منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=250772)

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 02:58 PM

كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
قصة هذا الكتاب

ليست التوبة يا إخوتي هي عمل المبتدئين في الحياة مع الله، إنما التوبة هي للجميع، حتى للقديسين وهي جزء من صلواتنا اليومية.
كل إنسان محتاج إلي توبة، مهما عظم مركزه، ومهما علا قدرة وارتفع في الحياة الروحية. كلنا محتاجون إلي توبة، بل إننا محتاجون إليها في كل يوم، لأننا في كل يوم نخطئ. ولا يوجد إنسان بلا خطية، ولو كانت حياته يومًا واحدًا علي الأرض.
بالتوبة نهيئ أنفسنا لسكني الرب. وبالنقاوة نعاين الله أي نراه (متي 5: 8). التوبة هي بدء الطريق إلي الله، وهي رفيق الطريق حتى النهاية.
ولذلك كانت التوبة من أولي الموضوعات التي ألقيت فيها محاضرات عديدة من بداية عملي كأسقف للتعليم من حوالي عشرين سنة.
عشرات المحاضرات ألقيتها عن التوبة في القاعة المرقسية بدير الأنبا رويس، وفي اجتماعات الشباب والأسرات الجماعية. كما ألقيت محاضرات أخري مركزه في كنيسة الملاك بدمنهور، وفي كنيسة مارجرجس بالمحلة الكبرى، وفي بعض البلاد الأخرى، وبخاصة في السنوات من 1965 إلي 1969.
وكنت أشتهي منذ زمان، أن تصدر كتاب عن حياة التوبة.
ولقد جمعت محاضرات فعلًا، وقدم للمطبعة في أغسطس 1971، وتم طبع ثلاث ملازم منه. ثم جاءت مسئوليات البطريركية فشغلتني عنه وعن إصدار أي كتاب آخر لمدة طويلة، كانت فيها أعباء العمل متشبعة جدًا لم تعطني فرصه للكتابة علي مدي سنوات. إلي أن شاء الله أخيرًا أن أقدمه للمطبعة بعد اثنتي عشرة سنة وبسبب تأخير صدور كتاب (حياة التوبة) هذا، كان كثير من أحبائي يستعجلونني، قائلين في لطف: ها قد تأخرت توبتنا بتأخر صدور الكتاب. افترضي أن تحمل مسئولية هذا التأخير أمام الله؟ وكنت أجيبهم بالعبارة التي أكررها باستمرار "صلوا لكيما يعطيني الرب وقتًا".. ثم أعطاني الرب وقتًا، وقدمت الكتاب إلي المطبعة، وما هو قد وصل أخيرًا إلي يديك.ولعل تأخره كان فرصة لأن أضيف إليه محاضرات أخري ألقيتها في الكاتدرائية الكبرى فيما بعد في السبعينات.
وبعد، أتظنون أنني استطعت جمع كل مايو قلناه عن التوبة؟
كلا بلا شك. فموضوع التوبة متسع ومتشعب، وقد دخل في موضوعات أخري كثيرة من الحياة الروحية، ودخل في تأملاتنا عن المزامير وقطع الأجبية، وسفر الرؤيا، وسفر النشيد ورومية 12، ورجال الكتاب المقدس، وفي محاضراتنا عن الخلاص..
وقد أصدرنا بعض كتب أخري صغيرة غير هذا الكتاب، تحت عنوان "سلسة حياة التوبة والنقاوة"، ونقوم بنشرها تباعًا هنا في موقع الأنبا تكلا.
صدرت منها كتب (اليقظة الروحية)، (السهر الروحي)، (الرجوع إلي الله)، وكتاب (مخافة الله).
علي أنني لكي استكمل لك هذه المجموعة عن حياة التوبة.
أتوقع أن أصدر لك قريبًا كتاب (الحروب الروحية) الذي ربما يصدر في مجموعة من الكتب الصغيرة أولًا، ثم يجمع في كتاب كبير ليشمل الحروب الروحية بوجه عام، ثم حرب كل خطية تعطل التوبة، علي حدة ويبقي موضوع (التوبة والنقاوة) مفتوحًا.. أنه حياة..
شنودة الثالث

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:01 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
ما هي التوبة؟

ما دامت الخطية هي انفصال عن الله، فالتوبة إذن هي رجوع إلي الله (1).
و الرب يقول في ذلك "ارجعوا إلي، أرجع إليكم" (ملا 3: 7). والابن الضال حينما تاب، ورجع إلي أبيه (لو 15: 18، 20). حقًا أن التوبة هي حنين الإنسان إلي مصدرة الذي أخذ منه. وهي اشتياق قلب ابتعد عن الله، ثم شعر انه لا يستطيع أن يبعد أكثر..
· ومادامت الخطية خصومه مع الله، تكون التوبة هي الصلح مع الله (1) وهذا ما ذكره معلمنا القديس عن عمله الرسولي، قال "إذن نسعى كسفراء عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20).
و التوبة لا تقتصر علي الصلح، إذ بها يعود اله فيسكن الله في قلوبهم حيث تسكن الخطية ؟‍ والكتاب يقول "أية شركة للنور مع الظلمة؟‍" (2 كو 6: 14).
و التوبة أيضًا هي يقظة روحية.

لأن الإنسان الخاطئ هو إنسان غافل، لا يحس ما هو فيه. لذلك يخاطبه الكتاب قائلًا "إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم" (رو 13: 11). ولعله بهذا المعني اعتبرت التوبة هي رجوع الإنسان إلي نفسه.
أو هي رجوع النفس إلي حساسيتها الأولي، ورجوع القلب إلي حرارته ورجوع الضمير إلي عمله. وحسنًا قيل عن الابن الضال في توبته "فرجع إلي نفسه" (لو 15: 17). أي أنه عاد إلي وعيه، وإلي تفكيره السليم، وإلي إدراكه الروحي.
ومادامت الخطية تعتبر موتًا روحيًا، كما يقول الكتاب عن الخطاة أنهم "أموات بالخطايا" (أف 2: 5)، تكون التوبة إذن انتقالًا من الموت إلي الحياة حسب تعبير القديس يوحنا الإنجيلي (1 يو 3: 14). وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول "استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضئ لك المسيح" (أف5: 14). والقديس يعقوب الرسول يؤكد نفس المعني إذ يقول "من رد خاطئًا عن طريق ضلاله، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20). إن التوبة قيامة للروح، لأن موت الروح هو انفصال الروح عن الله، كما قال القديس اوغسطينوس..
· التوبة هي قلب جديد طاهر، يمنحه الرب للخطاة، يحبونه به هي عمل إلهي يقوم به الرب في داخل الإنسان، حسب وعده الإلهي القائل "أورش عليكم ماء طاهرًا، فتطهرون من كل نجاستكم.. وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم.. وأجعلكم تسلكون في فرائضي، وتحفظون أحكامي وتعلمون بها" (حز 36: 25 - 27).
*التوبة هي التحرر من عبودية الخطية والشيطان..
· ومن أغلال العادات الخاطئة، ومن السير وراء الشهوات.. ولا يمكن أن ننال هذه الحرية بدون عمل الرب فينا. ولذلك يقول الإنجيل "إن حرركم الابن، فبالحقيقة أنتم أحرار" (يو 8: 36). إنها حقًا حرية لأن "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: 34). نحصل علي هذه الحرية، إن كنا بالتوبة نثبت في الحق، وليس في الباطل والحق يحررنا (يو 8: 32).
* التوبة إذن هي ترك الخطية، ولكن من أجل محبه الله.
ومن أجل محبة البر. لأنه ليس كل ترك للخطية يعتبر توبة. فقد يبتعد الإنسان عن الخطية بسبب الخوف، أو الخجل، أو العجز، أو المشغولية (مع بقاء محبتها في القلب)، أو بسبب أن الظروف غير متاحة. ولا تعتبر هذه توبة.. أما التوبة الحقيقية، فهي ترك الخطية عملًا وفكرًا وقبلًا، حبًا في الله ووصاياه وملكوته وحرصًا من التائب علي أبديته..
التوبة الحقيقية هي ترك الخطية، بلا رجعة.
وهكذا تروي قصص القديسين الذين تابوا، مثل القديس اوغسطينوس، والقديس موسى الأسود، والقديسات مريم القبطية وبيلاجية وتاييس وسارة.. إن التوبة كانت في حياة كل هؤلاء وغيرهم، هي نقطة تحول نحو الله، استمرت مدي الحياة، بلا رجعه إلي الخطية. ويذكرنا هذا بقول القديس شيشوي "لا أتذكر أن الشياطين قد أطغوني في خطية واحدة مرتين".. ربما الخطية الأولي كانت عن طريق جهل، أو تهاون، أو ضعف، أو عدم دراية بحيل الشياطين، أو عدم حرص. أما بعد التوبة واليقظة، فهناك كل التدقيق في الحياة، والاحتراس من الخطية. أما الذي يترك الخطية ثم يعود إليها، ثم يتركها ثم يعود.. فهذا لم يتب بعد. إنما هذه مجرد محاولة للتوبة، كلما يقوم فيها الخاطئ تشده الخطية إلي أسفل. إن صك حريته لم يكتب بعد..
التوبة هي صرخة من الضمير، وثورة علي الماضي.
· إنها اشمئزاز من الخطية، وندم شديد، ورفض للحالة القديمة، مع خجل وخزي منها. لذلك قيل عن التوبة إنها "قاضٍ لا يستحي".
التوبة هي تغيير لحياة الإنسان.
ليست هي انفعالًا وقتيًا نحو الله، إنما هي تغيير جدي وجذري في حياة الإنسان فيه يشعر هو وكل من يعاشره أن حياته قد تغيرت، وأفكاره تغيرت وكذلك مبادئه وقيمه ونظرته إلي الحياة، وطباعه وأسلوبه في الحديث، ومعاملاته للناس، وعلاقته بالله.ونفسه أيضًا من الداخل قد تغيرت. وأصبح قلبًا رافضًا للخطايا السابقة التي كان يحبها. ودخلت محبه الله إلي قلبه. وصار له منهج روحي يشعر فيه بلذة روحية.
ولهذا كله، قيل بصدق عن التوبة:
· التوبة هي استبدال شهوة بشهوة. هي شهوة للحياة مع الله، بدلًا من شهوة الخطية والجسد. وهنا لا تقتصر التوبة علي الجانب السلبي، الذي هو ترك الخطية ومحبتها إنما تدخل من الناحية الإيجابية في محبه الله وملكوته وطرقه.. إنها حرارة لا تسري في الإنسان، وتشعله بالرغبة في حياة طاهرة ولهذا قيل عن التوبة أيضًا:
التوبة تجديد للذهن.
· تجديد الطبيعة يكون في المعمودية (رو 6: 4). أما تجديد الذهن فإنه يكون في التوبة، عملًا بقول الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة" (رو 12: 2).
* التوبة هي المفتاح الذهبي، الذي يفتح به باب الملكوت.
· أو هي الباب الحقيقي الموصل إلي السماء أو إلي الملكوت. لأنه بدون التوبة لا يملك الله في قلوبنا.. أن التوبة هي زيت في مصابيح العذارى، يجعلهن أهلًا للدخول إلي العرس (متي 25).
· والتوبة هي القناة التي توصل استحقاقات الدم من الصليب.
إن الطريقة الوحيدة التي تمحي بها خطايانا بعد المعمودية. لذلك قال البعض عنها إنها "معمودية ثانية".. إنها جحد للشيطان مرة أخري. أنها فض للشركة التي بين الخاطئ والشيطان، ليدخل في شركة مع الروح القدس (2 كو 13: 14).
التوبة جمرة نار يلقطها أحد السارافيم من فوق المذبح.
· ويمحو بها إثم الخاطئ قائلًا له "قد انتزع إثمك، كفر عن خطيبتك" (أش 6: 7). إنها الوسيلة الوحيدة التي تمحي بها خطايانا من كتاب دينونتنا.. وما أجمل قول الرب في ذلك: أنساها "لا أذكر خطيئتهم بعد" (أر 31: 34). ومن أهمية التوبة في نوال المغفرة، قول الرب "أن لم تتوبوا فجميعكم هكذا تهلكون" (لو 13: 3).
* التوبة هي طريق الهروب من الغضب الآتي.
علي شرط أن تكون توبة حقيقية، وأن تتناسب مع خطورة الخطية. إن توبة أهل نينوى، استطاعت أن توقف حكم الله عليهم بالهلاك. ففلما تابوا رجع الله عن حكمة، وعن الشر الذر أراد أن يفعله بهم فلم يفعله (يون 3: 10) وهكذا في أحكام أخرى لله (أر 26: 13، خر 18: 21، 22). حقًا ما أجمل قول أحد القديسين: إن الله سوف لا يسألك: لماذا أخطأت؟ إنما سيسألك: لماذا لم تتب؟
التوبة إذن هي إبقاء الله عليك وعدم أخذك في خطيتك.
· إن الله من عمق محبته، أعطي الكل فرصًا للخلاص، مهما كانت خطاياهم. فالله لا يأخذ أحدًا في وضع هالك، قبل أن يعطيه فرصه ليتوب.
فالتوبة هي منحه إلهية وهبها الله للخطاة، لكي تطهرهم، وتريح ضمائرهم المثقلة بخطاياهم. وتعيد إليهم السلام الداخلي، وتردهم إلي رتبتهم الأولي التي كانت لهم قبل الخطية.
إنها يد الله الممدودة، يطلب أن يصالحك.
· إنها فرصه لصفحة جديدة يفتحها الله في علاقته معك، يغفر لك الماضي كله ويغسلك فتبيض أكثر من الثلج (مز 50). فرصه تقوي فيك الرجاء، وتبعد عنك اليأس مهما ساءت حالتك. ولذلك قيل عن التوبة إنها باب الرحمة، وإنها باب الغفران، وأنها باب الحياة، وإنها جسر يوصل بين الأرض والسماء. هذا من جهة عمل الله فيها وما يقدمه من مغفرة. أما من جهة الإنسان فنقول عنها:
* التوبة هي استجابة من الإنسان لدعوة إليه.
إنها استجابة من الضمير، لصوت الله فيه. واستجابة من الإرادة، لعمل النعمة معها. إنها عدم مقاومة للروح الذي يعمل فينا لخلاصنا (أع 7: 51؟)، وعدم إحزان للروح (أف 4: 30)، وعدم إطفاء للروح (1 تس 5: 19).
سئل ماراسحق عن التوبة، فقال: هي قلب منسحق.
· إنها النفس المنسحقة الراجعة إلي الله: إنها الركب الجاثية، والعيون الدامعة والقلوب المنكسرة. إنها أم الدموع والانسحاق والاتضاع، لأن التوبة تلد كل هؤلاء.. تحطم كبرياء الخاطئ، وتفتت قلبه الصخري، وتدخله إلي الحياة الاتضاع قال مار اسحق أيضًا: ذبيحة التوبة التي نقدمها لله، هي القلب الذي اتضع وانسحق، وانكسر بدموع الصلاة أمام الله، طالبًا المغفرة عن ضعفه وميل طبيعته أو ليس هذا أيضًا ما قيل في المزمور الخمسين -مزمور التوبة- "الذبيحة لله روح منسحق. القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله".
* قال الشيخ الروحاني: التوبة هي عذاب عظيم للشيطان مضادها.
· لأنها تخلص وتعتق المسبيين الذين سباهم بشره. وتعبه في سنين كثيرة، تضيعه التوبة في ساعة واحدة. زرع الشوك الذي زرعه بأرضنا، وربي بحرص في سنين كثيرة، في يوم واحد تحرقه وتطهر أرضنا.
إنها تجعل الزناة بتولين.
من لا يحبك أيتها التوبة -يا حاملة جميع التطويبات- إلا الشيطان، لأنك غنمت غناه كل ما اقتناه. يا أم الغفران، أن الآب المملوء رحمة، لا يغضبك إذا طلبت إليه، لأنه وهبك أن تكون شفيعه للخطاة، وسلم لك مفاتيح الملكوت. بعد أن زار يوحنا الدرجي دير التائبين، ورأي انسحاق نفوسهم بالتوبة، وشدة جهادهم، وحرارة صلواتهم، قال:
طوبت الذين أخطأوا وتابوا نائحين، أكثر من الذين لم يسقطوا ولم ينجحوا علي أنفسهم.
التوبة هي فرح في السماء، وعلي الأرض.
لأنه مكتوب "يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" (لو 15: 7، 10). فإن أردت أن تفرح السماء، تُب..
وهي فرح علي الأرض أيضًا: فرح للتائب وللراعي وللكنيسة كلها. التوبة فرح لأنها دعوة للمأسورين بالإطلاق (أش 61: 1). إنها فرح بالتحرر من عبودية الشيطان والخطية، وفرح بلذة الحياة الجديدة النقية، وفرح بالمغفرة..
* وفرح لأن التوبة هي حياة النصرة أو أنشودة الغالبين فيها ينشد التائب مع داود: "مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم.. نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر، ونحن نجونا "(مز 124: 6، 7).
علي أن التوبة ليست هي الغاية في الحياة الروحية، وغنمًا:
التوبة هي بداية رحلة طويلة إلي حياة النقاوة.
التوبة هي بداءة مع العلاقة مع الله. هي بداءة طريق طويل غايته القداسة والكامل. فالذي لم يبدأ التوبة حتى الآن، أي لم يبدأ أول الطريق، كيف تراه سيصل إذن إلي نهايته. والذي يؤجل أول خطوة إلي حين الشيخوخة أو ساعة الموت، كيف تراه يصل إلي قول الرب "كونوا انتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متي 5: 48).

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:02 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
نمو التوبة وكمالها


التوبة كأية فضيلة، ينمو فيها الإنسان ويتدرج. ويظل ينمو حتى يصل إلي كمالها. فما هي نقطة البداية في التوبة؟ هل هي ترك الخطية من أجل مخافة الله.
هناك نقطة قبل ترك الخطية، وهي الرغبة في التوبة.
لأن كثيرون لا يريدون أن يتوبوا. بل يجدون لذة في الخطية تدعوهم للبقاء فيها. أو إن طباعهم جميلة في أعينهم لا يريدون أن يغيروها.. لذلك فمجرد الرغبة في التوبة هي نقطة حسنة، تتلقفها النعمة التي تسأل: أتريد أن تبرأ؟ وتعمل عملها في الإنسان. وتكون أول خطوة بعد ذلك هي ترك الخطية بالفعل.
لكن أهم من ترك الخطية بالفعل، تركها بالقلب والفكر.
فهناك من يترك الخطية بالعمل. ولكن محبتها ما تزال في قلبه، يحن إليها، ويندم علي فرص معينة كان يمكنه فيها أن يخطئ ولم يفعل! مثل هذا الإنسان، ربما ترك الخطية من اجل وصية الله، وليس لأنه يكرهها.. المفروض أنه يتدرج في التوبة حتى تنتزع الخطية من قبله.
وكمال التوبة هو كراهية الخطية.

