منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=245822)

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 04:58 PM

كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
كتاب الإنسان الروحي
البابا شنوده الثالث
مقدمة الكتاب

محاضرات كثيرة متفرقة، ألقيناها في الكاتدرائية الكبرى، وفي القاعة المرقسية بدير الأنبا رويس، وفي الإسكندرية... ولكنها بقيت كذلك متفرقة ومتنوعة، لا يجمعها موضوع واحد.
ثم انتقينا من تلك من تلك المحاضرات العديدة حوالي العشرين ليتألف منها هذا الكتاب، تحت عنوان [الإنسان الروحي].
وربما موضوع (الإنسان الروحي) قد يشمل الحياة كلها. فيشمل كل ما نلقيه من محاضرات روحية. ولكننا أردنا في هذا الكتاب أن نحدثك عن أساسيات تضم في داخلها تفاصيل كثيرة..
وكل بند من هذه التفاصيل، وقد يحتاج إلى كتاب خاص.
وهناك موضوعات أخرى تتعلق بالإنسان الروحي أصدرنا لك بها كتبا من قبل، مثل حياة الإيمان وحياة الشكر، والرجاء، والوجود مع الله، وحياة التوبة والنقاوة، واليقظة الروحية، والسهر الروحي، الغيرة المقدسة.. الخ.. وسوف ننشرها هنا تباعًا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
وموضوعات أخرى في صفات الإنسان الروحي، سأحاول أن أصدر عنها كتبا في هذا العام إن شاء الله مثل المحبة، وثمار الروح، ومخافة الله، والتواضع، والوداعة..

وكذلك [الوسائط الروحية] التي ينبغى أن يسلك فيها كل إنسان روحى..
وموضوعات أخرى قد تصدر في جزء الثانى لهذا الكتاب.
لكننى أردت في هذا الكتاب أن أتحدث عن الأساسيات، أو بوجه أصح: عن بعض الأساسيات، تاركا ما سبق أن نشرنا عنه من قبل..
والكتاب الذي بين يديك هو ثمرة محاضرات، ألقينا بعضها في الستينات، والبعض في والثمانينات.
وقد شاء الله لها أن تجتمع معا من عبر السنين. ونشرناها قبلا، في مقالات أسبوعية متتابعة في جريدة (وطني). ثم جمعناها في هذا الكتاب.
وهى تنشر هنا بأسلوب مختصر. وربما بعض هذه الموضوعات نعيد نشرها في كتاب خاص، أو في كتيب صغير أتركك الآن أيها القارئ العزيز بين صفحات هذا.
وأود في قراءتك لكل موضوع، أن تحفظ بعضا من الآيات الكتابية المذكورة فيه، لكي تشكل مبادئ روحية ترسخ في نفسك.
وهذه الآيات تذكرك بالمعلومات الخاصة بها، وتمثل مبادئ روحية تسير بمقتضاها في حياتك.. وستجد آيات كثيرة جدا في كل موضوع. اختر منها ما يتحرك به قلبك، وما يسهل عليك حفظه. وخذه مجالا للتأمل..
وإلى اللقاء في الجزء الثانى، إن أحبت نعمة الرب.
وأرجو أن تصلى لكي يعطينى الرب وقتا.
كن بخير، معافى في الرب..
البابا شنوده الثالث

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:03 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي هو صورة الله

لعل هذا السؤال يوجه إلى إنسان: من أنت؟ وما هو الإنسان
ويجيب البعض: الإنسان جسد وروح ونفس.
ويجيب آخر: إن إنسان كائن حي عاقل ناطق حر مريد. ويقول البعض بشعور من الاتضاع إن الإنسان تراب ورماد، كما قال عن نفسه أبو الآباء ابراهيم (تك 18: 27).
كل هذا يقال عن أي إنسان. فما هي أدق إجابة نقول في تعريف الإنسان الروحي حسب الكتاب:
هو صورة الله:-

فهكذا قال الرب الإله في قصة خلق الإنسان: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه" (تك 1: 26، 27).
ولعل الإنسان في صورته، هو ما كان يبحث عنه ديوجين الفيلسوف، أو هو ما يقصده المفكرون بعبارة "سوبرمان" Super Man.
وطبعا ليس المقصود بالصورة الإلهية، أن الإنسان يشابه الله في صفاته الإلهية، مثل الأزلية، وعدم المحدودية، والقدرة على الخلق!! حاشا أن يكون هذا! إنما المقصود هو الصفات النسبية مثل:
خلق الإنسان على صورة الله في الطهارة والبر.
الإنسان الروحي قبل السقوط كان بريئا بسيطًا، لا يعرف الخطية على الإطلاق أعنى أبوينا آدم وحواء قبل السقوط، حينما كانا عريانين ولا يخجلان (تك 2: 25). لم يكونا قد أكلا بعد من شجرة معرفة الخير والشر. لذلك ما كانا يعرفان الشر. كانا كالأطفال الأبرياء الذين أحبهم المسيح، وقال "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 18: 3).
الحية خدعت أمنا حواء وكذبت عليها. وأمنا حواء لم تشك في كلام لأنها لم تكن تعرف شيئا اسمه الكذب أو الخداع أو الشك. هذه ألفاظ لم تكن موجودة في قاموسها الفكري في ذلك الوقت.
الإنسان خلق على صورة الله في القداسة:
حقا ما أجمل تلك الأوقات التي كان فيها آدم وحواء قديسين قبل السقوط. ولكن الذي حدث هو أنه بالخطية هو أنه بالخطية فقد الإنسان قداسته، وبالتالى فقد صورته الإلهية.
وأصبح الإنسان أسير ثنائية عجيبة تلازمه، هي الخير والشر، الحلال والحرام، وما يتبع ذلك من الحياة والموت. وهكذا قال له الله "هوذا قد جعلت اليوم أمامك: الحياة والخير، والموت والشر.. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا" (تث 30: 15، 19).
وإذ فقد الإنسان صورته الإلهية بفقدان القداسة، فقد النقاوة والبساطة، بل فقد معرفة هذه الصورة الإلهية أيضًا...

وجاء السيد المسيح "صورة الله غير المنظور (كو1: 15)، فأعاد إلينا بتجسده صورة الله حتى نحاكيها..
فكيف يصل الإنسان الروحي إلى هذه الصورة؟
يقول القديس يوحنا الحبيب ينبغى "أنه كما سلك ذاك، هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو2: 6). وبهذا اختار الله قديسيه "ليكونوا مشابهين صورة ابنه" (رو 8: 29). وإذا سلك البشر هكذا على الأرض، فإن سيدنا المسيح في القيامة العامة سيغير جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى 3: 21).
ومن جهة الرجوع إلى صورة الله في القداسة، يقول السيد الرب "تكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لا 11: 45). وكرر الرب هذا العبارة في (لا 20: 26). واقتبسها القديس بطرس الرسول حينما قال:
"نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة.." (1بط 1: 15)
وأضاف "كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (ابط 1: 16) أي أرجعوا إلى صورتكم الإلهية.. وبهذه القداسة نستحق التناول من الأسرار الإلهية.. وهكذا يقال "القدسات للقديسين" ونسمى القداس الذي يتناول فيه الشعب "قداس القديسين".. بالقداسة يستعد المؤمنون للتناول. أيضًا يتقدسون. وما أجمل العبارة التي قالها صموئيل النبي لبيت يسى يوم اختياره داود ملكا. قال "تقدسوا وتعالوا معي إلى الذبيحة"، "1صم 16: 4). وهنا نسال:
كيف يدعى الإنسان الروحي قديسا؟
*إنه قديس، لأنه خلق على صورة الله ومثاله.
*وهو قديس، لأنه هيكل للروح القدس، وروح الله ساكن فيه (1كو3: 16). ولا يمكن أن يسكن روح الله في الهيكل نجس، إذ يقول المرتل في المزمور "ببيتك تليق القداسة يا رب" (مز 93: 5)
* والمفروض في الإنسان الروحي أن يكون قديسا كابن لله. والكتاب يقول "المولود من الله لا يخطئ.. والشرير لا يمسه" (1يو 5: 18).. "ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله" (1يو 3: 9).
* والإنسان الروحي قديس بفعل الأسرار الإلهية.
العاملة فيه. قديس بسر المعمودية الذي صلب فيه الإنسان العتيق (رو 6: 6). وغسل من خطاياه (أع 22: 16). بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تى 3: 5). وهو قديس بسر التوبة الذي تغفر فيه خطاياه، وبسر الأفخارستيا الذي به يثبت في المسيح، ويثبت المسيح فيه (يو 6: 56).
*وهو قديس، لأنه عضو في جسد المسيح (1كو6: 15) وجسد المسيح مقدس هو. فما دام عضوا فيه، لابد أن يكون قديسًا. لأنه أية شركة للنور مع الظلمة؟! وأية خلطة للبر مع الإثم؟! (2كو6: 14).
وهكذا كان المؤمنون يدعون قديسين في الكنيسة في أيام الرسل. وقد تكررت عبارة "المدعوين قديسين" في رسائل القديس بولس، كما في (رو 1:7) (1كو1:2) (أف 1:4) (كو 1:22) ويقول في رسالته إلى فيلبى: "سلموا على كل قديس في المسيح يسوع" (فى 4: 21).
خلق الإنسان ايضا على صورة الله في الكمال..
والمقصود طبعًا الكمال النسبى، نسبة لما يستطيع الإنسان الروحي في جهاده أن يصل إليه، حسب إمكانية ومقدار عمل النعمة فيه. أما الكمال المطلق فهو لله وحده. وهكذا قيل عن أيوب الصديق أنه "رجل كامل ومستقيم" (أى 1: 8) وقيل "كان نوح رجلا بارا كاملا" (تك 6: 9). وقال الله لأبينا ابراهيم "سر أمامى وكن كاملًا"، "تك 17: 1). وقال الرب في العظة على الجبل "كونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48).
والسيد المسيح كان كاملًا في كل مرحلة من مراحل السن، أثناء تجسده على الأرض. وهكذا أظهر لنا كيف نكون في الصور الإلهية في كل فترة من فترات السن: في الطفولة والصبوة والشباب والرجولة. علينا إذن أن نسعى باستمرار نحو الكمال، لكي نكون صورة اللهو نحقق وصيته لنا..
ونقول كذلك أنه لما خلق الله الإنسان على صورته، لم يخلقه على صورته فقط في القداسة والبر والكمال، وإنما:
خلق الله الإنسان على صورته في السلطة:
وهكذا قال الرب "اثمروا وأكثروا، واملأوا الأرض واخضوعها. وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك1: 28)،نفس هذه البركة منحها الله لأبينا نوح وأولاده بعد رسو الفلك، وقال في ذلك "ولتكن خشيتكم ورهبتكم على على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء.. وكل اسماك البحر" (تك 9: 2). هكذا كان نوح الفلك، مع كل الكائنات.
حينما كان الإنسان صورة الله، كان ملك وسيد الخليقة وكاهنها.
ولما فقد الصورة الإلهية، بدأت الخليقة تتمرد عليه.. الحية تسحق عقبه (تك 3: 15) وإن عمل في الأرض، لا تعود تعطيه قوتها" (تك 4: 12). وبدأ الإنسان يصيد الحيوان والحيوان يفترس الإنسان الذي فقد احترامه، إذ فقد صورته الإلهية..
أيضًا خلق الله الإنسان على صورته في القوة:
فالإنسان الروحي هو إنسان قوى، لا أقصد القوة الشمشونية الجسدية، إنما أقصد قوة الشخصية: قوة الروح، والفكر والإرادة، قوة الاحتمال، القوة في حروب الشياطين وفي الجهاد الروحي. قوة المعنويات: فالإنسان الروحي لا يهتز ولا يخاف ولا يتردد ولا تسيطر عليه أفكار اليأس ولا الفشل.
والذي على صورة الله، ولا يمكن أن يخاف.
وفى هذا قال داود النبى "إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى. وإن قام على قتال، ففى ذلك أنه مطمئن (مز 27: 3). إن الخائف ليس هو صورة الله. لذلك فالخائفون لا يدخلون المكوت (رؤ 21: 8). آدم بعدما أخطأ خاف (تك 3: 10) وقايين بعدما أخطأ أدركه الرعب" (تك 4: 14). لأن كليهما فقدا الصورة الإلهية.
إن القديسين والإنبياء قد أعطوا صورة عميقة لعدم الخوف.
القديس الأنبا أنطونيوس سكن أولا في مقبرة، ولم يخف من حروب الشياطين. ولم يخف حينما كانوا يظهرون له على هيئه وحوش تصيح بأصوات مرعبة وتهجم عليه. والشهداء لم يخافوا من كل تهديدات الحكام وتعذيباتهم. ودانيال النبي لم يخف من جب الأسود، ولا الثلاثة فتية من أتون النار.
والذي على صورة الله يكون دائما ناجحا
ولذلك فالإنسان الفاشل، أو الساقط أو الراسب، ليس هو على صورة الله، فالذى على صورة الله، يكون "كالشجرة المغروسة على مجارى المياه، تعطى ثمرها في حينه. وكل ما يفعله ينجح فيه "وهكذا قيل عن الرب مع يوسف. فكان رجلا ناجحا" (تك 39:2).
والذي على صورة الله يكون متواضعا:
حقا إن الله هو المتواضع الوحيد بالمفهوم الدقيق الذي للكلمة، لأنه وهو العالى في سمو علاه، يتنازل إلى مستوانا، ويتعامل معنا، ويتخاطب معنا ويسمع صلواتنا لكن الإنسان أيضًا يمكن أن يكون متواضعا حسب مستواه. على الأقل يعرف ذاته أنه تراب ورماد، ولا يقبل لنفسه أفكار وتصرفات الكبرياء والتعاظم والمجد الباطل، والإنسان المتواضع تخافه الشياطين، لأنها ترى فيه صورة الله المتواضع الذي هزمها وحطمها، حينما أخلى ذاته (فى 2: 6) أما الإنسان المتكبر فهو فاقد الصورة الإلهية.
الإنسان الروحي على صورة الله في صفات كثيرة.
فمن صفات الله المحبة. والذي يكون على صورة الله، ينبغى أن يكون محبا مثله و"من يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه" (1يو 4: 16). إنه وديع ومتواضع. وهو يطلب منا أن نتعلم ذلك منه (متى 11: 29). وبالمثل في باقي الفضائل.. الله هو نور العالم (يو 8: 12). بل هو النور الحقيقي. (يو 1: 9). وقد دعانا أيضًا أن نكون نورا للعالم" (متى 5: 14)، على اعتبار أننا صورته ومثاله.
وقال الرب "أنا هو الراعى الصالح" (يو10:11). وفي نفس الوقت دعا البعض أن يكونوا رعاة (أف 4: 11). ومع أنه هو المعلم، وكان يدعى هكذا، إلا أنه أيضًا دعا البعض أن يكونوا معلمين (أف 4:11) (مت 28: 19، 20).
وقال البعض أن الله خلق الإنسان على صورته في تجسده: كان يعرف طبعا الصورة التي سيتخذها حينما سينزل لخلاصنا، فخلقنا بهذه الصورة بهذه الصورة التي تجسد بها. وخلقنا على شبهه ومثاله..
الله يريدنا أن نكون مثله، صورته، حتى في العمل. نسير في طريقه، تكون لنا نفس مشيئته وارادته، "كما في السماء كذلك على الأرض" (لو 11:2)0 نتكلم كما لو كان الله هو المتكلم على افواهنا. ننطق بكلامة هو "لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم هو الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20). وفي تصرفاتنا "كما سلك ذاك، نسلك نحن أيضا" (1يو 2: 6). ونعمل عمله. وفي كل ما نعمله، نسأل أنفسنا أولا: لو كان السيد المسيح في مكاننا، لكان يعمل هذا.. وفي كل حياتنا، كل من يرانا يقول: حقا هؤلاء أولاد الله، هم يشبهون أباهم، كأبناء حقيقيين له..
إن رسالة أولاد الله هي أن يحملوا صورة الله في أشخاصهم إلى العالم. كل من يراهم يعرف الله ويحبه، لأنه أحب صورته.
كل من يراهم في محبتهم وهدوئهم وشخصياتهم المتكاملة وأمثلتهم الحية، يمجد أباهم الذي في السموات. السيد المسيح صعد إلى السماء.. ولكنه ترك صورته في تلاميذه، يحملها جيل إلى جيل، مع تعاليمه.
ولعل البعض يسأل: كيف يكون الإنسان على صورة الله، بينما الله وحده غير محدود؟! فهل الإنسان على صورته في هذا أيضًا؟!
والاجابة هي أن الإنسان محدود بلا شك. ولا يمكن أن يكون مثل الله غير محدود. ومع ذلك فإن الله الذي خلقه على صورته، وضع في داخله الاشتياق إلى كل ما هو غير محدود. ومن هنا كان الطموح عند الإنسان، والنمو أيضًا وعدم الاكتفاء. فهو باستمرار ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام، يسعى نحو الغرض، يسعى لعله يدرك (فى 3: 12 – 14)..
وطبعا الإنسان الذي على صورة الله، يكون له الطموح الروحي والنمو الروحي، وليس الطموح في الماديات والعالميات.
والسؤال الثانى: كيف يكون الإنسان على صورة الله والله خالق؟!
طبعا الله هو الوحيد الخالق. ولكن أيضًا وهب الإنسان موهبة الابداع والفكر الخلاق، الذي يقدم باستمرار شيئا جديدا لم يكن موجودا من قبل.. ولكن الفرق هو أن الله يخلق من العدم. أما ألإنسان فيستخدم ما خلقه الله ليكون منه شيئا جديدا.
أستطيع أيضًا أن أقول أننا صورة الله في التثليث والتوحيد.
الإنسان ذات لها عقل وروح، والذات والعقل والروح كيان واحد. وهو في ذلك صورة الله، الذي هو ذات وعقل وروح، هؤلاء الثلاثة هم واحد، كائن واحد.
أخيرا أقول أننا مادمنا صورة الله، ينبغى أن نحتفظ بهذه الصورة، ونجاهد ألا نكون صورة للعالم.
إننى أعجب من الذين يريدون أن يقلدوا أهل العالم في كل شيء، حتى يقال عنهم إنهم عصريون، وليسوا متخلفين. وينبغى أن نكون حكماء هذا الأمر، لأن القديس بولس الرسول يقول:
"لا تشاكوا أهل هذا الدهر.." (رو 12:2)
أى لا تصيروا شكله، لأن شكلكم أسمى من العالم بكثيرة، أنتم بكثير، أنتم صورة الله. وفي هذا يقول القديس يوحنا الرسول "بهذا أولاد الله ظاهرون" (1يو 3: 10). إذن لا يليق بالإنسان الروحي أن يقلد أهل العالم، بل يكون قدوة لهم، نورا للعالم يرون فيه صورة الله ويحبون صورته
الإنسان الروحي يقارن نفسه بالصورة الإلهية، يسأل ذاته باستمرار: أين أنا الآن؟ وإلى أين وصلت. وفي الأبدية السعيدة توجد صورة واحدة، وهى الله ومن هم على صورته. أما الذين ليسوا على صورته، فيطرحون في الظلمة الخارجية.
إنكم يا اخوتى، لم تخلقوا لتكونوا مجرد تراب ورماد. فقد خلقكم الله ليعطيكم مجده ليكون جمالكم كاملا ببهائه الذي جعله عليكم" (خر 16: 14)
و القديس بولس الرسول، إذ أراد أن يوضح هذه الصورة، قال في عبارة تحتاج هي الأخرى إلى توضيح "لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). فما معنى عبارة "لبستم المسيح"؟
اترانى أقف أمامها مفسرا، أم اقف في دهش وذهول؟ أمام صورة الله..

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:06 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي يجعل الله الأول في كل اهتماماته

