![]() |
كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث روحانية الصلاة ما أجمل أن يصلي الإنسان. إنه يشعر في صلاته إنه قد إنتقل من مستوي الأرضيين إلي مستوي السمائيين، لكي يشارك الملائكة في طقسهم.. إن الصلاة شرف عظيم لا نستحقه. فنحن بها ندخل في عشرة مع الله، ونذوق وننظر ما أطيب الرب. وفيها تكون أذنا الرب ملتصقة بأفواهنا.. ما هي الصلاة أذن..؟ 1 - الصلاة في معناها البسيط هي حديث الله؟ولكن هل هي حديث اللسان، أم هي حديث القلب؟ لاشك أنها حديث القلب. ولذلك فإن السيد المسيح وبخ الذين يصلون بشفاههم فقط، وذكرهم بقول الكتاب "هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مر 6:7). إذن الصلاة ليست مجرد كلام، ولا مجرد محفوظات أو تلاوات. 2- أنما الصلاة -من الناحية الروحية- اشتياق إلي الله. وفي هذا يقول داود النبي "كما يشتاق الإيل إلي جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلي الله، إلي الإله الحي. متي أجئ وأتراءى قدام الله" (مز 42: 1،2). ويقول أيضًا " يا الله أنت إلهي، إليك أبكر. عطشت نفسي إليك" (مز 63: 1). كلما تشتاق نفسك إلي الله، وتكلمه عن شوق، تشعر أنك تكلمه من قلبك، وتستفيد من الصلاة. 3 - لآن الصلاة ليست مجرد اشتياق، إنما اشتياق صادر عن حب.فالصلاة تبدأ اولآ في القلب حبًا، ثم ترتفع إلي الذهن افكارا، ثم ينطق بها اللسان ألفاظا. هي أصلا حب. يقول فيه المرتل "محبوب هو إسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119). من محبته لله، إسم الله لاصق بعقله، لاصق بقلبه، هو طول النهار تلاوته. بل يقول له أيضا " باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما شحم ودسم" (مز 4:63). 4 - فالصلاة هي إذن شبع روحي بالله:كما يتغذى الجسد بالطعام، تتغذى الروح بالوجود في حضرة الله وبالحديث مع الله، وبالصلة القلبية مع الله. إن كنت تصلي ولا تشعر بشبع، فأنت في الواقع لا تصلي. كما تسري نقطة الماء في النهر إلي أن تصب في البحر الكبير وتندمج فيه، هكذا قلب الإنسان يسري في الصلاة إلي أن يتحد بقلب الله،و أول وسيلة لذلك هي الصلاة. لذلك قيل: 5 - ان الصلاة هي جسر ذهبي، يصل بين المخلوق والخالق. أنها تذكرنا بسلم يعقوب الواصل بين السماء والأرض، يصعد عليه الملائكة، يوصلون الصلوات، وينزلون باستجابة الله. 6 - قيل أن الصلاة هي عمل الملائكة، او هي أنشودة الملائكة.تصوروا السارافيم وقوفًا أمام العرش الإلهي يقولون "قدوس قدوس قدوس" (أش 6) وترتوي بهذا نفوسهم. هذه هي الصلاة. صدقوني إن كثيرين يقولون إنهم يتحدثون إلي الله، بينما في الواقع هم لا يصلون.. لأنه حديث لا مشاعر فيه ولا عواطف، ولا صلة. 7 - لذلك الصلاة هي صلة مع الله:وهكذا تشعر بالوجود في الحضرة الإلهية. تشعر بوجود الله، وبوجودك مع الله، وبالصلة بينكما. البعض يظنون الصلاة مجرد ألفاظ ينتقونها وينمقونها، بينما لا توجد بينهم وبين الله صلة.أريد أن اضرب لكم مثلا. لنفرض أن أمامنا لمبات كهربائية قوية جدًا، ونجفات جميلة، وكشافات، ومع ذلك هي ليست متصلة بالتيار الكهربائي فما قيمتها إذن؟ وما فائدتها للإنارة؟! لاشيء.. كذلك في صلاتك لابد أن تشعر بهذا التيار يجري في عروقك.. 8 - تشعر بلذة في الوجود مع الله. تري الصلاة متعة روحية.وهكذا إن بدأت الصلاة، لا توجد قدرة علي إنهائها. كلما تريد أن تختم صلاتك، لا تستطيع. بل تقول له "دعني أبقي معك فترة أخري يا رب. لا أريد أن أفارقك. لا اريد أن اقطع حديثي معك" وتتشبه بعذراء النشيد التي قالت "امسكته ولم أرخه" (نش 4:3). 9 - هذه الصلاة هي تنقية للقلب.. مع الصلة مع الله يتطهر القلب، ويستحي الذهن أن يتقبل أية فكرة خاطئة أو يتعامل معها. يقول لنفسه "كيف أفكر في هذا الأمر، وأنا الذي كان كل فكري مع الله؟! "وهكذا تراه يصد كل فكر خاطئ يأتي إليه.. بل أن الصلاة تجعله يزهد هذا العالم وكل ما فيه. كما قال الشيخ الروحاني "إن محبة الله غربتني عن البشر والبشريات" أي جعلتني غريبا عنها، لأني صرت من وطن آخر سمائي. سئل القديس يوحنا الأسيوطي مرة "ما هي الصلاة الطاهرة؟!" فقال " هي الموت عن العالم " أي أن الإنسان الذي ينشغل قلبه مع الله بالتمام في الصلاة، يكون العالم ميتًا بالنسبة إليه. لايحيا فيه. هو يصلي والعالم لا وجود له في زمنه. لا يحس بهذه الدنيا وما فيها.. 10 - الصلاة شرف بالنسبة إلي الإنسان، وتواضع بالنسبة إلي الله:فمن نحن التراب والرماد، حتى نتحدث إلي الله ملك الملوك ورب الأرباب؟! حقًا إن هذا شرف عظيم بالنسبة إلينا، لا نستحقه. وهو تواضع من الله إذ يتحدث إلينا. بينما قد نجد صعوبة في التحدث إلي بعض عبيده من البشر!! 11- الصلاة هي اخذ وليست عطاء..إحذر من أن تفكر في وقت من الأوقات، أنك حينما تصلي، إنما تعطي الله وقتًا، وتعطيه مشاعر! ولذلك تعتذر عن الصلاة أحيانًا وتقول "ليس لدي وقت..!" كلا، بل أنت في الصلاة تأخذ من الله الكثير، تأخذ بركة، وعشرة طيبة، ومتعة روحية، وهبات لا تحصي.. وهكذا نقول لله في القداس "لست أنت محتاجًا إلي عبوديتي، بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك".. أنا المحتاج أن أخذ منك حينما أصلي.. يريحني ويسعدني مجرد الشعور بأنني في حضرتك.. الشعور بالأمان في حضرة الله القوي والمتحنن والرحيم.. في حضرة الآب الذي يحب أولاده، ويمنحهم من قلبه ومن عطفه.. 12 - الصلاة هي أغنية نقدمها إلي الله من قلوب سعيدة به.داود النبي حينما كان يغني مزاميره، لم يكن يصلي بالمزمار فقط.. بل أحيانًا بالعود، وبالقيثارة، والعشرة الأوتار.. وأحيانًا معه جوقة عجيبة من المغنين والموسيقيين، يستخدمون هذه الآلات الموسيقية، وأيضا البوق والصنج والصفوف والدفوف وباقي الآت العزف. الكل معًا يغنون للرب أغنية جديدة، في فرح بالرب.. كما حدث مع مريم النبية أخت موسى وهرون، إذ أخذت الدف في يديها، وخرجت وراءها النساء بدفوف ورقص، وهي تقول "رنموا للرب، فإنه قد تعظم.." (خر 15: 20،21). حقًا ما أجمل أن تكون الصلاة أغنية. يقول الرسول: " بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف 5: 19).. 13 - إذن فالصلاة هي وقت فرح بالرب:وهكذا نجد غالبية صلواتنا ملحنة ومنغمة ولها موسيقاها، تغني بها للرب اغنية جديدة. وبالمثل صلاة القداس الإلهي، هي أيضا أغنية روحية مرتلة. وكذلك صلوات الإبصلمودية وكل التسابيح. حتى قراءة المزمور والإنجيل أثناء القداس الإلهي هو أغنية نقدمها إلي الله. إنها قلوب فرحة بالرب، تقف أمامه وتغني.. لا نضرب علي أوتار عود، بقدر ما نضرب علي أوتار قلوبنا. فالألحان عندنا هي صلاة، والصلاة هي لحن، هي أغنية. كلما نوجد في حضرة الله، تمتلئ قلوبنا فرحًا بالرب، ونغني له في كل المناسبات بكل عواطفنا.. حتى في مناسبات الحزن، نغني أيضًا في حضرة الرب بأسلوب الحزن، إنما هي عواطف مقدمة لله.. قديمًا كان كل مزمور له لحن، مثل المزامير الأخيرة التي تكون الهوسات الثاني والثالث والرابع. هذا هو العنصر العاطفي في الصلاة. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الصلاه المقبوله ليست كل صلاة مقبولة أمام الله . فهناك صلوات رفضها ، مثل صلوات المرائين ، وصلوات قساة القلوب الذين قال لهم " حين تبسطون أيديكم ، أستر عيني عنكم ، وإن أكثرتم الصلاة ، لا أسمع . أيديكم ملآنة دماً " ( أش 1: 15 ) فما هي صفات الصلاة المقبولة إذن ؟ بحيث كل كلمة تقولها في الصلاة ، تكون فاهما لمعناها ، كل كلمة تقولها لها عمقها عندك . كل كلمة في صلاتك ، يشترك فيها اللسان مع العقل ، والقلب ، والمشاعر ، والجسد . يشترك فيها الإنسان كله . كما نقول في بعض صلواتنا " قلبي ولساني ، يسبحان القدوس " . فالصلاة ليست مجرد كلام . بل لسانك يتحدث ،وعقلك مركز في الكلام ومعانيه ، وتشترك بمشاعرك وكل قلبك ، وروحك تقود العملية كلها ... https://st-takla.org/Gallery/var/albu...on-Matania.jpg جسدك يشترك بالركوع ، بالسجود ، بالخشوع ، برفع اليدين ، ورفع النظر إلي فوق . وجمع الحواس ، فلا يتشتت السمع والبصر هنا وهناك ، ولاتتشتت الحركات ، بل يكون الإنسان ثابتاً ، باحترام شديد في صلاته يعرف أمام من هو واقف . إن الشاروبيم والسارافيم وهم يقفون أمام الله ، بجناحين يغطون وجوههم ، وبجناحين يغطون أرجلهم ، من هيبة الله الذي يقفون أمامه ... فكم بالأولي نحن ... إن الأب الكاهن في صلاة الصلح في القداس ، يمسك لفافة أمام وجهه ، رمزاً لهيبة الله الذي هو يقف أمام عظمته . https://images.chjoy.com//uploads/im...7e5178f79b.jpg فلا يصح أن تتكلم مع الله ، وأفكارك شاردة في موضوعات أخري . بل حاول أن تجمع أفكارك وتركزها في الصلاة . ويحسن أن تمهد لذلك بقراءة روحية أو بترتيلة أو تأمل . ولا تقف للصلاة وعقلك مشغول بشتي الموضوعات . البعض يغمض عينيه أثناء الصلاة ، حتى لا ينشغل بصره بأمور تجلب له أفكاراً . المصلي الحقيقي لا يحس بكل ما حواليه . هو مع الله فقط ، وحده ... كما أن الإنسان إذا صلي بفهم ، سيصلي حتما بتركيز وعمق . كما يقول داود " من الأعماق صرخت إليك يارب " ( مز130 : 1 ) . من عمق قلبي ، من عمق مشاعري ، من عمق احتياجي ، من عمق مشاكلي وسقطاتي أريد أن أرتفع إليك . https://images.chjoy.com//uploads/im...ed6233e9f4.jpg لأن الإنسان يسكب نفسه أمام الله ، انظروا إلي حنة التي صارت اماً لصموئيل النبي ، يقول الكتاب عنها إنها " صلت إلي الرب ، وبكت بكاءً ، ونذرت نذراً " وإنها كانت تتكلم في قلبها ، وشفتاها فقط تتحركان ، وصوتها لا يسمع حتى أن عالي الكاهن ظنها سكري " ( 1صم 1: 10-13 ) . بكل عواطفها كانت تصلي ، بكل حرارة ، بنفس منسكبة أمام الله ... وما أجمل ما قيل عن إيليا النبي أيضا إنه " صلي صلاة " (يع 5 : 17 ) . ماذا تعني عبارة " صلي صلاة " ؟ .. تعني أنها ليست أي كلام . بل صلاة لها عمقها ولها حرارتها ... يصلي صلاة ، أي يصلي بالمعني العميق لهذه الكلمة فقد يقف كاهن أمام المذبح ، وتشعر في أعماقك أنه يصلي . بينما يقول كاهن آخر نفس القطعة من القداس ، فتلحظ أنه يتلو كلاماً ولا يصلي . وقد تسمع لحناً واحداً من إثنين من المرتلين ، فتحس أن أحدهما يصلي ، أما الآخر فيقدم نغمات وألحاناً بلا روح ، بلا صلاة ... هناك إنسان يزعم انه يصلي ، ولايصل إلي السموات من صلاته شئ . بينما آخر يصلي ، فإذا واحد من الأربعة والعشرين كاهناً الذين تحدث عنهم سفر الرؤيا ، يأتي ومعه مجمرته الذهبية ، فيحمل فيها هذه الصلاة لتصعد كرائحة بخور أمام الله .. إنه صلي صلاة . بعض الملائكة في السماء يشتمون رائحة بخور زكية ، فيبحثون عن سببها ، ويكون أن ( فلاناً ) قد وقف يصلي ... الصلاة بحرارة ، قد تظهر في ألفاظ الصلاة أو في قوتها ، أو في لهجتها ، وقد تظهر في دموع تصاحب الصلاة . أما عبارة أن الإنسان يسكب نفسه في الصلاة ، فلست أجد ألفاظاً في اللغة يمكن أن تعبر عنها ... أتركها لكم لتفهموها بأنفسكم . ولكن علي الأقل أقول إن الإنسان يعصر نفسه عصراً ، ويسكبها أمام الله ... https://images.chjoy.com//uploads/im...0cc866b219.jpg فمثلاً إن صليت الصلاة الربية ، ووصلت إلي عبارة ليأت ملكوتك ، يمكن أن تدخل إلي عمق مفهوم هذا الملكوت ، كأن يملك الله علي قلوب الناس وأفكارهم ، وعلي أهدافهم ووسائلهم ...أوأن تتأمل ملكوت الله علي الأمم والشعوب والممالك إلى لاتعرفه .. أو تسرح في الملكوت الأبدي في أورشليم السمائية .. وهكذا تجد نفسك – في تأملاتك – وأنت داخل في عمق أعماق هذا الملكوت . هناك صفات أخري كثيرة للصلاة المقبولة ، كأن تكون صلاة بحب كما سبق أن قلنا ، وكذلك صلاة بخشوع ، وصلاة بإيمان يؤمن المصلي أن الله سيستجيب صلاته ، أو علي الأقل يؤمن أن الله سيعمل ما فيه الخير له ... 1 - ينبغي أولاً أن نصلي بفهم 2 – وأيضا يشترك جسدك وتشترك حواسك في الصلاة 3 – وهكذا ينبغي أن تكون الصلاة أيضا بفكر مجتمع ، غير مشتت 4 – مثل هذه الصلاة لابد أنها تكون بحرارة 5 – تصلي أيضا بتأمل ... 6 – صفات أخري كثيرة |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
أبانا الذي إن الصلاة الربية هي صلاة مثالية نموذجية تحمل الكثير من المعاني الروحية: لو دخل المصلي إلي أعماقها، وأدخلها إلي أعماقه، لأمكنه أن يكتفي بها دون أية صلاة أخري. هذا إذا صلاها بفهم وتأمل وعمق. أما إذا صلاها بسرعة روتينية، ولم يشعر بروحانية الصلاة، يكون العيب في السرعة والروتينية، وليس في هذه الصلاة.. يكفي أنها تسمي الصلاة الربية، لأن الرب علمنا إياها. ففي عظته علي الجبل التي تعتبر دستورًا للمسيحية، قال "صلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات.." (مت 6: 9- 13). وفي إحدى المرات سأله واحد من تلاميذه قائلًا "علمنا يا رب أن نصلي، كما علم يوحنا تلاميذه. ولاشك أن التلاميذ كانوا يصلون، ويعرفون كيف تكون الصلاة. ولكن السؤال كان يحمل معني معرفة الصلاة المثالية. فقال لهم الرب "متي صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات.." (لو 11: 1 –4). وعبارة "متي صليتم فقولوا.." جعلتنا نقول هذه الصلاة باستمرار.. بها نفتتح كل صلاة طقسية، وكل صلاة من صلوات الأجبية، وكل صلواتنا الخاصة. وبها نبدأ كل إجتماع، وبها نختمه. ولسنا نحن فقط الذين نستخدم صلاة "أبانا الذي"، بل كل كنائس العالم أيضا.. مادام الله قد علمنا هذه الصلاة، إذن فهي توافق مشيئته. كثيرًا ما نصلي صلوات نعبر فيها عن أفكارنا ورغباتنا ومشيئتنا الخاصة، ولا ندري هل توافق مشيئة الله أم لا.. أما في الصلاة الربية، فإننا نخاطب الله بكلماته هو، بطلبات علمنا هو أن نقدمها. فهي موافقة تمامًا لمشيئته الإلهية. وهكذا نصليها ونحن مطمئنون.. وواثقون أننا لا نطلب من الله إلا ما يريد هو أن نطلبه. هذه الصلاة تشتمل علي سبع طلبات. الثلاثة الأولي خاصة بالله، والباقية خاصة بنا. وكما أنه في الوصايا العشر التي كتبها الله بإصبعه (خر 31: 18) كان اللوح الأول خاصًا بالوصايا تجاه الله، وكان اللوح الثاني خاصًا بالوصايا المتعلقة بمعاملات البشر والبشر.. ذلك لأن العلاقة بالله أهم.. وإن استطعنا أن نكون في علاقة طيبة مع الله فإننا سنكون بالتالي وبالضرورة في علاقة طيبة مع الناس. وهكذا الصلاة التي علمنا إياها: الطلبات الثلاث الأولي منها خاصة بالله: ليتقدس إسمك، ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك.. أما الطلبات الأربع الأخيرة فهي خاصة بنا: "خبزنا.. اعطنا". اغفر لنا ذنوبنا. لا تدخلنا في تجربة. نجنا من الشرير. تعلمنا هذه الصلاة، أن الله ينبغي أن يكون أولًا.نحن نطلب قبل كل شيء من أجل أن يكون إسم الله مقدسًا بين الناس، وأن تكون مشيئته نافذة، وملكوته قائمًا. فهذا هو المهم. بغض النظر كانت طلباتنا أو لم تكن.. نطلب أولًا ملكوت الله وبره (مت 6: 33). إننا إن أحببنا إسم الله ومشيئته وملكوته، فلابد أن أمورنا الخاصة ستتحسن، وباقي طلباتنا تستجاب..وكل هذه تزاد لنا، حتى دون أن نطلب.. إن الله هو الأول في الوصايا العشر، والأول في الصلاة الربية. وكذلك هو الأول في الطاعة، لأنه " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). وإن كان هناك ما يرضي الناس علي حساب طاعة الله، فالله يفضل حتى لو غضب الناس. وفي ذلك يقول الرسول " إن كنت بعد أرضي الناس، فلست عبدًا للمسيح" (غل 1: 10) هذا الذي قال " من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني.." (مت 10: 37). والله أيضاَ الأول في الحب. فقد قال " تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولي والعظمي" (مت 22: 37، 38). وطبيعي إن كان الإنسان يحب الله من كل قلبه، فلابد أنه بالتالي سيحب قريبه.. نحب الله ومشيئته وملكوته،ثم بعد ذلك نطلب لأنفسنا. ونحن في الصلاة، نطلب من الله وليس من البشر. فقد قال الكتاب ملعون من يتكل علي ذراع بشر (أر 17: 5). ويقول المزمور "الإتكال علي الله خير من الإتكال علي البشر. الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء (مز 117). في كل احتياجاتنا نتجه إلي الله. نرفع إليه قلوبنا قبل أيدينا: "لأن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة، إنما هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار" (يع 1: 17). الله مصدر كل خير. هو يريد أن يعطي، وهو قادر أن يعطي وهو وحده الذي يعطي وليس البشر وفي بعض صلوات الكنيسة نكرر عبارة " من الرب نطلب". حتى العطايا التي نأخذها من الناس، إنما نأخذها من الله عن طريقهم.. هو الأصل. هو الذي أعطاهم ما يعطونه لغيرهم. وهو الذي وضع في قلوبهم أن يعطوا.. لذلك فنحن نطلب منه كل طلباتنا كذلك فإن العطية التي نأخذها من الله، نضمن أنها سليمة وصالحة. ثم نقول بعد طلباتنا " بالمسيح يسوع ربنا".ذلك لأن الرب قال لتلاميذه " كل ما طلبتموه من الآب باسمي يعطيكم. إلي الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو 6: 23، 24).وقال أيضًا".. لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم بإسمي" (يو 15: 16). وكرر عبارة "تطلبون بإسمي" في (يو 16: 26). فنحن لذلك نقدم كل طلباتنا بإسمه.. ونختم هذه الصلاة الربية بتمجيد لائق بالله. هذا الله المعطي، نتجه إليه كأب ونقول له: يا أبانا.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
