![]() |
كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث الفصل الأول: الحروب داخلك وخارجك مقدمة عن الحروب الروحية حياة كل إنسان لا تخلو من الحروب... حتى سير الآباء القديسين، لا تخلو من حروب روحية، بعضها خارجي كان من الشياطين، والبعض وهو قليل كان من داخلهم. والحروب التي من الشياطين أصدرنا لأجل شرحها كتابًا خاصًا فيه عن 25 نوعًا من محاربات الشياطين. كما تحدثنا أيضًا عن 11 طريقة في كيفية الانتصار على تلك الحروب. لذلك سنمر على هذه الحروب الشيطانية مرورًا عابرًا في هذا الفصل... من الحروب الخارجية أيضًا حروب تأتي من العثرات الخارجية، من البيئة ومن الصدقات الضارة. وسوف نتحدث عن هاتين النقطتين وننصح بقراءة ما يتعلق بهما كذلك في كتابنا [حياة التوبة والنقاوة] الموجود هنا في موقع الأنبا تكلا. ومن جهة الحروب الداخلية، ركزنا على نقطتين هامتين هما الأفكار والشهوات الأفكار تحارب العقل. والشهوات تحارب القلب والحواس. على أن حروب الفكر رأينا بالإضافة إلى ما ورد في هذا الفصل أن نخصص لها بابًا مستقلًا في هذا الكتاب. نتركك الآن إلى الصفحات المقبلة لتقرأ عن الحروب الداخلية والخارجية، واعتبر ما تقرأه مجرد مقدمة للحروب الروحية بوجه عام... |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الحروب التي في داخلك الحروب الروحية قد تأتي إلى الإنسان من داخل نفسه، أو من الشيطان، أو من العالم، أو من الناس الأشرار، أو قد تتحول من حالة إلى حالة. تأتي من شهوات القلب من الداخل، ومن أفكار العقل، ومن حركات الجسد. والحرب الداخلية أصعب من الحرب الخارجية، لأن الإنسان يكون فيها عدو نفسه. وهذه الحرب تكون صعبة، لأنه يشتهيها ولا يريد مقاومتها. لذلك كانت نقاوة القلب هي أهم شيء في حياة الإنسان. وكما قال أحد القديسين: إن القلب النقي حصن لا ينال.. القلب يشبه البيت المبني على الصخر مهما هبت الزوابع عليه من الخارج، لا يمكن أن تضره بشيء (مت7: 24، 25).. والذي لا تكون له حروب من الداخل، فهذا إن أتته حرب من الخارج تكون خفيفة عليه. ويمكنه الانتصار عليها، لأن قلبه رافض لها: وإرادته لا تميل إلى التجاوب معها وقبولها... والحرب الداخلية ربما يكون سببها طبع اندمج في الخطيئة. وهنا يكون قد ترسب من الماضي في قلب الإنسان وفكره ما يحاربه. وقد يكون سبها حالة فتور، أو طبيعة ضعيفة تستسلم للخطأ... وربما يكون سببها إهمال من الإنسان في ممارسة الوسائط الروحية فيضعف القلب من الداخل، ويترك الفكر يطيش حيثما يشاء بلا ضابط. وربما تبدأ بالتراخي في ضبط الحواس... والحواس هي أبواب يدخل منها الفكر. والحرب الداخلية قد تأتى خفيفة أو عنيفة. وحتى إن بدأت خفيفة: كلما تراخي الإنسان لها، تسيطر عليه... ومن الحروب الداخلية حرب الأفكار. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
حرب الأفكار قد تكون الأفكار في اليقظة. وقد تكون في المنام. والأفكار أثناء النوم ربما تكون مترسبة من أفكار وأخبار النهار، مما ترسب في العقل الباطن من شهوات ومن أفكار، وما جلبته الأذن من أخبار وحكايات، وما قرأه الشخص من قراءات رسبت في ذهنه. كل هذه تأتي في أحلام، أو في سرحان، أو ما يسمونه أحلام اليقظة. ويستمر فيها الإنسان طالما كان القلب قابلًا لها... فإن كان رافضًا لها تتوقف، ويصحو لنفسه... وإرادة الإنسان ضابط هام للفكر فهي التي تسمح بدخول الفكر... وحتى إن دخل خلسة، هي التي سمح باستمراره أو بإيقافه.. ومن هنا تأتي المسئولية... ومن هنا نرد على السؤال القائل: هل هذه الأفكار إرادية، أم غير إرادية أم شبه إرادية، أي من النوع الذي هو غير إرادي الآن، ولكنه نابع من إرادة سابقة تسببت فيه. فقد يغرس الشيطان فكرًا في عقل الإنسان، يدخل إليه بغير إرادته. ولكن حتى هذا الفكر، الذي لا مسئولية عليك في قبوله. إن أردت، يمكنك أن تطرد الفكر، ولا تتعامل معه، ولا ترحب به... لأنك إن قبلت الفكر الخاطئ، تكون خائنًا للروح القدس الساكن فيك، وخائنًا لمحبة الله، ومقصرًا في حفظ وصاياه، وفي صيانة قداسة قلبك من الداخل. وقد يأتيك الفكر الخاطئ في حلم... فإن كنت نقيًا تمامًا، سوف لا تقبله في الحلم أيضًا... وإن كنت لم تصل إلى هذا المستوي وقبلته، فستحزن بسببه كثيرًا في يقظتك، ويترك حزنك هذا أثره العميق في عقلك الباطن، لرفض كل حلم مماثل في المستقبل: إن لم يكن مباشرة، فبالتدريج إلى أن تصل إلى نقاوة العقل الباطن. إذن قاوم الفكر الخاطئ بالنهار، أثناء يقظتك، لكي تتعود المقاومة حتى بالليل أثناء نومك وتنغرس هذه المقاومة في أعماق شعورك، ويتعودها عقلك الباطن. إن زمام أفكارك في يدك، سواء منها الأفكار التي تصنعها بنفسك، أو التي ترد إليك من الخارج، من الشيطان أو من الناس. وما أصدق قول المثل: إن كنت لا تستطيع أن تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك، فإنك تستطيع أن تمنعه من أن يعشش في شعرك! وبإرادتك، واشتراكك مع عمل النعمة فيك، يمكنك السيطرة على الأفكار، فلا تجعلها تأخذ سلطانًا عليك. ولا تستطيع الأفكار الخاطئة أن تفقدك نقاوتك، وذلك لأنك لا تجاوب معها. وما أصدق قول القديس يوحنا ذهبي الفم: لا يستطيع أحد أن يضر إنسانًا: ما لم يضر هذا الإنسان نفسه. لذلك لا تستسلموا للأفكار. وليكن كل إنسان حكيمًا. يعرف الفكر، كيف يبدأ عنده، وكيف يتطور، وما خط مسيرة داخل ذهنه؟ وما نوع الأفكار التي تبدأ بريئة وهادئة وتنتهي بنهاية خاطئة؟ فليحترس من أمثال هذه الأفكار، ولا يعطي مجالًا للفكر حتى يشتد... وإن اشتدت عليك الأفكار بطريقة ضاغطة ومستمرة، فلا تيأس، ولا تقل لا فائدة من المقامة، وتستسلم للفكر. إن اليأس يجعل الإنسان يتراخي مع الفكر، ويفتح له أبوابه الداخلية، ويضعف أمامه ويسقط، أما أنت فحارب الأفكار وانتصر... وكيف ذلك؟ |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
كيف تنتصر على الفكر؟ https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ion-Prayer.gif 1 لا تخف من الأفكار، ولا تفترض هزيمتك أمامها. بل قل مع الرسول: " أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في4: 13). واصمد في قتال الأفكار متذكرًا تلك العبارة الجميلة: "مُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ" (2كو10: 5) 2 - درب نفسك على أن تتولى قيادة أفكارك. ولا تجعل الأفكار تقودك. 3 – أملأ فكرك باستمرار بشيء روحي... حتى إذا أتاه الشيطان بفكر رديء، لا يجد الذهن متفرغًا له. اشغل نفسك... فهذا علاج وقائي. إذن لا تترك عقلك في فراغ، خوفًا من أن يحتله الشيطان ويغرس فيه ما يريد. ولهذا فإن القراءة الروحية مفيدة جدًا.. ليس فقط في شغل الذهن ومنع الأفكار الرديئة عنه، وإنما أيضًا لها فائدة إيجابية، لأنها تعطي الفكر مادة روحية للتأمل، وتعطي القلب مشاعر محبة لله قويًا في طرد الأفكار المضادة... 4 كن متيقظًا باستمرار، ساهرًا على نقاوة قلبك، فلا يسرقك الفكر الخاطئ دون أن تحس. واطرد الأفكار من بادئ الأمر حينما تكون ضعيفة، وأنت لا تزال قويًا... لإنك إن تركت الأفكار الخاطئة باقية فترة في ذهنك، لا تلبث أن تثبت أقدمها وتقوي عليك. وكلما اسمر واستقرت في داخلك، تضعف أنت ولا تستطيع مقاومتها وتسقط. لذلك كن متيقظًا وسريعًا في طرد الأفكار. وتذكر قول المرتل في المزمور: " يا بنت بابل الشقية طوبي لمن يمسك أطفالك ويدفنهم عند الصخرة" (مز137). فهو يخاطب بابل أرض السبي، التي تسبي إليها قلبه. فيقول طوبي لمن يمسك أطفالك، أي الخطايا وهي صغيرة، وهي في مبدئها، قبل أن تتطور، ويدفنها عند الصخرة." والصخرة كانت المسيح" (1كو10: 4). 5 اهتم بالفضيلة الروحية التي يسمونها" استحياء الفكر". أقصد بهذا أنه عندما يكون فكرك ملتصقًا بالله، بالصلاة، بالتأمل، بعبارات الحب، بالتسبيح وبالترتيل. حينئذ يستحي الفكر وهو ملتصق بالله.. ومن أن تشغله أفكار الخطية، فيرفضها، وهذا علاج روحي.. من هنا كان إنشغال الفكر بالله علاجًا وقائيًا من الأفكار الخاطئة. (). إذ يستحي من التقائه السابق بالرب. 6 ومن الناحية المضادة، ابتعد عن العثرات التي تجلب لك أفكارًا خاطئة. ابتعد عن كل لقاء ضار، وعن كل صادقة أو معاشرة خاطئة. ابتعد عن القراءات التي تجلب أفكارًا مدنسة أو على الأقل تنهيك عن الفكر الروحي. ابتعد عما يشبه هذا من السامعات والمناظر والأحاديث وكل مسببات الفكر البطال. 7 – وما دامت الحواس هي أبواب الفكر، فلتكن حواسك نقيه، لتجلب لك أفكارًا نقيه. إن تراخيت مع الحواس، فإنك بذلك إنما تحارب نفسك بنفسك، فاحترس إذن ولتكن حواسك معك وليست ضدك. ومن هنا كان التأمل في صور القديسين، وسماع أخبارهم، وسماع الألحان والقداسات، وجو الكنيسة من بخور وأنوار وأيقونات وطقوس روحية، كل ذلك يجلب للقلب أفكارًا روحانية. 8 أحترس من الأفكار المتوسطة، التي ليست هي خيرًا ولا شرًا. لأنها كثيرًا ما تكون تمهيدًا لأفكار خاطئة. فالذي لا يضبط فكره، وإنما يتركه شاردًا هنا وهناك، قد يرسو على موضوع خاطئ ويستقر فيه... فمن الناحية الإيجابية اربط فكرك بمحبة الله، أو بأي موضوع نافع، أو حتى بعملك ودراساتك وخدمتك ومسئولياتك، لكي لا يسرح في أمور عديمة الفائدة. 9 إذا أتعبك الفكر ولم تستطيع أن تنتصر عليه، اهرب منه بالحديث مع الناس. حتى إن كنت في وحدة أو خلوة، اترك وحدتك وخلوتك واختلط بغيرك. لأن حديثك مع الناس يطرد الفكر الخاطئ منك، إذ لا يستطيع عقلك أن ينشغل بموضوع الفكر وبالأحاديث في نفس الوقت. واعرف أن الوحدة بمعناها الروحي هي اختلاء مع الله. فإن تحولت إلى اختلاء مع الأفكار الشريرة، فالخلطة أفضل منها طبعًا... 10 – استعن على طرد الفكر بالصلاة. والأب الكاهن يقول للرب في القداس الإلهي: " كل فكر لا يرضي صلاحك، فليبتعد عنا". وهناك قاعدة روحية أحب أن أقولها لك في محاربة الأفكار وهي: 11 – الهروب من الأفكار خير من محاربتها. لأن الفكر الشرير الذي ينشغل به عقلك: حتى لو انتصرت عليه، يكون قد لوثك في الطريق. لا تخدع نفسك قائلًا: [سأري كيف يسير الفكر وكيف ينتهي] ولو من باب حب الاستطلاع..! لأنك تعرف تمامًا أن هذا الفكر سيضرك. فلا داعي لتجربة تعرف نتيجتها.. ولا تتهاون أيضًا قائلًا: [ أنا أستطيع أن أهزم الأفكار. ولكنني أناقشها لأظهر ضعفها].. فربما تغلبك الأفكار، وهي التي تظهر ضعفك.. ثم لماذا تضيع طاقاتك في القتال؟ اشغل عقلك بشيء طاهر مقدس يقويك في الحياة الروحية، ويزيد حرارتك، بدلآً من هذه الصراعات التي لا تفيدك شيئًا بل تضرك. 12 اعرف أيضًا أن الأفكار إذا استمرت، قد تقود إلى أفكار أو شهوات فتكون أخطر لأنها تنتقل من الذهن إلى القلب، ومن الفكر إلى العاطفة. وهنا ننتقل إلى نقطة أخري وهي: حرب الشهوات. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
