منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=250112)

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 03:56 PM

كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث

معنى اليقظة؟
الإنسان الذي يعيش في الخطية ، بعيدا عن الله، يشبه الكتاب المقدس بإنسان نائم، لا يدرى بنفسه ولا بحالته، كيف هو! فهو محتاج أن يستيقظ. لذلك يقول الرسول (إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم..) (رو11:13)
أي أنه كفانا نوما. كفى الوقت الذى قضيناه متغافلين عن روحياتنا وخلاص أنفسنا، ويجب الآن أن نستيقظ، الآن بلا تأجيل ولا تأخير وهكذا يتابع الرسول كلامه فيقول: (إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار. فلنخلع أعمال الظلمة ، ونلبس أسلحة النور).
والكنيسة أيضا تستخدم معنا نفس التعبير...


ففى نصف الليل، تضع لنا تسبحة، تقول في اولها (قوموا يا بنى النور لنسبح رب القوات لأنه أنعم علينا بخلاص نفوسنا) قوموا، استيقظوا جسديا وروحيا، لكي نسبح.. ولذلك نقول بعد ذلك للرب فى نفس التسبحة (عندما نقف أمامك جسديا، انزع من عقولنا نوم الغفلة أعطنا يا رب يقظة، لكي نفهم كيف نقف أمامك وقت الصلاة.. ونفوز بغفران خطايانا).
نعم، انه نوم الغفلة، الذي نريد ان نستيقظ منه..
بل أن القديس بولس لا يعتبره نوما فقط، بل ما هو اكثر من هذا إنه موت، لأن الخطية هى موت والخطاه (أموات بالخطايا) (اف5:2). لذلك يقول الرسول (استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات ، فيضئ لك المسيح). (اف14:5). قم، أنتبه لنفسك. ارجع إلى الصحو، لتدرى ما أنت فيه. أستيقظ وأترك أعمال الظلمة، فيضئ لك المسيح وتنتقل من الموت إلى الحياة (لو 17:15)
الشخص الخاطىء كإنسان مخدر ، لا يدرى ما هو فيه..
أحساسه الروحى معطل، فهو لا يحس ما هو فيه، ولا ماذا يفعل، ولا خطورة وجسامة ما يفعله. على رأى المثل (سارقاه السكين). هو في غفلة، خارج نفسه. ولذلك حسنا قيل عن الإبن الضال، لما استيقظ روحيا، إنه (رجع إلى نفسه) (لو 15: 17).
الإنسان في الخطية، في دوامة ، ينسى فيها روحه، وينسى الله، وينسى القيم والمثل، إنه في غفوة، لا يشعر بكل هذا. وربما يظن نفسه في ملء اليقظة، ويملأ الدنيا نشاطا وحركة! بينما الملائكة تصرخ ما بال هذا الإنسان نائما؟ وإلى متى يستمر في نومه؟ إنه يحتاج إلى من يوقظه، يوقظ ضميره وروحه. يقيمه من بين الأموات، ليضئ له المسيح...
حقا إن الشيطان، حينما يريد أن يوقع شخصا، يخدر ضميره أولا، أو يقوده بطريقه ما إلى حالة الغفوة والغفلة هذه، التي تعطل الحس الروحى، فلا يدرك ما هو فيه. هنا وأريد أن أقدم لك صورة، لحالة الخاطئ في غفلته...
تصوروا كرة تتدحرج من فوق جبل عال..
كرة القيت من فوق جبل عال فأخذت تتدحرج تباعا، في إندفاع مستمر من فوق إلى أسفل وهى لا تملك ذاتها لتقف وتقول أين أنا؟ إنما هى تتدحرج وتتدحرج، بلا فكر، بلا وعى بلاحس، بلا ارادة.. قوة الدفع تجذبها باستمرار إلى أسفل، خطوة تسلمها إلى خطوة ودحرجة تسلمها الى تسلمها الى دحرجة، بلا هوادة. وهى لا تعرف إلى أين يقودها كل هذا.. ولا تشاء أن تقف، أولا تستطيع أن تقف.. ولكن إلى متى..
إلى أن يصدمها حجر كبير في إنحدارها. يعترض طريقها ويوقفها، ويقول لها الى أين أنت ذاهبة؟ إلى أين تتدحرجين؟ أفيقى إلى نفسك. إسيقظى. هذا الإنحدار المتتابع يقودك إلى الضياع..! فتقف. وقد تنظر، فتجد أنها هبطت كثيرا عن مستواها السابق.. هكذا الخاطىء، يحتاج إلى أن يستيقظ. وإن لم يستطيع، لابد من أن يوقظه غيره. اسمعوا ماذا يقول المزمور (أنا أضجعت ونمت ثم استيقظت لأن الرب معى. لابد من اليقظة، ومن معونة الله فيها.
وسعيد هو الإنسان، الذي لا يطول به النوم..
وكما يقول المرتل في المزمور (أنا أستيقظ مبكرا) (مز 57) كل إنسان معرض للغفوة في حياته الروحية. فترات قد تمر على الكل، مع اختلاف في النوعية والمستوى. أما الروحيون فإنهم يتنبهون بسرعة؛ ويفيقون لأنفسهم، ويرجعون إلى طقسهم الأول..
وهنا نود أن نسأل: ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الغفوة أو الغفلة الروحية؟ وما هي الدوافع التي تدفع إلى اليقظة؟

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 03:57 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
أسباب الغفوة الروحية

لاشك أن هناك أسبابا.. يلزمنا أن ندرسها، لكي نحترس منها. فما هى؟
منها أسباب خارجية، تتعلق بالمحاربات والعثرات، والبيئة المحيطة والظروف.
ومنها أسباب داخلية، تتعلق بطبيعة الإنسان ذاته، ونوعية قلبه وفكره وبعض هذه الأسباب يزحف إلى الإنسان بطيئا بطيئا بطريقة لا تكاد تحس.
بينما البعض قد يهجم في عنف، ويحتوى القلب بسرعة، فينسى كل شىء إلاه..
ولنتناول كل ذلك بشىء من التأمل ونفحصه.

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 03:59 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
المشغوليات
المشغوليات طريقة ما كرة من طرق العدو في تحطيم الحياة الروحية. وأهم ما في مكرها أنها:
لا تحارب الروحيات، إنما لا تعطيها مجالا، فننساها.. !
ومثال ذلك، قد تجد نوعا من الناس مشغولا باستمرار. لا يجد وقتا يجلس فيه إلى الله، للصلاة، للقراءة، للتأمل، للتسبيح، أو لاى عمل روحى. كما لا يجد وقتا يجلس فيه إلى نفسه، ليفحص حالته، أين هو، وكيف هو، وبالتالي لا يجد وقتا لتغيير حالته، فهو لا يدرى ما حالته! إن الإبن الضال كانت بداية رجوعه، أنه جلس إلى نفسه وفحص الوضع الذي هو فيه، فقال (كم من أجير عند أبى يفضل عنه الخبز، وأنا هنا أهلك جوعا). ولما عرف سوء حالته بهذا الشكل، أستطاع أن يجد الحل، وهو (أقوم وأذهب إلى أبى) (لو 18:17:15).
من حكمة الشيطان، انه لا يترك لك وقتا لروحياتك.
إن الشيطان حكيم في الشر ، ويدبر خططه بتعقل. وقد قيل عن الحية إنها كانت (أحيل جميع حيوانات البرية) (تك1:3) فما هي الحيلة التي يستخدمها هنا؟ بالنسبة إلى بعض الناس، قد يكون الأغراء الواضح بالخطية سلاحا مكشوفا لا تقبله ضمائرهم المتيقظة، إذن لا مانع من أرجائه حاليا، ريثما يتم تخدير هذه الضمائر. وما العمل إذن يرى الشيطان أن الناس إذا خلوا إلى أنفسهم، فمن الجائز أن يفكروا في روحياتهم، أو ينصتوا إلى صوت الله يدعوهم إليه، أو أن يرجعوا إلى ضمائرهم فتقودهم إلى الله

إذن لابد من مشغولية، ولو كانت صالحة في ذاتها!
مثال ذلك: تلميذ مجتهد ، مشغول في دراسته وفي مذاكرته طول الوقت، لا يبقى له وقت لشئ آخر. فإن تخرج، تشغله الوظيفة والعمل الإضافي والدراسات العليا، ثم بعد ذلك ينشغل في تكوين بيت، و في الزواج، ومشغولية الأسرة والأولاد، بحيث لا يجد وقتا للعمل الروحى.. وأنت في كل ذلك تعاتبه، كيف لا يقتطع وقتا لله؟ وهو يجيب: وماذا عن تفوقى؟ وعن اخلاصى لدراستى وعملى وأسرتي؟ وهل الاخلاص للعمل والتفانى فيه يعتبر خطية من الناحية الروحية؟ والإجابة كلا طبعا، إنما الخطا في الآتي :
1-المشغوليات تستوعبك تماما ، وتأخذ كل وقتك وكل فكرك
2- لا توازن في توزيع وقتك، فلا وقت لروحياتك
3- المشغوليات تتلاحق وتتابع ، بحيث يبدو أنها لا تنتهى
إذن يجب أن تكون عادلا في توزيع وقتك: كما أنك مطالب بالإخلاص لعملك ولأسرتك، كذلك عليك أن تكون مخلصا لحياتك الروحية ولعلاقتك بالله، ولابد أن تخصص لذلك وقتا مهما كان الأمر
عجيبة هى المشغوليات في عصر التكنولوجيا الذي نعيش فيه، كل طاقات الإنسان تتحرك بسرعة عجيبة، كما تتحرك الآلة في هذا العصر الآلي. الكل يجرى، وراء ترفيهاته، وراء حياته الأسرية وحياته الخاصة. الكل في دوامة عجيبة، لا تعرف السكون ولا الهدوء ولا تجد راحة، ولا وقتا للروحيات.
حتى إن تفرغ الناس من العمل ، هناك الترفيهات والمسليات تشغلهم.
إن وجد الإنسان فراغا من الوقت في منزله، تلاحقه المشغوليات من الزيارات، والجيران، والأحاديث، وفض المشاكل العائلية، والمناقشات الكثيرة فيما يستحق، يضاف إلى هذا الراديو والتليفزيون، والجرائد والمجلات، وبحث موضوعات التموين والسياسة، وما لا ينتهي من أحاديث..
وان وجد الشخص فراغا من الوقت خارج البيت، فهناك المقهى والنادى والجمعية، ولقاء الأصدقاء، وهناك السهرات والحفلات والرياضة، والسينما والمسرح، والمتنزهات والفسح..
وفى كل ذلك تنسى الحياة الروحية وينسى الله أيضا.
ربما لا يأتي الله على فكرك وقتذاك. فمن أين يأتي؟ وإن تذكرت الله وواجباتك الروحية، تقول (حينما أنتهى مما أنا فيه، سأجد وقتا حتما لعملي الروحى). ولكنك ما أن تنتهى مما أنت فيه، حتى تلاقيك مشغولية أخرى، فتنشغل بها، وتلفك الدوامة، وتسحبك بعيدا عن الله.. وإذا بالكرة ما تزال تتدحرج، في إنحدار مستمر، لا تتوقف، ولا تملك ذلك..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:00 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
شيطان المشغولية
وإن أردت أن تجلس مع نفسك وسط كل ذلك:

قد لا يمنعك الشيطان، بل يقول لك: (وأنا أيضا سأجلس معك، حتى إن وقفت سأقف معك أساعدك). وهكذا يذكرك بعشرات الموضوعات التي يسرح فيها عقلك، وتعاود التفكير فيها وتجد أنك لا تصلى، ولا تجلس مع الله أثناء جلوسك مع نفسك. فما زلت في مشغولياتك! ولماذا؟
لأن المشغوليات استقرت في عقلك الباطن، وتعمل فيه.
لم تعد فقط مشغولا من الناحية العملية، ومن جهة الوقت، وانما من جهة الفكر أيضا. كل ما يشغلك دخل إلى عقلك، وإستقر فيه، واحتل بؤرة اهتمامك. وإن حاولت، في فترات متقطعة أن تخلو إلى ذاتك، تخرج من عقلك الباطن صور وأخبار وموضوعات تشتت ذهنك، وتجذبك إليها، فما أسرع أن تنجذب، وتظل الكرة تتدحرج.. حتى في وحدتك وخلوتك، يمكن أن يربكك الشيطان، ويسرح بك في ميادين متنوعة لكي يشتت تفكيرك، ويدخلك في طياشة الفكر.
عالم مشغول، وسيظل مشغولا، إلى أن تأتى الأبدية.
الكل يدور في دوامته. والشيطان يجهز لكل إنسان الدوامة التي تناسبه، والتي يتحرك فيها بلا توقف، ويظل يتحرك، إلى أن يأتي الموت، فيسحبه منها، على الرغم من إرادته والعجيب أنه ربما يوجد أشخاص في ساعات الموت، يكونون مشغولين بأمور أخرى بعيدة عن خلاص أنفسهم! ويخيل إلى أنه حينما تأتى الساعة الأخيرة، ساعة الأبدية ويأتي السيد المسيح في مجيئه الثانى ويبوق الملائكة بالبوق، يكون الناس لا يزالون منهمكين في مشغولياتهم متعلقين بها، لا يحاولون الفكاك منها، ولا يريدون.. عجيب أن يظل الناس في مشغولياتهم حتى أتاهم الموت يجدهم مشغولين لا يخرجون من دواماتهم!!
كل منهم، يحب داومته التي يحركها، أو التي تحركه! عالم مشغول. متى تراه سيفرغ من هذه المشغولية، ويعطى ولو جزاءا من وقته لله؟ متى؟ يحصل على فتره هدوء أو سكون يقضيها في التأمل ، لأجل راحته النفسية وراحته الروحية؟

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:01 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
وقت الله والمشغولية
متى نخرج من المشغوليات ، ونعطى وقتا لله؟!
متى يستريح اللسان من الكلام ؟ ومتى تستريح القدمان من الجرى، واليدان من الشغل ويتفرغ الإنسان إلى الله ، ويهدأ ويجد وقتا لروحه..؟ متى يعتبر الوقت الذي يقضيه مع الرب ربحا له، ومتعة لنفسه، وليس اقتطاعا من أمور العالم التي يحبها. إن الله إنقاذا للناس من مشغولياتهم، قال لهم: إننى أريد أن أريحكم. ولكنكم لا تريدون أن تريحوا أنفسكم، لأنكم دائما في مشغولية. ماذا أفعل إذن من أجلكم؟
أعطيكم يوما في الأسبوع ، تتحررون فيه من مشغولياتكم.
يكون يوما مقدسا لي (عملا من الأعمال لا تعملون فيه) (لا 30:23) إنه يوم لأرواحكم. حتى إن غفوتم طوال الأسبوع، تستيقظون فيه. ولكن هل استجاب الناس لبركة يوم الرب؟! إنهم ما زالوا مشغولين في يوم الرب أيضا. الأعمال الخاصة التي لم يستطيعوا أن ينجزوها في أيام العمل الرسمى، يعملونها في يوم الرب. وإن إستطاعوا أن يتفرغوا، يقضون هذا اليوم في ملاهيهم ومتعهم. وبدلا من يسموه اليوم المقدس holiday يسمونه week-end أي نهاية الأسبوع وقد تكون مشغولياته وعثراته أكثر من أيام الأسبوع. وتستمر الكرة تتدحرج فيه، ولا يكون مجال للروح!