الشواهد: (أش 44: 6، رؤ 1: 8، 17، رؤ 21: 6، رؤ 22: 13)
إن الله هو الأول دائما. وهو أيضًا قال عن نفسه "أنا هو الأول والآخر" (أش 22: 13).
وكما كان الله الأول، اهتم بأوائل الأشياء، وطلبها وبذلك وضع لنا وصية البكور، في تقديمها ومباركتها..
فقال "قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم، إنه لى" (خر 13: 2). وطلب البكور أيضًا في البهائم والأغنام (خر 13: 12، 15). وأيضًا أبكار الغلات، والثمار (خر 33: 16). وكان يقدم لله أول حزمة من الحصيد (لا 23: 10). وكانت قطاف باكورة الثمار، أول سنة تعطى للرب بل حتى باكورات الجز أيضًا (حز 20: 40) حينما يجزون صوف الغنم وكذلك أوائل كل الباكورات.
ولم يطلب الله الأبكار فقط، وإنما باركهم أيضًا..
كل شيء له هو مبارك، بل هو مقدس. لذلك قال "قدس لي كل بكر". وكان الله يبارك البكر، له البركة، وله البكورية، وله نصيب أتنين من اخوته. وله رئاسة العائلة بعد أبيه، وله الكهنوت أيضًا "قبل نظام الكهنوت الهارونى".
كان شعور كل إنسان يقدم البكور، أن الله في الأول..
خيرات أرضه، ونتاج غنمة وبهائمة، بل أول ثمر البطن، كله لله، وليس له وكان يفرح بأن يكون الله أول من يأخذ.
وهكذا إذا نظرنا إلى أول وصية، نجدها للرب..
بل ليست الوصية الأولى فقط، بل الوصايا الأربع الأول، كل وصايا اللوح الأول، كانت خاصة بالرب. أما وصايا اللوح الثانى فهى خاصة بالعلاقات البشرية، لأن الله أولا.
كذلك المحبة موجهة لله أولا ثم للناس فيما بعد..
الوصية الأولى والأهم هي هذه "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هذه هي الوصية الأولى" (مر 12: 28 – 30) والثانية هي "تحب قريبك كنفسك "فالله أولا..
ولأن المحبة هي لله أولا، لذلك قال الرب "من أحب ابا أو أما أكثر منى، فلا يستحقنى. ومن أحب إبنا أو ابنه أكثر منى، فلا يستحقنى" (مت 10: 37).
حتى النفس لا تكون أولا، بل الله..
وهكذا قال أنه من أجل ينبغى أن تنكر ذاتك وتتبعه. بل قال أكثر من هذا "من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (متى 10: 39)
الإنسان الروحي يجعل الله باستمرار هو الأول في حياته وفي إهتماماته:
ولا يسمح لأية اهتمامات أن تعوقه عن محبة الله، أو أن تحظى بالأولوية في حياته.
قال السيد المسيح لمرثا "أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد" (1كو 10: 41). أما مريم فقد اختارت النصيب الصالح، اهتمت به.
وأنت يا أخى بماذا تهتم؟ ما هي الأولويات في حياتك؟ حسب أولوياتك، يكون حماسك ويكون عملك، وتكون ارادتك.
إن الناس يختلفون في اهتمامهم، كما اختلفت مريم ومرثا. كان اهتمام مريم بمجبته، والجلوس عند قدمية والاستماع اليه.
وصارت احداهما للخدمة، والأخرى مثالا للتأمل.
وقليلون مثل القديس بولس الرسول من جمعوا بين الأمرين الرعاة اهتموا بالخدمة، والرهبان بحياة التأمل وحسب اهتمام كل واحد، هكذا انت حياته..
فهل الله هو الأول في حياتك ؟
ولكى نفهم هذا السؤال نضع أمامنا قصة أبينا ابراهيم، الذي منحه الله إبنا في شيخوخته. فلما فرح به قال له "خذ ابنك، وحيدك، الذي تحبه، إسحق، وقدمه لي محرقة.."
فماذا فعل أبونا إبراهيم؟ لم يفكر اطلاقا، بل جعل الله اولا، ومشاعره هو كأب لإسحق أخيرًا، وكذلك مشاعر سارة أو الصبى. الله هو الأول، نحبه ونطيعه. ثم اسحق يأتى في محبته بعد ذلك، لا يتقدم الله إطلاقا. الله يرديه محرقة، فليكن أمر الله نافذا.. وننفذه بسرعة ورضى.
قصة أخرى هي قصة حنّة أم صموئيل، التي رزقت به بعد عمقها سنوات، وبعد صلوات وبكاء. ولكنها جعلت الله اولا. وقدمت هذا الطفل صموئيل لخدمة الرب في الهيكل.
إنه درس لكل أم. تبخل على الله بتقديم ابنها لخدمته.
سواء طلبه الله للرهبنة أو طلبه للكهنوت.. الله أولا، ومشاعر الأمومة ثانيا أو ثالثا بل الواجب أن تقدم هذا الابن بفرح. وهذا أيضًا درس لكل زوجة، يطلب زوجها للكهنوت.
لا يصح أن يقول: ستشغله الخدمة عنى وعن البيت!! بل يجب أن تقدمة للرب، وتقول: الله أولًا.
الإنسان الروحي يجعل الله أولا في الطاعة..
ويقول مع الرسول "ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). وصايا الله أولا، وبعد ذلك كل ما يطلبه الناس، وبعدئذ كل رغباتنا وطلباتنا الخاصة وكل طاعة للناس يجعلها الإنسان الروحي في نطاق طاعته لله. أما إن تعارضت معها فينبغي أن يطاع الله أولا.
وإذ يجعل الله أولا، يضع ذاته أخيرا، ولا ينظر إلى ذاته مطلقا..
انظروا إلى قصة يوحنا المعمدان، الذي لما ظهر المسيح، تخلى يوحنا عن كل خدمته، وعن كرازته، وعن تلاميذه أيضًا، وسلم العروس للعريس، ووقف من بعيد يفرح كصديق للعريس، قائلا: ينبغى أن هذا يزيد وأنا أنقص" (يو 3: 30)
إن السيد المسيح كان كل اهتمامه بالآخرين وبملكوت الله:
كان "يجول يصنع خيرًا" (أع 10: 38) "يكرز ببشارة الملكوت، ويشفى كل مرض وضعف في الشعب (مت 4: 23). يتحنن على الكل، ويشبع كل حى من رضاه.. يبشر المساكين، يعصب منكسري القلوب، ينادى للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (اش 61: 1).
وفى نفس الوقت لم يعتم بذاته، ولم يكن له أين يسند رأسه (لو 9: 58)
لم يهتم المسيح بكرامته لما أغلقت أحدى قرى السامرة أبوابها في وجهة، ووبخ تلميذيه اللذين طلبا أن تنزل نار من السماء لتهلكها. وقال لهما "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص" (لو 9: 51: 56).
وحتى على الصليب كان كل اهتمامه بخلاص البشر وبالمغفرة حتى لصالبيه، وبالفردوس حتى للص. كما اهتم بأمه القديسة العذراء وبتلميذه القديس يوحنا. وأنت ما هو اهتمامك الأول؟ أهو ذاتك؟!
الإنسان الروحي يخرج من دائرة الذات، لكي يهتم بالآخرين، ويهتم بهم بأسلوب روحي..
اهتماما من عمق القلب، تصل فيه خدمته إلى مستويات عالية من العطاء والبذل، إلى حد بذل النفس أيضًا، وبذل راحته من أجل راحة غيره.
أحيانا يكون كل اهتمام الإنسان أن يصل إلى غرض ما.
وربما لا يكون غرضا روحيا، وإنما هو لإثبات الذات ووجودها، أو "لارتفاعها" بطريقة ما..
وفى سبيل هذا الوصول، لا يهتم بالوسيلة ماذا تكون: روحية أو غير روحية.. لا يهمه أن تكون حيلا بشرية أو عالمية، أو طرقا خاطئة.. تركيز الاهتمام كله في الوصول إلى الغرض، حتى لو ضيع هذا الإنسان نفسه.. مثلما فعل آخاب الملك في الحصول على حقل نابوت اليزرعيلي، وما فعلته الملكة ايزابل في سبيل أن يصل زوجها إلى عرضه، ولو بالجريمة، والاتهام الباطل لنابوت، شهود الزور.. حتى نال كلاهما عقوبة من الله تناسب ذنوبهما (1مل 21).
وبالمثل ما فعلته رفقة لكي ينال ابنها بركة أبيه. ومع أن الغرض هنا كان روحيا، إلا أن التركيز عليه افقدهما الوسيلة الصالحة. فاستخدما أسلوب الخداع" (تك 27).
وبالمثل قد يهتم خادم آخر أن يملأ عقول سامعيه بالمعلومات، دون أن يضع اهتمامه في حياتهم الروحية كيف ينمون.. كل اهتمامه في المعلومات لا في الروحيات!
أو أب كل اهتمامه أن يلقن أولاده كلاما من الكتاب يحفظونه. ولا يهتم بالتداريب الروحية التي تعمق صلتهم بالله. والكتاب يقول "افعلوا هذه ولا تتركوا تلك" (إنجيل متى 23: 23؛ إنجيل لوقا 11: 42).
إنسان آخر في الخدمة، يهتم كيف تمتلئ الكنيسة بالناس هذا هو كل هدفه، ولا بهتم بأن يصل هؤلاء الناس إلى الله. وربما يلجأ إلى وسائل عالمية!!
مثلما تلجأ بعض الطوائف إلى منح المعونات المالية والاجتماعية لجذب بعض المحتاجين إليهم، ويخرجونهم بذلك من كنائسهم!! الاهتمام كله ليس في الملكوت إنما في أن يزيد عددهم ولو على حساب كنائس أخرى.
ولعلنا بعد كل هذا، نسأل بأى شيء يجب أن تهتم؟ إن ربنا يسوع المسيح يقول في العظة على الجبل: "اطلبوا أولا ملكوت الله وبره" (مت 6: 33).
هناك مشكلة نجدها في انفاقات ومشروعات بعض الكنائس..
غالبية المال قد تنفقه على البناء والتعمير، أو على تجميل الكنيسة وتزيينها بالديكور وبالأيقونات وبالنجف الغالى،ولا يعطى مجلس الكنيسة ولا كهنتها نفس الاهتمام لخدمة الفقراء والحالات المحتاجه من أجل الأحياء المجاورة المحتاجة إلى رعاية روحية، ولا حتى الاهتمام بالخدمة الروحية في نفس الكنيسة.. للأسف كل الإهتمام مركز في البناء والديكور..
نفس الوضع في عناية الأسرة بالطفل..
يقول الأب والأم ان إهتمامها الأول هو تربية أطفالهما ورعاية متقبلهم. وحسنا يقولون. ولكن أي أنوع من التربية يهتمون به؟ إنهم يهتمون بصحة أولادهم، وأكلهم وشربهم ولبسهم، وأيضًا تعليمهم واعدادهم لوظيفة لأئقة. ثم بعد ذلك بتزويجهم.. ويقول الأب بعد ذلك، ويقول الأم كذلك: "أشكرك يا رب، إنى أديت رسالتى نحو أبنائى. الآن ضميرى استراح من جهتهم".
ومع ذلك لا يضعون اهتمامهم الأول بتربيتهم الروحية وبمصيرهم الأبدى..!!
لا يعطونها الغذاء الروحي اليومى، مثلما يعطونها غذاءهم الجسدى. وإن سألتهم عن واجبهم في ذلك، ربما يجيبون "إننا أرسلناهم إلى مدارس الأحد".. دون متابعة لما أخذوه أو حفظوه من دروس، ودون اضافة شيء خلال الأسبوع. كأب الأب غير مسئول عن معلومات ابنه الدينية، وعن تربيته روحيا!! وكأن الأم غير مسئولة، وهى التي استلمت ابنها من المعمودية كاشبينة له تتعهده بالعناية الروحية، وبالتعليم الدينى، وبالتدريب على الفضائل..
وفى الخدمة الاجتماعية، قد نجد نفس الظاهرة.
اهتمامنا الأول أو الوحيد هو في العناية بالفقراء ماديا، سواء في المساعدات المادية، أو مشاكل التعطل أو المرض أو الإسكان.. وما إلى ذلك. ويندر أن يعطى اهتمام حقيقى بروحيات هؤلاء المحتاجين.. وإن عقد لهم اجتماع روحي، قد يكون شكليا.. لا اهتمام فيه يربط هؤلاء الناس بالله، وبالاطمئنان على حياتهم الروحية، وعلى تناولهم واعترافاتهم وتوبتهم..
نفس الوضع نقوله بالنسبة إلى الصلاة في مجال الخدمة، وفي حياة كثير من الخدام.. إنهم يهتمون بتحضير الدرس، أكثر من اهتمامهم بتحضير أنفسهم روحيا.. يهتمون بمواعيد الخدمة، واجتماعاتها، والصور والهدايا، والمكتبة والنادي، وبالافتقاد وبالأنشطة.. ونادرا ما يهتمون على نفس القياس بصلواتهم! فلا نجد اجتماعات الصلاة، مثل اجتماعات الشبان والشابات
النشاط يأخذ الاهتمام الأول، وليس الصلاة.
ولو دخلنا في التفاصيل، لوجدنا أيضًا العمل الروحي لا يأخذ الاهتمام الأول.. فالنادي مثلا: قد نهتم بمكانه وترتيبه، وما توجد فيه من ألعاب ومن أنشطة رياضية وتسليات. وقد نهتم بتنظيم الكارنيهات والمواعيد، والمسابقات، وفرق التمثيل والكورال.. وفي كل ذلك قد لا يوجد الإشراف الروحي الكامل. ونجد النوادي في ضوضائها وفي اخطائها، ولا تعطى الصورة الروحية المرجوة، وربما لا تختلف عن النوادي العادية لعدم وجود المشرف الروحي..
لماذا؟ الجواب الصريح.. لأننا لم نضع الله في قمة اهتمامنا.
وأنت مثلا حينما تستيقظ كل يوم، بماذا يكون اهتمامك؟ هل تهتم بحياتك اليومية، تغسل وجهك، تفطر، تعد ملابسك، تستعد للذهاب إلى عملك؟ أم اهتمامك الأول كيف نبدأ اليوم مع الرب، بالصلاة والقراءة التأمل.. ؟ حسب اهتمامك سيكون تصرفك..
البعض يعتذر أحيانًا ويقول: لم يكن لدى وقت للصلاة..! وأنا دائما أرفض هذا العذر، ولا اعتبره السبب الحقيقي، وأقول:
لو وضعت الصلاة والتأمل في قمة اهتماماتك، لأمكنك أن تجد لهما وقتا.. لذلك اجعل الله له الأولوية. في كل شيء..
في الراحة مثلا: لا تفضل راحتك الجسدية، على عملك الروحي مع الله، سواء في الصلاة أو الخدمة. لا تستسلم للنوم أو للاسترخاء، وإنما ينبغي أن تضحى براحتك من أجل الرب.
كذلك في الصوم، لا تقل "صحتى" لا تقل: احتياجى إلى البروتينات، والأحماض الأمينية الرئيسية، إنما قل: الله اولا. هكذا ليكن الله اولا، في موضوع العطاء والعشور..
لا تهتم بكل انفاقاتك الأخرى، وتضع الله في آخر القائمة، إن بقى له شيء، كان بها. وإن لم يبق شيء، تعتذر للرب، أو نؤجل حقوقه. ذلك لأن اله ليس هو الأول
كذلك، ليكن الله في أول كل عمل، وكل يوم.
أول شخص تكلمه في كل يوم، هو الله. وكل عمل تعمله، تضع فيه الله أولا تصلى في دخولك، وفي خروجك، وفي أكلك وشربك، وفي عملك، تكلم الله أولا.. إن وضعت الله في الأول، لن تخطئ إليه:
ذلك لأنك تضعه فوق رغباتك العالمية، وفوق كل لذة أرضية. ويكون الله أمامك باستمرار، والعالم خلفك..
الإنسان يخطئ لأنه لم يضع الله أمامه، ولم يسبق فيتذكره قبل كل سقوط. ولم يحسب حسابا لمشاعره.
اجعل الله الأول، من جهة الوقت، ومن جهة الأهمية، ومن جهة الرغبات. ومن جهة الحب والاشتياق، ومن جهة الطاعة أيضًا.. ليكن الأول في كل شيء.
وحينما يقول الرب "يا ابنى اعطنى قلبك" إنما يقصد أن تكون له هذه الأولوية "ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"، وخسارة نفسه ما هي إلا حرماتها من الله..
إن الإنسان الروحي ليس فقط يجعل الله أولا وقبل كل شيء. بل تكون علاقته بالله هي كل شيء في حياته..
ويقول مع الرسول "لى الحياة هي المسيح" (فى 1: 21). ويقول أيضًا "لأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فى" (غل 2: 20).
وأخيرا لست أريد أن ثقل عليك بنصائح كثيرة. إنما أقول لك نصيحة واحدة إن نفذتها تكون قد نفذت جميع الوصايا، وهى:
اجعل الله في بدء اهتماماتك، ولا تعش مستقلًا عنه أو غريبًا عنه، ابدأ به يومك، ابدأ به كل عمل.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:07 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
العمق في الصلاة


لقد تأثرت جدا من المزمور الذي تضرع فيه داود النبى (مز 130) والذي نبدأ به صلاة النوم، ونقول في أوله:
من الأعماق صرخت إليك يا رب. يا رب استمع صوتى.
من الأعماق صرخت: من عمق القلب والعاطفة. من عمق الاستغاثة، مثلما نقول في المزمور الكبير "من عمق قلبى طلبتك" (مز 119). من عمق الإيمان والثقة بأنك ستستجيب. نعم من الأعماق صرخت: من عمق تعبى واحتياجى، من عمق صعفى وعجزى وعدم قدرتى.. من عمق الهاوية التي أنا فيها..
إنها صلاة عميقة، كصلاة يونان وهو في بطن الحوت.
نعم، من الأعماق صرخت إليك، لأنه لا يوجد غيرك مخلص ومنقذ.. تماما كصلاة الشعب مثلا، قبل نقل الجبل المقطم.. صلاة يتوقف عليها مستقبل الكنيسة كلها..
أو لعلها كصلاة في قلب دانيال، وهم يلقونه في جب الأسود.. أو صلاة في قلب الثلاثة فتية، وهم يلقونهم في أتون النار.. من عمق القلب. من عمق الاحتياج.. مثل صوت غريق، وهو ينادى قارب النجاة.. ليسرع في الوصول قبل أن يغرق..
كصلاة إيليا، وهو يطلب نزول الماء على محرقته (1مل 18).. أو صلاة الشعب وهو يطوف حول أسوار أريحا (يش 6).
ليس المهم طول الصلاة، أو انتقاء ألفاظها، إنما عمق المشاعر فيها..
صلاة الفريسي كانت أطول من صلاة العشار. ولكن العشار "نزل إلى بيته مبررا دون ذاك" (لو 18: 14)،لماذا؟ لأنها كانت صلاة من العمق: من عمق الاتضاع والانسحاق، والشعور بالندم والخزى.. وقف من بعيد، ولم يجرؤ أن يرفع نظره إلى فوق.. وكانت ألفاظه القليلة كافيه. لأن الرب نظر إلى أعماقه..
ومثل صلاة العشار، كانت صلاة اللص اليمين.
صلاة قصيرة، ولكنها عميقة. صلاة إنسان في ساعاته الأخيرة، وهو على حافة الموت. ومن أعماقه يتطلع إلى أبديته كيف يكون، فيطلب من الرب أن يذكره. يقول ذلك وهو في عمق الانسحاق، وقد قال لزميله من قبل "أما نحن فبعدل لأننا ننال استحاق ما فعلنا" (لو 23: 41).. حقا إنها صلاة مصيرية، لذلك قيلت بعمق.. واستجيبت.
جملة واحدة يقولها إنسان بعمق "يا رب ارحم" مثلًا. فيتقدم واحد من الأربعة والعشرين قسيسا، فيأخذ هذه الصلاة في مجمرته الذهبية، ويصعد بها إلى عرش الله كرائحة بخور مع صلوات القديسين (رؤ 5: 8). وإنسان آخر يقول هذه الصلاة عشرات المرات، ولا تصل واحدة منها، كأنه لم يكن يصلى!!
كيف نميز إذن الصلاة التي بعمق؟
إنها صلاة فيها شعور صلة بالله. صلاة بعاطفة، بفهم، بتأمل، بتركيز.. بحرارة، بشعور، بحب.. صلاة باتضاع بانسحاق.. بإيمان، بثقة، برجاء. صلاة بروح وليست مجرد ألفاظ.. ليس المهم فيها مقياس الطول، بل مقياس العمق. لأن الكتبة والفريسيين أمثالهم، كانوا لعلة يطيلون صلواتهم!! (مت 23: 14).
إن بولس كان يحب أن يقول خمس كلمات بفهم، أكثر من عشرة آلاف كلمة بلا معنى (1كو 14).. هكذا ينبغي أن نكون في صلواتنا، ونحرص أن تخرج من أعماقنا.. وإن اجتمع الطول مع العمق، يكون أفضل جدًا.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:08 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
أهمية العمق

ما أجمل قول المرتل في المزمور: "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز 45).
على الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأعمال كثيرة" ولكن كل مجدها في عمقها.. في داخلها، في قلبها.
صدقوني، إن عملًا واحدًا يعمله الإنسان بعمق، ربما توزن به حياته كلها ويبقى هذا العمل، يسجل في التاريخ، من أجل عمقه

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:10 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
عمق العطاء

خذوا العمق الذي أخذ به ابراهيم، ليقدمه محرقة:
كان في تقدمته في عمق المحبة الله.. كان يحب الله بكثير من ابنه، وحيدته، الذي تحبه نفسه، ابن المواعيد، الذي ناله بعد صبر سنوات طويلة.. وفي تقدمته أيضًا كان في عمق الطاعة لله، وفي عمق التسليم.
للإرادة الإلهية. بل أيضًا كان في عمق الإيمان، لأنه كان يؤمن أنه على الرغم من تقدمته، لابد سيأتيه منه نسل مثل رمل البحر..
وفى تقدمة إسحق، كان ابراهيم في عمق العطاء.
لا يوجد عطاء أعمق من هذا، أن يقدم ابنه الوحيد، ابن المواعيد. وكمثال لعمق العطاء أيضًا الأرملة التي قدمت فلسين. لذلك مدحها الرب، وقال إنها أعطت أكثر من الجميع، ليس لمقدار عطائها، إنما لعمقه، لأنها أعطت من أعوازها (مر 12: 41 – 44).
لعله من أمثلة عمق العطاء أيضًا ما قدمته أرملة صرفة صيدا لإيليا النبى. كل ما قدمته هو "ملء كف دقيق، وقليل من الزيت في الكوز" (1مل 17: 12). ولكن عمق هذه التقدمة، كان في أنها كل ما كانت تملكه في وقت المجاعة،.. لتأكله هي وابنها، ثم تموت.. ولكنها فضل النبي وعلى ابنها..
وعمق العطاء نراه أيضًا في أمثلة أخرى:
مثل الذي يقدم عشور أمواله، وهو في منتهى العوز والحاجة، أو يقدم بكور مرتب كان ينتظره منذ زمن ليسدد ديونه.. أو خادم يقدم وقته للخدمة، في أهم أيام الامتحانات، وهو في حاجة الامتحانات، وهو في حاجة إلى كل دقيقة.. أو الذي يقدم أحد أعضاء جسده، لينقله إلى مريض محتاج إليه حبا في هذا المريض وإشفاقًا عليه، أو الذي يستدين ليعطى إنسانا معوزًا..

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:11 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
العمق في الكرازة

إن المسيحية بدأ تاريخها بالعمق في العمل الكرازى، الذي تركز في اثنى عشر رسولا، بعضهم من جهال العالم والمزدرى وغير الموجود (1كو 1: 27، 28). ولكنهم بكل جدية وأمانة والتزام، دخلوا في الخدمة، بكل جهد، وتحملوا الجلد والسجن والاضطهاد، لكي يوصلوا كلمة الله إلى كل أحد. وهكذا الذين "ليس لهم صوت ولا إلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" (مز 19).
ويعبر بولس الرسول عن عمق هذا العمل الكرازي واحتماله فيقول:
"في كل شيء نظهر أنفسنا الله، في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، ضربات في سجون في اضطهادات، في أتعاب، في أسهار في أصوام.. كمضلين.. كمجهولين.. كمائتين.. كحزانى" (2كو 6: 4-10).
وعمقهم ظهر في غيرتهم المقدسة التي لم تكن تهدأ.
يعملون من أجل الرب في كل وقت، مناسب وغير مناسب (2تى 4: 2)، . حتى أثناء محاكمتهم أيضًا، مثلما وقف بولس أمام فيلكس الوالى (أع 24) وأمام أغريباس الملك (أع 25) وكانوا يتكلمون بكلمة الله بكل مجاهرة (أع 28: 31).
يذكرنا هذا بالمبشرين الذين نقلوا الإيمان إلى بلاد شعبها من أكلة لحوم البشر..
هنا يبدو العمق في محبة الله وملكوته، والعمق في خدمة الكلمة.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:12 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
العمق في الخدمة

بعض الخدام يقيسون خدمتهم بمقاييس خاطئة، لها المظهر الشكلي من الخارج وليس لها العمق. مثل من يقيس خدمته بكثرة عدد تلاميذه، أو بكمية الدروس ونوعيتها، ووما يتلقاه التلاميذ من المعرفة الدينية. أو خادم يقيم خدمته بارتقائه من خادم ابتدائي إلى خدمة ثانوى أو اعداد خدام، أو بمظهريات أخرى من تنظيمات في الخدمة، كراسات تحضير الدروس أو كراسات الافتقاد. وينسى الخادم في كل ذلك ما يتعلق بعمق الخدمة، وعملها في قيادة التلاميذ إلى التوبة، وإلى محبة الله.
وقد يوجد خادم بلا فصل، وخدمته أكثر عمقا.
كخادم يشتغل في العمل الفردي. وكل من يلتقي به يجذبه إلى محبة الله، ويلهب قلبه بكلمات النعمة التي تخرج من فمه. وفي كل يوم يضم إلى الكنيسة أعضاء جدد ما كانوا يدخلون الكنيسة من قبل..
أو أنه يخدم في حل المشاكل العائلية، بكل تعب وعمق ومثابرة. وقد يقضى أيام طويلة ويسهر ويقنع، لكي يدخل سلام الله إلى البيت. ولا أحد من كبار الخدام في الكنيسة يعرف عن خدمته شيئًا.
وأعرف خادم كان يعمل معنا منذ أكثر من أربعين عاما، كنا نسمى فصله (فصل الشواذ)، لأنه كان يجذب الأولاد المتسكعين في الشوارع، أو في المقاهي وأمام دور اللهو ويحولهم ليس فقط إلى تلاميذ ثابتين في الكنيسة، بل أن بعضهم صاروا خداما..
ومن أمثلة الخدمة العميقة، قصة فيلبس مع الخصي الحبشي..

فيلبس، وهو سائر في الطريق، يرى مركبة الخصي وهو يقرأ سفر اشعياء، فيبدأ أن يشرح له في عمق، حتى يجذبه إلى الإيمان، إذ يعلن الخصي إيمانه من كل قلبه، ينزل الإثنان فيعمده.. هل أخذت هذه الخدمة ساعة أو أكثر أو أقل. لكنها كانت عميقة ومثمرة..
مثالها أيضًا خدمة المعمدان واسطفانوس الشماس.
في عمق شديد خدم المعمدان حوالى ستة أشهر أو أكثر بقليل.
وفى خلال تلك المدة القصيرة، مهد الطريق أمام الرب، بشعب مستعد، قادة المعمدان إلى التوبة ومعمودية التوبة.. حتى أن الرب قال: لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان، وقال إنه أعظم من نبى (مت 11: 11، 9).
كذلك اسطفانوس الشماس، كانت خدمته قصيرة، ولكن عميقة جدًا. سيرته بدأت في (أع 6) واستشهاده في (أع 7)،واستطاع في تلك الفترة القصيرة أن يجعل جماهير كثيرة تنضم إلى الإيمان، وأفحم كثيرا من المجامع. ولم يستطيعوا أن يقاوموا القوة، ولا الروح الذي كان يتكلم به (أع 6: 10).
إن الكلمة العميقة تستطيع أن تأتى بثمر كثير.
عظة واحدة بعمق عمل الروح القدس فيها استطاعت أن تضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف تعمدوا معا في يوم الخمسين..
إنسان يكلمك كلمة فتلمس قلبك، ولا تفارق ذهنك مطلقا، تتمشى معك في الطريق، وتصاحبك في نومك وفي صحوك. وتعمل فيك عملا كثيرا. إنها كلمة خرجت من العمق، ووصلت إلى العمق. وكان لها تأثيرها وفاعليتها وقوتها. وأصبحت تعمل عملا عميقا مثلها..

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:13 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
العمق في العبادة

كثيرون يهمهم المقياس الطولى في الصوم مثلا، وفي الصلاة وعدد المزامير، وفي المطانيات، دون أن يهتموا بالعمق في العبادة. وقد يصوم الإنسان أربعين يوما أو خمسة وخمسين، وربما يشتد على نفسه من جهة الطعام. ولكن بغير عمق في العمل الروحي، في الانتصار على النفس، في ضبط الإرادة والحواس، الفكر أثناء الصوم. وكأن الصوم مظهر خارجى، وفي الداخل في الأعماق، لا شيء على الاطلاق. ويخرج من الصوم بنفس الطباع والأخطاء. أما الذي يصوم بعمق روحى، وتصوم نفسه مع جسده ويصحب صومة بانسحاق القلب والتوبة والخشوع والتدرايب الروحية، فهذا يأتى بثمر كثير.
كذلك المطانيات، في عمقها لا في عددها.
إنسان تلصق بالتراب نفسه، ليست مجرد رأسة تنحنى، دون أن تنحنى كبرياؤه من الداخل.
ونفس الوضع في القراءة وعمقها وتأثيرها.
ليس المهم أن تقرأ عددًا كبيرا من الاصحاحات، وإنما ما تتركه هذه القراءة في نفسك من عمق وتأثير. إن آية واحدة سمعها الشاب أنطونيوس، وأخذها بعمق، أمكنها أن تغير حياته كلها، وتنشئ منهجا روحيا كبيرًا اتبعه الآلاف من الملائكة الأرضيين والبشر السمائيين،. وامتد تأثيرها إلى أجيال طويلة سارت على نفس النهج.. فهل أنت تقرأ بنفس العمق الذي استمع به القديس أنطونيوس إلى تلك الآية.
إن الكتبة والفريسيين كانوا يقرأون كثيرا، بل كانوا، بل كانوا من علماء عصرهم بالكتاب. ولكن لم يكن لهم عمق، لا في الفهم ولا في التطبيق. فلم يستفيدوا شيئا، بل أعثروا غيرهم.
أنظر إلى داود النبى في عمق قراءاته.
إنه يقول للرب "الكل كمال رايت منتهى، أما وصاياك فواسعة جدًا (مز 119). ويقول "اكشف عن عينى، لأرى عجائب من شريعتك. وعمقه في القراءة، كان يجلب له الفرح واللذة، كمن وجد غنائم كثيرة. ويكون كلام الله أحلى من العسل والشهد في فمه (مز 119).

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:14 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
عمق التوبة

كثيرون تابوا، ورجعوا كما كانوا، لأن توبتهم لم تكن بعمق.
أما الذين تابوا بعمق، فلم يعودوا إلى الخطية مرة أخرى.
كانت التوبة نقطة تحول مصيرية في حياتهم، تدرجوا منها إلى النمو في حياة البر، حتى وصلوا إلى درجات عالية من الكمال المسيحى، مثل داود النبى في انسحاقه ودموعه.. واوغسطينوس الذي ترهب وصار أسقفا، ودافع عن الإيمان المسيحى، وله تأملات روحية عميقة جدا.. وموسى الأسود الذي نما في الحب والوداعة وخدمة الناس، وصار من آباء البرية.. ومريم القبطية التي سمت في حياة الوحدة، حتى صارت في مرتبة السواح، وباركت القديس زوسيما القس.
الذين لهم خطايا يكررونها في كل اعتراف، لم يتوبوا بعد..
والذين لا تصحب توبتهم مشاعر الانسحاق والندم، والشعور بعدم الاستحقاق هؤلاء ليس لهم عمق في التوبة، وما أسهل رجوعهم إلى الخطية، . ومثلهم أولئك الذين في توبتهم يسرعون إلى حياة الفرح، دون أن تنضج توبتهم وتثمر.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:16 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
عمق الإيمان

الإيمان العادي يدعيه الكل. ولكن ليس كل مؤمن عميق في إيمانه. بطرس الرسول آمن إلى حين ومشى مع المسيح الماء. ثم ضعف إيمانه فسقط. ووبخه الرب قائلا "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟!" (متى 14: 31). الإيمان العمق لا يشك ولا يخاف، بل يمكن أن ينقل الجبال (مت 17: 20). بل أعظم ما قيل عن الإيمان العميق، قول الرب:
كل شيء مستطاع للمؤمن (مر 9: 23).
إيمان له قوته،و له نصرته، وله فاعليته حتى يشمل الحياة كلها.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:16 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
العمق في الصداقة والحب

قد يوجد صديق لك، تدوم صداقته عشرين عاما، ثم بسبب لفظة معينة، أو وشاية، أو خبر غير صحيح قد سمعه، ينقلب ويتغير. وتقول له "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى" (رؤ 2: 4). أما المحبة العميقة فيقول عنها الكتاب:
"مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش 8: 7).
"المحبة قوية كالموت" (نش 8: 6)، "المحبة تسقط أبدًا" (1كو13: 8) سواء كانت محبة نحو الله أو الناس.
عميقة مثل محبة الأم لرضيعها.. مثل المحبة بين داود ويوناثان. محبة تتبع إلى الصليب، مثل محبة يوحنا للمسيح. محبة "ليست بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو 3: 18).
اعمق محبة هي التي تبذل، حتى ذاتها.
كمحبة الرب على الصليب. أحب جتى بذل (يو3: 16)

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:17 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
عمق الشخصية

هناك أشخاص يتميزون بالعمق، وآخرون بالسطحية.
فالشخصية العميقة، لها عمق في التفكير والتدبير، عمق في الذكاء والفهم الشخص منهم له ذكاء شمولي، يشمل كل شيء. إذا بحث موضوعا، يفكر فيه من جميع زواياه، ويعمل حسابا لكل النتائج وردود الفعل. وإذا تكلم يتكلم بعمق..
كذلك في العمل والمسئولية، يتناول كل شيء بعمق، مثل يوسف الصديق وهو وزير تموين لمصر. ومثل يوكابد في عمق تربيتها لابنها موسى النبي..
فمثلا التلميذ الذي يذاكر بعمق، يذاكر بفهم وتركيز، وبعقل منتبه، لا ينسى. ليس المهم عدد ساعات مذكراته، إنما عمق الفهم والحفظ.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:20 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي قلبه مع الله

الإنسان الروحي، حياته ليست مظهرية من الخارج، ولا هي مجرد ممارسات يمارسها، ولا مجرد ناموس (أى وصايا تنفذ حرفيًا)، إنما حياته الروحية قبل كل شيء، هي "حياة القلب مع الله". لأن الرب يقول: "يا ابنى اعطنى قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقى" (أم 23: 26).
المهم أن تعطينى قلبك. وإن أعطيتنى هذا القلب، سوف تلاحظ عيناك طرقى. ويقول الوحى الإلهي في سفر الأمثال أيضًا "فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة" (أم 4: 23).. حياة الإنسان الروحية كلها تخرج من هذا القلب. لذلك على الإنسان أن يهتم بقلبه ونقاوته. ومن اهميته قال الرب في تطويباته في العظة على الجبل:
"طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8)
حقا ما أعظم مكافاة القلب النقى.. إنه يرى الله!! فليست الحياة الروحية كلاما، ولا مظهرية خارجية.. فإن المرتل يقول في المزمور "كل مجد ابنة الملك من داخل "على الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة" (مز 45: 13).