حرب الشهوات وهي كثيرة منها شهوة الجسد، وشهوة المعرفة، وشهوة الرئاسة والمناصب، وشهوة الانتقام، وشهوة السيطرة، وسيطرة المال، وشهوة الامتلاك، شهوة العظمة والشهرة. وهنا تكون ملكية القلب قد انتقلت من الله إلى غيره. وتفشل في الاستجابة لقول الرب: "يا ابني أعطني قلبك" (أم23: 26). 1 – فإن وصلت إلى الشهوة لا تكملها، بل حاول أن تتخلص منها. وتذكر تلك العبارة الجميلة " افرحوا لا لشهوة نلتموها: بل لشهوة أذللتموها". إن أكثر شيء يفرح الإنسان هو أن ينتصر على نفسه. حقًا إن لذة الانتصار على النفس هي أعمق من اللذة بأية شهوة أخري. 2 وإن تعبت من شهواتك، لا تيأس. ولا تظن أنه لا فائدة. انظر إلى ما يستطيع المسيح أن يعمله لأجلك، وليس إلى ما تعجز أنت عن عمله. إن المسيح قادر أن يحول السامرية إلى مبشرة، والمجدلية إلى قديسة. لا تظن مطلقًا أنك تحارب وحدك، فاله بكل نعمته يعمل معك كما عمل مع غيرك. 3 – لذلك تذكر الذين انتصروا. ولا تضع أمامك انهزاماتك السابقة وضعف طبيعتك. إن الله يحبك كما أحب هؤلاء، وسيعمل فيك كما عمل فيهم. ولكما تزداد الحرب تزداد النعمة جدًا. فالتصق بالله واطلب معونته. 4 في شهواتك، جاهد مع اله كثيرًا، حتى ترجع السحابة فوق الخيمة. لا تخجل من الصلاة وأنت في عمق الخطية. ولا تفعل مثل أبينا آدم الذي حينما أخطأ، هرب من الله واختبأ خلف الشجر! وكلما سقطت، تمسك بالله أكثر، لكي ينجيك وينقيك ويقودك إلى التوبة. قل له: [حارب يا رب في، وانتصر على أعدائي وأعدائك، ولا تتركني وحدي]. قل له: [أنا إن انهزمت يا رب أمام الخطية، فأنا لا أزال ابنك، محسوب عليك، ومنسوب إليك، أنا من قطيعك وإن كنت قد ضللت. وأنا ابنك وإن سكنت في كورة بعيدة. أنا مازلت درهمك وإن لم أكن موجودًا في كيسك.. أنت لا تتخلي عني، وأنا لا أتخلي عنك، مهما حاول العدو أن يوجد انفصالًا بيني وبينك. إن كن قد تركتك بالفعل، فأنا لم أتركك بالقلب ولن أتركك. مازلت أحبك، وإن كنت قد أخطأت إليك ]. افعل مثل القديس بطرس، الذي بعد أن أنكر المسيح، وجدف ولعن وقال لا أعرف الرجل، جرؤ أن يقول للمسيح في ذلة العارف بمشاعره: "أن تعلم يا رب كل شيء. أنت تعرف أني أحبك" (يو21: 17). 5 – لا تجعل الخطية تفصلك عن محبة الله، بل افتح له قلبك وقل له: تأكد يا رب إنها خطية ضعف، وليست خطية بغضة، ولا خطية خيانة. 6 – وأنت نفسك، تأكد أن الله يعرف ضعفك، وإنه لا يزال يحبك. ثق إنك وأنت في الخطية، هو يعمل على إنقاذك، واجتذابك إليه، وردك إلى رتبتك الأولي. إنه الله الذي سعي وراء آدم ليخلصه، دون أن يسعي آدم إلى التوبة. 7 – شهواتك الخاطئة، أضف إليها ما تستطيعه من عمل روحي، لكي تقلل من حدتها وخطورتها، ولكي تقيم توزانًا داخل قلبك. وثق أن الجانب الخير سينمو داخل في قلبك شيئًا فشيئًا حتى تتخلص من شهوات الخطية. وإن شعرت بعمل الروح القدس في قلبك، فلا تهمله وتستمر في شهواتك، بل اعمل معه... 8 – وإن عرفت ضعفك فلا تعرض نفسك للحروب مرة أخري. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
محاربات تأتيك من الخارج وهذه الحروب تأتي عليك من مصادر معروفة: إما من الشيطان، أو من الناس سواء كانوا أعداء أو أصدقاء وأحباء! وقد تأتي من العالم، من المادة، من البيئة المحيطة بكل ما فيها من عثرات...
|
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
حروب من الشيطان حروب الشيطان إما أن تكون بطيئة طويلة المدى، أو أن تكون فجائية وعنيفة... الحروب البطيئة، قد لا نشعر بها يجذب بها الشيطان ضحاياه بتدريج طويل، لا يكادون يشعرون فيه بما يحدث لهم. يحذرهم قليلًا قليلًا، وينقص من حرارتهم الروحية شيئًا فشيئًا على مدي واسع حتى تتغير حياتهم وهم لا يدركون ذلك إلا بعد فوات الفرصة، حتى يضربهم بعد ذلك ضربته الشديدة وهم غير مستعدين لها. ولعله بهذه الطريقة حارب سليمان الحكيم، بالترف والمتعة وكثرة النساء ومجاملتهن، إلى أن سقط (1مل11: 1 – 8). وكان سقوطه في زمان شيخوخته!! أما الحروب العنيفة الفجائية، فقد تشبه الظهورات المفزعة، أو الرؤى الكاذبة وأمثال هذه من الضلالات الشيطانية. وقد جرب القديس أنطونيوس الكبير بحروب مثل هذه، وانتصر عليها بالاتضاع والإفراز والصلاة. وهزم الشياطين حتى هربت منه في خزي. على أن الله لا يسمح بأن تحدث هذه الحروب لكل أحد، لأنه" أمين لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون" (1كو10: 13). ولعل من أمثلة الحروب العنيفة الشيطانية التي حدثت فجأة، التجربة التي أصابت أيوب الصديق (أي1: 2). ونلاحظ أنها كانت بسماح من الله، في حدود معينة، وفي طاقة احتمال أيوب، وانتهت بخير وبركة (أي42). على أن حروب الشيطان ليست كلها فزعًا ومناظر كما حدث للقديس أنطونيوس وليست كلها أمراضًا وخرابًا، كما حدث لأيوب الصديق. فهناك حروب أخري من الشيطان بأفكار يلقيها في الذهن، أو شهوات يلقيها في القلب. وهذه الحروب تكون ضعيفة إلى أن يفتح لها الإنسان بابًا لتدخل منه إلى قلبه وإلى مشاعره وهنا يكون قد أخطأ. وتعتبر خيانة روحية أن تفتح أبوابك لعدو الخير الذي يريد تحطيم ملكوت الله داخلك. إنها خيانة للرب الذي رضي أن يدخل بيتك وبيت فيه، وأنت بإرادتك تدخل عدوه إليه في داخل قلبك، ليحل فيه بدلًا من الله! إنها خيانة للرب الذي اشتراك لنفسه وأحبك حتى المنتهي، واستأمنك على سرائره المقدسة، وجعل قلبك هيكلًا لروحه القدوس (1كو6: 19، 20) وهوذا أنت تستجيب للشيطان وتفتح له قلبك، وتقبل أفكاره المضادة!! وفي خيانتك، إذ ترفض عمل النعمة فيك، يقوي عليك الشيطان. لا تحتج بأن الحروب الخارجية قوية؟ إنك تجعلها قويه حينما تستسلم. أما إن قاومت فسيضعف الشيطان أمامك كقول الرسول: "قاوموا إبليس فيهرب منكم " (يع4: 7). إن القلب القوي الثابت في الله، الأمين في محبته، يستطيع أن يطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة (أف6: 16). عندما تقوي قلب داود بالإيمان، تضاءلت أمامه كل قوة جليات الجبار (1صم17: 26). وعندما قوي قلب موسى النبي، تضاءلت أمامه قوة فرعون وكل جيشه ولم تخفه أمواج البحر الأحمر. وأنت كلما كان قلبك من الداخل قويًا، لا تضعف مطلقًا أمام حروب الشياطين بل تعزيك كلمة الروح القدس الناطق في الأنبياء: " من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا" (زك4: 7). إننا إن ضعفنا نحن للشيطان كرامه ليست له، ونجعله يتجرأ علينا بينما يكون هو خائفًا منا في بادئ الأمر! يُخَيَّل إليَّ أن رئيس الشياطين، حينما يرسل شيطانًا من أعوانه لمحاربة أحد المؤمنين، يرتعب هذا الشيطان ويقول: كيف أحارب هذا الإنسان الذي هو صورة الله وهيكل لروحه القدوس؟! كيف أحارب هذا الجبار الذي تحيط به ملائكة الله لتنجيه؟! كيف أقترب من ابن لله يلبس درع الإيمان وخذوه الخلاص (أف6)؟! ماذا أفعل إذا رشمني بعلامة الصليب؟! وإلى أين أهرب إن رفع يديه يصلي؟! وكيف أخزي أن طردني قائلًا: اذهب يا شيطان... ولعجب هذا الشيطان الضعيف، يري الإنسان خائفًا منه هاربًا أمامه، فيتجرأ عليه ويحتقره..؟ فيقص له شعره – كما صنع بشمشون – ويفقأ عينيه، ويجعله يجر الطاحون وهو هزأه للأطفال (قض16: 19 –21). لذلك لا تخافوا من الشياطين، لئلا تقوي عليكم. وأنت أيها الإنسان يا صورة الله، احترم نفسك.. مع الشياطين. من أمثلة حروب الشياطين المعروفة حروب الشك في الله، تتعبها حرب أخري هي اليأس. فلا تخف هذه الأفكار ليست منك. إنها حرب خارجية لا دخل لك فيها! الشيطان يلقي إلى ذهنك أفكارًا تشك في وجود الله، وفي محبته وعنايته، وأفكارًا ضد فاعليه الصلاة وضد شفاعة القديسين. ثم بعد ذلك يقول لك: كيف تخلص وفي داخلك هذه الأفكار؟! بينما تكون أنت رافضًا الشك، ومقاومًا لها، غير راض عنها، بل تصلي أن يرفعها الرب عنك! كل هذا يدل على أن هذه الأفكار ليست منك. إنها حرب بالفكر، وليست سقوطًا بالفكر. حتى إن سقطت إلى لحظات يكون ذلك عن ضعف وليس خيانة للرب والرب يغفر لك... ونصيحتي لك: امتنع عن القراءات التي تجلب لك الأفكار، وكذلك المعاشرات الرديئة التي توصل إليك هذه الأفكار وأمثالها، فغالبًا ما تكون هذه الأفكار وهذه السماعات، هي أسلحة من الشيطان استخدمها لمقاتلتك كن حكيمًا إذن. وهذا الأمر يقودنا إلى النقطة التالية: وهي الصداقات الضارة. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الصداقات الضارة هذه الصداقات التي تضرك في روحياتك، أو في عقيدتك، أو في فكرك، والتي تتلف قلبك ومشاعرك... أول سقطة لأمنا حواء، كانت من معاشرة رديئة بجلوسها مع الحية. وسقطة آخاب الملك كانت بسبب زوجته إيزابل الشريرة. وكذلك كانت سقطة سليمان الحكيم بسبب زوجاته الأجنبيات. لذلك أنصحكم باختيار أصدقائكم الذين ما أسهل أن يؤثروا عليكم بأفكارهم. وأنصحكم بحسن اختيار شركائكم في الحياة الزوجية لأن لهم تأثيرًا بلا شك على حياتكم الروحية بالعلو أو الهبوط... والأزواج في تأثيرهم أكثر خطرًا وعمقًا من الأصدقاء أو المعارف والزملاء... فالصديق قد يلتقي بك في أوقات محددة. أما الزوج فهو شريك الحياة باستمرار. فيجيب انتقاؤه صالحًا من كل جهة، ليس من الناحية الاجتماعية فحسب، بل أيضًا من النواحي الروحية والعقائدية، وبعمق. ولا يصح الاكتفاء بالشكليات. ولنتذكر في كل ذلك قول الكتاب: "المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو15: 33) Evil company corrupts good habits وقوله أيضًا: "أعداء الإنسان أهل بيته" ( مت10: 36). مثال ذلك الآباء والأمهات، حينما يمنعون أولادهم عن الصوم، وعن التدين، وعن التكريس، وعن الكنيسة والاجتماعات. بل ويدعونهم إلى الزينة وإلى الترفيهات المتنوعة، ولا يقدمون لهم قدوة صالحة ببيت متدين! ومثال ذلك الزوج غير المتدين الذي يجر زوجته معه إلى نفس الضياع الذي هو فيه، ويسخر من تدينها، ولا يشجعها على الممارسات الروحية ويمنعها من الخدمة، ولا يعطيها فرصة للصوم ولا للتناول..! لذلك قال الرب في الإنجيل: "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني، فلا يستحقني.." (مت10: 37). والإنسان ربما لا يستطيع أن ينفصل على أقاربه وأهل بيته. ولكن ينبغي أن يحب الله أكثر منهم، ويطيع الله أكثر منهم، ولا يضحي بروحياته أو بدينه من أجل أقربائه. وليذكر باستمرار قول الرسول: " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). لا يوجد أعز من الله، ولا أحب من الله. ولا يوجد أهم من مصيرك الأبدي. ومع ذلك فهناك أشخاص يجب الابتعاد عنهم من الأقارب.. إن لم يكن ابتعادًا بالجسد، فعلي الأقل يكون الابتعاد عن طريق عدم الاشتراك معهم في التصرف، ولا في الحديث، ولا في أي شيء خاطئ. على أن البعض قد يمنعهم الخجل من البعد عن الخاطئين أقاربًا كانوا أو أصدقاء... وبهذا يشتركون في الخطأ بسبب الخجل! فينبغي للإنسان الروحي أن يعرف أن هناك حدودًا للخجل وأن هناك مواقف تحتاج إلى حزم وغلى قوة شخصية، وإلى تصرف جاد يبعد به عن العثرة ومسبباتها. لقد صدق المثل القائل: [أسأل عن الرفيق قبل الطريق] فربما يؤثر عليك أحد أقربائك تأثيرًا يتلف نفسك أو يدخل إلى قلبك وإلى ذهنك مبادئ وأفكارًا تقود حياتك في إتجاة خاطئ. اعلم أن قريبك الحقيقي هو الذي يقربك إلى الله، وصديقك الحقيقي ه الذي يكون صديقًا في روحياته وصادقًا في حفظه لسمعتك وفي اهتمامه بخلاص نفسك... ننتقل إلى حرب خارجية هي: العثرات. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