أبانا إننا نكلم الله في هذه الصلاة ليس كملك أو خالق إنما نكلمه كأب. لقد بدأ السيد المسيح يدخل الناس في عاطفية الصلاة ومشاعر الصلاة. الإبن يكلم أباه وليس المخلوق يكلم خالقه أو العبد يكلم سيده.. نحن نكلم الله كأب ومن هنا كانت الصلاة حديثًا عاطفيًا بين إبن وأبيه في غير استجداء أو توسل.. فإذا خرجت صلواتكم عن هذا المستوي تكونون قد خرجتم عن روحانية الصلاة الربانية. لقد علمنا السيد أن نخاطب الله كأب. ونتذكر أن علاقتنا بإلله ليست علاقة عبودية. أو مجرد علاقة مخلوقات بخالقها، إنما هي علاقة أبناء بأبيهم. والله نفسه يفضل أن يدعي أبًا، ويسمينا أبناء. ونحن في صلاتنا إنما نطلب من الله، بدالة البنين. وأبوة الله لنا معرفة منذ القدم. فقد قيل في مقدمة قصة الطوفان " رأي الله بنات الناس أنهن حسنات" (تك 6: 2). بنات الناس من نسل قايين القاتل. أما أبناء الله فهم نسل شيث الذي أنجبه آدم بعد مقتل هابيل (تك 4: 25، 26) " حينئذ ابتدئ أن يدعي باسم الرب " أم أبناء قايين فلم يدخلوا في النسب الإلهي.. وفي سلسة أنساب السيد المسيح قيل " ابن أنوش بن آدم ابن الله" (لو 3: 38). وهذا يدل علي أن آدم دعي ابن الله. كل مؤمن بالله، يسميه الله إبنًا (يو 1: 12). وهكذا يوجه إليه الوصية قائلًا "يا إبني أعطني قلبك" (أم 23: 26). وفي سفر أشعياء النبي يكرر هذه العبارة فيقول لله "فإنك أنت أبونا.. أنت يا رب أبونا.." (أش 63: 16) والآن يا رب أنت أبونا.. وكلنا عمل يديك (أع 64: 8). العجيب أنه حتى الخطاة، لا يتخلي الله عن أبوته لهم. هكذا يقول في أول سفر أشعياء النبي " ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا علي" (أش 1: 2).أنهم بنون، علي الرغم من كونهم عصاه..! ولعل هذا يذكرنا بقول الرب " إبني هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًا فوجد" (لو 15: 24). كان ميتًا وكان ضالًا. ومع ذلك كان لا يزال إبنًا..! وأبوة الله لنا، ركز عليها السيد المسيح كثيرًا في العهد الجديد.. وقال لنا الله " أبوكم السماوي". |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الله يعرف احتياجاتنا والله كأب يعرف احتياجاتنا: إنه يعرفها، حتى دون أن نطلب، ودون أن نصلي. وكما يقول الإنجيل المقدس "أبوكم السماوي يعرف أنكم تحتاجون إلي هذه كلها". لهذا هو يوفي كل إحتياجاتنا، غير منتظر منا أن نطلبها في الصلاة ثم يقدمها لنا. ومن أجل هذا السبب، يجب أن نرتفع عن مستوي الطلبات المادية، مركزين قلوبنا في الروحيات، لأن هذه الماديات يقدمها الله كأب دون أن نطلب. بل أنه أكثر من هذه يشرق بشمسه علي الأبرار والأشرار، ويمطر علي الصالحين والطالحين، ويشبع كل حي من رضاه، دون طلب. إنه يوفي حاجات أولاده كجزء من عمل رعايته كأب. لهذا ما كان القديسون يهتمون بأن يطلبوا شيئًا من أمثال هذه الإحتياجات إنما كانت صلواتهم هي تفرغ للتمتع بمحبة هذا الأب.. هنا ونري أمامنا حقيقة لاشك فيها، وهي: إن أبوة الله لنا، تدل علي رأفته وحنانه. ولهذا يقول داود النبي في المزمور "كما يترأف الأب علي البنين، هكذا يترأف الرب علي خائفيه. لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 13). إنه يعرف ضعفنا. ويشفق علي ضعفاتنا كأب.. وهو لا يريد لنا ذلة العبيد، إنما عواطف الأبناء نحو أبيهم. "نحبه لأنه هو أحبنا أولًا" (1يو 4: 19). إذن عبارة أب، تدل علي الحب العميق الكائن في قلب الله من نحو البشر،هو لا يريد أن يعاملهم كعبيد إنما كأبناء. وقد قال بصراحة في الإنجيل المقدس "لا أعود أسميكم عبيدًا، بل أحباء" (يو 15: 14، 15). نحن الأرضيين ندعوك أنت يا أبانا الذي في السموات.. من سمائك، أنظر إلينا كأولادك. علمنا طرقك وفهمنا سبلك. قدنا في الطريق الذي تراه، وامنحنا القوة علي المسير، وامنحنا صورتك يكفي أن نقف عند عبارة يا أبانا، حتى دون أن نطلب شيئًا.يكفي أن يكون لنا أب مثلك، هو خالق السماء والأرض، وهو الحب غير المحدود وغير المدرك. يكفي أن نقول يا أبانا وأنت تعرف الباقي أيها العارف بالخفيات والظاهرات.. كل واحد منا، هو كإبن لجأ في تعبه إلي أبيه، وألقي بنفسه في أحضانه، وقال له "يا أبي".. وأبوه يدرك تمامًا ما يحتاجه هذا الإبن، ولا يسأله كثيرًا ماذا تطلب. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الله المحب أنت يا أبي ولدتني في محبتك. ولولا محبتك ما دعوتني إبنًا. لولا محبتك التي أقامت المسكين من التراب، ورفعت البائس من المزبلة، ليجلس مع رؤساء شعبك، ومع الملائكة ورؤساء الملائكة، لولا هذه المحبة ما كنت شيئًا. هوذا القديس يوحنا الحبيب يقول "أنظروا أية محببة أعطانا الآب، حتى ندعي أولاد الله؟!" (1 يو 3: 1). وعندما أقول أبانا لست فقط اذكر محبتك، بل تواضعك أيضا. كيف أن الله يتخذ له أبناء من التراب والرماد، بل من هذا المزدرى وغير الموجود (1 كو 1: 28) ليكونوا له شعبًا ويحملون إسمه..! إنك يا رب بهذا التواضع، أدخلتنا معك في أسرة واحدة فيها أب هو الله، وابناء هم البشر. وكل البشر الأتقياء هم أبناء الله. إذا ذكرت أنك إبن الله، فالمفروض أنك علي صورة الله.. فهل أنت علي صورة الله..؟ هل أنت شبيه له؟ المفروض في الإبن أن يكون محبًا لأبيه مطيعًا.. فهل أنت محب مطيع لله؟ هل كل من يراك يقول.. حقًا أنه إبن الله؟ هل يجد الناس فيك صورة الله وصفاته.. يجدون فيك وداعة المسيح وتواضعه وسماحته وحنوه وحكمته وعلمه..؟ هل يجدون فيك صورة المسيح الذي هو أبرع جمالًا من بني البشر؟ هل يشع وجهك بالطهر والقداسة والسلام والهدوء، تلك الصفات الإلهية الموجودة في الكتاب؟ هل أنت وسيلة تعبر بها عن الحياة المسيحية وعمقها؟ هذا هو المطلوب.. لا تظنوا أن البنوة لنا فقط. إن لها حقوقًا وعليها واجبات. فعندما تقول.. يا أبانا أنت حقا أبي.. هل يقول الله. هل أنت حقًا إبني؟ علي أن هذه الأبوة منه، لابد أن تقابلها مشاعر من ناحيتنا: أنت يا رب تقدم الحب والحنو. الإنسان لابد أن يقابل الحب بالحب، ويقابل أبوتك بالهيبة والتوقير والطاعة.. ويسلك كما يليق بالدعوة التي دعي إليها (أف 4: 1). |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
بنوتنا لله بنوتك لله ليست مجرد إسم، إنما هي حياة.. بهذه الحياة " أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس ظاهرون" (1يو 13: 9). أتقول في الصلاة يا أبانا؟ حسنًا نقول. ولكن الإبن ينبغي أن تكون له صورة أبيه، صورته في البر والكمال.. لأنه هوذا الرسول يقول عن شرط البنوة ومؤهلها: " إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" (1يو 2: 29). فهل أنت إبن بهذا المعني؟ لا تفتخر باطلًا. فإن اليهود المفتخرين بأن إبراهيم أبوهم، قال لهم القديس يوحنا المعمدان "لا تفتكروا قائلين في أنفسكم لنا إبراهيم أبا" (مت 3: 9). ووبخهم السيد المسيح قائلًا "لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (يو 8: 39). ليتك تفكر في هذا حينما تقول "يا أبانا الذي في السموات" وتضع أمامك قول الرسول: "كل من ولد من الله لا يخطئ.. والشرير لا يمسه" (1يو 5: 18). "ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله (1يو 3: 9). فإن كنت تخطئ، فكيف تجرؤ أن تنسب إلي نفسك البنوة لله، وتقول له يا أبانا ؟! أليس من أجل هذا قال الإبن الضال لأبيه "ليست مستحقًا أن أدعي لك إبنًا" (لو 15: 21). لماذا؟ لأن المولد منك لا يخطئ. وأنا أخطات إلي السماء وقدامك " لك وحدك أخطات، والشر قدامك صنعت" (مز 50). إنه تواضع منك يا الله أن تدعوني إبنًا.. تواضع منك ومحبة، أن تسميني إبنًا، لأن أعمالي لا تدل علي هذا وأنت قد قلت " من ثمارهم تعرفونهم" (مت 7: 16). فماذا تصنع الشجرة التي ليس لها ثمر قدامك؟! وماذا يصنعون بها؟! إن أخشى ما أخشاه هو قول عبدك يوحنا "والآن قد وضعت الفأس علي أصل الشجرة. كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا.. " لا يا رب لا أرفع فأسك قليلًا عن أصل الشجرة.. أتركها هذه السنة أيضًا.. (لو 13: 8). أعطها فرصة أخري لتصنع توبة.. صدقني يا أبي السماوي، إن أبوتك وإن كانت تشرفني كثيرًا إلا أنها تخجلني بالأكثر أمام ضميري.. كلما أقول لك يا أبانا، أتذكر من أنا، ومن أنت الذي في السموات، فتذوب نفسي في داخلي، وتنسحق في التراب والرماد. إنني أدعوك أبًا، ولكني لا أسلك كابن لك. وأقارن نفسي بما تتطلبه هذه البنوة، من حيث مشابهة صورة الإبن لأبيه. وأقول إنه ليست لي صورتك. لست شبهك ومثالك كما خلقتني منذ البدء. ولست أسلك كما يليق بأولاد الله.. وأخشي أنه بسببي قد يجدف الناس علي إسمك القدوس (رو 2: 24). أتراني أتجرأ واطلب منك طلبًا جديدًا أضيفه بالضرورة إلي هذه الصلاة الربية، فأقول: إن كنت قد سمحت أن تدعوني إبنا، فامنحني صورتك، واعطني القوة الي بها أسلك كإبن.. ألست أنت القائل " بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). إذن اعطني يا رب هذه القدرة التي أعمل بها عملك، بل اعطني أيضًا الإرادة التي بها اشتهي عمل الخير، وأعمله. فرسولك القديس يقول "الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (في 2: 13).. أعطني روحك القدوس الذي يعمل في ويعمل معي، وحينئذ ستراني إبنًا حقيقيًا لك.. كما أعطيتني إسمك، كإبن لك، أعطني أيضًا صورتك. لست أستطيع أن أصل إليها بجهادي الخاص وحده، إنما اخذ صورتك كهبة مجانية من عندك، كما أعطيتني ذلك حين خلقتني، بهبة إلهية من عندك، دون أن أطلب، إذ لم أكن موجودًا لأطلب. وكما أعطيتني هذه الصورة الإلهية يوم معموديتي. ووقف رسولك المحبوب يغني لي أنشودته الجميلة " لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). وهكذا صرت إبنًا لك، وصورة لك، فاحفظني في هذه البنوة، وفي هذه الصورة. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الله أبونا إن عبارة "أبانا الذي" هي كنز كبير. بل هي بحر واسع. إن أردنا أن نسبح فيه، لن نصل إلي مداه.. وكل ما نستطيعه الآن هو أن نفتخر بك. نفتخر بأنه لنا أب مثلك، هو خالق السماء والأرض، وهو الحب غير المحدود وغير المدرك. أب له كل السلطان وكل الحقوق. ولكنه لا يستخدم سلطانًا كثيرًا، بقدر ما يستخدم حبه وعاطفته. علي أن عبارة "يا أبانا الذي.." توحي إلينا بمعني أخري، وهو: إن المصلي يتكلم مع الله باسم الجماعة، وليس كفرد. فيقول يا أبانا، وليس يا أبي، وهكذا كل الطلبات بنفس الأسلوب. خبزنا.. اعطنا اليوم.. اغفر لنا.. لا تدخلنا في التجارب.. نجنا من الشرير. إنه لا يطلب من الله أن يغفر له وحده، إنما يطلب من أجل الكل أن يغفر الرب للجميع. وكذلك لا يطلب فقد لأجل نفسه أن ينجيه من الشرير، إنما يقول نجنا.. هنا شعور المصلي بإنه مجرد عضو في مجموعة، يصلي عنها كلها. كلنا أعضاء في جسد واحد، إن تألم عضو، تتألم معه باقي الأعضاء (1كو 12: 26). ليس هو إنسانًا قائمًا بذاته، منفصلًا عن باقي إخوته وإحتياجاتهم. إنما هو يحس بما يلزم الكل، ويتخاطب مع الله طالبًا أن يعطيهم ما يعطيه، ويبعد عنهم ما يبعده عنه. إن صلاة (أبانا الذي) هي صلاة خالية من (الأنا) تذكر بمحبة موسى وبولس.. هوذا القديس بولس الرسول يقول عن إهتمامه بأخوته حسب الجسد: "إن لي حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع، فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح، لأجل أخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو 9: 2-3). ما أعجب هذا أن يفضل غيره علي نفسه إلي هذا الحد. إنه شعور من لا يريد أن يدخل الملكوت وحده.. بل مع الكل.. إنه نفس شعور موسى النبي الذي أخبره الرب بأنه سيفني الشعب المتمرد الخاطئ، ويقيم له شعبًا بدلًا منه، فيصرخ موسى متشفعًا في أولئك الخطاة ويقول للرب: "لماذا يا رب يحمي غضبك علي شعبك؟!".. والآن إن غفرت خطيتهم، والإ فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر32: 11، 32).إن كلمة (أبانا) هنا تضيع منها الذاتية والفردية.. إنني أكلم أبانا كعضو في أسرة كبيرة، كجزء من الأسرة البشرية كلها، من الكنيسة الجامعة الرسولية، إنك لست أبًا لي وحدي بل أب العالم كله.. أب الناس الذين يعرفونك والذين لا يعرفونك.. إنك أب لي وللعاجزين والمنطرحين الذين لا يذكرهم أحد.. إنك أب لي في الكنيسة، وأب لنا كلنا وأطلب منك أن ترعي الجميع ليتقدس إسمك. هذا هو شعورنا حينما نصلي، أننا جزء لا يتجزأ من الكنيسة كلها.. في صلواتنا نذكر العالم كله. ليس في الصلاة الربية وحدها، بل هذا أسلوبنا في كل صلواتنا.. وخاتمة كل صلاة من الأجبية هي هكذا: ارحمنا يا الله ثم ارحمنا.. قدس أرواحنا، طهر أجسامنا، قوم أفكارنا.. أحطنا بملائكتك القديسين.. كلها باسم الجميع.. وفي الثلاثة تقديسات نقول: حل واغفر واصفح لنا عن سيئاتنا.. كما نقول اذكر يا رب مرضي شعبك.. اشفهم من أجل إسمك القدوس. آباؤنا وأخوتنا الذين رقدوا، يا رب نيح نفوسهم.. وفي قانون الإيمان، لا يقول المصلي "أؤمن بل يقول: بالحقيقة نؤمن بإله واحد بأسلوب الجماعة، أقول هذا لأن كثيرين يقولون عن المسيح إنه مخلص خاص لهم، بينما هو مخلص العلم كله ناسين إخوتهم.. إن الرب في هذه الصلاة يعلمنا كيف نصلي: وفي تعليمه لنا، نذكر هذا، نذكر الكل في صلواتنا. حقًا يا رب أنت أبي ولكنك في نفس الوقت أبو الكل معي، لذلك أخاطبك يا أبانا أنا لست أذكر فقط أني إبنك، بل أذكر بالحري إنني واحد من أبنائك ولي أخوة كثيرون، أذكرهم أمامك مثل نفسي، أو قبل نفسي. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الصلاة الربانية وروح الجماعة إن الناحية الفردية لا وجود لها في الصلاة الربانية.. إنها صلاة إنسان لا يصلي من أجل نفسه إنما عن البشرية كلها.. وهناك إنسان يسع قلبه العالم كله حتى لو كان في مغارة بالجبل كما يقول الشاعر المهجري. خلت إني في القفر أصبحت وحدي فإذا الناس كلهم في أهابي كم هي جميلة هذه الروح الجماعية.. اغفر لنا خطايانا.. اغفر لي ولجميع الناس والخبز الروحي لنا كلنا.. ونجنا كلنا.. أريد يا رب أن أصلي لك من أجلي، ومن أجل أصحابي وجيراني والعالم كله.. أنا لا أستطيع أن أكون بغني عن العالم. لأنه إذا تألم عضو تألمت معه كل الأعضاء. أنا يا رب أطلب إليك من أجل الكل.. لأنه ربما أتت خطيتي من خطايا للناس كلهم. وربما نفعت فضيلة إنسان العالم كله. إنني لا أستطيع يا رب أن أفصل نفسي عن العالم ولهذا أقول.. أبانا. فإذا وقفت في الصلاة أنسي نفسك.. ويا ليتنا ننسي أنفسنا ونفكر في الناس ولو حدث هذا فإن الله يفتكرنا دون أن نطلب. ونحن حينما نذكر أن الله أبونا، نذكر أيضًا أن الكنيسة أمنا.. نحن لم نصر أبناء لله، إلا عن طريق أمومة الكنيسة لنا، أتقول أنك صرت إبنًا لله بالإيمان؟ الكنيسة هي التي أعطتك هذا الإيمان بالكرازة وخدمة الكلمة.أنت آمنت واعتمدت فصرت إبنًا لله، كل ذلك عن طريق الكنيسة. لذلك قال أحد القديسين: لا يستطيع أحد أن يدعو الله أبًا له، ما لم يدع الكنيسة أمًا له. الكنيسة هي أمك لأنها عروس المسيح وهكذا كل أعضائها أخوة لك. وأنت تصلي من أجلها ومن أجلهم. اطلب وقل يا أبانا. وقل بهذه المناسبة: أعطنا أن نكون أبنا حقيقيين ولا تكون البنوة مجرد لقب لنا. أعطنا أن نسلك كبنين، ولا تغضب من إن لم نسلك هكذا فأنت تعرف ضعف طبيعتنا. إن كنت تقول: يا إبني، أعطني قلبك. فأنا أقول لك أيضًا أبي أعطني قلبك. أعطني ما في هذا القلب من حب، ومن إشفاق ومن معونة إلهية، حينئذ ستراني إبنًا حقيقيًا لك. أنا لا أستطيع أن أعطيك شيئًا، ما لم تعطني أنت. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
