منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=253038)

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:15 PM

كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
الغيرة نار ملتهبة


الغيرة المقدسة هى نار متقدة في قلب المؤمن تدفعه بحماس شديد للسعى بكل الجهد لأجل خلاص الناس، وبناء الملكوت.
وكما قيل عن السيد الرب إنه: "يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى 2: 4).. هكذا أيضًا الإنسان الذي تلهبه الغيرة المقدسة، يريد أن جميع الناس يخلصون.. وليس فقط يريد، إنما يعمل بكل قوته، وبكل مشاعره، ولا يهدأ، كما قال داود النبى:
"إنى لا أدخل إلى مسكن بيتى، ولا أصعد على سرير فراشى، ولا أعطى لعينى نومًا، ولا لأجفانى نعاسا، ولا راحة لصدغى. إلى أن أجد موضعًا للرب، ومسكنا لإله يعقوب" (مز 131).

هكذا الذي تلهبه الغيرة المقدسة، لا يهدأ ولا يستريح، إلى أن يجد موضعا للرب في قلب كل أحد، ويخلص على كل حال قومًا (1كو 9: 22).
الغيرة نار في قلب إنسان حار بالروح، يشتعل قلبه بمحبة الله، ومحبة الناس، ومحبة الملكوت. وبكل حرارة يعمل بجدية، ولكي يحقق رغباته المقدسة، من جهة خلاص الناس وإنتشار الملكوت.
ولذلك حسنا عندما أراد الله أن يرسل تلاميذه للخدمة، حل الروح عليهم مثل السنة من نار.
وبهذاألهبهم للخدمة، وصارت كلماتهم في الكرازة كلمات نارية، كأنها اسهم من نار تلهب القلب وتحرك الضمائر، و"لا ترجع فارغه" (إش 55: 11).. كلمة من القديس بطرس الرسول في يوم الخمسين قادت ثلاث آلاف إلى الإيمان (أع 2: 41). وبهذه الروح النارية، وبهذه الغيرة المقدسة، أتى ملكوت الله بقوة..
إنها النار التي قال عنها السيد المسيح: "جئت لألقى نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت" (لو 12: 49).
إنه العمل النارى الذي بدأ يوم الخمسين واستمر. وبه وقف الرسل القديسون أمام كل قوة اليهود وكل قوة الرومان، يشهدون للإيمان " بكل مجاهرة، بلا مانع" (أع 28: 31) " ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 31، 33).
ما أجمل قول المزمور: "الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً" (سفر المزامير 104: 4).
فإن كنت نارًا تلتهب، حينئذ تصلح أن تكون خادمًا لله. إذ يجب أن يكون خدامه " حارين في الروح" (رو 12: 11)، لأن إلهنا نفسه قيل عنه إنه: "نار آكلة" (تث 24: 24).
إرمياء النبي كذلك: كانت كلمة الله في جوفه " كنار محرقة " فلم يستطيع أن يهدأ، ولم يقدر أن يسكت، على الرغم من كل التعب الذي أصابه (إر 20: 9). قال له الرب: "هأنذا جاعل كلامى في فمك نارًا" (إر 5: 14). وصاح إرميا: "أحشائى أحشائى. توجعنى جدران قلبى. يئن في قلبى. لا أستطيع السكوت" (إر 4: 19). وهوذا داود النبي يقول: "غيرة بيتك أكلتنى، وتعييرات وقعت على" (مز 69: 9).
أي أن التعبير الذي يصيبك يا رب من الخطاة، أو يصيب كنيستك وشعبك، كأنه وقع على أنا شخصيا. وداود شعر بهذا فعلا، لما عير جليات صفوف الله الحى (1صم 17: 26). ولم يهدأ حتى أزال ذلك العار..
الغيرة هى حالة قلب متحمس، ومتقد بمحبة الله، يريد أن محبة الله تصل إلى كل قلب. وهو إنسان يحب الله، ويريد أن جميع الناس يحبونه معه
هو إنسان يشتغل قلبه من نحو مجد الله ونشر كلمة الله، ويريد أن ملكوت الله ينتشر حتى يشمل كل موضع وكل أحد. ويريد أن الإيمان يدخل كل قلب، ولا يفقد أحد نصيبه في هذا الملكوت.
الإنسان الذي يتصف بالغيرة، يكون إنسانًا متقدًا بالنار.
كلامه كالنار في حماسته، وصلاته كالنار في قوتها، وخدمته كالنار في فاعليتها وفي امتدادها.
بغيرته يلهب القلب، ويشغل المشاعر، ويقوى الارادة ويدفع السامع دفعًا نحو التوبة ونحو الملكوت، وينخسه في ضميره بطريقة لا يمكن أن يقاومها..
وبعكس ذلك هناك من يتكلمون باسلوب فاتر لا يقنع أحدًا ولا يأتى بثمر، ولا تظهر فيه حرارة الروح.
ومن أمثلة الكلمة الباردة، توبيخ عالى الكاهن لأولاده.
قال لهم " لا يا بنى، ليس حسنا الخبر الذي اسمع: تجعلون شعب الله يتعدون.. " كلام لا جدية فيه ولا حزم ولا حرارة، لذلك لم يؤثر فيهم، وقيل بعده: "ولم يسمعوا الصوت أبيهم" (1صم 2: 23 – 25). عرضوا أباهم لغضب الله عليه.
مثال آخر وهو انذار لوط لأنسبائه في سادوم.
لم تكن في حياته بينهم القوة التي تجعل لكلامه تأثيرا. لقد رأى شروهم من قبل، ولم تكن له الغيرة المقدسة على وصية الله. يكفى أنه أعطاهم بناته زوجات وصاهرهم! لذلك عندما قال لهم " قوموا اخرجوا من هذا المكان، لأن الله مهلك المدينة"، لم يسمعوا، بل يقول الكتاب " فكان كمازح في أعين أصهاره" (تك 19: 14).
بعكس ذلك كان بولس الرسول مثلا، الذي أنه وقف متهما أمام فيلكس الوالى، ويقول عنه الكتاب " وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة ارتعب فيلكس.." (أع 24: 25). وبنفس الوضع حينما تلكم أمام أغريباس الملك، لم يستطع هذا الملك الوثنى أن يقاوم قوة الكلام الذي كان يتكلم به بولس، " فقال أغريباس لبولس: بقليل تقعنى أن أصير مسيحيًا" (أع 26: 28).
الغيرة قوة فعالة، فيها الاهتمام والجدية، وليست فيها رخاوة.
فقد قال الكتاب " ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (أر 48: 10). لذلك كان خدام الله المتصفون بالغيرة، يعملون بكل جهد وقوة وبذل ولعلنا سنشرح ذلك في الفصل الخاص بـ(شروط الغيرة).
قال الرب لتلاميذه: هلم ورائى فاجعلكم صيادى الناس (مت 4: 19).
و الصياد المفروض فيه أن يبحث عن الأماكن التي يوجد فيها اسماك، والتي يمكن فيها الصيد، ويضع الطعم، ويرمى الشبكة، ويجاهد ويصبر، كما قال القديس بطرس " تعبنا الليل كله.." (لو 5:5). إذن المسألة فيها تعب وجهد، ولكنها تنتهى بالفرح كلما امتلأت الشبكة سمكًا.
بولس الرسول كان يسهر إلى بعد منتصف الليل يعظ (أع 20: 7). ومعروفة قصة افتيخوس الذي نام فوقع من الطاقة (أع 20: 7).
وربنا يسوع المسيح ظل يعظ الناس طول اليوم، حتى مال النهار (لو 9: 12). إذن علينا أن نبذل جهدًا، بكل غيرة، من أجل خلاص الناس.، كما قال الرسول عن خدمته " في تعب وكد، وأسهار مرارًا كثيرة" (1كو 11: 27). لخادم المتلهب بالغيرة، لا يكتفى فقط بالتعب، وإنما يصلي ويكتئب ويبكي!

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:19 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
يصلي ويبكي ويكتئب!
إنه يصلى ويقول: لتكن مشيئتك منفذة على الأرض، كما هى منفذة في السماء. وليأت ملكوتك..
فلتملك يا رب على قلب كل أحد. ولتملك على الشعوب وعلى الأمم.. على البلاد التي إنتشر فيها الإلحاد، وبدأت تفقد الإحساس بوجود الله. ولتملك على كل واحد لا يعرفك، ولا يعرف محبتك للبشر وخلاصك العجيب..
و هناك شخص إذا إشتعلت الغيرة في قلبه، ولم يستطع أن يعمل شيئا، يقف أمام الله ويبكى.
يقف أمام خريطة آسيا مثلا، ويبكى على مئات الملايين التي لا تعرف الله: ألف مليون شيوعى في الصين لا يعرفون الله، وكذلك حوالى خمسمائة مليون في الهند، وأكثر من مائتى مليون في اليابان، و.. وما أكثر الذين يعبدون برهما وبوذا Buddha وكنفوشيوس Confucius..! حقا أين ملكوت الله فى هذه القارة التي ولد فيها المسيح..

متى يا رب يتحقق المزمور الذي يقول: "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها.." (مز 24)؟!
وماذا نقول أيضًا عن الهنود الحمر، وعن القبائل البدائية في أواسط أفريقيا وفي النصف الجنوبى منها.
إن لم ينفعل من أجل الغرباء البعيدين، فعلى الأقل يشتعل قلبه من جهة المسيحيين الذين لهم اسم المسيحية فقط، بينما يسلكون في حياة الإباحية والمادية، ولا صلة لهم بالله ولا بالكنيسة، ولا يحيون حياة روحية..! ثم ماذا عن المسيحيين الذين يغيرون مذهبهم أو دينهم، أو يعيشون بلا دين..؟! متى يرجع هؤلاء جميعًا جميعًا إلى الله؟! هنا وتملك الغيرة على القلب، فيقول مع إرميا النبى:
" ياليت راسى ماء، وعينى ينبوع دموع، فأبكى نهارًا وليلا قتلى بنت شعبى" (إر 9: 1).
إنه يبكى نهارًا وليلا، على أولئك الذين قتلتهم الخطية، والذين أضلهم الشياطين، وإختاروا طريقا آخر، واصبحوا عرضة للهلاك.
هوذا داود النبى، تملكه الكآبة، وتملكة الدموع، من أجل الخطاة الذين إنحرفوا فيقول في غيرته للرب:
الكآبة ملكتنى من أجل الخطاة الذين تركوا ناموسك.
رأيت الذين لا يفهمون فاكتأبت، لأنهم لم يحفظوا أقوالك0 غاصت عيناى في مجارى المياه، لأنهم لم يحفظوا ناموسك (مز 119).
نتذكر هنا صموئيل، حينما ناح على شاول:
لما رفض الرب شاول: "إغتاظ صموئيل، وصرخ إلى الرب الليل كله" (1صم 15: 11) " ناح صموئيل على شاول والرب ندم لأنه ملك شاول على إسرائيل" (1صم 15: 35).
ونتذكر هنا جهاد آباء الاعتراف لأجل أولادهم:
وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول: "أطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم،:أنهم سوف يعطون حسابًا، ولكي يفعلوا ذلك بفرح غير انين" (عب 13: 17).
هكذا أب الاعتراف في غيرته على خلاص أبنائه، يبكى لأجل الخاطئ، ويحزن معه، ويصوم معه، ويداوم على المطانيات لأجله، ويذلل نفسه لأجل خلاصه.
ويصلى لأجل كل واحد من أولاده: يا رب إرحم فلان، يا رب إغفر له وسامحه. يا رب ساعد فلان، وأنقذه من الخطية الفلانية. لا تسمح يا رب أن يهلك وأن طول النهار والليل، له حزن ووجع في قلبه لا ينقطع من أجل آبنائه بالروح. يريد أن يقول عنهم كما قال الرب للآب في (يو 17: 12).
" الذين أعطيتنى حفظتهم، ولم يهلك منهم أحد".

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:20 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
العمل الإيجابي
هنا ونتذكر ايضًا غيرة نحميا وكم عملت:
لقد سمع من بعض الإخوة أن سور أورشليم منهدم، وأبوابها محروقة بالنار، وأهلها في شعر وعار. فغار غيرة للرب. يقول: "فلما سمعت هذا الكلام، جلست وبكيت، ونحت أياما وصمت وصليت أمام إله السماء وقلت:.. هم عبيدك وشعبك الذي افتديت بقوتك العظيمة.." (نح 1: 3، 4، 10).
ولكن نحميا لم يكتف بالصلاة والنوح، بل عمل عملًا.
لقد قرر أن يكلم الملك في هذا الأمر. لقد كان ساقيا للملك وكان موقفه حساسًا، ولكنه لم يصمت. فلما سأله الملك عن سر كآبته، أجابه: "كيف لا يكمد وجهى، والمدينة بيت مقابر آبائى خراب، وأبوابها قد أكلتها النار؟! " وأضاف: "إذا سر الملك، وإذا أحسن عبدك أمامك، ترسلنى إلى يهوذا، إلى مدينة قبور آبائى، فأبنيها" (نح 2: 3، 5).

وهكذا لم تكن غيره نحميا مجرد إنفعال، وإنما كانت غيرة عملية إيجابية بناءة فسافر، وجمع الشعب، ونظم العمل، وقال قولته المشهورة: "هلم فنبنى سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا" (نح 2: 17). وتحمل في سبيل البناء الكثير من المتاعب وشماتة الأعداء، ولكنه صمد فة قوة. وكان العاملون معه " باليد الواحدة يعملون العمل، وبالأخرى يمسكون السلاح" (نح 4: 17) إلى أن تم بناء السور في أثنين وخمسين يومًا (نح 6: 15) وتفرغ بعد هذا للإصلاحات الروحية وقيادة الشعب إلى التوبة (نح 8 – 10)
حقا أن غيرة القلب تدفع إلى الكآبة وإلى البكاء من أجل الخطاة، كما كما تدفع أيضًا إلى العمل الكرازى في قيادة الناس إلى الإيمان والتوبة. قيل عن القديس بولس لما دخل أثينا إنه: "إحتدت روحه فيه، إذ رأى المدينة مملوءة أصنامًا " (أع 17: 16). لذلك كان يكلم الذين يصادفونه في السوق كل يوم، ودخل في مناقشة مع الفلاسفة الأبيقوريين والرواقيين، وتكلم أيضًا مع الأريوس باغوس.. كما تكلم في مجامع اليهود..
وهكذا فعل أبلوس، وهو حار بالروح:
" كان هذا خبيرًا في طريق الرب. وكان وهو حار بالروح يتكلم ويعلم بتدقيق ما يختص بالرب.. وكان باشتداد يفحم اليهود جهرًا مبينا بالكتب أن يسوع هو المسيح" (أع 18: 25، 28). هناك عمل آخر في الغيرة وهو الصراع مع الله.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:21 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الصراع مع الله
مثال ذلك الموقف العجيب الذي وقفه النبى، لما أخبره الله أنه سيهلك الشعب إذ عبدوا العجل الذهبي.. حينئذ شفع فيهم موسى بكل غيرة، طالبا من الله أن يغفر لهم فلا يهلكوا ووصل في حماسة أنه قال:
" لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك؟!.. والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحنى من كتابك الذى كتبت " خر 32: 11، 32).
أى أنه يقول: لا أريد أن أدخل الملكوت وحدى. فإما أن تغفر لهؤلاء، وإما أن أهلك معهم إن هلكوا، وتمحو اسمى من كتابك الذي كتبت..!! انظروا إلى أية درجة وصلت محبة موسى وغيرته، لذلك فإن الله – قبل أن يعاقب - قال له: " أتركنى ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم، وفأصيرك شعبًا عظيمًا" (خر 32: 10).

