![]() |
كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث قصة هذا الكتاب كثيرة جدًا هي المحاضرات التي ألقيناها عن الحروب الروحية. أما هذا الجزء الخاص بحروب الشياطين فقد اعتمدنا فيه على تسع محاضرات، بحسب التواريخ الآتية: 1 – 2 – محاضرتان عن (حروب الشياطين) في يومي الجمعة 27/3/ 70، 10/ 4/ 1970. 3 – 5 – ثلاث محاضرات تأمل في عبارة (نجنا من حيل المضاد) من سلسلة تأملات في تحليل الغروب، ألقيت في أيام الجمعة 4/ 8/ 72، 11/ 8/ 72، 18/ 8/ 1972. 6 – محاضرة عن حرب الشيطان ألقيت في الصوم الكبير في مساء الجمعة 2/ 3/ 1973 عنوانها (نبدأ، ويبدأ معنا). 7 – محاضرة عنوانها إذهب يا شيطان، ألقيت في الصوم الكبير سنة 1974. 8 – محاضرة موضوعها (الحروب الروحية) ألقيت مساء الجمعة 7/ 3/ 1980. 9 – مقتبسات من محاضرات عن حياة النقاوة عن (حروب المسميات)، وأيضًا عن موضوع (الشيطان يعدل خططه). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
طبيعة حروب الشياطين الحروب الروحية سمح بها الله لفائدتها... ووراءها أكاليل. وعلى رأى أحد القديسين الذي قال: لا يكلل إلا الذي انتصر. ولا ينتصر إلا الذي حارب. فهي من جهة الله اختبار لحرية إرادتنا، وإعطاؤنا الفرصة التي نستحق بها خيرات الملكوت، إذا انتصرنا... أما من جهة الشيطان، فمن طبيعته أن يقاوم ملكوت الله، ويحارب الساعين إليه. وهو يحارب الله في شخص أولاده. ويشتكى عليهم كما حدث في قصة أيوب الصديق (أى 1، 2). وهو يحسد السالكين في حياة البر، لكي لا ينالوا البركة الإلهية التي حرم هو منها. وحروب الشياطين هي ضد الكل، لم ينج منها أحد. ونحن حينما نتكلم عن هذه الحروب، إنما نقصد الحرب التي يثيرها الشيطان وكل جنوده وأعوانه. منذ أيام آدم وحواء وابنهما قايين، والشيطان قائم يحارب، يحاول بكل جهده أن يلقى البشرية تحت حكم الموت الأبدي. وقد أسقط أنبياء ورسلًا، وأشخاصًا حل عليهم روح الرب مثل داود وشمشون اللذين تابا، ومثل شاول الملك الذي رفضه الرب، وفارقه روح الله "وبغتة روح رديء من قبل الرب" (1صم 16: 14). فلا تظنوا أن حروب الشياطين هي للمبتدئين فقط أو للخطاة. كلا، فهو يحارب الكل، مهما كانوا نامين في النعمة، بل يحارب هؤلاء بالأكثر، لذلك على كل إنسان أن يحترس، وأن لا يظن بأنه قد ارتفع فوق مستوى حروب معينة. ولنتذكر أن معلمنا داود النبي حورب بخطية زنا وسقط فيها، مع أنه كان قد حل عليه روح الرب وصار مسيحًا له... إن الشيطان يريد أية فريسة. وقد وصفه القديس بطرس الرسول بعبارة خطيرة قال فيها: "إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط5: 8). وهو دائم الجولان لصيد فرائسه. ولما سأله الرب (في قصة أيوب) "من أين جئت؟ "أجاب في صراحة "من الجولان في الأرض ومن لتمشى فيها" (أى 1: 7، 2: 2). وطبعًا الغرض من هذا الجولان هو البحث عن أية فريسة يسقطها.. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان لا ييأس والشيطان لا ييأس، مهما كان الذي يحاربه قويًا. بل قيل عن الخطية إنها "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26). والشيطان لم يتورع عن محاربة حتى رسل المسيح الاثني عشر. وقد قال الرب في ذلك للقديس بطرس الرسول "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغر بلكم كالحنطة. ولكنى طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 31، 32). ولتنذكر أن إيليا النبي العظيم الذي أصعده الله إلى السماء، قال عنه القديس يعقوب الرسول "إيليا كان إنسانًا تحت الآلام مثلنا" (يع 5: 17). بل إن الشيطان تجرأ أن يجرب السيد المسيح نفسه. فقدم له ثلاث تجارب على الجبل (متى 4). ولم يثنه عن ذلك كل الذي كان يعرفه عن المسيح. ولم تثنه الإعلانات الإلهية التي سبقت ذلك وقت العماد (متى3: 13 – 17). بل حاربه طوال الأربعين يومًا (مر1: 13، لو4: 2). وقيل عن السيد المسيح إنه "كان مجربًا في كل شيء مثلنا، بلا خطية" (عب4: 15). وإنه "فيما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب 2: 18). حقًا إن تجارب المسيح من الشيطان عزاء لنا في كل تجاربنا... إن حلت بك تجربة فلا تتضايق، إن المسيح قد جرب من قبلك، وكما انتصر المسيح سوف تنتصر أنت أيضًا. إن حروب الشياطين موجهة ضد الله نفسه وضد ملكوت، وضد هياكله المقدسة التي هي نحن. فهو يريد أن يقاوم هذا الملكوت بكافة الطرق. ويفرح إن أمكنه أن يسقط "حتى المختارين أيضًا" (متى 24: 24). وإن كانت ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب (لو 15: 10)، فلا شك أن الشياطين تفرح ببار واحد إذا سقط، بل تفرح بسقوط أي أحد يخضع لهم. والقديس بولس الرسول، يشرح هذه الحروب الروحية فيقول: "البسوا سرح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين... مع أجناد الشر الروحية في السماويات..." (أف 6: 11، 12). وشرح كيف أن هذه الحروب الروحية تحتاج إلى أسلحة روحية لمقاومتها، ذكرها الرسول في نفس الأصحاح بالتفصيل..، ولابد لها من معونة الله، الذي قال "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5). وفي هذه الحرب الروحية ما أجمل أن نتذكر قول داود النبي "الحرب للرب" (1صم 17: 47). والحروب الروحية حروب دائمة. قد تتنوع، ولكن لا تنتهي. طالما أنت في الجسد، فأنت معرض لهذه الحروب، التي تظل معك حتى الموت. ولذلك قال القديس بطرس الرسول "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1 بط 1: 17). ولا يقصد بالخوف، الرعب من الشياطين... إنما الخوف الذي يدعوا إلى الحرص والتدقيق. بالنسبة إلى الفرد، الحرب تستمر حتى الموت. وبالنسبة إلى العالم، تستمر مدى الدهر، إلى نهاية العالم. حتى أن الشيطان حينما يحل من سجنه، يخرج ليصل الأمم (رؤ 20: 7، 8). وفي نهاية الأيام سيكون هناك ارتداد عن الإيمان (1 تى 4: 1)، "وستأتي أزمنة صعبة" (2 تى 3: 1). وقبل مجيء المسيح سيكون الارتداد العام (2تس 2: 2). وسيبذل الشيطان كل جهده وسينزل إلى الأرض "وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا بعد" (رؤ 12: 12). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
إن أقبلت لخدمة الرب، فاثبت على البر والتقوى، وأعدد نفسك للتجربة والحرب الدائمة التي للشيطان قد تشتد في الأوقات المقدسة. فالشيطان يتضايق جدًا، حينما نبدأ في أي عمل روحي. ويسعى بكل الحيل لئلا تفلت الفريسة من يده. فنحن نبدأ العمل الروحي، ويبدأ هو معنا حروبه وحيله ومعطلاته الكثيرة. فنحن نبدأ العمل الروحي، وهو يبدأ المقاومة. لأنه لا يستريح لأنة صلة لنا مع الله. يظن أن هذه تهدد ملكه بالضياع. ومن العبارات الجميلة في بستان الرهبان: إنه عندما يدق جرس الصلاة في نصف الليل، فإنه لا يوقظ الرهبان فقط للصلاة وإنما أيضًا يوقظ الشياطين لكي يحاربوا الرهبان ويمنعوهم عن الصلاة... ولذلك قال القديس مار أو غريس: إذا بدأت الصلاة الطاهرة، فاستعد لكل ما يأتي عليك. إننا إذا بدأنا في الوسائط الروحية أيًا كانت، سواء في العمل الصلاة، أو التأمل، أو التسبيح، أو القراءات الروحية، أو المطانيات... فإن الشيطان لا يقف مكتوف اليدين أو متفرجًا، إنما يعمل هو أيضًا عمله، وله أنواع حروب يحارب بها. وما أصدق قول الكتاب في سفر يشوع بن سيراخ: يا ابني، إن تقدمت لخدمة ربك، فهيئ نفسك لجميع التجارب. وهذه الآية نقولها ضمن فصل نتلوه في سيامة الراهب الجديد. كما إنها إحدى قراءات الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة. فالذين يستعدون لقتال الشيطان، من الطبيعي أن يستعد الشيطان أيضًا لقتالهم. لذلك لا تتعجبوا للحروب التي تصاحب العمل الروحي. وحذار أن تجعلكم هذه الحروب تتراجعون... بل اثبتوا في قوة، مهما نالكم من تعب، متذكرين قول القديس بولس الرسول "كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1 كو 15: 58). نحن نبدأ الجهاد، وهو يبدأ الحرب. تبدأ الروحيات، فيبدأ المقاومة. الشيطان مثلًا يتضايق من الصوم، لأنك فيه تريد أن تقمع جسدك وتستعبده (1 كو 9: 27)، لكي ترتفع روحك وتلتقي بالله... والشيطان لا يقبل هذا، كما إنه يتضايق من الصوم الكبير بصفة خاصة، لأن الناس يسلكون فيه بنسك شديد، كما أن هذا الصوم يذكر الشيطان بصوم السيد المسيح وكيف قهر الشيطان فيه (متى 4). لذلك يجاهد الشيطان أن يعرقل هذا الصوم، أو أن يثير فيه مشاكل، حتى ينشغل الناس بالمشاكل، ويتركوا العمل الروحي. ولهذا فالبعض يربطون بين هذا الصوم، المشاكل والتجارب. ولا شك أن العمل الروحي يثير حسد الشياطين... إن الشيطان يحسد الإنسان الروحي على صلته بالله، التي حرم هو منها. ويحسده لأنه هو إنسان ترابي مرتبط بجسد، يحاول أن يجعل روحه تسمو وتعلو، بينما الشيطان وهو روح (متى 12: 45). بعيد عن الله، وروحه روح نجسة (مر 1: 27)! ومنذ البدء حسد الشيطان أبوينا آدم وحواء وأوقعهما في الخطية وفي حكم الموت. وهكذا نقول في صلوات القداس الإلهي "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس". والشيطان لا يحسد إلا الناجحين في عملهم الروحي. يحسد المقتربين إلى الله، اللذين لهم دالة عنده. ويحسد التائبين في حرارة التوبة، والعابدين وهم في عمق الصلة. ويحسد المتضعين والودعاء والأنقياء. ويحارب كل هؤلاء. أما الخاضعون له وللخطية، والفاترون في حياتهم الروحية. فلماذا يحاربهم؟! يكفيهم ما هم فيه. أو إنه يضعهم تحت المراقبة، أو يورطهم في حالة أسوأ. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
أنواع من الحروب الروحية وهنا نذكر بعض أنواع من الحروب الروحية. ونذكر هنا ثلاثة أنواع رئيسية وهى: أ – حالة إنسان يحاربه الشيطان حربًا خفيفة أو ثقيلة. ب – إنسان تجاربه شهواته من داخل. ربما الشيطان قد وضع نقطة البدء، ثم ترك هذه الفريسة المسكينة يحاربها فسادها الداخلى، أو تجاربها عاداتها المتوطنة فيها، المسيطرة عليها. هناك إنسان يحارب من جسده ومن غرائزه، وآخر يحارب من نفسه أو من فكره. ج – أما الحالة الثالثة فهي لإنسان يحاربه إخوة كذبة، أو أناس أشرار، أو بيئة شريرة تحيط به، ويمكن أن نسميهم جميعًا "أعوان الشياطين"و "كل جنده"... ولهذا تعلمنا الكنيسة أن نصلى في آخر صلاة الشكر ونقول: كل حسد، وكل تجربة، وكل فعل الشيطان، ومؤامرة الناس الأشرار، وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين... انزعها عنا سائر شعبك...". وهناك نوع يمكن أن نسميه امتحانًا أو اختبارًا، وليس حربًا. وكمثال لهذا يقول الكتاب "حدث... أن الله امتحن إبراهيم. وقال له... خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق... وأصعده... محرقة..." (تك 22: 1، 2). وهنا لم يكن الله يحارب أبانا إبراهيم، حاشا... بل كان يمتحن قلبه ليرى عمق محبته له وعمق طاعته... ونجح أبونا إبراهيم في هذا الاختبار... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الحروب للقديسين والخطاة.. ما الفرق؟ القديس والخاطئ كلاهما معرضان للحرب. ولكن ما الفرق بينما؟ الفرق الأساسي هو أن القديس له حرب من الخارج فقط. أما داخله فإنه نقى، لا يتفق مع الحرب الخارجية بل يرفضها ويقاوم بكل قوته لكي ينتصر عليها. أما عن الخاطئ أو الشرير فقد تكون الحرب بالنسبة إليه مزدوجة، من الخارج ومن الداخل معًا. تجاربه إغراءات الشيطان من الخارج، وتجاربه شهواته من داخل قلبه وفكره. لذلك هو يستلم لحرب الشيطان، ويفتح له أبوابه الداخلية. ويقبل أفكاره ومقترحاته مرحبًا بها. وإن قاوم -لبقية ضمير فيه- فإنها تكون مقاومة هزيلة لا تستمر طويلًا، ولا تكون جادة في صد أفكار العدو الخارجي. وحروب القديسين تظهر فيها قوتهم وانتصارهم. أما الخطاة فينهزمون.. وقد يسمح الله أحيانًا بانهزام القديسين، مؤقتًا، لفائدتهم... فالإنسان المنتصر على طول الخط، ربما تُحارِبُه الكبرياء، ويظن في نفسه أنه شيء!! لذلك سمح الله أحيانًا أن ينهزم القديسون، لكي تنسق قلوبهم من الداخل، ويعيشوا في اتضاع. ولكي يعرفوا قوة العدو وقسوته في الحروب، فيشفقوا على أخوتهم المحاربين. كما قال القديس بولس الرسول: "أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم. و(اذكروا) الذين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). إن الإنسان الذي لم يجرب بحروب الشياطين، ربما يدين الذين يسقطون أو يحتقرهم، بعكس الذي قاسى وتعب، فإنه يحن عليهم ويشفق، ويصلى لأجل خلاصهم. وكما قال الرسول "عالمين أن نفس هذه الآلام تجرى على أخوتكم الذين في العالم" (1 بط 5: 9)... حقًا ما أرهب قول الكتاب في سفر الرؤيا عن الوحش: "وأعطى أن يصنع حربًا مع القديسين ويغلبهم" (رؤ 13: 7). بل ما أرهب أيضًا ما قيل بعد ذلك "وأعطى سلطانًا على كل قبيلة ولسان وأمة. فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض..." (رؤ 13: 7، 8)، ولكن لئلا ييأس البعض من ذلك، ذكر أن هؤلاء الساجدين هم: اللذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر الحياة... أي أبناء الهلاك... ومع ذلك هم عدد كبير بلا شك يدل على عنف حرب الشيطان وجنوده... ومما يعزينا في ذلك أيضًا، أن الوحش هو والشيطان طرحا في بحيرة النار والكبريت (رؤ20: 10)... ولكننا ذكرنا كل هذا، لكي يكون لدينا حرص. مادام عدونا بهذه الوحشية، فلنستمع إذن إلى قول الرسول "أنظروا كيف تسلكون بتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أف5: 15، 16). انتصارات الشيطان لا تدفعنا إلى الخوف، بل إلى الحرص والتدقيق. وأيضًا تدفعنا إلى عدم الاعتماد على أنفسنا، وإنما: |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