في السموات ما معني عبارة الذي في السموات؟ أولًا: التمييز بين هذا الآب الذي في السموات، وأبانا الذي علي الأرض. فكل منا له أب جسدي علي الأرض يطلب منه، وله أيضًا آباء روحيون.. أما هذا الذي نصلي إليه، فهو الآب الإله. الآب الذي في السموات. في السموات وليس في السماء.. لأن هناك أكثر من سماء صعد إليها البشر.. هناك السماء الأولي التي تعبر جوها الطيور والطائرات.. وهناك سماء الفلك حيث الكواكب والنجوم والشمس والقمر. وهناك السماء التي صعد إليها إيليا وأخنوخ، والسماء الثالثة التي اختطف إليها بولس الرسول أي الفردوس. أما السموات هنا فتعني سماء السموات. فهي علو أكثر، لم يبلغه أحد من قبل، كما قال السيد المسيح " ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء، إبن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). إنها سماء السموات.. (1مل 8: 27). أي لو اعتبرت كل هذه السموات أرضًا، لصارت هذه سماء لها، إنها أعلي علو، حيث عرش الله. وكما قيل " السماء هي كرسي الله، والأرض موطئ قدميه". هنا نذكر علو الله وعظمته.. إن الله ليس أبا عاديا، بل هو أب السموات: فيه الحب والعاطفة والهيبة والوقار. وكملة في السموات تعطينا فكرة ارتفاع قدر هذا الأب. إن الله في سماء السموات، وهكذا يتضح الإتضاع الكبير.. فإن أبانا الذي في السموات مع أرتفاعه العظيم هبط لنا نحن المتواضعين والله الذي في سماء السموات وخالق سماء السموات يكلم الأرضيين والترابيين.. أنت يا رب أعلي من تفكيري ومستوي ادراكي. ومها حاولت أن أفهم علوك لا أستطيع أن أفهم العلو في جوهرك وفي وضعك المطلق.. والوضع البسيط الذي أفهمه كمخلوق بشري ترابي إدراكه ضعيف، أنك في السموات وأنك مع علوك الجبار رضيت أن تسميني إبنًا وتسمي ذاتك أبًا. لعل الإنسان يتهاون. وفيما هو يذكر محبة الله كأب، ينسي هيبته كإله. ففيما نقول في دالة يا أبانا، نعود فنخشع حينما نذكر أنه في السموات. وحينئذ تنسحق نفوسنا ونقول: من نحن الأرضيين حتى نخاطب ساكن السماء وخالق السماء، الذي حوله الملائكة ورؤساء الملائكة والشاروبيم والسارافيم والجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية. هنا وتتضع نفوسنا، ونذكر أننا تراب ورماد، ونذكر أنه من تواضع الله سماحه بأن يستمع إلينا. أقول هذا، لأنه كثيرًا ما يحدث أن عواطف الحب والدالة التي تحملها كلمة أبانا، تنسينا عظمة الله وجلاله وهيبته. وباسم المحبة نفقد مخافة الله، ونفقد توقيرنا له، ولا تكون في صلواتنا علامات الإحترام اللائق، ولكنك بعبارة (في السموات) تقول: أنا في الدالة التي أخاطب بها أبي، لا أنسي الهيبة التي أتحدث بها معي إلهي. لهذا بعبارة (في السموات) نسجد وتلمس رؤوسنا الأرض، ونركع ونخشع ويكون لنا الزي الحسن اللائق بالصلاة، ونخلع أحذيتنا لأن المكان الذي نقف فيه هو موضع مقدس. وحينما نقف، يكون ذلك بغير تراخ، وبغير طياشة فكر أو طياشة الحواس، إنما بتركيز وتوقير، لننا نكلم أبًا هو في السموات. بل أن السماء ليست طاهرة قدامه. وإلي ملائكته ينسب حماقة كما يقول الكتاب (أي 4: 18). أبانا الذي في السموات.. نحن فخورون أن لنا أبًا في السماء نتحدث إليه ونسعد به.. وأين في الناس أب مثل أبي وداود يقول "ليس لك شبيه في الآلهة يا رب.. يا رب من مثلك. إن أبانا هو الله غير المحدود الذي لا يحد في كمالاته وصفاته.. أبانا.. عندما أكلمك لا يمكن لقلبي أن يلم بما فيك. إنني أكلم الله الكامل في كل شيء.. القدوس وحده أكلمه في السموات. وكلمة السموات ترفع أفكارنا من الأرض إلي فوق لكي تترك أفكارنا التراب والمادة وتصعد إلي فوق. يا أبانا الذي في السموات منذ أحببتك أحببت السموات من أجلك، وعندما بدأت أفكر في السماء من أجلك.. السماء بالنسبة لك الموطن الذي ألتقي بك فيه.. أنا لا أحب السماء إذا لم توجد فيه فلأرض أفضل منها نحن نحب السماء من أجلك. ويا ليتنا نفكر في السموات. عندما نحب السماويات تنتقي قلوبنا،وإذا أردتم أن تصلوا إلي نقاوة الفكر.. فكروا في السماء أكثر من التفكير في الأرض الذي يجلب المتاعب، أن مشكلتنا الأولي أننا لا نفكر في السماء.. نحن نفكر في التراب والجسد والناس فكروا في السماويات.. ونقول في السموات لترتفع أفكارنا فوق مستوي الأرض والأرضيات. فمع أن الله في كل مكان، الإ أننا في الصلاة نرفع أنظارنا إلي فوق، متذكرين عظمة الله وعلوه، وأيضًا ساحبين أنفسنا من الأرضيات لكي تعلو إلي حيث الله. كما أن المنارة في الكنيسة تشير إلي أن الله فوق، وأن الذي يصل إليه لابد أن يرتفع عن المستوي الأرضي، ويظل يعلو ويعلو حتى يصل إلي الصليب فيصل إلي الله. وفي عبارة السموات نتذكر أيضًا مستقرنا الأبدي مع الله. المسيح سيأتي في مجيئه الثاني علي السحاب وننظر إليه وهو فوق في السماء، كيما يخطفنا معه إلي السحاب، ونكون كل حين مع الرب (ا تس4: 17). نتذكر هذا، فنذكر أنه يجب أن نتسامي، ونعلو علي مستوي المادة والتراب والأرض، لنكون مع الرب في السماء. ونذكر أنه ينبغي أن نسلك كأهل السماء، لنكون معه في السماء. حيث الملائكة وأرواح القديسين، ولا نصل إلي السماء، إلا إذا سلكنا بالروح، وكنا أيضًا كالملائكة. وهناك قديسون ارتفعوا إلي هذا المستوي، وأطلق عليهم لقب ملائكة، كيوحنا المعمدان، وكآبائنا السواح والمتوحدين الذين قيل عنهم أنهم بشر سمائيون أو ملائكة أرضيون. هؤلاء لم يعيشوا في السماء، ولكنهم حولوا الأرض إلي السماء بحياة الروح التي عاشوها، وقيل عنهم إنهم كواكب البرية. لأن البرية صارت سماء.. والله الذي في السموات، هو أيضًا في هذه الأماكن المقدسة التي صارت سموات يسكن الله فيها. الكنيسة أيضًا تشبه السماء. ونحن نبنيها علي هذه الصورة، الأنوار التي فيها تذكرنا بنجوم السماء. والخدام الذين فيها يذكروننا بملائكة السماء. الكنيسة سماء لأنها بيت الله، وبيت الملائكة، ومسكن الله مع الناس. فالله وهو موجود في الكنائس، في بيوت العبادة، هو في السموات بهذا المعني. ولقد دعيت العذراء سماء. لأنها أيضًا مسكنًا لله فهي إذن سماء ثانية، سماء حقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معني بحلول الله فيها. ونحن نصير سموات بمعني مبسط عن هذا بكثير، حينما نصير هياكل للروح القدس. وكما قيل في الشعر: في سماء أنت حقًا إنما كل قلب عاش في الحب سماك. هذه هي أيضًا سموات يسكن فيها الله، أعني القلوب النقية المملوءة من محبته. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
ليتقدس اسمك | معنى التقديس إننا هنا نخاطب أبانا الذي في السموات، أي المرتفع عن كل مستوياتنا، وعن كل حواسنا "الذي لم يره أحد قط" (يو 1: 18). هذا الإله العالي فوق كل علو، الله غير المرئي وغير المدرك وغير المحدود، نخاطبه قائلين " ليتقدس إسمك". فما معني هذه العبارة؟ إن إسم الله قدوس بطبيعته، وليس محتاجًا إلي تقديس من الناس. ونحن نصلي له قائلين "قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقداس".. "قدوس الله. قدوس القوي، قدوس الحي الذي لا يموت". وقد أخذنا تسبحة الثلاثة تقديسات من تسبحة السارافيم التي سمعها أشعياء النبي (أش 6: 2، 3). فما معني عبارة " ليتقدس إسمك" إذن؟ إننا لا نطلب أن يتقدس إسم الله، إنما نطلب أن يكون مقدسًا في حياتنا، نستعمله بما يليق به من قدسية، كما هو مقدس بطبيعته. فلا يتجرأ أحد علي إسم الله بما لا يليق. · إنها صلاة مرفوعة إلي الله من جهة الإلحاد الموجود في العالم، بسبب الملحدين الذين ينكرون وجود الله، ولا يعترفون بإسمه، ولا يوقرون هذا الإسم، بل يهزأون به ويشككون الآخرين ويعثرونهم.. إننا نطلب أن يعرف هؤلاء أبانا الذي في السموات، ويقدسوا اسمه.. كأنما نطلب مثلًا من أجل اَلاف الملايين في الشرق الأقصى الذين لا يعرفون إلهنا، ولا يوجهون صلواتهم إلي اسمه القدوس، وإنما إلي إسم آخر، مثل براهما أو بوذا أو كونفوشيوس Confucius - 孔子.. أو أننا نصلي من، أجل الملايين من أعضاء القبائل البدائية وفي بيئات كثيرة من بلاد العالم التي لا تعرف إسم الله، إنما تعبد الأرواح، أو النار أو أبطال أساطيرهم. فنحن نقول "ليتقدس اسمك عند هؤلاء وأولئك". · وكما نطلب أن يكون إسم الله مقدسًا عند الملحدين وأصحاب الديانات البدائية، نطلب أن يكون مقدسًا عند المجدفين عليه. أولئك الذين يجدفون علي الرب بسبب وبغير سبب. ويظنون أن الله هو السبب في كل ما يحل بهم من فشل أو مرض أو كوارث أو موت أحباء وأقرباء! فيجدفون علي اسم الله القدوس، ويشتمون ويقولون ما لا يليق. أو يتهمون الله بأنه في سماه لا يهتم بالبشر، تاركًا الظلم في غير مبالاة منه، وبلا ضبط ولا رعاية للكون!! وهكذا تتحول مشاكلهم الإجتماعية والنفسية إلي تجاديف علي اسم الله. بعكس أيوب الصديق، الذي فقد كل شيء. ومع ذلك وهو في عمق الضيقة، بارك الله قائلًا "الرب أعطي، الرب أخذ. فليكن إسم الرب مباركًا" (أي 1: 21). هناك أشخاص إن حل بهم ظلم يجدفون علي اسم الله! وإن صلوا صلوات ورأوا أنها لم تستجيب، يجدفون أيضًا! كما لو كان الرب لا يري ولا يسمع بما يجري في الأرض، ولا يبالي بطلبات الناس.ونحن نحتج علي هؤلاء، ونقول للرب: ليتقدس إسمك، في السعة وفي الضيقة، في الراحة وفي التعب، مهما كانت الظروف الخارجية. وفي نفس الوقت نصلي من أجل الناس الذين تهزهم الضيقات فيخرجون عن نطاق تقديس إسم الله. إسمك يا رب هو هو لا يتغير: أنت هو الراعي الصالح، وأنت هو الأب الحنون، وأنت الحافظ والساتر والمعين والمخلص والمحب والشفوق، مهما كانت الأمور تبدو مظلمة أمامنا. ليتقدس اسمك علي كل فم، وفي كل قلب وفكر، مهما كانت الظروف المحيطة ونوعية نظر البعض إليها.. وكأننا بعبارة يتقدس اسمك، نصلي من أجل الذين تهزهم الضيقات، حتى لا يخطئوا إلي اسم الله في آلامهم. ولا يبدو اسم الله أمامهم في جماله الأول وفي محبته الأولي. · عبارة " يتقدس إسمك " نقصد بها أيضًا عدم النطق بإسم الرب باطلًا" (تث 5: 11) فلا يستخدم مثلًا في اللهو والعبث.. كما يستخدمه البعض في الأغاني، وفي الفكاهات، وفي الحكايات الماجنة. وحينما يسمعون أغنية تعجبهم، أو حتى فكاهات غير لائقة. فيستخدمون إسم الله في إظهار إعجابهم بأمور قد لا تكون روحية علي الإطلاق.. أو كما يستشهدون باسم الله كذبًا، أو في الضرر. كأن يقسم إنسان باسم الله أقسامًا مغلظة أنه سوف يؤذي إنسانًا أو ينتقم منه.. أو يستخدم اسم الله بأسلوب التهكم، وفي أمور تافهة.. أو يتعود النطق بهذا الإسم في كل أحاديثه، بغير خشوع وبغير إحترام.. ونحن نصلي أن يتقدس إسم الله في أفواه كل هؤلاء. فلا ينطقون به الإ بكل تقدير وإجلال. ونحن حينما نذكر إسم الله ننحني في خشوع. وبخاصة حينما نقول قدوس قدوس، أو حينما نقول باسم الآب والإبن والروح القدس. أو حينما نقول المجد للآب والإبن والروح القدس (ذكصابتري..). يقال أن أحد السادة كان له عبد مؤمن بار. وكان هذا السيد يحلف كثيرًا باسم الرب بلا مبالاة، ويستشهد باسم الرب في التافهات. ولم يكن عبده البار يستطيع أن ينصحه أو يبكته. وإنما كان كلما ينطق هذا السيد باسم الرب، ينحني العبد أو يسجد إلي الأرض. فتعجب السيد من ذلك، وسأله عن السبب، فأجاب: كيف لا أسجد وأنا أسمع إسم إلهي العظيم الذي خلق السماوات والأرض، الذي تسبحه الملائكة ورؤساء الملائكة وكل القوات السمائية..؟! فكان هذا العبد درسًا لسيده الذي تخشع، وأبطل النطق باسم الله باطلا. لعلنا أيضًا نتعود في تقديس إسم الرب، أن نمتنع عن الحلفان.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
ما هو اسم الرب؟ يذكرني هذا السؤال بقصة وردت في سفر القضاة، عن منوح وإمراته لما بشرهما الرب بميلاد إبنهما شمشون. فسأل منوح الرب عن اسمه فأجابه " لماذا تسأل عن إسمي وهو عجيب؟!" (قض 13: 18). وقد تكرر هذا أيضًا في سفر أشعياء النبي، إذ قيل " ويدعي إسمه عجيبًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام" (أش 9: 6). نعم إن الرب عجيب في كل شيء. عجيب في أزليته، وعجيب في قدرته علي الخلق، من العدم..! عجيب في كونه غير مدرك وغير مرئي.. عجيب في تجسده من العذراء وفي أخلائه لذاته.. عجيب في قيامته وصعوده إلي السماء. عجيب في كل معجزاته التي عملها، حتى سميت عجائب. وقيل له في المزامير "أي إله عظيم مثل الله؟! أنت الإله الصانع العجائب" (مز 77: 13، 14)".. الصانع العجائب وحده" (مز 72: 18) وأتذكر عجائبك منذ القدم، وألهج في جميع أعمالك" (مز 77: 11).. ويتعمق المتأمل في عجبه حتى يقول: أيها الرب إله الجنود، من مثلك؟! (مز 89: 8). يا الله الذي صنعت العظائم، يا الله من مثلك؟ (مز 71: 19) "ليس لك شبيه في الآلهة يا رب" من يتأمل في أحكام الله وطرقه فهي فوق الفحص، وفوق الاستقصاء (رو 11: 33). عجيب هو الله في قدرته علي كل شئ: هو الفاحص القلوب والكلى، القارئ الأفكار، العارف بالغيب والخفيات، الذي يعرف مشاعر الناس وأحاسيسهم ونياتهم.. الله الآتي علي السحاب، الماشي علي أجنحة الرياح (مز 104: 3). الذي ليس هو فقط عجيبًا، بل هو صانع العجائب أيضًا. هذا الإله العجيب أيضًا في تواضعه، وفي تعليمه السامية، وفي محبته للبشر، وفي غفرانه، وفي الخلاص العظيم الذي قدمه لنا. وكلما نتأمل إسمه العجيب، نصاب بالدهش والذهول، وتقف عقولنا عن الإدراك.. عجيب في تحويله للناس، وكسبه لهم.. الجندي الذي طعنه بالحربة، تحول إلي شهيد هو القديس لنجينوس! وأريانوس أقسى ولاة ديوقلديانوس، تحول إلي قديس شهيد أيضًا..!! حقًا يا رب أنت عجيب. ما أعمالك! كيف حولت شاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة إلي أعظم رسول في المسيحية؟! وكيف حولت مريم المجدلية التي كان فيها سبعة شياطين إلي مبشرة للرسل بالقيامة؟! وكيف حولت مريم القبطية الخاطئة إلي قديسة سائحة؟! حقًا إن إسم الرب عجيب، ويشمل أسماء كثيرة. ولست أدري بأي إسم ننادي هذا الأب السماوي! هو الرب، وهو الله، وهو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23). وكان يدعي في العهد القديم، الوهيم، وأدوناي، ويهوه، الكائن الذي يكون. وفي سفر الرؤيا يقول عنه "الكائن، والذي كان، والذي يأتي، القادر علي كل شئ" (رؤ 1: 8، 4). وقيل عنه أيضًا " ملك الملوك، ورب الأرباب" (رؤ 19: 16). و"ملك القديسين" (رؤ 15: 3). هو القدوس وحده (رؤ 15: 4)، وهو الصالح وحده (مت 19: 17). هو الخالق، وهو الديان، "ديان الأرض كلها" (تك 18: 25)، وهو فاحص القلوب والكلي (مز 7: 9) (رؤ 2: 22). هو الأزلي (عب 9: 14)، وهو الأبدي (أش 9: 6)، الموجود في كل مكان، غير المحدود.. هو الحق والحياة (يو 4: 6).وهو الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر (رؤ 1: 8، 11، 17). هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23) وهو المخلص، وهو النور الذي لا يدني منه (اتي 6: 16). ويعوزنا الوقت إن تكلمنا عن كل أسماء الله وصفاته. علي أن المسيحية قدمت له إسمًا آخر هو المحبة. وهكذا قال القديس يوحنا الرسول " الله محبة. من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه" (ايو 4: 16). وقدمه لنا السيد المسيح باسم الآب. وأحيانًا باسم الآب السماوي (مت 6: 14، 26، 32). ونحن في الصلاة الربية ندعوه "أبانا الذي في السموات" (مت 6: 9). وقد تكرر هذا التعبير كثيرًا في العظة علي الجبل (مت 5: 16، 48) (مت 6: 1)، (يو 7: 11، 21). كل كائن له اسم واحد، أو اسمان أو ثلاثة.. أما الله، فإن أسماءه لا تحصي. فبأي اسم نناديك يا رب؟هل نقول أيها الراعي الصالح (يو 10: 11، 14) أم " أيها النور الحقيقي" (يو 1: 9) أم تقول "أيها الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا " كما نقول في أوشية المرضي؟ أم أيها الثالوث القدوس، الآب والإبن والروح القدس (مت 28: 19) (1 يو 5: 7) أم أيها الملك السمائي المعزي؟ أم "ضابط الكل وصانع الخيرات" كما نقول في صلاة الشكر..؟ يكفي أن نردد ما نقوله في التسبحة. " إسمك حلو ومبارك، في أفواه قديسيك". فمن حلاوة إسمك في أفواهنا نريد أن نردده باستمرار، لأنه يفرح قلوبنا. لذلك نقول في صلاة التسبحة: أعطي فرحًا لنفوسنا، تذكار إسمك القدوس.. وكما قال داود النبي في المزمور الكبير "محبوب هو إسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119). |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