أي يصل إلي الوضع الذي يكره فيه الخطية من كل قلبه، ويشمئز منها، ولا يحتاج إلي بذل أي جهد في مقاومتها، لأنها لم تعد تتفق وطبيعته. وهنا يصل الإنسان إلي حافة النقاوة. ونقاوة القلب موضوع طويل، سنفرد له فصلًا خاصًا في الباب الرابع (علامات التوبة)، أو ربما نخصص له الباب الخامس هنا في موقع الأنبا تكلا. علي أن ترك الخطية التي تتعب الإنسان،أو البارزة في حياته، وكراهيتها.. تأتي بعده درجة أخري وهي:
ترك الخطايا التي تتكشف له بالنمو الروحي.
ذلك لأن الله من حنوه علينا، لا يكشف لنا كل خطايانا وضعفاتنا دفعه واحدة حتى لا نقع في صغر النفس. وغنما كلما نسمع عظات روحية، وكلما نقرأ في كتاب الله وفي الكتب الروحية تتكشف لنا ضعفات في أنفسنا وتقصيرات تحتاج إلي علاج وإلي جهاد وإلي توبة. وهكذا ندخل في عملية تطهير وتنقيه، قد تستمر مدي الحياة.
لأن الشيطان قد يترك ميدانًا، ويحارب في ميدان آخر. والمفروض أن نكون مستعدين له كل الميادين. حتى الخطية التي نكون قد استرحنا منها فترة قد يعاود القتال فيها. وبهذا تستمر التوبة معنا مدي الحياة.. كما أن التوبة، لا يجوز أن تقتصر فقط علي مكافحة السلبيات التي هي فعل الخطايا وإنما:
هناك توبة عن النقائض، الخاصة بالنمو الروحي.
فالمفروض في التائب أن يصنع ثمارًا تليق بالتوبة (متي 3: 8). وبهذا يدخل في ثمار الروح (غل 5: 22). فان كان لا يأتي بثمر، فهو محتاج إلي توبة إلي توبة عن خطية عدم الإثمار، لأن الكتاب يقول "من يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل، فتلك خطيه له" (يع 4: 17).
التوبة إذن ليست مرحلة وتنتهي، إنما تستمر معنا.
لأنه ليس احد بلا خطية، ولو كانت حياته يومًا واحدًا علي الأرض. فكلنا نخطئ ونحتاج إلي توبة. وهكذا تصير التوبة بالنسبة إلينا عملًا يوميًا، لأننا في كل يوم نخطئ. و"إن قلنا إننا لم نخطئ، نصل أنفسنا وليس الحق فينا" (1 يو 1: 8). إنما هناك فرق بين توبة الخطاة وتوبة القديسين.
الخطاة يتوبون عن خطايا هي كسر صريح للوصايا، وتدل علي عدم محبة الله أما القديسون فيتوبون عن تقصيرات طفيفة سببها الضعف البشري. ويتوبون عن نقائض يشعرون بها لشهوتهم في حياة الكمال التي يرون طريقه طويلًا أمامهم، ومازالت أمامهم مراحل ليعبروها جني يصلوا، كل ذلك مع حفظ قلبهم في محبة الله.وقد وضعت لنا الكنيسة صلوات يوميه نطلب فيها التوبة.
ففي قطع الأجبية ومزاميرها كل يوم، نلاحظ الصلوات الآتية:
1- الاعتراف بالخطية واستحقاق العقوبة، كما في (مز 6، 50)، وقطع الغروب.
2-طلب المغفرة، كما في قطع وتحليل السادسة، وباقي الصلوات.
3-طلب إنقاذ الرب للمصلي من الخطية ذاتها، كما في تحليل الثالثة.
4- طلب إرشادات لمعرفة الطريق كما في (مز 119)، وقطعه (تفضل يا رب).
5- لوم النفس وتبكيتها علي سقوطها وتهاونها كما في قطع النوم.
6- إيقاظ النفس للتوبة، وتذكيرها بالموت والدينونة ومجيء المسيح الثاني، كما في قطع النوم وأناجيل وقطع نصف الليل.
هذا يدل علي أننا نطلب التوبة كل يوم وكل ساعة.
وكمثال لذلك يقول المصلي في قطع صلاة النوم "هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعب من أجل كثرة ذنوبي.. فتوبي يا نفس مادمت في الأرض ساكنه"، "أي جواب تجيبي وأنت علي سرير الخطايا منطرحة، وفي إخضاع الجسد متهاونة"..
وفي صلاة الغروب "إذا كان الصديق بالجهد يخلص، فأين أظهر أنا الخاطئ؟". وفي صلاة الليل "أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمراة الخاطئة". في صلاة السادسة "مزق صك خطايانا أيها المسيح إلهنا ونجنا". وفي صلاة الثالثة "طهرنا من دنس الجسد والروح. وانتقلنا إلي سيرة روحانية لكي نسعى بالروح ولا نكمل شهوة الجسد".
ويعوزنا الوقت إن دخلنا في تفاصيل التوبة في صلوات الأجبية، فهذا يحتاج إلي كتاب خاص. بعد كل هذا، هل يجرؤ أحد أن يقول إن التوبة مرحلة اجتزناها وانتهت ودخلنا في السماويات، وفي طلب المواهب والمعجزات!!
الذي يظن انه اجتاز مرحلة التوبة، لم يفحص ذاته جيدًا.
أو لم يفحص ذاته في ضوء الوصايا، وبروح الاتضاع.. من منا مثلًا وصل إلي محبة الأعداء؟ (متي 5: 44). أو وصل أن يلهج في ناموس الرب النهار والليل؟ (مز 1). أو من منا وصل إلي الصلاة كل حين دون أن يمِل؟ (لو 18: 1).. الوصايا كثيرة، ولم ننفذ منها شيئًا.. أخشي أن أتكلم عن التفاصيل، فيقع البعض في صغر النفس. فالصمت أفضل..
إذن التوبة لازمه لكل منا كل يوم من حياتنا. ليت كل واحد منا يقرأ ويتأمل في الدرجات الروحية التي وصل إليها القديسون، ليعلم كيف هو خاطئ! والأعجب أن القديسين الذين وصلوا إلي تلك الدرجات كانوا يقولون إنهم خطاة ومحتاجون إلي توبة، كانوا يبكون علي خطاياهم.. ماذا نفعل نحن إذن؟!

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:04 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
دعوة إلى التوبة

إن الله المحب للبشر، بدافع من محبته لأولاده، يدعوهم للتوبة.
ذلك لأنه "يريد أن الجميع يخلصون" (1 تي 2: 4). هو لا يشاء أن يهلك أحد، بل أن يقبل الجميع إلي التوبة (2 بط 3: 9). وهو من أجل خلاصهم مستعد أن يتغاضى عن أزمنة الجهل (أع 17: 30). بل إنه يقول في محبته العجيبة "هل مسرة أسر بموت الشرير.. إلا برجوعه.. فيحيا" (حز 18: 3). هو يحبنا ويريدنا بالتوبة أن نتمتع بمحبته..يريد بالتوبة أن يشركنا في ملكوته، ويمتعنا بمحبته.
إنها ليست مجرد أوامر يصدرها الله علي أفواه أنبيائه القديسين، بل هي دعوة حب للخلاص "توبوا وارجعوا، لتمحي خطاياكم" (أع 3: 19). "من رد خاطئًا عن طريق ضلاله يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20). إذن هذا الأمر من أجلنا نحن ومن خلاصنا، الذي جعله يتجسد ويتألم لأجلنا، والذي لا نستطيع أن نناله إلا بالتوبة.

لذلك نري في دعوته لنا للتوبة، مشاعر الحب..
إذ يقول "ارجعوا إلي، أرجع إليكم" (ملا 3: 7)، "توبوا وارجعوا (حز 14: 6)، "ارجعوا إلي بكل قلوبكم.. ارجعوا إلي الرب إلهكم" (يوئيل 2: 12، 13). ويقول في محبته علي لسان أرمياء النبي "أجعل شريعتي في داخلهم، واكتبها علي قلوبهم. وأكون لهم إلهًا، وهم يكونون لي شعبًا.. أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر 31: 33، 34).
وفي دعوته لنا للتوبة، وعد بتطهيرنا وغسلنا.
إنه يقول "اغتسلوا، تنقوا، أعزلوا شر أفعالكم.. وهلم نتحاجج يقول الرب: إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج.." (أش 1: 16، 18). ويقول" أرش عليكم ماء طاهرًا فتطهرون. من كل نجاستكم ومن كل أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلبًا جديدًا.."(حز 36: 25، 26).
وهو يدعونا للتوبة، لأننا نحن نحتاج إليها فهو يقول "ما جئت لأدين العالم، بل لأخلص العالم" (يو 12: 47)، "لا يحتاج الأصحاح إلي طبيب بل المرضي. لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاه إلي التوبة" (مر 2: 17). نعم إن ابن الإنسان جاء يطلب ويخلص ما قد هلك" (متي 18: 11). هذه التوبة إذن من صالحنا. وليست أمرًا مفروضًا علينا.
ولنا نحن كامل الاختيار. الله يدعونا للتوبة ثم يقول "إن شئتم وسمعتم، تأكلون خير الأرض. وإن أبيتم وتمردتم، تؤكلون بالسيف" (أش 1: 19،20). والصالح لنا أن نسمع ونطيع، من اجل نقاوتنا ومن أجل أبديتنا، ومن أجل أبديتنا، ومن أجل أن نتمتع بالله. هوذا الرسول يمسي دعوته لنا للتوبة "خدمه المصالحة"، وينادي "تصالحوا مع الله" (2كو 5: 18، 20). فهل نحن نرفض أن نتصالح مع الله؟! وهل من صالحنا رفض المصالحة؟!
التوبة نافعة، مهما كان أسلوبها، باللين أو بالشدة. ولهذا يقول القديس يهوذا الرسول "ارحموا البعض مميزين. وخلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" (يه 22، 23). كان القديس يوحنا المعمدان شديدًا في مناداته بالتوبة (متي 3:8-10). ويقول القديس بولس الرسول لأهل كورنثوس "الآن أنا أفرح، لا لأنكم حزنتم، بل لأنكم حزنتم للتوبة" (2 كو 7: 9). ولذلك كان بعض القديسين في عظاتهم يجعلون الناس يبكون، وكان ذلك نافعًا لهم. كما كانت عقوبات الكنيسة نافعة للتوبة وللخلاص..
لذلك كانت الدعوة للتوبة، أهم موضوع في الكتاب.
لكي يتنقى الناس، ولكي يخلصوا.. ولما كانت التوبة لازمه للخلاص، بذلك أرسل السيد المسيح قدامه يوحنا المعمدان، يهيئ الطريق أمامه بالتوبة، فنادي بالتوبة قائلًا "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات" (متي 3: 2). هذا الملكوت الذي لا يمكن أن تنالوه إلا بالتوبة. وقد للناس معمودية التوبة..
وهكذا عمل التوبة سبق عمل الفداء. والمعمدان سبق المسيح والسيد المسيح نفسه نادي للناس بالتوبة "من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز قائلًا: توبا لأنه قد اقترب ملكوت السموات" (متي 4: 17). وكان يقول "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ" (إنجيل مرقس 1: 15). ولما أرسل الاثني عشر "خرجوا يكرزون أن يتوبوا" (مر 6: 12). وقبيل صعوده أمر أن يكرز باسمه للتوبة ومغفرة الخطايا لجميع المم مبتدأ من أورشليم" (لو 14: 47).
كان أول كارز بالتوبة هو نوح. وتبعه أنبياء كثيرون. مثل أشعياء (أش 1)، وحزقيال (حز 18)، ويونان (يون 3)، ويوئيل (يوء 2)، وأرمياء (أر 31).. وهي أيضًا واضحة كل الوضوح في أسفار العهد الجديد. والدعوة إلي التوبة هي عمل جميع الرعاة والمعلمين والوعاظ ورجال الكهنوت وكل المرشدين إلي التوبة هي عمل جميع الرعاة والمعلمين والوعاظ ورجال الكهنوت وكل المرشدين الروحانيين.. وهي واضحة في أقوال الآباء. لقد اهتم الآباء جدًا بالدعوة إلي التوبة:
قال القديس الأنبا أنطونيوس: أطلب التوبة في كل لحظة.
وقال القديس باسيليوس الكبير:" جيد ألا تخطئ. وإن أخطأت، فيجد ألا تؤخر التوبة. وإن تبت، فيجد ألا تعود إلي الخطية. وإن لم تعد، فجيد أن تعرف أن هذا بمعونة من الله. وغن عرفت فجيد أن تشكره علي ما أنت فيه". وقال مار اسحق:" في كل وقت من هذه الأربع والعشرين ساعة من اليوم، نحن محتاجون إلي التوبة". وقال أيضًا "كل يوم لا تجلس فيه ساعة بينك وبين نفسك، وتتفكر بأي الأشياء أخطأت، وبأي أمر سقطت، وتقوم ذاتك فيه.. لا تحسبه من عدد أيام حياتك". إن الدعوة إلي التوبة لازمه للكل. ومما يستلفت النظر:
إن الدعوة للتوبة، وجهت حتى إلي ملائكة الكنائس السبع, فالرب يقول لملاك كنيسة أفسس "أذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 5) وكلمه "تب" يقولها أيضًا لملاك كنيسة برجامس (رؤ 2: 16) وملاك كنيسة ساردس (رؤ 3: 3)، ولملاك كنيسة لاودكية (رؤ 3: 19). وقد أرسل الله ناثان النبي لينادي بالتوبة إلي داود النبي مسيح الرب..
أن دعوة الله بالتوبة تحمل شعور الإشفاق علي أولادة.
فهو يريد الذين ضلوا أن يرجعوا إليه، ليكون لهم نصيب في الملكوت وفي ميراث القديسين، وفي شركة الكنيسة. لأن السلوك الخاطئ يمنع شركتنا بالله (1 يو 1: 6)، ويمنع شركتنا مع بعضنا البعض "ولكن إن سلكنا في النور، كما هو في النور، فلنا شركة مع بعضنا البعض. ودم يسوع المسيح إبنه يطهرنا من كل خطية" (1 يو 1: 7).
والله يقبل التائبين. وأمثلة ذلك كثيرة في الكتاب:
لقد قبل الابن الضال في سوء حالته (لو 15).وقبل المرأة السامرية التي كان لها أكثر من خمسة أزواج (يو 4). وقبل اللص اليمين علي الصليب (لو 23: 43). وصلي من اجل صالبيه لتغفر لهم خطيتهم (لو 23: 34). وصلي من أجل صالبيه لتغفر لهم خطيتهم (لو 23: 34). وقيل زكا رئيس العشارين (لو 19: 9). ومنحه الخلاص صالبيه لتغفر لهم خطيتهم (لو 23: 34). وقبل متى العشار وجعله رسولًا من الاثني عشر (متي 10: 3). ويكفي قوله:
من يقبل إلي، لا أخرجه خارجًا (يو 6: 37). بل أكثر من هذا، أن الرب هو الذي يقف علي الباب ويقرع منتظرا من يفتح له (رؤ 3: 20). فإن كان يفعل هذا، فبالحري يفتح لمن يقرع أبواب رحمته الإلهية.
ومن جهة مراحم الرب علي الخطاة، صدق من قال:
إن مراحم الرب اقوي من كل دنس الخطية.
إن أبشع الخطايا وأكثرها -بالنسبة إلي مراحم الله- كأنها قطعه طين قد ألقيتها في المحيط.. أنها لا تعكر المحيط، بل يأخذها ويفرشها في أعماقه، ويقدم لك ماء رائقًا. وقبول الله للتوبة، إنما يكشف عن أعماق محبته الإلهية.
لذلك لا نستكثر خطيتنا علي فاعليه دمه..
ولا نستكثرها علي عظم محبته وعظم رحمته. وقد قال احد الشيوخ القديسين: لا توجد خطية تغلب محبة الله للبشر. إنه هو الذي يبرر الفاجر (رو 4: 5). أقول هذا حتى لا ييأس الخطاة إذا نظروا إلي خطاياهم.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:05 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
لا تيأس
http://www.imperialteutonicorder.com...heartjesus.jpg


في هذه النقطة أتذكر خطابًا وصلني من أحد الشبان منذ 22 عامًا. قرأته فتأثرت كثيرًا، لدرجة أنني بكيت.. ثم أرسلت له ردًا، أذكر أنني قلت له في مقدمته "وصلني خطاباك يا أخي المحبوب، ويخيل إلي أنني قرأته مرارًا قبل أن أراه.. إنه صورة حياة أعرفها، وقصة قلوب كثيرة..". نعم، إنها حرب تتعب كثيرين. أفكارها معروفه، تتكرر في اعترافات الناس وفي اسلئتهم الروحية. وسنحاول أن نتناول هنا كل فكر منها، لنرد عليه.

الشكوي الأولي: أنا يئست. لا فائده مني.

إعلم يا أخي أن كل أفكار اليأس هي محاربة من الشيطان. إنه يريدك أن تيأس من التوبة، سواء من إمكانيتها أو من قبولها، حتى تشعر أنه لا فائده من الجهاد، فتستلم للخطية، وتستمر فيها وتهلك نفسك.. فلا تسمع للشيطان في شيء مما يقوله لك. وكلما تحاربك فكرة من أفكار اليأس، رد عليها بقول ميخا النبي:

لا تشمتي بي يا عدوتي، فإن إن سقطت أقوم (مي 7: 8).

وأعلم إن اليأس يقود إلي الإندماج في الخطية بالأكثر، فيتدرج الخاطئ من سئ إلي أسوأ. وربما في اليأس يحاربه الشيطان بأن يبعد عن أب اعترافه، وعن كل إرشاد روحي وعن الكنيسة كلها.. لكي ينفرد به بلا معونه!! إن حرب اليأس حورب بها الأنبياء والقديسون. فقال داود النبي:

كثيرون يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه (مز 3).

ولكنه يرد علي هذا فيقول "أنت يا رب هو ناصري، مجدي ورافع رأسي.." إن داود لم ييأس من سقطته، بل بكي عليها وتاب. ورده الله إلي رتبته الأولي. بل كان الله يفعل خيرات كثيرة مع عديدين، وهو يقول "من أجل داود عبدي" (1مل 11: 32، 34، 36). فلا تيأس إذن، وتذكر الذين تابوا من قبل..

وإن كنت قد يئست من نفسك، فإن الله لم ييأس من خلاصك.

لقد خلص كثيرين، وليست أنت اصعب منهم جميعًا. وحيث تعمل النعمه فلا مجال لليأس. تقدم إذن إلي التوبة بقلب شجاع، ولا تصغر نفسك.

2-يقول: كيف اتوب، وانا عاجز تمامًا عن القيام من سقطتي؟

لا تخف. الله هو الذي سيحارب عنك. والحرب للرب (1 صم 17: 47). ولا تهتم مقاومتك، ضعيفة أم قوية. فالله قادر أن يخلص بالكثير أو بالقليل.. إن الله أقوي من الشيطان الذي يحاربك، وسيطرده عنك. فلا تنظر إذن إلي قوتك، إنما إلي قوة الله.

واصرخ وقل: توبني يا رب فأتوب (أر 31: 18).

وإن كنت عاجزًا عن أن تقيم نفسك، فالرب قادر أن يقيمك. إنه هو الذي "يقيم الساقطين، ويحل المقيدين" (مز 145)،" رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين". كن كالجريح الذي كان ملقي علي الطريق بين حي وميت عاجزًا عن ان يقوم. ولكن السامري الصالح أتاه وأقامه (لو 10: 30).. أو كن كالموتي الذين أقامهم الرب، ولا قدرة لهم ولا حياة.

3-تقول: حالتي رديئة جدًا، وفاقده الأمل..

أتراها فاقده الأمل، أكثر من العاقر التي لها الرب "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد.." (أش 54: 1). وأعطاها اكثر من ذات البنين؟! إن حالتك قد تكون فاقدة الأمل من وجهة نظرك أنت. . اما الله فله رجاء فيك. لا تجعل أملك إذن في نوعية حالتك، إنما في غني الله الذي يعطي بسخاء، وفي حبه وفي قدرته.

4-تقول: ولكنني لا أريد التوبة، ولا أسعي إليها.

طبعًا، هذا أسوأ ما في حالتك. ومع ذلك فلا تيأس. ويكفي ان الله يسعي لخلاصك. وهو يريد لك ان تخلص. وصلوات قديسين كثيرين ترفع من أجلك مع تشفعات ملائكة. والله قادر أن يجعلك تريد هذه التوبة. وتذكر قول الرسول "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل المسرة" (في 2: 13). صل وقل: أعطني يا رب الرغبة في أن أتوب.. أن الخروف الضال لم يبحث كيف يرجع، ولكن صاحبه بحث عنه وأرجعه إليه. وكذلك كان الحال مع الدرهم المفقود (لو 15).

5-تقول: هل من المعقول ان أعيش طول عمري بعيدًا عن الخطية، بينما قلبي يحبها؟! لو تبت عنها سأرجع إليها!

إن المغالطة التي يلقيك بها الشيطان في اليأس، هي انك ستعيش في التوبة بنفس هذا القلب الذي يحب الخطية! كلا، فسيعطيك الرب قلبًا جديدًا (حز 36: 26). وسينزع منك محبة الخطية. وحينئذ لن تفكر أن ترجع إليها. بل علي العكس، إن الله سيجعلك في توبتك تكره الخطية وتشمئز منها. شعورك الحالي سيتغير..

6-تقول: حتى إن تبت، ستبقي أفكاري ملوثه بصور قديمة.

لا تخف. ففي التوبة سينقي الله فكرك. وتصل إلي تجديد الذهن الذي قال عنه الرسول (رو 12: 2).. كم كانت الصورة الرديئة التي في ذاكره أوغسطينوس، وفي ذاكره مريم القبطية! ولكن الرب محاها، ليتقدس الفكر بمحبته.. وثق أن الذين عادوا للتوبة، كانوا في حالة أقوي. بل كثير منهم منحهم الرب مواهب ومعجزات مثل يعقوب المجاهد، ومريم ابنة أخي إبراهيم المتوحد، ومريم القبطية.. والتائب محبته أكثر، كالخاطئة التي أحبت كثيرًا، لأنه غفر لها الكثير (لو 7: 47). وداود في توبته كان أعمق حبًا واتضاعًا.

7- تقول: وهل يغفر الرب لي؟ وهل يقبلني؟

إطمئن، فإنه يقول "من يقبل إلي لا أخرجه خارجًا" (يو 6: 37). وقد قال داود النبي "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا.. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا. لأنه يعرف جبلتنا،يذكرنا أننا تراب نحن" (مز 103).

إنه لا يقبلنا فقط، بل يغسلنا فنبيض أكثر من الثلج (مز 50). ولا يعود يذكر لنا خطايانا (أر 31: 34، حز 33: 16، عب 8: 12). تذكر أن نفسك غالبيه عند الرب من اجلها تجسد وصلب.

8-تقول: ولكن خطاياي بشعة جدًا..

أجيبك بقول الكتاب "كل خطية وكل تجديف يُغْفَر للناس" (متي 12: 31). حتى الذين تركوا الإيمان ورجعوا إليه، غفر لهم. وكذلك الذين وقعوا في بدع وهرطقات وتابوا، غفرت لهم. وبطرس الذي انكر المسيح وسب ولعن وقال لا اعرف الرجل، غفر له. وليس هذا فقط، بل أعيد إلي درجه الرسولية والرعاية. حتى الذين كانوا في موضع القدوة، مثل هرون رئيس الكهنة الذي اشترك مع بني إسرائيل في صنع العجل الذهبي ليعبدوه (خر 32: 2-5)، لما تاب غفرت له. وهوشع الكاهن العظيم، انتهر الرب من أجله الشيطان، وألبسه ثيبًا جديدة (زك 3: 1-4).

9- تقول: ولكني تأخرت كثيرًا. فهل هناك فرصة؟

هكذا قال أوغسطينوس في اعترافاته "تأخرت كثيرًا في حبك". والرب قبله إنه قبل أصحاب الساعة الحادية عشرة وكافأهم بنفس المكافأة (متي 20: 9). وقد قبل اللص اليمين علي الصليب، في آخر ساعات حياته. وطالما نحن في الجسد، هناك فرصة للتوبة. لذلك نقول في صلاة النوم "توبي يا نفسي مادمت في الأرض ساكنه..". لأن الرجاء في التوبة لا يتبدد إلا في الهاوية، حيث قال أبونا إبراهيم للغني "بيننا وبينكم هوة عظيمة" (لو 16: 26). فما دمت في الجسد، أمامك فرصة للتوبة، فانتهزها.

10- تقول أخشي أن تكون خطيتي تجديفًا علي الروح القدس. أقول لك إن التجديف علي الروح القدس، هو الرفض الكامل الدائم مدي الحياة لكل عمل للروح القدس في القلب، فلا تكون توبة، وبالتالي لا تكون مغفرة. ولكن إذا تبت، تكون قد استجبت لعمل الروح فيك. ولا تكون قد استجبت لعمل الروح فيك. ولا تكون خطيتك تجديفًا علي الروح.



Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:07 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
التوبة بين الجهاد والنعمة

إن كلامنا عن عمل الله في التوبة، ومعونة النعمة، لا تعني أن يتكاسل الإنسان ويتراخي، منتظرًا أن الله يقيمه، فهوذا الرسول يوبخ أمثال هؤلاء قائلًا:
لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية (عب 12: 4). إذن من المفروض أن يقاوم الإنسان حتى الدم كل أفكار الخطية، وكل شهواتها، وكل طرقها. ويبعد عن العثرات، ويستخدم كل الوسائط الروحية التي تثبت محبه الله في قلبه. وأيضًا..
يدخل في حرب روحية، ضد أجناد الشر (أف 6). وفي هذه الحرب يقاتل ويصمد للعدو، ويلبس سلاح الله الكامل لكي يقدر أن يثبت ضد مكايد إبليس (أف 6: 11). ويكون في كل ذلك ساهرًا علي خلاص نفسه (أف 6: 18) فالرسول يقول: اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر.
فقاوموه راسخين في الإيمان (1 بط 5: 8، 9). إن الله يريد منك أن تقاوم.. وفي مقاومتك سوف تسندك النعمة بكل قوة. ولكن أظهِر محبتك لله بمقاومتك الخطية. وصل ليعطيك الرب قوة علي مقاومتها. وهكذا تشترك مع الله في العمل.
الابن الضال لم ينتظر حتى يأتيه الآب في الكورة البعيدة ليأخذه منها، إنما رجع إلي نفسه، وشعر بسوء حالته، وعرف الحل، ونفذ، ورجع إلي الآب فقبله (لو 15). وأهل نينوى صاموا، وتذللوا، وجلسوا علي الرماد، وصرخوا غلي الله بشده ورجعوا عن أفعالهم، فقبلهم الله إليه (يون 3). والله. لكي ينبهنا إلي واجبنا في التوبة، قول:
"أرجعوا إلي، فأرجع إليكم" (ملا 3: 7).
ويقول علي لسان أشعياء النبي "اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شر أفعالكم.. وهلم نتحاجج يقول الرب.." (أش 1: 6). ويقول في سفر يوئيل النبي "ارجعوا إلي بكل قلوبكم، وبالصوم والبكاء والنوح. ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم.." (يوء 2: 12، 13).
إذن هناك واجب علي الإنسان يقوم به في عمل التوبة.
ولا يكتفي بأن نفسه عند قدمي الرب، دون جهاد في الداخل والخارج! أو كما يقول البعض "عملك الوحيد هو مجرد تقبل عمل النعمة فيك"! هل هذا الرأي يتفق مع توبيخ الرسول "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب 12، 4)؟! إذن فلنجاهد. ولكن لا نعتمد علي أنفسنا، بل نطلب يد الله العاملة معنا وبجهادنا نثبت رغبتنا في التوبة، وجدية توبتنا.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:08 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أهمية التوبة

أهم ما في التوبة، أنه بدونها لا يتم الخلاص.
يقول الرب "إن لم يتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 3). وقد "أعطي الله الأمم التوبة للحياة" (أع 11: 18). وقد يقول البعض أن السيد المسيح قدم لنا دمه للخلاص والمغفرة. فما لزوم التوبة إذن؟ ألا يكفي دم المسيح؟ فنجيبه:
إن التوبة هي التي تنقل استحقاقات دم المسيح في المغفرة.

فالخلاص مقدم للكل. ودم المسيح كاف للكل. ولكن لا ينال منه إلا التائبون. حقًا إن دم المسيح "يطهرنا من كل خطية".. ولكنه لا يطهرنا إلا من كل خطية نتوب عنها. وقد اشترط الرسول هذا التطهير أمرين وهما "إن سلكنا في النور" (1 يو 1: 7)، وأيضًا "إن اعترفنا بخطايانا" (1 يو 1: 9). وهذان الشرطان متعلقان بحياة التوبة..
ولذلك فالتوبة تسبق المعمودية، إذ فيها مغفرة الخطايا.
وفي هذا قال بطرس الرسول لليهود يوم الخمسين "توبوا وليعتمد كل منكم علي اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا" (أع 2: 38). والكنيسة في معمودية الكبار تشترط الإيمان والاعتراف. وقوانين الكنيسة تمنع عماد غير التائبين. أما بالنسبة للصغار، فيكتفي بطقس (جحد الشيطان) لينوب عن التوبة.
ومن أهمية التوبة، إنها تلازم الإيمان أو تسبقه.
وقال القديس مرقس الإنجيلي أن السيد المسيح كان يكرز قائلًا "قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" ( مر 1: 15). والإيمان بدون توبة لا يخلص أحدًا، لأن عدم التوبة يهلك الإنسان (لو 13: 3). والتوبة تسبق التناول من الأسرار المقدسة.
ففي العهد القديم قال صموئيل النبي "تقدسوا وتعالوا معي إلي الذبيحة" (1 صم 16: 5). وفي العهد الجديد يقول القديس بولس الرسول".. ليمتحن الإنسان نفسه، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه، غير مميز جسد الرب.. لأننا لو حكمنا علي أنفسنا، لما حكم علينا" (1 كو 11: 27- 31).
والتوبة تسبق جميع أسرار الكنيسة المقدسة.
وذلك لكي يستحق الإنسان فاعليه الروح القدس فيه. ولكي ينال مغفرة بالتوبة، تؤهله لنعمة الروح القدس العاملة في الأسرار.
إن توبة الابن الضال، سبقت دخوله بيت أبيه (لو 15).
والتوبة هي شرط لازم لمغفرة الخطايا.
وفي ذلك يقول القديس بطرس الرسول "فتوبوا وارجعوا لتمحي خطاياكم" (أع 3: 19). وما أجمل قول ماراسحق "ليست خطية بلا مغفرة إلا التي بلا توبة". التوبة إذن لازمه قبل وبعد المعمودية. قبل المعمودية لتؤهل لنوالها. وبعد المعمودية لمغفرة الخطايا التي تحدث بعد المعمودية.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:09 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
عوائق التوبة

لا يوجد شيء يحاربه الشيطان أكثر من التوبة..
ذلك لأنها تضيع كل تعبه السابق. لذلك تبدو أحيانًا صعبه علي البعض. لأنه حينما يريد الإنسان أن يتوب، يضع الشيطان أمامه كل ما يمكن من العثرات والعراقيل التي تمنع أو تعطل توبته ومنها:
1- العثرات، سواء كانت إغراءات أو فرصًا لم تكن متاحة من قبل، حتى نضعف أمامها الإدارة. ويمكن أن تكون البيئة احدي العوائق التي تعطل التوبة بما تقدمها من عثرات ومن مفاهيم خاطئة.
2- مقارنه الخاطئ نفسه بمستويات ضعيفة.
يظن مع هذه المستويات أنه في حاله حسنة لا تحتاج إلي توبة، أو تقف أمامه الأعذار، كأن يقول "كل الناس هكذا..هل أشذ عن الكل؟!". طبعًا ليس عذرًا أن تكون الغالبية مخطئة. فقد كان نوح محتفظًا ببره في عالم كله شر. وكذلك كان يوسف الصديق وموسى النبي في أرض مصر، ولوط في سدوم.
3- ضعف الشخصية، بحيث يمكن أن تنقاد للوسط المحيط.

والمفروض أن تكون للإنسان شخصيته الثابتة التي لا تنجرف مع الاتجاه العام. إن سمكة صغيره يمكن أن تقاوم التيار وتسير عكسه، لأن فيها حياة. بينما كتلة ضخمه من الخشب -قدر هذه السمكة مئات المرات- يمكن أن يجرفها التيار، لأنه لا إرادة لها. فكن قوي الشخصية، لمكنك أن تتوب. والرسول يقول "لا تشاكلوا هذا الدهر" (رو 12: 2).
4- التأجيل:
إن الشيطان لا يحاربك حربًا مكشوفة بالامتناع عن التوبة، بل يدعوك إلي التأجيل بتقديم إغراءات معينه.
وللتأجيل خطورات منها: إن فرض التوبة قد تفلت. وكذلك فإن الخطية كلما استمرت، تأخذ سلطانًا وتثبت أقدامها. وربما بالتأجيل مجرد الرغبة في التوبة لا توجد والتأثيرات الروحية التي تدفع إليها قد تفقد مفعولها.
5- اليأس: والشعور بأن التوبة صعبة وغير ممكنه. وكما يقول يوحنا الدرجي: إن الشياطين - قبل السقطة - يقولون لك إن الله رؤوف ورحيم. أما بعد السقطة فيقولون إنه ديان عادل، ويخوفونك لتيأس من مغفرة الله فلا تتوب. وقد تحدثنا في الصفحات السابقة هنا في موقع الأنبا تكلا عن عائق اليأس وعلاجه.
6- البر الذاتي، الذي فيه لا يشعر الإنسان إنه مخطئ.
التوبة هي تغيير حياة. والذي حياته جميله في عينية، كيف يغيرها؟! إنه إن لم يشعر بسوء حالته، فلا يمكن أن يتوب ويغير حياته.
كذلك لا يتوب، من لا يبكت نفسه، ومن يرفض تبكيت الآخرين. ومن يظن أنه دائمًا علي حق، وأن عبارات (توبوا، وارجعوا) هي موجهه إلي غيره. وكذلك من يترك أذنيه لسماع كلام المديح ويصدقه، ومن يفسر وصايا الله حسب هواه، ويرفض أن يتبكت ضميره بسببها.
التوبة سهله للمتواضعين. وصعبه علي الأبرار في أعين أنفسهم.

إنها سهله للعشار المنسحق الشاعر بخطاياه، وصعبه علي الفريسي الذي يفتخر في صلاته قائلًا: أشكرك يا رب إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناة.. التوبة سهله للمرأة الخاطئة التي بللت قدمي المسيح بدموعها. وصعبه علي سمعان الفريسي الذي ظن انه ليس خاطئًا مثلها. ولذلك حسنًا أن الرب أظهر له إنه هو وهي مديونان. ولكنه ليس له نفس حبها، إذ يري دينه أقل بكثير (لو 7). التوبة سهلة علي الذين يعرفون أنهم خطاه، ويعترفون أنهم خطاة. أما الأبرار في أعين أنفسهم، فعلي أي شيء يتوبون؟! مادام لا يعترفون بأنهم أخطأوا في شيء! حقًا: لا يحتاج (الأصحاء) إلي طبيب، أي الذين يظنون في أنفسهم أنهم أصحاء..!
هؤلاء، حتى أن جابههم أحد بخطية، أما أن ينكروها، أو يفسرها تفسيرًا ملتويًا، أو يحملوا مسئوليته علي غيرهم، أو يجادلوا ويبرروا أنفسهم..ولكنهم لا يعترفون بخطأ، وبالتالي لا يتوبون.. ربما الذين يقفون أمام الناس كقدوة لهم، من الصعب أن يقولوا إنهم محتاجون إلي توبة. ليت هؤلاء يكونون أيضًا قدوه للناس في الاعتراف بالخطأ وبالاحتياج إلي توبة. لذلك نقول إن التوبة قد تكون سهله للموعوظ، وصعبه علي الواعظ والخادم والمرشد ومن في مستواهم.
7- من عوائق التوبة أيضًا عدم وجود مخافة الله في القلب. وكما قال ماراسحق: حيث لا توجد المخافة، لا توجد التوبة أيضًا. البعض ينفرون من المخافة باسم المحبة. ولبعدهم عن المخافة يقعون في اللامبالاة، ويسقطون في خطايا. وبهذه الخطايا يبرهنون علي أنه ليست لهم المحبة التي تطرح المخافة إلي الخارج (1 يو 4: 18). مخافة الله تشعر الإنسان بخطاياه، فتدفعه إلي التوبة..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:11 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
التوبة والكنيسة

الكنيسة لها عمل كبير في توبة كل إنسان: يدخل في نطاقه عمل التعليم والإرشاد، وعمل الرعاية والافتقاد، ونقل أعمال الروح القدس وعطاياه من أجل خلاص كل أحد، ونقل استحقاقات الدم الكريم.
فالكنيسة هي التي تدعو الخطاة إلي التوبة. هي التي تقوم بما أسماه القديس بولس الرسول "خدمة المصالحة" و"كلمة المصالحة" تنادي الخطاة لأن "تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 18 - 20). وذلك عن طريق الوعظ والتعليم، وتقدم كلمة الله للناس..
وربما لولا عمل الكنيسة هذا ما تاب أحد.
والكنيسة إلي التوبة في كل ما تقوم به من أعمال الرعاية.
بزيارة الناس، وحل مشاكلهم بكل أنواعها، الروحية والاجتماعية.. كأب حنان يهتم بأولاده، ويقربهم إلي أبواه الله.
والكنيسة هي الوسط الروحي الذي يساعد علي حياة التوبة.
بعيدًا عن أوساط العالم المملوءة بالعثرات، بحيث أن كل من يتوب يجد الكنيسة البيئة الصالحة التي فيها حياة روحية. وربما لولا الكنيسة، لكن كل شعور روحي ينبت في الإنسان تختنقه أشواك العالم فيذبل ويجف.
والكنيسة تقدم للتائب سر الاعتراف وتمنحه الحل والمغفرة.
وفي سر الاعتراف يشرح التائب كل ما في قلبه، وتستريح نفسه من أسراره المكتوبة، ويقدم إلي الله كل ضعفاته وسقطاته في سمع الكاهن، لينال عنه حلًا من الله، من فم الكاهن.
وذلك بحكم السلطان الذي قال فيه الرب "مَنْ غفرتم له خطاياه، غفرت له ومن أمسكتموها عليه أمسكت" (يو 20: 23). وأيضًا بحكم قوله "كل ما تحلونه علي الأرض يكون محلولًا في السماء. وكل ما تربطونه علي الأرض يكون مربوطًا في السماء" (متي 18: 18).
وهكذا يخرج التائب من اعترافه وقد استراح ضميره.
إذ يكون قد سمع كلمه الحل والمغفرة من وكيل الله له سلطان أن يقولها حسب السلطان المعطي له من الله. وهكذا يملك السلام علي قلبه، ويبدأ بدءًا جديدًا.
والكنيسة في سر الاعتراف تعطي الإرشاد الروحي.
حسبما قال الكتاب إنه من فم الكاهن تطلب الشريعة (حج 2: 11)، وهكذا يشرح الأب لأبنه في الاعتراف الطريق الروحي السليم الذي يسير فيه، لأنه لا يوجد أحد يستغني عن المشورة والكتاب يقول "هناك طريق تبدو للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم 14: 12)، كما يقول "علي فهمك لا تعتمد (ام 3: 5).
وفي الكنيسة يجد التائب القلب الذي يأتمنه علي أسراره.
فالأسرار الشخصية الخاصة بحياة الإنسان الروحية، والتي تشمل سقطاته وضعفاته، لا يستطيع أن يأتمن عليها كل أحد. وربما لا يستطيع كتمانها تمامًا لأن هذا الكبت قد يتعبه. ولكن عند الأب الكاهن يجد ضمان السرية، ويجد الحلول اليد المخلصة التي يقوده في حب وفي إخلاص.
والكنيسة تقدم للتائب كل بركات سر الأفخارستيا.
هذا السر العظيم الذي قال عنه الرب "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه" و"يحيا بي" (يو 6: 56، 57).وخارج الكنيسة لا يجد بركة هذا السر العظيم الذي يعنيه في توبته، ويغذيه روحيًا، والذي "يُعطَي عنا خلاصًا، وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لكل من يتناول منه" (يو 6: 54). ولكن لعل إنسانًا يقول: مادامت التوبة تؤدي إلي المغفرة، فما حاجتي إلي الكنيسة، وإلي الاعتراف والتناول والتحليل؟! فنجيبه:
بالتوبة تستحق المغفرة وبالاعتراف وتناولها.
وفرق بين استحقاق المغفرة ونوال النعمة.
كما أن التوبة تشمل في داخلها الاعتراف أيضًا. والتحليل جزء من سر التوبة والتناول امتداد لفاعليه ذبيحة المسيح.
يقول: إن تبت ومت قبل قراءة التحليل، فما مصيري؟ أن مت هكذا يرحمك الله. والتحاليل، فما مصيري؟ إن مت هكذا يرحمك الله. والتحليل يقرأ عليك في صلاة الجناز.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:12 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
إن عرفت مَنْ أنت، تسمو عن الخطية

نريد أن نجعل توبتنا مبنية علي أساس سليم، وعلي فهم صحيح للحياة الروحية والعلاقة مع الله. وأهم دافع لنا إلي التوبة هو أن نعرف قيمة أنفسنا، أن يعرف الواحد منا مقدار نفسه، ومن يكون.. فأعرف يا أخي نفسك: من أنت:
إن عرفت من أنت، تسمو عن الخطية..
فلو عرفت المقدار العظيم الذي لك، والمركز الكبير الذي تشغله، لكنت تربًا بنفسك السامية أن تنزل إلي مستوي الخطية. وهكذا لا يمكن أن تسقط.. فمن أنت؟

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:13 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أنت نفخة قدسية قد خرجت من فم الله



https://st-takla.org/Gallery/var/albu...lAngelo-01.jpg
أنت يا أخي لست حفنه من تراب كما يظن البعض.. أنت نفخة قدسية خرجت من فم الله وحلت في التراب. وهكذا صرت "نفسًا حية" (تك 2: 7). ولست مجرد تراب أو طين.. يليق بك إذن أن تغني في فرح ونقول:
ما أنا طين ولكن أنا في الطين سكنت
لست طينًا أنا روح من فم الله خرجت
وسأمضي راجعًا لله أحيا حيث كنت
إن وجودك في هذا التراب -أيها الأخ المبارك- هو مجرد فتره غربه قصيرة ترجع بعدها إلي الله، وتثبت فيه إلي الأبد. فاعرف غربتك، وعش كروح، تسمو عن المادة والعالم وأعمال الجسد..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:14 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أنت ابن الله، أنت صورته ومثاله

أنت -يا أخي- صورة الله. فهكذا قال الكتاب في قصة الخلق "وقال الله نعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا.. فخلق الله الإنسان علي صورته. علي صورة الله خلقه" (تك 1: 26،27). فإذا كنت أنت صورة الله وشبهه، فكيف تخطئ؟! هل إذا تدنست بالخطية تظل محتفظًا بصورتك الإلهية؟! كلا، طبعًا. إذ لا يمكن أن يراك إنسان في النجاسة والسقوط ويقول "هذا صورة الله"..! لذلك فإن القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه "تجسد الكلمة"، يقرر أن الإنسان عندما سقط، تشوه، وفقد صورته الإلهية. وأتي السيد المسيح ليعيد إلينا صورتنا الأصلية.. لو عرفت أيها الأخ صورة اله لا يمكن أن تخطئ..
ولو عرفت أنك ابن الله، فلن تخطئ كذلك، لأن الابن يجب أن يشبه أباه..
ما أسهل أن نفتخر افتخارًا باطلًا ونقول إننا أولاد الله، وأعمالنا لا تدل علي ذلك.. كما كان اليهود يفتخرون باطلًا بأنهم أولاد إبراهيم، وأخجل الرب كبرياءهم بقوله "لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (يو 8: 39). فإن كان أولاد إبراهيم يجب أن يعلموا أعمال إبراهيم، فكم يجب أن يكون أولاد الله الذين علي صورته ومثاله..؟
هل نحن كأولاد لله، حتى ندعي أولادة؟

