![]() |
كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
كتاب حياة الشكر البابا شنوده الثالث قصة هذا الكتاب 1- كنت قد ألقيت محاضرة عن حياة الشكر في مؤتمر للتربية الكنسية سنة 1965 أقيم في كنيسة مارمينا بالمندرة بالإسكندرية. ونشرت هذه المحاضرة مع باقي محاضراتي الأخرى في كتاب أسموه (لك يا بنى) نفذت طبعته، وتوزعت مقالاته في كتب أخرى.. 2- ثم ألقيت محاضرة أخرى في الكاتدرائية المرقسية بدير الأنبا رويس بالقاهرة مساء الجمعة 16 مايو سنة 1980 موضوعها (شاكرين في كل حين على كل شيء) (أف 5: 20) وهذه المحاضرة لم يسبق نشرها. 3- ثم محاضرة ثالثة لم يسبق نشرها أيضا، ألقيت كذلك في نفس الكاتدرائية بمناسبة عيد رأس السنة في 31 / 12 / 80 غالبيتها عن حياة الشكر، والجزء الباقي منها عن حياة التسليم، وعن الرجاء. وقد منحنى الله وقتا أثناء رحلتي إلى روسيا في هذا الشهر فقمت بدمج هذه المحاضرات الثلاث، وأضفت إليها إضافات كثيرة، في كتاب واحد عن حياة الشكر، هو هذا الذي بين يديك، وهو يختلف كثيرا عما سبق نشره من قبل.. ذلك أننا كنا قد نشرنا المحاضرة الأولى سنة 1965 م في كتاب مع تأملات عن صلاة الشكر ألقيت سنة 1964 م في القاعة المرقسية بدير الأنبا رويس، وأُعيد طبعهما مرارًا. كما نشرتهما وأعادت طبعهما مرارًا كنيسة العذراء بمحرم بك بالإسكندرية. ونرجو إذا شاء الرب وعشنا أن ننشر التأملات الخاصة بصلاة الشكر، ضمن كتاب عن الصلوات المشتركة في الأجبية، مثل المزمور الخمسين والثلاثة تقديسات، وارحمنا يا الله ثم أرحمنا.. موسكو في يونيو 1988 البابا شنوده الثالث |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
حياة الشكر الذي يحيا حياة الشكر، هو إنسان نبيل، يشكر الجميل ولا ينساه.. لا ينسى مطلقا أي خير قدم إليه، ويعبر عن ذلك بعبارات من الشكر. فالشكر في قلبه، وعلى لسانه، لله وللناس. ولقد طوب السيد المسيح الرجل السامري – وكان واحدًا من عشرة شفاهم من البرص. ولكنه كان الوحيد الذي رجع إلى الرب (وخر على وجهه عند رجليه شاكرا) فأجاب الرب وقال (أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة ؟! ألم يوجد من يرجع ليعطى مجدا لله غير هذا الغريب الجنس؟! (لو 17: 15-18). إذن فأنت حينما تشكر، إنما تعطى مجدا لله، معترفا بإحساناته إليك.. فان كان الله صنع معك الخير عن طريق أحد من الناس. فأنت تشكر الله، وأيضا تشكر هذا الإنسان، لأنه كان واسطة طيبة في وصول خير الله إليك.. غالبية الناس يشكرون الله في صباح كل يوم، وفي آخره، وفي مناسبات مثل رأس السنة، والأعياد، وعلى أسباب هامة في حياتهم، ولكن حياة الشكر لها خواص تميزها، |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
الشكر كل حين (شاكرين في كل حين، على كل شيء) (أف 5: 20) إذن شكرنا لله ليس له مناسبات محددة، وإنما هو (في كل حين) ومادام هو كل حين، إذن هو يشمل الحياة كلها، وتنطبق عليها عبارة (حياة الشكر). ومثل هذا التعليم شرحه القديس في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي. فقال (افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء) (1تس 5: 16-18). من أجل هذا صلاة الشكر، تتقدم كل صلاة: كل طقس من طقوس الكنيسة، وكل قداس، يبدأ بصلاة الشكر. وقد وضعت لنا الكنيسة المقدسة صلاة الشكر في بدء كل صلاة من الصلوات السبع (في الأجبية) سواء كانت بالنهار أم بالليل. وهكذا نشكر الرب كل حين. عشية وباكر ووقت الظهر). وأيضا نقول مع المرتل في المزمور (في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك) (مز 119). وبالإضافة إلى صلاة الشكر العامة، نقدم شكرا في تحاليل الساعات: ففي تحليل صلاة باكر نقول (نشكرك يا ملك الدهور، لأنك أجزتنا هذا الليل بسلام. وأتيت بنا إلى مبدأ النهار) إننا نشكره على حفظه لنا سالمين خلال الليل، ومنحه لنا يوم جديدا في الحياة.. وفى تحليل الساعة الثالثة نقول (نشكرك لأنك أقمتنا للصلاة في هذه الساعة المقدسة التي فيها أفضت نعمة روحك القدوس بغنى على التلاميذ، خواصك القديسين ورسلك المكرمين الطوباويين، مثل ألسنة نار) ونحن نشكره لأنه منحنا أن نصلى في هذه الساعة،إنها نعمة منه ونعمة. وهذا ما نقوله في تحليل الساعة السادسة (نشكرك يا ملكنا ضابط الكل ونمجدك. لأنك جعلت آلام ابنك الوحيد أوقات عزاء وصلاة). وفى تحليل الغروب نقول له (نشكرك يا مليكنا المتحنن، لأنك منحتنا أن نعبر هذا اليوم بسلام، وأتيت بنا إلى المساء شاكرين. وجعلتنا مستحقين أن ننظر النور إلى المساء) إن كل ساعة تمر بنا بخير، نشكر الله عليها. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
الشكر على كل شيء بل أن الكنيسة تبدأ بصلاة الشكر حتى عندما تصلى في جناز على شخص أنتقل من هذه الحياة، أيضا تبدأ بالشكر. يقول الرسول: (وكل ما عملتم بقول أو بفعل، فاعملوا الكل باسم الرب شاكرين الله) (كو 3: 17) أي في كل عمل شاكرين الله. وفي صلاة الشكر نقول: نشكرك على كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال. إذن ليس هو فقط كل حين، وإنما أيضًا على كل شيء. ذلك لأن الله يعمل معنا الخير باستمرار وقد قال الرسول (كل الأشياء تعمل معا للخير، للذين يحبون الله) (رو 8: 28) سواء في ذلك الخير الواضح، أو الأمور التي تبدو وكأنها ليست الخير ولكنها خير ونحن لا ندرى! لذلك وصف الله بأنه (صانع الخيرات). إنه لا يصنع إلا خيرًا، ولذلك فالإنسان المؤمن بصفة الله هذه، يقبل كل ما يأتي من عند الله بفرح، ويقول في إيمان (كله للخير) ويشكر الله وتظهر له الأيام فيما بعد، أن هذا الأمر الذي يشك البعض في خيريته، كان للخير فعلا.. ولكن قد يسأل البعض ويقول: نحن نؤمن بلا شك أن كل ما يأتي من عند الله هو خيرا؟! نقول له: إن تصرفات الناس حيالنا: إن كانت خيرًا، ستصل إلينا خيرًا. ولكن.. إن لم تكن خيرًا، يحولها الله إلى خير، وتصل إلينا خيرًا في النهاية.. أخوة يوسف الصديق باعوه كعبد. وكان تصرفهم شرا في ذاته، وخيانة، وعدم محبة، وقسوة، وحسدا. ولكن الله حول ذلك الشر إلى خير، فصار يوسف (أبا لفرعون وسيدا لكل بيته) والثاني في المملكة.. وكان بقاؤه في مصر (لاستبقاء حياة) وهو نفسه قال لأخوته (أنتم قصدتم لي شرا، أما الله فقصد به خيرًا ليحيى شعبا كثيرًا) (تك 50: 20). أولاد الله دائما فرحون، يشكرون على كل شيء. وحينما يشكرونه، لا يفعلون ذلك كمجرد طاعة لوصية (اشكروا) كأمر مفروض عليهم!! كلا، فليس هذا هو الشكر الحقيقي. وليس الشكر هو مجرد ألفاظ تقال بدون اقتناع، كأداء لواجب.. بل يشكرون الله من كل القلب، وبكل الثقة. فهم واثقون تماما وبكل تأكيد، أن الله لا يسمح بأن يحدث لهم سوى الخير،وأنه كضابط للكل يرقب كل الأمور الحادثة لهم، ويأخذ منها موقفا لصالحهم. لذلك هم يشكرونه على كل ما يحدث -أيًا كان- واثقين أنه لخيرهم. ولهذا ترتبط حياة الشكر بحياة الإيمان، كما سنرى عند حديثنا عن الفضائل المتعلقة بالشكر. والإنسان قد يشكر الله بالكلام، وقد يقدم له ذبائح الشكر، وذبائح سلامة (لا 3) أو يقدم له نذورًا.. وكما قال داود النبي (كأس الخلاص أخذ، وباسم الرب أدعو. أوفى نذوري قدام كل شعبه) (مز116). |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
درجات من الشكر والشكر في حياة أبناء الله على درجات: أقلها هو الشكر على المعجزات والمواهب الفائقة والنعم العظيمة، وعلى الخيرات الوافرة والواضحة، التي لا يشك أحد في خيريتها وفي عظم نفعها. وربما في غير ذلك قد لا يشكر البعض! وقد تمر عليهم النعم (البسيطة) مرورا عابرا. وخيرات أخرى قد يرونها طبيعية وعادية ولا تحتاج إلى شكر! وهناك شكر أعلى قيمة، وهو الشكر على القليل: قد يكون مستوى عاديا في حياة الشكر، أن يشكر إنسان على شفاء مريض من داء خطير كالسرطان مثلا. ولكن إن شكر على الشفاء من دور زكام أو برد، فانه يدل على أنه متعود في حياته على الشكر، سواء على الكثير أو القليل. إننا إن شكرنا على القليل، يقيمنا الله على الكثير. ولعله من فوائد الشكر، استمرار النعم وزيادتها. وفي هذا قال أحد الآباء: (ليست موهبة بلا زيادة، إلا التي بلا شكر). هناك أيضا شكر على الخفيات، على ما لا يرى.. شكر من أجل الحروب والمتاعب، التي كان ممكنا أن تصل إلينا، ولم تصل. وذلك بسبب حفظ الله وعنايته. وشكر على عمل الله في رعايتنا والعناية بنا، وان كنا لا نرى ذلك، ولكننا نؤمن به تماما. لا شك أن الشيطان يبذل قصارى جهده من أجل ضررنا وإسقاطنا. فان كنا الآن بخير، فذلك لأن الله قد منع الضرر عنا، الضرر الذي لا نعرفه.. ونحن نشكر الله على هذا الحفظ. طبيعي أننا نشكر الله على الضيقات التي أنقذنا منها.ولكن هناك ضيقات أوقفها في الطريق قبل أن تصل إلينا. إننا لا نعرفها، ولكن نشكر الله على حفظه لنا منها.. شكرنا على إنقاذه لنا من الضيقة، هذا أمر نراه. أما الشكر على حفظنا من الضيقة، فهو شكر على ما لا نراه. صدقوني، لو كشف الله لنا المصائب التي كنا معرضين لها، وحمانا الله منها، وأبعدها عنا لو كشف لنا ذلك، ما كانت حياتنا كلها تكفى للشكر. إننا نشكر على الأمور الخفية، التي هي في علم الله، والتي قد يسمح الله فنعرفها بعد حين، في وقتها، أو قد لا نعرفها على الإطلاق.. في كل ذلك يكون الشكر ممزوجا بالحب. درجة أخرى وهى الشكر كل حين على كل شيء. وفيها حياة الإنسان تكون كلها شكرا، على كل حال يعيش فيه،. وقد شرحنا هذا الأمر. والشكر الدائم لا يحتاج إلى سبب واضح محدد، وما أكثر الأسباب.. ولكن يكفى أننا في رعاية الله، وأننا أبناء له، أيا كانت حالتنا. ويرتبط هذا الشعور بحياة التسليم. ولا يتوقف شكرنا مطلقًا على نوعية الحال الذي نحن فيه.. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
