسان إليها بهدف واسع كبير غير الأهداف القصيرة المؤقتة التي يعيش لها الناس.
وبالقيامة دخلت إلى الإنسان مشاعر الشجاعة والجرأة وعدم الخوف.
وأصبح الإنسان لا يخاف الموت، وهكذا على رجاء القيامة تقدم الشهداء إلى الموت غير هيابين إنهم يعرفون أن الموت ليس نهاية حياتهم، ويرون أن بعد الموت بابًا واسعًا لحياة لا تنتهي.
على رجاء القيامة عاش الناس على هذا الرجاء في فكرهم السماء ، وفي فكرهم النعيم الأبدي، وفي فكرهم سعادة تفوق سعادة الدنيا، وهى ما عبر عنها الكتاب بقوله "ما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر ما أعده الله لمحبي اسمه القدوس".
إن الناس كلما يودعون راحلًا عن الدنيا يودعونه على رجاء القيامة، باعتبار أنهم سيرونه هناك.
بل إن القيامة أعطت رجاء أوسع من هذا، ليس فقط في تلاقى الأحباء والأقرباء، وإنما في تلاقى الأجيال كلها.
حيث يلتقي الناس هناك في السماء مع أبينا آدموأبينا نوح والأنبياء، ومع جميع الأبرار في جميع العصور. ستلقى الأجيال كلها هناك في القيامة ولولا القيامة ما كان مثل هذا اللقاء ممكنًا، ولعاش الناس في جيل محدود، وفي زمن محدود لا يتعدونه.
ومن هنا رأينا أناسًا يعيشون حياة الزهد والنسك والتجرد من الماديات في العالم، لأنهم يعرفون تمامًا أن وراء هذا النسك والزهد توجد مكافأة أبدية تعوض كل شيء.

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:34 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
الاستعداد




https://st-takla.org/Gallery/var/albu...on-Matania.jpg
ولكن ولكن هذه القيامة يا أخوتي هي فرح للأبرار، وهى خوف ورهبة للمخطئين والأشرار الذين يخافون من القيامة لأنها تفتح بابًا أبديًا في عقاب الله.
لذلك إذ نتذكر القيامة، وإذ نتذكر هذا العمر الطويل غير المتناهي الذي ينتظرنا في الأبدية، نستعد لهذه الحياة بحياة البر وحياة الإيمان، لكي نستحق هذا الخلود السعيد. لأنه لن يدخل في نعيم الله الأبدي إلا المؤمنون الذين عاشوا بالحب، وعاشوا بالسلام، وعاشوا في خير، ينشرون الخير أينما وجدوا، وأينما حلوا ويبحثون عن سعادة غيرهم أكثر من سعادتهم الشخصية. هؤلاء الأنقياء الأبرياء، الأبرار هم الذين يعيشون في النعيم الأبدي.
علينا أن نحيا في هذا البر ما دامت لنا أنفاس تتردد فينا، ولنبذل كل طاقاتنا لكي نسعد الأجيال التي نعيش فيها، ولكي نتمثل بالسيد المسيح الذي قيل عنه "كان يجول يصنع خيرًا".