فاعلية اسم الرب * مجرد اسمك يا رب يكون تعزية في الضيقات، فأنت هو الملك السمائي المعزي. فليتقدس اسمك إذن في كل قلب وفكر وفهم، لأنه مصدر التعزيات والفرح. لذلك كلما تحيط بنا ضيقة، ونقول يا رب، نتعزى. مجرد أن نتذكر نتعزى ولهذا نحن نصلي ونقول لك "أيها الملك السمائي المعزي".. كلما أتذكر اسمك المدبر، الحافظ، المعين، الساتر، ضابط الكل، صانع الخيرات، محب البشر، الغافر الرحيم، حينئذ يمتلئ القلب عزاء وسرورًا وفرحًا ونعيمًا، ونقول في صلواتنا.. يا مدبر كل أحد، تعهدنا بخلاصك. هنا تخلصنا من جميع الشياطين. لهذا كان آباؤنا يجدون لذة في ترداد اسمك آلاف المرات كل يوم. · مجرد ذكر اسمك يا رب يخيف الشياطين. · وبذكر اسمك يكون حضورك في وسطنا. لأنك أنت قلت "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمى، فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20). وحينما تكون في وسطهم يرتعب الشياطين ويخافون. لذلك نحن دائمًا نبدأ الصلاة باسمك فنقول باسم الآب والابن والروح القدس. والذين يعتمدون ينالون المعمودية بهذا الاسم (أع 2: 38)، فتخاف الشياطين وتتركهم. · اسمك عون في الضيقات، كما قال الحكيم في سفر الأمثال: "اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصديق ويمتنع" (أم 18: 10). كل من يضع اسم الله علي شفتيه أو في قلبه، يشعر بقوة الله معه، ويستطيع باسم الرب أن يعمل عملًا. وهنا نذكر داود النبي حينما تقدم لمقاتلة جليات الجبار.. قال له "أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس. وأنا آتى إليك باسم رب الجنود.." (ا صم 17: 40). وباسم الرب انتصر داود الصبي علي جليات الجبار. وليس الانتصار فقط علي الأعداء، وإنما علي الشياطين أيضًا. فيقول داود النبي "اللهم باسمك خلصني" (مز 54: 1) ويقول أيضًا في المزمور "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا باسم الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز 124: 7، 8). وما أكثر ما أنقذه اسم الرب في هجمات الأعداء عليه (مز 118). هنا، وأتذكر قصة مدرس وتلميذه: خرج مدرس وتلميذه في رحلة. وكانت هناك مشاكل كثيرة خاصة بالمدرسة وبالرحلة. وحل وقت النوم. فرقد التلميذ وسبح في نوم عميق. أما المدرس فظل ساهرًا يفكر في المشاكل، ولم يستطيع أن ينام. وأخيرًا أيقظ تلميذه وسأله: كيف استطعت أن تنام، وأنت علي علم بكل المشاكل؟! وهنا سأل التلميذ أستاذه: هل تؤمن أن الله كان يدبر الكون قبل أن نولد؟ فأجاب المدرس: نعم أؤمن. فسأله التلميذ ثانية: وهل تؤمن أن الله سيدبر الكون بعد أن نموت؟ فأجاب المدرس: نعم هو قادر أن يدبر الكون بعد أن نموت.. وحينئذ قال التلميذ: ليتك إذن يا أستاذي تنام، وتترك الله يدبر هذه الليلة، ويدبر المشاكل التي تضايقك..! لذلك أحيانًا يكون إنسان مرتبكًا بمشكلة، فيقول له صديق مؤمن قل يا رب، والمشكلة تنحل".. مجرد ذكر اسم الرب يطمئن في المشاكل ويريح النفوس.. مجرد أن نذكر اسم الرب، أو نقول ربنا موجود · باسم الرب أيضًا تصنع العجائب والمعجزات. وهكذا صلي المؤمنون في بداية العصر الرسولي قائلين " امنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة. بمد يدك للشفاء. ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع" (أع 4: 29، 30). ولما أقام القديس بطرس الرجل الأعرج عند باب الجميل وانذهل الناس، قال لهم بطرس "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي؟! أنتم أنكرتم القدوس البار.. ورئيس الحياة قتلمتوه.. وبالإيمان باسمه، شدد إسمه هذا الذي تنظرونه. (أع 3: 12 – 16).وذلك لأن القديس بطرس قال للرجل الأعرج "باسم يسوع الناصري قم وأمش" (أع 3: 6) "فوثب ووقف وصار يمشي".. حتى في اليوم الأخير سيقولون له " أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين". وقد وعد السيد المسيح تلاميذه قائلًا "و هذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديد.." (مز 16: 17). · إسم الله يمنح الإنسان استحياء من الخطية: فمهما كان الإنسان محاربًا بالفكر، فإنه إذا سمع إسم الله يستحي، ويخاف من الإستمرار في فكر الخطية. لذلك فإن الخطاة المتعلقين بالخطية، يحاولون أن يهربوا من إسم الله، لأن تذكرهم له يتعب ضميرهم، ويجدون هاتفًا في داخلهم ضدهم. وهكذا فإن الشياطين إذا حاربت إنسانًا، تحاول أن تنسيه إسم الله. وإذا أوصلته إلي حالة من العبودية للخطية، فإنه نفسه لا يحب أن يسمع إسم الرب، ولا شيئًا يتعلق بالرب. إسم الله حتى لو لفظه طفل صغير، يكون له تأثيره وقوته: كأن يقول ربنا شايف ربنا سامع.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
كيف يتقدس اسم الله أولًا: نقدس إسم الله في صلواتنا. لأننا في وقت الصلاة، نذكر إسم الله بكل خشوع وإكرام، ونتذكر ما في الله من قدسية وعظمة وحب، وتقف أمامنا كل الصفات اللائقة بالله. لذلك نحن دائمًا نبدأ صلواتنا باسم الآب والإبن والروح القدس. باسم الله القوي. وأيضًا جميع أسرار الكنيسة نبدأها باسم الله. وباسم الله تحل كل بركة. وكما نقدس إسم الله في صلواتنا وننحني ونحن نذكره، كذلك نقدس إسم الله في حياتنا وأفعالنا. هذا الإسم الذي دعي علينا، لما آمنا به، والذي قد يجدف عليه بسببنا إذا أخطأنا ولم نسلك كما يليق.. لذلك إذا أردنا أن نبعد التجديف عن إسم الله، ينبغي أن نسلك في كمال وبر، كثيرون كانوا ينضمون إلي الإيمان، حينما يرون الأعمال الصالحة التي للمؤمنين. وكثيرون كانوا يتقدمون إلي الإستشهاد، حينما يرون إيمان وبسالة الشهداء لاشك أن أعمال القداسة تمجد إسم الله، وتظهر طريقه المنير بل هي برهان عملي علي قوة الله التي يهبها لأولاده، فيمكنهم بها أن يسلكوا حسنًا.. وأن يبرهنوا عمليًا علي أن وصايا الله ليست مثاليات خيالية.. إنما هي قوة الروح تعمل في الكلمة.. وحينما يراك الناس ناحجًا في حياتك وفي خدمتك، إنما يمجدون الله الذي جعل أولاده هكذا ناجحين، ويباركون إسم الله الذي يرعي أولاده ويحوطهم بعنايته.. وعكس ذلك إن كنت فاشلًا وفي نفس الوقت تنتسب إلي الكنيسة، فهل تذكر هذا وأنت تقول لرب "ليتقدس إسمك". وكأنك تقول هذا الإسم الذي دعي علي، فليكن مقدسًا أمام الجميع، في حياتي وحياة إخوتي جمعًا.. وكأنها صلاة ترفعها إلي الله أن يهبك القوة التي بها تمجد إسمه علي الأرض.. · نقدس إسم الله بسلوكنا الحسن، كما قال الرب: "لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). يري الناس فيكم صورة الله ومثاله، فيحبون الله بسببكم ويقدسون إسمه. وبالعكس إن كان سلوكنا رديئًا، ما أسهل أن يقول الناس "هؤلاء هم الذين يحملون إسم المسيح..! ما تأثير المسيح وتعاليمه المثالية في حياتهم؟! كما قال القديس بولس الرسول لأهل رومية "لأن إسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم" (رو 2: 24). حينما يراك الناس ناجحًا في حياتك وفي خدمتك، يمجدون الله الذي جعل أولاده هكذا ناجحين وقديسين.. فهل حياة كل منا تمجد الله، وتجذب الناس إلي إسم المسيح..؟ يا ليت كل منا يراجع نفسه وكل ما يعمله، حينما يذكر في صلاته عبارة "ليتقدس إسمك".. سواء من النواحي السلبية أو الإيجابية. · نمجد إسم الله أيضًا بأن ننسب إليه كل خير. نعمل كل شيء لأجله، من أجل مجد إسمه، وكل خير يعمله الله عن طريقنا، ننسبه إلي الله وليس لأنفسنا. ونقول مع المرتل "ليس لنا يا رب ليس لنا، لكن لإسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 115: 1). ونختفي نحن لكي يظهر إسم الرب في كل خدمة نقوم بها. ونجعل قدوتنا في ذلك قول القديس يوحنا المعمدان: " ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقض" (يو 3: 30). ومثال ذلك أيضًا القديس بطرس الرسول، الذي التف الناس حوله، وحول القديس يوحنا، بعد شفاء الرجل الأعرج المستعطي عند باب الهيكل.. حينئذ قال القديس بطرس للناس: ما بلكم تتعجبون من هذا؟ ولماذا تشخصون إلينا، كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي (يو 3: 12). وبدأ يوجه أنظارهم إلي الرب قائلًا "وبالإيمان باسمه، شدد إسمه هذا الذي تنظرونه". وهكذا بدلًا من إعجابهم بالرسول وبالمعجزة، تحول الأمر إلي قيادتهم للإيمان..وبهذا تمجد إسم الله عن طريق إنكار الرسل لذاتهم، وتركيزهم علي إسم الرب. إذن في كل ما تعمله، وجه أنظار الناس إلي الله.. إذا أعطيت أحد شيئًا، اشعره أن العطية هي من الله وليس منك وهكذا يشكر الله علي عطائه.. وإن قمت بخدمة ناجحة، قل: نشكر الله الذي تدخل في هذا الموضوع وأنجحه. نشكره لأنه – تبارك إسمه – أعطانا نعمة في أعين فلان وفلان. وبارك العمل.. وفي إنقاذك لأي إنسان، إشعره أن الله هو الذي أنقذه. وإذا زرت مريضًا، فلا تركز علي الطبيب وعلي الدواء، وإنما علي الله الذي يشفي، الذي هو الطبيب الحقيقي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا.. · إشعر الناس باستمرار أن الله هو مصدر كل نعمة ومعونة. وكل بركة ننالها، هي من الله. والأب الكاهن حينما يبارك إنسانًا، إنما يقول له "الله يباركك".. وفي البركة الختامية لكل إجتماع، يصلي ويقول: "ليتراءف الله علينا ويباركنا".. كذلك الله مصدر كل عطية.. إنسان ينجب إبنًا فيقول "الله أعطاني إبنًا".. وإنسان يغتني في حياته فيقول "خير الله علي كثير".. واَخر ينجو من ضيقة، فيقول "كنت في ضيقة والله أنقذني".. · وهكذا فليكن إسم الرب علي لسانك باستمرار، وحتى فيما بينك وبين نفسك. لا تركز علي ذاتك، وماذا فعلت، إنما علي الله وكم فعل الرب بك. لا تقل أنا، وأنما نعمة الله العاملة فيك، وقوة الله العاملة معك. واذكر قول الرب "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5) وردد باستمرار قول المزمور: "إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا تعب البناؤون. وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا سهر الحارس". وهكذا يتقدس إسم الله في قلبك وفي إيمانك، وفي حديثك مع الناس. الهج باسمه النهار والليل، في خلوتك وأمام الناس. في صلواتك وفي مساعدتك للناس، وفي حياتك العملية والإجتماعية. أولًا يدخل إسم الله في قلبك، وحينئذ يظهر علي لسانك وفي كل معاملاتك وتصرفاتك. · وأنت تقدس الله أيضًا بالكرازة وخدمة الكلمة. لأنك بالكرازة إنما تقدس إسم الله للناس، تعرفهم إسمه، تجعل لهم صلة به، فيرددون إسمه في كل حين، ويؤمنون بهذا الإسم ويذكرونه. وكان هذا هو الذي فعله السيد المسيح بالنسبة إلي الآب، وهكذا قال له في صلاته الطويلة في (يو 17): "أنا أظهرت إسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.. وقد حفظوا كلامك"، "أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك.. وعرفتهم إسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به" (يو 17: 6، 25). إذن هدف الكرازة هو الله نفسه. ليست الخدمة مجرد نشاط وحركة. كلا، بل هي أن يعرف الناس إسم الله ويؤمنوا به ويتعلقوا به.. علي أن يكون إسم الله حلوًا في فكر الناس وفي مشاعرهم. حسنًا أن تعرف الناس بالله. ولكن أي إله؟ تعرفهم بالله المحب الحنون الطيب، الذي يحبهم حتى المنتهي الذي فداهم وخلصهم، ومازال يعمل. كم عدد الذين عرفوا إسم الرب عن طريقك؟ وعرفوا كلامه ووصاياه وطريقه.. بواسطتك. وصارت لهم صلة بالله بسببك. وصار إسم الله يذكر في بيوتهم، لأنك علمتهم ذلك.. تعجبني عبارة قالها شعب إحدى كنائس المهجر للكاهن الذي أرسلته الكنيسة لرعايتهم قالوا له: لقد عرفنا الله، يوم عرفناك.. وهكذا يتقدس إسم الله بعمل الرعاية. فيقول الناس: ما كان أحد يسأل عنا. كنا كغنم لا راعي لها، إلي أن أرسل الله لنا الأب فلان.. مبارك إسم الرب في كل إحساناته إلينا.. هناك طريقة أخري تقدس بها إسم الله وهي: * حذار أن تخيف الناس من الله، قدمه لهم بصورة محببة. أقول هذا لأن البعض يقدم الله للناس في صورة مخيفة، ويضع أمامهم وصايا الله، ومعها جهنم النار إن لم يطيعوا هذا الجبار القادر علي إهلاكهم. ولا يزال يهددهم بالهلاك؟! هنا وأتذكر الأم التي تقول باستمرار لإبنها الطفل في لعبه وتسلياته "اسكت، احسن ربنا يزعل".. ودائمًا تصور له الله في صورة كائن غضوب، يتضايق من كل شئ!! حاشا لله أن يكون هكذا.. كلا، يا أخوتي.. فلنقدم للناس إسم الله المحبوب، الذي نقول عنه: إسمك حلو ومبارك في أفواه قديسيك. كثيرًا ما شوه البعض علاقة الناس بالله، عن طريق نشر أفكارهم الخاصة الخاطئة عن الله. أما القديس يوحنا الرسول، فقد قدس إسم الله أمام الناس بقوله "الله محبة" الله هو النور، والراعي، والحق، والحياة. حقًا، إن الله عال في السماء، ولكنه ناظر إلي المتواضعات علي الأرض، يقيم المسكين من التراب، والبائس من المزبلة، ليجلسه مع رؤساء شعبه..إذن عندما تقول في صلاتك: ليتقدس إسمك، كأنك تصلي أن يعطيك الله قوة، لكي تظهر إسمه للناس، ولكي تجعل الناس يحبون هذا الإسم، إسم عمانوئيل، الذي هو الله معنا.. وإسم يسوع، الذي هو المخلص، خلص شعبه من خطاياهم، حسب بشارة الملاك المفرحة للرعاة.. أما السيد المسيح فقدم الله لنا كأب حنون، يعطينا دون أن نطلب. والقديس يوحنا الرسول يقدم لنا الله قائلًا "الله محبة. من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه" (ا يو 4: 16). اجعل الناس يحبون الله، واشعرهم بمحبته لهم. واجعلهم يشعرون أنه قريب منهم جدًا. حقًا هو في السماء، ولكن روحه القدس ساكن في قلوبهم. أنت هياكل الله، وروح الله ساكن فيكم (1 كو 3: 16).. كأنك وأنت تحمل إسم الله إلي الناس، تقول لهم مع الملاك "ها أنا أبشركم بفرح عظيم.." (لو 2: 10). · لا تحمل الناس أحمالًا عسرة الحمل (مت 23: 4) ولا تشعرهم أنهم بسبب الله يحملون نيرًا!! فإن هذا لا يمجد إسم الله.. وإنما اجذب الناس برفق في طريق الرب، وتدرج معهم إلي أن يصلوا.. وعلمهم أن يبدأوا يومهم باسم الرب، ويختموا به يومهم، ويباركوا به طعامهم وكل عملهم. إذن في تقديسنا لإسم الله، لا نخيف الناس من الله. وبهذا الوضع أيضًا، لم يثقل رسل المسيح عل الأمم الداخلين إلي الإيمان. إن تسهيل طريق الوصول إلي الله، وطريقة الحياة معه إنما بهذا يتمجد إسم الله.. لا تجعل الدين قيودًا أمام الآخرين، وضياعًا لشخصياتهم، وعدم أشعار لهم بوجودهم أمام الوصية التي ترغمهم. فبهذا الأسلوب ضاع الوجوديون، الذين ظنوا أن وجود الله أنما يلغي وجودهم، فجحدوا الله، وأصبح إسمه غير محبوب منهم.. أما أنت فقدم الله للناس بطريق تجعلهم يحبون الفضيلة، وحينئذ يحبون الله، وبهذا إسم الله يتقدس عندهم. كل هذه المعاني التي قلناها والتي يمكن أن تضاف إليها، لتكن جميعها في ذهنك وفي تأملاتك، وأنت تقول للرب: ليتقدس أسمك. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
ليأت ملكوتك الملك الحقيقي، والمالك الحقيقي، هو الله وحده. إنه يملك علي كل شيء، لأنه خالق كل شيء، وموجود كل شيء.. يملك الكون كله، بكل ما فيه من مخلوقات. وهكذا قال المرتل في المزمور "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وجميع الساكنين فيها" (مز 22: 1). ثم دخلت الخطية إلي العالم (رو 5: 12)، وملكت علي قلوب الناس وعلي إرادتهم. وبالخطية دخل الموت، وإجتاز إلي جميع الناس (رو 5: 12) وملك الموت (رو 5: 14، 17)، وأصبح الجميع تحت سلطانه! ملكت الخطية دون إذن (رو 5: 21) وملك معها الموت. وإذ ملكت الخطية، ملك الشيطان، وأصبح يلقب برئيس هذا العالم! (يو 14: 30) أي رئيس هذا العالم الخاطئ.. واستمر الشيطان يسيطر علي الكل.. اختفي النور، وملكت الظلمة، لأن الناس أحبوا الظلمة أكثر من النور (يو 3: 19). لذلك قال لهم السيد في مناسبة القبض عليه "هذه ساعتكم وسلطان الظلام" (لو 22: 53). لقد ملكت الظلمة علي أفكار الناس ورغباتهم.. وكان لابد أن يستعيد الله ملكه. كان لابد أن تنتهي دولة الشيطان، ويطرح خارجًا (يو 12: 31). ويسقط رئيس هذا العالم مثل البرق من السماء (لو 10: 18). كان النور الحقيقي اَتيًا إلي العالم (يو 1: 9) فيملك علي العالم وينقشع الظلام.. ولكن متي ملك الرب؟ وكيف؟ " الرب ملك علي خشبة " كما قال المزمور (مز 95). أي أنه ملك علي الصليب، واشترانا بدمه (رؤ 5: 9)، فصرنا ملكه. وعلي الصليب غَنَّت الملائكة بقول المزمور "الرب قد ملك، فلتتهلل الأرض. لتفرح الجزائر الكثيرة" (مز 96) "الرب قد ملك فلترتعد الشعوب" (مز 96). ملكوت الرب إذن مرتبط بالصليب والفداء. ومن هنا كان أبناء الملكوت هم كل المفديين. وقد تم الفداء، بموت المسيح علي الصليب، وقت الساعة التاسعة. لذلك فإن مزامير الساعة التاسعة تكثر فيها عبارة "الرب قد ملك". ولما كان الصلب هو مقدمة الموت، فإن آخر مزمور في صلاة الساعة السادسة – ساعة الصلب- هو مزمور "الرب قد ملك ولبس الجلال" (مز 92: 1). إذن في قولنا ليأت ملكوتك، نذكر الفداء العظيم، فبدون الفداء ما كان ملكوت. ونحن بعبارة "ليأت ملكوت" نطلب أن يشمل الفداء كل أحد، يؤمن به الكل، ويتمتع به الكل. وذلك لأن الرب لم يقدم الخلاص لفرد، وإنما حمل خطايا العالم كله (يو 1: 29) لخلص الكل بالفداء.. بدأت تباشير الملكوتبميلاد المسيح. واقترب الملكوت بكرازته. وتم الملكوت علي الصليب. ولذلك نجد أن يوحنا المعمدان كان يكرز قائلًا "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات" (مت 3: 2).وكانت هذه هي أيضًا كرازة السيد المسيح. كان "يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله. فتوبوا واَمنوا بالإنجيل" (مز 1: 14، 15). ولما أرسل تلاميذه في أول مرة، أمرهم قائلًا "و فيما أنتم ذاهبون، اكرزوا قائلين إنه قد إقترب ملكوت السموات" (مت 10: 7). وهكذا كانت الكرازة والبشارة بالملكوت، هي عمل السيد المسيح، وعمل المعمدان الذي سبقه، وعمل الرسل من بعده. بل كان الملكوت أيضًا طلبة اللص اليمين علي الصليب (لو 23: 43). وطلب هذا الملكوت هو صلاة يومية لجميعنا. فهكذا علمنا الرب – متي صلينا – أن نقول لأبينا السماوي " ليأت ملكوتك" (لو 11: 2).. لكي تصبح هذه الطلبة – من عمق أهميتها – لاصقة بقلوب الكل، يذكرونها كل يوم وكل ساعة، وفي كل صلاة.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
