![]() |
كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث مقدمة الكتاب من هو الإنسان؟ سأل داود النبي هذا السؤال في المزمور الثامن. فقال للرب "من هو الإنسان حتى تذكره" على أعمال يديك أقمته.. أخضعت كل شيء تحت قدميه.." (مز 8: 4،6). وتحدث عن مصير هذا الإنسان على الأرض، فقال في مزمور آخر "أنما نفخة كل إنسان قد جعل. إنما كخيال يتمشى الإنسان" (مز 39: 5،6). وأجاب القديس يعقوب الرسول "ما هي حياتكم؟" فقال "أنها بخار يظهر قليلا ثم يضمحل" (يع4: 14). ونعود فنسأل "من هو الإنسان؟". فنجيب إنه جسد ونفس وروح (1تس5: 23). إنه نفس تشتهي. وهو روح تتصل بالله: تصلى وتتأمل وتتعبد، وتشتهى ضد الجسد، حتى يقاوم أحدهما الآخر" (غل5: 17). والإنسان هو مجموعة من الغرائز والطاقات، يسيطر عليها أحيانا ويوجهها. وفى أحيان أخرى تتسلط هذه الغرائز عليه وتوجه طاقاته. الإنسان هو ضمير يشرع، ويرقب ويقضى ويدين.. الإنسان هو ذلك العقل الجبار، الذي صنع مركبات صعد بها إلى القمر. ولا تزال مركباته تدور حول الأرض، ترى وتصور. الإنسان هو قلب ينبض بمشاعر وأحاسيس: ترق أحيانا فتبكيه، وتقسو أحيانا فتحوله إلى وحش كاسر.. الإنسان هو فكر لا يصمت. وأفكاره على أنواع ومستويات.. قد تعلو حتى تصل إلى السماء وإلى الله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وقد تتدنى فلا تنشغل إلا بالجسد والمادة. وقد تتعقد حينما تبحث أمورا فوق مستواها. الإنسان هو هذا كله معًا.. ولكن ليس بمقياس واحد. وكثيرا ما يطغى فيه أحد هذه العناصر أو بعضها، فتصبح هذه هي السمة التي تميزه عن غيره.. وقد تتصارع فيه هذه العناصر التي ذكرناها، ويستمر فيه الصراع، أو يهدأ ويستقر. وفى هذا يختلف إنسان عن آخر.. وقد قال البعض عن الإنسان، إنه عالم صغير Micro Kosmos. فيه الجبل العالي، وفيه البحر العميق، وفيه الطين والمستنقع.. فيه الذهب والدر، وفيه الرمل والحصى. فيه النور الساطع، وفيه الضباب الذي يحجب النور. فيه أشياء عديدة تتألف حينًا، وتتناقض في حين آخر.. ولقد تحدثت عن الإنسان وتركيباته في عظات ألقيتها في الكاتدرائية الكبرى بالقاهرة. ونشرت عن ذلك عشرين مقالًا في جريدة وطني. ثم جمعت لك ذلك كله -أيها القارئ العزيز- ليكون بين يديك في هذا الكتاب.. محاولًا فيه أن أجيب عن هذا السؤال: "من هو الإنسان؟". بقى موضوع (الأرواح).. الذي أود أنشر عنه كتابًا خاصًا، إن أحبت نعمة الرب وعشنا. نوفمبر 1995 البابا شنوده الثالث |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
مما يتكون الإنسان؟ جسد وروح ونفس يتكون الإنسان من جسد ونفس وروح. وهكذا علمنا الكتاب المقدس وصلوات الكنيسة. 1- يقول القديس بولس الرسول في (1 تس5: 23) "ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح".. وهو هنا قد ذكر الجسد والنفس والروح. إن الجسد معروف لا نقاش فيه.. 2- ولكن للمفارقة بين النفس والروح، نذكر الآتي: * يتحدث القديس يهوذا غير الأسخريوطي في رسالته، فيقول عن الأشرار إنهم "نفسانيون لا روح لهم" (يه 19).. أي أنهم يسلكون حسب أهواء النفس، وليس حسب الروح.. * ويقول القديس بولس الرسول عن قوة كلمة الله فيصفها بأنها حية وفعالة، وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح.." (عب4: 12). وهكذا فرق بين النفس والروح.. 3- ونحن نصلي في القداس الإلهي ونقول: "طهر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا". ونقول عن التناول من الأسرار المقدسة "طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا".. 4- كذلك الآباء الروحيون في نسكياتهم: يفرقون في السلوك بين المستويات الجسدانية والنفسانية والروحانية. 5- ولعلنا في هذه المناسبة، نذكر في التفرق بين النفس والروح: كان قدماء المصريين يعتقدون في الكا، وألبا. وكلمة (كا) معناها الروح. وجمعها (كاو) أي أرواح،ومن أمثلتها أسم الملك صاحب الهرم الثالث: منقرع (من كاو رع) أي أرواح رع الخالدة.. ولعل كلمة (ألبا) عندهم تقابل النفس عندنا. خلق الإنسان أولا من تراب. والتراب صار الجسد. نفخ الله فيه نسمة حياة. وهذه النسمة هي الروح البشرية، وليس الروح القدس كما يظن البعض. لأنه لو كان روح الله قد اتحد بهذا الجسد اتحاد أقنوميًا، ما كان ممكنًا للإنسان أن يخطئ. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
النفس نذكر أولا الفرق بين النفس والروح. النفس هي التي تعطي الحياة للجسد.. والروح هي التي تعطي حياة للإنسان مع الله لذلك فللحيوانات أنفس، وليست أرواح كالبشر. أرواحنا خالدة، والحيوانات ليست لها أرواح خالدة. وما دامت النفس تعطي الحياة للجسد، لذلك قيل في سفر اللاويين: "نفس الجسد في دمه" (لا 17: 11،14). ولهذا حرم الله أكل الدم. فقيل "لا تأكلوا دم جسد ما، لأن نفس كل جسد هي دمه. كل من أكله يُقطع"، "لا تأكل نفس منكم دمًا، ولا يأكل الغريب النازل في وسطكم دمًا" (لا 17: 14،12). وهذا المنع عن الدم بدأ من أيام أبينا نوح. فلما صرح الله للبشرية بأكل اللحم، منعها عن الدم فقال لهم "كل دابة حية تكون لكم طعاما. كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع. غير أن لحما بحياته لا تأكلوه" (تك 9: 3،4) واستمر هذا المنع في العهد الجديد. فحينما قرر الآباء الرسل قبول الأمم في الأيمان، أرسلوا إليهم "أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام، وعن الدم والمخنوق والزنا" (أع 15: 29). الدم فيه حياة الإنسان. إن سفك دمه، انتهت حياته، انتهت نفسه. ولعل أحدا يقول إن موت الإنسان يعنى موت المخ، أي توقفه بكل مراكزه عن الحركة. وبالتالي موت القلب، أي توقفه عن النبض. وفى الواقع ليس هناك تناقض بين هذا وما قلناه. لأنه إن سفك دم الإنسان، لا يصل دم إلى المخ فيموت. وأيضا لا يجد القلب دمًا يضخه، فيتوقف عن النبض. وتتوقف الرئتان عن عملهما في التنفس. فيلفظ الإنسان نفسه الأخير. ولذلك قيل أيضا إن كلمة النفس أخذت من النفس (في التنفس). ولأن نفس الإنسان في دمه، استخدم الدم في التكفير عن الخطايا، لأن نفسا تؤخذ عوضا عن نفس. وهكذا يقول الرب "لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لأن الدم يكفر عن النفس" (لا 17: 11). وهكذا كان يرش دم الذبيحة مستديرا حول المذبح أو على حوائطه (لا1: 5،11،15) (لا 3: 2،8)، (لا4: 29،30،34). وما كانوا يأكلون منه إطلاقًا.. المعاني الثلاثة للنفس1- قلنا أن المعنى الأول للنفس هو أنها مصدر الحياة الجسدية للإنسان. وأن نفس الإنسان في دمه، إذا سفك دمه مات.. 2- النفس تعنى الإنسان كله: * وهكذا في خلق الإنسان، قيل "إن الله نفخ في آدم نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حية" (تك2: 7). إذن كلمة نفس تعنى الإنسان كله. * ومن جهة الذين خلصوا من الطوفان في الفلك، قال القديس بطرس الرسول عن الفلك "الذي فيه خلص ثماني أنفس بالماء" (1بط3: 20). ويقصد بثماني أنفس ثمانية أشخاص. * وقيل في سفر التكوين عن النبي يعقوب الذين جاءوا إلى مصر "جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه، ما عدا نساء بني يعقوب، جميع النفوس ست وستون نفسا" (تك 46: 26). ويقصد بذلك 66 شخصًا. * يشبه هذه ما قاله ملك سادوم لأبينا إبراهيم بعد انتصاره في حرب كدر لعومر وباقي الملك، وبعد أن رد سبي سادوم. قال هذا الملك لأبينا إبراهيم "أعطني النفوس، وأما الأملاك فخذها لنفسك" (تك 14: 21). يقصد هنا أعطني الناس.. * وبنفس المعنى قال السيد الرب "تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29) أي تجدوا راحة لأشخاصكم. * وبنفس المعنى أيضًا قيل في آخر رسالة معلمنا يعقوب "من رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع5: 19). أي يخلص هذا الخاطئ كله.. * وفى عقوبة من يأكل شيئًا مختمرًا في أسبوع الفطير بعد الفصح، قيل "سبعة أيام لا يوجد خمير في بيوتكم. فإن كل من أكل مختمرًا تقطع تلك النفس من جماعة إسرائيل" (خر12: 19).. أي يقطع ذلك الشخص من جماعة المؤمنين. * وفى نفس الكلام عن أن نفس الإنسان في دمه، قيل" لا تأكل نفس منكم دمًا" (لا17: 12). أي لا يأكل شخص منكم دمًا. * وأيضا قال الرب في سفر حزقيال النبي "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز18: 20).. أي الشخص الذي يخطئ هو يموت... النفس أحيانًا بمعنى الروح* مثل قول الرب للغنى الغبي الذي قال "أهدم مخازني وأبني أعظم منها، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي.." فقال له الله "يا غبي، في هذه الليلة تطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟!" (لو12: 18، 20). يقصد تؤخذ روحه منه، فيموت. فالمعروف أن روح الإنسان هي التي تخرج بالموت. كما قال السيد على الصليب "يا أبتاه في يدك أستودع روحي" (لو23: 46)،وكما قال القديس اسطفانوس أثناء رجمه "أيها الرب يسوع، أقبل روحي" (أع 7: 59). مثال آخر وهو قول الرب "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت10: 28).. وكلمة (نفس) هنا، المقصود بها هو الروح.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الجسد أولًا ملاحظة أقولها هي أن الجسد ليس شرًا في ذاته. 1- لأنه لو كان الجسد شرًا، ما خلق الله جسدًا. فالله لا يخلق الشر. فالله عندما خلق الإنسان بجسد، رأى أن ذلك حسن جدًا (تك 1: 26-31). 2- ولو كان الجسد شرًا، ما كان الرب قد تجسد (يو1: 14). فمن المحال القول أن جسد المسيح كان شرًا!! فالملاك الذي بشر العذراء بميلاد المسيح، قال لها "القدوس المولود منك، يدعى أبن الله" (لو1: 35). 3- ولو كان الجسد شرًا، ما كان الله يقيم الجسد من الموت.. كان يتركه يأكله الدود، ويتحول إلى تراب، وينتهي أمره! 4- ولو كان الجسد شرًا، ما كانت تحدث معجزات عن طريق الأجساد. مثل الميت الذي قام، لما لمس عظام أليشع النبي (2 مل13: 20، 21). أو مثل المناديل والمآزر التي كانت تؤخذ من على جسد بولس الرسول وتوضع على المرضى، فتزول عنهم الأمراض وتخرج منهم الأرواح الشريرة (أع 19: 12).. * أن الجسد ليس شرًا في ذاته، وإلا ما كنا نكرم أجساد ورفات القديسين، ونلتمس منها بركة. *والجسد ليس شرًا في ذاته، لأنه يشترك مع الروح في العبادة: الروح تخشع، والجسد يسجد معها ويركع. والروح تخاطب الله في الصلاة، والجسد يرفع يديه ونظره إلى فوق. ويقول مع داود النبي "وليكن رفع يدي ذبيحة مسائية" (مز 141: 2) "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز63: 4، 5). *ولو كان الجسد شرًا، ما كان الرسول يقول" مجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي لله" (1كو6: 25). أذن الجسد هو لله، ويمكن أن يمجده. *ولو كان الجسد شرًا، ما كان يعتبر هيكلًا للروح القدس، كما قال الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (1كو 6: 19) "أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (1كو3: 16). * ولو كان الجسد شرًا، ما كان الذي يطعم جسدًا جائعا كأنه يطعم المسيح نفسه، كما قال الرب "كنت جوعانا فأطعمتموني" (مت25: 35). وكذلك ما كان الرب يشفي الأمراض، ويمدح السامري الصالح الذي اهتم بجسد إنسان جريح" (لو10: 33، 34).. وأيضا ما كان يقول "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (مت9: 12) (لو 5: 31). الجسد إذن ليس شرًا، ولكن الشر في أن الجسد يرتبط بالمادة وبشهوات العالم الفاني، ويقاوم الروح ويسلك ضدها. وحينئذ يكون الخطأ ليس في الجسد نحو الخطية، مثل الزنا والبطنة والسكر والمخدرات والإدمان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وما يسميه الكتاب "شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة" (1يو2: 16). كذلك شهوات باقي الحواس، إذا انحرفت. وكما قال الحكيم "العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تشبع من السمع" (جا1: 8) ليس العيب إذن في الجسد، بل في الاستخدام السيء لهذا الجسد. وفى هذه الحالة يقول الرسول: "الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غل5: 17). لذلك يقول "اسلكوا بالروح، ولا تكملوا شهوة الجسد" (غل5: 16). ولكن ليس كل جسد يشتهى ضد الروح. فهناك أجساد ترتفع إلى المستوى الروحي. ويصير الجسد روحيًا في رغباته وتصرفاته، وفى القيامة العامة سنقوم بأجساد روحانية(1كو15: 44). إنه نفس الجسد، ولكن في الحالة من التجلي، نسميه الجسد الممجد كما قال القديس بولس الرسول عن عمل ربنا يسوع المسيح في مجيئه الثاني: "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (فى 3: 21). |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الروح وإمكانية سقوطها الروح هي مصدر علاقة الإنسان بالله. فيها تكمن محبة الإنسان لله، والاشتياق إليه، والصلة به. ومنها تصدر الصلاة الروحية، والتأملات الروحية. وهى التي تقود الفكر في طريق الله، والجسد أيضًا، وتدير كل مشاعر القلب بأسلوب روحي. وبهذا يصل الإنسان إلى سلوك بالروح، في شركة مع روح الله القدوس. ومادامت الروح هي عنصر الحياة الروحية في الإنسان، يحق لنا أن نسأل: هل الروح يمكن أن تسقط، وأن تخطئ، وأن تتدنس؟! نعم يمكن أن تخطئ الروح كما يخطئ الجسد تماما. يمكن أن تخطئ الروح وحدها بغير جسد. ويمكن أن تخطئ مع الجسد، ويمكن أن تدفع الجسد إلى الخطية. وسنشرح كل هذا بالتفصيل. وذلك لآن البعض يظن أن كل الخطأ سببه الجسد، وهو الذي يقود الروح إلى السقوط. وهذا خطاَ. فهناك أخطاء كثيرة يمكن أن تقع فيها الروح وحدها: مثال ذلك الأخطاء التي وقع فيها بعض الملائكة: فالملائكة أرواح، كما قيل في المزمور "الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نار