وأنا أقف منذهلًا أمام كلمة " إتركنى " يقولها الرب لموسى، كما لو كان موسى ممسكًا به لا يدعه يفعل..!
تقول له: "إتركنى "؟! ومن الذي يمسكك يا رب؟! وما الذي يمنعك، وأنت الإله القادر على كل شئ؟! إنها محبة موسى للشعب، وغيرة موسى على خلاصهم، تمسك بالرب، تمنعه من إفنائهم.. هوذا موسى يقول له: إرجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر بشبعك.. إذكر إبراهيم واسحق.. " خر 32: 12، 13) " لماذا يتكلم المصريون قائلين: أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال، ويفنيهم عن وجه الأرض؟! (خر 32: 12).
هذا هو الصراع مع الله: فيه تضرع، وشفاعة، وفي منطق واقناع، وفيه حب للناس، وفيه إمساك بالرب (ومنعه) عن إهلاكهم..!
كنت وأنا طفل صغير ضئيل المعلومات، أظن أن يعقوب أبا الآباء هو الوحيد الذي صارع مع الرب وقال له: "لا أتركك إن لم تباركنى" (تك 32: 26). ولكن هوذا موسى يقول يقول له أيضًا " لا أتركك"..
لا أتركك يحمى غضبك على الشعب. لا أتركك تفنيهم لا اتركك حتى تغفر لهم وتندم على الشر..
لابد أن تسامح. لابد أن تغفر. وإن كنت لا تريد أن تغفر لهم، أمح اسمى من كتابك الذي كتبت..
إنها غيرة قلب، لا يشاء أن أحد يهلك.
" يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون (1تى 2: 4). ويصارع مع الله من أجل خلاص الكل، حتى الذين سجدوا للعجل الذهبى، قالوا: "هذه هى آلهتك يا إسرئيل التي أصعدتك من أرض مصر" (خر32: 4)..!
" إن لي حزنا عظيما ووجعًا في قلبى لا ينقطع. فإنى كنت أود لو أكون أنا نفسى محرومًا من المسيح، لأجل إخوتى أنسبائى حسب الجسد" (رو 9: 2، 3)
لو كان حرمانى هذا يوصلهم، لفضلت أن أكون محرومًا من المسيح، لكي يصلوا هم إليه!! أى حب أعظم من هذا في محيط الخدمة؟! وأية غيرة أعمق من هذه، في بذل الذات لأجل الآخرين. إنها محبة للناس وشفقة عليهم.
أولاد الله الذين تملكهم الغيرة لهم صراع مع الله من أجل الكنيسة وصراع مع الله من أجل خلاص كل نفس. إنهم يصرخون إلى الله ويقولون له:
قم أيها الرب الإله، وليتبدد جميع أعدائك..
وليهرب من قدام وجهك كل مبغضى إسمك القدوس. وأما شعبك فليكن بالبركة ألوف ألوف وربوات ربوات يصنعون مشيئتك.
قم أيها الرب الإله، فإن البار قد فنى، قلت الأمانة من بنى البشر (مز 12: 1). قم واعمل. لأنك رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين، قم فإننا قد تعبنا الليل كله ولم نصطد شيئا (لو 5: 5). أنت القوة وأنت المعين، وبدونك لا نقدر أن نعمل شيئا (يو 15: 5).
من الوسائل الروحية التي تعمل بها الغيرة المقدسة، تشجيع الخطاة حتى لا يدركهم اليأس فيفشلوا.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:23 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
تشجيع الخطاة
https://st-takla.org/Pix/Plants-Trees...uised-Reed.jpg


ما أجمل وما أعمق قول القديس بولس في هذا المعنى:

" شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء. تأنوا على الجميع" (1تس 5: 14)

إن أخطر سلاح يستخدمه الشيطان، هو أن يشعر الإنسان الخاطئ بأنه لا فائدة، وأن الخطية قد سيطرت تمامًا ولا مخرج منها! وبهذا اليأس يقوده إلى الاستسلام والبقاء حيث هو في وضعه الخاطئ.. بلا طريق إلى التوبة والخلاص.

أما الإنسان المملؤ غيره على خلاص النفس، فإنه:


يفتح أمام
الخطاة باب الرجاء، ويدفعهم فيه دفعًا..

ينفخ في الفتيلة المدخنة لعلها تشتعل، ويعصب القصبة المرضوضة bruised reed لعلها تستقيم، ويقول لكل أحد: "لا تخف. الله سوف لا يتركك. معونة الله معك. هناك حلول كثيرة لمشكلتك. الله لا يعجز عن حلها". وهكذا يدفعه دفعًا كما كان الملاكان يدفعان لوطًا إلى خارج سادوم (تك 19: 15، 16).

وهكذا يتذكر قول الرسول: "قوموا الأيادى المسترخية والركب المخلعة" (عب 12: 12). مستخدمًا في ذلك كل عطف وحنو وطول أناة..، ويضرب الأمثلة بالذين كانت حالتهم أسوأ وأمكنهم أن يخلصوا..

أيضًا بالغيرة يدفع الخدام إلى الخدمة بقوة، ويشجعهم.

وهكذا كان السيد المسيح يشجع التلاميذ قائلا لهم " لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع" (يو 14: 27) " ها أنا معكم كل الأيام وإلى أنقضاء الدهر" (متى 28: 25).. " سيسلمونكم إلى مجالس، وفي مجامعهم يجلونكم.. فمتى اسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم فيكم" (متى 10: 17- 20) " حتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة" (متى 10: 30). وبهذا التشجيع، كانوا يمتلئون غيرة، ويخدمون بلا خوف.

وبهذا التشجيع، كانوا يمتلئون غيرة، ويخدمون بلا خوف.

هوذا الله يشجع ارمياء في العهد القديم ويقول له " لا تخف من وجوههم، لأنى أنا معك لأنقذك.. ها قد جعلت كلامى في فمك.. هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، عمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأنى أنا معك –يقول الرب – لأنقذك" (أر 1: 8 _ 19) وبنفس الوضع قال الرب لبولس مشجعًا:

" لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأنى أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10).

وبنفس الطريقة قام الرب بتشجيع موسى لما اعتذر بأنه ليس صاحب كلام. فقال له الرب " اذهب وأنا أكون مع فمك، وأعملك ما تتكلم به.. وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات" (خر 4: 10- 17)

حتى أقوى الناس يحتاجون أحيانًا إلى تشجيع، كما حدث مع إيليا النبي لما هرب من إيزابل (1مل 19).

إن حرارة الغيرة إذا فترت، فالتشجيع يشعلها.

وإن كان الأنبياء يحتاجون إلى تشجيع كما شرحنا بالنسبة إلى ارمياء وموسى وإيليا (ا) وبولس الرسول وباقى الرسل.. فكم بالأولى الخطاة في سقطاتهم..

إن وجدت خاطئًا عاجزًا عن التوبة لأنه يحب الخطية.

قل له: إن محبة الخطية سوف لا تستمر معك. لأن نعمة الله ستعمل فيك وتنقذك من محبة الخطية. وسيأتى وقت تكرهها وتشمئز منها. الله لن يترك الشيطان يحاربك طول الزمان بلا هوادة، فلابد أن الله سيوقفه عند جده. فلا تخف.

يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات، وأما أنت فلا يقتربون إليك. بل مجازاة الخطاة تبصر (مز 91).

هناك أشخاص يسيرون في حياة البر، ويخافون من عدم القدرة على إكمال الطريق. وهناك من قد أحاطت بهم التجارب، ويخشون من عدم القدرة على النجاة أو على الصمود.. هؤلاء وأولئك: اشرح لهم عمل النعمة وعمل الروح القدس. واشرح لهم أن الله لا يترك الإنسان بمفرده، حتى إن ضغطت عليه التجارب إلى حين، فلابد أن نعمة الله ستدركه وتنقذه. شجعهم بقول ارمياء النبى، لما أحاط الأعداء بالمدينة:

الذين معنا أكثر من الذين علينا (2مل 6: 16).

بهذا لا يخاف الخطاة وإنما يصمدون. وإلى جوار تشجيع الخطاة، لابد أيضًا من التدرج معهم

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:24 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
التدرج مع الخطاة
ليست الغيرة القوية هى فرض حياة الكمال على الناس، حتى لو كانوا لا يستطيعون السلوك فيها!
فقد حاول الكتبة والفريسيون أن يفعلوا ذلك، فلامهم السيد المسيح له المجد لأنهم كانوا " يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بأصبعهم" (متى 23: 4). وكانوا بهذا يغلقون ملكوت السموات قدام الناس.
فلا هم دخلوا، ولا جعلوا الداخلين يدخلون (متى 23: 13).
ليست الغيرة هى لوم الناس على عدم السلوك في المثاليات، إنما الغيرة هى مساعدتهم على السلوك فيها.

هى اعطاء قوة للضعيف، ورجاء لليائس، وثقة لمن يظن حياة البرفوق مستواه. هى الأخذ بيد كل إنسان، ورفعه إلى المستوى الذي نريد له. وذلك بأن تثبت له أن الحياة الروحية سهلة وممكنة، وتزيل منه الخوف..
ولا يأتى ذلك إلا بالتدرج مع التائب والمبتدئ.
والتدرج له في الكتاب المقدس أمثلة عديدة: منها ما قاله الرسل في أول مجمع مقدس عقدوه في أورشليم بشأن قبول الأمميين في الإيمان. أي هؤلاء الآباء القديسون، وفي حنو ورحمة وحكمة:
" أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم" (أع 15: 19 )
" بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام، والزنا، والمخنوق والدم" (أع 15: 20)..و هكذا لم يضعوهم أمام وصايا عديدة تجعل الطريق صعبًا أمامهم0و هكذا قال بولس الرسول أيضا لأهل كورنثوس:
" لم استطع أن أكلمكم كروحيين، بل كجسديين، كأطفال في المسيح. سقيتكم لبنا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطعيون" (1كو 3: 1،2).
الغيرة المقدسة لا تعنى أن تجعل المبتدئ يجتاز الطريق الروحي كله في فتره واحدة، فهذا غير ممكن عمليا. إنما خذ بيده خطوة خطوة يصل. وهكذا كلما يجد لذة في الحياة الروحية، يشتاق أن ينمو فيها، ويكمل طريقه. ولا يأتى ذلك بالضغط أو بالأمر، إنما بالنمو الطبيعى. وحسنًا قال أبونا يعقوب عن غنمه الرخصة وبقرة المرضعة: "إن استكدوها.. ماتت في الطريق" (تك 33: 13).
حتى السيد المسيح نفسه قال لتلاميذه " إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم، ولكنكم لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" (يو 16: 12).. وهكذا كان يعلن لهم كل شيء في حينه، حينما يمكنهم أن يستوعبوا.. واستخدم الرب مبدأ " في ملء الزمان" (غل 14: 4).
ولذلك فالغيرة لا تعنى القسوة في القيادة والارشاد.
لا تعنى تشامخ الذين يعرفون، على الضعفاء الذين لا يقدرون. ولا يمكن أن تعنى مطلقًا أن تطالب المبتدئ بالوصول إلى القمة، وإلا أشبعته تو بيخًا وانتهارًا باسم الغيرة المقدسة. إن لكل إنسان مستواه " كما قسم الله لكل واحد مقدارًا من الإيمان" (رو 12: 3). فلا نطالب الكل بمستوى واحد باسم الغيرة. وإنما كل واحد حسب قدرته وإمكانياته ومواهبه.
وربما ما لا يستطيعه الآن، يستطيعه فيما بعد.
إذن لا تثبط همة أحد. بل شجع الكل، وتدرج مع الصغير حتى يكبر، ومع الضعيف حتى يقوى،.. في غير كبرياء وفي غير فريسيه. كن حانيًا ولا تكن جانيًا. اعمل على تقوية الضعيف بدلا من أن تنتهره..
ومع تشجيع الخطاة والتدرج معهم، ضع أمامك قاعدة روحية هامة في فهم هذه النقطة وهى:
المقصود هو تسهيل الوصايا، وليس التساهل في الوصايا.
ونحن نقول في صلوات القداس الإلهى " سهل لنا طريق التقوى". والمدرس الناجح يسهل أمام تلاميذه فهم العلوم. وهكذا الناجح يسهل طريقه تنفيذ الوصايا، دون أن يتساهل فيها، أي في كسرها.. حاشًا..
لذلك فلتكن غيرتك ممزوجة بالحكمة. واذكر قول الكتاب:
" رابح النفوس حكيم" (أم 11: 30).
ننتقل إلى نقطة أخرى في (كيف تعمل الغيرة؟) وهى عملها مع الله..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:25 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الشركة مع الله


https://st-takla.org/Pix/Things-Tool-..._Lamp-Bulb.gif
لا يستطيع أحد أن يخلص إنسانًا إلا عن طريق الله نفسه فتحريك القلوب وايقاظ الضمائر، هو من أعمال الله ذاته، الذي قال فليكن نور، فكان نور (تك 1: 3)، والذى قال " بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5).

لذلك فالعمل على خلاص النفس، لا يكون إلا بالشركة مع الله.

لذلك قال بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولس " نحن عاملان مع الله" (1كو 3: 9) " وأنتم فلاحة الله، بناء الله".

لابد أن يصل الإنسان إلى الله ليوصل الناس إليه. واضرب لك مثل الحديد والمغناطيس.

المغناطيس يقدر أن يجذب الحديد. وإذا ما تمغنط الحديد، يمكنه أن يجذب إليه حديدًا آخر. وإذا تلاقت معهما قطعة حديد ثالثة، تنجذب أيضًا.. إذن الحديد المتلامس مع المغناطيس يمكنه ذلك.

قطعة حديد وزنها طن لا يمكنها أن تجذب مسمارًا، إن كانت غير ممغنطه. ولكن مسمارًا ينجذب اليه.

مثال آخر هو لمبة الكهرباء، وتيار الكهرباء:

هناك لمبات كهرباء، جميلة جدًا، وقوية جدًا، ومن نوع ممتاز، تضئ فيفرح الناس جدًا بضوئها. ولكنها في الواقع لا تستطيع أن تعطى ضوءًا مالم تكن متصلة بتيار الكهرباء. فإن انقطع عنها تيار الكهرباء، فحينئذ باطل هو عملها، ولا فائدة من صنفها وجمالها وقوتها..

وهكذا باطلة كل غيرتك، وإن كانت بعيدة عن الله، الذي هو مصدر القوة..

وهكذا مع غيرة التلاميذ في نشر الملكوت، قال لهم الرب: "لا تبرحوا أورشليم حتى تلبسوا قوة من العالى (لو 24: 49). وأكمل ذلك بقوله " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع 1: 8). وهكذا كان. ولم يبدأ الرسل خدمتهم إلا بعد حلول الروح القدس عليهم.