التصق بالرب في حروبنا نلتصق بالرب، لأن من عنده المعونة والنصرة. هو الذي يحارب الشيطان فينا، وهو الذي يغلب العالم فينا. ألبس هو القائل "ثقوا، أنا قد غلبت العالم" (يو 15: 33). نعم غلب العالم في حرب الشيطان معه. ويغلب العالم الآن وكل أوان، في حربه معنا. وكذلك: "شكرًا لله، الذي يقودنا في موكب نصرته" (2 كو2: 14). إنه انتصر على الشيطان في طبيعتنا البشرية. فقدس هذه الطبيعة وباركها، وأعطاها روح النصرة. وهكذا نقول له في القداس الغريغوري "باركت طبيعتي فيك"... لقد انتصر الشيطان من قبل، على هذه الطبيعة البشرية. ولكن السيد المسيح أعاد إلى هذه الطبيعة البشرية صورتها الإلهية، وهيبتها في نظر الشياطين، حينما هزم الشيطان فيها. فلم يعد الشيطان يرى أن هذه الطبيعة هي لعبته، ينتصر عليها متى يشاء... وإذ انهزم أمامها، بدأ يخشاها... وبهذا أيضًا أنقذنا من روح الفشل، وأعطانا قوة من عنده في حروب الشياطين لنا. وأصبح لنا الرجاء كل حين، أن المسيح يغلب الشيطان فينا، حينما "يحل المسيح بالإيمان في قلوبنا" (أف 3: 17)، وبسبب هذا نحن لا نتضايق من حروب الشياطين، مادامت يد الرب تكون معنا فيها، ويحارب عنا وينصرنا... الله لا يمنع عنا حروب الشياطين، إنما ينصرنا فيها. هو الذي يحارب عنا، وهو الذي يغلب الشياطين. وبعد ذلك يكللنا، لأننا سلمناه إرادتنا أثناء حربه عنا ضد الشياطين. هذه مقدمة بسيطة ننتقل بعدها إلى الحديث عن الشيطان وحيله... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
صفات الشيطان في حروبه https://st-takla.org/Pix/Portraits-Ch...Gardens-UK.jpg ينبغي أن نعرف صفات عدونا، وأسلوبه في القتال، لنعرف كيف نحاربه. فما هي صفات الشيطان؟ كيف يحارب؟ وهل له أسلوب ثابت، أم أنه يتغير في أساليبه حسب تغير الحالة؟ هذا ما نريد أن نفحصه، حتى نستطيع أن نواجهه. وكما قال بولس الرسول "لئلا يطمع فينا الشيطان. لأننا لا نجهل أفكاره" (2 كو 2: 11). ونستطيع أن نعرف مما رواه لنا الكتاب عن الشيطان أنه:
|
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان صاحب قتال لا يهدأ صار عمله منذ سقوطه هو المقاتلة والمحاربة. فهو دائمًا مقاتل fighter حتى قبل إسقاطه لأبوينا الأولين آدم وحواء، استطاع أن يسقط مجموعات من ملائكة السماء، تبعوه وصاروا من جنده من طغمات كثيرة. ومن ذلك الحين أصبحت هوايته إسقاط الآخرين. صار يقاتل الكل. وكما أسقط طغمات ملائكية من الكاروبيم والسلاطين والرؤساء والقوات... كذلك رأيناه يقاتل أنبياء الله ورسله ومسحاءه، ويقاتل المتوحدين والسواح والرهبان وكل مجى الله، وكل من يسمع أنه في خير، أو في بر. وقد سمى المعاند والمقاوم، لأنه دائمًا يقاوم ملكوت الله ويعاند مشيئته. كما سمى أيضًا التنين، والحية القديمة، وإبليس، والشيطان (رؤ12: 9)، وقبل الصليب كان يسمى رئيس هذا العالم (يو 14: 30). وهو في قتاله لا يهدأ مطلقًا ولا يمل ولا يستريح. دائمًا "يجول كأسد يزأر" (1 بط 5: 8). وقد قال للرب مرتين في قصة أيوب إنه مشغول "بالجولان في الأرض والتمشي فيها" (أى 1 7، 2: 2). إنه ساهر باستمرار يرقب حالة ضحاياه، ويلقى بذاره في كل مكان. وحيثما يزرع الرب حنطة، يأتي هو "ويزرع زوانًا وسط الحنطة، فيما الناس نيام" (متى 13: 25). وليس البشر فقط، بل حتى الملائكة يحاربهم. فقد وقف ضد الملاك ميخائيل يحاججه من جهة جسد موسى النبي (يه 9). ووقف ضد أحد الأرباب الذي عمل على أن ينقذ منه يهوشع الكاهن (زك 3: 1، 2). كذلك وقف واحدًا وعشرين يومًا ضد الملاك الذي أرسله الرب لدانيال النبي، لولا تدخل رئيس الملائكة ميخائيل لإعانته (دا 10: 12، 13). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان قوي وحدثت حرب في السماء: ميخائيل وملائكته حاربوا التنين... وملائكته (رؤ 12: 7). إنه يحارب في الأرض وفي السماء، مع أن كل حروبه تنتهي أخيرًا إلى هلاكه وهزيمته ولكنه لا يستطيع أن يبطل الحرب، لأنها صارت جزءًا من طبيعته. ومن صفات الشيطان أيضًا أنه قوى. لأنه أحد الملائكة "المقتدرين قوة "حسبما وصفهم المرتل (مز103: 20). هو كملاك فقد طهارته، لكن لم يفقد طبيعته القوية. لذلك وصفه الرسول بأنه "أسد زائر" (1 بط 5: 8). وهكذا نراه في سفر أيوب استطاع أن "يضربه بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته" (أى 2: 7)، كما استطاع أن يثير ريحًا شديدة صدمت زوايا بيت أيوب، فسقط على الغلمان فماتوا (أى 1: 19)... وهناك دلائل روحية كثيرة على قوته، منها: إنه استطاع أن يضل العالم كله أيام الطوفان. ولم تنج من ضلاله سوى أسرة واحدة هي أسرة أبينا نوح (تك6). ورأى الله أن الحل الوحيد لتطهير الأرض من الفساد، هو إبادة كل نفس حية على وجه الأرض. ونفس الوضع نقوله عن مدينة سادوم. فلم يجد الله فيها عشرة من الأبرار، حتى يرحم المدينة من أجل العشرة (تك18: 32). ولم يوجد فيها سوى أسرة لوط فقط (أربعة أشخاص). هلكت من بينهم امرأة لوط خارج المدينة. وأخطأت البنتان بعد خروجهما من سادوم. ولوط نفسه قيل عنه حينما كان في سادوم إنه "كان بالنظر والسم – وهو ساكن بينهم – يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة" (2 بط 2: 8). وقوة الشيطان تظهر في إلقائه العالم كله في الوثنية. كيف استطاع أن يلقى العالم كله في الوثنية في العهد القديم، ماعدا شعبًا واحدًا؟! هذا أمر خطير. بل حتى هذا الشعب الواحد وقع في عبادة الأصنام هو أيضًا، حينما كان موسى النبي على الجبل، إذ صنعوا لأنفسهم عجلًا ذهبيًا، وقدموا له الذبائح،وقالوا "هذه آلهتك يا إسرائيل من أرض مصر" (خر 32: 1-6). وفي أيام إيليا النبي في عهد آخاب الملك، كان في شعب الله 450 نبيًا للبعل، و400 نبيًا للسواري أي ثمانمائة وخمسون نبيًا كاذبًا كانوا يأكلون على مائدة الملكة إيزابل (1 مل18: 19). وحدث أن كثيرًا من ملوك يهوذا وإسرائيل وقعوا في عبادة الأصنام "وجعلوا إسرائيل يخطئ "كما تروى لنا أسفار الملوك وأخبار الأيام. ومن قوة الشيطان إسقاطه لسليمان الحكيم في عبادة الأصنام. سليمان أحكم أهل الأرض، الذي أخذ الحكمة من الله نفسه (1مل 3: 12)، الذي تراءى له الله مرتين (1 مل 3: 5، 9: 2). يقول عنه الكتاب "وكان في زمان شيخوخة سليمان، أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى... فذهب سليمان وراء عشتا روت إلهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين" (1 مل 11: 4-8). حقًا إنها لمأساة عجيبة وخطيرة، ترينا مدى قوة الشيطان. ومن دلائل قوة الشيطان ما سيفعله في آخر الأيام. وذلك عندما "يحل من سجنه"، ويخرج ليصل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض (رؤ 20: 7). بل يضل لو أمكن المختارين أيضًا عن طريق من يرسلهم من مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، يعطون آيات عظيمة وعجائب (متى24: 24). ومن خطورة عمله العنيف في تلك الفترة الصعبة قول الرب عنها: ولو لم تقصر تلك الأيام، لم يخلص جسد" (متى 24: 22). ، "ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام". وفي تلك الأيام سيرسل الشيطان أيضًا من عنده ضد المسيح، إنسان الخطية المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2 تس 2: 9، 10). ومن نتائج قوة الشيطان هذه، يحدث الارتداد العام. وذلك قبيل مجيء المسيح (2 تس 2: 3). ولكن نشكر الله الذي سيقصر تلك الأيام الصعبة. وسيبيد هذا الأثيم (ضد المسيح) بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه (2 تس 2: 8)... إلى هذا الحد وصلت قوة الشيطان. ومن أمثلة قوة الشيطان أيضًا: إنه استطاع أن يتكلم على فم رسول عظيم كبطرس، فانتهره الرب قائلًا "اذهب عنى يا شيطان. أنت معثرة لى" (متى 16: 22، 23). ومن أمثلة ذلك أيضًا أنه غربل الاثني عشر رسولًا. وقد طلب الرب من أجل بطرس لكي لا يفنى إيمانه (لو 22: 21، 32). ومن أمثلة قوته أنه أسقط جبابرة مثل داود وشمشون، وأهلك نبيًا كبلعام، وضيع تلميذًا من تلاميذ بولس كديماس... "وكل قتلاه أقوياء" (أم 7: 26). حقًا كما قال داود النبي "كيف سقط الجبابرة، وبادت آلات الحرب" (2 صم 1: 27). ومن أمثلة وته أيضًا صرعه لأناس كثيرين. هؤلاء الذين احتاجوا أن يخرج الشيطان منهم، وقيل إنه كانت عليهم أرواح نجسة. وعنهم قال الرب لتلاميذه "اخرجوا شياطين" (متى 10: 8). وكان على واحد من المرضى فرقة من الشياطين "لجئون" (مر 5: 9)، "ولم يقد أحد أن يذلله". وبعض هذه الشياطين لم يقدر تلاميذ الرب وقتذاك على إخراجها. فقال لهم الرب "هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم" (مر 9: 29). ولعله بسبب قوة الشيطان، قيده الله ألف سنة. "وطرحه في الهاوية، وأغلق عليه وختم عليه، لكي لا يضل الأمم في ما بعد، حتى تتم الألف سنة. وبعد ذلك لا بد أن يحل زمانًا يسيرًا" (رؤ 20: 2، 3). ولكن ليس معنى الحديث عن قوة الشيطان، أن تخافوا منه!! كلا فإن كان الشيطان قويًا، فالله أقوى منه... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان خبير بالحروب وبنا وليس فقط أن الله أخضعه لنا، بل إن كثيرًا من الآباء قد غلبوه، وكان يخاف منهم. وسنتحدث هن هذه النقطة في حينما بمشيئة الرب. نقطة أخرى مهمة في صفات الشيطان كمحارب لنا، وهي أنه: تصوروا الشيطان يحارب الإنسان منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، منذ آدم... أية خبرة تكون له في حربه مع البشرية. لا شك أنه أقدر مخلوق على فهم النفس البشرية وطريقة محاربتها. لقد درس النفس البشرية جيدًا، ويعرف نواحي القوة والضعف فيها. ويعرف الأسلوب الذي يمكنه أن يحاربها به. أكبر عالم نفساني، وأكبر محلل نفساني، هو الشيطان... علم النفس عنده، ليس مجرد نظريات، إنما هو خبرات، على المستوى العملي والعلمي أيضًا، وبنطاق واسع جدًا، شمل البشرية كلها. كذلك هو يعرف متى يحارب، وكيف يحارب؟ ومتى ينتظر؟ ومن أي الأبواب يدخل إلى الفكر أو إلى القلب..؟ |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان ذكي وصاحب حيلة Serpent of Old لقب الشيطان بأنه "الحية القديمة" (رؤ20: 2، 12: 9). وقال الكتاب عن الحية إنها كانت "أحيل حيوانات البرية" (تك 3: 1). إنه ذكى وحكيم في الشر. وقد قال الكتاب "كونوا حكماء كالحيات" (متى 10: 16). وحكمة الشيطان كلها خبث ومكر وحيلة... ومن مظاهر ذكاء الشيطان أنه قد يغير خططه وأساليبه لتوافق الظروف. ومن حيله الصعبة: الكذب والخداع والأضاليل، يسبكها بطريقة ذكية لا يشعر بها الإنسان المحارب، أو أنه يقدم الخطية في أسلوب فضيلة... الخ. ما أكثر حيل الشيطان. إننا سنفرد لها فصلًا خاصًا في هذا الكتاب، قد يكون الفصل الأساسي فيه. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان كذاب لقد كذب على أبوينا آدم وحواء قال لهما "لن تموتا "وكذلك في قوله لهما "تصيران مثل الله..." (تك 3: 4، 5). وصفة كذاب بارزة في الشيطان، لذلك قال عنه السيد الرب إنه "كذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44). قال هذا لكي لا نصدق كل ما يقوله الشيطان، ولا ننخدع به. وليس الكذب عند الشيطان هو فقط ما يقوله من كلمات، وإنما هناك ما هو أخطر بكثير من كل هذا: هناك من يرسلهم من أنبياء كذبة ومسحاء كذبة... ولقد حذرنا الرب من كل هؤلاء، فقال "إن لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا" (متى 24: 23، 24). وطبعًا سيعطون تلك الآيات والعجائب من الشيطان، كما قيل عن المقاوم ضد المسيح "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة" (2تس 2: 9). ومن أمثلة ذلك تكلم الشيطان من أفواه الأنبياء الكذبة: قوله عن إغواء آخاب الملك ليهلك "أنا أغويه... وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه" (1 مل 22: 22). فكما أن الروح القدس هو الناطق في أفواه الأنبياء القديسين، كذلك الشيطان هو الناطق في أفواه الأنبياء الكذبة. كذلك يعلن الشيطان كذبة في الأحلام والرؤى الكاذبة... وما أكثر الحروب التي تعرض لها الآباء الرهبان، ووردت في بستان الرهبان، عن هذه الأحلام والرؤى الكاذبة. ومن أمثلتها ظهور الشيطان لأب راهب وقوله له "أنا الملاك غبريال، أرسلني الرب إليك "فأجابه الراهب في اتضاع "إنني إنسان خاطئ، لا أستحق أن يظهر لي ملاك. فلعلك أرسلت إلى غيري وأخطأت الطريق". وظهر كذب الشيطان، فمضى واختفى عنه، أو كمثال آخر قصة الشيطان الذي ظهر لراهب وقال له "أنا المسيح، فاسجد لي "فقال الراهب في قلبه "أنا في كل يوم أسجد لسيدي المسيح. فلماذا يطلب هذا منى السجود". وهكذا كشف حيلة وكذب الشيطان، وانتهره فمضى. وما أكثر الأحلام الكاذبة التي يضل بها الناس ظانين أنها من الله! وقد قال القديس بولس الرسول عن الرؤى الكاذبة التي من الشيطان: "لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 11: 14). وفى قصة الأنبا غاليون السائح ظهرت له الشياطين بهيئة آباء سواح يريدون ضمه إليهم. ولم يكتشف أنهم شياطين، إلا بعد أن أتاهوه في البرية، ثم سخروا به وتركوه هازئين به، إلا أن رحمة الرب أدركته من أجل نسكه، وبساطة قلبه، وماضي تعبه... وكذب الشيطان يظهر أيضًا في أقوال السحرة والعرافين وأمثالهم. ولذلك أوصى الرب قائلًا "لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم. لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار، ولا من يعرف عرافه... ولا ساحر، ولا من يرقى رقية، ولا من يسأل جانًا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس، الرب إلهك طاردهم من أمامك" (تث 18: 9 – 12). ولعل هذه الآية تكشف لنا شيئًا آخر هو: كذب الشيطان في استشارة الموتى، أوفى (تحضير الأرواح). فقد ينطق في أمثال هذه الجلسات، مدعيًا أنه روح فلان من الناس. ويقول للحاضرين بعض معلومات تخدعهم مما يعرفه عن أخبار ذلك الشخص أو أسرته. فإذا صدقوه، يبدأ بالتدريج يقول لهم ما يضلهم... وكل هذا من كذب وادعاء الشيطان ليضل الناس... ولعل من كذبه أيضًا، ما يقوله على أفواه المنجمين ومدعى معرفة الغيب... سواء عن طريق التنجيم، أو قراءة الكف، أو ضرب الرمل، أو قراءة فنجان القهوة، أو معرفة البخت والطالع بأنواع وطرق شتى... وواضح لاهوتيًا أنه لا يعرف الغيب سوى الله وحده. فمن يدعى معرفة الغيب، لا يكون صادقًا فيما يدعيه... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
أبو الكذاب وإغراءات الشيطان كلها ألوان من الكذب... حيث يصور للإنسان سعادة تأتيه من وراء الخطية، سواء في لذة أو سلطة أو مكسب أو جاه أو مجد... وبعد أن يسقط الشخص يجد أن كل إغراءات الشيطان هي سراب زائل، وأنها أشياء زائفة، كما صوَّر لحواء وآدم أنهما سيصيران مثل الله... وكما صور لسليمان أنه سيسعد بكثرة ألوان المتعة والترف التي تحيط به، فوجد أن الكل باطل وقبض الريح (جا 2). ولكن هذا أسلوب الشيطان دائمًا، يزخرف طريق الخطية، ويضفى عليه أو صافًا من الجمال تعزى من يسقط في حبائله. وتكون كل زخارفه أكاذيب يخفى بها بشاعة الخطية ونتائجها السيئة... أيضًا أحلام اليقظة التي يقدمها لضحاياه، كلها أكاذيب... ولكنه يقدمها لهم كنوع من اللذة تخدرهم عن العمل الإيجابي النافع، فيعيشون بهذه الأحلام في خيال غير واقعي، يبنون قصورًا من رمال، وأمجادًا وأفراحًا ومتعًا. ثم يستيقظون فلا يجدون شيئًا. ويكون الشيطان بهذا الكذب قد أضاع وقتهم، وعطلهم عن العمل المجدي، وأراحهم راحة كاذبة. ومن أكاذيب الشيطان إبهامه المنتحر أن الموت سيريحه من متاعبه. ويظل يركز على هذه النقطة: إنه لا فائدة من هذه الحياة، ولا حل لمشاكله. والحل الوحيد هو الموت، حيث يتخلص من كل تعبه ويستريح. وإذ يصدقه المنتحر ويقتل نفسه، لا يجد هذه الراحة، بل يجد نفسه في الجحيم، في تعب وألم لا نجاة منه، ولا تقاس به كل متاعب الدنيا. ويجد أن الموت ليس هو نهاية لحياته المتعبة، بل هو بداية لحياة أكثر تعبًا. ويكون الشيطان بهذا الكذب قد خدعه وضلله وأضاعه... وتقريبًا غالبية الخطايا، يضع الشيطان وراءها أكذوبة من أكاذيبه. فهو يوحى للسارق بأن لا أحد سوف يرى أو يكتشف سرقته، وكذلك يوحى للمهرب وللمرتشي وللغشاش، والشيطان في كل هذا يكذب، لأنه حتى إن لم ير البشر، فالله يرى وكل شيء مكشوف أمامه. وهو يوحى للقاتل بأن المقتول يستحق القتل، وحياته خطأ يجب تصحيحه، أو أن القتل غسل للعار الذي يلوث شرفه، أو أن قتله يريح نفس قريب له قد مات... بل لعل الإلحاد هو أكبر أكذوبة قدمها الشيطان للبشرية. وقد كذب على الوجوديين حينما صور لهم أن وجود الله يعطل وجودهم، كما كذب على الماركسيين إذ صور لهم أن الله يعيش في برج عال ولا يهتم بالمجتمع الإنساني، بل يترك فيه الظالم يظلم، والغنى يستعبد الفقير...!! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان لحوح من صفات الشيطان أيضًا في حروبه أنه: أى أنه كثير الإلحاح جدًا، لا يمل. وربما الفكر الواحد يظل يعرضه مرات ومرات. ومهما رفضه الناس، يستمر أيضًا في عرضه. ربما من كثرة الضغط المستمر والإلحاح، يستسلم الإنسان له ويخضع. لقد قيل في بستان الرهبان إن الشيطان ظل يحارب راهبًا بخطية واحدة مدى خمسين عامًا، لا يهدأ، ولا ييأس، ولا يمل... وحتى في حربه مع السيد المسيح، لم يهدأ بعد فشله في التجربة الأولى والثانية والثالثة. ولما انتهره الرب ومضى قال القديس لوقا الإنجيلي عن ذلك "ولما أكمل إبليس كل تجربة، فارقه إلى حين" (لو4: 13). وعبارة "إلى حين "تعنى أنه رجع إلى تجربته مرة أو مرارًا عديدة. الشيطان لا ييأس من الفشل أبدًا، ولا يخجل، بل يعود! لما فشل في التجربة الأولى مع أبوب، رجع مرة أخرى يطلب تجربته بأسلوب أصعب... ولما فشل مع السيد المسيح في كل التجارب، أتاه وهو على الصليب يقول له "إن كنت ابن الله، انزل من على الصليب" (متى 27: 40). والشيطان في إلحاحه على إسقاط الناس لا يعترف بعقبات. لا يهمه أن آدم وحواء خلقا على صورة الله ومثاله (تك 1). ولا يهمه أن داود مسيح الرب، ولا أن سليمان هو أحكم أهل الأرض كلها، ولا أن بطرس رسول متحمس جدًا للمسيح. ولا يهمه أن يهوشع هو الكاهن العظيم (زك 3)، ولا أن هارون هو رئيس الكهنة (خر32). ولا أن شمشون هو نذير الرب "وأن روح الرب يحركه" (قض 13)... لا يهمه مراكز الناس ولا روحياتهم... بل يضرب ضربته، وليحدث بعد ذلك ما يحدث... إن كان قد تجرأ أن يجرب المسيح له المجد، فهل يهتم بالبشرية؟! إنه يلقى سمومه كل حين على كل أحد. وربما الذي لا يهلك بها اليوم، قد يهلك بها غدًا، أو بعد سنة، أو بعد عشرين..! إن الشيطان مثابر، نشيط، لحوح، دائب على العمل، لا يثبط الفشل همته، ولا ييأس من علو قدر الناس في الروحيات. وهو ماض في خطته لتحطيم الملكوت، ولكي يضل حتى المختارين أيضًا..والذي لا يستطيع أن يدنس جسده، فعلى الأقل يدنس فكره. والذي لا يقبل طعنه في رو حياته، على الأقل يلطمه بشوكة في الجسد (2 كو 12: 7). وإن لم يستطيع أن يسقط أولاد الله، فعلى الأقل يشتكى عليهم. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان المشتكي وقد قال عنه سفر الرؤيا إنه "المشتكي على أخوتنا، الذي كان يشتكى عليهم أمام إلهنا نهارًا وليلًا" (رؤ 12: 10). إنه يشتكى على القديسين، مدعيًا أنه لم يأخذ فرصته لمحاربتهم! ... أو أن فرصته التي أخذها قبلًا، لم تكن كافية! وقد وقف في القديم يشتكى على أبوب أمام الله، مدعيًا أنه لم يأخذ فرصة لمحاربته. وقال الله "ألبس إنك سيجت حوله... باركت أعمال يديه. ولكن ابسط الآن يدك ومس كل ماله، فإنه في وجهك يجدف عليك" (أى 1: 10، 11). ومع أن الله واجه الشيطان بقسوته وظلمه في شكواه، وقال له عن أيوب "إلى الآن هو متمسك بكماله وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب" (أى 2: 3)، إلا أن الشيطان استمر في شكواهللمرة الثانية، وطلب فرصة أوسع، وأخذ سماحًا لضرب أيوب في جسده بقرح رديء (أى 2: 7)... عجيب أن الشيطان يفعل كل ما يريد، ويظل يشكو! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان كثير المواهب إنه كثير القدرات إلى حد بعيد. يعرف أشياء كثيرة ويتقنها. فالمواهب التي منحت له وهو ملاك، لم يسحبها الله منه... معرفته واسعة جدًا في كل مجال. حتى آيات الكتاب المقدس، يعرفها جيدًا ويحارب بها، وكأنه من اللاهوتيين. وفي التجربة على الجبل، استخدام الكتاب المقدس بطريقته الخاصة (متى 4: 6). بل إنه هو صاحب جميع البدع والهرطقات، وهو الذي وضع أفكارها في أذهان الهراطقة، وقدم لهم مفاهيم خاطئة لآيات الكتاب. وصدق القديس أثناسيوس الرسولي حينما قال: إن عدونا ليس هو الأريوسيين، إنما هو الشيطان. والشيطان يعرف الشعر. بل إن كثيرًا من الشعراء يتحدثون عن شيطان الشعر، أنه ملهمهم أفكارهم... لذلك ليس غريبًا إن قال أحد علماء الأرواح، إنه استحضر روح شاعر مشهور وسمع منه قصيدة بنفس أسلوبه... ليس غريبًا أن يكون الشيطان قد تدخل وأملى الوسيط شعرًا بنفس الأسلوب! الشيطان يعرف الموسيقى والفن والنحت والرسم والأغاني. ويمكنه أن يلهم المشغلين بالملاهي كل ما يحتاجونه في فنونهم لإغراء الناس وإسقاطهم، أو إبعادهم بها عن عملهم الروحي. والشيطان من علماء النفس البارزين، بل هو في مقدمتهم جميعًا، بسبب خبرته العملية. وهذه الخبرة تساعده في حروبه. كما أن حروبه أيضًا تزيد من خبرته ومن عمله. وكما أنه من علماء النفس، هو أيضًا من علماء الأرواح، لأنه روح، يعرف ما للروح أكثر مما يعرف البشر. غير أن الشيطان يسير وفق أعراضه. فالعلم الخالص شيء، واستخدام هذا العلم لتحقيق غرض هو شيء آخر. وغرض الشيطان معروف وهو مقاومة الله وملكوته. لذلك هو يستخدم كل معارفه لتحقيق هذا الهدف الشيطاني. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان قاس إنه يعمل بكل قسوة، بلا رحمة. وقسوته واضحة جدًا في قصة أيوب الصديق. كما أنه جر كثيرين إلى الهلاك وأضاعهم، كالذين هلكوا بالطوفان، وربنا سادوم، والذين ابتلعتهم الأرض أحياء (عد 16). وقسوته واضحة في الذين يصرعهم، ويصبحون في حالة جنون بسببه. ومثال ذلك مجنون كورة الدريين الذي "كان فيه شياطين... وكان لا يلبس ثوبًا، ولا يقيم في بيت بل في القبور... وقد بسلاسل وقيود محروسًا. وكان يقطع الربط ويساق من الشيطان إلى البراري" (لو8: 26 – 29)، "وكان يصيح ويجرح نفسه بالحجارة" (مر5: 5). وأمثلة هذا المصروع كثيرون... وتظهر قسوته كذلك في محارباته للقديسين، وفي المناظر المخيفة. ففي حربه مع القديس أنطونيوس الكبير كان يظهر له في مناظر مفزعة جدًا، وأحيانًا في هيئة وحوش مخيفة تصيح حوله بأصوات مرعبة. وفي إحدى المرات ضرب القديس بضربات شديدة مؤلمة للغاية، وتركه بين حي وميت... والذي يقرأ سيرة القديس قريا قوس السائح، يجد أمثلة أخرى تشبه هذا النوع أو أشد... وهو قاس فيما يثيره على العالم من حروب وويلات وجرائم. ومعروف جدًا نتائج كل هذه... ولكن الشيطان يفرح بكل ويلات العالم، ويحسب ذلك انتصارًا له، إلى جوار تحطيمه للنفوس وللعقول، وبثه للخصومات وأسباب الانشقاق والتمزق. فهو عامل تخريب لا يهدأ، بكل عنف. وهو سعيد بتخريبه. صدقوني، إننا لو قرأنا عن قسوة الشيطان في حروبه المفزعة للقديسين، نقول عن أنفسنا إننا لم نحارب أبدًا من الشيطان. فحروبنا الحالية شيء تافه إلى جوار حروبهم... والعجيب أنه في كل قسوة الشيطان، يتظاهر بالعطف أحيانًا، |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان خبيث في تظاهره بالعطف عبارات العطف عنده وسيلة ماكرة لإسقاط الناس... فهو (يعطف) عليك حينما تصوم، ويدعوك