تلتهب" (مز104: 4). وقد سقطت مجموعة من هذه الملائكة، هي الشيطان الذي وصف بأنه التنين، والحية القديمة، وإبليس، والشيطان" (رؤ20: 2). وقد قال القديس يوحنا الرائي إنه أبصر حربًا في السماء بين ميخائيل وملائكته والشيطان وملائكته (رؤ12: 7). هؤلاء الملائكة الذين سقطوا تسموا بالأرواح الشريرة أو الأرواح النجسة. كما قيل أن الرب أعطى تلاميذه سلطانا على الأرواح النجسة ليخرجوها (مت10: 1). وفى إرساليته للسبعين رسولًا قال لهم "لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم،بل افرحوا بالحري أن أسماءكم قد كتبت في السموات" (لو10: 20). أول خطية سقط فيها الشيطان -وهو روح- هي الكبرياء. التي بها قال في قلبه "أصعد إلى السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصعد فوق مرتفعات السماء. أصير مثل العلي" (أش 14: 13، 4). الشيطان أيضًا -وهو روح- سقط في الحسد. ونحن نقول للرب في القداس الإلهي "والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس، هدمته..". ذلك أن الشيطان حسد الإنسان على محبة الله له، وخلقه على صورته ومثاله، فحسده وأسقطه، وأوقعه تحت حكم الموت. *الشيطان -وهو روح- وقع في الكذب، وفى إغواء الآخرين. فقد كذب عندما قال لآدم وحواء "لن تموتا" (تك3: 4)،وقد وصفه الرب بأنه الكذاب وأبو الكذاب" (يو8: 44). ويدخل في كذبه كل الحيل التي يغوى بها العالم. وهو لا يزال يعثر الناس ويضلهم. وقيل عنه أنه في أواخر الأيام، حينما يحل من سجنه، إنه" يخرج ليضل الأمم.." (رؤ20: 8). *إذن الروح يمكن أن تسقط في الكبرياء، والحسد، والكذب، وإغواء الآخرين.. كل ذلك بدون جسد. وقيل أيضًا في الكتاب: " قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18). تشامخ الروح أذن هو خطية: كما وقع فيها الشيطان، يقع فيها كثير من الناس أيضًا. وإذا وقعت الروح في التشامخ تجذب الجسد معها. فيكون التشامخ في نظراته، وفى صوته، وفى طريقة جلوسه وطريقة مشيه، وفى حركاته وفى إرشادات.. وما في روحه من تشامخ، صار للجسد أيضًا.. وهكذا أيضا في كل شهوات الروح، ما أسهل أن تجذب الجسد معها. ومعروف أن كل من الكبرياء والعظمة، تبدأ في الروح أولًا قبل الجسد. خطية حواء بدأت أولًا بالروح، التي خضعت لغواية الحية، واشتهت أن تصير مثل الله، وحينئذ بدأ الجسد يشتهى الثمرة المحرمة، ثم يقطف ويأكل.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
اشتراك الروح والجسد قد تبدأ الروح بالخطية ويشترك الجسد معها. أو تسيطر شهوة الجسد عليه، فيشرك الروح معه، بما في ذلك العقل والفكر.. والعكس صحيح: الروح تشتعل بعواطف البر ومحبة الله، فتجذب الجسد معها، ويشترك معها في روحياتها. فمثلًا خشوع الروح، يقود إلى خشوع الجسد. مخافة الله وهيبته التي في الروح، تجعل الجسد ينحني، أو يركع أو يسجد. كما نقول في المزمور "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك، وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5: 7). المخافة التي في الروح، جعلت الجسد يسجد.. الهيبة التي تملك الروح، تجعل الإنسان يخلع حذاءه قبل الدخول إلى الهيكل. وذلك عملا بقول الرب لموسى لما رأى العليقة المشتعلة ولا تحترق "اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف فيه أرض مقدسة" (خر3: 5). ونفس الكلام قيل ليشوع بن نون (يش5: 15). أما الذين يدخلون هيكل الله المقدس بالحذاء، كأي مكان عادي.. فلأن الروح لم تخشع، هكذا الجسد أيضًا لم يخشع! إني أعجب للذين يصلون أحيانًا وهم جلوس!! أين خشوع الروح عندهم، وأين خشوع الجسد؟! أن لم يسجد الجسد أثناء الصلاة، فعلى الأقل يقف أمام الله في مهابة وتوقير. ولعل إنسانًا يسأل: بأيهما نبدأ؟ بخشوع الجسد أم بخشوع الروح؟ ابدأ بأيهما.. إن بدأت بخشوع الروح، سيخشع الجسد معها. وإن بدأت بخشوع الجسد، ستخشع الروح معه. فأنت إن تعودت أن تنحني حينما تصلى وتقول "قدوس قدوس قدوس".. فأن هذا الانحناء في جسدك، سيدُخل الخشوع إلى روحك. وحينما تخلع حذاءك قبل الدخول إلى الهيكل، فهذا العمل الجسداني سيشعرك أنك أمام مكان مقدس، فيدخل الخشوع إلى روحك.. وهكذا الصوم قبل التناول والطهارة الجسدية، تشعرك بهيبة السر، فيدخل الخشوع إلى روحك، ومعه الاهتمام بالاستعداد الروحي. مادام الإنسان من جسد وروح متحدين معًا، إذن ما يلحق أحدهما يلحق الآخر أيضًا، إيجابا وسلبًا. فإذا حدث تسيب من الناحية الجسدية وعدم اهتمام، فهذا يصيب الروح أيضًا،وبقدر الحرص جسديًا، يكون الحرص روحيًا كذلك. ليس هذا مع الله فقط، وإنما في معاملة الناس أيضًا. فإن كنت بروحك في الداخل تحترم إنسانًا، تجد هذا الاحترام يظهر أيضًا في انحنائك جسديًا وأنت تسلم عليه. وأن كانت في روحك عجرفة من الداخل أو لامبالاة، فإن سلامك عليه سيكون من الناحية الجسدية بعجرفة ولا مبالاة.. الروح والجسد يتجاوبان معًا، إلا لو حدث انقسام بينهما. وحينئذ يوجد صراع بينهما "وكل منهما يقاوم الآخر". ويعيش الإنسان في هذه الإثنينية. وينتهي إلى أحد أمرين: إما أن الجسد يستسلم للروح ويطيعها.. ويسلك معها في حياة البر. وإما أن الروح تخضع له، وتسلك معه في حياة الاستهتار.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الروح هي صورة الله حينما خلق الإنسان على صورة الله ومثاله (تك 1: 26، 7)، إنما الروح هي التي خلقت على صورة الله. ففي أي شيء كانت على صورته؟ 1- أولًا: على صورته في البر والقداسة، حسبما ورد في (أف 4: 24) عن عودة الإنسان بالتجديد إلى صورته الأولى فهو "المخلوق حسب الله في البر وقداسة الحق". فحينما ترجع الروح إلى صورتها الأصلية، ترجع إلى حالة القداسة والبر. فالروح البشرية حسب طبيعتها هي خيرة. والشر دخيل عليها. 2- الإنسان أيضًا على صورة الله في المعرفة: ومن هنا كانت روح الإنسان تتميز بالعقل والنطق. ومنذ البدء أعطاها الله المعرفة، وقام آدم بتسمية كل الحيوانات. وما أطلقه عليها صارت هي أسماءها (تك2: 19). غير أنه لابد أن نذكر في موضوع المعرفة: أن معرفة الإنسان مهما نمت، هي معرفة محدودة، بينما معرفة الله غير محدودة. وإن شاء الله سنشرح هذا الموضوع في كتابنا (سنوات مع أسئلة الناس). 3- روح الإنسان خلقت على صورة الله في الحرية. وهكذا خلق الله الإنسان بحرية إرادة، وبحرية الإرادة قد سقط. وكان الله يعرف أنه إن منح الإنسان حرية قد يسقط ويخطئ. ويحتاج خلاصه إلى التجسد والفداء. ففضل الرب أن يحتمل هذا في مقابل أن يخلق الإنسان وله روح حرة، لا يرغمها على حياة البر، إنما تسير في البر بإرادتها. وهكذا أيضًا حينما قدم الله في وصايا للبشر في أيام موسى، قال للشعب في سفر التثنية "انظر. قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير، والموت والشر.. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك، إذ تحب الرب إلهك" (تث 30: 15، 19). انظروا إلى أي مدى أحب الله أن يخلق الإنسان على صورته في الحرية، وهو يعلم أنه سيخطئ. ويكون ثمن خلاصة هو التجسد والألم والعار والصليب والموت والقبر ليكن. فهذا أفضل من أن يجعله مسيرًا نحو الخير.. يتركه ليختار الخير بحريته.. ولولا هذه الحرية، ما وضع الله الوصية، والثواب والعقاب. 4- خلق الله روح الإنسان في السلطة. فلما خلق آدم وحواء، قال لهما: أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوها. وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك1: 28)،وكرر الله بركة السلطة هذه لنوح وبنيه بعد رسو الفلك (تك9: 1، 2). تبقى بعد كل هذه نقطة حساسة وجوهرية في موضوع (صورة الله) وهي: 5- أن كان الله قد خلق الإنسان على صورته، والله غير محدود، فما هو نصيب الإنسان من هذه الصفة؟! حقاَ أن الله وحده هو غير المحدود. ولا يمكن أن يشاركه أحد في هذه الصفة الإلهية الذاتية. فكيف يكون الإنسان على صورته في هذا المجال، بينما الإنسان كأي مخلوق، هو مخلوق محدود؟! الحل هو الآتي: الإنسان محدود. ولكن الله وضع فيه الاشتياق إلى غير المحدود. ففي روحه اشتياق إلى الله غير المحدود. واشتياق غير محدود إلى الروحيات والسعي إلى حياة الكمال. كمثال ذلك القديس بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة (2كو12: 2،4)، والذي تعب في الخدمة والكرازة أكثر من جميع الرسل (1كو 15: 10)، نراه يقول "ليس أني قد نلت أو صرت كاملًا، ولكني أسعى لعلي أدرك.."، "أنا لست أحسب نفسي أنى قد أدركت. ولكني أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنسى ما هو وراء، وامتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض، لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع.." (فى3:ى 12- 14). إلى أين هذا السعي، وهذا الامتداد إلى قدام؟ وماذا يريد أن يدركه أكثر مما قد أدركه؟! لاشك أنه الاشتياق إلى اللامحدود.. بسبب هذا وجد الطموح في روح كل إنسان. الامتداد إلى قدام، محبة المثاليات، الانطلاق نحو غير المحدود.. محبة الكمال.. غير أن كل إنسان يوجه هذا الاشتياق في الاتجاه الذي يروقه. وهنا تختلف نوعية الطموح. ولكن الطموح ذاته موجود، في الاشتياق إلى غير المحدود. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
طاقات الإنسان لقد زود الله الإنسان بطاقات كثيرة، كل منها لها اختصاصاتها، ولها إمكانياتها ومقدراتها، نذكر منها: العقل، والروح، والنفس، والضمير، والإرادة، والحواس.. يضاف إلى كل هذا، ما يمنحه الله لكل إنسان على حدة من مواهب. ويختلف كل إنسان عن غيره في درجة هذه الطاقات كلها. صدقوني أننا لم نعرف بعد، مقدار عظمة كل هذه الطاقات البشرية العجيبة.. من كان يتصور أن العقل مثلًا، يمكن أن تصل طاقاتها إلى اختراع سفن الفضاء تصل إلي القمر مباشرة ويتمشى الإنسان عليه.. أو آن يخترع أقمار صناعية تجول حول العالم وتجمع أخبارًا وترسل صورًا عن كواكب في السماء.. ومن كان يتصور أن العقل البشري يستطيع أن يتوصل إلي اختراع عقل آلي، واختراع الكومبيوتر، ويستعين بالآلة على سرعة التفكير، وجمع المعلومات واستنتاج الحقائق. وليست طاقات العقل هذه ضد الدين في شيء. فالله هو الذي خلق العقل ومنحه طاقاته. فكل ما يصل العقل إليه، يرجع الفضل فيه أولًا وأخيرًا إلي الله تبارك أسمه، الذي وضع فيه كل هذه القدرات حين خلقه.. ويمكننا أن نقول إننا لم نصل بعد إلي اكتشاف كل طاقات العقل، الذي يمكنه أن يخترع أمورًا لا تختر حاليًا على فكر إنسان! والروح في الإنسان لها أيضًا طاقات عجيبة مذهلة. الناس لم يعرفوا كل طاقات الروح، لأنهم لم يكتشفوا تلك الطاقات ولم يستخدموها، ذلك لأنهم لم يدخلوا في التداريب التي تنشط الروح، وتمنحها الانطلاق الطبيعي لها.. ونحن حينما نقرأ عن تداريب الروح التي تجريها جماعات من الهندوس ومن اليوجا، وما وصلوا إليه من نتائج، نرى عجبًا.. إنها ليست معجزات أو قدرات خارقة، ولكنها طاقة الطبيعية للروح، التي لا نستخدمها نحن، لأننا نهمل ذلك أو لا ندركه.. كذلك طاقات الحواس لم نستخدمها كلها.. وذلك لعدم شعورنا بالاحتياج إليها. فعدم أستخدمها جعلها طاقات كامنة مختفية تظهر حينما نفقد حاسة معينه، فنستعيض عنها بتنشيط حواس أخرى بديلة.. فإنسان مثلا يفقد بصره: ويحاول أن يستعيض عنه بالسمع وباللمس، فتقوى عنده حاسة السمع وحاسة اللمس، وربما حاسة الشم أيضًا. لأنه أخذ يدرب هذه الحواس تدريبًا دقيقًا، لتكون له أبوابًا للمعرفة عوضًا عن النظر. وهنا تظهر الطاقات الجبارة الموجودة في هذه الحواس، والتي كانت كامنة غير ظاهرة في حالة عدم استخدامها.. إن الإنسان الكامل، في كمال عقله، وكمال روحه، وكمال حواسه كلها، لم يوجد بعد نستثنى من هذا ناسوت السيد المسيح طبعًا. إن طبيعة الإنسان في كمالها من كل ناحية، تحتاج إلى حرص واهتمام، بحيث لا يفقد الإنسان قوة طاقاته، كما تحتاج إلى تداريب للحفاظ على هذه الطاقات، ولكي تنمو أيضًا.. نعم، يلزم كل إنسان أن ينمى قدراته وطاقته. وأن ينمى أيضًا المواهب التي يمنحها الله له. الله منحك عقلًا، ووهبك ذكاء خاصًا في عقلك، أو وهبك لهذا العقل ذاكرة قوية.. فيلزمك ليس فقط أن تحافظ على كل ذلك، بل أيضًا أن تنمى عقلك وذكائك، وذاكرتك.. تنمى قدرتك على التفكير السليم، وعلى الاستنتاج، وعلى حل المشاكل.. فالمسائل الرياضية والتمارين الهندسية، التي كنا ندرسها في المدارس، لم تكن لمجرد العلم أو بهدف التخصيص، إنما كانت لها فائدة أخرى في تدريب العقل على التفكير.. خذ مثلًا اثنان يلعبان شطرنج، وكل منهما صامت يفكر: ما هي الخطوة التي سيلعبها زميله، وكيف يرد عليها؟ وماذا سيكون رد زميله على رده؟ وكيف سيتصرف وقتذاك؟ وكيف يمكنه أن يعرقل خططه؟ وكيف يضع هو خططًا غير مكشوفة، تصل به إلى النتيجة المطلوبة، ولو بعد مراحل..؟ إنه تدريب على الذكاء. وليس مجرد تسلية لقضاء الوقت. الألغاز أيضًا وحلها، والمسابقات، كلها تداريب للتفكير.. وما أكثر تداريب الذكاء وتنمية التفكير. يمكنك أن تستخدمها لنفسك، ولأولادك أيضًا ولتلاميذك، حتى ينشأوا بعقل قوى متدرب على الفكر. وحتى إذا صادفتهم مشكلة يكون عقلهم مستعدًا لمواجهتها بغير اضطراب. وفى الحياة العملية توجد تداريب على الحكمة في التصرف، أو تنمية الفكر عن طريق المشورة والانتفاع بخبرات الأخريين. ضميرك أيضًا يحتاج إلى تنميته. إن بولس الرسول حينما يقول "إني بكل ضمير صالح قد عشت لله إلى هذا اليوم" (أع 23: 1)، إنما يذكرنا أن هناك ضميرًا صالحًا، وضمائر أخرى غير صالحة،فهناك ضمير واسع يبلع الجمل، وضمير ضيق يصفى عن البعوضة. وكان الكتبة والفريسيون واقعين في كليهما (مت23: 24). يوجد ضمير مريض لا يميز تمامًا بين ما هو خير وما هو شر. ويوجد ضمير ضعيف تؤثر عليه العوامل الخارجية.. وينمو الضمير عن سماع الوعظ والكلام الروحي، وعن طريق المعرفة السليمة والتأثر بالقدوة الصالحة. وأنت محتاج إلى تغذي ضميرك بكل ذلك، وتتعود محاسبة نفسك ولومها على كل أخطائها مهما صغرت. وفى نفس الوقت تتعود الجدية والتدقيق. فبهذه الوسائط كلها، ينمو ضميرك في المعرفة وفى الحكم في قيادة النفس بشرط أن تبتعد عن الوسوسة التي تتخيل الشر حيث لا يوجد، أو تحكم على الأخطاء بأزيد من طبيعتها. وهنا أقول إن معارفك أيضا تحتاج إلى تنمية. هناك نمو طبيعي في المعرفة خلال مراحل العمر. وهناك أيضًا تنمية للمعرفة، تغذي هذا النمو الطبيعي بمادة سليمة. والذي يهتم بنموه في المعرفة، يتحول إلى إنسان مثقف، ويبعد عن الجهل المحارب للنفس. ويستطيع أن يكون عضوًا نافعًا في المجتمع، إلى جوار نفعه الشخصي.. والمعرفة تغذى عقله، وتغذى ضميره. وتدفعه إلى السلوك السليم. فيعرف ليس فقط التمييز بين الخير والشر، إنما أيضًا بين اللائق وغير اللائق، المناسب وغير المناسب. وتساعده المعرفة على الحكمة وحسن التصرف، وعلى النجاح في التعامل مع الناس. وإذا نما في ذلك قد يصل إلى القدرة على الإرشاد. يحتاج الإنسان أيضًا إلى تنمية وتقوية إرادته. فكثيرون يعرفون الخير. ولكن إرادته لا تقوى على عمله. ويعرفون الشر ومضاره، ومع ذلك فإرادتهم أضعف من أن تبعد عنه، وتعجز إرادتهم عن مقاومة الخطيئة، مع معرفتهم بكل نتائجها. وذلك لأن الرغبة أو الشهوة تسيطر على الإرادة وتقودها في طريقها. الإرادة سلاح ذو حدين، يستخدم للخير وللشر. وكل إنسان يحتاج إلى تقديس الإرادة. وبهذا تكون طاقة نافعة له في حياته الروحية. وهناك تداريب كثيرة لتقوية الإرادة، منها تداريب ضبط النفس. ومنها الصوم أيضًا. ومنها ضبط اللسان، وضبط الحواس، وضبط الفكر، والسيطرة على الأعصاب، وتداريب التخلص من العادات الخاطئة.. وبتنمية الإرادة نميز بين الحرية والتسيب.. فكلنا نحب الحرية. ولكن ندرب أنفسنا على أن نسلك في الحرية بإرادة صالحة، وبضمير سليم، وفى حياة روحية وصلة بالله.. وإلا تحولت الحرية إلى لون من التسيب، وفقد الإنسان سيطرته على إرادته، وعلى توجيه حياته توجيهًا سليمًا.. حياتك بكل طاقاتها، وزنة سلمك الله إياها، لتعتني بها. لذلك يلزمك أن تنمى شخصيتك بصفة عامة، لتتحول إلى شخصية قوية سوية، سواء في العقل أو الضمير، أو الإرادة، أو المعرفة، أو الحكمة والسلوك، أو الحكم على الأمور، أو النفسية السوية. من جهة كل هذا، تحتاج إلى اهتمام خاص، وإلى الاستفادة من الوقت وحسن استخدامه. كثيرون يضيعون وقتهم في التفاهات، أو في مجرد الترفيه والتسلية، أو يبحثون عن وسائل لقتل الوقت.. دون مراعاة لاستخدام الوقت في تكوين شخصياتهم تكوينًا سليمًا.. وهؤلاء يلزمهم أن يهتموا ببناء أنفسهم، بأن يولوا اهتمامًا خاصًا لتنمية معارفهم وثقافتهم، وتقوية إرادتهم، والوصول بعقولهم وأرواحهم إلى أسمى وضع ممكن. واستخدام كل طاقاتهم لخيرهم وخير الناس، مع تنمية وتنقية وتقوية هذه الطاقات.. لا تترك شخصيتك هكذا دون ضابط ودون اهتمام، ودون نمو.. ولا تجعل كل اهتمامك بنفسك يتركز على الخارج، وليس على الداخل.. كفتاة مثلا كل اهتمامها بنفسها، وكل تنميتها لشخصيتها، يتركز في اهتمامها بشكلها، بجمالها وزيها..! مقياسها الوحيد لشخصيتها هو المرأة، تطمئن بها على نفسها. وقد لا تستخدم سوى هذه المرأة الخارجية، دون أن تكون لها مرآة داخلية لترى بها حالة الروح والعقل والنفس والضمير.. أو إنسان كل مقاييسه لشخصيته هي المركز واللقب والمال، دون النفس من الداخل.. الجسد أيضًا طاقة وهبها الله للإنسان. فهو الجهاز التنفيذي، لكل القرارات التي تصدر عن الروح، وعن العقل، وعن الإرادة وعن الضمير.. والجسد القوي يستطيع أن ينفذ، بينما الجسد الضعيف يعجز عن ذلك.. وما أسهل أن تؤثر أمراض الجسد على النفس. فتجلب لها ألوانًا من الألم أو الحزن، أو الضيق أو التذمر. وكثير من الناس قد يصلون إلى درجات من الانهيار النفسي بسبب حالة أجسادهم، أو يصلون إلى مرض الكآبة، أو إلى الحيرة والقلق.. أو تشغيل عقولهم بكيفية التصرف في حالة الجسد.. وبعض أمراض الجسد تؤثر على كثير من طاقاته. ارتجاج مثلا أو نزيف في المخ قد يؤثر على بعض مراكز المخ كالذاكرة أو الحركة، أو الصوت.. وتصلب الشرايين قد يؤدى إلى فقدان الذاكرة. وأعصاب الجسد إذا التهبت، تؤثر على نفسية الإنسان وسلوكه وأمراض القلب تؤثر على طاقاته.. كذلك شهوات الجسد تؤثر على العقل وعلى الضمير. وتحاول أن تستخدم العقل لتحقيق رغباتها، كما تسكت الضمير أو تحاول أن توجد لهذه الشهوات أعذارًا وتبريرات!! وشهوة الجسد قد تستأثر الفكر تماما، فلا تدور إلا في فلكها، كما تضعف الروح وتبطل صلتها بالله. لكل هذا يلزمنا الاهتمام بأجسادنا. لا نضعفها بحيث تتعطل طاقاتنا. ولا تثير غرائزنا بحيث تضعف أرواحنا. النقطة الهامة التي نريد أن نذكرها بعد كل ما قلناه هي: حفظ التوازن بين طاقات الإنسان، والتعاون والتكامل. فلا نوجد تناقض أو تصارع بين طاقاته، ونتفادى أن يوجد انقسام في شخصيته أو صراع داخلي. كما قال أحد الأدباء عن صراع بين مشاعره وضميره: "كنت أصارع نفسي وأجاهد، حتى كأنني اثنان في واحد. هذا يدفعني، وهذا يمنعني". ما أسهل أن تتصارع الطاقات: الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد (غل5: 17). أو النفس ضد الضمير. أو العقل ضد الإرادة. ويجد الإنسان نفسه أنه ليس شخصًا واحدًا، بل أنه اثنان يتصارعان! صراعًا بين طرق متشعبة تتجاذبه، أو بين محبة للخير أو شهوته للخطيئة، أو بين أفكار لا يعرف أين الخير فيها. وما أشهر ما قاله الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته: "لست أدرى" إنني ألمح في نفسي صراعًا وعراكًا وأرى نفسي شيطانًا، وأحيانًا ملاكًا هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكًا أم تراني واهمًا فيما أراه: لست أدرى الإنسان السليم السوي لا يوجد فيه هذا الصراع. من الجائز أن يوجد صراع بينه وبين عوامل أو حروب خارجية. ولكنه في داخل نفسه مستقر تمامًا، غير منقسم على ذاته، وفى فكره ولا في مشاعره ولا في إرادته هو إنسان واحد، يحارب بكل طاقاته حربًا خارجة عنه. أما الحرب الداخلية فتحدث لأسباب منها: أن طاقة من طاقات الإنسان تحب أن تسيطر على طاقاته الأخرى أو بعضها. إنسان مثلًا يحكم عقله، فتسير أموره سيرًا حسنًا. ثم تأتي نفسه فتشتهي شهوة، أو تنفعل انفعالا، فتخرج العقل من سيرة الطبيعي ليخضع لها. وكثيرًا ما قلت: ما أسهل أن يكون العقل خادمًا مطيعًا لرغبات النفس! رغبة للنفس خاطئة، وهى مصرة عليها ومنقادة لها، وتخضع العقل لها، ليقدم لها براهين وأدلة، وربما يستخدم آيات من الكتاب المقدس بتأويل خاص يناسبه، أو قصصًا من قصص الآباء.. ولو رغبت النفس في العكس يسايرها العقل بأدلة وبراهين. أم يخطئ أبنها، فيتقدم عقلها للدفاع عنه، ملبيًا مشاعر قلبها. ونفس الخطاء يقع فيه أبن الجيران، فينتقده عقلها بشدة،لآن النفس لم تدفعه إلى الدفاع. وهكذا نرى العقل يزن أحيانًا بميزانين. وهنا التناقض، لأنه كان حرًا في إحدى الحالتين، وتابعًا للنفس في الحالة الأخرى. أما الإنسان العادل، صاحب العقل الحر، فيقول عن الحق أنه حق، ولو كان صادرًا من عدوه. ويقول عن الباطل إنه باطل، ولو كان صادرًا من أبيه أو من أخيه. العقل يقع تحت تأثيرات أخرى كثيرة. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
توجيه الطاقات والغرائز والمواهب خلق الله الإنسان وفى طبيعته طاقات كثيرة، منها الغرائز، والتي يبدوا بعضها هادمًا، أو يستخدمه الكثيرون استخدامًا سيئًا خاطئًا. بينما كل شيء في طبيعة الإنسان يمكن استخدامه للخير، حتى ما يظنه البعض خاطئًا..! وسنضرب لذلك بعض أمثلة:
|
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
العناد يقع الإنسان في يد مرشد قاس، فيحطم طاقاته، ويحطم معها نفسيته. بينما تتناوله يد مرشد حكيم، فيحول طاقاته إلى الخير. ويمكن أن نطبق هذه القاعدة على العناد مثلًا.. هل العناد خطيه أم طاقة؟ أم هو طاقه في الأصل، انحرفت فصارت خطية؟ نسمى العناد خطية، إن كان عنادًا في خطأ. ومع ذلك يمكن استخدامه في الخير. وحينئذ يسمى إصرارًا وصمودًا وثباتًا في الخير. *خذوا مثالًا لذلك أبطال الإيمان.. لاشك أن القديس أثناسيوس الرسولي كان خصمًا عنيدًا جدًا للأريوسية، لو صح هذا التعبير.. فقد وقف في صلابة نادرة، وبإرادة حديدية، يدافع عن الإيمان السليم ضد أريوس، وضد الأريوسيين في عنفوان قوتهم وسلطتهم.. حكم عليه أكثر من مرة. ونفى عن كرسيه أربع مرات. وقيل له "العالم كله ضدك يا أثناسيوس" فقال "وأنا ضد العالم". يتحول الآمر إذن إلى تصميم وصمود وثبات،لا تراخى فيه ولا تساهل.. مادام على حق. * نفس الوضع نقوله عن الشهداء والمعترفين.. رسوخ عجيب في الإيمان.. على الرغم من كل الإغراءات، ومن كل التهديدات، ومن السجن والنفي وألوان التعذيب المرعبة. ولكن القلب كان راسخًا لا يتزعزع. ربما مضطهد وهم وصفوهم بالعناد، وبصلابة الرأي. ولكنه كان (عنادًا) مقدسًا، هو ثبات على الإيمان.. * نفس الصلابة نجدها في الإقدام على الرهبنة. يعاند الإنسان نفسه التي قد يحاول العالم إغراءها بكل السبل، ويعاند كل أفكار العدو ولا يأبه بها. بل ربما يقف ضده والده وأهله، ويؤثرون عليه بعواطف متعددة وضغوط شديدة، تصل إلى البعض إلى حد العنف..! ومع ذلك يبقى طالب الرهبنة راسخًا في فكره، لا يتحول عنه.. * ونفس الوضع قد يحدث في التكريس على متنوع صوره. محاربات عديدة قد تقوم لتمنع التكريس، ويقابلها قلب صلب، وفكر راسخ، وإرادة ثابتة، لإنسان لا يتحول ولا يتزعزع.. قد يٌسمى البعض هذا عنادًا، ولكنه تصميم.. * أيضًا العناد مع النفس في الجهاد الروحي. في الصوم وحفظ العفة، وحفظ الفكر والحواس، وضبط اللسان، وضبط الأعصاب.. وفى التدريبات الروحية وفى ما يسمونها التغصب.. بل في كل الحروب الروحية ومقاومة الإنسان للخطية، حسبما وبخ القديس بولس الرسول المتراخين بقوله "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب12: 4). كل ذلك يحتاج إلى عناد ضد الشيطان والخطية والجسد.. فيجد الشيطان نفسه أمام إنسان قوي، ليس سهلًا. يعجم عوده، فيجده صلبًا.. يحاول الدخول إلى قلبه وإلى فكره، فإذا هو "جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش4: 12)،يقف أمامه رجل الله بكل عناد وتصميم، كصخرة جامدة لا تلين.. لماذا أذن أخذ العناد صورة سيئة أمام الناس؟ * هذا العناد السيئ هو التصميم على الخطأ. بحيث يسلك الإنسان في طريق خاطئ ويصمم عليه، ويرفض كل تفاهم وكل نصيحة مخلصة، بعقل مغلق عن كل إصلاح لمساره، حتى لو صدرت النصيحة عن صديق وفى، أو أب روحي، أو مرشد موثوق به.. ومهما كان الحق واضحًا.. هنا يكون العناد تصلبًا في الفكر والإرادة، وليس ثباتًا على حق. وعلينا في إفراز وحكمة، أن نفرق بين الأمرين، ولا نخلط بينهما في حكم واحد..! ونلاحظ هذا الآمر جيدًا في تربية النشء، في تربية الأطفال وتوجيه الشباب. * إن وجدنا عناد، صادرًا عن إرادة قوية، نحاول توجيه هذه الإرادة إلى الخير. تبقى الإرادة في قوتها وصلابتها وتصميمها، ولا نحطمها. ولكن نغير مسارها، بحيث تتجه نحو الخير، بنفس القوة. فنستفيد منها، وينتفع صاحبها أيضًا. ولا يخطئ.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الغضب الغضب طاقة، مهما أستخدمه الإنسان كخطية. * يعتبر خطية إن أخذ طابعًا جسدانيًا نفسانيًا. جسدانيًا: إن تحول إلى نرفزة، بتوتر الأعصاب وثورتها، وعلو الصوت وهياجه، وعدم انضباط الملامح والحركات، مع أخطاء اللسان وعنف وقساوة الألفاظ.. ونفسيًا من حيث الغيظ والكراهية، والانتقام للنفس، وثورة القلب والفكر بأسلوب غير روحي، وربما يصل إلى أخطاء أشنع كالشتائم والإهانات وجرح إحساس الآخرين أو إلى الضرب.. * ومع ذلك فالغضب طاقة يمكن استخدامها للخير. وقد شرحت لكم في كتابي عن (الغضب) كيف يكون الغضب أحيانًا غضبًا مقدسًا.. وكيف أن موسى النبي الذي قيل عنه "وكان الرجل موسى حليمًا جدًا، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد12: 3).. موسى هذا لما رأى الشعب يعبد العجل الذهبي، "حمى غضبه"، وأخذ هذا العجل الذهبي، وحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعمًا، وذراه، وانتهر هرون رئيس الكهنة ووبخه (خر32: 19-21). إذن الطاقة الغضبية يمكن تحويلها إلى الخير. ونلاحظ أن يوحنا كاسيان كتب بابًا عن الغضب في كتابه (المعاهد) وشرح فيه أقوال الآباء في شرح الآية "اغضبوا ولا تخطئوا" (مز4). وقال في ذلك: يمكنكم أن تغضبوا ولا تخطئوا، إذا غضبتم على خطاياكم. أي أن الإنسان إذا غضب على خطاياه ونقائصه وضعفاته وسقطاته، لا يكون مخطئًا أثناء غضبه،كما أن هذا الغضب المقدس يقوده إلى أنه لا يخطئ في المستقبل. وهكذا يكون قد قام بتوجيه الطاقة الغضبية في اتجاه سليم، ضد نفسه، لإصلاح نفسه وليس ضد غيره.. ألا يدخل في هذا قول الرب أيضًا "إن كانت عينك اليمنى تعثرك، فاقلعها والقها عنك" (مت 5: 29). نحن لا نحطم الطاقة الغضبية، إنما نحسن توجيهها. الطاقة الغضبية يمكن أن تنتج الحماس، والغيرة المقدسة، والنخوة. وإن تحطمت، صار الإنسان خاملًا. بها يغضب الإنسان على الشر، كما غضب فينحاس الكاهن، وطوبة الرب وكافأه" (عد25: 6-13). وكما غضب داود ووقف ضد جليات يقاومه. وأراح الأرض من غروره وتحدياته(1صم17: 26-51). ولا يمكن للإنسان الروحي أن يرى الشر أمامه، ولا يتحرك قلبه من الداخل! فقد قيل عن القديس بولس الرسول إنه لما ذهب إلى أثينا "احتدت روحه فيه إذ رأى المدينة مملوءة أصنامًا" (أع17: 16). ولكن إذا غضب الإنسان من أجل هدف روحي، ينبغي أن تكون وسيلته روحية. لأن الهدف المقدس تناسبه وسيلة مقدسة. فلا يشتم، ولا يتكبر ويتعالى على غيره، ولا يتجاوز حدوده ولا ينساب لسانه أو قلمه بغير انضباط وفى أسلوب خارج عن الأدب واللياقة..!! وهكذا كما وجه هدف الغضب توجيها مقدسًا، يوجه وسيلته أيضًا توجيهًا مقدسًا.