العثرات العثرة هي كل ما يسقطك من الخارج، أو كل ما يجلب لك فكرًا خاطئًا، أو شعورًا خاطئًا، أو شهوة خاطئة. وقد تأتي العثرات من السمع أو النظر أو القراءة أو من باقي الحواس. فعليك أن تبتعد بقدر إمكانك عن العثرات، كما يجب أنك أنت لا تكون عثرة لغيرك. والعثرات ربما تفرض نفسها علينا وربما نسعى نحن برغبتنا إلهيا. فالتي تفرض نفسها تكون حربًا خارجية، والتي نسعى إليها تكون حربًا داخلية تطلب إشباعًا لها من الخارج. وفيها تجتمع الحربان الداخلية , وهذه دينونتها أشد، والنجاة منها أصعب... والسيد الرب كان حازمًا جدًا في أمره الإلهي بالبعد عن العثرات.. وذلك بقوله: "إن كنت عينك اليمني تعثرك، فاقلعها والقها عنك وإن كانت يدك اليمني تعثرك، فأقطعها وألقها عنك" (مت5: 29، 30). وكثير من الآباء يفسرون عثرة العين اليمني، بالعثرة التي تأتيك من أعز إنسان إليك. أما اليد اليمني فتشير إلى أكثر الناس مساعدة لك. وبهذا على الإنسان أن يقطع نفسه عن هؤلاء الأحباء والأعزاء.. إن كانت صلته بهم ستفقده أبديته... وتجلب له حروبًا خارجية لا يضمن هل يصمد أمامها أم لا... المهم أن تبعد عن الحرب الخارجية مهما كان الثمن، ولا تقع فيها بإرادتك لأنك تصلي كل يوم قائلًا: " لا تدخلنا في التجارب، لكن نجنا من الشرير" (مت5: 13). إن هناك عثرات تستهوي الإنسان فيحوم حولها مثلما تحوم الفراشة حول النار، وتظل تحوم حولها حتى تحترق.. ومع أنها تري فراشات كثيرات قبلها قد احترقت بالنار، إلا أنها لا تهدأ حتى تحترق مثلها..! وقد يوجد من يعثرك ويسقطك. ثم يفلت هو، وتضيع أنت: وقد يمكنه هو أن يتوب، وتجد أنت صعوبة في التوبة! لذلك احرص بكل قوتك وبكل عمل النعمة فيك، أن تبعد عن العثرة، وتهرب بذلك من كل حرب خارجية على قدر طاقتك... ومن مصادر العثرة والحروب الخارجية، ألوان معينة من القراءات. القراءات تؤثر في أفكار الإنسان، وتؤثر في مشاعره. وربما تشكل مبادئه، وتقود مساره في الحياة... وهناك قراءات أخري واضحة الخطأ، يجب عليك الابتعاد عنها تمامًا، ولا تحتاج هذه إلى مشهورة أو سؤال. وهناك قراءات تجلب شكوكًا أو بلبلة، وأخري تثير مشاعر وشهوات. ولا يكفي للإنسان الروحي أن يبعد عن القراءات الضارة، إنما ينبغي من الناحية الإيجابية أن يقرأ ما يعمق محبته لله، وهذا يكون كعلاج وقائي له في الحروب الخارجية. وإن كان الإنسان محاربًا بحب المعرفة، وهو يعلم تمامًا أنه ليست كل معرفة نافعة، بل قد توجد معارف نفقده بساطته، أو تفقده نقاوته، وتجعل نظرته إلى الأمور تتغير إلى أسوأ!.. لذلك يجب على كل شخص روحي أن يدقق كثيرًا في نوعية قراءاته، حتى لا يجلب على نفسه حروبًا... لأنه من مشاكل القراءة أيضًا أنها تلصق بالعقل أفكارًا ليس من السهل عليه أن يمحوها وينساها.. وقد تحتاج إلى وقت طويل جدًا حتى تفارق ذاكرته!... |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
حروب من البيئة الخارجية من أسباب الحروب الخارجية أيضًا: البيئة، ونعنى بها الجو العام المحيط به.. أفكار البيئة التي يعيش فيها، واتجاهاتها، ونوعية الحياة، والمبادئ السائدة في المجتمع، وأسلوب التعامل، والمفاهيم التي يعتنقها الكل أو الغالبية... وبالأكثر صعوبة أن يحيا شاذًا هذه البيئة، بمبادئ روحية لا يفهمونها. وهكذا يجد البار أنه يعذب نفسه يومًا بعد يوم (2بط2: 8)، أو على الأقل يبذل جهدًا ضخمًا ليحتفظ بأسلوبه الروحي في الحياة أو على الأقل: يجد أن منهجه الروحي يعرضه لعديد من الحروب... فماذا يفعل؟ إن كان بإمكانه أن يغير البيئة، فهذا أفضل جدًا. وإن لم يستطع فليصمد... وليجاهد ويغلب. والله لا ينسي تعب محبته. حياتنا هي أن نشهد للحق، إن لم يكن بلساننا، فعلي الأقل بأسلوبنا العملي في الحياة. وقد نصحنا الرسول قائلًا: "لا تشاكوا هذا الدهر" (رو12: 2). والحياة الروحية يلزمها الجهاد والصبر والثبات. وليثق هذا الإنسان أنه في كل جهاده لا يحارب وحده، بل نعمة الرب تعمل معه. ومن يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص (مت10: 22). إن المحاربات الروحية كثيرة وعلينا نحن أن نجاهد ونغلب. وما أكثر النعم التي وهبها الرب للغالبين (رؤ2، 3). فجاهد أن تكون من الغالبين، حتى لا تفقد إكليلك، الذي يهبه لك في ذلك اليوم الديان العادل (2تى4: 8) الذي سيعطى كل واحد أجرته بحسب تعبه (1كو3: 8). |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
خطورة الذات أقدم عدو حارب البشرية، وأخطر عدو، هو الذات، إن الشيطان لا يحاربك بقدر ما تحاربك ذاتك. مشكلتك الكبرى هي الذات. الذي ينتصر على ذاته من الداخل، يستطيع أن ينتصر خارجًا على العالم وعلى جميع الشياطين، والذي تهزمه ذاته ويضعف هو أمامها، يمكن أن يقع في أية خطية. وإذ استعرضنا تاريخ الخطية في العالم، نجد أن الذات متداخلة في كل خطية ولذلك فالإنسان المنتصر على ذاته، يكون منتصرًا في كل حرب روحية، مادامت ذاته لا تخونه ولا تفتح أبوابه للأعداء، فلا يهمه أي عدو خارجي، وصدق القديس يوحنا ذهبي الفم قال: لا يستطيع أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم هذا الإنسان نفسه. والأذية الحقيقية هي فقدان الملكوت وفقدان السلام الداخلي، وهذا لا يأتيك مطلقًا من الخارج، ما دامت نفسك قوية في الداخل. ولعل إنسانًا يسأل: ألا تأتي عثرة من الخارج؟ إغراء.. شهوة.. محاربة خارجية؟ نقول إن الحروب الخارجية تأتي وكذلك العثرات، ولكن لا سلطان لها عليك، السلطة هي لإرادتك، المرجع الأخير هو ذاتك؟ هل أنت في داخلك تقبل العثرة أو الإغراء، أو لا تقبل؟ هل أنت تصمد أمام الحرب الخارجية أو لا تصمد؟ إن يوسف الصديق تعرض لحرب عنيفة من الخارج من امرأة فوطيفار. ولكنه لم يسقط، لأنه كان رافضًا الخطية في داخل قلبه. فلم يقبل الإغراء، وانتصر على العثرة. إن الشيطان يقترح عليك اقتراحات ولكنه لا يرغمك على التنفيذ. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الذات والخطية إذن الوقوع في الخطية سببه الذات دون التركيز على الإغراءات الخارجية التي هي مجرد عروض تقبلها الذات أو ترفضها. حقًا أن كثرة إلحاح هذه الإغراءات يسبب ضعف الذات من الداخل، فتستسلم أخيرًا وتسقط. ويكون ضعف الذات هو السبب المباشر. أما العثرات فهي سبب غير مباشر. ولذلك فإن الذات القوية من الداخل تبعد عن العثرات الخارجية، حتى لا تؤثر عليها هذه الإغراءات، فتضعف أمامها. وهكذا حذرنا المزمور الأول من طريق الأشرار، ومجالس المستهزئين وقال القديس بولس: "أما الشهوات الشبابية فأهرب منها" (1تى 2: 23). والهروب هنا يكون دليلًا على نقاوة الذات، لأنها ترفض التأثير الخارجي الخاطئ... ولذلك حسنًا هرب يوسف الصديق، ولم يكن هروبه دليل ضعف، بل دليل قوة.. كان برهانًا على قوته التي استطاعت أن ترفض الخطية وتبعد عنها. الذات النقية ترفض حتى الفكر الخاطئ، وليس فقط العثرة الخارجية إنها ترفض أن تتفاوض مع هذا الفكر، إنما تطرده بسرعة، حتى لا تعطيه فرصة للاستقرار، وفرصة لإضعافها من الداخل. وقوة الذات تأتى هنا في غلق أبواب الفكر وأبواب القلب أمام كل اقتراح خاطئ من الشياطين.. ولهذا فإن المرتل يسبح الرب في المزمور قائلًا: "سبحي الرب يا أورشليم... سبحي إلهك يا صهيون، لأنه قوى مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك" (مز146). وسفر النشيد يطوب الذات التي هي "جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش4: 12) ولقد صدق المثل الذي قال: أنت لا تستطيع أن تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعه من أن يعشش في شعرك. لابد أن تأتي العثرات. ولكن ما هو موقف ذاتك منها؟ ما مدي استجابة الذات أو رفضها لهذه العثرات؟ إنك لابد ستقابل في يوم من الأيام شخصًا يقول لك كلامًا مثيرًا.. ولكن المهم هل أنت في الداخل، ستنفعل وتثار؟ أم ستكون أقوي من الإثارة؟ وهذا الكلام الذي قد يكون مثيرًا لغيرك، لا يكون مثيرًا لك، إنما تقابله في هدوء ورصانة وحكمة. وهنا اختبار الذات، لا أقول إن السبب كله يقع على الحروب الخارجية إنما هناك حرب داخلية مع الذات. فإن كانت الذات قد خانت الله، وقبلت الأعداء الخارجيين، أعداءها وأعداء الله، فلا نستطيع هنا أن نعفيها من المسئولية.. وهنا نسأل: هل ذاتك صديقتك أم عدوتك؟ هل هي معك أم عليك؟ وصدق مار إسحق قال.. إن اصطلحت مع ذاتك، تصطلح معك السماء والأرض. أي إن استطعت في داخلك أن تقيم صلحًا بين جسدك وعقلك وروحك، ويسير الثلاثة معًا في طريق واحد هو طريق الروح، ولا يشتهي الجسد ضد الروح، ولا الروح ضد الجسد حينئذ تصطلح معك السماء والأرض، فلا تخطئ إلى الله، ولا إلى ألناس ولا تخطئ إلى نفسك.. ولكن لعل إنسانًا يقول إنه يحب ذاته، وذاته تحبه، وهو يسعد ذاته على لدوام، وهنا نعرض لنقطة هامة وهي: المحبة الخاطئة للذات. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
المحبة الخاطئة للذات ما معني أن تحب ذاتك؟ هل معنى ذلك أن تدلل ذاتك، وتعطيها كل ما تطلب وكل ما تشتهي؟ وهل محبتك لذاتك هي أن تمدح الذات، وتمجدها، وتفضلها على جميع الناس. إن كنت تفعل هذا وما يشابهه، إذن فأنت تحب ذاتك محبة خاطئة.. المحبة الحقيقية للذات هي أن تسيرها في طريق روحي، وتلصقها بمحبة الله، وتوصلها إلى ملكوته. والمحبة الحقيقية للذات هي أن تؤدب هذه الذات إن أخطأت، وتقوم طريقها كلما انحرفت الحقيقية للذات هي أن تؤدب هذه الذات إن أخطأت، وتقوم طريقها كلما انحرفت، وإن أدي الأمر أن تعاقبها، أو أن تقف ضد رغباتها الخاطئة. غبر أن الذات قد تريد أحيانًا أن تعيش في حياة اللذة، سواء كانت لذة جسدية أو حسية، أو لذة بالعالم وشهواته... وهنا تكون ذاتك حربًا عليك... ويكون واجبك أن تقف ضدها بكل قوة... ونتذكر باستمرار قول الرب: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني" (لو9: 23). يضع أمامنا الرب فضيلة إنكار الذات كفضيلة رئيسية في الحياة معه، ولو أدي الأمر أن يحمل الإنسان صليبه كل يوم، وربما يكون صليبًا في مقاومة هذه الذات، وفي إخضاعها. ولكن ما أكثر الذين يحبون ذواتهم محبة خاطئة، ومن مظاهر ذلك: تكبير الذات. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