إلى الأكل، من أجل صحتك! محذرًا إياك من المرض ومن الضعف! ويقول لك إحذر من أن تقتل جسدك، فهو وزنة تمجد بها الله. وقد قال الرسول "إنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه" (أف 5: 29). وهو يعطف عليك حينما تنشط روحيًا، وتسهر في الصلاة والقراءة والمطانيات، ويدعوك في عطف إلى النوم من أجل راحتك. وهو (عطوف) يخشى عليك من (التطرف) فيدعوك إلى الإقلال من الجهاد. وفى عمق عملك الروحي، يقول لك: لا داعي لكل هذا، فإن الآباء يعلموننا أن الطريق الوسطى خلصت كثيرين... وهكذا يقول لك: احترس من التطرف، لئلا الشيطان يضربك ضربة يمين وهي أقسى، ولئلا تقع في المجد الباطل وهو شر الرذائل كلها. بل يقول لك: لا شك أن تطرفك هذا في الجهاد هو من عمل الشيطان، وهو لا يقصد بك خيرًا! فاستمع لقول الكتاب "لا تكن بارًا بزيادة... لماذا تخرب نفسك؟" (جا 7: 16). والشيطان (العطوف) يشفق عليك من البكاء على خطاياك.. يقول لك: لماذا تبكى وتحيا في الكآبة. ليس هذا هو طريق الله... أليس أن خطاياك قد غفرت، ومحاها الرب بدمه؟! لماذا تبكى عليها إذن؟! أتريد أن تظل في البكاء حتى تتلف أعصابك ونفسيتك، وحتى تنكشف، أمام الناس؟! أليس أن الكتاب يقول "افرحوا في الرب كل حين" (فى 4: 4).. ويظل بك حتى تفقد انسحاق القلب، وتفقد دموع التوبة، وتفتر حرارتك.. وإذ تفعل هذا، تسهل عليك الخطية وربما تعود إليها. وطبعًا ينسيك قول الكتاب "بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا 7: 3). والشيطان (العطوف) يبرر لك أخطاءك، حتى لا يتعبك ضميرك. إنه يمنع عنك التبكيت، حرصًا على مشاعرك! وإشفاقًا عليك من الحزن ومن اليأس! ولذلك في كل أخطائك يقدم لك العديد من الأعذار ومن التبريرات، وينصحك قائلًا: لا تقل على كل شيء إنه خطأ، ولا تبالغ في تبكيت نفسك، لئلا يقودك هذا إلى الوسوسة... حقًا إن هذا خطأ، ولكنك لم تكن تقصد، ونيتك طيبة، وهي تشفع لك. والله ينظر إلى النيات... وهذا خطأ، ولكن ماذا كان بإمكانك أن تفعل؟! الظروف كانت ضاغطة. وصدقني لو أنا في موضعك ما كنت أستطيع أن أفعل غير هذا. والله لا يطلب منك فوق طاقتك. لذلك لا تكتئب.. وبتبرير أخطائك، تجعل ضميرك واسعًا يبلغ الجمل، ويبعدك عن التوبة وعن الحرص والتدقيق، وعن الأمانة في القليل.. إن (العطف) عند الشيطان ليس حبًا، إنما وسيلة للإسقاط. فاحترس منه، ولا تسمع له. وكن حازمًا مع نفسك. واسلك بتدقيق.. وتأكد أن الشيطان في كل حروبه معك يكون غير مخلص. كل نصائحه غير مخلصة، حتى لو كانت بمظهر الخير. إنه لا يريد سوى ضياعك. من صفات الشيطان أيضًا أنه حسود. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان حسود قلبه لا يستريح مطلقًا أن يرى إنسانًا ناجحًا، أو إنسانًا بارًا، فيعمل كل ما يستطيعه لإسقاط هذا وذاك. وفى حسده يضرب ضرباته بلا رحمة... لقد حسد يوسف الصديق على ما رآه من رؤى، فنقل الحسد إلى قلوب أخوة يوسف حتى باعوه كعبد. ثم حسده على نجاحه وثقة فوطيفار به، فدبر له حيلة ألقاه بها في السجن كفاعل إثم... وحسد العالم على إيمان بالله، فألقاه في الوثنية، وفي تعدد الآلهة وفي الإلحاد. ودبر لذلك كل صنوف الفكر والفلسفة، وأيضًا العبادات البدائية. وصدق المزمور حينما قال "لأن كل آلهة الأمم شياطين" (مز 96: 5). والشيطان يحسد المعرفة والحكمة، ويحسد العفة، ويحسد الاتضاع... لذلك فهو ينشر في العالم الجهل والزنا والكبرياء، بكل ما عنده من حق. لقد حول سليمان عن حكمته وأسقطه. وألقى في العالم كثيرًا من المعارف الخاطئة، حتى "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز14: 1). وأصبح الزنا من الحروب الخطيرة التي تحارب العالم كله. كما صارت الكبرياء حربًا يقع فيها من لم يقع في باقي الخطايا ومن يقع فيها أيضًا. إن حسد الشيطان هو حسد مدمر، وليس مجرد مشاعر. فهو إذ يحسد، يضرب بكل قوة. كما حسد أيوب على كماله، فضربه بكل قسوة، واشتكاه أمام الله، وكما حسد سكان البراري على زهدهم ونسكهم فأثار ضدهم أعنف الحروب. وكما حسد أوريجانوس أعلم أهل عصره وأستاذ اللاهوت الأول في عصره، فألقاه في كثير من البدع حرمته من أجلها الكنيسة، حتى قيل عنه "أيها البرج العالي، كيف سقطت؟!".. لذلك في كل ما تعمله من بر، توقع حسد الشياطين. وتوقع أنهم لا يبقونك مطلقًا في برك، بل يحاولون إسقاطك بشتى السبل. فإن ضربوك ضربة في يوم روحي عميق، لا تيأس بل قل: هذا ما كنت أتوقعه: ولكنى أطلب من رحمة الله أن تعينني حتى لا أسقط ثانية. وإن منحك الله موهبة، فتوقع أيضًا حسد الشياطين. فهم إما أن يحاولوا إسقاطك في الكبرياء، أو استخدام الموهبة في غير موضعها. وبهذا يكونون قد أضاعوا هدفها الروحي ونفعها لك ولغيرك... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان نهّاز للفرص الشيطان يحاول أن يستغل الفرص، ليلقى فيها تجاربه. كما استغل جوع السيد المسيح بعد صوم أربعين يومًا، لكي يجربه بتجربة الخبز. وكما انتهز فرصة خوف بطرس ليلقيه في إنكار المسيح. وانتهز أيضًا فرصة تمسك اليهود بالسبت ليجعلهم ينكرون معجزات للمسيح لم يعملها أحد من قبل، بل يتهمونه بالخطية (يو9، 11). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان غير مخلص وغير أمين قلنا قبلًا إن الشيطان قد يأخذ موقف الشفوق على صحتك، سواء من جهة الصوم أو السهر، أو تعب الجسد جملة. وينصحك في ذلك بالراحة الجسدية، حرصًا على سلامة صحتك... ! ولكنه ليس أمينًا حقًا من جهة اهتمامه بصحة جسدك. إنه ينصحك بالراحة، ويمنعك من السهر، إن كان سهرك في الصلاة أو التأمل، أو القراءة الروحية، أو في ليالي الصلاة. ولكنك إن سهرت في اللهو أو في وسائل الترفيه المتنوعة، فلا يحدثك عن مضار السهر خوفًا على صحتك! وإن تعبت في أمور العالم الباطلة، لا ينصحك بالراحة... إن تعبك في جمع المال، وفي الجري وراء السهر والجاه، وفي السعي وراء ملاذك ومتعك، وفي تنظيم الحفلات الصاخبة، وفي اللعب والرياضة، وفي كافة الأنشطة العالمية... كل هذا لا يثير إشفاقه عليك، ولا يدعوك فيه إلى الراحة... ! إنما ينصحك بالراحة، إن كان تعبك في أي عمل روحي. جهادك الروحي فقط هو الذي يثير إشفاقه عليك وعلى صحتك؟ لذلك إن دعاك إلى الراحة وقت جهادك الروحي، فلا تطعه. أنها في حقيقتها دعوة منه إلى الكسل والتراخي... أما أولاد الله، فكانوا يفرحون بالتعب، بل ويفتخرون به (1كو15: 10). وكما قال القديس بولس الرسول "في الأتعاب أكثر... في تعب وكد. في أسهار مرارًا كثيرة" (2كو11: 23، 27). وقال أيضًا "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3: 8). إن عرفت هذا، اتعب من اجل الله، على قدر طاقتك. واعلم أن نصيحة الشيطان لك بالراحة، نصيحة غير مخلصة، وغير أمينة، وغير صادقة. لقد تعب القديس الأنبا بولا الطموهي في النسك، إلى أن ظهر له ربنا يسوع المسيح وقال له "كفاك تعبًا يا حبيبي بولا". فرد عليه القديس "وماذا يكون تعبي هذا، إلى جوار كل تعبك يا رب لأجل خلاصًا؟! خير لك أن تتعب ههنا على الأرض، لتنال أكاليل الجهاد. من أن تستريح ههنا على الأرض، وتتعب هناك في الأبدية... واعلم أن تعبك هنا ليس منسيًا أمام الله، لأنه "ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة" (عب 6: 10)، وكل تعب تتعبه ههنا، مكنوز لك هناك في الأبدية. ليس ههنا مكان الراحة. إنما هنا مكان الجهاد والتعب. لذلك حينما يموت إنسان، يقولون إنه تنيح أي استراح... فالشيطان ليس أمينًا في دعوتك إلى الراحة. إنه يخدعك... إنه يحدثك عن الصحة وقت النسك، وليس وقت الفساد! إن صمت، يلبس الشيطان ملابس الأطباء، ويلقى محاضرة مستفيضة عن أهمية البروتين الحيواني والأحماض الأمينية الأساسية. ويظهر اهتمامه بجسدك وسلامته. ولكنه لا يتحدث عن سلامة جسدك إذا داومت على التدخين أو المسكرات، أو الشهوات الشبابية الضارة بالصحة. إنه ليس مخلصًا في دعوتك إلى الصحة. لذلك إن حاربك براحة الجسد وصحته، قل له: ليس هذا وقته. إن كانت حرب الراحة من الشيطان، فإن حرب الكسل أشد. إننا حينما نتعب بالجسد، نشعر براحة نفسيه. والعكس صحيح. حينما نكمل واجباتنا نشعر براحة وفرح، مهما تعبا بالجسد. وانتصارنا على جسدنا في الصوم والسهر والمطانيات والعفة، يعطينا راحة لا توصف. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
حيل الشيطان "نجنا من حيل المضاد..."، "وأبطِل سائر فخاخه المنصوبة لنا". (تحليل صلاة الغروب)
|
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
خطية تلبس ثوب فضيلة ما أكثر حيل الشياطين! إنها لا تنتهي. إن لم تصلح حيلة منها، يستبدها بغيرها، وبثانية وثالثة... إلى أن يصل إلى غرضه. وليست هناك خطة واحدة أمامه لتوصله. بل هو يتخذ لكل وضع ما يراه مناسبًا، دون أن يتقيد بشيء... على أنه من أشهر خططه الواضحة المتكررة، بضعة أساليب صارت معروفة ومحفوظة، نذكر من بينها ما يأتي... ما أسهل أن يقدم لك الشيطان بعض الخطايا بأسماء غير أسمائها، بأسلوب يسهل قبوله. بحيث تلبس الخطايا ثياب فضائل... وكما قال السيد الرب "يأتونكم في ثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة" (متى 7: 15). فالتهكم على الناس والاستهزاء بهم، يقدمه على اعتبار أنه لطف وظرف، ومحبة ودالة، وخفة الروح، ومحاولة للترفيه... ! والدهاء يسميه باسم الذكاء... ! ويقدم لك القسوة في معاملة أولادك أو إخوتك الصغار، باسم التأديب والتربية والتقويم. ويجعل ضميرك يوبخك إن لم تؤدبهم. والتزين غير اللائق والتبرج، يقدمهما لك باسم الأناقة والنظافة. إن الشيطان لا يقدم الخطية مكشوفة، لئلا يرفضها الإنسان. بل يقدمها باسم آخر، وهي هى، ولا فارق... يقول إننى سأدخل مع (فلان) في حرب مسميات، وأسقطه فيما أريد، ربما دون أن يشعر... أو قد يشعر ولكن ضميره لا يبكته. لو أنني قدمت له الرياء بهذا الاسم المنفر، فلن يقبله. إذن ماذا أفعل؟ سأجعله مثل القبور المبيضة من الخارج (متى 23)، بحيث يكون في الداخل شيئًا، وفي مظهره الخارجي عكس ذلك تمامًا. ولكنني سأدعو الرياء باسم مقبول: أسميه عدم إعثار الآخرين، أو أسميه القدوة الحسنة. ليس من (الحكمة) أن يسمى الشيطان الخطية خطية، فيكشف حينئذ أوراقه، ولا يصل إلى هدفه! يقول السيد الرب في حديثه مع تلاميذه: تأتى ساعة... يظن فيها كل من يقتلكم، أنه يقدم خدمة (قربانًا) لله!! (يو16: 2). ويقينًا أن الشيطان قدم خطية القتل إلى هؤلاء، باسم "الغيرة المقدسة "أو "الدفاع عن الدين "أو "الجهاد المقدس" أو "تطهير الأرض من الخطاة". وربما كان هذا هو شعور الكتبة والفريسيين وشيوخ الشعب، في تقديمهم السيد المسيح للصلب. إن الذين انتهروا الأطفال ومنعوهم من الذهاب إلى المسيح (لو 18: 15)، ما كانت هذه قسوة في نظرهم، أو عدم اهتمام بالصغار، إنما لبس هذا التصرف ثياب الحملان، وتسمى باسم فضلة، ربما اسمها "حفظ النظام" أو "حفظ كرامة المعلم الصالح". والكذب يمكن أن يقدمه الشيطان تحت اسم "الحكمة "! يقدمه كنوع من حسن التصرف، أو إنقاذ المواقف. والطبيب قد يكذب على المريض مرات عديدة، ويسميها أمام ضميره "حفظ معنويات المريض"، وحمايته من الانهيار، لكي يشفى. والبعض يسمى بعض أنواع الكذب باسم "الكذب الأبيض". وربما يسميه في أول أبريل باسم: الدعاية أو الفكاهة والتندر، أو أي اسم مشابه. وبهذا الشكل، ما أسهل على الشيطان أن يسمى الرقص فنًا! ويسمى الصور العارية والماجنة فنًا أيضًا. وكذلك التماثيل التي من نفس النوع، ويدخل تحت هذا الاسم كل ما في السينما والمسرح من التمثيل مهما كان خاطئًا... وكل ما في الغناء والموسيقى، مهما كان معثرًا أو مثيرًا... وتحت اسم الفن يخفى الشيطان مجموعة كبيرة من الخطايا والعثرات، لا تستحق هذا الاسم الجميل! إلباس الخطية ثوب الفضيلة، هو حيلة ماكرة من حيل الشيطان. أتراه يدعو البخل بخلًا؟! ما كان أحد إذن يقبله. إنما الشيطان قد يسميه "حسن تدبير للمال "أو "حفظ المال لحاجة المستقبل "أو يسميه "عدم التبذير "أو "عدم الإسراف". وإذا أراد الشيطان أن يمنع غنيًا من أن يدفع للفقراء، يقول له: ليس من الخير أن تعدوهم الشحاذة، أو أن تعودهم التشرد والتواكل. إن عدم إعطائهم هو حكمة، وعين الحكمة، لكي يبحثوا عن عمل، ولكي يأكلوا من عرق جبينهم حسب وصية الرب الإله (تك 3: 19). إعطاء الخطية اسم فضيلة، يجعل الناس يستمرون فيها... فليس فقط من جهة الماضي، لا يتبكت الإنسان من ضميره. وإنما أيضًا من جهة المستقبل يستمر الخاطئ فيما هو فيه، بهذا الخداع من الشيطان. أتراه كان يطلق اسم هرطقة على أفكار أريوس ومقدونيوس وسابيليوس وأمثالهم؟! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