"ولتكن هذه الكلمات التي انا أوصيك بها اليوم على قلبك" (تث 6: 6).
وقال المرتل في ذلك "خبأت كلامك في قلبى، لكي لا أخطئ إليك" (مز 119). وحينما تكون وصية الله داخل القلب، تكون مختلطة بالمشاعر والعواطف والأحاسيس. وتكون أيضًا مرتبطة بالمحبة التي في القلب، كما قال داود في المزمور "أحببت وصاياك جدا"، "ممحص قولك جدًا. عبدك أحبه" (مز 119).. القلب هو مركز المشاعر. والله يريد مشاعر قلبك..
يريد محبتك. ولذلك قال: تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك.." (مت 22: 37)
وكذلك: "تحب قريبك كنفسك". وقال الرب عن هذه المحبة، إنه بها "يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت 22: 40). وعبارة "من كل قلبك "تعنى أنه لا يوجد في القلب أي شخص أو أي شيء ينافس الله في محبة القلب له. ولهذا قال الرب "من أحب ابا أو أما أكثر منى، فلا يستحقنى. ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر منى، فلا يستحقنى" (مت 10: 37).. كل القلب لله.
والله يطلب هذا، فيقول في سفر النشيد: "اجعلنى كخاتم على ساعدك" (نش 8: 6).
كخاتم على قلبك من جهة الحب، وعلى ساعدك من جهة العمل. وهكذا يكون العمل الذي يقوم به الإنسان الروحي، هو نتيجة طبيعية لمحبته لله وللناس.. وكلما كان القلب عميقا في محبته، فعلى هذا القدر يكون عمله لأجل الله قويا..
والقلب النقى يكون كلامه نقيا، ويكون فكره أيضًا نقيا، لأن الفكر يصدر عن القلب، والكلام يصدر عن القلب، والكلام يصدر عن القلب. وقد قال الرب في ذلك..
"الإنسان الصالح، من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح" (لو 6: 45).
"والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر". إذن المهم هو القلب، "لأن منه مخارج الحياة". هو النبع الذي يخرج منه الفكر والكلام والعاطفة، بل هو المؤثر على الحواس أيضًا.. إن البعض قد يدافع عن إنسان غضوب تخرج من فمه ألفاظ قاسية شديدة، فيقول "على الرغم من غضبه، فإن قلبه أبيض "! كلا، فالقلب الأبيض تخرج منه الفاظ بيضاء مثله. وقد قال الرب
"من فضلة القلب يتكلم الفم" (لو 6: 45) (مت 12: 34) (مت 15: 18).
ولذلك فخطية اللسان هي خطية ثانية تابعة. أما الخطية الأولى السابقة لها فهى في القلب فيه نفاق تخرج منه ألفاظ نفاق. القلب فيه غضب، تخرج منه ألفاظ غضب. القلب فيه حنو وعطف.. وهكذا مع باقى الأمور.. وهكذا يقول المرتل في المزمور: "فاض قلبى بكلام صالح" (مز 45: 1)
هذا يكون مع الصالحين، الذين قلوبهم والسنتهم في مجرى واحد، كما نقول في التسبحة "قلبى ولسانى يسبحان القدوس". وعكس ذلك المراءون الذين قلوبهم غير ألسنتهم! أولئك الذين وبخهم الرب قائلا".. كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنت أشرار؟!" (مت 12: 34).
هذا المرائى الذي يتكلم بغير ما في قلبه، قد تكشفه نظرات عينيه 9 فإن العين كثيرا ما تكون مرأة للقلب، تظهر فيها أحاسيسه كلها.. وقد تكشفه ملامح وجهة، أو نبرات صوته.
والإنسان الروحي بسيط القلب، لا يضمر غير ما يظهر!
هو إنسان صريح. ما يقوله بلسانه هو نفس الذي في قلبه. إذا امتدح إنسانا، فهو يثق به هكذا في قلبه. وإن اعتذر لإنسان عن خطأ، يكون هذا الاعتذار صادرا حقا من قلبه.. بينما غيره قد يعتذر، ولا يكون اعتذاره مقبولا، لأنه لم يصدر من القلب! وقد يقول لشخص "الله يسامحك"، وهو يقصد "الله يجازيك حسب عملك"..!!
إن الله أعلم بما القلب، فهو وازن القلوب (أم 21: 2).
وقد قال الكتاب عن الله إنه "فاحص القلوب الكلى" (أر 11: 20) "هو يعرف خفيات القلب" (مز 44: 21) "الرب يعرف أفكار والإنسان" (مز 94: 11). وقيل "القلب أخدع من كل شيء، وهو نجس من يعرفه؟! أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى لأعطى كل واحد حسب طرقه.." (أر 17: 9).. أما الإنسان الروحي، فقلبه مستقيم أمام الله.
والرب يعرف القلوب المستقيمة، والقلوب الملتوية.
ويقول الكتاب "نور أشرق للصديقين، وفرح للمستقيمى القلب" (مز 97: 11). ويقول "كراهة الرب ملتوو القلب" (أم 11: 20). والمستقيمون بقلوبهم يقول عنهم الكتاب إنهم "يدعون الرب من قلب نقى" (2تى 2: 22). وعن هذا القلب
يقول داود النبى في مزمور التوبة:
"قلبا نقيا أخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في أحشائي" (مز 51: 10).
وهذه النقطة تنقلنا إلى التوبة وعلاقتها بالقلب..
التوبة الحقيقية ليست هي مجرد ترك الخطية بالفعل، إنما ترك الخطية من القلب. أي أن القلب لم يعد يحبها. وكمال التوبة هو كراهية الخطية. وإذا كره الإنسان الخطية، فلن يعود إليها مرة أخرى. وهكذا تصبح توبته هي خط فاصل بين حياة بعيدة عن الله، وحياة مع الله. وهكذا قال الرب في التوبة:
"ارجعوا إلى بكل قلوبكم" (يوء 2: 12).
" مزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وارجعوا إلى الرب إلهكم" (يوء 2: 13). فالتوبة هي اشتياق للرجوع إلى الله، واستجابة لصوته ولعمل نعمته في القلب. أما الإنسان الذي لا يستجيب لصوت الله، فهو إنسان قاسى القلب. وفي ذلك يقول الرسول:
"إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 8، 15).
ويكرز ذلك في (عب 4: 7). وهذا نفس ما قيل قديما في المزمور "ليوم إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (مز 95: 7، 8). إذن فالله ينظر إلى عدم التوبة، من خلال القلب الرافض، قبل العمل العاصى. ولذلك فهو في قيادتنا إلى التوبة، يعدنا بتغيير هذا القلب. فإن تغير، يتغير السلوك طبقًا لذلك. وهكذا يقول الرب: "اعطيكم قلبا جديدًا، واجعل روحًا جديدة داخلكم" (حز 36: 26).
"أنزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم". فهو يعتبر التوبة تبدأ من القلب. والقلب التائب هو قلب حجر، قلب صخر، قلب قاس، كما كان قلب فرعون قلبا قاسيا.
ويكرر الرب نفس الكلام في سفر ارمياء النبى فيقول "وأعطيهم قلبا ليعرفونى أنى أنا الرب، فيكونوا لي شبعا، وأنا أكون لهم إلها. لأنهم يرجعون إلى بكل قلوبهم" (أر 24: 7).
ورجوع الإنسان معناه ان ارادة قلبه تتحد مع ارادة الله.
الله يعمل في قلبه، وهو يرجع بقلبه إلى الله. وهكذا يقول الرب في سفر يوئيل لنبى "ارجعوا إلى بكل قلوبكم" (يؤ 2: 12). ويقول في سفر حزقيال النبي "اطرحوا عنكم كل معاصيكم التي عصيتم بها. واعملوا لأنفسكم قلبا جديدا وروحا جديدة" (حز 18: 31)،وعن نتائج هذا القلب الجديد، يقول القديس بولس الرسول".. تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12: 2). فإن القلب إذا تغير من الداخل، تتغير افكاره ايضًا. لأن الأفكار الشريرة تخرج من القلب، كما قال الرب (مت 15: 19). إذن لابد من تغيير القلب.
عيب الكثيرين أنهم يظنون التوبة مجرد الاعتراف بالخطايا، ويستبقون خطية محبوبة في القلب.
وبسبب هذه الخطية المحبوبة يرتدون عن توبتهم، ويسقطون مرارا كثيرة، لأن القلب ليس كله الله، ولأنهم لم يرجعوا إلى الله بكل قلوبهم.. ولم تتجدد أذهانهم، إذ لا يزال الفكر متعلقا بالخطية، كالقلب ايضًا.. هؤلاء توبتهم من الخارج وليس من الداخل. وينظر الله إلى الداخل ويقول "يا ابنى اعطنى قلبك".. حنانيا وسفيرا وضعوا المال تحت أقدام الرسل. ولكن لم يضعوا الله في قلوبهم. كانت في قلوبهم محبة المال، ولو بعض المال (أع 5: 1 – 4).
كثيرا من ندعو أولادنا إلى الحشمة في ملابسهم، دون أن ندخل الحشمة إلى قلوبهم!
بينما لو دخل الله إلى قلوبهم، لاقتنعوا بالحشمة قلبا وفكرًا. وحينئذ تأتى الحشمة في الملابس والزينة كعمل تلقائى طبيعى، دون ضغط من الخارج، يكون فيه القلب مشتاقًا إلى غير ذلك!
ينبغى أن نسمو عن مستوى الأعمال الظاهرة، إلى مشاعر القلب من الداخل.
يوجد إبن قد طيع أباه خوفا أو لمجرد فضيلة الخضوع، بينما قلبه متمرد من الداخل على أوامر أبيه، ولم يخضع بعد قلبا ولا فكرا.. وقد إنسان العشور، وقلبه غير مستريح. فهو قد دفعها من جيبه، وليس من قلبه..
أما الإنسان الروحي إذا أعطى، يعطى، يعطى من قلبه، برضى وسرور، حسب قول الكتاب "المعطى بسرور يحبه الرب "0
وقد يصوم إنسان عن الطعام بفمه، وقلبه غير زاهد في هذا الطعام، ويتحايل على الطعام بألوان وطرق شتى، فيبحث عن المسلى الصيامى، والجبنة الصيامى، والشيكولاته الصيامى. كما يبحث عن طريقة الطهى التي تجعل الطعام الصيامي شهيًا..!! أين جوهر الصوم هنا؟ وما علاقته بالقلب؟!
وقد يضرب إنسان مطانية بجسده، بينما قلبه لم ينحن مثل انحناءة رأسه.
ولا نكون في مطانياته روح الندم، ولا روح الخشوع، ولا روح التوبة. ولذلك حينما بتعذر لغيره بمطانية، لا تكون مقبولة منه.. وقد يعترف إنسان بخطاياه، وقلبه غير نادم عليها!
وقد يصمت إنسان عن الكلام بلسانه، ويكون في فكرة كلام كثير!
وقد يتكلم إنسان بكلام إتضاع، ولا يكون قلبه متضعًا، وقد تكون كلماته ألين من الزيت، وهى سهام (مز 55: 21). وفى كل ذلك يقول الرب "يا ابنى اعطنى قلبك".
الإنسان الروحي يعطى القلب لله، لأن القلب فيه كل المشاعر والروحيات.
خذوا الإيمان مثلا: فرق كبير بين المؤمن اسما، وبين المؤمن من أعماق القلب، الذي يظهر إيمانه في كل اعماله (يع 2: 18).. المؤمن الذي يرى الله أمامه في كل حين. ووجود الله بالنسبة اليه، ليس مجرد عقيدة، بل هو حياة يحياها ويحسها.. والغيرة المقدسة ليست مجرد عمل أو كلام، بل من القلب تصدر والوداعة والإتضاع وباقى الفضائل، ليست هي مجرد أعمال ظاهرية. فهناك فرق كبير بين المتواضع بلسانه، والمتواضع بقلبه المقتنع في داخله بأنه خاطئ وضعيف، ولولا نعمة الله التي تسنده لسقط كغيره..
والقلب أيضًا هو مصدر الأحلام والظنون والأفكار والشكوك.. وهو أيضًا مصدر كل ثمار الروح (غل 5: 22، 23).
المحبة مثلا، والفرح، والسلام.. كلها صادرة من القلب.. وطول الأناة واللطف والصلاح والتعفف.. كلها صادرة عن القلب، إلا فإنها تفقد معناها وما فيها من بر..
الصلاح ليس قبورا مبيضة من الداخل (مت 23: 27)، وإنما هو صلاح القلب. الطهارة ليست مجرد الهرب من الخطية، وإنما هي نقاوة قلب..
الإنسان الروحي في كل عمل يعمله، يدرك أن الله ناظر إلى قلبه وإلى نيته وقصده.
ومن كنز قلبه الطاهر، يخرج كل عمل طاهر. حيث يكون كنزه، يكون قلبه أيضًا (مت 6: 21). وكنزه الوحيد هو الله.. وهو في كل حين يقول للرب "مستعد قلبى يا الله مستعد قلبى" (مز 57: 1). حتى إن نام، تقول نفسه لله "أنا نائمة، وقلبى مستقيظ" (نش 5: 2).
الإنسان الروحي في صلاته، تكون خارجة من قلبه.
وليس مثل أولئك الذين قال عنهم الرب "هذا الشعب يكرمنى بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا" (أش 39: 12) (مت 15: 8).. إنما قلبه متصل بالله تماما. وهو يتكلم ويشعر بوجوده في حضره الله، وأنه يكلم الله. ويقول "قلبى ولسانى يسبحان القدوس "ويردد مع داود قوله في المزمور:
"من كل قلبى طلبتك" (مز 119).
حتى في القداس، وفي التسبحة، ولا تكون صلاته مجرد لحن، أو مجرد ألفاظ يرددها، أو تلاوة، إنما هي مشاعر قلب انسكب أمام الله.. في انسحاق، في خشوع، في إيمان، في حب، في فهم في تأمل، في حرارة والتهاب قلب.
ويتقدم واحد من الأربعة والعشرين قسيسًا ويأخذ صلاته في مجمرته الذهبية، ويصعد بها إلى فوق.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:22 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي إنسان قوي


الإنسان الروحي هو إنسان قوى. ونقصد قوة الروح.. كما أن القوة غير العنف.
هو إنسان قوى، لأنه صورة الله ومثاله (تك 1: 27)، والله قوى. وهو كابن لله، من المفروض أن يكون قويا في الروح..
الإنسان الروحي هو هيكل للروح القدس (1كو 6: 19). والروح القدس ساكن فيه (1كو 3: 16). وهكذا ينال قوة من الروح الذي يعمل فيه بقوة.. ويتحقق فيه وعد السيد المسيح الذي قال: "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: 8).
وقد قال عنها إنها قوة من الأعالي" (لو 24: 49). وظهرت هذه القوة في كرازة الآباء الرسل. وهكذا ورد في سفر أعمال الرسل "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 33). وبذلك أيضًا تحقق قول الرب "إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت، حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مر 9: 1).
قوة الإنسان الروحي هي من الله نفسه:
كما قال داود النبي في المزمور "قوتى وتسبحتى هو الرب. وقد صار لي خلاصًا" (مز 118: 14). وكما قال القديس بولس الرسول "تقووا في الرب وفي شدة قوته." (أف 6: 10). وقال أيضًا "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى" (فى 4: 13). وعبارة "استطيع كل شيء "تدل على مدى القوة التي يحصل عليها الإنسان الروحي في المسيح يسوع حتى أن الرب يقول:
"كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر 9: 23).
ومادام كل شيء مستطاعًا له، إذا لا يجوز أن يقع إنسان روحي في اليأس أو الانهيار أو صغر النفس. لأنه بإيمانه يصير قويا في الداخل، قوى النفس قوى الروح. لا يضعف ابدا، ولا، ولا يقلق ولا يضطرب، ولا يقف عاجزا. إنه قوى بالله الذي يعمل فيه، الله الذي يقوبه..
هذه القوة تنطبق على الافراد والجماعات:
تنطبق على الانسان الروحي كمؤمن، وعلى الكنيسة كجماعة مؤمنين. وهكذا ورد في سفر النشيد عن تخت سليمان الذي يرمز إلى الكنيسة "تخت سليمان حوله ستون جبارا من جبابرة إسرائيل. كلهم قابضون سيوفا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل" (نش 3: 7، 8). وفي سفر النشيد أيضًا من أوصاف القوة التي وصفت بها الكنيسة والنفس البشرية:
"شبهتك يا حبيبتى بفرس في مركبات فرعون" (نش 1: 9).
الفرس – وأيضًا الفرسان – رمز إلى القوة (أش 31: 1) والفرس في مركبات فرعون هو "فرس معد ليوم الحرب" (أم 21: 31). ولم يكن فرعون يختار لمركباته إلا أقوى الأفراس واشدها. وبهذا التشبيه يصف الرب بالقوة كنيسته التي تحبها..
ولعل هذا التشبيه دليل على أن سفر النشيد له رموزه الروحية، وليس مجرد أغنيات متبادلة بين حبيب وحبيبته كما يتهمه البعض!! لأنه لا توجد فتاة تقبل أن يصفها حبيبها بفرس في مركبات فرعون. وبنفس المنطق نتحدث عن قول الرب في سفر النشيد عن حبيبته الكنيسة بأنها:
"مرهبة كجيش بألوية" (نش 6: 4).
وكلمة ألوية هي جمع لواء من لواءات الجيش. واللواء يضم عددا كبير من الكتائب والسرايا والأليات. وقد تكرر وصف الكنيسة أو النفس البشرية بانها مرهبة كجيش بألوية في نفس الاصحاح من سفر النشيد (نش 6: 10). وطبعًا من المستحيل أن تقبل حبيبة أن يصفها حبيبها بأنها مرهبة..! وأنها مرهبة كجيش من عدة لواءات..! إذن الحديث رمزى عن الكنيسة أو النفس البشرية.
هذه هي النفس التي عاشت مع الله، وأخذت من قوته قوة لحياتها.
فالإنسان الروحي تأخذ روحه قوة من الروح القدس الساكن فيه. إنه عضو في جماعة الغالبين المنتصرين، الذين يحاربون حروب الرب بقوة. ويدعوهم الكتاب المقدس بأنهم "جبابرة باس "
نقرأ في سفر القضاة أن ملاك الرب خاطب جدعون بقوله "الرب معك يا جبار البأس" (قض 6: 12). وداود النبي قيل عنه إنه يحسن الضرب بالعود وأنه جبار بأس وفصيح والرب معه (صم 16: 18).. وقيل عن البنين الصالحين إنهم "كسهام بيد جبار" (مز 128: 4). وقيل أيضًا عن رجال يشوع الذين دخل بهم أرض الموعد إنهم كانوا جبابرة بأس (يش 8: 3).. كل هذ وغيرها رموز للذين يدخلون الحروب الروحية ضد "أجناد الشر الروحية". إنه الأقوياء في الروح يحملون سلاح الله الكامل، ودرع الإيمان، وترس البر، وخوذة الخلاص وسيف الروح (أف 6: 11-17).
وقد ضرب الكتاب أمثلة كثيرة من أولئك الأقوياء.
مثال ذلك إيليا النبى، الذي طهر البلاد من كل أنبياء البعل وأنبياء السوارى (1مل 18: 19، 40). وكذلك يوحنا المعمدان الذي قال عنه الملاك المبشر به إنه "يتقدم أمام الرب بروح إيليا وقوته.. لكي يهيئ للرب شعبا مستعدًا" (لو 1: 17).
واسطفانوس الشماس الذي كان مملوءا من الروح القدس والإيمان. وقد وقف أمامه ثلاثة مجامع يحاورنه "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع 6: 9، 10).
وقد سرد بولس أسماء سلسلة من هؤلاء الأقوياء.
وقد ختمها بقوله "و ماذا أقول أيضًا لأنه يعوزنى الوقت عن.. الذين بالايمان قهروا ممالك، صنعوا برًا، نالوا مواعيد، سدوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار، ونجوا من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا أشداء في الحروب، هزموا جيوش غرباء.. عذبوا ولم يقبلوا النجاة، لكي ينالوا قيامة أفضل.. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم" (عب 11: 23-38).
وشرح لنا تاريخ الكنيسة أمثلة كثيرة من الأقوياء.
وأمثال أولئك الشهداء، الذين كانوا أقوياء في إيمانهم، أقوياء في احتمالهم، أقوياء أيضًا في العجائب والآيات التي أجراها الله على أيديهم.. وهناك أمثلة أخرى من أبطال الإيمان الذين وقفوا بكل قوة ضد البدع والهرطقات، ودافعوا عن الإيمان بقوة في الفهم وقوة في الاقناع، وفي الصمود. ومن أمثلة أولئك القديس أثناسيوس الرسولى، الذي وقف ضد الهرطقة الأريوسية، واحتمل العزل والنفى والمؤامرات والاتهامات. وقيل له "العالم كل ضدك يا أثناسيوس"، فقال "وأنا ضد العالم". لذلك أسموه: Athanasius Contramondum أي أثناسيوس ضد العالم.
لقد خلق الإنسان قويا. له سلطان:
وقال الله "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، واخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على وجه الأرض" (تك 1: 28، 26). ولكن الإنسان فقد قوته الطبيعية حينما أخطأ، وبدأ يشعر بالخوف.. وعاد الله يقوى الإنسان بعمل النعمة فيه، بقوة الروح القدس.. ويقويه بوعوده، وبأنه معه..
الإنسان الروحي يذكرنا بالأرواح، بالملائكة.
أولئك الذين قال عنهم داود النبي "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة" (مز 103: 20). هؤلاء الملائكة الذين قال دانيال النبى عن واحد منهم "إلهى أرسل ملاكه، فسد أفواه الأسود" (دا 6: 22). وقيل في سفر الملوك: ملاك الرب خرج وضرب من جيش سنحاريب 185 ألفًا (2مل 19: 35، 36). قوة الملائكة مصدرها أنهم أرواح قريبون من روح الله. يتشبه بهم كل من يسلك بطريقة روحية، ويدخل في شركة الروح القدس، ويعمل الله فيه.
لذلك فالإنسان الروحي الذي يعمل فيه روح الله، لابد أن يكون قويا.
داود النبي الذي حل عليه روح الرب (1صم 16: 13) كان قويا. وكان أقوى من شاول الملك. وكان حينما يتعب شاول من الروح الشرير، يهدئه داود بعوده، ويذهب عنه الروح الردئ (1صم 16:23)، لأن روح الله الذي في داود هو الذي يطرده.. بل كان داود أقوى من الجيش كله الذي خاف من جليات،أما داود فتقدم لمحاربة جليات وقال له "في هذا اليوم يحبسك الرب في يدى.." (1صم 17: 46).
الإنسان الروحي لا يخاف، لأن الله معه:
وهكذا قال داود النبي للرب راعية "إن صرت في وادى ظل الموت، لا اخاف شرًا، لأنك أنت معى" (مز 23: 4). واستطاع أن يغنى أنشودته الجميلة "إن يحاربنى جيش، فلن يخاف قلبى. وإن قام على قتال، ففى ذلك أنا مطمئن" (مز 27: 3). وقال أيضًا "هولاء بمركبات، وهولاء بخيل، ونحن باسم الرب ننمو. هم عثروا وسقطوا، ونحن قمنا واستقمنا" (مز 20: 7).
هنا قوة قلب الإنسان الروحي المستمدة من الله.
إنه لا يخاف، لأن الله معه. الله الذي قال ليشوع "تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب"، "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك. تشدد وتشجع" (يش 1: 9، 5).
هو أيضًا الذي قال لبولس الرسول في رؤيا بالليل "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت. لأنى أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10). وهو أيضًا الذي لإرميا النبى "هانذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، عمود حديد، وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأنى أنا معك يقول الرب لأنقذك" (أر 1: 18، 19)
لذلك أنا أعجب، حينما يضعف الخير، ويقوى الشر أمامه!!
أعجب حينما أرى أهل العالم أقوياء، ولهم شخصية وثقة، ويجاهرون بآرائهم، ويصلون إلى أغراضهم، ولا يهتزون أمام العواصف.. بينما رجال الله يقفون كضعفاء ولا يصمدون! كما لو كان الشر أقوى من الخير! أو الشر هو الذي يغلب!! فلماذا هذا الضعف؟! ولماذا لا يقف الخير صامدًا، يعلن عن البر ويدعو إليه، كما كان الرسل "بكل مجاهرة وبلا مانع" (أع 28: 31).
إن القوة الروحية، ليست مطلقا ضد الوداعة والتواضع.
كثيرون يحبون الوداعة، ولكنهم يفهمونها بأسلوبًا خاطئ.. الوداعة تتصف بالطيبة والهدوء. ولكنها لا تمنع مطلقا أن يكون الإنسان قويا في شخصيته، ومع ذلك يكون وديعا ومتواضعا.. وهنا التكامل والفضائل، وليس التناقض..
والسيد المسيح كان مثالا لهذا التكامل. فهو الذي قال "تعلموا منى، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). وفي نفس الوقت كان قويا في شخصيته، قويًا في حواره مع كل معارضيه من الكتبة والفريسيين والكهنة والشيوخ والصدوقيين. وكان يفحمهم، وينشر رسالته في قوة..
وهو الذي قيل عنه "لبس الجلال. لبس القوة وتمنطق بها" (مز 93: 1) وقيل له أيضًا: "تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار. أستله وانجح واملك" (مز 45:3).. له القوة والمجد.
إذن من الممكن أن يكون الإنسان وديعا وقويا. والمهم ما هو مفهوم القوة؟ وما هو أيضًا مفهوم الوداعة والتواضع؟
ما هو مفهوم القوة؟ وما الفرق بين القوة الزائفة والقوة الحقيقية؟
القوة هي قوة الروح في الداخل، تعبر عن ذاتها في الخارج بأسلوب روحي.
القوة ليست هي العنف. فالمسيحية ضد العنف. وليست هي حب السيطرة وإخضاع الآخرين. وليست هي التهور والاندفاع والجرأة على كل ما هو كبير.. كتلميذ يتحدى معلمه، أو ابن يتجرأ على أبيه.. وليست القوة هي قوة شمشونية، في الجسد والعضلات.. ولا هي الاعتداد بالنفس بأسلوب خاطئ، والافتخار بهزيمة الآخرين، ولا هي استخدام السلطان في غير موضعه..
ولا هي الإدعاء باللسان، كما قال بطرس "لو أنكرك الجميع، فأنا لا أنكر".
"ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك "مت 26: 33، 35).. ولما دخل إلى الواقع العملي، لم تظهر هذه القوة!!
والقوة ينبغى أن تكون دائما ومستمرة.
فما أسهل أن يظهر الإنسان قويا في موقف معين. ثم ما يلبث أن يفقد قوته في موقف آخر. كما أثبت شمشون قوته في مواقف عديدة. ثم ضعف أخيرا أمام دليلة (قض 16).
وما أكثر الأسباب التي يضعف بها الإنسان ويفقد قوته.
فقد يضعف الإنسان أمام رجاء من يحب، أو يضعف أمام دموع البعض.. وقد يضعف أمام كثرة الألحاح، أو أمام ضغط عاطفي أو مادي.. وقد يضعف إذا ما أشتد الاغراء، كما حدث مع داود النبي.. وعمومًا يضعف في الخارج، إذا ضعف من الداخل.
والإنسان الروحي يصمد أمام كل هذه الأسباب. وإن حدث أنه ضعف وسقط، سرعان ما يقول. ويردد ما قيل في سفر ميخا النبى "لا تشمتي بى يا عدوتي. فإنى إن سقطت أقوم" (مى 7:8).
الإنسان الروحي، قوته قوة روحية. ولهذه القوة أسباب عديدة:
ما هي تلك الأسباب التي هي مصدر قوته؟
وما هي أيضًا عناصر تلك القوة في روحه ونفسه وفكره؟ وما مظاهرها في حياته وفي خدمته وفي فضائله؟

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:23 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
مصادر القوة الروحية: وأسبابها ومظاهرها وعناصرها

مصادر القوة
عناصر القوة

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:25 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
مصادر القوة

لاشك أن مصدر القوة الروحية، هو الله نفسه.
ولذلك يقول المرتل في المزمور "أحبك يا الله يا قوتى" (مز 18: 1) ويقول "قوتى وتسبحتى هو الرب" (مز 118: 14). ويقول أيضًا "الله ملجأ لنا وقوة (مز 46: 1). وكما يقول القديس بطرس الرسول عن القوة في الخدمة "إن كان أحد يخدم، فكأنه من قوة يمنحها الله، لكي يتمجد الله في كل شئ" (1بط 4: 11). ويترنم داود بقوة الله العاملة فيه فيقول "الله الذي يمنطقنى بالقوة.. الذي يعلم يدى القتال" (مز 18: 32، 34).
لذلك فإن كل قوة، ليس الله مصدرها، هي قوة باطلة، ومصيرها إلى الزوال.