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الطموح ليس الطموح خطية. بل هو طاقة مقدسة. به يتجه الإنسان إلى الكمال كصورة لله. لقد خلقنا الله على صورته ومثاله (تك1: 26)، والله غير محدود. لذلك وضع فينا الاشتياق إلى غير المحدود. وقال لنا "كونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت5: 48). ويمكن توجيه الطموح في مسار روحي. وهكذا فأن بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة (2كو12: 2-4). والذي تعب في خدمة الرب أكثر من جميع الرسل (1كو15: 10).. بولس هذا يقول "أنا لست أحسب نفسي أن قد أدركت. ولكنى أفعل شيئا واحدًا: إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض.." (فى 3: 13). هذا الامتداد إلى قدام، مصدره الطموح الروحي. الطموح إذن يؤدى إلى النمو الروحي. والطموح أيضًا يشمل الحياة كلها.. فى كل عمل تمتد أليه يد الإنسان: في دراسته، وفى وظيفته، وفى كل مسئولياته العالمية والعائلية، وكما قال القديس يوحنا الحبيب "في كل شيء أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا، كما أن نفسك ناجحة" (3يو2).. "في كل شيء "كما يقال أيضًا في المزمور الأول عن الإنسان المطوب "وكل ما يعمله ينجح فيه" (مز1: 3)،ونفس الكلام قيل عن يوسف الصديق (تك39: 3). والطموح روحيًا، ليس معناه أن تتفوق على الآخرين، إنما أن تتفوق موضوعيًا. ليس أن تتغلب على غيرك في العمل، إنما أن تتقن العمل إتقانًا مثاليًا. وفى نفس الوقت تتمنى أن كل منافسيك يتقنون نفس الإتقان المثالي. فالطموح لا يضيع فيك محبتك للناس. الطموح إذن هو طموح روحي، يشمل النمو الروحي المستمر في كل فضيلة. وهو أيضًا طموح روحي، يشمل النمو الروحي المستمر في كل فضيلة. وهو أيضًا طموح في كل أعمالك ومسئولياتك لتصل فيها إلى كل كمال ممكن، دون أن تصطدم بعوامل شخصية. ولا يأخذ الطموح أسلوبًا ماديًا أو عالميًا. كالطموح في الغنى والمناصب والألقاب والسلطة، ومحبة العالم، وتعظم المعيشة. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
القوة أولاد الله ينبغي أن يكونوا أقوياء،لأنهم صورة الله القوي على أن تتجه القوة اتجاها روحيًا.. وما أجمل قول الرب "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع1: 8). وقال الكتاب: "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع4: 33). فإن كان واحد من أولادك يريد أن يكون قويًا، لا تحطم فيه هذه الرغبة..إنما وجهها توجيهًا سليمًا بأن يكون قويًا في خدمته، في إقناعه، في معلوماته، في محبته، في بذله، في تأثيره على الآخرين.. قويًا في تداريبه الروحية، في صلاته، في تأملاته.. ولا تأخذ قوته أسلوبًا شمشونيًا أو عالميًا. ولا تعنى قوته انتصاره على غيره، إنما كسبه للغير.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
محبة النفس هل محبة النفس خطية؟ كلا، فقد قال الكتاب "تحب قريبك كنفسك" (مت21: 39). ولكن المهم أن تتجه محبتك لنفسك اتجاها روحيًا. فتحب لنفسك النقاوة والقداسة. وتحب لنفسك أن تكون هيكلًا مقدسًا للروح القدس، وأن تنال نصيبها في الملكوت، وتكون بلا لوم أمام الله.. نفسًا منتصرة، تنضم إلى جماعة الغالبين، ويقودها الله في موكب نصرته (2كو2: 14). ولا تكون محبتك لنفسك، أن تتركها لتسلك حسب هواها. أو أن تقول كما قال سليمان "ومهما اشتهته عيناي، لم أمنعه عنهما" (جا2: 10). فمن الفضائل المعروفة، ضبط النفس. وأيضًا محاسبة النفس ولوم النفس أي تبكيتها على أخطائها.. بهذا تظهر محبتك الحقيقية لنفسك.. وليست محبة النفس هي الأنانية، أو تفضيل نفسك على غيرك. فالرب يقول "من يرفع نفسه يتضع. ومن يضع نفسه يرتفع" (مت23: 12). ويقول الكتاب "مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو12:10). أتحب نفسك؟ حسنًا تفعل. بهذه المحبة، قومها لترجع كما كانت صورة لله. واحترس من أن تحب نفسك محبة خاطئة..! إن كنت تحبها، أصعدها على الصليب، حتى كما تتألم معه، تتمجد أيضًا معه (رو8: 17)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وحتى تستطيع أن تتغنى قائلة "مع المسيح صُلبت. فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في" (غل2: 20). إذا أحببت نفسك، أوصلها إلى إنكار الذات، فتكون مثل المسيح الذي "أخلى ذاته" (فى 2: 7). فليست محبة النفس أن تدللها. بل أنت بهذا تضيعها. بينما العكس هو الصحيح، كما قال المسيح: "من وجد نفسه يضيعها. ومن أضاع نفسه من أجلى يجدها" (مت10:39). |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
المواهب لنفرض أن إنسانًا له موهبة في الرسم أو النحت أو الشعر أو الموسيقى أو التلحين، أو حتى في التمثيل أو الغناء أو ما أشبه.. هل نكبت عنده هذه الموهبة، ونقول له اتجاها روحيًا، على رغم أن هذه الموهبة تبعده عن الله!! كلا، بل يمكن توجيه كل هذه المواهب توجيهًا روحيًا. ونحن نحتاج إليها كلها داخل الكنيسة. نحتاج إلى أشخاص يؤلفون لنا تراتيل، وإلى آخرين يتقنون التلحين لكي يلحنوا هذه التراتيل، وأشخاص لهم مواهب صوتية وآخرين لهم قدرة على العزف، لتكوين كورال روحي.. بل نحتاج إلى إنشاء مسرح قبطي. ينتج لنا مسرحيات جميلة عن سير الشهداء وآباء البرية وباقي القديسين. ويجسم لنا تاريخنا بأسلوب مؤثر. ويمكن تسجيل ذلك كله على أفلام أو أشرطة فيديو، تعرض على الشباب والعائلات، وعلى القرى في الخدمة الريفية. وكل ذلك يلزمه مواهب التأليف والتمثيل والتلقين والإخراج، وفى المكياج والتصوير، وفى دراسة ملابس العصر وتصنيعها.. ولا نحسب أن في ذلك شيئًا من الخطأ.. إنما الخطأ هو في سوء استخدام الموهبة.. أما استخدامها بأسلوب روحي، وبهدف إنجاح الخدمة، وجذب أولادنا من حول الأفلام تتعبهم إلى أفلام أخرى تشبعهم بمشاعر روحية.. كل ذلك نافع ومفيد، وليس فيه أي خطأ،بل الخطأ هو في نقص هذا المجال.. الخطأ ليس في الفن، وإنما في الانحراف بالفن. إذن نحارب الانحراف، ولا نحارب الفن، ولا نكتب المواهب. وفى كل ذلك، فلنتذكر قول الرسول "كل شيء طاهر للطاهرين" (تى1: 15). |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
كل شيء طاهر للطاهرين نستخدم كل موهبة بطهارة، وكل صفة بطهارة. نستخدم الفن بطهارة، فيصير طاهرًا معنا. ونستخدم الغضب بطهارة، فيتحول إلى حماس روحي، وإلى غيرة مقدسة. حتى المخدرات يستخدمونها في العمليات الجراحية، فتصير في هذا المجال الطبي طاهرة للطاهرين. الخوف قد يكون نقصاَ، وقد يتحول إلى مرض نفسي. ولكن إذا حولناه إلى مخافة الله، صار طاهرًا للطاهرين. وهكذا يتحول الخوف إلى فضيلة تقي من السقوط في الخطية. الذكاء أيضًا يكون طاهرًا للطاهرين. أما لغير الطاهرين فيتحول إلى طاقة مدمرة، وإلى دهاء ودسيسة وتأمر، الحب يكون طاهرًا للطاهرين، ويتميز بالوفاء والعطاء وبالإخلاص والبذل ولكنه لغير الطاهرين قد يتحول إلى دنس، أو إلى تدليل، أو إلى أنانية مدمرة.. كل شيء نحكم عليه حسب استخدامه وحسب هدفه ووسيلته. ويمكننا بالهدف الروحي والوسيلة الخيرة، تحويل جميع الطاقات إلى الخير، وإلى بناء الإنسان وبناء الملكوت. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
ما الذي يقود الإنسان في حياته في الإنسان طاقات كثيرة تتحكم في تصرفاته: منها العقل والروح والجسد والنفس والضمير والأعصاب والمواهب والقدرات والإمكانات. والمفروض في الإنسان السوي أن تتعاون فيه كل الطاقات معًا، بلا تعارض ولا تناقض. وإن كان قد قيل في الرسالة إلى غلاطية أن "الجسد يشتهي ضد الروح، والروح تشتهي ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل5: 16،17).. فإن المقصود بهذا الإنسان الروحي المبتدئ في حياة الجهاد. ولكنه حينما ينتصر في جهاده، لا يصبح في حياته صراع بين الجسد والروح، بل يتعاون الاثنان معا في عمل واحد لأجل الله.
|
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
العقل قد يقول البعض إن الإنسان يقوده عقله.. ولكن العقل ليس هو الموجه الوحيد للإنسان. فالإنسان قد توجهه عوامل نفسية، أو عوامل عصبية، أو عوامل عاطفية.. ومن الجائز أن يوجهه الضمير. وقد يفكر العقل في اتجاه، ويكون ضميره في اتجاه آخر.. والإنسان قد تقوده طباعه وتوجهه.. وقد تكون هذه الطباع راسخة منذ الطفولة، لا تتغير، ربما يعترف الشخص، ويتناول، ويصلى ويصوم، ويقرأ ويتأمل. وتبقى طباعه كما هي، أو يبقى مقودًا بعادات معينة تطغى عليه، أيًا كان اتجاه عقله أو ضميره. وقد يخطئ عقل الإنسان أحيانًا في إرشاده وحكمه على الأمور، كما يخطئ ضميره. وفى ذلك قال الكاتب: "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم12:14). ومن أهمية هذه الحكمة، كررها الكتاب مرة أخرى في (أم 25:16). هذه الطريق المهلكة التي عاقبتها طرق الموت، ويكون العقل بلا شك موافقًا عليها، ويكون الضمير موافقًا عليها أيضًا، لأنها تبدوا للإنسان مستقيمة. إن سلك الإنسان حسب العقل، فأي عقل هو؟ المفروض أن يكون عقلًا سليمًا، لآن العقول تختلف في نوعيتها. قد يكون العقل أحيانًا خادمًا مطيعًا لرغبات النفس. فإن أرادت النفس شيئا، تجد العقل يزودها بأدلة وبراهين وإثباتات. ومن الجائز أن يأتي لها بأدلة أخرى من الكتاب المقدس، يفسرها بطريقة تريح نفسه بل وتريح ضميره أيضًا.. وما أسهل أيضًا أن يذكر أقوالا للآباء ربما قيلت في مناسبة معينة، ولكنه يقصها قصًا ويفصلها تفصيلًا لتناسب ما تريده نفسه،أن غضبت النفس يسير العقل في تيارها، وإن رضيت يسير أيضًا في تيارها..! لذلك فعقل الإنسان يحتاج إلى توعية. هناك أشخاص عقلهم هو الذي يتعبهم، كما أن عقل البعض يريحهم. إنسان عقلة يتعبه نتيجة لما يقدمه له هذا العقل من شكوك وظنون وأفكار، أو ما يقدمه له من مخاوف. أو نتيجة لأن عقله لا يفكر بطريقة سليمة، أو لا يضع في اعتباره نتيجة ما يطرحه من أفكار.. عقلة عبارة عن دوامة، أن دخل فيها يغرق، ولا يقر له قرار.. وعقل الإنسان قد يتعبه، إذا كان في طبعه شيء من التشاؤم أو القلق، أو تصور الضرر حيث لا يوجد ضرر، أو التفكر في الضياع أو الموت أو المستقبل المظلم بغير ما سبب يدعو إلى ذلك. هناك أشخاص يعمل عقلهم على تكبير المشاكل. بحيث تأخذ حجمًا أكثر من حجمها الطبيعي، وبحيث تشكل خطورة موهومة.. أو أن عقلهم يخلط الأمور معًا، ويربط بين الأحداث وبعضها بطريقة تعقد الأمور وتسئ إلى العلاقات..! ويجمع بين أحداث مضت من زمن طويل، يضيف إليها تخوفات من مستقبل مبهم. وفى كل ذلك يضغط على نفسيته بطريقة تفكيره. أو إنسان يتعبه عقله من عقدة اضطهاد موجودة عنده، يتصور فيه أن كل الذين حوله لا يحبونه. كأن تتخيل ابنة أن أبويها يحبان أختها أكثر منها.. أو إنسان يتعبه عقله لارتباطه بالخيال. إما بخيال أثيم يتأمل فيه صورًا من الخطايا يلذذ بها مشاعره، أو خيال حالم يسمونه (أحلام اليقظة)، يعيش به في الأماني والرغبات بعيدًا عن الواقع الذي يحققها. ويكتفي بالخيال يسعد به نفسه -دون عمل- ويضيع به وقته! بشهوة في المناصب، أو في الألقاب، أو الغنى.. وهناك إنسان يسد العقل له أمامه الطريق. ويخيل أحيانًا أنه لا خلاص (مز3)، وربما يقوده إلى الانتحار نتيجة لليأس، وعجز العقل عن الوصول إلى حل، مع رفض العقل أيضًا أن يكشف مشاكله إلى مرشدين لحلها. عكس ذلك إنسان عقله يريحه. فيحل له مشاكله بأسلوب سليم، وبذكاء وحكمة. بل أيضًا يساعده على حل مشاكل الآخرين. حتى الفلاسفة!! أحيانًا تكون نقطة البدء عند بعضهم خاضعة لتأثيرات عديدة!! وربما لا تكون فلسفة بعضهم عقلية خالصة، إنما متأثرة في أساسها بعوامل عائلية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، شكلت عقله تشكيلًا خاصًا بنى عليه كل فلسفته. يندر أن يكون العقل عند الغالبية عقلًا مجردًا. فالعقل لا يعمل وحده، بل تتداخل معه عوامل أخرى. منها التقاليد مثلًا، والبيئة، والعادات الموروثة. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
