منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=242464)

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:28 PM

كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
كتاب حياة التواضع والوداعة
قداسة البابا شنودة الثالث
قصة هذا الكتاب
فكرت في هذا الكتاب في أواخر الخمسينات، منذ أكثر من أربعين عامًا، قبل أن أنزل إلى عمل الأسقفية. وقرأت له كل ما استطعت قراءته من كتب الآباء، وترجمت الكثير منها، وأعددت كارتات عديدة لكافة نقاط الموضوع. ثم أعلنت عنه في الستينات بعد أن صرت أسقفًا.
الفكرة بدأت في حياتي الرهبانية، والتفكير في النشر كان في حياتي الرعوية.
وواجهتني مشكلة أساسية، وهو أن التواضع والوداعة في المفهوم الرهباني أصعب من احتمال العلمانيين الذين سيُنشر الكتاب بينهم..
فكيف أوفق بين المثالية في عمقها، وبين الإمكانية العملية للناس في التنفيذ؟!
ومع ذلك فحياة التواضع والوداعة مُطالب بها الكل. الراهب الذي مات عن العالم وعن كل ما فيه من كرامة، وكذلك الذي يعيش في العالم، ويجاهد أن يكون له مركز، وطموح، وتدرج في الترقي.. وفي نفس الوقت يود أن يمارس هذه الفضيلة التي اتصف بها السيد المسيح نفسه، وأوصانا أن نتعلمها منه (مت 11: 29). ودعا إليها الجموع في أول عظته على الجبل (مت5: 3، 5).
وظللت أتصفح أوراقي العديدة الخاصة بالموضوع، والتي ملأت حقيبة بأكملها. وأخذت أصوغ الفكر بحيث يكون مقبولًا وممكنًا، مع الاحتفاظ بمثاليته. وتخليصه بقدر الإمكان من الدرجات التي لا تقوى عليها سوى الرهبنة.



وحان الوقت أن أنشر عن حياة التواضع والوداعة في 34 مقالًا في جريدة وطني (من منتصف عام 2000م).
إننا لا نستطيع أن نحجب المثالية عن الناس. وإنما نعرضها بأسلوب ممكن التنفيذ. وليأخذ كل إنسان منها حسب طاقته. حسب قامته الروحية، ودرجة نموه، وحسب مقدار ما يعطيه الله من نعمة ومن قدرة على شركة الروح القدس (2كو 13: 14).
إنهما كتابان كنت مشتاقًا إلى إصدارهما، مهما كان اشتياق البعض إلى عكسهما: كتاب مخافة الله .
كتاب (المخافة) بينما يشتاق الناس أن أحدثهم عن محبة الله أكثر من مخافته. وقد تكلمت كثيرًا عن المحبة، ونشرت فيها كتابًا باعتبارهما قمة الفضائل. ولكن كان لابد أن أنشر أيضًا عن مخافة الله، لأنها نقطة البدء في الحياة الروحية، كما يقول الكتاب "بدء الحكمة مخافة الله" (أم9: 10).
وقد كان. وصدر كتاب مخافة الله، وتقبله الناس، وأعيد طبعه..
وهأنذا أصدر لكم كتاب التواضع والوداعة اللازمين للحياة الروحية. وبدونهما لا تثبت أية فضيلة، بل تصير طعامًا للمجد الباطل.
وقد وضعته لكم في سبعة أبواب تحدثت فيها عن أهمية التواضع، وبعض أقوال الآباء فيه. وعن تواضع الله ووداعته. وعن خطورة الكبرياء التي هي أول خطية عرفها العالم وبها سقط الشيطان والإنسان. وعن البر الذاتي، والعظمة، ومحبة المديح والكرامة.
كل ذلك مع تداريب كثيرة عن اقتناء التواضع والوداعة، وتفاصيل صفات كل منهما، وكيفية اقتنائهما.
واترك الكتاب بين يديك، فيه العديد من التفاصيل.
وليساعدك الرب على اقتناء هاتين الفضيلتين، بنعمته وروحه القدوس.

البابا شنودة الثالث
أبريل 2001

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:30 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
الفضيلة الكبرى

أود أن أبدأ معكم اليوم سلسلة عن موضوع هام هو التواضع والوداعة: ما هو التواضع وما معناه؟ وماذا قال الآباء في مدحه وتطويبه؟ بل ماذا قال الكتاب المقدس؟ وما مركز التواضع بين الفضائل؟ وما علاقته بالمواهب العليا؟ وما علاقته بالنعمة والتجارب؟ وكيف يكون الإنسان متضعًا..؟
هذا كله وغيره، هو ما نود أن نحدثك عنه بمشيئة الله في هذا الكتاب، لكي تدرك ما هي هذه الفضيلة الكبرى، وما تحويه داخلها من فضائل متعددة..
  1. الاتضاع بين الفضائل
  2. تطويب التواضع

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:31 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
الاتضاع بين الفضائل

الاتضاع هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الفضائل.
وهو السور الذي يحمي جميع الفضائل وجميع المواهب.
ومن هنا يمكن أن نعتبره الفضيلة الأولى في الحياة الروحية. الأولى من حيث ترتيب البناء الروحي، الذي تجلس في قمته المحبة من نحو الله والناس. هو إذن نقطة البدء. ورب المجد في العظة على الجبل، بدأ التطويبات بقوله: "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السموات" (مت5: 3). ثم طوّب الودعاء (مت5: 5).

إن كل فضيلة خالية من الاتضاع، عرضة أن يختطفها شيطان المجد الباطل، ويبددها الزهو والفخر والإعجاب بالنفس.
لذلك إذا منحتك النعمة أن تسلك حسنًا في إحدى الفضائل، اطلب من الرب أن يمنحك اتضاعًا حتى تنسى أنك سالك في فضيلة، أو حتى تدرك أنها لا شيء إذا قورنت بفضائل القديسين.. كذلك إن منحك الله موهبة من المواهب السامية، ابتهل إليه أن يعطيك معها اتضاع قلب، أو أن يأخذها منك، لئلا تقع بسببها في الكبرياء وتهلك..
وحسنًا، يعمل الله، إذ يعطي مواهبه للمتواضعين..
لأنه يعرف أنها لا تؤذيهم. وقد اختار للتجسد الإلهي فتاة متواضعة تنسحق أمام ذلك المجد العظيم.. وهكذا "نظر إلى اتضاع أمته" (لو1: 48)، هذه التي تستمر في اتضاعها مهما كانت جميع الأجيال تطوبها (لو1: 48)، .ويقول الكتاب إن الله يكشف أسراره للمتضعين، وأنه يعطيهم نعمة (يع 4: 6) (1بط 5: 5) (أم3: 34). هؤلاء الذين كلما زادهم الله مجدًا، زادوا هم اتضاعًا وانسحاق نفس قدامه.
والاتضاع ليس فقط فضيلة قائمة بذاتها، إنما هو أيضًا متداخل في باقي الفضائل.
إنه كالخيط الذي يدخل في كل حبات المسبحة.. بحيث لا يكون قيام لأية حبة منها، ما لم يدخل هذا الخيط فيها.. فكل فضيلة لا اتضاع فيها، لا تعتبر فضيلة، ولا يقبلها الله. لذلك قلنا إن الاتضاع أساس لكل الفضائل. كما قلنا أيضًا إنه سور لها يحميها من المجد الباطل.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:33 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
تطويب التواضع

إن السيد المسيح الذي تتكامل فيه جميع الفضائل، حينما أراد أن يوجه تلاميذه القديسين إلى الاقتداء به، قال لهم:
"تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب" (مت11: 29).
قال هذا على الرغم من أن كل فضيلة يمكننا أن نتعلمها منه.. كان يمكن أن يقول: تعلموا مني الحكمة، المحبة، الحنو، الهدوء، الخدمة، التعليم، قوة الشخصية.. فلماذا إذن ركّز على التواضع والوداعة..؟ أليس من أجل الأهمية القصوى لهاتين الفضيلتين؟
وهكذا نرى التواضع بارزًا في أقوال الآباء وفي حياتهم..
قال ماراسحق: "أريد أن أتكلم عن التواضع ولكنني خائف، كمن يريد أن يتكلم عن الله.. ذلك لأن التواضع هو الحلة التي لبسها اللاهوت لما ظهر بيننا.. ولهذا فإن الشياطين حينما ترى شخصًا متواضعًا، تخاف. لأنها ترى فيه صورة خالقه الذي قهرها..
حقًا، ما أعجب هذا الكلام عن التواضع!
التواضع يستطيع أن يقهر الشياطين:
وهذا واضح جدًا في قصة أبا مقار الكبير، الذي ظهر له الشيطان وقال له: "ويلاه منك يا مقاره. أي شيء أنت تفعله، ونحن لا نفعله؟؟ أنت تصوم، ونحن لا نأكل. أنت تسهر، ونحن لا ننام. أنت تسكن البراري والقفار، ونحن كذلك. ولكن بشيء واحد تغلبنا". فسأله القديس عن هذا الشيء، فأجاب: "بتواضعك وحده تغلبنا". وهذا واضح طبعًا. لأن الشيطان لا يستطيع أن يكون متواضعًا. فهو باستمرار متكبر وعنيد. لذلك يقدر المتواضع أن يقهره. فهو يملك التواضع الذي لم يقدر أن يملكه الشيطان.
وتظهر قيمة التواضع في حياة القديس الأنبا أنطونيوس:
أبصر هذا القديس العظيم فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها. فألقى نفسه أمام الله صارخًا: "يا رب، من يفلت منها؟". فأتاه صوت من السماء يقول "المتضعون يفلتون منها". وهنا لعل البعض يسأل: "ولماذا المتضع بالذات هو الذي يفلت من فخاخ الشياطين؟". ونجيبه:
المتضع إذ يشعر بضعفه، يعتمد على قوة الله.
فتسنده قوة الله، وتحميه من فخاخ الشياطين.
وذلك على عكس (الحكيم) المعتمد على حكمته. وعكس (القوي) المعتمد على قوته، و(البار) الواثق ببره.، أما المتواضع المتأكد تمامًا والمعترف، إنه لا قوة له ولا حكمة ولا برّ، فإن الله يسند ضعفه ويحارب عنه. وهذا هو أخشى ما يخشاه الشيطان..
ولذلك فإن إخراج الشياطين يحتاج قبل كل شيء إلى اتضاع. وإن كان الرب قد قال: "هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم" (مت17: 21).. فذلك لأن الصلاة والصوم يظهر فيهما الاتضاع بكل وضوح. فالذي يصلي، يعترف ضمنًا أنه ليست له قوة ذاتية، لذلك يطلب القوة من فوق بالصلاة. وإذا خرج الشيطان لا يفتخر بإخراجه. لأن ذلك ينسحق فيه الإنسان ويتذلل أمام الله بالاتضاع، ويشعر بضعفه..
والشياطين كانت بالاتضاع، تهرب أمام القديس أنطونيوس.
القديس أنطونيوس أبو الرهبنة كلها، عندما كان الشياطين يحاربونه بعنف، كان يرد عليهم باتضاع قائلًا: "أيها الأقوياء، ماذا تريدون مني أن الضعيف؟ أنا عاجز عن مقاتلة أصغركم". وكان يصلي إلى الله ويقول: "أنقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء، وأنا تراب ورماد". فعندما كان الشياطين يسمعون هذه الصلاة الممتلئة اتضاعًا، كانوا ينقشعون كالدخان. حقًا لقد أتقن القديسون الاتضاع بمثل هذه الصورة العجيبة..
ولم يتضعوا فقط أمام الله والناس، بل حتى أمام الشياطين. وهزموهم باتضاعهم.
كما رأينا في سيرة القديس الأنبا أنطونيوس، وفي سيرة القديس مقاريوس الكبير، وكما نرى في سير باقي القديسين.
ولعل عظمة الاتضاع تظهر جلية. عندما نتأمل بشاعة الرذيلة المضادة له، أعني الكبرياء والعظمة:
الكبرياء أحدرت من السماء ملاكًا بهيًا، وحوّلته إلى شيطان.
حقًا، إن أول خطية عرفها العالم هي الكبرياء، التي سقط بها الشيطان. وقصة سقوطه سجلها إشعياء النبي، في قول الوحي الإلهي لهذا الملاك الساقط: "وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات. أرفع كرسيّ فوق كواكب الله.. أصير مثل العليّ. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسفل الجب" (اش 14: 13، 14).
وبنفس سقطه الكبرياء، أغوى أبوينا الأولين.
كما قال في قلبه "أصير مثل العليّ"، هكذا قال لأبوينا الأولين "تصيران مثل الله، عارفين الخير والشر" (تك 3: 5). من هنا يبدو أن الكبرياء لا تكتفي مطلقًا، بل تريد أن تعلو باستمرار، مهما كانت درجتها عالية.. حتى إن كان الواحد ملاكًا في درجة الكاروب، مملوءًا حكمة وكامل الجمال (حز 28: 14، 12)، أو كان صورة الله في شبهه (تك1: 26، 27). يريد أيضًا أن يعلو ويرتفع. ولكنه في هذه الكبرياء يهبط إلى أسفل حسبما قال الرب.
"كل من يرفع نفسه يتضع. ومن يضع نفسه يرتفع" (لو14: 11).
الملاك لما أراد أن يرتفع، انحدر إلى الهاوية إلى أسافل الجب، وفقد مكانته كملاك، وصار شيطانًا.. والإنسان -وهو صورة الله- لما أراد أن يرتفع، فقد صورته الإلهية، وطُرد من الجنة، وعانى ما عانى.. ولعل أصعب شيء يتعرض له المتكبر، ان الله نفسه يقف ضده. لذلك ما أخطر قول الكتاب:
"يقاوم الله المستكبرين" (يع4: 6).
في نفس الوقت الذي أشفق فيه الله على الخطاة والعشارين، وقادهم إلى التوبة، يقول الرسول إن الله يقاوم المستكبرين.. وهؤلاء الذين يقاومهم الله، ما مصيرهم؟! فهل تريد أن تعرض نفسك إلى مقاومة الله نفسه لك؟! يعزينا النصف الثاني من نفس الآية، حيث يقول: "وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة".
ليتنا نخاف من قول الوحي الإلهي في سفر إشعياء:
"إن لرب الجنود يومًا على كل متعظم وعالِ، وعلى كل مرتفع فيوضع.. وعلى كل أرز لبنان العالي، وعلى كل بلوط باشان.. وعلى كل الجبال العالية - وعلى كل التلال المرتفعة.. فيخفض تشامخ الإنسان، وتوضع رفعة الناس. ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم" (إش2: 12 - 17).

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:34 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
ما هو التواضع؟

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...--Dust-001.jpg

ليس التواضع أن تنزل من علوك, أو تتنازل إلى مستوى غيرك.

ليس التواضع أن تشعر أنك على الرغم من عظمتك, فإنك تتصاغر أو تخفى هذه العظمة. فشعورك أنك كبير أو عظيم, فيه شيء من الكبرياء. وشعورك أنك في علو تنزل منه, ليس من التواضع في شيء. وشعورك بأنك تخفى عظمتك, فيه إحساس بالعظمة, إحساس بعظمة تخفيها عن الناس. ولكنها واضحة أمام عينيك..

إن الله هو وحده العالى, وهو وحده الذي يتنازل من علوه. هو الخالق. أما الباقون فهم تراب ورماد..

إنما التواضع بالحقيقة كما قال الآباء. فهو معرفة الإنسان لنفسه.

فتعرف من أنت؟ إنك من تراب الأرض. بل التراب أقدم منك. كان قبل أن تكون. خلقه الله أولًا, ثم خلقك من تراب.
أتذكر أننى ناجيت هذا التراب ذات مرة, في أبيات قلت فيها:

يا تراب الأرض يا جدى وجدّ الناس طرا

أنت أصلى أنت يا أقدم من آدم عمرا

ومصيرى أنت في القبرِ، إذا وُسدت قبرا

بل أنك يا أخى إذا فكرت في الأمر باتضاع. تجد أن هذا التراب لم يغضب الله, كما أغضبته أنت بخطاياك.



إعرف أنك لست فقط ترابًا. بل أنت أيضًا خاطئ وضعيف.

على أن تكون هذه المعرفة يقينية, بشعور حقيقي غير زائف داخل نفسك.. حتى وأنت في عمق قوتك, تدرك أن هذه القوة ليست منك. بل هي منحة سماوية لك من الله الذي يسند ضعفك. ولو تخلت عنك نعمته لحظة واحدة, لكنت تسقط كما سبق لك أن سقطت.



نقول ذلك, لأن كثيرين لهم مظهرية الإتضاع, بينما قلوبهم في الداخل ليست متضعة..

كثيرون يتحدثون بألفاظ متضعة.. وهذه الألفاظ ربما تزيدهم علوًا في نظر الناس. وهم يعرفون ذلك وربما يريدونه! وقد يقول الشخص منهم إنه خاطئ وضعيف. ولكن إن قال له أحد إنه خاطئ وضعيف, يثور ويغضب. ولا يحسبه من أحبائه, بل يتغير قلبه من نحوه..!

إذن التواضع الحقيقي, هو تواضع من داخل النفس أولًا..

باقتناع قلب. لا عن تظاهر أو رياء. وليس لأن هذا هو الثوب الذي ترتديه لتبدو أمام الناس بارًا. إنما لأنك تدرك تمامًا عن نفسك ببراهين وأدلة عملية أنك خاطئ وضعيف بحسب خبرات حياتك من قبل.



ولا يقتصر الأمر على معرفتك لنفسك أنك هكذا, إنما أيضًا:

تعامل نفسك حسب ما تعرفه عنها من خطأ ونقص وضعف:

تعرف عن نفسك أنك خاطئ, وتعامل نفسك كخاطئ. وإن عاملك الناس كخاطئ, تقبل ذلك, ولا تغضب ولا تتذمر, ولا ترد بالمثل, شاعرًا أنك تستحق ذلك، . وإن لم يعاملوك بحسب خطاياك بسبب أنهم لا يعرفونها, فعليك أن تنسحق من الداخل, وتشكر الله بقلبك على معاملة أنت لا تستحقها منهم, ولا منه لأنه سترك ولم يكشفك لهم..



إن كان الأمر هكذا, فالمتواضع لا يجرؤ مطلقًا على أن يمدح نفسه.

إنه لا يرى فقط أنه خاطئ وضعيف, بل انه أكثر الناس خطأً وضعفاَ, على الأقل بالنسبة إلى الإمكانيات التي أتيحت له ولم يستغلها. لذلك فهو لا يرى مطلقًا أنه أفضل من أحد, وإن بدا أنه الأفضل في نقطة معينة, فهو الأضعف في نقاط أخرى كثيرة يعرفها عن نفسه. ولهذا فهو لا يدين أحدًا.



بل إنه باستمرار يتخذ المتكأ الأخير, حسب وصية الرب (لو 14: 10).

وليس المقصود هو المتكأ الأخير من جهة المكان, إنما من جهة المكانة. وكما قال الشيخ الروحاني: "فى أي موضع حللت فيه, كن صغير أخوتك وخديمهم". وقيل "كن آخر المتكلمين, ولا تقطع كلمة من يتكلم لكي تتحدث أنت".."وحاول أن تتعلم, لا أن تعلّم غيرك وتظهر معارفك".



والإنسان المتضع يجب أن يعمل الفضيلة في الخفاء.

وذلك حسبما أمر الرب (مت 6). ولذلك لا يوافق الاتضاع مطلقًا, أن يتحدث أحد عما يقوم به من أعمال فاضلة, أو ما يحدث له من رفعة.