أترى كانت غيرة الرسل تكفى لنجاح الخدمة، بدون حلول الروح القدسعليهم؟!

كلا بلاشك. فالخدمة كلها عبارة عن
الشركة مع الله، العامل فينا، والعامل معنا، والعامل بنا. " وإن لم بين الرب البيت، فباطلًا يتعب البناءون" (مز 127: 1) إن بولس كان يغرس وأبولس كان يسقى. لكن الله كان ينمى" (1كو 3: 6).

ويعلق بولس الرسول على هذا الأمر فيقول " إذن ليس الغارس شيئًا، ولا الساقى، بل الله الذي ينمى" (1كو 3: 7).

افحص إذن غيرتك. هل هى عاملة مع الله؟

إن فقدت الصلة بالله، فلن تستطيع أن توصل أحدًا إليه، مهما كانت غيرتك. لأن " فاقد الشئ لا يعطيه".

لابد إذن أن نحب الله، لكي نجعل الناس يحبونه.

ولابد أن نطيع وصاياه، حتى نقدر أن نشرح لهم عمليًا كيف تطاع الوصايا .

حقًا أنه تواضع من الله أن يشركنا معه في عمله. ومع ذلك نحن نتكاسل!

الله قادر أن يخلص العالم كله بدوننا. ولكنه من تواضعه اشركنا معه نحن الضعفاء ونحن الخطاة! فهل نتجاهل نعمته هذه ونتكاسل في عمله. ولا تكون لنا غيرة متقدة، مثله..!

هذا عجيب حقا. والأعجب منه، أننا أحيانًا نعرقل الملكوت!

بسلبياتنا، وبصراعاتنا في الخدمة، وبفتورنا، وبأخذ المفاتيح، ولا ندخل، ولا نجعل الداخلين يدخلون، بمنافسات بشرية بعيدة عن روح الغيرة وروح الخدمة!!ه

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:26 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الغيرة لأجل الله وملكوته
هناك دوافع كثيرة للغيرة المقدسة، بعضها خاص بالله وبعضها خاص بالناس، وبعضها خاص بالعمل ذاته، وبنفس الشخص. أولها الغيرة لأجل الله وملكوته.
الذى يحب الله، يريد أن جميع الناس يحبونه. ويحترق قلبه بالغيرة إن وجد أناسًا بعيدين عن الكل. هو يريد أن يكون الكل لله " للرب الأرض ووملؤها، المسكونة وجميع الساكنين فيها" (مز 24: 1).
والذى يحب الله، يريد أ ملكوت الله ينتشر. ويدخل الله في كل قلب، وفي كل بيت، وفي كل مدينة. ويصرخ ليلا ونهارًا، ومن عمق قلبه " ليأت ملكوتك". لذلك لا يحتمل أن يوجد مقاومون لله، يحاربون ملكوته.. فبكل جهده يعمل على أن يجذب الكل إلى ملكوت الله.

والذى يحب الله، طبيعى أنه يحب أولاده.. فهو يريد أن الجميع يخلصون، ولا يشرد منهم أحد، ولا يهلك منهم أحد. كل نفس يصادفها تكون عزيزة عليه، لأنها من أولاد الله، الذين يجب أن تكون لهم صورة الله ومثاله.
والذى يحب الله، يجد لذة في أن يفرح قلب الله.
وكيف يفرحه؟ يقول الكتاب " يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب" (لو 15: 10). إذن إن أردت أن تفرح قلب الله قدام ملائكة السماء، حاول أن تقود غيرك غلى التوبة. فيقول الله " ينبغى أن نفرح ونسر، لأن ابنى هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالا فوجد" (لو 15: 22).
كذلك الذي يحب الله، ينفذ وصاياه.
ووصيته تقول " اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره" (متى 6: 33). وماذا أيضًا؟ إنه يقول " اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقى الذى للحياة الأبدية" (يو 6: 27). فعلينا أن نطلب ملكوت الله بكل قوتنا وبكل مشاعرنا، ونقدم لأولاد الله الطعام الباقى اللازم لأبديتهم.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:28 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
غيرة حب الناس وشفقة عليهم
غيرتك على الناس تنبع من محبتك لهم،، ورغبتك في خلاصهم.
لذلك اشعرهم بمحبتك. صادقهم. أجعلهم يحبونك، ويحبون الحياة المقدسة التي تحياها، ويشتاقون أن يكونوا مثلك في روحياتك التي تجذبهم إليك، وتجذبهم إلى إلى الله. وثق المحبة لها مفعول كبير وقوى..
السيد المسيح أظهر محبته للعشارين، وكان يأكل معهم أحيانًا، بينما كان الفريسيون يحتقرونهم. ولكن محبة المسيح كانت هى الغالبة، فكسبتهم..
ومن محبتك للناس تشفق على مصيرهم الأبدى.
هناك آيات في الكتاب المقدس يقف الخادم أمامها مرتعبًا، مشفقًا على إخوته مثال ذلك قول الرب للهالكين، في اليوم الأخير:

"إذهبوا عنى يا ملاعين، إلى النار البدية، المعدة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41).
مساكين هؤلاء الناس الذين سيذهبون إلى النار المؤبدة، ويكونون في عشرة إبليس وباقى الشياطين في المكان الذي قال عنه سفر الرؤيا (رؤ 21: 8):
" في البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثانى".
هناك حيث يوجد " الخائفون، وغير المؤمنين، الرجسون، والقالتلون، الزناة، والسحرة، وعبدة الأوثان، وجميع الكذبة" (رؤ 21: 8).
ما أرعب هذا المصير إن تصورنا فيه بعض إخوتنا وأصدقائنا ومعارفنا، أوأى أحد من البشر عمومًا.. هذا المصير الذي قال عنه الرب:
" هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (مت 13: 50)
" هكذا يكون في إنقضاء العالم: يخرج الملائكة، ويفرزون الأشرار من بين الأبرار، ويطرحونهم فى أتون النار.. " " وكما يجمع الزوان ويحرق بالنار، هكذا يكون في إنقضاء هذا العالم.. (مت 13: 49، 50، 40). بل ما أصعب هذه العبارة، تخرج من فم الرب:
" إنى لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم".
هكذا يقول في اليوم الأخير للذين لم يفعلوا إرادة الآب الذي في السموات (مت 7: 21، 23). وهكذا يقول يقول أيضًا للعذارى الجاهلات: "الحق أقول لكن إنى ما أعرفكن" (مت 25: 12).
كلما نتذكر الآيات الخاصة بالأبدية، نخاف على إخوتنا.
الآيات الخاصة بالعذاب الأبدى، وبالظلمة الخارجية، وبصرخة غنى للعازر يطلب قطرة ماء يبل بها فمه، وهو معذب في ذلك اللهيب (لو 16: 24).
عندئذ تملك الغيرة على قلوبنا، ونخاف على أولئك الذين سيهلكون، ويحرمون من الله وملائكته، ويطرحون في العذاب الأبدى، بلا أمل، بلا رجاء، وبلا نهاية..
ليست المسألة إذن مجرد غيره على ملكوت الله، وإنما أيضًا هذه الغيرة تحمل داخلها محبة الله، محبة الناس، وإشفاقًا عليهم من المصير الأبدى..
محبة تسعى إلى خلاص هذه الأنفس المهددة بالهلاك الأبدى. وكما قال القديس بطرس الرسول: "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس، الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء.." (ابط 1: 9، 10).

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:30 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
دوافع غيرة بولس الرسول

إنه يقول في محبته للناس واهتمامه بهم:
" من يضعف، وأنا لا أضعف. من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو 11: 29).
أى أنه لو مرض أحد، أنا في تجاوبى معه اصبح كأنى مريض مثله. ولو أن أحدًا عشر أو سقط في حياته، ألتهب أنا بالغيرة من نحوه لكي أخلص هذا الإنسان الذي مات المسيح من أجله. وأنقذه من الفتور، لكي يرجع إلى حرارته الأولى..
وكان القديس بولس يستخدم كل الوسائل التي تناسب الناس لكي يخلصهم. وفي ذلك يقول:
" إذ كنت حرًا، استعبدت نفسى للجميع، لأربح الكثيرين " " صرت لليهود كيهودى، لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس، كأنى تحت الناموس، لأربح الذين تحت الناموس". " صرت للكل كل شيء، لأخلص على كل حال قومًا" (1كو 9: 19 – 22).
إنه كفاح لأجل الناس. يلتمس فيه الرسول كل الوسائل المناسبة لخلاصهم. المهم أن يخلصوا، بكافة الطرق.
وكما يقول القديس يهوذا الرسول: "وارحموا البعض مميزين، وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار، مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" (يه 22 / 23). المهم أن تعمل عملًا، ولا تقف تتفرج.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:32 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الغيرة المقدسة لا تقف تتفرج
نحن لا نستطيع الفرجة على العالم وهو يهلك!
بل لابد أن نعمل عملًا من أجله، مادام بإمكاننا أن نعمل.. لا يمكنك أن تبصر نارًا تحرق بيتًا وتقف تتفرج. ولا يمكنك أن تبصر أعمى سيقع في حفرة، وتقول مع قايين: "أحارس أنا لأخى" (تك 4: 9) انظر هوذا القديس يعقوب الرسول يقول: "من يعرف أن يعمل حسنًا، ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع 4: 17).
ما تعرف أن تعمله، إعمله. وكنت لا تعرف، إسال الذين يعرفون، أو حول الخدمة إلى الذين يعرفون. ولا تقف فى سلبية كاملة. فالسلبية لا تتفق مع المحبة، ولا مع الغيرة.. كأن خلاص الناس لا يعنيك!!

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:34 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
أهمية تخليص النفوس

https://st-takla.org/Pix/Saints/The-T...eter-icon1.jpg

الذى يدرك أهمية توصيل خلاص المسيح إلى الناس، يلتهب قلبه بالغيرة للمساهمة في هذا العمل العظيم الذي قال عنه القديس بطرس الرسول:

"نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس" (1بط 1: 9).

واستطرد الرسول قائلا " الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء.." (1بط 1: 10). ويقول القديس بولس الرسول " كيف ننجو نحن، إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره" (عب 2: 3).

وقد اعتبر السيد المسيح أن من يجاهد في هذا المجال، إنما يعمل معه. فقال:




"من لا يجمع معى فهو يفرق" (متى 12: 30).

فهل أنت تجمع مع المسيح أم أنت تفرق؟

هل أنت تجمع هذه النفس الضائعة، وتحملها على منكبيك فرحًا، لتضمها إلى المكوت؟ إن الله يريد مثل هؤلاء الذين يجمعون معه، لأن الحصاد كثير والفعلة قليلون. لذلك أمرنا الرب أن نجعل هذه الطلبة جزءًا من صلواتنا، فقال:

"اطلبون من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده" (متى 9: 38).

فهل تكون أنت من هؤلاء الفعلة؟ تسعى جاهدًا لكة تهيئ مكانًا للرب في قلب كل إنسان، واضعًا أمامك أن العالم له كثيرون يخدمونه، بل يتنافسون في خدمته. أما الذين يخدمون عمل الرب فهم قليلون. وحتى إن وجد أحيانًا كثيرون، قد لا تكون نوعيتهم صالحة.

إن خلاص النفس أهم عندالله من عمل الخلق:

لأنه ما فائدة الخليقة، إن كانت تذهب إلى جهنم؟! ولعلنا نتذكر أن عمل الخلق لم يكلف الله سوى اصدار أمر، كقوله مثلًا " ليكن نور " فكان نور (تك 1: 3)0 أما عمل الخلاص فقد كلفه التجسد واخلاء الذات، الآلام والصلب والموت وكل ما استلزمه عمل الكفارة والفداء..

وهكذا كانت راحة الرب بعد تخليص العالم من الخطية والموت، أهم من راحتة بعد عملية الخلق. فكان الأحد أهم من السبت. واصبح هو يوم الرب.

العمل في خلاص النفس، أهم من معجزة اقامة ميت.

بل هو اقامة ميت. ولكنه اقامة الروح الميتة، التي هى أهم من إقامة الجسد الميت ألم يقل الآب في رجوع الابن الضال " ابنى هذا كان ميتًا فعاش. وكان ضالا فوجد" (لو 15: 24). وفي هذا المجال قال القديس يعقوب الرسول:

" من رد خاطئا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20).

إن الشيطان يبذل كل جهده، ليقود
النفوس إلى الموت، بكل الحيل والاغراءات، وبكل الشباك المنصوبة.. أفلا نقف من الناحية المضادة، لكي نخلص النفوس من الموت. ونكون فى هذه الحالة عاملين مع الله، كما قال القديس بولس (1كو 3: 9).

هذا العمل من أهميته، هو عمل الله والملائكة والقديسين إنه عمل الرسل والرعاة والمعلمين، وعمل كل رتب الكهنوت، وعمل جميع الخدام في كرم الرب، وعمل ارواح الأبرار في شفاعاتهم. الكل يعملون لأجل ملكوت الله وانتشاره، ومن أجل خلاص كل نفس. بل هو عمل مطالب به كل أحد على قدر امكانياته. وفي هذا يقول القديس يعقوب الرسول:

من يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل، فتلك خطية له" (يع 4: 17).

إذن فكل ما تستطيع أن تعمله لأجل الملكوت، إعمله، واثقًا أن الله يعمل معك. وإن لم تعمل فتلك خطية تحسب عليك..

ولعل من أهمية هذا العمل، المكافأة الموضوعة لأجله.

انظروا إلى الآباء الرسل مثلا، يقول لهم السيد الرب " متى جلس ابن الإنسان على كرسى مجده، تجلسون أنتم أيضًا على إثنى عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الإثنى عشر" (متى 19: 28).. فإن قلت إن درجة الرسل درجة عظيمة، أقول لك أمامك نبوءة دانيال النبي عن كل العاملين في هداية الخطاة. وقد رود فيها:

" الفاهمون يضيئون كضياء الجلد. والذين ردوا كثيرين إلى البر، كالكواكب إلى أبد الدهور" (دا 12: 3).

يضيئون كالكواكب.. ما أعظم هذا المجد. ولهذا نجد الربفى بداية سفر الرؤيا، وقد رآه يوحنا في وسط المنائر السبع التي هى السبع الكنائس، وفي يده اليمنى سبعة كواكب هى ملائكة الكنائس السبع (رؤ 1: 13، 16، 20).

ومن أهمية خلاص النفس، أنه سبب فرح للرب.

ففى قصة الخروف الضال، نجد أن الرب لما وجده " حمله على منكبية فرحًا" (لو 15: 5). وفى قصة الابن الضال، لما رجع ذبح الآب العجل المسمن وأقام وليمة وقال لعبيده نأكل ونفرح..

فابتدأوا يفرحون" (لو 15: 23، 24). وقال للأخ الآخر " كان ينبغى أن نفرح ونسر، لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالًا فوجد" (لو 15: 23). وفي مثل الدرهم المفقود يقول الكتاب إن الأرملة لما وجدته، لم تفرح وحدها، وإنما دعت الصديقات والجارات قائلة افرحن معى لأنى وجدت الدرهم الذي أضعته (لو 15: 9)

فإن كنت قد أحزنت الله قبلًا بخطاياك، حاول أن تفرحه الآن بتوبتك، وبسعيك لخلاص الآخرين.