الشكر على الضيق أعلى درجة في الشكر هي الشكر على الضيقات. إننا نشكر الله على الضيقات التي أنقذنا منها، وهذه أقل الأنواع. ولكن الأعظم من هذا أن نشكره أيضا على الضيقات القائمة التي مازلنا نعيش فيها ونحتملها. وبالإيمان نثق أنها لخيرنا، فنشكره عليها. إن الصبر على الضيقة واحتمالها فضيلة. والرضى بالضيقة وقبولها فضيلة أكبر. وأعظم من كل هذا، الشكر على الضيقة.. الشكر بفرح، وليس كمجرد واجب.. صدقوني، إننا إن شكرنا على النعم فقط، يكون حبنا هو للنعم، وليس لله معطيها! أما إن شكرنا الله حتى على الضيقة، فإنما نبرهن على أننا نحب الله ذاته وليس عطاياه. أي لسنا نحب منه ما يهبه من سعة ورحابة ورفاهية وخيرات، أو ما يهبه من هدوء وسلام أن الله وحده هو الهدف، سواء منحنا ضيقة أم خيرات.. نشكره على كل حال، وفي كل حال.. إننا نشكره مهما حدث. ولا نسمح للأحداث المؤلمة، أن تقلل إيماننا بحفظ الله أو تقلل شكرنا له. ولا نسمح لهذه الأحداث أن تنزع سلامنا منا، أو فرحنا بالرب. إننا نفرح في الرب كل حين، أيا كانت الظروف الخارجية، ونعيش في سلام مع الله والناس، في كل الظروف.. وهذا الشكر وهذا الفرح، له تأثيره على الآخرين.. فحينما يرون شكرنا على الضيقة، وهدوءنا وفرحنا، يتعزون. نعم، حينما يرون سلامنا القلبي وشكرنا، يتعزون بهذه المبادئ الروحية التي قدمها الإنجيل بل نكون قدوة لهم بحياتنا وتصرفنا، إذ قال الروح أن من ثمر الروح (محبة وفرح وسلام) (غل 5: 22) فمن توجد فيه هذه الثمار، فليشكر الله. الضيقات أيضا تحتاج إلى الشكر، لأنها تقوى الروحيات. إنها تمنح الإنسان عمقا في الصلاة، وعمقا في الصلاة، وعمقا في الصلة بالله، وعمقا في الصوم، وفي الإيمان،وتعطى الكنيسة قوة ووحدة، وتلم شملها، وترفع قلوب أبنائها إلى الله. وربما ضيقة شديدة تقود الإنسان إلى حياة التوبة، أكثر من مائة عظة، وأكثر من قراءة كتب روحية عديدة.. وفى الضيقات نرى يد الله تعمل. إنها ترينا الله وعمله، وتدخله في حياتنا، وحمايته لنا. وترينا قوة الله، وحلول الله العجيبة، وتعطينا خبرات روحية ما كنا نصل إليها بدون الضيقة، كما أنها تغربل الكنيسة وتفضل الزوان عن الحنطة..كل هذه الأسباب وغيرها نحن نشكر الله على الضيقة، ونرى فيها بركة.. وطبيعي أن الذي يصل إلى الشكر على الضيقة، سيشكر على كل شيء آخر.. هكذا يعيش حياة الشكر الدائم، ولا يتذمر مطلقًا. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
ضيقات تستحق الشكر من أجل الأمثلة آباؤنا الرسل لما سجنوهم وجلدوهم: يقول الكتاب أنهم بعد أن أطلقوهم (ذهبوا فرحين أمام المجمع، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه) (أع 15: 41) وهكذا إن آباءنا الرسل حسبوا كل تلك الآلام والإهانات بركة لا يستحقونها. ذلك لأن الضيقات هي شركة في آلام المسيح:يقول الكتاب في ذلك (لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضا أن تتألموا لأجله) (فى 1:29) إذن فالآلام هبة. ومادامت هبة، لماذا لا نفرح بها ونشكر عليها؟! قال القديس بولس الرسول (لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه، متشبها بموته) (فى 3: 10) هذه هي شركة الآلام التي فرح الآباء الرسل بأن يكون مستأهلين لها.. إن الشخص الروحي، إذا وهبه الرب صليبا ليحمله، يفرح بهذا الصليب ويشكر عليه، لأنه شركة في آلام المسيح. وهو يشكر على الضيقة، تمامًا كما يشكو على النعمة، لأن الضيقة نعمة.. الكثيرون يركزون على ما في الضيقات من آلام وتعب، لذلك تضغطهم هذه الآلام وتتعبهم،أما الروحيون فأنهم يتأملون في شيء آخر، وهو: لماذا سمح الله المحب بهذه الضيقات؟ لابد أن وراءها خيرًا، وبركة.. إن كنا لا نرى هذا الخير الآن، فعدم رؤيتنا لا تمنع وجوده. بالإيمان نراه، وان كنا بالعيان لا نراه.. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
درسًا من بعض أحزان وضيقات يونان النبي لنأخذ درسًا من بعض أحزان وضيقات يونان النبي: يونان بلعه الحوت. أكان يشكر على هذا؟ نعم، لأن هذه كانت الطريقة الوحيدة التي خلصته من الغرق في البحر، وأوصلته للقيام برسالته في المناداة لنينوى.. ويونان حزن لما ذبلت اليقطينة التي كانت تظلل عليه: ولو امتد بنظره الروحي إلى قدام، لرأى أن ذبولها كان المقدمة إلى صلحه مع الله. وهذا أمر يجب أن يشكر عليه.. وأنطونيوس الكبير مات والده. أكان هذا مدعاة للشكر؟! أي ابن يمكن أن يشكر على موت أبيه؟! فان كان أنطونيوس ليس مناسبا له أن يشكر على ذلك، فنحن الذين نشكر.. لأن موت هذا الأب جعل هذا الشاب القديس يتأمل في تفاهة الحياة الأرضية، وكانت هذه هي أول دافع له على الرهبنة، فأسس لنا هذا الطقس الملائكي وذلك أنه نظر إلى جثمان أبيه، وقال له (أين عظمتك وقوتك وغناك؟ لقد خرجت من هذا العالم على الرغم منك. ولكنني سأخرج منه بإرادتي، قبل أن يخرجونني كارها) وهكذا ترك العالم، وصار أبا لجميع الرهبان.. يوحنا الحبيب كان منفيا في جزيرة بطمس.. أترانا نشكر الله على هذا؟ نعم بلا شك. لأن الضيقة رفعت روحه إلى الرب، فكان (في الروح) (رؤ 1: 10) وفي هذا المنفى، رأى السماء مفتوحة، ورأى عرش الله والقوات السمائية من حوله، ورأى ما لابد أن يكون بعد حين، وكتب لنا سفر الرؤيا المملوء عمقا. لا شك أن منفى يوحنا، كان أسعد أيام حياته. وكان أمرًا يستحق الشكر. المهم أننا لا يكون نظرنا قاصرًا على حدود الضيقة، بل نمتد إلى ما وراءها، لنرى الخير العظيم الذي يقصده منها.. ولابد أن وراءها خيرا وبركة. فان لم نشكر على الضيقة ذاتها، نشكر على الخير المقصود منها: ان أهل العالم قد يفقدون مشاعر الشكر، عندما يقعون في أحزان ومتاعب متنوعة. وان طلبت من أحدهم أن يشكر الله، يقول لك في تذمر وتعجب: على أي شيء أشكر؟! ها أنت ترى الهم الذي أنا فيه..) أما أولاد الله القديسون فلا تتعبهم كل هذه الأمور.. فلماذا؟ لأنه لا يتعبهم سوى الانفصال عن الله. فماداموا ملتصقين به، يكفيهم هذا لحياة الشكر الدائم.. فهم يشكرونه في كل حال، في الفقر وفي الغنى، في الضيق وفي السعة، في المرض وفي الصحة، على الموت وعلى الحياة،إنهم دائمًا يشكرون، لأنهم في كل ذلك لم يفقدوا هدفهم الوحيد، وهو الالتصاق بالله.. تراهم دائما فرحين ومتهللين، يقول كل منهم: لو ضاع منى كل شيء، وبقى لي الله وحده، فهذا يكفيني، وأشكر الله عليه.. ذلك لأن الله هو لي الكل في الكل. فماذا يحزنني؟! يقول بولس الرسول (لذلك اسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح) (2كو 12: 10) ولماذا يسر؟ لأن الضيقات تجعله قريبا من الله أكثر. وفيما هو في هذا الضعف تحل عليه قوة الله لتحميه فيقوى بالأكثر. لذلك قال بعدها مباشرة. (لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوى). كما أن الضيقات تسبب له الأكاليل، إن أحتملها بشكر. الإنسان الروحي إن إصابته يقول: لولا أن وراءها خيرا ما كان الله قد سمح بها؟ لذلك يجب أن يرضى بها. الشكر بلا حدودلو عاش الإنسان حياة الشكر الحقيقية، لكان يشكر الله على كل نفس يتنفسه، وعلى كل خطوة يخطوها، وعلى كل عمل يعمله، وعلى كل ما يأتي عليه. ولا يرى أن هناك شيئًا إلا ويستحق الشكر، من تدابير الله معه. ويقول عن كل ما يحدث له (كله للخير).. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
مجالات الشكر للبابا شنودة الثالث https://fbcdn-sphotos-f-a.akamaihd.n...99537665_n.jpg هناك أسباب كثيرة يجب أن نشكر الله عليها ، أو هى مجال للشكر 0 ولكننا نادرا ما نشكر ! وبعضها يبدو لنا كأنه مجرد أمور عادية 0000وهناك أمور أخرى ربما كل تأثيرها علينا أننا نفرح بها 0ولكننا نكتفى بالفرح ولا نشكر 0 وأمور ثالثة يكون واضحا جدا عمل الله فيها وكرمه وأحسانه 0 ولكننا نشكر اٍلى لحظة ، ولا يستمر معنا الشكر أكثر من ذلك أى أنها لم تستوف حقها من الشكر ! وسنحاول فى هذا الفصل أن نستعرض بعض مجالات الشكر ، ونذكر لها أمثلة : 1- أشكر الله لأنه خلقك ، وأنعم عليك بالوجود : حقا من منا يشكر الله على أنه خلقه ، ومنحه هذا الوجود ؟! كان ممكنا يا أخى أنك لا تكون موجودا 0 لم يكن الله مطالبا أن يزيد العالم واحدا 000 ! اشكر الله أن والدتك لم تكن عاقرا ، بل منحها الله نعمة أن تلد بنين 0000 اٍن مجرد ولادتك نعمة عظيمة من الله اٍذ يقال فى المزمور ( البنون ميراث من الرب ) ( مز 127 : 3 ) وكان ممكنا أن لا يعطى والدك هذا الميراث ! أو أن ينجبا أخوتك فقط ، ولا ينجباك أنت بالذات 000 فاشكر الله اٍذن أنه خلقك وسمح بوجودك 000 وفى هذا المعنى ما أجمل تلك القطعة التى وردت فى القداس الغريغورى ، والتى يقول فيها الأب الكاهن مناجيا الرب فى شكر ( خلقتنى اٍنسانا كمحب للبشر 0 ولم تكن أنت محتاجا اٍلى عبوديتى ، بل أنا المحتاج اٍلى ربوبيتك 0 من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتنى اٍذ لم أكن ) 2- اشكر الله على الطبيعة التى حولك : ألا يليق بنا جميعا أن نشكر الله ، لأنه خلق الاٍنسان فى اليوم السادس ، وأعد كل شئ لراحته قبل خلقه 000 فخلق قبل ذلك السماء ، وزينها بالشمس والقمر والنجوم ، وأوجد النور والضياء ، وأعد كل قوانين الفلك التى تربط علاقات الطبيعة فى هذا الكون العجيب ، ونظم الأمور الخاصة بالهواء والحرارة والأمطار 0 كما خلق النبات والحيوان ، والكائنات الحية الأخرى سواء على الأرض ، أو فى الجو أو فى البحر ، وأوجد للإنسان طعامه قبل أن يخلقه 0 بل خلق له متعا من جمال الطبيعة من جمال الورود والأزهار ، وتغريد البلابل والأطيار ، وجمال الحدائق والأزهار 0000 وبعد أن أعد الله كل سبل الراحة ، خلق الاٍنسان 0 فمن من الناس يشكر الله على هذه الطبيعة ، فى كفايتها وفى تنوعها وفى جمالها ؟! اٍن الكنيسة المقدسة تعطينا هذا التدريب الروحى ، فى الصلاة الشاكرة العارفة بالجميل ، التى يقول فيها الأب الكاهن فى القداس الغريغورى ( أقمت السماء لى سقفا ، وثبت لى الأرض كى أمشى عليها 000 من أجلى الجمت البحر 0 من أجلى أخضعت طبيعة الحيوان 000لم تدعنى معوزا شيئا من أعمال كرامتك 000) 3- اشكر الله على المواهب الطبيعية التى منحك أياها : كثيرون لا يشكرون اٍلا على المواهب الفائقة للطبيعة ، مثل شفاء المرضى وأقامة الموتى ، والكشف الروحى والرؤى 0000! ولكن من من الناس يشكر على مواهب الحكمة والمعرفة ، بينما وضعت هذه المواهب أولا قبل مواهب الشفاء وعمل القوات والعجائب ( 1كو 12 : 8 –10 ) 0 هل تشكر الله مثلا على ما وهبك من العقل أو الذكاء أو الخيال 000؟ وهل تشكره أنه أعطاك مثلا موهبة فى الرسم ، أو فى الشعر أو فى الموسيقى ؟ أو أنه أعطاك رخامة فى الصوت ، أو جمالا فى الوجه ، أو قدرة على الاٍقناع ، أو خفة فى الروح تحبب الناس فيك ؟ أو أنه وهبك قدرة على الاٍحتمال والصبر ؟ كلها مواهب من الله تحتاج اٍلى شكر عليها 0000 |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