تحطيم فضيلة لاكتساب غيرها كلا، بل كان يقنعهم أن هرطقاتهم هي الدفاع عن الإيمان السليم!! وكان يزودهم بالتفسير الخاطئ لآيات الكتاب، لكي يقبلوا أفكاره، ولكي يقنعوا أيضًا غيرهم بها.. احترس إذن من المسميات الخاطئة، ولا تسمح للشيطان بأن يخدعك. فإن الخطية هي الخطية مهما اختفت وراء اسم آخر.. كذلك احترس من حرب أخرى يلجأ إليها الشيطان، وهى: إن الشيطان يتضايق من فضائلك الثابتة التي صارت وكأنها من طبيعتك. لذلك يحاول أن يحطمها بكل حيلة. وليس أسهل من أن يقدم لك فضيلة أخرى جديدة، إن لم تسلك فيها بإفراز – لقلة الخبرة – تضيع الفضيلة الأولى الثابتة. ومثال ذلك: أ – إنسان يحيا في وداعة وهدوء وسكون وسلام قلبي ودماثة خلق... يريد الشيطان أن يفقده كل ما فيه من رقة، ومن كلمة طيبة، ومن تواضع قلب. فماذا يفعل؟ إنه لا يستطيع طبعًا أن يذم له الوداعة، أو أن يقول له: أترك طبعك هذا المحبوب من الكل.. ولكنه يصل إلى ذلك عن طريق الإحلال.. يقدم له فضيلة بديلة، دون أن يقول له إنها بديلة.. وكيف؟ يشرح له أولًا أهمية الآية القائلة "غيرة بيتك أكلتني". وكيف أن داود المشهور بالوداعة (مز 132: 1) هو الذي قالها. وكيف أن التلاميذ تذكروها حينما صنع السيد المسيح الوديع "سوطًا من حبال، وطرد الباعة من الهيكل، وطرد الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم" (يو2: 15، 17). وقال لهم مكتوب: بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21: 13). ويدعوه إلى محاربة الأخطاء، ويزوده بكل الآيات اللازمة. يقول له إن السيد المسيح وبخ الكتبة والفريسيين بشدة، وقال لهم في أصحاح كامل "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون" (متى 23)، وواجههم بكل أخطائهم. وقال لهم "أيها القادة العمان "أكثر من مرة. قال لهم "إنكم تشبهون القبور المبيضة من الخارج". وقال "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (متى 23: 38). ويوحنا المعمدان قال موبخًا قادة اليهود في أيامه "يا أولاد الأفاعي. من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي..." (متى 3: 7). ثم يقول له: اسمع قول القديس بولس الرسول. إنه أمر: يأمرك قلًا "وبخ. انتهر. عظ" (2 تى 4: 2). ولا يكمل له الآية "بكل أناة وتعليم". ولا يقول له إنها موجهة إلى القديس تيموثاوس الأسقف (أسقف أفسس)، وليس لكل أحد. ولا يشرح له كيف كان القديس بولس نفسه يوبخ. وكيف قال لكهنة أفسس"... لم أفتر أن أنذر بدموع كل أحد" (أع 20: 17، 31)... وهكذا يلح عليه أن يوبخ وينتهر... كأنه المسيح أو المعمدان، أو القديس بولس، أو تيموثاوس الأسقف. ويقتنع هذا "الضحية "المسكين. ويظل يوبخ الكل، وهو لا يعرف الطريقة الروحية للتوبيخ. ولا من يوبخ من؟ ولا بأي سلطان يفعل هو هذا؟ وفي توبيخه يقع في إدانة الآخرين، وفي الغضب، وفي القسوة، وفي التشهير، وتسود صور الناس في نظره، وربما بهذا الأسلوب يبعد الكثيرين عن الكنيسة.. ويتحول إلى قنبلة متفجرة، تقذف شظاياها في كل اتجاه.. ! وهكذا يفقد وداعته ورقته ودماثته، ويكره الناس ويكرهونه. ثم ما يلبث أن يتعب من هذا الأسلوب الذي لا يتفق مع طباعه، يحاول أن يعود إلى حاله الأول، ولكنه لا يجد قلبه نفس القلب، ولا فكره نفس الفكر. بل يرى أنه قد فقد بساطته ونقاوة قلبه وفكره، كما فقد حسن علاقاته مع الآخرين، وفقد أمثلته الصالحة التي كان يستفيد بها غيره. لقد أطمعه الشيطان في فضيلة لا يعرفها، وأفقده فضيلته الأولى. فما احتفظ بالأولى، وما كسب الثانية. وصار في بلبلة! وهو يسمح له بممارسة الثانية، لأنها غير راسخة فيه، ولا تتعب الشيطان الذي يستطيع أن يزعزعه عنها بسهولة. من أجل هذا، كان آباؤنا ينصحون أولادهم بقولهم: إن أية فضيلة يقدمها لك الشيطان، ويقصدون بها أن يهدموا فضيلة أخرى عندك، أرفضها وقل لهم: هذه الفضيلة جيدة. ولكنني من أجل الله لا أريدها. حقًا، إن عمل الله لا يهدم بعضه بعضًا. وكل إنسان له شخصيته التي قد تختلف عن غيره. وقد لا يناسبه ما يناسب غيره. وليس كل أحد له سلطان أن يرتب وينظم، وأن يوبخ وينتهر، وأن يحكم ويدين. ومن يعطه الله هذا السلطان، لابد سيمنحه أيضًا كيف يستخدمه حسنًا، دون أن يخطئ... وليس كل إنسان يستطيع أن يقول "ويل لي إن كنت لا أبشر". فقد قال هذه العبارة القديس بولس الرسول الذي قال في شرح ذلك "إذ الضرورة موضوعة على "وأيضًا "قد استؤمنت على وكالة" (1كو9: 16، 17). وأنت، ما هي الضرورة الموضوعة عليك؟! ومن الذي استأمنك على وكالة، كما استؤمن القديس بولس من فم المسيح نفسه. وكما أخذ المعمدان رسالته في بشرى الملاك لأبيه (لو1: 15 – 17). وكما أخذ القديس تيموثاوس مسئوليته بوضع اليد (2تى 1: 6). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
خداع خدمة الآخرين إنسان يعيش في نقاوة القلب، بعيدًا عن العثرات الجسدية: يعيش محترسًا تمامًا، لا يقرأ قراءات تعثره، ولا ينظر إلى أية مناظر تعثره، ولا يختلط بأية خلطة معثرة، ولا يستمع إلى أية أحاديث معثرة. وهكذا يحتفظ بأفكاره نقية، لا تدخل إلى قلبه أي شيء غير طاهر... هذا الإنسان الطاهر، يريد الشيطان أن يحاربه. ولا يستطيع أن يقدم له عثرة مكشوفة، لأنه سيرفضها حتمًا. فماذا تراه يفعل؟ يفتح أمامه الباب ليكون مرشدًا روحيًا، يقود الشباب للطهارة. إذ كيف يعيش في الطهارة وحده، ويترك أولئك المساكين يسقطون كل يوم، ولا يقدم لهم مشورة صالحة تنقذهم مما هم فيه؟! ويقول له استمع إلى قول الرسول "من رد خاطئًا عن ضلال طريقة، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع5: 20). ويظل به يقنعه لكي يقبل هذه الخدمة الروحية الحيوية، حتى يقتنع، ويقبل أن يرشد الذين يأتون إليه..ثم تأتى بعد هذا الخطوة الثانية، وهى: لكي يكون إرشاده عمليًا، لابد أن يستمع إلى مشاكلهم وأخطائهم. ويظل هؤلاء يضعون في أذنيه أخبارهم وقصص سقوطهم. وقد يقولون كل شيء بالتفاصيل. وربما يكون في ما يحكون في ما يعثر... ويستمع (المرشد) الطاهر إلى كل ما كان يبعد عن سماعه، ويعرف ما كان لا يحب مطلقًا أن يعرفه. وما كان يحاول أن يبعد عنه، أصبح الآن ينصب في أذنيه، بكامل رضاه... وكل واحد يقدم صورة جديدة، أو صورًا عديدة من الخطأ. وعن طريق الإرشاد، يجد صاحبنا عقله وقد امتلأ بصور دنسة! وأصبح يعرف أشياء صارت تشوه طهارة تفكيره، وتدنسه بأخبار وقصص "ذكرها أيضًا قبيح" (أف 5: 12)... وحتى إن لم تعثره وتغرس فيه انفعالات خاطئة، فعلى الأقل ستنجس فكره. وكأنه قد قطف أثمارًا غريبة من شجرة معرفة الخير والشر... فإن حاول أن يبتعد، يقال له: ما ذنب هؤلاء الشباب؟ وقد يكونون قد تعلقوا به، واستراحوا إلى إرشاده. وربما يتعبون ضميره بأنه إن تخلى عنهم سيرجعون إلى خطاياهم مرة أخرى،وقد يلحون عليه في أن يظل يسندهم حتى يقفوا على أرجلهم.. وهكذا يحدث له ما حدث للوط البار، إذ قيل عنه "إذ كان البار بالنظر والسمع -وهو ساكن بينهم- يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة" (1بط 2: 8). وهذا الأخ قد يكون بالسمع فقط وليس بالنظر. وربما ما يسمعه يضع في ذهنه صورًا لم ينظرها من قبل، وكأنه نظرها فعلًا.. وما أدرانا، ربما هذا الأخ المرشد، يسقط، ولو بالفكر والقلب! كان يمكن من أول القصة أن يحيلهم إلى أب اعتراف ويريح نفسه. ولكن الشيطان ورطه، أو قذف به في أول الطريق، فقبل ذلك بسلامة نية، دون أن يعرف كيف يتطور به هذا الموضوع. وقد ينجح أخيرًا في تحويل هؤلاء إلى آباء اعتراف. ولكن بعد أن يكون فكره هو قد صار مخزنًا لقصص كثيرة وأخبار، ضيعت نقاوته الأولى، وأدخلت في ذهنه معلومات جديدة عليه، ينطبق عليها قول الحكيم "الذي يزيد علمًا، يزيد حزنًا" (جا 1: 8). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الانشغال بزحمة الحياة والآخرين – وقد تأتى حيلة الشيطان في الإرشاد بصورة أخرى، يقدم فيها لا أخبارًا تدنس القلب، بل شكوكًا تتعب العقل. إذ يكون القلب في بساطة الإيمان، وتكون القراءات كلها روحية تعمق صلته بالله. ويأتي إليه من يطلبون معونته وإرشاده في شكوك تتعبهم. وتتوالى هذه الشكوك من هنا وهناك، لكي تجد لها حلًا. ويبدأ إيمان هذا (المرشد) يتحول شيئًا فشيئًا من القلب إلى الفكر والبحث العلمي... وقليلون من يحتفظن بالاثنين معًا... يجد الشكوك تتكاثر علية. وليست له موهبة الرد على الشكوك... وينبغي أن نعرف أنه ليس كل أحد على مستوى الإرشاد. الذين لهم هذه الموهبة، لا يصيبهم ضرر سواء في المشاكل الروحية وسماع الخطايا الجسدية، أو في المشاكل العقائدية وسماع الشكوك. ولكن حيلة الشيطان الماكرة في هذا الأمر أنه: يقدم الإرشاد للذين ليست لهم الموهبة، ويصيبهم منه ضرر. ويقدمه بأسلوب ضاغط، يشعرهم به أنه ضرورة ملحة، وأنه واجب مقدس وأن "من يعرف أن يعمل حسنًا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع 4: 17). وما أسهل على القلب المتضع أن يقول في انسحاق "ولكنني هنا لا أعرف"، "أنا الذي لم أستطع أن أرشد نفسي، كيف يمكنني أن أرشد آخرين؟!".. والشيطان قد يقدم عملًا روحيًا، ليزيل به تأثير عمل روحي آخر. فإن رأى إنسانًا قد صلى صلاة روحية عميقة، وانسكب في تأملات حارة أمام الله، قد يرسل إليه إنسانًا يطلب عمل المصالحة بين متخاصمين. لكيما إذا جلس وسط هؤلاء المخاصمين، بكل ما في تصفية الجو من ضوضاء أو شوشرة أو شجار أو عتاب قاس، تزول آثار الصلاة والتأملات. ويعود هذا المصلى إلى بيته، وليس في ذهنه سوى ما سمعه من مناقشات حامية، ربما تجعل عقله يسرح إذا صلى. وتحتاج أمثال هذه المواقف إلى إدماج الصلاة فيها، وإلى تمهيدات روحية بعدها قبل الوقوف أمام الله للصلاة... وقد يرى الشيطان أن صلاتك حافلة بالتأملات، فيريد تشتيتها: فماذا يفعل؟ يقول لك وأنت تصلى "إن هذا التأمل عجيب جدًا وعميق، وإن سمعه آخرون سيستفيدون منه، فلئلا تنساه، قم الآن واكتبه. وهكذا يكون قد أخرجك من الصلاة إلى الكتابة، وقطع وقفتك المتخشعة أمام الله، لكي تجلس وتكتب، مهتمًا بالآخرين أكثر من اهتمامك بالوقوف في حضرة الله..وفي كل ما يجذبك إليه الشيطان من فضائل أخرى، يكون هدفه: يفقدك ما عندك، مغريًا إياك بفضائل أخرى ليست معك. أو هو يفقدك الثابت الذي في يدك، من أجل وعود في أشياء قد لا تتم. أو قد يسمح لك ببعضها لكي يسحبه منك فيما بعد... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
استخدام الفضائل في غير موضعها يقول الكتاب "الكل أمر تحت السموات وقت" (جا3: 1). فإذا استخدمت الفضائل في غير وقتها وفي غير موضعها، ربما تأتى بنتيجة عكسية، ولا تخدم الغرض الروحي. وهذا بعض ما يقدمه الشيطان ضمن حيله الكثيرة. ففي وقت التوبة، حينما يلزم الانسحاق، يقدم فضيلة الفرح. ويورد كل الآيات الخاصة بالفرح، حتى يضيع الندم والانسحاق والدموع، كل هذه الأمور اللازمة لحفظ التوبة. وفي نفس الوقت يخفى الآيات الأخرى مثل "طوبى للحزانى الآن، لأنهم يتعزون" (متى 5: 4). وفى منهجه هذا، يستخدم طريق الآية الواحدة... وقد رفض السيد المسيح هذا المنهج. فعندما قال له الشيطان على الجبل"... لأنه مكتوب... "أجابه الرب "مكتوب أيضًا..." (متى 4: 6، 7). وهكذا أرانا أن منهج الآية الواحدة الذي يستخدمه الشيطان، لا يمكن أن يوصل إلى حقيقة روحية سليمة، طالما هناك آيات أخرى توضح الموضع. وقد يستخدم الشيطان آيات كثيرة في اتجاه واحد يخدم غرضه. إنه يذكر الآيات الخاصة بالرحمة، حينما يلزم الحزم وتلزم العقوبة. ويذكر الآيات الخاصة بالعقوبة حينما يلزم العفو والحنو والرحمة. ويحاول أن يقنع الإنسان بالصمت، ويورد نصوصًا عديدة من الكتاب، مستخدمًا إياها في الوقف الذي يجب فيه الكلام. كذلك يورد آيات عن فائدة الكلام وأهميته، في الوقت الذي يحسن فيه الصمت... كذلك يورد للإنسان آيات لا تناسبه، وهي خاصة بغيره. فهناك آيات خاصة بالرسل ورجال الكهنوت، لا تنطبق على العلمانيين، يقدمها لشخص عادى كما لو كانت تخصه هو... مثل قول المسيح لتلاميذه الاثني عشر "لا تدعوا لكم أبًا على الأرض..." (متى 23: 9)،ومثال ذلك أيضًا ذلك الشخص العنيف الذي كلما كان يرى شخصًا مخطئًا، كان ينهال عليه ضربًا!! وذلك لأن الشيطان وضع في أذنيه الآية التي تقول "في أوقات الغدوات كنت أقتل جميع خطاة الأرض، لأبيد من مدينة الرب جميع فاعلي الإثم" (مز 101: 8). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