تكبير الذات يريد أن تكون ذاته باستمرار كبيرة وعظيمة، ولكنه يخطئ في الوسيلة إذ يسعى إلى ذلك بطريقة خاطئة. فهو يريد أن تكون نفسه كبيرة من الخارج، وليس في الداخل. كبيرة من الخارج، أي بمظاهر خارج النفس، كالمناصب والألقاب، والغني والشهرة، ومديح الناس، وكل هذه الأمور لا علاقة لها بطبيعته النفس ونقاوتها، بل هي ضدها وتدل على جهل وعدم فهم. بينما يقول لنا الوحي في المزمور: كل مجد ابنه الملك من الداخل (مز45). على الرغم من أنها" مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة" (مز44). فما هو هذا المجد الداخلي، لمن يريد لنفسه أن تكون كبيرة حقًا، وبطريقة روحية؟ المجد الداخلي، هو أن تكون الذات صورة الله ومثالة، كما سبق الله وخلقها على شبهه (تك1: 26، 27). المجد الداخلي للذات هو أن تشتمل بثمار الروح التي هي محبة فرح سلام وداعة لطف... إلخ. (غل5: 22). وأن تكون الذات نقية قديسة طاهرة بلا لوم في كل شيء، متضعة هادئة رحيمة حكيمة... فهذا هو المجد الحقيقي والذي يوصل نفسه إلى هذه الفضائل فهو الذي يحب نفسه محبة حقيقية روحية. أما كسب المديح للذات، وتمجيدها من الخارج. وأما السعي إلى احترام الناس لهذه الذات. وتقديرهم لها. فهي أمور خارجية، من المفروض في الإنسان الروحي أن يرتفع عن مستواها.. ما الذي تستفيده الذات روحيًا، إن مدحها الآخرون؟ وما قيمة هذا المديح بالنسبة إلى أبدبتها؟ وهل الكرامة الخارجية هي وسيلة روحية لتكبير الذات، أم هي حرب روحية يسقط فيها الكثيرون؟ من مظاهر هذه الحرب. ما يسمونه عبادة الذات، أو عشق الذات... إذ يريد الإنسان أن تكون ذاته جميلة في عينية، جميلة في أعين الناس، بلا عيب أمامهم ولا نقص.. كما لو كان يؤمن بعصمة ذاته، أو بأنه لا يمكن أن يخطئ. إنه إنسان معجب بذاته، كمن يحب باستمرار أن ينظر إلى مرآة، ويتأمل محاسنه. مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يحتمل إهانة، مهما كانت ضئيلة، ولا يحتمل نقدًا، ولا يحتمل أن يكمله أحد بصراحة. إن هذا كله، يراه مشوهًا لصورته التي يريد لها أن تبقي جميلة رائعة أمام الناس وإذ لا يقبل الصراحة أو النقد، يبقي كما هو في أخطائه، ولا يصحح مسيرته، ولا يغير صفاته، وهكذا تكون محبة الذات سببًا في إبعاده عن النقاوة الداخلية. وتكون محبة الذات هذه خطرًا على أبديته، لأنها ليست محبة حقيقية. إنها محبة لسمعه هذه الذات. ولصورتها أمام الناس، وليست محبة لأبديتها، ولا محبة لنقاوتها، إنها محبة غير روحية تشكل خطرًا، وتجلب ضررًا، ونستطيع أن نقول إنها ليست محبة، بل هي حرب روحية. ومع ذلك، فإن محاولة تكبير الذات بمحبة مديح الناس، هي حرب يسقط فيها كثيرون.. والذي يحب المديح، لا يكتفي بمديح الناس، بل يتطور إلى أن يتحدث كثيرًا عن نفسه، ويمتدحها أمام الآخرين؟ وفي حديثه عن نفسه، لا يكون عادلًا، ولا يذكر حقيقية ذاته كاملة، فهو لا يتحدث إلا عن محاسن ذاته وانتصاراتها وأمجادها، وفي نفس الوقت يخفي ما فيها من عيوب، وإن أظهر له أحد هذه العيوب أو بعضها يحاول أن يبررها ويدافع عنها. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
حرب الذات هي حرب قديمة إنها الحرب التي حورب بها أبوانا الأولان، حينما أغراهما الشيطان، قائلًا: "تصيران مثل الله، عارفين الخير والشر" (تك3: 5). وكما كان كبر الذات حربًا للإنسان كان هو نفسه سقطة الشيطان. وفي ذلك وبخه الوحي الإلهي قائلًا: "وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله. أصعد فوق مرتفعات السحاب... أصير مثل العلي" (إش14: 13، 14). فتكرار كلمة" أصعد وكلمة فوق مع كلمة مرتفعات" كلها تدل على محاولة تكبير الذات. بل أن تكبير الذات وصل هنا إلى درجة التأله... أصير مثل العلي. هل ترون خطورة للذات أكثر من هذا الارتفاع، أو من هذا الانحدار؟ لقد حورب هيرودس بهذه الحرب، فضربه ملاك الرب، فأكله الدود ومات (أع12: 22، 23). ومن مظاهر تكبير الذات أن يكون الإنسان بارًا في عيني نفسه. وقد قيلت هذه العبارة في سفر أيوب "فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة أيوب. لكونه بارًا في عيني نفسه" (أي32: 1). بل وبخه اليهو قائلًا له: " قلت أنا أبر من الله" (أي35: 1) ومن مظاهر تكبير الذات في القديم، قصة برج بابل: هؤلاء الذين قالوا: "هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجًا، يكون رأسه في السماء... ونصنع لأنفسنا اسمًا" (تك11: 4). وكانت النتيجة أن الله عاقب كبرياء هؤلاء، بأن بلبل ألسنتهم وبددهم في الأرض. يقودنا هذا أن نبحث نقطة أخري وهي أن محبة الذات تصطدم بالله! |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الذات تصطدم بالله إذا وثق الإنسان بذاته، يبدأ بعمل خطير وهو: استقلال ذاته عن الله... يثق بتدبيره لنفسه، وتحلو تدابيره في عينيه، فلا يستشير الله في شيء ويقول: ما دمت أعرف، فلماذا اطلب معرفة من الله، ولماذا أطلب معونة؟ لذلك فالواثق بذاته: تصعب علية جدًا حياة التسليم. حياة التسليم تحتاج إلى اتضاع قلب، وعدم التمسك بالرأي الخاص، وبالتالي تقف ضدها تمامًا حرب الذات. هنا ونتذكر الخطأ الذي وقع فيه يونان النبي، الذي هرب من الله، إذ كان له مشيئة خاصة لم تتفق وقتذاك مع مشيئة الله. و لما عفا الله عن نينوى -غَمَّ ذلك يونان غمًا شديدًا فاغتاظ- حتى وبخه الله قائلًا: "هل اغتظت بالصواب؟" (يون1:4،4). حقًا إنها مأساة، أن يغتاظ إنسان من مشيئة الله، اغتياظًا يطلب به الموت ولكنها الذات!! حتى بالنسبة إلى نبي عظيم كيونان، حورب كما حورب غيره. على أن هناك اتجاهًا آخر في مشكلة الذات، وهو رفض الله كلية. وقع في هذا الخطأ المرعب، الوجوديون الذين رأوا بسبب شهواتهم الخاصة أن وجود الله يعطل وجودهم. ورأوا أن محبة الله تقف ضد رغباتهم، وضد تحقيق الذات عندهم بالصورة التي يحبونها في حياة اللذة والمتعة، وفي حياة الحرية المطلقة التي تريد أن تفعل ما تشاء، حتى لو كان ضد القيم و الآداب والمثل، وضد وصايا الله. أن الحرية المطلقة التي تطلبها الذات، هي حرب من حروب الذات، تهدف إلى الإباحية، وتنتهي إلى الإلحاد. وبعض الناس دخلوا في هذا النطاق ولكن بأسلوب مختلف، ولكنه للأسف ينتهي إلى نهايات مشابهة.. هؤلاء هم اللاهوتيون أعطوا أنفسهم حرية في العقيدة بغيرة حدود. وكل ما لم يوافقهم من تعليم الكتاب أنكروه، أو اعتبروه أساطير أو حاولوا ترجمته حسب اتجاه الذات عندهم. قصة فلك نوح لا تعجب عقلهم مثلًا، إذن لا مانع من اعتبارها أسطورة.. على أن هناك نوعًا آخر اتخذت عنده الذات أسلوبًا ضد وصية الله ولكنه أخف من هذا بكثير.. مثال ذلك الذين لا يحفظون وصية يوم الرب بسبب الذات ومشاغلها أو الذين يكسرون وصية العشور، بسبب الذات وإنفاقاتها. هؤلاء اصطدمت عندهم الذات بالله سلوكيًا وليس عقيديًا.. محبة الذات تصطدم أيضًا بأب الاعتراف |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الذات تصطدم بأب الاعتراف الإنسان المعتد بذاته، يكون أب الاعتراف بالنسبة إليه مجرد شكليات. أنه لا يطلب إرشاد من أب اعترافه لأنه يعرف كل شيء والحل حاضر في ذهنه، وهو لا يطلب منه قيادة حياته الروحية، لأنه يعرف كيف يقودها ويعرف الخير لها بالأكثر..!! كل ما يطلبه من أب الاعتراف هو الموافقة عما يعرضه هو عيه، حتى يستوفى الشكليات من جهة موافقة أب الاعتراف، وإن لم يوافقه، يظل يجادله وبلح. و يشرح ويبدى اعتراضات عملية على الحلول الأخرى التي يعرضها أب الاعتراف، لكي يستقر أخيرًا على رأيه. و بالاختصار نقول عن الواقع في حرب الذات أن الطاعة صعبة عليه، وأنه يسلك دائمًا حسب هواه.. أنه يفكر لنفسه، والفكر الذي يأتيه من غيره، هو مجرد اقتراح لا يلتزم به، مهما كان مصدره. وإن كان سلوكه هكذا مع أب اعترافه، فبلا شك سيسلك هكذا مع رؤسائه المدنيين. لذلك كثيرًا ما نرى المعتد بذاته يصطدم برؤسائه في العمل. ويمكن أن يصطدم ببعض زملائه أيضًا، إنه يشعر أنهم يتدخلون في عمله. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الشعور بالذات شعور الإنسان بذاته وتمركزه حولها له أسباب نذكر منها: أول شيء يجعل الإنسان يشعر بذاته، هو التفوق، والمواهب، والقدرات غير العادية والشعور بالقوة. كل هذه أمور قد تحاربه من الداخل وربما تريد أن تعبر عن وجودها بأي مظهر خارجي يثبت به الإنسان أنه صاحب مواهب ومقدرات.. و تزيد الحرب عليه، إن دخلت في دور من المقارنة.. و شعر أنه أفضل من غيره في شيء ما، أذكى منه، أو أكثر معرفة أو أكثر خبرة، أو أقوى جسدًا، أو أجمل شكلًا، أو صاحب موهبة معينه، في الرسم، في الموسيقى، في الشعر، في عمل اليد عمومًا، في اللغة... إلخ. و حتى في خدمة الرب قد تبرز الذات.. إن شعر الإنسان أن له طاقات في الخدمة أكثر من غيره. كأن يكون أكثر حفظًا من الألحان أو أجمل صوتًا، أو أن يكون أكثر من غيره دراسة للكتاب، أو إلمامًا بأقوال الآباء، أو أن يكون أعمق تأثيرًا في خدمته، أو في وعظه، أو في وعظه، أو في تدبيره، أو في مشروعاته. و قد يكون سبب الشعور بالذات: المركز، المنصب، الغنى، الشهرة. وربما تكون كل هذه أسباب شعور بالذات، و لكن المتواضعين يفلتون منها، إن استخدموا كل ذلك في مجال خدمة الآخرين، و ليس في مجال ظهور ذواتهم أو الافتخار بها، أو الارتفاع على غيرهم.. إن المواهب له بلا شك خطورتها. فقد ترفع القلب من الداخل، وربما ترفعه في الخارج أيضًا، وتقود إلى حرب المجد الباطل، ولذلك قد يتساءل الفكر عن الذين أعطاهم الرب موهبة صنع المعجزات، كيف كانوا يحتملونها؟ و بخاصة لو كانت إقامة موتى، أو فتح أعين العميان.. ولهذا قال أحد الآباء: إن وهبك الله موهبة، فاسأله أن يهبك معها اتضاعًا ليحميها، أو أسأله أن يرفعها عنك. و هنا ونتعجب من الذين، بدلًا من أن يطلبوا من الله أن يمنحهم نقاوة القلب وثمار الروح، نراهم يطلبون منه موهبة التكلم بألسنة مثلًا.. و لا تكون في ذهنهم وقتذاك خدمة الكلمة في مجاهل أفريقيا أو الصين أو اليابان.. وإنما يطلبون الموهبة و كفى. ألا يحتمل جدًا أن تكون وراء طلب مثل هذه المواهب، حرب من الذات؟ ماذا تفيدك أيها الأخ أمثال هذه المواهب، التي قد تكون حربًا عليك، ولماذا يحزن قلبك إن لم تكن لك؟ هوذا الرب يأمرنا أن نطلب ملكوت الله وبره. أما أن شاء تدبيره الإلهي، أن يهبنا شيئًا من هذه المواهب أم من الجائز أن تقودني إلى كبرياء تضيع أبديتي؟ |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