الله يريد أن يقضى وقتا معنا ، ونحن لا نريد!
كٍإنسان خطب فتاه. وكلما يزورها لكي يقضى معها وقتا، من فرط محبته لها، يجدها مشغولة في ترتيب أمور البيت، في الكنس والمسح، وغسل الملابس وكيها، وأمور الطهى والتنظيف ويحاول جاهدا أن يقنع خطيبته بأن تجد وقتا تجلس معه، ولا فائدة، أنها مشغولة باستمرار ! هل تظنون مثل هذه الخطيبة تستحق عريسها الذي يحبها؟ أليس من الحكمة أن تغير أسلوبها؟ ماذا يفعل هذا الخطيب، إن كان في كل مرة يأتي إلى خطيبته، يجدها مشغولة عنه لا تلتفت إليه. عجيب أن الله يريدنا، ونحن لا نريده، عجيب أن ننشغل عن أخلص حبيب. يكلمنا، ونحن لا نجيب. يدعونا إليه، فلا نستجيب عجيب هذا حقا عجيب..
شاب يسأل: أنا مشغول في دورسى، فهل أترك الخدمة؟!.. كيف تترك الخدمة يا إبنى أليس هناك يوم في الأسبوع هو يوم الرب، تخدم فيه؟ أنت لا تملك هذا اليوم، حتى تشغله بالدورس أو غيرها. إنه ملك للرب. سمح الله أن كل دول الإدارات والمصالح والمؤسسات، تمنح العاملين فيها يوم عطلة في الأسبوع. إنه يوم الرب. لا يجوز أن ننشغل فيه بغير الرب. وإلا كانت هذه المشغولية تحمل أعترافا ضمنيا، بأن الله ليست له أهمية في قلبك وفي تقييمك لمشغولياتك!
وعجيب أننا ننشغل عن الرب ، ونلوم المنشغلين به!
مثال مرثا أخت مريم، إنشغلت عن السيد المسيح بأعمال البيت وأمور الضيافة. ولم تكتف بهذا إنما بكل تأثر وجهت لومها إلى مريم، لأنها جلست عند قدمى الرب تستمع إليه! وكأنها تقول عن أختها. لماذا تجلس في هدوء؟ لا تنشغل مثلى ومعى؟ هل جلوسها مع الرب أهم من عملها معى. لذلك وبخها السيد المسيح على مشغوليتها هذه، وقال لها: أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والحاجة إلى واحد (لو10:40، 41).
وأصبحت مرثا مثالا للمشغولية التي تعطل عن الجلوس مع الرب ومثال هذا أيضا الذين تجرفهم أمور العالم، حتى ما يجدون وقتا للصلاة. فإن وجدوا راهبا متوحدا قد تفرغ للجلوس مع الرب، في صلاه وتأمل، يصيحون قائلين: فلينزل ليخدم معنا! ويتهمون الرهبان بحياة الكسل، وعدم الأهتمام بالكنيسة، وعدم المبالاة بخلاص الأنفس المحتاجة!! إنهم لا يجدون وقتا للصلاة، ويلومون الذين يصلون. ويصيحون فيهم كما صاح فرعون في الشعب الذي أراد أن يخرج ليعبد الله (متكاسلون أنتم متكاسلون، لذلك تقولون نذهب ونذبح للرب) (خر 17:5)
المشغولية عن الرب زحفت، حتى دخلت مجال الخدمة أيضا!
فترى مثلا خادما كبيرا، مسئولا عن فرع هام من فروع الخدمة، ومع ذلك لا يجد وقتا للصلاة والتأمل والجلوس مع الله. فتلومه على ذلك. ولكنه يصيح:العلك لا تعرف مدى المسئولية الملقاه على، ومدى المشغولية التي أنا فيها: أمامى كراسات التحضير، وفصول أعداد الخدام والمكتبة، والنادى، والصور، ووسائل الإيضاح، وتنظيم الأنشطة المتعددة والإفتقاد، واجتماع الشبان، ومشكلة المتكلمين.. من أين أجد وقتا للصلاة؟! اعذرنى
وبهذا تجف روح الخادم، بينما يظن أنه في عمق الخدمة!
وتصبح الخدمة لونا من النشاط ، خالية من الروح، كل تنظيماتها تدخل في حدود الأوامر والنواهى. وتصبح الكلمات التي تلقى عن الصلاة والتأمل والعمل الروحى، مجرد كلمات من الكتب ، بلا خبرة روحية، وبلا ممارسة، وبدون تذوق لله نفسه. وقد ينطوى تحت هذا المثال أيضا كثير من العاملين بنشاط كبير في المجال الدينى! حتى أن الله يبحث عمن بقى له إن كان الكل، داخل بيته وخارجه، منشغلين عنه؟!
هنا و أتذكر بعض أبيات شعرية، قلتها في هذا المجال:
دخلت البيت لا مرثا بساحته ولا مريم
فمن للرب في البيت وكيف إذا أتى يخدم؟
ومن يهفو لمقدمه ومن يجرى ومن يبسم؟
ومن يرنو لطلعته ومن يصغى ومن يفهم؟
ومن بكلامه يشدو طوال الليل أو يحلم؟
إنها حقا مأساة، أن العالم كله منشغل عن الله...
حتى بعض الذين كرسوا أنفسهم له!.. بالكاد يجاهد الناس لكي يحصلوا على وقت يقضونه معه! وأي وقت؟! وقت تتنازعه أفكار العالم واهتماماته.
لذلك جميلة جدا هى صلاة نصف الليل، التي يصليها الآباء الرهبان في الأديرة، لو أمكن أن يصليها أحباء الله في المدينة.. يرفع الإنسان يديه إلى السماء، ويقول للرب: هوذا الكل نائم ، والجو ساكن، يمكننى يا رب أن أنفرد بك، في هدوء هذا الليل، وبدون عائق من أحد ، قبل أن يصحو الناس، وتعود الضوضاء إلى المدينة، ويعود الصياح والضجيج. أنا هنا أخلو بك، وأفتح لك قلبى.. كما قال المزمور (فى الليالى إرفعوا أيديكم أيها القديسون، وباركوا الرب) حسن أن يفعل أحد هكذا، ولكن في الواقع نادرا ما نجد.. تسأل زميلا لك (هل تصلى صلاة باكر؟ ) فيقول لك: ما أن استيقظ حتى أستعد بسرعة للذهاب إلى العمل، قبل زحمة المواصلات.. ! وتسأله عن صلاة النوم، فيقول لك أرجع إلي بيتى متأخرا، متعب الجسد جدا ألقى بجسمى على فراشى لأنام!

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:03 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الله ووقتك
والله؟ هل هو في آخر القائمة بالنسبة إلى أهتماماتك؟
لاشك أن الموضوع يحتاج إلى تنظيم الوقت، وتوفير الوقت.

حاول أن تصحو مبكرا بعض الشئ، ولو نصف ساعة، لكي تبدأ اليوم بالصلاةوقراءة الكتاب ولا مانع من أن تنام مبكرا أيضا. وتحتاج أيضا أن توفر وقتا من المشغوليات التي يمكن الاستغناء عنها أو عن بعضها خلال النهار.. يمكن تقليل بعض الوقت الذي تعطيه للجرائد والمجلات والإذاعة مع ما تغرسه فيك كل هذه من أفكار، أو ما يتبعها من أحاديث.. يمكن أن تختصر بعض اللقاءات والزيارات، وتلغى المقابلات والجلسات غير البناءة. وتعيد النظر في الوقت الذي تعطيه للترفيهات والمسليات. و لا شك أنك ستستطيع أن تجد وقتا لروحياتك.
المهم أن تقتنع بأهمية العمل الروحى. وحينئذ ستجد وقتا.
انزع نفسك من الكلام الكثير مع الناس، لكي تتكلم ولو قليلا مع الله.. الذي ينتظرك. إن أية مشكلة طارئة مفاجئة تقابلك، لابد ستفرغ لها وقتا للتصرف فيها، مع أنك ما كنت تعمل لها حسابا ، وما كانت تخطر على بالك، ذلك لشعورك بأهمية الأمر. كذلك إن شعرت بأهمية خلاص نفسك، وأهمية علاقتك بالله لابد ستنظم وقتك، لكي تحتفظ بالتوازن بين عملك في العالم وعمل الروح. وهذا التوازن لازم جدا، حتى لا يطغى العالم على رو حياتك.
نظم وقتك ومشغولياتك، حتى لا تسحبك الدوامة بعيدا..
ولا تعتذر بالمشغوليات، فإن داود النبى، على الرغم من كل مشغولياته كملك وقائد وقاض كان يقول (سبع مرات فى النهار سبحتك على أحكام عدلك). وكان يقضى الليل مع الله (مز118). لم يعتذر داود بالمشغوليات، بل على الرغم من كثرتها، أستطاع أن يجد وقتا طويلا ودسما للمزماروللقيثار وللتسبيح والترتيل. ويشوع بن نون خليفة موسى، على الرغم من مسئولياته الكاملة عن الشعب بأسره، قال له الله (لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج النهار والليل) (يش 8:1).
فهل أنت في مثل مشغولية داود الملك ويشوع القائد اللذين وجدوا وقتا لله..؟!
تحدثنا عن المشغوليات التي تسحب الناس بعيدا عن الله، فهل يوجد غيرها مثلها؟ نعم توجد: العاطفة المسيطرة.

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
العاطفة المسيطرة
إن كانت المشغوليات تملك الوقت، ولا تعطى فرصة لله..
فالعاطفة تملك القلب والفكر أيضا، بعيدا عن الله...
الشيطان لا يكشف أوراقه على الدوام، فهو لا يمنع الإنسان صراحة من الوجود مع الله إنما قد يقدم له عاطفة ما تشغل كل قلبه وفكره وأحساسيه ومشاعره، وتخدره تماما، وتستحوذ على كل اهتماماته، ومعها لا يكون لله مجالا في داخله. ومع هذه العاطفة تظل الكرة تتدحرج وتتدحرج، وهى لا تدرى ما هى فيه، أو إلى أين هى سالكة.. تماما كما معنا طفل، نخشى أن يعطلنا بصراخه وضجيجه وكلامه، فنقدم له لعبة يلهو بها فينشغل بها عنا ويهدأ.. كذلك يقدم الشيطان مثل هذه العاطفة كلعبة يلهو بها القلب بعيدا عن العمل الروحى.. ويبحث الله عنك فلا يجدك، ويناديك فلا تسمعه، لأنك مشغول أو مخدر بهذه العاطفة التي تسربت إلى قلبك.