وإن كان يحدث فرح في السماء " بخاطئ واحد يتوب" (لو 15: 10)، فكم يكون الفرح بمن يردون كثيرين إلى البر؟ أليس عملًا عظيمًا أن تفرح قلب الله وقلوب ملائكته، وتعوض الله عن السنين التي أكلها الجراد (يؤ 2: 5) في حياتك وحياة الناس..

إن أبانا إبراهيم أقام حفلة لثلاثة (تك 18).. أما أنت فتقيم حفلة لكل ملائكة السماء بغيرتك المقدسة التي تساهم في خلاص آخرين، وفي هدايتهم وانقاذهم من الخطية، أو من الجهل والإلحاد والاباحية..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:36 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
عوائق أمام الغيرة
هناك عوائق قد يضعها البعض أمام الخدمة، تمعنه من أن يلتهب بالغيرة المقدسة.. والعجيب أن هذه العوائق يلبسها ثوبًا روحيًا، حتى يستؤيح ضميره وهو بعيد عن الغيرة وعملها. فما هى هذه العوائق؟
1- قد يعتذر العبض بأن اهتمامه بخلاص نفسه، يعطيه فرصة للاهتمام بخلاص الآخرين.
ونحن نقول إنه لا تعارض. فمن الأشياء التي تساعدك على خلاص نفسك، أن تكون لك محبة نحو الآخرين وخلاصهم إذ كيف تخلص، إن كنت لا تحب غيرك، ولا تبذل لأجله ولا اقصد بذلك أن ترتئى فوق ما ينبغى (رو 12: 2ى)، وتقيم نفسك واعظًا ومعلمًا لكل أحد، وأنت لا تعرف!! بل ترتئى للتعقل، في حدود إمكانياتك، وفي حدود مواهبك..
و الذي لا تستطيع أن ترشده، صل لأجله..
و الصلاة من أجل خلاص الناس، من الأمور الممكنة لكل أحد، ولا تحتاج إلى مواهب وقدرات..! صارع مع الله في هذا الأمر، وضع نفسك أيضًا مع الذين يحتاجون إلى خدمة وإلى صلاة..
نقول أيضًا أن هناك فرقًا بين الراهب الذي اغلق على نفسه في حياة وحدة وصمت وعبادة، وبين الإنسان الذي يعيش في العالم، ويشعر بما يحتاج إليه الناس، ولا يستطيع أن يغلق احشاءه أمامهم (1يو 3: 17).
2- وقد يعتذر البعض بأن الغيرة تفقده وداعته وتواضعه:
كما لو كانت الوداعة أن يكون الإنسان راكدًا لا يتحرك، أو أن يكون باردًا لا يسخن أبدًا!! هل فقد القديس بولس الرسول وداعته حينما احتدت روحه فيه لما رأى مدينة أثينا مملوءة أصنامًا (أع 17: 16). إنه تصرف في غيرة مقدسة، وفي نفس الوقت ظل مختفظًا بوداعته.
و السيد المسيح الذى نتعلم منه الوداعة والتواضع (متى 11: 29)، بكل غيرة مقدسة فتل حبلًا وطهر الهيكل.. وبخ الناس، واخرج البهائم، وقلب موائد الصيارفة. وقال لهم " بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص (متى 21: 12، 13)
إن الحياة الروحية ليست حياة سلبية، إنما هى قوة ايجابية تتكامل فيها لفضائل ولا تتعارض ولا تتناقص.
فيمكن أن يكون الإنسان عنده التواضع والوداعة، وفي نفس الوقت عنده الغيرة والشجاعة والحزم. ويستخدم كل فضيلة من هذه الفضائل في وقتها المناسب، باسلوب لا يتعارض مع الفضائل الأخرى. كالأب الذي يعطى إبنه الحنان حينًا، والتأديب في حين آخر، دون أن يتناقص مع نفسه.
وكمثال للغيرة والوداعة معًا، نذكر داود النبى.
كان داود النبي وديعًا بلا شك، إذ قيل في المزمور " اذكر يا رب داود وكل دعته " ومع ذلك قيل في نفس المزمور إن داود " نذر لإله يعقوب: إنى لا ادخل إلى مسكن بيتى، ولا أصعد على سرير فراشى، ولا اعطى لعينى نومًا، ولا لأجفانى نعاسًا.. إلى أن أجد موضعًا للرب ومسكنًا لإله يعقوب" (مز 132: 3). وهذا هو عمق الغيرة المقدسة مع الوداعة..
وكمثال آخر للغيرة والوداعة معًا، نذكر أيضًا موسى النبى:
من جهة الوداعة، قيل عن موسى النبي " وكان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عدد 12: 3). وموسى هذا الوديع، لما رأى الشعب يعبد العجل الذهبي، بكل غيرة أحرق هذا العجل وسحقه وذرى ترابه، وانتهر هارون رئيس الكهنة (خر 32: 19، 20).
3- وقد يعتذر البعض بأنه لم يدع إلى الخدمة:
ونحن نقول في ذلك إن التكريس الكامل للخدمة، لاشك يحتاج إلى دعوة، كالكهنوت مثلًا، إذ قال الرسول: "لا يأخذ أحد هذه الوظيفة (أو هذه الكرامة) من نفسه، بل المدعو من الله كما هرون أيضًا" (عب 5: 4).
ومثل ذلك أيضًا النبوة والرسولية..
هناك أشخاص يدعوهم الرب لخدمته دعوة واضحة، مثل دعوته لموسى النبي (خر 3)، ودعوته لإشعياء (إش 6)، ودعوته لإرمياء (إر1)، ودعوته لصموئيل (1صم 3: 10). وبالمثل دعوة الرب للإثنى عشر تلميذًا (مت 10).
على أن هناك نوعًا آخر، يجد نفسه ملتهبًا بمحبة الخدمة إلتهابًا لا يملك له مقاومة ويكون هذا الإلتهاب الداخل دعوة إلهية بعمل النعمة فيه. ويكون قد حركة الرب من الداخل.
ويشترك في ذلك، أن يكون الغرض سليمًا، وأن تكون الوسيلة روحية، ولا يكون الخادم في خدمته مستقلًا الكنيسة..
مثل هذا الشخص، حتى لو أخطأ في سيلته، يصلح له الرب هذه الأخطاء أثناء الطريق، ويرسل له من يعلمه، بشرط سلامة الهدف والبعد عن التمركز حول الذات
وهكذا تكون الغيرة المقدسة عملًا من أعمال النعمة داخل القلب والغيرة في حد ذاتها لا تحتاج إلى دعوة، بل شعور مقدس سنبغى أن يكون في قلوب الكل.
إنما الصورة التي تتخذها هذه الغيرة في العمل، هى التي قد تحتاج إلى دعوة في بعض الأحيان. والذي يعيش تحت إرشاد أب روحى، يمكن لهذا الأب أن يرشده فيما يعمل. وهكذا تكون غيرته ويكون عمله تحت إرشاد وإشراف.
هناك حالات تعتبر دعوة بحكم الوصية، أو بحكم المحبة الأخوية:
هل إذا كنت سائرًا، ومررت بغريق، أو بمبنى في حريق، أو أعمى في الطريق.. هل تحتج عن ارشاد الأعمى، أو انقاذ الغريق، أو الاتصال بالمسئولين لاطفاء الحريق.. بحكم أنه لم تصلك دعوة؟! كلا بلاشك. لأن القلب الملتهب بالمحبة، يلتهب بالغيرة للانقاذ. وتكون كلمة الدعوة هنا مجرد شكليات.. فالدعوة التي في داخل القلب هى فوق الرسميات..
وهنا نذكر مثال السامرى الصالح (لو 10):
هل احتج هذا السامرى بأنه لم يتلق دعوة، أو بأنه ليست له وظيفة رسمية مثل الكاهن واللاوى؟! أم أنه لما رأى الجريح " تحنن، ونقدم زضمد جراحاته.." (لو10: 33، 34). هكذا في كثير من أنواع الخدمة. وهنا نذكر ضمنًا:
4-البعض قد يقول أن العمل الروحي هو مسئولية رجال الأكليروس على مختلف درجاتهم، ولا شأن لي بذلك.
نعم، إنما مسئولية الإكليروس. ولكن رجال الأكليروس لا يستطيعون أن يعلموا وحدهم، ولابد من تعاون الكل معهم. كما أن منهج القاء المسئولية على الغير، إنما يتجاهل المسئولية الشخصية النابعة من الحب، ومن الخوف على الناس من الهلاك. هل مسئولية الآخرين تعفيك من عمل المحبة، إن كان في مقدرتك؟!
لذلك اهتم بسلامة أخوتك. واعمل كل ما تستطيع لكي تربح نفوسًا للرب. وإياك أن تردد عبارة قايين القائل. "أحارس أنا لأخي" (تك 4: 19)...
نعم أنت حارس لأخيك. تحرسه بالحب والرعاية. تحرسه بقلبك وبلسانك، وبجهدك وبصلواتك، وبتعبك وذلك من أجله. لا تترك واحدًا من أخوتك يضل، إن كان بأمكانك أن تنقذه. لأن الله سوف يطالبنا بأنفس أخوتنا في اليوم الأخير وبخاصة الذين لم يجدوا أحدًا يقف إلى جوارهم، الذين نصلى عنهم في تحليل نصف الليل ونقول: اذكر يا رب العاجزين والمنطرحين، والذين ليس لهم أحد يذكرهم"..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:40 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
غيرة حسب المعرفة
ليست كل غيرة، هى غيرة مقدسة، فهناك ألوان خاطئة من الغيرة، منها الغيرة التي ليست حسب المعرفة، والغيرة غير المتدينة والغيرة غير المثمرة، والغيرة الهدامة، والغيرة الشتامة.. ولذلك نذكر من شروط الغيرة المقدسة أن تكون: حسب المعرفة.
قال بولس الرسول ينتقد الغيرة الخاطئة التي لبنى إسرائيل: "أشهد أن لهم غيرة لله، ولكن ليس حسب المعرفة" (رو 10: 3).
إذن هناك غيرة خاطئة. فما هى؟ وما أسبابها ومظاهرها؟ ولعله من أهم أمثلة الغيرة الخاطئة:
1-غيرة شاول الطرسوسى في اضطهاده للكنيسة المقدسة:

وهو قال عن نفسه "من جهة الغيرة: مضطهد للكنيسة" (فى 3: 6). وقال أيضًا " أنا الذي كنت قبلا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا. ولكننى رحمت، لأنى فعلت ذلك بجهل في عدم إيمان" (1تى 1: 13). كان بنية طيبة يضطهد المسيحية، في جهل بالإيمان السليم. وهكذا قال لليهود " وكنت غيورًا لله كما أنتم.. واضطهدت هذا الطريق حتى الموت، مقيدًا ومسلمًا إلى السجون رجالًا ونساء" (أع 22: 3، 4). ومن أمثلة الغيرة التي ليست حسب المعرفة أيضًا:
2-غيرة اليهود ورؤسائهم ضد الأثنى عشر بولس الرسول:
وفى ذلك يقول الكتاب " فقام رئيس الكهنة وجميع الذين معه، الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة، ألقوا أيديهم على الرسل، ووضعوهم في سجن العامة" (أع 5: 17).
وقيل أيضًا " فلما رأى اليهود الجموع، امتلأوا غيرة، وجعلوا يقاومون ما قاله بولس مناقضين ومجدفين" (أع 3: 45). ولما بدأ بولس وسيلا التبشير من بيت ياسون في تسالونيكى، يقول سفر الأعمال " فغار اليهود غير المؤمنين، واتخذوا رجالًا أشررًا من أهل السوق، وتجمعوا وسجسوا المدينة، وقاموا على بيت ياسون طالبين. أن يحضروهما للشعب " وقالوا إنهما " يعملان ضد أحكام قيصر، قائلين إنه يوجد ملك آخرهو يسوع. فأزعجوا الجمع وحكام المدينة إذ سمعوا هذا" (أع 17: 5- 7)
وهنا نجد غيرة، ليست حسب المعرفة، مصحوبه بالادعاء الكاذب، وبالسجس، ومقاومة الإيمان، ومحاولة الإيذاء..
ولكنها غيرة وراءها دافع دينى، يظن أصحابها أنهم يقومون بعمل مقدس. بينما هم يسيرون ضد الحق، ويستخدمون وسائل خاطئة وأكاذيب. ولعل من هذا النوع أيضًا ما قاله السيد المسيح لتلاميذه:
3-" تأتى ساعة، فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" (يو 16: 1).
ويدخل في هذا البند كل تاريخ الاضطهاد اليهودى للمسيحية، وأيضًا الاطهاد الرومانى، وأنواع الاضطهادات الأخرى الأجيال، حيث يقول السيد المسيح " سيسلمونكم إلى مجالس، وفى مجامعهم يجلدونكم، وتساقون أمام ملوك وولاة من أجلى" " وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمى" (متى 10: 17، 18، 22).. ومن أمثلة هذه الغيرة الخاطئة أيضًا:
4- نذر الصوم الذي نذره اليهود حتى يقتلوا بولس:
إذ حدث أن أكثر من أربعين شخصًا من اليهود صنعوا تحالفًا " وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتى يقتلوا بولس" (أع 23: 12). وهذا بلاشك نوع من النذر الخاطئ ومن الغيرة الخاطئة.
وهناك أمثلة من الغيرة الخاطئة، التي وقع فيها بعض الرسل والأنبياء، نذكر من بينها:
5- غيرة بطرس الرسول في قطع أذن العبد:
ففى أثناء القبض على السيد المسيح تملكته الغيرة بدافع من الرجولة والحب، وهكذا " مد يده واستل سيفه، وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يؤخذون" (متى 26: 51، 52). غيره بطرس هنا، كان دافعها طيبًا ووسيلتها خاطئة.
6- تشبه هذه الغيرة الخاطئة، غيره موسى النبى أولًا:
فى أول عهده ن قبل أن يروضه الله على الوداعة والحلم، حدث أن موسى لما كبر " أنه خرج لأخوته لينظر في اثقالهم، فراى رجلا مصريا يضرب رجلا عبرانيًا من أخوته. فالتفت إلى هنا وهناك وراى انه ليس أحد، فقتل المصرى وطمره في الرمل" (خر 2: 11، 12).. كانت غيرة بقصد طيب، وهو الدفاع عن المظلوم0ولكن وسيلته كانت خاطئة، استخدم فيها العنف والقتل.
7-ومن أمثلة الغيرة الخاطئة أيضًا غيرة يعقوب ويوحنا الرسولين، لما رفضت احدى قرى السامرة قبول الرب، فقالا له:
أتريد يا رب أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم، كما فعل إيليا" (لو 9: 52 – 45).
لذلك انتهرهما الرب وقال لهما " لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص". إنها غيره دافعها الحب والاحترام للمعلم الصالح والسيد الرب. ولكنها كانت خاطئة من جهة الوسيلة والانتقام للنفس
8-ومثالها أيضًا غيرة يشوع لمعلمة موسى النبى:
عرف أن ألدواد وميداد يتنبآن في المحلة. فغار يشوع لنبوة معلمه، واستأذن في أن يردعها، فعاتبة موسى قائلا " هل تغار أنت لى؟ يا ليت كل شعب الله كانوا انبياء إذا جعل الله روحه عليهم" (عد 11: 29).
لكل هذا نضع أمامنا قول الرسول لأهل غلاطية: "حسنة هى الغيرة في الحسنى" (غل 4: 18). من صفات الغيرة المقدسة أيضًا أنه لابد: تصحبها سيرة صالحة.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:42 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
سيرة صالحة
إن الغيرة المقدسة لا تؤثر في الناس، ما لم تصحبها حياة صالحة تكون قدوة لهم ومثالًا.
وهكذا نجد أن بولس الرسول كان ملتهبًا بالغيرة لخلاص النفوس. وفي نفس الوقت يقول لهم " اطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بي" (1كو4: 16) وقال أيضًا "كونوا متمثلين بي، كما أنا أيضًا بالمسيح"(1كو11: 1). وهو يطوِّب تلميذه تيموثاوس على أنه سار بنفس سيرته، فيقول له "وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني ومحبتي وصبري" (2تى 3: 10).
حقًا إن العين تتأثر في الروحيات أكثر من الأذن.
فما يراه الناس في حياتك وفي قدوتك، يؤثر فيهم أكثر مما يسمعونه من عظاتك وإرشاداتك. ووصية الله التي تدافع أنت عنها بغيرة شديدة، إن لم تكن منفذة في حياتك، فباطلة هى كل غيرتك في الدفاع عنها..!
فلابد أن نحب الله، لكي نجعل الناس يحبونه.