ما هو الملكوت؟ هذا الملكوت هو مملكة الله.. يملك فيها الله بالبر وبالسلام. ولذلك يقال عن الله إنه ملك السلام، وملك البر. ونحن نرتل إلي الله قائلين له: يا ملك السلام، اعطنا سلامك.. هذا الملكوت هو مملكة القديسين.. وفي هذا المجال تعجبني أغنية جميلة سجلها القديس يوحنا الرسول في رؤياه، سمعها من الغالبين، وهم يرتلون في السماء قائلين "عظيمة وعجيبة هي أعمالك، أيها الرب القادر علي كل شيء. عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين" (رؤ 15: 3). حقًا إن الله هو ملك علي القديسين. منطقيًا هو ملك علي العالم كله، كخالق وكإله.. ولكن من الناحية العملية هو ملك علي القديسين الذين سلموه حياتهم بالتمام، يملك عليها ويدبرها حسب مشيئته الصالحة. أما الأشرار فهم متمردون علي ملكوته.. الله هو إذن ملك علي الذين يفتحون له قلوبهم. والذين يفتحون قلوبهم هم القديسون، لذلك فالرب ملك القديسين. كل أعضاء مملكة الله، من القديسين. وكل من لا يحيا حياة البر والقداسة، ليس هو عضوًا في ملكوت الله. ولأن القداسة هي محبة الإنسان لله من كل قلبه.. لذلك قال الكتاب " ملكوت الله داخلكم". ملكوت الله هو أن يملك الله علي قلب المؤمن، وعلي فكره وعلي حواسه، وعلي حياته كلها. فيصبح كل ما فيه ملكًا لله، مقدسًا لله. وبهذا دعي أعضاء الملكوت بأنهم قديسون.. هؤلاء القديسين هم " الذين قبلوه " الذين آمنوا به، واعتمدوا، وصاروا أعضاء في جسده، أي في الكنيسة، يمارسون حياتها، ويتمتعون بأسرارها المقدسة، ويحفظون وصايا الرب. لذلك حسن أن نقول أن مملكة الله هي الكنيسة المقدسة. ورؤساء الكنيسة، إنما هم وكلاء لله، أقامهم علي عبيده لرعايتهم، وسيعطون حسابًا عنهم أمامه.. وكل من هو داخل الكنيسة، محفوظ في الملكوت. أما الأشرار فإنهم يقفون خارجًا، في الظلمة البرانية. لا لأن الله رفضهم من ملكه، وإنما لأنهم هم الذين رفضوا أن يملك الله عليهم.. والأبرار يسميهم الكتاب " بنو الملكوت".. فلينظر كل إنسان إلي نفسه، هل هو من أبناء الملكوت؟ إن الله يريد أن يمتلئ ملكوته بالمؤمنين. وهؤلاء يصرخون إليه قائلين "تقلد سيفك علي فخذك أيها الجبار. استله، وانجح، واملك". ولكن الله لا يشاء أن يملك إلا بإرادتنا. إنه يريدنا أن نحب ملكوته، ونسعي إليه، لا أن يدخلنا إلي الملكوت قهرًا وإجبارًا.الله له الملك. ولكنه وهب الناس حرية الإرادة، يخضعون بها لملكه إن أرادوا، أو لا يخضعون. يسيرون تحت قيادته الروحية أو لا يسيرون.. البعض قبلوه ملكًا. والبعض في تمرد وخيانة، صاحوا قائلين " ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو 19: 15). هنا ونسأل: ما المقصود بطلبة "ليات ملكوتك "؟ إنها بلا شك تدل علي عدة معان أو مقاصد، من الممكن أن تكون موضع تأمل المصلي. فيركز علي أحد هذه المعاني أو عليها كلها: |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
ملكوت الله على القلب 1 – المعني الروحي: ملكوت الله علي القلب. إنه الملكوت الداخلي الذي قال عنه الرب "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21).. أي أن الله يملك علي المشاعر والعواطف والنيات ويملك علي الإرادة وعلي الرغبات والشهوات، ويملك أيضًا علي الأفكار والحواس. وإذا ملك الرب علي القلب، يملك بالتالي علي كل ما يصدر عن هذا القلب. لأن " الإنسان الصالح، من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات. والإنسان الشرير، من كنز قلبه الشرير يخرج الشرور" (مت 12: 35). لقد تكلمنا عن عبارة (ليأت ملكوتك)، من جهة الملكوت الداخلي، الذي به يملك الرب حياة الإنسان كفرد..علي أن العبارة قد تتسع، فيشمل الملكوت كل القلوب الخاضعة للرب. وهنا يكون الملكوت هو الكنيسة.. وحينما يقول الكتاب إن الإبن سيسلم الملك كله للآب (1 كو 15: 24) إنما يعني إنه سيسلمه الكنيسة.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الملكوت بالمعنى الكرازي 2 – المعني الثاني، هو الملكوت بالمعني الكرازي. أي ينتشر ملكوتك في الأرض كلها. ينتشر الإيمان في كل الأمم وكل الشعوب، وفي كل مدينة وقرية.. ويعرف الجميع إسم الرب، ويسيرون في طرقه. وهنا تكون الطلبة صلاة إلي الله أن يعمل روحه القدوس علي نشر الإيمان، ويعطي قوة للكرازة ونعمة للسامعين.. وعن الملكوت بهذا المعني نصلي في المزمور قائلين: فلتعترف لك الشعوب يا الله، فلتعترف لك الشعوب كلها (مز 66). وبه يتحقق أيضًا قول المرتل " للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز 24: 1). أي يصبح العالم كله ملكًا لله، لأنه له.. وكان الرب يقصد هذا الملكوت حينما قال لتلاميذه "اذهبوا إلي العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص" (مز 16: 15،16). وكما قال لهم أيضًا "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الأب والإبن والروح القدس، وعلموهم جميع ما أوصيتكم به" (مت 28: 19، 20). هذه هي مملكة الله: كل الذين آمنوا واعتمدوا ونفذوا الوصايا. مملكة الله هي صورة سفر الرؤيا: الكنائس السبع، وفي وسطها إبن الإنسان، أي كل الكنائس، والرب وسطها. مملكة الله هي المنائر الذهبية، تشع نورًا عل العالم. ونحن نصلي أن يكون جميع الناس، أعضاء في هذا الملكوت وأبناء للنور. ولأن الأمر لايمكن أن يتم بمجرد بشري، لذلك نصلي إلي الله قائلين "ليأت ملكوتك". نصلي إليه من أجل الذين لم يعرفوه بعد، لم يؤمنوا به، وام يقبلوه فاديًا ومخلصًا. نصلي من أجل البلاد الملحدة، والبلاد التي تعبد عبادات أخري مثل بوذا وبراهما وكنفوشيوس Confucius - 孔子 وأمثالها. ومن أجل البلاد التي لا تؤمن بالإنجيل. ونقول من أجل كل هؤلاء "ليأت ملكوتك". ولسنا نصلي من أجل الإيمان فقط، إنما أيضًا قدسية الحياة. لا نقصد ليأت ملكوتك بالنسبة للملحدين والوثنيين فحسب، إنما أيضًا من أجل الذين دعي إسم المسيح عليهم، ولكنهم محتاجون إلي التوبة، لأن مجرد الإسم بدون حياة لا يخلص. نطلب أن يملك الرب إيمان هؤلاء ويعطيه ثمرًا.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الملكوت السماوي 3 - المعني الثالث للملكوت، يقصد به الملكوت السماوي، الأبدي في أورشليم السمائية.. هناك مسكن الله مع قديسيه، يجتمع معه الملائكة، وكل القديسين الذين إنتقلوا، والقديسين الذين يحيون معنا، والذين سيولدون.. الكل ينضمون كأعضاء في جسد المسيح، تكميل القديسين. هذا الملكوت السماوي، هو الذي قال عنه الرب " نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل، فسأقيمك علي الكثير. أدخل إلي فرح سيدك" (مت 25). وقال عنه أيضًا "تعالو يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم". أي ملكوت الله، وموعده بعد القيامة والدينونة، حينما يأتي في مجيئه الثاني، لينهي هذا العالم المادي، ويضم مختاريه إلي ملكوت السموات، إلي أورشليم السمائية التي هي مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 2، 3).. حينما يخضع الكل، واَخر عدو يبطل هو الموت، ويسلم الملك لله الآب (1كو 15: 24، 27). كأننا هنا في صلاتنا هذه نطلب الأبدية السعيدة.. ولكننا في طلبتنا (ليأت ملكوتك). نقصد الأنواع الثلاثة من الملكوت: |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الله الملك الله في ملكوته يملك بالحب لا بالضغط. يملك علي الذين يحبونه، لا يضغط علي أحد، ولا يرغم أحدًا علي الإنضمام إلي ملكوته. إنما يريد الذين ينضمون إليه بإرداتهم الحرة، كذلك القديس الذي قال " من كل قلبي طلبتك، فلا تبعدني عن وصاياك" (مز 119). هوذا الله يخاطب كل أحد منذ القديم قائلًا "قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك. إذ تحب الرب إلهك، وتسمع لصوته وتلتصق به، لأنه هو حياتك" (تث 30: 19، 20). إنه يقول "يا إبني أعطني قلبك" (أم 23: 26). لأنه يريد أن يملك علي هذا القلب بالذات. إنه واقف علي باب هذا القلب يقرع (رؤ 3: 20). إن فتح أحد له، يدخل ويتعشى معه. يكشف له ذاته، ويمتعه بالحياة معه.. وإن لم يفتح له، يظل واقفًا علي الباب يقرع. لا يدخل بالعنف ولا بالضغط ولا بالسيطرة. إنما بالحب. يظل واقفًا علي الباب يقرع، حتى لو إمتلأ رأسه من الطل، وقصصه من ندي الليل (نش 5: 2). ملكوت الله ليس مظاهر، وإنما حب.. إنه ليس علاقة بين سيد وعبيد، إنما مشاعر بين أب وأبناء. لذلك دعي في ملكه أبًا، بكل ما تحمله كلمة أب من حنان ورعاية. وأما أعضاء هذا الملكوت، فهم أبناء الملكوت، أبناء ذلك الأب السماوي، بكل ما تحمله كلمة البنوة من مشاعر وأحاسيس وعواطف. يطيعون أباهم، ليس بخضوع العبيد، إنما بولاء الأبناء وثقتهم في أبيهم. أنظروا كيف ملك الرب علي السامرة مثلًا؟ ذهب إلي هناك، ورفضت قرية سوخار أن تقبله. فتضايق تلميذاه يعقوب ويوحنا وقالا له "هل تشاء يا رب أن تنزل نار من السماء، وتحرق هذه المدينة؟".. فقال لهما الرب "لستما تعلمان من أي روح أنتما. إن إبن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص" (لو 9: 51 – 56). أنا سأملك علي السامرة. ولكني سأملك عليها بالحب، وبقبول إرادتها، وليس بالعنف.. العنف ليس طريقتي، ولن يوصل إلي القلب. وأنا ما أريده هو القلب "يا أبني اعطني قلبك" (أم 23: 26)..والقلب هو الحب. واعطني قلبك معناها اعطني حبك. وعندما أملك قلبك وحبك، سأملك بالتالي إرادتك.. وهذا هو ملكوتي. وأنا لا أريد أن أملك كل ذلك بالعنف، فالعنف ليس هو إسلوب الله في امتلاك القلوب. وطريق الحب طويل المدى، كثير الجهد. والله مستعد أن يتعب ليملك هذا الإنسان. هو مستعد أن يمد يده طول النهار لشعب معاند مقاوم (رو 10: 21). والله مستعد أن يصبر حتى يملك القلب، والقلب يحرك الإرادة، يحركها نحو الله، فيريد الإنسان أن يحيا مع الله. وهذا ما يريده الله. ونحن حينما نقول: ليأت ملكوتك، إنما نقصد ملكوته علي إرادتنا وقلوبنا. إنها صلاة منا إليه، أن يحول قلوبنا نحوه، وأن يحول إرادتنا نحو مشيئته. وكأننا نقول له "تعال يا رب وأملك". وإن أردت أن تملكنا، ولم نرد نحن، فلا تتركنا بل حول قلوبنا نحوك. اسكب محبتك في قلوبنا بروحك القدوس (رو 5: 5). تعال يا رب واملك. ولا تسمح للخطية أن تملك علينا.. ولا تسمح للشيطان أن يبقي رئيسًا لهذا العالم، ولا رئيسًا لأبنائك الذين اشتريتهم بالدم الكريم. نحن ملكك، فتمسك بملكوتك علينا. ولا تسمح لأي أحد أو لأي شيء، أن يخطفنا من يدك (يو 10: 28) أو يبعدنا عنك.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
خدام الملكوت عبارة "ليأت ملكوتك" هي صلاة لأجل الملكوت، وأيضًا لأجل أنفسنا، ولأجل خدام الملكوت. وينبغي أن نكون جميعًا من خدام الملكوت.. إنها صلاة من أجل كل رتب الكهنوت، ومن أجل كل الوعاظ والكارزين والخدام والمعلمين والمرشدين، ومن أجل كل نفس لها تعب في الكنيسة. وأيضًا من أجل أن تكثر القدوات الصالحة التي يتعلم الناس من حياتها كنماذج عملية قدامهم. وبهذه القدوات ينتشر الملكوت. نحن يا رب قد تعبنا النهار كله ولم نصطد شيئًا، ولكن علي إسمك نلقي الشبكة (لو 5: 5) قائلين: "ليأت ملكوتك".. إنه صراع مع الله لأجل ملكوته.. علي أن عبارة " ليأت ملكوتك " ليست هي مجرد صلاة، إنما هي صلاة وعمل. تشمل أيضًا عملنا لأجل الملكوت. إن كنا حقًا نطلب ملكوت الله، فلنعمل من أجله، فلنشترك في بنائه، ونجول نفعل خيرًا (أع 10: 38). ونخلص علي كل حال قومًا.. (1كو 9: 22) لأنهم كيف يؤمنون إن لم يسمعوا، وكيف يسمعون بلا كارز؟! (رو 10: 14). هل نطلب أن ينتشر ملكوت الله في الأرض كلها، ونحن نيام كسالي؟ إذن أين الحب؟ وأين الغيرة؟ أنظروا إلي بناة الملكوت، كيف يقول عنهم بولس الرسول: ".. بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله، في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون في إضطرابات. في أتعاب في أسهار في أصوام.. في كل كلام الحق، في قوة الله.. بمجد وهوان، بصيت رديء وصيت حسن. كمضلين ونحن صادقون.. كمائتين وها نحن نحيا.. (2كو 6: 4 – 9). " بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من الأمم، بأخطار من أخوة كذبة" (2 كو 11). حقًا إن الله يعمل من أجل بناء ملكوته، ولكن ينبغي أن نشترك معه في العمل، ونطلب نعمته أن تشترك معنا. كم قال بولس الرسول، عن نفسه وعن سيلا "نحن عاملان مع الله" (1 كو 3: 9). هذه هي شركة الروح القدس.. نحن لا نشترك مع الروح في الطبيعة والجواهر، إنما نشترك في العمل. وكل واحد منا، له دور في بناء الملكوت: وفي هذا قال بولس الرسول " أعطي البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح" (أف 4: 11، 12). حينما نقول "ليأت ملكوتك "، إنما نقدم أنفسنا عمليًا لخدمة هذا الملكوت. نحن مستعدون يا رب أن نبني الملكوت معك، وننشره معك، ونعمل فيه معك. لا نريد أن نأخذ منك موقف المتفرج، ونقول "ليأت ملكوتك" ونحن في سلبية مخجلة!! كلا، بل ليأت هذا الملكوت، وكلنا خدام لمجيئه، نبذل في سبيل ذلك كل ما تهبنا من قوة..كلنا كسفراء لك: ننادي، كأن الله يعظ بنا، ونقول للكل "اصطلحوا مع الله" (2 كو 5: 20). سلموه قلوبكم لكي يملكها.. نقولها ونحن نصلي من أعماقنا من أجل الخدمة والخدام، ومن أجل كل نفس تخدم هذا الملكوت وتبذل في سبيله، ومن أجل كل قلب لم يدخل إلي الملكوت بعد.. نقول "ليأت ملكوتك"، ونحن نطلب إلي الرب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" (مت 9: 38). نصلي ونقول: تعال يا رب واستلم ما تملكه. من الناحية النظرية والرسمية، أنت يا رب تملك كل شيء. ولكن من الناحية العملية يوجد تمرد علي ملكوتك. والعالم لا يسلمك ما تملكه، وكذلك نحن! فنحن نقول "ليأت ملكوتك "، إنما نقول ضمنًا " تعال يا رب واستلم ما تملكه.. ضع يدك عليه فعلًا، سواء ما تملكه فينا أو في غيرنا "تقلد سيفك علي فخذك أيها الجبار. استله وانجح واملك" (مز 45). لماذا تترك العالم هكذا، يعبث فيه الإلحاد والتجديف والفساد والانحراف؟ وتنتشر في الخطية، ويتسلط عليه الشيطان! أليس كله لك. تعال إذن واملك فعلًا ما هو لك شرعًا وقانونًا. ولا تترك الناس إلي أنفسهم يتمردون علي ملكوتك. فليس هذا صالحًا لهم.. وإن لم يكن ممكنًا أن يأتي الملكوت دفعة واحدة، فليأت بالتدريج. إن كنت أنا يا رب لا أستطيع أن أجعلك تملك كل وقتي، فاعطني أن تملك البكورات فيه. فأقدم لك الساعة الأولي من النهار. فإن ملكتها، يمكنني بنعمتك أن أفتح لك هذا القلب مرات ومرات.. إعطني أن أكون أمينًا في القليل، فأتركه لك. حينئذ أتدرج إلي أن أكون أمينًا فيما هو أكثر، إلي أن تصبح الحياة كلها لك.. حقًا إن عبارة "ليأت ملكوتك" فيها توبيخ لي. فليس منطقيًا أن أقول "ليأت ملكوتك " بينما أنا مشغول عنه بأمور العالم!! هل أطلب الملكوت، وأنا هارب منه؟! فإن أردنا أن يملك الله علي قلوبنا، فيجب أن نخلي القلب من محبة العالميات التي تعطله عن محبة الله. فالكتاب يعلمنا أنه " لا شركة بين النور والظلمة، وأية خلطة للبر والإثم؟!" (2 كو 6: 14) حقًا، كيف يملك الله قلبًا وشهوات العالم مالكة عليه؟! فلنحاول إذن إزالة المعطلات التي تعرقل ملكية الله لنا، سواء كأفراد أو جماعات. وأن أردنا أن نكون من بني الملكوت، فلنعرف صفاتهم. هوذا الرب يقول عن الملكوت.. " طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات" (مت 5: 3). ويقول أيضًا " إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 18: 3). هل نفهم من هاتين الآيتين إنه ينبغي أن نتصف بالإتضاع وأيضًا ببساطة الأطفال وبراءتهم لنكون من بني الملكوت؟ ما أجمل أن نتأمل باقي الآيات الخاصة بالملكوت، لنعرف أعماق عبارة "ليأت ملكوتك".. اترك هذا مجالا لتأملاتكم الخاصة. ويكفي أن أقول إنه مادمنا قد اشترينا بثمن، وإننا لسنا لأنفسنا (1 كو 6: 20، 19).. فقد صرنا كلنا لله، هو الذي يملك كل حياتنا ووقتنا، وكل قلوبنا وأفكارنا ومشاعرنا وحواسنا. فلتعترف بهذه الحقيقة، ولنقل له: " ليأت ملكوتك". |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
معنى طلبة لتكن مشيئتك إنها طلبة تعني حياة التسليم للمشيئة الإلهية. أي أننا لا نفرض علي الله وضعًا معينًا نحيا فيه. بل ما يريده الله لنا، هو ما نرضاه ونقبله. وفي حياة الإيمان بالله كصانع للخيرات، نفرح بما يشاءه لنا، حتى لو كان عكس ما نرغب. بل نقول له: "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك". " ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت" (مت 26: 39). أنت يا رب تعرف الخير النافع لي، أكثر مما أعرف أنا. وأنت تريد لي الخير أكثر مما أريد أنا لنفسي. لذلك فأنا أسلم حياتي بين يديك، تفعل بها كما تشاء، وأكون سعيدًا بذلك.. لا أقول "لتكن مشيئتك " عن تغصب، وإنما عن اقتناع. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