التقاليد هذه التقاليد ترغم العقل على تصرفات معينة. مثال ذلك تزويج الابنة الكبرى قبل أخوتها مهما عرضت على هؤلاء الأخوات من زيجات ممتازة. فتجد الأب يرفض بغير سبب عقلي، إلا خضوعه للتقاليد! وهكذا فعل لابان في تزويج ليئة قبل راحيل (تك29: 22-27). ضميره وعقله دفعاه أن يفعل هكذا، ولو بالغش والخداع!! وكثيرًا ما تكون الأخت الصغيرة ضحية لخضوع عقل أبيها للتقاليد، وبخاصة لو كانت أجمل من أختها الكبرى. وما أكثر ما يضيع الناس أموالًا بسبب التقاليد المتبعة في حفلات الخطوبة والزواج، أو في التقاليد الخاصة بالجنازات، أو الأعياد.. الخ. وقد ينصح العقل بغير ذلك ولا يستطيع لأنه خاضع للتقاليد.. لهذا كله قال الكتاب "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم5:3). من أجل هذا أوجد الله المرشدين الروحيين والقادة. وأصبح العقل محتاجًا أن يخضع إلى الإرشاد لقيادته. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الإرشاد قد لا يستطيع الإنسان أن يخضع تمامًا لفهمه الخاص في قيادته، ولا حتى لضميره، لنقص في قدرة كل منهما أو لأنه يحاول أن يشكل عقله وضميره بالطريقة التي تريحه. فهو يحتاج إلى عقل آخر إلى جوار عقله غير خاضع للتأثيرات النفسية. كذلك يحتاج إلى ضمير صالح إلى جوار ضميره، إن كان ضميره ليس خالصًا في أحكامه، لذلك يقال: الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر. فالإرشاد لازم لإنقاذ الإنسان من خضوع عقله لرغباته! فالعقل ورغبات النفس يتعاونان بطريقة (شلني وأشيلك).. فكل منهما يسند الآخر في الوصول إلى ما يريد. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الأعصاب والأعصاب ليست مجرد مسألة عضوية Organic. إنما غالبًا ما يدخل فيها العامل النفسي. فإذا تعبت النفس، قد تلتهب الأعصاب تزيد النفس تعبًا وتصبح كل منهما سببًا ونتيجة. وإذا التهبت الأعصاب، قد تتولى قيادة الإنسان، وحينئذ توقف كل قوى العقل والضمير وتنفرد بالموقف. وتصبح تصرفات الإنسان عشوائية بلا ضبط للنفس.. وحينئذ تتدخل الروح، إن أفسحوا لها مجالًا.. فتكون مثل مرهم يهدئ الأعصاب، ويقود العقل قيادة سليمة. فتهدأ النفس أيضًا، ويستيقظ الضمير ويوبخ صاحبه على تصرفاته العشوائية السابقة.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الضمير أي ضمير هذا الذي يقود الإنسان؟ الكتاب المقدس يتحدث عن صفة خاصة للضمير، هي (الضمير الصالح). (أع1:23)، (1 تى1: 5، 19) (عب18:13). ذلك لأنه قد يوجد ضمير غير صالح. ولذلك ما أجمل قول القديس بولس الرسول "أنا أيضا أدرب نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس" (أع16:24).هناك ضمير واسع يبلع الجمل، وضمير ضيق موسوس يصفى عن البعوضة (مت24:23). وكذلك كان الكتبة والفريسيون. أما الضمير الصالح فهو مثل ميزان الذهب في دقته ووزنه للأمور. بل هو مثل ميزان الصيدلي الذي يعرف أنه إن أزاد يضر، وإن نقص يضر. الضمير الصالح هو الذي يستنير بإرشاد الروح القدس. فهو لا يرشد الإنسان من ذاته، ولا يعمل بمجرد معرفة بشرية، وإنما يرشده روح الله. ويكون أيضًا تحت إرشاد كلمة الله الصالحة وتعليمه الإلهي. وأحيانا تقود الإنسان عواطفه وليس أعصابه. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
العواطف كثير من الناس تقودهم عواطفهم ومشاعرهم، من حب أو كراهية، أو حسد وغيرة، أو بذل وتضحية.. وربما النساء تقودهم عواطف أكثر مما يقاد بها الرجال. ولكن العواطف وحدها لا تكفي إذ ينبغي أن تمتزج بالعقل والحكمة. عاطفة بلا عقل لا تكفى. وعقل بلا عاطفة لا يكفى. بل الاثنان يكمل أحدهما الآخر، وهكذا وضع الله في الأسرة الأب والآم يكملان بعضهما البعض.. العاطفة وحدها قد تقود إلى تدليل الأولاد. والحزم وحده قد يقود إلى الخشونة. ولكن إذا امتزجت العاطفة بالحزم توصل إلى لون من التكامل في التربية. ويوجد أيضًا نوع من التوازن في المعاملة. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
التوازن الإنسان السوي يقيم توازنًا في كل مشاعره وانفعالاته وتصرفاته: توازنًا بين العقل والعاطفة، وتوازنًا بين الأنا والآخر. فإن كان في ذاته فقط، دون أن يعمل حسابًا للآخرين، قد يصل إلى لون من الأنانية، ويفشل كإنسان اجتماعي. وإذا فكر في الآخرين فقط، قد يتعب أخيرًا، ويصل إلى لون من التضجر والتذمر، وأن لم يكن بذله ممتزجًا بقدر كبير من الحب ينسبه ذاته، أو يركز حبه لذاته في أبديتها وليس في الحياة على الأرض. والإنسان السوي يوزع عواطفه بطريقة سوية. فمثلًا يقيم توازنًا بين المرح والكآبة في حياته، وبين الجدية والبساطة، وبين العمل والترفيه. ويضع أمامه قول الكتاب "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت.. للبكاء وقت، وللضحك وقت.. للسكوت وقت، وللتكلم وقت.. للحرب وقت، وللصلح وقت" (جا3: 1-8). والإنسان السوي يقيم أيضًا توازنًا في توزيع وقته: يعطي وقت لعمله، ووقتًا لراحته. وقتًا لاحتياجات الجسد، ووقتًا للوسائط الروحية. وقتًا لمسئوليات الأسرة، ووقتًا لمطالب الخدمة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وقتًا لعقله ومعرفته، ووقتًا لعبادته، ووقتًا للعمل الاجتماعي.. وكل مسئولية ملقاة عليه تأخذ نصيبها من الوقت. يقيم توازنًا بين المنح والمنع، وبين الأخذ والعطاء. ويقيم توازنًا بين انفعالاته المتنوعة. هناك أشخاص تقودهم في الحياة: المعرفة. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
المعرفة فيأخذ من قيادتهم من الكتب وسائر المطبوعات. وإنما هذا الأمر يتوقف على نوعية الكتب والمطبوعات التي يستقون منها معلوماتهم. وبالمثل ينطق هذا على المعرفة التي يتلقونها من وسائل الإعلام المتعدد. ولأهمية المعرفة في الحياة، قيل عن الخطاة إنهم جهلة. ففي مثل العذارى، قيل "خمس منهن كن حكيمات، وخمس جاهلات" (مت2:25). وقيل عن الملحدين "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز1:14). وربما هذا الذي يصفه الكتاب بأنه جاهل يكون فيلسوفًا!! فالجاهل لا يدرك حقيقة وجود الله وقدسيته، ولا يدرك قيمة ما يفعله هو، ونتيجة ذلك، وتأثير ذلك على أبديته،وقد يجهل أيضًا طبيعة نفسه وطبيعة الحروب التي يتعرض لها. ويجهل أو يتجاهل أن الله يراه في كل ما يعمله ويقوله.. لكل ذلك قال الرب: "هلك شعبي من عدم المعرفة". وعلاج ذلك هو المعرفة السليمة. لآن هناك معرفة خاطئة تضر. بقى أن نقول أن هناك قيادة أخرى إلهية. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
القيادة الإلهية هذا هو الوضع المثالي، الذي يقول عنه الكتاب "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، أولئك هم أبناء الله" (رو14:8). روح الله يقود أرواحهم. وأرواحهم تقود أجسادهم وعقولهم. ويكون الله هو الكل في الكل، في حياتهم. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
إن كان العقل يقود الإنسان، فما الذي يقود العقل؟ المعروف عند جميع الناس أن الإنسان مخلوق عاقل. وأنا أريد أن أناقش هذا الموضوع: إلى أي حد الإنسان مخلوق عاقل؟ هل الإنسان عقل خالص صرف؟ أم أنه يخضع لمؤثرات كثيرة، تجعله أحيانًا لا يتصرف بعقله كما ينبغي؟ وسنعرض لكل هذه المؤثرات ونفحصها.. 1- أول نقطة نناقشها هي نوع العقل: أهو عقل ذكي؟ أم عقل عبقري؟ أم متوسط الذكاء؟ أم ضعيف الذكاء؟ أم غير ذكي على الإطلاق؟ ذلك لآن عقليات الناس تتفاوت في نوعيتها ودرجاتها. وحسب التفاوت يختلف الفهم والتفكير والاستنتاج. وتختلف أيضا نوعية الذاكرة: هل هي مجرد ذاكرة جامعة وحافظة؟ أم حافظة ومرتبة؟ أم ذاكرة فوتوغرافية؟ وهل تسعفه في أي وقت، أم تخونه أحيانًا؟ كذلك ما نوع تفكيره؟ هل هو تفكير شامل؟ أم يتركز في زاوية واحدة ويهمل الباقي؟ وهل هو تفكير سطحي أو عميق؟ وما درجة عمقه؟ وعلى هذا القياس، إلى أي حد نقول عن كل أحد أنه عاقل؟ ليس الناس على حد سواء، حتى في فهمهم ما هو حادث، أو فهم ما ينبغي أن يحدث.. هناك شخص بالكاد يقود نفسه، وآخر يمكنه أن يقود غيره أيضًا. وثالث يحتاج إلى من يقوده. 2- وهناك من تتعبهم طريقة تفكيرهم. وقد تتعب غيرهم معهم أيضًا.. إنسان قد يفكر في مشكلة، ويساعده عقله على حلها. وإنسان آخر تستقطبه المشكلة، وتستولي على عقله وكل تفكيره، في صحوه وفى نومه، وربما في أحلامه أيضًا. ولا تترك له فرصة ليفكر في غيرها. وبهذا تفكيره فيها يتعبه، ويقينًا يؤثر على أعصابه ونفسيته.. 3- وقد يوجد إنسان يسيطر على عقله الشك: يشك في الأحداث وما تحوى. ويشك في الناس وتصرفاتهم ونواياهم.. يشك فيما يقال وما يسمع. ويشك في قدرته على التصرف. ويشك في المستقبل. والشك يتعبه ويؤلمه، وقد يجلب له الخوف والاضطراب ومع ذلك فعقله غير قادر أن يخرج من دائرة هذا الشك! ومهما قيل له من تبرير يزيل هذا الشك، فإنه يشك في هذا التبرير أيضًا، ومدى صدقه، وما هو هدفه. وقد ينمو الشك عنده فيشمل كل شيء، وكل أحد حتى أعز الأحباء.. ويصبح فريسة للإشاعات وللظنون والأكاذيب.. ومن أصعب الشكوك التي تصيب بعض العقول، الشكوك الإيمانية: مثل الشك في الله عند الملحدين وأمثالهم، والشك في المعجزات عند بعض رجال العلم. والشك في الحياة الأخرى وفى قيامة الأجساد، والشك في الكتب المقدسة، أو في بعض الحقائق الإيمانية والعقائدية والمسلمات. وإذا وصل العقل إلى هذا الحد من الشك، ما أسهل أن يستلمه الشيطان ويلعب به.. ويزوده عدو الخير بأفكار وأفكار، ويرشده إلى قراءات تزيد شكه، وإلى زملاء من نفس النوع، يعمقون الأفكار التي تحاربه ويضيفون إليها.. هل تظنون مثل هذا العقل عقلًا خالصًا، بينما هو في قيادة غيره؟! 4- العقل أيضًا يتأثر بالجهل: سواء كان جهله نتيجة عدم معرفة، أو نتيجة معرفة مضللة وصلت إليه، ونتيجة لوقوعه في الجهل، يتصرف تصرفات خاطئة. وإذا يجهل حقائق أي موضوع أو أي حدث، تسيطر عليه بعض الظنون والأفكار التي ما أسهل أن تتعبه.. يحتاج مثل هذا العقل إلى المعرفة الصادقة المقنعة، وإلى التوعية السليمة، وأحيانًا إلى العتاب المشبع بالحب والنية السليمة،لكشف الحقائق.. وأصعب أنواع الجهل الذي يحارب العقل، الجهل الذي يرفض المعرفة.. أعني العقل الذي يتمسك بجهله في إصرار، مقتنعًا بما عنده من أفكار، ويشك في كل توعية وكل شرح.. مثل هذا، ربما التجارب تصقله، أو النعمة تفتقده، بتجديد ذهنه (رو3:12). وعلى كل كلما ينمو الإنسان في المعرفة، تتغير طريقة تفكيره، على حسب نوع المعرفة التي تأتيه.. 5- هناك عقل يقوده مبدأ معين يؤمن به: فهو يعيش داخل هذا المبدأ، سواء كان سليمًا أو خاطئًا.. ولا يحب أن يتزحزح عنه، بل يستمر حبيسًا فيه. ويشكل هذا المبدأ هيكلًا أساسيًا لحياته.. صدقوني، حتى بالنسبة إلى كثير من الفلاسفة، الذين يحكمهم العقل فرضًا، ينطبق عليهم المثل القائل بأن نقطة البدء في الفلسفة أحيانًا تكون غير فلسفية.. أي ربما يبدأون بعامل نفساني معين، يبنون عليه كل فلسفتهم. مثل كرة ألقيتها من على جبل: إن ألقيتها شرقًا، تستمر بكل قوتها في هذا الاتجاه الشرقي،وأن ألقيتها غربًا، تستمر في هذا المجال الغربي بكل قوتها.. 6- نوع أخر من العقل يسيره أب أو معلم. فهو منقاد إلى عقل آخر يسيره كيفما يشاء، سواء كان عقل أب بالجسد، أو أب روحاني، أو معلم أو مرشد. وليست لديه فرصة أن يتصرف أو حتى يفكر. إلا داخل دائرة هذا المعلم وتفكيره وإرشاده. وتكاد شخصيته أن تكون مفقودة تمامًا. وبخاصة لو كان هذا الأب أو المرشد شديدًا في سلطته، يتطلب لونًا من الطاعة العمياء.. ويزيد هذا الانقياد العقلي الكامل، إن كان عقل من يطيع مدفوعًا بثقة كاملة فيمن يطيعه. أو اعتقاده أنه سيهلك إن هو خرج عن حدود الطاعة، أو إن اقتنع بأن مجرد المناقشة أو الحوار مع من يرشده، لون من الكبرياء.. هنا عقله لا يعمل، إنما يطيع عقلًا آخر. 7- مثل هذا العقل قد تقوده أيضًا الأخبار أو الشائعات. أو يقوده أي كتاب يقرؤه، أو تأثير فيلم يراه في السينما أو في التلفزيون أو في الفيديو.. لأن عقله قد تعود الاستسلام والخضوع لقيادة أخرى تؤثر عليه.. حتى لو كانت الصحافة، أو الأخبار التي يسمعها من الناس أو أي شخص أقوى منه فكرًا ومنطقًا.. وقد يثبت بعد فترة كذب الشائعات، أو عدم صحة الأخبار.. ولكن بعد أن تكون قد تركت في نفسه أثرًا، ليس من السهولة أن يزول.. أما العقل السليم القوي، فهو يفحص ويدقق. كل ما يسمعه، يفحصه ويحلله. ويقبل منه ما يقتنع به، ويرفض الباقي. أو يترك بعض الأخبار الأخرى لمزيد من الدراسة والاستقصاء. ويمكنه أن ينتفع ببعض ما يقوله الناس. ولكنه لا يسلم ذاته لهم تسليمًا كاملًا ولا يكون مثل ببغاء "عقله في أذنيه". بعض القيادات ما أسهل أن تضيعهم التقارير المضللة، وبخاصة لو تأثروا بها لدرجة اتخاذ قرارات سريعة مبنية على باطل.. وما أكثر ما انحلت عائلات، نتيجة تصديق كل ما يقال. 8- والعقل قد تقوده الأعصاب أحيانًا. إن كان سريع التأثر، وسريع الانفعال. ويفكر مدفوعًا بانفعالاته. شمشون أطاع دليله، لأن كثرة إلحاحها عليه، كان ضاغطًا على أعصابه، التي دفعت عقله بلون من الضيق واليأس كشف فيه سره. 9- وكثيرًا ما يخضع العقل لمؤثرات عائلية أو اجتماعية: فكثيرًا ما تستطيع زوجة أب أن تؤثر على عقله وفكره، حتى يسئ معاملة أبنه من زوجته الأولى، مصدقًا ما تصبه في أذنه من مؤثرات. كذلك المجتمع كثيرًا ما يترك تأثيره على عقول الناس. فيكون الإنسان في وسط الجماعة متأثرًا بفكر الجماعة وانفعالها. مثل تلميذ في مظاهرة، يردد كل ما يقوله زعماء المظاهرة. فإذا قبض عليه وألقى في سجن، وجلس وحده، حينئذ يفكر عقله بطريقة أخرى، وقد يلوم نفسه على اندفاعه وراء المظاهرة.. 10- يوجد عامل آخر يسميه البعض (غسيل المخ). وفيه يقع عقل تحت تأثيرات متوالية، وشكوك متعددة، وضغوط فكرية، بحيث تقتلع منه كل ما كان فيه، وتحشوه بفكر آخر جديد عليه.. ويخرج من هذه الدائرة التي حبسوا عقله فيها، وإذا به يفكر بطريقة أخرى، عكس ما كان قبلًا. بل قد يتحمس للفكر الجديد تمامًا، الذي عاش فيه دون إتاحة فرصة للفكر الآخر أن يقيم توازنًا مع ما يقع عليه من ضغوط فكرية. 11- وقد تؤثر على العقل طوائف ومذاهب أخرى. كإنسان يختلط فترة بمجموعة من الشيوعيين، تحول عقله إلى فكر شيوعي. أو يختلط بشهود يهوه فترة، فيصبح وأحدًا منهم وداعية لهم. وكذلك نقرأ عمن اختلطوا بالوجوديين، أو بالهيبز والبيتلز، وبطوائف أخرى متعددة. تركت تأثيرها على عقولهم، فأصبحوا يفكرون بطريقة أخرى. إنسان يخالط متشددين، فيتحول إلى متشدد. أو يختلط بمستهترين، فيتحول إلى مستهتر. يضيق فكره أو يتساهل، حسب تأثير الواقع عليه. 12- وقد تؤثر على العقل نوعية نفسيته: فالإنسان صاحب النفسية الرقيقة الحساسة، ما أسهل أن يتأثر تفكيره بأية كلمة تقال له، ويصور له فكره أنها خطيرة وصعبة. والإنسان صاحب النفسية البسيطة، كثيرًا ما يتقبل عقله أمورًا لا يمكن أن يصدقها متعمق باحث عن الحقيقة.. 