نتائج عبادة الذات الإنسان المعتد بذاته يصل إلى العناد وتصلب الرأي. فكره هو فوق الكل، لا يقبل فيه معارضة، بل يعادى من يعارضه أو يكرهه، أو يعمل على تحطيمه، أو على الأقل يتجاهل الرأي الآخر. إنه اعتداد بالذكاء الشخصي أو بالمعرفة الشخصية. وفيه يكون الشخص صعب التفاهم جدًا. و أمثال هؤلاء، أن حدثهم أحد، يردون عليه قبل أن يكمل حديثه، وقد يقاطعونه أثناء الكلام أكثر من مرة.. و مهما أورد محدثهم من أدلة قوية، يبقون على رأيهم كأن لم يقل شيئًا.. ولذلك يتجنبهم الناس، أو يتجنبون النقاش معهم، شاعرين أنه لا فائدة. والمعتد بذاته، إذا تولى رئاسة، يصل إلى أسلوب من التسلط. ليس فقط من جهة تصلبه في الرأي إنما أيضًا من جهة تنفيذ هذا الرأي ولو بالقوة، وقد يحدث هذا حتى في محيط الخدمة، حينما يلغى أحد الخدام شخصية كل الخدام الآخرين والنقاش معهم، إذ لا فائدة من النقاش! أنا قلت كده! وهنا عبادة الذات، تقود حتمًا إلى الغرور، والكبرياء، وحب العظمة. وفيها ينتقد الإنسان حياة الوداعة والتواضع والهدوء، ويصل من التسلط إلى التأله. على أن هناك جانبًا آخر، قد يقع فيه لون آخر من محبي الذات، وهو الإشباع الخاطئ للذات. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الإشباع الخاطئ للذات و ذلك هو الإشباع الخاطئ لمحبة الذات ونقصد به إشباع الذات عن طريق اللذة وليس عن طريق الكبرياء. يجمع الأمرين معًا قول القديس يوحنا الرسول، شهوة الجسد وشهوة العيون، تعظم المعيشة (1يو16:2).. فشهوة الزنا تدخل في حرب الذات وشهوة الطعام هي حرب أخرى للذات في نطاق الجسد. لأن حرب الذات قد تأخذ اتجاهًا جسديًا، كما تأخذ اتجاهًا نفسيًا. و قد يدخل في إشباع الجسد، عدم القدرة على الصوم، والتهالك على الطعام الشهي، وشرب الخمر، وعلى أنواع المكيفات، ربما تصل إلى حد الإدمان. والحديث عن شهوات الجسد، موضوع طويل ليس الآن مجاله.. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الذات في محيط العطاء محبة الذات تقف حائلًا منيعًا ضد الآخرين، وضد حياة البذل، والعطاء. مثال لذلك الغنى الغبي وإهماله للعازر المسكين (لو16). ومثال لذلك أيضًا كل المصابين بالبخل والتقتير، والذين يهملون دفع البكور والعشور والنذور، لكي ينفقوه على الذات. على أن المحب لذاته قد يعطي، ولكن في حدود معينة لا تصطدم بذاته ورغباتها.. هو قد عطي من فضلاته ولا يستطيع مطلقًا من أعوزه، كما فعلت تلك الأرملة القديسة التي طوبها الرب له المجد (لو21: 4). · ومهما أعطي، فإنه يعطي خارج ذاته، ولا يمكنه مطلقًا أن يبذل ذاته. المحب لذاته، لا يمكنه أن يضحي بذاته من أجل غيره، ولا يمكنه أن يفتدي غيره بنفسه. وإن وجد خطرًا يلحق به إن دافع عن غيره، يضع حدًا لدفاعه. لأن ذاته هي الأهم في نظرة!... حقًا ما أبعد محبة الذات عن التضحية، وعن الفداء، وعن الاستبسال في الدفاع عن الآخرين. بل قد تقف الذات حائلًا ضد الخدمة أيضًا، بحجة ضيق الوقت أيضًا. فالمحب لذاته يعطي للخدمة ما فضل من وقته كما يعطي الفقراء من فضلاته. ومن الجائز أن يعتذر عن الخدمة، ولا يلتزم بمواعيدها، إن طرأت عليه مشغولية ما، فإنه يفضلها على الخدمة، مهما كانت نتائج ذلك بالنسبة إلى الخدمة. إن كان الأمر هكذا، فماذا نقول إذن عن الاستشهاد؟ المحب لذاته لا يستطيع ان يقدم على الاستشهاد، لأن نفسه عزيزة عليه، ولهذا كان لابد للشهيد أن يتخلص أولًا من محبة الذات والاهتمام بها هذا الاهتمام الباطل الذي لا يحفل بأبديتها. الشهيد من أجل الله يبذل ذاته. وهناك درجة أقل من الشهادة، وهي إعطاء الإنسان ذاته لله بتكريسها له. فالتكريس درجة عليا في الخدمة، يهب المكرس فيها كل وقته لله، على شرط أن يبعد التكريس أي تكبر به الذات، إنما تكريس تبذل فيه الذات. والإنسان المنكر لذاته، حينما يعطي إنما يعطي خير ما عنده. لآته لا يحب الخير لذاته، بقدر ما يحب الخير لغيره، وفي ذلك يقول الرسول عن المحبة إنها" لا تطلب ما لنفسها" (1كو13). المحب لذاته لا يمكنه أن يعطي خير ما عنده، بل يحتجزه لنفسه. وأسوأ ما في محبة الذات في هذه الناحية أن يعطى الإنسان شيئًا ثم يندم عليه فيسترجعه. ننتقل الآن إلى نقطة أخري عن الذات وهي: أخطاء الذات في المعاملات. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
أخطاء الذات في المعاملات أحيانًا يجد الإنسان المحب لذاته، إنه لابد أن يقف ضد الآخرين لا ثبات ذاته. وأول خطوة في ذلك هي المنافسة. المنافسة إن كانت مباراة في النفع العام، بحيث يتنافس الكل في خدمة المجتمع، حينئذ تكون المنافسة خيرًا.. وكما قال الكتاب: "حسنة هي الغيرة في الحسنى" (غل4: 18). إما أن كانت المنافسة هي محاولة انتصار فريق على الآخر، ولو بتحطيمه فهنا تظهر الذات ومعها عدم محبة الآخرين. حسن أن يتبارى الجميع في التفوق أما أن يكره شخص من يتفوق عليه فهنا أيضًا تظهر خطورة محبة الذات. هنا تقود الذاتية إلى الحسد وإلى الغيرة وإلى الكراهية. إنها الغيرة الطائشة التي تريد أن يصل إليها وحدها كل شيء، ولا يصل إلى أحد شيء، هي وحدها التي تكبر والتي تملك، وهي وحدها التي تتفوق، والتي تمدح، وهي التي تسلط عليها الأضواء، ولا تسلط على غيرها... وإلا... وإلا تبدأ الذات حربًا مع كل من ينافسها، أو يسير في نفس الطريق معها. ذات تريد أن تكبر، وذات أخري تريد أن تكبر وحدها، وهنا الخطورة حيث تثير هذه الذات جوًا غيرها دون عيب فيه، ودون أن يقترف ذنبًا ضدها أو ضد أحد.. إنه صليب يحمله المتفوقون، ممن يحسدونهم على تفوقهم. وهذا هو الذي لاقاه داود النبي من شاول الملك، أو هذا هو الذي لاقاه يوسف الصديق من أخوته، ولنفس السبب قام هيرودس ضد السيد المسيح منذ مولده وبنفس الشعور قال: الفريسيون بعضهم لبعض: "انظروا أنكم لا تنفعون شيئًا.. هوذا لعالم قد ذهب وراءه" ( يو12: 19). حقًا ما أصعب تلك العبارة التي قيلت في سفر التكوين. "لم تحتملها الأرض أن يسكنا معًا" (تك13: 6). إذا أرادت الذات أن تملك، تكون مستعدة أن تحطم كل من ينافسها، مثلما حدث أن آخاب قتل نابوت اليزرعيلي. ونفس الوضع في الاحترام والمديح. إن كان من مشاكل المحب لذاته، أنه يحب مديح الناس واهتمامهم به واحترامهم والاهتمام له، فأخطر من هذا، شخص يريد أن يكون الوحيد الذي هو موضع الاحترام والاهتمام والمديح بتقدير الآخرين. ومن هنا تأتي الصراعات بين أصحاب المهنة الواحدة، أو الذين يعملون في نشاط واحد، أو يتنافسون على رئاسة. مريم واحد، أو يتنافسون على رئاسة. مريم كانت جالسة عند قدمي المسيح تستمع إليه، ولم تفعل شيئًا ضد مرثا. ولكنها لم تسلم من انتقادها... إنها الذات التي دفعت مرثا إلى انتقاد أختها مريم، لماذا أتعب أنا وحدي، تقوم هي لتتعب معي، أو لماذا هي تتمتع بجلسة التأمل واحرم أنا منها؟ (لو10: 40). وكما حدث من أجل الذات أن مرثا انتقدت مريم، حدث لنفس السبب أن الابن اكبر انتقد أخاه الأصغر (لو15). نقطة أخري في محبة الذات. وهي أن المحب لذاته لا يمكن أن يأتي بالعيب على نفسه وإنما... يلقي بمسئولية أخطائه على غيره. حتى أن رسب في الامتحان، فإما أن واضع الامتحان كان قاسيًا في أسئلته، وإما أن المصحح لم يكن رحيمًا في تصحيحه. وإما أن الله لم يسنده في امتحاناته على الرغم من الصلوات التي رفعت إلهي. ولذلك يري نفسه مظلومًا باستمرار المحب لذاته.. إما أن يصل وإما دائمًا يسخط، ويتذمر، ويشكو. يشكو والدية، ويشكو المجتمع ويشكو الزمان الذي يعيش فيه، ويشكو معاملات الآخرين، ويشكو معاملات الآخرين، ويشكو أسبابًا عديدة لعدم وصوله، وينتقد كل اللذين وصلوا، وأساليبهم التي ارتفع هو عن مستواها... أما ذاته فهي الوحيدة التي لا يشكوها والوحيدة التي لم تخطئ... ومن أجل هذا، هو لا يصلح عيبًا فيه، لأن ذاته تبدو أمامه بلا عيب.. وإذ تستمر متاعبه ويستمر عدم إصلاحه لنفسه، تستمر بالتالي شكاواه التي لا تنتهي. إن كان رئيسًا يشكو من أخطاء مرؤوسيه.. وإن كان مرؤوسًا يشكو رؤساءه وزملاءه.. وإن كان ولا أحد من هؤلاء قد أخطأ، حينئذ يشكو الأنظمة والقوانين واللوائح! المهم أنه يدافع عن ذاته إن ارتكب خطأ: فيغطيه بالكذب أو بتبريرات عديدة، أو يلقي التبعى على غيره، أو يقول إنه ما كان يقصد... وهكذا بدلًا من أن يصلح ذاته، يغطيها! والمحب لذاته حساس جدًا نحو كرامته، يعامل نفسه والناس بميزانين مختلفين. يدقق جدًا في أقل كلمة توجه إليه بينما لا يبالي بما يقوله هو للناس. ويريد معاملة، لا يعامل بها غيره. هو حساس نحو كرامته، ولكنه ليس حساسًا نحو كرامة الناس في معاملته لهم. متى وكيف ينكر الإنسان ويدين ذاته، هذا ما أود أن أحدثك عنه الآن. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
المثال العظيم في إنكار الذات إن كان الإنسان الأول قد أنهزم في حرب الذات، واشتهي أن يصير مثل الله (تك3: 5) فإن السيد المسيح الذي بارك طبيعتنا فيه، صحح هذه النقطة. وكيف كان ذلك؟ يقول عنه الرسول إنه: "أخلي ذاته. وأخذ شكل العبد صائرً في شبه الناس" (في2: 7). وعاش على الأرض فقيرًا، ليس له أين يسند رأسه (لو9: 58) بلا وظيفة رسمية في المجتمع. وتنازل عن كرامته." ظلم. أما هو فتذلل ولم يفتح فاه.. وأحصي مع إثمه" (أش53: 7، 12) ولم يدافع عن نفسه... أنكر ذاته مكن أجلنا. ووضع ذاته لكي يرفعنها نحن. ووقف كمذنب لكي نتبرر نحن. ذاته لم يضعها أمامه بل وضعنا نحن.. ومع أن معمودية يوحنا كانت للتوبة ولم يكن السيد محتاجًا إلى توبة، وبالتالي ما كان محتاجًا إلى معمودية، إلا أنه من أجلنا تقدم إلى العماد. وفي نكران للذات قال لعبده يوحنا: " اسمح الآن" (مت3: 15). |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
بَذْل الذات سواء كان هذا البذل من أجل الله، أو من أجل الكنيسة، أو من أجل أي إنسان قريب أو بعيد. وما أجمل قول القديس بولس الرسول في هذا الشأن: "ولا نفسي ثمينة عندي" ( أع20: 24) وهكذا بذل الرسول نفسه في خدمته. "في تعب وكد. في أسهار، في أصوام. في جوع وعطش، في برد وعري، بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر، بأخطار من أخوة كذبة" (2كو11) "في شدائد، في ضرورات، في ضيقات، في سجون" (2كو6: 4، 5). https://st-takla.org/Pix/Words/www-St...-No-Arabic.gifhttps://st-takla.org/Pix/Words/www-St...-Me-Arabic.gif وهكذا أعطي نفسه مثالًا للخدمة التي لا تبحث عن الراحة. إنما تبذل ذاتها وتتعب في الكرازة والتعليم وفي البحث عن الضال.. إنه نفس مثال الشمعة التي تذوب لتنير للآخرين، ومثال حبة البخور التي تحترق لتعطي رائحة ذكية لغيرها. إنه مثال نقدمه لمن يشترط لتكريسه أن يكون ذلك في بلدة كبيرة، أو في كنيسة غنية، أو في كنيسة قريبة من بيته! من أجل الكرازة تغرب الرسل في بلاد بعيدة. وكرز البعض وسط شعوب من آكلي لحوم البشر. المهم أن تنتشر كلمة الله. إذا دعيت يا أخي للخدمة، لا تفكر في ذاتك، ولا في راحتك، ولا في احتياجاتك المالية والمادية، فالله يعتني بكل هذه. إنما ركز تفكيرك كله في احتياج النفوس إلى الله. وابحث عن الأحياء المحتاجة، والمناطق غير المخدومة مهما بذلت في سبيل ذلك.. وتذكر في الخدمة قول الرب: "من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" (مت10: 39). |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