أمثلة في طلب مشيئة الله ما أكثر الأمثلة التي يقدمها لنا الكتاب عن حياة التسليم هذه: في مقدمتها في العهد القديم مثال أبينا إبراهيم: قال له الرب في بدء دعوته " اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك، إلي الأرض التي أريك.." (تك 12: 1). فخرج إبراهيم من وطنه حسب أمر الرب له " وهو لا يعلم إلي أين يذهب" (عب 11: 8). وأمامه عبارة "لتكن مشيئتك".. ثم كانت مشيئة الرب الأخرى لإبراهيم، فوق الطاقة البشرية! حيث قال له " خذ إبنك وحيدك، الذي تحبه، إسحق.. واصعده لي محرقة علي الجبل الذي أريك إياه" (تك 22: 2). فبكر إبراهيم صباحًا جدًا، وأخذ إبنه معه ليقدمه محرقة للرب، وهو الإبن الذي نال به المواعيد، والذي إنتظره من عشرات السنوات.. إبراهيم في إيمانه بمشيئة الرب، لم يناقش، بل أطاع. كان يؤمن بصلاح الله، وبمحبته، وبصدق مواعيده حتى إن ذبح إسحق وقدمه محرقة.. كان يؤمن بقدرة الله علي إقامة إسحق من الموت (عب 11: 19). وأيًا كان الأمر لم يضع أمامه أن يفكر، إنما هي مشيئة الرب الصالحة يجب أن تنفذ.. السيدة العذراء لم تفكر في يوم من الأيام أنها ستحبل وتلد. ولكن لما أتتها مشيئة الله، أنها ستكون أمًا، وبطريقة معجزية، قالت للرب " ليكن لي كقولك" "هوذا أنا أمة الرب". وحياة التسليم كانت منهجًا ثابتًا للقديسة العذراء. لا شك إنها كانت تحب البقاء في الهيكل، في حياة الصلاة والتأمل والعبادة، ولكن الرب نقلها إلي أماكن متعددة، من الهيكل، إلي بيت يوسف، إلي بيت لحم، إلي مصر، إلي الناصرة، وهي لا تقول سوي " ليكن لي كقولك".. " لتكن مشيئتك".. ومع أن بشري الميلاد كانت تحمل معني الفرح بميلاد مخلص هو المسيح الرب (لو 2: 11). حسبما قال الملاك للرعاة " ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لكم ولجميع الشعب".. إلا أنه بدلًا من هذا الفرح، صدر الأمر الإلهي أن تهرب العذراء بهذا المخلص إلي أرض مصر، إلي بلاد غريبة عنها موضعًا وديانة ولغة، يطردونها فيها من مدينة إلي أخري، بسبب تساقط الأصنام (أش 19: 1) أن العذراء لم تحتج علي سفرها وعدم إستقرارها في موضع، بل كانت في قلبها تلك التسبحة "ليكن لي كقولك". الملائكة أيضًا لا يناقشون مشيئة الله. ويسرعون في تنفيذها بلا إبطاء.. وهكذا يقول عنهم المرتل في المزمور "باركوا الله يا ملائكته.. الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز 103: 20).وهم ينفذون الأمر مهما كان يبدو عجيبًا أو شديدًا.. مثل الملاك الذي أمره الرب بضرب كل أبكار مصر (خر 12: 13). أو الذي أمره أن يرفع السيف علي أورشليم (2 صم 24: 16).. والإنسان الذي يطيع بلا جدال – مهما كان الأمر – هذا يتشبه الملائكة. ليس عمل الملاك هو التدبير أو التفكير، إنما عمله أن ينفذ. عمله أن يقول للرب " لتكن مشيئتك".. فملائكة الأبواق، أو ملائكة الضربات، الذين وردت رسالتهم في سفر الرؤيا (رؤ 8، 9)، لم يقولوا للرب: يا رب نحن ملائكة للرحمة، وليس للإهلاك أو العقوبة. إعفنا من هذا الأمر! كلا، بل نفذوا ولم يناقشوا.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
فضائل تتصل بقبول المشيئة لله عبارة (لتكن مشيئتك) كما تحتاج إلي إيمان وطاعة، تحتاج أيضًا إلي إتضاع قلب.. إتضاع الإنسان الذي لا يكون حكيمًا في عيني نفسه (أم 3: 7) إلي الدرجة التي يراجع بها الله في أوامره ويناقشه، ويقول له: لماذا..؟ ولو أن بعض القديسين كانوا يجادلون الله، عن دالة وليس عصيان، ولا عن شك.. الإنسان المتضع يقبل كل ما يشاءه الله في ثقة وفي خضوع. أما الذي يعتمد علي فكره، فإنه يفحص أعمال الله، بل ويصدر عليها أحكامًا!! ويقبل بعضها، ولا يقبل البعض الآخر! إنه يظن في نفسه أنه شيء. لذلك يقول الكتاب "لا تكونوا حكماء عند أنفسكم" (رو 12: 16) ويقول أيضًا " وعلي فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5). الإنسان المتواضع يقول: من أنا يا رب حتى أفحص أعمالك؟! " ما أبعد أحكامك عن الفحص، وطرقك عن الاستقصاء" (رو 11: 33). لا يجوز أن نضع مفاهيمنا مقياس نقيس به عمل الله. إنما نتقبل ما يعمله بالإيمان، وليس بالفحص. ولا نخضع مشيئة الله لفهمنا البشري. لأنه ما أعمق النقص في فهمنا. متي العشار أطاع المشيئة الإلهية بمجرد كلمة. كان في مكان الجباية، وفي موضع مسئولية مالية. وبمجرد أن سمع من الرب كلمة (اتبعني)، حتى ترك كل شيء وتبعه (مت 9: 9) وكذلك باقي الرسل في دعوتهم، تبعوا الرب وهم لا يعرفون ماذا يكون مستقبلهم معه، ولا ما هو نوع عملهم، أو مكان إقامتهم، أو وضعهم المالي، مثلما يفعل البعض، حينما يدعون للكهنوت. أما آباؤنا الرسل فقابلوا دعوة المسيح بروح عبارة " لتكن مشيئتك". يمكن للإنسان أن يتدرب علي عبارة (لتكن مشيئتك). يبدأ مثلًا بإطاعة أوامر والديه، دون عصيان، ودون تذمر، ودون مناقشة، بل بثقة، وبدون إبطاء.إن فعل هذا سيسهل عليه أن يطيع مشيئة الله، بكل إيمان.. ينفذ هذا أيضًا من جهة أوامر أب اعترافه، وأوامر رؤسائه بالعمل. فيتعود تنفيذ مشيئة غيره. الحياة الروحية تتركز كلها في عبارة (لتكن مشيئتك). سواء ما يريده لك أولًا في تصريف أمور حياتك، أو لتكن مشيئتك من جهة أوامر الله ووصاياه. وليس كالمرأة الحائض أو النفساء، التي تتذمر علي وصية الكتاب في منعها من دخول الكنيسة ومن التناول.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
تداريب على قبول مشيئة الله اقبل مشيئة الرب، لكي تأخذ بركة هذا القبول، وتنمو في حياة التسليم. ولا تتكدر بسبب شيء، بل ليملك السلام علي قلبك.. وليس فقط تقبل مشيئته بالرضي، بل بالأكثر بالشكر والفرح. ونحن في حياة التسليم لمشيئة الله، نقول للرب مرارًا كل يوم في صلاة الشكر " نشكرك علي كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال". وأنت حينما تقول هذا، قله من قلبك، وليس بلسانك فقط. إن الإنسان الضعيف في الإيمان، أي حادث يؤلمه، ويزعزع ثقته في الله، ويتذمر علي الله، ويصعب عليه أن يقول في صلاته من قلبه: لتكن مشيئتك.. إن الكنيسة المملوءة بالإيمان، التي تعودت قبول مشيئة الله حتى إن مات أعز وأطيب إبن أو ابنة لها، تستقبل جثمانه في الكنيسة بصلاة الشكر.. إن حياة التسليم تمنح القلب السلام والهدوء.. الذي تستعبده شهوات أو رغبات معينة، إذا اصطدمت مشيئة الله برغباته، يتضايق. لماذا؟ لأنه لا يريد سوي رغباته، يسعي إليها ويحرص عليها. وهو مستعد أن يطيع الله داخل رغباته وليس خارجها..! إنه لا يريد أن يخضع لمشيئة الله، بل يريد أن تخضع مشيئة الله لرغباته، وينفذ له الله ما يريده هو، وإلا تسوء علاقته مع الله.. ولذلك فإن الذين يحيون حياة الزهد، سهل عليهم أن يقولوا لله: لتكن مشيئتك أنت. وإن حدث لنا خطر من مشيئة الناس الخاطئة، فنحن نثق أن مشيئتك الصالحة سوف تتدخل وتبطل مشيئتهم. لأن الأمور كلها في يديك، أنت يا ضابط الكل، وليس في أيدي الناس..ولأن صلوات كثيرة ترتفع إليك لتنقذنا من مشيئات الناس لتكن مشيئتك. أنت وحدك المدبر وصاحب الأمر والكل في يديك وتحت مشيئتك. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
كما في السماء لتكن مشيئتك يا رب، منفذة علي الأرض، كما هي منفذة من الملائكة وأرواح القديسين في السماء. ولتصبح هذه الأرض كأنها سماء، وسكانها كأنهم ملائكة، ولتصبح الحياة روحانية توافق مشيئة الله في السماء.. لها علي الأقل أربع صفات. منفذة بكل دقة، وبلا جدال، وبسرعة وبلا إبطاء، وعلي الدوام. فهل أنت هكذا تفعل بالنسبة لوصايا الله. وهل تنفذها علي الدوام بكل دقة.. أم تترك مشيئة الله حينًا.. وتنفذ مشيئتك الخاصة أو مشيئات الناس؟ وهل تنفذ أو تقبل مشيئة الله في إيمان وثقة.. كالملائكة.. أم تحتج وتتذمر.. أم تجادل، أم تؤجل؟ نذورك مثلًا وعشورك، هل تقدمها بلا إبطاء، أم تؤجل وتتأخر، ثم تساوي وتحاول أن تغير. والتوبة أيضًا، هل تنفذ مشيئة الله فيها بسرعة، أم تؤجل وتتراخى..؟ وهكذا في باقي وسائط النعمة.. إن مشيئة الله منفذة بكل دقة ليس في السماء فقط.. إنما مشيئة الله منفذة علي الأرض أيضًا بكل دقة من الطبيعة "باستثناء الإنسان". كل القوانين التي وضعها الله للطبيعة تسير حسنًا بلا إختلال. لأن الطبيعة لا تفكر، وإنما تنفذ. أنظروا في قصة يونان النبي مثلًا: أمر الله البحر والأمواج بضرب السفينة ونفذ أمره الإلهي بكل سرعة ودقة. أمر حوتًا عظيمًا أن يبتلع يونان.. ففعل وأمره أن يلفظه سليمًا فلفظه.. أمر الشمس والرياح أن تضربا اليقطينة فيبست.. وأن تضربا يونان فذبل. الطبيعة في قصة يونان كانت منفذة تمامًا لمشيئة الله. أما الإنسان المتمتع بالحرية والتفكير.. فلم ينفذ. ليت يونان كان منفذًا لمشيئة الله، كما هي منفذة علي الأرض من الطبيعة وليس كما هي منفذة في السماء، إن كان لم يصل إلي ذلك المستوي. عبارة " كما في السماء، كذلك علي الأرض " يمكن تطبيقها أيضًا علي الطلبتين السابقتين. ويكون لها فيهما معني جميل. أي ليتقدس إسمك يا رب، كما هو مقدس في السماء، كذلك ليكن مقدسًا علي الأرض. وليأت ملكوتك علي الأرض. كما هو في السماء أيضًا، فتملك علي الأرض كما تملك في السماء تمامًا، لتكن الأرض سماء أو كالسماء في تقديس إسمك، وفي الخضوع لملكوتك، وفي تنفيذ مشيئتك. ولتكن الكنيسة سماء لك. كما أن السماء هي كرسي الله، لتكن الكنيسة كذلك مثل السماء تمامًا، وكما في السماء أنوار، والكنيسة كذلك مملوءة بالأنوار، بل هي نور العالم وكما في السماء ملائكة، خدام الكنيسة أيضًا هم ملائكتها، كما قيل عن ملائكة الكنائس السبع (رؤ2)، ويلبسون في الخدمة ثيابًا بيضاء كالملائكة.وكما أن السماء نقية، هكذا " ببيتك ينبغي التقديس يا رب كل الأيام" (مز 94). وكما أن السماء مسكن الله، كذلك الكنيسة هي بيت الله. هي كأورشليم السمائية "مسكن الله مع الناس". تنظر إليها فتقول: كما في السماء، كذلك علي الأرض". الكنيسة هي المكان الذي يتقدس فيه إسمك، ويأتي فيه ملكوتك، وتنفذ فيه مشيئتك، كما في السماء. لذلك كان الخطاة يعزلون من الكنيسة خارج المجمع، لكي تبقي الكنيسة مجموعة من القديسين.. كالسماء.. ولكن لكي تصبح الكنيسة سماء، أعطنا يا رب خبزنا الروحي. إن أعطيتنا هذا الخبز الروحي.. ستنمو أرواحنا وتقوي.. وتستطيع أن تنفذ مشيئتك.. كما في السماء كذلك علي الأرض. وإن نفذنا مشيئتك هكذا.. يكون قد أتي ملكوتك الروحي الذي نطلبه في صلواتنا. وإن أتي ملكوتك بهذه الطريقة.. فطبيعي أن إسمك سيتقدس علي الأرض بانتشار الإيمان والبر في هذا الملكوت الروحي.. إذن هذه الطلبات الأربع مترابطة تمامًا ببعضها البعض. كل واحدة منها توصل إلي الأخرى. وهذا لا يتأتي الإ إذا كان المقصود بالخبز.. الخبز الروحي.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
خبزنا كفافنا | خبزنا الذي للغد Give us this day our daily bread اختلفت الترجمات في هذه الطلبة بالذات.. · البعض يقول: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. · والبعض يقول: خبزنا الذي للغد، أعطنا اليوم. · والبعض يقول: خبزنا اليومي، كما في الترجمة الإنجليزية. · والبعض يقول: خبزنا الجوهري، أو خبزنا الفائق للطبيعة، كما في كتاب أوريجانوس عن الصلاة الربية.. وأنا لا أريد أن نفقد تأملنا الروحي في هذه الصلاة الربية، عن طريق الصراع بين الترجمات وأيها أصح! إنما أحب أن أقول – أيًا كانت الترجمة. إن المقصود بالخبز في الصلاة الربية، هو الخبز الروحي، وليس الخبز المادي. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الخبز الروحي فما هي الأدلة التي تثبت أن الخبز الروحي هو المقصود؟ 1 – هذا أمر طبيعي يتفق مع تعليم السيد المسيح.. الذي لما جاع أخيرًا بعد أن صام أربعين يومًا.. وقدم له الشيطان تجربة الخبز المادي.. رفضها وأجاب: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 44: 4) (تث 8: 3). 2 – وهو الذي أوصانا في العظة علي الجبل " لا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب.. فإن هذه كلها تطلبها الأمم" (مت 6: 31، 32). فهل يعود ويعلمنا في الصلاة الربية، أن نهتم بهذه التي تطلبها الأمم "؟ إنه يقول "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره " ولا يقول: ثم بعد ذلك اطلبوا هذه الأمور المادية. حاشا، بل يقول "و هذه كلها تزاد لكم"، "لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلي هذه كلها" (مت 6: 32، 33). دون أن تطلبوا.. 3 – ويقول أيضًا "اعملوا لا للطعام البائد، بل الطعام الباقي للحياة الأبدية" (يو 6: 27). فهل بعد هذا يأمرنا أن نصلي من أجل هذا الطعام البائد؟ لا شك إذن أنه يقصد بالخبز الطعام الباقي للحياة الأبدية". أي للغد. 4 – ثم هل من المعقول أن تكون أول طلبة خاصة بنا، هي الخبز المادي؟! المعروف إن الطلبات الثلاث الأولي خاصة بالله " ليتقدس إسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك.. " ثم بعد ذلك أربع طلبات خاصة بنا. هل من المعقول أن تكون أولي هذه الطلبات هي الخبز المادي؟ هل يعلمنا الرب أن نطلب هذا الخبز قبل أن نطلب مغفرة خطايانا، وقبل قولنا: لا تدخلنا التجارب، لكن نجنا من الشرير؟! هل الخبز المادي أهم من المغفرة الخطايا، وأهم من الخلاص من الشرير؟! 5 – ثم هل من المعقول أن يطلب الرب منا أن نكرر طلبة الخبز المادي كلما صلينا؟! لأنه يقول "متي صليتم فقولوا هكذا: أبانا الذي في السموات" (لو 11: 2). فهل إذا كررنا هذه الصلاة الربية عديدة في اليوم الواحد، نكرر أيضًا الطلبة من أجل الخبز المادي مرات عديدة كل يوم؟! إن هذا لا يتفق مع التعليم الروحي الذي للسيد المسيح حيث يقول "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون" (مت 6: 25). ضاربًا لنا مثلًا بطيور السماء.. 6 – ويمكن تأكيد هذا أيضًا من فحص الكلمة اليونانية الخاصة بهذه الطلبة وهي إيبي أوسيوس. الكلمة اليونانية تتسع لثلاث معان هي الجوهري أو الجوهري جدًا، أو الذي للغد، أو الكفاف. فلماذا نحصرها في معني الكفاف؟ ولماذا نأخذ عبارة (الكفاف) علي أنها تعني الخبز المادي.إن كان المقصود الخبز الجوهري من كلمة (أوسيا) اليونانية بمعني جوهر، فلا يمكن أبدًا أن يكون معناها الخبز المادي وإن كانت ترجمة الكلمة اليونانية (الذي للغد) كما في الترجمات القبطية، فالمقصود هو الخبز الذي للحياة الأبدية التي هي الغد بمعناه الواسع. وحتى إن ترجمت بالكفاف، فلا يمكن أن تعني الخبز الجسدي. أنها هي من الروحية - إن ترجمناها هكذا، أوصلاها البعض هكذا - إننا نريد منك يا أبانا السماوي أن تعطينا خبزنا الروحي الذي يكفينا. لا ينقص. ففتح في الفتور. ولا يزيد، فنقع في الغرور، نريد ما يكفينا لقيام حياتنا الروحية ولا نريد أزيد، فقد الرسول ألا نرتئي فوق ما ينبغي فوق ما ينبغي (رو (12: 3). ولا نريد أزيد حتى لا نقع في المجد الباطل أو الكبرياء، أو يضربنا العدو بضربة يمينية. إذن عبارة الكفاف. يمكن أن تقال أيضًا بمفهوم روحي. خاص بالخبز الروحي. أنا لا أريد أن أدخل في بحث لغوي أو جدل لغوي، فحديثي معكم حديث روحي خالص.. وكل ما أريده لكم في صلواتكم أن تقصدوا الخبز الروحي الذي للحياة الأبدية. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الغذاء الروحاني فماذا هو هذا الخبز؟ هو كلمة الله، كما قال السيد المسيح (مت 4: 4)، وكما في سفر التثنية (8: 3) فكلام اله غذاء القلوب. والخبز الروحي أيضًا هو سر الإفخارستيا هو السرائر المقدسة كما شرح الرب في إنجيل يوحنا " أنا هو الخبز الحي النازل من السماء" (يو 6: 32 -51). إنه خبز الحياة. غذاؤك هو الله نفسه " ذوقوا وأنظروا ما اطيب الرب". وغذاؤك الروحي هو كل ما يعذيك روحيًا، من صلاة وتأمل، اجتماعات روحية، وألحان وترانيم.. وقد تتغذي أيضًا بالحب الإلهي وبالفضيلة. وحينما تقول للرب " أعطنا " ماذا تقصد بهذه العبارة؟ تقصد أنك تطلب غذاءك الروحي من الله نفسه، مصدر النعم كلها، والذي يعرف ما تحتاجه. وإن كان الله يعطيك، فلا تعطل عطيته، بالتراخي في تناول غذائه. اهتم بغذاء روحك، كما تهتم بغذاء جسدك، بل أكثر. أنت تعطي جسدك طعامًا كل يوم بوجبات متعددة وبكميات كافية، ويزداد حبها لله. إن لم يأخذ الجسد غذاءه يمرض ويضعف. وهكذا الروح أيضًا. تذكر هذا كلما تصلي. ومرض الروح هو أولًا الفتور. فإن لم يجد علاجًا، تضعف مقاومة الروح للخطية، ويسهل سقوطها. أما الغذاء الروحي فيعطي تقويه للروح كما أن غذاء الجسد يعطي قوه للجسد. وكما ان الغذاء الذي تقدمه للجسد، ينبغي أن يكون سليمًا صنف جيد، كذلك الغذاء الذي تقدمه للروح. كلما كانت القراءات والتأملات عميقة ومن نبع صاف، هكذا تكون فائدتها للروح.. اهتم إذن بغذائك الروحي. أسمع إليه بكل نشاط، وقدمه لنفسك بكل اهتمام. ولا تقصر في صلاتك علي عبارة " خبزنا.. أعطانا " بينما تهمل نفسك، ولا تقدم لها غذاء أنت تقدم الغذاء، والرب يستجيب لصلاتك، ويعطي لهذا الغذاء الروحي فاعليته في قلبك وفي إرادتك.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