لابد أن نقدم لهم الحياة، وليس مجرد الإرشاد. نقدم الوصية في الحياة العملية، وليس في مجرد تعليم نظري. يلمس الله قلوبنا أولًا، وحينئذ تستطيع قلوبنا أن تؤثر في قلوب الناس..
وحذار أن نكون مجرد علامات في الطريق الروحي.
الذي يسير في الطريق الصحراوي من القاهرة إلى الأسكندرية، يرى علامات في الطريق ترشده إلى الإسكندرية، وكم بقى من الكيلومترات عليها. هذه العلامات ترشد إلى المدينة، دون أن تدخلها. فلا تكن مثلها: ترشد الناس إلى الحياة مع الله، دون أن تحيا أنت معه.
لا تكن كالأجراس التي تدعو إلى دخول الكنائس، ولا تدخل هى مطلقا إليها.
لا تقف في الطريق ترشد الناس إلى الاتجاه السليم الذي يتبعونه لكي يصلوا إلى الله. إنما سر في الطريق، أو أركض نحو الله. والذين يريدون فليسيروا معك وليركضوا لكي يصلوا. ولاتكتفي بأن تكون علامة مرشدة.
الكتبة ورؤساء الكهنة كانوا أيضًا علامات في الطريق.
أرشدوا المجوس إلى بيت لحم حيث ينبغى أن يولد المسيح. فتشوا في الكتب. وقالوا " هكذا مكتوب بالنبى.." (متى 2: 5، 6). وذهب المجوس إلى بيت لحم ورأوا المسيح، وسجدوا له وقدموا له هدايا. أما الكتبة الذين أرشدوهم، فلم يذهبوا، ولا رأوا ولا قدموا هدايا...!.
نحن نريد أشخاصًا وصلوا إلى الله، لكي يوصلوا الآخرين معهم...
نريد أشخاصًا رأوه ولمسوه وذاقوه وأحبوه واختبروا حلاوة الحياة معه، لكي يقولوا للناس "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). أو على الأقل تكون لهم خبرة السامرية حينما رأت المسيح وتحدثت معه، ثم قالت للناس " تعالوا وانظروا.." (يو 4: 29).
إن كنت لم تأكل من المن، فكيف تستطيع أن تصف طعمه للناس؟!
وإن كان قلبك خاليًا من الله، فكيف تدعو الناس إلى محبته ؟! وإن كانت عينك جافة، فكيف تحدثهم عن الدموع؟! وكيف تشرح حياة الانتصار، إن كنت لا تزال ساقطًا في الخطية؟! كيف ستكون لكلماتك قوة لكي تؤثر في غيرك. استمع إذن إلى قول السيد الرب
"ومن عمل وعلم، فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات" (متى 5: 19).
وجعل الرب العمل يسبق التعليم. وبنفس الأسلوب كتب بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس يقول له: "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك. لأنك إذا فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تى 4: 16). وهكذا أمره أن يلاحظ نفسه قبل التعليم..
اقتن ثمار الروح، فيذوق الناس ثمرك ويحبونه.
وبدلا من أن تحدثهم عن "المحبة والفرح والسلام" وباقي الثمار (غل 5: 22) اجعلهم يرون ثمار الروح في حياتهم. قدم لهم المسيحية بقدوتك كحياة فرح وسلام..
لأنه من العثرات التي تحدث أحيانًا، أن بعض الخدام يظنون أن الجدية في الحياة الروحية، معناها أن يعيشوا في عبوسة دائمة. لا يضحكون، ولا حتى يبتسمون، ويتكلمون فى شدة وحزم. وهكذا يعثرون الناس الذين يرونهم فيقولون في نفوسهم
هل إذا سرنا في طريق الله، نتحول إلى هذه الصورة؟!
وهل حياتنا مع الله معناها أن نعيش في كآبة دائمة، رافعين أمامنا هذا الشعار " بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا 7: 3).
وهل هذا هو المفهوم السليم لهذه الآية؟!
أما إن رأوك إنسانًا قديسًا وبارًا، ومع ذلك فأنت سعيد "تفرح في الرب كل حين" (في 4:4)، في سلام قلبي، تتحدث مع الناس في بشاشة وبغير تأزم.. فحينئذ يتشجعون ويحبون الحياة الروحية ولا يخافونها..
إن نقاوة السيرة تجعل الغيرة لها ثمر.
نقطة أخرى في شروط الغيرة المقدسة، تنبع أيضًا من السيرة الصالحة وهى أن تكون الغيرة: بناءة وليست هدّامة.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:43 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
بنّاءة وليست هدّامة
يظن البعض أن الغيرة المقدسة هى ثورة لأجل الاصلاح. وأن هذه الثورة تكون بالصخب والضجيج والشتائم والتحطيم..!
وفى الواقع أن هذه غيرة ولكن بغير تدين.. غيره خالية من الروحانية، وخالية من الحكمة الإلهية.
ويوبخها القديس يعقوب الرسول فيقول " ولكن إن كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية. لأنه حيث الغيرة والتحزب، هناك التشويش وكل أمر ردئ" (يع 3: 14-16).
إن الإصلاح مطلوب، لكن لا يصح أن يتم بطريق الشوشرة.
وإنما يكون بحكمة وروحانية، وبطريقة إيجابية. ولذلك يصف القديس يعقوب هذه الحكمة والروحانية بقوله " وأما الحكمة التي من فوق فهى أولا طاهرة ثم مسالمة، مترفقة مذعنة، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة.. وثمر البر يزرع في السلام، من الذين يحبون السلام" (يع 3: 17، 18).

لذلك فالمسيحية تدين الغيرة الهدامة والشتامة:
ليست غيرتك للحق، معناها أن تشتم المخطئين وتشبعهم تجريحًا وتوبيخًا. لأنه من الممكن أن تدافع عن الحق بطريقة إيجابية بناءة. فنحن لا نتكلم عن مجرد الغيرة، وإنما عن الغيرة المقدسة. القداسة لا تتفق مع الأسلوب الشتام الهدام.
والغيرة المقدسة هى أن تنقذ الخاطئ من خطيته، لا أن تحطمه..
فالإنقاذ خير من الانتقاد. وبناء النفس بالفضيلة، خير من تحطيمها بالنقد الجارح وإساءة السمعة وخدش الشعور.. وباقي وسائل التعيير والتحقير، تحت اسم الغيرة!!
الغيرة المقدسة ليست هى الغيرة الصخابة العصبية الانفعالية!
ليست هى الصياح والصراخ والضجيج، وليست مجرد الكلام. إنما هى عمل إيجابي نافع، من أجل الخير، ومن أجل الغير، مع الالتزام بالوسائل المقدسة. إنها تنشر الحق بطريقة حقانية، لا خطأ فيها، بغير ضوضاء، بغير شجار، بغير خصام.
تشبه النار التي تنضج وليست النار التي تحرق.
إنها ليست عاصفة هوجاء ن تجرف كل ما في طريقها، بقسوة لا ترحم. وليست "غيرة مرة" حسبما وصفها يعقوب الرسول فالخادم المتصف بالغيرة، يكون "غيورًا في أعمال حسنة (تى 2: 14). وهكذا أيضًا:
تكون الغيرة متواضعة، لا تتكبر ولا تتعالى...
تشعر بآلام المخطئين، وتعمل على إنقاذهم منها، في حب، وفي وداعة واتضاع. مثلما قال بولس الرسول لقادة أفسس " متذكرين أنى ثلاث سنين ليلا ونهارًا، لم افتر عن أن أنذر بدموع كل أحد" (أع 20: 31).. كان ينذر بدموع، وليس بصلف ولا بكبرياء ولا بقسوة..
الغيرة تبذل ذاتها لأجل الغير لا أن تحطم الغير.
مثلما فعل السيد المسيح الذى قال إنه جاء ليدين العالم، بل ليخلص العالم (يو 3: 17). وقال أيضًا "لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص" (لو 9: 56). لذلك فالغيرة المقدسة هى غيرة رحيمة منقذة، هدفها الخلاص..
إنها غيرة إذا افتقدت تقنع وتتابع، وتزيل العوائق، وتحل المشكلات.
وبدلا من أن تلوم الخطاة على عدم السير في الطريق السليم، تسهل لهم السير في الطريق، وتحببهم فيه، وتقوى عزائمهم وإرادتهم.. نقطة أخرى في صفات الغيرة المقدسة وهى أنها: غيرة قوية وشجاعة.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:44 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
غيرة قوية وشجاعة
قد يحب البعض الوداعة والتواضع، ولكن للأسف الشديد.
ربما يرون التواضع والوداعة يتعارضان مع القوة والشجاعة!
وهذا خطأ واضح. فالفضائل المسيحية تتمثل في الشخصية المتكاملة، التي لا ينقصها شيء. والسيد المسيح كان وديعًا ومتواضعًا، كان أيضًا قويًا وشجاعًا. وما أجمل قول داود النبى في غيرته المقدسة: "تكلمت بشهادتك قدام الملوك ولم أخز" (مز 119). الغيرة المقدسة هى نار. والنار لها قوتها وحرارتها:
والخادم المتصف بالغيرة، إذا تكلم بكلمة الرب، فكلمته نار "لا ترجع فارغة" (أش 55: 11) بل تكون "حية وفعالة، وأمضى من كل سيف ذى حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح" (عب 4: 12).
وإذا صلى لأجل الخدمة، تكون صلاته نارًا تلتهب.

" تقتدر كثيرًا في فعلها" (يع 5: 16). تستطيع أن تقف أمام الله، تصارع وتغلب.. وتأخذ منه قوة تشعل الخدمة وتنجحها.
والخادم الغيور إذا وبخ فكأنه نار، وإذا نصح فكأنه نار. وإذا تناول موضوعًا، يكون ذلك بقوة ونعمة، وليس بتراخ ولا تهاون. هو شخص ملتهب في قلبه، وفي أفكاره وفي ألفاظه، وفي مشاعره. وعمله قوى في نتائجه.
ليست الغيرة مجرد روتين أو تأدية واجب، إنما هى قوة.
هى شعور وعاطفة، وحماس وحرارة وشجاعة تتخطى كل العقبات، ونشاط دائم ومنتج. وهذه القوة التي للغيرة، تظهر في أمور عديدة:
قوة في الإقناع، وفي التأثير، وقوة في الدفاع عن الإيمان والحق، وقوة في العمل
إن دخل في الخدمة خادم من هذا النوع، يشعر الكل أن طاقة كبيرة قد دخلت في الخدمة، وأن كل فروع الخدمة قد بدأت تتحرك وتسخن، والثمار أصبحت وفيرة.. أخذوا قوة من الروح أصبحت ميزة لهم تلازمهم في كل موضوع وفي كل مناسبة.
العجيب أن أهل العالم قد تكون لهم جرأة في استهتارهم، بينما أولاد الله قد يخجلون من برهم.
كما لو كانت (الوداعة) خاتمًا على شفاهم!! فلا تكون لهم قوة في الدفاع عن مبادئهم وعن عقائدهم وعن سلوكهم الروحي.. كما لو كان الواحد منهم خجلًا من سلوكه الروحي!!
انظروا إلى وصف الكتاب للملائكة القديسين إذ يقول:
سبحوا الله يا ملائكته، المقتدرين قوة" (مز 103).
إنها تذكرني بالقوة التي تكلم بها بولس الرسول عن والتعفف والدينونة. فارتعب فيلكس الوالى (أع 24: 25).
امتلأ بولس بالروح، فامتلأ بالقوة الروح الذي قيل عنه "ستناولون قوة متى حل الروح القدس عليكم".
من شروط الغيرة المقدسة أيضًا أنها تكون: غيرة مثمرة ونشيطة.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:45 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
غيرة مثمرة ونشيطة
إن الغيرة هى عمل إيجابى، وليست مجرد كلام..
والعمل الايجابى لابد أن يكون له ثمر في ملكوت الله. وقد طلب الكتاب منا أن يكون لنا ثمر.. وقال " كل شجرة لا تعطى ثمرًا جيدًا، تقطع وتلقى في النار" (متى 3: 10).
والغيرة المقدسة إذا ملكت قلب إنسان، إنما تدفعه بقوة نحو خلاص نفسه ونحو خلاص الآخرين. فلتكن لك هذه الغيرة. وليكن لك معها الحب نحو الآخرين والسعى في ضمهم إلى الملكوت.
فإن لم تكن لك الغيرة الغيرة التي تدفعك إلى العمل على خلاص الناس، تصير حينئذ شجرة جدباء غير مثمرة.
هل تقبل أن تذهب إلى الله بدون ثمر روحى، بدون أن تكسب ولا نفسًا واحدة للمسيح؟! هل تقبل أن تكون شجرة جدباء عقيمة؟!