13- وقد يتأثر العقل بعاداته وطباعه: تسيره العادة أو الطبع، في أمور لا يقبلها العقل المتزن، بل ربما أكثر من هذا، يبدأ العقل في تبرير تلك العادات وتلك الطباع، وما يصدر عنها من سلوك. وقد يثق العقل بأن هذه العادة تضره، ومع ذلك تنتصر العادة. لأن القيادة لا تكون وقتذاك في يد العقل، وعلى رأي المثل "الطبع يغلب". هل بعد كل هذا نقول إن الإنسان مخلوق عاقل، بمعنى أن العقل هو الذي يقوده؟! كلا. 14- هناك عقل آخر يقوده الخوف: الخوف يشل عقله عن التفكير، ويقوده بنفسه.. مثل أبينا آدم، خاف فاختبأ من الله خلف الشجرة!! بينما العقل يقول إنه مهما اختبأ، لابد أن يراه الله. ولكن الذي كان يقوده، كان هو الخوف وليس العقل.. وقد يقود الخوف هذا العقل ليشتغل لحسابه. كأن يخطئ إنسان، ويخاف من نتائج أخطائه، فيدفع العقل إلى تغطيتها بحيل أو أكاذيب أو اتهام غيره ظلمًا. كل ذلك ليستره.. الإنسان الخائف لا تطمئن إلى سلامة تفكيره. 15- عقل آخر تقوده الشهوة: أية شهوة: شهوة جسد، أو شهوة انتقام، أو شهوة مناصب أو ألقاب، أو شهوة مال، أو شهوة عظمة، أو شهرة.. وقد يضيع عقله في سبيل تحقيق هذه الشهوة.. فالذي تسيره شهوة الانتقام، ترى كل عقله يفكر في كيف ينتقم، ولا يفكر مطلقًا في عواقب ذلك، ولا في وصايا الله.. أنه محصور داخل هذه الشهوة، تسيطر على كل تفكيره، وحدها.. وينفذ ويضيع.. لآن عقله لم يستطع أن يمنعه عن الجريمة. 16- والعقل قد تقوده العاطفة. هناك عاطفة تقود العقل، وعاصفة بلا عقل. وهناك عقل بلا عاطفة، وعقل متزن له عاطفة ولكنه يحكمها. أنواع أربعة، وكل نوع يختلف عن الآخر. فالعقل الذي تقوده العاطفة، مثل الأم التي تمنع أبنها من السفر لفائدته، لأنها تريده إلى جوارها، أو الأم التي تتدخل في كل شئون أبنتها الزوجة، بحكم عاطفتها، ولكن بلا عقل فتتلف حياتها، وزواجها. أو مثل تلميذ بسبب العاطفة، يغشش زميلًا له في الامتحان، فيقع الإنسان في مسئولية وتحقيق، وقد يلغي امتحانهما.. إيزابيل باسم العاطفة، فكرت في وسيلة لكي تريح زوجها، وتمكنه من امتلاك حقل نابوت اليزرعيلى. وكانت سببًا في هلاكه وهلاكها. وسمح عقلها أن يغرق في لجة من الأخطاء الدينية والإنسانية. 17- وهناك عقل يقوده الروح القدس: حقًا إن العقل له قدرة على التفكير، ولكن إذا ما استنار بالروح القدس، الذي يعرفه بكل الحق.. حينئذ تكون أفكاره سليمة تمامًا وروحية وموافقة لمشيئة الله. أصعب نوع من العقل، هو الذي يعلن استقلاله عن الله. ويسلك حسب فهمه البشري، الذي قال عنه الكتاب "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك" (أم7:3)، والذي قال أيضًا "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم5:3). أما الذي يقوده روح الله، فهو الذي يقول لله "لتكن مشيئتك". 18- يشابه هذا العقل الروحي، من تقوده وصايا الله. كما قال داود النبي "وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بعد" (مز 19). وكما قال "سراج لرجلي كلامك، ونور لسبيلي" (مز 19). هذان النوعان الأخيران، يمكن أن تقودهما الروح، ويقودهما ضمير صالح أمام الله.. ضمير مستنير بالروح القدس أيضًا... العقل قد يخطئ، وتترسب عليه عوامل تفقده الرؤية السليمة. وهنا نتأمل معًا قول القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12). |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
أهمية تجديد الذهن في المعمودية تأخذ تجديد الطبيعة. أما تجديد الذهن، وتجديد أسلوب الحياة، فأمر نحتاج إليه باستمرار في حياتنا. فلا يتحرر الإنسان على وضع معين. تجديد الذهن، ومعناه تغيير نظرة الإنسان إلى الأمور. وما أكثر عبارة التجديد في المزامير وفى الكتاب. فنحن في كل صلاة نقول في المزمور الخمسين "قلبًا نقيًا أخلق في يا الله، وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي". ونقول في مزامير الساعة "سبحوا الرب تسبيحًا جديدًا". وفى الوضع الجديد لنا في المسيحية يقول الكتاب "خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة الله" (كو 3: 9، 10). لاحظوا هنا عبارة جديد، ويتجدد. ولكنه يتجدد للمعرفة. وهنا نفهم تجديد الذهن، أي يأخذ معرفة جديدة لم تكن له. وهذا التجديد في المعرفة، تصحبه قوة جديدة للتنفيذ. إذ يقول الكتاب "وأما منتظرو الرب، فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون" (أش 31:40). إن الله يريد أن يكون لنا عنصر الجدة في حياتنا. لذلك يقول لنا في سفر حزقيال النبي "أعطيكم قلبًا جديدًا، وأضع روحًا جديدة في داخلكم" (حز26:36). وهنا نسأل ما معنى تجديد الذهن؟ الإنسان يخطئ، لأن فكره يقوده إلى الخطية. لذلك فإن الله يريد للإنسان أن تتغير نظرته إلى الأمور. ولنأخذ كمثال: نظرة الإنسان إلى الجسد: هل تفكير ذهنه في الجسد، أن الجسد هو للمتعة واللذة؟ سواء كانت المتعة في الأكل والشرب والملبس، أو في الممارسات الجنسية أو الزنا، أو في الشعور بجمال الجسد أو قوته.. إن كان الأمر كذلك، فسوف يخطئ. وهنا ينصحه الرسول بتجديد ذهنه، أي أن يأخذ فكره شكلًا جديدًا. وفى تجديده، ينظر إلى الجسد كهيكل لله: باعتباره أنه هيكل للروح القدس، والروح القدس يحل فيه (1كو19:6). إذا تجدد ذهنك، حينئذ ينظر إلى الجسد كمجرد وعاء للروح، سواء روحه الإنسانية أو روح الله الساكن فيه. وحينئذ يمكنه عن طريق الجسد أم يمجد الله، كما قال الرسول: "مجدوا الله في أجسادكم، وفى أرواحكم، التي هي لله" (1كو20:6). وهنا على الإنسان باستمرار أن يمجد الله في الجسد وبالجسد. ولعل هذا يتم إن كان الجسد يسير مع الروح في طريق واحد. أما إن كان هناك صراع بين الجسد والروح (غل17:5). فهذا يدل على أنه لا يزال في المفهوم القديم للجسد من حيث أنه جهاز للمتعة، ويحتاج أن يغير فكرته هذه. لأنه حتى لو أنتصر على شهوة الجسد، وهو بهذا الوضع، يكون قد امتنع عن ارتكاب الخطية، وهو لا يزال يحبها. أما في تجديد الذهن، فهو ينتصر على الخطية لأنه قد ارتفع فوق مستواها، ولا يحتاج إلى جهد للخلاص منها. وعندما يتجدد ذهنه، لا ينظر فقط إلى جسده بهذه النظرة، إنما ينظر هكذا أيضًا إلى أجساد الآخرين. فإن نظر إلى امرأة، لا يشتهيها في قلبه (مت28:5). ذلك لأن جسدها -في مفهومه الروحي- هو هيكل للروح القدس، له سمة القداسة وبخاصة في حالة تناولها من الأسرار المقدسة. بتجديد ذهنه، ينظر إليها كابنة لله، لها احترامها، تنال منه كل توقير، بعيدًا عن النجاسة والفساد. ولا يلزم المرأة أن تتغطى من قمة رأسها إلى كعب قدميها، لكي ينجو هو من الشهوة الكائنة في قلبه.. طبعًا الحشمة لازمة ولكن: بتجديد ذهنه ينجو من الشهوة، من الداخل. بدون وسائل خارجية تلجم شهوته. وهو مجرد لجام من الخارج! وهكذا -في تجديد ذهنه- لا يقول إن المرأة تعثرني. إنما يقول: إن ما كان يعثرني -قبل تجديد ذهني- هو شهوات قلبي الداخلية، بسبب مرض ذهني وسوء تفكيره. الذي تجدد ذهنه ينظر إلى الجسد نظرة سامية، كخادم لعمل الروح، لعمل البر،.به يركع ويسجد ويصلي. وبه يخدم ويتعب في الخدمة. بل يقدم الجسد ذبيحة مرضية لله (رو1:12). وهكذا نرى أن الشهداء والمعترفين قدموا أجسادهم لله ذبيحة مقدسة، ولم يكن الألم عائقًا لهم. بتجديد ذهنهم لم يخافوا الموت، بل رأوا أن الموت هو الوسيلة التي توصلهم إلى المسيح. هذا الذهن الجديد هو الذي منح الشهداء شجاعة في مواجهة الحكام الوثنيين، وشجاعة في تحمل الآلام، ناظرين إلى الألم كإكليل فوق رؤوسهم. وبهذا الذهن الجديد كانوا يسبحون ويرتلون وهم في طريق الاستشهاد. وبهذا المفهوم لما أراد أهل رومه أن ينقذوا القديس أغناطيوس الأنطاكي من إلقائه إلى الأسود الجائعة، عاتبهم على ذلك بقوله "أخشى أن محبتكم تسبب لي ضررًا. وقد وصلت إلى نهاية المطاف..". نفس الوضع بالنسبة إلى الصوم، فالإنسان الروحي الذي تجدد ذهنه، لا يبذل جهدًا في الانتصار على لذة الطعام، لماذا؟ لأنه. وصل إلى الجسد الزاهد، وليس إلى مجرد الجسد الصائم. لقد تغيرت نظرته إلى الأكل والطعام. ورأى أنه في الصوم يشعر بانطلاق روحه بغير عائق من الجسد.. ارتفع فوق مستوى الماديات، ولم تعد الماديات تغريه.. ويتطور متقدمًا في الوصول إلى روحانية الجسد.. طبعًا الجسد الروحاني نلبسه في القيامة (1كو44:15). ولكنه يقترب من هذه الروحانية،بقدر ما تحتمل طبيعته. نتحدث عن تجديد الذهن أيضًا، من جهة الطموحات والآمال. حسب هدف الإنسان، هكذا تكون وسائله. فإن كان الإنسان ينظر بنظرة عالمية إلى العلو والعظمة والكرامة، وإلى النجاح والطموح، فكهذا تكون تصرفاته. الإنسان الروحي -الذي تجدد ذهنه- ينظر إلى الطموح نظرة روحية، فيها يرجع إلى الصورة الإلهية التي خلق بها منذ البدء. بحيث يرى العظمة الحقيقية، أنه يعيش بلا خطية.كما قال الرسول إن المولود من الله لا يخطئ والشرير لا يلمسه. ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله (1يو9:3) (1يو18:5). في تجديد ذهنه يقول: كيف اهبط بمستواي إلى وضع الخطية؟! "كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله" (تك9:39). ومن جهة النجاح والتفوق، للذهن المتجدد رؤية أخرى. فهو لا يخلط النجاح بالذات، إنما بالوصية الإلهية. إنه لا يجعل النجاح مجرد وسيلة، ليرضى عن نفسه، ولكي تكون صورته مضيئة أمام الناس. إنما ينجح لأن أولاد الله ينبغي أن يكونوا دائمًا ناجحين. ليرضى الرب عنهم. وأيضا يكونوا ناجحين، لأن الرب معهم وهو سبب نجاحهم. والتفوق في نظره، هو تفوق في النوعية، وليس مجرد تفوق على الغير. فحتى لو تفوق على غيره، وكان الأول في الترتيب، ومع ذلك بم يصل إلى المستوى العالي، فإن هذا لا يرضيه. وفى داخله يشعر بالتقصير.. إنها في نظره ليست منافسة مع الغير، يصير فيها الأول. إنما هو جهاد للوصول إلى الكمال، بكل ما تستطيع طاقته أن تصل إليه. ومن جهة العظمة، لا يهدف أن يكون عظيمًا أمام الناس. إنما كما كان المعمدان "عظيمًا أمام الله" (لو1:15). هيرودس الملك كان عظيمًا أمام الناس، عظمته فيها كبرياء، ويعطى فيها مجدًا لله. لذلك سمح الله أن يضربه الملاك، فأكله الدود ومات (أع21:12 -23). أما يوحنا المعمدان، فكان سر عظمته، أنه من بطن أمه كان مملوءًا من الروح القدس. وأمام الناس كان يقول عن السيد المسيح "ينبغي أن ذاك يزيد، وأنى أنا أنقص" (يو30:3) "أنا لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه" (لو16:3). فما هو نوع العظمة الذي يدور في ذهنك؟ هل هو الكرامة العالمية في البحث عن مديح الناس؟! أم هي كرامة الاتضاع كما قال الرب: من يضع نفسه يرتفع.. استمع إذن إلى قول القديس أنطونيوس الكبير: من سعى وراء الكرامة، هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة، سعت وراءه، وأرشدت الناس إليه".. إذا تجدد ذهن الإنسان، يركز نظره في الأبدية، أكثر مما ينظر إلى العالم الحاضر. وذلك حسبما قال الرسول "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى، بل إلى التي لا ترى لأن التي ترى وقتية. وأما التي لا ترى فأبدية" (2كو18:4). إنه لا يفعل مثل الغنى، الذي ركز في خيرات العالم الحاضر، وكيف أنه سيهدم مخازنه ويبنى أعظم منها ويقول لك يا نفسي خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة (لو19:12). فجاءه الصوت الإلهي "يا غبي. في هذه الليلة تؤخذ نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟!". الذي يركز في الأرضيات، تزعجه الضيقة. فإن تجدد ذهنه، يفرح بالضيقات. بنظرته الجديدة يرى في الضيقات بركات عديدة. كما قال الرسول "احسبوا كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة.." (يع2:1). وهكذا يأخذ من الضيقة فضائل الصبر والاحتمال، وبركة الآلام وأكاليلها. ولذلك قال القديس الأنبا بولا السائح "من هرب من الضيقة، هرب من الله". وبهذا أوصانا الله أن ندخل من الباب الضيق الذي يؤدى إلى الحياة (مت13:7، 14) الإنسان الذي تجدد ذهنه، يجدد وسائله. ربما فيها شر يظنه خيرًا. ربما فيما ينشر الخير، أو ما يضنه خيرًا، يلجأ إلى وسائل خاطئة مثل العنف والقسوة، أو الإدانة ومسك سيرة الناس. ربما ينظر باستمرار إلى القذى التي في عين أخيه، ناسيًا الخشبة التي في عينيه.. فإن تجدد ذهنه، يعالج الأمور في وداعة وفى رحمة وفى أتضاع وحب. وفى ذلك قال الرسول "أيها الأخوة إن انسيق إنسان فآخذ في زلة، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضًا. احملوا بعضكم بعضًا أثقال بعض" (غل1:6،2). |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الضمير يمكن أن يخطئ الضمير ليس صوت الله في الإنسان، لأن الضمير يمكن أن يخطئ. وأن ينحرف وصوت الله لا يمكن أن يخطئ. الضمير داخل الإنسان كالعقل والروح. فالعقل يمكن أن يخطئ، وكذلك الروح وكذلك الضمير. الضمير كأي جهاز من أجهزة الإنسان، يمكن أن يضعف وان يقوى: يمكن أن يستنير بالروح القدس وبأقوال الآباء والوعظ والتعليم وبالحياة الروحية.. كما أنه يمكن أن يضعف وأن ينام، وتغطى عليه المصلحة، وتغطى عليه الإرادة. ما أسهل أن يختل الضمير، وتتغير أحكامه، وتتقلب موازينه، كالمدرس الذي يدفعه ضميره إلى تغشيش تلميذ، أو كالطبيب الذي شفقة على امرأة يجهضها، أو يعمل عملية ليستر فتاة فقدت بكارتها، أو يكتب شهادة مرضية لغير مريض ليساعده. أو كالأم التي تستر على أولادها لكي تنقذهم من عقوبة أبيهم، فتغطي أخطاءهم بأكاذيب. والعجيب في كل هؤلاء أن ضمائرهم لا تتعبهم ولا تبكتهم. بل على العكس يشعرون أنهم عملوا شيئًا حسنًا، يفرح قلوبهم.. إن عدم تبكيت الضمير على الخطأ، يدل على خلل فيه، أما كونه يفرح بالخطأ، فهذا يدل على انقلاب في كل موازينه. إن الضمير يمكن أن يتشكل حسب مبادئ الإنسان ومثالياته. ويتغير تبعًا لتغير هذه المثاليات. لهذا لا يكون حكمه سليمًا باستمرار، ولهذا