مَنْ أضاع نفسه يجدها لعل البعض كان يظن أن موسى النبي من أجل غيرته المقدسة – قد ضيع نفسه، حين ترك الإمارة والقصر الملكي!!" مفضلًا بالأحرى أن يذل مع شعب الله... حاسبًا عار المسيح غني أفضل من خزائن مصر" (عب11: 25، 26). ولكن نفس موسى لم تضع، وإنما وجدها في راحة الآخرين، وفي إيمانهم، وفي عمل الله به. وهكذا صار زعيمًا للإيمان في أيامه. وأول من ائتمنه الله على شريعة مكتوبة. ووقف موسي على جبل التجلي مع المسيح وإيليا. أما الإمارة التي ضيعها فكانت نفاية إلى جوار الأمجاد التي حصل عليها. على أن موسي ما كلن ينظر إلى هذه الأمجاد حينما ترك قصر فرعون... إنما كان يهمه أن يبذل ذاته لأجل الشعب مفضلًا أن يذل معهم على التمتع بالقصور..!! ونفس الوضع نراه مع أبينا إبراهيم. فحينما دعاه الله، إنما دعاه إلى البذل، بأن يترك أهله وعشيرته وبيت أبيه، ويذهب ليتغرب بعيدًا في أرض لا يعرفها (تك12). ثم دعاه بعد ذلك إلى اختبار أصعب، إلى بذل ابنه الوحيد." وإبراهيم لما دعي أطاع" (عب11: 8). وبذل إبراهيم صار صورة مضيئة عبر الأجيال. وعوضه الله عنه بنسل كنجوم السماء ورمل البحر. وكلنا أبناء لإبراهيم (رو4: 11، 16). هل كان إبراهيم يفكر في ذاته، حينما رفع السكين ليذبح ابنه؟!كلا، لم تكن ذاته أمامه إطلاقًا، بل كانت أمامه وصية الله. وبنفس الشعور ترك إبرام وطنه، وهو لا يعلم إلى أين يذهب ( عب11: 8). ولكن الله وضع المكافأة لهذا الذي بذل، ولكل من يبذل. أبذل ذاتك إذن. وثق أن هذه الذات ستكون عزيزة وغالية جدًا عند الله. ولن يتركها تضيع. بل سيردها إليك أضعافًا. وتجدها فيه. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الزهد وعدم التنعم الإنسان الذي يهتم بذاته وشهواتها يقول كما قال سليمان من قبل: "بنيت لنفسي بيوتًا، غرست لنفسي كرومًا، عملت لنفسي جنات وفراديس... ومهما اشتهته عيناي. لم أمسكه عنها..." (جا2: 4-10). هنا التنعمات المادية والجسدية للذات والتي ينطبق عليها قول الرب: "من وجد حياته يضيعها" (مت10: 39). وعكس ذلك الزهد، في الأكل، في الملبس، في كل شيء. الذين تنعموا استوفوا خيراتهم على الأرض. كما قيل لغني لعازر (لو16: 25) أما الزاهدون فأجرهم فوق مع الله في السماء. كل قصص الآباء الرهبان والمتوحدون والسواح، إنما هي أمثلة رائعة عجيبة في حياة الزهد التي يتجحد الذات وكل شهواتها. وهناك أمثلة في الزهد، حتى لأشخاص عاشوا في قصور الملوك مثل دانيال النبي لذي قيل عنه: "وأما دانيال، فجعل في قلبه أنه لا يتنجس في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه " (دا1: 8). وقال هو عن نفسه في صومه: "لم آكل طعامًا شهيًا. ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر. ولم أدهن. حتى تمت ثلاثة أسابيع أيام" (دا10: 3). أين الذات هنا، بالنسبة إلى إنسان يعيش في قصر ملك، ويرفض كل أطايبه ويكتفي بالقطاني؟! ومع أنه كان رئيسًا للولاة، لا يضع في فمه شيئًا شهيًا... |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
قهر الذات الصوم والعفة هما قهر للذات من جهة طلبات الجسد وشهواته. وهناك قهر آخر للذات من جهة النفس... سعيد هو الإنسان الذي يراقب ذاته ويمنعها كلما تشرد نحو النعمان العالمية. فقد تميل النفس إلى حب الظهور، وإلى الإعلان عن ذاتها، والسعي وراء العظمة. وفي كل ذلك ينبغي أن نقاومها. وتقنع ذاتك التنعم بالله أفضل وأنه خير لها أن تكتنز خيراتها في العالم الآخر. إن الذين يريدون أن يتنعموا هنا، لابد يقف أمامهم قول الرب: "الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم" ( مت6: 5). لا تحاول إذن أن تأخذ كل حقوقك على الأرض، فمن الخير أن تأخذها هناك، حيث يسمح الله كل دمعة من عينيك. فإن مالت نفسك. أو مال جسدك إلى متع العالم الحاضر. امنعها بشدة لا قسوة عليهما. إنما ضمانًا ولأبديتهما. فالذي يدلل ذاته هنا، إنما يهلكها... والذي يتراخي في ضبط ذاته، تقوي ذاته عليه وتتمرد على سلوكه الروحي. بعكس الذي يدرب ذاته ويروضها في دروب الرب. وثق أن قهر الذات لذة روحية لا تعادلها كل ملاذ الجسد. ولعلني أكون قد كلمتك عن قهر الذات في مقال سابق عن التغصب. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الذات في الخدمة إن الشيطان إذا وجد الإنسان حريصًا يقهر ذاته في كل ملاذ الجسد، قد يحاول أن يدخل معه في حرب أخري، لكي يجعل للذات مجالًا للظهور في محيط الخدمة! وما أسهل أن يجد الإنسان في الخدمة مجدًا وظهورًا وإشباعًا للذات. ما أسهل أن يتخذ إنسان العظة لعرض معلوماته، والإعلان عن مواهبه ومعارفه، حتى إن كان كل ما يقوله بعيدًا كل البعد عن خلاص النفس وعن موضوع العظة! ويقف الشيطان ضاحكًا راضيًا عن العظة التي تهلك الواعظ، ولا تفيد أحدًا من الموعوظين! ما أسهل أن الخادم يربط المخدومين بشخصه وليس بالله. أو يكون منهم فريقًا يناصره إذا تعب. وهنا تبدو الذات واضحة. أما الروحيون فهم ليسوا كذلك. العظة بالنسبة إليهم هي محاولة مخلصة للدخول إلى أعماق النفس لأجل تطهيرها وتقريبها إلى الله، بترك خطاياها، وبمحبة الخير والله، أيًا كانت اللغة أو الأسلوب. فالمهم هو الهدف الروحي. شتان بين عظة يخرج منها السامعون قائلين [هذا واعظ علامة] وبين عظة يخرجون منها قائلين نريد أن نتوب... ذاته الواعظ أو المعلم أو الكارز، ليست هي الهدف، إنما الهدف هو خلاص النفس. والواعظ الناجح هو الذي يكسب نفوسًا للرب، وليس الذي يكسب تقديرًا شخصيًا من سامعيه... وما أجمل قول المرنم في المزمور: " ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز115: 1). العظة هي أن نكشف للموعوظ ذاته وحروبه: ونعلمه كيف يدين ذاته وكيف ينتصر عليها: لا أن نقدم له معلومات لا يدان في اليوم الأخير على جهله إياها! ولو أن كل واعظ نقي عظته من الذات، وركزها على خلاص الآخرين، لكسبنا للملكوت كسبًا عظيمًا... " ينبغي أن ذاك يزيد. وإني أنا أنقض" (يو3: 30). وهكذا كان يوحنا يحول كل محبة الناس إلى المسيح ويختفي هو. إنه لم يأت ليشهد لنفسه، وإنما" ليشهد للنور، ليؤمن الكل بواسطته" (يو1: 7). جاء يعد الناس لاستقبال المسيح، ويهيئ له شعبًا مستعدًا (لو1: 17) وينجح يوحنا في رسالته لاختفاء ذاته. ونسجل هنا حقيقة هامة: هناك أمران تنجح الخدمة بهما: 1 أن يكون الله هو الهدف. 2 – وإن يكون الله هو الوسيلة ولا تكون الذات هدفًا ولا وسيلة. ذلك لأن كثرين يعتمدون على ذاتهم في الخدمة اعتمادًا أساسيًا، على ذكائهم ومعلوماتهم وتأثيرهم الشخصي كما يعتمدون على شهرتهم وهيبتهم في قبول الناس لتصرفهم ولكلامهم..! وأين الله؟ وإذ لا يدخل الله في الخدمة، تفشل وتظهر الذات. وإذ تقل الصلاة في الخدمة، تضع لأن الله لم يباركها. إن خدمة الروحيين لها طابعها الخاص: تشعر فيها أن الله هو الذي يعمل. وهو الذي يبارك كل خطوة وأنها ليست نتيجة فلان أو فلان... لذلك يوجد أيضًا السلام في محيط الخدمة، وتوجد المحبة أيضًا والتعاون. وليس فقط كل واحد يختفي لكي يظهر الله، إنما أيضًا يختفي لكي يقدم غيره من الخادمين على نفسه. أما إن وجد في الخدمة بولس وأبلوس. فهنا توجد الذات. وتوجد معها الشقاقات (1كو3: 3، 4). ولهذا نصح السيد المسيح تلاميذه بأن يبعدوا الذات عن محيط الخدمة، حينما فكروا من يكون الأول فيهم. وقال لهم: "لا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم. ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت20: 26 – 28). وما أجمل قول الشيخ الروحاني: [كل مكان حللت فيه. كن صغير أخوتك وخديمهم] إن محبة الرئاسة حرب شديدة قد تعمل على إفساد الخدمة. وكذلك التنافس ومحبة الظهور. وكلها ناتجة عن الذات. وهذه كلها عالجها السيد المسيح بمبدأ "المتكأ الأخير" (لو14: 10). |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
المتكأ الأخير ولسنا نعني هنا الأخير من جهة المكان، إنما من جهة المكانة. فلا تحسب نفسك أنك أهم الموجودين في المكان الذي تحل فيه. وإن رأيك هو أهم الآراء، وقرارك هو أهم القرارات. ومركزك هو الأهم.. وينبغي أن تكون أنت المطاع، وأنت المحترم وسط الكل، وإلا تغضب وتثور!! لا تعط لنفسك كرامة وتفرضها على الآخرين. إنما اترك الناس يكرمونك من أجل ما يرونه من وداعتك واتضاعك. لا ترغم الناس على احترامك... فالاحترام شعور داخل القلب، لا يأتي بالإرغام، إنما بالتقدير الشخصي. قد ترغم إنسانًا على طاعتك ولكنك لا تستطيع أن ترغمه على احترامك والإرغام في هاتين الحالتين كليتهما لون من سيطرة الذات... وفي معاملاتك مع الناس. كن نسيمًا ولا تكن عاصفة! كثيرون يحبون صفة -العاصفة- لأن فيها القوة. أما النسيم فيمثل الوداعة واللطف، اللذين ينبغي أن يتصف بهما كل من ينكر ذاته. في معاملاتك مع الناس. لا تفضل نفسك على غيرك. فإن الرسول يقول لنا: "مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو12: 10). على أن يكون ذلك من عمق القلب، وبعمق الاتضاع، وبغير رياء... |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الميل الثاني وقال في ذلك: "من سخرك ميلًا واحدًا، فأذهب معه اثنين. من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضًا" (مت5: 40، 41). وبنفس الوضع تحدث الرب عن الخد الآخر. فقال: "من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا"، وكأنه أراد بها كله أن يقول لنا: كن مظلومًا لا ظالمًا. وكن مصلوبًا لا صالبًا. لا تنتقم لذاتك. إن الذات تريد أن تأخذ حقها، وتأخذه بنفسها، وهنا على الأرض، وبسرعة على قدر الإمكان. أما تعليم الرب لنا في إنكار الذات فيقول لنا فيه: "لا تقاوموا الشر" (مت5: 39). لا تجعل ذاتك تتدخل، لتنال حقوقك أو لتنتقم. واذكر قول الكتاب: "لي النقمة، أنا أجازي، يقول الرب" ( رو12: 19). ومع أن النقمة للرب، لا تطلب أنت منه هذه النقمة. فالكتاب يقول: "المحبة لا تطلب ما لنفسها" (1كو13). ولماذا لا تطلب ما لنفسها؟ ذلك لأنها بعيدة عن الذات. وفي نفس الوقت الذي لا تمجد فيه نفسك، ينبغي على العكس أن تدين ذاتك. مشكلة المشكلات، في كل المعاملات، أن يعتقد الإنسان أنه على حق! على طول الخط! |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