4- هل تشكر الله على الاٍيمان الذى أنت فيه ؟ هل تشكره على أنك ولدت مؤمنا ، ولم تبذل أى مجهود لكى تصل اٍلى هذا الاٍيمان ؟! ذلك لأن كثيرين يشتهون هذا الاٍيمان ولا يجدونه 000 بل ويتعبون من أجله كثيرا ، ولا يستطيعون الوصول اٍليه ، اٍذ تقف أمامهم كثير من المشاكل العقائدية ، ومن المتاعب والمشاكل العائلية والاجتماعية وغير الاٍجتماعية 000 أما أنت فقد نلت هذا الاٍيمان مجانا وسهلا ، اٍذ قد ولدت فيه ، وفى هذه العقيدة 0 ألا يستحق منك هذا الأمر شكرا ؟! سمعت قصة عن فيلسوف ملحد ، رأى فلاحا أميا يصلى وتعجب كيف أن هذا الرجل البسيط راكع فى حقله يخاطب من لا يراه 000 ويخاطبه من كل قلبه ، وبكل مشاعره ، وبكل ثقة واٍيمان 000 فقال : اٍننى مستعد أن أتنازل عن كل فلسفتى وكل ما قد درسته من علم وكتب ، ومقابل أن أحظى بشئ من الاٍيمان الذى يتمتع به هذا الفلاح البسيط 000 اٍن اٍيمانك نعمة ، لم تحظ بها البلاد الملحدة 0 ولم يحظ بها الملحدون فى البلاد المؤمنة 000أولئك الذين أتعبتهم أفكار قرأوها فى الكتب أو سمعوها من آخرين جاءتهم من بعض الكتب الفلسفية ، أو بعض كتب العلم ، أو بعض كتب الملحدين ، أو من حروب الشياطين ، وغرست فيها شكوكا دخلت اٍلى أذهانهم ، ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منها ، أو لم يجدوا من يرد عليهم ، ردودا تقنعهم 000 طبعا لكل هذه الشكوك ردود ، ولكنهم لم يصلوا اٍليها 000 أما أنت ففى اٍيمانك لا يوجد ما يتعبك 0 أليس هذا أمرا يحتاج اٍلى شكر ؟! تشكر الله أيضا ليس فقط على اٍيمانك ، بل بالأكثر على أن اٍيمانك سليم ذلك لأن كثيرين انحرف إيمانهم بسبب اختلاطهم بأفكار مذاهب أخرى ، سواء بسبب اجتماعهم أو كتبهم أو نبذاتهم 000 وأصبح اٍيمان هؤلاء ليس كما كان من قبل ، بل تغير فى معتقداته 000 ! ودخل فيهم روح الجدل لاٍثبات أفكارهم الجديدة 000 ! أما أنت فاشكر الله أنك تحيا فى اٍيمان سليم ، بعيد عن الشكوك العقائدية 00000 5- أشكر الله على أنك مازلت حيا : وهذا يوافق ما ورد فى صلاة الشكر ، أننا نشكر الله لأنه ( أتى بنا إلى هذه الساعة ) اٍن حياتك يا أخى منحة من الله ، بيده أن يبقيها أو أن ينهيها فى أى وقت 0 وهو يجددها لك يوما بيوم وساعة بساعة 0 فلتشكره على هذا اليوم الذى تحياه ، وهذه الفرصة التى منحك اٍياها ، لتحسن فيها مستواك الروحى ، وتفعل خيرا تجده هناك فى العالم الآخر 0000 أشكره لأنه أعطاك بهذه الحياة فرصة للتوبة : قال أحد الكتاب اٍن ( ملايين الملايين من الذين فى الجحيم ، يشتهون ساعة واحدة من الحياة على الأرض ) أو حتى دقيقة واحدة ، ليقدموا فيها توبة لله ، ولا يجدون 0000 يريدون وقتا – مهما كان قصيرا – يقدمون لله فيه اعترافا كاملا بخطاياهم ، وانسحاق قلب طالبين مغفرته وصفحه 000 دقيقة واحدة يقولون فيها عبارة العشار ( ارحمنى يارب فاٍنى خاطئ ) ( لو 18 : 13 ) أو عبارة اللص اليمين ( أذكرنى يارب ) ( لو 23 : 42 ) لو أن الله قرر أن يأخذ روحك الآن ، ألا تشتهى بعض دقائق من هذا العمر الذى لك ؟! تقول له بعض دقائق يارب أوزع فيها كل ما أملك على الفقراء وكل مقتنياتى وترفى ، لأكنز بها كنزا فى السماء ( متى 6 : 19 ، 20 ) بعض دقائق يارب أتصالح فيها مع جميع الذين أخاصمهم ، وأعتذر لهم ، وأقدم لهم مطانيات عند أرجلهم ، مهما كانوا المخطئين 000 نعم بعض دقائق اعترف فيها بجميع خطاياى بالتفصيل ، حتى بما أخجل منه ، حتى يما يقف على لسانى ولا يستطيع أن أنطق به000 أقوله بدون حرج ، وآخذ عنه حلا ، قبل أن يغلق الباب وأقف خارجا ، قارعا مثل الخمس العذارى الجاهلات ( متى 25 : 10 – 12 ) نعم لماذا لا تشكر الله على هذه الحياة التى لك ؟ لماذا لا تشكره على هذه الأيام التى مازلت لك من العمر ، وتستطيع أن تعمل فيها الكثير مما يرضى الرب ، ومما يسعد الناس ، وتكسب بذلك ملكوت السموات ، اٍذ تتوب وتحيا حياة روحية 0000! ألا تشكر الله اٍلا اٍذا وجدت كنزا من المال ، أو حصلت على منصب كبير ؟! وما أدراك ، ربما هذا الكنز ، أو هذا المنصب الكبير ، يكون فى هلاكك ، وتفقد الملكوت بسببه !! 6- أشكر الله أيضا ، لأنه هيأ لك بيئة دينية : أشكره لأنه وهبك أبوين أهتما بعمادك ، وعلماك طريق الرب ، أو على الأقل لم يمنعاك عن السير فى طريقه 0 أشكره لأنه هيا لك خداما فى الكنيسة يعتنون بك ، حتى وصلت اٍلى هذا الوضع من المعرفة الروحية والسلوك الروحى ، وأصبحت تهتم بخلاصك وتقرأ الكتب الروحية 0000 أشكره لأنه أرسل قدوات صالحة اٍلى طريقك ، تتعلم منها الحياة الحقة كيف تكون ، وعين لك من يرشدك روحيا 0000 أشكره لأنك الآن موجود فى الكنيسة : كثير من الشبان الآن ، وفى هذه اللحظة موجودون فى أماكن اللهو المختلفة ، ولاهون عن خلاص نفوسهم ، ومنشغلون بخطايا متعددة 0 أما أنتم فاشكروا الله أنكم فى الكنيسة ، وأن الكنيسة أصبحت جزءا من حياتكم ، لا يمكنكم الأستغناء عنها 0 ولولا نعمة الرب عليكم ما كنتم هكذا 000 فمن منكم يشكر الله الآن ، لأنه الله قد أحتضنه فى بيته ، وأدخله موضع سكناه 00000؟ أشكر الله أيضا لأنه لا توجد عوائق تمنعك عن بيته ولا عن الأندماج فى الشركة مع أولاده كثيرون تعوقهم ظروف متعددة عن المجئ اٍلى الكنيسة : اٍما أن مواعيد عملهم تتعارض مع مواعيد الكنيسة ، أو أن حالتهم الصحية أو الجسدية تمنعهم ن أو أن كثرة أسفارهم شغلتهم ، أو أنهم فى قرية لا توجد فيها كنيسة ، أو لأى سبب آخر 000 أما أنت فاشكر الله لأنه لا يوجد أمامك شئ من هذه الموانع كلها 000 وأشكره لأن أندماجك مع أبنائه يمنحك قوة روحية 0 ذلك لأنهم يدفعونك باستمرار اٍلى قدام ، وتجد معهم بيئة مقدسة تتبادل فيها الأحاديث الروحية 0 كما أن سيرتهم تسبب لك خجلا اٍن تصرفت أى تصرف خاطئ 0 وصلتك بهم تقوى رابطتك بالكنيسة ربما فيها من أنشطة واجتماعات 0 كما تجد فى مجالهم صداقات روحية نقية تشبع عواطفك 0 وكما قال الكتاب ( اٍثنان خير من واحد لأنه اٍن وقع أحدهما يقيمه رفيقه 0 وويل لمن هو وحده اٍن وقع ، اٍذ ليس ثان ليقيمه ) ( جا 4 : 9 ، 10 ) أليس حقا اٍذن أن تشكر الله على صداقاتك الروحية 0 كل صديق روحى ، هو كنز لك من الله تشكره عليه وبنفس الوضع الأب الروحى والمرشد الروحى ، وكل من يسندك فى حياتك الروحية ، وكل من تجد فى عشرته جوا روحيا يمكن أن تنمو فيه روحك 000 أشكر الله على الأشخاص الذين وضعهم فى طريقك واستفدت منهم اٍنه هو الذى أرسلهم اٍليك 0000 |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
7- نشكر الله أيضا ، لأنه لم يعاملنا بحسب خطايانا 0 وهذا ما ذكره داود النبى فى المزمور ( 103 ) الذى بدأه بقوله ( باركى يا نفسى الرب ، وكل ما فى باطنى ليبارك اٍسمه القدوس 0 باركى يا نفسى الرب ، ولا تنسى كل احساناته ) اٍلى أن قال ( الرب رحيم ورؤوف ، طويل الروح وكثير الرحمة 000 لم يصنع معنا حسب خطايانا ، ولم يجازنا حسب آثامنا 0 لأنه مثل أرتفاع السموات على الأرض ، قويت رحمته على خائفيه 0 كبعد المشرق عن المغرب ، ابعد عنا معاصينا ، كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه 0 لأنه يعرف جبلتنا ، يذكر أننا تراب نحن ) ( مز 103 : 8 – 14 ) 0 وهكذا نصرخ للرب فى صلواتنا قائلين ( كرحمتك يارب ولا كخطايانا ) والعجيب أن الله يفعل ما هو أكثر : فلا يكتفى بعدم معاقبتنا ، اٍنما أيضا يصنع معنا اٍحسانا ! كم من مرة – ونحن فى عمق الخطايا – نطلبه فيستجيب ، بكل حب ، كأننا لم نخطئ اٍليه ولم نكسر وصاياه ! اٍنه يخجلنا بمحبته وحنانه ، ونسيانه للإساءة ، ومقابلتها بالإحسان ! ألا نشكره كثيرا من أجل كل هذا ؟! اٍن الذى يتأمل خطاياه ، وكم هى بشعة ، يتعجب من حنو الله فى تعامله معه ، كيف أنه يطيل آناته عليه ، ولا يطبق عليه ما تستحقه هذه الخطايا من عقوبة أمام العدل الاٍلهى 00 كم من خطايا تبدو أبسط من خطاياك بكثير ، نالت عقوبات شديدة جدا 0 والأمثلة عديدة ومتنوعة : حنانيا وسفيرا ، كذبا على بطرس الرسول فى اٍخفاء جزء من المال ، فكانت النتيجة أنهما وقعا ميتين للتو ، دون أن تعطى لهما حتى فرصة للتوبة 000 ومع ذلك كم من أناس يكذبون مرارا كل يوم ، وقد يكذبون على كهنة ورؤساء كهنة 0 والله صابر لا يعاقبهم 0 راجع نفسك فى هذه النقطة ، وأشكر الله 0 والسيد المسيح يقول من قال لأخيه يا أحمق ، يكون مستحقا نار جهنم ( متى 5 : 22 ) وكم من مرة نقول هذه العبارة ، أو ما يشابهها فى المعنى 000 ثم نعترف بالخطأ ، ويغفر لنا الله ، ولا تلحقنا نار جهنم 000 هيرودس الملك مجده الناس ، وقالوا ( هذا صوت اٍله ، وليس صوت اٍنسان ) وسكت ( ففى الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط مجدا لله 0 فصار يأكله الدود ومات ) ( أع 12 : 22 ، 23 ) ونحن كم يمجدنا الناس أحيانا ونسكت ، ولا يعاقبنا الله بشئ ألا نشكر الله على عدم معاقبته ؟! زكريا الكاهن مجرد أنه استصعب أن يكون له ولد وهو شيخ ، عاقبه الله بأن بقى صامتا تسعة أشهر حتى ولد الصبى 0 ونحن ألا نخطئ كل يوم خطايا أكثر من زكريا الكاهن ، ومع ذلك فلا عقوبة ! ألا نشكر الله اٍذن على أنه لم يستخدم معنا عدله الاٍلهى ( ولم يجازنا حسب خطايانا ) ؟! فلنحسب خطايانا التى نرتكبها كل يوم ، وربما كل ساعة ، ويقابلها الله بصبر عظيم 00 ! ومع ذلك ها نحن نحيا ، وطول أناة الله مازالت صابرة علينا ، لكيما تقودنا اٍلى التوبة 0 فلنشكر الله اٍذن على أحتماله العجيب 000 الناس لا يحتملوننا فى القليل ، وهم معرضون للخطأ مثلنا والله الكلى القداسة والصلاح ، والكلى العدل ، يحتملنا فى أمور خطيرة جدا تتكرر منا كل يوم ، ومع ذلك لا نشكر ! بل نحن أنفسنا ربما لا نقدر أن نحتمل غيرنا فيما هو أقل بكثير من الأمور التى نخطئ فيها اٍلى الله ، ويحتملنا 000 بل ويحتمل الله جميع الخطايا ، التى يخطئ بها جميع الناس ، فى جميع البلاد ، فى كل حين ، فى الماضى والآن وفى المستقبل 0 ولم يضرب العالم بضربات قاسية ، مثلما فعل قبلا فى الطوفان وحرق سدوم 000 ومع ذلك لا نشكره !! ألا تركع حاليا وتقول ( أشكرك يارب لأنك أحتملتنى ، ولا تزال تحتملنى ، وتحتمل عدم شكرى ) ! حقا يارب أنك طيب وحنون 0 وما أصدق قول داود النبى عنك : ( يارب ، من مثلك ؟! ليس لك شبيه بين الآلهة ، ولا مثل أعمالك ) ( مز 71 : 19 ) ( مز 86 : 8 ) 0 جميل هو التأمل فى معاملات الله ، سواء لك أو لغيرك 0 وجميل هو التأمل فى صفاته الجميلة 0 اٍنك تتغنى بها فتشكره عليها 0 تشكره لأنه حنون ، ولأنه طيب ، ولأنه محب ، ولأنه غفور ، ولأنه طويل الأناة ، ولأنه ( يعرف جبلتنا ، يذكر أننا تراب نحن ) ( مز 103 : 14 ) ويعاملنا هكذا 8- أشكر الله أيضا على اٍحساناته ورعايته : أشكره على اٍحساناته اٍليك ، واٍلى كل أحبائك وأصحابك وأقاربك ومعارفك ، واٍلى باقى الناس 0 أشكره على اٍحساناته اٍلى الأسرة واٍلى الكنيسة واٍلى الوطن 000 اٍحساناته العامة والخاصة 0 أجلس بينك وبين نفسك ، وأستعرض حياتك منذ ولدت : كم مرة طلبت من الرب طلبا ، فاستجاب لصلاتك ، وأعطاك سؤل قلبك ؟ كم ضيقة أنقذك منها ؟ كم امتحانات أنجحك فيها ، وكنت تشعر أنك غير مستعد لها ؟ كم مرض شفاك منه أو أنقذك من الاٍصابة به ؟ كم مشكلة حلها لك ؟ كم قضية كانت نتيجتها فى صالحك ؟ كم خطية ارتكبتها ولم يسمح أن تنكشف للناس ؟ كم باب رزق فتحه أمامك ؟ كم عمل قمت به ووفقك فيه ؟ كم مرة كان معك فى خدمتك وفى نشاطك ؟ كم أعطاك نعمة فى أعين الآخرين كم عثرة أنقذك منها ؟ وكم خطية كدت تقع فيها وأنتشلتك النعمة ؟ كم وكم وكم 000؟؟؟ أتستطيع أن تحصى إحسانات الله اٍليك ؟! لست أظن هذا ممكنا 000 ! فكم بالأكثر لو أضفت اٍليها اٍحساناته اٍلى أحبائك ، واٍحساناته العامة التى شملتك وشملت غيرك أيضا 000 والخيرات التى أتتك حتى بدون صلاة وبدون طلب ، واٍنما من فرط نعمته وافتقاده وحبه 000 كل ذلك ضعه أمامك ، وقد عنه شكرا فى كل تفاصيله 0 وبخاصة الأمور التى كانت معقدة جدا ، ولم يكن أحد يستطيع حلها سوى الله ، وقد كان 000سجل كل هذا ، حتى لا تنساه 0000 9- أشكره على الصحة التى يمنحك اٍياها : من منا يشكر الله لأنه يبصر ؟ لكنه اٍذا مرضت عيناه ، وبدأ يعالجها ، ويبدأ حينئذ يشعر بنعمة البصر التى لم يشكر عليها من قبل 0 كذلك من من الناس يشكر الله على أنه يمشى حسنا على قدميه ؟ ولكنه لا يذكر ذلك ، اٍلا اٍذا حدث له كسر فى رجله ، واحتاج اٍلى عصا يتوكأ عليها 0 حينئذ يدرك أن مجرد المشى على قدميه كان أمرا يحتاج اٍلى شكر 000 حقا ما أصدق قول الحكيم : الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء ، لا يحس به اٍلا المرضى 0 فنحن من عادتنا أننا لا نشعر بقيمة الشئ الذى عندنا ، اٍلا اٍذا فقدناه 000 وهكذا لا نشكر الله على أن أجهزة جسدنا سليمة ، اٍلا اٍذا اختل واحد منها 0 فلا أحد يشكر الله على معدة سليمة تهضم الطعام جيدا 0 ولكنه اٍذا مرضت معدته ، ونقص بعض من عصاراتها ، أو أصيب بقرحة فى المعدة ، حينئذ يشكر الله على كل يوم تقوم فيه معدته بعملها الطبيعى ، أو تعمل دون أن تتألم ، أو بدون دواء ؟ أشكر الله اٍذن على صحتك ، لأن كثيرين يشتهون الحالة التى أنت فيها ، ولا يجدونها 000 10- وكما تشكره على الصحة ، أشكره أيضا على المرض ذلك لأن المرض ليس شرا فى ذاته ، لعازر المسكين كان مثقلا بالأمراض ، وكانت الكلاب تلحس قروحه 000 لكن كل هذا لم يكن شرا فى ذاته ، ولم يفصله عن الله ، بل بالعكس كان لفائدته 0 فعندما اتكأ فى أحضان إبراهيم ، قدم عنه تقريرا أنه ( استوفى بلاياه على الأرض ، لذلك هو يتعزى ) ( لو 16 : 25 ) هكذا فلتشكر الله على المرض ، لأنك قد تستوفى به البلايا ، وتأخذ نصيب لعازر المسكين قال القديس باسيليوس الكبير : ( اٍنك لا تعرف ما هو المفيد لك : الصحة أم المرض ) القديس بولس الرسول أعطى شوكة فى الجسد ن لمنفعته الروحية ( لئلا يرتفع من فرط الإعلانات 0 وقد طلب من الله ثلاث مرات أن يفارقه هذا المرض ) ( 2كو 12 : 8 ) ولكن الله لم يستجب صلاته ، بل قال له ( تكفيك نعمتى ) طبعا نحن بضعفنا البشرى نطلب الصحة 0 ولكننا لا نعرف ما هو المفيد لنا 0000 ربما يتعبنى المرض على الأرض ، ولكنه يساعدنى على دخول الملكوت 0 هكذا اٍذا كان استغلالى له حسنا 0 ومن الناحية الأخرى ما أكثر ما تكون القوة الجسدية ضارة لمن يستخدمها بطريقة خاطئة ! المهم اٍذن هو الصحة الروحية 0 حكى فى بستان الرهبان عن أحد النبلاء الأثرياء ، أن كانت له اٍبنة وحيدة مريضة مشرفة على الموت 0 فطلب من أحد الآباء القديسين أن يصلى من أجلها لكى تشفى 0 فحاول القديس أن يعتذر بكافة الطرق ، ولكن الرجل ألح عليه 0 فصلى القديس وعاشت الفتاة ، اٍلا أنها سلكت فى سيرة شريرة أضاعت كرامة أبيها ، لدرجة أنه عاد اٍلى القديس مشتهيا أن تموت هذه الاٍبنة الوحيدة 0000 !! عجيب أن كثيرين لا يذكرون فى المرض سوى أوجاعه : دون أن يذكروا بركات المرض وفوائده ! بل أن البعض قد يصل اٍلى حالات من الضيق والتذمر ، وقد يعاتب الرب ويقول لماذا يارب فعلت بى كل هذا ؟ أما أنت فلا تكن هكذا 0 اٍنما فى مرضك أشكر الله على البركات التى حصلت عليها نتيجة لهذا المرض : قل له أشكرك يارب على هذا المرض ، الذى أعطانى فرصة أعمق للصلاة ، أو الذى أعطانى توبة ، ومنحنى تواضعا وانسحاق قلب وشعورا بضعفى 0 أشكرك يارب على هذا المرض الذى جعلنى أشعر بمحبة الناس وسؤالهم عنى 0 أشكرك لأن المرض منحنى فترة خلوة قضيتها على الفراش ، وكانت لازمة لى ، على الأقل لأفحص نفسى ، ولأنفرد بك 0 نشكر الله أيضا ، لأنه سترنا , وأعاننا ، وحفظنا وقبلنا اٍليه ، وأشفق علينا وعضدنا ، وأتى بنا اٍلى هذه الساعة 000 هذا ما تعلمنا الكنيسة أن نشكر الله عليه ، فى صلاة الشكر التى نرددها مرات فى صلوات الساعات ( فى الأجبية ) كل يوم 000 وكل كلمة من كلمات الشكر هذه ، تحتاج اٍلى تأمل خاص 0 وقد نشرنا لك عنها كتابا خاصا ، اٍسمه ( تأملات فى صلاة الشكر ) صدر منذ سنة 1964 وأعيد طبعه عدة مرات ، فيمكنك الرجوع اٍليه 0 |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
المزيد من مجالات الشكر 11ـ أشكر الله أيضا على الخير الذى تراه ، والخير الذى لا تراه 0000 تشكره على الخير الذى تراه بالعيان ، والخير الذى تراه بالاٍيمان 0 اٍن الله كما يدعونا أن نعمل خيرا فى الخفاء ، وهو يرى هذا الذى فى الخفاء ويجازينا علانية ( متى 6 : 4 ، 6 ) كذلك هو أيضا يعمل من أجلنا كثيرا من الخير فى الخفاء ، يجب أن نشكره عليه علانية 0 كثير من الخير الذى تتمتع به الآن ، كان يعده لنا الله من سنوات طويلة ، ونحن لا نعلم 0 وهو لا يزال يعد لنا خيرا ، ستظهر نتائجه فى المستقبل ، فنشكر عليها حينئذ 0 وهو يعمل خيرا من أجلنا الآن وفى كل لحظة ، ولكننا لا نبصر 000 ! بل كل عمل صالح نحن نعمله يد الله فيه ، ولولا ذلك ما أستطعنا أن نعمل شيئا صالحا على الاٍطلاق 000 أليس هو القائل ( بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئا ) ( يو 15 : 5 ) هو اٍذن العامل فينا ، والعامل معنا 0 هوذا القديس بولس الرسول يقول ( لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة ) ( فى 2 : 13 ) اٍذن مجرد أن نريد شيئا يسر الله ، هذا أمر يجب أن نشكر الله عليه ، لأن هذه الاٍرادة الصالحة التى لنا هى من عنده 0 وكوننا نعمل عملا صالحا ، وهذا أيضا من عنده 0 ويجب أن نشكره عليه 0000 12 ـ وهنا يجب أن نشكر الله على النعمة العاملة فينا : اٍن النعمة من الأمور الأساسية التى يجب أن نضعها فى قائمة شكرنا لله 0 هوذا القديس بولس الرسول يقول ( ولكن بنعمة الله أنا ما أنا 0 ونعمته المعطاه لى لم تكن باطلة ، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم ، ولكن لا أنا ، بل نعمة الله التى معى ) ( 1كو 15 : 10 ) ألا يستحق الله منا كل شكر على هذه النعمة العاملة فينا ؟! نشكره اٍذن على شركة الروح القدس فى حياتنا 0 هذه التى هى جزء من البركة الممنوحة لنا ( 2كو 13 : 14 ) نشكره لأنه جعلنا هياكل لروحه القدوس ، كما قال الرسول ( أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم ) ( 1كو 3: 16 ) روح الله هذا الساكن فينا ، هو الذى يبكتنا على خطية ( يو 16 : 8 ) وهو الذى يعلمنا كل شئ ( يو 14 : 26 ) ويرشدنا اٍلى جميع الحق ( يو 16 : 13 ) وهو الذى يعطينا قوة فى الخدمة حتى نشهد لله فى كل موضع ( أع 1 : 8 ) ألا نشكر كل حين على عمل الروح فينا 0 فاٍن عملنا فى وقت ما عملا صالحا ، فلنشكر الله على ما عملنا ، لأنه هو الذى عمله عن طريقنا 0 خطأ كبير هو ، أننا بدلا من شكرنا لله نفتخر ونشكر أنفسنا ، كما لو كنا بقوتنا أو بتقوانا قد عملنا عملا 0 هذا الفخر هو الذى يمنع عمل النعمة فينا ، حتى لا نصير أبرارا فى أعين أنفسنا ( أى 32 : 1 ) وهكذا نحزن الروح القدس 000 ليتنا اٍذن نذكر قول القديس بولس الرسول ( 1كو 1 : 31 ) : ( من أفتخر فليفتخر بالرب ( 2كو 10 : 17 ) 0 لأنه هو الذى يمنح الاٍرادة والقوة والمعرفة ، ولولاه ما كنا نستطيع أن نعمل شيئا 0 اٍن كان القديس يقول ( لا أنا ، بل نعمة الله التى معى ) ( 1كو 15 : 11 ) فماذا نقول نحن الضعفاء العاجزين 0 كل ما نستطيع أن نعمله هو أن نشكر الله ونرجع الفضل اٍليه 0 وحينئذ يزداد عمل النعمة فينا ، ويتكاثر الثمر جدا 0000 13 ـ أشكر الله أيضا لأجل الفداء العظيم الذى قدمه لنا : يوجد أمر عظيم جدا ، يتصاغر أمامه كثير من الأمور السابقة ، ويحتاج اٍلى شكر طوال الليل والنهار 0000 وهو الخلاص العظيم الذى قدم لنا على الصليب ، ولولاه لهلكنا جميعا من منا يشكر سيدنا يسوع المسيح ، لأنه صلب من أجلنا ؟ لأنه تجسد وسكب دمه لأجلنا ؟ اٍن حكم الموت الذى وقع على البشرية ما كان ممكنا لأحد أن يخلص منه ، بدون تجسد الاٍبن وصلبه وموته 0 لقد أنقذنا المسيح بموته 0 اٍذ مات عنا 0 فمن منا كل يوم وكل ليلة ، يذكر صليب المسيح ويشكره لأنه دفع الثمن نيابة عنا ، وبدون هذا الثمن ، ما كان ممكنا أن تنفع الأعمال الصالحة ولا التوبة ، ولا أى شئ آخر 0 مات المسيح عنا ، وأصبحنا ( متبررين مجانا بنعمته ) ( رو 3 : 24 ) أفلا نشكر اٍذن على الخلاص المجانى الذى نلناه ؟ هذا الخلاص الذى لم نبذل فيه جهدا ، والذى دبره الله هكذا ، دون أن نطلبه 000 ! وما كنا مستحقين مطلقا 000 ( ولكن الله بين محبته لنا ، ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا ) ( مات فى الوقت المعين لأجل الفجار ) (رو 5 : 8 ، 9 ) ( البار لأجل الأثمة ) ( 1بط 3 : 18 ) أى حب أعظم من هذا ، وأى بذل ؟ أما ينبغى أن نضع هذا الخلاص أمامنا باستمرار ، ونشكره عليه ؟ الكنيسة تذكرنا بهذا الأمر فى مناسبات متعددة ، لكيلا ننساه 0 فى كل سنة تقيم لنا أسبوع الآلام ، أسبوع البصخة ، ويوم الجمعة العظيمة ، بذكرياته العميقة المؤثرة ، حتى لا ننسى صليب الرب ، بل نذكر ونشكر 0 فهل يكفى هذا التذكار السنوى ؟ كلا ، لأننا ننسى 0 ماذا تعمل الكنيسة اٍذن ؟ جعلت كل يوم جمعة فى الأسبوع صوما لنتذكر فيه صليب المسيح ، لأننا ننسى ، وبالتالى لا نشكر عليه 00 فهل يكفى هذا التذكار الأسبوعى ؟ كلا 000 لذلك وضعت لنا الكنيسة صلاة الساعة السادسة من النهار ، لكى نتذكر هذا الفداء العظيم ، وتمتلئ قلوبنا شكرا 0 فى كل يوم نشكر الله ، لأنه أعطانا خلاصا هذا مقداره 0 وهذا نوع من الشكر الجماعى ، للكنيسة كلها ، يردده جميع المؤمنين معا ، اٍذ يقولون فى الساعة السادسة من كل يوم ( بمشيئتك سررت أن تصعد على الصليب ، لتنجى الذين خلقتهم من عبودية العدو 0 نصرخ اٍليك ونشكرك ، لأنك ملأت الكل فرحا ، لما أتيت لتعين العالم 0 يارب المجد لك ) 14 ـ نشكر الله أيضا ، لأنه أعطانا أن نعرفه : وهكذا يقول الأب الكاهن فى صلوات القداس الغريغورى ( أعطيتنى علم معرفتك ) ويقول أيضا ( أرسلت لى الناموس عونا ) فهل نحن نشكره على هذه البشارة المفرحة فى الاٍنجيل وكل ما فى الكتاب المقدس من فكرة عن الله وعمله ، ومعاملاته مع الكل ، وصفاته المقدسة ؟ واٍن كنا حينما تقرأ علينا فى الكنيسة عظة لأحد القديسين ، نرتل له لحنا نشكره فيه ( لأنه أضاء عيون قلوبنا بتعاليمه النافعة ، فأى شكر نقدمه على هذه الذخيرة العظمى التى تركها لنا أباؤنا القديسون الأنبياء والرسل ، الذين تركوا لنا كل وصايا الله وناموسه ونبوءاته ( مسوقين من الروح القدس ) ( 2بط 1 : 21 ) لقد عرفنا الله فى كتابه ، ورأيناه فى اٍبنه 0 ( الله لم يره أحد قط 0 الاٍبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر ) ( يو 1 : 18 ) وبه قد عرفنا الآب 000 وهو نفسه قال للآب ( أيها الآب البار ، اٍن العالم لم يعرفك 0 أما أنا فعرفتك وعرفتهم اٍسمك ، وسأعرفهم ، ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به ، وأكون أنا فيهم ) ( يو 17 : 25 ، 26 ) مبارك هو الله الذى أعطانا أن نعرفه ونعرف طرقه 0 ونعرف وصاياه أيضا وتعاليمه ، ونعرف أنبياءه وقديسيه 0 نشكره على هذه المعرفة التى لا نستحقها 0 ونشكره لأنه أعطانا أن نعرف ( ما لابد أن يكون ) ( رؤ 1: 1 ) وأعطانا فكرة عن سمائه وملائكته وملكوته 0 ونقلنا بهذه المعرفة اٍلى مستوى عال من فوق هذا المستوى الأرضى الذى نعيش فيه 000 15 ـ نشكره أيضا من أجل وعوده لنا : نشكره من أجل النعيم الأبدى الذى يعده لنا فى أورشليم السمائية مسكن الله مع الناس ، حيث يسكن معنا ونكون له شعبا ( رؤ 21 : 2 ، 3 ) وهو قد وعدنا قائلا ( آتى أيضا وآخذكم اٍلى ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنت أيضا ) ( يو 14 : 3 ) ووعدنا أيضا بما لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ، ما أعده الله للذين يحبونه ) ( 1كو 2 : 9 ) وأن نجلس معه فى عرشه كما يجلس هو مع الآب فى عرشه ( رؤ 3 : 21 ) ووعدنا أن نأكل من المن المخفى ، ونأكل من شجرة الحياة ( رؤ 2 : 17 ، 7 ) هذه وعود ى الأبدية ، ومعها وعوده لنا على الأرض : نشكره على وعده أن يكون معنا كل الأيام واٍلى أنقضاء الدهر ( متى 28 : 20 ) وقوله لنا ( حيثما أجتمع اٍثنان أو ثلاثة باٍسمى ، فهناك أكون فى وسطهم ) ( متى 18 : 20 ) ونشكره على وعوده لنا بالحفظ ، وقوله ( أما أنتم فحتى شعور رؤؤسكم جميعها محصاه ) ( متى 10 : 30 ) وقوله لكل واحد منا ( هوذا على كفى نقشتك ) ( أش 49 : 16 ) 16 ـ نشكره لأنه دعانا أبناء له وأحباء : هكذا قال القديس يوحنا الحبيب ( أنظروا أية محبة أعطانا الآب ، حتى ندعى أولاد الله ) ( 1يو 3 : 1 ) وعلمنا الرب أن نصلى قائلين ( أبانا الذى فى السموات ) (متى 6 : 9 ) وقال لنا أيضا ( لا أعود أسميكم عبيدا 000 لكنى قد سميتكم أحباء ) ( يو 15 : 15 ) بل سمانا أيضا خاصته ، وقيل عنه اٍنه ( أحب خاصته الذين فى العالم ، أحبهم حتى المنتهى ) ( يو 13 : 1 ) وأعتبر علاقتنا به كعلاقة الغصن بالكرمة ، وعلاقة الجسم بالرأس ، وعلاقة العروس بعريسها 0 فقال ( أنا الكرمة وأنتم الأغصان 0 الذى يثبت فى وأنا فيه هذا يأتى بثمر كثير ) ( يو 15 : 5 ) وقال القديس بولس الرسول عنه اٍنه ( رأس فوق كل شئ للكنيسة التى هى جسده ) ( أف 1 : 23 ) وأيضا ( لأن الرجل رأس المرأة ، كما أن المسيح أيضا رأس للكنيسة ) ( أف 5 : 23 ) وقال أكثر من هذا ( لأننا أعضاء جسمه من لحمه وعظامه ) ( أف 5 : 30 ) وعندما ذكر أن الكنيسة هى عروس المسيح قال ( اٍن هذا السر عظيم ) ( أف 5 : 32 ) ويوحنا المعمدان أيضا قال عن المسيح والكنيسة ( من له العروس فهو العريس ) ( يو 3 : 29 ) نشكر الله أيضا ، أنه فى ظل هذه العلاقة : جعل علاقته بنا ، هى علاقة حب بلا خوف 0 وقال اٍن الوصية الأولى هى تحب الرب اٍلهك من كل قلبك ، ومن كل نفسك ومن كل فكرك ) ( متى 22 : 27 ) وقال القديس يوحنا الرسول ( فى هذا هى المحبة : ليس أننا نحن أحببنا الله ، بل أنه هو أحبنا ، وأرسل اٍبنه كفارة عن خطايانا ) ( 1يو 4 : 10 ) وقال أيضا ( الله محبة 0من يثبت فى المحبة ، يثبت فى الله ، والله فيه ) ( لا خوف فى المحبة ، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف اٍلى خارج ) ( 1يو 4: 16 : 18 ) |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
فضيلة الإيمان تتعلق بالشكر إن حياة الشكر مرتبطة بفضائل أخرى تسبقها وتندمج معها. ومن أهم هذه الفضائل الإيمان.. وأقصد بالذات الإيمان بالله في صفات معينة بدونها لا يمكن الوصول إلى حياة الشكر، وفي مقدمة ذلك: الإيمان بالله كصانع للخيرات، ومحب للبشر على كل شيء. فهو يحبك كإنسان، أكثر مما تحب نفسك، ويهتم بك من كل ناحية أكثر من اهتمامك بنفسك، ولذلك هو يصنع معك خيرا باستمرار، ولابد كمحب للبشر أن يصنع معك خيرا، حتى دون أن تطلب وهو قادر أن يعطيك كل ما يلزمك وما ينفعك، مهما كانت العقبات والعوائق. هو قادر على كل شيء. وهو أيضا ضابط للكل، يرقب كل ما يحدث.. ويحفظك من كل شر، يحفظ نفسك، يحفظ دخولك وخروجك (مز 121) فالحرية التي وهبها الله للناس، لا تعنى أنه تخلى عن إدارته للكون، وترك كل إنسان يفعل كما يريد بلا ضابط. إنما الله يعطى الحرية ويراقب ويلاحظ كل شيء، ويدبر الأمور بحسب مشيئته الصالحة، ويغير ما يراه محتاجا إلى تغيير. ويوقف بعض الأمور، ولا يسمح بأمور أخرى، وكل هذا يحتاج إلى شكر هنا تشكر الله على تدبيره للكون وحفظك من الأشرار. ويزول منك الخوف، وتشعر بالاطمئنان إلى حماية الله.. لأن الشر الذي تخشاه، إنما يأتيك من مصادر ثلاثة: أما من الناس الأشرار، وأما من الشياطين، وأما من نفسك، أي من حريتك الشخصي التي تضر بها نفسك. والله كضابط للكل، يهيمن على كل هذه المصادر، وما أكثر ما أوقفها لأجل خلاصك، سواء كنت تدرى أو لا تدرى. فالله لا يمنح الحرية المطلقة لأحد، وإلا هلك العالم..! استمع إلى داود النبي يتغنى: لولا أن الرب كان معنا، حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء، عند سخط غضبهم علينا (مز 124). أشكر الرب إذن، لأنه يحميك من الناس الأشرار (فلا يقع بك أحد ليؤذيك) (أع 18: 10)،وان أصابك سوء في يوم من الأيام، فثق أن ذلك لفائدتك، وسينتهي بخير، وتنال من ورائه بركة. لذلك أشكر الرب على كل ما يأتيك، حتى من الشر الذي سيخرج الرب منه خيرا. هذا من جهة الناس الأشرار. وأيضا.. حتى الشياطين ليسوا أحرارا حرية كاملة فيما يعملون.. إن الله لم يتركهم لهواهم، وإلا لأفسدوا وأهلكوا الأرض كلها..! أمامنا مثل واضح في تجربة أيوب الصديق، وكيف أن الشيطان كانت حريته محدودة. اذ كان يقترح أمورا. والله يسمح له أو لا يسمح. ويضع له حدودا وقيودا معينة. وقال له أولا (هوذا كل ماله في يدك. وإنما إليه لا تمد يدك) (أى 1: 12) وفي المرة الثانية سمح له أن يمد يده إلى جسد أيوب، دون عقله ونفسه) (أى 2: 6). أشكر الله إذن، الذي قيد حرية الشيطان.. وهذا الأمر يمنحك السلام القلبي، فلا تخاف من الشياطين، ولا من أعوانهم من الناس الأشرار. والسلام وعدم الخوف نعمة أخرى تشكر الله عليها، وتقول في ثقة. (إن كان الله معنا، فمن علينا؟!) (رو 8: 31) وهكذا تعيش في اطمئنان دائم. وهذا الاطمئنان هو أيضا نعمة، تحتاج إلى شكر. الإنسان المؤمن يعيش إذن في سلام واطمئنان وثقة بعمل الله وعدم الخوف. وتتحول حياته بهذا الإيمان إلى شكر دائم. وهذا الإيمان الذي سبب له الشكر، هو أيضا نعمة تحتاج إلى شكر. انه ينام في حضن الله مطمئنًا، شاكرًا عنايته، مهما كانت الظروف المحيطة به ضاغطة وذلك لأنه ينظر باستمرار إلى عمل الله، وليس إلى الظروف الضاغطة. ويقول مع داود النبي، في ملء الإيمان (إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرا لأنك أنت معي) (مز 23). قد تقف ضد هذا الإيمان رؤيتنا البشرية القاصرة. تقف ضد الإيمان، وبالتالي لا تسمح بوجود الشكر، بل قد تسبب القلق والاضطراب والخوف، والشعور ببعد المعونة الإلهية! ولكن رؤيتنا البشرية قاصرة ومحدودة. لأنها تبصر فقط المشاكل الحالية، ولا تبصر الحلول المقبلة! تبصر الألم الحاضر، ولا تبصر فرح المستقبل. لذلك إذا عشت في المشكلة تتعب. أما إن عشت في الإيمان فسوف ترى حلولا كثيرة، فتفرح وتشكر الله هناك فرق كبير بين الإيمان والعيان. العيان معناه أنك ترى الأشياء بعينيك، ولا تشكر إلا على الخير المحسوس الذي تراه بعينيك. أما في الإيمان فانك تشكر على الخير الذي تراه، ولكنك تؤمن أنه موجود، واثقا بعمل الله.. الإيمان يرى ما لا تراه العين وما لا تدركه الحواس. انه يبصر عمل الله ونعمته القادمة ومعونته. ويرى عمل الله المقبل كأنه موجود الآن، ويفرح به ويشكر عليه. يرى ما ليس كائنا كأنه كائن. ويبصر الله يقوده في مراع خضراء، ويحفظ دخوله وخروجه. الإيمان يقول مع الرسول: (كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله) (رو 8: 28). ليتكم تحفظون هذه الآية، وتضعونها أمامكم باستمرار، فتكون لكم ينبوعا للشكر. لاحظوا في هذه الآية عبارة (للذين يحبون الله) إن الذين يحبون الله، يشعرون بمحبته، ويصدقون مواعيده، لذل هم يؤمنون بكل يقين أن كل الأشياء تعمل معهم للخير، لأنها تحت ضبط الله محب البشر.. لذلك هم يعيشون في فرح دائم، وفي شكر دائم، يتفقان مع محبتهم لله. الإيمان يصدق بالحب كل شيء (1كو 13: 7). انه يصدق أن الصخرة الصماء يمكن أن ينفجر منها الماء (خر 17: 6) ويصدق أن الله يمكنه أن يشق له طريقا في البحر يسير فيه آمنا (خر 14: 31) ويؤمن كذلك أن الله ينزل له من السماء المن والسلوى ليأكل (خر 16) كذلك بالإيمان يرى الله معه في جب الأسود، ومعه في أتون النار (دا 3، 6). |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