كقوة فرعون مثلا، وكقوة الشيطان.. وقوة آخاب الذي قتل نابوت اليزرعيلى.. وقوة مشورة أخيتوفل..! ومثل قوة جليات.. وكل الأقوياء بدهائهم أو بكبريائهم. أما الإنسان الروحي ففوته من الله العامل فيه. وعن هذا يقول القديس بولس الرسول: الأمر الذي لأجله أتعب أنا أيضًا مجاهدًا، بحسب عمله الذي يعمل في بقوة" (كو 1: 29) "بحسب القوة التي تعمل فينا" (أف 3: 20).. إنها قوة الروح القدس.
* مادامت القوة من الله، فنحن نطلبها بالصلاة، وننالها بالإيمان ونعمة الله.
الإنسان الروحي يقف أمام الله ضعيفا، يلتمس منه القوة يصلى قائلا "أعطنى يا الله قوتك"، "فأنا بدونك لا أستطيع شيئًا" (يو 15: 5). وبالصلاة يمنحه الله قوة مثل آخر صلاة صلاها شمشون، واستجاب الرب له (قض 16: 28، 30).
والإيمان يمنح الإنسان قوة، لأن كل شيء مستطاع للمؤمن (مر 9: 23).
حتى إن أدركه ضعف في وقت ما، فإن الإيمان يعيد غليه قوته. ألم يقل الرب "لو كان لكم إيمان مثل حبه خردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل" (مت 17: 20).. وإن شعر الإنسان الروحي أن إيمانه قد ضعف، يصرخ إلى الرب قائلا أؤمن يا رب: فأعن ضعف إيمانى.. (مر9: 24). وهكذا نجد أن الإيمان والصلاة يعملان معا في جلب القوة للإنسان. وبالصلاة يصارع الله مع الإنسان، ولا يتركه حتى ينال منه القوة. يصلى وهو مؤمن أن القوة ستأتيه..

* وينال الإنسان قوة بعمل الروح القدس فيه.
وهكذا فإن الذي يشترك مع الروح القدس في العمل، لابد أن يكون قويا.. فإن وجدت نفسك ضعيفا في وقت ما، راجع شركتك مع الروح القدس.. إن سبب فقد شمشون لقوته، هو أن روح الرب فارقه (قض 16: 20). تمسك إذن إلى أبعد حد بعمل الروح فيك. وهيئ نفسك بالنقاوة والقداسة، حتى يكون هيكلك مستحقًا لسكنى روح الله فيك.. فتستمر قويا.
* والإنسان يحتفظ بقوته الروحية بثبات كلمة الله فيه.
طالما تضع وصية الله أمامك، وتحب كلمة الله وتخبئها في قلبك، وترددها بلسانك، ستجد أن كلمة الله ستمنحك قوة، تمنحك استحياء من الخطية، لأن "كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين" (عب 4: 12)،وما أجمل قول القديس يوحنا الرسول للشباب "كتبت إليكم أيها الأحداث، لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير" (1يو 2: 14).
*وينال الإنسان قوة من الله، عن طريق الإتضاع.
لأن "الرب يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيمنحهم نعمة" (يع 4: 6). المتكبر يطن أنه بقوته البشرية سينتصر، فيعتمد على قوته فيفشل. أما المتواضع، فإن يشعر بضعفه، يعتمد على قوة الله، فيمنحه الله هذه القوة "ليكون فخر القوة لله، لا منا" (2كو 4: 7).
أنظروا كيف قال الشياطين للقديس مقاريوس الكبير "بتواضعك وحده تغلبنا". وكيف قال القديس الأنبا أنطونيوس: أبصرت فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها. فقلت يا رب من يفلت منها؟ فقال: المتواضعون يفلتون منها..
إن المتواضعين الذين يقفون أمام الله كضعفاء، هم الذين قال عنهم الوحى الإلهي "اختار الله ضعفاء العالم، ليخزى بهم الأقوياء" (1كو1: 27) "لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه"..
المتواضع لا يخاف، لأن الله معه. ولكن متى يخاف الإنسان بحق؟ يخاف عندما يتعجرف قلبه، ويظن أنه قوى، وأنه قد ارتفع إلى السماء، وجلس على عرش الله، وأصبح الشيطان تحت قدميه.
انظروا إلى قول القديس العظيم بولس الرسول "لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوى" (2كو 12: 10).
*الإنسان الروحي يصير أيضًا قويا، بنقاوة القلب.
فالقلب النقى هو حصن لا ينال، ومنه مخارج الحياة" (أم 4: 23). والقلب النقي هو الذي ارتفع عن شهوات العالم. وفى هذا المجال، ما أجمل قول القديس أوغسطينوس "جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أنى لا اشتهى شيئا ولا أخاف شيئا".. حقا إن القلب الزاهد هو قلب قوى، لا توجد شهوة تغلبه، ولا يوجد شيء يخيفه.
وبهذا الزهد وعدم الخوف جاءت قوة الشهداء وقوة الرهبان.
تعرض الشهداء لكل الإغراءات والتهديدات، ولكل ألوان التعذيب، وبقوا صامدين في قوة عجيبة، لأنه لم تكن هناك أية شهوة في قلوبهم تستجيب للإغراءات، ولا أي خوف تزعجه التهديدات، ولم يكن فيهم خوف الموت أيضًا. فاحتفظوا بقوتهم أمام كل الملوك والولاة والقضاة. كانوا أقوى من مضطهديهم.
كذلك الرهبان، لأنهم تجردوا من الشهوات، أمكنهم أن ينتصروا على العالم، وكانوا أقوياء في احتمال الوحدة وسكنى الجبال والبرارى، بل وسكنى المقابر أيضًا وكانوا أقوياء في حروب الشياطين. كانوا أقوياء أيضًا في تأثيرهم الروحي على الآخرين. أمراء صاروا رهبانا، لأنهم كانوا أقوى من شهوة الملك. القديس الأنبا أنطونيوس حاول الشياطين أن يخيفوه بكل المناظر المفزعة، ولكنه كان أقوى منهم. وأمكنه أن يغلبهم باتضاعه وبإيمانه. والقديس مقاريوس لم يخف، حينما بات في مقبرة وقد أسند رأسه على جمجمة، وتحدث الشياطين معها. ولكن قلبه كان قويا بالإيمان لا يخاف..
*هناك أيضًا أشخاص اقوياء بطبيعتهم.
شاء الله أن يولدوا هكذا، بقلب قوى، وعقل قوى، وشخصية قوية.. مثال ذلك شمشون ويوحنا المعمدان وإيليا وداود. ننتقل إلى نقطة أخرى وهى عناصر القوة:

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:28 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
عناصر القوة

1- قوة الحب والبذل

تحدث سفر النشيد عن قوة الحب فقال "المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها" (نش 8: 6، 7). وقال القديس بولس الرسول "المحبة لا تسقط أبدًا" (1كو 13: 8).
هذه هي المحبة الحقيقية، التي ليست بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق (1يو 3: 18). ولعل من أعمقها محبة الأم لرضيعها، ومحبة داود ليوناثان (2صم 1: 26). بل محبته لابنه أبشالوم الذي خانة، وكيف بكى عليه بمرارة لما سمع بموته (2صم 18: 33).
وتظهر قوة المحبة في البذل. وأقوى بذل هو بذل الذات.
ظهر هذا الأمر واضحا في سيرة الشهداء، وكيف بذلوا كل شيء حتى الحياة، من أجل محبتهم لله. وكذلك ظهرت قوة هذه المحبة في حياة الآباء الرهبان والسواح، الذين تركوا العالم وكل ما فيه. "وسكنوا الجبال والبراري من أجل عظم محبتهم للملك المسيح". كذلك محبة الآباء الرسل الذين من أجل محبتهم للرب وملكوته، احتملوا الجلد والسجن والرجم والتشريد والموت أيضًا.. وقالوا للرب أيضًا "تركنا كل شيء وتبعناك" (مت 19: 27). وفي ذلك يقول بولس الرسول أيضًا "خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح" (فى 3: 8).
وقوة المحبة تظهر إن كانت من كل القلب.
وفى ذلك قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك". (تث 6: 5) (مت 22: 37). وعبارة "كل "تعنى أنه لا توجد محبة أخرى تنافس محبة الله في قلبك. وفي ذلك قال السيد الرب "من أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقنى. ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر منى فلا يستحقنى" (مت 10: 37). بل من أحب حياته أكثر من الرب، لا يستحقه. وفي ذلك قال "من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته لأجلى يجدها" (مت 10: 39).
المحبة تقود إلى البذل، وقوة البذل لها أسباب.
يوجد بذل سببه الحب كما قيل "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد" (يو 3: 16). وكما بذل الشهداء لأجل محبتهم للرب. وهناك قوة في البذل سببها الطاعة، كما رفع أبونا ابراهيم السكين ليبذل ابنه وحيده ذبيحة للرب. توجد قوة في البذل سببها الزهد، كآبائنا الرهبان.
*ننتقل إلى قوة الإيمان:

قوة الإيمان تظهر في أنه يصدق كل شيء. يؤمن أن الرب يمكن أن يشق طريقا في البحر، وأن يفجر من الصخرة ماء، وأن يصنع المعجزات والعجائب.. الإيمان الذي جعل بطرس يمشى على الماء (مت 14: 29). الإيمان بأن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر 14: 14).. الإيمان الذي يجعلك تقدم الحياة لأجل الرب، وتقدم عشورك وأنت تدفع من أعوازك.. الإيمان الذي يقول "إن سرت في وداى ظل الموت، لا أخاف شرأ لأنك أنت معى" (مز 23).. الإيمان بأن كل لأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الرب" (رو 8: 28).. الإيمان القوى بالأبدية الذي يجعل الإنسان يستعد لها بكل قوته..
*من عناصر القوة أيضًا قوة الصلاة:

الإنسان الروحي إذا أخطأ وتاب، تظهر قوة توبته في انسحاقه العميق، وندمه ودموعه، كما حدث مع داود النبي الذي قال "تعبت في تنهدى. أعوم في كل ليلة سريرى، وبدموعى أبل فراشى" (مز6). وتوبة الإنسان الروحي تظهر قوتها في استمرارها، وعدم عودته مطلقا إلى حياة الخطية بل أكثر من هذا يظل ينمو في الحياة الروحية سائرا نحو الكمال. ومن أمثلة ذلك توبة أوغسطينوس وموسى الأسود، ومريم القبطية وبيلاجية. توبة تحولوا بها من خطاة إلى قديسين.
*قوة الإنسان الروحي تظهر في انتصاره على المحاربات الروحية وعلى الإغراءات.

كما ظهرت قوة يوسف الصديق في انتصاره العجيب على اغراءات زوجة فوطيفار (تك 39: 9) قوله في حزم عملى "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!"
الإنسان الروحي لا تظهر قوته في انتصاره على غيره، إنما في انتصاره على الخطية، مهما كانت الحروب شديدة، سواء من الشيطان، أو من الناس الأشرار، أو من أخوة كذبة (2كو 11: 26) أما الذي يضعف ويسقط فينطبق عليه قول الكتاب "وزنت بالموازين، فوجدت ناقصًا" (دا 5: 27).
الإنسان الروحي إذا أخطأ، له القوة على الاعتراف بخطئه.
كثيرون يجدون صعوبة بالغة في الاعتراف بأخطائهم.. أما القديس أو غسطينوس، فقد نشر اعترافاته في كتاب قرأه كل أهل جيله. وما تلته من أجيال.. والإنسان الروحي ايضًا، إذا أحس أنه آساء إلى أحد، تكون له القوة على الاعتذار إليه والاعتراف بإساءته، دون محاولة للتبرير أو المجادلة..
وإذا أحس أن رأيه مخطئ، يكون قادرا بسهولة أن يتنازل عن راية، بغير عناد كما يفعل البعض.
*القوة في ضبط النفس:
الإنسان الروحي قوى من الداخل. يستطيع أن يضبط نفسه، كما قال الكتاب "مالك نفسه خير ممن يملك مدينة" (أم 16: 22). فهو يضبط أفكاره فلا تسرح فيما لا يليق، متبعا قول الرسول "مستأثرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 10: 5). يضبط أيضًا حواسه، فلا يخطئ بالنظر ولا بالسمع ولا باللمس. كذلك يضبط مشاعر قلبه وعواطفه. ويضبط لسانه أيضًا، فلا تخرج من فمه كلمة خاطئة، ولا كلمة زائدة،وفي ذلك قال القديس يعقوب الرسول "إن كان أحد لا يعثر في الكلام، فذاك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضًا" (يع 3: 2) هنا القوة الداخلية في ضبط النفس، وضبط الفكر والحواس والمشاعر، وضبط اللسان ايضًا.
الإنسان الروحي يضبط أيضًا غرائزه وانفعالاته، ويرفع فوق مستوى الإثارة..
الإثارة الخارجية لا تثيره من الداخل، بل يكون أقوى منها. لا ينفعل مثلا إذا تعرض لإساءة ما، ولا يقاوم الشر بالشر (رو 12: 17). ولا يرد على الكلمة الخاطئة بمثلها. لا يغلبه الشر، بل يغلب الشر بالخير (رو 12: 21). ويستطيع أن يسيطر على الغضب. ويكون قويا في أعصابه، لا تفلت منه.
*الإنسان الروحي يتميز بقوة الاحتمال:

يستطيع أن يحتمل الشدائد والضيقات. وإن أصابته تجربة، لا تهزه من الداخل، بل يصمد. ويمكنه أن يحتملها، كما فعل أيوب الصديق. كما يحتمل أيضًا أخطاء الآخرين. إن المخطئ هو الضعيف الذي لم يضبط نفسه. والمحتمل هو القوى. لأجل هذا قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا" (رو 15: 1).. الشخص القوى من الداخل، يستطيع أن يغفر للمسيء أي له القدرة – ليس فقط على الاحتمال بل على المغفرة، وعلى الإحسان إلى المسيئين (مت 5: 44).
الإنسان الضعيف يحتاج إلى من يحتمله. أما القوى فيحتمل غيره، يحتمل طباعه السيئة وأخطاءه، وألفاظه وتصرفاته.. هنا تظهر القوة الروحية، في القدرة على تحويل الخد الآخر، ومشى الميل الثانى، والصبر على كل شيء..
*الإنسان الروحي يتميز بقوة لشخصية:

إنه إنسان قوى في عقله، فهمه، في قدرته على الاستيعاب وعلى الاستنتاج، قوى في ذاكرته، في سرعة بديهته، في حكمته وحسن تصرفه. هو أيضًا قوى الإرادة، قوى العزيمة، قوى في حكمة تصرفه، حسن إراداته للأمور. وقوى أيضًا في أنه لا يهتز أمام أي تهديد أو تخويف. ينطبق عليه قول الكتاب "من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلا" (زك 4: 7).
تظهر قوته أيضًا في كل عمل يعمله، وكل مسئولية يحملها.
هو إنسان قادر على تحمل المسئوليات، مهما بدت كبيرة أو خطيرة، ويقوم بعمله بكل جدية، وبكل أمانة ودقة والتزام، ويأتى بالنتائج المرجوة في انجاز سليم. وهو أيضًا حازم، ولا يتردد. ومهما حدثت من عوائق، ولا يلق ولا يضطرب ولا يخاف.. بل يقف كالجبل الراسخ، واثقًا بأن كل مشكلة لها حل. وواثقا بالله يعمل معه ويعمل به..
له تأثير المجتمع الذي يعيش فيه، ربما يمتد إلى أجيال.
إن الروحيين الأقوياء لا يتأثرون باخطاء البيئة التي يعيشون فيها "ولا يشاكلون أهل هذا الدهر" (رو 12: 2). بل لهم القدرة التأثير في المجتمع، في فكره. واتجاهه وروحياته، كما فعل الآباء الأول، حتى ليقال: عصر أثناسيوس، عصر أنطونيوس.. يؤثرون بقدوتهم، أو بكتاباتهم التي يمتد تأثيرها إلى أجيال وأجيال.. ننتقل إلى نقطة أخرى وهى:
*القوة في الكلمة والخدمة والكرازة:

الإنسان الروحي، كل كلمة تخرج منى فمه تكون قوية وفعالة، ولا ترجع فارغة، بل تعمل عمل الرب (أش 55: 11). كلماته قوية في تأثيرها على الآخرين، وخدمته ملتهبة ومثمرة. بولس الرسول، وهو أسير في سلاسل أمام فيلكس الوالى، حينما تحدث عن البر والدينونة والتعفف، ارتعب فيلكس (أع 24: 25). ولما تحدث أمام أغريباس "بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا" (أع 26: 28). ويعوزنا الوقت أن تحدثنا عن خدمة القديس بولس فو قوتها وانتشارها. وكذلك قوة الخدمة في ايام الآباء الرسل..
في قوة خدمة الآباء، وقفت المسيحية العزلاء أمام الإمبراطورية الرومانية بكل سلطتها وقسوتها.
وأمام اليهود بكل دسائسهم ومؤامرتهم. ووقفت أمام فلسفات العصر. وبعظة واحدة من القديس بطرس إنضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف، نالوا نعمة العماد في نفس اليوم (أع 2: 41). وإنها قوة الروح القدس العاملة في الكلمة.
وبقوة (كو1: 29). إنه قوى في شهادته للرب، يقول مع داود النبي "تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" (مز 119).

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:29 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
أنواع الضعف: أسبابها وعلاجها
تحدثنا كثيرا عن القوة، وعن أن الإنسان الروحي ينبغى أن يتصف بالقوة.. ومع ذلك لا ننكر أن هناك ضعفات.
حتى أن بعض الروحيين على الرغم من قوتهم العامة توجد في حياتهم ضعفات..
راينا هذا في حياة إيليا النبى العظيم (1مل 19)، وفى حياة داود النبي والملك (1صم 25)، (2صم 11). وأيضًا رأينا هذا الضعف في حياة شمشون الجبار (قض 16)، وفي حياة سليمان الحكيم (1مل 11)، وفي حياة بطرس الرسول (مت 26)، (غل 2: 11).. وغير هؤلاء كثيرون.
ما هي إذن أنواع الضعف؟ وكيف نتخلص منه؟ وما هي نظرتنا إلى الضعفاء، وما أسلوب معاملتنا لهم؟
أنواع من الضعف
موقفنا من الضعفاء
معالجة الضعف

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:32 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
أنواع من الضعف

1- قد يوجد عند إنسان ضعف، لا ذنب له فيه.

مثال ذلك ضعف وصل إليه عن طريق الوراثة، سواء في جسده، أو في قواه العقلية. ولد بصحة ضعيفة، أو في مستوى اجتماعي ضعيف، أو شاء الله له هذا، كما قال عن المولود أعمى "لا هذا أخطأ ولا أبواه، ولكن لتظهر أعمال الله فيه" (يو 9: 3).
ضعف الجسد قد يقاسى الإنسان الروحي منه أيضًا. وعن ذلك قال الرب لتلاميذ في بستان جثسيمانى "أما الروح فنشيط. وأما الجسد فضعيف" (مت 26: 41). وقد يقف ضعف الجسد عائقًا أمام بعض الممارسات الروحية. وعلى الإنسان الروحي ألا يتضايق من هذا، إنما يعمل ما يستطيعه على قدر ما يحتمل جسده. المهم أن تكون روحه قوية وصالحة..
2- وقد يوجد إنسان أعصابه ضعيفة:

وهو من هذه الناحية ضعيف احتمال، يثور ويغضب بسرعة، ويحتاج إلى إنسان قوى ليحتمله.. كما قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء" (رو 15: 1). وإذن الإنسان القوى هو الذي يستطيع أن يحتمل. أما الغضوب الذي يخطئ إلى غيره في غضبه، فهو الضعيف..

على أن هذا الغضوب يلزمه أن يعالج الضعف الذي فيه فيه، أعنى الغضب.
وذلك بأن يبعد عن أسباب الغضب، وعن المجاملات التي تجعله يقع في النرفزة يمارس تداريب روحية في البعد عن الغضب،يقوى أعصابه من الناحية الجسدية. يتأنى في تصرفاته وفي ثورته، ويفكر في النتائج السيئة للغضب، قبل أن يغضب. يقرأ كثيرا عن الودعاء والهادئين. ولا يترك نفسه إلى هذا الضعف. وليس مقبولا منه أن يقول "طبعى هكذا"! فالمفروض أن ينتصر على طبعه.
3- هناك نوع آخر من الناس ضعيف في إرادته.

ضعيف في تنفيذ ما يريده من الخير، كما يقول الرسول بلسان هذا النوع "لست افعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست اريده، إياه افعل"، "حينما أريد ان أفعل الحسنى، أجد أن الشر حاضر عندي" (رو 7: 19، 21)
أو قد يكون هذا الإنسان، من طبعة التردد. فإرادته لا تستطيع أن تقرر ما ينبغي أن يفعله. وإن قرر شيئا، لا يستطيع أن يثبت، تراوده أفكار أخرى.
على أن هناك تداريب كثيرة لتقوية أفراده. ومنها أن يستشير أبا روحيا موثوقا به، وينفذ ولا يبطئ. ومنها تقوية الإرادة عن طريق الصوم، وعن طريق التغصب، وعن طريق الفهم السليم والاقتناع القوى. وإن كان خاضعا لعادة تسيطر عليه، يقاومها بكل قوته ولا يستسلم لها، لأن هذا الاستسلام يزيده ضعفا على ضعف..
4-إنسان آخر يتعبه ضعف إيمانه:

له إيمان نظري. ولكن هذا الإيمان من الناحية العملية يضعف. وإن تعرض لمشكله ينهار أمامها ويخاف. ويدل خوفه على ضعف إيمانه في الله الذي يحفظه ويحميه. وبينما الإنسان القوى لا يضعف مطلقا، ولا ينهار ولا يخاف أمام المشاكل. لقد خاف بنو إسرائيل أمام البحر الأحمر بسبب ضعف إيمانهم. اما موسى النبي فلم يخف، بل كان إيمانه قويا، وأدخل القوة في نفوس هؤلاء الضعفاء الخائفين. وقال لهم "لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم.. الرب يقاتل عنكم، وأنتم تصمتون" (خر 14: 13، 14).
لذلك، حاول أن تقوى إيمانك..
إقرأ كثيرًا عن الأشخاص الذين لهم إيمان قوى.. واقرأ عن تدخل الله في مشاكل ومتاعب أولاده، وعن آياته ومعجزاته. وأن طلبت من الله طلبًا، لا يضعف إيمانك أن تأخرت استجابة صلاتك. بل ثق أن الله لابد سيعمل، ولابد سيأتي لإنقاذك ولو في الأخير من الليل. في إحدي المرات ضعف إيمان بطرس الرسول، وهو يمشي مع الرب فوق البحر لأنه نظر إلي الأمواج الشديدة، ولم ينظر إلي الرب، فخاف وصرخ. فأنقذه الرب ووبخه بقوله "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟" (مت 14: 31). وإن ضعف إيمانك، اصرخ إلي الرب مع ذلك الإنسان الذي قال:
"أؤمن يا رب، فأعن عدم إيماني" (مر 9: 24).
5- نوع آخر من الضعف هو ضعف النفسية.