ما أسهل أن نخاطب الله في صلواتنا قائلين "أبانا الذي في السموات"، ونحن لا نسلك كبنين لذلك الأب السماوي!! تذكر يا أخي باستمرار أنك ابن الله، واسلك في حياة البر حتى تستحق أن تدعي ابنًا لذلك البار، واضعًا أمام عينيك قول الكتاب "إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" (1 يو 2: 29). فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه" (1 يو 2: 29). إذن إن كنت لا تصنع البر، فلست تستحق أن تدعي ابنًا لله.. أخاف أن تكون عبارة "أولاد الله" سبب تبكيت لنا، ههنا وفي اليوم الأخير.. من أجل هذا يشرح لنا القديس يوحنا الرسول هذا الأمر فيقول "أيها الأولاد، لا يضلكم أحد. من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار. من يفعل الخطية فهو من إبليس من البدء يخطئ" (1 يو 3: 7، 8)، أي أن من يفعل الخطية، هو ابن للشيطان، هو من إبليس وليس من إله.. يا للهول! ثم يسجل لنا الرسول قاعدة جوهرية يقول فيها:
"كل من هو مولود من الله لا يفعل الخطية، لأن زرعه يثبت فيه. ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله" (1 يو 3: 9). بهذا المقياس يمكنك أن تقيس أيها الأخ نفسك عندما تقول إنك إبن الله وهكذا فإن الرسول يختم كلامه بقوله "بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس (ظاهرون).." (1 يو 3: 10).
إن شعورك بأنك ابن لله، يذكرك بالطبيعة السامية التي وضعها الله فيك، والتي عناها الرسول، بقوله عن المولود من الله أن "زرعه يثبت فيه". لذلك قال أيضًا "المولود من الله يحفظ نفسه، والشرير لا يمسه" (1 يو 5: 18).
ففي كل مرة تخطئ، ينبغي أن تنسحق في أعماقك، شاعرًا انك غير مستحق للقلب ابن الله.
لذلك فإن الكنيسة المقدسة تجعل المصلي يقول للرب كل يوم في صلاة الغروب "أخطأت إلي السموات وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعي لك ابنًا". ولماذا "لست مستحقًا إن أدعي لك ابنًا"..؟ لأني أخطأت، والمولود من الله لا يخطئ..
لابد أن نفهم جيدًا المعني العملي لبنوتنا لله.. ندخل إلي أعماق هذا اللقب. ونسأل أنفسنا في كل عمل نعمله، وفي كل كلمه نقولها، وفي كل فكر نرضي به..هل نحن نعمل ونتكلم ونفكر، كما يليق بأولاد الله..؟ إن بنوتنا لله ليست مجرد لقب. وإنما يجب أن نسلك بما تتطلبه هذه البنوة من مشابهة الابن لأبيه..
إن "الله روح" (يو 4: 24). "والمولود من الروح هو روح (يو 3: 6). فإن كنت أيها الأخ إنسانًا جسدانيًا، تسلك حسب الجسد وليس حسب الروح، فكيف تكون ابنًا لله الذي هو روح؟! وكيف تكون مولودًا من الروح..؟
إن الذي يعيش في الخطية، لا يستطيع مطلقًا أن يقول إنه ابن الله، بل لا يستطيع أن يدعي أنه يعرف الله، مجرد معرفه.. وهذا يوضحه الرسول في عبارته المخيفة التي يقول فيها:
"كل من خطئ، لم يبصره ولا عرفه" (1 يو 3: 6).. لأنه "من قال قد عرفته -وهو لا يحفظ وصاياه- فهو كاذب وليس الحق فيه" (1 يو 2: 4) هل في حياة الخطية يمكنك أن تقول: أنا أعرف الله؟! كلا، إنه يجيبك ويقول: اذهب عني، لا أنا أعرفك، ولا أنت تعرفني..
لذلك يا أخي، إن تذكرت انك ابن الله، فينبغي أن تسلك كما يليق بالدعوة التي دعيت إليها (أف 4: 1). أسلك مثله، في طريقة "كما سلك ذاك تسلك أنت أيضًا" (1 يو 2: 6). كما عاش المسيح علي الأرض، تعيش أنت.. في ملء القداسة، في ملء الطهارة في ملء البركة.. لأنه ترك لك مثالًا تحتذيه (يو 13: 15) أما أن عشت في الخطية، فتأكد في أعماقك انك لا تستحق البتة لله، لأن صورة أولاد الله ليست هكذا..
وفي كل مرة تقول له "أبانا الذي في السموات"، ينبغي أن يوبخك ضميرك، وتنسحق في داخلك، وتقول له: إن كان من تواضعك يا رب من محبتك، قد دعوتني ابنًا لك.. إلا أنني بأعمالي برهنت علي أنني لا أستحق أن أدعي لك ابنًا.. اجعلني كأحد أجرائك.. إن أبوتك لي -وإن كانت تشرفني جدًا- إلا أنها تستحقني سحقًا، وتشعرني بالفارق الكبير بين ما أنا كائن فيه وما ينبغي أن أكونه.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:15 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أنت مسكن لله، وهيكل للروح القدس

أنت يا أخي لست فقط ابن الله، ونفخه قدسية قد خرجت من فم الله، وإنما أنت أيضًا هيكل لله، والله يسكن فيك. وهكذا يقول لنا الرسول "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله ساكن فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل اله، فسيفسده الله. لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو"(1 كو 3: 16، 17). "أنتم هيكل الله الحي. كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم" (2 كو 6: 16).. شهوة الله منذ البدء أن يسكن فيك، ينظر إلي قلبك، ويقول "ها هو موضع راحتي إلي الأبد. ههنا أسكن لأني اشتهيته" (مز 132: 14).. تقول له "عندك يا رب الكنائس، عندك الهياكل والمذابح. سكناك في السماء وسماء السموات هي عرشك"، فيقول لك: ولا واحدة من هذه تعجبني مثل سكناي في قلبك "يا ابني أعطني قلبك" (أم 23: 26)..
أنت أيها الأخ المبارك أهم عند الله من كنيسة مبنية.. إن تهدمت إحدى هذه الكنائس فما أسهل علي البشر أن يعيدوا بناءها، بجمع المال تبني.. إما إذا تهدم إنسان مثلك، فلا يمكن أن يعاد بناؤه إلا بدم المسيح. لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس آباء ولا نبيًا، يقدر أن يردك إلي رتبتك الأولي، ليس غير دم المسيح، فبدونه لا يكون لك خلاص.. أنت يا أخي أهم عند الله من كنيسة مبنية. أنت كنيسة حية، أهم من الطوب والحجارة، أنت هيكل للروح القدس.. لقد سمح الله أن يتحطم هيكل سليمان، ولا يترك فيه حجر إلا وينقض.. أما أنت هيكل للروح القدس.. لقد سمح الله أن يتحطم هيكل سليمان، ولا يترك فيه حجر إلا وينقض.. أما أنت فمن أجلك أرسل الله الرسل الأنبياء والملائكة، وعين الرعاة والكهنة والمعلمين، ورتب كل وسائط النعمة، وقدم استحقاقات الفداء العظيم "لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16).

إن كنت إذن بيتًا لله، والله يسكن فيك، فتذكر قول الكتاب "ببيتك يا رب تليق القداسة" (مز 93: 5). واعرف أنك بالخطية تنجس بيت الله، الذي هو أنت..
أذكر إذن قول الرسول:
" كونوا انتم أيضًا مبنيين -كحجارة حية- بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح (1 بط 2:5).. إن السيد المسيح يبحث عن مكان يسكن فيه وهذا المكان هو أنت. وعندما قال الرب عن نفسه انه "ليس له أين يسند رأسه" (لو 9: 58)، لم يكن يقصد فقط البيوت المادية، وإنما بالأكثر قلوب الناس..
إن قلبك هو المكان الذي يريد الرب أن يسند فيه رأسه.. حقًا عن لذته في بني البشر..((أم 8: 31) وهو ما يزال يقرع علي بابك لتفتح له.. وفي اشتياقه إلي قلبك يقول "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا" (يو 14: 23). وهكذا يأتي الآب والابن ويسكنان في قلبك، وأنت من قبل هيكل للروح القدس..
فيصير قلبك بهذا الوضع مسكنًا للثالوث القدوس.. هنا ويعقد الصمت لساني، هيبة، وإجلالًا، لهذا القلب المقدس.." ما أرهب هذا المكان!!! ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء" (تك 28: 17).. هذا هو المسكن الإلهي العجيب الذي يأتي إليه الله من بعيد "طافرًا علي الجبال، قافزًا علي التلال" (نش 2:8)، ينادي نفسك العزيزة في حب "افتحي يا أختي، يا حبيبتي يا حمامتي، يا كاملتي، لأن رأسي قد امتلأ من الطل، وقصصي من ندي الليل" (نش 5: 2). فإلي متى تنتظر يا أخي ولا تفتح..!
تصور يا أخي أن الله الذي لا تسعه السموات كلها، ولا الكون أجمعه، الله الذي قال عنه داود "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز 24: 1)، الله هذا يقرع علي بابك، ويشتهيك مسكنًا له.. هو يريد أن يعيش أنت في قلبه، يثبت فيك وأنت فيه، وتصير كنيسة مقدسة له..أذكر أنني في يوم ما أرسلت خطابًا إلي أحد الأخوة المباركين، قلت له فيه "سلم علي الكنيسة المقدسة التي في قلبك". لأني كنت أعرف أن في قلبه كنيسة تصعد منها رائحة بخور، وتخرج منها ألحان وتسابيح، وترتفع فيها ذبائح روحية...ألم يقل المرتل "فلتستقم صلاتي كالبخور قدامك وليكن رفع يدي ذبيحة مسائية" (مز 141: 2). أن عرفت يا أخي هذا، أنك هيكل للروح القدس، فلا تخطئ، لئلا تحزن روح الله فيك وتطفئ حرارته..
بل أن أتاك الشيطان يومًا بخطية، تقول له:
اذهب عني بعيدًا، فلست أنا لك..
أنا بيت الله، أنا مسكن لله.. أنا موضع مقدس للرب..
أنا الذي يقرع الله علي بابي لكي أفتح له..
أنا هيكل للروح القدس، أنا كنيسة مقدسه.
إنا الذي يأتي إلي الآب والابن، وعنده يصنعان منزلًا..
أنا مسكن للثالوث القدوس..
هل أنا شيء هين، يمكن أن ينجسه الشيطان؟! كلا،
أنا سماء ثانية.. عرش لله يجلس عليه..
أنت يا أخي لست هذا كله فقط، بل أيضًا: أنت أخ للمسيح، شريك للمسيح، ووارث معه..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:16 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أنت أخ للمسيح، شريك للمسيح، ووارِث معه

تواضع عجيب من الرب أن يدعونا أخوة له.. نحن لا نجرؤ أن نناديه بهذا اللقب، لأننا لم نصل إلي مستواي العبيد البطالين الذين فعلوا كل ما أمروا به (لو 17: 10). ولكننا أمام تشريفه لنا، يجب أن نسلك كما يليق بالدعوة التي دعينا إليها..
عجيب أن يقال عن الرب الإله إنه "بكر وسط أخوة كثيرين" (رو 8: 29).. أخوة كثيرين؟! يا للعجب..! والعجيب أيضًا أنه "لا يستحي أن يدعوهم أخوه" (عب 2: 11). وأعجب من الكل أن يقال عنه أنه "يشيه أخوته في كل شيء" (عب 2: 17).. وهكذا نري السيد المسيح يقول للمريمتين "اذهبا قولا لأخوتي أن يمضوا إلي الجليل، هناك يرونني" (متي 38: 10). ويكرر نفس العبارة للمجدلية "اذهبي وقولي لهم" (يو 20: 17). ولم يقل هذا التعبير عن الرسل فقط، بل قاله عن الكل.." من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي، وأختي وأمي" (متي 12: 48). وقال عن الخير الذي يعمل مع الفقراء والمساكين "الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم" (متي 25: 4).
إذن فأنت يا أخي أخ للمسيح، وأنت أيضًا وريث معه.. للمواعيد، وللمجد العتيد. عن كان قد قيل عنه في مثل الكرامين الأردياء إنه هو الوارث (متي 21: 38)، فقد قيل كذلك "إننا ورثه أيضًا، ورثه الله، ووارثون مع المسيح" (رو 8: 17). اعرف يا أخي إذن مقدارك من أنت أخ للمسيح، وأنت وريث معه وليس هذا فقط بل أنت شريك له كذلك..
"إن لنا شركة معه" (1 يو 1: 6). إنه اشترك معنا في اللحم والدم (عب 2: 14). ونحن إنما نؤدب "لكي نشترك في قداسته" (عب 12: 10). نشترك معه في آلامه، لكي نشترك في الفرح باستعلان مجيئه (1 بط 4: 13). قد دفنا معه (فى المعمودية) لكي نقوم معه (رو 6: 4، 5). وسنعيش حياتنا عاملين معه (1 كو 3: 9). ونتألم معه، لكي نتمجد معه (رو 8: 17). وسنأتي معه على السحاب (يه 14) ونكون معه في كل حين (1 تس 4: 17) وحيثما يكون هو نكون نحن أيضًا (يو 17: 24).
إنها شركة لك مع المسيح تبدأها الآن أيها الأخ المبارك وتستمر معك إلى الأبد. فاحرص على هذه الشركة المقدسة لأنك بالخطية تفقدها.
إنك لا تستطيع أن تستمر شريكًا للمسيح إن تسير في الخطية.. لأن الكتاب حينئذٍ سيوبخك بقوله "أية خلطة للبر والإثم؟! وأية شركة للنور مع الظلمة؟! وأي اتفاق للمسيح مع بليعال..؟!" (2 كو 6: 14، 15) إنك عندما تفعل الخطية تكون كمن يقول للرب: لقد فككت الشركة للشيطان، ولم أعد شريكًا لك بعد..! أنظروا أي مجد يكون لنا عندما نسير في طريق الله، وأي نزول وانحدار وسقوط عندما نبعد عنه..فكيف يمكن أن تفعل الخطية، أنت يا شريك المسيح، شريكه في العمل وفي الآلام وفي المجد؟! أنت تلبس المسيح في المعمودية (غل 3: 27)، وتحيا لا أنت، بل المسيح الذي يحيا فيك (غل 2: 20)..
وأنت لست فقط شريكًا للمسيح إنما أيضًا: أنت شريك للروح القدس، شريك للطبيعة الإلهية.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:17 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أنت شريك للروح القدس، شريك للطبيعة الإلهية

وهكذا فإنه من البركة التي يعطينا إياها بولس الرسول أن تكون "شركة الروح القدس، مع جميعنا" (2 كو 13: 14). هذه البركة التي نأخذها من الكنيسة في آخر كل اجتماع، وفي بداية القداس أيضًا.
أنت شريك للروح القدس، ليس في الجوهر، وإنما في العمل. إنه يعمل فيك، ويعمل معك، ويعمل بك، من أجل خلاص نفسك، ومن خلاص الناس، في نشر ملكوت الله، وفي بنيان جسد المسيح. أنت لا تعمل وحدك وإلا كنت معتمدًا على ذراعك البشرى، "وإن لم يبن الرب البيت، فباطلًا تعب البناؤون" (مز 127: 1) الروح القدس هو يشترك معك في العمل.. وهو لا يعمل وحده، وإنما يشركك معه، لتأخذ بركة.. أنت شريك للروح القدس، شريك للطبيعة الإلهية، في العمل..

والروح القدس يعمل معك دائمًا للخير. وعندما تعمل الشر أو الخطية، إنما تعمل وحدك، وتكون قد رفضت شركة الروح القدس..
لذلك يقول الكتاب عن حالة الخطية "لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم" (أف 4: 30) ويقول أيضًا "لا تطفئوا الروح" (1 تش 5: 19) وإذا استمر الإنسان في حالة الخطية، فربما يتعرض لما خاف منه داود النبي حينما قال "روحك القدوس لا تنزعه منى" (مز 50: 11)..!!
يا أخي ما أعجب أن يُقْاَل عنك إنك "شريك الطبيعة الإلهية" (2 بط 1: 4).. بل ما أعجب أن يعاتبنا الرب بقوله أنكم آلهة، وبنمو العلي كلكم" (مز 82: 6).. يا لهذا المركز الكبير، ويا لهذه الشهادة العظيمة..! أو بعد هذا كله نخطئ؟ أيصح إله؟! ويتمرغ في الدنس، وفي التراب، وفي النجاسة..!
هل عندما تخطئ تكون شريكًا للطبيعة الإلهية؟!، بل شريكًا للشيطان لأن الكتاب يقول "الذي يفعل الخطية هو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ.بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس (ظاهرون)" (1 يو 3: 10). إننا عندما نخطئ ننسي مجدنا العظيم، ونفقد مراكزنا.. ولذلك فإن الله بعد أن قال لنا "أنا قلت إنكم ألهه.." أكمل قائلًا "ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز 82: 7).. ومن هو هذا الرئيس الذي سقط؟ إنه الشيطان، الذي كان قبلًا رئيس ملائكة..!
أن الإنسان الذي يخطئ؟ هو إنسان لا يعرف مقدار ذاته. لذلك قيل عن الخاطئ إنه جاهل. عجيب أنه بعدما أكل من شجرة المعرفة صار جاهلًا! لأنه التمس المعرفة بعيدًا عن الله، أو ألتمس معرفه تفصله عن الله. فلا يعرف ما هي ذاته ولا من هو الله، ولا ما هي العلاقة بينهما.. يا أخي، اعرف ذاتك، من أنت، حينئذ لا تخطئ..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:18 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أنت عضو في جسد المسيح، من لحمه وعِظامه

إن الكنيسة هي جسد المسيح، والمسيح رأسها. ونحن -جماعة المؤمنين- هم الكنيسة. إذن فنحن جسد المسيح (أف 4: 11). بل إننا "أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه" كما يقول الرسول (أف 5: 30).

كل عضو فيك، هو عضو المسيح. ولذلك ففي كلام الرسول عن خطية الزنى قال "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟! حاشا.." (1 كو 6: 15). فكيف نخطئ ونحن جسد المسيح؟! كيف نخطئ إلي الرب الذي يعتبرنا كشخصه تمامًا، كل ما يمسنا يمسه..؟! أليس أنه عندما عاتب شاول الطرسوسي، لم يقل "لماذا تضطهد المؤمنين". وإنما قال له "لماذا تضطهدني" (أع 9: 4)، لأنه يعتبرنا كشخصه تمامًا وعندما يطوِّب الرحماء في اليوم الأخير، سوف لا يقول لهم: أنتم أطعمتم الجياع وسقيتم العطاش، وإنما سيقول لهم "كنت جوعانًا فأطعمتموني، وعطشانًا فسقيتموني" (مت 25: 35). إلهنا هذا المحب، الذي يعتبرنا كشخصه تمامًا، كيف يمكن أن نخطئ إليه، ونجرح قلبه الحساس الحنون؟! إن الشخص الخاطئ، إنما يقطع ذاته المسيح، لأن جسد المسيح مقدس كله.. وعضويتنا في جسد المسيح يوضحها قوله "أنا هو الكرمة، وأنتم الأغصان" (يو 15: 5)، فعصارة الكرمة تصعد وتسري إلي الأغصان فتمنحها الحياة.. وكل غصن في الكرمة تكون له صورة الكرمة، وله ثمر الكرمة، وله طبيعة الكرمة، فهم صورة مصغره من الكرمة نفسها، وهو والكرمة شيء واحد. فهل أنت غصن حقيقي في هذه الكرمة الإلهية؟ وهل أنت تصنع ثمرًا يليق بغصن حي؟ إن المفروض في أغصان الكرمة أن تعطي ثمارًا تماثلها، أن تثمر عنبًا يفرح الرب به ويشرب من نتاجه جديدًا في ملكوته الآب (مت 26: 29). ماذا تظنه كان يقصد عندما قال للمرأة السامرية "أعيني لأشرب" (يو 4: 7). أتراه كان يريد منها ماءًا، أم كان يريد أن يشربها هي، كان عطشانًا إلي نفسها ليضمها إلي ملكوته.كان يريد أن يشرب من نتاج الكرمة، من عصيره الذي سكبه في قلب تلك المرأة.. فهل تسري فيك عصارة الكرمة أيها الأخ المبارك؟ هل تتمشي عصارتها في كل عروقك، وتجعلك تورق وتثمر عنبًا أم شوكًا؟ فإن كنت تعطي شوكًا، فلست إذن عضوًا في الكرمة. ويقينًا أن العصارة التي تسري فيك ليست هي من الكرمة.. اعلم إذن أن الغضب الذي لا يصنع ثمارًا، لا ينفع ولا يصلح بل يقطع ويلقي في النار (يو15: 6).. وإذا قطع، لا يصبح بعد عضوًا في الكرمة.. لقد انتهي أمره!! إن الإنسان السائر في الخطية، هو غصن معاند، قد رفض عصارة الكرمة، رفض أن تسري في عروقه، فجف وسقط، أو قطع وألقي في النار. أما الصالح، فهو علي العكس يفتح شرايينه جيدًا لكي تدخل فيها عصارة الكرمة، وبهذا ينتج ثمرًا فينقيه السيد الرب ليأتي بثمرًا أكثر..
ما هو نتائج الكرمة الذي تريد أن تشربه منا يا رب؟ هو تمركم، أريد أن تغذي بثماركم، بثمر الروح فيكم (غل5: 22). هذا الثمر هو عمل الله فيكم. هو نتجه تمشي عصارتي في عروقكم. من أجل هذا إن تذكرتم علي الدوام أنكم أغصان في كرمتي، وأعضاء في جسدي، فليس فقط سوف لا تخطئون، وغنما بالأكثر سوف تثمرون، وأفرح بثمركم. هل عرفت يا أخي مقدارك العظيم، أنت لست فقط عضوًا في جسد المسيح إنما أيضاَ: أنت الذي تتناول جسد الرب ودمه..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:22 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أنت الذي تتناول جسد الرب ودمه

أنت تأكل جسد المسيح وتشرب دمه، فتثبت فيه، ويجري في عروقك دم المسيح الطاهر النقي القدوس. ما أسماك وما أطهرك..! كتب أحد الأشخاص في مذكرته بعد تناوله:
هذا الفم المقدس الذي تناول جسد الرب ودمه: كلمه زائدة لا تخرج منه، ولقمة زائدة لا تدخل فيه.. تذكر يا أخي باستمرار أن فمك يتناول جسد الرب ودمه، حينئذ لا يمكن أن تخرج منه شتيمة، أو أغنية عالمية، أو مزاح باطل، أو كذب، أو قسم، أو غضب، أو باقي خطايا اللسان.. وتذكر أن جسدك هذا يحل فيه جسد المسيح، حينئذ تخاف أن تنجس هذا الجسد أو تجعله أداه للخطية..
أيها الأخ المبارك، لا تنس نفسك، أذكر من أنت، وماذا يليق بك فلا تخطئ.. قال أحد القديسين:
" يسبق كل خطية: إما الغفلة. وأما الشهوة. وإما النسيان..
وفعلًا، يسبق الخطية النسيان..
فنحن ننسي أنفسنا أننا صورة الله، وأننا شبهه ومثاله، وأننا أولاده، وأننا مسكن لله، وهياكل للروح القدس. وننسي أننا أخوة المسيح، وشركاء الروح القدس، وشركاء الطبيعة الإلهية، وننسي أننا أعضاء في جسد المسيح، وأننا نتناول جسده ودمه.. لذلك نخطئ.. وإن تذكرنا حقيقتنا، ما أخطأنا.. إنك في حاله الخطية، تكون قد نسيت كل أمجادك هذه أو تكون قد فقدن كل أمجادك.. وضعت..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:24 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
إن عرفت ما هي الخطية، تهرب من الخطية

لكي يتوب الإنسان، لا يكفي أن يعرف من هو..
إنما يجب أن يعرف أيضًا ما هي الخطية..
ما هي طبيعتها الخاطئة، وعقوبتها، ونتائجها، وأضرارها..
لذلك نقول لك:
أن عرفت ما هي الخطية، تهرب من الخطية..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:25 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية هي موت