فضيلة الصبر تتعلق بالشكر المسألة كلها مجرد عامل زمن، ما بين الإيمان والعيان. فأنت تؤمن بما لا يرى بالحواس. وتعطى الله مدى زمنيا يريك فيه هذا الأمر بالعيان، بعد حين. وطوبى لمن آمن دون أن يرى (يو 20: 29). بين الإيمان أنظر إلى متاعب في ضوء تدخل الله الذي يحولها إلى خير.. ينبغي أن يكون الإنسان صبورا وطويل الأناة ليرى عمل الله. لأن هناك أعمالا تبدو متعبة، ولكنها تتحول إلى خير في مدى زمني، قد يطول أحيانا، ويلزم الإنسان أن ينتظر الرب. والله لابد سيعمل، في الوقت المناسب الذي تحدده مشيئته الصالحة. ولنأخذ مثالًا ما قد حدث ليوسف الصديق: لقد بيع كعبد. ومع أنه سكت على ذلك، وخدم كعبد بمنتهى الأمانة والإخلاص، ألا أن تهمة رديئة لفقتها له امرأة فوطيفار، وألقى بها إلى السجن. ومر وقت، بدا أن الله قد تركه ولم يعمل على إنقاذه. ولكن الله في الوقت المناسب، حول هذه التجربة إلى الخير، وأخرجه من السجن ليكون الوزير الأول في مصر. إذن المسألة تحتاج إلى صبر، وأن ننتظر الرب، ونؤمن أنه قاد على أن يحول الشر إلى خير. كذلك في قصة مردخاي وهامان. لقد مر وقت طويل لقى فيه مردخاي اضطهادات من هامان حتى أنه أعد له صليبًا ضخمًا ليصلبه عليه، بل تمادى في ظلمه وكبريائه حتى كاد يهلك الشعب كله. ولكن في الوقت المناسب تدخل الله لينقذ مردخاي والشعب بأجمعه. والصليب الذي أعده هامان لمردخاي صلب عليه هامان نفسه (اس 7: 10). أنظروا أيضا الاضطهادات التي أثارت ديوقلديانوس على الكنيسة.. كان حاكما في منتهى القسوة، وقد سفك الكثير من دماء الشهداء. ولكن في الوقت المناسب تدخل الرب، وخلص شعبه منه ديوقلديانوس الذي انتهى نهاية رديئة. واصدر قسطنطين مرسوم ميلان سنة 313 م وسمح بالحرية الدينية. واستفادت المسيحية من الاضطهادات عمقا في الروحيات وثباتا في الإيمان. لا توجد مشكلة تستمر إلى الأبد.. لابد أنها ستنتهي في يوم ما. والمسألة تحتاج إلى صبر مؤسس على الإيمان،أنظروا مثلا إلى تجربة أيوب: كانت شديدة جدًا، وامتدت حتى شملت كل أمواله وبنيه وبناته، وصحبته ونظرة أصدقائه وزوجته إليه، واستمرت مدة، ثم انتهت إلى خير والى أفضل. وهكذا قال معلمنا يعقوب الرسول (ها نحن نطوب الصابرين. قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب) (يع 5: 11) (وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاده.. وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة، ولرأى بنيه وبنى بنيه إلى أربعة أجيال) (أي 42: 12-16). واستفاد أيوب فوائد روحية من تجربته تستدعى الشكر. كما استفاد خيرًا كثيرًا في دنياه. وكذلك في القصص السابقة ما أعظم الفوائد التي نالها مردخاي والشعب، والتي نالها يوسف وأخوته، والتي ما كان ممكنًا الحصول عليها إلا بالتجربة والضيقة. ولكن بالإيمان والصبر نرى مقاصد الله، ونحصل على الخير والبركة. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
فضيلة الاتضاع تتعلق بالشكر لكي تستطيع أن تحيا حياة الشكر في عمقها، يلزمك أن تحيا حياة الاتضاع وانسحاق القلب. الإنسان المتضع يشعر أنه لا يستحق شيئا.. لذلك فهو يشكر على كل شيء.. كل ما يعطى له من الله -مهما كان قليلًا- يشكر عليه ويفرح به، شاعرا في عمق أعماقه أنه لا يستحقه.. أما المتكبر، فانه على العكس ذلك، يظن في نفسه أنه يستحق أشياء كثيرة، أكثر مما عنده، فيتذمر على ما هو فيه.. إن نال منصبًا كبيرًا، ربما لا يشكر، لأن يعتقد في نفسه أنه أهل لمنصب أكبر وأكبر. وان مدحه البعض، ربما يظن أن هذا المديح أقل من مستواه. أما المتضع فانه يخجل من أقل كلمة مديح يوصف بها لأنه يعرف ذاته.. المتضع لا يشعر فقط أنه لا يستحق شيئا من الخير، بل أكثر من هذا يرى أنه مستحق لعقوبات شديدة من الله وتأديبات عنيفة.. لذلك إن أصابته البلايا، فيقول أنا أستحق أكثر من هذا بسبب خطاياي. ويشكر قائلًا إنها رحمة من الله أن يعاقبني بأقل مما أستحق. وخير لي أن أُعاَقَب هنا على الأرض أفضل من العقوبة الأبدية). مثال ذلك: لو أن مجرما أرتكب جريمة قتل بشعة، وحكم عليه القاضي -نظرًا لظروفه النفسية- بالأشغال الشاقة المؤبدة. مثل هذا المجرم، وما أن يسمع الحكم عليه، حتى يرفع صوته بالشكر، لأنه في يقينه يرى أنه مستحق للإعدام، وقد عامله القاضي بكل رحمة بل أنه يشد على يد محاميه بحرارة ويقول له: أشكرك يا أستاذ على المجهود الكبير الذي بذلته من أجلى، حتى حكم على بالأشغال الشاقة المؤبدة. كانت رأسي على وشك الدخول في حبل المشنقة. ولكنك أنقذتني.. هكذا المتضع يرى باستمرار أن عقوباته أقل من استحقاقه. كلما تأتيه الضيقة أو مشقة أو بلية، يقول: أشكرك يا رب لأنك حنون جدا وتعاملني بأقل من عقوبة خطاياي. يا لشفقتك العجيبة! حقًا يا رب إن يدك على لا عصاك.. يقول هذا من يعرف نفسه جيدا، ومن يدرك ثقل خطاياه، وما تستحقه من العدل الإلهي. وقد يعترض البعض ويقول: ماذا لو أعطيت له عقوبة لا تحتمل؟! مثل مرض من الأمراض المؤلمة التي لا تحتمل.. كيف يشكر الله إذن، وهو في شدة الألم؟! نقول إن عذابات الأرض مهما كانت شديدة، إلا أنها محدودة ومؤقتة،وهى أفضل من العذاب الأبدي في شدته وديمومته. ومع ذلك حتى في مثل هذه الأمراض، يعطى الرب احتمالًا وصبرًا.. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
فضيلة الهدف السليم تتعلق بالشكر كثيرا ما تكون للبعض أهداف عالمية أو مادية، يحزن إن لم يصل إليها، ولا يستطيع إليها ولا يستطيع أن يشكر الله في وسط تمسكه بهذه الأهداف. أما الإنسان الروحي فله هدف واحد هو الله. لذلك لا يبالى بالدنيا، إن أقبلت أو أدبرت، ولا يهتم بكل ما فيها من أغراض زائلة، ولا يحزن ان لم يحصل على ملاذها وفي اكتفائه بالله، يشعر بسعادة كبيرة يشكر الله عليها وقد يكون محروما من أشياء كثيرة يتمتع بها غيره. ومع ذلك فهو راض وشاكر وسعيد بحياته مع الله. وهنا نقول أن حياة الزهد توصل إلى حياة الشكر. أو قل أن محبة الله التي تؤدى إلى هذا الزهد في الدنيا، هي التي توصل إلى حياة الشكر. وهكذا عاش آباؤنا الرهبان والنساك ليس لهم من الدنيا شيء، ومع ذلك يعيشون في فرح وشكر. وبنفس الوضع، نرى القديس بولس الرسول عن نفسه وعن معاونيه في الخدمة (كفقراء، ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء) (2كو 6: 10) العالم يرانا كأن لا شيء لنا، ويرانا كفقراء،بينما نحن نملك كل شيء، لأن الله الذي معنا هو كل شيء لنا، هو الكل في الكل. ذلك نبدو أمام الناس (كحزانى، ونحن دائما فرحون). إذن حياة الشكر يلزمها قيم ومقاييس روحية. وبدون هذه القيم والمقاييس الروحية لا يستطيع إنسان أن يصل إلى الشكر الدائم الحقيقي، ولا إلى الفرح الكامل الروحي. إن وجدت نفسك لا تشكر، ارجع إلى مقاييسك لتصلحها. ربما فكرتك عن السعادة غير سليمة.. هناك فضائل أخرى ترتبط بالشكر تحدثنا عنها. مثل الفرح، والسلام، والعزاء الداخلي وسط الضيقات والعزاء الخارجي أيضًا، وما يتركه من قدوة. وحياة التسليم لله. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
لماذا نشكر؟! من الأسباب الهامة في عدم الشكر، أننا لا نعرف ما هو الخير لنا.. وقد تظن الأمر شرًا، فلا نشكر عليه، ويكون هو الخير بعينه، أو هو الوسيلة التي توصل الخير لنا، ونحن لا ندرى..! وسنحاول في هذا المجال أن نعرض أمثلة كثيرة من الكتاب، وبعضها من التاريخ، لإثبات هذه الحقيقة.. وصدقوني أن الله وحده بحكمته الواسعة التي لا تحد، هو وحده الذي يعلم ما هو الخير لنا أما حكمتنا نحن البشرية فلا تدرك، لأنها حكمة محدودة وقاصرة، ولأنها لا تبصر ما هو قدام. خذوا مثالا لذلك سجن يوسف الصديق. من كان يظن أن إلقاء يوسف في السجن ظلما وهو بار، وبيعه كعبد قبل ذلك، كل ذلك سيؤول إلى خيره، وخير أخوته وأبيه، وخير مصر كلها والبلاد المحيطة..! بينما لو أن أخوته لم يبيعوه، لظل راعيا إلى جوار بيت أبيه، وما حدث له كل ذلك الخير..! وكذلك لو أن امرأة فوطيفار لم تتهمه ظلما، لبقى عبدا في بيت فوطيفار وليس أبا لفرعون. ربما يوسف الصديق ما كان يشكر، حينما بيع كعبد، وحينما أتهم ظلما وألقى في السجن ولكنه بلا شك قد شكر أخيرا وعرف أن الله (قصد به خيرا.. ليحيى شعبا كبيرا) (تك 50: 20). مثال آخر هو هروب العذراء بطفلها إلى مصر. أكان هذا الهروب من سيف هيرودس وبطشه وظلمه أمرا يستحق الشكر؟! لابد أننا نشكر الله على ذلك من أعماقنا. لأنه بهذا الهروب تباركت أرض مصر، وصارت لنا مواضع مقدسة وطأتها أقدام المسيح والعذراء، وصارت فيها كنائس فيما بعد.. نحن لا ندرى المستقبل ماذا يكون.. ولكننا ندرى أمرا واحدا، وهو أن المستقبل في يد الله. وإننا نشكر الله لأنه وضع المستقبل كله في يديه، يدبره بمشيئته الصالحة، ويصنع فيه خيرا لأولاده،لذلك نثق بكل ما يأتي لأنه من عند الله يأتي.. من يد الله المملوءة حبا.. حقًا إن القلب الكبير يفرح بكل شيء، ويشكر الله على كل شيء ولا يتضايق أبدا من شيء، مهما كانت الأمور.. ولعلكم تذكرون ما قلته لكم قبلا عن معنى الضيقة: إن الضيقة سميت ضيقة، لأن القلب ضاق عن أن يتسع لها. أما القلب الواسع فلا يتضيق بشيء. عنده مصفاة الإيمان، يدخل فيها كل شيء.. ويعبر وبالإيمان يرى يد الله في كل ما يقابله من أحداث، فيتعزى بعمل الرب، ويفرح ويشكر. حديث القديس أوغسطينوس عن المبتدعين والهراطقة: أولئك الذين حاربوا الإيمان بكل عنف، وسببوا متاعب كثيرة للكنيسة. يقول عنهم القديس أوغسطينوس (إننا نشكر الهراطقة. لأنهم فيما قدموه من شكوك حول الكتاب، جعلونا نبحث في الكتاب أكثر، ونتعمق أكثر، ونكتشف كنوزا ما كنا من قبل نعرفها). بنفس المنطق نتكلم عن الفلسفة الوثنية التي قاومت المسيحية: وبخاصة في أيامها الأولى. هذه المقاومة كانت بركة نشكر الله عليها. لأنه بسببها تأسست مدرسة الإسكندرية الأولى، بكل ما قدمت للعالم من معرفة روحية وكتابته، وبكل ما قدمته من علوم اللاهوت والفلسفة المسيحية التي خدمت الإيمان.. ونحن نفتح قلوبنا لعمل الله شاكرين، إذ أنه يجعل كل الأمور تؤول لمجد اسمه. ونفرح بيده التي تمسك التاريخ.. ونشكره. مثال آخر: دماء الشهداء. أكانت خيرًا يُشْكَر عليه؟! نعم، لأننا نقول أن دماء الشهداء، كانت بذار الإيمان. وبها أنتشر الإيمان أكثر، بما كان الناس يرونه من شجاعة، وما كانوا يسمعونه من كلماتهم العميقة الواثقة، وما كان يحدث أثناء استشهادهم من معجزات. وكذلك كيف كانوا يقابلون الموت بفرح عجيب حتى أن أحدهم قبل السلاسل بفرح.. القديس أغناطيوس الأنطاكي عاتب أهل رومه على محاولتهم إنقاذه من إلقائه إلى الأسود الجائعة! وأرسل لهم رسالة مشهورة قال لهم فيها (يا أخوتي، أخشى أن محبتكم تسبب لي ضررا، وقد وصلت إلى نهاية المطاف، وأنتم تريدونني أن أركض شوط حياتي من جديد) وترك نفسه للأسود تفترسه في ثوان. وكان درسا عجيبا للأجيال، تذكره فتشكره، وظهر بعد استشهاده لزملائه في السجن يشجعهم ويقويهم.. وهكذا كان استشهاده بركة. أترانا نبكى على من مات شهيدا؟! كلا.. بل نفرح له لأنه نال الإكليل، ونشكر الله الذي أعانه.. ونقول له تلك العبارة المعروفة في صلوات الجناز (الله يعيننا كما أعانك..) بنفس الوضع نتكلم عن المعترفين، والذين تشتتوا بالاضطهاد لأجل الإيمان. ونذكر ما قيل في سفر أعمال الرسل: (الذين تشتتوا، جالوا مبشرين بالكلمة) (أع 8: 4). تشتتهم كان من الآلام التي أصابت الكنيسة، ولكنه في نفس الوقت كان بركة. لأنهم كانوا شعلات ملتهبة بالنار، لما انتقلت إلى بلاد أخرى من العالم، صيرتها لهيبا، وأنتشر الإيمان بتشتتهم.. أليس هذا أمرا نشكر الله عليه.. هناك أمر يكون خيرا في ذاته. وأمر آخر يكون خيرا في نتائجه، وعلى الأمرين نشكر. كلاهما للخير. لقد أستطاع أن يحول الاضطهاد إلى خير، ويحول التشتت إلى كرازة وإيمان، وتأسست كنائس كثيرة في كل مكان. نشكره على ذلك، ونقدم التسليم الكامل لإرادته المقدسة المملوءة خيرا. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