أنها محبة معينة، من أي نوع كانت..
لا يشترط أن تكون محبة من النوع الذي بين فتى وفتاه، أو تعلق قلب بقلب، إنما هى عاطفة من أي نوع، والمهم أنها تملك المشاعر كلها وتوجهها في مسارها. مثل هواية معينة تسيطر على الإنسان، وتملك كل وقته واهتمامه.. هواية كالكرة، أو العوم، أو التجديف أو السباق ، أو كالرسم، أو الكتابة، أو التمثيل، أو أي فن من الفنون.. أو محبة للعبة من اللعب، أو تسلية من التسليات، أو قراءة خاصة في الفلسفة أو علم النفس مثلا أو قد تكون هذه المحبة محبة الإنسان لعمله، تحولت إلى هواية تملك كل وقته وكل فكره لا يتحدث مع أحد، حتى في بيته، إلا عن هذا العمل وأخباره وتفاصيله ومدى نجاحه أو المشاكل التي تعترضه. هو عنده كل شيء.. أو قد تكون محبة للشهرة أو للظهور أو للعظمة، تجعله حتى في وقت فراغه يسبح في أحلام اليقظة، أو يؤلف حول نفسه قصصا خيالية يعيش فيها، ويترجم رغباته إلى حكايات وتصورات..
أو قد تكون هذه العاطفة التي تشغله هى ثورة لتغيير الأوضاع، أو ما يسميه برغبة في الإصلاح حسب مفهومه الخاص طبعا، تجعله ينتقد كل شيء، ويغضب، ويدين، ويقترح أقتراحات جديدة، ويتصور أوضاعا جديدة للجو الذي يريد أن يصلحه، ويقضى الوقت إقناعا لغيره بوجهة نظره. أو قد تكون هذه المحبة إنتماء لجمعية إن هيئة معينة، أو فكر ما المهم أن تيارا جارفا يكتسح قلبه ويوجهه في حماس وفي نار داخلية تتقد، وتظل الكرة تتدحرج في عنف، وهو يعلم بذلك، بل ويسر به، لان محبة هذه الدحرجة قد دخلت قلبه وملكت عليه.
ويبحث الله عن مكان في قلبه، فلا يجد..
قلبه مشغول، على الدوام، بهذه العاطفة التي استولت عليه، والتي يصحو ويبيت مفكرا فيها والتي التهمت كل محبة أخرى، تجدها في طريقها، حتى محبة الله.. إنها كالعثاء (العته) التي تلتهم الملابس، أو كالسوس الذي يأكل الحبوب، أو كسرطان الدم الذي يأكل الكرات الحمراء.. تظل تلتهم كل شيء، حتى تبقى وحدها. ويشعر هذا الإنسان أن هذه العاطفة هى الوحيدة التي تشبعه! وتسأل عن مركز الله في قلبه، أو مركز الروح أو الأبدية، فلا تجد إلا هذه الحقيقة المرة:
لقد طردنا صاحب البيت، وأسكنا فى مكانه الغرباء... !
الله، الذي هو المالك الحقيقى لقلبك، أصبح لا يجد له مكانا فيه. إنشغل القلب تماما بعاطفة غريبة، خدرت كل عواطفه الروحية، فنامت وغرقت في النوم.. والعجيب أنه ليس من السهل أن توقظ مثل هذا الإنسان، لأنه سعيد بنومه. اليقظة قد تتعبه، لأنها تحرمه من (محبته)!! لذلك ما أجمل حياة الرهبان القديسين، الذين قطعوا من قلوبهم كل محبة أخرى غير الله، وجعلوا شعارهم:
الإنحلال من الكل ، لٍلارتباط بالواحد (الذى هو الله).
هؤلاء أحبوا الله أكثر من كل محبة أخرى مهما كانت بريئة، أحبوه أكثر من الأب والأم والأهل والأقارب، بل حتى أكثر من أنفسهم، حسب الوصية الإلهية (مت 10: 27 – 39) وكأن كل واحد منهم يقول لله: لا أريد محبة أخرى تشغلنى عن التفرغ لك. فليس لي سواك. أنت الذي تشغل فكرى وقلبى، وتشغل حياتى ووقتى وتشغل حواسى وعواطفى. أنت شغلى الشاغل. قلبى ملآن بك وفرحان بك، ولا يعوزه أحد غيرك. لا يوجد فيه فراغ يتسع لأحد غيرك. هذه مشاعر القديسين سكان البرارى ولكن الكل ليسوا هكذا دوامة العالم تجذبهم، وتلفهم داخلها. حتى إن جلسوا مع الله، لا يكون ذلك بكل قلوبهم، لأن عواطف أخرى كثيرة تنافس الله في القلب.. ولكن هل العواطف والمشغوليات هى الوحيدة التي تخدر الإنسان، وتجذبه بعيدا عن الله؟ كلا، فهناك أيضا البيئة.

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:06 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
البيئة المنحرفة
طبعا، ليست كل بيئة تبعد الإنسان عن الله، فهناك بيئات مقدسة لها تأثير روحى إيجابى. ولكننا هنا نتكلم عن البيئات غير الروحية، التي لم تذق في حياتها ما أطيب الرب! البيئات المعطلة.
مسكين الإنسان الذي كلما يسير فى طريق الله، أو كلما يستيقظ لنفسه، تحاول البيئة بكل جهدها أن ترجعه، فينام مثلها، يحيا نفس حياتها البعيدة عن الله.. ناسيا قول الكتاب (لا تشاكلوا هذا الدهر) (رو12: 2) أي لا تكونوا مثله، على شبهه وشكله.

البيئة المنحرفة تتهم المتدين بالتطرف. وتعتبر جهاده تزمنا، وروحياته شذوذا..!
هى تريده مثلها، يحيا كالمجتمع الذي يعيش فيه، بنفس الأخطاء، لا يشذ عن الباقين إن كثر تردده على الكنيسة، يقولون له:كفى تطرفا، التفت إلى دروسك أو إلى عملك.. وإن صام ، يقولون له ستضيع صحتك، وتفقد نضارتك. أنظر كيف ذبلت! لو سرت هكذا ستصاب بالأنيميا والسل! إن عامل الناس بإتضاع ووداعة، يتهمونه بضعف الشخصية. وان رفض لهوهم وعبثهم ومزاحهم الردئ وترفيهاتهم الخاطئة، يصفونه بالرجعية! وإن سلكت الفتاة في حشمة يقولون لها:منظرك اصبح كفلاحة! من يرضى أن يتزوجك وأنت هكذا؟! إنك رجعية لا تجارين العصر، قد عقدك التدين! كلا، إن الإنسان المتدين ليس رجعيا، إنما هو يقبل من العصر ما يناسب مبادئه ومثالياته، ويترك ما يبعده عن الله. والمدنية ليس معناها التخلى عن القيم الروحية. وليس التمسك بالمثاليات لونا من الرجعية.
إنما هذا الإتهام هو نوع من الإثارة، يقصد بها الناقدون أن يسمعه الضعيف فيتزعزع.
إن الشخص القوى لا تجرفه البيئة المنحرفة، بل يصمد ويقاومها.
أما الضعيف، فربما يساير الجو. إن سمكة صغيرة يمكنها أن تقاوم التيار لأن فيها حياة. بينما جذع شجرة ضخم يجرفه التيار على الرغم من ضخامته، لأنه ليس حيا. فكونوا أحياء وقاموا البيئة إذا انحرفت، ولا تستسلموا لكل جديد إن كان ضد روحياتكم ومثالياتكم.
حقا ما أخطر البيئة على الإنسان الضعيف. كلما تشتعل فيه محبة الله، ترجع البيئة فتطفئها. كما تضعفه القدوة السيئة.
وهكذا يتصرف كالباقين، يلهو معهم ويعبث، ويشترك في أحاديثهم الخاطئة، ويلبس شخصيتهم.
وكما يقول المثل (أرضهم ما دمت في أرضهم، ودارهم ما دامت في دارهم) أو على الأقل إن استطاع أن يقاوم، لا يضمن الاستمرار في المقاومة. وبمرور الوقت يفقد حرارته الروحية ويحيا في فتور دائم، يتحول بالتدرج إلى غفوة روحية. لأنه لا يوجد صوت يبكته على الخطية والفتور، بل على العكس يوجد من يبكته على العمل الروحى! كشاب كلما يحاول أن يستيقظ إلى نفسه، يمر عليه صديق يضيع كل ما عنده من روحيات، وينتقل بأحاديثه وبدعوته الملحة إلى جو آخر، ثم يخرجه معه من منزله، ويقوده إلي ما كان يحاول الإبتعاد عنه منذ حين.
(والشر الذي ليس يريده، إياه يفعل) (رو 7: 19) وعلى رأى الشاعر
*متى يبلغ البنان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!
يضاف إلى الإغراء، والضغط المعنوى، والجذب المستمر، محاولات الإقناع.
الفكر أيضا يعمل، عملا مضادا للروح. البيئة تحاول أن تقنع هذا المتدين بخطأ مسلكه، بوسائل متعددة من التشيك، وبسرد قصص وأخبار لا تنتهى. وربما تلجا إلى تفسير خاطئ لآيات الكتاب، كما حاول الشيطان في التجربة على الجبل. ولا أريد هنا أن أسرد أمثلة من التشكيك وهى كثيرة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍... ‍‍‍‍‍
مثل هذا الإنسان، يجب أن يهرب من تأثير البيئة.
يهرب منها فكريا، بأن يعرف الرد على شكوكهم، بالإتصال بشخصيات روحية قوية، تعطيه ردا على كل فكر خاطئ ، وكل مبدأ غير سليم، وكل تفسير منحرف لآيات الكتاب ويهرب من تأثيرهم بكافة الطرق ، حتى بالنسبة للأسرة، كأن ينشغل في عمله خارج البيت، مع باقى أنشطته، أو أن ينشغل في البيت في مذاكرات إن كان طالبا ويجب أن يخفى ممارسته الروحية . عنهم على قدر الإمكان كما قيل في سفر النشيد ( اختى العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم) (نش 4: 12) وأيضا لا يكشف أمانيه الروحية ويحيا في البيئة كأنه ليس منها. ويشترك أحيانا مهم فيما لا يتعب، ويعتذر عن الباقى لباقة وحكمة، أو في هروب. كما ينبغى أن يكون قوى الشخصية ..
أما الذين يستسلمون لتأثيرات البيئة الخاطئة، فإنها تتلفهم.
تقتل فيهم كل رغبة روحية، وتفقدهم روح اليقظة. وان استيقظوا يعذبون أنفسهم يوما بيوم، كما كان لوط في ارض لوط في أرض سادوم.. لما كلمهم عن خلاص نفوسهم (كان كمازح وسط أصهاره) (تك 19: 14).
ما أعمق قول الكتاب إن (المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة) (1 كو 15:33). لابد إذن أن يغير بيئته، أو يهرب من تأثيرها. أو إن يكون قويا بالدرجة التي يستطيع هو فيها أن يؤثر في البيئة. ولكننا لا نتكلم هنا عن الأقوياء، إننا نتكلم عن الذين يحتاجون إلى يقظة روحية، الذين جذبتهم الدوامة، وجعلت الكرة تتدحرج إلى أسفل. يجب أن يهرب هؤلاء لأنفسهم..
كمثال نصيحة طبيب لمريض...
يقول الطبيب للمريض: يجب أن تغير أسلوبك في حياتك: لا تأكل كذا وكذا من الأطعمة، فإنها ضارة بصحتك. تخلص من السمنة مثلا. لا تجلس كثيرا بل أمشى فان المشى مفيد لك. لا تجلس في مكان غير متجدد الهواء.. إلخ. ويجب على المريض أن يمتنع عما يمنعه عنه الطبيب .. ليشفى..
اصحوا إذن لأنفسكم. تخلصوا من مشغولياتكم وعواطفكم وبيئاتكم.
تخلصوا من كل ما يخدر ضمائركم ، كما تتخلصون من المشغوليات والعواطف المسيطرة، وأيضا من تأثير العقل المنحرف، الذي تقوده رغبات خاطئة أو أفكار غير سليمة..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
العقل وضياع الإنسان
أحيانا يكون العقل سببا في ضياع الإنسان روحيا، إذا ما أساء استعماله لتحقيق شهواته.
فكثيرا ما يكون العقل، جهازا تنفيذيا لرغبات النفس!
فإذا انحرفت النفس، ما أسهل أن تجذب العقل خلفها، كخادم مطيع لها يبرر لها سلوكها الخاطئ. تشتهى النفس شهوة منحرفة، أو تود أن تستريح بعيدا عن تعب الجهاد الروحى وهنا تجد العقل يضع ذاته في خدمة هذه النفس، يقدم لها ما تشاءه من التبريرات أدلة وبراهين بل وآيات من الكتاب، ومقتبسات من أقوال الآباء. حتى تستريح النفس إلى ما هى فيه ، وحتى لا يثور الضمير على خطا يجب أن تبعد عنه!

مثل هذا العقل ليس أداة في يد الروح القدس.
قد يكون العقل أداة في قبضة العالم أو الشيطان. وقد يكون واقعا تحت تأثير الآخرين، أو تحت نير الشهوة، أو قد يدفعه الفهم الخاطئ، أو المجاملة، أو المنفعة المادية.
مثال ذلك عقل إيزابل في خدمة آخاب، لما أراد هذا أن يستولى على حقل نابوت اليزرعيلى (1مل 21) أو العقل الذي دفع التلميذين إلى طلب نار من السماء لحرق إحدى مدن السامرة (لو 9: 54) أو عقل بطرس الذي دفعه إلى قطع اذن العبد، بدافع من الغيرة المقدسة! ولعل من أوضح الأمثلة لهذا أيضا، عقل صاحب الوزنة الواحدة الذي برر دفنه لوزنته بدليل منطقى (مت 25 : 24) العقل دفع آدم في خوفه إلى الإختباء من الله. ولكن الروح لا تفعل هكذا ..
العقل قد يقود إلى الخطاء، ويقدم لذلك اعذارا.
ربما يحاول الضمير أن يوقظ الإنسان، فإذا بالعقل ينميه، ويقدم له عذرا عن كل خطأ: هذا الأمر ما كنت أقصده مطلقا، أتى عفوا، والنية غير متوفرة فيه. وهذه الخطية حدثت على الرغم منى. الضغطات الخارجية كانت شديدة جدا لا يستطيع أحد الفكاك منها، ويمكن أن تدخل هذه ضمن الأعمال غير الإرادية. وهذا الخطأ تبرره الظروف، وذاك تشفع فيه الغاية الحميدة والقصد السليم. وذاك الموضوع طبيعى جدا، يحدث لكل أحد ، لماذا ندع الضمير يوبخنا عليه؟ ‍‍‍ ولا شك أن التدقيق الزائد في الحكم على أمثال هذا الأمر غير جائز، إنه يقودنا إلى الوسوسة ويفقدنا بساطتنا!! وهكذا إلى ما لا ينتهى من التبريرات. ما أسهل أن ينحرف العقل، وينحاز إلى ذاته، ويشحذ كل طاقته لمنح سلام زائف للنفس. والفضيلة التي تقصر فيها، ما أبسط أن يقول إنها فوق إمكانياتى، أو الظروف لم تساعد عليها..
إنه العقل الذي يشارك النفس فى إنحرافاتها، ويساعدها.
إنه مجرد جهاز يستخدمه الإنسان. وقد يكون جهازا للخير أو للشر، حسبما يوجهه صاحبه. وقد يكون العقل مشحونا بأفكار تقدمها البيئة أو التقاليد، أو بأفكار استقاها من الكتب أو من الأصدقاء. فلا نضمن كل ما فيه من الفكر. وبهذا يكون العقل سببا لضلالة الإنسان، إن كان يساعده على الخطيئة، أو يبررها له، أو يخدره بما يقدمه من أعذار وخيال العقل الخصيب قد يساعد على سقوط النفس..
تشتهى النفس شهوة، فيتناولها العقل، ويقدم لها قصصا لا تنتهى تدور حول صور لتحقيق هذه الشهوة.. مئات من القصص تطول وتستمر. وما أن تنتهى صورة منها، حتى يقدم صورة أخرى، في خصوبة عجيبة. والنفس نائمة، تسرح فيما يقدمه العقل من حكايات تشبع شهواتها. أن يستيقظ الإنسان أخيرا، فيجد أن العقل قد سرح به في مجالات لا تنتهى. وقد يشتهى أن يعود فيغفو، ليسرح به العقل مرة أخرى، ومرات..
وما أعجب سرحات العقل التي يقدمها في أحلام اليقظة!
في خطية المجد الباطل مثلا، ما أسهل أن يؤلف العقل روايات طويلة، عن أمجاد يصل إليها الإنسان ويرفعه بها إلى أعلى مستوى، فوق الخيال، إلى أمور من المستحيل في الواقع أن تتحقق. ولكن العقل يقدمها في سرحاته العجيبة، ليشبع رغبة النفس في العظمة وتظل النفس مخدرة مع العقل، سارحة في خياله، إلى أن يوقظها طارق أو طارى فتستيقظ وتسأل أين أنا؟ وقد تستمر دغدغة هذه الأحلام معها ساعات أو أيام أو سنوات. وقد يقضى الإنسان عمره كله يحلم ويفكر ويسعد بأوهامه
ليست مشكلته انه لا يستطيع أن يستيقظ من أحلامه.. بل مشكلته انه لا يريد أن يستيقظ!!
إنه سعيد بأفكاره، سعيد بأحلامه وأوهامه، سعيد باشباع العقل لشهواته! وما أكثر مواهب العقل في التأليف والتخطيط ورواية القصص والحكايات! وإن أرادت الروح أن تتدخل لاقناع الإنسان بأخطائه، يحاول أن يرد بمجادلات عقلية.. ! إنها مشكلة العقلانيين.. تحدثنا الآن عما يخدر الإنسان من مشغوليات، وعواطف، ومن إنحرافات البيئة والعقل فماذا أيضا؟ هناك اللذة..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:08 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
اللذة والسيطرة على الحواس