حقيقي أن "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23)، "والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع 1: 15). ولكن بالإضافة إلي أن عقوبة الخطية هي الموت، نقول عن الخطية ذاتها هي حاله موت، موت أدبي وروحي.
و الشواهد علي ذلك كثيرة:
ففي مثال الابن الضال، قال الآب "لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد" (لو 15: 24). فوصفه بأنه في حالة الخطية "كان ميتًا". ولم يصبح إلا بعد رجوعه.. والقديس بولس الرسول يقول عن الأرملة المتنعمة إنها "ماتت وهي حية (1 تي 5: 6). كما يقول عنا جميعًا "كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا" (أف 2: 5). وعندما اخطأ ملاك (راعي) كنيسة ساردس، أرسل إليه الرب رسالة علي فم القديس يوحنا الرائي يقول له فيها "أنا عارف أعمالك، أن لك اسمًا انك حي وأنت ميت" (رؤ 3: 1). فالإنسان الخاطئ هو شخص ميت، لأنه انفصل عن الحياة الحقة بانفصاله عن الله، والله هو الحياة..
ألم يقل السيد المسيح "أن هو القيامة والحياة" (يو 11: 25). "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). حقًا "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو 1: 4). فالذي ينفصل عن المسيح بالخطية، إنما ينفصل عن الحياة فيعد ميتًا، مهما كانت فيه أنفاس تتردد. لذلك صدق القديس أوغسطينوس عندما قال:

موت الجسد، هو انفصال الروح عن الجسد، وموت الروح، هو انفصال الروح عن الله.
فالخاطئ إذن هو إنسان ميت، مهما ظن أنه حي وانه يتمتع بالحياة!! إن الخطاة لا يفهمون فهمًا سليمًا. يظنونها مجرد تمتع بالعالم ولذاته. وهكذا عندما تتحدث إلي أحد الخطاة عن التوبة، يجيبك قائلًا "أتركني أتمتع بالحياة يظن هذه المتعة الجسدية حياة وهي موت! كما قيل عن الأرملة المتنعمة إنها ماتت وهي حية. فإن كانت الخطية موتًا، ألا يجدر بنا أن نسأل أنفسنا.
أحقًا نحن أحياء؟! كم هي إذن سنو حياتنا علي الأرض؟ غالب الظن أننا سنجيب علي هذا السؤال بنفس إجابة أبينا يعقوب، عندما قال لفرعون "أيام سني غربتي.. قليله وردية.. ولم تبلغ إلي أيام سني حياة آبائي" (تك 47: 9). حياتنا تقاس فقط بالأيام التي قضيناها مع الرب ثابتين في محبته. أما فترات الخطية في حياتنا فهي فترات موت. لا تقل إذن "أنا في الأربعين من عمري"! فربما حياتك كلها لم تبلغ عشر سنوات مع الله. يا أخي اسأل نفسك: هل أنت حي أم ميت؟! أخشي ما أخشاه أن تنطبق علي أحد فينا العبارة التي قالها الرب لملاك كنيسة ساردس:
"أن لك اسمًا إنك حي وأنت ميت"..! (رؤ 3: 1).
تري إن نزل ملاك الآن ليعد الأحياء الموجدين في الكنيسة، من منا يجده حيًا، ومن منا يجده ميتًا؟! يا للخجل، عندما نعرف حقيقتنا، أحقًا نحن أحياء أم أموات بالخطية؟
بهذا يحكم كل منا علي نفسه:
كل يوم مثمر وثابت في الرب، هو يوم حي
وكل يوم مر في الخطية، هو يوم ميت.
وبهذا يمكن أن تعرف عمرك وكم سنة لك..
فلا تسمح يا أخي أن يضيع يوم من أيام حياتك، ويموت ويدفن إلي الأبد لأن الأيام التي تذهب لا يمكن أن تعود. أما الأيام الحية فهي خالدة..هناك لحظات في حياة الإنسان تقتدر كثيرًا في فعلها. الدقيقة تساوي سنوات أو قد تساوي أجيالًا..
لذلك عش حياتك كاملة، دسمة، غنية، مثمرة.. تصور ساعة في حياة بولس الرسول، لها ولا شك قيمتها وقوتها، وربما تكون هذه الساعة أطول من حياة إنسان آخر بأكملها.
يا أخي، لا تفتخر باطلًا، ولا تقل بغير حق: أنا ابن الله، أنا صورته ومثاله. أنا هيكل للروح القدس، أنا شريك للطبيعة الإلهية، أنا عضو في جيد المسيح..!! كلا، إن كنت خاطئًا فأنت ميت، ولست شيئًا من هذا كله.. تقول لله "أنا ابنك"، فيقول لك "اذهب عني.. لا أعرفك"..
إن الخطية هي موت.. وهي أيضًا ضلال، وضياع، وتوهان..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:26 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية ضلال وضياع

في الأصحاح الخامس عشر من الإنجيل لمعلمنا لوقا البشير، توجد ثلاثة أمثال تشرح لنا كيف أن الخطية هي ضلال ضياع وتوهان". مثال الابن الضال، ومثال الخروف التائه، ومثال الدرهم المفقود..
الابن الضال، ضل نتيجة لشهوات قلبه، بقصد ومعرفة وتدبير..
والخروف الضال، تاه عن غباء وعدم معرفة وقله خبرة..
والدرهم المفقود، أضاعه غيره، أو وقع وظل واقعًا لا يتحرك..
إنه أمر مؤسف حقًا، أن ينظر الله في كيسة، فلا يجدك.. أمر مؤسف، أن يعد الله دراهمه وفلا تكون في وسطها.. ويظل الله يبحث عنك في كيسه وفي كل موضع، أين تراك وقعت، فلا يعثر عليك.. وأخيرًا يعلنها حقيقة مؤلمه: لقد كان لي درهم، ولكنه ضاع.. نعم، ضاع وفقد ولم يعد له وجود.. أخشي عندما يحصي الله شعبه، ألا توجد أسماء مكتوبة في سفر الحياة، لأن الخطية قد أضاعتها.
أتعرف هذا يا أخي، أنك عندما تسير في طريق الخطية، تكون ضعت ولم تعد في يد الله..! نعم، أن الخطية هي ضياع، هي ضلال، هي توهان.والخاطئ هو إنسان تائه، سواء تاه بإرادته، أم بجهله، أم أتاهه غيره..
إن الابن الضال عندما خرج من بيت أبيه، ظن انه قد وجد نفسه وقد وجد حريته، وقد وجد ثروته ومتعته وأصحابه.. ولكنه في الواقع، لم يكن قد وجد بل أضعها..
والخروف الضال ربما شعر أنه قد ترك الحظيرة الضيقة المغلقة، إلي الفضاء الرحب الواسع المفتوح. وأخيرًا وجد أنه تاه، وابتعد عن راعيه وعن أحبائه..
إن الخاطئ يفهم الحرية والمتعة فهما خاطئًا.. وبنفس الوضع فيما يظن الخطية نصرة تكون له هزيمة..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:27 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية هزيمة لا نُصرة

لنفرض أن إنسانًا أهانك فأهنته، واشتددت عليه فغلبته، وأفحمته وأسكته، واعتدي عليك فاعتديت عليه بالمثل أو بأضعاف ذلك، أتراك إذن قد انتصرت؟!
كلا، بل انهزمت، لأنك قد انغلبت من الإثارة، وانفعلت، ولم تقو علي الاحتمال، وغلبتك الخطية.
ربما تقول "أنا دافعت عن كرامتي.. أنا لم اترك هذا الإنسان يطفئ علي، بل أوقفته عند حده وانتصرت عليه". قد تكون هكذا منتصرًا في عيني نفسك، ولكنك في واقع الأمر مهزوم: قد هزمتك خطية الغضب، هزمتك خطية المجد الباطل، وهزمتك خطية الإدانة، وخطية الانتقام، وعدم المحبة. وعدم الاحتمال.. لذلك يقول الكتاب في (رو 12: 21):
"لا يغلبنك الشر، بل أغلب الشر بالخير".
إن الإنسان الخاطئ، هو إنسان مغلوب من الخطية، وما أكثر الأسباب: هناك إنسان ينهزم أمام الجسد، وآخر ينهزم أمام الكرامة، وثالث ينهزم من شهوة الطعام، ورابع ينهزم أمام المال، وآخر أمام الغضب، وآخر أمام الحقد..إلخ.

قد ينظر إنسان إلي امرأة ويشتهيها، فيزني بها في قلبه. وفي كل ذلك يظن أنه قد لذذ نفسه وتمتع بذلك المنظر. ولكنه في الحقيقة يكون قد انهزم أمام الخطية وسقط. منظر واحد قد غلبه وجعله يقع في الشهوة.. وقد تنظر الملائكة إليه من السماء وتقول:
" مسكين هذا الإنسان الضعيف، لم يستطيع أن يحتمل منظرًا من المناظر فسقط.. باع الملكوت وخسره من أجل منظر تافه".
فالإنسان الخاطئ هو إنسان مهزوم ومغلوب مهما أحاط نفسه بمظاهر القوة الزائفة، والإنسان البار قد يبدو - في نبله، وسموه مهزومًا أمام الناس، ويكون في قمة انتصاره. والأمثلة علي ذلك كثيرة..
قايين مثلًا عندما قام علي هابيل وقتله، هل كان في قتله لأخيه منتصرًا أم منهزمًا؟ ربما ظن في نفسه في بادئ الأمر انه قد انتصر علي أخيه، لأنه استطاع أن يضربه ويلقيه علي الأرض ويقتله. ولكنه في حقيقة الأمر كان مهزومًا. لقد انهزم أمما الحسد والغيرة. وانهزم أمام الغضب والحقد. وفقد محبته، وهزمه شيطان القسوة، وهزمته خطية القتل.. وهذا الذي ظن نفسه قويًا، عندما وقف أمام الله ارتجف وارتعب فقال قايين للرب:" ذنبي أعظم من أن يحتمل.أنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك اختفي، وأكون تائهًا وهاربًا في الأرض فيكون كل من وجدني يقتلني" (تك 4: 13، 14).
مسكين قايين.. إنسان ضعف غلبته الخطية. كذلك كان هيرودس الملك أيضًا عندما قبض علي يوحنا المعمدان وألقاه في السجن، وأراد أن يسكت هذا الصوت الصارخ في البرية فلم يفلح فقطع رأسه. فهل كان هيرودس قويًا عندما قتل يوحنا، أم بالحري كان ضعيفًا أمام شهوته وعزته وكبريائه وانقياده للنساء..؟! أكبر دليل علي ضعفه، انه ظل يخاف من يوحنا حتى بعد موته. فلما ظهر المسيح ظن هيرودس أنه يوحنا قد قام من الأموات (مت 14: 2).
وهكذا أنت أيضًا عندما تتسلط غلي غيرك، وتهينه وتشتمه وتخرجه وتتهكم عليه، ويبدو هو ضعيفًا ذليلًا أمامك لا يستطيع أن يقابلك بالمثل.. أتراك تظن نفسك قد انتصرت؟! كلا، بل هزمتك كل هذه الخطايا، وغلبك الشر..
إن الخاطئ يظن النصرة حيث توجد الهزيمة، ويظن اللذة حيث يوجد الضياع، ويظن القوة حيث يوجد الضعف.. لذلك قال الكتاب "لأنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون" (مت 13: 13).
وبنفس هذا المقياس الخاطئ نظر البعض إلي صليب المسيح له المجد. فظن غير الفاهمين أن صلبه كان دليلًا علي الضعف والهزيمة أو دليلًا علي انتصار أعدائه عليه، وكان الواقع عكس ذلك تمامًا.
لقد كان صالبوا المسيح في موقف الهزيمة وليس في موقف النصرة. لقد انهزموا أمام حسدهم وغيرتهم منه. وانهزموا أمام شياطين الكذب والقسوة والجبن ونكران الجميل. أما السيد المسيح فاستطاع أن ينتصر في محبته وبذله، ويقدم لنا الخلاص، ويحطم مملكه الشيطان، ويفتح الفردوس لمنتظريه ويتمم عمل الفداء العظيم.. كانت منتصرًا علي طول الخط، بعكس صالبيه الذين رجع كثيرون منهم وندموا..
كانت أحكام الناس مختلة، فالخطية هي ضعف وهزيمة وماذا عن الخطية أيضًا: الخطية انفصال عن الله.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:29 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية انفصال عن الله

الخطية انفصال عن الله، لأنه "أيه شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال" (2 كو 6: 14و 15). وهكذا نري أن الابن الضال -في خطيته- قد خرج من بيت أبيه وانفصل عنه. والخطية ليست مجرد انفصال عن الله، وإنما هي خصومة معه..
إن العالم عندما اخطأ، وقع في خصومة مع الله عبر عنها طقسيًا بالحجاب المتوسط الذي كان يفصل المؤمنين عن قدس الأقداس. لذلك عندما جاء السيد المسيح، أقام صلحًا بيننا وبين الله، ونقض الحاجز المتوسط، وقيل عنه في القداس "صالحت الأرضيين مع السمائيين". صالحهم لأن الخطية كانت قد سببت خصومه بينهم وبين الله. من أجل هذا نصلي صلاة الصلح قبل أن نبدأ القداس.. قبل أن نتناول نصطلح أولًا مع الله.
الإنسان الخاطئ بينه وبين الله خصومة. قد أغضب الله وأحزنه وانفصل عنه: ترك بيته وكهنته، وترك كتابه ووصاياه، وترك جسده ودمه، وترك الكلام معه أيضًا - هناك خصومة إذن..
وكلما ازدادت الخطية، ازدادت الخصومة، وأزداد الانفصال عن الله. لقد وصلت هذه الخصومة بين الله والناس إلي حد مريع في أيام أرمياء النبي، لدرجة أن اله قال لنبيه "لا تصل لأجل هذا الشعب. ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة لأني لا أسمع لك" (أر 12: 14). ووصلت الخصومة إلي درجة أن قال الله "وإن وقف موسى وصموئيل أمامي، لا تكون نفسي نحو هذا الشعب" (أر 15: 1).
ووصلت الخصومة إلي حد أن قال الله للعذارى الجاهلات "الحق أقول لكن أني لا أعرفكن" (مت 25: 12).وقال لآخرين "أني لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 23). "لا أعرفكم من أين أنتم. تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم" (لو 13: 27).. "لا أعرفكم"!! يا للهو، ويا للخجل.. الله ينكر معرفته بالإنسان، وينكر صلته به، ويتبرأ منه ومن خلطته، ويبعده عنه..أي ألم هذا، وأية فضيحة.. وفي الخصومة، قد تصل الخطية في بشاعتها إلي درجة العداوة مع الله.
وهكذا يقول القديس يعقوب الرسول "أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله. فمن أراد أن يكون محبًا للعالم فقد صار عدوًا لله" (يع 4: 4). وهذا المعني يؤيده أيضًا القديس يوحنا الرسول بقوله "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1 يو 2: 15). بعكس ذلك محبو الله، في صداقتهم له، ودالتهم عليه..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:30 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
شتان بين دالة وخصومة

إن عرفنا مقدار الدالة التي بين الله ومحبيه. تملكتنا الغيرة، ويلتهب قلبنا فنود أن نكون مثلهم. وسنحاول هنا أن نستعرض بعض أمثلة:
قيل عن أبينا إبراهيم إنه خليل الله. ونحن نستشفع به في الصلاة، فنقول لله في صلاة الساعة السادسة "من أجل إبراهيم حبيبك"..
إنه حبيب الله، صديقة، بينه وبين الله دالة..
عندما أراد الله أن يحرق سدوم، قال الرب "هل اخفي عن إبراهيم ما أن فاعله؟!" (تك 18 17). يا للعجب!! إن الله لم يرد أن يحرق سدوم قبل أن يخبر إبراهيم أولًا ويتفاهم معه في الموضوع.. ومن يكون إبراهيم هذا يا رب؟ أليس حفنه من تراب ورماد" (تك 18: 27). كلا يجيب الرب -إنه حبيبي وصديقي.لابد أن أخبره أولًا وآخذ راية. لا يصح أن يفاجأ بالموضوع كباقي الناس.. ويخبر الله إبراهيم. ويتفاهم معه إبراهيم بدالة "أفتهلك البار مع الأثيم..؟! حاشا لك أن تفعل مثل هذا المر.. حاشا لك. أديان الرضى كلها لا يصنع عدلًا..؟!

إنه أسلوب قد لا نستطيع أن نكلم به بعض البشر خوفًا منهم، ولكن إبراهيم يكلم به الله بكل جرأة ودالة. ويظل يتفاوض معه: عسي أن يكون خمسون بارًا في المدينة.. ربما نقص الخمسون بارًا خمسة.. عسى أن يوجد هناك أربعون.. ثلاثون.. عشرة.. ويستجيب الرب ويقول "لا أهلك من أجل عشرة (تك 18: 32). إنها صداقة مع الله.. عجب أن يوجد أناس لهم صداقه مثل هذه مع الله، يتفاهم معهم، ويتفاهمون معه..
نفس الوضع الذي حدث لإبراهيم مع الله، حدث لموسى أيضًا..
· صنع اليهود عجلًا من ذهب وعبدوه، فغضب الرب جدًا من هذه الخيانة التي خانوه بها، بعد سلسلة من المعجزات عملها معهم، وبعد سلسلة من الإحسانات قدمها إليهم. وفكر الله أن يهلك هذا الشعب. ولكنه رأي أن يخبر موسى أولًا وبعد أن شرح الرب لموسى كيف أن هذا الشعب صلب الرقبة قال له "أتركني.. لأفنيهم" (خر 32: 10). ونحن نقف في خشوع أمام كلمة "أتركني".. ما معني هذا الكلام أيها الرب إلهنا القادر علي كل شيء.. هل أنت محتاج أن يتركك موسى لتفعل؟ هل هو ممسك بك ليمنعك؟ وهل هو يستطيع؟
· علي أن عجبنا يزداد ليس فقط من كلام الله، بل بالأكثر من رد موسى.. فكما قال يعقوب للرب وهو يصارعه "لا أتركك.." (تك 32: 26)، هكذا قال موسى للرب في جرأة ودالة المحبة قال له "أرجع يا رب عن حمو غضبك، وأندم علي الشر" (خر 32: 12).. كلام جرئ عجيب.. من يستطيع أن يقوله للرب، بل من يستطيع أن يقوله لأحد الرؤساء علي الأرض..؟! ويعلل موسى احتجاجه: لئلا يقولوا قد أخرجهم بخبث من أرض العبودية، لكي يهلكهم في القفر.. والعجيب أن الله لم يغضب من موسى، بل وافقه.. ونفذ له ما يريد.. ويقول في ذلك الكتاب "فندم الرب علي الشر الذي قال انه يفعله" (خر 32: 14).. ما هذا يا رب؟ يجيب إنهم أصدقائي، لهم دالة عندي. عجبًا! أي رجل هو موسى هذا؟! بل أية دالة هي هذه بين الله وأحبائه.. إن قرأ خاطئ عنها يشعر بحرارة الغيرة تلهب قلبه.. ليترك ما هو فيه، ويصير هؤلاء..
* مثال آخر نقرأه عن موسى:
يقول الكتاب أنه كان علي الجبل مع الرب "أربعين نهارًا وأربعين ليلة" (خر 34: 28)، هل تظنون أن كتابة الوصايا العشر علي اللوحين كانت تستغرق كل هذه المدة من الله؟! هل تحتاج كتابتها إلي يوم من الله، إلي ساعة أو دقائق، أو لحظة..؟!
إنما الله قد استبقي موسى أربعين يومًا علي الجبل، لأنه صديقة وحبيبه وكليمه.. الله يفرح بوجود موسى معه لأنه ابنه.. وموسى يفرح بالوجود في حضرة الرب يتمتع به.. وإلا قولوا لي أية مهمة كانت تقتضي الأربعين يومًا.. كل الوصايا التي أخذها موسى من الله لا تستغرق أكثر من يوم واحد. أما الباقي، فهو فترة دالة وصداقة ومحبة..
أن الله له أصدقاء وأحباء، قال لهم علانية "لا أعود أسميكم عبيدًا بل أحباء" (يو 15: 15). قيل إنه "كان يحب مرثا وأختها ولعازر (يو 11: 5؟). وعندما بكي علي لعازر، قال الناس "أنظروا كيف كان يحبه" (يو 11: 36). والقديس يوحنا الإنجيلي قيل عنه مرارًا "التلميذ الذي كان يسوع يحبه".
إن الله له أحباء، لهم دالة كبيرة عنده وفي أيديهم يضع مفاتيح السماء.. يستطيعون أن يفتحوا السماء ويغلقوها كما يشاءون..
· كلمة عجيبة نسمعها من إيليا النبي الذي قال "لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي" (1 مل 17: 1).. عبارة (إلا عند قولي) عبارة عجيبة وقوية. فلم يقل إيليا "عندما يشاء الله" أو "عندما يأذن الله"، بل قال في ثقة وحزم "إلا عند قولي".. وفعلًا أغلقت السماء حسب قوله، وظلت مغلقة ثلاث سنين وستة أشهر.. وكان جوع وتعب لكل الناس.. ولكن ظلت السماء مغلقه تنتظر قول إيليا.. وعندما تكلم مرة أخري، أمطرت السماء.. مفاتيح السماء هذه التي في أيدي القديسين، تكلم عنها الشيخ الروحاني في حديث عن صلاتهم ومفعولها، فقال عنهم إنهم يكونون "ليس كمن يصلي، وإنما كمن يتقبل الصلاة، كابن اؤتمن علي خزائن أبيه، يفتحها ويعطي منها للناس.." نسمع مثل هذا عن القديس المتنيح الأنبا ابرآم أسقف الفيوم، يأتيه إنسان في مشكله فيقول له "روح يا بني هاتلاقيها اتحلت". تأتيه امرأة تطلب نسلًا، فيقول لها "ماتزعليش السنة الجاية يكون عندك ابن.."، يقول هذا حتى بدون صلاة، ويحدث ما يقول عنه.إنها بركات يوزعها علي الناس، وهبات أخذها من الآب السماوي يعطيها بحنان لطالبيها.. ألا تملكنا الغيرة عندما نسمع عن أمثال هؤلاء ومكانتهم عند الله..
* وأحباء الله هؤلاء، لا يكتفي بمنحهم هذه الهبات، إنما أيضًا يدافع عنهم، ولا يقبل فيهم كلمة سوء..
· مثال ذلك: موسى النبي.. تزوج امرأة كوشية، وكان يبدو أن هذا ضد الشريعة، لن الرب قد منع الزواج بالنساء الغريبات. وفعلًا تضايق بسبب هذا الزواج هرون أخو موسى ومريم أخته، وتكلما عليه.. فصمت موسى، لأنه كان حليمًا جدًا. ولكن الرب لم يصمت. ولم يقبل أن يقول أن يقول احد كلمه رديئة عن حبيبه موسى حتى لو كان القائل هو هرون رئيس الكهنة ومريم النبية أخت موسى وهرون..
· فاستحضر الله هؤلاء الثلاثة، ووبخ مريم وهرون توبيخًا شديدًا وقال لهما "إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له وفي الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي. فما إلي فم وعيانًا أتكلم معه.. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما علي عبدي موسى؟" (عد 12: 1-8)، وضرب الله مريم بالبرص، فإذا هي برصاء كالثلج.. فأخرجوها خارج المحلة سبعة أيام.. ما هذا يا رب الذي تفعله؟! يقول:
· إنه موسى عبدي حبيبي الذي ائتمنه علي كل بيتي، وأكلمه فمًا فلم..
· كيف أسمح لهؤلاء أن يهينوه وأنا صامت؟! لابد أن ينالوا عقوبة لكي يوقروه، وكل من يسمع يوقره أيضًا.. لعل مثل هذا يفهم من قول الله لأبينا إبراهيم "وأبارك مباركيك، ولا عنك العنه" (تك 12: 3)..
إنها كرامة عجيبة يعطيها الله لأحبائه. ليس فقط أن يكونوا مباركين، بل أكثر من هذا أن يكونوا هم أنفسهم بركة (تك 12: 2).. كما كان إيليا بركه في بيت الأرملة، وكما كان يوسف بركة في بيت فوطيفار وفي أرض مصر، وكما كان إليشع بركة في بيت الشونمية..
ومن الكرامة العجيبة التي يعطيها الله لأولاده، والمعجزات التي يجربها علي أيديهم..
معجزات كان يمكن أن يعملها الله لأولاده، المعجزات التي يجربها علي أيديهم..
معجزات كان يمكن أن يعملها الله بنفسه ولكنه يعهد بها إلي أحبائه، ليكرمهم في أعين الناس.. إنسان مريض مثلًا يصلي إلي الله أن يشفيه. فبدلًا من ان يشفيه الله بنفسه، يرسل إليه الله أحد القديسين فيشفيه.. يرسل سيدتنا العذراء أو مارجرجس أو القديسة دميانة. ويمجد الناس العذراء ومارجرجس والقديسة دميانة.. ويفرح الرب.. وينشد في آذان هؤلاء القديسين: من يكرمكم يكرمني.. أنا أكرم الذين يكرمونني..
ونسأل الرب: إلي أي حد تكرمهم؟ فيقول:
يجلسون علي اثني عشر كرسيًا حولي، ويدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر (مت 19: 28).. نقول له يا رب كيف يجلسون معك في مجدك، أنت الذي تقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة؟ يقول "أنا أكرم الذين يكرمونني". ونسأله: كيف يجلس هؤلاء يا رب علي كراسي القضاء في يوم الدينونة، بينما أنت الديان وحدك، ديان الأرض كلها، الذي تدين الأحياء الأموات، وقد دفعت إليك كل الدينونة من الآب (يو 5: 22)؟ يجيب أن لذتي في بني البشر.. إنني أحبهم وسأكرمهم أكثر..
إن كنت أنا ديان الأرض كلها، فسيدينون الأرض.. وإن كنت أنا ملك الملوك، فهم سيملكون معي.. وان كنت سأجيء في مجدي علي السحاب، فسيأتون علي السحاب معي سيكونون في كل حين معي، حيث أكون أنا يكونون هو أيضًا..
الله يكرم كل هؤلاء، بمحبته لهم وبسكناه معهم، وبدفاعه عنهم، وبإعطائهم مفاتيح السماء والأرض وبإعلان كرامتهم للناس حتى يكرموهم أيضًا، وبالدالة التي يعطيهم إياها حتى يكلموه من جهة أحكامه.. هذه فكرة موجزة عن الدالة التي يجدها الأبرار عند الله، وللكرامة التي يمنحها لهم..
وعلي الجانب الآخر نجد الخطية عكس هذا،
الخطية هي: حرمان من الله،
وحرمان من الملائكة،
وحرمان من مجمع القديسين.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:31 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية حرمان من الله