ربما يوجد إنسان نفسيته ضعيفة، من النوع الذي يسميه الكتاب"، "صغار النفوس".. يمكن أن يقلق بسرعة ويضطرب وينهار، ويشك. إنه لا يستطيع أن يحتمل، ويحتاج باستمرار إلى من يسنده. وقد يكون كبيرا في السن، ولكن له نفسية الصغار. فما هو موقفنا من أمثال هذا النوع الضعيف؟

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:34 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
موقفنا من الضعفاء

إن كنت أنت ضعيفًا، فلا تيأس من ضعفك. وإن رأيت شخصا ضعيفًا، فلا تحتقر ضعفه، هوذا الرسول يقول:
"شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء. تأنوا على الجميع" (1تس 5: 14).
افتحوا طاقة من رجاء، لتضئ على الذين يسيرون في الظلمة خائفين ومضطربين. حدثوهم عن الرجاء وعن عمل الروح القدس، كيف أن الله يتدخل ولو في آخر لحظة. احكوا لهم قصص الذين سقطوا وقاموا، وصاروا من المنتصرين الغالبين.
الإنسان الروحي القوى، لا يفتخر على الضعيف ولا يستصغره، ولا يشهر به، بل على العكس يقويه، يمنحه من القوة التي فيه، التي أعطاه الرب غياها. يسند الضعفاء الذين سقطوا، ويعطيهم رجاء في التوبة. ويذكرهم بأن "الصديق يسقط في اليوم سبع مرات ويقوم" (أم 24: 16).
إن الله نفسه يسند الضعفاء، الذين كالأطفال. ويقول المزمور:
"حافظ الأطفال هو الرب" (مز 116: 6)
وفى بعض الترجمات يقال "يحفظ البسطاء".. مهما كانوا صغار النفوس. لقد قال الرب عن الزرع الذي قال الرب عن الزرع الذي يعطى ثمرًا ثلاثين وستين ومائة، إنه زرع جيد (مت 13: 23). ونحن قد نعتبر أن الجيد هو الذي يعطى مائة، وبالتجاوز الذي يعطى ستين. ولكن حنان الله على الضعفاء، واعتبر أن الذي يعطى ثلاثين فقط، هو أيضًا زرع جيد. يكفى أنه يعطى ثمرًا
حقا إنه إله الضعفاء، وإله المساكين.
كان يزور العشارين والخطاة، ويحضر ولائمهم، ولم يحتقرهم مثلما احتقرهم الكتبة والفريسيون بل دعا واحدا منهم هو متى وجعله رسولًا من الأثنى عشر، ودخل بيت زكا، وقال: اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن لابراهيم (لو 19: 9). وبعد القيامة ظهر أولا لمريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين (مر 16: 9)
إن الله لم يقف ضد الضعفاء، بل ضد المتكبرين.
لذلك يقول الكتاب إن "الله يقاوم المستكبرين" (يع 4: 6). إنه هو "المقيم المسكين من التراب، والرافع البائس من المزبلة ليجلس مع رؤساء شعبه" (مز 112). بل إن الرب يقول "إلى هذا أنظر إلى المسكين، والمنسحق الروح، والمرتعد من كلامى" (اش 66: 2)..
حقا إن كل إنسان معرض للضعف.
وقد حكى لنا الكتاب سقطات للقديسين، وضعفات للرسل والأنبياء. فالذي يحتقر سقطة الضعيف، ما أسهل أن تقوى عليه حروب العدو فيسقط. وما أعمق نصيحة القديس بولس الرسول في قوله "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد." (عب 13: 3).
الإنسان الروحي لا يدين أخاه الضعيف، بل يصلى لأجله.
يشفق عليه، ويطلب له من الرب معونة. ويعرف أنه ليس كل إنسان يصل إلى المستويات الروحية العالية. وليس الكل قد نالوا دفعة كبيرة من النعمة. والمواهب ليست واحدة، "ونجم يمتاز عن نجم في المجد" (1كو 15: 41).

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:37 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
معالجة الضعف

بعض نصائح نقولها للإنسان الضعيف الشاعر بضعفه:
1-ابعد عن مجال الخطية التي تضعف إرادتك.


ابعد عن العثرات، وعن كل الأسباب التي تقودك إلى الخطية، والتي لا تقوى على مقاومتها. ابعد عن كل تأثير سيء. ولا تضع في نفسك أنك أقوى من المحاربات. فقد قيل عن الخطية إنها "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26). مادمت ضعيفا، أعترف بضعفك، وابحث عن السبب، وتجنبه..
ونصيحة الابتعاد عن أسباب الخطية، تضعها لك الكنيسة في أول صلاة باكر إذ تتلو المزمور الأول: "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس".
2- اطلب القوة من الله. واجعل ضعفاتك مجالًا لصلواتك.


وكما قال المرتل في المزمور "قوتى هو الرب، وقد صار لي خلاصًا" (مز 117). وقال أيضًا "لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء.." (مز 123). "إن لم يحرس الرب المدينة، فباطلا سهر الحارس" (مز 126). ويقول بولس الرسول "الجميع تركونى.. ولكن الرب وقف معى وقوانى" (2تى 4: 16، 17). اطلب إذن قوة من فوق.
وقل "معونتى من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز 120).
عمق صلاتك. فما أكثر الضعفاء الذين نالوا قوة بالصلاة، وانتصروا وغنوا قائلين "الحرب للرب" (1صم 17: 47)، "وليس لدى الرب مانع أن يخلص بالكثير أو بالقليل" (1صم 14: 6).


3- مهما كنت ضعيفا، لا تيأس.


لا تفقد الأمل مطلقا. لأن اليأس يحطم النفس، ويجعلك تستسلم ليد العدو، وتستمر في الخطأ. كأن لا فائدة من الجهاد!! ضع أمامك أمثلة كانت أسوأ من حالتك، وخلصها الرب من خطاياها. وشجع نفسك وقل: إن الله الذي خلص موسى الأسود، ومريم القبطية، وأوغسطينوس، ومريم المجدلية.. لابد سيخلصني أنا أيضًا.. ولكن ليس معنى هذا، أن تركن إلى ضعفك وتستمر فيه، معتمدًا على معونة إلهية لابد ستصلك!! وإنما جاهد.
4- جاهد بكل ما عندك من قوة، مهما كانت ضئيلة.


واستمع إلى قول بولس الرسول وهو يوبخ العبرانيين قائلا "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). كل ما كان يملكه داود من سلاح، هو مجرد حصاة وضعها في مقلاعه، وتقدم إلى الصف، والرب هزم به جليات الجبار (1صم 17: 48، 49).
إن جهادك مهما كنت ضعيفًا يدل على رفضك للخطية، ورغبتك في التخلص منها. وهو في حد ذاته طلب إلى النعمة أن تتقدم.
5- ركز على مقاومة الخطايا الثابتة المتكررة.


لأنها هي نقط الضعف التي فيك. هذه التي تكررها في كل اعتراف، وتشكو منها باستمرار. ركز على هذه بالذات، بتداريب مستمرة لمقاومتها، وبأن تغصب نفسك على ذاتك، بل وتعاقب نفسك في كل سقوط، وتوبخها. طالبا معونة الرب.
6- تجديد الذهن، للوصول إلى فهم سليم.


يقول القديس بولس الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12: 2). وهذا يعنى أن تتغير نظرتك إلى الأمور التي تخطئ فيها، بتجديد ذهنك. فكثيرون يسقطون بسبب فهم خاطئ لمعنى القوة، أو لمعنى الكرامة، أو بسبب فهم خاطئ لمعنى الحرية.. الخ. هؤلاء جميعا يحتاجون إلى تجديد الذهن. يحتاجون إلى فهم سليم لحقيقة القوة والكرامة والحرية. وهذا الفهم الجديد والاقتناع به ويحفظهم من السقوط.
7- يزول ضعفك، إذا دخلت محبة الله في قلبك:


أنت تضعف أمام الخطية، إذا كنت تحب الخطية أكثر مما تحب الله ووصاياه. فإن دخلت محبة إلى قلبك، ستطرد محبة الخطايا من داخلك، وهكذا تصبح قويًا في مقاومة كل إغراء.. وصدق ذلك القديس الذي قال إن التوبة هي استبدال شهرة بشهوة، أي أن شهوة الروح تحل محل شهوة الجسد،ومحبة الله. وعاشر الذين يحبونه، اقرأ عن الذين أحبوه، وتمثل بهم.
8- تذكر أن ضعفاء كثيرين، صاروا أقوياء وقديسين.


بطرس الرسول الذي خاف وضعف أمام جارية، وأنكر المسيح (مت 26: 69 – 75). هو نفسه الذي وقف في قوة أمام رئيس كهنة اليهود، وقال له "ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). وقال للرؤساء والشيوخ والكهنة "إن كان حقا أمام الله ان نسمع لكم أكثر من الله، فاحكموا!! لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 19: 20).
9-كلما ضعفت، تذكر نعمة الله العاملة..


النعمة القادرة أن تقوبك.. لذلك تذكر قول القديس بولس الرسول "ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو 5: 20).. تزداد النعمة لتحميك من الخطية.. وتذكر أيضًا قول الرسول "لأنى حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوى" (2كو 12: 10).. ضعيف بذاتى، ولكن قوى بنعمة الله العاملة معى.. التي تقويني.
10-اعلم أن الله دائما مع الضعفاء..


لقد اختار ضعفاء العالم، ليخزى بهم الأقوياء (1كو1: 27).. في هؤلاء تظهر قوته. ولذلك اتذكر اننى كتبت مرة في مذكراتى "قال الشيطان لله: اترك لي يا رب الأقوياء، فإننى كفيل بهم. أما الضعفاء فلا أقدر عليهم. إذا في شعورهم بضعفهم يلجأون إليك، ويحاربوننى بقوتك..".

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:39 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي لا يعتمد على ذراعه البشرى

كما بالغ البعض في أهمية النعمة، حتى اهملوا جانب الجهاد والعمل، كذلك بالغ البعض في أهمية العمل والجهاد، حتى تجاهلوا أهمية يد الله في حياتهم! واعتمدوا في روحياتهم على ذراعهم البشرى.
أما الانسان الروحي فيؤمن في أعماق بخطورة الاعتماد على ذراعه البشرى. إنه يبذل كل جهده، ولكنه لا يعتمد على جهده، بل على عمل الله فيه (وكما قال المرتل في المزمور:
إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا تعب البناؤون وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطل هو سهر الحراس.
حقا إن كل عمل يعمله الإنسان وحده، دون أن يشترك الله فيه، لابد سيكون مصيره إلى المجد الباطل وافتخار الذات. أما العمل الذي تشعر أن الله هو الذي عمل فيك، وهو بنعمته قد منحك القوة لإتمامه، وأنك كنت مجرد أداة في يديه الإلهيتين.. فإن هذا العمل هو الذي يكون لتمجيد الله وتسبيحه وشكره. وتختفى الذات في هذا العمل الإلهى، ويظهر الله وحده..
ولذلك عليك أن تدخل الله في عملك، لأنه يقول "بدونى لا تقدرون أ تعملوا شيئًا". إياك أن تعمل وحدك، وبدون الله! فإنك سترجع النجاح إلى عزيمتك، وإلى نجاحك في تداريبك.. وهكذا تتركز ذاتك ويختفى الله!!
لا شك ان هناك أعمالا يعملها الله كلها، دون أي تدخل للعامل البشرى فيها وسنضرب لذلك أمثله:
+ معجزات اقامة الموتى: واضح فيها أن الميت لم يقم ذاته، وإنما الرب قد أقامه، لا دخل للقوة البشرية هنا. وأنت أيضًا ميت أيضًا بالخطية، وقد أقامك المسيح.. ومثال آخر الامراض المستعصية التي كانت ترمز للخطية، مثل مرض الأبرص، وصاحب اليد اليابسة، والمفلوج، والأشل، والمقعد، والأعمى. كلهم قد شفاهم الرب بغير ذراعهم البشرى. لذلك فالإنسان الروحي يقول: "اعتبرنى يا رب مثل الميت، الذي لا يقدر على إقامة نفسه، ومثل الأبرص الذي لا يستطيع تطهير ذاته".
أنت يا رب الذي تقدر أن تقيم الميت، وتشفى الأبرص.
أنت يا رب عملت مع كثيرين كانوا فاقدي القدرة، ولم يقووا على تخليص نفوسهم، وأنت قد خلصتهم. مثال ذلك أبونا إسحق.. لقد وضع على الحطب فوق المذبح، وأعدت النار، وارتفعت السكين فوقه. ولكنك أنت الذي تدخلت في اللحظة الحاسمة، وأنقذت اسحق.
الإنسان الروحي يذكر أيضًا مثال العاقر. التي لم تستطع من ذاتها أن تنجب ولكنها بنعمة الله صارت مثمرة أكثر من الجميع (أش 54). ويقول للرب: أنت الذي فتحت رحمها المغلق، وقلت لها في رفق "ترنمى أيتها العاقر التي لم تلد.. لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار. ويرث نسلك معًا، ويعمر مدنا خربه.. لحيظة تركتك، وبمراحم عظيمة سأجمعك" (اش 54).
نعم إن نفسك قد تكون عاقرًا، لم تنجب من ذاتها فضيلة واحدة. ولكنها بالروح القدس سيكون لها بنون كثيرون، ويبارك الله بنيها فيها.
ولكنها بدون روح الرب، تنجب، ولن تثمر. إن "البنين ميراث من الرب "كما قال الكتاب. وهو وحده الذي يستطيع أن يفتح رحم العاقر، كما فعل مع سارة، ورفقة وراحيل وحنة وأليصابات.
اعتبر نفسك مثل "الميت الذي لا يقدر على القيامة من ذاته، وكالأرض الذي يحتاج إلى الرب لتطهيره، وكالعاقر التي من ذاتها لا تلد، بل الرب يفتح رحمها، فاطلب الرب إذن من كل قلبك.
انظر شمشون، في اعتماده على قوته، واعتماده على الرب..
ما مصير قوته البشرية الجبارة، التي استطاعت أن تخلع باب المدينة، ة تقتل الأسد، وتخيف الناس.. لقد انتهى بها الأمر إلى الضياع. فقبض الأعداء على شمشون وفقأوا عينيه، جعلوه يجر الطاحون كالحيوان. ولكنه أخيرًا عندما قال "يا سيدى الرب، اذكرنى، وشددنى هذه المرة فقط، فأنتقم نقمة واحدة عن عينى" (قض 16: 28)، عندئذ أعطاه الرب قوة، فكان الذين أماتهم في تلك المرة، أكثر من الذين أماتهم طول حياته.. لأن يد الرب عملت معه.
اطلب إذن تدخل الرب في حياتك. ولكن ليس معنى هذا أن تنام وتكسل، وتطلب الرب. ولكن جاهد بكل قدرتك، دون أن تعتمد على هذه القدرة وحدها، لأنها بدون الرب لا تستطيع شيئاَ..
اعمل. ولكن لا تعمل وحدك. لا تعتمد على ذراعك البشرى، وعلى قوتك وذكائك وتقواك. اعرف أنك بدون الله لا يمكن أن تنجح. وإن نجحت، يكون نجاحك فشلا، لأنه سيصير طعامًا للذاتية والمجد الباطل.
+ تعجبنى عبارة قالها بطرس الرسول، عندما شفى الله على يديه الرجل المقعد عند باب الهيكل، والتف الناس مندهشين حول بطرس ويوحنا، حينئذ قال لهم بطرس:
"ما بالكم تتعجبون من هذا؟ ولماذا تشخصون إلينا، كأننا بقوتنا أو بتقوانا جعلنا هذا يمشى؟ إن إله ابراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا مجد فتاه يسوع.." (أع 3: 12).
+ لقد قال بطرس هذا الكلام، لأنه جرب الذراع البشرى من قبل، ولم ينتفع شيئًا: على الأقل في حادثتين هامتين:
الأول في صيد السمك: لقد سهر الليل كله، بكل ما عنده من فن في الصيد، ومن خبرة وقدرة. وكانت نتيجة ذلك للرب: تعبنا الليل كله، ولم نصطد شيئا".
ولكنه، عندما دخل الرب في سفينته، وعندما أرشده أين يلقى الشبكة وألقاها حسب مشيئته في الأعماق، حينئذ اتت بصيد كثير، حتى كادت تتخرق.
والخبرة الثانية التي اختبرها التي اختبرها بطرس كانت في حادثة انكاره للمسيح،لقد اعتمد على ذاته كثيرا، وعلى محبته للرب، وعلى تصميماته: قال للرب: لو أنكرك الجميع، فأنا لا أنكرك.. ولو أدى الأمر أن أموت معك..
ولكن بطرس المعتمد على ذاته، انكر المسيح أمام جارية..
لم تنفعه نيته الطيبة ولا عزيمته، ولا مجرد محبته، ولا تصميماته، ولا حماسته التي قطع بها اذن العبد..
ليته حول تصميماته إلى صلاة. ليته قال: اعطنى يا رب أنا الضعيف قوة لكي لا أنكرك، قوة استطيع بها إذا ما غربلتي الشيطان أن صمد..
كثيرون يجاهدون بمفردهم، يتعبون، ويفكرون، ويدبرون، ويخططون لحياتهم الروحية، دون أن يعنوا بإدخال الرب معهم.
سأضرب لكم أمثلة أراد الله بها إثبات فشل الذات في كافة مواهبها ونواحي قوتها. شمشون الذي فقئت عيناه وهو مثال لفشل الذراع البشرى في القوة، وسليمان الذي بخر للأصنام مثال لفشل الذراع البشرى في الحكمة، وداود الذي زنى وقتل مثال لفشل الذراع البشرى على الرغم من كثرة مواهبه. وبطرس الرسول في إنكاره للسيد المسيح مثال الذراع البشرى على الرغم من حماسة وغيرته وإخلاصه. وبطرس الذي سهر الليل كله ولم يصطد شيئا مثال لفشل الذراع البشرى عل الرغم من خبرته وفنه.
لذلك إذ عرفت فشل الذراع البشرى، في كل قوته، وحكمته، مواهبه، وحماسه وغيرته، وفنه وخبرته.. إن عرفت هذا، لا تعش مستقلا عن الله، ولا تجاهد بغير معونته.
ادخل الله معك في الصغيرة والكبيرة..
كثيرون يطلبون الله فقط في الأمور الخطيرة، أما الأمور الصغيرة فيثقون بقوتهم فيها، وفيها يفشلون ويسقطون. لهذا يهتم الشيطان بهذه الأمور الصغيرة ويركز عليها ليسقطهم بها.
ولذلك يحذر القديسون من شيطان يسمى "شيطان الأمور الصغيرة".
من أجل هذا قال النشيد "خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم". أما أنت فادخل الرب حتى في الصغائر. لا تثق بقوتك، مهما بدا لك الأمر تافها.
كثير من القديسين سقطوا في خطايا ظنوها "خطايا المبتدئين". أما أنت فلا تحتقر خطية معينة، ولا يظن أن هناك خطية تافهة لا تحتاج إلى معونة من الرب. اطلب الرب باستمرار ليعمل معك في كل أمر، صعبا كان أم سهلًا.
لا تقل هذا الأمر سهل، اعمله بنفسي. ذاك أمر صعب، احتاج فيه إلى معونة إلهية، فالأمر السهل هو الذي يقف فيه الله معك، وإلا صار صعبًا. والأمر الصعب هو الذي تعمله وحدك بدون الله مهما بدا سهلا.
تعجبنى قصة خيالية قيلت عن فلك نوح. كان فيه ثمانية أفراد: نوح وزوجته، وأولاده الثلاثة وزوجاتهم الثلاث.. ولكن..
قيل أن هناك تاسعا كان في الفلك، وكان يدير دفته.. ولولاه ما خلص الفلك. هذا التاسع هو الله
نعم، هل يعقل أن يكون نوح قد دخل الفلك دون أن يدخل الله معه؟!
لاشك أن العناية الإلهية هي التي تقودنا. بدونها لا يمكن لذراعنا البشرى أن يعمل.. نحن نغرس، ونسقى. ولكن الله هو الذي ينمى. إذن ليس الغرس شيئا، ولا الساقي، بل الله الذي ينمى." (1كو 3: 7 9.
لوط لو لم ينقذه الملاكان، لهلك في سدوم.. لقد أمسكا بيديه، وكانا يدفعانه عندما يتوانى، ويعجلان بخروجه..
دانيال لو لم يرسل الله ملاكه ليسد أفواه الأسود، لضاع في الجب. ولولا ملاك الله لبقى بطرس في السجن.
لذلك لا تركز تفكيرك في ذاتك، وفى مواهبك وقدرتك وفهمك، وفي إرادتك وعزيمتك وتدابيرك، وخبرتك وطهارتك. خف جدًا لئلا تكون معتمدًا على ذراع بشرى..
جاهد، ولكن ليس بمفردك.. واعمل، ولا يعتمد على عملك. وفكر، ولكن "على فهمك لا تعتمد "انظر إلى لمبات الكهرباء: قد تكون قوية وجميلة، ومن أجود الأصناف، وكذلك أسلاكها جيدة، وتوصيلاتها سليمة. ولكن إن لم يسر فيها التيار، فلن تضئ، كذلك أنت..
هناك آية أحب أن تضعها أمامك باستمرار، كشعار وهى:
"إن لم بين الرب البيت، فباطلًا تعب البناؤون. وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا سهر الحارس" (مز 127: 1).
صحيح يجب أن تعمل مع الله. هو يبنى. وأنت تناوله الطوب والحجارة والمونة، أو أنت تكون حجرا صالحا في يديه. ولكن لا تظن أنك أنت الذي تبنى حياتك، وحدك، بدونه، استمع إلى بولس الرسول، هو يقول "استطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى".
إنه يستطيع كل شيء، ولكن ليس وحده، بل في المسيح الذي يقويه. وإن لم يقوه المسيح، لن يستطيع شيئًا.
لذلك نحن في الترتيلة نقول له "امسك يدى وقدنى". قل له يا رب أنا بدونك لا استطيع شيئا. قدنى ارشدنى. "علمنى يا رب طرقك، فهمنى سبلك"، "افتح عينى الغلام ليرى "اعطنى القوة والمعونة. اعمل في ضعفى.
كلمة جميلة قالها المسيح لتلاميذه الذين دربهم بنفسه: "لا تبرحوا أورشليم، حتى تلبسوا قوة من الأعالي"..
وماذا عن كل خبراتنا ومعرفتنا وروحياتنا؟ أو ماذا عن تلمذتنا الطويلة، لك أنت؟.. لا تعتمدوا على ذواتكم. انتظروا موعد الآب انتظروا حتى تلبسوا قوة من الأعالي.. "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وحينئذ تكونون لي شهودًا حينئذ، وليس قبل..
هكذا أنت، لا تعمل إلا بعد أن تناول قوة من فوق. اسع وراء هذه القوة، بكل ضعفك، بكل صلواتك وتصرفاتك، وحينئذ تشهد له..
إذن ليس بذراعك البشرى، حتى لو كنت رسولا ومن الأثنى عشر، بل بالقوة التي تلبسها من الأعالي. ليس بقوتك، ولا بتقواك، بل باسم يسوع المسيح، يمكن لهذا المقعد أن يمشى. إن لم يبن الرب البيت، فباطلا تعب البناءون.
كل خطية تقابلك، قل لها "أنا آتيك باسم رب الجنود "مثلما قال داود لجليات. ادخل إلى الرب في المعركة، لأن الحرب للرب. تأكد أن الرب يحارب معك. وإن لم تشعر به، صارعه حتى الفجر، وقل له لا أتركك حتى تذهب معى وإن لم تذهب معى فلن أحارب ولن اذهب مثلما قال القائد باراق لدبورة النبية (قص 4: 8)
كن كالبيت المبنى على الصخر، "والصخرة كانت المسيح"، وحينئذ لا تسقط. ولا تبن بيتك على ذاتك، لأن ذاتك تراب ورماد والبيت المبنى على التراب يكون سقوطه عظيمًا..
ملائكة الكنائس السبع كانوا في يمين المسيح" (رؤ2)0 في يمين الرب التي صنعت قوة (مز 117)
كن أنت أيضًا في يد الله. كن كالطفل الذي يسير في الطريق مطمئنًا، لأن أباه ممسك بيده. قل له "لا تتركني يا رب لذاتى وذكائى امسك بيدة". "آه يا رب لو انفرد بى عقلى وذكائى بعيدا عنك "اذن لكنت هلكت!!
هوذا الرسول يقول "لا تستكبر، بل خف" (رو 11: 20). إن خفت، قل له "إن سرت في وداى ظل الموت، لا أخاف شيئا، لأنك أنت معى. عطاك وعكازك هما يعزياننى" (مز 23).
هذا هو الإنسان الروحي، الذي يسير في طريقه المقدس، معتمدًا على قوة الله التي تستده، والتي ترشده، والنى تحميه، والتي تعمل فيه..
لا يعتمد إطلاقًا على ذراعه البشرى.. ولا أي ذراع بشرى، بعيدًا عن الله..

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:42 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
هناك أنواع كثيرة من الراحة

راحة الجسد، وراحة النفس، وراحة الفكر، وراحة الضمير، وراحة الروح.. والراحة من المشاكل وهناك راحة حقيقية، وراحة زائفة، أو خاطئة..
وقد يوجد إنسان، راحته في هواية معينة، في لون من الرياضة مثلا، أو في أحد الفنون كالرسم أو الموسيقى أو الشعر، أو يجد راحته في القراءة، أوفى تسلية ما محل الألغاز.. وليس في هذا كله شيء خاطئ، مادامت وسيلة سليمة. ولكنه مع ذلك ليس هو الراحة الحقيقية.
والبعض قد يجد راحته في المتعة مع الأصدقاء والصحاب والمعارف، بروح الأسرة الواحدة، بأسلوب اجتماعي، يتسامرون ويتسلون، أو يتعاونون معًا في العمل عام. وهذا لون سليم من الراحة، مادام لا خطأ فيه. ولكنه مستوى معين من الراحة، يوجد ما هو أعلى منه.
وهناك راحة زائفة، وراحة خاطئه
لقد استراح آخاب الملك حينما استطاع أن يدبر مؤامرة ظالمة استولى بها على حقل نابوت اليزرعيلى، وساعدته في ذلك زوجته إيزابل، إذ أرادت أن تحقق له رغبته، ولو بجملة من الخطايا ولم يسترح الاثنان، إذ أرسل الله إيليا النبى إلى آخاب ليقول له "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلى، تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" (1مل 21: 19). وهكذا حدث لزوجته أيضًا (2مل 9: 36).