النظر إلى قدام والشكر مشكلتنا في عدم الشكر، أننا لا ننظر إلى قدام. إنما ننظر إلى تحت أقدامنا فقط، إلى مجرد الواقع الذي نعيشه! دون النظر إلى بعيد، إلى سوف يحدث فيما بعد.. ولا نلتفت مطلقًا إلى هدف الله من هذا الأمر الذي يتعبنا، أقصد هدفه المفرح لنا.. سوف أضرب لهذا مثالين: ولادة إنسان أعمى: أكانت خيرا نشكر عليه؟! حتى التلاميذ ظنوه عقوبة، فقالوا بجهل (هل أخطأ هذا الإنسان أم أبواه؟) متأثرين بأفكار خاطئة نقلت من العالم الوثني عن طريق الرحلات.. أما السيد المسيح فوضع أمامهم التدبير الإلهي الذي يستحق كل شكر، فقال لهم (لا أخطأ هذا ولا أبواه. لكن لتظهر أعمال الله فيه) (يو 9: 3) لولا ولادته أعمى، ما كانت تحدث هذه المعجزة العظيمة في حياته، وتكون نتائجها إيمانه بالرب وسجوده له ودفاعه عنه.. وصارت له عينان روحيتان مفتوحتان تريان ما لا يرى.. وهكذا دخل الرجل إلى التاريخ، وظهرت أعمال الله فيه، وكانت سببا لإيمان الكثيرين. وهذا أمر نشكر الله عليه. ولكننا للأسف لا نشكر، إلا بعد أن نرى النتائج! أما الإيمان، فيعطى الثقة بأنه لابد أن يكون هناك خير ما سواء رأيناه أم لم نره.. وطوبى لمن آمن دون أن يرى) (يو 20: 29) وطوبى لمن يرى بالإيمان ما لا يرى (عب 11: 1). مثال آخر هو موت لعازر أخي مريم ومرثا: أكان مرض لعازر وموته أمرا يدعو إلى الشكر؟! واضح أن مريم بكت، واليهود الذين جاءوا معها بكوا أيضا، وعاتبت الرب قائلة (يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي) (يو 11: 32، 33). وبنفس العبارة عاتبته مرثا (يو 11: 21) ومع ذلك فان هذا كله كان (لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به) (يو 11: 4). لو عرف الناس ما سيفعله الرب بعد موت لعازر، لشكروا على مرض لعازر وموته، ليظهر مجد الله. لأنه كم أنتشر الإيمان بإقامة لعازر بعد أربعة أيام من موته (يو 11: 45) وهذا أمر يدعو إلى الشكر بلا شك.. ولكن الناس ما كانوا يشكرون لما مرض لعازر ومات! فلماذا؟ ذلك لأن رؤيتنا البشرية قاصرة.. كل ما تستطيعه أنها تذهب إلى القبر، حيث دفنوا لعازر، وتقف خارج القبر تبكى! أما الإيمان فيمتد إلى أربعة أيام بعد هذا. فيرى لعازر خارجا من القبر ملفوفا بأقمطة..! ويرى مجد الله، وإيمان الناس فيشكر. مثال آخر، وهو مجاعة مصر أيام يوسف: لا يوجد أحد يشكر على حدوث مجاعة..! ومع ذلك كانت تلك المجاعة للخير. إذ أنها أظهرت بر وحكمة يوسف الصديق. وقدمت لنا أحلاما ورؤى من الله، حتى لفرعون وكانت تلك المجاعة خيرا وبركة، فبسببها التقى يوسف مع أبيه، ومع أخوته، وتصالح معهم، وعالهم في أرض جاسان.. وكانت فرصة أن ينال ابناه بركة يعقوب أبيه.. أليست كل هذه الأمور أسبابا نشكر الله عليها؟! أما عن المجاعة، فقد دبر الله أمر علاجها، بأن سبقتها سبع سنوات من الشبع والخير، تم فيها تخزين ما يلزم لسنوات الجوع. وهذا أيضا تدبير إلهي يستحق الشكر أيضًا.. وكل الأمور تعمل معًا للخير.. فلنتأمل أيضا الشكوك التي حامت حول البابا ديمتريوس الكرام.أنه أمر يبدو سيئا في ذاته. ولكن هذه الشكوك عينها، كانت السبب في إظهار قدسية هذا البابا العظيم، وأظهرت للناس بره وعفته وبتوليته. كما كانت مناسبة تدخلت فيها يد الله بمعجزة وتعيد الكنيسة لذلك اليوم في السنكسار (12 بابة). ولا شك أن الشعب كله شكر الله، كما شكره البابا ديمتريوس وزوجته، تحولت الشكوك إلى تمجيد، وتحول يوم الألم إلى يوم عيد.. نتحدث بهذه المناسبة عن متاعب داود النبي:ما كان يظن أن متاعب داود النبي -سواء مع شاول أو أبشالوم أو غيرهما- ستؤول إلى هذه المزامير الجميلة العميقة، التي تعزينا جميعا.. ؟! ان داود في متاعبه، كان يغنى هذه المتاعب على العود والمزمار، وعلى العشرة أوتار،كان يخلط متاعبه بمزماره ومزاميره. وبدلا من أن يكسب نفسه حزنا، كان يكسبها لحنا. وقد ترك لنا هذا الكنز العظيم من أغانيه. ألسنا نشكر الله على كل هذا؟! وهو أيضا في كل متاعبه كان يشكر ويقول: (أبارك الرب في كل وقت، وفي كل حين تسبحته في فمي) (مز 34: 1). (بالرب تفتخر نفسي.. عظموا الرب معي. ولنرفع اسمه معا) (مز 34: 2، 3) ويقول أيضا (باركي يا نفسي الرب، وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب، ولا تنسى كل إحساناته) (مز 103: 1، 2) انه في كل متاعبه يسبح الرب بتسبيحه جديدة، ويغنى له أغنية شكر.. درسان آخران من حياة موسى النبي: من كان يظن أن وضع الطفل موسى في سفط، وإلقاءه على حافة النهر، خوفا من قتله (خر 2: 3) كل ذلك يؤول إلى مجد، ويصير هذا الطفل ابنا بالتبني لابنة فرعون، ويتربى في قصر ! أليس هذا درسا في عناية الله، نشكره عليه.. ومن كان يظن أن هروب موسى إلى البرية خوفا من فرعون، سينتهي إلى تعلمه الرعاية والهدوء في البرية. وأيضا سينتهي بعد فترة إلى أن يظهر الله له في البرية، في عليقة مشتعلة بالنار (خر 3) ويدعوه لخدمته، ويصير نبيا من أعظم الأنبياء، وقائدا لشعب إنها أمور تذكرنا بقول الكتاب: ونهاية أمر خير من بدايته (جا 7: 8). فلا تزعجنا إذن البدايات الصعبة، ولننظر كيف ينهى الله الأمور. وسنجدها نهاية سعيدة نشكره عليها.. ولعله من الأمثلة البارزة في الكتاب لهذه الأمور: مؤامرة هامان. درس من كبرياء هامان ومؤامرته: كان هامان متكبرًا، وتضايق من مردخاي لأنه لم يخضع لكبريائه. وأعد مؤامرة يصلب بها مردخاي، وإبادة الشعب كله. إنها بداية مزعجة، ولكن فلننتظر قليلا لنرى كيف انتهت.. لقد صام الشعب كله بقيادة أستير، وكانت فترة روحية تقرب فيها إلى الله. وتدخل الله في الأمر، وأنقذ الشعب كله. والصليب الذي أعده هامان ليصلب مردخاي عليه، صلب هو عليه. أما مردخاي فقد نال إكراما ما كان يتصوره (أش 6، 7). وهكذا تحولت الأمور إلى العكس تماما، من الصلب إلى المجد. مبارك هو الرب في كل ما يفعله. مباركة هي يده التي تتدخل، وتدير دفة السفينة إلى المسار الذي يريده هو، بمشيئته الصالحة الطوباوية.. درس آخر من تجربة اسحق: لا شك أنها كانت تجربة صعبة على أبينا إبراهيم أن يقدم ابنه وحيده الذي تحبه نفسه، محرقة.. (تك 22: 2) ولكنها كانت للخير، لأنها أظهرت طاعة إبراهيم، وأظهرت أيضا إيمانه، لأنه (بالإيمان قدم إبراهيمإسحق وهو مجرب.. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات) (عب 11: 17، 19) وهكذا ظهر بره، إذ بالأعمال في طاعته وتقديم ابنه (يع 2: 21) وأيضا (آمن إبراهيم بالله فحسب له برًا) (يع 2: 23) واستحق أبونا إبراهيم بهذه التجربة أن ينال البركة من الرب له ولنسله، فقال له الرب (أباركك مباركة نسلك.. ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض) (تك 22: 16-18) وأعطانا الرب في هذه التجربة مثالا رائعا للطاعة والإيمان نشكره عليه.. كانت التجربة إذن بركة لإبراهيم ولنسله ولنا. وكانت درسا ومثالا وقدوة لكل الأجيال على الأرض، سواء من جهة إبراهيم، أو من جهة ابنه إسحق، الذي صار رمزًا للسيد المسيح، الابن الوحيد للآب (يو 3: 16) الذي أطاع حتى الموت موت الصليب (في 2: 8). ل- مثال للشكر، هو سجن بولس الرسول:أترى يشكر أحد على سجنه؟ نعم، إن الإنسان المؤمن يشكر على كل شيء. لقد سيق بولس وسيلا إلى السجن، بعد أن ضربا بضربات كثيرة، والقيا في السجن الداخلى، وضبطت أرجلهما في المقطرة. ومع ذلك كانا يسبحان الله، والمسجونون يسمعونهما (أع 16: 23-25). وكانا سجنهما بركة.. أراد به الله إيمان سجان فيلبى. هذا الذي نال في الحال نعمة العماد هو والذين له أجمعون.. وتهلل مع جميع بيته (أع 16: 33، 34) أليست هذه أمورا نشكر الله عليها.. كما أن القديس بولس الرسول كثيرا ما وجد في السجن فترة هادئة، كتب فيها بعض رسائله وهو في السجن. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
عدم تذكرنا لإحسانات الله إلينا من الأسباب التي تمنع الشكر، عدم تذكرنا لإحسانات الله إلينا. سواء على المستوى العام، أو في الحياة الخاصة لكل منا. عيبنا أننا ننسى بسرعة ولا نذكر. لذلك فان داود يذكر نفسه بهذه الأمور، ويقول في مزموره (باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب ولا تنسى كل حسناته) (مز 103: 1، 2) وظل يتذكرها واحدة فواحدة.. أنصحكم بقراءة المزمور وحفظه وليكن دافعا لكل منا أن يتذكر إحسانات الله إليه.. في سنة 1974 كان مرض الكوليرا منتشرًا، وكان يحصد بالآلاف. وأغلقت كثير من المدن، خوفا من انتقال العدوى. وكان الرعب حالا في البلاد.. دخلت مرة في إحدى هذه المدن المغلقة بتصريح رسمي بعد التطعيم ضد الكوليرا طبعا. فلم أسمع فيها أحدا يضحك ولا يبتسم. ولم يكن فيها صوت راديو ولا أغاني. كانت المدينة حزينة مكتئبة. وكثيرون كانوا يصلون بعمق، وينذرون نذورا (لو أنقذتني يا رب أصير وأصير.. أفعل وأفعل) وأنقذنا الله من الكوليرا، وعشنا إلى الآن. فمن منا يشكر الله على هذا الإنقاذ.. ومثله كل الإنقاذات الأخرى من الأوبئة والجفاف وسائر الأمراض.. ما أكثر الذين نسوا إحسانات الله، ونسوا معها وعودهم ونذورهم! ليتنا نجلس كل يوم إلى أنفسنا، ونذكر إحسانات الله إلينا والى أسراتنا وأصدقائنا ومعارفنا ونحفظ ذلك في ذاكرتنا أو في مفكرة ونشكر الله. إن الشعب في البرية احتفظوا بجزء من المن، لكي يذكروا إحسان الله (خر 16: 32-34) وأقاموا حجارة في الأردن ليذكروا شقة وعبوره (يش 4: 4-8) فيشكروا الله.. عندما ننسى إحسانات الله، يقل شكرنا، وتقل محبتنا. وهذا طبيعي. لأنك كلما تذكر جميل أحد عليك، تحبه،وان نسيت، فانك تفقد سببًا يدفعك إلى الحب والشكر. كم موظف نسى أن الله ساعده في الحصول على وظيفة؟! وكم زوجة نسيت أن الله وفقها في الارتباط بزوج؟ وكم إنسان نسى أن الله ساعده في حل مشكلة، أو في الخروج من مأزق محرج..؟ |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