إن بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة, وسمع كلمات لا يُنطق بها, لم يقل إن ذلك قد حدث له, إنما قال "أعرف إنسانًا في المسيح يسوع.. أفي الجسد لست أعلم, أم خارج الجسد لست أعلم, الله يعلم.. أُختطف هذا إلى السماء الثالثة.. أُختطف إلى الفردوس. وسمع كلمات لا يُنطق بها" (2كو 12: 2 4).

إن الفضيلة في المتضع, مثل كنز مخفي في حقل.

وما أكثر القصص التي يحكيها لنا تاريخ القديسين عن أولئك المتواضعين الذين أخفوا فضائلهم, وأخفوا معرفتهم, بل أخفوا ذواتهم أيضًا. وعاشوا مجهولين من الناس, ويكفى أنهم كانوا معروفين عند الله. وكان ينطبق عليهم قول الرب في سفر النشيد "أختى العروس جنة مغلقة, عين مقفلة, ينبوع مختوم" (نش 4: 12).. كالقديسة العذراء مريم: كانت كنزًا للرؤى والاستعلانات. ومع ذلك ظلت صامتة "تحفظ كل تلك الأمور, متأملة بها في قلبها" (لو 2: 51).

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:35 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
تطويب الآباء والقديسين للتواضع

  1. بعض أقوال الآباء
  2. أقوال عن التواضع (2)
  3. بعض الأقوال عن الاتضاع (3)
  4. من أقوال القديسين عن الاتضاع (4)

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:37 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
بعض أقوال الآباء


https://st-takla.org/Pix/Saints/01-Co...Soriany-01.jpg
* لما سئل القديس مقاريوس "أى الفضائل أعظم؟" أجاب "كما أن التكبر أسقط ملاكًا من علوه وأسقط الإنسان الأول, كذلك الإتضاع يرفع صاحبه من الأعماق". أليس هو المقيم المسكين من التراب ليجلس رؤساء شعبه" (مز 113) "أنزل الأعزاء عن الكراسى, ورفع المتضعين" (لو 1: 52).



* قال القديس أغسطينوس: المتواضعون كالصخرة, تنزل إلى أسفل, ولكنها ثابتة وراسخة.. أما المتكبرون فإنهم كالدخان يعلو إلى فوق ويتسع. وفيما هو يعلو ويتسع, يضمحل ويتبدد..



* وقد قدّم القديسون مثالًا آخر عن التواضع والكبرياء, فقالوا:

إن غصن الشجرة المحمل بالثمار, يكون منحنيًا من ثقل ما يحمل. أما الغصن الفارغ فيكون مرتفعًا!

وهناك تشبيه آخر وهو الأساس والبناء: فالأساس يعمل في اختفاء, وهو غير ظاهر, تحت الأرض لا يراه أحد. ولكنه يحمل البناء كله في إنكار ذات.. وفي نفس الوقت يقدّم البناء في كرامة. فيمدح الناس البناء لأنه ظاهر أمامهم. ويندر أن يفكر أحد في مدح الأساس المخفى.




* قال الأنبا موسى: تواضع القلب يتقدم الفضائل كلها. كما أن الكبرياء أساس الشرور كلها.



* وقال مار اسحق: الذي يعرف خطاياه, خير له من نفعه الخليقة كلها بمنظره. والذي يتنهد كل يوم على نفسه بسبب خطاياه, خير من أن يقيم الموتى.. والذي استحق أن يبصر خطاياه, خير له من أن يبصر ملائكة.



* وقال أحد القديسين: تشبه بالعشار لئلا تُدان مع الفريسى.

* وقال قديس آخر: إنى أفضل أن أكون مهزومًا باتضاع, على أن أكون منتصرًا بافتخار.

* وفي إحدى المرات قال أخ للقديس تيموثاوس "إنى أرى فكرى مع الله دائمًا". فأجابه: الأفضل من ذلك أن ترى نفسك تحت كل الخليقة.



* قال شيخ: الإتضاع خلّص كثيرين بلا تعب. وتعب الإنسان بدون اتضاع يذهب باطلًا. لأن كثيرين تعبوا فاستكبروا وهلكوا.

* وقال آخر: إن نزل الاتضاع إلى الجحيم, فإنه يصعد حتى إلى السماء. وإن صعدت العظمة إلى السماء, فإنها تنزل إلى الجحيم.



* وقال أنبا بيمن: "كما أن الأرض لا تسقط لأنها كائنة إلى أسفل, هكذا من يضع نفسه لا يسقط".



* قال مارأوغريس: إن الشياطين تخاف من المتواضع لأنهم يعرفون أنه قد صار مسكنًا للرب"،. وقال أيضًا "كما أن كثرة الأثمار تضع أغصان الأشجار, كذلك كثرة الفضائل تضع قلب الإنسان".

* سئل شيخ: "كيف أنه يوجد أناس يقولون إننا نرى ملائكة؟" فأجاب: طوباه الذي يرى خطاياه كل حين.



قال سمعان العمودى: "الاتضاع هو مسكن الروح وموضع راحته. والمتواضع لا يسقط أبدًا. إذ كيف يسقط, وضميره وفكره تحت جميع الناس..؟! سقوط عظيم هو الكبرياء. وعلو عظيم هو الاتضاع. فلنعوّد نفوسنا من الآن أن نتمسك بالإتضاع ونجعله لنا عادة, حتى إن كان قلبنا لا يشاء.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:37 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
أقوال عن التواضع (2)
https://st-takla.org/Gallery/var/albu...e-Short-05.jpg


* قال القديس دوروثيئوس: في الواقع لا يوجد أقوى من التواضع, لأنه لا شيء يمكن أن يقهره.



* قال ماراسحق: الشجرة الكثيرة الأثمار, تنحنى أغصانها من كثرة أثمارها, ولا تتحرك مع كل ريح. والشجرة العادمة الثمر تتشامخ أغصانها, ومع كل ريح تتحرك.

* وقال أيضًا: مقبول عند الله سقوط باتضاع وندامة, أكثر من القيام بافتخار.



* قال أحد الآباء: لما اشتهى الإنسان الأول مجد الألوهية حسب قول الشيطان تصيران مثل الله (تك 3: 5), حينئذ فقد الإنسان مجد البشرية كما خُلقت على صورة الله (تك 1: 27).



* في إحدى المرات قال القديس يوحنا القصير للأخوة "من الذي باع يوسف الصديق؟" فقالوا له "أخوته". فقال "ليس أخوته الذين باعوه, لأن تواضعه هو الذي باعه. لأنه كان قادرًا أن يقول للذي اشتراه إنه أخوهم, ولكنه سكت, وباتضاعه بيع, وصار مدبرًا لمملكة مصر".




* قال القديس برصنوفيوس: إن هذه الفضائل الثلاث الآتية جليلة جدًا. ومن يقتنيها يستطيع أن يسكن في وسط الناس وفي البرارى وحيثما أراد. وهى: أن يلوم الإنسان نفسه, ويقطع هواه, ويصير تحت كل الخليقة.

* وقال أيضًا: إن المتضع كائن في أسفل. والذي هو في أسفل, لا يسقط. أما المتعالى فهو الذي يسقط بسرعة.



* وقال ماراسحق: من سعى وراء الكرامة, هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة, سعت إليه.

* وقال أيضًا: كلما يحقّر المتواضع نفسه ويرذل ذاته, كلما تتوافر كرامته عند سائر الخليقة.

* وقال أيضًا: المتواضع لا يبغضه أحد, ولا يحزنه بكلمة, ولا يزدرى به. لأن سيده جعله محبوبًا عند الكل. كل أحد يحبه. وكل موضع يوجد فيه, فمثل ملاك الله ينظرون إليه, ويفرزون له الكرامة.

يتكلم الحكيم أو المتفلسف ويسكتونه. ويعطون فرصة للمتواضع أن يتكلم،. وآذان الجميع منصتة إلى منطق فمه, يفتشون على معنى فهمه. وكلامه حلو في مسامع الحكماء أشهى من الشهد لذوق آكله.

إن كان الإتضاع يعلى شأن الأمى والذي لا علم له, فالقوم الأجلاء الأماثل, كم كرامة تظن الإتضاع يسببها لهم!



* سئل القديس يوحنا الأسيوطى "من هو الإنسان الكامل في المعرفة؟" فأجاب: هو الذي يحسب جميع الناس أفضل منه.

* وقال أيضًا "إن عاملنا أنفسنا كخطاة, لا ندان كخطاةً.

وقال أحد الآباء: إن قال أحد لرفيقه "اغفر لى" وهو متضع في قلبه, فإن الشياطين تحترق.



* وقال القديس أوغسطينوس: على قدر ضخامة البناء الذي يُشيد, ينبغى أن يكون عمق الأساس الذي يُحفر إلى أسفل. وكلما يرتفع البناء, هكذا ينبغى أن ينخفض الأساس. فإذا كانت القمة عالية جدًا, وهي رؤية الله وملكوته وسمائه, يجب إذن أن نعمّق الأساس, ننزل إلى تحت بالإتضاع.. وهكذا ترى البناء أولًا تحت, قبل أن يكون فوق. والقمة لا ترتفع إلا بعد الإتضاع.

* وقال أيضًا: إن الاتضاع هو الفضيلة المعتبرة بوجه خاص في مدينة الله, إذ كانت بوجه خاص من مميزات المسيح ملكها. وهو أوصى بها سكانها أثناء غربتهم الحالية على الأرض. وبنفس الوضع تكون الكبرياء التي هي الرذيلة المضادة لهذه الفضيلة, وهي المسيطرة بوجه خاص على الشيطان مقاوم المسيح, هي المميزة لمدينة الشيطان.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:39 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
بعض الأقوال عن الاتضاع (3)

* وقال القديس بلاديوس عن إيمان أحد كهنة الأوثان:
"وذهب وصار راهبًا. ومن بداية حياته تمسك جدًا بالاتضاع. وكان يقول: إن التواضع يستطيع أن يبطل كل قوة المعاند. كما سمعت من الشياطين الذين كانوا يقولون: كلما نثير الرهبان يتحولون إلى التواضع, ويعتذرون بعضهم لبعض. وهكذا يبطلون كل قوتنا.
* وقال الشيخ الروحاني: ذخيرة المتضع داخله, أي الرب.
وقال أيضًا: من لا يحبك أيها المتضع الطيب, إلا المفتخر والمتقمقم الذي أنت غريب عن عمله؟! تأملوا أولئك الجبابرة آبائنا: كيف طرقوا لنا الطريق, إذ لبسوا التواضع الذي هو رداء المسيح. وبه رفضوا الشيطان وربطوه بقيود الظلمة.
* أنبا تادرس الذي كان بقيود صلاته يربط الشياطين خارج قلايته, كان يجعل نفسه آخر جميع الناس. ومن الخدمة الكريمة كان يهرب.
* حقًا إن مسكن الله هو نفس المتواضع, كما قال القديس مار أوغريس: "يطأطئ المتواضع رأسه بروح منسحقة, ويصير مسكنًا للثالوث القدوس".
* وقال القديس سمعان العمودي: الاتضاع هو مسكن الروح وموضع راحته.

* وقال مارافرام: نجاح عظيم وشرف مجيد هو الاتضاع, وليست فيه سقطة.
* وقال ماراسحق: الاتضاع يتقدم النعمة. والعظمة تتقدم التأديب.
أما عبارته الأولى, فتوافق قول القديس يعقوب الرسول "يقاوم الله المستكبرين. أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6). ذلك لأن المتواضعين إذا عملت فيهم النعمة ونجحوا, لا ترتفع قلوبهم بسبب نجاحهم, بل يقول كل منهم مع القديس بولس الرسول "ولكن لا أنا, بل نعمة الله التي معى" (1كو 15: 10). ويذكرون باستمرار قول الرب "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). بعكس ذلك المتكبر: فإنه كلما عملت فيه النعمة عملًا, ينسبه إلى نفسه فيزداد كبرياءً!
أما قول ماراسحق "إن العظمة تتقدم التأديب, فلعله اعتمد فيها على ما قيل في سفر الأمثال:
"قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18).
ذلك لأن المتكبر حينما ينتفخ قلبه, تتخلى عنه النعمة فيسقط, حتى يشعر بضعفه فيتضع, ولا يعود ينسب كل نجاح إلى قدرته وكفاءته وذكائه.. ناسيًا عمل الله فيه! وأيضًا يسقط هذا المتكبر, لأن الله يقاوم المستكبرين كما قال الرسول (يع 4: 6)،.ولأن المستكبرين لا يضعون الله أمامهم, ولا يعطون مجدًا لله, كما فعل هيرودس الملك "فضربه ملاك الرب وصار يأكله الدود ومات" (أع 12: 23). هكذا تكون نهاية المتكبرين.
* وللقديس أوغسطينوس تأملات في بعض المزامير الخاصة بالاتضاع:
* مثل "قريب هو الرب من المنكسري القلوب, ويخلص المنسحقي الروح" (مز 34: 18). وأيضًا " الرب عالٍ ويعاين المتواضعين" (مز 38: 6), وكذلك "من مثل الرب إلهنا الساكن في الأعالي والناظر إلى المتواضعات في السماء وعلى الأرض. المقيم المسكين من التراب, والرافع البائس من المزبلة ليجلسه مع رؤساء شعبه" (مز 113: 5 8).
* فيقول القديس أوغسطينوس: سرّ عظيم يا أخوتي: الله هو فوق الكل. ترفع نفسك فلا تلمسه. تضع ذاتك فينزل إليك..
إن الله يسكن في الأعالي في السماء. هل تريد أن يقترب إليك؟ اتضع.
لأنه على قدر ما ترتفع نفسك, على قدر ما يرتفع هو عنك. أنت تعلم أن الله عالٍ. فإن جعلت ذاتك عاليًا مثله, فسيبعد عنك..
الله عالٍ, ويعاين الأشياء المتواضعة في السماء وعلى الأرض. فهل هذه الأشياء المتواضعة التي يعاينها, هي ذات مسكنه العالي, لأنه هكذا يرفع المتواضعين. لذلك فهو يسكن في أولئك الذين يرفعهم إلى الأعالي, ويجعلهم سموات لنفسه.. إنه الرب العالي الساكن في قديسيه.
فإن كان الرب إلهنا يعاين متواضعات أخرى في السماء غير التي يعاينها على الأرض, فإني أفترض أنه يعاين في السموات المتواضعين الذين دعاهم والذين يسكن فيهم. بينما على الأرض يعاين الذين يدعوهم لكي يسكن فيهم.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:41 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
من أقوال القديسين عن الاتضاع (4)

قال القديس دوروثيئوس:
"الذي يبنى بيتًا, لابد أن يضع ملاطًا (مونة) على كل حجر. لأنه إن وضع حجرًا على حجر بدون ملاط, فإن الحجارة تسقط والبيت ينهار. فإن كانت الحجارة في بناء النفس هي الفضائل, فإن الملاط يكون هو التواضع. حيث أنه يؤخذ من الأرض, وهو تحت قدمي كل أحد.. وكل فضيلة تمارس بدون تواضع, ليست هي فضيلة".
* وصدق القديس دوروثيئوس. لأن الآباء قد قالوا: كل فضيلة يعملها الإنسان بدون اتضاع, تكون طعامًا لشيطان المجد الباطل.
* وفي ذلك قال ماراسحق أيضًا: كما أن الملح يصلح لجميع المآكل, هكذا هو الاتضاع لكل الفضائل. لأن بدونه باطل هو كل عمل وكل فضيلة.
* قال القديس باسيليوس الكبير:
التواضع هو الكنز الذي يحفظ جميع الفضائل..
* وقال القديس مارأوغريس:

"التواضع هو عطية من الثالوث القدوس. هو طريق الملائكة, ونار على الشياطين.. وهو غنى لا يُسرقْ.
* ويتفق ماراسحق مع مارأوغريس في أن الاتضاع عطية من الله. فيقول "التواضع هو موهبة عظيمة. هل يمكن أن يكون إنسان هكذا "مرذولًا في عيني نفسه"؟! هل يستطيع الطبع أن يغير ذاته هكذا؟! لأجل هذا لا تشك أن التواضع قوة سرّية, حيث لا يتحايل إنسان أن يكون هكذا, بغير تغصب من كل قلبه.
* وقال القديس أوغسطينوس:
.. فلنتمسك بالاتضاع. إن لم يكن لنا حتى الآن. فلنتعلمه. وإن كان لنا, فلا نفقده.. ولنقبل في هذا العالم وصية الاتضاع, لكي نستحق في العالم الآخر أن نقبل الرفعة التي وُعد بها المتضعين.
* قال مارأوغريس:
الاتضاع سياج يحفظ الصاعد.. وهكذا إذا ارتفعت إلى علو الفضائل, فأنت تحتاج إلى تحفظ كثير. لأن الذي على الأرض إن سقط, فإنه يقْوم سريعًا. وأما الذي يسقط من العلو, فإنه يعذب إلى الموت.
* قال مارافرام السرياني:
فليؤدبك رسم الذي يكنس بيته: إذا يطأطئ إلى الأرض وينظفه. فكم بالأكثر يحتاج الإنسان أن يطأطئ باهتمام كثير ويتضع من أجل تنظيف النفس, ولا يترك فيها الأشياء التي يمقتها الله.
* وقال أيضًا: في النفس المتواضعة يسكن الآب والابن والروح القدس.، وفي الكبرياء يسكن القائل "لأصعدن إلى السماء وأجلس في الجبل الشامخ, وأرتقي فوق الغيوم, وأصير مثل العلى" (أش 14).
* وقال ماراسحق:
* الذي يتكلم على المتواضع بالازدراء والاستهزاء, لا يحسبونه من الأحياء, بل كإنسان قد أطلق لسانه على الله.
* وقال أيضًا: حتى الشياطين مع جميع شرورها وافتخار قلوبها إذا دنت من المتواضع, صارت مثل التراب, وبطُل شرها جميعه وكل حيلها وأعمالها.
* وقال أيضًا: من ذا الذي لا يستحى من رؤية المتواضع؟!
* قبل أن يظهر مجد التواضع, كان منظره المملوء قدسًا محتقرًا من كل أحد. أما وقد ظهرت عظمة الاتضاع في العالم كله, فإن كل أحد يوقر ويكرم هذا الشبه.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:43 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
حث على الاتضاع

* في إحدى المرات سأل أحد الأخوة القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة قائلًا: "قل لنا عن منظر من المناظر التي تراها لنستفيد منه".
فأجابه القديس: إن من كان مثلي خاطئًا لا يُعطي مناظر. ولكن إن شئت أن ترى منظرًا بهيًا يفيدك بالحق، فإني أدلك عليه وهو: إذا رأيت إنسانًا متواضعًا بقلبه طاهرًا، فهذا أعظم من سائر المناظر. لأنك بواسطته تشاهد الله الذي لا يُرى. فعن أفضل من هذا المنظر لا تسأل (يقصد أنه يرى في هذا الإنسان صورة الله المتواضع).
* قال القديس أوغسطينوس:
أنت تريد أن تحصل على كل شيء. اطلب ذلك عن طريق الاتضاع:
لما قالت المرأة الكنعانية "نعم يا رب، ولكن الكلاب تأكل من الفتات الساقط من مائدة أسيادها" سمعت قوله "يا امرأة عظيم هو إيمانك" (مت15: 27- 28).
وأيضًا لما قال قائد المائة "لست مستحقًا أن تدخل تحت سقف بيتي" قال الرب "الحق لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا عظيمًا مثل هذا" (لو7: 6-9).