حاجتنا إلى الغفران علمنا الرب أن نقول في الصلاة الربية "اغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" (مت 5: 12). والواقع أن هذه الطلبة تحوي الكثير من التأملات، منها: عبارة " اغفر لنا خطايانا "" تحوي اعترافا بأننا خطاة. وفي بعض الترجمات " اترك لنا ما علينا " أو اترك لنا ديوننا " والقديس أوغسطينوس يقول:" إننا نطلب أن يغفر لنا ما علينا لأننا مديونون".. كان القديس أوغسطينوس أسقفًا، ولكنه أيضًا كان يصلي هذه الصلاة. والقديس يوحنا الرسول يؤكد علي هذا المعني ويقول: " أن قلنا إننا بلا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو 1:8). كذلك القديس يعقوب الرسول يقول بالمثل "أننا في أشياء كثيرة نعثر جميعًا" (يع 3: 2). والقديس بولس يدعو نفسه "أول الخطاة " والكنيسة تعلمنا في صلواتها، أنه ليس أحد بلا خطية، وإن كانت حياته يومًا واحدًا علي الأرض.. لذلك نحن نقف للصلاة نقول للرب " اغفر لنا".. فهكذا علمنا.. إن كان أحد بلا خطية فلا داعي لأن يقول هذه الطلبة! ولكن الكتاب المقدس سجل لنا خطايا وقع فيها الآباء والأنبياء، قال إن الخطية طرحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء " هذه الطلبة إذن، تعطينا فكرة أننا محتاجون إلي الخلاص كل يوم.. ولعل البعض يسأل هنا: ما معني الخلاص إذن والتجديد اللذين نلناهما في المعمودية؟ ما معني عبارة " من آمن واعتمد خلص" (مر 16: 16). وما معني " جدة الحياة " وصلب الإنسان العتيق!" (رو 6: 4، 6)؟ وما معني قول الرسول " لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27)؟ حقًا إننا نلنا كل هذا في المعمودية، ولكن هناك ملاحظة هامة وهي: لقد اخذنا في المعمودية تجديدًا ولكن لم نأخذ فيها عصمة. فلا يوجد إنسان معصوم، بل ما اعجب قول يعقوب الرسول عن القديس العظيم إيليا النبي " إيليا كان إنسانًا تحت الألام مثلنا" (يع 5: 17). بعدم العصمة قد نسقط، وبالنعمة وعمل التوبة نقوم، ونقول للرب عن سقطاتنا " أغفر لنا " أننا تعمدنا، ولكننا ما زلنا مديونين. ليس لأن شيئًا قد بقي ولم يغفر لنا في المعمودية! ولكن لأننا في حياتنا نعمل كل ما يحتاج إلي غفران يومي.. حقًا إنه في المعمودية قد غفرت لنا خطايانا ولكننا في كل يوم نخطئ خطايا جديدة تحتاج إلي مغفرة. أن الذين اعتمدوا، وفي الحال فارقوا هذه الحياة، هؤلاء قد صعدوا من جرن المعمودية بلا دين عليهم. أما الذين اعتمدوا، ومازالوا موجودين في هذه الحياة، فإنهم يرتكبون نجاسات بسبب ضعفهم المائل. نعم في كل يوم نخطئ إلي الله، مهما كنا ومهما ارتفعنا. لذلك فإننا نقول لله في كل يوم: اغفر لنا ما علينا.. نعم بسبب الخطايا اليومية، ومن الضروري أن نقول في هذه الصلاة: أغفر لنا أن الذي ترتفع نفسه فوق هذه الطلبة، يكون محاربًا بالبر الذاتي. وذلك لأننا مديونان أمام الله. وفي قصة المرأة التي غسلت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، قال الرب لسمعان الفريسي. " إنسان كان له مديونان، علي الواحد خمسمائة دينار، وعلي الأخر خمسون، وإذا لم يكن لهما ما يوفيان، سامحهما جميعًا" (لو 7: 41). وبنفس المعني، ذكر السيد المسيح مثل العبد المديون المدان الذي سامحه سيده إذ لم يكن له ما يوفيه (مت 18: 27). كل منا يقف أمام الله مديونًا، عاجزًا عن وفاء ديونه، لأن أجرة الخطية هي موت، ولا وفاء إلا بتلك الفدية التي قدمت عنا علي الصليب.إذن في قولنا " اغفر لنا " نعني طلبنا بأن تمحي هذه الخطايا بالدم الكريم، ويحملها الرب عنا.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
اغفر لنا طلبة المغفرة ينبغي أن يقولها المصلي من كل قلبه. لأنه في وقت السقوط، أو في ساعات التوبة، قد يصلي الإنسان من قلبه طالبًا مغفرة خطاياه. أما في أوقات العزاء الروحي والنعمة وفي أوقات الخدمة الناجحة والعمل لأجل الملكوت.. ربما في هذه كلها، لا يشعر المصلي بخطاياه ولا يذكرها، لأنه لا يتذكرها، البر الحالي الذي يعيش فيه، ينسيه الأخطاء التي وقع فيها..! ولذلك فلكي لا يقع في البر الذاتي، ويظن في نفسه أنه شيء وضع له الرب أن يصلي هذه الصلاة أنه خاطئ.. لذلك أجلس وحاسب نفسك.. تذكر خطاياك حتى تطلب من أجلها توبة. واذكر ان بولس الرسول قال " أنا الذي لست مستحقًا أن ادعي رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله " مع أن ذلك كان في الماضي، فعله لما كان شاول الطرسوسي.. ومع ذلك كانت خطيته أمامه في كل حين، تجلب له الاستحقاق والشعور بعدم الاستحقاق، فيقول كنت من قبل " مفتريًا".. ولم ينسها. وداود النبي أيضًا بكي علي خطاياه حتى بلل فراشه بدموعه، كل ذلك بعد أن أخذ وعدًا بالمغفرة، لأنه قبل ذلك ما كان يدري تمامًا ما هو فيه إلي أن نبهه ناثان.. وما أجمل قول القديس الأنبا انطونيوس في تذكر الخطايا: إن ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا يذكرها لنا الله.. فما أعمق ذلك الإنسان الروحي، الذي مهما نال من مغفرة وخلاص، لا ينسي مطلقًا أنه خاطئ، ليس فقط بالنسبة إلي القديم، وإنما بالنسبة إلي الحاضر أيضًا. لأنه بهذا الأمر قد تبرر العشار دون الفريسي. الفريسي لم يقل مطلقًا في صلاته " اغفر لنا". بل قال ذلك العشار في طلبته المنسحقة. وقد ضرب الرب لنا هذا المثل حتى يكون لنا أنموذجًا في حياتنا الروحية. بل مبارك من يشعر أنه أكثر خطية من غيره. يري دائمًا الخشبة التي في عينه، قبل أن يتأمل القذي الذي في عين أخيه.. لذلك فإن الذي يصلي قائلًا "أغفر لنا "، لا يمكن أن يقع في إدانه غيره، أن كان يطلب هذه الطلبة من عمق قلبه.. إنه لا يدين غيره، إنما يطلب لغيره المغفرة كما يطلبها لنفسه. وبنفس الوضع لا يطلب النقمة لمن أساء إليه، بل المغفرة.. الإنسان الروحي يشعر أنه أكثر خطية من غيرة. علي الأقل لأن الذي يعرف أكثر يطالب بأكثر.. ربما غيره أخطأ عن جهل، أما هو فعن معرفه. ربما غيره أخطأ عن ضعف، أما هو فبلا عذر. نلاحظ هنا أن المصلي لا يبرر دائما إنما يطلب المغفرة. إن أمنا حواء لم تقل " اغفر لنا "، ولا قال أبونا آدم هذه الطلبة، بل حاول كل منهما أن يلتمس عذرًا لنفسه، أو يلقي بالمسئولية علي غيره أنما المصلي هنا لا يبرر ذاته. إنه يعترف تماما أنه مخطئ وأن ما يلزمه ليس العذار، وإنما المغفرة. لذلك فهو يطلبها دون أن يبرز ذاته، أو ينفي المسئولية عن نفسه.. ونحن نطلب المغفرة عن كل الخطايا، سواء التي أخطأنا بها غلي الله، أو إلي أخوتنا من البشر. فالخطية موجهة أصلًا إلي الله. والمرتل يقول في المزمور الخمسين " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت " إن كل خطية هي عصيان لله، وعدم محبة له، وكسر لوصيته حتى التي طالبنا فيها بمحبة القريب.فحينما نخطئ إلي البشر نكون قد أخطأنا إلي الله أيضًا. ولذلك فنحن نطلب منه المغفرة وليس منهم فقط. ونحن نطلب منه المغفرة وليس منهم فقط. ونحن بهذه الطلبة تتذكر صفه في الله وهي أنه غفور. لولا أن الله غفور ما كنا نطلب منه المغفرة.. إننا نذكر وعوده التي قال فيها " من يقبل إلي لا أخرجه خارجًا " ونتذكر وعوده التي قال فيها "من يقبل إلي لا أخرجه خارجًا". ونتذكر وعوده في سفر أشعياء حينما قال "هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج.." (أش 1: 18). بل نحن واقفون أننا حينما نطلب المغفرة سنبيض أكثر من الثلج" (مز 50) ونذكر قول دواد النبي عن الرب: "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. بل مثل ارتفاع السموات عن الأرض، قويت رحمته علي خائفيه. كعبد المشرق عن المغرب أبعد معاصينا. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن" (مز 103). ولكن كيف يغفر الرب؟ هنا توجد شروط: منها شرط التوبة وشرط المصالحة والمغفرة للمسيئين. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
التوبة شرط للمغفرة إن عبارة "اغفر لنا" لكي يحققها الرب لابد لها من شروط، وفي مقدمة تلك الشروط "التوبة"، وقد بيَّن الرب أهميتها بقوله: إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون (لو 13: 5). الله مستعد أن يغفر، ولكنه لا يغفر لغير التائبين. إذن التوبة شرط. فإن كانت التوبة هي بداية حياة جديدا مع الله، فكيف نجمع بين الله والخطية؟ والكتاب يقول "لا شركة بين النور والظلمة" التوبة هي مصالحة مع الله. وهذه المصالحة لازمه المغفرة. وليست التوبة هي مجرد ترك الخطية بالفعل، ولا مجرد تركها تغضبًا بالفكر وإنما كما يقول القديسون: كمال التوبة هو كراهية الخطية. إن وصل الإنسان إلي حاله كراهية الخطية، فحينئذ " لا يستطيع أن يخطئ " ولا تكون الخطية موافقه لطبيعته في حاله التوبة. ولكن قد يقول إنسان إنه تائب، بينما تدل أفعاله علي غير ذلك، لهذا فإن الكتاب المقدس يقول: " اصنعوا ثمارا تليق بالتوبة (مت 3: 8). فإن قلت في صلاتك "أغفر لنا"أسأل نفسك في الداخل: هل أنا تائب؟ هل أنا اصنع ثمارًا تليق بالتوبة؟ هل هذه الثمار ظاهرة في حياتي وفي سلوكي وتصرفاتي وفي صلحي العملي مع الله؟ أم أنا أطلب المغفرة بدون هذا كله؟ كأنك إذن حينما تصلي وتقول "، إنما تقول ضمنًا: أقبل يا رب توبتي، أو أمنحني يا رب نعمة بها أتوب، أو توبني يا رب فأتوب". وما علامة هذه التوبة في حياتك؟ أول علامة هي: أن تعترف بأنك خاطئ. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الاعتراف بأنك مُخطئ ويقول الرسول في ذلك: إن قلنا أنه ليس لنا خطية، نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايا" (1يو 1: 8، 9). إن الخطية التي تعترف بها، هي التي تطلب عنها مغفرة، أما المواقف التي تري نفسك فيها غير مخطئ، أو أن غيرك هو المخطئ، فهذه لا تدخل في ذهنك ولا في قلبك، أثناء قولك " اغفر لنا". إن اعترف بمرضك، أما إن قلت إنك غير مريض فإن " الإصحاح لا يحتاجون إلي طبيب، بل المرضي". والرب يقول لم آت لأدعو أبرارا بل خطاه إلي التوبة والذي يعترف بينه وبين نفسه لأنه خاطئ ومخطئ يستطيع أن يعترف أيضًا علي الأب الكاهن وأيضًا علي الأب الكاهن وأيضًا علي الأب السماوي. في عبارة " اغفر لنا " تذكر جميع خطاياك، واعترف بها امام الله ثم اعترف بها أمام وكيله علي الأرض (تي 1: 7) ليمنحك حلًا، ويأخذ من الدم الكريم، لتمحي به خطاياك.. ومن ثمار التوبة أيضًا في حياتك: الاستحقاق والندم علي الخطية. إنهما ليسا ثمنًا للخطية، أنما علامة علي التوبة التي هي شرط للمغفرة تتم بالكفارة العظمي، بالدم الطاهر الكريم ولكن هذا الدم لا يستحق توال الفداء به إلا المؤمن التائبون. واعرف أن المغفرة. حتى بعد أن تتم، لا تمنح الانسحاق والندم والشعور بعدم الاستحقاق، فداود النبي بلل فراشه بدموعه، وعاش في حياة التوبة والبكاء والاعتراف بخطيئته،، بعد أن غفرها الرب له. وبولس الرسول، بعد أن نال المغفرة وبعد أن ارتفع درجات في حياة الروح ظل يقول "أنا الذي " أنا الذي لست مستحقًا أن ادعي رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله"." أنا الذي كنت من قبل مفتريًا " ولم يقل أن ذلك كله فعله شاول الطروسي، شاول قد مات مع المسيح والموجود الآن هو بولس الذي ارتفع إلي السماء الثالثة.. كلا، بل قال: أنا الذي لست مستحقًا أن أدعي رسولًا بالإيمان وبالتوبة بالاعتراف تتقدم قائلًا (اغفر لنا).. وحاذر من أن تطلب المغفرة لغيرك دون أن تطلب المغفرة لنفسك. كما فعل أيوب الصديق الذي كان يقدم محرقات عن بنيه فقط قائلًا "ربما أخطأت بني إلي الله" (أي 1) دون أن يقدم محرقات عن نفسه.. هل القديسون - كالخطاه - يقولون معهم (اغفر لنا)؟ نعم. الكل يقول هذه الطلبه.. واول من قالها رسل المسيح القديسون. والقديس كلما يتأمل الكمال المطلوب منه، وصورة الله التي ينبغي أن تكون له، يشعر في أعماقه أنه خاطئ.. عن إيمان واقتناع.. حتى أن فعل القديسون كل ما أمرهم به الرب، يقولون " إننا عبيد بطالون".إذن فلنطلب كل حين أن يغفر الرب لنا. ليس الماضي فقط وإنما خطايا الحاضر أيضًا.. فنحن في كل حين نخطئ، وليست الخطية مجرد ماضي تركناه.. إن أشعياء النبي، لما رأي عرش الله، وحوله السارافيم يسبحون، قال " ويل لي أني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين" (أش 6). فماذا ترانا نقول نحن؟ نقول "اغفر لنا".. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
مغفرتنا للمسيئين إننا نطلب من الله المغفرة. والله من جانبه مستعد أن يغفر ولكن المهم: هل نحن مستعدون من جانبنا لقبول هذه المغفرة؟ هناك شروط: فما هي؟ نقول في الصلاة "اغفر لنا.. كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". إذن مغفرتنا للآخرين شرط. أو هي اتفاق بيننا وبين الله. ونلاحظ أن الله اهتم بهذا الشرط جدًا. فهذه الطلبة هي الوحيدة من بين الطلبات السبع في الصلاة الربانية التي علق عليها الوحي الإلهي. وتكلم الرب عنها بعد أن علمنا إياها.. ففي الإنجيل لمعلمنا متي البشير، يقول الرب بعد هذه الصلاة مباشرة: فإنه أن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم" (مت 6: 14،15). ويوضح هذا في الأنجيل لمعلمنا مرقس الرسول، فيقول: "ومتي وقفتم تصلون، فاغفروا إن كان لكم علي أحد شيء، لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم، وأن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السموات أيضًا زلاتكم" (مر 11: 25، 26). ونفس المعني يتكرر في الإنجيل لمعلمنا لوقا الرسول، فيقول الرب "لأنه بنفس الكيل الذي به تكليون، يكال لكم" (لو 6: 37، 38). إذن أن أردنا أن يغفر الرب لنا، علينا أن نغفر نحن أيضًا لمن أذنب إلينا مهما كانت إساءاته، ومهما كثرت، حتى إلي سبع مرات سبعين مرة في اليوم، كما أجاب الرب تلميذه بطرس الرسول. وأن لم نغفر فإننا باب المغفرة أمام أنفسنا ونكون نحن الخاسرين.. من تلقاء نفسك، أغفر، وبالأكثر إن آتاك المذنب إليك معتذرًا، لا تحقق معه، وإنما اغفر له. تذكر كيف أن السيد المسيح وهو علي الصليب غفر لصالبيه وقدم عنهم للأب عذرًا، فقال " يا أبتاه أغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون". وتذكر أن القديس اسطفانوس أول الشمامسة والشهداء. فيما كان اليهود يرجمونه ظلمًا، صلي من أجلهم قائلًا "يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية" (أع 7: 60) تنازل عن حقك تجاه الناس، لكي يتنازل الرب عن حقويه من جهتك، ولكي تكون لك داله في الصلاة حينما تقول "كما نغفر نحن أيضًا". وكذلك لكي تكون بهذا الأسلوب الروحي، صورة من أبيك السماوي وأبنا حقيقيا مشابهًا لأبيه في مغفرته، حسبما يبلغ مستواك.. فأنت حينما تغفر، إنما تعطي المغفرة لنفسك. أسأل نفسك إذن هذا السؤال: حينما تعطي مغفرة للآخرين هل أنت تعطي مغفرة، أم أنت تأخذ مغفرة! لا شك أنك تعطي وتأخذ ولكن إذا كنت لا تغفر، فإنك تمنع المغفرة عن نفسك.لأن الرب يقول "إن لم تغفروا للناس زلاتهم لكم أبوكم السماوي". إذن فأنت تغلق باب المغفرة علي نفسك بعدم مغفرتك لغيرك.. يقول القديس أوغسطينوس: والشخص الذي لا تغفر له يستطيع أن يأخذ المغفرة من الله مباشرة. إنه يأتي ويقول لك " أخطأت إليك، سامحني، فترض فيذهب لي الله ويقول له " اغفر لي أنت. أقع في يديك ولا أقع في يد إنسان، لأن مراحمك واسعه" (2صم 24: 14). فيغفر له الله، لأن الله في يده سلطان المغفرة. أما أنت فلا تخرج مبررًا، لأن الله لا يغفر لك بسبب عدم مغفرتك لأخيك. وهكذا يخرج هو محاللًا، وتخرج أنت مربوطًا. وبهذا الشكل تؤذي أنت نفسك، أكثر مما يؤذيك عدوك يقول القديس أغسطينوس "أن عدوك لا يستطيع بأي حال أن يؤذيك بقسوته، كما تؤذي أنت نفسك إن لم تحبه". " لأنه قد يالف عقارك أو قطعانك أو بيتك.. أو علي الأكثر جسدك، أن اعطي له مثل هذا السلطان.. ولكن هل يستطيع أن يتلف نفسك؟! كما تستطيع أنت أن تتلف نفسك!!". عدوك قد يضرك في أشياء خارج نفسك. ولكنك أنت تضر نفسك إن جعلتها مجالًا للبغضة والكراهية. إنك لم تضر نفسك بعدم التسامح. ولا يكون عدوك هو الذي أضرك. إنما أنت الذي تضر نفسك. وإذا لم تغفر، هل تظن أن الله يعتمد عدم مغفرتك؟! فإن بقيت غير راض عمن أساء إليك، أو إن دعوت عليه بالشر، هب تظن أن الله يقبل ذلك؟! كلا بلا شك. ولكنك إن أحسنت إليه، فإنك تنفع نفسك.. استمع إلي قول الرب في عظته علي الجبل، حيث يقول: "بالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم" (مت 7: 2). فكما تعطي الناس، الله يعطيك. والقياس مع الفارق. إن أعطيت الناس مغفرة، يعطيك مغفرة. وإن عاملتهم بقسوة، يقول لك إنك لا تستحق المغفرة. ولا تظن أنك إن عاملت غيرك بالقسوة، يعاملك الله باللين. انظر القصة التي رواها الرب في الإنجيل: قال "يشبه ملكوت السموات، إنسانًا ملكًا أراد أن يحاسب عبيده. فلما ابتدأ في المحاسبة، قدم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنه. وإذ لم يكن له ما يوفي، أمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ماله ويوفي الدين. فخر العبد وسجد له قائلًا: يا سيد تمهل علي فأوفيك الجميع. فتحنن سيد ذاك العبد،وأطلقه وترك الدين. ولما خرج ذلك العبد، وجد واحدا من العبيد رفقائه كان مديونًا له بمائه دينار، فأمسكه وأخذ يعنفه قائلًا أوفيني ما عليك فخر العبد رفيقه علي قدميه وطلب إليه قائلًا تمهل علي فأوفيك الجميع. فلم يرد، بل مضي وألقاه في السجن حتى يوفي الدين. فلما رأي العبيد رفقاؤه ما كان، حزنوا جدًا واتوا وقصوا علي سيدهم كل ما جري، فدعاه حينئذ سيده وقال له أيها العبد الشرير، كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إلي. أفما كان ينبغي أنك أيضًا ترحم رفيقك كما رحمتك. وغضب سيده وسلمه للمعذبين، حتى يوفي كل ما كان له عليه" (مت 18: 23- 34). وختم الرب القصة قائلًا: "فهكذا أبي السماوي يفعل بكم، أن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته" (مت 18: 35). أنت يا أخي هو ذلك الشخص الذي ترك له الرب الدين الكبير الذي عليه، ولم يطرحه إلي العذاب الأبدي. فأغفر إذن لأختك. أن كنت لا تريد السيد أن يغضب عليك. لأنه غفر لك أكثر بكثير مما ستغفره أنت لأخيك. علي الأقل أنت ستغفر لأخيك ما فعله معك، أما الرب، فقد غفر لك أكثر من هذا: خطايا الفكر، ومشاعر القلب، وكل ما ارتكبته ضد الله وضد الناس وضد نفسك، ومشاعر القلب، وكل ما ارتكبته ضد الله وضد الناس وضد نفسك. ونلاحظ أنه في المثل الذي راوه الرب عبارة خطيرة وهي: إن السيد بعدما غفر للعبد كل ما عليه، عاد وحاسبه علي كل الخطايا القديمة، لأنه لم يغفر لأخيه. أي أن المغفرة التي أخذها، عاد ففقدها بسبب عدم مغفرته. هكذا إن لم تغفر لأخيك، يسحب الله منك المغفرة التي نلتها من قبل.. أليست هذه مسأله خطيرة ينبغي أن تضعها في أعتبارك وستجد أنك تضر نفسك تمامًا أن لم تغفر لأخيك. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