إن الإنسان، إنما يحرم نفسه من الله، يفصله ذاته وقبله عن الله.. فالخطية قبل كل شيء هي عدم محبة لله.. لأنه واضح قول الرب "من يحبني، يحفظ وصايا" (يو 14: 23، 24). وواضح أيضًا قول الرسول "إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب" (1 يو 2: 15). الذي يحب الله يلتصق به، وبكل ما يقربه إليه.. أما الذي يميل بقلبه إلي الخطية فإنه يبعد عن محبة الله لأنه لا يستطيع أن يحب الله والخطية في وقت واحد.
و الخطية هي أيضًا عصيان الله، وثورة علي الله، وتمرد عليه:
هي عدم مخافة الله، تطورت إلي استهانة بوصاياه، وإلي كسر لها، أمام الله الذي يري الإنسان أثناء ارتكابه للخطية، في سهولة. فهي إذن عدم حياء من الله...
أما الإبرار فليسوا كذلك. هوذا الصديق عندما عرضت له الخطية يقول في إباء وخشية "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلي الله" (تك 39: 9).. لقد كان الله أمامه حينما عرضت الخطية عليه.وهكذا اعتبر أن الخطية هي ضد الله ذاته، وانه بها "يخطئ إلي الله".. وليس فقط إلي المرأة وإلي زوجها.. وبهذا المعني نفسه قال داود النبي لله "إليك أخطأت، والشر قدامك صنعت (مز 50: 4). مادامت الخطية إذن موجهة إلي الله، وقدام الله، فهي إذن تمرد عليه.. إنها ثورة علي ملكوته، ثورة علي قداسته وصلاحه، ومحاولة لطرده من القلب، وتمليك غيره مكانه..
ولمال كان الله غير محدودة مثله. وأن قدمت عنها كفارة لابد أن تكون كفارة غير محدودة. وبهذا أصبح غفرانها لا يتم إلا بذبيحة المسيح، ويوضع هذه الخطية علي كتفيه ليحملها عنا، بكل ما فيها من نجاسة وعار.. الخطية تمرد علي الله، وهي أيضًا معانده لروحة القدوس.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:32 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية معاندة للروح القدس

روح الله الذي فيك، يريدك أن تحيا في القداسة التي تليق بأولاد الله وهو يعمل فيك للخير والبر. فإن سرت في طريق الخطية، تكون معاندًا للروح..
لذلك يقول الكتاب "ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم" (أف 4: 30). إذن فكل من يرتكب إحدى الخطايا، إنما يحزن روح الله.. ويقول الكتاب أيضًا "لا تطفئوا الروح" (1 تس 5: 19). أن روح الله عندما يعمل في قلب إنسان. يلهبه بالحب، ويلهبه بالحماس نحو الخير، ويلهبه بالغيرة المقدسة علي نشر ملكوت الله.. لأن إلهنا نار آكله (عب 12: 29). وكل من يحوي الله في داخله إنما يحوي نارًا ملتهبة.. لذلك قيل عن الله:" الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نارًا تلتهب" (مز 104: 4). ولهذا أمرنا الرسول أن نكون "حارين في الروح" (رو 12: 11). لأن كل من يعمل فيه روح الله، لابد أن يلتهب بالحرارة الروحية. أليس أن روح الله عندما حل علي التلاميذ الأطهار، إنما حل عليهم بألسنة "كأنها من نار" (أع 2: 3)؟!

لذلك كله، نقول أن من يفعل خطية، إنما يطفئ الروح كقول الكتاب.. وإطفاء هذه الحرارة، يقوده إلي الفتور. وإذا استمر في الفتور يصل إلي برودة روحية بحيث لا يؤثر فيه شيء من الوسائط الروحية التي تلهب غيره من الناس.. ومع كل هذا يظل روح الله فيه، ولكن حزينًا وحرارته منطفئة.. ولكن أخوف ما نخافه علي الخاطئ أن يفارقه روح الله.. كما فارق شاول الملك فبغتة روح رديء من قبل الرب (1 صل 16: 14). وهذه الحالة المحزنة هي التي صرخ بسببها داود في صلاته قائلًا "لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني" (مز 51: 11)..
هذه الحالة الخطيرة هي التي يسمونها "التجديف علي الروح القدس".
التجديف علي الروح القدس، هو الرفض الكامل الدائم لعمل الروح القدس في القلب.. من كثرة الشر، يصل الإنسان إلي حالة من قساوة القلب ترفض كل عمل للروح حتى الموت.. وحينئذ لا يمكن أن يتوب، لأن التوبة تأتيه نتيجة لعمل الروح القدس فيه، لأن الروح يبكت الإنسان علي الخطية (يو 16: 8). وإذ لا يتوب لا يمكن أن ينال مغفرة. لن القديسين قد قالوا "ليست خطية بلا مغفرة، إلا التي بلا توبة". وهكذا قيل إن خطية التجديف علي الروح القد س لا مغفرة لها..
لكننا لم نصل بعد إلي هذا الوضع المملوء يأسًا...ما يزال روح الله يعمل فينا للتوبة.. فعلينا أن نستسلم لعمل الروح، ولا نرفضه، بعناد.. أن كنا قد أحزنا روح الله من قبل، فلا نستمر في إحزانه.. وإن كنا قد أطفأنا حرارته فينا، فلا نستمر في لإطفائها.. لا يصح أن نستمر في عناد، لئلا يفارقنا الروح، فنشبه الهابطين في الجب.. ليتنا نكره الخطية، التي تعاند عمل روح الله فينا. فإن الخطية خاطئة جدًا إنها فساد للطبيعة البشرية.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:33 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية فساد للطبيعة البشرية

من أجل هذا قيل عن الخطاة أنهم "زاغوا وفسدوا" (مز 14: 3).. إن الإنسان هو صورة الله ومثاله. ولكنه في حالة الخطية لا يكون كذلك يكون قد فسد، وفقد صورة الله.. لذلك أنا لا أوافق ذلك الذي يسقط، فيدافع عن سقوطه قائلًا "هكذا شأن الطبيعة البشرية".. "أنا معذور، طبعي كده"!

كلا، ليست هذه هي الطبيعة البشرية كما خلقها الله الصالح، الذي بعد أن خلق كل شيء، نظر إليه فإذا هو حسن جدًا (تك 1: 31). طبيعتك البشرية يا أخي هي في أصلها صالحة جدًا. إنما أنت تشكو في سقوطك من طبيعتك بعدما فسدت بالخطية.. هذا الفساد هو الذي شكا منه الرسول قائلًا "أما أنا فجسدي مبيع الخطية.. ويحي أن الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 7: 14، 24).. إن الخطية تتلف طبيعتنا، وتجعل مستواها السامي ينحط..
لذلك فالخطية انحطاط.. تصوروا إنسانًا في مركزه العالي كابن لله يحط نفسه إلي المستوي الذي يصير فيه ابنًا لإبليس.. ويبلغ من الحطة الذي يصير فيه إلي ظلام.. وينسي مركزه العالي، ويعمل كأحد أولاد الناس.. الخاطئ إنسان ينحط في نظر نفسه، وتقل قيمته أو تنعدم في نظر نفسه.. وسأضرب لكم مثالًا: هل يستطيع ابن ملك أن يجلس علي كوم من الزبالة؟ قطعًا لا يستطيع.. كم بالولي إذن ابن الله..؟!
والخاطئ أيضًا لا ينحط فقط في نظر نفسه، وإنما أيضًا في نظرته إلي الناس. مثال ذلك، شاب ينظر إلي أحد الفتيات نظرة شهوانيه.. لا شك انه لو كان ساميًا في تفكيره لقال في نفسه: هذه الفتاه هي هيكل للروح القدس كيف ألمسه أو أنجسه؟! لا يمكنني مطلقًا أن أفسد هيكل الله. لأن "إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس هو"(1 كو 3: 17).إنما ينظر الفتي إلي الفتاة بشهوة لأن مستواها قد انحط في نظره.. هذه هي الخطية التي تفسد الطبيعة البشرية، وتحولها من هيكل لله إلي أداة للفساد.. وهي لا تفسد الطبيعة البشرية فحسب. بل تفسد الأرض كلها.. ولذلك قيلا في سفر الرؤيا عن الزانية العظيمة إنها "أفسدت الأرض بزناها (رؤ 19: 2). وماذا عن الخطية أيضًا؟

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:34 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطية نجاسة وزنى وعار

أن الخطية نجاسة:
لذلك فالملائكة الذين سقطوا تلقبوا بالأرواح النجسة (مر 6: 7) والأمراض التي كانت ترمز للخطية -كالبرص- كانت تعتبر نجاسة وكذلك الحيوانات النجسة.
ونري أمثلة في الكتاب المقدس عن نجاسة الخطية، حيث يقول الوحي الإلهي علي فم حزقيال النبي "إن بيت إسرائيل لما سكنوا أرضهم، نجسوها بطريقهم وبأفعالهم. كانت طريقهم أمامي كنجاسة الطامث.. (حز 36: 17)، وعن كسر السبت يقول "نجسوا سبوتي" (حز 20: 13). وعن أخطاء الكهنة يقول في سفر نحميا "لأنهم نجسوا الكهنوت" (نح 13: 29). ومن جهة القتل يقول الكتاب "لأن أيديكم قد تنجست بالدم. وأصبعكم بالإثم" (أش 59: 3). وعن الزنا يقول "ونجست الأرض بزناك. فأمتنع الغيث.." (أر 3: 2).
ووصف الخطية بالنجاسة لا ينطبق فقط علي خطايا الزنا والقتل، بل حتى علي خطايا الفم واللسان أيضًا.. فعن خطايا اللسان يقول السيد المسيح نفسه "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان" (مت 15: 11). وقد أطلق الرب كلمة النجاسة علي الخطية عمومًا. فقال عن الأبرار "عندك أسماء قليلة.. لم ينجسوا ثيابهم فسيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مستحقون" (رؤ 3: 4). أما عن الخطاة فقال "أتيتم، ونجستم أرضي. وجعلتم ميراثي رجسًا" (أر 2: 7).

إن عرفت كل هذا يا أخي، أن الخطية نجاسة، لابد انك ستنفر منها ستشعر انك في حالة الخطية "إنسان نجس"!! ستشعر أن كل كلمة خاطئة تخرج من فمك، إنما هي تنجسك. لأن الذي يخرج من الفم هو الذي ينجس الإنسان.
ولما كان الزنى هو أبرز ما في النجاسة، لذلك اعتبرت الخطية زنى وهكذا يقول الكتاب عن خطايا بني إسرائيل "زنت يهوذا"، "زنت إسرائيل" (حز 16) أي أخطأت كل من هاتين المملكتين..
وماذا قيل عن الخطية أيضًا..
قيل إنها عار: "عار الشعوب الخطية" (أم 14: 34).
وهي أيضًا مرض: وهكذا قيل عن فم أشعياء النبي "تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل.. كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم، من أسفل القدم إلي الرأس ليس فيه صحة، بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصب ولم تلين بالزيت" (أش 1: 5، 6).
و الخطية أيضًا جهل: جهل بالله، وبالإيمان، وبالخير، وربما ينبغي أن يكون..وهكذا قال الرب "الثور يعرف قانيه، والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم" (أش 1: 3). وماذا تكون الخطية أيضًا؟ الخطية أيضًا نقص، وعيب وضلال، وعمي وظلمة، ونسيان لله.. وهي أيضًا ظلمة لأنها بعد عن النور الذي هو الله.ولذلك حسنًا قيل عن الخطاة أنهم "أحبوا الظلمة أكثر من النور" (يو 3: 19)، وقيل أيضًا "أما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا 2: 14). أمران يجعلاننا ننفر من الخطية.
طبيعة الخطية البشعة، ونتائج الخطية المريعة.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:35 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
إن عرفت نتائج الخطية، تنفر من الخطية


من نتائج الخطية الخوف والقلق..
  1. الخوف والقلق من نتائج الخطية
  2. عذاب الضمير من نتائج الخطية
وتوجد نتائج أخرى للخطية.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:35 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
نتائج أخرى للخطية


نتائج أخرى للخطية:
الخطية تغير الإنسان تغييرًا كليًا، ومن نتائجها:
  1. فقد الصورة الإلهية
  2. فقد الكرامة
  3. فقد البساطة والنقاوة

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:36 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخوف والقلق من نتائج الخطية

إنها تفقد السلام الداخلي، وتملأ القلب بالخوف والاضطراب. إن القديس لا يخاف. ولذلك قال داود النبي "إن يحاربني جيش، فلن يجاف قلبي. وإن قام علي قتال، ففي هذا أنا مطمئن" (مز 26). أما الخاطئ، فهو علي الدوام خائف، فاقد لسلامه "لا سلام، قال الرب للأشرار" (أش 48: 22). وقال أيضًا "الأشرار كالبحر المضطرب" (أش 57: 20).
لقد بدأ الخوف مع الخطية الأولي، خطية آدم وحواء..
لم نسمع عن آدم أنه كان يخاف الله قبل الخطية. بل علي العكس عندما كان الله ينزل إلي الجنة كان آدم وحواء يقابلانه بفرح ويلتذان بالحديث معه. أما بعد الخطية، فنقرأ أن آدم قد اختبأ خوفًا من وجه الله في وسط أشجار الجنة. ولما ناداه الرب، صرح آدم بخوفه قائلًا "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان، فأختبأت" (تك 3: 17). تصوروا أن الله المحبوب الذي يشتهي كل أحد أن يراه، يصبح مخيفًا للخاطئ فيهرب من رؤيته!!

الله الذي هو "أبرع جمالًا من بني البشر"، "الذي حلقه حلاوة وكله مشتهيات"، يصبح مخيفًا للخاطئ! عندما يراه الخاطئ يخاف، أو يهرب منه ويختبئ منه لكي لا يراه!!
النفس المحبة لله تقول مع عروس النشيد "أني أقوم في المدينة في الأسواق وفي الشوارع اطلب من تحبه نفسي". وإن وجدته تقول "أمسكته ولم أرخه" (نش 3: 2، 4). أما النفس الخاطئة فلا تضع أمامها سوي الآية التي تقول "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب 10: 31). فالله مخيف بالنسبة إلي الأشرار. وأما الأبرار فهم أصدقاء الله يفرحون به. قال القديس الأنبا أنطونيوس الكبير لتلاميذه "يا أولادي، أنا لا أخاف الله فتعجبوا من عبارته وأجابوه "هذا الكلام صعب يا أبانا"، فقال لهم "ذلك لأني أحبه ولا خوف في المحبة، بل المحبة تطرح الخوف إلي الخارج" (1 يو 4: 18).
تخيلوا معي يا أخوتي، أن الله قد حضر الآن في وسطنا. تري كم واحد منا يفرح لمجيئه، ويدخل تحت أحضانه..؟ وكم واحد يهرب ويخاف؟! الخطاة يخافون لقاء الله، لذلك يخافون الموت ويرتعبون منه.. يخافون ساعة الدينونة الرهيبة التي سينكشفون فيها أمام الكل.. أما العداء الذين يشمتون بهم، وأمام الأصدقاء الذين كانوا يظنونهم غير ذلك، أنقياء وأبرار.. لذلك عندما تأتي تلك الساعة "يقولون للجبال غطينا، وللتلال اسقطي علينا" (لو 23: 30، هو 10: 8). هؤلاء سيطلبون الموت ولا يجدونه، ويرغبون أن يموتوا فيهرب الموت منهم" (رؤ 9: 6). حقًا إن آدم عندما أخطأ بدا يخاف.. زحف شيء جديد رهيب إلي داخل نفسه لم يكن موجودًا فيها من قبل.. هو الخوف، والرعب وفقدان السلام.إن هذا الخوف الذي خاف به آدم من الله هو مبدأ الأمراض النفسية التي أصابت البشرية نتيجة للخطية، لأن النفس بهذا الخوف بدأت تمرض. إن الشخص البار محتفظ بسلامه، هادئ ومسرور. أما الخاطئ فيفقد سلامه من الداخل ومن الخارج. من الداخل ضميره يثور عليه.. والروح القدس يبكته. ومن الخارج يخاف أن تنكشف الخطية كما يخاف من نتائجها وعواقبها. لم نر أبدًا إنسانًا خاطئًا يعيش علي الدوام مستريح البال مهما نام ضميره. لابد أن يستيقظ هذا الضمير بعد حين ويثور عليه ويتعبه.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:37 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
عذاب الضمير من نتائج الخطية

من أمثلة عذاب الضمير قصة تقال عن بيلاطس:
كان بيلاطس يعرف أن المسيح برئ، ولذلك قال "ها أنا قد فحصت قدامكم، ولم أجد في هذا الإنسان علة مما تشتكون به عليه" (لو 23: 14). وإذ كان جالسًا علي كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة "إياك وذلك البار. لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله". ولكنه أمر بحكم الموت ضد ضميره. ولأجل أن يريح ضميره راحة زائفة، اخذ ماءًا وغسل يديه قدام الجميع قائلًا: إني برئ من دم هذا البار" (مت 27: 24). وتقول القصة إن بيلاطس عندما خلا إلي نفسه في منزله، وجد يديه ملطختين بالدماء فغسلهما مرة ثانية. ولكن الدم لم يفارقهما. فغسلهما للمرة الثالثة وهو يقول "أنا برئ من دم هذا البار". ولكنه عاد الدم ما يزال يلطخهما. فاستمر يغسلهما مرات عديدة وهو يصرخ في رعب قائلًا "أنا من دم هذا البار". أنها قصة تصور لنا مقدار الرعب وفقدان السلام الذي يصيب الخاطئ نتيجة لخطيئته.
إن الخطية متعبة. وقد لا يحس الإنسان بمقدار خطورتها إلا بعد وقوعها، وربما بعد وقوعها بمدة، حين يستيقظ الضمير، من تلقاء نفسه أو بمؤثر خارجي..