فلنتمسك بالاتضاع: إن لم يكن لنا حتى الآن، فلنتعلمه. وإن كان لنا فلا نفقده.
* قال أنبا ابراكسيوس:
إن شجرة الاتضاع التي ترتفع إلى العلاء هي التواضع.
وقال أيضًا: تشبه بالعشار، فلا تدان مع الفريسي.
* وقال الأنبا أنطونيوس:
أحب الاتضاع، فهو يغطي جميع الخطايا.
* وقال الأنبا برصنوفيوس:
اقتنِ الاتضاع، فإنه يكسر جميع فخاخ العدو.
* وقال الأنبا باخوميوس:
اسلك طريق الاتضاع، لأن الله لا يرد المتواضع خائبًا. لكنه يُسقط المتكبر، وتكون سقطته شنيعة.
احذر من تكبر القلب، لأنه أشنع الرذائل كلها.
* وقال أيضًا: كن متواضعًا لتكون فرحًا. لأن الفرح يتمشى مع الاتضاع. كن متضعًا ليحرسك الرب ويقويك. فإنه يقول إنه ينظر إلى المتواضعين. كن وديعًا، لكي يملأك الرب حكمة ومعرفة وفهمًا. لأنه مكتوب أنه يهدي الودعاء بالحكم، ويعلم المتواضعين طرقه.
* وقال أنبا يوحنا القصير:
يجب قبل كل شيء أن نقوم بالتواضع. لأن هذه هي الوصية الأولى التي قال ربنا عنها "طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السموات" (مت5: 3).
* وقال الشيخ الروحاني:
تسربل يا أخي بالتواضع في كل وقت، لأنه يُلبس نفسك المسيح معطيه.
* وقال مار اسحق:
حِب الاتضاع في كل تدابيرك، لتخلص من الفخاخ التي لا تُدرك، الموجودة في كل حين خارج السبل التي يسلك فيها المتضعون.
* وقال أيضًا: لا تلتمس أن تُكرم وأنت مملوء من الداخل جراحات. ابغض الكرامة فتكرم. ولا تحبها لئلا تُهان.
من عدا وراء الكرامة هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة قصدته، وأنذرت كافة الناس باتضاعه.
* وقال أيضًا: تواضع في علوك، ولا تتعاظم في حقارتك.. ضع ذاتك، وصغّر قدرك عند جميع الناس. فتعلو على الرؤساء في هذا العالم.
كن أميًا في حكمتك. ولا تتظاهر بالحكمة وأنت أمي.
* وقال كذلك: أيها الإنسان الشقي: إن أردت أن تجد الحياة، تمسك بالإيمان والتواضع، لكي تجد بهما رحمة ومعونة وصوتًا من الله في قلبك.. وإن أردت أن تقتني هذين.. تمسك من مبدأ أمرك بالبساطة. واسلك قدام الله بسذاجة وليس بمعرفة.
* وقال الشيخ الروحاني:
يقول النبي: الويل للحكيم في عيني نفسه.. فكن مثل عبد عند مواليه، وليس مثل أخ عند أخوته..
كن الأول في الأعمال التي يترفع عن عملها غيرك. وكن آخر من يرتب الأمور ويدبرها.
ألبس التواضع في كل حين، وهو يجعلك مسكنًا لله.
* وقال أيضًا: كما ينبغي للشاب الصوم والنسك، هكذا ينبغي للشيوخ الاتضاع والتنازل. لأجل أنه دائمًا يلصق بهم الظن والمجد الباطل. وإلى جهاد النفس يحتاجون، أكثر من جهاد الجسد.
* وقال أيضًا: الكنز المخفي في الأرض لا ينقص، ولا يُخاف عليه من السارقين. وكنز المعرفة داخل القلب، ما تسلبه أفكار المجد الباطل.
وقال مار إفرآم:
كما أن الجسد يحتاج إلى ثوب، سواء كان الجو دافئًا أو باردًا.. كذلك النفس على الدوام تحتاج إلى رداء الاتضاع.
قنية نفيسة هي تواضع العقل.. اختر أن تمشي عاريًا حافيًا، من أن تتعرى منه. فإن الذين يحبون التواضع، يسترهم الرب.
* وقال أيضًا: إذا شاهدت نفسك مكللًا بالفضائل وعاليًا فيها، فحينئذ تحتاج بالأكثر إلى تواضع العقل، لكي تضع أساسًا سليمًا لعملك، ويثبت البناء مصانًا غير متزعزع.
* لا تعظّم شأن نفسك، لأنه ربما توافيك محنة فتوبخ الظانين فيك حسنًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.حب التواضع فإنه سور لا يُنقب قدام العدو، وصخرة صادمة تكسر حيل الشيطان.
* قال القديس مقاريوس الكبير:
الصوم بدون صلاة واتضاع، يشبه نسرًا مكسور الجناحين.
* وقال مار اسحق:
إذا سلكت في عمل الفضيلة حسنًا، ولم تحس مذاقة معونتها، فلا تعجب من ذلك. لأنه إن لم يتضع الإنسان، لن يأخذ مكافأة عمله. المكافأة ليست تُعطى للعمل، بل بالاتضاع. والذي فقد الاتضاع، فقد ضيّع تعبه وعمله.
وقال أيضًا: إن عبرت على جميع منازل الفضيلة، فإنك لن تصادف راحة من تعبك، ولا انعتاقًا من حيل أعدائك، إلى أن تصل إلى منزل الاتضاع.
* قال القديس الأنبا أنطونيوس:
"إن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله. وإن ذكرنا خطايانا، لا يذكرها لنا الله".
لذلك احذر من أن تنسى خطاياك، لئلا تنتفخ وتظن في نفسك الظنون، أو تصير بارًا في عيني نفسك.
وإن حوربت بالبر الذاتي والكرامة، فقل لنفسك: أنا لا استحق شيئًا بسبب خطاياي..
وإن كان الله من فرط محبته ورحمته قد ستر خطاياي على الناس، لكنني أعرفها جيدًا ولا أنساها، لئلا أتكبر باطلًا.
* قال القديس أيسوذورس:
إن شرف التواضع عظيم، وسقوط المتعاظم فظيع جدًا. وأنا أشير عليكم أن تلزموا التواضع، فلن تسقطوا أبدًا.
* وقال القديس أوغسطينوس:
اتضع في إلهك المتضع، لكيما ترتفع في إلهك الممجد.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:44 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
احذر من التواضع الزائف

ليس التواضع مجرد كلمة، إنما هو حياة لها قواعدها الروحية، ولها ارتباط بعدد كبير من الفضائل تكون سببًا للاتضاع أو يكون الاتضاع سببًا لها.. وعلينا أن نتأمل كل هذا، ونعرف الوسائل التي توصلنا إلى التواضع ونمارسها.
وأولًا نعرف التواضع الحقيقي، ونبعد عن التواضع الزائف:
فكثيرون يستخدمون ألفاظ التواضع، وهم بعيدون كل البعد عن روح الاتضاع. وقد يقولون إنهم خطاة ضعفاء، ولا يحتملون إطلاقًا أن يقال لهم مثل هذا. وقد ينحنون برؤوسهم أمام غيرهم. وقلوبهم لا تنحني أبدًا ولا أفكارهم.
عجبت ذات مرة حينما قرأت افتتاحية إحدى المجلات القبطية. وكان الكاتب يتحدث عن تواضع السيد المسيح أثناء عماده، وكيف أنه أنحنى أمام المعمدان الذي هو اقل منه بما لا يقال. وذلك لكي يكمل كل بر.
وإذا بالكاتب يختم مقاله بعبارة "أعطنا يا رب نحن أيضًا أن ننحني أمام من هم أقل منا، لكي نكمل كل بر! مادام هو في أعماقه يعتقد أنهم أقل منه، فهل يُحسب انحناؤه اتضاعًا!!
بينما القلب مرتفع عليهم من الداخل ينظر إليهم في استصغار..؟!
وهناك قصة رواها يوحنا كاسيان عن القديس سرابيون الكبير:
وكيف أن أحد الرهبان الجائلين قد زاره. فلما دعاه القديس إلى أن يبدأ الصلاة أو التأمل في الكتاب، قال إنه غير مستحق. ولما دعاه إلى الجلوس على الحصير بدلًا من جلوسه على التراب، قال أيضًا إنه غير مستحق. ثم نصحه القديس أن يثبت في قلايته، ولا يجول هنا وهناك، حينئذ لم يحتمل، وأحمر وجهه مثل السبع. فقال له القديس سيرابيون.
"ليس التواضع يا ابني، أن تلوم نفسك ملامة باطلة..! إنما التواضع هو في احتمالك الملامة التي تأتيك من الآخرين".
ولعل حكمة القديس تظهر في أن البعض قد يصف نفسه بأوصاف متضعة، هو لا يعتقدها في نفسه، .أو أنه يصف نفسه بالخطية والضعف، لكي يقول الناس عنه إنه متواضع، فيكسب بذلك مدح الآخرين!! ولو قيلت عنه هذه الصفات لغضب. ولو عرف أن الناس سيصدقون ما يقول عن نفسه من عيب، ما كان يقول ذلك مطلقًا.
أما أنت فليكن لك التواضع الحقيقي باقتناع داخلي صادق أنك كذلك: فيك ما تصف به نفسك من نقص.
قال مار اسحق محذرًا من اتخاذ ألفاظ الاتضاع وسيلة للكبرياء:
"إن حقّرت نفسك لكي تكرم، الرب يفضحك..".
"وإن أنت امتهنت ذاتك لأجل الحق، فإن الرب يتقدم إلى براياه فيمدحونك، ويفتحون قدامك باب مجده الذي يتكلم به منذ الأزل، ويمجدونك كالباري لأنك بالحقيقية تكون على صورته ومثاله".

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:48 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
تواضع الله

أكلمكم اليوم عن أعظم مثل للتواضع، أو هو المثل الحقيقي للتواضع. وأعني به تواضع الله تبارك اسمه. وكيف ذلك؟
إن الله هو الوحيد الذي يمكن أن يتواضع بحق.
لأنه هو الوحيد العالي جدًا، الذي يتنازل من علوه..
أما الإنسان الذي هو تراب ورماد (تك18: 27)، والذي كان عدمًا قبل أن يكون ترابًا. الإنسان الذي كله خطية وإثم، ما هو معنى التواضع بالنسبة إليه؟ ليس هو في علو لكي ينزل منه، وليس في كمال حتى يخفيه.. إنما التواضع بالنسبة إليه، هو أن يعرف أصله ويعرف ضعفه، ويعرف خطيته. وكما قال أحد الآباء:
تواضع الإنسان هو أن يعرف نفسه..
أما الله فهو الكامل في عظمته، الكامل في قداسته وفي قدرته، غير المحدود في كماله.. فهو الوحيد الذي تليق به صفة التواضع. فكيف إذن ظهر تواضع الله، على قدر ما نفهم تواضعه؟ ونقصد تواضع الله بصفة عامة، وتواضع كل أقنوم على حده:
* كان الله متواضعًا في خلقه للكائنات. فلم يشأ أن ينفرد وحده بصفة الوجود، فمنح الوجود لغيره..
كان وحده منذ الأزل.. ولم يرد -في تواضعه- أن يظل وحده. فأشرك معه في الوجود ما لم يكن..
كثير من الناس -إن وُجد أحد منهم في عظمة أو في منصب- يجمع كل السلطة في يده، ولا يُشرك معه أحدًا في عمل أو تصرف..! أما الله، فلم يفعل هكذا، ولم يشأ أن ينفرد. ومنح العدم وجودًا. ومنح البعض منه حياة، بل أيضًا منحه قوة وسلطة!!
* ومنح البعض من مخلوقاته طبيعة سامية جدًا.
مثال ذلك الملائكة "المقتدرون قوة" كما وصفهم المرتل في المزمور (مز 103: 20). بل أن واحدًا منهم -سطانائيل- الذي صار شيطانًا فيما بعد، قال عنه الرب في سفر حزقيال النبي" أنت خاتم الكمال. ملآن حكمة، وكامل الجمال.. أنت الكاروب المنبسط المظلل.. أنت كامل في طرقك، من يوم خُلقت حتى وُجد فيك إثم" (حز28: 12- 15).
* ومن تواضع الله أن الكائنات التي تمردت عليه، لا يزال يبقيها حتى الآن، ويسمح أن يكون لها سلطان وقدرة!!
خذوا مثالًا ذلك الشيطان: تمرد على الله، وأراد أن يصير مثل العليّ (أش14:14). وأسقط معه عددًا كبيرًا من القوات السمائية، قيل إنهم ملائكته (رؤ12: 7). وكان بإمكان الله أن يفنيه. ولكن من تواضع الله أنه لم يقض على هذا العدو المقاوم، بل استبقاه. وترك له سلطانًا، كما قيل عن الأشرار "هذه ساعتكم وسلطان الظلام" (لو22: 53). والأكثر من هذا إنه صارت له قوة أن يصنع آيات وعجائب، كما قيل عن ضد المسيح في أيام الارتداد الأخير إن "مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2 تس2: 9، 10).
وكلما أتأمل كيف أن في العالم أناسًا يشتمون الله، ويجدفون عليه ليل نهار، وأناسًا ينكرون وجود الله، ولا يعترفون به، وأناسًا يعصون الله ويحرضون على عصيانه.. ومع ذلك يحتمل الله كل هذا السبّ والتجديف والعصيان، دون أن يفني مقاوميه.. أدرك في أعماقي مقدار التواضع العجيب الذي يتصف به الله..
* ومن تواضع الله، أنه يبعد عن مظاهر العظمة التي تجلب المديح وتبهر الناس. مثال ذلك ندرة استخدامه للمعجزات!
بإمكان الله أن يبهر الناس كل يوم وكل ساعة وكل لحظة بالمعجزات والآيات والعجائب، وبالرؤى والاستعلانات والظهورات المقدسة.. فيجعلهم يلهجون بمجده، ويسجدون أمام قدرته، وعلى الأقل يعترفون بوجوده. ولكنه مع ذلك لم يفعل! ويقتصر إجراء المعجزات على الضرورات النادرة..! إنه يريد أن يجذب الناس إليه بالحب والاقتناع وليس بالعجائب والمعجزات والعظمة..
* الله أيضًا في تواضعه، يسمح لأقل الناس أن يخاطبه!
عجيب أن يجد "التراب والرماد" فرصته ليتحدث مع الله، الله الذي تقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة والشاروبيم والساروفيم، وكل الجمع غير المحصى الذي للقوات السمائية، بكل توقير وخشية..
قد يجد الإنسان صعوبة في كثير من الأحيان، أن يتحدث مع تراب مثله، إن كان ذلك التراب له منصب عالٍ أو مركز كبير! أما الله فيمكنك أن تكلمه وأن تتفاهم معه. بل من الجائز أن تكلمه، وقد كسرت وصاياه منذ دقائق أو لحظات!
وفي تواضع الله، سمح أن يتحدث حتى مع أشر الخطاة!
تنازل وتكلم مع قايين، أول قاتل على وجه الأرض. ولما قال له قايين"إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض.. فيكون كل من وجدني يقتلني"، أجابه في عدل وعطف "كل من قتل قايين، فسبعة أضعاف ينتقم منه" (تك4: 14، 15).
وتنازل الله، فأرسل ملاكًا يتكلم مع بلعام.. وذلك الإنسان المضل الذي أعثر الشعب وألقى معثرة أمامه وجعله يخطئ (رؤ2: 14).، .سمح الله بتواضعه أن ينطلق الروح القدس على فمه بنبوءات تُعد من أشهر النبوءات عن التجسد (عد24: 17).. حتى أن هذا المضل قال عن نفسه "وحي بلعام بن بعور، وحي الرجل المفتوح العينين، وحي الذي يسمع أقوال الله، الذي يرى رؤى الله، مطروحًا وهو مكشوف العينين" (عد24: 3، 4) وقال إنه "يعرف معرفة العلي" (عد 24: 16)!
والله في تواضعه، يأخذ موقف من يستشير أنبيائه:

فعندما رأى أن "صراخ سادوم وعمورة قد كثر، وخطيئتهم قد عظمت جدًا" (تك 18: 20)، وأراد أن يهلكهم، قال "هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟!" (تك18: 17). ومن هو إبراهيم هذا الذي تريد أن تخبره قبل أن تُجري مشيئتك؟ أليس هو حفنة من تراب ورماد؟ كلا، يقول الرب، بل "إبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية، وتتبارك به جميع أمم الأرض" (تك18: 18).
ويعرض الرب على إبراهيم، ويعطيه الفرصة والحرية أن يجادله، وأن يقول له "عسى أن يكون خمسون بارًا في المدينة.. حاشا لك أن تفعل هذا الأمر، أن تبيد البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم! حاشا لك. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟!" (تك18: 24- 25). وتستمر المناقشة، ويقبل الرب الحوار، بل يقبل بتواضعه الجرأة في الحوار!
ويتكرر الأمر مع موسى النبي عندما أراد الرب أن يفني ذلك الشعب، الذي صنع عجلًا من ذهب وعبده (خر 32).
كان الرب قد قرر إفناء ذلك الشعب الخائن. ولكنه نادى موسى أولًا. وقال له فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر. زاغوا سريعًا عن الطريق الذي أوصيتهم به. صنعوا عجلًا مسبوكًا وسجدوا له، وذبحوا له، وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.. فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم.." (خر 32: 7- 10).
عجيب هو تواضع الرب في قوله لعبده موسى "أتركني..".
من هو هذا موسى يا رب الذي تطلب إليه أن يتركك لتنفذ مشيئتك؟! على أن موسى هذا لم يتركه ليغضب ويُفنى. بل قال له "والآن إن غفرت خطيتهم. وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر32: 32)!! وسمع الرب لموسى، ولم يفنهم.
يذكرني هذا الموقف بقصة الرب مع يعقوب وهو يصارعه: إذ قال الرب ليعقوب "أطلقني، فإنه قد طلع الفجر" فقال يعقوب "لا أطلقك حتى تباركني" (تك32: 26).
ونلاحظ في تواضع الرب مع إبراهيم وموسى نقطة هامة وهي:
* إن الله سمح لهما في حوارهما معه بألفاظ تبدو شديدة.
إبراهيم يقول للرب "حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر.. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟! (تك 18). وموسى يقول للرب "ارجع يا رب عن حمو غضبك واندم على الشر" لماذا يتكلم المصريون قائلين: أخرجهم بخبث، ليقتلهم في الجبال، ويفنيهم عن وجه الأرض!" (خر32: 12).
* إن الرب في تواضعه يسمح لنا أن نناقشه، بل يطلب منا ذلك بقوله: "هلم نتحاجج، يقول الرب" (أش1: 18).
هناك أناس لا يقبلون أن يناقشهم أحد فيما يصدرونه من أوامر ومن قرارات. يعتبرون ذلك كبرياء ممن يناقشهم، وتجاوزًا لحدوده. وإقلالًا من كرامتهم وهيبتهم. أما الله فإنه في تواضعه يقبل الحوار والنقاش:
أيوب الصديق يقول للرب "لا تستذنبني. فهمني لماذا تخاصمني؟ أحسن عندك أن تظلم، أن ترذل عمل يديك؟!" (أي10: 2، 3).
وإرميا النبي يقول له "أبرّ أنت يا رب من أن أخاصمك، . ولكني أكلمك من جهة أحكامك: لماذا تنجح طريق الأشرار؟ اطمأن كل الغادرين غدرًا!" (أر12: 1).
وداود النبي يعاتبه قائلًا "لماذا يا رب تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟!" (مز10: 1).
والرب يسمع كل هذا، بتواضعه وسعة صدر، ولا يغضب.
* ومن تواضع الرب إنه يرفع شأن أولاده. وقد يعطيهم ألقابه.
يقول لعبده موسى "أنظر. قد جعلتك إلهًا لفرعون (أي سيدًا له). وهرون أخوك يكون نبيك" (خر7: 1). ولما اعتذر موسى عن إرساليته، بحجة أنه ثقيل الفم واللسان، منحه هرون أخاه، وقال له "تكلّمه وتضع الكلمات في فمه، وأنا أكون مع فمك ومع فمه.. هو يكلم الشعب عنك، وهو يكون لك فمًا، وأنت تكون له إلهًا (أي توحي إليه) [خر4: 15-17].
وعندما أراد الله أن يكون لموسى سبعون شيخًا يساعدونه، قال له: "اجمع إليّ سبعين رجلًا من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه.. فأنزل أنا وأتكلم معك.. وآخذ من الروح الذي عليك، وأضع عليهم" (عد11: 16، 17).. وفعل الله هكذا (عد11: 25). كان يمكنه أن يمنحهم الروح مباشرة. ولكنه أخذ من الروح الذي على موسى ووضع على السبعين. فلما حلّ عليهم الروح تنبأوا (عد 11: 25). من تواضع الله، أراد أن يشعر أولئك الشيوخ أنهم من أتباع موسى، قد أخذوا من الروح الذي عليه..
وبنفس الوضع رفع الرب من شأن يوسف الصديق، وجعله أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، (تك45: 8).
* والشريعة التي هي شريعة الله، تسمى شريعة موسى.
وهكذا فإن داود الملك قال قبل وفاته لابنه سليمان، "أحفظ شعائر الرب إلهك.. كما هو مكتوب في شريعة موسى، لكي تفلح في كل ما تفعل.." (1مل2: 3). وسميت أيضًا "شريعة موسى" في سفر نحميا (نح8: 1). وفي سفر دانيال النبي (دا9: 11). إنها شريعة الله. ولكن من تواضعه سميت شريعة موسى.
وأسفار الأنبياء أيضًا سميت بأسمائهم، مع أنها كتب الله.
ولكن الله -من تواضعه- سمح أن تُطلق عليها أسماؤهم. فيقال سفر صموئيل النبي، وسفر إشعياء، وإرميا، وحزقيال، ودانيال، وملاخي.
وربنا يسوع المسيح يقول للكتبة والفريسيين "إن موسى -من أجل قساوة قلوبكم- أذن لكم بالطلاق" (مت19: 8).. مع أن الإذن صدر من الله.. ولكن لا مانع أن يُنسب إلى موسى، تواضعًا من الله، ورغبة منه في أن يرفع من شأن أولاده..
وبعد، يعوزنا في الحديث عن تواضع الله، أن نتحدث عن تواضع أقنوم الابن، وأقنوم الروح القدس.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:49 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
تواضع الابن | و تواضع الروح القدس


