منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=241243)

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:14 PM

كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
معالم الطريق الروحي
مقدمة

من بين مقالات عديدة جدًا، ألقاها قداسة البابا شنوده الثالث في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بدير الأنبا رويس، خلال الستينات والسبعينات، اختار لنا هذه المجموعة لتشرح لك الطريق الروحي، وعلاماته ومعالمه، وكيف تسير فيه...
أولًا: ما هو الهدف الروحي السليم؟ وكيف تثبت فيه.
ثم ينبغى أن تبدأ، وكما تبدأ تستمر.

وبعدها نناقش البدء، ونعرض كيف أن مخافة الله هي البدء حسب تعليم الكتاب (أم9: 10). ومخافة الله تدعو إلى السير في الطريق السيلم، ولو بالتغصب إلى أن يصل الإنسان إلى محبة الروحيات ومحبة الله...
ثم نعرض بعد ذلك للعمل: العمل الإيجابي، والعمل الداخلي.
وبعد هذا نورد ثلاث مقالات عن الحكمة والإفراز، حيث أن الحكمة يجب أن تتخلل كل عمل روحي وتمتزج به.
ثم نتحدث عن عناصر عامة لا يمكن أن يستقيم بدونها العمل الروحي. وهي صفات الجدية، والالتزام، والتدقيق، والأمانة في العلاقة مع الله، وتبدأ بالأمانة في القليل، حتى يقيمنا الله على الكثير.
وكل هذا يقود إلى حياة الانتصار. ولا يمكن أن ينتصر الإنسان في حياته الروحية إلا إذا انفصل عن كل المجالات الخاطئة. وهنا نكتب لك مقالًا عن (الفصل بين النور والظلمة).
وإذا ما وصل الإنسان إلى قمة العمل الروحي، إنما يصل بالتالي إلى حياة التسليم، وفيها يعيش الإنسان في حياة الشكر الدائم. فكان لابد أن نتحدث عن هذين الموضوعين باعتبارهم من معالم الطريق الروحي. على أنه من صفات الطريق الروحي في كل ما ذكرناه خاصية ذكرها رب المجد في العظة على الجبل، وهي الدخول من الباب الضيق (متى7: 13).
هنا ونسأل ما هي نهاية الطريق الروحي؟
الطريق الروحي هو رحلة نحو الكمال، الوسيلة فيها هي النمو الروحي الدائم.
وعن هذا الموضوع حدثناك أيضًا في آخر هذا الكتاب، وأضفنا إلى ذلك موضوعًا آخر عن عوائق النمو. أترانا قد شرحنا لك كل ما يتعلق بمعالم الطريق الروحي؟ كلا بلا شك. فالحديث عنه هو الحديث عن الحياة الروحية كلها.
ولا تزال هناك موضوعات أخرى، أحب أن أضيفها في جزء آخر إن أحبت نعمة الرب وعشنا.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:17 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
أسباب النجاح في الهدف الروحي


أنت يا أخي سائر في طريق الحياة وأود أن أناقش معك خطة لمسيرتك هذه. ولعل أول سؤال يقابلنا هو: ما هي أسباب نجاح الكثيرين؟
والإجابة هي أن مقومات النجاح كثيرة. وفي مقدمتها أن الذين نجحوا في حياتهم، كانت لهم أهداف قوية وضعوها أمامهم، واستخدموا كل إمكانياتهم لتحقيقها.
ومحبة الهدف والرغبة في تحقيقه منحهم حماسًا وقوة ونشاطًا وروحًا.
كما منحهم الهدف تركيزًا في حياتهم وتنظيمًا لها. أصبحت كل إمكانياتهم وطاقتهم: وكذلك كل أعمالهم سائرة في الطريق هذا الهدف في اتجاه واحد بلا انحراف.
والهدف جعل لحياتهم قيمة.
إذ شعروا بأن هناك شيئًا يعيشون من أجله. فأصبحت حياتهم لها لذة.. حياة هادفة لها قيمتها. وكل دقيقة من دقائق حياتهم صار لها ثمن.
وكلما كان الهدف في حياة ساميًا عاليًا، تكون قيمة الحياة أعظم، وتكون الحمية في القلب نارًا متقدة لتحقيقه.
أما الذي يعيش بلا هدف... فإن حياته تكون مملة وثقيلة عليه...
حياة لا معنى لها ولا طعم، ولا اتجاه ولا ثبات. ويكون مقلقلًا في كل طرقه. وغالبًا ما ينتابه الملل والضجر في أحيان كثيرة بأن حياته رخيصة، وضائعة وتافهة، يبحث فيها عن وسائل لقتل الوقت! لأن الوقت لم تعد له قيمة ولا رسالة...