معاملاتك لمن أساء إليك وهنا تواجه ثلاث درجات في معاملتك لمن أساء إليك: 1 - أن تحتمل من أساء إليك، ولا تغضب عليه. 2 - أن تغفر له من قلبك من الداخل. 3 - وأسمي من هذين الأمرين أن تحبه، حسب الوصية "أحبوا أعداءكم". لأنه ما أسهل أن تقول له "سامحتك. ولكن أبعد عني. لا أريد إن أري وجهك فيما بعد"!! تدرب علي هذه الدرجات الثلاث. فإن وجدت محبة العدو صعبه، علي الأقل اغفر له من كل قلبك. وإن وجدت هذه أيضًا صعبه، فعلي الأقل احتمله، ثم تدرج حتى تصل إلي المغفرة ثم المحبة. ويقول القديس أوغسطينس في ذلك: "أن لم تغفر من تلقاء نفسك لمن أساء إليك، فعلي الأقل إن توسل إليك أن تغفر له، فينبغي أن تغفر". أعني إن قال لك "لقد أخطأت إليك. سامحني". المفروض إذن أن تسامح. وإلا فأنك تصير إنسانًا قاسي القلب. وحينئذ بأي وجه ستطلب من الله المغفرة فبما أخطأت به إليه؟! لأنه إن كان صعبًا عليك أن تغفر لعدوك في حال إساءته، فعلي الأقل يسهل الأمر عليك، وهو يعترف بخطيته أمامك ويطلب العفو.. نقول هذا، لأن البعض حينما يأتي إليه المسيء قائلًا "أغفر لي" يبدأ معه تحقيقًا: لماذا فعلت وفعلت؟ ويوبخ ويعنف، بأسلوب إذلال! حتى إن ذلك المسيء يقول في قلبه: ليتني ما ذهبت إليه أطلب منه المغفرة!! |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
المصالحة وأعنف من هذا: شخص يسئ إلي غيره ويغضبه، ويعرف أنه إنسان متدين، وسيأتي للمصالحة قبل ذهابه إلي التناول. فلا يذهب إليه لكي يعتذر عما أساء به إليه، بل ينتظر إلي أن يأتي المساء إليه ساعيًا للمصالحة!! بل يقول أكثر من هذا: لابد انه سيأتي ليصالحني. وحينئذ سوف ألقنه درسا يحتاج إليه. وأثبت له أنني كنت علي حق فيما أسأت به إليه،؟ لأنه يستحق ذلك وأكثر. وأكون بهذا قد نفعته روحيًا! يا أخي، فكر أنت في نفسك وفي منفعتك الروحية. وكن متواضعًا. وأعرف أن الذي يسعي إلي المصالحة، هو الذي ينال بركة المصالحة. ولا تقل أمام الناس أو في داخل نفسك: كان بيني وبين فلان خلاف. ولكن الحمد لله قد اصطلحنا وانتهي الأمر نعم، قد تم الصلح. ولكن عن طريق من؟ عن طريقك أنت، أم عن طريقه هو؟ هل هو الذي جاء يطلب مصالحتك، ويعتذر إليك، ويدفع ثمن الصلح، بانكسار قلبه ومذله نفسه؟! وأنت وافقت علي ذلك وصفحت! وتم الصلح.. إذن هو الذي نال بركة الصلح وليس أنت.. إذن في المصالحة اسأل نفسك: من قام بها؟ وكيف؟ أما أن جاء أخوك يعتذر إليك، فقابلته بتحقيق وعنف. وظللت تثبت له أنه المسيء، وأنت الذي تغفر..! ولم تجعل المصالحة تمر بسهولة، وأجبرته علي تكرار الاعتذار، وتكرار، الاعتراف طلب العفو.. فإنك بهذا تدل بلا شك علي قساوة قلب، وعلي كبرياء في داخلك، وعدم مراعاة لشعور أخيك.. ويكون - وليس أنت - الذي نال بركة المصالحة، بل نال أيضًا بركة احتماله لك وصبره علي معاملتك القاسية.. كذلك بركة المصالحة، تنال في المسارعة إليها. إذ يقول الرسول " مسرعين إلي حفظ وحدانية الروح، برباط الصلح الكامل "ويري أن ذلك يتم" بكل تواضع القلب والوادعة وطول الأناة محتملين بعضكم بعضًا في المحبة" (اف 4: 2، 3). إذن في مغفرتك لغيرك، لا تبطئ في ذلك. ولا تترك الغضب يستمر فترة في قلبك بدون صفح. فكلما أسرعت بالمغفرة، كلما نلت بركتها.. وفي ذلك، احترس في معاملتك لمن هم أقل منك. كأب يسئ إلي أبنه، وينتظر أن يأتي الابن في انكسار قلب يطلب العفو عنه.وأن تأخر، يحث أخوته علي ذلك، فيذهب ويطلب الصفح عنه. وتتم المصالحة، والأب محتفظ بما يظنه لنفسه من كرامة!! وقد يحدث المثل فيما بين رئيس واحد مرؤوسيه: الرئيس هو الذي يسئ والمرؤوس هو الذي يسعي إلي العفو، وتتم المصالحة بكبرياء الرئيس، ومذلة المرؤوس. الذي ينال البركة هنا: هو الصغير وليس الكبير. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
المسئولية في المصالحة إن الإبطاء في المغفرة له أسباب: 1- إما أن الذات لها وجودها وسيطرتها، وتطلب لنفسها بحقوق.. 2- وإما أن عامل الغضب هو الذي يحكم الإنسان ولو ضغط علي أعصابه. 3- وأما أن المحبة ليست كاملة. لكن المحبة كما يقول الرسول "لا تحتد، ولا تطلب ما لنفسه، وتحتمل كل شيء.." (1كو 13). 4- وإما أن الإنسان يحتاج إلي تواضع قلب لكي يغفر. فليبحث كل إنسان أسباب عدم مغفرته، ويعالجها داخل نفسه ولا يعتذر بأن الإساءة كانت فوق احتماله. ذلك لأن القلب الكبير يمكنه ان يحتمل كل شيء. أن السيد المسيح يقول: إذا قدمت قربانك علي المذبح. وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، أترك قربانك قدام المذبح، واذهب أولًا اصطلح مع أخيك.." (مت 5: 23، 24). فما معني هذا إن تذكرت أن له شيئًا عليك، تعني أنه يمسك عليك خطأ ضده أي أنك أنت المسيء.. في هذه الحالة ينبغي أن تذهب وتصالحه، لأنك أنت الذي أسأت إليه. ولكن إن كان هو الذي أساء إليك، فلا تنطبق عليك الآية، إنما احتفظ ألا تحقد عليه في قلبك، واغفر له.. فإن غفرت له، ولم تصل إلي أن تحبه، فهل في هذه الحالة لا تتقدم إلي القربان؟ أولًا احترس من أن تكرهه.. ثم نعرض لهذه المشكلة: هل إذا لم تصل إلي محبة الأعداء، لا تستطيع أن تصلي؟ يجيب القديس أوغستينوس علي هذا السؤال، فيقول: "لا أجرؤ أن أقول لكم أن لم تحبوا أعداءكم، لا تصلوا.. بل صلوا بالحري لكي تحبوهم " نعم صل، وقل له امنحني يا رب محبة العداء.. اعترف لله بأنك لم تصل بعد محبة أعدائك. وكلمه بصراحة. قل: أنا سمعت يا رب كلمة من فلان جرحت شعوري، ومازلت متعبًا منها في الداخل، وقد أغير قلبي من نحوه. وهذا يدل علي عدم احتمال، وعلي غضب وعدم محبة، وعلي أنني لم أستطع أن أحرر تلك الكلمة ببساطة وهدوء. أعطني يا رب القدرة التي تجعلني أحتمل هذا الإنسان، وأن أحبه أيضًا. أعترف لك يا رب أنني لست أجد في هذا الشخص شيئًا يحب! وربما هذا الإحساس نابع من عدم نقاوة قلبي، فأعطني نقاوة القلب التي أحكم بها بغير قسوة.لأنه بغير نعمتك أنا عاجز عن محبته.. وإن كنت أنا غير قادر علي احتماله في عبارة واحدة قالها لي فعجيب أنت يا رب كيف تحتمله طول السنين والأيام.. إن كانت المغفرة صعبة علي، فأعطني يا رب أن أغفر.. أعطني نقاوة القلب، وأعطني الاحتمال، وأعطني أن أغفر لغيري، لكي استحق بهذا أن تغفر لي.. ليس بمجهودي البشري يمكنني أن أصل إلي هذا كله. إنما أنت الذي تقودني في موكب نصرتك (2كو 2: 14).. فأنتصر علي نفسي، وعلي مشاعري ضد الغير، وانتصر علي عدم احتمالي.. وأصل إلي محبة المسيئين إلي بعمل روحك القدوس في.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
أمثلة في المغفرة ضع أمامك أمثلة عجيبة في المغفرة. 1- السيد المسيح وهو علي الصليب، يشفع في صالبيه ويقول: "يا أبتاه اغفر لهم لا يدرون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). 2- والمثل الثاني، الذي هو إنسان عادي مثلنا، القديس اسطفانوس أول الشمامسة، الذي أثناء ما كان اليهود يرجمونه كان "يدعو ويقول: أيها الرب يسوع، لا تقم لهم هذه الخطية" (أع 7: 59). ولأن الشهيد اسطفانوس كان علي هذه الدرجة من المغفرة لراجميه، لذلك استحق أن يبصر "السماء مفتوحة، وأبن الإنسان قائم عن يمين الله" (أع 7:55). وهكذا استحق هذا القديس العظيم أن يدخل إلي السماء، وليس في قلبه شيء ضد أعداءه بل كل صفح بل وشفاعة فيهم. 3- المثل الثالث هو يوسف الصديق، الذي أساء إليه أخوته وألقي في البئر، ونزع عنه قميصه، وبيع كعبد.. ومع ذلك - لما وقعوا في يديه وقد صار الثاني بعد فرعون.. غفر لهم، وطمأنهم قائلًا "لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله" (تك 45: 8). وأسكنهم في أرض جاسان في أفضل أرض، واعتني بهم وعالمهم. ولما خافوا أن يبطش بهم بعد موت أبيهم يعقوب، طمأنهم مرة أخري وقال لهم "لا تخافوا.. أنت قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا. فالآن لا تخافوا. أنا اعولكم وأولادكم. فعزاهم وطيب قلوبهم" (تك 50: 19- 21). بل أنه من تأثيره بكي لما قالوا له نحن عبيدك (تك 50: 17). هذا مثل من العهد القديم، لئلا يظن أحد ان المغفرة للمسيئين هي فقط من سمو العهد الجديد. وهو مثل منفذ عمليًا إن كنت لا تغفر، فأنت تكذب في صلاتك. تقول للرب " كما نغفر نحن أيضًا".. بينما أنت لا تغفر وإذ تكذب في صلاتك التي تطلب بها مغفرة الخطية هي نفسها تحوي خطية!! فيجب أثناء وقوفك للصلاة، أن تصفي قلبك أمام الله.. فأنت لست فقط تصفي قلبك لكي تتقدم للتناول من الأسرار المقدسة، وإنما تصفي قلبك لمجرد أن تصلي. لكي لا تكذب علي الله، حينما تقول "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا." وإن لم تستطيع ذلك، فعلي الأقل أطلب إلي الله أن يصفي قلبك أثناء الصلاه. يقول القديس أوغسطينوس: إن السيد المسيح هو شفيع ك أمام الآب (1 يو 2: 1). فإن كنت تكذب في صلاتك، يصير هو شاهدًا ضدك. وأن لم تصلح نفسك، يكون هو القاضي عليك.. لذلك قل عبارة " " كما نغفر". وأعمل بها. فآنت لا تستطيع أن تجد وسيلة للأفلات بها من هذا النص.. أتراك تستطيع أن تحذف هذه العبارة من صلاتك؟! إن حذفت هذه الطلبة، فأنك تكون في هذه الحالة لا تطلب المغفرة، وتظل خطيتك قائمة محسوبة عليك.. يقول القديس أوغسطينوس إنه إتفاق وعهد أمام الله. علينا شرط، وعلي الله عهد. الشرط الذي علينا هو أن نغفر للمسيئين. والعهد الذي يقدمه الله هو أن يغفر لنا علي هذا الأساس. إنه إتفاق بيننا وبين الله. فأن أخللنا بالشرط، ماذا يحدث؟ يقول السيد الرب " إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم" (مت 6: 15). أنه إتفاق مع الله. إن أخللنا به تصبح صلاتنا عديمة الجدوي فهل بعد هذا، سوف تصطلحون مع بعضكم البعض. علي اعتبار أن الكتاب يقول "اغفروا، يغفر لكم" (لو 6: 37). يقول البعض: أيًا كان الأمر.. فلان بالذات لن أصالحه، ولن أغفر له، ولو أتاني الملاك ميخائيل يطلب مني ذلك!! الجواب بسيط. إن لم تصالحه وتغفر له، تكون أنت الخاسر، لأنك أنت الذي سوف تفقد المغفرة التي تأتيك من الله إن غفرت له اغفر إذن لغيرك. ولتكن المغفرة من كل قلبك. لأن البعض قد يقول بفمه "لقد سامحته" بينما يحزن في قلبه الخصومة، وكأنه لا يخشي عين الله التي تفحص القلوب. وحتى هذه الكلمة التي يقولها بلسانه، والتي لا تنبع من قلبه، يبدو من هذه الكلمة التي يقولها بلسانه، والتي تنبع من قلبه، يبدو من لهجته ونبرة صوته، أنه غير صادق..فيها إذن اغفر، ولو تجاهد نفسك في ذلك وتنتصر عليها. ولا تستبق في قلبك شيئًا من العداوة أو من الحقد. يقول البعض: فأن غفرت له، رجع مرة أخري ليسئ إلي؟! الجواب، هو أن تعود مرة أخري فتغفر له.. وان اخطأ إليك مرة ثالثة، تغفر له للمرة الثالثة. وهكذا دواليك وهذا الأمر قد أوضحه السيد الرب، حينما سأله بطرس الرسول قائلًا "كم مرة يخطئ إلي سبع مرات؟" فأجاب الرب " لا أقول لك سبع مرات بل إلي سبعين مرة سبع مرات" (مت 18: 21، 22). والمعروف ان رقم 7 يدل علي الكمال، وكذلك رقم عشرة. إذن فالذي يقصده الرب، هو ما لا نهاية له من المرات.. أي كلما أخطأ اغفر له. فلماذا؟ ذلك لأن الله قد غفر لك أكثر بكثير مما يطالبك به من المغفرة. مهما كانت عدد الخطايا التي أخطأ بها إليك أخوك، ومهما كانت شدتها.. فالله قد غفر لك ما هو اشد وأكثر منها. فأغفر وأجعل قلبك صافيًا، لكي تستحق أنت أيضًا مغفرة خطاياك.. انظروا، كيف أننا نبدأ القداس الإلهيبصلاة الصلح. ويقول الأب الكاهن: اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا، أن نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي ننال بغير إنطراح في الحكم من موهبتك غير المائتة السمائية".. والقبلة هي أشارة للحب. والشماس يصيح قائلًا "قلبوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة.. وعبارة " قبلة مقدسة " تعني أنها غير مخادعة، مثل قبلة يهوذا. قبلة حقيقة صادقة، عن حب صاف طاهر.. وليست مثل قبلة الخائن يهوذا، الذي كان يقبل بالفم، بينما القلب يدبر مؤامرات!! فهل أنت في حضورك للقداس، يكون قلبك فيه هذا الحب نحو الكل، ونحو المسيئين إليك. أم أنك إن دخلت الكنيسة، وكان فيها أحد المسيئين إليك، تتعمد الجلوس في مكان بعيد جدًا عنه، حتى لا تحرج بالسلام عليه. وإن سلمت اضطرارًا، لا يكون ذلك من قلبك. كيف إذن تصطلح مع أخيك، وتغفر له، وتسلم عليه من قلبك؟ يقول مار اسحق: اصطلح مع نفسك، تصطلح معك السماء والأرض. اصطلح مع نفسك، أي أن العيب في داخلك أنت، وليس في اخيك. في داخل نفسك أخطاء تحتاج أن تصلحها فيك، قبل أن تصطلح مع أخيك. وبذلك يكون الصلح سهلًا. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: نحن سنصلي. وفي صلاتنا سوف نقترب إلي الله. فإلي أي إله سوف نقترب في صلاتنا؟ سنقترب من الله صانع الخيرات الغفور الرحيم.. فلابد أن نكون صانعي خير مثله، غفورين مثله، رحومين ومحتملين مثله.. في كل هذه الصفات وغيرها مما نراه في الله، ينبغي أن نشابهه بحرية إرادتنا. أنت في صلواتك تطلب من الله أن يحبك ويغفر لك. فيقول لك مثلما تطلب مني أن أحبك وأغفر لك، ينبغي أن تكون أنت أيضًا محبًا وتغفر لغيرك.. وإلا فأنت تطلب طلبات لا تطبقها علي نفسك. وكما يقول القديس غريغوريوس: حينئذ ينطبق عليك المثل القائل: أيها الطبيب إشف نفسك" (لو 4: 23).. فأنت تتقدم إلي الله، وتطلب منه أن يكون غفورًا رحومًا. فيقول لك: هذه الطلة التي تطلبها مني، لماذا لا تطبقها علي نفسك.. هنا ونعود لنتأمل عبارة: اصطلح مع نفسك: أي أن نفسك فيها فكران، كل منهما ضد الآخر يصارعه: فكر يقول: أسامحه وأنفذ الوصية، وأصلي بقلب صاف. وفكر آخر ييقول: لا يمكن ان أسامحه، فقد أساء إلي. ومسامته ضد كرامتي وضد حقوقي. ويجب أن ألقنه درسًا. وهذان الفكران يتصارعان داخل نفسك. وأنت محتاج أن تصالح هذين الفكرين داخلك، فتصطلح مع نفسك. إن كنت لا تستطيع أن تغفر، فماذ تفعل؟ اعتبر هذه الطلبة عظة لك وصل من أجل تحقيقها. اعتبر أن صوت الله يناديك وأنت تصلي ويقول لك:" اغفر لأخيك لكي اغفر لك أنا أيضًا". وفي صلاتك قل من أعماق: أعطني يا رب أن أغفر امنحني الحب الذي أنسي به أخطاء غيري.. وعلي أية الحالات تكون وصية المغفرة ماثلة أمام عينيك. هنا ونسأل: ما علاقة المغفرة بطلبة الخبز السابقة لها؟ أن كنا نطلب الخبز السماوي، أي سر الإفخارستيا اللازم لحياتنا الأبدية، فإننا ما أن نطلبه، حتى نذكر أننا محتاجون للمغفرة لكي نتناول باستحقاق لذلك نقول اغفر لنا. ثم إننا يجب أن " نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي ننال بغير وقوع في دينونة من هذه الموهبة السماوية، لهذا نقول: كما نغفر نحن أيضًا. إذن يلزم لنا أن نغفر لغيرنا، وأن يغفر الرب لنا، لكي نستحق أن نتناول من السرائر الإلهية. وأن كنا في طلبة الخبز، نطلب كل الأغذية الروحية اللازمة لنمونا الروحي ولحياة الأبد، فأننا نقول للرب: هذا عن المستقبل الذي نريده معك. اما من جهة الماضي فأغفر لنا. أو نقول في اعتذار: علي الرغم من كل ما تعطينا من غذاء روحي، مازلنا يا رب نخطئ فإغفر لنا. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
من ينال بركة الصلح؟ · هل إذا غضبت مع إنسان وجاء هو يطلب مني أن أسامحه فسامحته: هل نال بذلك بركة الصلح؟ الذي ينال بركة المصالحة، هو الذي يسعي إليها. Reconciliation لأن سعيه إليها، يدل علي ما في قلبه من إتضاع، ومن حب ومن رغبة في السلام، كما يقول الكتاب "مسرعين إلي حفظ وحدانية الروح، برباط الصلح الكامل". ويقول عن ذلك "بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة، محتملين بعضكم بعضًا في المحبة" (أف 4: 3،2). أيضًا الذي يقبل المصالحة، ينال بركتها، لأنه لم يغلق قلبه دونها. وذلك لأن هناك أشخاصًا لا يستجيبون للمصالحة، ولا تكون قلوبهم ولا إرادتهم مستعدة لذلك ويقومون أسبابًا تمنعهم من ذلك.. |
رد: كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
الابتعاد عن العِشرة المضرة Evil company corrupts good habits · هل لو كان هناك شخص عشرته تضرني روحيًا أو اجتماعيا وقد ابتعدت عنه، هل يجب علي إذن أن أذهب وأصالحة؟ الجواب: كلا، فالكتاب يمنع من صحبة الأشرار. ويقول المزمور الأول " طوبي للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس" (مز 1:1). ويقول أيضا إن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو 15: 33). بل يقول كذلك "لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كو 6:11). وينطبق هذا الكلام أيضًا عن الذي يضرك عقيديًا (2يو 10، 11) معاشرة هؤلاء ليست صلحًا، أنما هي مخاصمة لله. المفروض أن مصالحتك لأي إنسان تكون علي الصلح مع الله ومحبتك لأي إنسان تكون نابعة من محبتك لله. فالذي يفسد حياتك الروحية، ابتعد عنه. ولا تحسب هذا خصامًا بل حرصًا. وفي نفس الوقت لا تختزن في قلبك عداوة من جهته. |
الساعة الآن 12:00 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025