إن الكرمة إن كان فيها عنقود واحد مثمرًا، فلا تزال تحمل بركة. والعنقود إن كانت فيه حبة واحدة، فلا يزال يحمل بركة! (اش 65: 8)، وأنت ماذا تحمل؟! لعلك تستطيع أن تقف في الملكوت وتقول:
" هانذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" (اش 8: 18).
إذن كن مثمرًا في حياتك. فالإثمار وضع طبيعى للشجرة مادامت فيها حياة.. كن منتجًا ولا تكن سلبيًا..
هل أنت في كل يوم تضيف حصيلة جديدة إلى المكوت؟ وتسطيع أن توصل كلمة الله إلى غيرك؟
إن الأيام المباركة في حياتك، هى الأيام المثمرة.
هناك أيام عجيبة في حياة القديسين كانت بركة، وكانت لملكوت الله. ينطبق عليها قول الكتاب " يوم واحد عند الرب كألف سنة" (2بط 3: 8)..
لعل جيلنا الذي نعيش فيه، يصرخ ويصلى قائلا:
إننا يا رب لم نكن مستحقين أن نعيش في الجيل الذي رآك في الجسد ورأى كيف تعمل ولم نكن مستحقين كذلك أن نحيا في جيل بولس الرسول مثلا. ولكنها طلبة عزيزة نطلبها: امنحنا يومًا واحدًا فقط من حياة بولس.
أويومًا من حياة بطرس، أو من حياة أسطفانوس..
إن بطرس الرسول استطاع في يوم واحد أن يضم ثلاثة آلاف نفس إلى الإيمان (أع 2: 41). واسطفانوس بسببه "كانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا.." (أع 6: 7). د
وبولس الرسول كان يربح على كل حال قومًا (1كو 9: 22).
كان يعمل في كل ميدان، مع كل أحد، مع كل أحد، مع اليهود، مع اليونانى، مع الذين بلا ناموس.. باسلوب إنسان خبير في خلاص النفس.. كم هى النفوس التي ستسير وراء بولس الرسول في الملكوت؟ أو ما هو الانتاج العظيم الذي كان له في ملكوت الله. يقينا أن هذا الإنسان لم يكن خادمًا عاديًا. حقا إنه على بولس وأمثال بولس، قال الكتاب: "ألم اقل أنكم ألهة، بنى العلى تدعون" (مز 82: 6)
بل كان بولس أعلى من هؤلاء (مز 82: 7)
انظر إلى الجبابرة في ملكوت الله، واشته أن تسير في طريقهم، واسأل نفسك في كل يوم: ما الذي فعلته أنا من أجل الملكوت؟
هل كنت أمينًا في كل خدمتى، وفي كل الوزنات التي وهبنى الله إياها؟ ومع كل الأنفس التى أقامنى الله خادمًا لها؟ وهل سأسمع صوته الحاني في اليوم الأخير يقول لي " نعمًا أيها العبد الصالح والأمين. كنت أمينا في القليل. فسأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك" (متى 25: 21). يعجبنى ذلك العبد الشاطر الذي قال لسيده: "مناك يا سيد ربح عشرة أمناء" (لو 19: 16).
هذه هى الغيرة الحقة المثمرة في ملكوت الله. لعلنا بالمقارنة معها نسأل أنفسنا:
ما الذي فعلناه نحن من أجل هذا الجيل الذي عشنا فيه؟ والذي هو أمانة في أعناقنا أمام الله وأمام الأجيال المقبلة..! ماذا كانت غيرتنا العملية على خلاصه؟!
ما هو العمل الخلاصي الذي ساهمت به الكنيسة؟ أم هل نظرنا وإذا حياتنا عميقة، وبلا قيمة، وغير منتجة!!
ما الذي عملنا من أجل جيل انتشرت فيه الإباحية والمادية والإلحاد؟ واصبح هناك واجب على أولاد الله:
أن يكونوا أنوارًا ساطعة في جبل مظلم.
هل قامت الكنيسة بهداية العالم، أم تشكل بعض أولادها بشكل العالم؟! هل أعطينا العالم الذي فينا، أم أخذنا منه شره هل عملنا وعلمنا العالم طرقنا الروحية، أم أخذنا من العالم أساليبه وحيله وسبله؟!
هل بغيرتنا صار العالم روحيًا، أم صور الروحيون كأهل العالم؟! ما الذي فعلناه لأجل الرب؟ هل نستطيع أن نقول مع السيد المسيح " العمل الذي اعطيتنى قد أكملته" (يو 17: 4). هل في زيارتنا وافتقادنا لأى بيت، نستطيع أن نرفع تقريرًا لله نقول فيه: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو 19: 9)..
انظروا إلى يوحنا المعمدان، وماذا فعل لأجل جيله:
فى فترة قصيرة جدًا، استطاع أن " يهئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 17) وأن يقود جماهير الشعب كله إلى معمودية التوبة " معترفين بخطاياهم " من أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن (متى 3: 5، 6). واستطاع أن يسلم العروس للعريس، ويقف فرحًا (يو 3: 29).. هذا هو الثمر العجيب لغيرة ملتهبة.
إن كان هؤلاء القديسون دروسًا لنا، فالطبيعة أيضًا كذلك:
فى إحدى المرات، وقفت في الدير أمام شجرة كافور ضخمة، شجرة ارتفاعها حوالى العشرين مترًا، وفيها فروع تحمل عشرات الآلاف من البذور، إن لم يكن مئات الآلاف. وتأملت بذرتها، فإذا هى صغيرة جدًا. وقد استطاعت هذه البذرة
الدقيقة، أن تنمو هذا النمو الهائل، وأن تطرح مئات الآلاف من البذور! وشعرت بضآلة نفسى أمام شجرة الكافور هذه، بل أمام فرع واحد منها، بل أمام هذه البذرة الدقيقة الصغيرة.
والدرس الذي نأخذه من شجرة الكافور، نأخذ مثله من النخلة.
نواة بلحة، تنمو كل هذا النمو، وتعلو كل هذا العلو، وتعطى هذا القدر العظيم من البلح، بآلاف عددها.. ثم أجلس وأعد عدد سنوات حياة هذه النخلة، ومقدار الثمر الذي اعطته في حياتها كلها. واشعر أيضًا بصغر نفسى أمامها.. ولعل داود خطر بنفسه هذا الخاطر حينما قال:
" الصديق كالنخلة يزهو" (مز 92: 12) ومع ذلك يقول إن الإنسان هو سيد الطبيعة.
وهو كاهن الطبيعة، وهو خليفة الله في أرضه.. هو الذي سلطه الله على النبات والحيوان والطيور.. هل استطاع أن يثمر مثلما تثمر النخلة، أو يزهر مثلما تزهر زنابق الحقل؟ هل استطاع أن يكون في عمله كمجرد نواة لبلحة؟!
اجتماع كإجتماعكم هذا ن لو كل شخص فيه، اتى بعشرة اشخاص معه، في غيرة منه لملكوت الله، كم يكون إذن أبناء الملكوت، لو توالت الأعداد.
لتكن لكم إذن غيرة على الملكوت. وليكن لغيرتكم ثمر، افقى وعمقى..
افقى من جهة العدد والامتداد والأنتشار. وعمقى من جهة النوعية والروح وعمق الصلة بالله..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:49 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الله نفسه
إن أردنا نأخذ أمثلة عن الغيرة المقدسة، فإن أول مثال لنا هو الله نفسه، سواء في أزليته، أو في تجسده. ثم الملائكة وسائر القديسين، في العهدين القديم والحديث. مع أمثلة من تاريخ الكنيسة. ونبدأها بغيرة الله نفسة:
قرأنا لقبه في مواضع كثيرة أنه " إله غيور".
ورد في سفر الخروج " لأن الرب إسمه غيور. إله غيور هو" (خر 34: 14). وفي سفر التثنية " الرب إلهك هو نار آكلة. إله غيور" (تث 4: 24). وقيل عنه في سفر يشوع " إله قدوس وإله غيور هو". (يش 24: 19). وفي سفر ناحوم " الرب إله غيور" (نا 1: 2). ويتحدث السيد الرب عن غيرته الإلهية، فيقول:".. أغار على إسمى القدوس" (حز 39: 25).

وغيرة الرب تظهر في معاقبته للشر، سواء صدر من شعبه أو من الأمم. فمن جهة أهل أورشليم الذين نجسوا مقادسه، يقول " أنا الرب تكلمت في غيرتى.. أتممت سخطى فيهم" (خر 5: 13). كذلك تكلم عن غيرته ونار سخطه في اجتياح جوج لإسرائيل (حز 38: 19). أما عن الأمم فيقول الكتاب " هكذا قال السيد الرب: إنى في نار غيرتى تكلمت على بقية الأمم الذين جعلوا أرضى ميراثًا لهم.." (حز 36: 5) مع " غضب عظيم على الأمم" (زك 1: 14)
وفى غيرة الرب التي تضرب الأشرار، قيل:
"لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع أن ينقذهم في يوم غضب الرب. بل بنار غيرته تؤكل الأرض كلها" (صف 1: 18).
ومن الناحية الأخرى، في غيرته ينقذ شعبه:
فيقول "الآن أرد سبى يعقوب، وأرحم كل بيت إسرائيل، وأغار لاسمى القدوس" (خر 39: 25). وأيضًا " هكذا قال رب الجنود إلى أورشليم، فيبنى بيتى فيها" (زك 1: 14). " لأنه من أورشليم تخرج بقية، وناجون من جبل صهيون. غيرة رب الجنود تصنع هذا" (إش 37: 32).
لذلك كان الناس يصرخون إلى غيرة الرب لإنقاذهم:
فيقولون له " تطلع من السماء، وانظر من مسكن قدسك ومجدك. أين غيرتك وجبروتك" (إش 63: 15). وهكذا نرى أن يؤئيل النبى نادى بصوم وتذلل وتوبة، وبأن يبكى الكهنة أمام الرب " فيغار الرب لأرضه، ويرق لشعبه" (يؤ 2: 18).
بل أن غيرة الرب على خلاص شعبه، كانت سبب التجسد
وهكذا قيل في سفر اشعياء النبي " لأنه يولد لنا ولد، ونعطى إبنا، وتكون الرياسة على كتفه. ويُدعى اسمه عجيبا مشيرًا، إلها قديرًا، أبا أبديًا رئيس السلام لنمو رياسته وللسلام لا نهاية.. غيرة رب الجنود تصنع هذا" (إش 9: 6، 7)
هذه الغيرة على خلاص وعلى القداسة والملكوت نجدها في تجسد السيد المسيح:
غيرة الرب هذه واضحة في تطهيره للهيكل، إذ " وجد في الهيكل الذين كانوا يبيعوا بقرًا وغنما وحمامًا، والصيارفة جلوسًا، فصنع سوطًا من حبال، وطرد الجميع من الهيكل، الغنم، والبقر. وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت أبى بيت تجارة" (يو 2: 14 – 16). ويعلق القديس يوحنا الانجيلى على تطهير الهيكل فيقول:
" فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: غيرة بيتك أكلتنى" (مز 69 : 9). وفي غيرة السيد المسيح لخلاص الناس، بذل ذاته عنهم.
كانت غيرة عملية بكل عمق الكلمة. لم تكن مجرد رغبة في أن تخلصوا. وإنما جمل خطاياهم، ودفع ثمنها على الصليب، ومات عنها.. إنها الغيرة التي فيها الحب والبذل. وليس مجرد بذل شيء خارجى، إنما بذل الذات والحياة. وهكذا ضرب لنا المثل الأعلى في الغيرة العملية.
وفى فترة خدمته على الأرض، كانت له الغيرة المملوءة حبًا.
كان من أجلهم " يطوف المدن كلها والقرى، يعلم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب " وماذا أيضًا؟ يقول الكتاب " ولما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومطرحين كغنم لا راعى لها" (متى 9: 35، 36). وقال عنه القديس بطرس الرسول إنه كان يجول يصنع خيرًا (أع 10: 38).
وكان الله – من غيرته على خلاص الناس – يكلف ملائكته بأن يكونوا خدامًا لهذا الخلاص.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:51 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الملائكة
هؤلاء هم الذين قال عنهم القديس بولس الرسول:
" أليسوا جميعهم أرواحًا خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1 : 14).

ولعل من أروع الأمثلة التي تروى عن غيرة الملائكة، ما رواه الكُتّاب لنا عن غيرة السارافيم لأجل الخدمة وخلاص الناس، مع أنهم ملائكة للتسبيح، هؤلاء لما سمعوا اشعياء النبي يقول "ويل لي قد هلكت، لأنى إنسان نجس الشفتين" (أش 6: 5)، لم يتباطأ أبدًا، ولا انتظروا أمرًا ولا دعوة. إنما اشتغلوا بكل سرعة وبكل غيرة. وهنا يقول اشعياء:
" فطار إلى واحد من السارافيم وبيده جمرة أخذها بملقط من على المذبح، ومس بها فمى، وقال " قد انتزع إثمك، وكفر عن خطيئتك" (أش 6: 6، 7).
لاحظ هنا كلمة (طار) إذ تدل على السرعة، وكلمة (جمرة) تدل على الحرارة. وكلاهما من خواص الغيرة: الحرارة السرعة.
ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن عمل الملائكة من أجل خلاص الناس، سواء في تبشيرهم، أو خدمتهم، أو حلولهم حول خائفى الله وتنجيتهم (مز 34: 7) أو نقلهم رسائل الله إلى خدامه.. إنهم الذين قيل عنهم في المزمور " المقتدريت قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز 103: 20).
ومن أمثلة خدمة الملائكة، أنقاذ أحدهم ليهوشع الكاهن.
كان الشيطان قائما عن يمين يهوشع الكاهن العظيم ليقاومه. كان يهوشع لابسًا ثيابًا قذرة. وتدخل ملاك الرب وقال للشيطان " لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب.. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار" (زك 3: 2). وهكذا نزعوا عن يهوشع الملابس القذرة، ألبسوه ملابس مزخرفة. وأشهده ملاك الرب على السلوك في طريق الله (زك 3: 3- 7).
ومن أمثلة غيرة الملائكة، مما فعله الملاكان اللذان انقذا لوط من حريق سادوم.
قيل إن الملاكين قالا للوط " من لك أيضًا ههنا؟ أصهارك وبنيك وبناتك، وكل من هو لك في المدينة. اخرج من المكان، لأننا مهلكان هذا المكان.. ولما طلع الفجر، كان الملاكان يعجلان لوطًا.. ولما توانى أمسكا بيده وبيد إمراته وبيد بنتيه، لشفقة الرب عليه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة.." (تك 19).

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:53 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
موسى النبي

هذا الرجل الذي كانت له الغيرة على ملكوت الله، حتى صار بطل الإيمان فى عصره. ومن أجل غيرته، ترك الإمارة والقصر الملكى، ليقود الشعب في عبادة الله. ولذلك " أبى أن يدعى إبن إبنة فرعون، منفصلا بالأخرى أن يدل مع شعب الله.. حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر.." (عب 11: 24 – 26).
فضرب مثلا بغيرته، حينما عبد الشعب العجل الذهبي:
لقد أخذ موقفًا حازمًا جدًا مع الشعب الخاطئ. لأنه لما اقترب من المحلة وأبصر العجل والرقص، يقول عنه الكتاب " فحمى غضب موسى، وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل. ثم أخذ العجل الذي صنعوه، وأحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعمًا، وذراه على وجه الماء" (خر 32: 19، 20). ووبخ هرون رئيس الكهنة. وأمر بضرب الشعب، فمات في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل (خر 32: 28).
وكما أن غيرة موسى جعلته يأخذ موقفًا حازما مع الشعب، كذلك جعلته غيرته أنه يشفع فيهم أمام الله.
فلما أراد الرب إفناءهم بسبب خطيتهم هذه، وقف موسى شفيعًا يقول " لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك.. ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك. اذكر إبراهيمواسحق وإسرائيل عبيدك.." (خر 32: 11- 13). بل قال له أكثر من هذا " والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحنى من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32).
إنها غيرة مزدوجة: فيها الحزم، وفيها الحنو.
فيها التأديب، وفيها الشفاعة إنها تريد خلاص الناس وليس هلاكهم. وإن كان خلاصهم يحمل ضربهم، فلا مانع: "وأى إبن لا يؤدبه؟!" (عب 12: 7) لاشك أن مثال غيرة موسى هذه هو من الأمثلة النادرة التي تحمل معنى مزدوجًا..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:54 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
فينحاس

فينحاس Phinehas كان كاهنًا للرب، حفيد هرون رئيس الكهنة. حدث بعد مقابلة بلعاملبالاق، أن الشعب ابتدأ يزنى مع بنات موآب. وإذا برجل قد دخل بإمرأة أمام عينى موسى وأعين كل الجماعة، وهم باكون لدى باب خيمة الاجتماع. وحينئذ اشتعل فينحاس بالغيرة المقدسة، ودخل وراء الرجل والمرأة وقتلهما، وتطهرت المحلة بسفك دمهما.
فعل هذا دون أن يدعوه أحد إلى فعل ذلك. وامتدح الله غيرة فينحاس.
واوقف الله الوبأ الذي الذى كان قد قتل اربعة وعشرين الفًا من الشعب بسبب زناهم. " وكلم الرب موسى قائلًا: فينجاس بن العازار بن هرون الكاهن قد رد سخطى عن بنى إسرائيل بكونه غار غيرتى في وسطهم، حتى لم افن بنى إسرائيل بغيرتى" (عدد 25: 6 – 11).