وقد يظن إنسان أنه يريح نفسه بالتدخين أو الخمر:
أو بتعاطي بعض المخدرات. وقد يصل الأمر به في كل ذلك إلى الإدمان. وهو لا يدرى أن السجاير أو الخمر لا تحل له مشكلة، بل هي مشكلة أخرى تضاف إلى مشاكله. والمخدرات إنما تتيهه عن نفسه فينسى مشاكله إلى حين. ولكن هذه المشاكل تظل باقية بلا حل، تضاف إليها مشكلة أخطر وهى تعاطى المخدرات..
وإنسان آخر قد يرى راحته في تحقيق شهوة معينة:
كأن ينتقم لنفسه ممن أهانه أو أساء غليه، ويرد الكلمة بكلمتين، وعندئذ يستريح!! كذلك إن استطاع أن يهزم منافسه.. وكلها راحة زائفة وخاطئة..
ذلك قد يشعر براحة داخلية، من يحقق لنفسه شهوة في العظمة، أو القنية والامتلاك، أو شهوة جسدية، أو قضاء الوقت في الهو وعبث..!! أو ممارسة باقى عاداته الخاطئة.. ويكون في كل ذلك قد أهلك نفسه..
مادام الأمر هكذا، فلنبحث عن الراحة الحقيقية وكيف تكون:
أول ذكر للراحة في الكتاب المقدس هو الآية التي تقول: "فاستراح الله في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من كل عمله الذي عمل الله خالقًا" (تك 2: 2، 3).. وهنا نجد راحة مصحوبة بالبركة والتقديس، وتقدم لنا مبدأ هاما وهو: الراحة المقدسة في إتمام عمل صالح:
لأن الله نظر إلى نظر إلى كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا (تك 1: 21)، فاستراح لذلك.. وبنفس الوضع نجد راحة أخرى في إتمام عمل الفداء، حينما قال وهو على الصليب "قد أكمل" (يو 19: 30). وأيضًا وجد راحته في قوله للآب:
"العمل الذي أعط يتنى لأعمل، قد أكملته" (يو 17: 4).
والإنسان الروحي يستريح في أعماقه من الداخل، حينما يمكنه أن يكمل كل عمل صالح يعهد به إليه، وحينما يكمل خدمته. مثلما قال القديس بولس الرسول: "إنى الآن اسكب سكيبًا، ووقت انحلالى قد حضر. جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان. وأخيرا قد وضع لي أكيل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل" (2تى 4: 6 – 8).
لقد استراح السيد المسيح، حينما اكمل عمل الفداء، وأصعد من الجحيم الراقدين على رجاء، وفتح لهم باب الفردوس. ثم هزم الموت بقيامته في فجر الأحد.
لهذا نقدس يوم الأحد، ونعتبره يوم الرب، يوم الراحة الحقيقية.
لأن فيه اراح الرب البشرية من عقوبة الخطية، ومن الموت. واصبح بقيامته باكورة الراقدين (1كو 15: 20، 23).. وهناك نستريح في يوم الأحد.. كان يوم السبت هو اليوم الذي استراح فيه الله خالقا. ويوم الأحد هو الذي استراح فيه فاديا ومخلصا..
والراحة فيه ليست مجرد راحة الجسد، إنما راحة الروح أيضًا.
فالإنسان الروحي يجد راحته في هذا اليوم، في بيت الله، في القداس الإلهي بألحانه وبركاته، وفي الاستماع إلى القراءات المقدسة والعظة، وفي التناول من الأسرار الإلهية. ويجد راحته فيما يقوم به من خدمة في يوم الرب هذا. وبهذا كله ترتاح روحه، ولا يشعر بتعب فيما يبذله من مجهود ويذكر ما قاله القديس يوحنا الرسول في مقدمة سفر الرؤيا:
"كنت في الروح في يوم الرب" (رؤ 1: 10).
لاشك أنه حينما كان في الروح، كان يجد راحة قلبية، تنسيه الضيقة، والنفى في جزيرة بطمس، وترشحه لتلك الرؤيا الإلهية العجيبة التي رآها..
الراحة في يوم الرب، ليس معناها الكسل أو الخمول، وليس معناها أن الإنسان لا يعمل أي عمل على الإطلاق، كما كان بفهم الفريسيون من وصية الرب (تث 5: 13، 14). فوصية الرب كانت خاصة بالامتناع عن العمل العالمى، وليس عن العمل الروحي.. إذن كان يحل عمل الخير في السبوت (مت 12: 12).
أرواحنا تستريح في الله. والله يستريح في ارواحنا.
كما قال في المزمور "ههنا موضع راحتى إلى أبد الآبد. ههنا أسكن لأنى اشتهيته" (مز 132: 14). الله حقا يستريح في القلب الطاهر. يستريح في قديسيه، وأيضًا يتمجد فيهم (2تس 1: 10). والإنسان الروحي كما يرتاح الله فيه، كذلك:
الإنسان الروحي يجد راحته في إراحة الآخرين:
إنه يشعر بلذة وراحه، كلما أراح غيره. يستريح قلبه وتستريح روحه في كل عمل محبة يقوم به نحو الآخرين. يجد راحة قلبية، حينما ينقذ مسكينا، أو يحسن إلى فقير، أو يعطف على يتيم، أو يحل مشكلة إنسان في ضيقة، أو يعزى حزينًا.. ويجد راحة في الخدمة الروحية التي يقوم بها، مهما كلفته من مجهود..
راحة الروح تجعله لا يشعر بتعب الجسد.
عامل الإطفاء مثلا يخاطر بالقاء نفسه وسط النار والدخان، ويشعر براحة كبيرة كلما أنقذ إنسان من الحريق. وكذلك من يتعب لينقذ شخصًا من الغرق. كذلك من يبذل كل جهده، ليرد خاطئا عن طريق ضلاله، فينقذ نفسا من الموت، ويستر كثرة من خطايا" (يع 5: 20). كل تعبه في الافتقاد، وفي الحوار والإقناع، وفي احتمال هذا الخاطئ، كل هذا التعب لا يشعر به، بل بالحرى يجد فيه لذة إن أمكنه أن يخلص نفسه. وبهذا يشعر براحة كبيرة.
لاشك أن أكبر راحة شعر بها المسيح، كانت على الصليب.
وسط آلام الصلب المبرحة، كان يشعر براحة لا يعبر عنها، في تخليص البشرية من حكم الموت، وفي إرضاء العدل الإلهى، وفي بذل نفسه كمحرقة وذبيحة خطية لفداء البشر جميعا.. راحة مؤسسة على الألم، الذي احتمله بسبب الحب..
ولعل نفس الراحة، شعر بها الشهداء، والقياس مع الفارق.
وسط عذاباتهم وآلامهم، كانوا يشعرون براحة، إذ هم على وشك الالتقاء بالرب في الفردوس، والتخلص من رباط الجسد والمادة، والانطلاق إلى كورة الأحياء ومجمع القديسين...
وهكذا أيضًا، وكل من احتمل آلاما لأجل المسيح،وهكذا قيل عن الآباء الرسل القديسين، بعد جلدهم "وأما هم فذهبوا فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41).
وهكذا الأب والأم يشعران براحة من كل تعبهما من أجل تربية أولادهما.
مهما بذلا من جهد جسدى في العناية بهؤلاء الأطفال، مهما احتملا من تعب في سهر الليل، وفي العناية بصحة هؤلاء الأطفال ونظافتهم، وفي الاهتمام بتعليمهم والإنفاق عليهم. في كل ذلك يشعران براحة. كما تشعر الأم براحة وهى تحمل جنينا في أحشائها، لأن الله وهبها ابنا، مهما كانت متاعب الحبل والولادة..
إن الراحة ليست هي مجرد راحة الجسد، إنما هي راحة الضمير ايضًا..
والضمير يرتاح حينما يؤدى رسالته، وحينما يقوم بواجبه، ويكلمه على أحسن وجه، ولا يهتم اطلاقا بتعب جسده في سبيل إكمال عمله، وتحقيق هدفه الصالح. وكلما كانت آماله عالية، كلما تعب بالأكثر، ووجد راحة في تعبه. وكما قال الشاعر:
كلما كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد
بعكس ذلك الذي يستريح جسديا، ويتعب ضميره.
كالإنسان الذي يكسل ولا يذهب إلى الكنيسة أو إلى الخدمة، بحجة حاجة جسده إلى الراحة. هذا الإنسان يستريح جسده، ولكن ضميره يتعب. أو الخادم الذي يكسل في افتقاد مخدوميه، أو بحجة تعب الجسد يقصر في زيارة مريض، أو في الذهاب لتعزية حزين، هذا يريح جسده بينما يتعب ضميره.
كذلك التلميذ الذي لا يذاكر، ويمتع جسده باللهو والراحة، تتعب نفسيته فيما بعد حينما يفشل في امتحاناته، ويتعب ضميره لتقصيره في واجباته. وبالمثل كل إنسان يهمل عمله، ويركن إلى الرحة، فيفشل أولا يخطى برضى رؤسائه..
تعب الإحتمال أيضًا فيه راحة للروح.
تعب النفس في تحويل الخد الآخر، وفي مشى الميل الثانى، وفي الصبر على من يخاصمك، ويأخذ ثوبك فتترك له الرداء ايضًا. وفي عدم مقاومة الشر (مت 5: 39 – 41)0 كل هذه الألوان من الاحتمال، حتى إن تعبت فيها النفس، ولو في أول الطريق، إلا أن الضمير يرتاح لأنه نفذ الوصية.
كذلك الذي يسهر الليل في الصلاة.
ويقوم في نصف الليل، ليسبح الله على أحكام عدله. وتسبق عيناه وقت السحر، ليتلو في جميع أقواله (مز 119).. هذا تجد روحه راحة بكل تعب الجسد. وكذلك تجد راحة في جهاده ومصارعته لقوى الروحية (أف 6)، والصبر إلى المنتهى حتى يخلص (مت 24: 13).
ومع كل ذلك، لم يحرمنا الله من راحة الجسد.
فمنحنا يوم السبت (الأحد حاليا) لنستريح فيه، جسديا وروحيا. لأن الله الذي خلق أجسادنا، يعرف أن هذا الجسد يحتاج إلى راحة يوم كل أسبوع. ولذلك قال الرب: "ليست إنما جعل لأجل الإنسان. وليس الإنسان لأجل السبت" (مر 2: 27).
من حقك إذن، بل من واجبك، أن تريح جسدك من الإرهاق، ومن المرض. وتعطيه حاجته من النوم. ولا تسبب له أمراضًا بإهمالك في القواعد الصحية. وأيضًا تعطيه كفافه من الغذاء. ولكن...
ولكن لا تكون راحة جسدك على حساب تعب روحك.
أنت "تقيت جسدك وتربيه" (أف 5: 29). ولكن في نفس الوقت "تقمع جسدك وتستعبده" (1كو 9: 27)، ولا تجعله يتمرد على الروح.. تعطى الجسد غذاءه، ولا تعطيه شهواته. تعطية النوم للراحة، ولكن توقظه للصلاة، لكي تستريح الروح أيضا. وهكذا فإن الإنسان الروحي يحفظ ميزان الراحة بين الجسد والروح.
كثير من الناس يرهقون أجسادهم أزيد من احتمالهم، فترهق أعصابهم أيضًا. وقد يخطئون بسبب أعصابهم المرهقة، وتتعب أرواحهم بذلك. والأمر يحتاج إلى حكمة وافراز.
وفى إراحة جسدك، ابعد عنه الخطاء النفسية التي تتعبه.
فالغضب والنزفزة من أمراض النفس، ويتعب الجسد أيضًا. وكذلك الاضطراب والقلب وحمل الهم والكآبة الزائدة، كلها متاعب في النفس، تسبب تعبا للجسد أيضًا وقد قال الرب في علاج ذلك "لا تهتموا بما للغد يهتم بما لنفسه" (مت 16: 34).. لذلك فالإنسان الروحي، الذي يكون قلبه مرتاحا ونفسه في سلام، بحياة الإيمان والتسليم.. هذا أيضًا براحة روحه يريح جسده أيضًا من أمراض كثيرة..
والإنسان الروحي، كما يريح نفسه وجسده، كذلك بالأكثر يريح روحه.
يريحها من الخطايا، ومن العادات السيئة والطباع الرديئة. ويريحها من الشهوات ومن الاستسلام للإغراءات، ويريحها من مقاومة الجسد لها، الجسد الذي يشتهى ضد الروح (غل 5: 16، 17). ويريحها بالانتصار على حروب الشياطين، ومقاومتهم راسخًا في الإيمان راسخا في الإيمان (1بط 5: 9). ويريح روحه أيضًا بمنحها الغذاء الروحي الذي يقويها ويقربها إلى الله ويعمق محبته فيها.. ويريح روحه، بأن لا يعمل شيئا يتعب ضميره.
وتستريح روحه في طاعة الله. ويستريح الله بطاعته.
إن الله يستريح في القلوب المؤمنة به، المحبة له، التي تصنع مشيئته، وتتمم ارادته، كالملائكة "الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه" (مز 103: 20).
الإنسان الروحي، تستريح روحه في شركة الروح القدس (2كو 13: 14). فلا يعمل عملًا إلا إذا كان روح الله يشترك معه فيه. الروح تستريح حينما تقول لله في كل عمل "لتكن مشيئتك". فهذا تريح وتستريح. ما أجمل ما قيل عن موسى النبي إنه صنع كل شيء حسب المثال الذي أراه الرب على الجبل (عب 8: 5).
ننتقل إلى النقطة الأخيرة، وهى كيف يستريح الإنسان:
إذا استراح الإنسان من الداخل، يستريح من الخارج أيضًا. وإن تعب داخله، لابد أن يظهر عليه هذا التعب من الخارج.. نظرته إلى الأمور هي التي تتعبه. لذلك قال القديس بولس الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو 12: 2)
يجب أن يقتنع الإنسان بفعل الخير، فتصير تصرفاته خيرة.
يجب أن يستريح قلبه تمامًا للسلوك بالروح. ولا توجد شهوة خاطئة تتعب الإرادة. وكما قال القديس ذهبي الفم "لا يستطيع أحد أن يؤذى إنسان، ما لم يؤذ هذا الإنسان نفسه". الإنسان المستريح في الداخل لا يتعبه أي سبب من الخارج. وهو أيضًا لا يتعب أحدًا. بعكس الإنسان غير الروحي، الذي طبعه النكد، ونفسيته غير مستريحة، فأقل الأسباب تتعبه، ويستقبلها هو بتعب.
التعب في داخله، وليس بسبب الأسباب الخارجية.
لأن الروحيين أحاطت بهم من الخارج أسباب متعبة كثيرة، ومع ذلك لم يتعبوا.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:47 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
لا تجعل راحتك على تعب الآخرين

ما أكثر الخطايا التي يقع فيها من يبنى راحته على تعب الآخرين. وسنضرب لذلك أمثلة عدية منها.
1- من يجد لذته في التهكم والضحك على غيره.

يتخذه مجالا للسخرية والتفكه والتسلية، غير مبال بجرح مشاعره، ومشاركة الناس له في جعل هذا الإنسان أضحوكة لهم.. وبخاصة إن كان لا يستطيع الدفاع عن نفسه، أو يحتشم من ذلك، لأن الذي يتندر عليه أكبر منه سنًا أو مقامًا. هذا الساخر هو إنسان يجد راحته في تعب غيره نفسيًا..
2- مثال آخر: من يقيم حفلة ساهرة صاخبة بميكروفونات تنقل الصوت عاليا عبر عدة شوارع..

ويستمر على ذلك إلى ما بعد منتصف الليل في صخب ولهو وغناء وضوضاء. ولا يبالى في كل ذلك بشعور غيره ولا بمصلحته. المحتاج إلى نوم، لا يستطيع أن ينام. والتلميذ لا يستطيع أن يذاكر. والمريض يزعجه الصوت، وربما يكون قد تناول حبوبًا منومة تفقد مفعولها. والباقون يفقدون حريتهم في الكلام وفي القراءة وفي الاستمتاع بوقتهم. ولكن صاحب الحفلة مسرور بحفلته، غير عابئ بتأثيرها على غيره.

ومثل ذلك من يفتح راديو أو ترانزستور أو قطار. هو يريد أن يسمع ولا يهمه غيره..
3- كذلك من يدخن سيجارة، وبجواره من يكره رائحتها..

ينفخ دخانها في وجهه، أو فيما حوله. وقد يكون بجواره من يكاد يختنق من رائحة الدخان. وبخاصة لو كان ذلك في مكان مغلق، في حجرة، أو أتوبيس، أو طائرة.. هو يريد أن يتمتع بمزاجه الخاص، ولا يعبأ بتعب غيره. وقد يفعل ذلك دون أن يستأذنه وحتى لو أستأذن يكون ذلك إجراء شكليًا. وما أكثر ما تتعب الزوجات من أزواجهن المدخنيين.. يدخل تحت بند التدخين أيضًا المصانع التي تعكر الجو بدخانها، وتؤذى صحة الناس لكي يكسب أصحابها مالًا.. وكذلك العربات التي تنفث في سيرها دخانًا..
4- وبالمثل من يتعب غيره بمكالمات تليفونية قد تطول..

يطلب غيره تليفونيا في أي وقت. وقد يكون نائما، أو على مائدة الطعام، أو عنده ضيوف، أو يكون منشغلًا بعمل هام يجب أن يقوم به. ويظل هذا الإنسان يتكلم ويتكلم، ودون يسأل هل الذي يسمعه لديه وقت لسماعه أم لا. بينما اللياقة تقتضى أن يسأل..! وقد يكون صوته عاليًا يسمعه الذين حول السامع، وربما يعرفون به أسرارًا ما كان يجوز أن يسمعوها!
5- وبنفس الوضع: الحكم على بعض الزيارات:

إنسان يزوره غيره على غير موعد، دون أن يعرف هل هذا القريب أو الصديق مستعد لاستقباله أم لا! ولكنه يدخل ويجلس ويتكلم. وقد تطول الجلسة، وصاحب البيت يخجل من أن يقول له أنه منشغل، أو كان على وشك الخروج لمهمة معينة أو موعد مع آخرين! ويكون هذا الضيف جالسًا في بيت صاحبه. إنما هو جالس على أعصابه.. وما أصعب مثل هذا الزيارات إن كانت خلال أيام الامتحانات، ويعلو فيها الصوت، والطلبة محتاجون إلى هدوء.. ومع ذلك فهؤلاء الضيوف يحاولون أن يجدوا راحتهم، ولو على تعب غيرهم.
6- وعلى نفس القياس: بعض الرحلات إلى الأديرة والمتوحدين:

كل ما يريده أصحاب الرحلات أن يتمتعوا بالدير، دون أن يضعوا في ذهنهم راحة الرهبان أو هدوء الدير. وقد الدير. وقد يكون في الرحلة أطفال يصيحون ويجرون ويلعبون. وقد يرتفع صوت أعضاء الرحلة، وقد يتجولون في الدير بغير نظام. وأحيانا تكون في الدير عدة رحلات بعدة أتوبيسات مع عربات خاصة. ويجتمع في الدير مئات، وتسود الضوضاء أرجاء هذا المكان المقدس، وأصحاب الرحلة سعداء!! لا يفكرون في تعب الرهبان الذين تركوا العالم التماسًا للهدوء! وتزيد المشكلة إن أصر بعض أعضاء الرحلة على زيارة المتوحدين.. إنهم يريدون راحتهم، ولا يفكرون في طقس الحياة التي يعيشها غيرهم..
معروفة قصة البابا ثاوفيلس الذي أراد زيارة القديس الأنبا أرسانيوس المتوحد فلما عرف أن ذلك يؤذى وحدته، امتنع عن ذلك...
7- هناك أيضًا أشخاص يريدون أن يتكلموا، وربما في موضوعات لا يستريح لها سامعوهم..

وقد يقصون أسرار أناس آخرين، أو مشاكل معينة، أو أخطاء قد حدثت، أو يفتحون أذهان سامعيهم لمعرفة أمور جديدة عليهم من الخير لهم أن لا يسمعوها.. ولكنهم يريدون أن يتكلموا، ولو اتعبوا السامعين، ولو صبوا في آذانهم معلومات مؤذية، ولو أتلفوا أفكارهم. وقد يحاول السامع أن يهرب، ولكنهم يضغطون بالكلام، لأنهم يجدون لذتهم في الحديث، شاء السامع أن يسمع أو لم يشأ!! هذا بالإضافة إلى اضاعه وقته..
8- فى كل مرة تضغط على غيرك، تيقن تمامًا أنك تبحث عن راحتك على حساب تعبه..

وقد يكون هذا الضغط على إراداته، لكي ينفذ ما لا يريد. وقد يستخدم فيه أحيانًا الإلحاح المتعب الذي يشكل ضغطًا على أعصابه وعلى أذنيه.. وقد يكون الضغط مباشرة أو عن طريق وسطاء. أو يكون ضغطًا على ضميره بتهديده بالالتجاء إلى أخطاء يشارك في مسئوليتها.. المهم أن يصل الشخص إلى تحقيق غرضه بالضغط أو الضغوط، ولا يهمه مطلقا شعور من يضغط عليه، ولا تعب أعصابه، وتعب فكره وتعب إرادته، والوقت الذي تستغرقه الضغوط..
9- هناك أشخاص يستريحون نفسيًا بالشكوى والبكاء، ويشركون غيرهم في سماع مشاكلهم ومتعابهم وأحزانهم..

ولو حدث ذلك مرة أو في بعض مناسبات، لكان ممكنًا الاحتمال بالمشاركة الاجتماعية "بكاء مع الباكين" (رو 12: 15). ولكن ماذا عن أشخاص تعودوا الشكوى والبكاء والنكد.. ما أن يقابلوا صديقًا، حتى بنفتح ريكوردر الشكوى والبكاء والحزن واليأس والتعب، إلى غير نهاية ومهما حاول السامع أن يخفف عنهم، لا يستطيع، ويزداد الأنين والتعب، وربما لغير سبب، أو لسبب تافه، أو بحديث متكرر، وبلا نتيجة! المهم أنهم يريدون أن ينفسوا عن أنفسهم، ولو تعب سامعوهم.. ليتك حينما تتكلم، أن تنظر إلى ملامح سامعك.. هل تعب؟ هل ضجر؟ ممكن أن تكمل كلامك أم لا. ما أكثر الذين يفقدون أصدقاءهم ومعرفهم، بمداومة الشكوى والبكاء.
10- نقطة أخرى هي موضوع العثرات:

إنسانة تقف طويلا أمام المرآة قبل أن تخرج. ولا تفارق المرآة حتى ترضى تمامًا عن نفسها، إنها صارت في منتهى الفتنة. كل من يراها يعجب بها. ولا يهمها في كل ذلك انها تعثر. المهم راحتها النفسية في أن تكون تكون موضوع الإعجاب، ولو تعب الذين يعجبون بها. نصيحتى لك: لا تجعلى المرآة تقودك.. بل اهتمى أن لا تكونى عثرة لأحد..
11- يشابه هذا بعض المتزينات في الحفلات:

إنسانة تريد أن تكون الأولى في إحدى الحفلات. وقد تحضر حفلة عرس، وتحاول أن تكون أجمل وأشيك من العروس نفسها!! تلبس ملابس فوق مستوى الكل، وتتحلى بحلى لا تتحلى بها إمرأة أخرى. تريد أن تجذب انتباه الكل، ولو ألغت وجود غيرها، ولو أتعبت باقي النساء وشعرن بصغر نفس وبضآلتهن إلى جوارها! هذه أيضًا تبحث عن راحتها بتعب الأخريات. وإن ناقشتها ترد قائلة "إنها حفلة، ويجب أن أحتفظ بأناقتي". نعم ولكن في حدود المعقول. ودون إثارة الغيرة، ودون الدخول في مقارنات. البسى في الحفلة ما يناسب مستوى المشتركات في الحفلة، بأناقة معقولة.
12- ما أكثر المشاكل الزوجية، التي سببها أيضًا من يجعل راحته على تعب غيره:

ومثال ذلك الزوجة التي تطلب من زوجها طلبات فوق طاقته المالية. فإما أن ترهقه ماليًا، أو تضطره إلى الافتراض أو إلى الديون. أو أن يقول ليس معى! وأحيانا تحرجه بحظها العاثر في أن تتزوج رجلًا ليس معه ما ينفقه عليها! وهكذا تجرح شعوره.. ونفس الكلام ينطبق على الابن الذي يطلب من أبويه ما هو فوق طاقتهما، والمواطن الذي يطلب من الدولة ما هو فوق طاقتها.
13- مثال آخر: هو المهاجر الذي يحضر إلى مصر، ليطلب من الكنيسة أن تزوجه في أيام الصوم؟

وأحيانًا في الصوم الكبير!! وإن قيل له أن قوانين الكنيسة لا تسمح بإجراء سر الزواج في الصوم، يظل يضغط ويضغط، ويقدم أعذارًا وتبريرات خاصة بالسفر وبالإجازات. وإن وجد أن هذه التبريرات غير مقبولة، يحتج ويغضب ويصيح ويصر، ويهدد بالزواج عند الطوائف الأخرى. والمهم راحته في أن يتزوج، ولا يهتم بضمير الكاهن، ولا بقوانين الكنيسة، ولا بكسر الصوم. إنه يريد موافقة الكنيسة، وليس بركتها. يريد راحته على تعب غيره..!
14- من الأشياء العجيبة ايضًا: من يريد ان يبنى مجده على هدم غيره، ويظن بهذا أنه يظهر تفوقه!