إدانة الذات لذلك إذا أخطأ لا يعتذر، لأنه يشعر أنه على حق ولم يخطئ. وإذ ساء تفاهمه مع أخيه لا يذهب ليصالحه، لأنه يأمل أن طلب الصلح لابد يأتي من الطرف الآخر! لماذا؟ إنها الذات. بل حتى مع الله، قد لا يعترف بأخطائه، لأن ذاته تقنعه أنه لم يخطئ. إدانة الذات تأتي من الاتضاع. والاتضاع يأتي بنكران الذات وغير المتضع لا يدين ذاته ولا يلومها. بل دائمًا يدين ويلوم الآخرين!! وإن قلت له: لماذا تلوم الآخرين يلومك لأنك تقول له هذا. الإنسان الذي لا يعكف على تمجيد ذاته وتكبيرها، بأسلوب علماني، والذي يهدف باستمرار إلى تنقية ذاته من كل الأخطاء وتكبيرها، بأسلوب علماني، والذي يهدف باستمرار إلى تنقية ذاته من كل الأخطاء والنقائص... تراه باستمرار يلوم نفسه، ويفحص أخطاءه ويدين ذاته عليها.. في إحدى المرات زار البابا ثاؤفيلس منطقة القلالي، وسأل الأب المرشد في الجبل عن أحسن الفضائل التي اقتنوها، فأجابه: [صدقني يا أبي، لا يوجد أفضل من أن يأتي الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء...]. هذا هو الأسلوب الروحي الذي يسعي به الإنسان إلى تقويم ذاته: يأتي بالملامة على نفسه، وليس على غيره وليس على الظروف المحيطة به.. وليس على ظانًا أنه قصر في معونته..! والذي يدين نفسه ههنا، ينجو من الدينونة في العالم الآخر. لأنه بإدانته لنفسه يقترب من التوبة، وبالتوبة يغفر له الرب خطاياه. أما الذي لا يدين ذاته. من أجل اعتزازه بهذه الذات، فإنه يبقي في خطاياه، ولا يتغير إلى أفضل، ويكون تحت الدينونة. وصدق القديس الأنبا أنطونيوس حينما قال: [إن دنا أنفسنا، رضي الديان عنا].. [إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله]. وإدانتنا لأنفسنا تساعد على المصالحة بيننا وبين الناس. يكفي أن تعتذر لإنسان وتقول له: [لك حق. أن أخطأ في هذا الأمر].. لكي تضع بهذا حدًا لغضبه ويصطلح معك... أما إن ظللت تبرر موقفك، فإنك تري خصمك يشتد في إثبات إدانتك. وما أجمل قول القديس مقاريوس الكبير في هذا المجال: [احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك..]. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الفراغ هناك حروب روحية كثيرة تحارب الإنسان في طريقة الروحي: بعضها من داخله، وبعضها من خارجه، من الشيطان أو الظروف المحيطة. وسنتحدث اليوم عن الفراغ كأحد هذه الحروب... والفراغ على أنواع منها:
|
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
فراغ الوقت إن الفراغ يتعب من يشعر به، وقد يقوده إلى أخطاء روحية عديدة، إذا أساء الطريقة في ملء هذا الفراغ. لذلك عندما خلق الله أبانا آدم، لم يتركه في فراغ، بل أوجد له عملًا يعمله.. وهكذا يقول الكتاب: "وأخذ الرب آدم ووضعه في جنة عدن، ليعملها ويحفظها" (تك2: 15). ولم يعمل آدم وحواء من أجل الرزق إذ كان وفيرًا في الجنة، بل من أجل ألا يوجد فراغ في حياتهما يتعبهما. ويُخَيَّل إلى أن الخطية حاربتها في وقت فراغ ولو كانا مشغولين وقتذاك، لما وجد الشيطان فرصة للحديث ولإغراء. وحتى الرهبان، أصبح العمل جزءًا من حياتهم، بشرط ألا يعطلهم عن روحياتهم. عمل اليد شيء معروف في بستان الرهبان... ومازال موجودًا حتى الآن لأن الراهب حينما يبدأ حياته الرهبانية لا تكون له القدرة على قضاء الوقت كله في الصلاة. فخوفًا من أن يقع في فراغ يتلف حياته، يعطيه الدير عملًا ومن فائدة العمل له أيضًا أن يشترك في خدمة الدير ومحبة إخوته، وأن يكتشف أخطاءه أثناء تعامله مع الآخرين ويعالجها... إن الفراغ يسبب الشعور بالملل والضجر، لذلك يهرب منه الإنسان إلى تسلية تريحه. وقد اختيار هذه التسليات. ربما يلجأ إلى الثرثرة مع الناس، بطريقة تضيع وقته، ووقت الآخرين، وقد تتعبهم.. وقد يلجأ إلى الملاهي أو المقاهي أو النوادي، وما أكثر ما يصادفه هناك من أخطاء، وقد يلجأ البعض إلى مجرد المشي -أو ما يسميه البعض بالنزهة- بلا هدف. أو قد يصب فراغه في الآخرين فيضيع وقتهم... وإضاعة الوقت هكذا -وقت الفراغ- هي إضاعة جزء من حياة الإنسان، كان يمكن استغلاله فيما يفيده ويفيد غيره.. والذي يضيع وقته، لاشك أنه لا يشعر بقيمة حياته، وغالبًا ليس أمامه هدف كبير يسعي إليه. لأن الذي يضع أمامه هدفًا كبيرًا، إنما يستغل كل وقته لتحقيق هذا الهدف... وقد يشعر أحيانًا أنه محتاج إلى وقت، ولا يجد. لذلك عليكم أن تملأوا فراغكم بشيء مفيد، وكذلك فراغ أولادكم. ربما تتضايقون أحيانًا من الضوضاء التي يحدثها الأطفال، وتشبعونهم توبيخًا ولومًا وانتهارًا ودروسًا في الأخلاق، وتكثر أوامرك ونواهيكم، وعقوباتكم وتهديداتكم لهؤلاء الأطفال. وغالبًا ما يكون سبب إشكالاتهم كلها هو الفراغ، ولو إنكم استطعتم أن توجدوا لهم سليمة يملأون بها هذا الفراغ لاسترحتم واستراحوا من هذا كله... فكروا إذن في شغل وقت الفراغ عند أولادكم بما ينفعهم ويريحكم بما ينفعهم ويريحكم... وهنا نسأل: كيف تقضون وقت فراغكم؟ وهل الطريقة سليمة؟ وهل هي نافعة؟ أتستغل هذا الوقت من أجل نموك الروحي، أو الفكري، أو في خدمة الآخرين أو في أية تسلية غير ضارة، أو عمل محبة نحو الناس وافتقادهم؟ أم في خدمة الآخرين أو أية تسلية غير ضارة، أو عمل محبة نحو الناس وافتقادهم؟ أم وقت فراغك هو وقت ضائع، ربما تقضيه إلى جوار الراديو أو التلفزيون الذي أحيانًا لا يأخذ وقت فراغك فقط وإنما يطغي على وقتك كله حتى اللازم لمسئولياتك أيضًا؟ وهنا نسأل: هل معالجتك فراغ الوقت تؤدي بك إلى فراغ في الروح؟ |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
فراغ الفكر أحيانًا يؤدى الوقت إلى فراغ في الفكر، ويبقي العقل بلا عمل. فيأتي الشيطان ليشغله أو ليشاغله. وكما قال المثل.. عقل الكسلان معمل للشيطان.. لذلك من الخطورة بمكان الوحدة أو الخلوة التي لا تنشغل بعمل روحي. فإذا لم يوجد فكر روحي يضبط العقل فإن يطيش في فكر خاطئ.. إنما مفهوم الوحدة في معناها الروحي إنها خلوة مع الله، فهي ليست فراغًا.. ويوجد فراغ آخر في الفكر من جهة عدم امتلائه بالمعرفة، ونقصد المعرفة النافعة فالإنسان الذي لا يدأب على تثقيف نفسه بالمعلومات المفيدة له روحيًا وكنسيًا بالإضافة إلى المعلومات الثقافية العامة اللازمة له، فإن مثل هذا الإنسان يوجد نفسه في فراغ فكري بحيث إذا تحدث مع غيره، لا ينطبق بشيء له عمق أو له فائدة. إن تعليم المرأة أمكن أن يخرجها من هذا الفراغ الذي عاشته في عصور مظلمة وكذلك تعليم الريفيين أخرجهم أيضًا من الفراغ الفكري.. وإن خدمة الكلمة لازمة جدًا لإخراج الناس من الفراغ الفكري، إلا إذا كان ما يقدم لهم هو فراغ أيضًا. وهذا يقع فيه الخدام الذين لا يهتمون بتحضير دروسهم وعظاتهم، فلا يقدمون للسامعين شيئًا يفيدهم، ومثلهم الذين يقدمون الذين معلومات معروفة متكررة لا عمق فيها ولا جديد ولا تأثير. إنه فراغ، ومثال هؤلاء أيضًا الذين يقدمون فكرًا لا روح فيه، مجرد معارف ومعلومات، لا تتصل بالقلب في شيء تشعر الروح فيها أنها فراغ... وهذا يقودنا إلى نقطة أخري هي الفراغ الروحي. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الفراغ الروحي خلق الله الروح في الإنسان الأول على صورة الله ومثالة.. لذلك فإن الروح لا يمكن أن يملأها إلا الله وحده. الروح التي تحيا بعيدة عن محبة الله تعيش في فراغ، مهما كانت ألوان العواطف المقدمة لها. كلها لا تشبعها. وربما يوجد أشخاص لهم مشغوليات كثيرة تملأ كل وقتهم. ولهم مشروعات ضخمة يقومون بها، ومسئوليات خطيرة ملقاة على عواتقهم. وقد تكون لهم معلومات واسعة جدًا ولهم دراسات عميقة، ومع ذلك يعيشون في فراغ روحي. وكل ما يقومون به من عمل لا يشبع مطلقًا الروح التي فيهم هي على صورة الله وشبهه.. قد يتعب هؤلاء في حياتهم من أجل أهداف متعددة يحققون بعضها... ولكن تبقي في قلوبهم رغبة لم تتحقق بعد، تشعرهم باستمرار بفراغ أرواحهم وهذه الرغبة لا تحققها إلا الصلة العميقة بالله، والثبات في محبته. وهؤلاء إن انطلقت أرواحهم من الجسد، وإن بعدت عن المادة، ستشعر تمامًا بكل يقين كم هي فارغة. وكل أمور العالم التي عاشت فيها لم تسد شيئًا من هذا الفراغ لذلك من الآن، ونحن في هذا العالم، يرون في آذاننا قول الرسول: "امتلئوا بالروح" (أف5-18). إنه لا ينفعك بشيء أن تملأ حياتك بأمور كثيرة، دون أن تملأ قلبك بالله. ما أسهل أن يتحول الإنسان إلى ماكينة دائمة الدوران، بلا روح، ولكن تعمل بكل نشاط وقوة... الوقت مملوء بمشغوليات، ولكن لا روح فيها. وعلى الرغم من العمل الكثير، ينظر الله إلى مثل هذا الإنسان فيجده فارغًا. فيقول له نفس العبارة التي قيلت لراعى كنيسة لاوديكيه: "لأنك تقول إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء... ولست تعلم أنك الشقي والبائس وفقير وأعمي وعريان" (رؤ3: 17). لذلك املأوا أرواحكم بمحبة الله ومعرفته، لأن أرواحكم تشعر بفراغ إن بعدت عن الله ومحبته ومعرفته. ولا يكفي أن تذوقوا ما أطيب الرب، إنما يجب أن تمتلئوا به. وإن امتلأتم يمكنكم أن تفيضوا على الآخرين. الحب الذي فيكم يملأ قلوبهم حبًا. والسلام الذي فيكم يملأ حياتهم سلامًا. والروح الذي يعيشون به يقودهم إلى السلوك بالروح. ما أجمل – بعد عمر طويل – حينما تصعد أرواحكم إلى الله، تصعد وهي ممتلئة حبًا وفرحًا وسلامًا وإيمانًا، مع كل ثمار الروح الأخرى (غل5: 22) املأوا أرواحكم بالغذاء الروحي، لكي تمتلئ أرواحكم من ثمار الروح. كالشجرة التي تقدم لها ما تحتاجه من الماء والسماد، فتقدم لك ما تحتاجه أنت من زهر وثمر.. أتشعر أن روحك في فراغ، املأها إذن من كل وسائط النعمة. قدم لها ما تحتاجه من القراءات الروحية العميقة وفي مقدمتها كلمة الله. قدم لها ما تحتاجه من تأملات وصلوات وتسابيح ومزامير وأغاني روحية (أف5: 19). ولا تترك روحك فارغة، ولا معوزة شيئًا من أعمال النعمة. الروح القوية تكون شخصية قوية. والروح الفارغة تنتج شخصية فارغة وهذا يجعلنا نتحدث عن نقطة أخري في الفراغ هي فراغ الشخصية. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