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:55 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الفتى داود

تحدثنا في الفصل الأول عن غيرة داود الملك، الذي قال للرب " غيرة بيتك أكلتنى" (مز 69: 9). داود الذي بقلب مملؤ من الغيرة المقدسة أعد كل شيء لبناء بيت للرب (1أى 29). نعم داود الذى كانت غيرته تجعله يكتئب ويبكى بسبب الخطاة الذين تركوا ناموس الرب. (مز 119).
ولكننا نريد هنا أن نتكلم عن غيرة داود وهو فتى، حينما حارب جليات:
نذكر هذا المثال، لأنه كان فتى صغيرًا، وليس من رجال الحرب. ولم يكن مسئولًا عن رد تعيير جليات. بل قد وبخه أخوه اليآب ضخما مخيفًا للجيش كله (1صم 17: 24). وما كان أحد يلوم الفتى داود إن لم يتطوع لمقاتلة جليات، بل الملك شاول نفسه تعجب لما قال داود" عبدك يذهب ويحارب هذا الفلسطينى". فأجابه الملك: لا تستطيع أن تذهب لتحاربه، لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه (1صم 17: 32، 33).
ولكن داود دعته غيرته، فأراد أن يزيل العار عن صفوف الله الحى (1صم 17: 26).
الجيش كله يسمع تعيير الرجل دون أن يجرؤ على عمل شيء بل أن " جميع رجال إسرائيل لما رأوا الرجل هربوا منه وخافوا جدًا" (1صم 17: 24). ولكن داود لم يخف، كانت غيرته لا تعتمد على الذات، بل على الله.
إنها غيرة مؤمنة بعمل الله. لا تقف لتعرض ذاتها وعملها. إنها الغيرة التي تقول لعدو الله " أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس. وأنا آتى إليك باسم رب الجنود.. في هذا اليوم يحسبك الرب في يدى.. لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا" (1صم 17: 45 – 47).
إنها الغيرة التي لا تنتظر دعوة لكي تعمل..
إنها يدعوها قلبها الملتهب من الداخل، الذي لا يستطيع أن يقف صامتًا لايتكلم. ولا يستطيع أن يقف جامدًا لا يتحرك. إن الاحداث تدفعه دفعًا، ولوفى الأمر خطورة. وهكذا تصرف فينحاس أيضًا.
كان هناك من هم أكبر من داود، ولم يتصرفوا.
ولكن الذي كان في قلبه كان أكبر بكثير مما كان في قلوبهم. كانت في قلبه غيرة، نار متقدة، مع إيمان، وعدم خوف. وبهذا الكنز الداخلى تقدم، وعمل الله فيه وبه.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:56 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
إيليا النبي

إنه ذلك النبي القوى الذي قال للرب غرت غيرة للرب إله الجنود، لأن بنى إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك، وقتلوا انبياءك بالسيف.." (1مل 19: 14). وغيرة إيليا جعلته يواجه الملك ويوبخه، كما سببت له غيرته اتهامات ومتاعب.
كانت عبادة الأصنام منتشرة في عهده. بسبب الملك آخاب وزوجته الملكة إيزابل، التي كان يأكل على متئدتها اربعمائة وخمسون من أنبياء البعل واربعمائة من أنبياء السوارى (1مل 18: 19).
وغيرة إيليا دفعته أن يصلى لتحدث ضيقة، يمكن بها أن تستيقظ الضمائر..
فصلى صلاة أن لا تمطر السماء ن فلم تمطر ثلاث سنين وستة أشهر (يع 5: 17)
قال في غيرته وقوة إيمانه".. لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين، إلا عند قولى" (1مل 17: 1). وقد كان وحدثت المجاعة، واستمرت سنوات. حتى أنه لما تقابل مع الملك آخاب، قال له الملك " هل أنت مكدر إسرائيل؟" (1مل 18: 17). فأجابه إيليا بكل جرأة غيرته " بل أنت وبيت أبيك، بترككم وصايا الرب، وبسيرك وراء البعليم".. وانتهى الأمر برجوع المطر، وبقتل كل أنبياء البعل والسوارى..
إنها غيرة قوية وجريئة وحازمة، طهرت الأرض من الوثنية..
ولكنها عرضت إيليا للمتاعب: عرضته لمواجهة الملك الذي كان يريد قتله، والذي بسببه اختبأ انبياء الرب في المغاير. وكان عوبديا، الرجل الطيب، يخافه أيضًا (1مل 18). وتعرض إيليا لغضب إيزابل التى كانت أقوى وأقسى من آخاب، والتي لما سمعت بما فعله إيليا، ارسلت إليه تنذره بأنها ستقتله (1مل 19: 1). واضطر ايليا إلى الهرب من من وجهها. ولم يسمح لها الرب أن تنفذ وعيدها.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:57 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
إشعياء النبي

غيرته يمثلها قول المزمور " مستعد قلبى يا الله، مستعد قلبى" (مز 56).
هذا الذي لما سمع صوت السيد الرب قائلا " من أرسل؟ ومن يذهب لأجلنا؟ " أجاب على الفور " هأنذا ارسلنى" (أش 6: 8).
البعض قد يفهم التواضع بمعنى الاعتفاء من الخدمة والهروب منها. ولكن الغيرة بكل محبة تقدم نفسها للخدمة.
تتقدم الغيرة إلى خدمة. ولا يكون ذلك عدم اتضاع.
لأنها تعرف أنها ستخدم بعمل الله فيها، منكرة ذاتها تمامًا. مثلما تقدم داود لمقاتلة جليات وهو يقول " اليوم الرب يحبسك في يدى. الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا" (1صم 17).

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 05:58 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الإثنا عشر رسولًا

بغيرة الآباء الرسل تأسست الكنيسة وانتشرت في الأرض كلها.
هؤلاء الذين لا صوت لهم ولا كلام، إلى أقصاء المسكونة بلغت أصواتهم. بعزيمة لا تفتر وعمل لا يعرف الراحة، وباحتمال عجيب. لذلك استطاعوا أيقولوا لما حاولوا منعهم: نحن لا يمكننا أن لا نتكلم.. (أع 4: 20). ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس (أع 5: 29).
وهكذا كانوا " يتكلمون بكلام الله مجاهرة " بكل شجاعة " وكانوا كل يوم في الهيكل وفى البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح" (أع 5: 42) " وكان الرب كل يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع 2: 47) " وكان مؤمنون ينضمون إلى الرب أكثر، جماهير من رجال ونساء" (أع 5: 14).
ومن أجل غيرة الرسل احتملوا الجلد والإهانة والسجن.
ولما سجنوهم وجلدوهم ثم أطلقوهم "خرجوا فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه" (أع 5: 41). ولما أوقفوهم أمام المجمع قال لهم رئيس الكهنة " أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الإسم. وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28). ولما طردوهم من أورشليم بعد استشهاد أستفانوس، يقول عنهم الكتاب:
" الذين تشتتوا، جالوا مبشرين بالكلمة" (أع 8: 4).
كانوا كقطع من فحم، اشعلتها نار الروح القدس في يوم الخمسين، فتطايرت شراراتها إلى أقصاء الأرض، واشتعل العالم نارًا..
وهكذا نفذوا وصية الرب الذي قال لهم".. وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض" (أع 1: 8).
لقد شهدوا للمسيح، ونالوا في ذلك أكاليل الشهادة.
وكانوا لا يخافون الموت اطلاقًا، ولا تزعجهم الضيقات ولا العذابات ولا المحاكمات ولا السجون. المهم أن يشهدوا للرب وليكن بعد ذلك ما يكون..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 06:01 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
القديس بولس الرسول
إنه من أروع الأمثلة البشرية للغيرة المقدسة، بل هو أروعها فعلًا.
عندما آمن بالميسحية، دخلتها طاقة عجيبة من الحرارة والقوة.
فاستطاع أن يشهد للرب في أورشليم، وفي بلاد اليهودية، وفي قبرص، وآسيا الصغرة. وثم فى بلاد اليونان، وفى ايطاليا. وهو الذي أسس كنيسة رومة * يضاف إلى 14 رسالة كتبها، وكانت لها أهميتها في وضع قواعد الإيمان المسيحى وانتشاره. وقد كتب بعضها وهو في السجن.
أية غيرة هذه: أن الإنسان يبشر وهو في السجن!
بل ما أجمل ما يقوله عن انسيمس " الذته في قيودى" (فل 10). ومن السجن يكتب إلى أفسس، قائلا لأهلها " أطلب إليكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يليق بالدعوة التى دعيتم إليها" (أف 4: 1). كان وهو أسير، في السجن، يهتم بخلاص غيره.

بل أن اهتمامه بخلاص غيره، فاق اهتمامه بنفسه. ولذلك فإنه في محبته العجيبة لمواطنيه، يقول عبارته المؤثرة جدًا، المملوءة غيرة وحبًا.. يقول:
".. كنت أود لو أكون أنا نفسى محرومًا من المسيح، لأجل أخوتى وانسبائى حسب الجسد.." (رو 9: 3).
غيرته إذن مبنية على الحب العميق، الذي يريد فيه خلاص الكل، ويخشى فيه على الحب العميق، الذي يريد فيه خلاص الكل، ويخشى فيه على الكل من السقوط. فيقول لأهل كورنثوس " إنى أغار عليكم غيرة الله. لأنى خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح. ولكننى أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها تفسد أذهانكم عن البساطة التي فى المسيح" (2كو 11: 2، 3).
بولس الرسول من أجل غيرته على الملكوت، كان دائم الأسفار، يحتمل المتاعب لنشر الايمان.
إنه يقول عن خدمته " ثلاث مرات انكسرت بى السفينة. ليلًا ونهارًا قضيت في العمق. بأسفار مرارًا كثيرة. بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من جنسى، بأخطار من الأمم. بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر. في تعب وكد، في أسهار مرارًا كثيرة. في جوع وعطش، في أصوام مرارًا كثيرة. عدا ما هو دون ذلك.." (2كو 11: 25: 27). وما هو ذلك؟ يقول:
" التراكم على كل يوم. الاهتمام بجميع الكنائس" (2كو 11: 28).
هذه هى الغيرة حقًا. التي أمامها نقف متعجبين حينما يحارب شاب بالمجد الباطل، لمجرد أنه يدرس فصلا في التربية الكنسية، أو يلقى عظة فى كنيسة!!
أما القديس بولس الرسول فبالاضافة إلى كرازته في ميادين جديدة، كان عليه الاهتمام بالكنائس القائمة: يدبر ويفتقد ويرعى، حتى وهو في السجن.
وما أكثر الآلام التي تحملها القديس بولس بسبب غيرته على الملكوت.
يشرحها فيقول " في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارًا كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة. ثلاث مرات ضربت بالعصى. مرة رجمت.." (2كو 11: 23 – 25).
وعن تعبه وتعب زملائه في الخدمة يقول " في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير، في شدائد ضرورات في ضيقات، ضربات في سجون في اضطرابات، في أتعاب في أسهار في أصوام.. كمضلين ونحن صادقون.. كمائتين وها نحن نحيا.. كحزانى دائما فرحون.." (2كو 6: 4-10).
إن الغيرة لم تنفصل إطلاقًا عن الصليب، في خدمة بولس الرسول وزملائه.
ولذلك فإنه يصف حياته وحياتهم في الخدمة فيقول".. مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين. متحيرين ولكن غير بائسين، مضطهدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين، حاملين في الجسد كل حين إماته الرب يسوع.. " (2كو 4: 8 – 10). هذه هى حالتهم، لئلا يظن البعض أن حياة القديس بولس كانت مجرد مجد كقديس ورسول.
أو لئلا يظن البعض أن الغيرة هى حماس يامر وينهى، وينتقد ويوبخ!!
وينسى أن الذي يحيا حياة الغيرة المقدسة، يجاهد لأجل الملكوت، لابد أن يحمل صليبه كل يوم ويتبع الرب..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 06:02 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
القديس استفانوس

إن غيرته كانت ثمرة طبيعية لمواهبه وروحياته:
لقد اختير شماسًا من " المملوءين من الروح القدسوالحكمة".
وقيل كان رجلًا مملوءًا من الإيمان والروح والقوة (أع 6: 3، 5، 8).
وإنه " كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أع 6: 8).
وق بدأ أسطفانوس عمله بقوة. فماذا كانت نتائج غيرته؟
" كانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا. وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع 6: 7).
ولم يحتمل المقاومون غيرة اسطفانوس وعمله، فنهض لمحاورته قوم من مجمع الليبرتينيين والقيروانيين والاسكندريين، ومن الذين من كيليكية.
" ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع 6: 10).
وإذ لم يقدروا على مقاومة غيرته بكل مواهبها، دسوا له الدسائس واتهموه بالتجديف، وسلموه للجميع لكي يرجموه.
وفى أثناء المحاكمة والرجم لم تفارقه غيرته. فكان يشرح الإيمان ويوبخ رؤساء اليهود على قساوة قلوبهم.
هذا هو اسطفانوس، الذي لم يكن رسولًا ولا أسقفًا ، وإنما كان شماسًا. ولكنه شماس مملوء من الغيرة، يعمل بقوة جبارة بالروح القدس الذي فيه..
وكانت لغيرته ثمار لم يحتملها أعداؤه.
وكانت له جرأة لم يستطيعوا أن يحتملوها ايضًا. فحنقوا عليه، وسدوا آذانهم دون كلماته، وهجموا عليه بنفس واحدة، وأخرجوه خارج المدينة روجموه (أع 7: 54 – 58).
وصار أول الشهداء في المسيحية..
مدة خدمة قصيرة، ولكنها مثمرة، وقوية..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 06:03 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
القديس مرقس الرسول
غيرته تمثل الثمر الكثير، على الرغم من عوائق أكثر.
بدأ من فراغ وانتصر على كل الصعوبات. جاء إلى مصر، إلى بلد لا كنيسة فيه، ولا شعب، ولا مسيحية، ولا أية امكانيات. بل كانت فيه العبادات الفرعونية بقيادة كبير الآلهة رع، والعبادات اليونانية بقيادة كبير الآلهة زيوس، والعبادات الرومانية بقيادة كبير الآلهة جوبتر. بالاضافة إلى اليهودية التي كانت تشغل حيين من أحياء الأسكندرية، مع عبادات شرقية أخرى.. مع الفلسفة التي تزخر بها مكتبة الاسكندرية الشهيرة.. هؤلاء جميعًا تسندهم سلطة الدولة الرومانية بكل قسوتها.