  1. تواضع الابن
  2. تواضع الروح القدس

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:52 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
تواضع الابن


1- أول شيء يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح إنه "لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه.." (في2: 6-8).. أي أنه أخلى نفسه من كل مظاهر العظمة والكرامة اللائقة بلاهوته، متخذًا صورة العبد. أي تواضع يمكن أن يُوجد أكثر من هذا؟!
وفي هذا التواضع حكمة التدبير الإلهي: فمادامت الخطية الأولى التي دخلت إلى العالم كانت هي الكبرياء سواء بالنسبة إلى الشيطان أو الإنسان، لذلك كان يليق بالمخلص أن يقهرها بالاتضاع..
وهكذا كان تجسده هو أعظم عمل في الاتضاع. وبه أخزى الرب تلك الكبرياء التي أغوى بها الشيطان أبوينا الأولين، بأن يصير مثل الله (تك3: 5). وردًا على أن يصير الإنسان مثل الله، صار الله في الهيئة كإنسان بتواضعه.
2- ومن اتضاع الرب أيضًا أنه وُلد في مزود بقر.


في مكان حقير، ومن أم فقيرة، خُطبت إلى نجار فقير. ومن قرية كانت "الصغرى في يهوذا هي بيت لحم" (مت2: 5، 6). ولم يخجل من أن يدعى ناصريًا، بينما يُقال في استعجاب "أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟!" (يو1: 36).
3- وفي تواضعه عاش بعيدًا عن المظاهر والألقاب:
رضي أن يهرب من سيف هيرودس إلى مصر، بينما كان يمكنه أن يبيد هيرودس. وعاش ثلاثين سنة بعيدًا عن الأضواء.
ومع أنه أقنوم الحكمة والمعرفة، "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو2: 3)، رضى أن يُقال عنه "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو2: 52).
وطوال فترة كرازته عاش "وليس له أين يسند رأسه" (لو9: 58). بلا أية وظيفة رسمية في المجتمع، يتبعه تلاميذ بسطاء، غالبيتهم من الصيادين والجهلة. ولما ذهب إلى أورشليم، ذهب إليها راكبًا على أتان" (مت21: 5).
4- وعاش أيضًا خاضعًا للناموس، ودعا إلى حفظه.
أليس هو القائل "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 17، 18).
وفي خضوعه للناموس اختتن في اليوم الثامن (لو2: 21). وفي يوم الأربعين لولادته "صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب، كما هو مكتوب في ناموس الرب" "ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب، زوج يمام أو فرخي حمام" (لو2: 22، 23).
وحسب الناموس لم يبدأ خدمته الرعوية إلا في الثلاثين من عمره.
وحسب السن الناضجة المفروضة في أي إنسان. مع أنه قيل عنه وهو في الثانية عشرة من عمره، وجدوه في الهيكل "جالسًا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه ومن أجوبته" (لو2: 46، 47).
5- ومن تواضعه أنه تقدم ليعتمد من يوحنا المعمدان.
كانت تلك معمودية التوبة. وما كان هو محتاجًا إليها وهو القدوس (لو1: 35) الذي في تجسده شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية. وقد قبل المعمودية من أحد خدامه، أعني يوحنا الذي حاول أن يعتذر عن ذلك قائلًا له "أنا المحتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليّ! فأجابه في اتضاع "اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت3: 14، 15). يقصد بر الناموس، وقد خضع له تواضعًا..
6- ومن تواضعه سمح للشيطان أن يجربه!
وليست تجربة واحدة بل ثلاث مرات على الجبل. وبلغ من عمق اتضاعه وإخلائه لذاته، أن الشيطان "أخذه إلى جبل عالٍ جدًا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له "أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي" (مت4: 8، 9). يا لجرأة الشرير ووقاحته في استغلاله لتواضع الرب. لذلك بعد أن ردّ الرب عليه بما هو مكتوب، أنتهره قائلًا "اذهب يا شيطان". فذهب. ولكن القديس لوقا يقول في ذلك "ولما أكمل إبليس كل تجربة، فارقه إلى حين" (لو4: 13). أي رجع بعدها!
7- وفي اتضاع الابن الوحيد، اللوجوس عاش في حياة الطاعة:
قال عنه القديس بولس الرسول إنه "وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في2: 8)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.وهو قال عن نفسه لتلاميذه "لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم.. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله" (يو4: 22، 24). وقال لليهود "الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا، إلا ما ينظر الآب يعمله.." (يو5: 19). وقال للآب "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك". وقال "ليس كما تريد أنت" (مت26: 39).
وطاعته لم تكن للآب السماوي فقط، بل أيضًا لأمه مريم.
قيل في طفولته، بالنسبة إلى علاقته بمريم العذراء ويوسف النجار: "وكان خاضعًا لهما" (لو2: 54). أنه درس لنا، هذا الذي كانت الملائكة خاضعة له" (مر1: 13) (1بط3: 22).
8- ومن تواضعه: أنه كان يجلس مع العشارين والخطاة:
هؤلاء الذين كان الكتبة والفريسيون يحتقرونهم ويترفعون عن مخالطتهم. ولكن الرب اختار واحدًا من هؤلاء (متى) ليكون له تلميذًا. وبهذه المناسبة اتكأ في وليمة أعدها أولئك العشارون، حتى أنتقده الفريسيون (مت9: 9- 11). فأجاب الرب في اتضاعه "أني أريد رحمة لا ذبيحة. لأني لم آتِ لأدعو أبرارًا إلى التوبة" (مت9: 13). وهكذا أيضًا دعا زكا العشار ودخل إلى بيته.
ومن تواضعه أنه اتكأ في بيوت أعدائه من الفريسيين، كزيارته لبيت سمعان الفريسي وسماحه للمرأة الخاطئة أن تلمسه وتمسح قدميه بشعرها، مما أثار شك ذلك الفريسي(لو7).
9- كان يسلك ببساطة مع الأطفال، ومع النساء، ومع عامة الشعب: يكلمهم ببساطة، بلا تعالٍ ولا ترفع، كواحد من البشر.
وكان يدعو نفسه ابن الإنسان، أو ابن البشر، في كثير من المناسبات. وقد قيل عنه في وداعته إنه كان "لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت12: 19، 20).
10- ومن تواضعه أنه رفض عمل المعجزات للمظهرية والفرحة.
مثل رفضه تحويل الحجارة إلى خبز، ورفضه أن يلقي نفسه من جناح الهيكل، فتحمله الملائكة على أجنحتها (مت4).
ولما طلب منه اليهود أن يروا آية منه كموضوع للفرجة Showy، قال لهم "جيل شرير وفاسق، يطلب آية ولا تُعطى له آية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض.." (مت12: 39). موجهًا أنظارهم إلى موته، لا إلى معجزاته.
11- فقال للآب عنهم "المجد الذي أعطيتني، قد أعطيتهم" (يو17: 22). بل قال لهم أكثر من هذا"الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها.." (يو14: 12). وقال عنه القديس بولس الرسول "الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم.. فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو8: 29، 30). أعطاهم أيضًا أن تبني كنائسه ومذابحه بأسمائهم، وأن ترسم لهم الأيقونات وتوقد أمام أيقوناتهم الشموع، وتُرتل لهم المدائح والذكصولوجيات..
12- ومن تواضعه أن نعمته تعمل في الناس باختفاء.
عملهم هم هو الذي يظهر. أما نعمة الرب العاملة فيهم، فلا يراها أحد. وقد كشف لنا هذا الأمر القديس بولس الرسول حينما قال: "ولكن بنعمة الله أنا من أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي"(1كو15: 10).
13- ومن تواضعه أنه احتمل ظلم الأشرار، وقبل الإهانات في صمت.
شُتم ولطم، وأهين، وجلد، واُتهم ظلمًا. وقبل كل ذلك دون أن يدافع عن نفسه.. ودون أن يرد عليهم شرهم. وقد قيل عنه "ظُلم. أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاه تساق إلى الذبح"(أش53: 7). وصُلب بين لصين "وأحصي مع آثمة" (أش 53: 12).
14- وفي اتضاعه حمل خطايا العالم:
"هذا الذي لم يعرف خطية، جُعل خطية لأجلنا" (2كو5: 21). حَمل خطايا العالم كله."كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وَضع عليه إثم جميعنا. ونحن حسبناه مصابًا ومضروبًا من الله (أش 53: 4، 6). وهكذا صُلب كفاعل إثم وهو البار. ورضي أن يكون أمام الآب ذبيحة خطية.
15- ومن تواضعه أنه جعل صلبه واضحًا أمام الناس كلهم. بينما قيامته الممجدة لم يظهرها إلا لأفراد قلائل!
وكان يمكن أن تكون تلك القيامة واضحة للكل، بطريقة مبهرة ترد إليه اعتباره أمام اليهود. ولكنه في اتضاعه لم يفعل ذلك. وترك لتلاميذه أن يبشروا بقيامته وسط شكوك أثارها اليهود..
16- لهذا كله، دعانا أن نتعلم منه الاتضاع:
وقال "تعلموا مني، فإني وديع ومتواضع القلب" (مت11: 29). فجعل أهم ما نتعلمه منه هو الاتضاع. وفي عظته على الجبل، أعطى الطوبى الأولى للمسكنة بالروح. ثم أعطى الطوبى للودعاء (مت5).

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:54 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
تواضع الروح القدس


17- من تواضع الروح القدس أنه يعمل كل شيء في بناء الكنيسة في سرية واختفاء. فتسمى أعماله هذه بالأسرار الكنسية.
يلد الإنسان الجديد في المعمودية، ويمنحه المغفرة والبنوة دون أن يظهر. وكذلك في سر الميرون يسكن في المؤمن دون أن يظهر. وبالمثل يغفر الخطايا من فم الكاهن دون أن يظهر. وهكذا في باقي أسرار الكنيسة.

18- ومن تواضع الروح القدس إنه يتكلم من أفواه الرسل، وينطق في الأنبياء دون أن يظهر أيضًا.
كما قال السيد المسيح لتلاميذه".. لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم هو الذي يتكلم فيكم" (مت10: 20). ولكن الظاهر طبعًا أمام الناس أن الرسل يتكلمون. أما عمل الروح فهو في الخفاء.
كذلك قيل عن النبوءات "لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21). ولكن عمل الروح القدس لا يراه أحد. بل يسمعون النبوة من إنسان.
19- بنفس الاتضاع القوة التي يمنحها الروح القدس للخدام.
كما قال السيد المسيح لتلاميذه القديسين "لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا.." (أع1: 8). والناس كانوا يرون قوة شهادة الرسل ويمدحونهم ويتأثرون بهم. أما عمل الروح القدس فيهم، فكان اختفاء، لا يرونه.
20- وفي اتضاع أيضًا كان الروح القدس يمنح المواهب.
والناس يرون أصحاب المواهب، ويعجبون بهم ويمتدحونهم. بينما من جهة هذه المواهب كلها يقول الكتاب "لكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو12: 11). ولكن الظاهر هو أصحاب المواهب. أما الروح فعمله في اختفاء..
21- هكذا كان الروح القدس يعمل في الكنيسة، والذي يظهر كان هو عمل الكنيسة. أما الروح فكان يعمل العمل كله في سرية واختفاء.
اقرأ التاريخ كله، وما يحمله من تمجيد لأبطال الإيمان وللكارزين، وآباء الرهبنة، ومعلمي البيعة، بل لقديسي التوبة أيضًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.نرى أن التاريخ يمجدهم ويرفع شأنهم. بينما يرجع الفضل كله إلى عمل الروح فيهم - ذلك الذي عمله الروح تواضعًا في اختفاء..
22- ومن تواضع الروح أنه يرضى أن يسكن في أجسادنا البشرية.
كما يقول الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم.." (1كو6: 19) وأيضًا "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو3: 16). من نحن التراب والرماد؟ وما هي أجسادنا؟ حتى يسكن فيها روح الله؟! أليس هذا تواضعًا منه؟!
23- ومن تواضع الروح القدس أنه يحتملنا:
يحتملنا ونحن نحزن الروح (أف4: 30)، ونطفئ الروح (1تس5: 19)، ونقاوم الروح (أع7: 51) بل نرفض الشركة مع الروح بخطايانا!
فليرحمنا الله، وليجدد روحه فينا.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:56 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسائل الاتضاع وعلاماته (1)

نود أنْ نذكر الآن مَنهجًا واسعًا ومُختصرًا عن تداريب للاتضاع، على أنْ نرجع بشئ من التفاصيل لهذه النقاط التي سنذكرها:
1 إنْ كانت الكبرياء هي في الاعتداد بالذات وتعظيمها، يكون التواضع في إنكار الذات.
وتداريب إنكار الذات كثيرة جدًا ليس مجالها الآن. وقد وضع السيد الرب إنكار الذات في مقدمة شروط التلمذة له. فقال "إنْ أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت24:16). ولا شك أنَّه بإنكار الذات يصل الإنسان إلى التواضع. لأنَّ الذي ينكر ذاته، لا يمكن أنْ يبحث لها عن مجد أو عظمة..
2 وأيضًا: المتواضع المُنكِر لذاته، لا يُدافع عن نفسه:
إنَّه -في الأمور التي تمسه وحده- لا يُبرِّر نفسه في شيء. ويَقبل ما يُقال عنه في صمت. مثلما فعل السيد المسيح له المجد، الذي لم يُدافع عن نفسه أمام بيلاطس ولا أمام هيرودس. وكذلك فعل يوسف الصديق الذي لم يُدافع عن نفسه (تك39). والقصص كثيرة نتركها إلى موضوع خاص. والمتواضع لا يَستثنى قاعدة عدم الدفاع عن النفس، إلاَّ من أجل الغير..
3 بل المتواضع يلوم نفسه باستمرار:
سواء بينه وبين نفسه، أو أمام الناس، باقتناع وصدق.
حدث مرة أن البابا ثاوفيلس، زار جبل نتريا الذي كان يسكنه جماعات من المتوحدين. وسأل أبا الجبل عن الفضائل التي أتقنوها.. فأجابه "صدقني يا أبى لا يوجد أفضل من أنْ يَرجع الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء". حقًا إنَّ لوم النفس هو فضيلة المتضعين.
4 ولوم النفس يُوصّل إلى انسحاق النفس:
أي إلى انسحاق القلب من الداخل، إلى انسحاق الروح لشعوره في أعماقه بما في ذاته من نقائص قد تَخفى على الناس ولكنَّها ليست خافية عليه. وهذا الانسحاق الداخلى يُبعد عنه كل ألوان العظمة من الخارج، وفي نفس الوقت يُقِّربه إلى الله كما يقول المزمور "قريبٌ هو الرب من المنكسري القلوب، ويُخلِّص المنسحقين بالروح" (مز18:34). وأيضًا "الذبيحة لله هي روح مُنكسرة. القلب المُنكسر والمتواضع، لا يَرذله الله" (مز17:51).
5 ومن مظاهر الانسحاق، الشعور بعدم الاستحقاق:
كما قال الابن الضال وهو راجع إلى أبيه "لست مستحقًا أنْ أُدعى لك ابنًا" (لو21:15). وكما قال قائد المائة للسيد الرب "يا سيد، لست مستحقًا أنْ تدخل تحت سقف بيتي" (مت8:8). وكما قال القديس يوحنا المعمدان عن السيد المسيح: "لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه" (يو27:1).
وهكذا فإنَّ المتواضع يشعر أنَّه غير مُستحق لكل إحسانات الله إليه، ولا هو بمُستحق لما يناله من الناس من الكرامة. لأنَّه عارف بنفسه..!
6 وفي شعوره بعدم الاستحقاق، يحيا حياة الشكر الدائم:
يَشكر على كل شيء، لأنَّه مُتيقن في داخله أنَّه لا يَستحق شيئًا.. لذلك كل ما يناله من الله هو بركة، مهما كان قليلًا. لأنَّه يعرف عن نفسه أنَّه لا يَستحق هذا القليل أيضًا.
كذلك هو يشكر على كل لون من مُعاملة الناس له، فإنْ عامَلوه بإكرام، يشكرهم لأنَّهم عامَلوه بما لا يَستحقه. وإنْ ظلموه أو أهانوه، يشكر على أنَّه ينال جزاء خطاياه على الأرض!
7 والمتواضع الحقيقي الذي يشعر بخطيئته، يَقبَل كل ما يأتي عليه.
ويقول في نفسه " لو أنَّ الله عاملني حسب خطاياي، ما كنت أستحق أنْ أعيش". ويرى أنَّ كل الإهانات والمتاعب التي تصيبه، هي أقل من استحقاقه بكثير، ويَقبَلَها بشكر..
مثال ذلك داود النبي والملك: لمَّا شتمه شمعي ابن جيرا بشتائم مؤلمة، رفض أنْ يُعاقبه أتباعه، وقال: "الله قال لهذا الإنسان اشتم داود" (2صم10:16). واعتبر ما حدث له نتيجة طبيعية لِمَا سبق من خطاياه..