وكثيرًا ما يتساءل هؤلاء: لماذا نحيا؟ لماذا خلقنا الله؟
ما معنى الحياة؟ وما هو غرضها وهدفها؟ إنهم مساكين. يعيشون ولا يعرفون لماذا يعيشون! تجرفهم دوامة الحياة دون أن يشعروا. وإن شعروا: يسألون... إلى أين؟
أما إن وجدوا لحياتهم هدفًا، فإن كل هذه الأسئلة تبطل...
هنا ونود أن نبحث أهداف الناس التى تحركهم في الحياة.
لأنه، حسبما يكون الهدف، هكذا تتحد الوسيلة التي تقود إليه... البعض هدفه المال، أو الوظيفة، أو اللقب، أو السلطة: أو السيطرة أو النجاح في العمل. والبعض شهوته اللذة، سواء كانت لذة الحواس أو لذة الأكل والشرب، أو لذة الجسد، أو لذة الراحة. والبعض هدفه الزواج والاستقرار في بيت، أو النجاح في الدراسة.
ولا نستطيع أن نسمى كل هذه أهدافًا. إنما هي رغبات وشهوات.
وإن حسبت أهدافًا، تكون مجرد أهداف عارضة، أو مؤقتة، أو زائلة أو سطحية لا عمق لها. كما أنها محددة بزمن. وكلها تدخل تحت قول الرب لمرثا " أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والحاجة إلى واحد" (لو10: 41).

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:18 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الهدف الوحيد هو الله
الإنسان الروحي هدفه الله وحده لا غيره. كل هدفه هو أن يسعى إلى الله، ويعرفه ويحبه ويعاشره ويثبت فيه. ويكون علاقة معه، يسكن الله في قلبه ويسكن هو في قلب الله. ويقول لله في حب:
" معك لا أريد شيئًا على الأرض" (مز73: 25). وهكذا بالتصاقه بالله يمكنه أن يستغنى عن كل شئ فمحبة الله تقود إلى التجرد وإلى الزهد وكلما يختبر الله ويذوق حلاوة العشرة معه بأن كل شيء في الدنيا باطل وقبض الريح (جا2: 11) وكما يقول المثل النفس الشبعانة تدوس العسل (أم27: 7). هكذا النفس الشبعانة بالله تدوس كل شهوات الأرض.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:20 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
أهداف زائفة
ولكن الشيطان لا يعجبه هذا إنه يجول في الأرض يوزع أهدافًا.
ويبذر ويزرع أغراضًا وآمالًا ورغبات وكل ذلك بغية أن يتوه الإنسان عن هدفه الروحي الوحيد الذي هو الالتصاق بالله، والاستعداد للأبدية. وبالأهداف العالمية التي يوزعها الشيطان: يتلظى أهل العالم في جحيم من الرغبات، لا يمكن أن تشبعهم إذ أن في داخل حنينًا إلى غير المحدود. وكل ما في العالم محدود...
أول هدف يقدمه الشيطان هو بالذات...
فتصير الذات صنمًا يعبده الإنسان وتصير ذاته هي محور ومركز كل تفكيره يريد أن يبنى هذه الذات، ويكبرها ويبنيها، ويجعلها موضع رضي الكل ومديحهم. وينشغل بذاته بحي يهمل كل شيء في سبيلها، حتى علاقته بالله.
هكذا تصير الذات منافسًا لله...
تدخل أولًا إلى جوار الله في القلب ثم تتدرج حتى تملك القلب كله، وتبقي وحدها فيه، فيتحول الإنسان إلى عبادة الذات ويظل كل يوم يفكر: ماذا أكون؟ ومتى أكون؟ وكيف أكون؟ وكيف أتطور إلى أكبر وأعظم...؟
ويا ليته بذاته اهتماما روحيًا...
إذن لكان يبذل من أجل الله ومن أجل الآخرين، ويحيا من أجل الآخرين، ويحيا حياة المحبة التي تضحي، وتبذل نفسها فدية عن الآخرين. وحينئذ يجد ذاته، أعنى الوجود الحقيقي يجدها في القداسة وفي البر والكمال، في الله نفسه... إن بولس الرسول، من أجل الحياة مع الله قال " ولا نفسي ثمينة عندي" (أع20: 24). أما الذي يهتم بذاته بربطها بشهوات العالم فإنه بالتالي:
يجعل شهوات العالم هدفًا له.