وكانت غيرة مارمرقس أقوى من تلك المقاومات.
لم تكن له أية أمكانيات مادية على الاطلاق، بل دخل مصر بحذاء مقطوع من كثرة المشى على قدميه.. ولم يجد شعبًا مؤمنًا، فعمل على تكوين شعب مؤمن..
واستطاع مارمرقس بغيرته على ملكوت الله، أن ينشر المسيحية في مصر، وفي ليبيا. كما ساعد بولس الرسول في تبشير رومه، وكثير من بلاد أوربا. واسس في الإسكندرية أول مدرسة لاهوتية، أعدت قادة للإيمان في الشرق كله. كما أنه كتب الإنجيل الذي حمل إسمه، وكان مصدرًا للإيمان في العالم كله.
كانت غيرته كافية لكرازة مصر، وكانت أكبر من مصر.
فانتشر الإيمان على يديه في أماكن متعددة. وكثرت اسفاره لنشر الملكوت في أقطار أخرى. فاضطر إلى سيامة اسقف عام لمساعدته، يحل محله أثناء سفره. ذلك هو القديس انيانوس أول خلفاء مارمرقس على كرسيه في الإسكندرية.
وطبعًا ما كان ممكنًا لأعداء الإيمان أن يحتملوا غيرة مارمرقس ونشره للإيمان.
فنال إكليل الاستشهاد على أيديهم سنة 68 م. وترك لنا إيمانًا راسخًا مازلنا نحن في ظلاله إلى يومنا هذا. وبقى أن يقتضى أبناء مارمرقس آثار غيرته، ويتتبعوا خطواته.
ولا يقل أحد: أنا مستعد أن أخدم، ولكن لا توجد إمكانيات.
لقد خدم مارمرقس بدون إمكانيات. بدأ من فراغ كما قلنا وفراغ محاط بمقاومات.. ولم يكن يملك سوى غيرته. وهكذا باقى الرسل.
لم يكن طريقهم سهلًا ولا مهدًا، بل كان مليئا بالصعوبات، إذ أنهم خدموا في بلاد وثنية. واليهود كانوا ضدهم. وكذلك الدولة الرومانية.
هم تعبوا، ونحن دخلنا على تعبهم (يو 4: 38).
كما تعب المسيح من قبل، والرسل دخلوا على تعبه. ونتيجة لهذا التعب كله، كانت الكنيسة في نمو مستمر.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 06:07 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
القديس أثناسيوس الرسولي
حقا ما أصدق ما قاله القديس جيروم عن أثناسيوس وجهاده ضد أريوس والأريوسية، وكيف استطاع أن يحول مجرى التاريخ.. قال:
مر وقت كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسيًا، لولا أثناسيوس..!
بدأت المشكلة الأريوسية قبل أثناسيوس بزمن. ومن أجلها عقد البابا ألكسندروس (البطريرك 19) مجمعًا مكانيًا حضره مائه أسقفًا من أساقفة مصر والخمس المدن الغربية. وحينما عقد مجمع نيقية المسكونى سنة 325 م، كان أثناسيوس مايزال شابًا، وشماسًا.
ولكن هذا الشماس الشاب شعر أن المسئولية ملقاة على عاتقه. وشعوره بالمسئولية كان مصدر غيرته.

كان في المجمع 318 أسقفًا يمثلون كنائس العالم المسيحى كله. وكان من بينهم بطاركة وعظام ورؤساء كنائس. ولكن أثناسيوس الشماس شعر أن الإيماس المسيحى كله أمانة في عنقه. فوقف يدافع عنه بكل حماس، ويرد على كل حجج أريوس ببراهين لاهوتية أقوى منها. واستطاع أن يصوغ بنود قانون الإيمان المسيحى.
ولما صار أثناسيوس بطريركًا تصدى أيضًا للأريوسيين، ووضع كتابًا ضدهم إسمهContra Arianos (ضد الأريوسيين).
وهو من أربعة أجزاء، تناول فيه كل الآيات التي يعتمدون عليها، ووضع التفسير السليم لها، ورد على فهمهم الخاطئ. كما وضع الكثير من المؤلفات، في الدفاع عن الإيمان النيقاوى..
وبسبب غيرته تعرض لاضطهادات كثيرة..
فاتهمه أعداء الإيمان بتهم مريرة، ودسوا له الدسائس عند الامبراطور، ونفى عن كرسيه أربع مرات. ولكن غيرته لم تفارقه في أماكن منفاه، بل كان في كل مكان ينفى إليه، ينشر الإيمان السليم، ويشرح العقيدة، ويرد على لأريوسية، ويعقد مجامع ضدها. وينتهى الأمر برجوعه إلى كرسيه، فيواصل جهاده لينفى مرة أخرى 45 سنة قضاها على الكرسى المرقسى في جهاد مستمر.
ومن أجل غيرته على الإيمان، اصبح عنوانًا للإيمان بحيث أن الذي يريد أن يثبت صحة إيمانه، يقول " أنا على إيمان أثناسيوس". ولم تفتر حرارة هذا القديس يومًا واحدًا. بل كانت قوة الأريوسية تلهب غيرته بالأكثر، حتى ثبت الإيمان على قواعد سليمة.
وهذه الغيرة بدأت معه، منذ معه، منذ سنى شبابه المبكر، حيث وضع كتابين هامين هما:
كتاب تجسد الكلمة، وكتاب "رسالة ضد الوثنيين".
وضعهما وهو شماس شاب. ومع ذلك صارًا مرجعين هامين، ينتفع بهما كل جيل أتى بعده، حتى يومنا هذا..
ولم يكتف بالرد على الأريوسية، بل تتبع كل هرطقة..
وهكذا وضع أيضًا رسائله عن الروح القدس التي وضح فيها الإيمان السليم بهذا الأقنوم الإلهى..
وصارت غيرة أثناسيوس وإيمانه وجهاده مضرب الأمثال، حتى أنه لما اشتهر القديس ايلارى أسقف بواتييه في دفاعه عن الإيمان، أسموه أثناسيوس الغرب..

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 06:08 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
الأرشيدياكون حبيب جرجس
عاش في عصر مظلم، لم يكن فيه وعاظ، ولا أساتذه للاهوت. وحتى الايغومانوس فيلوثاوس ابراهيم الذي كان بقية نور فى تلك الأيام، لم تساعده صحته على إكمال رسالته، وانتقل من عالمنا..
وكان حبيب جرجس أول طالب التحق بالاكليريكية الحديثة سنة 1893، ولم يكن بها مدرس للذين!!
وفى غيرة عمبقة شعر حبيب جرجس أن الاكليريكية هى مسئوليته. فبدأ يدرس زملاءه وهو طالب.

وتخرج ليتولى التدريس في الاكليريكية. وكان يقوم بتدريس اللاهوت والوعظ، ويضع، ويضع الكتب الروحية. ووضع كتاب (اسرار الكنيسة السبعة)، وكتاب (الصخرة الأرثوذكسية)، وكتاب مارمرقس الرسول. وأخذ في اعداد مدرسين للدين.
وكان مبنى الاكليريكية وقتذاك لا يصلح. فشعر حبيب جرجس أنها مسئوليته أن يبنى لها مبنى.
وبكل غيرة، بدأ يدعو لهذا الأمر، ويطوف البلاد يجمع تبرعات، حتى اشترى أرض مهمشة الواسعة وبنى مبنى الدراسه، ومبنى الداخلية، ومبنى معهد العرفاء، واسس المكتبة، وبنى كنيسة العذراء التي كانت كنيسة لطلبة الاكليريكية في أيامه، قبل أن تفتح للشعب..
ولم تكن هناك في تلك الأيام مدارس للتربية الكنسية، فشعر حبيب أنها مسئوليته أن يهتم بانشاء مدارس الأحد.
وشجع الكثيرين على المساهمة في هذا المجال. وبكل حماس أخذ التعليم الدينى يشق طريقه إلى الأطفال وإلى القرى. وصار هناك آلاف من المدرسين. وكان حبيب جرجس هو نائب رئيس اللجنة العليا لمدارس الأحد. أما رئيسًا في ايامه فكان قداسة البابا يؤنس التاسع عشر.
ولم تكن هناك مناهج لتعليم الدين في المدارس. فشعر حبيب جرجس أنها مسئوليته الخاصة أن يضع كتبًا منهجية لكل مراحل التعليم.
فوضع لذلك سلسلتين أحداهما (المبادئ المسيحية) والثانية (الكنز الأنفس). ولم يترك التعليم الدينى معوزًا شيئًا من المعلومات. بل طبع أيضًا الصور اللازمة. وأصدر مجلة (الكرمة) التي استمرت 17 عامًا كمدرسة متنقلة من بيت إلى بيت، على مستوى رفيع. وهى أول مجلة قدمت لنا ترجمة أقوال الآباء القديسين كل ذلك لم يكن واجبا ورسميًا ملقى على حبيب جرجس.
بل هى غيرته التي دفعته في كل هذه المجالات. غيرته التي بدأت معه وهو طالب، ثم وهو مدرس، ثم وهو ناظر للاكليريكية منذ سنة 1918.
وبهذه الغيرة استطاع أن يقدم للكنيسة آلافا من الوعاظ ومعلمى الدين، ومئات من الخرجين لسيامتهم كهنة في كافة بلاد القطر.
غيرة حبيب جرجس كانت غيرة تمثل العمل الايجابى في عمقه.
لم يحدث إطلاقًا أنه انتقد أنه انتقد الضعف والضياع الموجودين في عصره. ووإنما كان إن وجد نقصًا، يبحث كيف يعالجه، دون أن يدين أحدًا.. لقد كان رجل بناء ماهرًا. حفر أساسًا ووضع حجرين لبنائين: أحدهما هو الاكليريكية، والثانى هو مدارس الأحد.. وجاهد حتى ارتفع البناءان، وآوى اليهما أولاد الله.
هذه هى غيرة حبيب جرجس، البناءة، العمالة، الإيجابية.

Mary Naeem 07 - 02 - 2014 06:10 PM

رد: كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنوده الثالث
 
غيرة بعض الآباء الرهبان
نرى أن الغيرة المقدسة تملك حتى على آباء البرية القديسين الذين تفرغوا لحياة الوحدة والصلاة فى البرارى والمغاير. وكان يمكن أن يعتذروا بأنه ليس من طقس حياتهم السعى في المدن لانقاذ الخطاة. وبخاصة السعى لانقاذ الخاطئات من أماكن الفجور والدعارة. ومع ذلك فإن غيرتهم المقدسة كانت أقوى بكثير من هذا العائق. فذهبوا إلى أماكن لم يدخلوها اطلاقًا طول حياتهم. ولم يهتموا بالحفاظ على سمعتهم حينما ذهبوا إلى هناك، إنما كان كل اهتمامهم مركزًا في انقاذ نفس مات المسيح لأجلها، مهما كانت قد سقطت وتدهورت.
ولعلنا في هذا المجال نضع ثلاثة أمثلة من اشهر أمثلة التاريخ في الغيرة المقدسة.

1- مثال تخليص نفس الخاطئة تاييس:
نشأت تاييس في الأسكندرية، وكانت جميلة جدًا. وقد اعثرتها اخلاق أمها الساقطة فتدهورت في حياة الفساد، حتى عاشت حياة الدعارة في الأسكندرية، وكان المئات يسقطون بسببها. وذاع خبرها في كل مكان، ووصلت قصتها إلى برية شيهيت.
فامتلأ قلب القديس بيساريون بالغيرة المقدسة، ليس فقط من أجل خلاص نفس تاييس، إنما بالأكثر لإنقاذ الذين يسقطون بسببها.
وذهب القديس في زى علماني إلى الإسكندرية، وإلى مكان دعارة تاييس، وأمكنه أن يقودها إلى التوبة، فأحرقت كل ثيابها وزينتها أمام الكل في ميدان عام، واقتادها القديس إلى بيت العذارى، حيث عاشت حياة توبة، خلصت بها نفسها، وزالت عثرتها.
وأعلن الله خلاص نفسها في رؤية أعلنها للقديس بولس البسيط، وأعلنها هذا القديسلأبيه الروحى القديس الأنبا انطونيوس الكبير..
2- مثال تخليص نفس القديسة بائيسة التي سقطت:
كانت بائيسة من أسرة بارة كثيرة الثراء في منوف. وقد ترك لها أبوها ثروة ضخمة، أخذت توزعها على الفقراء والمساكين، وعلى الأديرة والرهبان أيضًا، حتى صرفت كل ما كان لها. وكانت على وشك التوجه إلى الحياة في البرية. وهنا حسد الشيطان برها، وحاك حولها شباكه في مكر ودهاء، وفي اغراء شديد، في وقت كانت فيه في ضعف وفتور.. والعجيب أنه نجح، فسقطت، وتطور بها الأمر أيضًا إلى بيت للدعارة!
وهنا ملكت الغيرة شيوخ برية شيهيت المتألمين على سقوط هذه القديسة. وانتدابوا القديس يوحنا القصير لإنقاذها، فأطاع..
فذهب إلى مكان دعارتها، وهو يرتل قول المزمور "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا لأنك أنت معي" (مز 23).
وقد تمكن القديس من قيادتها إلى التوبة، وأخرجها من ذلك المكان لتذهب إلى البرية. وكانت توبتها صادقة جدًا. وشاء الله أن يأخذ نفسها في تلك الليلة. ورأى القديس يوحنا القصير روحها الطاهرة يحملها الملائكة في عمود من نور إلى السماء. وتحتفل الكنيسة بعيدها في يوم 2 مسرى.
3- مثال تخليص مريم ابنة أخي القديس إبراهيم المتوحد:
وهذا القديس ولد في مدينة الرها في بلاد ما بين النهرين. وقد توحد هناك. ثم دفعوا إليه بالطفلة مريم بعد وفاة والديها. فرباها معه، حتى كبرت فتوحدت في قلاية قريبة من قلايته.
ونمت هذه الفتاة في حياة القداسة، إلى أن جاء يوم نصب لها العدو شباكًا، فسقطت مع أحد الأخوة الذين كان يتردد على القديس إبراهيم يطلب مشورته. وبعد السقوط أوقعها الشيطان في اليأس والخزي، فهربت. وانتهى بها الأمر إلى بيت للدعارة..
ولما اكتشف القديس إبراهيم أمرها تملكته الغيرة لإنقاذها.
وعرف مكانها فذهب إليها متنكرًا وساعده القديس مارافرام السرياني بصلوات حارة وانتهى الأمر بإنقاذها وإخراجها من ذلك المكان، حيث عادت إلى عبادتها وإلى حياة الانسحاق والتوبة، وشرفها الله بمواهب الشفاء في أيامها دليلًا على قبول توبتها.


الساعة الآن 05:23 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025