مشغوليات الإنسان تسيطر على وقته، فلا يعطيه لله، والعواطف تسيطر على قلبه، فلا يعطيه لله والبيئة قد تسيطر على إرادته، والعقل يسيطر على تفكيره. أما اللذة فإنها تسيطر على حواسه ثم تخدره كله، فلا عقله يفكر، ولا البيئة تستطيع أن تمنعه، كما أن هذه اللذة تصبح هى كل مشغوليته، وكل مجال عاطفته. إنها تملكه كله..

https://st-takla.org/Pix/People-Gener...leeping-01.gif
ولا يوجد أصعب من اللذة، تخدر الإنسان بالتمام، ولو لوقت!
إنها تستولي على إدراكه كله، أو تفقده إدراكه كله، فينسى كل شيء، ولا يدرى بنفسه إلا منقادا وراء هذه اللذة، التي تلفه في طياتها ولكل إنسان لذته الخاصة. أما الإنسان الروحي فلذته في الله وحده.. سليمان الحكيم عاش في ملاذ العالم زمنا، ومهما اشتهته عيناه لم يمنعه عنهما. واخيرا بعد أن أتعبته اللذة فترة طويلة، استيقظ إلى نفسه.
وكاتب سفر الجامعة وقال (الكل باطل، وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس).
والابيقوريون كانت اللذة هدفهم، فأنكروا الله والروح والقيامة.
والمشكلة فيمن تخدره اللذة، أنه لا يحب أن يستيقظ.
تريد أن توقظه منها، فيهرب منك، أو يقول لك (اتركني الآن. لم يحن الوقت بعد) إنه مسرور بالغفوة التي هو فيها. يقول لك: اتركني في نومي. فإن أحلام هذا النوم، أشهى من حرمان الواقع! إنه يريد أن يظل في هذا النوم على الرغم من ظلمته، لأنه يحب الظلمة أكثر من النور...
أمثال هؤلاء يرون أن اليقظة الروحية يقظة مريرة، تتعبهم وتحرمهم من لذاتهم. لذلك هم يهربون باستمرار من الله، ومن خدام الله، ومن كنيسته، ومن مذبحه...

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:09 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
دوافع اليقظة
لابد لكل غافل أن يستيقظ..

والكنيسة تعلمنا أن نقول في صلاة نصف الليل (انظرى يا نفسى، لئلا تثقلى بالنوم، فتلقى خارج الملكوت) (تفهمى يا نفسى ذلك اليوم الرهيب واسيقظى، واضيئى مصباحك بزيت البهجة) (ربما أن الديان حاضر، اهتمى يا نفسى وتيقظى، وتفهمى تلك الساعة
المخوفة.. ) إنها دعوة من الكنيسة لليقظة، ولكن..
كيف يمكن للنائم روحيا أن يستيقظ؟
وكيف استيقظ الخطاة من قبل؟ وكيف تحول بعضهم، ليس فقط من خطاة إلى تائبين، وإنما من خطاة إلى قديسين؟ ما هى الوسائل والدوافع إلي يقظة الإنسان، سواء كانت ذاتية أو خارجية؟ هذا ما نود أن نتحدث عنه الآن.
إن الله لا يترك الإنسان في غفلته..
لأنه يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تى 2: 4) فالإنسان الغافل عن خلاص نفسه، لا تظنوا أن الله يغفل أيضا عنه، بل على العكس يسعى إلى إيقاظه، بأنواع وطرق شتى، لعل في مقدمتها أعمال محبته.
  1. محبة الله للخاطئ
  2. رفض الله للخاطئ
  3. رفض الكنيسة أو عزلها للخاطئ
  4. الضيقات والضربات
  5. الفشل والمذلة وشماتة الأعداء
  6. تدخل القديسين
  7. الذكريات المقدسة القديمة
  8. تأثير وسائط النعمة
  9. التأثر بموت الآخرين
  10. السقطة الكبيرة غير المحتملة

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:11 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
محبة الله لنا

الناس كثيرون استيقظوا بسب محبة الله لهم.. فعلى الرغم من تركهم له، ونسيانهم له، وجدوا أن محبته تحصرهم بشدة، وعطفة يتزايد عليهم، ويده تقرع على أبوابهم. وأحس هؤلاء بالخجل من محبة الله الذي نسوه، فرجعوا.
أحيانا يخجل الإنسان من محبة له، وعنايته به، على الرغم من كثرة خطاياه. فتهز هذه المحبة أعماق نفسه، فيستيقظ ضميره.. ويخجل من الله الذي ما زال يعطف عليه وهو في عمق سقوطه! فيقول له (أنا يا رب مكسوف منك. أنت عاملتنى بطريقة أخجلتنى أمام نفسى. إننى أخجل من أن أخطىء إليك مرة أخرى. نبلك يخجلنى).
من ضمن الذين أيقظتهم محبة الله: زكا العشار.
كان غارقا في الظلم والقسوة. وذهب ليرى المسيح، لا حبا ولا إيمانا، إنما بقصد الفرجة على شخص مشهور تزحمه الجماهير. كل ما كان يريده أن يرى المسيح ولو من بعيد، وكفى.. من أجل هذا تسلق شجرة ليرى... وإذا به يفاجأ بأن هذا الرجل العظيم صاحب المعجزات المبهرة، يقف عنده، يلتفت إليه التفاته خاصة، من دون هذه الآلاف المحيطة به وأكثر من هذا يناديه بإسمه. ويستضيف نفسه عنده ، قائلا له – أمام هذه الجموع التي تحتقر العشارين – (يا زكا، أسرع وانزل، لأنه ينبغى أن أمكث اليوم في بيتك) (لو 19: 5).
وإذا بزكا تأسره هذه المحبة وهذا النبل، من جانب السيد المسيح، الذي من أجله احتمل تذمر الناس عليه بقولهم (إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ).. ‍‍‍‍‍‍ وهذه اللفتة
الكريمة والمحبة الخاصة، أسرت قلبه فاعترف بخطاياه التي لم يعيره بها المسيح.. وتاب عنها وقال: (ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين. وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف) ونجحت محبة الرب في إيقاظ زكا، و(حصل خلاص لهذا البيت)..
ومثال ذلك أيضا تلميذ أهمل دروسه جدا، لدرجة اليأس الكامل من النجاح. ثم ألقى نفسه أمام الله وبكى، وهو في حياة خاطئة بعيدة عن الله. ولكن الرب عامله برحمة عجيبة، ولم يتخل عنه بسبب خطاياه وبسبب إهماله، ونجح بشبه معجزة. فلم يستطيع أن ينسى جميل الرب وتاب.. أو شخص أنقذه الله من فضيحة تحطم حياته، وستر عليه، وهو في عمق السقوط، فإذا بمحبة الله تعصر قلبه ويقول: محال أن ابعد عن الله الذي عاملنى بهذا الحب العجيب، وسترنى... وكما أن البعض أيقظتهم محبة الله، وهناك من أيقظهم رفضه لهم فشعروا بالضياع الذي يعيشون فيه، واستيقظوا..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:12 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
رفض الله

ولعل أبرز مثل لذلك: مريم القبطية...
كانت تعيش في فساد كامل، وفي كل يوم تكون سببا في إسقاط كثيرين. واستمرت على هذا الوضع سنوات طويلة، لا تفيق لنفسها، بل تتمادى.
ثم ذهبت الى القدس للزيارة، لا لتنال بركة، إنما لتمارس فسادها في الزحام ‍‍‍‍‍..
ولما سارت نحو الأيقونة المقدسة، شعرت إنها قد تسمرت في مكانها، ولم تستطيع أن تتقدم كالباقين.
وبذلت قصارى جهدها فلم تفلح، كانت كأنها مربوطة إلى الأرض.
ولم يسمح لها الرب أن تنال البركة كغيرها ...
وإذ شعرت برفض الله لها، تذكرت خطاياها، وخجلت من نجاساتها، وافاقت من تخدير الخطية لها، وتشفعت بالسيدة العذراء، ونذرت أن تتوب وتحيا في طهارة وهنا فقط شعرت بأنها تتقدم بلا مانع..
وكانت النتيجة أن حياتها تغيرت كلية، وترهبت، وعاشت في نسك عجيب، منفردة في البرارى في حياة السواح، وصارت قديسة عظيمة صنع الله بها عجائب وتبارك منها القديس الأنبا زوسيما القس وكتب لنا سيرتها.
إن لطف الله إنما يقتاد إلى التوبة. ولكن إن كان البعض يستغل محبة الله استغلالا رديئا، ويحيا في استهتار ولا مبالاة فهذا قد يوقظه الرفض أو التجربة أو الضربة الشديدة، وقد يأتى الرفض من الله مباشرة كما في مثال مريم القبطية، وقد يأتى من الكنيسة..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
رفض الكنيسة
ومن أمثلة الذين أيقظهم رفض الكنيسة: القديسة مرثا.

كانت إمرأة خاطئة أيضا، تعمل في الملاهى، وتصادق الأمراء والأثرياء. ولما ذهبت إلى الكنيسة، منعها الإيبدياكون من الدخول لأنها إمرأة خاطئة لا تستحق دخول الكنيسة. فلما تجادلت معه، وسمع الأب الأسقف صوت الخصومة، خرج فاشتكت إليه، فأفهمها إن بيت الله مقدس لا يدخله من يعيش في الخطية. فتأثرت جدا، وقالت له: (يا سيدى، ما عدت أخطىء). فقال لها: إن كنت صادقة في هذا، أحضرى كل غِناك إلى هنا. فذهبت وأحضرت كل ملابسها وتحفها ومظاهر ثرائها. فأمر الأسقف بحرق هذا كله، (لأنه لا يجوز أن تدخل أجرة زانية إلى الكنيسة، حسب تعليم الكتاب. (تث 23: 18) فتخشعت مرثا جدا، وضربها قلبها بشدة. وقالت لنفسها: إن كانوا قد فعلوا بك هكذا على الأرض ، فكم يكون جزاؤك في السماء؟! وكان هذا الرفض من الكنيسة سببا ليقظتها فتابت وصارت من القديسات.
ومن الأمثلة المشابهة أيضا: خاطئ كورنثوس.
طبق عليه القديس بولس مبدأ ( اعزلوا الخبيث من بينكم) (1كو 5: 13). وقال لأهل كورنثوس (لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا) (1 كو 5: 11) بل أنه أمر أن (يسلم مثل هذا للشيطان لإهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب) (1 كو 5: 5) ولما عزل هذا الخاطئ، وأحس أنه منبوذ من الجميع، و أنه غير مستحق أن يوجد في جماعة المؤمنين، أحس بالخزى، واستيقظ إلى نفسه، وحزن جدا على ما وصل إليه من خطية وتاب توبة حقيقية، حتى أن القديس بولس في رسالته إلي أهل كورنثوس، أمرهم أن يمكنوا المحبة لذلك التائب المعزول منهم، وان يستامحوه ويعزوه (لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط) (2 كو 2: 7:8).
لأجل ذلك وضعت الكنيسة في عصورها الأولى قوانين لمعاقبة الخطاه، لمنفعتهم الروحية. ونظمت ترتيب خوارس الكنيسة تبعا لذلك. وما كانت تسمح لكل أحد بالتقدم إلى الأسرار الإلهية. وكان هذا المنع يوقظ الضمائر، إذ يشعر فيه الخاطئ بثقل خطاياه ونتائجها المؤلمة. وينبغى في هذه الأمثلة أو غيرها، أن تعرف حقيقة هامة من جهة رفض الله للخطاه، أو رفض الكنيسة لهم، أو عزلهم عن جماعة المؤمنين، وهى:
إنه رفض مؤقت، وللمنفعة الروحية، وتعمل فيه النعمة لإرجاعهم.
إنه مجرد إشعار للخاطئ بأنه فى حالة دنسة، لا تسمح له بالإندماج في قدسية الكنيسة. وذلك لكي يصحو إلى نفسه ويغير مسلكه، أو كما قال الرسول (لكى تخلص الروح)..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الضيقات والضربات
هناك أناس لا توقظهم المحبة، ولا التوبيخ الهادئ، وإنما يحتاجون إلى لطمة قوية توقظهم، فيرجعون إلى الله كإنسان في حالة سكر، لا يمكن أن يفيق بأن تربت على كتفه في وداعة وتدعوه أن يصحو.. أو مثل فرعون الذي احتاج إلى ضربات شديدة، فكان يفيق ويقول:
(أخطأت إلى الرب.. صليا إلى الرب إلهكما، ليرفع عنى هذا الموت) (خر 10: 16) (أخطأت.. الرب هو البار، وأنا وشعبى الأشرار) (خر 9:270) ومشكلة فرعون إنه كان يعود فيغلبه طبعه، ولم تكن يقظته نابعة من توبة حقيقية.
ولعل اخوة يوسف، مثال للذين ساعدتهم الضيقة على اليقظة.