وهكذا يضع أمامه بريق العالم الحاضر وأمجاده، وملاذه ولهوه، وأحلامه وأمانيه، وينشغل بكل هذا حتى ما يتفرغ لأبديته. ويبقى مخدرًا بشهوات الدنيا، ما يضيق منها إلا ساعات الموت، حينما يتركها كارهًا...! أما أنت، فلا يكن لك هذا الفكر ولا هذا الاتجاه، وإنما:
كل هدف يبعدك عن الله وعن خلاص نفسك اعتبره خدعه من الشيطان وارفضه في حزم...
وكذلك أرفض كل وسيلة تبعدك عن هدفك الروحي. ولا تسمح مطلقًا بأن تكون ذاتك منافسًا لله في قلبك، ولا تسمح بأن يصير العالم هدفًا. فإن الكتاب يقول إن " العالم يبيد وشهوته معه" (1يو2: 17). ويقول أيضًا إن محبة العالم عداوة لله (يع4: 4).
إذن راجع منذ الآن كل أهدافك وكل وسائلك، في ضوء اهتمامك بأبديتك: وفي ضوء هدفك الروحي الذي هو محبة الله.
إن كل هدف ضد ملكوت الله هو انحراف عن الخط الروحي.
وكل شيء يصطدم بمحبة الله في قلبك، اتركه مهما تكن قيمته. كما قال القديس بطرس للرب " تركنا كل شيء وتبعناك" (متى19: 27).
إن يوسف الصديق خسر حريته حينما بيع كعبد وخسر سمعته حينما ألفي في السجن، وخسر أبوية وأخوته ووطنه حينما عاش في بلد غريب... ولكن كان يكفيه وقتذاك، الله وحده. كان هو هدفه.
الذي هدفه هو الله لا يتأذى إن خسر أي شيء عالمي.
إبراهيم أبو الآباء كان الله هو هدفه لذلك سهل عليه أن يترك أهله وعشيرته ووطنه (تك12: 1) ويتغرب وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب11: 8) بل سهل عليه أن يأخذ أبنه ليقدمه محرقة للرب... وبولس الرسول سهل عليه أن يترك المركز السلطة والصلة بالقادة، إذ لم يكن شيء من هذا هو هدفه... واستطاع أن يقول " خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح" (في3: 8). وهذا هو هدفه الذي من أجله خسر كل شيء، دون أن يحزن.
ودانيال النبى: لم يأبه بالقصر الملكي، ولا بالوظائف، ولا بكل أطايب الملك، ولم يأبه حتى بحياته إذ ألقى في جب الأسود، إذ كان له هدف واحد تضائل أمامه كل شيء...
إن الذي هدفه هو الله لا يجعل حتى الأمور الروحية هدفًا له!
البعض قد يجعل الصلاة هدفًا له، فيصلى ليس من أجل محبته لله، وإنما لكي يكون رجل صلاة! ويتهم بالدراسة اللاهوتية كهدف، لا لكي يعرف الله فيثبت فيه، إنما لكي يصير من علماء اللاهوت، يعطية العلم شهرة ومكانه وعظمة! وهكذا، أيضًا، قد يتحول الصوم إلى هدف، ويتحول كل عمل روحي إلى هدف، يعمل الإنسان لكي يرضي عن نفسه، أو لكي يرضى الناس عنه!!
بينما كل هذه وسائط وليست أهدافًا، فالهدف هو الله.
الصلاة والصوم والمعرفة: وكذلك التأمل والقراءة، كل هذه هي مجرد وسائل توصلك إلى هدفك الوحيد الذي هو الله ومحبته. والارتباط به. فإن جعلتها هدفًا تكون قد قصدتها لذاتها... وقد تتقدم فيها، وتكون بعيدًا عن الله الذي قال " هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (متى15: 8).
وقد تصبح الرهبنة والتكريس هدفًا!
ولكن الرهبنة هي مجرد وسيلة توصل إلى الله. ولذلك عرفوها بأنها الانحلال من الكل للارتباط بالواحد فإن تحولت إلى هدف، تحولت الوحدة إلى هدف، والصمت إلى هدف فما أسهل أن تكسر وصايا الله من أجلها! فيتخاصم الراهب مع الدير من أجل حياة الوحدة. يعيش كمتوحد دون أن تكون له فضائل الوحدة، دون أن ينمو في محبة الله. وفي هذا قال مار اسحق " هناك من يجلس خمسين سنة في القلاية، وهو لا يعرف طريقة الجلوس في القلاية".
والبعض قد يجعل الإصلاح هدفًا...
وبسبب الإصلاح يثور ويتخاصم: ويدين الآخرين ويشهر بهم، ويفقد محبته للناس، ويفقد هدوءه وسلامة ويشتم ويسب، ويتحد ويصخب، ويتحول إلى قنبلة متفجرة تقذف شظاياه في كل مكان. وفي كل ذلك تبحث عن علاقته بالله، فلا تجدها. لقد أصبح إصلاحًا بدون الله وبدون محبة وصارت غيره بلا تدين!