تختلف وتتنوع ضمائر الناس، فما يراه أحدهم صوابًا يراه غيره شرًا، والعكس بالعكس. وتوجد أمثلة كثيرة تظهر إمكانية خطأ الضمير وانحرافه. قال السيد المسيح لتلاميذه، تأتى ساعة.. يظن فيها كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله" (يو2:16). ولا شك أن الضمائر التي تظن أن قتل الرسل خدمة لله، هي ضمائر منحرفة. مثال ذلك أيضًا أباطرة الرومان الذين كانوا يبخرون أمام أصنام آلهتهم قبل محاربة أعدائهم، ويقتلون من يرفض ذلك، وضميرهم مستريح. وبهذا السبب أستشهد القديس موريتيوس قائد الكتيبة الطيبية، لأنه رفض التبخير أمام الأصنام، وقتلت معه كتيبته!! مثال ذلك أيضًا أهل الجاهلية الذين وقعوا في وأد البنات، وأيضًا الناس الذين يوزعون السجاير في الجنازات على ضيوفهم، وضميرهم يتعبهم إذا لم يقدموها!! وكذلك أيضًا الذين يستخدمون الميكروفونات بطريقة تتعب الناس، وتؤذي المريض، وتعطل الطالب عن مذاكرته وتزعج النائم المحتاج إلى راحة.. كذلك المصريين القدماء الذين كانوا يلقون فتاة جميلة في النيل لاسترضائه ليأتي الماء في مناسبة وفاء النيل. إن الضمير قاض يحب الخير، ولكنه ليس معصومًا من الخطأ. كما أن الخير يختلف مفهومه عند كثيرين، والضمير أيضًا يقع تحت تأثيرات كثيرة. نذكر في مقدمتها نوع المعرفة، والشهوات والعاطفة والإثارة، وتأثير الجماعة، وتأثير القادة، وكذلك الإرادة في قوتها أو ضعفها. الضمير موجود قبل الشريعة المكتوبة. به أصبح قايين مدينًا أو مستحقًا للعقوبة (تك4). قبل إن توجد وصية تقول "لا تقتل"،وبه ترفع يوسف الصديق عن خطية الزنا بقوله "كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!" (تك9:39). وبالضمير وجد في العالم الوثني فلاسفة يدعون إلى الخير والفضيلة، دون أن تكون لديهم شريعة إلهية. وعنه قال الكتاب "إن الأمم الذين بلا ناموس هم ناموس لأنفسهم" (رو14:2).. ولكن لاختلاف معرفة الناس، ولاختلاف عقلياتهم ونفسياتهم، لذلك تختلف الضمائر. هناك ضمير صالح، مثل ميزان الصيدلي: الزيادة فيه تضر، والنقص يضر. هناك ضمير فريسي يهتم بالحرف لا بالروح. وضير آخر منحرف. وضمير لا يبالى..وقد يوجد إنسان له ضميران: واحد يحكم به على غيره بكل عنف وقسوة. وواحد يحكم به على نفسه بكل رقة ومجاملة! وضمير تؤثر عليه العقائد والتقاليد. فعابد الوثن إذا لم يبخر أمام الوثن ويسجد، يتعبه ضميره. وفى بعض البلاد إذا لم يقتل الأب أبنته التي فقدت بكوريتها، يثور عليه ضميره لأنه لم يغسل شرف الأسرة من العار. وكذلك أيضًا الابن الذي لم ينتقم لمقتل أبيه بقتل قاتليه. هناك ضمير واسع يبلع الجمل، وضمير ضيق يصفى عن البعوضة. الضمير الواسع يمكن أن يجد تبريرًا لأخطاء كثيرة. أما الضمير الضيق فهو ضمير موسوس، يظن الشر حيث لا يوجد شر، ويضخم من قيمة الأخطاء، ويقع في (عقدة الذنب) ويرى نفسه مسئولًا عن أمور لا علاقة له بها إطلاقا، وتملكه الكآبة أحيانًا واليأس، ويطن أنه لا فائدة من كل جهاده، وأنه هالك، وقد وقع في التجديف على الروح القدس. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الضمير تؤثر عليه الرغبات الرغبات والعواطف، حبًا كانت أم كرهًا، تؤثر على الضمير في أحكامه وفى سلوكه، إذ يندر أن يوجد من يحكم في شيء حكمًا مجردًا تمامًا من الرغبات ومن العواطف. يقع إنسان في مشكلة، ويرى أنها لا تحل إلا بالكذب. فتراه يسمى الكذب ذكاء أو دهاء، وإن أدان تصرفه، فإنه يخفف حكمه عليه جدًا، ويلتمس له ألف عذر، ولا يشتد بنفس الشدة التي يحكم بها على تصرفات الآخرين.. وقد يسمى بعض الكذب بالكذب الأبيض، أو يسمه مزاحًا... وقد يحب إنسانًا فيدافع عن كل تصرفاته، مهما كانت خاطئة. دون أن يتعبه ضميره، بل يتعبه ضميره إن لم يدافع! ويسمى هذا الدفاع الخاطئ لونًا من الوفاء أو الواجب. وربما يدعو غيره أن يسلك مسلكه، ويتكلم بحماس شديد، وانفعال، يتعطل معهما عمل الضمير وينسى قول الكتاب: "مبرئ المذنب، ومذنب البريء، كلاهما مكرهة للرب" (أم15:17). إن الذي يبرر المذنب، هو إنسان ضد الحق، وضد العدل.ولا يستطيع أن يعتذر عن هذا بالعطف أو الرحمة.. إذ يمكنه أن يعترف بأن هناك ذنبًا، ثم يطلب لهذا المذنب العطف والرحمة. أما تبرئة المذنب، فهي اختلال في الضمير.. والعواطف قد تدخل في أحكام الضمائر وتكوينها. فالذي يحب إنسانًا، قد يكذب ويبالغ في مديحه، وهو مستريح القلب، وقد يكذب كثيرًا لإنقاذه من ورطة، وضميره المريض يشجعه، على اعتبار أنه يؤدى خدمة لصديق.. وبالتالي ما أسهل أن يقع كثيرون في مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة). وتقبل ضمائرهم وسائل كثيرة خاطئة، بحجة أن الغرض نبيل. الضمير قد يمرض من جهة أحكامه، ومن جهة عواطفه، فلا يبكت في حالات تستحق التبكيت، أو يوبخ بأسلوب هادئ جدًا في أمور خطيرة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وقد قال البعض"إن الضمير قاض عادل، ولكنه ضعيف، وضعفه واقف في سبيل تنفيذ أحكامه". ولكن الصعوبة الكبرى أن يكون الضمير ضعيفًا، وفى نفس الوقت يكون أيضًا غير عادل. لذلك لا تعتمد على ضميرك وحده، بل الجأ إلى تحكيم ضمائر أخرى سليمة ومحايدة، بعيدة عن تأثير الأغراض والبيئة والقيادة.. فالإرشاد الروحي هو ضمير سليم محب، يقوم مسيرة ضمير المعترف، وكما قال الكتاب "هناك طريق تبدو للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت". |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
المعرفة تؤثر على الضمير المعرفة السليمة تجعل الضمير يستنير بالفهم، لأنه ما أكثر الذين يخطئون عن جهل، وإذا عرفوا يمتنعون عن الخطأ. شاول الطرسوسي كان أحد الأنقياء الذين أخطأوا عن جهل.. ولذلك نراه يقول، أنا الذي لست مستحقا أن أدعى رسولا لأني اضهطدت كنيسة الله، ولكنني رحمت، لأني فعلت ذلك بجهل" (ا تى 13:1). ولكن الجهل لا يمنع من أن الخطية خطية. ونحن نصلى في الثلاثة تقديسات ونطلب من الله أن يصفح لنا عن خطايانا التي فعلناها بمعرفة، والتي فعلناها بغير معرفة، وفى العهد القديم كان الذي يفعل خطية سهوًا (بجهل): إذا أعلموه بها، يقدم عنها ذبيحة لإثمه لتغفر له (لا4). ما أعمق قول الرب "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو6:4). لهذا أرسل الرب الأنبياء والرسل والمعلمين والكهنة والمرشدين، لكي يعرفوا الناس طريقه، لأن ضمائرهم لم تعد كافية إرشادهم، أو لأن ضمائرهم قادتهم في طرق خاطئة. والكتاب المقدس أيضًا، هو لإنارة الضمير، ولهذا قال داود "لو لم تكن شريعتك هي تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي" (مز119). ولأن ضمير الإنسان قد يكون كافيًا لإرشاده الروحي، أوجد الله آباء الاعتراف والمرشدين الروحيين، لأنه هناك طريق تبدو للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت" (أم12:14). كما أن الشيطان قد يحاول أن يتدخل لكي يرشد الإنسان إلى طريق منحرف، كما فعل مع أمنا حواء في القديم. المعرفة إذن تؤثر في الضمير، صالحة كانت أم خاطئة. المعارف الخاطئة يمكن أن تقود الضمير أيضًا. ألم تكن الفلسفة الأبيقورية المبنية على اللذة تقود ضمائر تابعيها؟ وكذلك الفلسفات الإلحادية. ألم تؤثر على ضمائر من اعتنقها،وتحرفه عن طريق الإيمان كله وتؤثر على سلوكه؟ الذين يعترفون بخطاياهم تأثرت ضمائرهم بالإيمان السليم الذي تعلموه والذين يرفضون الاعتراف من بعض المذاهب تأثروا هم أيضًا بالمعرفة التي تلقنوها ضد الاعتراف. هناك معلمون يدعون تلاميذهم إلى الجدية الكاملة، وعدم الضحك إطلاقًا، لأنه "بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا3:7). ومعلمون آخرون يدعون تلاميذهم إلى البشاشة وحياة الفرح، لأنه "للبكاء وقت وللضحك وقت" (جا4:3). وحسب نوع المعرفة، يتأثر الضمير. هناك من يقولون إن تحديد النسل خاطئ، فيتعب ضمير من يحدد نسله، وآخرون يقولون إنه محلل، فيستريح الضمير بذلك.. لكل هذا، ينبغي وجود وحدة في التعليم في الكنيسة، حتى لا تتبلبل ضمائر الناس بما نسمعه من تعاليم متناقضة ولهذا قام التعليم في الكنيسة على التسليم، لكي يحتفظ التعليم بنقاوته، وليحتفظ بوحدته،فقال بولس "تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا" (1كو23:11). وقال لتلميذه تيموثاوس" وما تسلمته منى بشهود كثيرين أودعه أناسًا أمناء.." (2تى2:2). المعرفة تقود الضمير، لذلك اشترط في الأسقف أن يكون صالحًا للتعليم (1تى2:3). ولذلك أيضًا وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين لأن تعليمهم كان يضلل ضمائر الناس. ولهذا أيضًا تكلم الكتاب عن "معلمين وأنبياء كذبة" (مت15:7). وقال لإسرائيل "مرشدوك مضلون" (أش12:3) (أش16:9). إن ضمائر الناس تتأثر بمعرفة ما هو الخير والشر، وتتأثر أيضًا من جهة الآمان بالمعلومات العقائدية. وربما تكون المعرفة من الكتب، والنبذات، أو من الاجتماعات. ولهذا يحسن أن يدقق الشخص في الكتب التي يطلع عليها،وفى نوعية الاجتماعات التي يحضرها.. بل في كل ما يقرأ.. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
تأثر الضمير بالجماعة في وسط الجماعة يتأثر الإنسان بالانفعال وبضمير الجماعة. وقد يقترب أمرًا، إذا خلا إلى نفسه، يوبخه ضميره عليه. مثل شاب يندفع في مظاهرة يهتف ويخرب، فإذا قبض عليه والقي في السجن، فإنه وهو وحده في هدوء السجن، يفكر بطريقة أخرى غير هتافه وسط الجماعة، وأيضًا قد يعبث شاب ويلهو وسط جماعة من أصدقائه، دون أن يصحو ضميره أو يوبخه، فإن خلا إلى نفسه وبخه. في وسط الجماعة صاحت جموع اليهود "أصلبه، أصلبه" (يو15:19،16). مخالفين ضمائرهم، أو انسياقا دون دراية بخطورة ما يفعلون. لذلك قال الرب على الصليب "يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون" (لو34:23). لأن ضميرهم تعطله دوامة الجماعة. وفى وسط الجماعة، قد تقود الضمير الشائعات والإثارات، وقد يصدق ما يقولون ويتصرف متأثرًا بما سمعه. إن مريم المجدلية مثال واضح لتأثير الجماعة على الضمير. لقد رأت المسيح. وأمسكته بقدميه، وسجدت له (مت9:28). وسمعت منه قوله "أذهبي وقولي لأخوتي أن يمضوا إلى الجليل، هناك يرونني" (مت10:28)،ومع ذلك لما اندمجت وسط الجماعة، وسمعت الشائعات التي نشرها الكهنة عن سرقة الجسد المقدس، ذهبت إلى بطرس ويوحنا وقالت لهما أخذوا سيدي، ولست أعلم أين وضعوه وقالت نفس الكلام للملاك (يو20). الضمير قد يتشجع إذا أثرت عليه جماعة صالحة، وقادته إلى الخير. ولكنه قد يتراخى وينام في وسط جماعة خاطئة، أو قد تتغير مبادؤه. ويحكم على الأمور حكمًا مختلفًا. وهذا ما نلاحظه في بعض من يتركون بلادهم لمدة طويلة. ولهذا فإننا نرى ضمائر السواح والمتوحدين، تختلف اختلافًا كبيرًا عن ضمائر العلمانيين، في حساسيتها، وأحكامها، واستنارتها، بل قد تختلف عن ضمائر كثير من رهبان المجامع. على أن هناك ضمائر قوية، قد لا يطغى عليها تيار المجتمع، وإنما هي التي تؤثر فيه.مثال ذلك الأنبياء والمصلحون. إنهم لم يتأثروا بفساد جيلهم، بل تولوا قيادته، وغيروه إلى أفضل. ولكن ليس كل إنسان أقوى من الجماعة.. هؤلاء الأقوياء يتصفون بالصلابة والصمود وعدم الانقياد. إنهم يذكرونني بالجنادل الستة التي اعترضت مجرى النيل، ولم تؤثر فيها كل تياراته ومياهه وأمواجه مدى آلاف السنين. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الضمير يتأثر بالقادة الضمير أيضًا يتأثر بالقادة والمرشدين والمعلمين والأشخاص المشهورين والآباء. وكثيرًا ما نجد إنسانًا صورة طبق الأصل من أبيه الروحي أو الجسدي، في أسلوبه، في أفكاره، في طباعه، بل حتى في حركاته. يعتنق كل مبادئه، ويتأثر بها ضميره، وتصير جزءًا من طبعه، وبخاصة بالنسبة إلى المبتدئين، والذين في فترة تكوين مثالياتهم. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الضمير والإرادة والضمير في طريقه، قد يصطدم بأمور عديدة أولها الإرادة. فإذا مالت الإرادة نحو الخطية، وأرادت تنفيذها، وحاول الضمير منعها، فإنها تعمل على إسكات هذا الضمير أو الهروب من صوته. ويقوم صراع بين الضمير والإرادة: إما أن ينتصر فيه الضمير، وإما أن تنتصر فيه الإرادة وتنفذ الخطأ. إن الضمير هو مجرد صوت يوجه الإرادة نحو الخير، ويبعدها عن الشر، ولكنه لا يملك أن يرغمها. يكفي أن يكون مجرد صوت، يصيح باستمرار في عقل الإنسان وفى قلبه: إن هذا الأمر خطأ، فيشهد للحق.. يوحنا المعمدان لم يرغم هيرودس على الخير، بل كان مجرد صوت يصيح في وجهه، إنه لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك زوجة. ولم يسمع هيرودس للمعمدان، ولكن ذلك النبي العظيم بقى ضميرًا للشعب كله، يصيح في وجه الملك الفاسد: لا يحل لك. والإرادة قد تحاول إسكات الضمير، بحجة سلامها النفسي..! إنها لا تريد أن يكون هذا الضمير سببًا في تعكير صفوها الداخلي، فيفقدها سلامها ويتعب نفسيتها. لذلك تسكته هذه الإرادة المريضة يهمها راحة النفس، وليس راحة الروح، فالروح تستريح في طاعة الرب وفى نقاوة القلب، وترحب في هذا بالتوبيخ، عكس النفس التي يتعبها التوبيخ.. وقد تهرب الإرادة من الضمير، ولا تعطيه فرصة.. تهرب من محاسبة النفس، وتهرب من توبيخ الضمير، بالمشغولية المستمرة. وإن أتاها صوت الضمير من مصدر خارجي، من أب أو صديق أو معلم، تحاول أن تغير مجرى الحديث إلى موضوع آخر، لأن صوت الضمير يتعبها، فتهرب منه. وقد يجد الضمير أنه لا مجال له، فيستكين ويصمت.. ويمضى الوقت ويتعود الصمت، ولا يتدخل في أعمال الإرادة.. وتبقى الإرادة وحدها في الميدان، تعمل ما تشاء، وتتفرغ لرغباتها، ولا تعطى فرصة للضمير.. فيصيح ضميرًا غائبًا، أو ضميرًا مستترًا، أو ضميرًا نائمًا، ويتعطل عمله في الإرشاد.. وتساعد الضمير على السكوت، وسائل التسلية المتعددة، ووسائل الترفيه وطغيان لذة الخطية، والمشغولية المستمرة، وعدم جدوى التوبيخ، ويأس الضمير من إمكانية العمل،أو الوعد المستمر بتأجيل التوبة. وهكذا يبدو أمام الضمير أنه لا فائدة، وتنتصر الإرادة على الضمير وتبقى في الخطية. لآن الضمير مجرد مرشد، لا يرغم الإرادة على قبول مشورته. الضمير مثل إرشادات المرور في الطريق، قد تضئ باللون الأحمر لكي يقف السائق، ولكنها لا ترغمه على الوقوف. ما أسهل أن يخالف السائق إشارة المرور الحمراء، ويستمر في سيره، وتكتب له مخالفة ولا يبالي. إن الضمير مجرد مرشد، أما التنفيذ ففي يد الإرادة. فهل إذا انحرفت الإرادة، وأسكتت الضمير، يهلك الإنسان؟ هنا تتدخل إرادة الله، ويرسل نعمته، ليخلص الإنسان من إرادته. مادام ضمير الإنسان ضعيفًا، والإرادة المنحرفة مسيطرة، أذن لابد من قوة خارجية تتدخل لإنقاذه،هنا يدخل روح الله القدوس، وهنا تظهر ثمار صلوات الملائكة والقديسين، وتعمل النعمة، لكي توقظ الإنسان الغافل، وتلين قلبه القاسي. مثال ذلك ما حدث لمريم القبطية، وهى في عمق الخطية، لا تفكر إطلاقًا في التوبة، بل تشتاق إلى خطايا جديدة تسقط فيها كثيرين.. ولكن النعمة اجتذبتها في مدينة القدس، وسرعان ما استجابت لعمل النعمة، وتابت بل صارت قديسة عظيمة، استحقت أن تبارك القس زوسيما. النعمة قد تتدخل وحدها، بافتقاد من روح الله القدوس. أو تتدخل بناء على صلاة تطلب معونة الله. وقد تكون الصلاة من شخص الخاطئ نفسه، يصرخ إلى الله قائلًا توبني يا رب فأتوب" (أر18:31). وربما تكون من أحبائه المحيطين به، المصلين من أجل خلاصه، وقد تكون الصلاة من أرواح الملائكة القديسين الذين انتقلوا. إذن الأمر يحتاج منا إلى صلوات لتتدخل المعونة الإلهية. إن الناس لا تنقذها مجرد العظات، فالعظات قد تحرك الضمير، وربما مع ذلك لا تتحرك الإرادة نحو الخير..! نحن محتاجون إلى قلوب تنسكب أمام الله في الصلاة، لكي يعمل في الخطاة، ويجذبهم إلى طريقة، فالرسول يقول "الإرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحسنى، فلست أجد، لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر إياه أفعل" (رو18:7،19). هناك عبارة جميلة وردت في سفر زكريا النبي عن يهوشع الذي كان واقفًا بملابس قذرة والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه، فجاء واحد من طغمة الأرباب، وقال للشيطان "ينتهرك الرب يا شيطان، ينتهرك الرب. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار؟" (زك2:3). وأنقذ الرب يهوشع.. ومع تدخل النعمة، يبقى الإنسان أيضًا حرًا.. يستجيب للنعمة أو لا يستجيب. يفتح للرب الذي يقرع على بابه (رؤ20:3) أو لا يفتح. يقبل عمل الروح، أو يحزن الروح، أو يطفئ حرارة الروح، أو يقاوم الروح..! |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الجسد ونظرة المسيحية إليه بمناسبة الصوم الذي نتدرب فيه على قهر الجسد، نود أن نتحدث عن هذا الجسد، ونظرة المسيحية إليه، هل هو شر أم خير؟
|
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الجسد ليس خطية ليس الجسد شرًا في ذاته، لأسباب عديدة. 1- لو كان الجسد شرًا، ما كان الله قد خلقه. ونلاحظ أنه بعد أن خلق الله الإنسان -وله هذا الجسد- "نظر الله إلى كل ما عمله، فإذا هو حسن جدًا" (تك 31:1). 2- لو كان الجسد شرًا في ذاته، ما كان السيد المسيح قد تجسد، ولبس جسدًا مثلنا. وقيل عنه" والكلمة صار جسدًا" (يو 14:1). 3- لو كان الجسد شرًا، ما كان الكتاب يقول "ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (اكو19:6). وما كان يقول أيضًا "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح" (1كو15:6). 4- لو كان الجسد شرًا، ما كان الله يقيم هذا الجسد!! ويكفى أن الإنسان قد احتمله على الأرض، ولا داعي أن يحتمله أيضًا في الأبدية!! 5- لو كان الجسد شرًا، ما كان الله يمجد هذا الجسد في القيامة، فيقوم جسدًا روحيًا وجسدًا سماويًا (1كو44:15،49).. "يقام في قوة، وفى مجد، ويلبس عدم موت" (1كو43:15،53). بل يكون ممجدًا في به جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده" (فى21:3). 6- لو كان الجسد شرًا ما كنا نكرم أجسام القديسين وعظامهم، ونعتبرها ذخائر في الكنيسة وبركة، وتجرى منها عجائب. 7- ولو كان الجسد شرًا، ما كان الكتاب يقول "قدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة.." (رو1:12)،بل ما كان يقول "مجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي الله" (1كو20:6). وعلى الرغم من كل هذا يتحدث الكتاب كثيرًا ضد الجسد (رو8)، و"أعمال الجسد" (غل19:5)، والاهتمام بالجسد، والسلوك حسب الجسد (رو1:8 -9).. فعن أي جسد يتكلم؟ إنه لا يتكلم عن الجسد في ذاته، أو الجسد بصفة عامة، إنما عن الجسد الخاطئ. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
الجسد الخاطئ إنه الجسد الذي يقاوم الروح.. هذا الذي قال عنه الرسول "الجسد يشتهى ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون" (غل17:5). هذا الجسد الخاطئ، ذكر الرسول في نفس الرسالة أمثلة عديدة من أعماله الخاطئة (غل19:5-21). والجسد الخاطئ هو الجسد الشهواني. وشهواته مادية ونجسة. ولذلك يقول الرسول "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد" (غل16:5). وشهوة الجسد قد تكون "الزنى والنجاسة والدعارة" (غل19:5). وقد تكون شهوة البطنة التي هي في الطعام والشراب والسكر. أو قد تكون في شهوة أمور حسية تتحول إلى عادة مسيطرة أو إلى إدمان، مثل التدخين والمخدرات.. والجسد الخاطئ هو الذي يهتم بالمادة، وقد تستعبده. وعن هذا الاهتمام قال الرسول "اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ"، "لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ" (رو7:8-6). وعن هذا الاهتمام قال الرب "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون" (مت25:6). كما قال أيضًا "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض.. بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء" (مت19:6). والجسد الخاطئ هو الذي يقود الروح والنفس إلى الخطأ. فحينما تخطئ حواسه، تشترك معها نفسه وروحه، فيتدنس الإنسان كله روحًا وجسدًا. كما قال الرب "من نظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (مت28:5). فهناك اشتراك بين الجسد في نظره، وبين النفس في شهواتها، والروح التي يمثلها القلب.. انظروا إلى سليمان كيف أخطأ حينما استسلم إلى شهوات الجسد. وقال"بنيت لنفسي بيوتًا، غرست لنفسي كرومًا، عملت لنفسي جنات وفراديس.. جمعت لنفسي أيضًا مغنين ومغنيات، وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات.. ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما" (جا4:2-10). وهكذا عاش حياة جسدانية.. وسقط عن طريق النساء (1مل11)،بل يقول عنه الكتاب إن "نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب" (1مل4:11). وهكذا استطاع جسده أن يهوى بروحه إلى عمق الخطية. ولم يمجد الله في روحه، ولا في جسده. بل سقط كله! حقًا ما أعمق العبارة التي قالها القديس بولس الرسول: " ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت؟!" (رو24:7). |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
أعضاء خاطئة قد لا يخطئ الجسد كله، ولكن يخطئ عضو واحد منه، فيدنس الجسد كله، ويدنس الروح معه أيضًا. خذوا اللسان كمثال، وهو عضو صغير. ولكن كما يقول القديس يعقوب الرسول "هكذا اللسان أيضًا، وهو عضو صغير ويفتخر متعظمًا. هوذا نار قليلة، أي وقود تحرق. فاللسان نار، عالم الإثم.. الذي يدنس الجسم كله. ويضرم دائرة الكون ويضرم من جهنم" (يع5:3،6). انظروا كم هو عدد الخطايا، التي يقع فيها الإنسان نتيجة لسقطات اللسان، كما يقول الكتاب "بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت37:12). بل باللسان يتنجس الإنسان، كما يقول الرب ".. بل ما يخرج من الفم، هذا ينجس الإنسان" (مت11:15). وكما نذكر دنس اللسان، نذكر دنس العين أيضًا. فأن كانت محبة العالم هي عداوة لله كما قال القديس يعقوب الرسول (يع4:4).. فهوذا القديس يوحنا الرسول يقول "إن أحب أحد العالم، فليس فيه محبة الأب،لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة" (يو15:2،16). شهوة العين التي وقعت فيها أمنا حواء، لما نظرت إلى الشجرة فإذا هي"بهجة للعيون، وشهية للنظر" (تك6:3). وما أكثر الخطايا التي تقع فيها العين. حينما نظر الإنسان نظرة شهوة،أو نظرة غضب أو حقد، أو نظرة حسد أو انتقام، أو نظرة كبرياء أو استهزاء بالغير، أو ينظر نظرة ماكرة، أو نظرة قاسية.. وتتعدد الخطايا، وتظهر صورتها واضحة في العين. وما أكثر الأعضاء الأخرى التي تخطئ.. اليد التي تسرع إلى الضرب، أو إلى القتل، أو إلى السرقة، أو إلى خطايا أخرى عديدة. والقدم التي تسرع إلى أماكن الخطية. أو ملامح الوجه، التي تظهر عليها الكبرياء، أو الغضب، أو القسوة.. لهذا كله ولغيره، تحدث الكتاب عن إخضاع الجسد. |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
إخضاع الجسد لعل من أهم الآيات وأخطرها في إخضاع الجسد، هو قول القديس بولس الرسول "بل اقمع جسدي وأستعبده. حتى بعد ما كرزت لآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (اكو27:9).. إنها عبارة مرعبة يقولها هذا الذي صعد إلى السماء الثالثة (1كو2:12). والذي تعب أكثر من جميع الرسل (1كو 10:15).. لكي يرينا بهذا خطورة الجسد، وأهمية إخضاعه، وقمعه واستعباده.. ومن الأقوال البارزة أيضًا في إخضاع الجسد، هي قول الرسول "ولكن الذين هم المسيح، قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل24:5). أي أن كل شهوة للجسد ضد السلوك بالروح، يدقون فيها مسمارًا ويصلبونها فلا تتحرك فيهم فيما بعد. ومن الوسائل الهامة لإخضاع الجسد، فضيلة الصوم. سواء من جهة إخضاع الجسد بالامتناع عن الطعام، وبتحمل الجوع، أو بالامتناع عما تشتهيه من الأطعمة،كما قال دانيال النبي في صومه" لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر" (دا3:10). وإن لم تستطع الامتناع الكامل. فلتقلل. وكما تمنع جسدك من الأكل، تمنعه عن الشهوات الأخرى. ومن وسائل إخضاع الجسد، ضبط الحواس، واللسان. ضبط النظر، والشم، واللمس.. وكما قال الرب في العظة على الجبل "إن كانت عينك اليمنى تعثرك، فاقلعها والقها عنك.. وإن كان يدك اليمنى تعثرك، فاقطعها والقها عنك" (مت29:5،30).. على الأقل تقطع شهواتها.. من وسائل ضبط الجسد أيضًا السهر. ونقصد به السهر في الصلاة والعبادة. كما قال الرب "اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة" (مت41:26)،وكما قال أحد الآباء "اغصب نفسك في صلاة الليل، وزدها مزامير".. ومن وسائل ضبط الجسد: الزهد والنسك. على الأقل البعد عن الترفيهات والكماليات، وعن المبالغة في الزينة العالمية، فقد ركز الرسول على "زينة الروح الوديع الهادئ، الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بط4:3). المهم هو أن تتزين الروح بالفضائل. كما يقول عنها النشيد" معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش6:3). وليعرف الإنسان أن الجسد ليس للمتعة والترفيه. بل هو لتمجيد الله، كما قال الرسول "مجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هي لله" (1كو20:6). |
رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
كيف نمجد الله بأجسادنا أولًا: باشتراك الجسد مع الروح في عملها. الروح مثلًا تصلى، والجسد يشترك معها في الوقفة الخاشعة، وفى رفع اليدين، وحفظ الحواس، وفى الركوع والسجود.. نقول ذلك لأن البعض يخطئون ويظنون أن الله "إله قلوب" فقط، فلا يهتمون باشتراك الجسد!! وقد يصلون وهم جلوس، وربما وهم مستلقون الفراش!! أو بعض الأجانب الذين لا يخلعون أحذيتهم في دخولهم إلى الهيكل ناسين قول الكتاب "اخلع حذاءك من قدميك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه موضع مقدس" (خر5:3)، (يش15:5). 2- نمجد الله بتعب الجسد في الخدمة. كما قال الرسول عن خدمته"في أتعاب في أسهار في أصوام" (2كو15:6) وأيضًا "في الأتعاب أكثر.. بأسفار مرارًا كثيرة بأخطار في البرية، بأخطار في البحر.. في تعب وكد، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مرارًا كثيرة، في برد وعرى.." (2كو23:11-27). آباؤنا كانوا في خدمتهم وفى بذلهم كالشمعة التي تذوب لكي تضئ للآخرين،لذلك نوقد الشموع أمام أيقونات القديسين، لأن حياتهم كانت نورًا، ولأنهم بذلوا أنفسهم في خدمتهم وعبادتهم. 3- آباؤنا الشهداء لاشك مجدوا الله بأجسادهم. ولذلك فالكنيسة ترفع الشهداء فوق درجات القديسين الآخرين، لأنهم تألموا كثيرًا من أجله. وكما يقول الكتاب "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد معه أيضًا" (رو17:8). 4- أما نحن، فعلى الأقل فلنمجده بتعب الجسد. كان القديس الأنبا بولا يتعب كثيرًا بالجسد في نسكه وفى جهاده الروحي، حتى ظهر له الرب وقال له "كفاك تعبًا يا حبيبي بولا". فرد القديس "وماذا يكون تعبي إلى جوار ما بذلته لأجلنا يا رب". 5- إننا نمجد الله أيضًا عن طريق طهارة الجسد. حتى يستريح روح الله في داخلنا،إذ يجد أجسادنا هياكل مقدسة له.. وحتى بطهارة الجسد نقدم للناس الصورة الإلهية، وأيضًا نستطيع التقدم إلى الأسرار المقدسة، ونتطهر بها أيضًا.. ومن مظاهر هذه الطهارة العفة، والحشة. |
الساعة الآن 12:22 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025