لقد تآمروا على أخيهم يوسف، وباعوه كعبد، وخدعوا أباهم يعقوب وادعوا أن وحشا قد افترس يوسف. وفي كل ذلك لم يتوبوا، ولم يفيقوا لأنفسهم. ولكنهم لما وقعوا في ضيقة شديدة عند شراء القمح ، وأتهمهم الحاكم بأنهم جواسيس، وحبسهم ثلاثة أيام، وأمرهم بإحضار أخيهم الصغير (بنيامين) ليثبتوا صدق كلامهم. حينئذ أفاقوا بسبب هذه الضيقة، وتذكروا خطيتهم إلى يوسف (وقالوا بعضهم لبعض: حقا أننا مذنبون إلى أخينا الذى رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة.. وأجابهم رأوبين قائلا: ألم أكلمكم قائلا لا تأثموا بالولد، وأنتم لم تسمعوا ؟ فهوذا دمه يطلب) (تك 42: 21، 22) كذلك لما دبر يوسف أن يوجد طاسه الفضى في متاع بنيامين الصغير الذي ضمنوه لأبيهم الشيخ، وقرر يوسف أن يأخذ منهم بنيامين ، قال يهوذا ليوسف (ماذا نتكلم؟ وبماذا نتبرر؟ الله قد وجد إثم عبيدك) ( تك 44: 16) بالضيقة تذكروا ذنبا مرت عليه سنوات طويلة.. كم من شخص كأخوة يوسف، إذا أصابته ضيقة يستيقظ ضميره، ويقول (هذا ذنب فلان الذي ظلمته أو ذنب فلان الذي صرفته والدمع في عينيه، ولم أشفق.. ؟! ).
ومن أمثلة الذين أيقظتهم الضيقات، الإبن الضال:
لم يستيقظ ضميره وهو حياة المتعة، ينفق ماله بعيش مسرف، ويلهو مع أصحابه.. ولكنه لما افتقر واعتاز، وأشتهى الخرنوب الذي تأكله الخنازير ولم يجد.. حينئذ أمكن لهذه الضيقة أن توقظه. فيقول الكتاب إنه (رجع إلى نفسه) وقال (كم من أجير عند أبى يفضل عنه الخبز وأنا هنا أهلك جوعا؟! أقوم وأذهب إلى أبى..) (لو 15: 17). وهكذا قادته الضيقة إلى اليقظة وإلى التوبة، وعاد إلى أبيه.
مثال آخر أيقظته الضيقة، هو يونان النبى.
لقد هرب من وجه الرب، ولم يطعه في الذهاب إلى نينوى. كل هذا وضميره لم يحركه. وحتى عندما ركب سفينة إلى ترشيش، وهاجت الأمواج على السفينة حتى كادت تنكسر، وصرخ ركاب السفينة كل واحد إلى إلهه.. على الرغم من كل هذا لم يتحرك ضمير يونان، بل (نزل إلى جوف السفينة واضطجع ونام نوما ثقيلا) (يون 1: 5) مما اضطر رئيس النوتية إلى أن يوبخه قائلا (مالك نائما. قم أصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك). ولكن يونان لم يصرخ إلى إلهه. متى استيقظ إذن وصرخ إلى إلهه؟ حدث هذا حينما وقع في الضيقة الكبرى، وابتلعه الحوت، فاكتنفته المياه، وأحاط به الغمر، وأعيت فيه نفسه حينئذ (صلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت) وصرخ إلى الرب، ونذر، وقال للرب الخلاص (يون 2).
هناك من لا توقظه الضيقات الصغيرة، بل ضيقة مرة توقظه.
كما حدث ليونان النبى، الذي لم تكن الأمواج الشديدة كافية لإيقاظه، فاحتاج إلى حوت يبلعه لكي يفيق إلى نفسه. ولو أننا نلاحظ في قصة يونان أن اليقظة التي سببها ابتلاع الحوت له، لم تكن يقظة كاملة أو دائمة. فعلى الرغم من أنه أطاع الرب بعدها وذهب إلى نينوى، إلا أن طبعه عاد فغلبه، واحتاج إلى عمل الهى آخر ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!
ومن أمثلة الضيقات التي توقظ الضمير أحيانا: الأمراض والأحداث:
إن ساعة واحدة مؤلمة من مرض قاس مستعصى، قد توقظ الخاطئ وترده إلى الله، أكثر من ألف عظة، وبخاصة المرض الذي يهدد بالموت، أو المرض الذي يطول ويبدو أن الأطباء
قد عجزوا عن علاجه.. في المرض يشعر الإنسان بضعفه، فيلجا إلى الله. وهنا يبدأ التفكير في أن يصطلح مع الله . فيستيقظ من غفوته، ويعود إلى الله مصليا، طالبا منه العون والشفاء وسواء في ذلك: المرض الذي يصيب الشخص نفسه، أو المرض الذي يصيب واحدا من أحبائه..
ولعل هذه اليقظة من الأسباب التى لأجلها سمح الله بالأمراض...
مارأوغريس البنطي ST EVAGRIS المرشد الروحى العظيم.. وتدخل في نطاق الأمراض أيضا الأوبئة الفتاكة، التي تهلك بالمئات والآلاف، فيغشى كل فرد منها على حياته، ويشعر أن دوره في الموت ربما يأتى اليوم أوغدا..وهكذا يصحو إلى نفسه ويتوب مستعدا لأبديته. ولعل البعض يذكر وباء الكوليرا الذي أصاب إن الخاطئة التي ادعت على القديس مقاريوس أنه أخطأ معها، وأنها حملت منه: هذه لما تعسرت جدا في الولادة، واشتدت الأوجاع عليها حتى قاربت الوفاة، عرفت أن هذه الضيقة إنما هى ضربة لها من الله، فاستيقظت لنفسها، واعترفت إنها ظلمت ذلك البار، وأخبرت باسم الشاب الذي أخطأ إليها بالحقيقة. وتوجد حوادث أخرى مماثلة قد سجلها التاريخ..
ولعل الله قد سمح لهذه الخاطئة وأمثالها بآلام الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب، كما القديس بولس الرسول عن خاطئ كورنثوس (1كو 5: 5). ولعل من القصص المعروفة في التاريخ: المرض المستعصى الذي أصاب الشماس أوغريس، وفشل كل أنواع العلاج فيه. وأخيرا قالت له القديسة ميلانيا (إنى أرى يا ابنى، أن هذا المرض ليس مثل باقى الأمراض. فاخبرنى ما هو سببه في حياتك) وهنا صحا أوغريس إلى نفسه وصارح القديسة بمشكلته الروحية. وقاده هذا المرض ليس فقط إلى اليقظة الروحية، وإنما وصل به أيضا إلى الرهبنة فصار من آبائها ومرشديها المعروفين. وتحول من أوغريس الذي تتعبه الخطيئة، إلى القديس مصر سنة 1948.. حقا كان في أيامه سبب يقظة لكثيرين وما نقوله عن الأمراض، يمكن أن نقوله أيضا عن بعض الأحداث الأخرى التى يتعرض لها الإنسان، ويحتاج فيها إلى معونة من فوق، كما قال الرب ( ادعنى في وقت الضيق، أنقذك فتمجدنى) (مز 50: 15).

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:21 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الفشل | المذلة | الشماتة
فقد يكون الفشل في بعض الأحيان ضربة يسمح بها الله للخاطئ لكي يصحو إلى نفسه. وفي ذلك يقول الرب في سفر التثنية، ضمن حديثه عن لعنات الخطية: (لا تنجح في طرقك، بل لا تكون إلا مظلوما مغصوبا كل الأيام وليس مخلص.. بذارا كثيرة تخرج إلى الحقل وقليلا تجمع، لأن الجراد يأكله.. يكون لك زيتون في جميع تخومك، وبزيت لا تدهن، لأن زيتونك ينتثر.. ولا تأمن على حياتك. في الصباح تقول يا ليته المساء، وفي المساء تقول ياليته الصباح) (تث 28: 29 – 67)
فإن أحس الإنسان أن فشله يرجع إلى عدم رضى الرب عليه وإلى تخلى النعمة عنه، يرجع إلى نفسه.
يحدث ذلك عندما يجد الفشل يلاحقه.. كل باب يطرقه، يجده مغلقا في وجهه! وكل مشروع يبدا فيه، ينتهى إلى الضياع.. فيدرك أن بركة الرب قد خرجت من حياته، ويفيق لكي يصطلح مع الله، إذ قيل عن الرجل البار إن (كل ما يعمله ينجح فيه) (مز 1) حقا إن الله بأنواع وطرق شتى، يوقظ الخاطئ من غفلته.
ولعل من أمثلة الفشل والمذلة ، ما حدث لشمشون الجبار..

هذا القديس العظيم، الذي حل عليه روح الرب وصنع به انتصارات عجيبة، لما وجد أن نعمة الله قد فارقته، فضاعت قوته وضاعت هيبته، وأذله أعداؤه، حينئذ ندم على ما فعله واستيقظ، واصطلح مع الله، فأعاد إليه قوته.. وقد ضرب الرب لنا مثلا آخر عن الفشل الذي هو نتيجة لتخلى الرب، والذي يقود إلى اليقظة الروحية، بمثال:
فشل جيش يشوع أمام قرية عاي الصغيرة..
وكان ذلك الفشل المخجل، بعد الإنتصار العظيم على أسوار أريحا.. حينئذ أحس يشوع أن هناك خطية وخيانة سببت الفشل. وبدا يوقظ الشعب كله، لكي يعزل الخبيث من وسطه، لترجع بركة الرب إليه. وهكذا انكشف موضوع عخان بن كرمي. وبالتخلص من تلك الخطيئة، رجعت بركة الرب (يش 7) ما أسهل أن ترن في الآذان، خلال مرارة الفشل، عبارة (فى وسطك حرام يا إسرائيل) (يش 7: 13)
(فاعزلوا الخبيث من وسطكم) (1كو 5: 13) إصحوا لأنفسكم. إستيقظوا لا تمسوا نجسا. إرجعوا إلى، فأرجع إليكم. وهكذا تكون اليقظة الروحية علاجا للفشل، بالصلح مع الله.
على أن هناك –للأسف الشديد – من يقودهم الفشل إلى مزيد من الخطأ....
هؤلاء بدلا من أن يقودهم الفشل إلى اليقظة فالتوبة، نراهم في الفشل يتضجرون، ويتذمرون ويفقدون أعصابهم ، وربما يجدفون على الله أيضا، ويصفونه بالقسوة والظلم!! والبعض منهم قد يغرقون أنفسهم في ملاذ الجسد، وفي الخمر والمخدرات، لكي ينسوا ما هم فيه من ضيق والبعض قد يلجأ إلى السحر والشعوذة والأرواح، متوهمين أن سبب فشلهم هو ( عمل) من الشيطان.. ! والله قد يصبر على هؤلاء جميعا، حتى تفشل كل طرقهم البشرية في إنقاذهم من الفشل. وبدلا من التجديف على الله، يدخلون معه في عتاب. وحينئذ تستيقظ قلوبهم ويرجعون إلى الله
فإن كنت أيها الأخ تشكو من فشل يتابعك في حياتك، إرجع سريعا إلى نفسك، وفتش داخلك جيدا، وانزع الخبيث من وسط محلتك، واصطلح مع الله.. وهكذا تعود إليك البركة، فتحيا وتنجح.. إن وجدت كل الأبواب مسدودة أمامك، فارجع إلى الله يفتح ولا أحد يغلق (رؤ 3:7) إن الله يستخدم كل الطرق لإيقاظنا سواء كانت ضيقة أو ضربة، أو مرضا، أو مذلة، أو فشلا، لكي نصحو إلى أنفسنا
ولكن لماذا ننتظر ضربات الرب لكى نصحو؟! لماذا لا نصحو من الآن؟ ولا نلجئ الله إلى استخدام الشدة معنا!
إن الضيقات التي يسمح بها الله لإيقاظنا، على نوعين: إما ضيقة طبيعية، أي هى نتيجة طبيعية لأخطائنا وخطايانا.. أو هى ضيقة أرسلها الله من نعمته، بنوع من التخلى المؤقت
وكلاهما للخير إن أحسنا استخدامهما، لنستيقظ ونتوب..
ومن الضيقات التي يسمح بها الرب أحيانا، شماتة الأعداء..
ونلاحظ أن الإنسان ربما يحتمل الضيقة أو الفشل، ولكنه قد لا يحتمل فرح أعدائه في ضيقته وشماتهم بما أصابه من فشل أو سقوط. وفي ذلك قال أحد الشعراء:
كل المصائب قد تمر على الفتى فتهون غير شماتة الأعداء
وإذ يتألم الإنسان من شماتة الأعداء، يجد أنه تلقائيا يرجع إلى الله، ليصطلح معه ويقول له (..لا تشمت بى اعدائى) ( مز 24)، (الذين يحزنوننى يتهللون إن أنا سقطت) (مز 12) إن شماتة الأعداء قاسية، ومن قسوتها أيقظت كثيرين..
ولعل من الذين أيقظتهم شماتة العدو، القديس يعقوب المجاهد..
هزا هذا القديس بالشيطان، وأراد الشيطان أن ينتقم لنفسه بإسقاط القديس. وهكذا دبر له حيلة ماكرة، إستطاع بها أن يسقط القديس أخيرا في خطية الزنا. ثم أسقطه في الكذب لكي يغطى على هذا الزنا، ثم جعله يخلف كذبا لعله يثبت ما ذكره من كذب. وبعد هذا السقوط الثلاثى ظهر الشيطان للقديس، وهزأ به في سقوطه، ومضى ضاحكا فرحا. وهذه الشماتة من الشيطان جعلت القديس يعقوب يستيقظ من سقطته، ويصحو لنفسه، ويقدم توبة عجيبة، حبس نفسه في مقبرة لمدة 17 سنة في بكاء ودموع، وهو يقول لنفسه إنه لا يستحق أن يرى الناس ولا يرى النور.. إلى أن تحنن الله عليه أخيرا، واظهر له بمعجزة أنه قد قبل توبته. إن الله يعين الخاطئ على اليقظة الروحية إما بعوامل داخلية، داخل قلبه، أو بعوامل خارجية لعل من تدخل القديسين.