ومن أمثلة عذاب هذه اليقظة المتأخرة للضمير. قصة يهوذا الإسخريوطي.
إن يهوذا لم يشعر ببشاعة خيانته في بادئ الأمر. كان مشغولًا بالتآمر والمقابلات والاتفاقات. وكان مشغولًا بالتآمر والمقابلات والاتفاقات. وكان مشغولًا بالمال وتسلمه. وبميعاد ومكان تسليم سيده حتى إنذارات الرب له لم يحس بها. وأخيرًا عندما حوكم السيد المسيح وحكم عليه بالصلب.. استيقظ ضمير يهوذا، وظل يعذبه، فوجد نفسه أمام خطيئة بشعة ومرعبة وبدأ يتذكر كلام الرب للتلاميذ "أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم"، "أحد منكم سيسلمني".. "ابن الإنسان ماض كما هو محتوم. ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه" (لو 22: 22).. وتذكر يهوذا أيضًا قول الرب له: ما تريد أن تعمله فاعمله بأقصى سرعة. ثم كلمة المسيح الأخيرة له "يا صاحب لماذا جئت" (مت 26: 50)، "أبقبلة تسلم ابن الإنسان" (لو 22: 48). ولم يستطيع يهوذا أن يحتمل كل هذا، وأتعبه ضميره جدًا، فقام وذهب لرؤساء الكهنة "ورد الثلاثين من الفضة قائلًا: "قد أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا. فقال ماذا علينا أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف" (مت 27: 3). ومع كل هذا استمر ضمير يهوذا يعذبه وظل يعذبه بلا هوادة. وتسمرت صورة خطيئته في عمق بشاعتها أمام عينيه.. وأخيرًا "مضي وخنق نفسه" (مت 27: 5). يا أخوتي ما أبشع الخطية، وما أكثر رعبها، عندما يستيقظ الضمير إن الإنسان قد لا يحس بمرارتها طالما هو في دوامه من الخطايا أو من المشغوليات ولكن بمجرد أن ينتبه لنفسه أو يرجع لذاته، يتعب ويتألم من منظر خطيئته. لذلك فإن بعض المجرمين يذهبون ويسلمون أنفسهم للعدالة معترفين بجرائمهم.. لأنهم لم يستطيعوا أن يحتملوا تأنيب الضمير ولا القلق الداخلي الذي يتعبهم وفقدان السلام الناتج عن إحساسهم بالإثم.لذلك صدق قول الكتاب "لا سلام قال الرب للأشرار" (أش 48: 22). وهناك قاعدة هامه عند علماء النفس تقول إن المجرم يظل يحوم حول مكان الجريمة في الأيام الأولي لحدوثها. لأنه يكون قلقًا وخائفا من اكتشاف أمره. ويقول في نفسه "يا تري هل تركت أثرًا أم لم اترك. وهل عرف رجال البوليس أم لم يعرفوا؟!" من أجل هذا فإن رجال النيابة والشرطة عندما يكتشفون جريمة يترصدون مكانها متخفين، لكي يكتشفوا كل الأشخاص المشتبه فيهم الذين يحومون حول المكان. ومن أمثلة الخوف والقلق وفقدان السلام، ما حدث لقايين بعد خطيته: عاش تائهًا وهاربًا في الأرض، خائفًا أن يقتله احد كما قتل أخاه، شاعرًا أن الله قد طرده عن وجه الأرض، وطرده من أما وجهه (تك 4: 13، 14). وبهذا القلق قضي قايين حياته في خوف. ولم يستفد من خطيته شيئًا.. تطارده خطيته ويطارده صوت أخيه الصارخ من الأرض. هكذا الأمراض النفسية التي تصيب الخطاة نتيجة للقلق والخوف والانزعاج والاضطراب وتوقع الشر باستمرار.
أما الأبرار فعلي العكس من ذلك يعيشون في فرح وسلام..
هم في فرح مستمر، لا يضطربون، ولا يقلقون، ولا ينزعجون من الداخلي، فالكتاب المقدس يقول "من ثمار الروح القدس محبة، فرح، سلام" (غل 5: 22). إذن فالشخص الذي لا يعيش في سلام، لا توجد فيه ثمار الروح القدس. قيل عن القديس الأنبا أنطونيوس، في القصة التي كتبها عنه القديس أثناسيوس الرسولي "من من الناس كان مضطرًا النفس أو منزعج القلب، ويري وجه الأنبا أنطونيوس، إلا ويمتلئ بالسلام". مجرد رؤية وجه الأنبا أنطونيوس -في هدوئه وفرحه- كانت تملأ القلب بالسلام. ليس كذلك الخطاة، ليسوا كذلك، بل هم حزن وعذاب، وبخاصة عندما يستيقظ ضميرهم ويلبهم بسياطه. وقد أخذنا فكرة عن عذاب الأشرار كيهوذا وقايين..
ونريد أن نأخذ مثالًا عن عذاب الضمير للقديسين ممثلًا أفضل تمثيل في قصة داود النبي:
في أثناء الخطية، كان داود النبي في نشوة اللذة الجسدية، فلم يشعر بخطورة ما كان يفعل..! حتى أنه اتبع خطية الزنى بخطية القتل، دون أن يتحرك ضميره أو يتخرج. ولكن بعد أن واجهه ناثان وخطيته، وبدأ يحس خطورة ما فعل، حينئذ استيقظ ضميره وبدأ يتعبه علي الرغم من قول النبي له "الرب قد نقل عنك خطيئتك، لا تموت" (2 صم 12: 13). عندما استيقظ ضميره، بلل داود فراشه بدموعه. وصارت دموعه له طعامًا نهارًا وليلًا، ولصقت بالتراب نفسه، وعاش في مذله من نفسه، وصرخ إلي الرب قائلًا "إن عظامي قد اضطربت، ونفسي قد انزعجت جدًا" (مز 6). ورضي بالمذلة من اجل خلاص نفسه، وقال في ذلك "خير لي يا رب أنك أذللتني لكي أتعلم ناموسك" (مز 118). حقًا إن الإنسان عندما تتكشف له خطاياه، يصير من عذاب ضميره وكأنه في جحيم.
هل تظنون أن "البكاء وصرير الأسنان" يكونان فقط في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت؟ كلا، بل يكونان علي الأرض أيضًا، عندما يتعذب الإنسان في قلبه من هول خطاياه.. يحدث هذا في أوقات التوبة، عندما يحس الإنسان التائب مقدار بشاعة خطيته، ويبكي عليها بدموع وحرقة قلب، ويلوم نفسه قائلًا: أين كان عقلي وتفكيري عندما فعلت هذا..؟! ويظل ضميره يؤنبه، فتصطك أسنانه من الألم والندم والخزي والعار والشعور باحتقار الذات..
وفي الحقيقة خير التائب أن يقاسي "البكاء وصرير الأسنان" ههنا علي الأرض، من أن يقاسيه هناك في الأبدية علي غير رجاء.. رأينا أنه من نتائج الخطية الخوف، وفقدان السلام الداخلي، والمرارة، وعذاب الضمير.. علي أن هناك نتائج للخطية..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:38 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
فقد الصورة الإلهية

خلق الإنسان علي صورة الله ومثاله. ولكنه في حاله الخطية لا يحتفظ بهذه الصورة الإلهية، بل بفقدها. يفقدها من الداخلي ومن الخارج أيضًا إذ تترك الخطية طابعها علي وجهه وملامحه، وعلي صوته وإشارتها بل تترك الخطية طابعها علي زيه وملابسه. وحتى كلماته أيضًا وأسلوبه ولغته تعبر عن الخطية الكامنة فيه، حسبما قيل "لغتك تظهرك" (مر 14: 70). من أجل هذا قال معلمنا القديس يوحنا الحبيب "بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس (ظاهرون)" (1 يو 3: 10).
فأنت أيها الأخ يا مَنْ غَيَّرَت الخطية شكلك وطباعك، وأنت أيتها الأخت يا مَنْ غيرت الخطية وجهك وملابسك وصوتك. ارجعا إلي الله بالتوبة. وسيغير كما التوبة في كل شيء، وتعيد إليكما الصورة الإلهية التي فقدتماها..
وكما يفقد الإنسان صورته الإلهية بالخطية، كذلك يفقد كرامته..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:39 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
فقد الكرامة

كان الإنسان قبل الخطية نفخة قدسية خرجت من فم الله. كان صورة الله مثاله. أما بعد الخطية فإن الرب يقول له "أنت تراب، وإلي التراب تعود". عاد ترابًا كما كان، ولم يستحق أن يدعي صورة الله. اشتهي أن يكون له مجد الألوهية ففقد مجد البشرية الذي كان له.

ولأنه -كالحيوانات- اشتهي أن يأكل، لذلك أعطاه الرب أن يأكل العشب (تك 3: 18) الذي كان من قبل طعام الحيوانات (تك 1: 30)..
وضاعت هيبته علي الحيوانات وأصبح يخافها وصارت لها إمكانية أن تأكله بعد أن كان سيدًا عليها جميعًا (تك 1: 26).. حتى الحية أصبح في أمكانها أن تسحق عقبه (تك 3: 15).
حتى الأرض تمردت عليه.. وأصبحت تنبت له شوكًا وحسكًا (تك 3: 18)، بل أن أقسي عبارة في تمرد الأرض علي الإنسان تظهر في قول الله" (متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها" (تك 4: 12)..
الإنسان الخاطئ هو إنسان فاقد للكرامة، فاقد للاحترام. هو لعبه في أيدي الشياطين وفي أيدي الأشرار، ليست له هيبة.. بل أنه يفقد احترام ذاته لذاته.
أنظروا إلي الابن الضال، وكيف صار يشتهي الخرنوب الذي تأكله الخنازير، وكيف تمني أن يكون كأحد الأجراء في بيت أبيه..! بل أنظروا إلي نبوخذ نصر الملك وكيف مذعورًا عنه جلاله وصار كأحد الحيوانات (دا 5: 2، 21). وشمشون الجبار، كيف أنه بالخطية فقد قوته وفقد كرامته، وأذله وهزأ به أهل فلسطين (قض 16: 19-25).
لا يخدعك الشيطان يا أخي، إذ يصور لك في الخطية ملاذًا وشهوات، ويعدك بكرامات وإغراءات. وعندما تذوق الخطية تجدها في الأخر مرة كالعلقم، تقودك إلي الذل، وتفقدك كل شيء.. وتورثك الكآبة والضيق، وتقودك إلي اليأس، وتغطي بالخزي وجهك..
وكما تفقد فيها صورتك الإلهية وكرامتك، كذلك تفقد بساطتك ونقاوتك..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:39 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
فقد البساطة والنقاوة

الإنسان البار هو إنسان نقي، لا يعرف سوي الخير. أما عندما يخطئ، فإنه يبدأ أن يعرف الشر أيضًا، وهكذا يفقد بساطته. وينظر إلي الأمور بغير نظرته الأولي. ويعرف أمورًا جديدة تسيئه معرفتها، ويتمني لو كانت تزول من فكرة..
كان آدم وحواء عريانين في الجنة -قبل الخطية- ولا يخجلان. يعيشان في بساطة لا تعرف الدنس. ولكنهما بالخطية فقدا بساطتهما، واضطرا أن يصنعا لهما مآزر..
وأنت أيها الأخ، ماذا فعلت الخطية بك؟ هل أفقدتك بساطة فكرك، ونقاوة قلبك. هل غيرت نظرتك إلي الناس، ونظرتك إلي نفسك، ونظرتك إلي الأمور. ما أبشع هذا التغير ليتك لا تتمادي، حتى لا تفقد ما بقي لك من بساطة ومن نقاوة..
ليتك ترجع إلي الله بالتوبة، حتى ترجع إليك نقاوتك الأولي. ويمنحك الرب ثوبًا جديدًا أبيض..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:40 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
إن عرفت عقوبة الخطية، تخاف من الخطية

ها قد عرفت في الفصل السابق نتائج الخطية وما يمكن أن تحطمه في داخل النفس البشرية حيث تفقد صورتها وبساطتها ونقاوتها وتورثها الخوف والقلق والعذاب والخزي والهوان، وبقي أن تأخذ فكرة عن عقوبة الخطية..
أن عرفت عقوبة الخطية، تخاف من الخطية..
ينبغي أن نعرف جيدًا أن الله كما أنه رحيم ولا حدود لرحمته، كذلك هو أيضًا عادل ولا حدود لعدله.. وكما أنه شفوق يغفر الخطية، كذلك هو قدوس يكره الخطية.
غير أن البعض -للأسف الشديد- يستغل مراحم الله استغلالًا رديئًا يقوده إلي الاستهتار وإلي الخطية، معتمدًا اعتمادًا زائفًا علي مراحم الله!!
مثل هذا يخطئ كما يريد، وإن وبخته يقول لك "إن الله رحيم.. وحنون.. وطيب.. لا يصنع معنا حسب خطايانا، ولا يجازينا حسب آثامنا..! الذي غفر للمرأة الزانية يغفر لي، والذي غفر لزكا العشار يغفر لي أنا أيضًا.. والذي غفر لأوغسطينوس يغفر لي ويسامحني.. والذي قبل إليه مريم القبطية وموسى الأسود، يقبلني أنا أيضًا معهم"!! يقول هذا، وينسي التوبة العجيبة العميقة التي كانت لأولئك القديسين، والتي بسببها قبلهم الرب إليه. تلك التوبة التي كانت حدًا فاصلًا في حياتهم، وتغييرًا كليًا لسيرتهم، فلم يرجعوا إلي الخطية مرة أخرى مطلقًا، بل كانوا كل يوم يزدادون في النعمة وينمون في محبة الله.. ولم تكن رحمه الله لهم مجالًا للاستهتار أو للاستمرار في الخطية، حاشا..
ينبغي أن نفهم عدل الله ورحمته فهمًا سليمًا يقودنا إلي التوبة. وفي هذا المجال ما أجمل أن نورد ما ذكره القديس بولس الرسول عن لطف الله وصرامته"..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 03:59 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
لطف الله وصرامته

هكذا قال الرسول العظيم معلمًا:
"هوذا لطف الله وصرامته،
أما الصرامة فعلي الذين سقطوا،
وأما اللطف فلك، إن ثبت في اللطف،
وإلا، فأنت أيضًا ستقطع.."
(رو 11:22)
لا يصح إذن أن نعتمد علي لطف الله، وننسي صرامته.. ولا يصح أن نعتمد علي رحمة الله، وننسي عدله.
رحمة الله وعادلة:
إن صفات الله لا تنفصل عن بعضها البعض، بحيث تقف واحدة منها مستقلة عن الأخرى، إنما نذكرها أحيانًا منفردة، من جهة التفاصيل وليس من جهة الفصل،لكي يفهمها الناس. ولكنها متحدة لاهوتيًا..

الله عادل في رحمته، ورحيم في عدله. عدله رحيم، ورحمته عادلة. عدله مملوء رحمة، ورحمته مملوءة عدلًا. ولا يمكن أن نفصل رحمته عن عدله..
هذه الوحدة القائمة بين الرحمة والعدل هي أساس عمل الفداء.
لو كانت رحمة الله قائمه بذاتها -بدون العدل- لكان يكفي برحمته أن يقول للبشر "مغفورة لكم خطاياكم"، وينتهي الأمر، بدون صلب.. لكنه بالرحمة غفر الخطية، وبالعدل دفع ثمن الخطية..
ولأن الله عادل، وتجسد ومات عنا، ليدفع ثمن خطيئتنا.. العدل لابد أن يستوفي حقوقه، حتى لو أدي الأمر أن يأخذ الله جسدًا، ويصير في الهيئة كإنسان، ويأخذ شكل العبد، ويهان ويصلب ويتعذب ويموت.. إن كان هكذا عدل الله، فأين نهرب من عدله؟ يمكن أن تشبه معاملة الله لك أحيانًا بالمرآة: فكما أنك تنظر إلي المرآة في وقت ما فتري وجهًا بشوشًا فرحًا، وتنظر إليها في وقت آخر فتري وجهًا حزينًا عابسًا، مع أن المرآة واحدة.. هكذا -كالمرآة- يريك الله حالتك.. تنظر إلي وجه الله، فتري حالتك من الداخل. إن كنت تائبًا، تري الله في لطفه. وإن كنت مستهترًا، تري الله في صرامته.
لطف الله وصرامته يمثلها الملاك الذي ظهر للمريمتين عند القبر.. هذا الملاك كان مخيفًا ومفرحًا.. كان مخيفًا للحراس لدرجة أن الكتاب المقدس يقول عنه "فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (مت 28: 4). ونفس هذا الملاك كان سبب فرح للمرأتين ومصدرًا لبشري مفرحة.. هكذا الله مخيف للبعض ومفرح للبعض الآخر.
ولطف الله وصرامته يظهران عمومًا في عمل الملائكة:
كلنا نتكلم عن ملائكة الرحمة. فهل ننسي أنهم أيضًا ملائكة للعقوبة والإهلاك؟
نحن نعلم أن ملاكًا أيقظ إيليا النبي وهو جوعان، وأعطاه طعامًا ليأكل. ومشي إيليا بقوة تلك الأكلة التي أخذها من الملاك أربعين يومًا (1مل 19: 6-8). ونعلم أن ملاكًا أرسله الله إلي هاجر عندما أشرف ابنها علي الموت عطشًا، ففتح عينيها فأبصرت بئر ماء، وشرب ولدها وعاش (تك 21: 15-19). ونعلم أن ملاكًا نزل غلي الجب، وسد أفواه الأسود فلم تضر دانيال (دا 6: 22). كذلك ذهب ملاك إلي السجن، وأخرج بطرس منه بعد أن فك السلسلتين من يديه (أع 12: 7-10). ويعوزنا الوقت أن نشرح عمل الملائكة الحالة حول المؤمنين وتنجيهم،
والملائكة المبشرة بالخيرات، والملائكة التي هي "أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 4). غير أن طبيعة الملائكة الرحيمة لم تمنع أن تكون الملائكة أيضًا للضرب والعقوبة والهلاك.
وسنضرب الآن أمثلة لملائكة أرسلهم الله للإهلاك والعقوبة: من أمثلتهم الملاك المهلك الذي ضرب كل أبكار المصريين، فماتوا جميعهم في ليلة واحدة "من بكر فرعون الجالس علي كرسيه إلي بكر الأسير الذي في السجن وكان صراخ عظيم في مصر، لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت" (خر 12: 29، 30) كذلك الملاك الذي رفع سيفه علي أورشليم عندما اخطأ داود النبي وعد الشعب. ومات في ذلك اليوم سبعون ألف رجل (1 أي 21: 14).ومن أمثلة ملائكة الإهلاك الملائكة السبعة أصحاب الأبواق الذين ورد ذكرهم في سفر الرؤيا، وذكر ضرباتهم المخيفة (رؤ 8: 9). ولا ننسى أو أول ذكر للملائكة في الكتاب المقدس كان مرعبًا، إذ طرد الله الإنسان من جنة عدن، وأرسل الكاروبيم بسيف من نار لحراسة طريق شجرة الحياة حتى لا يأكل منها الإنسان (تك 3: 24).
ولعل اللطف والصرامة يتجليان في وقت واحد في الملاكين المرسلين إلي لوط، أنقذاه وفي نفس الوقت ضربا الناس الأشرار بالعمى (تك 19: 10، 11). كما يتجليان معًا في قصة إليشع النبي مع نعمان السرياني، إذ شفي نعمان من برصه، وجعل البرص الذي كان عند نعمان يلصق بجيحزي "فخرج من أمامه أبرص كالثلج" (2مل 5: 14- 27).
إن كان الله هكذا في لطفه وصرامته، وهكذا أيضًا ملائكته وأنبياؤه، فلنخف نحن أيضًا لئلا نتعرض لصرامة الله بسبب خطايانا..

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 05:33 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
عقوبات الله المخيفة

إن رحمة الله التي لا تحد، لم تمنع ورود أمثلة لعقوبات مخيفة، أوقعها العدل الإلهي علي البشرية، بسبب خطايا الإنسان التي تحدت قداسة الله، وقاومت صلاحه، وكسرت وصايا..
· مثال ذلك الطوفان، الذي محا الله فيه الإنسان من علي وجه الأرض.. (تك 6: 7).
* مثال آخر هو حرق سدوم وعمورة..
إذ أمطر الله عليهما كبريتًا ونارًا من السماء "وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض.. ونظرت امرأة لوط إلي الوراء فصارت عمود ملح" (تك 19: 24-26).. ونحن نقف أمام الطوفان، وأمام حرق سدوم وعمورة ونتعظ ونفكر.. من قال إن خطايانا هي أقل من خطايا سدوم؟! أو أقل من خطايا الناس وقت الطوفان؟! أو أقل من خطية امرأة لوط التي صارت عمود ملح؟!
ومن قال إن الله الذي أوقع هذه العقوبات في القديم، قد تغير في العهد الجديد؟!
أليس "هو هو، أمسًا واليوم وإلي الأبد" (عب 13: 8) "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17)..