وهكذا أيضًا في الخدمة:
كثيرون بدأوا بالخدمة.. وأنتهوا بأنفسهم!
بدأوا بالسعي إلى مجد الله، وانتهوا بمجد أنفسهم! بدأوا الخدمة وهدفهم هو الله. ثم وضعوا الخدمة إلى جوار الله: وأحيانًا قبله. ثم تركزوا في الخدمة وصارت لهم هدفًا ونسوا الله. ثم بحثوا عن نجاح الخدمة. ثم صار نجاح الخدمة هو نجاحهم الشخصي. وانتهوا إلى الذات وإذ وصلوا إلى هذا، تحولت الخدمة إلى مجال للسيطرة والظهور، وأصبحت مجرد نشاط واستخدام للطاقة وربما أصبحت وسائلها بعيدة عن الله تمامًا، فيها الذكاء والحيلة والدهاء. وضاع الهدف الروحي الذي هو الله!
أما أنت ففي كل عمل روحي، قل مع داود النبي:
جعلت الرب أمامي في كل حين:
وليكن الله هو هدفك الوحيد. أنت من أجله تخدم. وإذا تعارضت الخدمة مع الله، اتركها. لأنه ما أسهل على الشيطان أن يتيهك حتى في داخل الكنيسة. وتذكر إن الإبن الضال الكبير ابتعد عن محبة أبيه وهو في صميم الخدمة " يخدمه سنين هذا عددها" (لو15: 25 32).
لذلك كله فإن الله يسألك أين أنا في وسط أهدافك؟


أجب عن هذا السؤال بصراحة كاملة: هل الله أحد أهدافك؟ أم هو الهدف الأول؟ أم الهدف الوحيد؟ أم أنه ليس هدفًا على الإطلاق؟ أم تضعه في آخر القائمة: قد تتذكره أحيانًا، وقد لا تتذكره! أم أن الله قد تحول في نظرك إلى مجرد وسيلة لتحقيق أهدافك! وإن لم يحققها لك: تغضب منه وتثور، وقد تقطع صلتك به.
هل تحب الله كما أحبك؟


وهل قلبك كله له؟ أم هناك أهداف جانبية إلى جوار الله، تسعي أن تكون هي الأصل؟
هل تفكر في أبديتك وقبل أن تصل إلى أحضان القديسين، تصل إلى أحضان الله؟
حسبما يكون هدفك هكذا تكون حياتك وهكذا تكون وسائلك. فراجع نفسك...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:34 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
ثبات الهدف الروحي
الإنسان الروحي هو شخص مستقر في هدفه وفي وسائله. له هدف واضح ثابت لا يتغير. وقد ركز كل اهتمامه بهذا الهدف. وأصبح يتجه نحوه على الدوام، بكل طاقاته وكل رغباته، لا يتحول عنه. وكل وسائله توصل إليه. إنه مثل سهم البوصلة يتجه دائمًا في اتجاه واحد مهما حركت وضعه أو موضعه.
إنه إنسان راسخ ثابت لا تغيره تطورات الأيام والظروف الخارجية.
وقد صدق ذلك الأديب الروحي حينما قال عن الرجل الحق إنه "يتطور دون أن يتغير. ويكبر دون أن يتكبر. ويحتفظ بثباته في وثباته). أما الإنسان الضعيف فإنه متزعزع: خبراته في الحياة، وصدماته وتجارية وضيقاته وظروفه، تجعله يغير خط مسيرته ويتحول عنها. وقد يتحول نتيجة لإغراءات أو لمخاوف، أو لدنيا قد تفتحت أمامه...
وهكذا كثيرون بدأوا بالروح، وكلموا بالجسد. بدأوا بالله وكلموا بالعالم.


كم من أناس عرفناهم، وكان يبدو أن لهم هدفًا روحيًا وحاليًا لا وجود له ولا لهم، داومة العالم جرفتهم وجرفت روحياتهم، فساروا مع التيار... وليس في جيلنا فقط، بل إن الكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة عجيبة من شخصيات بدأت ولم تكمل. أو أن هدفها انحراف في الطريق ولم تثبت عليه. ولعل من أمثلة هؤلاء ديماس مساعد بولس الرسول الذي قال عنه:
" ديماس تركني لأنه أحب العالم الحاضر" (2تي4: 10). والذي حدث لديماس، حدث أيضًا لكثيرين قال عنهم القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبى " لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح. الذين نهايتهم الهلاك... ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (في3: 18، 19). كل هؤلاء كانوا أصدقاء الرسول العظيم، وكلن لهم ماض مجيد في الخدمة. كان لهم هدف روحي عاشوا به فترة، ولم يثبتوا عليهم. وربما لأن أشياء أخري دخلت قلوبهم إلى جوار الله. وبمرور الوقت سيطرت عليهم. وربما أرادوا أن يجتمعوا بين الله والعالم في نفس الوقت. ويعيشوا مع سارة وهاجر في نفس البيت. أو مثل لوط البار الذي أراد أن يجمع بين محبة الله ومحبة الأرض المعشبة في سدوم. إن شمشون بدأ حياته كنذير للرب، وكان روح الرب هو الذي يحركه (قض13: 25). ثم ماذا بعد؟
دخلت رغبات إلى قلب شمشون بجوار الرب، ففارقه الرب (قض16: 20).