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:22 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
تدخل القديسين
قد يتدخل القديسون الأحياء بصلواتهم لإنقاذ نفس خاطئة، مثلما اجتمع قديسو برية شيهيت، ورفعوا صلوات من أجل القديسة بائيسة في سقتطها. وقد يتدخل قديسو الكنيسة المنتصرة في السماء، فيشفعون إحدى النفوس لتستيقظ كما فعلت القديسة العذراء لما تشفعت في مريم القبطية فأيقظتها..
وقد يتدخل القديسون الأحباء تدخلا عمليا لإيقاظ نفس وهدايتها:
ا- مثلما فعل القديس بيصاريون لإنقاذ القديسة تاييس:
ذهب إليها في مكان عارها، وحدثها عن الله والدينونة، فتخشعت من كلامه وارتعدت، وهو يقول لها (إن كانت هناك دينونة، فكيف تتسببين في هلاك هذا العدد الكبير من النفوس، لأنه من أجل هذه النفوس الكثيرة سيكون عقابك أكثر من مجرد عقابك على سقوطك) ولفزع تاييس من جدية كلام القديس وتأثرها به، سقطت على الأرض وانفجرت باكية. وأمكن أن يقودها القديس إلى التوبة والخروج من أماكن الآثم، حيث قضت حياتها كقديسة.
ب- وقصتها تشبه قصة خاطئة أخرى أنقذها القديس سرابيون الكبير:
ذهب إليها القديس لكي يختطف نفسها من النار. ودخل مكان عارها. وظل يتلو مزاميره وفي نهاية كل مزمور، كان يصلى قائلا (إرحم يا رب هذه المسكينة وردها إلى التوبة فتخلص)

وكانت هذه الخاطئة تسمع صلواته، وهى واقفة إلى جواره ترتعد خوفا وخجلا. وأخيرا خرت على قدميه طالبة إليه أن يخلصها. فأرشدها إلى طريق الله، وأخرجها من بيت الخطية إلى بيت للعذراى حيث عاشت حياة توبة..
ج- ومن هذا النوع أيضا قصة القديس يوحنا القصير، وسعيه لخلاص نفس القديسة بائيسة:
وهذه كانت قد بدأت حياتها بداية طيبة. كانت غنية جدا، وكريمة جدا، وطاهرة جدا. وكانت تنفق أموالها على الغرباء والمساكين، وعلى الأديرة والكنائس. ومع ذلك استطاع الشيطان أن يضلها فانحرفت إلى الفساد وعاشت في أعماقه. وسمع بأمرها الشيوخ القديسون في شيهيت، وأقاموا الصلوات لأجلها. ولم يكتفوا بالصلاة وحدها، بل أرسلوا إليها القديس يوحنا القصير لكي يختطف نفسها من الجحيم. فذهب إليها هذا القديس العظيم في مكان عارها، وهو يرتل قول المزمور (إن سرت في وادى ظل الموت فلا أخاف شرا لأنك أنت معى) نظر إليها القديس وقال لها (لماذا استهنت بالسيد المسيح بهذا المقدار؟.. كيف أضلك الشيطان حتى بعت المسيح بهذا الثمن الرخيص؟ وأحنى القديس رأسه وبكى بكاءا مرا وتأثرت بائيسة من توبيخه لها، وتأثرت من بكائه، واستيقظ ضميرها.. وقالت للقديس (هل لي توبة؟ ) فأجابها (نعم، ولكن ليس في هذا المكان) إقتنعت، وسلمت نفسها لهذا الذي أتى من أجل خلاص نفسها وخرجت التائبة بائيسة مع القديس إلى البرية. ولما أدركهما الليل، تركها تنام في ناحية، وانفرد في مكان آخر يصلى، ورأى في رؤيا نورا عظيما يمتد بين السماء والأرض، والملائكة صاعدين بروح بائيسة، فذهب إلى حيث كانت فوجدها قد ماتت.. وسمع صوتا يقول (إن توبتها قد قبلت في ساعتها التي تابت فيها، أكثر من الذين قضوا سنين كثيرة في التوبة ولكن ليست بنفس الحرارة.. ورجع القديس يوحنا القصير إلى شيهيت، وأخبرا الآباء القديسين بتوبة بائيسة ونياحتها وقبول الله لها. وكتبت قصتها في سنكسار cuna[arion (يوم 2 مسرى) وهكذا كان تدخل القديسين له عمقه في إيقاظ الخطاة.
وأنت يا أخى، لعل القديسين لهم دور في يقظة نفسك...
ربما في الأوقات التي تصحو فيها نفسك بعد غفوة معينة، يكون سبب ذلك صلوات قديسين قد رفعت من أجلك، فأرسل لك الله نعمة خاصة توقظك. وهكذا لا يجوز لنا أن نيأس من خلاص الخطاة، لأن قديسين كثيرين يعملون لأجلهم ويذكرونهم أمام الله في السماء.
أما على الأرض، فتعلمنا هذه القصص أهمية الإفتقاد..
كم من نفس غافلة، تحتاج إلى افتقاد منك، من نوع زيارة القديس يوحنا القصيرلبائيسة بنفس الجدية والعمق، وبنفس الروح والتأثير.. وكما تفعل زيارة القديسين في إيقاظ الخطاة، هكذا أيضا تفعل الذكريات المقدسة في زيارتها للعقل والقلب وتأثيرها عليهما.

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:24 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الذكريات المقدسة القديمة
هناك خاطئة أخرى، لها قصة شبيهة، وقد أيقظتها الذكريات المقدسة القديمة، التي أثارها فيها إفتقاد قديس لها، وهى:
مريم الخاطئة التي تابت بافتقاد عمها القديس إبراهيم المتوحد لها.

كانت قد بدأت بحياة نسكية طيبة في مغارة مدى عشرين عاما تحت رعاية عمها. ثم أغواها الشيطان، وسقطت وهربت، واستمرت في السقوط، كأنها نسيت حياتها القديمة البارة.. ربما ليأسها من الرجوع إلى الله وبحث القديس الأنبا إبراهيم عنها. وأخيرا عرف مكانها، وذهب إليها متنكرا. وجلس إليها.. ولما لمحت المسوح التي كان يلبسها تحت ثياب تنكره، واشتمت منه رائحة عرق النسك، ثارت فيها الذكريات القديمة، وبدأت تستيقظ. بينما كان القديس يصلى من أجلها. وتذكرت مريم أيام عفافها ونسكها، وانفجرت باكية، وهى تقول:
(ويل لى، إننى أتعس كل بنى البشر) واستغل القديس تأثرها، فقال لها (أيتها القديسة إبنة المسيح، هل أنت مقتنعة ومسرورة بما أنت فيه).. وحدثها القديس عن ذكريات نسكها القديم. ومرت لحظات وهى جامدة أمامه من الخوف والخزى، فأخذ القديس يعزيها ويقيمها من هوة اليأس. ثم أخذها وأخرجها من ذلك الفندق وقادها إلى حياة التوبة مرة أخرى، ورجعت إلى مغارتها، تبكى خطاياها، ولكن في رجاء التوبة.. وفي ساعة إنطلاقها من العالم، بعد سنوات في التوبة، كان وجهها يضئ كالمصباح
إن الذكريات القديمة المقدسة قد هزت نفس القديسة مريم وأيقظتها، ولم يكن عمها الأنبا إبراهيم محتاجا إلى مجهود كبير معها لإيقاظها.
وكم من أناس توقظهم ذكرياتهم القديمة المقدسة....
عندما يتذكر الإنسان محبته الأولى، وعمق حياته الروحية في ماضيه... عندما يتذكر أيامه الحلوة مع الله، والحرارة التي كانت له في صلواته وفي خدمته، وعمل الله معه ما أسهل حينئذ أن يتحرك قلبه فيستيقظ، ويبكى على ما هو فيه.. ربما تقع في يده مذكرة تأملات قديمة له... وإذ يعاود قراءتها تهتز نفسه من الداخل، فيصحو.. قد تصادقه صورة له مع أشخاص روحيين كانوا زملاءه في طريق الرب، فتذكره هذه الصورة بأيام سعيدة مع الله، يشتاق قلبه إليها فيصحو.. وربما يزوره صديق قديم، يحكى له ذكريات الخدمة، أو ذكريات رحلاته معه إلى الأديرة ومواضع القديسين، فتتأثر نفسه ويستيقظ... ياليتنا كلما نفتر، نعود فنتذكر ماضينا الحلو فنصحو .. وليتنا أيضا نضع أمامنا قنوات ثابتة بيننا وبين الذكريات القديمة، نعيدها إلي أذهاننا بين الحين والآخر، لنمتص عصارتها وتسرى في عروقنا فتنعشها...

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:24 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
تأثير وسائط النعمة
إن نعمة الله تعمل في قلب الإنسان لتوقظه، إما بِنَخْس مباشر للضمير، وإما عن طريق وسائط روحية تؤثر فيه ، مثل قراءة روحية تهتز نفسه هزا، أو عظة عميقة تستطيع أن تدخل إلى أعماقه فيستيقظ، أو قداس روحى يسمعه فيحمل نفسه إلى أجواء أخرى غير أجواء الخطية، أو اجتماع روحى ينقله من جو الخطيئة الذي يعيش فيه إلى جو مُغاير فيصحو..

وما أكثر القصص التي فيها استيقظ خطاة بوسائط النعمة...
فهكذا استيقظ أوغسطينوس، عندما قرأ حياة القديس العظيم الأنبا انطونيوس، وشعر بلذة وعمق الحياة النسكية التى عاشها ذلك القديس العجيب.. وتاب أوغسطينوس، وتحول إلى نبع من الروحيات إرتوى منه كثيرون..
وبيلاجية الممثلة والراقصة المشهورة في أنطاكية، كيف استيقظت؟
لقد ذهبت إلى الكاتدرائية الكبرى في أنطاكية، ربما للفرجة إذ كان عدد كبير من الأساقفة في زيارة لها . وتصادف أن القديس نونيوس كان يعظ من كل قلبه عن الحياة الأخرى وما فيها من بركات للأبرار ودينونة للخطاة. وكان يتكلم بالروح، بتأثير عميق في النفوس، بكلام بسيط ولكنه قوى نفاذ. وإذ بخوف الله يدخل في قوة إلى قلب بيلاجية، فتصحو لنفسها، وإذا بدموعها تنهمر على الرغم منها.. وتصر في داخلها على مقابلة القديس نونيوس بعد انصرافه من الكاتدرائية، وتبدأ قصة توبة، تتحول بها إلى قديسة تصنع عجائب..
إن نفس التأثير الروحى أيقظ أيضا أفدوكيا الخاطئة...
إلى أنها نالت عاشت في الخطية زمانا، قادها فيه شيطان اليأس إلى الاستسلام وخدر ضميرها. ولكن كيف استيقظت؟ لذلك قصة: كانت في بعلبك. وحدث أن راهبا قديسا يدعى جرمانوس زار صديقا له كان يقيم بيت مجاور لهذه الخاطئة. وفي منتصف الليل كان الراهب يصلى صلوات عميقة ، وكان يقرأ فصولا مؤثرة من الكتاب المقدس ومن الكتب الروحية، وكان صوته مرتفع ربما ليطرد النوم عنه. وكانت هذه الخاطئة تتجسس بأذنيها أصوات جيرانها. فسمعت هذه الصلوات وهذه القراءات الروحية، وتأثرت بها جدا وهزت مشاعرها، فأدركها الحزن على نفسها، واستيقظت روحها داخلها. وفي الصباح ذهبت وقابلت القديس جرمانوس، الذي وعظها كثيرا وتأثرت جدا بوعظه، وبدأت معها قصة توبة.. فتعمدت، والتحقت ببيت للعذارى، وارتفعت في حياة الروح والنسك، حتى صارت أما لهذا البيت، وانتهى بها الأمر إكليل الشهادة، وتعيد لها الكنيسة في اليوم الخامس من برمهات (باسم أود كسيا) حقا انه خطر على الإنسان، أن يبقى في جو واحد فقط هو جو الخطية...
بحيث يؤثر عليه هذا الجو تأثيرا كاملا، ويسيطر عليه، ولا يعطيه فرصة أن يتنفس هواء
جديد ا.. أما وسائط النعمة، فإنها تقدم تأثيرا جديدا يقيم توزانا داخل قلب الإنسان، ويشعره بخطورة موقفه، فيستيقظ لنفسه.. كما أنها تغرس فيه مشاعر من نوع آخر، تقربه إلى الله وحياة البر، وبخاصة إن كان الخاطئ قد أتعبته الخطية، ولكنه بقى فيها إذ لم يجد غيرها، أولم يجد من يقوده خارجها.. وهكذا تؤدى الوسائط الروحية عملها في إيقاظ النفس الخاطئة..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:26 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
التأثر بموت الآخرين