· هو أيضًا الذي في العهد الجديد أوقع حنانيا وسفيرا ميتين.. من أجل أنهما كذبا في حديثهما مع بطرس الرسول.. وكم من الناس يكذبون أثناء حديثهم مع الآباء الأساقفة والآباء الكهنة بل مع الآباء البطاركة أيضًا..!
· وهو أيضًا الذي سمح لعبده بولس أن يقول عن خاطئ كورنثوس:
· "حكمت.. أن يسلم مثل هذا للشيطان لإهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1كو5: 5).
* ومن أعنف ما ورد في الكتاب المقدس عن عقوبات الله للخطاة: اللعنات التي صبها الله علي من يعصي وصاياه.
وقد وردت قائمة بهذه اللعنات في سفر التثنية إذ يقول الرب: "ولكن إن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه وفرائضه.. تأتي عليك جميع هذه اللعنات وتدركك: ملعونًا تكون في الحقل، ملعونة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك، نتائج بقرك وإناث غنمك، ملعونًا تكون في دخولك، وملعونًا تكون في خروجك. يرسل الرب عليك اللعن والاضطراب والزجر في كل ما تمتد إليه يدك لتعمله، حتى تهلك وتفني سريعًا من أجل سوء أعمالك إذ تركتني تكون سماؤك التي فوق رأسك نجاسًا، والأرض التي تحتك حديدًا.. يجعلك الرب منهزمًا أما أعدائك، في طريق واحدة تخرج عليهم، وفي سبع طرق تهرب أمامهم.وتكون قلقًا في جميع ممالك الأرض.. ولا تنجح في طرقك، بل لا تكون إلا مظلومًا مغصوبًا كل الأيام، وليس مخلص..
أيضًا كل مرض وكل ضربة -لم تكتب في سفر الناموس هذا- يسلطها الرب عليك حتى تهلك.. وتكون حياتك معلقه أمامك، وترتعب ليلًا ونهارًا، ولا تأمن علي حياتك. في الصباح تقول ياليته المساء، وفي المساء تقول ياليته الصباح، من ارتعاب قلبك الذي ترتعب، ومن منظر عينيك الذي تنظر.." (تث 28: 15، 68).
حقًا مخيفة ومرعبه هي هذه اللعنات. ومن شدة ما فيها من رعب أصمت عن تسجيل جميعها.. إنها تعطينا فكرة عن قداسة الله التي لا تتساهل مطلقًا مع الخطية، وتعطينا فكرة عن عدل الله الذي يجازي الخطية حسب ما فيها من بشاعة، فليتنا نقرأ كل هذا ونتعظ ونتوب.. وتاركين الخطية التي تسبب كل هذه اللعنات..
* حقًا أن اللعنة دخلت إلي العالم نتيجة الخطية:
* عندما أخطأ آدم، قال له الرب "ملعونة الأرض بسببك" (تك 3: 17). ثم تطور الأمر فزجفت اللعنة إلي الإنسان ذاته، وهكذا قال الرب لقايين "ملعون أنت من الأرض التي فزحفت فاها لتقبل دم أخيك من يدك" (تك 4: 11) "ملعون أنت.." تمامًا مثلما قال للحية من قبل "ملعونة أنت.." (تك 3: 14). وهكذا تشابه الإنسان الخاطئ مع الشيطان "الحية القديمة" وحق أن يسمي الخطاة بأنهم "أولاد إبليس" (1 يو 3: 10)، أو أنهم "أولاد الأفاعي" (مت 3:7) ثم كانت لعنة الطوفان، التي هي لعنة الإفناء (تك 8: 21). ثم كانت لعنة العبودية التي وقعت أولًا علي كنعان، حيث قيل له "ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لأخوته" (تك 9: 25). ثم كانت لعنات الناموس (تث 28) التي شملت عقوبات عديدة.. كان منها الموت والمرض والوباء والفقر والفشل والظلم والقلق والهزيمة..
وفي العهد الجديد لعن السيد المسيح شجرة التين المورقة غير المثمرة (مر 11: 21) التي تعطي فكرة عن الرياء مع عدم التقوى، وكانت رمزًا لكل من يسلك هذا السبيل.
* حقًا من يقرأ كل هذا ولا نخاف؟! ومن يحتمل أن يلعنه الله؟! بل من يحتمل أن يفقد البركة التي أخذها أولًا من الرب؟! فلنتب يا أخوتي لأن كل هذه الأمور قد تركت لنا مثالًا، وكتبت لإنذارنا، نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور (1كو 10: 11). ولنغسل خطايانا بدموع التوبة، قبل أن يلحقنا يوم الدينونة الرهيب حيث لا ينفع بكاء ولا توبة.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 05:34 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
عذاب الأبدية المرعب

إن مجرد التفكير في يوم الموت ويوم الدينونة، يبعث في قلب الخاطئ قشعريرة، ويقوده إلي التخشع والتوبة..

· إنه يوم رهيب مخوف:
· يقول عنه أشعياء النبي "هوذا يوم الرب قادم قاسيًا بسخط وحمو غضب، ليجعل الأرض خرابًا ويبيد منها خطاتها" (13: 9). "في ذلك اليوم يطرح الإنسان أوثانه.. ليدخل في نقر الصخور وفي شقوق المعاقل، من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته، عند قيامه ليرعب الأرض" (أش 2: 20، 21) وعن هذا اليوم يقول ملاخي النبي "فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور. وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشًا، ويحرقهم اليوم الآتي -قال رب الجنود- فلا يبقي لهم أصلًا ولا فرعًا" (ملا 4: 1). حقًا أن يوم مجيء الرب لرهيب شرحه قال عنه المرتل في المزمور "السحاب والضباب حوله. العدل والقضاء قوام كرسيه. النار تسبق وتسلك أمامه، وتحرق أعداءه من حوله. أضائت بروقه المسكونة. نظرت الأرض فتزلزلت. ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب، قدام سيد الأرض كلها" (مز 97). هذا اليوم الرهيب شرحه القديس يوحنا الرسول في رؤياه فقال "ونظرت لما فتح الختم السادس، وإذ زلزلة عظيمة حدثت. والشمس صارت سوداء كمسح من شعر، والقمر صار كالدم، ونجوم السماء سقطت إلي الأرض كما تطرح شجرة التين سقاطها إذا هزتها ريح عظيمة. والسماء انفلقت كدرج ملتف. وكل جبل وجزيرة تزحزحا من موضعهما. وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر. أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال. وهم يقولون للجبال والصخور أسقطي علينا، وأخفينا عن وجه الجالس علي العرش وعن غضب الخروف، لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف" (رؤ 6: 12-17). هذا هو حال الخطاة والأشرار في ذلك اليوم. أما الأبرار فإنهم يصعدون إلي الرب علي السحاب، ويكونون في كل حين مع الرب، في مجده.. وبينما يكون الأبرار في "فرح لا ينطق به ومجيد" (1 بط 1: 8)، وبينما ترتفع تراتيل القديسين ومعهم قيثارات الله (رؤ 15: 2، 3)، وبينما يتمتع هؤلاء بصحبة الرب وقديسيه في أورشليم السمائية.. بينما هؤلاء في النعيم، يكون الأشرار في عذاب لا يطاق، لا يعرفون للراحة طعمًا إلي الأبد.
· عذاب الأشرار وآلامهم:
يقول الرب عنهم "فيمضي هؤلاء إلي عذاب أبدي، والأبرار إلي حياة أبدية (مت 25: 46). ويقول أيضًا "يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت 13: 41، 42). ما أشد هذا العذاب الأبدي الذي لا ينتهي، في بكاء وصرير الأسنان في الظلمة الخارجية، وفي لهيب النار، يزيده ألمًا تلك المقارنة التي تعقد بين حال الأشرار وحال الأبرار. يصف بولس حالتهم فيقول".. سيعاقبون بهلاك أيدي من وجه الرب ومن مجد قوته، متى جاء ليتمجد في قديسيه ويتعجب منه في جميع المؤمنين" (2 تس 1: 9، 10). ويقول أيضًا "سخط وغضب، شده وضيق، علي كل نفس إنسان يفعل الشر اليهودي أولًا ثم اليوناني. ومجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح.." (رؤ 2: 8-10). لا شك أننا نخاف ونرتعش حينما نسمع هذا الرسول القديس يقول: "فإنه إن أخطأنا باختيارنا -بعدما أخذنا معرفة الحق- لا تبقي بعد ذبيحة عن الخطايا بل قبول دينونة مخيف وغيره نار عتيدة أن تأكل المضادين" (عب 10: 26، 27). ويعلل الرسول ذلك قائلًا "من خالف ناموس موسي، فعلي شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسًا وازدري بروح النعمة فإننا نعرف الذي قال: لي الانتقام أنا أجازي يقول الرب، وأيضًا الرب يدين شعبه مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب 10: 31) والقديس يوحنا الحبيب، الرسول المشهور بحديثة المستفيض عن محبة الله، يتحدث في رؤياه عن البحيرة المتقدة بالنار والكبريت" (رو 21: 8). ويصف عقاب الخاطئ فيقول "سيشرب من حمو غضب الله المصبوب صرفًا في كأس غضبه، ويعذب بنار وكبريات أمام الملائكة القديسين وأمام الخروف. ويصعد دخان عذابهم إلي الآبدين. ولا تكون راحة نهارًا وليلًا" (رو 14:10، 11). "وسيعذبون نهارًا وليلًا إلي أبد الآبدين" (رؤ 20: 10). ويشرح كمثال لهذا العذاب عقوبة بابل الزانية فيقول "بقدر ما مجدت نفسها وتنعمت، بقدر ذلك أعطوها عذابًا وحزنًا.. وسيبكي وينوح عليها ملوك الأرض الذين زنوا وتنعموا حينما ينظرون دخان حريقها واقفين من بعيد لأجل خوف عذابها قائلين: ويل ويل" (رؤ 18: 17-10). ما أرهب تلك الدينونة. من أجل هذا وضعت الكنيسة المقدسة، أن يقال في صلاة الستار يا رب إن دينونتك لمرهوبة، إذ تحشر الناس، ويقف الملائكة وتفتح الأسفار، وتكشف الأعمال، وتفحص الأفكار. أية إدانة تكون إدانتي أنا المضبوط في الخطايا، من يطفئ لهيب النار عني، أن لم ترحمني أنت يا محب البشر..". والله لا يرحم الخاطئ، إلا إذا كان يتوب..
حقًا، إنه خجل عظيم، أن تكشف جميع العمال والأفكار، أمام كل الناس والملائكة. من يستطيع أن يحتمل انكشافه في تلك الساعة؟‍ ومرعب أيضًا ومخجل أن ينفصل الخطاة عن الأبرار.. هنا علي الأرض يجتمع الكل معًا، أنجس الفاسقين مع أقدس الصالحين. أما هناك فلا. يبدأ الله فيفصل الزوان عن القمح، والجداء عن الخراف، وأهل الشمال عن أهل اليمين. يحرم الخطاة من عشرة القديسين إلي الأبد، ومن عشرة الملائكة، ومن عشرة الله.. تصوروا الإنسان البار عندما ينتقل تحمله الملائكة مثل لعازر (لو 16: 22). وتأخذه إلي أحضان القديسين.. تقوده في ذلك وتعرفه بكل أحد. هذا هو نوح، وهذا هو هابيل، وهذا هو شيت، وباقي الآباء البطاركة وهؤلاء هم موسى، وصموئيل، وأرمياء، وأشعياء، ودانيال، وباقي الأنبياء.. وهنا الأنبا أنطونيوس، والأنبا مقاريوس، والأنبا باخوميوس، وباقي الآباء الرهبان..متعال لنريك الأنبا بولا، وأبا نفر والأنبا ميصائيل وباقي الآباء السواح.. وانظر هنا الأنبا أثناسيوس، والأنبا كيرلس، والأنبا ديسقورس، وباقي أبطال الإيمان.. وهنا مارجرجس، ومارمينا، والقديسة دميانة، وباقي الشهداء.. وهؤلاء هم الملائكة، والقوات، والأرباب، والسلاطين، والشاروبيم، والسارافيم وكل الجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية.. إنها حفلة تعارف عجيبة تتعرف فيها الروح البارة علي مجمع الملائكة والقديسين. ‍
· أما الخطاة فيكونون واقفين من بعيد، في الظلمة الخارجية، بينهم وبين الأبرار هوة عميقة من بعيد، في الظلمة الخارجية، بينهم وبين الأبرار هوة عميقة، محرومين من مجمع الأبرار، ومن متعه الخلطة بهم..
لا شك أنها مؤثرة جدًا تلك الكلمات التي تشرح حالة الغني في الجحيم، إذ يقول الكتاب في ذلك عنه:
فرفع عينية في الجحيم، وهو في العذاب،
ورأي إبراهيم من بعيد، ولعازر في حضنه،
فنادي وقال يا أبي إبراهيم ارحمني..
وأرسل لعازر، ليبل طرف أصبعه بماء،
ويبرد لساني، لأني معذب في هذا اللهيب.
(لو 16: 23، 24)
يا للعجب ‍‍ أليس هذا هو لعازر المسكين الذي كانت الكلاب تلحس قروحه الذي كان هذا الغني إليه من قبل في اشمئزاز.. وهوذا الآن قد تغير الوضع، وأصبح الغني العظيم يشتهي أن يأتيه لعازر، ولا يحصل علي مشتهاة...‍ عن الخطية هي حرمان من القديسين، وهي بالأكثر حرمان من الله.. كل هذا عن العقوبة الأبدية. ولكن بالإضافة إلي هذه، هناك عقوبات أخري للخطية، عقوبات علي الأرض.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 05:35 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
عقوبتان للخطية: عقوبة أرضية وعقوبة أبدية

للخطية عقوبتان: عقوبة أرضية، وأخري في الأبدية.
أما العقوبة الأبدية، فيمكن للإنسان أن ينجو منها بالتوبة. بعكس الأرضية التي قد فرضها الله علي الإنسان فيقاسيها علي الرغم من توبته.
· أبوينا الأولان كمثال:
عندما أخطأ آدم وحواء، ماذا كانت عقوبتهما؟ كانت هي الموت. هذا الموت خلصهما منه المسيح بموته. ولكن علي الرغم من حكم الموت هذا الذي أنذرهما به الله من قبل. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أوقع الله عليهما عقوبة أخري أرضية.
· فماذا كانت العقوبة الأرضية لآدم وحواء؟

الطرد من الجنة كانت عقوبة مشتركة لكليهما. وماذا أيضًا؟ قال الرب لآدم "ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك.. بعرق وجهك تأكل خبزًا.." (تك 3: 17،19). وظلت عقوبة التعب وعرق الجبين لاصقة بجميع أبناء آدم إلي يومنا هذا علي الرغم من عمل الفداء العظيم علي الصليب. وقال الرب لحواء "تكثيرًا أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا". وجاء السيد المسيح وغفر للمرأة خطيئتها، ومع ذلك فهي ما تزال تحبل وتلد بالتعب والوجع. إنها عقوبة أرضية.. أن هذه العقوبة الأرضية التي وقعت علي آدم وحواء، هي مثال واضح لما يقاسيه الإنسان علي الأرض نتيجة خطيئته حتى إن غفرها الله له في السماء..
· مثال المرأة الزانية:
من المعروف أن السيد المسيح غفر لكثير من الزاينات كالمرأة الزانية التي بللت قدميه بدموعها، ومستحتهما بشعر رأسها. وكالمرأة التي ضبطت في ذات الفعل وأنقذها الرب من الرجم قائلًا للمشتكين عليها "من كان منكم بلا خطية، فليرجمها أولًا بحجر" (يو 8: 7).
ومع هذه المغفرة فقد عاقب الرب المرأة الزانية بتطليقها وبعدم الزواج ثانية (مت 5: 32، مت 19: 9، لو 16: 18). وكثير من الناس يتساءلون لماذا لا يسمح بالزواج للزانية، وقد غفر الرب للمرأة الزانية. والجواب بسيط. يمكن أن يغفر الرب للزانية إذا تابت، وهكذا لا تفقد أبديتها بل تجد لها نصيبًا في الفردوس.أما ههنا فإنه توجد لها عقوبة أرضية تكابدها جزاء خطيتها. مادامت لم تكن أمينه لزوجها، فلا يمكن أن يأتمنها الرب علي زواج آخر، بل تكون درسًا لغيرها.. والعقوبة الأرضية علي أنواع: إما أن تكون نتيجة طبيعته للخطية.. وأما أن تكون ضربه من الله.. وأما أن تكون عقوبة من المجتمع، أو من الدولة، أو من الكنيسة.
العقوبة الأرضية كنتيجة طبيعية للخطية:
هناك خطايا كثيرة تحمل عقوبتها في ذاتها:
فالزني مثلًا قد يصاب بالضعف أو الأنيميا أو بعض الأمراض السرية. والذي يتعاطى المخدرات مثلًا قد يصاب بفقدان الشخصية وبتلف الأعصاب والذي يدخن قد بالسرطان أو داء الرئة أو ضغط الدم أو غيرها من الأمراض. والطالب الذي يهمل دروسه، له عقوبة علي الأرض هي الرسوب والفشل والذي يلعب الميسر (القمار)، يصاب بالفقر والعوز.. والأم التي لا تربي ابنها، تقاسي الأمرين علي الأرض من سوء أخلاق هذا الابن.
كل هذه عقوبات علي الأرض، غير العقوبة الأبدية. وقد تمحي العقوبة الأبدية بالتوبة، وتظل العقوبة الأرضية كما هي. فالأم التي لم ترب ابنها، قد تتوب وتغفر لها خطيتها، ويظل ابنها مرارة قلب لها علي الأرض. والتلميذ الذي لم يذاكر ورسب، قد يتوب ويغفر له الرب إهماله، ولكن هذا لا يمنع أن سنة من عمرة قد ضاعت علي الأرض سدي.. والذي تسبب له الخطية مرضًا، قد تغفر له الخطية بالتوبة، ويظل المرضي معه كعقوبة أرضية هي نتيجة طبيعية للخطية.
العقوبة الأرضية كضربة من الله:
قد يكون المرض مثلًا نتيجة طبيعة للخطية كالأمراض التي تنتج عن التدخين وتعاطي المخدرات والزنى وشرب الخمر.. ألخ. علي أن هناك نوعًا آخر من الأمراض يعتبر ضربة من الله. مثل ضربة البرص التي أصابت جيحزي تلميذ إليشع عقابًا له علي محبته للمال وكذبة علي معمله (2 مل 5: 27)، ومثل ضربة البرص التي أصابت مريم أخت هارون وموسى عقابًا لها علي تكلمها ضد موسى (عد 12: 10)، ومثل ضربة الدمامل التي أصابت مصر عقابًا علي قساوة قلب فرعون (خر 9: 10). ومثل ضربة الوبا الذي أصابت بني إسرائيل عقوبة علي خطية داود الملك، فمات منهم في يوم واحد سبعون ألف رجل (2 صم 24: 15) وعن مثل هذه الضربة يقول الرب في لعنته للخاطئ "يلصق بك الرب الوبأ حتى يبيدك عن الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها. يضربك بالسل والحمي والبرداء والالتهاب والجفاف واللفح والذبول فتتعبك حتى تفنيك يضربك الرب بقرحة مصر وبالبواسير والجرب والحكة حتى لا تستطيع الشفاء" (تث 28: 21، 22، 27). وغير المرض هناك ضربات أخري من الله: كالفشل مثلًا.. قد يكون الفشل نتيجة طبيعية لإهمال الإنسان وتقصيره، وقد يكون أيضًا ضربه من الله لزوال البركة (تث 28). كذلك من أمثال هذه الضربات: الهزيمة، والعبودية، بل الموت أيضًا أن الخطية هي موت، وعقوبة الخطية هي الموت أيضًا. مثلما حدث مع عالي الكاهن إذ لم يرب أولاده (1 صم 4: 18). تأمل يا أخي في حياتك. أنظر في كل ما فعلته وفشلت فيه، لعل هناك خطية هي السبب في كل ما يصيبك من ضربات.
عقوبات للخطية مع المجتمع والدولة والكنيسة:
هناك عقوبات للخطية تصيب الإنسان علي الأرض لا يوقعها الله مباشرة، وإنما يوقعها المجتمع أو الدولة أو الكنيسة. فمن العقوبات التي ينالها الإنسان الخاطئ من المجتمع الفضيحة والعار وسوء السمعة، بل قد يصل الأمر إلي الاحتقار أو إلي نبذ الإنسان من المجتمع الذي يعيش فيه وتحاشى الخلطة معه.. وقد تكون العقوبة الأرضية صادرة من الدولة معًا. عقوبة من الله. مع فضيحة من المجتمع، مع سجن تحكم به الدولة.. وهناك أيضًا عقوبات كنيسة كثيرة تشملها كتب القوانين الكنسيّة. ومن ضمنها الحرمان من التناول فترة معينة، أو الحرمان من دخول الكنيسة، أو الإيقاف عن الكهنوت أو التجريد.. أو عقوبات أخري لا داعي الآن لسردها. ولكني أقول الكنيسة عندما كانت صارمة وحازمة في عقوبتها، كانت جماعة المؤمنين أكثر قداسة وحرصًا وتدقيقًا، وفيها نخوف الله..وأنت أيها الأخ، أسال نفسك: هل ارتكبت خطأ تستوجب به حكمًا كنسيًا لم يوقع عليك؟ ربما تكون هاربًا من مثل هذا الحكم ولا تستحق دخول الكنيسة حسب القوانين.. إن العقوبة الأرضية أمر سمح الله أن يوقع حتى علي أحبائه القديسين الذين جاهدوا لأجله وفعلوا معجزات باسمه.

Mary Naeem 31 - 01 - 2014 05:36 PM

رد: كتاب حياة التوبة والنقاوة لقداسة البابا شنودة الثالث
 
عقوبات لأحباء الله القديسين


  1. عقوبة داود النبي
  2. عقوبة موسى النبي
  3. معاقبة يعقوب أب الآباء
  4. عقوبة القديس موسى الأسود
  5. عقوبة القديس الأنبا بيمن


الساعة الآن 08:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025