لا يكفي إذن أن يكون هدفك هو الرب. إنما يجب أن تظل محتفظًا بهذا الهدف ولا تسمح لأهداف أخري أن تدخل إليك، لأنك لن تستطيع أن تجمع بين نذرك ودليله في آن واحد، مهما ظننت حكيمًا.
هوذا سليمان أحكم أهل الأرض يعطينا نفسه مثالًا: لقد بدأ بهدف روحي، ما في ذلك شك. وتراءى له الله مرتين، ووهبه الحكمة. ومع ذلك أراد أن يجمع بين الله والمتعة ففشل. وفقد هدفه الروحي وسقط (1مل 11)...
سليمان الحكيم يسقط؟. يا للمأساة... كل ذلك لأن الهدف تغير، أو دخلت إلى جواره أهداف أخرى، فجرفته. أما الذين ثبتوا على هدفهم، فقد استمروا سائرين في ثبات نحو الله.
انظر إلى مياة الطوفان، ماذا فعلت. وتعلم منها درسًا...
مياه الطوفان غطت الأرض كلها. حتى أن القمم العالية أيضًا غطتها المياه. أما الفلك فلم توذه المياه في شيء، بل سار فوقها، لأن هدفه هو الله. ولا شك أن الله كان داخله ويقوده حقًا إن الهدف الصالح يعطي حياة وحيوية وقدروه على السير في اتجاه الله. كما يعطي قدرة على مقاومة كل التيارات المضادة وصاحب الهدف الثابت لا تجذبه التيارات المضادة، لأن أرادته ثابتة فيه. إن سمكة صغيرة جدًا تستطيع أن تقاوم التيار، وتستمر في مسيرتها، لأن فيها حياة، وفيها إرادة تحركها بينما كتلة ضخمة من الخشب يجذبها التيار حيثما يشاء لأنها بلا حياة وبلا هدف...
لقد خرج بنو إسرائيل من عبودية فرعون، ونجوا من الهلاك المهلك، وعبروا البحر الأحمر. وكانت بداءة طيبة ولكن لم يكن لهم هدف روحي ثابت، فهلكوا في برية سيناء، على الرغم من أنهم كانوا يقتاتون بالمن والسلوى وسحابة الله كانت تظللهم ربما هدفهم كان ذاتهم فتذمروا على الله، خرجوا بأجسادهم من عبودية فرعون، ولكن كانت هناك عبودية أخرى داخلهم لم يخرجوا منها... فهلكوا.
كان الهدف السليم عند موسي النبى وليس عند بني إسرائيل. فلم يستطيعوا أن يستمروا في مسيرتهم معه، على الرغم من كل العبادات الطقسية التي كانوا يقدمونها. إن القلب الذي لا يعطي ذاته لله عطية كاملة حقيقية بهدف سليم، ما أسهل عليه أن يكسر كل عهد يبرمه مع الله فلا يحافظ على عهوده، ولا على وعوده، وينحرف إلى أهداف سطحية تافهة لا تغنيه شيئًا...
وينفس الوضع خرجت امرأة لوط من سادوم. وقلبها لا يزال فيها. لم يكن خروجها من أرض الخطية خروجًا حقيقيًا من القلب، ولم يكن من أجل الله. كانت يدها في يد الملاك الذي أقتادها إلى خارج المدينة المحترقة مع أسرتها. أما قلبها فكان يحترق شوقًا إلى ما هو داخل المدينة... عجيبة هذه المرأة. لم تهلك داخل سدوم، إنما بعد أن خرجت منها. وهكذا هلكت وتحولت إلى عمود ملح. صار موتها ملحًا للعالم، أي درسًا روحيًا في خطورته النظرة إلى الوراء.