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:58 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسائل الاتضاع وعلاماته (2)

8 الإنسان المتواضع -في انسحاقه- يجعل خطيته أمامه في كل حين.
إنَّها تَذله من الداخل، وتَعصر عينيه بالدموع، وتُزيد من انسحاقه، وتُذكِّره بضعفه. لا ينسى خطاياه مهما غُفرت ومهما محاها له الله! مثلما بكى داود على خطاياه بعد غفرانها، وقال في المزمور الخمسين "خطيتي أمامي في كل حين".. ومثلما ذكر بولس الرسول خطاياه. وقال "لست مستحقًا أنْ أُدعى رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1كو9:15).
9 المتواضع -مهما بلغ من رِفعَة- يشعر باستمرار أنَّه ناقص ومُقصِّر، وأنَّه لم يصل بعد إلى ما ينبغى عليه فعله!
القديس بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة (2كو2:12)، والذي تَعِبَ أكثر من جميع الرسل (1كو10:15). كان يقول "لست أحسب أنَّنى أدركت أو نُلت شيئًا، ولكنِّى أسعى لعلِّى أدرك.." (فى12:3)، هذا الذي خشى الله عليه من كثرة الاستعلانات (2كو7:12).

والقديس أرسانيوس العظيم، الذي كان يقضى الليل كله في الصلاة، والذي كان رجل وحدة وصمت أكثر من الجميع، والذي تساقطت رموش عينيه من كثرة البكاء، والذي كان القديسون يطلبون بركته، وقد أتاه البابا ثاوفيلس يطلب كلمة منفعة.. أرسانيوس هذا: ما كان يشعر أنَّه بدأ الطريق الرهباني بعد! بل كان يُصلى "هبني يا رب أنْ أبدأ"!
10 الإنسان المتواضع لا يتحدث عن نفسه حديثًا يجلب المديح.
نفسه هذه التي يلومها باستمرار ويعرف نقائصها، من غير المعقول أنْ يتحدث عن مواقف عظيمة لها تجلب المديح! إنَّ الفريسي لم يتبرر أمام الله، لمَّا وقف في الهيكل يتحدث عن فضائله أمام الله في صلاته! (لو12:18).
لذلك فإنني أتعجب من إنسان حديث العهد بالتوبة، يدعوه البعض أنْ يقف على منبر كنيسة أو جمعية، ليحكى اختباراته للناس حتى ينتفعوا بها روحيًا..! فيقف ويحكى كلامًا يُمدح عليه!
11 إنْ كان الحديث عن النفس يُفسح مجالًا للقدوة، فالإنسان المتواضع لا يجعل نفسه قدوة لغيره.
إنَّه يقول لنفسه "مَنْ أنا حتى أكون قدوة لغيري؟! أنا الذي وقعت في كذا وكذا من السقطات!". وإنْ كانت القدوة في التوبة والرجوع إلى الله، فأنا لم أتُب بعد. وما زلت في الموازين إلى فوق. وفي كل يوم أسقط..
12 المتواضع يشعر بتفاهة الكبرياء وخطورتها وتفاهة المجد الباطل.
فما قيمة المديح الذي يأتيه من الناس؟! ما بطلانه وما فائدته! بل كم هي أضراره الكثيرة التي تُخرِّب النفس..! باطلة كل أمجاد الدنيا وتافهة! "الكل باطل وقبض الريح" (جا14:1)، .ليس شيء من هذه الأمجاد ثابتًا، ولا دائمًا، ولا نافعًا. ولا شيء منها يصحب الإنسان في أبديته، أو يشفع فيه أمام الله..
إنَّ النفس الصغيرة هي التي تفرح بإعجاب الناس ومديحهم.
وكلَّما كَبُرت النفس ورَجعَت إلى صورتها الإلهية، لا يُبهرها مطلقًا أي شيء من أمجاد العالم ومن مديح الناس.. وبخاصة إذا كان ما يقوله الناس عكس ما يعرفه الإنسان عن نفسه، وعكس ما يشعر به في داخله.
13 لذلك فالإنسان المتواضع يهرب من محبة المديح والكرامة.
لا يشتهى ذلك ولا يسعى إليه. وإنْ أتاه المديح، لا يجعله ينحدر من أُذنيه إلى قلبه. لا يفرح به في داخله، بل يُدرك تمامًا أنَّه غير مستحق له.. ولذلك لا يُصدقه، أو على الأقل لا يتأثر به مهما كان صحيحًا..
وربما يتَّخذ هذا المديح مجالًا لتبكيت نفسه. ويقول في ذاته: لعلَّني قد صرت مُرائيًا إلى هذا الحد، الذي أظهر فيه للناس بغير حقيقتي!
14 من صفات المتواضع أنَّه ينسب كل أعماله الطيبة إلى نعمة الله.
إنَّه يُرجع الفضل إلى الله في كل خير يفعله. يقول مع القديس بولس الرسول "لا أنا، بل نعمة الله العاملة معي" (1كو10:15) ويتذكَّر قول الرب "بدوني لا تقدرون أنْ تعملوا شيئًا" (يو5:15). وهكذا يُحوِّل حديث المديح إلى الله ونعمته وعمله. وإنْ حُورِب من الداخل بأنَّه قد فعل شيئًا، يقول لنفسه "بنعمة الله أنا ما أنا" (1كو10:15).

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 03:59 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسائل الاتضاع وعلاماته (3)

15 والمتواضع بقدر إمكانه يُخفى برّه عن الناس:
يُدرِّب نفسه على عمل الفضيلة في الخفاء على قدر ما يستطيع. ويهتم بالفضائل الداخلية أكثر من الفضائل الظاهرة. ويجعل أمامه قول الرب عن الذين يريدون أنْ يُظهِروا أعمالهم الحسنة للناس "الحق أقول لكم إنَّهم قد استوفوا أجرهم" (مت5:6).
16 بل يُحاول أنْ يُخفى برّه حتى عن نفسه:
حسب قول الرب "لا تجعل شمالك تعرف ما تفعله يمينك" (مت3:6).
فمثلًا يُعطى دون أنْ يَحصى ما يُعطيه.. ويُحاول أنْ ينسى كل ما فعله من خير، حتى لا يكون ظاهرًا أمامه. وحتى لا يكون في فكره ولا في ذاكرته. ولا تُحاربه به نفسه. ولا يعتبر ذلك الخير من أعمال قدرته هو. بل الله قد فعل ذلك الخير بواسطته. وكان يمكن أنْ يعمله بواسطة غيره, وبطريقة أفضل.. ويتذكَّر نقائصه في عمل هذا الخير, ويلوم نفسه عليها.
17 والمتضع يمتدح غيره لا نفسه:
في كل عمل ناجح يقوم به, يذكر الجانب الذي ساهم به غيره في إنجاح العمل، وأهمية ما فعله الآخرون مُمتدحًا ما قاموا به، ناسيًا نفسه.
وفوق الكل يذكر يد الله في نجاح العمل. وهكذا يختفي لكي يظهر الله، ولكي يُظهر غيره من الناس.
وفى كل ما يعمل، يحب الخير في ذاته لا في أجره ولا في تقدير الناس له.
18 على المتضع أنْ يهرب من العظمة وكل مظاهرها وكل مصادرها.
يهرب من محبة الرئاسة والقيادة، ومن محبة السيطرة والنفوذ، ومحبة العظمة والتعالي على الآخرين، ومحبة التقدم على غيره. فكلها أسباب تؤدى إلى الهلاك. وقد نهانا الرب عنها حينما قال لتلاميذه القديسين:
"أنتم تعلمون أنَّ رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم.. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أنْ يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا.. ومن أراد أنْ يكون فيكم أولًا فليكن لكم عبدًا.. كما أنَّ ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت20: 2528).
19 فإنْ وُضِعَ إنسان في مركز كبير، فليسلك فيه ببساطة واتضاع، ولا يتعالى على غيره.
ما أجمل أنْ ينسى مركزه، ويتعامل مع الناس في محبة. بحيث لا يرتفع قلبه، ولا يتعامل مع غيره في تعالٍ أو في كبرياء، كأنَّهم أدنى منه أو أقل. ولا يزدرى بأحد. ولا يستخدم سلطته لإخضاع غيره.
لا يتعامل معهم مثلما كان هامان يتطلب احترامًا معينًا من مردخاي (إس6، 5:3).، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.بل يتعامل مع الناس مثل داود، الذي كان وهو قائد جيش شاول الملك، يختلط مع الشعب في مَودَّة، وكان جميع إسرائيل ويهوذا يحبون داود، لأنَّه كان يخرج ويدخل أمامهم (1صم16:18).
المتواضع يتعامل مع مرؤوسيه كزميل وصديق ويُشعرهم بمحبة.
إنَّ السيد المسيح كان يدعو تلاميذه أخوة. وقد قال لهم "لا أعود أُسميكم عبيدًا.. لكنى قد سميتكم أحباء" (يو15:15). وقيل عنه إنَّه شابه أخوته في كل شيء (عب17:2).
20 المتواضع يحتمل الكرامة، فلا يرتفع قلبه بسببها.
ومهما نال من كرامة، لا ينسى أنَّه إنسان، وأنه تراب ورماد. بل على العكس يتواضع بالأكثر، لكي يقيم توازنًا بين داخله وخارجه. وإنْ وصل إلى مركز رفيع أو نال جاهًا أو مالًا أو سلطانًا، فليذكر قول القديس أنطونيوس الكبير: "إنَّ احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة". أما الذي يرتفع قلبه، فإنَّه يُذكِّرنا بقول الشاعر:
لمَّا صديقي صار من أهل الغنى أيقنت أنِّي قد فقدت صديقي

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 04:01 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسائل الاتضاع وعلاماته (4)

21 المتواضع يحاول باستمرار أنْ يتخذ "المتكأ الأخير".
وذلك حسب وصية الرب (لو14: 710). وما أجمل قول الشيخ الروحاني في ذلك "في كل موضع حللت فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم". ليس فقط أنْ لا تتعالى عليهم، بل أنْ تكون أصغرهم وخادمهم. وهو في ذلك يُقدِّم كل إنسان على نفسه، حسب قول الرسول "مُقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو10:12).
وكما انحنى السيد الرب وغسل أرجل تلاميذه (يو13)، يكون هو أيضًا مستعدًا أنْ ينحني ويخدم الكل، مهما كانوا أصغر منه.
وهكذا نرى الكهنة والمعلمين في كنيستنا يدعون أنفسهم خدامًا.
وهنا نذكر الصلاة التي صلى بها القديس أوغسطينوس من أجل شعبه قائلًا " أطلب إليك يا رب من أجل سادتي، عبيدك". فقال عنهم "سادتي" مع أنهم أولاده ورعيته..
على أنَّنا نريد أنْ يكون تعبير " خادم " ليس مجرد لفظ أو لقب، إنَّما يستعمله صاحبه بكامل دلالته ومعناه.
22 الإنسان المتواضع يضع أمامه فضائل القديسين وعلوها، فتَصغُر أمامه كل أعماله الفاضلة:
فإنْ حورب بفضيلة أتقنها، يَتذكَّر المستوى العالي الذي وصل إليه القديسون في هذه الفضيلة بالذات، ويُقارن نفسه بهم، فيرى أنَّه لا شيء، وتَصغُر نفسه في عينيه في كل ما فعله من بر. أما الخطورة فهي أنْ يقارن الشخص نفسه بالمبتدئين أو بالساقطين والخطاة، فيرى أنَّه أفضل منهم. كما فعل ذلك الفريسي الذي وقف في الهيكل يُصلى وقال "أشكرك يا رب أنِّى لست مثل سائر الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار" (لو11:18).
23 بل المتواضع يضع أمامه الكمال المطلوب منه، فيرى أنَّه لم يصل بعد إلى شيء.
يَتذكّر قول السيد الرب "كونوا أنتم أيضًا كاملين، كما أنَّ أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5). ويرى أنَّ المسافة طويلة بينه وبين هذا الكمال المطلوب، فيتضع قلبه ويشعر أنَّه لا يزال في الموازين إلى فوق (مز9:62). ويُردد نفس العبارات التي وُصِف بها بيلشاصر الملك "وُزِنت بالموازين، فوُجدت ناقصًا" (دا27:5). وهكذا يتضع قلبه إنْ تذكَّر المطلوب منه.
فإنْ كانت المحبة هي أول ثمرة من ثمار الروح الكثيرة (غل23، 22:5). وللمحبة برنامج طويل ذَكَرَه بولس الرسول في (1كو13) وللآن لم يُدرك بعد أعماق هذه المحبة، ولم يَستكمل مستلزماتها، فماذا يقول إذن عن باقي ثمار الروح التي ليس لها منها شيء؟!
بل يذكُر أيضًا قول الرب "متى فعلتم كل ما أُمرتم به، فقولوا إنَّنا عبيد بطالون، لأنَّنا إنَّما عملنا ما كان يجب علينا" (لو10:17). ويقول: حقًا، إنَّني لم أصل بعد إلى درجة هؤلاء العبيد البطالين!
24 الإنسان المتواضع، يتواضع أيضًا من جهة المعرفة والفهم:
يضع أمامه قول الكتاب "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك" "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم5، 7:3). ويبعُد عن المعرفة التي تنفخ (1كو1:8)، .وليذكُر قول مار اسحق إنَّ "الذي يفتخر بالمعرفة، يسقط في البدعة والهرطقة". وقد سقط فيها أريوس ونسطور وأوطاخي. وكانوا من المُعتَّدين بمعرفتهم ومراكزهم، وواثقين في أنفسهم بعمق علمهم!
25 المتواضع لا يكون عنيدًا، متشبثًا برأيه.
لأنَّه توجد عجرفة فكرية عند البعض. عظمة في الاعتداد بالرأي والتشبث به، مهما كان شاذًا أو خاطئًا. وعدم قبول معارضة له، أو حتى مناقشته! بحيث يثور هذا الشخص إذا نُسِبَ إلى فكره أي خطأ، ويَحتَدَّ ويتكلم بخشونة وربما بإهانة. كما لو كانت لفكره عصمة ترفعه فوق المناقشة أو التحليل.
أما المتواضع، فإنه سهل في التفاهم، يقبل الرأي الآخر مهما كان مُعارضًا له، ويقبل الحوار والنقاش بطيبة قلب.
26 الإنسان المتواضع يُحب التلمذة، ويقبل التعليم والتوبيخ.
إنَّه لا يرى مطلقًا أنَّه قد وصل إلى درجة من المعرفة لا تقبل الزيادة. بل باستمرار يريد أنْ يعرف ويتعلَّم ويستزيد. ويعيش طيلة عمره يتتلمذ على الكتب، وعلى الناس، على الآباء والمُرشدين، وعلى الطبيعة، وعلى الأحداث.. ولا يظن أنَّه وصل في المعرفة إلى المستوى الذي يعطى فيه باستمرار دون أنْ يأخذ..
وفى اتضاعه يتقبَّل كل رأى باتضاع، إنْ كان سليمًا. ويشكر عليه، ويعترف أنَّه قد استفاد. وإن كان الرأي خاطئًا، لا يجرح صاحبه، بل يُناقشه في هدوء واتضاع.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 04:02 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسائل الاتضاع وعلاماته (5)

27 والإنسان المتواضع يكون دائمًا بعيدًا عن الغضب وثورة الأعصاب.
وكما قال القديس دوروثيئوس في ذلك "إن المتواضع لا يغضب من أحد، ولا يُغضب أحدًا".
فهو لا يغضب من أحد، لأنَّه باستمرار يأتي بالملامة على نفسه في كل شيء. وهو لا يُغضب أحدًا، لأنَّه يطلب بركة كل أحد، ولأنَّه يعتقد في أعماقه أنَّ كل أحد أفضل منه.
ولذلك نرى أنَّ الاتضاع يرتبط دائمًا بالهدوء والوداعة.
حقًا إنَّه ليس كل هادئ متواضعًا. ولكن كل متواضع لابد أنْ يكون هادئًا، وأنْ يكون وديعًا طيب القلب.
28 والمتواضع بطبعه سهل التعامل مع غيره بسيطًا في تعامله:
إنَّه لا يفترض باستمرار أنَّه على حق، وأنَّ مَنْ يعارضه على باطل. ولا مانع لديه من أنْ يتنازل عن رأيه إنْ ثبت له أنَّه خطأ. بل أيضًا يشكر مَن وجَّهَهُ إلى أنَّ ذلك خطأ، ويفعل ذلك بحب حقيقي.
وفى النقاش لا يُقاطع غيره، ولا يُسكِتَه لكي يتكلم هو. ولا يسخر من الآراء المعارضة له. ولا يحاول أنْ يتهكم على غيره. بل قد يُثبِتْ له خطأ فكره في لطف دون أنْ يَجرح مشاعره أو أنْ يُسئ إليه. فهكذا كان يفعل القديس ديديموس الضرير مدير الكلية الإكليريكية في حبرية البابا أثناسيوس. فاستطاع في حواره مع الفلاسفة الوثنيين أنْ يكسب الكثيرين منهم إلى المسيحية. وكانوا جميعهم يحبونه.
29 أيضًا المتواضع لا يرتفع قلبه مهما نَما في الروح وفي الفضيلة.
ومهما نال أيضًا من مواهب روحية. بل يعتقد باستمرار أنَّ كل الحياة الروحية التي صارت له، هي من عمل النعمة فيه، من عمل الروح القدس معه، عن غير استحقاق منه. وأنَّه بدون الله لا يقدر أنْ يعمل شيئًا (يو5:15). فعليه أنْ يشكر لا أنْ يفتخر.
والمتواضع يعرف أنَّه إذا افتخر بشئ ستتخلَّى النعمة عنه، لكي يشعر بضعفه، ويتضع أمام الله. ويذكر باستمرار قول الكتاب:
"قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم18:16).
وهكذا يذكُر أنَّه "تحت الآلام" مثل غيره (يع17:5)،.وأنَّه ليس أكبر من السقوط، وليس معصومًا منه. فإنَّ الخطية "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم26:7).
30 لذلك فهو أمام جميع الخطايا لا يَفقد احتراسه، ولا يُقلِّل صلواته.
لا يقول عن بعض الخطايا إنَّها من النوع الذي يُحارب المُبتدئين، وليس النامين في الروح مثله!! وأنَّه أكبر من مستوى مثل تلك الحروب، أو أنَّه قد داس الشيطان تحت قدميه!!
بل هو -في كل محاربات الشيطان- يطلب معونة من الله، مُصليًا بقوة، مهما بدت الحرب بسيطة. ذلك لأنَّه لا يعتمد مطلقًا على قوته الخاصة ولا على انتصاراته السابقة.
31 والإنسان المتواضع لا مانع لديه من أنْ يستشير.
فالذي يستشير، إنَّما يشعر أنَّ هناك عند غيره ما ينقصه من معرفة. ولا يظن مطلقًا أنَّه غير محتاج إلى رأى أو حلول من غيره كما يفعل المتكبرون. بل هو يستشير ويعمل بالمشورة الصالحة، واثقًا أنَّه -مهما أوتى من علم وخبرة- هناك من هو أَعلَم منه في أمور معينة..
وحتى إنْ لم يستشر، وجاءه رأى صائب تطوَّع به أحدهم دون طلب منه، يأخذ الفائدة التي في هذا الرأي، مهما كان صاحب الرأي أصغر منه أو أقل شأنًا.
32 ومن صفات المتواضع الطاعة والاحترام لمَنْ هو أكبر منه.
سواء كان ذلك الكبير أكبر منه سنًا، أو أكبر منه مقامًا، أو أكبر منه في القامة الروحية أو في العلاقة الاجتماعية.
وعمومًا فالمتواضع لا يَستصغر أحدًا. فهو يُعامل الكل بلطف، حتى الصغار والخدم. ويرفع بذلك من روحهم المعنوية، ويُشعرهم بأنَّ نفوسهم كريمة في عينيه.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 04:03 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسائل الاتضاع وعلاماته (6)