الموت يهز النفس هزا، ويقلب جميع التأثيرات المادية في قلب الإنسان، إن أمكن أن يستخدمه حسنا لخلاص نفسه. ربما إنسان خاطئ يذهب إلى الكنيسة لمجرد تقديم العزاء لأحد أصدقائه في موت قريب له. وإذا بالموت يحدث تأثيره.. فقد يتأثر من منظر الميت في صندوقه بلا حراك، أو قد يتأثر بلحن حزاينى مثل آجيوس أو لحن آري باميفئى، أو يتأثر ببكاء الناس..
أو بالعظة..
ويخرج من الكنيسة وإذا هو شخص آخر، قد عزم على التوبة بكل قلبه..
ولعل في قصة القديس الأنبا بولا مثالا لتأثير الموت...
لم يكن يشغله سوى موضوع الميراث والمال. وكان ذاهبا لكي يقاضى قريبه الذي اغتصب جزءا من ميراثه..وفى الطريق رأى جنازا ونعش ميت، وسمع ما يقوله المشيعون..
وترك الموت تأثيره في نفس بولا، فزهد العالم، وزهد الميراث والمال، ومضى إلى البرية، وتحول إلى القديس العظيم الأنبا بولا أول السواح. ليتنا إذن نستفيد من مناظر الموت، ومن الحديث والقراءة عنه..
إنه يعطى يقظة للأصحاء الذين يرونه في آخرين، ويعطى يقظة لمن ينتظرونه لأنفسهم..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:27 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
السقطة الكبيرة غير المُحتملة

مع أن الخطية هى الخطية، أيا كانت درجتها ونوعيتها، إلا أن هناك خطايا يستطيع الضمير العادي أو الضمير الواسع أن يحتملها، وأن يمررها بهدوء، ويجوز مقابلها دون أن يهتز..
وهناك خطايا تتحول إلى عادة، يمارسها الإنسان كأنها جزء من طبعه أو طبيعته، ولا يشعر أنها تمثل شيئا شاذا في حياته يحتاج إلى أن يقف عنده ليغيره..
بل هناك خطايا يفتخر بها الخطاة، ويتحدثون عنها في زهو!
في كل ذلك وأمثاله، لا يستيقظ الضمير. إلى أن يقع الإنسان في الخطيئة بشعة، أو خطيئة أكبر من احتمال ضميره، أو خطيئة تسبب له فضيحة وعارا، أو لها نتائج سيئة مخيفة..
وهنا فقط يستيقظ...!
تماما كالذي لا توقظه الضيقات البسيطة التي يفتقده بها الرب وينتظر إلى أن تقع به الضيقة الكبيرة فيستيقظ.
ولكن طوبى للإنسان الذي لا ينتظر حتى يصل إلى هذا الحد الخطير، بل له الضمير الحساس الذي يؤلمه من أولى خطوات
الخطية.. الضمير الحريص المدقق الذي يقول للخطية من بدء طريقها:
(يا بنت بابل الشقية طوبى لمن يمسك أطفالك، ويدفنهم عند الصخرة) (مز 136)
(والصخرة كانت المسيح) (1كو 10: 4)،
وأطفال الخطية هم براعمها الصغيرة..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:28 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
العودة إلى الله

إن الإنسان الذي لا تأتيه اليقظة من داخله، كثيرا ما توقظه أسباب خارجية كغالبية الأسباب التي ذكرناها. فلا يفيق مثل هذا الإنسان إلا بسبب يأتيه من الخارج، مثل لوط الذي لم ينتبه إلى نفسه ويخرج من سادوم، وانما خرج بسبب ملاكين دفعاه دفعا إلى الخارج ليترك المدينة الهالكة.
أما أنت يا اخى، فلا تنتظر حتى يرسل الله ملاكين يخرجانك من سادوم، وانما إستيقظ أنت من ذاتك. قم من الأموات، فيضئ لك المسيح...
أترك هذا الكتاب الآن واجلس إلى نفسك،
وقل لابد أن اصطلح مع الله .. الآن.
وارفع صلاة أن يعينك الرب، ويعطيك قوة ترجعك إليه...

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:29 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
مشاعر تصاحب اليقظة الروحية



اليقظة الروحية، إن كانت يقظة حقيقية، هناك علامات تدل عليها وتميزها. ولعل من أول هذه العلامات:

  1. الشعور بالخجل والخزى | 2 | 3
  2. دموع الحزن والندم.
  3. حرب اليأس، وحسد الشياطين.
  4. حرارة روحية تصحب اليقظة.
  5. تعويض ما فات.
  6. مشاعر أخرى..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:30 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الشعور بالخجل والخزي
عندما يصحو الخاطئ إلى نفسه، يدرك بشاعة الخطية التي كان يعيش فيها، فيشعر بخزى من خطاياه، ويخجل من ماضيه . وكلما تمر أمامه صور خطاياه تزعجه وتخزيه كيف أنه فقد صورته الإلهية، وفقد نقاوته..! كيف أنه دنس نفسه أو فكره، أو حواسه أو جسده..
كيف أنه استهان بوصايا الله إلى هذا الحد..! كيف.. كيف...؟!
إنه يخجل أولا من الله ذاته ...

يخجل من قدسية الله وصلاحه ... إن كانت الخطية بشعة أمام الإنسان، فكم تكون بشاعتها أمام الله القدوس، غير المحدود في قداسته.. ويخجل من طول أناة الله عليه وكيف أن الله الحنون لم يأخذه في سقوطه، إنما صبر عليه وهو يتعدى وصاياه، وأعطاه فرصة لكي يستيقظ ويتوب.. يخجل من محبة الله التي قابلها بالجحود والإستهانة، وفي صلاته يقول لهذا الإله المحب (أنا يا رب مكسوف منك.. خجلان لا أعرف كيف أرفع وجهى إليك.. وكيف أتجرأ و أعود فأخاطبك، كأن شيئا لم يحدث صدقنى يا رب إننى خجلان من محبتك التي تسمح الآن بأن تسمع لى، وتقبلنى مصليا محبتك التي ترضى بأن تصطلح معى، بهذه السهولة...! هذا الخجل المقدس هو صفة لازمة لكل تائب، يعرف تماما أنه وضع نجاساته على كتف المسيح ليحملها عنه، ويخزى من محبة الفادى وهو يقبل هذا...
ولعل من أمثلة الشعور بالخجل ، قصة العشار في الهيكل....
يقول عنه السيد المسيح إنه من خجله، لما دخل الهيكل (وقف من بعيد) وهو (لا يشاء أن يرفع عينيه إلى السماء) (لو 18: 13) وإنما في مذلة وفي شعور بالخزى، قرع صدره قائلا: إرحمنى يا رب أنا الخاطئ.
نفس الوضع يشبه مشاعر الإبن الضال في يقظته..
لما استيقظ هذا الإبن من غفلته، أو لما (رجع إلى نفسه)، شعر في خزيه أنه لم يصل إلى مستوى أجراء أبيه، وانه لا يستحق أن يكون له إبنا. وكل ما يريده من أبيه هو هذه الطلبة ( إجعلنى كأحد أجرائك) (لو 15: 19).
لما استيقظت مريم الخاطئة، قالت لعمها الأنبا إبراهيم:
(لا أستطيع يا أبى أن أنظر إلى وجهك من فرط خزيى وعارى. بل كيف أرفع عينى إلى السماء نحو الله، وأنا ملوثة بكل الأوحال الدنسة؟!.. حقا إن الإنسان الذي استيقظت روحه يقول مع المزمور:
(اليوم كله خجلى امامى، وخزى وجهى قد غطانى) (مز 44: 15)
وإذا وقف أمام الله، لا يجد أمامه سوى عبارة (أنت عرفت عارى وخزيى وخجلى) (مز 69: 19)إنه إنسان خجلان من الله. لا يجرؤ أن يرفع وجهه إليه، ولا يرى نفسه مستحقا الدخول إلى البيت الله. بل يقول له (أما أنا فبكثرة رحمتك ادخل إلى بيتك) (مز 5: 7) إنها رحمة منك، تسمح لي بها أن ادخل إلى بيتك، وليس استحقاقا لي أنا يا رب اشعر بخجل أمامك .. كيف حدث أننى ضعفت إلى ذلك الحد؟! كيف أننى لم أقاوم، بل استسلمت وسقطت؟! كيف لم أضعك أمامى وقتذاك.. كيف استهنت بوصاياك..

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:31 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
خجل الإنسان من الخطية
إذا استيقظ الخاطئ، يشعر بخجل في الداخل أمام نفسه. وبخجل خارجها أمام الله، وأمام ملائكته وقديسيه ..
دائما الخطية تسبب الخجل والخزى، أو أنكشاف الخطية أمام الإنسان يسبب هذا سواء أكانت خطيته هو، أو خطية من ينتسبون إليه وينتسب إليهم...
وهكذا نجد أن الخزى من الخطية ، يدخل في مشاعر الأنبياء...
فأرميا النبى – وهو يوقظ الشعب الغافل في خطيته – نسمعه يقول (.. نضطجع في خزينا ويغطينا خجلنا، لأننا إلى الرب إلهنا أخطأنا، نحن وآباؤنا، من صبانا إلى هذا اليوم) (أر 3: 25) وعزرا الكاهن، لما اكتشف خطايا الشعب، مزق ثيابه حزنا.. وعند تقدمة المساء، قام من تذلله، وبثيابه جثا على ركبتيه، وبسط يديه إلى الرب قائلا:
إننى أخجل و أخزى من أن ارفع يا إلهى وجهى نحوك (عزرا 9: 6).

وشرح عزرا سبب خجله وخزيه فقال (لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا، وآثامنا تعاظمت إلى السماء.. قد جازيتنا يا إلهنا بأقل من آثامنا) وختم هذا الكاهن القديس صلاته بقوله (أيها الرب.. أنت بار، لأننا بقينا ناجين إلى هذا اليوم. ها نحن أمامك في آثامنا، لأنه ليس لنا أن نقف أمامك (عز 9: 6، 13، 15).
وبنفس صلاة أرميا وعزرا، كانت أيضا صلاة دانيال..
قال وهو صائم في المسوح والرماد (أيها الرب الإله العظيم المهوب.. أخطانأ وأثمنا، وعملنا الشر، وتمردنا وحدنا عن وصاياك... يا سيد، لنا خزى الوجوه، لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا، لأننا أخطانأ إليك.. ) (دا 9: 5، 8).
هكذا وقف الأنبياء القديسون فى خزى أمام الله. فهل يليق بنا في توبتنا أن نقف بجرأة أمام الله، نطالب بحقوق؟!
إن الكتاب يعلمنا هذا الإنسحاق الذي نشعر فيه بالخزى والخجل... إن داود النبى ما أن انكشفت أمامه خطيته، حتى شعر بالخزى وقال (لقد أخطأت جدا في ما فعلت إنحمقت جدا) (2صم 24: 1. ) (وضربه قلبه)...
الخجل لا بد أن يكو ن، قبل الخطية أو بعدها...
مبارك هو الشخص الذي يشعر بالخجل من فعل خطيته، قبل أن يقع فيها، ويمنعه الخجل من ارتكابها، مثل يوسف الصديق الذي قال (كيف أخطئ وافعل هذا الشر العظيم أمام الله).. وهكذا لم يخطئ.. فإن لم يخجل الإنسان هذا الخجل الواقى، وسقط في الخطية، فبالأحرى جدا ينبغى أن يشعر بالخجل لسقوطه. يخجل من ضعفه ومن هزيمته، ومن دنسه، وبعده عن الله... واستهانته بمحبة الله وطول أناته عليه..
ويخجل الإنسان من وعوده لله فى أن يحيا حياة بر....
تلك الوعود السابقة، الحافلة بتعهدات كثيرة، والتي لم يكن أمينا فيها ولا صادقا.. ولسان حاله يقول:
كم وعدت الله وعدا حانثا ليتنى من خوف ضعفى لم أعد.
ويزداد خجله من تعهداته لله، كلما كانت تلك التعهدات محاطة بقدسية معينة، كأن يكون قد تعهد أمام الله، وهو واقف أمام المذبح، أو وهو واضع يده على الإنجيل، أو وهو أمام رفات أحد القديسين... كل ذلك يجعله يذوب خجلا أمام الله وأمام نفسه. وكما يخجل الإنسان من نفسه ومن ضعفه وعدم أمانته، يخجل كذلك من الملائكة وأرواح القديسين الذين رأوه يخطئ...

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:32 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
الخطيئة ومشاعر الخزي
قد لا يخجل الخاطئ من خاطئ مثله، يراه في خطيئته أو يشترك معه فيها. ولكنه يخجل جدا إن عرف بهذه الخطية أحد الأبرار الأنقياء، أو أن رآه أو سمعه.. فكم بالأكثر يكون خجله من الملائكة الذين حوله، وأرواح القديسين وهى تراه! وكذلك كم يكون خجله من أرواح أصدقائه وأقربائه الذين انتقلوا... أين يخفى وجهه من كل هؤلاء، وبخاصة الذين كانوا يحسنون الظن به، والذين كانوا يثقون به وببره وتقواه، ويمتدحونه، ويطلبون صلواته لأجله.. ثم يرون نفسه على حقيقتها في أخطائها... ! بل هو يخجل أيضا من أرواح أعدائه ومعارضيه
ممن كان هو ينتقد أعمالهم ويبدو أفضل منهم. ماذا تراهم يقولون عنه الآن؟!
والخاطئ حين يستيقظ ويتوب، يقول في شعوره بالخزى:
أين أخفى وجهى، يوم تفتح الأسفار، وتكشف الأعمال والأفكار؟!