التشكيك إن الشيطان يزرع الشكوك في كل مجال من مجالات الحياة. لأن الإنسان في حالة الشك يكون ضعيفًا يمكن للشيطان أن ينتصر عليه. فهو مثلًا يغرس الشك من جهة التوبة. سواء من جهة إمكانية التوبة، أو من جهة قبول الله لها. فهو يصور للإنسان أنه ليس من السهل عليه أن يتخلص من هذه الخطايا، التي صارت طبيعة فيه، أو عادة من عاداته، أو صارت محبوبة لديه لا يمكنه مطلقًا الاستغناء عنها. وإذ يغرس فيه الشك الكامل في قدرته، يخفى عنه تمامًا معونة الله، أو يشككه فيها أيضًا، كما قال داود النبي "كثيرون قاموا على. كثيرون يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه..." (مز3). أما إن صمم الإنسان على التوبة، فإنه يشككه في قبول الله لتوبته: إما لأنها أتت بعد فوات الفرصة، أو لأنها توبة غير حقيقية، أو لأن خطاياه بشعة من الصعب مغفرتها! وتحتاج إلى عقوبات فوق احتماله! وكل هدف الشيطان هو إلقاء التائب في اليأس. لكى تخور عزيمته، ويبقى في الخطية حيث هو... وكذلك يشككه الشيطان في رحمة الله، ويورد له آيات لا تحصى عن عدل الله، وعن عقوباته. وربما تكون عقوبات عن خطايا أقل من خطاياه هو بكثير. وشكوك الشيطان قد تدخل في الحياة الشخصية أيضًا. فهو يغرس الشك في أيهما أفضل: البتولية أم الزواج. وأى طريق منهما يختاره الإنسان يشككه فيه كذلك. فإن اختار البتولية يشككه في إمكانية الحياة فيها، وكيف أنها صعبة جدًا، وهي فقط "للذين أعطى لهم" (متى 19: 11)، "وكل واحد له موهبته الخاصة من الله" (1كو 7:7). فما أدراك أن هذه موهبتك؟! ويشرح له السقطات التي وقع فيها القديسون. ويقول له: هل أنت أفضل من داود ومن شمشون، وكلاهما حل روح الرب عليه؟! وإن اختار الزواج، يقول له، لقد فقدت إكليل البتولية. ويضع أمامه قول القديس بولس الرسول "غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضى الرب. أما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضى امرأته" (1كو7: 32، 33)، "ومن لا يزوج يفعل أحسن" (1كو7: 38). وهكذا يتركه في بلبلة لا يعرف أي الطريقين يختار... ! وهو يغرس الشكوك أيضًا في موضوع الوحدة والخدمة. إن اختار الإنسان طريق الوحدة، يشرح له أمجاد الخدمة، وكيف أنها طريق الرسل وأبطال الإيمان، وأن "الذين ردوا كثيرين إلى البر يضيئون كالكواكب إلى أبد الدهور" (دا 12: 3)، إنه "يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيضئ نوركم قدام الناس..." (متى 5: 15، 16). وإن اختار الإنسان طريق الخدمة، يقول له الشيطان: لقد فقدت طريق الملائكة الأرضيين، وحياة السكون والهدوء التي يتفرغ فيها الإنسان لله وحدة. أما أنت فقد اخترت طريق مرثا التي وبخها الرب بقوله "أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد". ولم تختر طريق مريم التي جلست عند قدمى المسيح، واختارت النصيب الصالح (يو10: 41، 42)،ويذكره بالرؤيا التي ظهر فيها أن أرسانيوس المتوحد كان أفضل من موسى الأسود محب الأخوة وخادمهم. وهكذا يستمر الشيطان في غرس الشكوك. وكما قال يوحنا الدرجى: الراهب الذي يعيش في الوحدة، يحاربه الشيطان بمحبة الأخوة وخدمتهم. والراهب الذي يخدم الأخوة في المجمع، يحاربه الشيطان بمحبة الوحدة وحياة السكون والصلاة والتأمل. والشيطان يغرس الشكوك في العلاقات الاجتماعية كلها. فهو يغرس الشكوك بين الزوج وزوجته، وبين الصديقة، وبين الشركاء في العمل، وبين الرئيس ومرؤوسيه. يشكك في محبة الواحد للآخر، أو في إخلاص وأمانة الواحد للآخر. بل يشكك في كل تصرفات الناس وفي نياتهم ومقاصدهم وكل ذلك لكي يزعزع صلات التاس ببعضهم البعض، ويحولها إلى انقسامات ونزاعات، ويضيع الحب الذي هو عماد الحياة الروحية والاجتماعية كلها... حتى الأمور التي يمكن أن تمر ببساطة، يعقدها الشيطان بشكوكه العديدة، وقد يخلق منها مشاكل عويصة... ! وهو يشك أيضًا في الإيمان ذاته وفي العقائد. وكل البدع والهرطقات التي قاست منها البشرية هي من صنع الشيطان ومن أفكار، وكذلك كل المذاهب المتعددة وما بينها من صراعات. والإلحاد أيضًا هو من صنع الشيطان... الشيطان أيضًا يشكك في إمكانية الحياة مع الله. ويشرح أن الحياة الروحية صعبة وغير ممكنة. فمن من الناس يستطيع أن يسير في الطريق الكرب، أو أن يدخل من الباب الضيق (متى7: 13، 14). ومن يستطيع أن يصل إلى حياة الكمال التي يطلبها الرب منا (متى5: 48). ومن يستطيع أن ينجو من حروب الشياطين؟! وفي ذلك يخفي عمل النعمة وعمل الروح القدس في خلاص الإنسان، ويخفي معونات الله الكثيرة!! والشيطان قد يغرس في القلب شكوكًا حول أب الاعتراف. فيشكك في مدي اهتمام أب الاعتراف بالمعترف، ومدي محبته له، ومدي كتمانه لأسراره، ويشكك في إرشاداته وصحتها وصلاحيتها للنمو الروح. يشكك في معرفته، وأيضًا في روحانيته. وهو يريد بكافة الطرق أن يبعد ضحية عن أب الاعتراف، الذي يكشف له حروب الشياطين وحيلهم ومكرهم. ويبقي المسكين بلا مرشد فيصبح فريسة سهلة للشياطين. إنه يشككه في أب الاعتراف، لكي يخالفه، أو يتركه، أو أن يخفي عنه تدابيره وكلها وسائل خاطئة. وقد يشككه أيضًا في سر الاعتراف ذاته. ويقول له: لماذا تعترف على إنسان مثلك؟! وقد يشككه في الفضيلة ذاتها... فيقول له مثلًا ما لزوم الاتضاع والوداعة؟ إنهما يضعفان شخصيتك! وما معني أن تترك حقك، ولا تأخذه بالقوة، حتى يتلاعب بك غيرك.. ؟ وهكذا مع باقي الفضائل. أما أنت فلا تقبل الشكوك. وكلما أتاك شك، قل: هذا من عمل الشيطان... ولا تقبل الشك داخلك، ولا تستعمله ولا تدعه يستمر... إن كنت كفوًا لمناقشة واثبت زيفه، واطرحه خارجًا. وإلا، أطلب من الله أن يرفعه عنك. وتذكر قول الكتاب "كونوا راسخين، غير متزعزعين" (1كو15: 58). وأرجو بنعمة الله أن أحدثك عن الشكوك في مناسبة أخري، بنطاق أوسع، حينما نتحدث عن الحروب الروحية، واحدة فواحدة بالتفاصيل. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
محاربات اليأس حتى في الأوقات الروحية ومن وسائل الشيطان في اليأس، ضربه لنا في أوقات روحية. وهذه من حيلة المشهورة، حتى باتت معروفة للكثيرين. ومثال ذلك: تكون في سهرة روحية طول الليل في الكنيسة، في بدء عام جديد، وكللك رغبة وتصميم أن تبدأ بدءًا حسنًا بعام مبارك مقدس. وتحضر السهرة والقداس وتتناول. ثم تخرج لكي يرسل لك الشيطان إنسانًا متعبًا جدًا يعكر دمك ويثيرك، ويجعلك تغضب وتخطئ. وحينئذ يضربك الشيطان باليأس، فتقول: أبعد كل هذا أسقط! إذن لا فائدة. كلا، لا تيأس فهذه هي حيله المعروفة. قل كما قال النبي "إني إن سقطت أقوم"... واعرف أن الشيطان لا يهدأ في حربه. في أول كل عام جديد، وفي كل يوم روحي، وبعد كل صلاة روحية، وفي بداية كل صوم، وبعد كل تناول.. توقع منه ضربه لإسقاطك فإن فعل، قل له العب لعبة أخري، فقد صارت ألا عيبك هذه مكشوفة.. صدقوني إن الحروب في المناسبات الروحية، لا تحصي.. وقد تكون هذه الحروب مجرد حسد من الشيطان لعملك الروحي أو لنجاحك. ومن وسائل اليأس، أن الشيطان يغري الإنسان بمستويات أعلي منه. يضربه ضربات يمينيه، ويقنعه بمستويات روحية لا يستطيع الوصول إليها، ويشجعه على ذلك بكل قوة. فإن نصحه أب اعترافه بالتدريج حتى يصل، وأراد أن يقلل من هذا المستوي، يشككه في أب اعترافه ومستواه الروحي. وما أسهل أن يسلك الإنسان يومين أو ثلاثة أو أكثر في درجة عالية، على غير أساس، ثم لا يستطيع أن يستمر، ويفشل، وهنا يبدأ الشيطان أن يغيره ويلقيه في اليأس، ويقول له: إنك لا تصلح للطريق الروحي! طبيعتك لا تتفق مع الحياة الروحية السليمة. ويستمر ف تحطيم نفسيته... بينما لو تدرج، كما نصحه أب الاعتراف، لا ستطاع أن يصل إلى هذا المستوى الذي أراده الشيطان أن يبدأ به. لقد استطاع الشيطان أن يقنع الكتبة والفريسيين بأن يسلكوا بأسلوبه. فكانوا في إرشادهم الروحي "يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس. هم لا يريدون أن يحركون بأصبعهم" (متى 23: 4). وهذه الأحمال الثقيلة تدفع أحيانًا إلى اليأس، إذ قد يقول حاملها: من يقدر على هذا؟ من يستطيع أن يخلص؟! أما الرسل القديسون فلم يفعلوا هكذا، بل رأوا في قبول الأمم "أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم" (أع 15: 19)، وأرسلوا إليهم قائلين "لا نضع عليكم ثقلًا أكثر، غير هذه الأشياء الواجبة" (أع 15: 28). وقد قال القديس بولس الرسول "سقيتكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون" (1كو 3: 2). لذلك إن أغراك الشيطان بما فوق مستواك، فلا تقبل. قل له: اذهب عنى يا شيطان، فإن لي مرشدي الروحي الذي أسمع له. أما أنت فلا تقصد بي خبرًا. ولك طرقك بلا نظام، ولا توصل. يروى عن القديس الأنبا أنطونيوس أن الشيطان أيقظه ذات ليلة لكي يصلى، فلم يقبل القديس نصيحته. وقال له: أنا أصلى حينما أريد، ومنك لا أسمع... إن الشيطان يرفع الإنسان لكي يسقطه. وإن سقط يدفعه إلى اليأس في شماتة. وحرب اليأس هامة بالنسبة إلى الشيطان... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
لا تستسلم لليأس فالإنسان حينما ييأس، تتحطم روحه المعنوية، ويفقد ثقته بنفسه، وثقته بالله، وثقته بإمكانية الحياة الروحية، ويستسلم للسقوط... وهذا هو عين ما يريده الشيطان. لكيلا تقاومه فريسته، فتهلك. وكأنه يقول لهذا الإنسان اليائس المستسلم له: إنك لن تفلت من يدي. أنت ذاهب إلى جهنم لا محالة. فلا فائدة. ولذلك نصيحتي لك أن تتمتع بالدنيا بضعة أيام، بدلًا من أن تخسرها دنيا وآخره...! يقنعه الشيطان بصعوبة الحياة الروحية، وبأنه ضعيف وطبيعته فاسدة! كما يقنعه بأنه لن يفلت من يد، ولا من العدل الإله... https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ch-Despair.jpg St-Takla.org Image: Despair, painting by Edvard Munch, 1893-4, Oil on canvas, 92 x 72.5 cm, Munch Museum, Oslo صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة اليأس، الفنان إدفارد مونش سنة 1893-4، زيت على قماس بمقاس 92×72.5 سم، محفوظة في متحف مونش، أوزلو هذه هي أكبر أسلحة الشيطان في حرب اليأس. والرد على كل ذلك بسيط. وهو أننا لا نحارب بإرادتنا الطبيعية، لأن الحرب للرب (1صم 17: 47)، وهو الذي يقودنا في موكب نصرته (2كو2: 14). وإن كنا نحن لا نستطيع، بسبب ضعفنا وفسادنا وصعوبة الطريق، فإننا نستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينا (فى4: 13). يسندنا عمل النعمة، وقوة الروح القدس العامل فينا، وملائكة مرسلون لمعونتنا (عب 1: 14). وتسندنا شفاعة القديسين فينا... أما الشيطان فلا سلطان له علينا، ولا نعبأ بتهديده، وما أجمل قول الرسول "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 7). أما العدل الإلهي فقد وفاه الرب على الصليب، وقد قدم لنا في حبه خلاصًا هذا مقداره (عب 2: 3). ونحن "إن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل، يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل إثم" (1 يو1: 9). ويغسلنا فنبيض أكثر من الثلج (مز 50). وهو الذي قال لنا "إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج..." (إش 1: 18). إن حرب الشيطان هي اليأس، بالطرق التي رددنا عليها. أما الكتاب فإنه يشجعنا. ويجعل الرجاء من الفضائل الكبرى (1كو13: 13). وكثيرة وعود الله لنا وللكنيسة: إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (متى 16: 18). وإننا "بقوة الله محروسون" (1بط 1: 5) وأنه قد نقشنا على كفه (إش 49: 16). والكتاب يقول |ن "الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة.." (2تى 1: 7). ولذلك نصحنا الرسول أكثر من مرة بأننا "لا نفشل" (2كو 4: 16، 1، غل 6: 9). إن كنت ماشيا في الطريق الروحي، ووقعت، لا تظن أنك لا تعرف المشي، وتيأس! بل قم وأكمل المسير.. إن الشيطان يحسد خطواتك ويريد أن يعرقلها. فلا تدفعك عراقيله إلى اليأس. بل على العكس، قم بقوة أكثر. وأعرف أنه لولا نجاحك في العمل الروحي، ما كان الشيطان يحاربك! حقًا، لماذا يتعب الشيطان نفسه في محاربة الساقطين؟! إنه يتصدى بالحري للقائمين، وللذين يخاف جهادهم ضده. استمع إذن إلى قول الرسول "كونوا راسخين غير متزعزعين" (1كو 15: 58). كن قوى القلب بالله، ولا تيأس.. لا تيأس مهما كانت حروب الشيطان قوية. ولا تيأس مهما سقطت، مهما نسيت الوصية، ومهما فشل التدريب،لا تيأس إذا كانت البداءة بدأت بها بداءة ضعيفة، أبداءة ساقطة، أو بداءة ضائعة. قل لنفسك: كل هذه مجرد حروب، وأنا سأثبت في الله. سأسير نحو الله، وإن كنت أجر رجلي جرًا إليه.. مهما سقطت مائة مرة في الطريق، سأقوم وأكمل طريقي.. ولن أقبل اليأس مطلقًا. إنه من عمل الشيطان. ننتقل إلى حيلة أخرى من حيل الشيطان وهي أن: |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان يغير خططه