33 الإنسان المتواضع يظهر اتضاعه الروحي في اتضاع جسده أيضًا.
يظهر اتضاعه في ملامح وجهه، وفي نبرات صوته، وفي نظرات عينيه. فهو ينظر إلى الناس في وداعة. ليست له النظرات المُتعالية، ولا ينظر إلى الناس من فوق. وصوته هادئ: يتكلم بلطف، لا بسلطان. لا يحتد على أحد، ولا يتكلم بشدة ولا بنبرات متكبرة، ولا بصوت عالٍ، ولا باحتقار أو استصغار لأحد في عدم رد.. إنَّما بلطف يتحدث مع كل أحد..
ويظهر اتضاعه أيضًا في طريقة مشيه. فلا يمشى في زهو أو في خيلاء. وفي جلوسه أيضًا يجلس في أدب، لا ينتفخ في مظهره..
ويبعد عن العظمة في مستوى ملابسه وأدواته وأثاثاته وحياة الترف. لا يُشعر الناس في منظره ومظهره أنَّه في مستوى عالٍ، أو مستوى أعلى منهم.
ولغته تدل عليه: فهو لا يتغنَّى بأعمال قام بها، ولا يفتخر. ولا يعقد مقارنات بينه وبين الآخرين، تدل على تفوقه ومقدار ارتفاعه عليهم وإدراكه ما لا يُدركون.
34 والمتضع يظهر اتضاعه أيضًا في أسلوب عبادته وصلواته.
فهو يدخل إلى الكنيسة في خشوع. حسبما قال داود النبي "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك. وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز7:5). ويقف في مهابة تليق بالصلاة وبالوجود في حضرة الله. كما قيل عن الشاروبيم والسارافيم إنَّهم وقوف قدامه: بجناحين يُغطون وجوههم، وبجناحين يُغطون أرجلهم (أش6).
يحفظ حواسه جيدًا، ولا ينشغل عن الصلاة بشيء. ولا يُزاحم غيره في وقت التناول من الأسرار المقدسة. بل يتقدم إليها كغير مستحق..
ولا يجلس في الوقت الذي ينبغي فيه الوقوف. لذلك عند مباركة الطعام في مائدة بيته، لا يُصلى وهو جالس.. بل هو في كل مناسبة، يحتفظ بمهابة الصلاة.
كذلك يحتفظ المتواضع بخشوعه في فترة صومه. لأنَّها فترة تذلل أمام الله، والتذلل يليق به الاتضاع. ولِنَتَذكَّر في هذه المناسبة ما قيل عن صوم أهل نينوى إنَّهم "نادوا بصوم، ولبسوا مسوحًا من كبيرهم إلى صغيرهم. وبلغ الأمر ملك نينوى. فقام عن كرسيه، وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح. وجلس على الرماد" (يون6، 5:3).
35 والمتواضع إذا أخطأ، وانكشف له ذلك، فإنَّه يعترف بخطئه.
ما أصعب الاعتراف بالخطأ على إنسان متكبر! يشعر أنَّ ذلك يُقلّل من قدره ومن كرامته أمام الآخرين. أمَّا المتواضع، فإنَّه لا يحاول أنْ يتهرب من مسئولية أخطائه أو يُغطى عليها، أو يُبرر ذاته بالأعذار،.ولا مانع عنده من أنْ يقول "أخطأت في هذا الأمر". يقول "أخطأت" أمام الله، وأمام الناس، وفي أعماق نفسه، بكل اقتناع. إنَّ نفسه ليست معصومة في نظره.
المتواضع ليس "بارًا في عيني نفسه" (أى1:32). فهو بعيد كل البعد عن البر الذاتي. ويعرف عن أخطائه أكثر مما يعرفه الناس عنه.
36 من الوسائل التي تساعد على الاتضاع: حياة التوبة الحقيقية، وما يصحبها من فضائل.
فالإنسان التائب هو إنسان شاعر بِثِقَلْ خطاياه، وخطيته أمامه في كل حين (مز50)، يذكرها متذللًا أمام نفسه وأمام الله، شاعرًا أنَّه غير مستحق لشيء. وهو باستمرار يلوم نفسه ويُبكِتها على سقطاتها وضعفاتها ونقائصها. وهو في كل ذلك يطلب صلوات وبركة كل أحد.. لذلك يسلك باتضاع، ولا يتكبر على أحد. لأنَّ تذكار ضعفاته يُخزيه من الداخل، ويمنع عنه الكبرياء من الخارج..
وكلما بَعُدَ الإنسان عن مشاعر التوبة وحرارتها ودموعها، أصبح في خطر أنْ يفقد اتضاعه.. ولذلك سعيد مَنْ يحيا في التوبة على الدوام. لا يعتبر أنَّها مجرد مرحلة من مراحل حياته وقد عَبَرَتْ. بل هو في كل يوم من أيام حياته يُخطئ. وكما قال القديس يوحنا الرسول "إنْ قلنا إنَّه ليس لنا خطية، نُضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو8:1).

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسائل الاتضاع وعلاماته (7)

37 من وسائل الاتضاع أيضًا: الصمت وعدم إدعاء المعرفة.
إنَّه يعرف أنَّ "كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم19:10) فيقول في نفسه "تكفى مَعاصيَ السابقة". ويُردِّد عبارة القديس أرسانيوس "كثيرًا ما تكلَّمت فندمت". لذلك فهو يُفضِّل الصمت. ويرى أنَّ الاستماع أفضل من التكلُّم. ففي الاستماع يستفيد معرفة. وفي التكلُّم يُعرِّض نفسه للخطأ. مُرَدِّدًا عبارة موسى النبي "لست أنا صاحب كلام، منذ أمس ولا أوَّل من أمس" (خر10:4).
ويتذكَّر قصة القديس الأنبا أنطونيوس، الذي سأل بعض تلاميذه عن آية معينة. فأخذ كلٍ منهم يذكر لها تفسيرًا، ما عدا الأنبا يوسف الذي قال "لا أعرف". فقال له القديس الأنبا أنطونيوس " طوباك يا أنبا يوسف، لأنَّك عرفت الطريق إلى كلمة: لا أعرف".
وبينما يجلس المتضع صامتًا في وقار يحترمه الناس، نرى الإنسان المُتكبر يحشر نفسه في كل موضوع مهما كان في غير تخصصه! ويجيب على كل سؤال، سواء كان يعرف أو لا يعرف. أما المتواضع -فإنْ اضطر إلى الكلام- يجيب في هدوء عما يوقن به. ولا مانع من أنْ يقول أحيانًا: لا أعرف. أو سأحاول أنْ أدرس هذا الموضوع.
38 الإنسان المتواضع يشعر أنَّه في حاجة إلى معونة من القديسين:
لذلك فهو في كثير من الأمور لا يعتمد فقط على صلواته الخاصة، إنَّما يطلب من القديسة العذراء، ومن الملائكة الأبرار، ومن أرواح الشهداء والقديسين أنْ يسندوه في جهاده، وأنْ يشفعوا فيه أمام الله هو وكل الذين له. ويقول للرب في صلاة الأجبية: أحطنا يا رب بملائكتك القديسين، لكي نكون في معسكرهم محفوظين ومُرشَدين..
ولا يرتفع قلبه فيقول: لست في حاجة إلى وساطة من أحد هؤلاء! إنَّ لي صلتي المباشرة بالله! فلماذا أطلب من العذراء، أو من مار جرجس أو من الملاك ميخائيل؟! مُتذكِّرًا أنَّ القديس بطرس الرسول -في ليلة العشاء السري- طلب من زميله القديس يوحنا الحبيب، الأصغر منه سنًا، أنْ يسأل الرب عمَنْ سيُسلمه. وكان كذلك (يو13: 2325).
بل المتواضع يطلب صلوات كل أحد. وهوذا القديس بولس الرسول يطلب من شعبه في أفسس أنْ يُصلُّوا لأجله بكل صلاة وطلبة في كل وقت، لكي يُعطَى كلامًا عند افتتاح فمه ليعلِّم بالإنجيل (أف19، 18:6).
39 والإنسان المتواضع لا يطلب أنْ يكون من أصحاب الرؤى، أو من صانعي المعجزات والعجائب.
إنَّه لا يشتهى هذه الشهوة ولا يطلبها، لأنَّه يعرف مقدار ضعفه وهبوط مستواه الروحي. بل القديسون الكبار كانوا يخشون هذا الأمر لئلا يحاربهم الكبرياء والمجد الباطل. ويذكرون قول الرب لتلاميذه عن مثل هذا الأمر "لا تفرحوا بهذا.." (لو20:10).. والمتواضع يذكر أنَّ كثيرًا من الذين صنعوا آيات وعجائب لم يدخلوا ملكوت السموات. وقال لهم الرب "اذهبوا عنى"، "إنِّي لم أعرفكم قط" (مت23، 22:7).
40 لذلك فالمتواضع يسعى إلى ثمار الروح (غل23، 22:5). وليس إلى مواهب الروح (1كو12).. والذين في كبرياء يُحبون الرؤى والمناظر، ما أسهل أنْ يقعوا في خداع الشياطين.
والشيطان سهل عليه أنْ يعمل بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين (2تس10، 9:2) كما سيعمل في الأيام الأخيرة في مساندة ضد المسيح المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا (2تس4:2)، والشيطان أيضًا يستطيع أنْ يظهر في شبه ملاك من نور (2كو14:11). وبهذا يُرضِى مُحب الرؤى ويخدعه ويُضيِّعه..
وهنا أذكر قصة ذلك الراهب الذي ظهر له الشيطان في هيئة ملاك وقال له "أنا الملاك جبرائيل، وقد أرسلني الله إليك". فردَّ عليه الراهب في اتضاع "لعلك أُرسلت إلى غيري وأخطأت الطريق. أمَّا أنا فإنسان خاطئ، لا أستحق أنْ يظهر لي ملاك". فلما سمع الشيطان هذه العبارة المتضعة، انقشع كالدخان واختفى.
41 الإنسان المتواضع -إذا عمل في الخدمة- لا يُلح على الله أنْ يمنحه موهبة التكلم بألسنة. ولا يعلن على الناس أنَّ هذه هي علامة الملء!
ولا ينظر باستصغار إلى مَنْ لا يتكلم بألسنة على اعتبار أنَّه لم يصل بعد! ولا يُنادى شخصًا آخر، ويقول له: تعالَ لكي أُسلِّمك تدريب الملء، واقفًا أمام الناس كمانح لموهبة الألسنة!

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
وسَائل وعلامات أخرى لحيَاة الاتضاع

تجدها في الأبواب المقبلة، وبخاصة في علاقة الاتضاع بالفضائل. وأيضًا في مقاومة الصفات التي يتصف بها المتكبر.
ونذكر من هذين البابين:
*علاقة الاتضاع بالإيمان والبساطة والتجرد.
*وعلاقته بالتعليم والتأديب، وبالانتهار.
*وعلاقته بالوداعة وبالشجاعة.
*وبعده عن (الأنا) والاهتمام بالذات.
*وبعده عن المجد الباطل وكل فروعه.
*وبعده عن محبة الرئاسة والرعاية.
*وعن محبة المديح والكرامة.
مع قراءة تفاصيل كل ذلك.

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 05:15 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
الكبرياء والعظمة خطية مركبة تلد خطايا كثيرة (أ)

المتكبر هو إنسان ضائع، ضيعته الذات، وفي كبريائه يقع في عديد من الخطايا. وربما لا يشعر بضياعه ولا بخطاياه بسبب كبريائه. ويقول الكتاب:
"قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18).
فما هو سر هذا الكسر؟ وما هذا السقوط الذي يتعرض له؟ نذكر منها:
  1. مقاومة الله للمتكبرين
  2. تشامخ الروح
  3. الإدانة ومسك السيرة
  4. البر الذاتي
  5. المكابرة
  6. البدعة أو الهرطقة
  7. العناد | نتائج أخرى للكبرياء

Mary Naeem 09 - 01 - 2014 06:54 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
مقاومة الله للمتكبرين

https://st-takla.org/Pix/Bible-Illust...stave-Dore.jpg

قد يتعرض المتكبر لمقاومة كثيرين ممن ينفرون من كبريائه، لأن الكبرياء خطية منفرة. ولكن أصعب من هذا كله مقاومة الله له. كما قال يعقوب الرسول:

" يقاوم الله المستكبرين. أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6).

حقًا: ما أصعب هذا، وما أخطر هذا! إنه أمر مرعب أن يقاوم الله لونًا من مخلوقاته..!! والسبب هو الكبرياء.


أول مخلوق قاوم الله، والله قاومه، هو الشيطان:

أراد الشيطان أن يرتفع فوق الكل، وأن يصير مثل الله (أش 14: 14). وفي سقوطه لم يتضع ولم ينسحق، بل استمر في مقاومته، وأسقط معه مجموعة من الملائكة من رتب عديدة، صاروا جندًا له، ينفذون معه خطته في مقاومة الله.

ومازال الشيطان في مقاومته لله ولملكوته، وفي مقاومته لأبناء الله.. حتى أنه عندما يُحل من سجنه، سيخرج "ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض" (رؤ20: 7).. بل يحاول أن يضل "لو امكن المختارين أيضًا" (مت24: 24).


وأخطر عدو في آخر الزمان ن دُعي أيضًا مقاومًا:

إنه "ضد المسيح" Anti-Christ الذي قال عنه الرسول إنه سيكون سببًا في الارتداد العام الذي يسبق المجيء الثاني للسيد المسيح. ووصفه بأنه "إنسان الخطية، إبن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعي إلهًا أو معبودًا. حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله، مظهرًا نفسه إنه إله"، "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس 2: 1- 10).

من كبريائه يدعي الألوهية كمعلمه الشيطان. ومن كبريائه يكون مرتفعًا ومقاومًا، مثل الشيطان أيضًا. وتغريه الآيات والعجائب والقوة، كمعلمه أيضا.



لذلك يقاومه الله "يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه" (2 تس 2: 8).

إن السيد المسيح كان يشفق على الخطاة المنسحقين، بينما يقاوم المستكبرين.

* لقد دافع عن المرأة الخاطئة الذليلة المضبوطة في ذات الفعل. وقال لها: "وأنا أيضًا لا أدينك. أذهبي بسلام ولا تخطئ أيضًا" (يو 8: 11).،. بينما قاوم الكتبة والفريسيين المتكبرين، الذين نسوا خطاياهم وأرادوا رجم تلك المرأة. وقال لهم الرب " من كان منكم بلا خطية، فليرمها بأول حجر" (يو 8: 7).

* وأشفق السيد كذلك على الخاطئة المنسحقة التي بللت قدميه بدموعها، بينما وبخ الفريسي المتكبر الذي احتقرها وأدانها (لو7).

وصلت كبرياء ذلك الفريسي إلي حد انه شك في السيد المسيح نفسه له المجد! فقال في قلبه " لو كان هذا نبيًا لعلم من هذه المرأة وما حالها، إنها لخاطئة" (لو 7: 39).

فأراه السيد الرب أن تلك المرأة أفضل منه، وأن كليهما مديونان أمام الله. غير أنها تابت، وهذا الفريسي لم يتب. فاستحقت لذلك المغفرة..


وقاوم الرب الكتبة والفريسيين، لأنهم مراؤون ومتكبرون

صب الويلات على أولئك الذين كانوا "يحبون المتكآت الأولي في الولائم، والمجالس الأولي في المجامع، والتحيات في الأسواق.. ويغلقون ملكوت السموات قدام الناس. فلا هم يدخلون، ولا يدعون الداخلين يدخلون". ودعاهم "قادة عميان" (مت 23: 6، 7، 13) (مت 23: 16، 19).


احذر إذن من أن تتكبر، فيقاومك الله!!

حقًا، ما أخطر ما قيل عن ذلك في سفر إشعياء:

ورد فيه عن هذا الأمر: "إن لرب الجنود يومًا على كل متعظم وعال، وعلي كل مرتفع فيوضع. وعلي كل أرض لبنان العالي المرتفع، وعلي كل بلوط باشان. وعلي كل الجبال العالية، وعلي كل التلال المرتفعة. وعلي كل برج عال، وعلي كل سور منيع.. فينخفض تشامخ الإنسان، وتوضع رفعة الناس. ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم" (أش 2: 12- 17).

فإن خفت أن يقف الرب ضدك ويقاومك، تواضع لأنه "يعطي المتواضعين نعمة" (يع4: 6).. ماذا في الكبرياء أيضًا؟

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:01 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
تشامخ الروح

هناك كبرياء في ذاتها، يشعر الإنسان فيها إنه كبير (= عظمة).

وكبرياء أخري مقارنة. غذ يُقارن نفسه بغيره، فيشعر انه أكبر منه. وقد ينمو عنده هذا الشعور، حتى يظن أنه أكبر من الكل، وأنه أفضل منهم، وأنه يفوقهم جميعًا!!
وتنتقل به الكبرياء إلي المعاملة، فينظر إلي الناس من فوق!
فيتعاظم عليهم، ويكلمهم بغير احترام، بأسلوب منتفخ غير لائق. ويفقد آداب التخاطب وآداب التعامل. وربما يكونون أكبر منه سنًا أو أعلي منه مقامًا. ولكنه في كبريائه وفي تعاظمه، لا يحترم أحدًا، ولا يراعي شعور احد! ألم يقل الكتاب عن إنسان الخطية إنه " المرتفع على كل ما يدعي غلها"! (2تس 2: 4). فكم بالأولي تعامله مع إنسان!
بينما المتواضع يحترم الكل، ولو كانوا اصغر منه أو أقل شأنًا.
المتواضع يعامل الكل بالاحترام والأدب واللياقة، حتى مرؤوسيه وتلاميذه، بل وخدمه أيضا.. ولا يحاول إطلاقًا أن يخدش أي إنسان، مهما كان خاطئًا أو مخطئًا في تصرفه..
وهكذا تحدث السيد المسيح له المجد مع المرأة السامرية الخاطئة، دون أن يجرح شعورها. ولم يكلمها عن التوبة والتعفف والطهارة، بل حدثها عن الماء الحي والسجود لله بالروح والحق (يو4).

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:03 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
الإدانة ومسك السيرة

في عدم احترام المتكبر للغير، يتكلم عنه بأسلوب غير لائق، فيه الإدانة والشتائم، وألفاظ التجريح والألفاظ القاسية، كأنما غره بلا شعور ولا إحساس أمامه! وفي كل ذلك ينسي قول الكتاب:
"لا شتامون.. يرثون ملكوت الله" (1كو6: 10).
وقد وضع الرسول هؤلاء الشتامين ضمن قائمة من أصحاب الخطايا البشعة، كالظالمين والطماعين والسارقين والفسقة وعبدة الأصنام..! وربما المتكبر وهو يشتم غيره، لا يحسب أنه يرتكب إثمًا بشعًا.. وقد يظن أنه من حقه أن يشتم وأن يدين! وقد يضع شتائمه في قائمة الغيرة المقدسة والرغبة في الإصلاح أو التعليم. كبرياؤه تقوده إلي شيء آخر هو البر الذاتي..