Mary Naeem 27 - 02 - 2014 04:35 PM

رد: كتاب لماذا القيامة؟
 
نؤمن بقيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي



إننا نقول في (قانون الإيمان): "ننتظر قيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي"..
فبالقيامة ننتقل إلى السماء، إلى الدهر الآتي. إلى عالم آخر غير عالمنا الحالي فما هو؟ وما طبيعة الحياة فيه؟
لو كانت الحياة في الآخرة مثل حياتنا ههنا على الأرض، إذن ما هو الفرق؟! وما معنى النعيم الأبدي؟ وما معنى ملكوت السموات؟ وما هي المكافآت التي تعطى للمؤمنين الغالبين؟
طبيعي أن الحياة على الأرض، غير الحياة في السماء.
والحياة في هذا الدهر، غير الحياة في الدهر الآتي.
بل إننا نقول في صلاتنا بالمزامير "أنت يا رب تنجينا، وتحفظنا من هذا الجيل وإلى الدهر" (مز 12: 7).
لقد لخص السيد المسيح الحياة في الدهر الآتي بعبارة جميلة دقيقة موجزة قال فيها:
".. يكونون كملائكة الله في السماء" (مت 22: 30).
هنا عجيب شديد، وهنا الفارق الأساسي بين الدهر الحاضر، والدهر الآتي. بين هذا العالم المادي، والعالم السماوي الروحاني بعد القيامة.
الأشرار في الدهر الآتي، سوف يلقون في جهنم، في الظلمة الخارجية (مت 25: 30)، أي خارج مجمع الأبرار.
وحديثنا حاليًا هو عن حالة الأبرار في الدهر الآتي: كيف يجدونه؟
في الدهر الآتي سكون كل الأبرار معًا، في وحدة شاملة.
تجتمع كل الشعوب والأمم والبائل والأجناس، بلا تمايز بينها. لا تمايز من جهة الجنس أو اللون، لا خلاف عرقي ولا قبلي ولا قومي. الكل معًا في سلام، وفي وحدة القلب والفكر.
تبطل العداوات والحقد والحروب. ولا يكون صراع ولا منافسة..
الكل بلغة واحدة. أهي لغة الروح، أم لغة الملائكة؟
لست أدرى.. المهم أنهم سيفهمون بعضهم بعضًا، ولا يحتاجون إلى مترجم. بل لهم فهم واحد، ومفاهيم واحدة وفكر واحد.
تبطل الألسنة واللغات التي تميز مجموعة عن أخرى..
إن وجد تمايز، فإنه يكون في الدرجة الروحية.
وفى درجة المكافأة. لأن كل إنسان سينال جزاءه بحسب أعماله (مت 16: 27).
وطبيعي أن أعمال الناس على الأرض كانت متفاوتة في النوع والعمق والدرجة. فعلى هذا القدر تكون مكافأتهم في السماء أيضًا متفاوتة. ولكن الكل يكونون سعداء.
ويتكون المجتمع السمائي في الدهر الآتي، من الملائكة والبشر.
الكل يكونون معًا. وهنا نوع آخر من النعيم الأبدي، وهو عشرة البشر مع الملائكة بكافة درجاتهم وطغماتهم السمائية، ومعهم جموع الأنبياء والرسل، والشهداء والأبرار، في حفلة تعارف كبرى تضم الجميع..
حياة الدهر الآتي تتميز بالفرح الدائم
لذلك يطلق عليها لقب (التعب الأبدي). وكلمة (الأبدي) تعنى لا نهاية لها. فالدهر الحالي له نهاية. وحتى عندما تطول سنى حياة إنسان على الأرض، تدركه الشيخوخة بكل ما فيها من تعب وضعف.
أما الأبدية فهي الفرح الدائم الذي لا ينقص ولا يهتز. إنه الموضع الذي لا حزن فيه ولا كآبة، ولا خوف ولا دموع، ولا عوز ولا فقر.
إنه يقدم أروع مثال لما حاول الفلاسفة يتخيلوه. كما كتبوا عن (المدينة الفاضلة) أو (مدينة الله).
في الدهر الآتي سوف يبطل عمل الشيطان وتبطل حريته، وينتهي الشر.
لا تكون خطية فيما بعد. لا تكون هناك أية شهوة بطالة، ولا أي فكر شرير. الدهر الآتي سوف يتميز بالطهارة الكاملة، وبحياة القداسة التي تشبه ملائكة الله في السماء..
وطبعًا سوف لا توجد حروب روحية من عدو الخير يجاهد البشر في الانتصار عليها.
بل سوف يتمتع الجميع بنقاء تلقائي وصفاء في الروح والعقل. لخصه الكتاب في عبارة "إكليل البر" (2 تى 4: 8)
يتكلل البشر بالبر، أي تصبح طبيعتهم في حالة من القداسة غير قابلة للخطأ، ومنزهة عن كل شر.
في هذا الدهر نعيش في عالم مادي. فهل في الآخرة في الدهر الآتي، سنعيش في عالم مادي أيضًا؟‍!
هل سنعيش في ثقل هذا الجسد المادي وفي شهواته؟! وهل شهوات الجسد تتفق مع طهر السماء وقدسية السماء؟!
لا شك أن الجسد في السماء، سوف لا يكون كما هو حاليًا على الأرض. إنه ستخلص طبعًا من الجاذبية الأرضية.
محال أن تجذبه الأرض وهو في السماء!! وإلا فإنه يسقط من السماء إلى الأرض.
لذلك نؤمن أن الأجساد -في القيامة- ستقوم بطبيعة سماوية، لكي يكون هناك تجانس بينها وبين البيئة السماوية التي ستعيش فيها بعد القيامة. وهكذا يعلمنا الإنجيل أننا سنقوم بأجساد سماوية (1 كو 15: 49).
ستكون الأجساد في الدهر الآتي غير قابلة للتعب، ولا للمرض، ولا للموت ولا للتحلل، ولا للفساد. أجساد لها الطابع الروحاني (1 كو 15: 44، 53).
المتعة في السماء، ستكون غير المتعة على الأرض.
لأنه لو كانت المتعة في الدهر الآتي من نوع المتعة الأرضية، فما الفرق إذن بين مباهج الأرض ومباهج السماء؟! وماذا عن الذين جربوا كل أنواع المتعة الأرضية، وملوها وسئموها؟! وارتفع الأنقياء عن مستواها! هنا يقدم لنا الكتاب نوعًا أسمى من هذا كله، في قوله:
" ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9)
هنا إذن ارتفاع عن كل الأرضيات وكل الماديات، وكل الجسدانيات. فكلها قد رأتها العيون، وسمعت بها الآذان. ولا يستطيع أحد أن يقترح أو يستنتج نوعًا آخر من المتعة، وإلا يكون قد خطر على بال إنسان!
وفى حياة الدهر الآتي، لا يوجد تزواج ولا توالد.
فمن غير المعقول أن يولد إنسان جديد، ويجد نفسه في النعيم الأبدي دون أن تختبر إرادته ويثبت استحقاقه لهذا النعيم. حينما خلق الله آدم وحواء، كانا عريانين في الجنة وهما لا يخجلان (تك 2: 25). ما كانت الهوة الجنسية قد دخلت إلى طبيعتهما، ولا حتى مجرد معرفة الجنس والتمايز الجنسي.. لكنهما عرفا ذلك بعد الخطية والسقوط. فهل سيعود البشر إلى السمو الذي كان له قبل السقوط؟ أم سيبقى في عبودية (الجنس) وشهواته وضغطاته؟!
في الدهر الآتي سيرجع الإنسان إلى البساطة الأولى والنقاوة الأولى.
ولكن بوضع ثابت لا يتحول عنه ولا ينحرف.
حياة الدهر الآتي هي الشهوة الروحية التي اشتهاها القديسون.
واعتبروها انطلاقًا للروح من ضباب الجسد ورباطاته، ومن الحياة على المستوى المادي. حتى قال سمعان الشيخ "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام حسب قولك" (لو 2: 29) كما قال القديس بولس الرسول "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى 1: 23).
إذن حياة الدهر الآتي هي حياة الانطلاق من قيود الجسد والمادة ومن رباطات هذا العالم الحاضر.
إنها حياة الحرية الحقيقية، حرية مجد أولا الله (رو 8: 21).


الساعة الآن 09:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025