الذي له هدف حقيقي ثابت في الله، لا ينظر مطلقًا إلى الوراء أثناء سيره مع الله، وإلا تعرض لتوبيخ إيليا النبى الذي قال " حتى متي تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الله هو الله فاتبعوه. وإن كان هو البعل فاتبعوه" (1مل 18: 21). إن كان هدفك هو الله، فلا تكن قلبين، ولا تكن مترددًا. مشكلة يهوذا الأسخريوطى كانت هذه: يجلس مع السيد المسيح على مائدة واحدة، ويأكل معه من نفس الصفحة. وفي نفس الوقت كان يتفق ضده مع شيوخ اليهود وقادتهم. فكان "تلميذًا" للرب هدف. يقبل السيد ويسلمه إلى أعدائه في نفس الوقت. عاش المسكين بلا هدف. فكانت حياته ثقلًا عليه وعلى الجميع، فهلك.
إن نيقوديموس بعد أن عرف الرب معرفة حقه، لم يستطيع أن يستمر صديقًا له وعضوًا في مجمع السنهدريم في نفس الوقت...
حنانيا وسفيره ببعض المال حرامًا. بينما يظهران أمام الجميع كعضوين في جماعة أولاد الله الذين يضعون كل أموالهم عند أقدام الرسل. فلا كسبا المال، ولا كسبا عضوية الكنيسة. لم يكن لهما الهدف الروحي النقي الثابت الذي لا يعرج بين الفرقتين... صورتهما تشبه صورة بيلاطس، الذي أراد أرضاء ضميره وإرضاء اليهود في نفس الوقت. ولما فشل غسل يديه بالماء، دون أن يغسل قلبه من الداخل. كان الشاب الغنى يريد أن يجمع الهدفين معًا. وإذ كشفه فاحص القلوب. مضى حزينًا. إنه يسأل عن الحياة الأبدية وكيفية الوصول إليها، كأنه صاحب هدف صالح يسعي إليه. أما قلبه فكان يحب العالم الحاضر، على الرغم من أنه حفظ الوصايا منذ حداثته... (متي 19: 16 22). وإذا كشف له الرب الداء الذي فيه، ودعاه إلى أن يكون صاحب هدف واحد، ويتخلي عن الآخر... مضي حزينًا.
وسيمضى حزينًا مثله كل من يحاول أن يضع إلى جوار الله هدفًا آخر. كثيرون يقولون إن الله هو هدفهم، وفي نفس الوقت يريدون أن يدخلوا من الباب الواسع. والباب الواسع لا يوصل إلى الله مطلقًا، " بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع14: 22). والذين يجعلون الله هدفهم، ينبغي أن يتألموا من أجله، ويبذلوا ذواتهم من أجله، عالمين أن تعبهم ليس باطلًا في الرب، وكما قال الكتاب " كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو2: 8). هؤلاء استقروا على هدفهم الروحي، بكل ثبات لا يغيرونه. لقد اختاروا الله هدفًا لهم، بغير ندم ولا تردد، وبغير إعادة تفكير، وبغير النظر إلى الوراء. لم يعودوا يفحصون الأمر من جديد، أو يتساومون مع الشيطان. إن خط حياتهم واضح أمامهم لا يتغير. استقروا عليه منذ زمان، ولا يعد موضوع نقاش. وكما قال القديس بولس الرسول:
" إذن يا أخوتي الأحباء. كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثيرين في عمل الرب كل حين. عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو15: 58).
إنهم لا يعيشون حياة صراع بين الخير والشر، أو بين الله والعالم. فالصراع يعني عدم استقرار. أما هولاء، فلهم خط واضح لا تردد فيه، ولا انحراف عنه يمنه ولا يسره. يسيرون بقلب مع محبة الله. بل إن الله صار هو شهوتهم الوحيدة التي تملأ قلبهم تمامًا ولا يبقي فيه شيء لغيرها. وسنضرب أمثلة لهؤلاء الثابتين: إن قصص الثابتين تعطينا فكرة عن الثبات في الهدف الروحي.
هؤلاء تركوا حياة الخطية إلى الأبد، وما عادوا يرجعون إليها مرة أخري نسمع مطلقًا أن القديس أوغسطينوس عاد إلى حياة الخطية بعد توبته، ولا عاد القديس موسي الأسود إلى ما كان عليه أولًا. ولم نسمع أن القديسة مريم القبطية أو القديسة بيلاجية πελαγία عادتا إلى الخطية بعد توبتهما. فهؤلاء بعد أن صار الله هدفًا لهم تغيرت حياتهم تمامًا بلا أية ردة أو رجعة أو أية نظره إلى الوراء. إنما أستاصلوا الخطية تمامًا من قلوبهم. تمامًا في جدية كاملة، وفي أمانة عجيبة لله الذي اختاروه. مثل الذي يجري الكل، وبقي ولو شيء مثل شعره، سيعود ويتضخم ويصير أسوأ مما كان... ولهذا فإن الذي يقول إنه تاب، وهو لا يزال يقع ويقوم، ويقع ويقوم، هذا لم يتب بعد، وهدفه ليس واضحًا أمام عينيه وكما يقول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
إن التوبة ليست مجرد أجازة "عطلة" من الخطية بحيث يمكن أن يعود الإنسان إليها مرة أخرى. إنما هي قطع كل صلة بها إلى الأبد، بكل تصميم، وبكل حب له. وكما قال أحد القديسين في تعريف التوبة أنها "استبدال شهوة بشهوة" أي أن شهوة الإنسان بالنسبة إلى العالم تنتهي، لتحل محلها شهوة الحياة مع الله، وتصبح هدف الإنسان من حياته. وبهذا تحول أولئك الخطاة ليس فقط إلى تائبين وإنما صاروا قديسين.