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:04 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
البر الذاتي

المتكبر بار في عيني نفسه. وقد يكون أيضًا "حكيمًا في عيني الناس" بينما يقول الكتاب "لا تكن حكيمًا في عيني نفسك" (أم 3: 7). وقد وبخ هذا النوع من الناس فقال "جاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا يكون حكيمًا في عيني نفسه" (أم 26: 5). من الصعب أن يعترف هذا النوع من الناس أنه مخطئ.
هناك أناس -من الصعب وربما من المستحيل- أن يعترفوا بأنهم قد أخطأوا!
حتى لو كان الخطأ واضحًا، سواء في رأي أو في تصرف..!
ولكن كبرياء القلب تأبي أن تخدش (العصمة) التي يدعيها المتكبر لنفسه! فلابد أن يدافع عن أخطائه، وأن يقاوم، وأن يهاجم من يكشف له خطأ أو عيبًا. ولابد أن يبرر ذاته بكافة الطرق. فتقوده الكبرياء إلي المكابرة..

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
المكابرة

أو ما يسمونه بالعامية (المقاوحة).. إنه يريد أن ينتصر في مجادلته بأية الطرق! ورغبته في الانتصار تبعده عن الحق، وتركزه حول الذات.
والمكابرة سببها في المتكبر: التشبث بالرأي أيًا كان!
وقد ينفر الناس من أسلوب المتكبر في مجادلته وتشبثه برأيه، مما لا يؤدي إلي أية نتيجة، إلا إلي ضياع الوقت وإرهاق الأعصاب، فيبعدون عن النقاش معه، حرصًا على سلامهم القلبي، ولكي لا يدخلوا في صراع معه.، .وربما يكلمهم أو يكاتبهم فلا يجيبون..
وهكذا تؤدي به المكابرة والتشبث بالرأي إلي اعتزال الناس له.
أو قد يؤدي ذلك إلي انطوائه عن الناس ترفعًا وكبرياءً. وتتعبه العزلة وترهق أعصابه، فيزداد عنفًا إن دخل في نقاش.
وإذا طرقت المناقشة والمكابرة موضوعًا لاهوتيًا أو عقيديًا، فقد يسقط المتكبر في البدعة أو الهرطقة.

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:06 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
البدعة أو الهرطقة

كل الهراطقة والمبتدعين كانوا متكبرين وعنفاء بلا استثناء.
ويندر أن يكون أحدهم قد وقع في الهراطقة عن جهل. لأن الجاهل -إن كان متواضعًا- يقبل التصحيح ويقبل تغيير رأيه.
أما المتكبر فلا يستطيع. لا يمكنه أن يقول إنه قد أخطأ. وهكذا يستمر في فكره المنحرف، ويدافع عن هذا الفكر، ويحاول أن يجد له إثباتات، أو أن يطوع تفسير آيات الكتاب لرأيه. وبذلك يثبت في أخطائه العقيدية، وتتحول بسبب كبريائه من أخطاء إلي هرطقة..
وربما تقنع الكبرياء إنسانًا أن يأتي بشيء جديد لم يطرقه أحد من قبل، أو لم يكتب فيه الآباء، حتى لو كان غير مألوف أو غير مقبول.
وهكذا يقع في البدعة، إذ يبتدع شيئًا جديدًا، ويعجب بنفسه أنه قد أتي بجديد. وربما يري في الجديد شيئًا مشوقًا، فيعمل على نشره منتظرًا أن يجلب لنفسه شهرة ومديحًا كصاحب فكر!!

وتقوده البدعة إلي أن "يرتئي فوق ما ينبغي" (رو12: 3).
فيتحدث عن أمور ربما لم يتعرض لها الكتاب في صراحة. أنة لم تتعرض لها أقوال الآباء، أو هي فوق إدراكنا.. وفي كبريائه يستحي أن يقول "لا أعرف".. فيبدي رأيه، ثم يحاول أن يثبته. وقد يعتمد على مراجع غير دينية. ولا يشاء أن يقول إن ذلك مجرد رأي، أو أنه مجرد مفهومه الخاص..
وبالكبرياء يحاول أن يقدم رأيه الخاص كأنه عقيدة!!
أو أن يعتبر رأيه هو رأي الكنيسة وتعليمها! ويندهش إن سأله أحد "ما هو المرجع الذي اعتمدت عليه؟"، ظانًا في نفسه أنه هو المرجع الذي يعتمد عليه الآخرون!
حقًا، إن التكلم في اللاهوتيات يحتاج إلي تواضع قلب وإلي تواضع فكر.
والمتكبر يظن أنه يفهم أكثر من غيره. فلا يقبل تصحيح غيره له. لأنه من هو الذي يفهم أكثر منه، حتى يصحح له؟!
وهكذا فإن هرطوقيًا مثل أريوس، لم يغير رأيه بتوجيه البابا بطرس خاتم الشهداء، ولا قبل أيضًا توجيه البابا ألكسندروس، ولم يخضع للمجمع المكاني الذي عقده البابا ألكسندروس وحضره مائة أسقف من أساقفة الكرازة المرقسية في مصر وليبيا.
ولم يقبل شيئًا من اقناعات القديس أثناسيوس. بل لم يقبل حكم المجمع المسكوني العظيم المنعقد في نيقية والذي حضره 318 من الأساقفة ورؤساء الأساقفة يمثلون كنائس العالم كله. وظل متمسكًا بفكره الخاطئ، لا يعبأ بأسقف ولا ببطريرك ولا بمجمع!! وهذا يدل على خطية أخري هي:

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
العناد | نتائج أخرى للكبرياء

المتكبر عنيد. والهرطوقي أيضًا عنيد، والمبتدع عنيد. فإن صادفت إنسانًا عنيدًا، اعرف أن وراء عناده كبرياء.
وإن وجدت هرطوقيًا، أعرف أن من أسباب هرطقته العناد والكبرياء.
والعناد يدخل في أمور أخري غير اللاهوت والعقيدة. وهو على أية الحالات طبع منفر، كأمه الكبرياء، يقود أيضًا إلي العزلة والانطواء.
نتائج أخري:

للكبرياء نتائج أخري وعلامات كثيرة. لعل من بينها المجد الباطل، ومحبة المديح والكرامة، والتعالي، والتمركز حول الذات، والتقدم على الآخرين.. وأمور أخري عديدة..

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:10 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
المتكبر يرتفع فيسقط.. والمتكبر دائمًا يبرر ذاته | المتكبر يفقد حياة الوداعة وحياة التوبة..

  1. المتكبر يرتفع فيسقط
  2. المتكبر يبرر ذاته
  3. العجرفة
  4. التجارب والمواهب

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:11 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
المتكبر يرتفع فيسقط

شرح القديس أوغسطينوس أن المتكبرين يبيدون كالدخان، فقال:
الدخان يرتفع جدًا إلي فوق. وفيما هو يرتفع يتبدد وينتهي.
بعكس اللهيب الذي لا يرتفع كالدخان، ولكنه يبقي بقوته.
وقال هذا القديس في تفسير المزمورين 37، 73.
يقول المزمور "رأيت الشرير مرتفعًا إلي فوق، وقائمًا أعلي من أرز لبنان" (مز37: 35). فلنفترض إذن أنه مرتفع إلي أعلي، وأنه متشامخ فوق الباقين. ولكن ماذا بعد هذا؟ يستطرد المرتل فيقول عنه: "عبرت عليه، فإذا هو ليس بموجود. طلبته فما أمكن أن يعثر له على مكان".. تمامًا كما لو كان دخانًا، هذا الذي عبرت عليه.

قيل أيضًا عن مثل هذا في المزمور إنه سيفنون ويتبددون مثل الدخان. يقول "فنوا مثل الدخان، فنوا" (مز7: 20).. تمامًا مثل الدخان الذي يتبدد فيما هو يرتفع إلي فوق.. فهو في ذات صعوده إلي اعلي، ينتفخ إلي حجم اكبر. وعلي قدر ما يعظم حجمه، تنحل مادته.. وهكذا تلاحظ أن نفس عظمته كانت قاضية عليه. لأنه كلما ارتفع وامتد غلي أعلي، تزداد رقعته ويخف، ويقل ويضيع ويضمحل.
هكذا أعداء الله: عندما يبدأون أن يتمجدوا ويرتفعوا، سريعًا ما يفنون تمامًا كالدخان.."
[القديس أوغسطينوس]
هنا ونذكر أشخاصا، حينما تعينهم النعمة، ويجدون أن حياتهم قد تغيرت إلي أفضل، يفتخرون قائلين: "حياتي قد تغيرت وتجددت. صرت إنسانا آخر". ويشرحون اختباراتهم للناس، بطريقة "كنت.. وأصبحت.."!
وإذ يفتخر الشخص بارتفاعه، تبعد عنه النعمة، فيسقط.. ليته يتذكر قول الكتاب في ذلك:
"من يظن انه قائم، فلينظر أن لا يسقط" (1كو 10: 12).
إن كنت قائمًا، فلا تظن قيامك وضعًا دائمًا لا يتغير. وتذكر القديسين الذين سقطوا. وهكذا يتضع قلبك، وتحترس لنفسك.
إن الاتضاع يحفظك، لأن الرب قريب من المنسحقين بقلوبهم.
فالإنسان المتضع: إذ يعترف بضعفه، فإنه يخاف فيحترس ويدقق. وهكذا يبعد عن العثرات فلا يسقط. أما المتكبر فيعتز بقوته ولا يبالي، فتضربه الخطية من حيث لا يدري.
إن الشيطان له خبرة آلاف السنين في محاربة بني البشر.
وقد يجدك محترسًا من خطية معينة، فلا يحاربك بها. ولكنه يهاجمك من جهة أخري ظننت نفسك فيها قويًا، يسقطك..
وربما لا يحاربك إلي فترة طويلة، حتى تظن أنك قد ارتفعت فوق مستوي الحروب، وتستهين بالاحتراس، .وحينئذ يرجع إليك وأنت غير مستعد في ارتفاع قلبك هذا. وإذا تسقط، تتأكد أنك لست فوق السقوط!
لا تظن إذن أن السقوط هو فقط للمبتدئين!
وانك لست من المبتدئين! بعد أن قطعت شوطًا في الحياة الروحية.
فإنك عندما كنت متضعًا ومحترسًا، كنت تصلي بحرارة طالبًا من الله أن يهبك معونة لكي لا تسقط. أما الآن فأنت لا تصلي لأجل هذه المعونة، بل ربما تطلبها لأجل الآخرين فقط المعرضين وحدهم للسقوط، وليس أنت! وهكذا تبقي بلا معونة فتسقط..
تأمل ماراسحق في عبارة "قبل السقطة تكون الكبرياء" فقال:
علي قدر ظهور العظمة في النفس، على قدر ما تكون السقطة، ويكون الانكسار المسموح به من الله. فإن الله لا يرفض الإنسان ويتخلي عنه، إلا إذا وجد عقله متفاوضًا مع أفكار العظمة.
فالذين يخرجون عن طريق الاتضاع، يتعرون من المعونات الإلهية ويسقطون.. فالمتعظم بالمعرفة يُهمل، فيسقط في فخاخ الجهل المظلمة.
إن داوم الإنسان على الكبرياء، حينئذ يبتعد عنه الملاك المعتني به، الذي إذا ما كان قريبًا منه، حرك فيه الاهتمام بالبر. ولكن بابتعاده عنه، يقترب منه المحتال، ولا يدعه يدرك شيئًا من عمل البر.
حقًا، أليس ارتفاع القلب هو سقطة الشيطان..
يقول له سفر حزقيال "قد ارتفع قلبك" (خر28: 1)."أرتفع قلبك لبهجتك. أفسدت حكمتك لأجل بهائك" (حز28: 17).
ويقول عنه سفر إشعياء "أنت قلت في قلبك: أصعد إلي السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصعد فوق مرتفعات السماء. أصير مثل العلي. لكنك انحدرت إلي الهاوية، إلي أسافل الجب" (أش14: 13- 15).
لم يقنع بما كان له من مجد، فاشتهي مجدًا أكبر. ففقد ما كان له. وهكذا الإنسان الأول: اشتهي مجد الألوهية، ففقد مجد بشريته!
العجيب أن غالبية المتكبرين يدعون أنهم غير متكبرين.
وهذا بلا شك من كبريائهم، إذ أنهم على الدوام يبررون ذواتهم. وبهذا يقعون في خطية أخري هي تبرير الذات.

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:13 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
المتكبر يبرر ذاته

باستمرار يدافع عن نفسه. لا يحب مطلقًا أن يبدو في صورة الخاطئ. هو دائمًا "بار في عيني نفسه". ويريد أيضا أن يكون بارًا في أعين الناس. وإن نبهه أحد إلي خطأ واضح، ربما يحاول أن يغطيه بالكذب أو بالأعذار، بعيدًا عن الاعتراف والتوبة.
أبونا آدم لم يعترف بخطيئته، بل حاول أن يبرر ذاته. وهكذا فعلت أيضًا أمنا حواء (تك 3). ونحن ورثنا عنهما تبرير الذات.
الخاطئ يضيف إلي خطيئته التي يبررها، خطيئة التبرير.
وما أكثر الحيل التي يلجأ إليها المتكبر في تبرير ذاته: منها إلقاء التبعة على غيره، أو على الظروف المحيطة. ومنها الإنكار، أو وإدعاء القصد السليم، أو الناس لم يفهموه على حقيقته. وغير ذلك من الأسباب التي تخرج جميعها عن النطاق الروحي..!
ما أصعب كلمة "أخطأت" على المتكبر.. إنها تجرحه..
وقد يقولها أحيانًا إن كانت تجلب له مديحًا! أو إن كانت صورة الاتضاع الزائف ترضي كبرياءه.. ولكنه في داخله لا يشعر إطلاقًا بأنه قد أخطأ. تخرج الكلمة من فمه وليس من قلبه. وقد يقول كلمة "أخطأت" -إن قالها- بلون من السياسة، وليس بروح الاتضاع..
المتكبرون لا يعترفون، وإنما يدينون غيرهم، ليستروا أنفسهم.
لابد أن يكون غيرهم هو المخطئ، إذ ليس من المعقول أن يكونوا هم المخطئين! كما لو كانوا معصومين في كل تصرفاتهم!
لذلك فالمتكبر كثير الجدل والنقاش لتبرير ذاته.
التعامل معه ليس سهلًا. والتفاهم معه ليس سهلًا.
التفاهم عنده ليس معناه أن يفهم رأي غيره أو يقبله. إنما تفاهمه مع الغير، معناه أن يقبل هذا الغير رأيه ويقتنع به..
وإن لم يقتنع غيره برأيه، قد يثور ويغضب. ويعالج الموضوع بأعصابه، مادام لم يستطع معالجته بالرأي والفكر والإقناع.
لهذا فإن الغضب زميل للكبرياء، يلازمها كثيرًا وتلازمه.
وفي كل ذلك يفقد المتكبر وداعته. بعكس الإنسان المتواضع، فإنه إنسان رقيق لطيف وديع، سهل التعامل مع الآخرين. لذلك فهو محبوب من الكل. يخضع لهم بروح الحب فيكسبهم. وإن صادفته مشكلة يحلها بوداعة الحكمة (يع 3: 13).
أما المتكبر، فإنه لا يخطئ فقط من الناحية الروحية، بل من الناحية الاجتماعية أيضًا، إذ يفقد محبة الكثيرين بسبب كبريائه.
والمتكبر في تبريره لذاته يبعد عن حياة التوبة.
لأنه كيف يمكن أن يتوب إنسان، إن كان باستمرار بارًا في عيني نفسه؟! فهل يحتاج الأصحاء إلي طبيب؟! (مت 9: 12). أو كيف يستطيع هذا المتكبر أن يصلح أخطاءه، إن كان باستمرار يبررها؟! وكأنه بلا خطية!
أنت لا تترك خطأ من الأخطاء، ما لم تعترف أولًا بينك وبين نفسك أنه خطأ، أما إذا اعتقدت أنك على صواب، فسوف تبقي حيث أنت، لا تغير في نفسك شيئًا..
إن مشكلة العزة بالنفس والكرامة والكبرياء الذاتية، هي التي تعوق الإنسان عن الاعتراف بأخطائه، حتى أمام أب اعترافه!
قد يعترف ببعض الخطايا التي لا يخجله ذكرها، ويخفي الباقي، أو يمر عليه مرورًا عابرًا، أو يشير إليه من بعيد، أو يقوله دمجًا، أو يقوله ويبرره.. وقد لا يعترف إطلاقًا، ويتحول اعترافه إلي شكوى ضد غيره. وكأنه أمام أب الاعتراف يعترف بخطايا غيره وليس بخطاياه هو!
وفي تبرير الإنسان لذاته، قد يسمي خطاياه بأسماء فضائل!
فقد يسمي ما يقع فيه من خبث ومكر ودهاء، بأنه لون من الحكمة! وقد يسمي تدليله الخاطئ لأطفاله بأنه حب وحنان، بينما يسمي قسوته بأنها حزم وتربية، ويسمي إدانته للآخرين وثورته الخاطئة على الأوضاع، بأنها غيرة مقدسة ورغبة في الإصلاح.. وهكذا مع باقي التصرفات..
علي أن أخطر ما في تبرير الذات وما في المكابرة، أن يبدأ المتكبر المخطئ في أن يفلسف أخطاءه ويبررها فكريًا ليقنع الناس بها!
وهنا يوجد جوًا من البلبلة الفكرية، حتى يحار البعض أين هو الحق؟! إن تبرير الذات في تصرفاتها هو تبرير سلوكي يتعلق بالشخص نفسه وحده،أما تبريرها فكريًا، فهو يتعلق بالقيم والمبادئ، ويأخذ اتجاهًا عامًا.. لذلك فإن التبرير الفكري للأخطاء له خطورة كبيرة. فإن الحق ليس هو الهدف فيه، وإنما الذات. ويندفع الشخص فيه متأثرًا بعوامل نفسية.
المتكبر -في تبريره لذاته- كل ما يهمه هو رأي الناس فيه، ولا يهمه مصير هذه الذات في الأبدية، مركزًا على توقير الناس لها!
فهو يدافع عن نفسه، ويدافع عن أفكاره وتصرفاته. ويشرح، وقد يعثر الغير في شرحه. وهو لا يهتم بشيء من ذلك. إنما المهم عنده هو أن تخرج ذاته بريئة سليمة بعيدة عن اللوم.
وقد يؤدي تبريره لذاته ودفاعه عنها، إلي اتهام الغير أو تجريحه ولا بأس لديه من ذلك، مادام ذاته هو تصل إلي تبرير يرضيها..
وفي تبرير الذات في أخطائها الفكرية، وقع البعض في البدعة أو في الهرطقة وأصروا على ذلك، إذ منعتهم كبرياؤهم من الاعتراف بالخطأ.
في تبرير أخطاء الذات، يفقد المتكبر كل سلطان عليه، ويتولي قيادته روح الكبرياء وعزة النفس.
والعجيب أن الذين يبررون ذواتهم، قد يصلون طالبين مغفرة خطاياهم. وهم في داخل أنفسهم لا يرون أنهم خطاة في شيء!!
في الحقيقة أن تبرير الذات لا يفيدها، إنما تفيدها التوبة.
لأن التوبة تنقي الذات، بينما التبرير يعمل على تغطية الذات مع بقائها في أخطائها. والتوبة تعني كشف الذات ومعرفة أخطائها، وتبكيتها على هذه الأخطاء. ولكن المتكبر للأسف الشديد، ترفض ذاته أن تنكشف وأن تعترف بالخطأ. فيبقي بعيدًا عن التوبة.
إن الذي يظن في نفسه أنه شيء، يكبر في عيني نفسه، ويريد أن يكبر في أعين الناس. وربما يكبر في علاقته مع الله، ويقع بذلك في التجديف! كما حدث مع الشيطان وكثير من الملحدين.