فراغ الشخصية ما أصعب أن يشعر الإنسان أن شخصيته فارغة، لا قيمة لها في المجتمع الذي يعيش فيه، ولا ثمر لها، ولا تأثير! بل حتى قد يشعر الإنسان بهذا الشعور فيما بينه وبين نفسه. وقد يقع بهذا السبب في صغر النفس. إذ يرى أنه عمق له، ولا فكر، ولا معلومات، ولا شخصية ولا قوة! وقد يصاب بعقدة النقص، فيحاول أن يملأ نقصه بنقص آخر. وبدلًا من أن يملأ فراغ شخصيته يضيف إليها فراغًا آخر يحاول به أن يغطي فراغه، بلا جدوى... وما مظاهر هذا العلاج الخاطئ: إما أن هذا الإنسان يعيش في الخيال وليس في الواقع. ويحاول أن يرضي نفسه بأحلام اليقظة حتى لا تشعر بفراغها. ولكن هذه الأحلام لا تنفعه. https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ptiness-01.jpg لأنه يفيق من أحلام اليقظة على واقع مؤلم، لا تغيره الأحلام! وقد يحاول آخر أن يعالج شعوره بالفراغ، بالثرثرة وكثيرة الأحاديث، كما لو كان الكلام يوجد له شخصيته. وربما يسأم الناس من كلامه ويرونه فراغًا. وقد يحاول التغطية على فراغ شخصيته بمدح ذاته أمام الناس. فيشرح الأعمال" العظيمة" التي قام بها! أو ينسب أعمال غيره إلى نفسه!! أو يحطم غيره انتقادًا وتشهيرًا، لكي يبدو هو في قمة المعرفة وخارج دائرة النقد! أو يقاوم العاملين لأنه يتضايق من كونهم يعملون وهو لا يعمل أو يجلس في عظمة، ويغطي فراغه بالغني والأناقة ومظاهر الكبرياء وصوتًا! ومثال ذلك أيضًا المرأة التي تغطي على فراغ شخصيتها بالزينة والتجميل والتحلي بالذهب والأحجار الكريمة، بينما يقول المزمور: "كل مجد ابنه الملك من داخل " (مز45). ليت المتجمع يستطيع أن يعالج أمثال هؤلاء الذين يشعرون بفراغ في الشخصية بأن يوجد لهم ما يشغلهم ويستغل طاقاتهم المعطلة، إن كانت لهم طاقات يمكن الاستفادة بها. ويا ليت كل إنسان يكتشف طاقاته، ويحاول أن يستغلها للخير. والذي يشعر بفراغ شخصيته، عليه أن يملأها، بدلًا من محاولة تغطيتها بطرق خاطئة. وعلى كل إنسان أن يسأل نفسه كل يوم: ما هو الشيء المفيد الذي فعله في هذا اليوم؟ ويجاهد لكي يعمل عملًا، ليس من أجل أن يشعر بالامتلاء، إنما حبًا في الخير، وحبًا للناس. حينئذ سيمتلئ دون أن يسعي إلى ذلك. وليت كل إنسان يكون له هدف كبير يسعي إليه، ويبذل كل طاقاته لتحقيقه وكلما كان هذا الهدف روحيًا ونافعًا، فإن العمل لأجله ينفذ صاحبه من الشعور بالفراغ. وهكذا يكون الطموح علاجًا للشعور بالفراغ، على أن يكون طموحًا سليمًا، وبعيدًا عن الغرور والذاتية. ننتقل إلى نقطة أخري في موضوع الفراغ وهي الفراغ العاطفي |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الفراغ العاطفي وهذا الفراغ على نوعين: أحدهما حالة إنسان يشعر أن قلبًا كبيرًا ولا يجد من يملأ قلبه. يريد أن يوزع محبته، ولا يعرف أين؟ فيشعر بفراغ في قلبه من جهة الإعطاء. وهذه حالة سهلة في علاجها. فلو أمكن لهذا أن يوزع محبته في مجالات الخدمة، لشعر بالسعادة بلا شك: إن خدمة الأطفال تشبع القلب. وكذلك خدمة اليتامى، والمعوزين، والفقراء، والمعوقين، والمرضي، وكل من هو في حاجة، وحل مشاكل الناس.. ولكن حذار لأصحاب هذا الفراغ العاطفي من الانحراف! والنوع الثاني من الشاعرين بالفراغ العاطفي، هم الذين يشعرون أنهم في حاجة إلى من يحبهم ولا يجدونه. ومثال ذلك ابنه تعيش في بيت بعيد عن الحب: مع أب حازم جدًا وشديد في معاملته، كثير التوبيخ، كثير العقاب. وإلى جواره أم قاسيه لا تجد الابنة منها حنانًا على الإطلاق... ما أكثر ما تنحرف البنات اللائي لا يجدن حبًا وحنانًا من الوالدين والأسرة! ربما -وهي في هذه الحالة النفسية- تجد من يقدم لها هذا الحب بطريقة مخالفة أو بطريقة خاطئة، فتقبل ذلك، بل وتقبل عليه، لأنها في حاجة إلى قلب، أي قلب. ونحن إذ ننصح الآباء والأمهات بمحبة أبنائهم وبناتهم حماية لهم من الانحراف، إنما في نفس الوقت نحث الأبناء والبنات بالبحث عن الحب بطريقة سليمة طاهرة. ولابد سيجدون هذا في محبة الله وملكوته، وفي الصادقات البريئة الطاهرة. وأيضًا في محيط الخدمة. وكذلك في العطاء. فالذي يعطي حبًا وحنانًا مقدسًا لغيره، يأخذ في نفس الوقت من الحب والحنان أكثر مما يعطي. المهم أن القلب يمتلئ بالعاطفة، سواء معطيًا أم آخذًا. وحالة الإعطاء هي في نفس الوقت حالة أخذ. إن داود النبي وجد في صداقة يوناثان محبة أعجب من محبة الناس (2صم1: 26) ويوحنا الحبيب وجد في محبة الرب أعظم محبة في الوجود. والذين عاشوا في الرهبنة والبتولية، وجدوا في محبة الله ما أنساهم الكون كله وما فيه. وما أجمل قول الشيخ الروحاني: [محبة الله غربتني عن البشر والبشريات]. وبعد. أترانا قلنا كل ما يجب أن نقوله عن الفراغ؟ لا شك هناك أمور أخري باقية. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
النسيان.. ما الذي تنساه؟ قال أحد القديسين: كل خطية، يسبقها إما الشهوة أو الغفلة أو النسيان. وأريد اليوم أن أكلمكم عن النسيان باعتباره حربًا روحية يؤدي إلى السقوط. ففي وقت الخطية، نكون ناسين الله، وناسين الوصية، وناسين حياتنا الروحية كلها، بل أيضًا ناسين الموت والأبدية، وناسين أرواح الملائكة وأرواح القديسين التي تبصرنا ونحن في ذات الفعل!! ولو أن الإنسان تذكر كل هذا، ما كان يخطئ، أو على الأقل كان يؤجل، أو أنه كان يخجل أو يخاف، ويبتعد... في الواقع أن الإنسان في ساعة الخطية، لا يكون شيء من هذا كله في ذاكرته. يحذره الشيطان تحذيرًا كاملًا لكي ينسي. أو تخدره الشهوة أو الانفعال. ينسي أو تناسي، ولا يحب أن يذكره أحد بالله والوصية والأبدية، بل ينسي أيضًا الأيام المقدسة، إن كان ذلك في صوم أو في عيد.. وينسي المواضع المقدسة، وينسي إنه هيكل الله، وروح اله ساكن فيه، وينسي دم المسيح الذي سفك من أجله، وينسي وعوده وعهوده لله. وما هو الوعظ، سوي أن الواعظ يذكر الناس بكل هذا. حتى يبعدهم التذكر عن جو الخطية، خوفًا وخجلًا واستحياء، وسموًا بأنفسهم عن السقوط.. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الله يذكرنا و لا ينسانا ولأن الله يعرف أضرار النسيان، ويريد إنقاذنا، لذلك وضع أشياء عديدة، بها نصحو ونفيق. فما هي هذه الأمور، التي يعالج الله بها نسياننا...؟ كان الله قد وضع في داخلنا الضمير لكي يذكرنا بطريق البر. إنه يسمي الشريعة الطبيعية، التي بها كتب الله شريعته على قلوبنا. فيوسف الصديق مثلًا، حينما قال: "كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله!" (تك39: 9) لم تكن أمام يوسف وصية مكتوبة، وإنما كانت في داخله الشريعة غير المكتوبة، الشريعة الطبيعية التي تذكره بأن هذه خطية... ولما بدأ البشر ينسون الشريعة الطبيعية، أعطاهم الله على يد موسى النبي أول شريعة مكتوبة. وأمرنا الله أن نضع هذه الشريعة أمامنا في كل حين، حتى لا ننسي.. فقال: "لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قبلك. وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم. واربطها علامة على يدك. ولتكن عصائب بين عينيك. وأكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (تث6: 6 – 9). كل ذلك لكي لا ننسى الوصية وأمرنا أن نلهج بها نهارًا وليلًا. وهكذا قال داود النبي: "لو لم تكن شريعتك هي تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي" (مز119. وقل عن الرجل البار في المزمور الأول: "في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا فيكون كشجرة مغروسة على مجاري المياه" (مز1: 2، 3). وقال الرب ليشوع بن نون: " لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك. بل تلهج فيه نهارًا وليلًا، لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه" ( يش1: 8). ولما رأي الله أن أسفار الشريعة الخمسة قد كثرت على الناس، ساعدهم على تذكرها بأن لخصها لهم في سفر واحد هو سفر التثنية، أو تثنية الاشتراع. وسفر التثنية هذا، كان يأخذه كل ملك، تدون له نسخة لكي يقرأها باستمرار حتى لا ينسي ويخطئ. وهذه الوصايا كانت توزع للقراءة على الناس في الهيكل والمجامع على مدار السنة حتى لا ينسوها. ومازالت الوصايا موزعة علينا نسمعها في الكنائس في كل قداس وكل صلاة طقسية، حتى لا ننسي. ففي كل قداس نستمع إلى قراءات من الإنجيل ومن الرسائل ومن المزامير وفي الصوم الكبير وفي أسبوع البصخة تتلي علينا فصول من العهد القديم. وفي ليلة سبت النور (ابو غالمسيس) يقرأ سفر الرؤيا وكل تسابيح وصلوات الأنبياء. كل ذلك لكي لا ننسي. ولكي لا ينسى البشر أرسل الله لهم الأنبياء والرسل. بل أرسل لهم الروح القدس قائلًا: "يذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). ولنفس الغرض أرسل الله الرعاة والوعاظ والمعلمين وكل رتب الكهنوت، لكي يذكروا الناس بكلمة الله حتى لا ينسوها. وسماهم" خدام الكلمة" وقال القديس بولس الرسول عن ذلك: "كأن الله يعظ بنا" (2كو5: 20). وما أجمل قول مار أوغريس: كل فكر يحاربك، ضع أمامك وصية، حينئذ يضعف وتنتصر عليه. إنك بهذا تأخذ قوة من الوصية، وتأخذ معرفة واستنارة، فتميز فكر المحاربة وتطرده. وهذه القديس بولس الرسول يعزينا قائلًا: "كلمة الله حية وفعالة، وأمضي من كل سيف ذي حدين" (عب4: 12). ولكي لا ننسي أعطانا الرب وسيلة أخرى هي المواسم والأعياد. فمثلًا لكي لا ننسي صلبه من أجلنا، مع ما يقدمه هذا الصلب من مشاعر مقدسة... وضعت لنا الكنيسة أسبوع الآلام كتذكار سنوي. ووضعت لنا صوم الأربعاء والجمعة كتذكار أسبوعي لنا صلاة الساعة السادسة من النهار كتذكار يومي. كل ذلك حتى لا ننسي الدم الطاهر الذي سفك لأجلنا، فنستحي من الخطية. ولذلك فإن الذي لا يصوم، يمكن أن ينسي. أو الذي يصوم بغير فهم ولا عمق، يمكن أن ينسي. والذي لا يصلي صلوات الساعات، يمكن أن ينسي. وهكذا ما أسهل أن يسقط من لا يمارس هذه الوسائط الروحية. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكنيسة تذكرنا كل احتفالات الكنيسة بالمواسم والأعياد، تذكرنا بحقائق إيمانية نافعة لنا، وتهبنا مشاعر روحية تمنعنا من الخطية. ونفس الوضع بالنسبة إلى الأصوام، وكذلك كل طقوس الكنيسة وصلواتها، وكل ما فيها من أنوار وأيقونات وبخور. ولهذا كانت الأصوام أيامًا روحية تمنع عنا حروبًا كثيرة. وعلى الأقل تذكرنا بأن الروح يجب أن تنتصر على رغبات الجسد، ليس في الأكل فقط، بل في كل شيء. والأيقونات تذكرنا بحياة القديسين، وسيرتهم العطرة، لنأخذها مثالًا. والأنوار تذكرنا بأننا نور العالم (مت5: 14). والشموع تذكرنا بأن نبذل أنفسنا لتنير للآخرين. بل الأنوار تذكرنا أيضًا بالملائكة. وبأن الكنيسة كالسماء، وبأننا نضئ كالكواكب في السماء، وتذكرنا الأنوار بكلمة الرب التي هي مضيئة تنير العينين (مز19) والتي قال عنها داود النبي: "مصباح لرجلي كلامك، ونور لسبيلي" (مز119: 105). وصلاة القداس نفسها، تذكرنا بحياة الرب كلها وبموته عنا وبمجيئه الثاني ليدين العالم... وتذكرنا بأن ننتظره إلى أن يجئ. بل تذكرنا أيضًا بالاستعداد الروحي اللازم لنا لكي نتناول من تلك السرائر الإلهية التي تهبنا الحياة.. |
الساعة الآن 01:28 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025