ساروا في تصميم شديد لدرجة تنفيذ قول الرب: إن أعثرتك عينيك فاقلعها والقها عنك... وإن أعثرتك يدك اليمنى فاقطعها والقها عنك (متى5: 29: 30). مثال آخر في التصميم على الهدف الروحي: سلوك الشهداء.
كان هدفهم الوحيد هو الله والحياة معه في الأبدية السعيدة، لذلك ساروا وراءه بكل قلوبهم حتى إلى الموت ولم يبالوا باغراءات ولا بتعذيب. ولم يستطيع شيء من كل هذا يحول قلوبهم الثابتة في الرب. كما قال بولس الرسول " من سيفصلنا عن محبة المسح؟... إني متيقن أنه لا موت ولا حياة.. ولا أمور حاضره ولا مستقلة، ولا علة ولا عمق، ولا خليقة أخري، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو8: 35 39). مثال آخر للتصميم على الهدف الروحي، هو الدعوة الإلهية:
إبراهيم أبو الأباء، لما دعاه الرب أن يترك وطنه وأهله وعشيرته، ويمضي إلى الجليل الذي يريه، لم يتردد بل خرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عب11: 8) لم تكن الأرض ولا العشيرة هي هدفه، إنما هدفه هو الله الذي من أجله يترك كل شيء... كذلك لما أمره الرب أن يقدم إبنه وحيده ذبيحة، لم يتردد مطلقًا، ولم يفكر، ولم يدخل في صراع داخلي. إنما بكر صباحًا جدًا وأخذ إبنه، ومعه الحطب والنار والسكين. لم يكن الابن هو هدفه، وإنما الله هو الهدف.
وكذلك قال الرسول " لما سر الله الذي افر زنى من بطن أمي ودعاني بنعمته... للوقت لم استشر لحمًا ولا دمًا، ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين كانوا قبلي" (غل 1: 15 17).
إن الهدف الإلهي يحتاج إلى تصميم.
فالشيطان إذا وجد فينا إرادة مترددة غير حازمة في علاقتنا مع الله، إرادة زئبقية تتموج ولا تثبت على حال يعرف أن عودنا طري، يمكنه أن يحصره ويعصره. فلنكن راسخين في محبتنا لله. ولا نضع هدفًا إلى جواره... له المجد من الآن وإلى الأبد آمين.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:35 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
البدء.. نبدأ ونستمر
المهم أن يبدأ الإنسان الطريق، يبدأ علاقة مع الله. كثيرون لم يبدءوا. حياتهم في غربة عن الله. يعيشون حياة علمانية بحته، وقد شغلتهم أمور العالم المادية، أو شهوات الجسد، أو مسئوليات الحياة المتنوعة. ولم يعرفوا طريقهم بعد إلى الروحيات، ولم يفكروا في ذلك مجرد تفكير. أنهم في متاهة، أو في دوامة، أو عفوية، لم يخطر على بالهم الاهتمام بأبديتهم.
فإن بدأوا يهتمون بالأبدية، تكون هذه نقطة تحول أساسية.
تختلف أسباب البدء من شخص لآخر: ربما أحدهم تأثر بعظة، أو قد نقطة البدء هي رد فعل لحادث أو كارثة، أو مرض أحد الأحباء، أو قد تكون نقطة البدء هي رد فعل لحادث أو كارثة، أو مرض، أو موت أحد الأحباء... أو أي عمل من أعمال النعمة أيقظ ضميره وحول فكره إلى الله.
أو ربما شخص روحي، فكر في علاقة جادة مع الله، في مناسبة معينة...
جلس مع نفسه مثلًا في مناسبة بدء عام جديد، أو في استقباله سنة جديدة من سني حياته، أو في أية مناسبة تاريخية في حياته... وأراد أن يبدأ خطأ روحيًا جديدًا، وعلاقة مع الله أكثر جدية وفاعلية...