حتى في المحيط الكنسي! كاتب يريد أن يحطم جميع البديهيات والمسلمات التي يعرفها الكل، ومحاولا أن يثبت خطأها، لكي يقدم رأيًا جديدًا، كأنه يفهم أكثر من الكل. هو الوحيد الذي يفهم، وكل ما ورثناه عن الأجيال هو خطأ إلى أن بعثه الله، ليقدم للناس المفاهيم السليمة.. من هنا نشأ المبتدعون الذين شيئًا جديدًا، لعله ينى لهم مجدًا، بتقديم ما لم يصل اليه الغير. يحاول أن يظهر علمه، بإعلان جهل الكل، وقد يسأل غيره أحيانًا أسئلة محرجة المقصود بها أن يظهر جهلة. ثم يجيب هو عن الأسئلة ليظهر تفوقه..
15- ومثال ذلك من يخفى مواهب غيره، لتظهر مواهبه هو:

لا يسمح لغيره بالظهور، ليبقى وحده في الصورة. كالأستاذ الذي لا يعطى المعيد فرصة ولا شهادة، إلا بشق الأنفس. وفى نفس الأشكال يقع غالبية الناشئين، فلا فرصة سهلة لكاتب ناشئ، أو لمخترع ناشئ، أو لفنان ناشئ، لأن الكبار يريدون احتكار العبقرية ذاتها! ويجدون راحتهم في أن يخلو الجو لهم، ولو تعب كل الناشئين يحتكرون الجو ويحتقرون الغير..! يدخل في ذلك أيضًا من يحتكر الكلام أثناء اجتماع، ولا يعطى غيره فرصة لكي يتكلم!
16- من أمثلة الراحة بتعب الآخرين: الزوج الغيار:

الذى من أجل غيرته على زوجته، يكاد يحبسها في البيت. لا يراها أحد، ولا تتكلم مع أحد. ولا تضحك على فكاهة قالها الغير، حتى إن كانت فكاهة تضحك الحجر! وإلا يقيم الدنيا ويقعدها. لماذا تنبسطين في الكلام؟! كأنما اشترى عصفورة جميلة وحبسها في قفص. حتى إن غنت داخل القفص، يمنعها من الغناء! وهكذا يضيق عليها تضييقا يجعلها تكره الحياة بسببه. وإن جادلته أو عاتبته، يقول لها "هذا هو الذي يريحنى "! ولكنها راحة على تعب غيرك، لا تقيم فيها أي أعتبار لشعور زوجتك..
وبالمثل الزوجة الغيارة أو النكدية أو الكثيرة التحقيق مع زوجها، والتي ترهقه بأسئلة واحراجات، لكي تستريح هى، مهما تعب هو..
17- تظهر الراحة على تعب الآخرين غى موضوع الزحام:

كل شخص يريد أن يسبق غيره، أو يأخذ مكان غيره، أو يصل هو، ولا يهم أن يصل غيره أو لا يصل! والعجيب أن ذلك قد يحدث أحيانًا أثناء التناول من الأسرار المقدسة وبخاصة أيام الأعياد والمناسبات. بينما التناول يليق به إنكار الذات وانسحاق النفس، ولا يليق به بتاتا أن يبحث الإنسان عن راحته بتعب غيرهم. يشبه هذا إيضًا من يبحث عن الأماكن الأولى في الاجتماعات، أو يحجزها قبل مجيئه. وكذلك من يقف في اجتماع، ولو أخفى الرؤية عن غيره. ومن يوقف عريته في مكان، ولو عطلت المرور على غيره.. العجيب أن الزحام قد يحدث أيضًا في الجلوس من أب الاعتراف فقد يدخل معترف إليه. وهناك طابور طويل ينتظر. فلا يهمه كل هؤلاء، ويقضي ما يشاء من الوقت، ولو تعب المنتظرون. العجيب أيضًا أنه لا يعترف بهذا أثناء جلسته مع أب الاعتراف!
18- وموضوع الزحام يذكرنا بالمنافسات عمومًا:

ومنها المنافسات في الوظائف والمناصب، حيث يريد أن يزيح شخصًا من مكانه ومركزه ليحل محله. أو يأخذ درجة أو علاوة بدلا منه، ولو بتقديم شكوى ضده، أو إشاعة المذمة فيه. أو يتسبب في فشله ليضيعه. وفي مجال السياسة، حزب ينافس حزبًا، ويكره الناس فيه ليأخذ مكانه ويدخل في المنافسات أيضًا المضاربات في الأسواق. ونحن لا نقول إن كل منافسه خاطئة. بل نقصد المنافسات التي تلجأ إلى طرق خاطئة لأن تتعب غيرها أو تتخلص منه أو تحطمه..!
19- وتدخل في موضوعنا أيضًا كل أنواع السرقة:

فالنشال يريد أن يأخذ ما في جيب غيره ليضعه في جيبه هو. وكذلك كل سرقة. ويدخل في هذا المجال الغش في التجارة،واحتكار الأسواق والمضاربات فيه، والربا الفاحش، والسوق السوداء، الهروب من الضرائب والجمارك. في كل هذا يبنى كل إنسان راحته على تعب غيره. ومثلها صاحب العمل الذي يبخس أجور عماله ليغتني هو، وكأنه يسرق عرقهم وتعبهم. وكذلك الذي يطلب رشوة ليقضى عملا مشروعًا.
إنها أيضًا سرقة وقد تكون بالإكراه، وهى راحة خاطئة بتعب الآخرين نضع مثال آخاب الملك الذي أراد أن يغتصب حقل نابوت اليرزعيلى (1مل 21). كذلك كل أنواع الظلم والتسخير.
وأيضًا من يسرق فكر غيره وينسبه إلى نفسه. ومن يترجم لمؤلف، وينسب الفكر لنفسه.
20- نذكر هنا أيضًا نظرية (كبش الفداء):

حيث تقوم مثلا سرقات في شركة من كبار المسئولين فيها، وبقدم موظف بسيط، أو مدير، أو عضو مجلس إدارة منتدب ليحمل المسئولية كلها، ويتبرأ المخطئون الحقيقيون، فينالون راحتهم بتعب غيرهم. كذلك محاولة النجاة من مسئولية أي خطأ بإلصاقه بآخر. ومن يتهم غيره لينجو هو.
21- اغتصاب الفتيات واغراؤهن يدخل في موضوعنا أيضًا.

إذ يجد شاب راحته الجنسية في أن يضيع فتاة ويغتصبها. وحتى مجرد العلاقة التي تشغل عقل الفتاة وعاطفتها، وتضيع سمعتها، لمجرد أن يجد الشاب متعته في مصادقة فتاة، مهما أساء إليها بهذه الصداقة‍! إنها راحة مبنية على تعب الآخرين.
22- يدخل في هذا الأمر أيضًا الغضب والنرفزة:

إنسان أعصابه تعبانه. ينفس عن ضيقه بأن يصب غضبه على الآخرين كلامًا أو كتابة، لكي يستريح هو، مهما تعبوا هم. وما ذنبهم في تعرضهم لأعصابه المرهقة. وإن عاتبته يقول: لم استطع أن أستريح إلا بعد أن قلت هذه الكلمة! ولكنها راحة خاطئة.
23- يدخل في هذا الموضوع ايضًا: الحروب والاستعمار:

حيث تجد إحدى الدول راحتها في تحطيم دولة أخرى، أو في حصارها اقتصاديًا، أو في استعمارها وقد يفعل الأفراد مثل هذا في حدودهم الضيقة.
24- نذكر أيضًا الاستطلاع ومحبى معرفة أسرار الناس.

راحتهم هذه ما أكثر ما تتعب غيرهم، سواء الذين يريدون معرفة أسرارهم، أو الذين يلحون عليهم بالسؤال، ليستخرجوا منهم المعلومات، بالأسئلة المتواترة، والإلحاح المتعب، حتى يعصرونهم عصرًا ليستخرجوا كل ما عندهم من من المعلومات من ملومات بالضغط والإحراج.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:50 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
ما معنى الراحة؟

هؤلاء الذين يبحثون عن راحتهم بتعب غيرهم، إنما يخطئون في فهم الراحة. ويبحثون عن راحة مغشوشة:
فالراحة الحقيقية هي راحة الضمير، وراحة الإنسان مع الله، وكذلك الراحة الأبدية. أما الراحة التي يبحث عنها هؤلاء، فهي راحة غير حقيقية. والإنسان الروحي يبذل نفسه من أجل غيره، ويتعب ليريح الناس. كذلك يجب أن لا تكون الوسيلة إلى الراحة وسيلة خاطئة "وقد قيل ما عاش من عاش لنفسه فقط". والكتاب يقول "قدموا بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو 12). ويجب أن يبعد الإنسان عن الأنانية وحب الذات.
هناك استثناء واحد، وهو العقوبة التي تستلزمها الرعاية، لأجل راحة المجموع، وتثبيت القيم والروحيات.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:53 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
التعب المقدس والراحة في إراحة الغير


الإنسان الروحي لا يهرب من التعب بحثًا، بل يفرح كثيرًا بأن يتعب من أجل الله.
إنه يبحث أولا عن راحة ضميره، عن راحته في الرب.. أما راحة الجسد، فيضعها في آخر اهتماماته. ويفضل التعب إن كان فيه كسب روحي. ويرى راحته في هذا التعب الذي يوصله إلى الله، والذي يكون فيه بناء الملكوت.
وهنا نميز لونًا من التعب المقدس، له أمثلة كثيرة في الكتاب:
منه التعب في الكرازة والتعليم، وفي الخدمة عومًا، والتعب في الجهاد الروحي. والقديس بولس الرسول، لما ظنه البعض أقل من باقى الرسل في درجه الرسولية، قال مدافعًا عن رسوليته "وأنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله العاملة معى" (1كو 15: 10). وقال "أهم خدام المسيح؟ أقول كمختل العقل، فأنا أفضل: في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر. في الميتات مرارًا عديدة" (2كو 11: 13). وقال عن خدمته أيضًا "في تعب وكد، بأسفار مرارًا كثيرة".. فكان أهم ما افتخر به هو التعب. وقال عن مكافأة التعب:
"كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3: 8).
وقد مدح الكهنة الذين "يتعبون في الكلمة والتعليم"، وقال عنهم "فليحسبوا أهلًا لكرامة أفضل" (1تى 5: 17). وقال لأهل تسالونيكى "نسألكم أيها الأخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم، وأن تعتبروهم كثيرًا جدًا في المحبة" (1تس 5: 12).
وفى رسالته إلى رومه، ذكر أسماء نسوة قديسات تعبن في الخدمة: فقال "سلموا على مريم التي تعبت من أجلنا كثيرًا.. سلموا على تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب. سلموا على برسيس المحبوبة التي تعبت كثيرًا في الرب" (رو 16: 6، 12).


إن كل تعب يتعبه الإنسان من أجل الرب، هو تعب محبوب لا يمكن أن ينساه الله. وذلك كما قال الرسول:
"لأن الله بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه" (عب 6: 10).
حسن أن تقول إنك تحب الله. ولكن محبتك له تظهر في تعبك من أجله.. والله يكافئك على المحبة وعلى التعب. وهكذا قال الرسول "لم اسع باطلًا، ولا تعبت باطلًا" (فى 2: 16). قال لأهل كورنثوس "كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين. عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو15: 58).
إن الإنسان الذي يتعب، يفرح بثمار تعبه.
مثال ذلك: الزارع الذي يتعب في حرث الأرض وزرعها وريها، وتنظيفها من الآفات.. إلى أن يأتى وقت الحصاد، فيفرح، ويعرف أن تعبه لم يكن باطلًا، بل كافأه الرب بالبركة حسب كل تعبه.
إن كل تعب يتعبه الإنسان بهدف روحى، وبأسلوب روحى، من أجل الله، هو تعب محسوب له عندالله، مسجل عنده. وهكذا قال الرب لملاك كنيسة أفسس:
"أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك" (رؤ 2:2).
إنه أمر معزى أن الله يعرف كل تعبك، ويكتبه لك في سفر الحياة، ولابد سيكافئك عنه في الأبدية السعيدة، وربما في هذه الحياة أيضًا. كما يسندك في تعبك ويقويك. أويقول لك كما قال للقديس بولا الطموهي في جهاده "كفاك تعبًا يا حبيبى بولا".. وهو يقول على الدوام:
"تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال، وأنا أريحكم" (مت 11: 28).
يريحنا بأن يرفع الأثقال عنا، أو يعزينا عزاء روحيًا في أتعابنا، أو يقدم لنا ووده الجميلة، أو يعطينا لذة في التعب حتى نشتاق إلى تعب أكثر، أو يذكرنا بأن كل عملنا لأجله سيتبعنا في البدية السعيدة، كما قيل في تطويب المنتقلين:
"00لكى يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم" (رؤ 14: 13).
لذلك فالإنسان الروحي، حينما يتعب من أجل الرب، يشعر ببركة في هذا التعب. وإن كل تعب له إكليل، فلا يركن إلى الراحة أبدًا في هذه الحياة، متذكرًا قول الوحى في سفر الأمثال: "فى كل تعب منفعة" (أم 14: 23). وكما قدم لنا الكتاب المقدس أمثلة للذين تعبوا لأجل الرب..
كذلك قدم لنا تاريخ الكنيسة أمثلة من التعب المقدس.
القديس اثناسيوس الرسولى مثلًا، كم تعب من أجل الإيمان، وكم اضطهادات لاقاها من الأريوسيين الهراطقة.. وكم من اتهامات باطلة، ومقاومات كثيرة صدرت "العالم ضدك يا أثناسيوس"..!!
ولكنه احتمل كل هذا التعب في صبر وفي فرح، لأجل حماية الإيمان، آخذا بركة هذا التعب..
وبالمثل وأكثر: التعب الذي احتمله الشهداء.
من تهديدات ومحاكمات وسجن، وألوان مرعبة من التعذيب، وما ذاقوه من آلام فوق الوصف.. لكنه كان تعبًا مباركًا من أجل الرب، نالوا عليه أكاليل، واستحقوا بسببه الراحة الأبدية.
الإنسان الروحي يفرح بالتعب، ويجد راحته فيه.
أى أنه يجد راحته الداخلية في هذا التعب الخارجي، وأو يجد راحة روحه في تعب جسده، أو يجد الراحة الأبدية في هذا التعب الزمني المؤقت.. فهو مستعد أن يتعب هنا ليستريح هناك.
إن القديس يوحنا المعمدان لاقى المتاعب في توبيخ هيرودس على أنه آخذ امرأة أخيه، فسجن وقطعت رأسه.. ولكنه أراح ضميره ليستريح في الأبدية. وأعطانا جميعًا مثالًا قويا للشجاعة في الدفاع عن الحق.
لا ننسى أيضًا تعب الذين كانوا أمناء في الخدمة، وقد وضعوا أمامهم قول الرب: "كن أمينا إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤ2:10).
"إلى الموت".. هل يوجد تعب أكثر من هذا؟! ولكنه تعبير عن محبة الإنسان لله.. انظر داود النبي وهو يقول:
"لا أصعد على سرير فراشى، ولا أعطى لعينى نومًا، ولا لأجفانى نعاسًا، ولا راحة لصدغى، إلى أن أجد موضعًا للرب ومسكنًا إله يعقوب" (مز 132: 3- 5)..
إنه لا يسمح لنفسه بالراحة الجسدية، إلا إذا تم واجبه وحقق مسئوليته في خدمة الرب،وحينئذ يستريح روحًا وجسدًا. ينام وهو مستريح من الداخل..
الإنسان الروحي لا يهرب من التعب. فالذى يهرب من التعب، إنما يهرب من الله..
إنه يهرب من واجبه ومن مسئوليته، ويهرب من الأكاليل المعدة..! بينما الذي يتعب، إنما يظهر بالتعب مقدار محبته لله، ومقار إهتمامه بملكوت الله على الأرض، واهتمامه بخدمة الله في أشخاص أولاده..
لذلك إن أردت أن تستريح في قلبك، اعمل على راحة غيرك.
كل الذين أراحوا غيرهم، شعروا بسعادة داخليه بسب ذلك، حتى في مجال الحياة الاجتماعية. وما أكثر الأمثلة على ذلك:
فالطبيب يجد راحة في ضميره وقلبه عندما يريح المريض الذي يعالجه، ويبعد عنه الألم. ورسام الكاريكاتير يجد راحته في أن يفرح من يروا رسومه ويقرأوا فكاهاته. وهكذا كل فنان يجد راحته عندما يدخل فنه إلى قلوب الناس ويريحهم.
الشخص الذي يبحث عن راحته الشخصية، قد يكون أنانيًا.
أما الإنسان الروحي فيفكر دائمًا في راحة الآخرين. هناك نفوس يمكن أن نسميها نفوسًا مريحة، كل من يختلط بها يستريح. وهى مصدر راحة باستمرار. ونضرب لذلك أمثلة:
*مثال ذلك الأمومة والأبوة:
الأم تتعب جدًا في تربية أبنتها. وتتعب في تجهيز ابنتها المزواج. وتفرح بزواجها لأنها استقرت في حياتها. وعلى الرغم من أنها حرمت من عشرتها، إلا أنها تشعر بسعادة لسعادتها وربما تبيع مجوهراتها وحليها لتجهيز ابنتها إذا لزم الأمر. وهكذا الأب في تربية أبنائه وفي الاهتمام بتعليمهم ومستقبلهم. ويشعر إن رسالته في الحياة هي أن يجلب كل وسائل الراحة والسعادة لابنائه. ولكل هذا نجد أن إلهنا الصالح لقب نفسه بالأب السماوى. والمهم أن الأب والأم يريحان أبناءهما على أساس سليم.
*مثال آخر في إراحة الآخرين، هو الراعى وعمله لأجل رعيته.
إنه لا يعمل من أجل راحة نفسه، بل يبذل كل جهده من أجل خرافه، يأتى بها إلى المراعى الخضراء وإلى ماء الراحة، ويحميها من كل اعتداء تتعرض له ومن كل خطر. ولهذا كله أقام الله رعاة لشعبه للاهتمام بهم، ليرعوا رعية الله التي اقتناها بدمه (أع 20: 28).
بل إن الرب نفسه شبه نفسه بالراعى، وقال "أنا هو الراعى الصالح. والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11). وقال الرب في العهد القديم، في سفر حزقيال النبي "أنا أرعى غنمى واربضها – يقول السيد الرب – واطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح" (حز 34: 15، 16).. كله عطاء لراحة غنمه..
*كل هذا يعطينا فكرة عن الراحة في العطاء.
الإنسان الروحي يجد سعادته في أن يعطى، ويجد راحته في سعادة الذي هو يعطيه. إن الرضيع يجد راحته في المرضعة التي ترضعه، سواء كانت أو غيرها. والمرضعة تجد راحتها في راحته وإذا ابتسم، تشعر بسعادة كبيرة.. ما أكثر ما يعمل من أجل الطفولة. كلها راحة في العطاء.
وما أكثر العاملين من أجل المجتمع في كافة المجالات..
كرجال المطافئ، ورجال الاسعاف، ومنقذى الغرقى. ومثل جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.. كلها تجد راحتها في راحة الآخرين. وتشعر بسعادة في انقاذ الغير.. وهكذا كل من يعمل في العمل الاجتماعى والعمل الإنسانى.
الطبيب النفسانى يشعر بسعادة حينما يشفى مريضه من القلق أو الاضطراب أو الخوف أو الوهم أو الشك، مهما كلفه ذلك من جهد مضنى بسبب تعامله مع شخص غير طبيعى..
كذلك العلماء الذين يسهرون ويكدون، لكي يقدموا للناس مخترعات تريحهم في حياتهم، أو أدوية تنقذهم من المرض والألم.
فيا ليتك أنت أيضًا تجد راحتك في خدمة غيرك وإراحته.. وفي حل مشاكل الآخرين أو إبعاد المشاكل عنهم.
الإنسان الروحي يجد راحته في الله، مهما أحاطت به المشاكل.
إنه يضع الله بينه وبين المشاكل. فلا يفكر في المشكلة، إنما في الله الذي يحلها. وفي كل مشكلة تصادفه يقول "ربنا موجود". وإيمانه بالله وتدخله لحل المشاكل، يمنحه راحة داخلية وسلامًا قلبيًا مبنيًا على الإيمان بالله وعمله.
أتذكر أننا في أواخر سنة 1967 إضطررنا إلى نقل اجتماعنا إلى فناء الكلية الإكليريكية في الهواء الطلق. فقال لى البعض "وماذا نفعل من جهة المطر، إذا حل فصل الشتاء؟ فقلت لهم: إله الشتاء هو الذي سيدبر الأمر".
الإنسان الروحي يستريح في حياة التسليم التي يحياها.
يترك كل أموره الله، لكي يدبرها. كما يقول الكتاب "إلق على الرب همك وهو يعولك" (مز 55: 22). وأيضًا "ملقين كل همكم عليه، لأنه هو يعتنى بكم" (1بط5: 7). ويثق بوعد الرب القائل "تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال، وأنا أريحكم" (مت 11: 28). فلماذا لا تلجأ إلى الله في كل مشاكلك ومتاعبك، وهو يريحك؟
الإنسان الروحي يجد راحته في الصلاة.
أو يجدها في آية معزية تفرح قلبه، أو يجد راحته في تذكره لوعود الله. يكفيه مثلًا قوله الإلهي "تشدد وتشجع.. لا أهملك ولا أتركك" (يش 1: 5، 6) أو "ها أنا معكم كل الأيام وإلى أنقضاء الدهر" (مت 28: 20) أو "هوذا على كفى نقشتك" (أش 49: 16). فيفرح بكل هذا، ويجد راحة في قلبه، معتمدًا على وعود الله.
ما جمل تلك العبارة التي كتبها القديس أوغسطينوس في اعترافاته قائلًا للرب:
"ستظل قلوبنا قلقة، إلى أن تجد راحتها فيك".
الإنسان البعيد عن الله يعيش في تعب، لأن الراحة الحقيقية لا يجدها إلا في الله. ولذلك حسنًا قال داود النبي "أما أنا فحسن لي الالتصاق بالرب" (مز 73: 28).
وقال "الاتكال على الرب خير من الاتكال على البشر. الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء" (مز 117). "دفعت لأسقط، والرب عضدنى. يمين الرب صنعت قوة بالرؤساء" (مز 117).
كما يستريح الإنسان في حياة الإيمان، يستريح في حياة الرجاء..
الذى يفقد الرجاء، يقع في اليأس، ويقترب من الهلاك أو الضياع. أما الإنسان الروحي، فيرى بالرجاء أن كل مشكلة لها حل، وكل باب مغلق له مفتاح أو عدة مفاتيح، وكل سقطه لها قيام بعدها
المشاكل لها شكل هرم. ترتفع حتى تصل إلى قمتها، ثم تنحدر نازلة على الجانب الآخر. هكذا كانت مشاكل يوسف الصديق، وارتفعت حتى أوصلته إلى السجن، ثم نزلت ووصل إلى المملكة. وبالمثل كانت تجربة أيوب: ارتفعت حتى فقد كل شيء، ثم انتهت فنال البركة بالضعف (أى 42: 10).
راحة الإنسان الروحي في حياة التسليم والسلام، وحياة الإيمان والرجاء.
وثق أنك إذا استرحت في الداخل، ستستريح من الخارج أيضًا.
وباستمرار لتكن وسائلك إلى الراحة وسائل روحية. لأن هناك إنسانًا قد يقع في مشكلة، فيجد راحته في كذبة تغطيها، أو في حيلة كلها خداع كما فعل داود لما سقط..! أو إنسان يتعب، فيلجأ إلى حبوب مسكنة، لا تحل مشكلته أو تتيهه عنها..
والراحة ليس معناها التوقف المطلق عن العمل، إنما البعد عن الإرهاق.
فإذا تعبت من التفكير في موضوع ما، لا تستطيع أن توقف عقلك عن الكر تمامًا إنما تغير مجرى تفكيرك، وتستبدل فكرًا بفكر، فتستريح.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:56 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي يحيا بالروح لا بالحرف

إنه يضع أمامه على الدوام قول الرسول:
"لا الحرف، بل الروح. لأن الحرف يقتل، ولكن الروح يحيى" (2كو3: 6). وهذا المبدأ يشمل حياته كلها. فهو في كل وصايا الله.
يهتم بروح الوصية، وليس بحرفيتها..
إنه ليس فريسيًا ولا ناموسيًا، ولكنه شخص روحي. فالفريسيون كانوا يتمسكون بحرفية الوصية، كما فعلوا مع الرب في وصية السبت مثلًا. حتى أنه حينما منح البصر للمولود أعمى، وكان ذلك يوم سبت، قالوا "هذا الإنسان ليس من الله، لأنهلا يحفظ السبت" (يو 9: 16). وقالوا للمولود أعمى "أعط مجدًا لله. نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ" (يو 9: 24)،. ولما شفى السيد مريض بيت حسدًا بعد مرضه 38 عامًا، يقول الكتاب إن اليهود "كانوا يطلبون أن يقتلوه، لأنه فعل ذلك في يوم سبت" (يو 5: 16)
إنه الحرف الذي الذي يقتل، لأنه يدل على عدم فهم لروحانية الوصية.
وسنحاول أن نتأمل بعض نقاط في الحياة الروحية، لنرى كيف يسلك الإنسان الروحي بالروح وليس بالحرف.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:57 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الصوم

كثيرون يصومون، ويظنون أن الصوم هو فقط الطعام النباتى. ويحاولون أن يجهزوا لأنفسهم أطعمة نباتية شهية جدًا في أكلها، ومغذية جدًا فيما يضيفونه عليها من ألوان الطعام النادرة والغالية الثمن..! ويتساءلون عن السمن النباتى، والجبنة النباتى، واللبن النباتى، والشيكولاته النباتى. وينسون قول دانيال النبى عن صومه:
"كنت نائحًا ثلاثة أسابيع أيام، لم أكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر. ولم أذهن" (دا 10: 2، 3)
وأحب أن أركز هنا على عبارة "لم آكل طعامًا شهيا".. لأنه حيث يأكل الإنسان أطعمة شهية أثناء صومه، كيف يمكنه أن يسيطر على رغبات الجسد، وهو يعطيه ما يشتهيه من الطعام؟!
الإنسان الروحي يدرك أن الصوم في حقيقته هو إذلال للجسد، وانتصار على شهوة الطعام، وارتفاع فوق مستوى المادة،فلا يعتبر أن الصوم هو مجرد الطعام النباتى.. إنما هو في صومه يهتم بعنصر المنع، أي منع جسده عنا يشتهيه، مهما كان ذلك طعامًا نباتيًا صرفًا.
ولهذا كثيرون يصومون ولا يستفيدون، لأنهم يسلكون في صومهم بطريقة حرفية شكلية.
ولم يدخلوا في روحانية الصوم، ولا في روحانية الوصية الخاصة بالصوم والقصد الإلهي منها!
وهكذا صاموا بالجسد، وكانت أرواحهم مفطرة.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 05:59 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
المطانيات

المطانيات هي السجود. فما هو المقصود بهذا السجود؟
الإنسان الروحي لا يرى السجود مجرد انحناء الجسد. وإنما أيضًا انحناء الروح والجسد.
لذلك يقول مع المرتل في المزمور "أما أنا فبكثرة رحمتك ادخل إلى بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك"..
وعبارة "مخافتك "تدل على خشوع الروح أثناء السجود. وعبارة "بكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك "تعنى الشعور بعدم استحقاق. وهكذا يصيح الشماس أثناء القداس "أسجدوا الله بخوف ورعدة"..

هنا المشاعر الروحية تصحب حركة الجسد.
أحيانًا تعتذر لإنسان وتضرب له مطانية، فلا يقبلها منك إذ يشعر أنها عمل جسدانى لا روح فيه.
وقد تقول بعد ذلك: مذا أفعل له أكثر من هذا؟ لقد ضربت له مطانية، وانحنيت برأسى إلى الأرض!! يا أخى المهم أن تنحني روحك.. لا تتمسك بحرفية المطانية دون روحها.
أما الإنسان الروحي ففى سجوده يقول مع داود النبي: "لصقت بالتراب نفسى" (مز 119: 25).
وليس مجرد رأسى التي لصقت في سجودها بالتراب. النفس التي تلتصق بالتراب هي مقبولة أمام الله والناس.
قرأت لأحد الرهبان مقالًا في عيد الغطاس، شرح فيه كيف أن السيد المسيح انحنى أمام المعمدان، لكي يكمل كل بر، مع أن يوحنا المعمدان اقل من السيد المسيح بما لا يقاس، وليس أهلًا أن ينحنى ويحل سيور حذائه.. ثم ختم مقاله بعبارة: "اعطنا يا رب أن ننحنى أمام من هم أقل منا،لكي نكمل كل بر"..!!
إن كنت ترى أنهم أقل منك، فما معنى الانحناء إذن؟! أهو حرفيات بغير روح؟ إننا نريد إنحناء الروح.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:00 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الصلاة

الصلاة حرفيًا هي الحديث مع الله. وهى روحيًا: اتصال روح الإنسان بروح الله.
وقد يصلى إنسان، أو يظن أنه يصلى، بينما لا توجد هذه الصلة بينه وبين الله!!
لذلك وبخ الله اليهود بقوله "هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا" (أش 39: 13) (متى 15: 8).