إن الشيطان لا يصر على خط معين في محاربته للإنسان. إنما ما أسهل أن أن يغير خطه وخططه، إن كان ذلك يوصله إلى إسقاط مَنْ يريد. وسنضرب لذلك بعض أمثلة: 1- شاب كان يحاربه الشيطان بالزنا حربًا عنيفة ويتعبه فيها ويسقطه أحيانًا. فبدأ هذا الشاب في حياة توبة، وأصبح يحترس من هذه الخطية بالذات احتراسًا شديدًا: يبعد عن كل أسبابها. ويسد كل الأبواب التي تأتى منها الخطية، سواء كانت من القراءات أو السماعات أو اللقاءات. وفي نفس الوقت يقوى نفسه من الداخل بكل الوسائط الروحية، ويصلى إلى الله بدموع لكي ينقذه. فماذا يفعل الشيطان إزاء هذا الحرص الشديد من خطية الزنا؟ يقول: أتركه الآن، لا أحاربه بهذه الخطية فترة طويلة، حتى يظن أنه انتصر عليها تمامًا، فلا يحترس من جهتها. ولنحارب حاليًا بخطية أخرى.. ويتركه سنة أو اثنتين أو ثلاثًا، بلا حروب في هذه الخطية، بلا عثرات، بلا أفكار. ويلقيه مثلًا في خطية كالكبرياء... يري المسكين أنه نجا من الزنا، فيفرح. ويغريه الشيطان بمستوي عال في الصوم، في القراءة، ثم في الخدمة، وفيما هو مستريح الفكر من الخطية، ومستريح في منهجه الروحي، يدعوه الشيطان إلى تطبيق هذا المستوي على غيره. ويريه أنهم مقصرون، وأنه فاقهم بمراحل، فيوقعه في الكبرياء. ويدعوه إلى توبيخهم وتبكتهم وإدانتهم: أبوك لا يصلي. أمك لا تصوم. إخوتك لا يتناولون. أسرتك لا تقرأ الكتاب. اذهب ووبخهم، وبشدة... ويمتد نطاق التوبيخ واحتقار الآخرين، وشتيمة واحتقار هؤلاء وأولئك، لأنهم بعيدون عن الله، مع تعالي القلب بما وصل إليه. وفيما هو يحاول أن يخلع الزوان، يصير هو نفسه زوانًا. إذ أصبح باسم الحق يشتم، ويحتد، ويدين ويحتقر، ويتعالي على غيره، ويسبح في الغرور والكبرياء، يقول كالفريسي "أشكرك يا رب إني لست مثل سائر الناس..." (لو18: 11). وتسأل الشيطان عن خطية الزنا التي أراح منها هذا الشاب؟ فيجيب: الذي يهلك بالكبرياء، كالذي يهلك بالزنا. كلاهما هالك. أليس أن الذي يموت بالسل، كالذي بالسرطان، كالذي في عميلة جراحية؟ كله موت... والنهاية واحدة... "تعددت الأسباب، والموت واحد"... أما حرب الزنا التي يظن هذا الشاب أنه قد نجا منها، ففي الحقيقية أن لها يومًا تعود فيه إليه، حينما يقل يفيق منها. وتسأله كيف؟ فيقول: في الفترة التي استراح فيها الشاب من حرب الزنا، ظن أنها فارقته بلا عودة، ولم يعد لها وجود في حياته، وأنها من الخطايا التي تحارب المبتدئين فقط. ولا يعقل أن تحارب المستويات العليا التي وصل إليها! بل إن كثيرين أصحبوا يسترشدون به في مقاومة هذه الخطية. وهكذا أصبح يسمع تفاصيل عن هذه الخطية ما كان يسمح لنسه أن يسمعها من قبل. وبعض أمور خافيه عن معرفته صار يقرأ لها كتبًا في هذا الموضوع المعثر، ليرد على أسئلة سائليه، وما كان يقرأ هذه القراءات مطلقًا في فترة حرصه واحتراسه! وهكذا امتلأ ذهبه بأفكار صارت تترك في نفسه مشاعر وتأثيرات، تنمو بمرور الوقت وهو لا يدرى، إلى جوار أنه بسبب الكبرياء وإدانة الآخرين، بدأت النعمة تتخلى عنه. وهنا أتت الساعة التي يضربه فيها الشيطان بهذه الخطية بالذات. ويسهل عليه إسقاطه. وتكون خطة الشيطان قد نجحت على الرغم من تغييرها في الطريق... وهنا يقول الشيطان: إنني أرحته زمنًا من هذه الخطية، لكي لا يستعد لها. وحينما لا يستعد لها، لا يدقق. وفي عدم تدقيقه يتساهل مع الخطية وأفكاري. وفي هذا التراجى وتساهله مع، أضربه بالخطية التي استراح منها سنوات. فيسقط بسهولة. هذا هو الشيطان...! قد لا يحاربك الآن بخطية معينة، ليس محبة منه لك، إنما لأنه لا يجهز لك فخًا من نوع آخر. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
تغيير الخطية بخطية مثال آخر: إنسان آخر ساقط في الخطية الغضب، وخطية الإدانة، وخطايا السب والكلام الجارح. بدأ يستيقظ لنفسه، ويدخل بقوة في تداريب صمت، ليتخلص من خطايا اللسان جملة. فماذا يفعل الشيطان؟ يقول: لا مانع من أن نغير الخطة. وبدلًا من محاربته بخطايا اللسان والغضب، نحاربه بخطية الغرور مثلًا... بحيث يقتنع تمامًا، أنه لا يوجد إنسان أفضل منه. وكيف ذلك؟ نريحه من خطايا اللسان تمامًا، فلا نحاربه بها الآن مطلقًا. وننصحه بشيء من النمو الفجائي في العمل الروحي، بلون من المغالاة، ولا نحاربه في ذلك، ويظن أن لا يوجد مثله، فيسلك في الغرور. وربما يختلف مع أب اعترافه الذي لا يوافقه على تطرفه وغروره، فلا يأبه. ويصبح في وضع لا يخضع فيه لأحد، لا يطيع أحدًا، ولا يستشير أحدًا، ولا يحترم أحدًا. والغرور يسقطه ويهلكه، بدون السقوط في خطايا اللسان. ومع ذلك فالغرور سيجعله يصطدم بالآخرين. ولابد سيقع في خطايا اللسان، حتى بدون شيطان! فكم بالأولي إذا حاربه الشيطان بها... إن الشيطان التي تناسبه. إنه يعرف متى يحارب، وكيف يحارب، وبأي نوع..؟ والذي لا يسقط بهذه الطريقة يسقط بغيرها. والذي لا يسقط في هذه الخطية الآن، مصيره أن يسقط فيها هي بذاتها، فيما بعد، والفخاخ كثيرة، موجودة ومنصوبة. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الذين بلا مرشد يسقطون سريعًا في الطريق ج - مثال ثالث في كيف يغير الشيطان خططه: بدأ الصوم الكبير. وكان الشيطان في العام الماضي يقاتل عن الأطعمة الحيوانية؟! صم بالأحرى عن الخطية، وحارب الحيوان الذي في داخلك.. لأنه ما فائدة الصوم بدون طهارة ونقاوة؟! ألا يكون صومك غير مقبول؟! - فأجاب الشاب: بل أنا أنفذ قول الكتاب "افعلوا هذه، ولا تتركوا تلك" (متى23: 23). فأحاول أن أصوم الصومين معًا. أصوم جسدي عن الطعام، وأصوم نفسي عن شهوة الخطية "أقمع جسدي وأستعبده" (1كو9: 27) بمنعه عن الأطعمة بمنعه عن الأطعمة الشهية، أتعود بذلك قهر النفس فلا تخطئ. · قال الشيطان: ولكنك ضعيف، وصحتك لا تحتمل الصوم. ولابد تحتاج إلى البروتين الحيواني لتعيش، وبخاصته وأنت في فترة نمو. - فأجابه الشاب بقول الرب "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (متى4:4). وتذكر أن آدم وحواء كانا يعيشان على الثمار والبقول، ثم عشب الأرض (تك1: 29، 3: 18). ولم يقل الكتاب إنهما مرضا لنقص البروتين الحيواني!... · قال الشيطان: لا مانع إذن من أن تصوم. ولكن لا داعي لأن تصوم الصوم كله من أوله، فهذا كثير. وأيضًا لا تضغط على نفسك في الصوم، لئلا يحاربك الشيطان بالمجد الباطل! وأنت تعرف حروب الشياطين، وخطورة ضربات اليمين. - أجاب الشاب: لا أريد أن أتهاون. فالرب يدعونا إلى الكمال (متى5: 48). ومهما صمت، ماذا يكون صومي إذا قورن بأصوام القديسين؟! إنه لا شيء... وصام الشاب. وحل الصوم هذا العام، والشاب في تصميمه. - ورأي الشيطان أن محاولة منع هذا الشاب عن الصوم ستكون محاولة عقيمة. لذلك بدأ يغير خطته إلى العكس. · فقال للشاب: ما أفيد الصوم! إن عمق فائدته تأتي من طول فترة الانقطاع. ومن رأيي أن تنقطع كل يوم إلى الغروب من بدء الصوم. ولكن لابد أن تستشير أب اعترافك وتأخذ موافقته (وكأن يعلم يقينًا أن أب الاعتراف لن يوافق).. وهنا نصب له فخًا. ولم يوافق أب الاعتراف، ودعا الشاب إلى التدرج... · وهنا تدخل الشيطان ليقول: إن أب اعترافك هذا، لا خبرة له بالصوم، وهو بإرشاده يعطل حياتك الروحية. بطريقته هذه لا يمكن أن تنمو، ولا أن تذوق حلوة الصوم. بل أخشي عليك إذا ضغطت الظروف، أن ينصحك يومًا بأن تفطر في أسبوع الآلام!! والأفضل أن تغير أب اعترافك. ومن الممكن في أمور الصوم وأمثالها، أن لا تستشير أب الاعتراف! أترك هذه الأمور أصرفها معك بنفسي! وهكذا غير الشيطان خطته، من تشكيك في الصوم، إلى تشكيك في أب الاعتراف. ليس المهم عنده نوع الحرب، إنما أن يسقط من يحاربه. وبتحويل الشاب عن أب اعترافه، جعله يسلك حسب هواه بلا مرشد، مع كبرياء في القلب يظن بها أنه أفضل من مرشده، مع إدانة لهاذ المرشد. ؟ وكل هذه وسائل تجره في طريق السقوط إلى أسفل. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
شيطان المجد الباطل د - مثال رابع: شيطان المجد الباطل: إنه شيطان يغير أسلوبه باستمرار، ليطابق أي حال يراه... وهو في ذلك غير المكعب الذي لابد أن يستقر على قاعدة معينة. أما المكور فحيثما نقلبه أو توجهه، يتحرك، على كل وجه، كالكرة. إن كنت جالسًا إلى المائدة ولم تأكل، يقول لك "يعجبني نسكك هذا، إنك لا تأكل كسائر الموجودين. وإن أكلت مثلهم تمامًا، يقول لك "هكذا القديسون: يتظاهرون بالأكل وهو صائمون، لكي يخفوا فضائلهم". إن تكلمت، يقول: إنه كلام الحكمة، موضع إعجاب السامعين... وإن صمت، يقول: الصمت فضيلة القديسين مثل القديس أرسانيوس! فكن حكيمًا مع هذا الشيطان. ولا تصدقه فيما يقوله، ولا تتأثر بكلامه وأحكامه. وإن حاربك بمديح نفسك لنفسك، تذكر خطاياك وضعفاتك، وبكت ذاتك عليها. أو تذكر ما ينقصك في حياة البر، حتى تقيم توازنًا مع ما تسمعه من مديح... وعمومًا - بالنسبة إلى أي شيطان - إذا غير خططه معك، يمكن أن تغير أنت أيضًا خطتك معه. ومثال ذلك، القديس يوحنا القصير: كان الشياطين يمدحونه على ما وصل إليه من فضيلة، حتى أن الإسقيط كله كان يطلب منه كلمة منفعة. فيجيبهم: ومن أنا المسكين؟ ألعلي وصلت إليه الأنبا أنطونيوس أو الأنبا بموا؟! إنني كلي خطية. فإن قالوا له: حقًا إنك خاطئ وستهلك، يجيبهم: وأين ذهبت محبة الله ورحمته؟! فكان الشياطين يقولون له "لقد حيرتنا. إن رفعناك اتضعت. وإن وضعناك ارتفعت".. فكن أنت هكذا في تعاملك مع الشياطين. إن مدحوك، تذكر خطاياك. وإن أراحوك من محاربتهم، قل لعلهم يعدون لي فخًا لا أعرفه. فليرحم الرب ضعفي... بل أذكر أنك لم تصل إلى المستوى الذي يحاربك فيه الشيطان. مثل ذلك الأخ الذي شكا للقديس الأنبا بيشوي محاربة الشيطان له، فظهر الشيطان للقديس، وقال له: من هو هذا الأخ لأحاربه؟ أنا لم أسمع بعد بأنه قد ترهب! إن حرب الشياطين الحقيقية حرب شديدة. وربما غالبيتنا لم يتعرضوا لها. والحروب التي تعرض لها القديسون كانت عنيفة، لا يسمع الله أن نكابدها نحن. إن شيطان المجد الباطل، يقدم حربًا أساسها المديح. ولكن هناك طريقة عكسية لهذه تمامًا يحارب بها الشيطان أحيانًا، وهى: حرب الكآبة... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الكآبة و الاكتئاب هى نوع من المبالغة الشديدة يحارب بها الشيطان التائبين، أو الشاعرين بخطاياهم، أو المنسحقين بقلوبهم، لكي يجرهم إلى الضياع... يختار لهم الشيطان من بين كل آيات الكتاب المقدس آية واحدة يضعها أمامهم باستمرار وهي "بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا 7: 3). ويقول لهم إن الكتاب لم يذكر مطلقًا أن المسيح قد ضحك، ولكن ذكر أنه بكى مرات... وكلما يفع هذا الإنسان في خطية، أو يحارب بشدة في خطية، يظل الشيطان يزيده كآبة. ويقول له: أنت لست ابنًا لله، لأنك خاطئ، والكتاب يقول إن "المولود من الله لا يخطئ" (1يو3: 9، 5: 18). ويقول له: وليس الله فقط، بل حتى أب اعترافك القديس لا يستحق أن تكون له ابنًا. إنك عار عليه. تسئ سمعته. والأفضل أن تترك هذا الأب البار، حتى لا يعيره الناس قائلين: أنظر، هذه هي عينة أبنائك. وأيضًا أتركه حتى لا يأخذ دينونة بسببك، وحتى لا تحزن نفسه باستمرار، كلما يراك هكذا. وهكذا يبعده عن الله، والشعور بأبوته، ويبعده عن أب الاعتراف. وحتى إن أمسك الكتاب المقدس ليقرأ، يقول له: وهل تتجرأ لتمسك كتاب الله بيدك هذه غير الطاهرة. إن كل كلمة في هذا الكتاب دينونة عليك. لأن السيد المسيح نفسه يقول عنك وعن أمثالك "الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير" (يو12: 48). وبهذا يملأ نفسه بالكآبة، حتى يترك الكتاب بنفس مرة يائسة... https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ch-Despair.jpg St-Takla.org Image: Despair, painting by Edvard Munch, 1893-4, Oil on canvas, 92 x 72.5 cm, Munch Museum, Oslo صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة اليأس، الفنان إدفارد مونش سنة 1893-4، زيت على قماس بمقاس 92×72.5 سم، محفوظة في متحف مونش، أوزلو وحتى الخدمة - إن كان خادمًا - يبعده عنها كغير مستحق. فيقول له: إن الخدمة هي عمل القديسين وليس الخطاة. وأنت خاطئ لا تستحق أن تجلس في مكان المعلمين، وإلا ستكون عثرة، كما أن الخدمة ستنسيك خطاياك التي يجب أن تضعها أمامك في كل حين، وتكتئب عليها ليلًا ونهارًا،حتى إن وقف يصلى، يمنعه قائلًا: "صلاة الأشرار مكرهة للرب" (أم 15: 8، 28: 9)... ويقول له: هوذا العشار وقف بعيدًا، لا يجرؤ أن يرفع نظره إلى فوق (لو18: 13). وأنت بكل استهتار ولا مبالاة، تتحدث مع الله، وأنت كاسر لكل وصاياه. ليتك تخجل من نفسك، وتبعد عن هذه الصلاة الأثيمة! وهكذا يبعده بالكآبة عن كل وسائط النعمة، لينفرد به. ينفرد به وهو وحيد، بنفس محطمة، وليس حوله إنجيل ولا صلاة، ولا أب اعتراف، ولا خدمة ولا اجتماعات كنسية، بل ربما وليس حوله أيضًا أصدقاء، إذ بعدوا عنه بسبب كآبته، أو بعد هو عنهم... وهكذا يصير فريسة سهلة للشيطان. وما أسهل أن يقول له: أترك الوسط الديني لأنه سبب كآبتك! أو ما أسهل أن يرسل له هذه العبارة على أفواه أقاربه، أو على فم طبيب معالج. ويجذبه بالتدريج إلى وسائل من اللهو للترفيه عنه من كآبته، ولو إلى فترة مؤقتة، يطيلها الشيطان بحيله الأخرى، إلى أن يبعده عن الله تمامًا... أو أن الشيطان يسقطه بوسيلة أخرى وهي اليأس. وتكون الكآبة ممهدة لذلك. وحيلة الشيطان في الكآبة، أنه أبعد فريسته عن الرجاء والمغفرة. أبعده عن وجه الله المحب، الذي استقبل ابنه الضال بكل ترحاب، وفرج به، وجعل الكل يفرحون، وألبسه الحلة الأولى (لو15: 22 - 24). بل إن الرب يقول إنه "يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب" (لو15: 10)... حقًا إن القديسين بكوا على خطاياهم، ولكن ليس بغير رجاء. بل إن الكتاب يقول: "لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم" (1تس4: 13). الحزن على الخطية، لا يفصلنا عن الله، بل يقربنا منه. ويزيد محبتنا له، لأنه على الرغم من خطايانا، غفر لنا. بل قال بالأكثر "لأني أصفح عن إثمهم، ولا خطيتهم بعد" (أر31: 34). والله لا يسر بموت الشرير، بل بأن يرجع ويحيا (حز18: 23). مشكلة الذي فقد الرجاء بالكآبة، أنه أخذ مشورة الحية، الشيطان. أما كلمة الله، فإنها مملوءة عزاء. وقلب الله باستمرار مملوء حبًا. والكآبة جعلت لكي تقود إلى التواضع والانسحاق، وليس إلى اليأس والانفصال عن الله. أما إذا استخدم الشيطان هذه الكآبة بطرقه الشريرة، فإنه لا شك يضيع صاحبها. ها هو بطرس الرسول بعد أن أنكر المسيح، ومع أنه بكى بكاء مرًا، إلا أن السيد المسيح له المجد ظهر له، "ارع غنمي. ارع خرافي" (يو21: 15، 16). أي رجاء يمكن أن يقال أكثر من هذا. لذلك فإن كآبة الوجه التي تصلح القلب، ينبغي ألا تنفصل عن الحب وعن الرجاء |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
السرعة أعمال الشيطان تتصف بالسرعة، أو بما يسمونه في العامية (اللهوجة)... بعكس أعمال الله التي تتميز بالهدوء والروية وطول الأناة. وقد تأخذ وقتًا، ولكنها تكون متقنة وهادئة، كقصة الخلاص، ووعود الله... الشيطان يقدم لك فكرًا، ويظل يلح ويلح على تنفيذه بسرعة... وتشعر حينما يكون الفكر الشيطاني في داخلك، بحماس شديد للتنفيذ، وبنار تقتد في داخلك، وحافز يدفعك دفعًا للتنفيذ، الآن، وبلا إبطاء، ودون أن يأخذ الفكر فترة حضانة دخلك، تناقشه وتفحصه وتبحثه، وتنظر إليه من جميع الزوايا الأخرى، وتراجع رأيك فيه... https://st-takla.org/Pix/Saints/08-Co...e-Great-04.jpg إنه يقصد بالسرعة أنك لا تفكر، وأيضًا لا تستشير. يريد بالسرعة أن ينفرد بك، دون أن يدخل أحد بينكما، تستشيره وتستفيد برأيه وخبرته وروحياته، لا صديق ولا قريب، ولا أب اعتراف، ولا مرشد روحي، ولا أي إنسان صاحب خبره، إنما بسرعة عليك أن تنفذ... وهو يريد بالسرعة أيضًا، عدم عرض الأمر على الله بالصلاة. لا يريد أن يعطيك فرصة تصلي فيها من أجل هذا الموضوع، وتري ماذا يقول الله فيه، ولا فرصة ترفع فيها قداسًا من أجل الموضوع، أو تصوم طالبًا إرشاد الرب... إنما يلح عليك بالفكر إلحاحًا، ويقنعك به كأنه بديهية لا تقبل النقاش... ولذلك قال الآباء: كل فكر، يلح عليك أن تنفذه بسرعة، هو من الشيطان. وطبعًا لا يقصد بهذا الرغبة في التوبة والرجوع إلى الله، والالتصاق به بالحب، بل الأفكار الأخرى التي تحتاج إلى مناقشة، وليست عاجلة (كإنقاذ غريق أو إطفاء حريق)... وكم من أمور أسرع الإنسان في تنفيذها. وحينما رجع إلى نفسه ندم على ذلك جدًا. وأحيانًا تكون أفكار الخطية والشهوة ملحة جدًا، لا تعطي صاحبها فرصة للتفكير وتغيير مجري مشاعره... الشيطان يقصد بالسرعة أيضًا، أنه لا ينكشف... ربما تكون وراء فكرته أو اقتراحه كذبة أو حيلة لا يريد لها أن تنكشف بالتفكير أو بالاستشارة أو بالصلاة، ولذلك فإن وجود أب الاعتراف مفيد هنا في كشف حيل العدو. وقد قيل "الذين بلا مرشد، يسقطون مثل أوراق الشجر". لأنهم ينفذون بسرعة قبل أن يستشيروا. يلح عليهم الشيطان إلحاحًا، فيتممون فكرة، قبل أن تنكشف حيلته. أما أولاد الله، فإنهم لا يطيعون كل فكر يأتيهم... مثال ذلك الفكر الذي جاء للقديس مقاريوس لكي يذهب إلى البرية الجوانية ليري الآباء السواح. يقول القديس "فبقيت مقاتلًا لهذا الفكر ثلاث سنوات، لأعرف هل هو من الله أم لا"... ما أعجب هذا الأمر، بالنسبة إلى قديس عظيم كالقديس مقاريوس الكبير، وبالنسبة إلى فكر روحي كزيارة السواح...! لم ير القديسون في الإبطاء ضررًا، بل فيه فائدة... إنهم لا ينفذون لئلا يكون الفكر من الشيطان. وإبطاؤهم في التنفيذ يعطيهم فرصة للتأكد، ينتظرون فيها إلى أن يعلن الله رأيه في الموضوع. وهو في ذلك يقولون تلك العبارة الجميلة: الذي من عند الله يثبت. والذي ليس من الله يزول. وهكذا نري أن القديس الأنبا غاليون لما ظهر له الشيطان في هيئة راهب، وقال له إنه أحد السواح، وأن زملاءه السواح قد ضموه إلى صحبتهم ودعاه للسير معه. وأطاعه الأنبا غاليون، دون أن يأخذ فرصة لعرض الأمر على الله وعلى أب الاعتراف... وحدث أن الشيطان الذين ظهروا في هيئة سواح أتاهوه في البرية، ثم تركوه وهم يهزأون. وقالوا له "ستموت هنا وحدك، في هذا القفر "لولا أن الله أنقذه... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
التدرج الطويل تتعدد وسائل الشيطان في حروبه. وقد يبدو أحيانًا شيء من التناقض بين أسلوب وآخر. ولكن يجمعها كلها هدف واحد، وإن كانت الوسيلة تختلف بحسب نوعية الحالة... وعمومًا فالشيطان لا يحب الوتيرة الواحدة لئلا يألفها الناس. فهو أحيانًا يضرب ضربة سريعة فجائية، لا يكون الشخص مستعدًا لها. وأحيانًا يسير في تدرج طويل، بحيث لا يشعر به صاحبه... والتدرج يلزمه وقت قد يطول. ولكن الشيطان لا يهمه الوقت، إنما يهمه السقوط والتدرج يصلح غالبًا للأشخاص الذين لا يقبلون خطية معينة بسهولة. ولكنه يوصلهم إليها تدريجيًا في هدوء، بجرعات قليلة، أو قليلة جدًا، تزداد بالوقت، حتى تقضى عليهم. وقد يقسم الخطية إلى مراحل. كل مرحلة تثبت أقدامها بالوقت. وربما تكون الخطوة الأولى إلى الخطية، ليست خطية على الإطلاق، ولا تتعب الضمير. فالمرحلة الأولى في سقط داود النبي، كانت في عدم خروجه إلى الحرب بنفسه: يرسل الجيش ويبقى هو في بيته. والمرحلة الثانية كانت شيئًا من الترف دخل إلى حياته، بعد أن كان مشردًا من برية أيام مطاردة شاول الملك له... وهاتان المرحلتان عبرهما داود دون أن يشعر بخطأ. ولكن عوامل نفسية كانت تأخذ مجراها داخله وتفقده حرارته الروحية. ثم دخل في مرحلة ثالثة وهي الإكثار من الزوجات. وكان محللًا في أيامه، ولكنه بلا شك هبط به إلى مستوى الجسد. وإن كان مستوى الحلال، ولكن ليس مستوى الكمال. وصار للجسد سيطرة عليه شعر أو لم يشعر. المرحلة الرابعة، أنه صعد إلى السطح، يتمشى ويتفرج، ولا مانع من أن ينظر إلى مساكن غيره، ويبصر خصوصيات الناس،وهنا بدء انحراف. المرحلة الخامسة، كانت ضربة شديدة من الشيطان أوقعت رجل المزامير العظيم في خطية الشهوة، ثم في خطية الزنا. المرحلة السادسة، كانت التورط، الذي أراد به إخفاء خطيئته بجملة من الخطايا أفقدته روحانيته، وهبطت به من سيء إلى أسوأ. وربما هذه المراحل، كان الشيطان يعد لها منذ زمن.. . إنه يحب -حينما يضرب الضربة- أن تصيب مقتلًا. وهذا يتطلب منه أحيانًا تمهيدات طويلة المدى. بحيث حينما يأتي، يجد البيت مزينًا مفروشًا، مهيئًا لعمله، ويجد الضحية جاهزة بلا مقاومة... وحتى إن قاومت تكون بلا قدرة على الإطلاق، فتسقط أمامه بسهولة! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
قصة يعقوب المجاهد إنها تشبه قصة سقوط داود، في أنها مثلها تعطينا فكرة واضحة عن خطة الشيطان في أسلوب التدرج الطويل. وفيها استطاع ناسكًا عظيمًا، وقديسًا له موهبة إخراج الشياطين. ولكن الشيطان هنا أمنه أن يضرب القديس ثلاث ضربات قاتلة، وكاد يهلكه لولا أن رحمة الله اقتادته إلى التوبة. فكيف حدث ذلك؟ فتاة (ابنة ملك)، صراعها روح نجس. وعجز الكل عن إخراجه، فأتوا بها إلى القديس يعقوب المجاهد. فصلي عليها فخرج الروح النجس. ولكن ما أن رجعت إلى بلدها حتى عاد إليها مرة أخري. فسافروا وأتوا بها إلى القديس، فصلي عليها فخرج الروح. ولكن ما أن رجعت إلى بلدها حتى عاد إليها. فسافروا إلى القديس مرة ثالثة. وتكررت لعبة الشيطان مرات عديدة، حتى يسوا من كثرة الأسفار. وأخيرًا، قرر الملك أن تبقي الأميرة إلى جوار القديس. فبنوا لها حجرة. وكان الشيطان كلما يصرعها يدخلونها إليه. وتطور الأمر إلى أن أبقوها معه. ولما اطمأنوا على هدوئها تركوها معه. ومضوا... وبمرور الوقت تكونت دالة بينهما، تطورت إلى الخطيئة،ثم حملت الفتاة منه. ورأي أن الخطية الثانية بالكذب. وقال لهم صرعها الشيطان مرة، فانطلقت بسرعة هاربة في الجبل ولم أستطع اللحاق بها، واختفت... وصدقوه لأنه لم يكن موضع شك. وهكذا ضربه الشيطان ثلاث ضربات، وأوقعه في الزنا والقتل والكذب. كل ذلك في تدرج طويل، ما كان أوله يوحي مطلقًا بآخره. ولكنها حيل الشيطان الذي يسبك مكيدته في صبر عجيب. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
العادات والتدرج وسياسة التدرج هذه لها حكمة كبيرة وهي: في كل خطوة يقترب الإنسان إلى جو الخطية، ويعتاده، ويضعف. إرادته تكون قوية جدًا، وهو خارج مجال الخطية. وقد يكون نافرًا جدًا من كل مجالاتها. وبالوقت يألفها، ولا تصبح غريبة عليه. وبالتدرج تدخل إلى فكرة، ثم إلى مشاعره. وفي كل خطوة تضعف إرادته عن المقاومة أحس أو لم يحس... ومن أمثلة التدرج الطويل موضوع العادات. كل عادة مسيطرة على الإنسان، لم تبدأ هكذا مطلقًا. وربما كان هو المسيطر عليها أولًا ويستطيع إبطالها. ولكن بالتدرج الطويل فقد سيطرته، ثم سيطرت هي عليه وربما الشيطان في أول خطوة، قال له عبارة واحدة وهي جرب أو اختبر... الحياة كلها خبرات. والأمر كله بيدك، تستطيع أن تمتنع وقتما تشاء. وظل به هكذا إلى أن أتي الوقت الذي فيه سلم إرادته بالتمام ولم يعد يقاوم، بل لا يشاء أن يقاوم!! على أن التخلص من العادات ممكن لمن يريد. الشيطان قد يقول لك لن تستطيع. وإن استطعت ستعود إليها مرة أخري. إنها ضمن حرب اليأس. ولكن لا تستسلم. فإن العادة تكونت نتيجة عمل إرادي متكرر. ويمكن أن تتخلص منها بعمل إرادي عكسي متكرر، أي تثبت فيه. ونصيحتنا لمقاومة سياسة التدرج هذه من جانب الشيطان، أن تبعد عن الخطوة الأولي، بكل حزم، مهما كانت تبدو بريئة، أو يقنعك الشيطان بأنها بريئة. واحترس من كذبه، إن قال لك إنها خطوة واحدة ولن تتطور. إن الشيطان لا يقبل على نفسه أن يتركها عند حدود الخطوة الواحدة، دون أن يتقدم بها باستمرار نحو أغراضه البعيدة... فاحترس منه. بل احترس حتى من الخطوة الأولى، وليس فقط من تطورها، مهما بدت هذه الخطوة في نظرك من الأمور الصغيرة، وهنا أحذرك من حيل شيطان ماكر، هو شيطان الأمور الصغيرة. |
الساعة الآن 06:46 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025