إن كان خجلى هنا على الأرض يؤلمنى، أمام عدد محدود، فكم وكم يكون في اليوم الأخير، أمام الخليقة كلها ... ماذا أفعل بهذا الماضى وسقطاته؟ إن كنت لا أحتمل التعبير على الأرض، فكم يكون العار في اليوم الأخير. ويظل هذا الخزى يتابعه ويؤلمه، إلى أن يفيض الله عليه بعزائه، ويمحو ماضيه... وفي اعترافه بخطئه يستريح.
والخزى من خطاياه، ليس بسبب عقوبتها، بل بسبب بشاعتها...
إن العقوبة تسبب خوفا لا خجلا. ويزول هذا الخوف حينما يدرك الإنسان أن التوبة الصادقة تنجيه من العقوبة .. ولكنه يخزى بسبب احتقاره لنفسه في سقوطها. وقد يحتمل الإنسان احتقار الناس له..
ولكن أقسى ما يؤلم، هو أن يحتقر الإنسان ذاته....
وهكذا يشعر بالخزى، ليس فقط أمام الله والناس، وليس فقط أمام الملائكة وأرواح القديسين، وانما أيضا يشعر بالخزى أمام نفسه: وهو وحده لا أحد معه. إن ذلك يعصره عصرا، ويسحقه سحقا. وكل ذلك نافع له روحيا.. نافع له في اكتساب فضيلة الإتضاع والإنسحاق.
وفى عدم الإعتماد على نفسه فى المستقبل بل يعتمد على الله وحده. ونافع له في الإحتراس من الخطية ومن أسبابها....
لذلك إن لم يخجل الإنسان من خطاياه، تخجله الكنيسة....
وقد حدث هذا بالنسبة إلى خاطئ كورنثوس الذي حكم عليه بولس الرسول (1كو 5) وعزلته الكنيسة من شركتها لكي يخجل ويحس ببشاعة خطيته. وقد كان.. حتى كاد يبتلع من الحزن المفرط، وحينئذ عفت عنه الكنيسة (2كو 2: 7، 8) ولعل في قول الرسول (لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا) (1كو 5: 11)، وقوله (اعزلوا الخبيث من بينك) ( 1كو 5: 13)، ما يحمل معنى روحيا، هو أن يحس هؤلاء ببشاعة سلوكهم، ويستيقظوا، ويشعروا بالخجل والخزى.. وكل هذا يقودهم إلى التوبة، وبالتالى إلى المغفرة، والى المصلحة مع الله..
ولعل الإعتراف على الكاهن، وسيلة تساعد على الخجل المقدس.
الإعتراف له أسباب عقيدية وفوائد كثيرة. ولعل من ضمن فوائده أن يشعر المعترف بالخجل وهو يعترف. وذلك لان البعض – لقلة حساسيتهم الروحية –
لا يخجلون أمام الله!
ولكنهم إذ يخجلون أمام الكاهن ، يدركون كم الخطية بشعة، فيتوبون عنها ويتركوها.
قلنا إن من يستيقظ يقظة روحية حقيقية، لابد أن يشعر بالخزى والخجل بسبب خطاياه السابقة. وهذا الخزى نافع له ..
غير أن البعض للأسف يهربون من الخجل والخزى....
وبالتالى نقول انهم لم يستيقظوا بعد يقظة حقيقية....
هذا الذي يخطئ، فيهرب من الإعتراف، ومن الكهنة والمرشدين الروحيين. أو يهرب من المجال الروحى كله، حتى لا يتبكت قدامه. أو هناك من يهرب من خجل خطيئته، بدفاع مختلق يحاول به أن يبرر نفسه، فيضيف إلى خطيته خطايا جديدة بهذا الدفاع أو إنسان يهرب من خزيه أمام نفسه بسبب خطيئته، بأن يغرق نفسه في المشغوليات أو في المتع، حتى لا يخجلوا إلى نفسه فتحاسبه فيخجل..!
يا إخوتى، إستفيدوا من الخجل، فهو صديق مخلص، صادق وصريح، ويهدف إلى خلاص أنفسكم...
إن كان الشعور بالخزى هو من علامات اليقظة الروحية، فمن علاماتها أيضا الدموع، دموع الندم والحزن.

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:34 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
دموع الندم والحزن

بطرس الرسول ما كان يشعر بفداحة إنكاره للمسيح، بدليل أنه كرر هذا الإنكار ثلاث مرات وهو في دوامة الخوف. فلما أيقظه صياح الديك، وتنبه إلى نفسه، وشعر بعمق خطيته، يقول الإنجيل إنه (خرج إلى خارج، وبكى بكاءا مرا) (متى 26: 75)
هذا البكاء هو تعبير القلب عما يشعر به من مرارة وندم بسبب خطيته... وكما بكى بطرس، بكى داود...
كان داود في دوامة الخطية، يتنقل فيها من مجال إلى مجال آخر، حتى نبهه ناثان وأيقظه.
وفى يقظته تحول حزن قلبه إلى دموع متصلة فقال (فى كل ليلة أعوِّم سريرى، وبدموعي أبل فراشي) (مز 6) لم يبك داود خوفا من فقد أبديته، فقد قال ناثان النبي (الرب نقل عنك خطيئتك.. لا تموت) (2 صم 12: 13) ولكنه بكى ندما وحزنا، لأنه دنس نفسه وأغضب الرب ...
إن الدموع عنصر ثابت في كل قصص التوبة....
إنها تصاحب كل يقظة روحية... يبكى بها الإنسان على أيامه لضائعة، وعلى نقاوته المفقودة، ندما وحزنا، إذ يشعر إلى أية هوة قد انحدر... يبكى بينه وبين نفسه أمام الله، ويبكى أمام المرشد الذي أيقظ نفسه، ويبكى أمام المذبح وصور القديسين، ويبكى كلما تذكر إن القلب الذي لم يختبر البكاء، هو قلب قاس...
كلما تزداد حساسية ورقة القلب، تزداد دموع التوبة والندم... ولكن قد تجف الدموع، إن نسى الإنسان خطاياه أو انشغل عنها، أو لم تعد خطيرة في تقديره.. ولهذا نسمع في بستان الرهبان نصيحة يكررها الآباء كثيرا، وهى (إذهب إلى قلايتك، وابك على خطاياك).
القديس يعقوب المجاهد، بكى بكاء عجيبا، لما صحا لنفسه...
قيل إنه صار يبكى، والدموع تنزل من عينيه في لون الدم، غزيرة كالمطر، حتى أن العشب نبت عند قدميه من الدموع.. وبقى هكذا سبعة عشر عاما.. في مقبرة أغلق على نفسه فيها بدون عزاء ، حتى افتقده الرب أخيرا، وأشعره بقبول توبته، بمعجزة أجراها على يديه...
ودموع الحزن والندم تصحبها أمور أخرى تناسبها...
من أمثلة ذلك لوم النفس وتبكيتها في شدة، كما حدث للقديس موسى السائح، الذي ظل يقول:
(الويل لك يا نفسى حينما فعلت كذا وكذا.. الويل لك يا نفسى..) وقد يصحب ذلك سجود الخشوع والتوبة، أو قرع الصدر، أو صرير الأسنان.. وما أكثر ما ورد من قصص في كتاب الدرجى عن ممارسات منسحقة في (دير التوابين)...

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:36 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
حرب اليأس وحسد الشياطين
قد ينتهز الشيطان حالة الندم المرير الذي يملأ قلب التائب مع لومه الشديد لنفسه، لكي يوقعه في اليأس، كأن خطاياه بلا غفران... ! وكما قال المرتل (كثيرون يقولون لنفسى: ليس له خلاص بإلهه) (مز 3)

وقديما أوقع الشيطان يهوذا في اليأس فشنق نفسه...
والمرشد الروحى الحكيم، إذ وجد أن الكآبة قد عصفت بالخاطئ حتى تكاد تدفعه إلى اليأس، يبدأ بإدخال الرجاء إلى قلبه، بالحديث عن رحمة الله غير المحدودة وغفرانه الذي يشمل كل خطية ومن أمثلة ذلك قول بولس الرسول عن خاطئ كورنثوس (تسامحونه بالحرى وتعزونه، لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط لذلك اطلب أن تمكنوا له المحبة) (2كو 2: 7، 8).
والحكمة هنا تقتضى حفظ التوازن بين أمرين:
إنسان غافل عن نفسه، يحتاج إلى من يشعره ببشاعة الخطية حتى يستيقظ. وإنسان آخر شعر ببشاعة الخطية، وكاد ييأس من خلاصه وهذا لا نحدثه عن الخطية، وإنما عن مراحم الله، حتى لا يقع في قطع الرجاء ويهلك.
على أن الشيطان كما يحاول أن يوقع التائب في اليأس من المغفرة، يحاول أن يوقعه أيضا في اليأس من التوبة!
إنه لا يريد أن يفلت الخاطئ من يده. فإن وجده قد استيقظ من غفوته وبدأ يمارس أعمال التوبة يحسده على ذلك ، ويحاول أن يوقعه في الكآبة الشديدة التي تقود إلى اليأس. فإن فشل في هذا، يثير عليه حربا شعواء عنيفة في نفس الخطية التي تاب عنها، حتى يرجعه إليها، ويشعره أن التوبة عن هذه الخطية أمر مستحيل عمليا، ولابد أن يسقط فيها عمليا مهما ابتعد عنها.. !
وفى قصة القديسة مريم القبطية مثال لذلك:
فإنها بعد أن تابت، ونذرت نفسها، ودخلت في حياة الرهبنة والسياحة، حسد الشيطان توبتها، وحاربها بعنف لكي يرجعها. وهكذا قالت للقديس زوسيما: (لمدة سبعة عشر عاما، حاربت الشهوات غير المرئية التي للطبيعة الفاسدة، مثلما أحارب وحوشا حقيقية وكانت مئات الأغانى الخليعة تعبر على ذهنى، بل وتأتى على شفتى، وحينئذ كنت أقرع صدرى مذكرة نفسى بتوبتى، وبدموع كنت أطلب معونة الله وشفاعة العذراء.. فكان يحوطنى نور باهر وتهرب التجربة) (ومرات أخرى كثيرة، كانت تهاجمنى آلاف الذكريات الحسية والأفكار الدنسة وكانت تجعل في قلبى آلاما شديدة، بل كانت تجرى في عروقى كجمر مشتعل، حينئذ كنت أخر إلى الأرض متضرعة.. إلى أن يحوطنى النور الإلهى مثل دائرة من نار، لا يستطيع المجرب أن يتعداها) (وكانت العذراء معينة لي بالحقيقة في حياة التوبة، فكانت طوال هذه المدة تقودنى بيدها وتصلى لأجلى).

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:37 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
حرارة روحية تصحب اليقظة

وإذا بكل عواطفه التي كانت متجهة إلى الخطية، تتحول جميعها إلى الله في قوة، باندفاع يدوس في طريقه كل شيء، محاولا أن يعوض السنين السابقة التي أكلها الجراد.. إنها حرارة روحية تدخل في الصوم والصلاة والجهاد الروحى والنسك والخدمة.
وكثيرا ما ينذر الإنسان التائب نفسه للرب
وبهذا تحول كثير من الخطاة التائبين إلى قديسين..
وكمثال لذلك، القديس أوغسطينوس والقديس موسى الأسود كما نذكر القديسة مريم القبطية التي تحولت إلى سائحة ناسكة والقديسة بيلاجية التي تحولت إلى متوحدة صانعة عجائب، وغيرها..
هذه النفوس التائبة سارت في توبتها بجدية وتدقيق...
عرفت ضعفها، فعاشت في حرص شديد، وفي جهاد بلا كلل، وهكذا عملت فيها النعمة، وصعدت بها في السلم الروحى بسرعة بلا عائق..
وكانت هذه اليقظة نقطة تحول ثابتة، وبلا رجعة....

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:48 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
تعويض ما فات

ومن الأمثلة البارزة في هذا المجال، زكا العشار...
كان ظالما ونهب كثيرين، فلما استيقظ بنداء المسيح له، قال للرب:
(ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد، أرد أربعة أضعاف) (لو 19: 8)
وهكذا لا يتمسك التائب بشئ من مال الظلم....
ولعل من أمثلة ذلك، ما فعلته القديسة تاييس التائبة...
ففى وسط المدينة، وأمام جمهور كبير من الناس، أحرقت كل المال الذي كسبته عن طريق الخطية كالملابس الفاخرة والتحف والهدايا والأمتعة، وهى تقول:
(تعالوا يا رفاقى أنظروا إننى أحرق أمام أعينكم كل هداياكم وتذكاراتكم وكل ما جمعته عن طريق الخطية).

Mary Naeem 29 - 01 - 2014 04:49 PM

رد: كتاب اليقظة الروحية لقداسة البابا شنودة الثالث
 
مشاعر أخرى تصحب يقظة الإنسان

إلى جوار الحزن على الخطية، يشعر الإنسان في اليقظة الروحية بفرح.. فرح بأنه وجد الله وعرفه، وفرح بأنه استطاع أن يتخلص من الخطية، كفرح الغريق بدخوله في قارب نجاة ويشعر بأنه قد دخل حياة جديدة، بفكر جديد.
كما قال الرسول (تغيروا عن شكلكم، بتجديد أذهانكم) (رو 12: 2) فينظر إلى الأمور نظرة أخرى وتصبح حياته الجديدة غالية عليه يحرص عليها....


الساعة الآن 04:20 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025