إنها صلاة غير مقبولة، لأن الله يريد القلب. أتظن أنك تصلى، لأنك تحرك شفتيك أمام الله؟!
وقد يكون ذلك بلا فهم، ولا روح، وبلا مشاعر: بلا حب، بلا خشوع، بلا اتضاع..!!
أتريد أن ترضى ضميرك من جهة الصلاة؟! حتى لو كانت هكذا!! أم تصلى بروحك، وتصلى بذهنك، تقصد كل كلمة تقولها في صلاتك.. صدق ماراسحق عندما قال عن مثل هذه الصلاة:
قل لنفسك: أنا وقفت أمام الله لكي أعد ألفاظًا.
ذلك لأن كثيرين يهمهم أن يطيلوا بغير فهم، أو أنهم يتلون عددًا كبيرا من المزامير، بسرعة لا تأمل فيها، ولا يتابعون معنى الألفاظ أثناء صلاتهم!!
والمزامير كلها روحانية، لكنهم يقتصرون على الحرف.
وبالمثل يرددون كلمات التسبحة في الابصلمودية بسرعة عجيبة، لا يتابعون فيها المعنى.. وكذلك بالنسبة إلى كثير من الألحان.. المهم أمامهم هو الحرف وليس الروح،والشعور بأن الإنسان أدى (قانونه) في الصلاة، واستراح ضميره بذلك، بينما لم تصعد هذه الصلاة إلى الله، لأنه لم تكن هناك صلة، ولم تشترك الروح فيها ولا القلب..
أما الإنسان الروحي فيقول مع الرسول "أصلى بالروح، أصلى بالذهن أيضًا" (1كو 14: 15).
"أرتل بالروح، وأرتل بالذهن أيضًا"..

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:01 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
القبلة

نسمع في القداس عبارة "قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة". والقبلة هي تعبير عميق عن الحب. وعبارة "مقدسة" تعنى أنها تكون طاهرة وبغير رياء...
ويسلم كل منا على من يجاوره، رمزًا إلى سلامه مع الناس جميعًا.. فهل نقتصر على هذا الشكل أو هذا الشكل أو هذا الحرف؟! بينما لا يكون سلام في قلوبنا مع الناس!!

يهوذا الإسخريوطي قبل السيد المسيح.
بالحرف لا بالروح، والحرف يقتل.. مظهر خارجي يدل على المحبة، تختفي وراءه خيانة.. لذلك تحرم الكنيسة التقبيل من أربعاء البصخة، احتجاجًا على قبلة يهوذا الخائنة.
وأنت كلما تقابل أناسًا تبدأ بالسلام.
أهي حرفية كلمة سلام؟ أم هو سلام حقيقي بالمعنى الروحي؟.. ما أكثر ما نقول من كلام، ومن تحيات، ومن مجاملات، بمجرد الحرف، وبلا روح.
أنمتنع عن المجاملات إذن؟ كلا...
بل ندخل إليها الروح والحق، فتدل على الحب وعلى التعاطف على حسن التعامل، وتقدير الناس.
نفعل هذا من كل قلوبنا. ويظهر هذا في ملامح وجوهنا، وفى نظرات عيوننا. ليس بالحرف بل بالروح.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:03 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
العطاء

الإنسان الروحي يعطى أولًا من قلبه، بكامل حبه، قبل أن يعطى من ماله ومن جيبه. عطاؤه هو مجرد تعبير عن مشاركته القلبية في احتياجات الناس، وفي احتياجات الكنيسة.
ولكن بعض الناس قد يقدمون العطاء بغير مشاعر لمجرد التنفيذ الحرفي للوصية..!
وينسون قول الكتاب "المعطى المسرور يحبه الرب" (2كو 9: 7).. العطاء يبدأ من القلب، وليس بمجرد اليد. والمعطى روحيًا هو الذي يفرح حينما يعطى، لأنه يشعر أنه اشترك في اسعاد الناس، أو أخذ بركة المساهمة في احتياجات الكنيسة.
غير أن البعض يحاسبون الله حسابًا عسيرًا!!
يقتصرون على العشور، إن دفعوها!! ويدققون في حساباتهم جدًا، حتى لا يزيد العطاء عن العشور.. وقد يدخلون فيها بعض واجباتهم الاجتماعية اللازمة نحو الأقرباء والمعارف، وما اضطروا لدفعه من مناسبات معينة لبعض المشروعات ولشئون الخدمة.
ويظهر أن القلب غير مشترك في العطاء..
وأن محبة المحتاجين غير مرتبطة بالعطاء،بل قد يصحبه تحقيق شديد معهم، وربما انتهار للفقراء، وربما شيء من التعالى والكبرياء، وربما تأخير هذا العطاء فترة قد تطول.
ونظن أننا نعطى. وننسى عبارة "من يدك أعطيناك" (1 أي 29: 14). وكأن العطاء مجرد ضريبة ندفعها.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:05 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الخدمة

أحيانًا نأخذ من الخدمة حرفيتها أو شكليتها. ونظن أننا نساهم في عمل الكنيسة، دون أن ندخل إلى روح الخدمة. بل حتى من جهة الحرف ننسى المعنى الحرفي لكلمة خادم.
ننسى الاتضاع اللازم للخدمة.
وتصبح الخدمة مجالًا لإظهار الذات، ويختلط بها حب السيطرة والنفوذ، والتنافس بين الخدام، الأمر الذي لا يتفق مطلقًا مع كلمة (خادم). وكأننا في الخدمة نركز حول ذواتنا، وليس حول ملكوت المسيح الذي قال عنه يوحنا: "ينبغى أن ذاك يزيد وأنى أنا أنقص" (يو 3: 30).
وتصبح الخدمة مجرد معلومات يلقيها خادم مدارس الأحد، أو مجرد أعمال إدارية ومالية يقوم بها مجلس الكنيسة ولجانه. أو مجرد أنشطة تقوم بها الهيئات العاملة في الكنيسة.. وفي كل هذا ننسى روح الخدمة.
أما الإنسان الروحي فيخدم عن حب لله ولملكوته. وحب للناس الذين يريد أن يوصلهم إلى الله والملكوت.
إنه يخدم بروح الخادم، وبروح الخدمة، لكي يصلح المخدومين مع الله، أو يعمق محبتهم له، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولذلك فخدمته تكون خدمة روحية، وليست مجرد نشاط أو تعليم أو رسميات، أو مراكز!

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:06 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
يوم الرب

تقديس يوم الرب هو وصية قديمة، نفذها اليهود حرفيًا، طاعة لقول الرب "أما اليوم السابع ففيه سبت للرب. ولا تعمل فيه عملًا ما" (خر 20: 10). بالحرف هو أنك لا تعمل عملًا ما.
أما بالروح فهو سبت للرب، أي راحة للرب. يستريح فيه الرب معك وتستريح أولاده أيضًا.
وهذا ما يفعله الإنسان الروحي، حيث يجد راحته في إراحة الناس، وفي راحة قلبه مع الله وفي عمل الخير الذي يستريح به ضميره من نحو نفسه ومن نحو غيره،وبهذا يصبح اليوم سبتًا أي راحة حسب مفهوم الكلمة لغويًا وروحيًا.. وهذه النقطة كانت موضع جدل بين السيد المسيح واليهود: هل يحل فعل الخير في السبوت؟ (مت 12: 10، 12).
وكانت إجابة الرب أنه يحل فعل الخير في السبت، لأن فعل الخير يريح الناس وهذا هو روح الوصية..
إذن لا تقتصر على الحرف، الذي هو عدم عمل أي عمل من الأعمال، حتى لو كان خيرًا..!
لأنك بهذا تريح روحك، ولا تريح الناس.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:07 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الطقوس

الإنسان العادى، السطحى غير العميق، ربما لا يدرى الروحيات الكامنة في كل طقس من طقوس الكنيسة..
أما الإنسان الروحي، فيدخل إلى الأعماق هذه الطقوس ورموزها، ويشترك بروحه فيها..
ويتابع بالروح تحركات الشمامسة والآباء الكهنة.
فمثلًا حينما يحمل الكاهن الإنجيل فوق رأسه، يدور به حول المذبح، يدرك الإنسان الروحي أن هذه الدورة تشير إلى انتشار الإنجيل في المسكونة كلها.. ويصلى بقلبه من أجل هذا..
وحينما يمسك الشماس شمعة أمام الإنجيل، يتذكر الإنسان الروحي قول المرتل في المزمور: "سراجٌ لرجلى كلامك ونور لسبيلى" (مز 119). ويصلى إلى الله أن ينير بصيرته بما يسمعه من كلامه المقدس.
وحينما يرفع رئيس الكهنة تاجه خشوعًا واحترامًا أثناء قراءة الإنجيل، ينتقل نفس الخشوع إلى قلب الإنسان الروحي وهو يسمع، وبصفة عامة تشترك روحه في صلوات القداس وفي كل صلوات الليتورجيات. ولا يقتصر فقط على الاشتراك بحواسه، وإنما بقلبه أيضًا وروحه، لأن الروح هو الذي يحيى..
ونفس الوضع بالنسبة إلى الأعياد..
الإنسان الروحي لا ينظر إلى العيد كمجرد يوم فرح، انتهى الصوم فيه، كما يفعل الكثيرون. إنما يدخل إلى روحانية المناسبة التي من أجلها نحتفل بالعيد، ويتأملها ويعيش فيها. ففي عيد الميلاد، يفرح لأنه البدء العملي لقصة الخلاص، ويفرح بما فيها من اتضاع وحب ويفرح في عيد القيامة بما يحمل من الانتصار على الموت، وفتح باب الفردوس، ولأنه باكورة القيامة لنا جميعًا.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:07 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
العقيدة

هى بالنسبة إلى الإنسان العادي، ربما تكون مجرد لاهوتيات وأمور عقلية ربما تصبح معه موضع جدل مع الطوائف الأخرى. أما بالنسبة إلى الإنسان الروحي، فهي إيمان يسرى في دمه، وله تأثيرها على روحياته.
فالمعمودية مثلًا، إذ يؤمن أنها موت مع المسيح وقيامة (رو 6: 4: 8) وفيها صلب للإنسان العتيق (رو 6: 6، 4)، يحرص أن يحتفظ بصلب هذا الإنسان العتيق،وإذ يعرف أن المعمودية ميلاد جديد (يو 3: 5) (تى 3: 5)، يتذكر قول الرسول إن المولود من الله لا يفعل خطية.. ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله (1يو 3: 9). فيبكت نفسه كلمًا أخطأ، ويحاول أن يحيا في فاعلية المعمودية..
وهكذا مع باقي أسرار الكنيسة.
يدرك النعمة التي في كل سر، ويحيا فيها..

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:16 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي بين الروح والنفس والجسد

الإنسان الروحي يرتفع فوق مستوى الجسد والجسدانيات، ولا يسلك حسب الجسد.
وفى ذلك قال القديس بولس الرسول "لاشئ من الدينونة الان على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح، (رو 8: 1) وقال أيضًا "إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو 8: 13). وشرح هذا الأمر بقوله "الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح. لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله" (رو 8: 5 – 7). وهنا يواجهنا سؤال.
هل الجسد خطية؟ والجواب: كلا فلماذا؟
* إن الجسد ليس شرًا في ذاته، وإلا ما كان الله قد خلقه. لأن الله لا يخلق الشر. بل إن الله بعدما خلق الإنسان بهذا الجسد، "رأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا" (تك 1: 31).
* وإيضًا لأن الجسد يمكنه أن يشترك في العبادة ويخدم الله. يركع ويسجد، ويرفع نظره إلى فوق، يرفع يديه في الصلاة، ويصوم، ويتعب في الخدمة.
* وهكذا فعل كثير من القديسين. اشتركت أجسادهم مع أروحهم في العمل الروحي، وعاشوا في الجسد حياة بارة. وكانت أجسادهم مقدسة.
*و الجسد ليس شرًا، وإلا ما كان الله يقيمه، ويمنحه نوعًا من التجلى، فيصير جسدًا روحانيًا نورانيا سماويًا (1كو 15: 44، 49). يقام في مجد..
*ولوكان الجسد شرًا، ما كنا نكرم اجساد ورفات القديسين. وما كانت تحدث معجزات من أجسادهم، كما حدث مع عظام أليشع النبى (2مل 13: 21).
إننا نكرم اجساد القديسين، ونضع عظامهم في أديرتنا وكنائسنا، ونحتفى بها، ونفرح باقتنائها، ونبخر لها، وندهنها بالاطياب. وننال منها بركة.
*ولو كان الجسد شرًا، ما كان الرسول يقول: "مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو 6: 20). إذن يمكن أن يكون الجسد أداة لتمجيد الله.

*الجسد أيضًا ليس شرًا، لأن الكتاب يقول "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح..؟ أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (1كو 6: 15، 19) "هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو" (1كو 3: 16، 17).
الجسد إذن ليس خطية ولا شرًا. ولكن الخطية هي في السلوك حسب الجسد، في شهواته ورغباته الأرضية. الخطية هي في تغليب الجسد على الروح.
مادام الجسد إذن ليس شرًا، فلماذا الحديث عن الصراع بين الجسد والروح؟ ولماذا إذن قول الرسول "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهى ضد الروح ضد الجسد" (غل 5: 16، 17).
هنا لا يتحدث الرسول عن الجسد كما خلقه الله.
فآدم وحواء – قبل الخطية – كان لكل منهما جسد. وكانا يعيشان في براءة كاملة "وكان كلاهما عريانين، وهما لا يخجلان" (تك 2: 25). والأطفال الصغار والرضعان، لهم أجساد وليست فيها شهوة للخطية.. إنما يتحدث الرسول عن الجسد الخاطئ.
الجسد إذن في ذاته ليس شرًا، ولكن..
الجسد من تركيب مادى. وقد يميل إلى المادة وينفعل بها، وينفصل عن سيطرة الروح، ويقاومها.
وهنا يبدأ الصراع. وتبدأ الشهوة الخاطئة..
على أن احتياج الجسد المادة، بطريقة طبيعية غير شهوانية، ليس في ذلك خطأ فالجسد مثلًا يحتاج إلى أطعمة مادية وإلى ألوان من التغذية، وليس في ذلك خطأ. بل الرسول يقول إن الإنسان "يقيت جسده ويربيه" (أف 5: 29). وقد طوب الرب المهتمين بالجياع والعطاش والعرايا..
واعتبر اهتمامهم بهؤلاء، كأنه موجه إليه شخصيًا. فقال للذين عن يمينه في اليوم الأخير "تعالوا إلى مباركى أبى.. لأنى جعت فأطعمتمونى، عطشت فسقيتمونى.. عريانًا فكسوتمونى" (مت 25: 35 – 36).. وكلها أعمال موجهة إلى صالح الجسد..
هذا هو نصف الحقيقية. فما هو النصف الآخر؟
الإنسان الروحي يردد قول الكتاب: أقمع جسدي وأستعبده (1كو 9: 27) أي أقمع شهوته.
أن يعطى الجسد احتياجه الطبيعي من المادة، وليس أكثر. فإن وصل الجسد إلى اشتهاء المادة والتعلق بها، مما يخرجه عن النطاق الروحي حينئذ فالإنسان الروحي يقمع الجسد ويستعبده، أي يجعله عبدًا للروح، لا يتمرد عليها، ولا يستقل عنها في تدبير ذاته.
ويصل الإنسان الروحي إلى ذلك عن طريق النسك والصوم وصلب الجسد.
وعن هذا الأمر يقول الرسول "ولكن الذين هم للمسيح يسوع، قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24)،هؤلاء يقاومون "شهوة الجسد، وشهوة العين" (1يو 15، 16) هذه التي قال عنها الرسول إنها من محبة العالم..
نحن لا نقتل الجسد، فقتل الجسد خطيئة، ولذلك لا نصلى على المنتحر، إلا لو كان في جنون لا يحاسب فيها عن أفعاله.. ولكننا نعمل على قتل شهوات الجسد الخاطئة. أي أننا نخضع شهوات الجسد، لرغبة الروح في الالتصاق بالله.
وغرض النسك عند الإنسان الروحي، هو منح فرصة للروح، لتعمل عملها منطلقة من ثقل الجسد.
الإنسان الروحي يهتم بجسده، ولكن بأسلوب روحى. ويمتنع عن الاهتمام الذي يغذى شهوات الجسد، الذي حذر منه الرسول (رو 8: 6، 7).
وحينما يقود الجسد في حياة النسك، لا يكتفى بهذا الوضع السلبى، إنما من الناحية الإيجابية يجعل نسك الجسد فرصة لغذاء الروح. ويشرك الروح مع الجسد في هذا النسك. فلا يكون مجرد زهد من الجسد، إنما أيضًا معه زهد النفس.
والإنسان الروحي يقيم توازنًا في اهتمامه بكل من الجسد والروح.
ففيما يعطى الجسد غذاءه يعطى الروح أيضًا غذاءها، فكما يعطى الجسد طعامًا كل يوم، بوجبات متعددة، وعناصر غذائية منوعة، كذلك يعطى الروح غذاءها من القراءة الروحية والتأمل والصلاة والألحان والترانيم، والتناول أيضًا.
وكما يعالج الجسد إذا مرض، يعالج الروح أيضًا من أمراضها، بل يلجأ إلى الوقاية بالأكثر. وكما يمنح الجسد نصيبه من الرياضة، كذلك يستخدم الرياضة الروحية. وكما يهتم الإنسان العادى بزينة جسده وهندامه وحسن ملابسه، كذلك يهتم الإنسان الروحي بزينة الروح الوديع الهادئ. ويجعل روحه تتزين بالفضائل وثمار الروح (غل 5: 22، 23).
الإنسان الروحي يجعل اهتمامه الأول بروحه وبأرواح الغير أيضًا.
ويتحاشى كل شيء يعطل طريق الروح، سواء من الخطأ بالنسبة إلى نفسه، أو العثرة بالنسبة إلى غيره.. يهتم بسلامة روحه، وبالنمو في الروح. ذلك لأن روحه هي نفخه الله فيه (تك 2: 7)، بينما جسده من التراب.. بالروح يصير مثل ملائكة الله في السماء، وتصير له صلة مع الله ومحبة، وصلة مع العالم الروحاني من الملائكة والقديسين.
وباهتمامه بروحه يعود إلى الصورة الإلهية التي خلقه بها الله منذ البدء (تك 1: 27).
على شبه الله ومثاله (تك 1: 26) ما أروع هذا!
وباهتمامه بروحه، إنما يهتم أيضًا بأبديته، تلك الأبدية التي لا يقاس بها أبدًا هذا العمر المادي على الأرض.. وباهتمامه بروحه أيضًا، إنما يدخل في شركة الروح القدس ويعمل مع الله..
وهنا نسأل سؤالًا أساسيًا: ما هي الحياة الروحية: ونلخص هذه الحياة في أمرين اثنين:
1- أن يخضع الجسد للروح.
2- أن تخضع روح الإنسان لروح الله.
في هذين الأمرين الأساسيين تتلخص كل حياة الإنسان الروحي.
يخضع الجسد للروح، فلا يقاومها، ولا يشتهى ضد ما تشتهى الروح، ولا يدخلها في صراع معه، كما يحدث مع المبتدئين وغير الكاملين. هذا كله من الناحية السلبية. اما من الناحية الإيجابية، فيشترك الجسد مع الروح في عملها الروحي. وبهذا يكافأ الجسد مع الروح في الحياة الأبدية، لأنه اشترك مع الروح في عمل البر. وسلك في حياة الروح، فيستحق لذلك أن يصير جسدًا روحانيًا (1كو 15).
كذلك نقول إن روح الإنسان تخضع لروح الله، لأن الروح البشرية وحدها لها أخطاؤها.
فليست كل أخطاء الإنسان سببها الجسد، بل هناك أخطاء للروح. والكتاب يقول "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18). ونحن نصلى من الساعة الثالثة ونقول "طهرنا من دنس الجسد والروح.. "ونقول في القداس الإلهي طهر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا.
والشيطان، وهو روح ليس له جسد مادى، له سقطاته وخطاياه المستمرة. فقد وقع في الكبرياء (اش 14: 14). وقد صار المقاوم المتمرد، وسماه الرب "الكذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44). ونقول في القداس الإلهي "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس". إذن وقع وهو روح في خطية الحسد وطبعًا وقع في إعثار الآخرين وتضليلهم.. كل ذلك وهو روح. لذلك هو وشياطينه يسميهم الكتاب الأرواح الشريرة، والأرواح النجسة.
الروح إذن يمكن أن تخطئ، إذا انفصلت عن الله. تحتاج الروح إذن إلى شركة الروح القدس.
لذلك منحنا الله المسحة المقدسة (ايو 2: 20، 27)، التي بها يسكن روح الله فينا، ويكون معنا إلى الأبد، ويرشدنا إلى كل الحق (يو 16: 3). ويعلمنا كل شيء (يو 14: 26) ويبكتنا على الخطية (يو 16: 8). وباختصار فإن حياتنا الروحية كلها تتوقف على عمل الروح القدس فينا، واستجابتنا لعمله، واشتراكنا معه في العمل..
الإنسان الروحي لا يعمل وحده، إنما روح الله يعمل فيه، ويعمل معه ويعمل به.
إنه أداة في يد الله، وأداة طيعة. هو غصن في الكرمة (يو 15: 1) تسرى فيه عصارة الكرمة، ويأخذ منها حياة. والله يعمل فيه، وبدون الله لا يستطيع أن يعمل شيئًا (يو 15: 5).
سلوكه بالروح، لا يعنى بروحه البشرية وحدها، وإنما باشتراك روحه مع روح الله في العمل. وعلى هذا الأساس وحده، يسمى أنسانًا روحيًا.
روح الله هو الذي يوجهه ويرشده، وهو الذي يمنحه الحرارة الروحية، وهو الذي يمنحه المواهب والإمكانيات التي يعمل بها، ويهبه أيضًا القوة والقدرة.
والإنسان الروحي له الروح المطيعة، لا يحزن روح الله، ولا يقاومه، ولا يطفئ الروح.
إنه لا يدعى لنفسه أنه أعمل عملًا من ذاته. إنما يسجد أمام الله قائلًا: لتكن يا رب مشيئتك. أنا من ذاتي لم أعمل شيئًا "فكل شيء بك كان. وبغيرك لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3).

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:19 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
المستوى الروحي والمقارنة بالمستوى النفساني والمستوى الجسداني

الروحانية هي أولا السلوك بالروح.
وقد ورد الكثير عن هذا الأمر في رسالة بولس الرسول إلى رومية إذ قال "لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو 8: 1). وقال أيضًا "فإن الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح (يهتمون). لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن إهتمام الجسد هو عداوة لله. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله.
إذن الروحانية هنا هي ارتفاع عن مستوى السلوك بالجسد.
هنا وأحب أن أقول لكم إن الإنسان يتكون من ثلاثة عناصر: الروح والنفس والجسد. وقد وضح القديس بولس هذا الأمر، حينما قال في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكى "إله السلام نفسه يقسكم بالتمام. ولتحفظ روحكم ونفوسكم وجسدكم كاملة بلا لوم.." (1تس 5: 23).
إذن الإنسان يتكون من روح ونفس وجسد. وهنا تقول إن الإنسان الروحانى لا يسلك حسب الجسد ولا حسب النفس. السلوك حسب الجسد واضح جدًا للجميع..
كالإنسان الذي يسلك في شهوات الجسد كشهوة الزنى، أو شهوة الطعام، أو شهوة الملبس.. إلخ ولكن ماذا إذن عن السلوك النفسانى؟ نقول أولًا:
لقد حارب الآباء الرسل السلوك النفساني وأدانوه.
فالقديس يهوذا الرسول يقول في رسالته "إنه في الزمان الأخير سيكون قوم مستهزئون سالكون بحسب شهوات فجورهم. هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم" (يه 18: 19) لاحظوا إذن قوله:

نفسانيون، لا روح لهم.
هؤلاء "سالكون بحسب شهوات فجورهم". ولعله يفهم من هذا أن شهوات الجسد تقودها عوامل نفسانية خاطئة، بعيدة عن اتجاه الروح..
والقديس يعقوب الرسول يفرق بين الحكمة الإلهية، وحكمة أخرى يقول عنها إنها "ليست نازلة من فوق بل هي أرضية نفسانية شيطانية "وإنها تسبب الغير المرة والتحزب والتشويش وكل أمر ردئ (يع 3: 14 – 16).. لاحظوا أن وصف نفسانية ارتبط أيضًا بعبارة "أرضية شيطانية".. ما أصعب هذا الوصف..
ربما هذا التفصيل غير مستخدم كثيرًا. فالناس غالبًا ما يتحدثون فقط عن السلوك الروحانى، والسلوك الجسدى. ونادرًا ما يتحدثون عن السلوك النفساني الممقوت..
الإنسان النفسانى تقوده النفس وغرائز النفس وعقلية النفس ومشاعرها بدون روح.
وهذا أمر فيه أخطاء وخطايا كما سنرى.
والإنسان الجسدانى تقوده شهوات الجسد ورغباته. فماذا إذن عن الإنسان الروحانى.
الإنسان الروحانى يتصف بصفتين وهما:
1-ينتصر على الجسد وعلى النفس، ويسلك حسب الروح.
2-الصفة الثانية أن روحه تخضع لروح الله..
يوجد إنسان في داخله صراع بين شهوات الجسد وشهوات الروح (غل 5: 16، 17)،أما الروحاني فقد خضع فيه الجسد تمامًا للروح. ولكن هذا وحده لا يكفى، لأن أخطاء الإنسان ليس سببها فقط شهوات الجسد. فهو قد يخطئ بروحه وحدها.. ولا تتعجبوا من هذا فالشيطان روح، ومع ذلك فقد أخطأ. فهو روح متمردة وروح شريرة.
والكتاب يتحدث كثيرًا عن الأرواح الشريرة.
والسيد المسيح أعطى تلاميذ سلطانًا على إخراج الأرواح الشريرة، أي أرواح الشياطين. إذن ممكن أن الأرواح لا تخطئ. وممكن أن الإنسان يخطئ بروحه..
أما الإنسان الروحي، فإنه لا يخطئ بروحه، لأن روحه خاضعة تمامًا لروح الله..
إذن الإنسان الروحي: نفسه وجسده يخضعان لروحه، وروحه تخضع لروح الله.
ولذلك نقرأ في الرسالة إلى رومية عبارة جميلة جدًا وهى "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أولاد الله" (رو 8: 14). هؤلاء هم الروحانيون، الخاضعون لروح الله. الذين يقودهم روح الله، وهم طائعون لقيادة روح الله. ولكي تنقاد بروح الله ينبغى أن يكون روح الله ساكنا فيك.
من أجل هذا، جعل الله روحه يسكن فينا.
فقال الكتاب "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله ساكن فيكم" (1كو 3: 16). وروح الله الذي فيك يعطى روحك معرفة، ويعطيها إرشادًا. يقودها في الطريق.. يوبخها على خطية، ويحثها على الخير، ويذكرها بكل ما قاله الرب ويعلمها كل شيء (يو 14: 26).
لذلك الكنيسة تمنحك المسحة المقدسة، مسحة الروح.
وعن هذه المسحة تحدث القديس يوحنا الحبيب مرتين في رسالته الأولى، فقال "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء"، "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه، ثابتة فيكم" (1يو 2: 20، 27). ونحن ننال هذه المسحة في سر الميرون المقدس. وكانوا ينالونها في بداية العصر الرسولى بوضع اليد.
إذن تعتمد على قيادة روح الله لك، وليس على الحكمة البشرية وحدها الحكمة البشرية وحدها هي جهالة عند الله (1كو3: 19). وقد شرح القديس بولس الرسول هذا الأمر بعمق شديد وتفصيل، في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، في الاصحاح الثانى.

Mary Naeem 17 - 01 - 2014 06:20 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
أمثلة للمستويات الثلاثة

الشهوة
الفرح


الساعة الآن 12:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025