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:15 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
العجرفة

هناك ثلاثة أنواع من العجرفة تصيب المتكبرين..
وهذه هي العجرفة. ويقسمها البعض إلي ثلاثة أنواع:
عجرفة علمانية، وعجرفة رهبانية، وعجرفة في العقيدة واللاهوتيات.
· العجرفة العلمانية هي أن ينتفخ الإنسان من الداخل. وتظهر الكبرياء في نظراته، وفي مشيته وجلوسه، وفي مظهره الخارجي، وفي أسلوب كلامه.. يمشي في خيلاء وعظمة، ويتخذ مظهرًا ارستقراطيًا في كل تعاملاته..
· أما العجرفة الرهبانية، فتظهر في الافتخار بالصمت والوحدة، ولبس الخيش. كل ذلك من الخارج، دون التدرب في الداخل على نقاوة القلب والفكر وممارسة ثمر الروح (غل5: 22، 23). ومثل هذا الراهب يتعالي على زملائه الرهبان، ويحتقر وينتقد الذين ليسوا في نسكه ووحده.
· أما العجرفة في مجال العقيدة واللاهوتيات، فتظهر في الذين يسعون إلي التكلم بألسنة، ويقولون إنها علامة الملء بالروح.. ويتحدثون عن اختباراتهم علنًا ومن فوق المنابر. ويدعون منح الروح القدس بوضع أيديهم على الناس. ويقولون إن الشيطان تحت أقدامهم، يدوسونه بأرجلهم..!

· وقد يدعي بعضهم المعرفة اللاهوتية، وأنه يأتي فيها بجديد لم يدركه غيره، فيقع بذلك في البدعة والهرطقة..!
العجيب أن كثيرًا من الذين تكبروا، أو غالبية الذين تكبروا، كانوا من الذين قد أحسن الله إليهم، أو وهبهم إحدى المواهب.
إنسان يمنحه الله ذكاءً، أو لونًا من الفن، فينتفخ بسبب ذكائه أو فنه. وآخر يمنحه الله طاقة أو قدرة على العمل. فتكبًر ذاته بسبب قدرته. وثالث يمنحه الله غني، فينتفخ بسبب غناه، أو يسمح الله لإنسان أن يتولي منصبًا عاليًا أو وظيفة مرموقة، فيرتفع قلبه بسبب مركزه أو وظيفته.. وإذا به ينظر إلي الناس من فوق، أو يتجاهل أصدقاءه القدامى.
أمثال هؤلاء لم يحتملوا كرامة المركز والغني، ولا كرامة الذكاء والطاقة. وكما قال القديس أنطونيوس الكبير في ذلك:
هناك من يستطيعون أن يحتملوا الإهانة، ولا يحتملون الكرامة. لأن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة.
لأن كثيرين ممن نالوا كرامة، انتفخوا وارتفع قلبهم من الداخل، وفقدوا الاتضاع والوداعة. ومثلهم أيضًا من نالوا مواهب عقلية أو فنية، أو حتى مواهب روحية، دفعهم ذلك إلي الكبرياء أو على الأقل إلي الإعجاب بالنفس! حتى تلاميذ المسيح أنفسهم أدركهم الإعجاب بالنفس، لما خضعت لهم الشياطين بالموهبة التي منحها الرب إياها. وقالوا له وهم فرحون "يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك". فقال لهم "لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم. بل افرحوا بالحري أن أسماءكم قد كُتبت في السموات" (لو10: 17، 20).
ولأجل هذا قال أحد الأدباء:
"إذا منحك الله موهبة، اطلب منه أن يهبك تواضعًا ليحميها. وإلا فليأخذها منك".
وذلك حتى لا يرتفع قلبك بسبب الموهبة، فتسقط..
حقًا إن المتواضعين فقط هم الذين يأتمنهم الرب على مواهبه. كما قيل في الكتاب "أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6) (أم 3: 34).
لهذا أختار الرب أكثر العذراوات اتضاعًا لكي يتجسد منها. وتستطيع بتواضعها أن تحتمل هذه الكرامة العظيمة.
هذه التي قالت لها القديسة أليصابات "من أين لي هذا، أن تأتي أم ربي إليً؟!" (لو1: 43)،ومع أنها أم الرب، إلا أنها قالت للملاك المبشر لها "هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك" (لو1: 38). حقًا إن القدير "نظر إلي أتضاع أمته" (لو1: 48).
وهكذا باتضاعها احتملت حلول الروح عليها وعمله فيها، واحتملت أن تحوي جمر اللاهوت داخلها "واحتملت الرؤى وظهور الملائكة وكل المعجزات التي صاحبت ميلاد الرب منها. ولم تتحدث كثيرًا عن كل تلك الأمجاد. بل قيل عنها إنما كانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" (لو2: 51).
وهكذا تلاميذ الرب، اختارهم من بين فئات متواضعة:
فقيل "اختار الله جُهَّال العالم ليخزي الحكماء. واختار ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود، ليبطل الموجود. لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه" (1كو1: 27-29).
واختار موسي "الأغلف الشفتين" (خر6: 30)، العارف بضعفه، الذي قال للرب -حينما دعاه- "لست أنا صاحب كلام، منذ أمس ولا من حين كلمت عبدك. بل أنا ثقيل الفم واللسان" (خر4: 10). هذا العاجز عن الكلام، دعاه لكي يكون كليم الله، وصاحب المعجزات!

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
التجارب والمواهب

الذين منحهم الرب مواهب، سمح لهم بالتجارب لتحميهم من الكبرياء.
· لنأخذ بولس الرسول كمثال:
كان صاحب رؤى كثيرة، رأي الرب حينما عاتبه الرب ودعاه وهو في طريق دمشق (أع 9). وظهر له الرب أيضًا في كورنثوس في رؤيا بالليل وقال له "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت. لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك. لأن لي شعبًا كثيرًا في هذه المدينة" (أع 18: 9، 10). وظهر له في الله في أورشليم، وقال له "أذهب، فإني سأرسلك بعيدًا إلي الأمم" (أع22: 17، 21). وظهر له الرب مرة أخري وقال له "ثق يا بولس، لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم، هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضًا" (أع23: 11).
بولس هذا الذي تعب في الخدمة أكثر من جميع الرسل (1كو14: 18)، والذي كان رجل استعلانات، يقول أخيرًا، هذا الذي اختطف إلي السماء الثالثة (2كو 12: 2): "ولئلا ارتفع بفرط الاستعلانات، أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع.." (2كو 12: 7).

سمح الله لشيطان أن يضرب بولس بشوكة في الجسد لئلا يرتفع.
واستمرت هذه الشوكة معه في جسده، تشعره بضعفه، حتى لا يرتفع قلبه من فرط ما وصل إليه من مجد روحي. علي الرغم من أنه تضرع إلي الله ثلاث مرات ليشفيه. ولكن الرب قال له "تكفيك نعمتي" (2كو 12: 8، 9). لأن قوة الله تظهر كاملة في ضعف هذا الرسول..
* مثال آخر، هو داود النبي:
داود صاحب المزمار والقيثار والعود، الذي له مواهب في الشعر وفي الموسيقي. وهو رجل حرب "جبار بأس" (1صم 16: 18). هو الذي هزم جليات (1صم 17). وقبل ذلك قتل الدب والأسد في شجاعة، ولم يخف منهما (1صم 17: 35، 36). داود هذا، بما له من موهبة النبوة. وقد صار مسيحًا للرب، بعد أن مسحه صموئيل النبي، وحل عليه روح الرب (1صم 16: 13).
داود هذا بكل مواهبه، سمح الله أن يقوم ضده شاول الملك بكل عنف، ويذل حياته. ويطارده من برية، ويدبر المؤامرات لقتله.. وعاش ذليلًا أمام شاول، حتى قال عن نفسه إنه برغوث، وكلب ميت (1صم 24: 14).
بل سمح الله أن يسقط داود ويخطئ. فكانت سقطته هذه سبب ذل لنفسه من الداخل، وحياة غارقة في البكاء والدموع، حتى قال "تعبت في تنهدي. في كل ليلة أعوم سريري. بدموعي أبل فراشي" (مز6: 6). وقال للرب:
" خير لي أنك أذللتني، لكي أتعلم فرائضك" (مز119: 71).
نعم، كان خيرًا له ذلك الذل الذي عاش فيه، الذي يقيم توازنًا في داخله مع مجد النبوة، ورفاهية الملك، وموسيقي الناي والعود..!
إنه درس روحي عميق، نتعلمه من هذا المزمور أن الله قد يسمح بالذل لأحد أبنائه من الأنبياء، لأن ذلك خير له، لكي يتضع قلبه، ولا تحوله الأمجاد المحيطة به إلي الكبرياء.
· مثال ثالث هو أيوب الصديق:
سمح له الرب بذل من نوع الآخر، فيه الفقر والمرض وتحقير أصدقائه له.. هذا الذي شهد له الله مرتين إنه كامل ومستقيم (أي 1: 8) (أي 2: 3). وأنه "ليس مثله في الأرض، ويتقي الله ويحيد عن الشر".
وإلي جوار بره، كانت تحيط به العظمة من كل جانب: كان "أعظم كل بني المشرق" (أي 1: 3). وكان محترمًا جدًا من الناس."رآه الغلمان فأختبأوا، والشيوخ قاموا ووقفوا" "الأذن سمعت فطوبته، والعين رأت فشهدت له" (أي 29: 8، 11)." أنقذ المسكين والمستغيث واليتيم ولا معين له"، "كان أبًا للفقراء، وعيونًا للعمي، وأرجلًا للعرج" (أي 29: 12-16).
ولهذا كله سمح الله بتجربة لأيوب. كانت شديدة. ولكنها كانت لازمة له لتنقذه، حتى لا يكون بارًا في عيني نفسه" (أي 32: 1).
أن الله يهمه جدًا سلامة أولاده من الكبرياء المهلكة للنفس، لذلك فهو بالتجارب والضيقات، أو بالآلام والأمراض، يحمي نفوسه حتى لا يضرهم المجد المحيط بهم، أو شعورهم بحياة البر التي يحيونها.
* مثال رابع هو يعقوب أبو الآباء:
هذا الذي أحبه الله قبل أن يولد (رو9: 11-13). والذي قيل له في بركته "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك"، "ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل" (تك 27: 29)،يعقوب هذا الذي ظهر له الله في أعلي سلم منصوبة بين السماء والأرض والملائكة صاعدة ونازلة عليها. وباركه الله وقال له: ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب.." (تك 28: 12-15).
يعقوب هذا الذي "جاهد مع الله والناس وقدر" (تك 32: 28)، ومنحه أسمًا جديدًا. وقد نظر الله وجهًا لوجه (تك 32: 30)..
يعقوب هذا -لكي يشعر بضعفه فلا يتكبر- "ضربه الله على حق فخذه"، وخرج من مصارعته مع الله "وهو يخمع على فخذه" (تك 32: 30).
ولعلك تسأل: لماذا يا رب تضرب يعقوب على فخذه، فيعيش كمعوق كل أيام حياته؟ وتكون الإجابة: لأن ذلك نافع له، وأفضل من أن تضربه الكبرياء فيهلك..
ونفس الوضع بالنسبة إلي بولس الرسول: أعطي شوكة في الجسد، "لكي لا يرتفع من فرط الإعلانات". وكذلك أيوب الصديق: ضُرب بقرح رديء من باطن قدمه إلي هامته" لكي لا يكون بارًا في عيني نفسه"..
إن الله يهمه بالدرجة الأولي مصير أبنائه في الأبدية. فإن كانت الضربات التي تصيبهم على الأرض نافعة لأبديتهم، إذ توصلهم إلي انسحاق القلب، فلا مانع منها. وفي هذا يقول القديس بولس الرسول:
" لذلك أسر بالضيقات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2كو 12: 10).
الضعفات والضيقات تمنع الكبرياء، وتوصل إلي تواضع القلب. وأيضًا في هذه الضيقات -إذ يشعر الإنسان بضعفه- يلجأ إلي الله فيأخذ منه قوة. ولهذا قال القديس بولس الرسول:
" أفتخر بالحري في ضعفاتي، لكي تحل عليً قوة المسيح" (2كو 12: 9).

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:18 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
الذات سبب الكبرياء


  1. الذات تريد أن تكبر
  2. الغرور
  3. الذاتية ومحاولة تحقيق الذات
  4. السيطرة
  5. الطمع
  6. كلمة أنا

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:22 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
الذات تريد أن تكبر

يقع في الكبرياء الإنسان الذي يهتم بذاته بطريقة خاطئة، أو أنه يحب ذاته بطريقة خاطئة. فهو يكبر في عيني نفسه. ويحب أن يكبر في أعين الناس. بل يحب أيضا أن يكبر أكثر من غيره.
· مثال للذي يكبر في عيني نفسه.
كالشخص الذي يطيل النظر في المرآة، يتأمل محاسن نفسه..!
أو كالذين أرادوا في القديم أن يبنوا برج بابل، وقالوا بعضهم لبعض:" هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه في السماء، ونصنع لأنفسنا اسمًا" (تك11: 4).. صدقوني يا أخوتي ربما كان هؤلاء أقل كبرياء في أعين أنفسهم من الذين قالوا: نصعد إلي القمر، نرفع عليه علم بلادنا، نصعد أيضًا إلي المريخ. نمهد إلي سكني الكواكب أو ننظم رحلات إليها.
كلها أمثلة للعقل البشري، حينما يكبر في عيني نفسه، ويتصور تصورات أو تخيلات تليق بهذا اللون من الكبر.
* أما الذي يريد أن يكبر في أعين الناس، وأن يمجدوه:
فهو مثل هيرودس الملك، الذي وهو يخاطب الناس من على عرشه، سر أن يمجده الناس قائلين "هذا صوت إله، لا صوت إنسان" (أع 12: 22). ففي الحال ضربه ملاك الرب بسبب كبريائه، فمات وأكله الدود.
ومثال آخر هو هامان -في عهد أحشويرش الملك- الذي اضطهد مردخاي لأنه لم يسجد له مثل سائر الناس الذين يمجدونه (إس 3: 3-6).
* على أن البعض لا يكفيه أن يكبر، بل يريد أن يكبر أكثر من غيره.
مثال ذلك أبشالوم بن داود الملك، الذي أراد أن يصير أكبر من أبيه، وأن يجلس على العرش بدلًا منه. ودخل في حرب ضده (2 صم 15-18).
· والذي يريد أن يكون أكبر مكن غيره، يقع في حب الرئاسة.
وذلك ليكون اعلي من غيره قدرًا. وقد حورب الآباء الرسل بهذا الأمر: من يكون الأول فيهم. فقال لهم السيد الرب "أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا. ومن أراد أن يكون فيكم أولًا، فليكن لكم عبدًا" (مت 20: 25-27).
* وطبيعي أن الذي يحب أن يكون الأكبر، يكره أن يكون هناك من هو أفضل منه. ونتيجة لهذا تدب فيه روح الغيرة والحسد:
فلما رأي شاول الملك آن الفتى داود قد ناله مديح أكثر منه، بعد أن انتصر على جليات الجبار، تملكته الغيرة والحسد، فأراد قتل داود أكثر من مرة، وطارده من مكان إلي آخر، وتغير قلبه من جهته (1 صم 18: 7- 15).
أيضًا قايين قام على أخيه هابيل وقتله. لأن الرب قبل ذبيحة هابيل ولم يقبل تقدمته هو، فتملكته الغيرة والحسد التي انتهت به إلي القتل.
كذلك أخوة يوسف الصديق: لما رأوا انه قد صار أفضل منهم، بالأحلام التي حكاها لهم، وبالقميص الملون الذي منحه أبوه إياه، لذلك حسدوه، وازدادوا أيضًا بغضًا له. واحتالوا عليه ليميتوه. وأخيرًا باعوه كعبد (تك 37).
نفس الغيرة أيضا دبت بين أختين شقيقتين هما ليئة وراحيل، من أجل الأفضلية في أنجاب البنين، وفي كسب محبة الزوج (تك 29: 31-35). حتى " قالت راحيل: مصارعات الله قد صارعت أختي" (تك 30: 8).
* عجيب أن يشعر إنسان بكبره، لأسباب تحيط بذاته من الخارج.
مثال ذلك سليمان الملك، الذي شعر بذاته لسباب كلها خارجة عنه، مثل قوله "بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتًا، غَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُومًا. عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ.. عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا الْمَغَارِسُ الْمُنْبِتَةُ الشَّجَرَ. قَنَيْتُ عَبِيدًا وَجَوَارِيَ.. وَكَانَتْ لِي أَيْضًا قِنْيَةُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا فِي أُورُشَلِيمَ قَبْلِي.." وعجيب أنه قال بعد كل تلك الأسباب الخارجية: "فعظمت وازددت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم" (سفر الجامعة 2: 4-9).
بينما المفروض أن تكون أسباب العظمة من الداخل، كقول المزمور:
"كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز45: 13).
علي الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة". ومع ذلك ما أكثر الذين يكبرون في أعين أنفسهم أو في أعين الناس بأسباب خارج الذات مثل السلطة والغني والمركز وما أشبه.
* على أن البعض قد يكبر بسبب ذاته: كأن يكون حكيمًا في عيني نفسه، أو بارًا في عيني نفسه.
الحكيم في عيني نفسه، يعتد برأيه وبفكره. ويظن باستمرار أنه على صواب، وأن الحق في جانبه. بينما يقول الكتاب: "على فهمك لا تعتمد"، "ولا تكن حكيمًا في عيني نفسك" (أم 3: 5، 7).
والحكيم في عيني نفسه، لا يري أنه محتاج إلي مشورة أو أي نصح. لأنه مكتف بذاته من جهة الفك، وواثق بمعرفته. بل قد يصل في ذلك إلي مقاومة الرأي الآخر، في عناد وتشبث برأيه.
أما البار في عيني نفسه، فهو الذي يشعر أنه لا يخطئ أبدًا. ولذلك فهو لا يقبل عتابًا. ولا يكون مستعدًا لتغيير مسلكه.

Mary Naeem 10 - 01 - 2014 04:23 PM

رد: كتاب حياة التواضع والوداعة - قداسة البابا شنودة الثالث
 
الغرور

والبار في عيني نفسه، والحكيم في عيني نفسه، كلاهما يصيبهما الغرور.
والمغرور له ثقة زائدة في نفسه. يظن في نفسه أكثر من حقيقتها بكثير. ويعتد بنفسه.
وربما تكون له مواهب أو قدرات تتعبه، وتكون مصدرًا لغروره. أو قد يظن أن له مثل هذه المواهب والقدرات.
المغرور بذاته يعتمد على نفسه. أما المتواضع فيعتمد على الله.
الواثق بنفسه يكون كثير العمل. أما المتواضع فيكون كثير الصلاة.
المغرور إذا نجح، يفتخر بعقليته وجهده وعمله. أما المتواضع فإذا نجح، يشكر الله - لأنه لم ينجح إلا بمعونة منه.
وهذا المغرور قد لا يعمل شيئًا. ولكنه في كثير من الأحيان يسبح في أحلام اليقظة، ويتخيل فيها أنه يقوم بعظائم الأمور!!
وهو قد يقحم نفسه في أمور ربما تكون فوق مستواه، ظانًا أنه يستطيع أن يبدي فيها رأيًا، أن يعمل فيها عملًا. وغالبًا ما يفشل..
وإن فشل أو صدًه الناس، قد ينطوي. يتأمل في وحدته محاسن نفسه ومواهبها، بعيدًا عن مجتمع لا يقدًرها ولا ينتفع بها!!


الساعة الآن 04:22 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025