أسباب تؤدي لعدم الشكر (4) وأحيانا لا نشكر، لأننا نسبب الخير إلى غير الله:نسبب الخير الذي نلناه إلى مقدارتنا الشخصية، أو إلى من ساعدنا من الناس! أو إلى الظروف المحيطة. وننسى في كل ذلك أن مقدراتنا هي أيضا موهبة من الله وأنها وحدها ما كانت تستطيع بدون معونة الله وتدخله. كما أن الذين ساعدونا، وهو الله الذي تكلم في قلوبهم من جهتنا. وكذلك فان الظروف المحيطة بنا، لا يمكن أن نفصلها عن التدبير الإلهي.. (5) ونحن أحيانا لا نشكر، لأننا نذكر السيئات أكثر من الحسنات!عندما نصفى حساباتنا، تختفي أمامنا النقط البيضاء التي تحتاج إلى شكر، وتقف أمامنا الضيقات والمتاعب! أو نذكرها، ونبالغ فيها، فنتعب.. هناك نوع من الناس -للأسف الشديد- لا يفتكر إلا النقط السوداء في حياته. وهكذا -ليس فقط يفقد الشكر- إنما أيضًا تضغط عليه الكآبة، ويملكه الحزن. انه نوع سوداوي. بعكس الذين يعيشون في فرح ورجاء، يذكرون خير الله ونعمته وبركته، في كل وقت، ويشكرون.. (6) وقد يكون عدم الشكر، سببه عدم القناعة.إن القنوع دائمًا يشكر، مهما كان الذي معه قليلا. أما غير القنوع، أو المحب للكثرة، فانه مهما أعطاه الله، لا يكتفي ولا يشكر! ولا يرضى عما هو فيه، باستمرار يريد أكثر لذلك لا يشكر! قد يتحول الطموح عند إنسان إلى طمع، فيفقده الشكر! هناك خط رفيع يفصل بين هذه الأمور، يلزم الإنسان أن يعرفه، ويحتاط. قد ينجح طالب بامتياز، ويحصل على 90% فيحزن لأنه كان يريد أن يحصل على 95 % على الأقل، أو يكون الأول أو من الخمسة الأوائل. المفروض أنه يفرح ويشكر، لأنه نجح وحصل على امتياز. ولا مانع من الطموح إلى أكثر. ولكن ليس على حساب الفرح والشكر. (7) وقد يفقد إنسان حياة الشكر، بسبب تعوده التذمر:والتذمر قد يتحول عند البعض إلى مرض نفسي. فهو دائما يتذمر ويحتج ويشكو، مهما كان حاله! لا يعجبه شيء، ولا يرضى عن شيء. وبالتالي طبعًا لا يشكر.. انه مرض روحي ونفسي واجتماعي، يحتاج إلى علاج.. بعكس ذلك الذي يتعود الشكر، حتى يصبح طبعا فيه. يشكر الله، ويشكر الناس، ويشكر على كل شيء. (8) وقد يفقد إنسان الشكر، لأمراض روحية ونفسية أخرى.غير التذمر، وغير الطمع ومحبة الكثرة والنصيب الأكبر.. أمراض مثل القلق واليأس والكآبة والاضطراب والخوف على المستقبل، والخوف عموما، وبعض العقد النفسية الأخرى المصاب بمثل هذه الأمراض، من الصعب أن يشكر،انه باستمرار مهموم وحائر. وان دعوته إلى حياة الشكر، يقول لك في تعجب وفي ضيق (على أي شيء أشكر؟! أما يكفى ما أنا فيه؟!) مثل هذا الإنسان يحتاج إلى علاج.. إن عدم الشكر يتعب النفس. كما أن تعب النفس يبعد الشكر. الإنسان الشاكر لا يحتاج إلى حبوب مهدئة ومسكنة. سلامه القلبي يغنيه عن كل هذه.. أما غير الشاكر، فان نفسيته باستمرار في تعب. وتعبه النفسي يبعده عن الشكر بالأكثر. (9) كثيرون لا يشكرون، لأنهم يكتفون بالفرح:يأتيهم الخير، فيفرحون به. ويقفون عند هذا الحد يفكرون فيمن أرسل الخير إليهم ليشكروه عليه! إنهم للأسف مركزون حول أنفسهم وحول احتياجاتهم. يهمهم قضاء هذه الاحتياجات. أما من يقضيها لهم فلا يفكرون فيه! أليس في هذا نوع من الذاتية؟ أما أنت فلا تتمركز حول ذاتك. وإنما كلما يأتيك خير، أنظر إلى مصدر هذا الخير واشكره. لا تكن مثل العشرة البرص الذين فرحوا بالشفاء ولم يرجعوا ليشكروا (لو 17: 12-18) لا تلتفت فقط إلى العطاء، دون أن تنظر إلى المعطى. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
الرغبة الداخلية وتقييم الأمور (10) من الأمور المهمة في شعور الإنسان بالخير وبالشر، وما يترتب على ذلك من شكر أو تذمر، رغباتنا الداخلية ونوع تقييمنا للأمور. كتب القديس يوحنا ذهبي الفم مقالا جميلا عنوانه (لا يستطيع أحد أن يضر إنسانا، ما لم يضر هذا الإنسان نفسه) وفي الواقع بدون فهم هذا الموضوع لا نستطيع التخلص من تأثير مضايقات الآخرين لنا، التي تفقدنا حياة الشكر، وتوقعنا في التعب النفسي.. حقا، ما الذي يستطيع إنسان -أو حتى شيطان- أن يضرك به؟ انك لو كنت إنسانا بارا قديسا تحب الله، فلن يكون لك سوى هدف واحد فقط هو الالتصاق بالله. وهذا لا يستطيع إنسان أن يضرك فيه.. وكما قال الرسول (من سيفصلنا عن محبة المسيح: أشدة أم ضيق أم اضطهاد، أم جوع أم عرى، أم خطر أم سيف؟ فإني متيقن أنه لا موت ولا حيوة، ولا ملائكة ورؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع) (رو 8: 35-39) إذن إن جعلت هدفك في الحياة هو محبة الله، فلن يفصلك عن هذا الهدف شيء، وتعيش سعيدًا. أما إذا جعلت لنفسك أهدافا ورغبات أخرى أضفتها إلى الله.. فهذه هي التي تضرك. قلبك من الداخل -المحب لهذه الرغبات- هو الذي يضرك وليس الناس.. قد يستطيع أحد أن يأخذ منك مالا. فإذا كنت لا تحب المال ولا تهتم به في كثرته أو قلته، فلن يصيبك ضرر. قد يستطيع أحد أن يزج بك في السجن. فان كنت لا تهتم إلا بالحرية ضميرك وفكرك وروحك في علاقتك مع الله، ولا تهتم بالمكان الذي تعيش فيه ولا بحالتك الأرضية، فعند ذلك سوف لا تشعر بضرر. فبولس الرسول كان في أعماق السجن وكان يرتل بفرح.. ماذا يصنع بك الناس؟ أيقتلونك؟ وهل هذا يضرك في شيء، إن كان هدفك هو الحياة مع المسيح،إن بولس الرسول يقول (لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح.. لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، فذاك أفضل جدًا) (فى 1: 21، 23) إن الشهداء قد عذبوا وقتلوا. ولم يشعروا أنهم أصيبوا بضرر، بل على العكس نالوا الأكاليل. وكانوا يشكرون له في عذاباتهم، لأنها توصلهم إلى الله والى المجد.. إن الضرر الوحيد الذي يحزنك هو الانفصال عن الله. وليس الضيقات ولا المتاعب، التي قد تسبب لك أكاليل، إن احتملتها بشكر. ولهذا قال الرسول القديس (لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح) (2كو 12: 10). |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
التمسك بالتفكير الخاص أكثر من التدبير الإلهي (11) من مشاكلك الكبرى في حياة الشكر، تمسك بتفكيرك الخاص أكثر من التدبير الإلهي. إننا نريد أن ندبر أمورنا بفهمنا البشرى، بعقليتنا وطريقتنا الخاصة. وقد يكون لله تدبير آخر، لا نفهمه، فنتضايق ولا نشكر! فمثلا إذا لم ننل طلباتنا قد نغضب. وأحيانا نرتفع درجة، فلا نغضب. ولكننا في نفس الوقت لا نشكر. لأن هناك فرقا بين إنسان شاكر، وإنسان آخر ساكت ومحتمل. احتمالنا معناه أن هذا ضيق، ولكننا لا نتذمر عليه، وإنما نحتمله في صبر. أما شكرنا فمعناه ثقتنا أن هذا الحادث هو خير، نشكر الله عليه. وهنا نكون قد انتقلنا من العيان إلى الإيمان.. وأصبحنا بالإيمان نرى الخير في كل ما يعمله الله معنا، غير معتمدين على الأحكام البشرية التي تحكم من الظاهر.. وإذا كان الوحي الإلهي يقول (من يعرف أن يعمل حسنا ولا يفعل، فذلك خطية له) (يع 4: 17) فبالحري يعمل الله الخير، إذ باستطاعته أن يعمله. وبالضرورة لابد أن أؤمن بأن الله يصنع خيرًا معي، لأنه بطبيعته صانع للخيرات. وهو فعلا يصنع ذلك. إن كانت حالتي سيئة، فكان ممكنا أن تكون أسوأ، لولا أن نعمة الله تخلت عنى. ولكن شكرا لله لأنه لم يتخل. وسوء حالتي غالبًا ما يرجع إلى أخطائي. فيجب أن ألوم نفسي، أما الله فإنني أشكره لأنه لم يغضب على بسبب هذه الأخطاء، ولابد سيعينني على الخروج منها. الله إذن يصنع معي خيرًا. ولكنني أنا الذي لا أصنع خيرًا مع نفسي. يجب إذن أن أثق بحكمة الله وتدبيره، ولا أعتمد على تفكيري البشرى وفهمي القاصر،وفي كل ما يحدث لي، ينبغي أن أقول: لابد أنه وراء هذا الأمر حكمة إلهية ستظهر لنا في حينها. وسواء كشف لنا الله حكمته أم لم يكشفها، فحكمته موجودة نشكره عليها. وطوبى لمن آمن دون أن يرى (يو 20: 29). هذا الإيمان بحكمة الله، يقودنا إلى حياة التسليم. وحياة التسليم تتفق تماما مع حياة الشكر.. وفى هذه الحياة أقول للرب: أنا أشكرك يا رب، لأنك لو كنت ترى لي وضعا أفضل مما أنا فيه، لكنت قد نقلتني إليه. أو لو كنت أنا استحق أكثر من هذا، لكنت أعطيتني. ويقينا أنك تعطيني دوما فوق ما أستحق. يكفيني أنني أثق بحكمتك وبمحبتك في تدبيرك لحياتي وهذا يستحق الشكر. |
رد: كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
نسيان جزاء الخطايا | بركة الألم وأمجاده | التسليم بالخير (12) أحيانا نحن لا نشكر، لأننا ننسى خطايانا، وما تستحقه من جزاء. ولو ذكرنا خطايانا، لكنا نشكر لأن الله (لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا بحسب آثامنا) (مز 103) بل حتى لو نلنا جزاء، لكان يجب أن نشكر أننا نتألم هنا على الأرض، بدلا من أن ننال العذاب الأبدي في العالم الآخر (متى 25: 46) مثل لعازر المسكين الذي استوفى بلاياه على الأرض (لو 16: 19). ولو أدركنا ثقل خطايانا، لكنا نشكر حتى في الآلام المريرة، شاعرين أنها أقل بكثير مما نستحق. وأنها -أي الآلام- قد سمح الله بها لتقودنا إلى التوبة.. (13) ونحن قد لا نشكر -وبخاصة في الألم- لأننا لم ندرك بعد بركة الألم وأمجاده.. إن الألم هبة تستحق الشكر. ولهذا قال الرسول (قد وهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضا أن تتألموا لأجله) (فى 1: 29) هو إذن هبة، وأيضا معه مجد. ولذلك قال الرسول (ان كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضا معه) (رو 8: 17) ومادام الألم طريقا للمجد، فهو للمجد، فهو يستحق الشكر إذن.. لذلك لم يمنع الله الألم عن أحبائه: إن بولس الرسول تعب أكثر من جميع الرسل في الكرازة والتعليم (1كو 15: 10). ومع ذلك لاقى اضطهادات وآلاما أكثر من الكل، شرحها في (2 كو 11) وقال ضمن ذلك (في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارا كثيرة) (2كو11: 23) والرب لم يمنع عنه كل هذه الآلام، بل فال عندما أختاره لخدمة الرسولية (سأريه كم ينبغي أن يتألم لأجل اسمي) (أع 9: 16). وما نقوله عن بولس الرسول، نقوله أيضا عن القديس أثناسيوس بطل الإيمان. الذي نفى عن كرسيه أربع مرات، ودبرت ضده تهم ومؤامرات، قيل له: (العالم كله ضدك يا أثناسيوس) وسمح الله له بكل هذا، لأن في الألم مجدًا، وله أكاليل وهو تعبير عن الحب. العذراء نفسها تحملت آلاما كثيرة، وهى أقدس إنسانة في الوجود. فان تحملت ألما من أجل الله، أشكره من أعماقك. لأنه قد حسبك أهلا أن تهان لأجل اسمه (أع 5: 41) أشكره لأنه أرشدك إلى الباب الضيق الذي يؤدى إلى الملكوت والى الحياة (متى 7: 14). (14) أقول أخيرًا إننا أحيانًا لا نشكر، لأننا نحسب الخير الذي نحن فيه أمرا عاديا لا يحتاج إلى شكر! خيرات كثيرة أنت فيها ولا تشكر عليها، كالصحة والستر، لأنك تحسبها أمورا عادية،ولكن المحرومين منها يشعرون بقيمتها. وان حصلوا عليها يشكرون من العمق وأقول لكم كمثال: ربما أنت لا تشكرون الآن على النور أثناء محاضرتنا. ولكن إن أنقطع النور لأي سبب، حينئذ تدركون أنكم كنتم في نعمة لا تشعرون بها، ولذلك لم تشكروا عليها، إذ حسبتموها شيئًا عاديًا. ما أكثر الأمور العادية في حياتنا التي تحتاج إلى شكر. |
| الساعة الآن 05:12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025