البدء إذن يمكن أن يحدث، بافتقاد من عمل النعمة.
وقد يكون الإنسان فيه، في حماس شديد، وفي حرارة روحية، وفي عزم وتصميم. وقد يستمر على هذا أيامًا، وقد تطول الفترة، ثم يفتر، أو يرجع إلى الوراء، ولا يكمل ما بدأ به... وتبرد محبته الأولي (رؤ2: 4).
إذن ليس المهم فقط أن يبدأ، بل بالأكثر أن يستمر

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:36 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
المهم أن تستمر
هناك أشخاص يعترفون ويتناولون. وفي يوم التناول يكونون في حالة روحية ممتازة. وقد بدأوا من جديد حياة التوبة، في قوة وحماس. ولكنهم للأسف لا يستمرون، بل تمر الأيام، وإذ بهم قد رجعوا إلى حالتهم القديمة، فيما قبل التوبة!
المشكلة إذن هي مشكلة الاستمرار في التوبة.
ما أسعل أن يحيا إنسان في حياة القداسة لمدة يوم كامل. ولكنه لا يستمر!

وقد يبدأ شخص تدريبًا روحيًا. يقول مثلًا " سأدرب نفسي على الصمت حتى أتفادي أخطاء اللسان"... ويصمت يومًا أو يومين، ولا يخطئ بلسانه. ولكنه لا يمكنه أن يستمر في التدريب...
حسن أن تكون هناك بداية طيبة. إنما المهم أن تستمر.
خذوا مثالًا: القديس بطرس الرسول. في وقت من الأوقات كان يشتعل حماسًا لأجل الرب، وهو يقول " وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك.. ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك" (متى26: 29، 31)... كلام جميل. وفعلًا سار مع الرب، وتحمس وقطع أذن العبد (متى26: 51)... ولكن هذا الحماس لم يستمر فعاد وأنكر وسب ولعن وقال: لا أعرف الرجل (متى26: 74).
مثال آخر: الإنسان الذي ينذر نذرًا.
أثناء النذر، يفعل ذلك بكل عاطفته، ويكون مستعدًا تمامًا للوفاء... ولكنه لا يلبث فيما بعد أن يراجع فكره، وإما أن يتأخر في الوفاء بالنذر، أو يشعر به ثقيلًا عليه، أو يتفاوض إن كان يمكن أن يغيره...!
كذلك كل من يتعهد عهودًا أمام الرب...
وبخاصة في بدء الحماس الروحي والحرارة الروحية، أو في بدء التوبة، أو في بدء التداريب الروحية. ولكن الحماس لا يستمر. واسأل في ذلك الذين في وقت من الأوقات تعهدوا بأمور كانت فوق مستواهم... ومنهم من نذر البتولية، ومن نذر الرهبنة، ومن تعهد إن ماتت زوجته، لا يأخذ غيرها... إنه حماس لا يستمر...
كان الأولى أن يقدم إلى الله كرغبة أو صلاة، وليس كتعهد أو نذر...!
وكثير ما نخطئ ثم نقول: إن الله قد قبل توبة اوغسطينوس وموسى الأسود ومريم القبطية وبيلاجيا...! هذا صحيح. ولكن النصف الثاني من الحقيقة أن كل هؤلاء حينما تابوا، لم يرجعوا إلى الخطية مرة أخري، بل استمروا في توبتهم، وظلوا يرتفعون كل يوم درجة جديدة في سلم الفضيلة فهل أتت كذلك في توبتك؟
كذلك في الخدمة. كم من أناس بدءوا ولم يستمروا.
فكم من أناس كانوا أسماء لامعة في الخدمة، والآن لا وجود لهم إطلاقًا. جرفهم العالم بمشاغله وأصبح لا يشغل ذهنهم حاليًا سوى الوظيفة بولس الرسول للخدام:
" كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1كو15: 58).
وما نقوله عن الخدمة، نقوله أيضًا عن التوبة...
كم من أناس قدموا توبة بحرارة ودموع، وبعهود ونذورات. وكانت بداية طيبة أسوا ونسوا كل مشاعرهم الأولى. أما قديسو التوبة الجبابرة، أمثال اغسطينوس وموسي الأسود وبيلاجية ومريم القبطية، فقد كانت التوبة نقطة حاسمة في حياتهم تحولوا بها إلى حياة الطهارة ونموا إلى حياة القداسة في طريق الكمال.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:37 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
نهاية السيرة
من أجل هذا يقول لنا الكتاب عن قديسى الله:
" انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم" (عب13: 7).

المهم إذن في نهاية السيرة، وليس في بدايتها.
وهكذا نحن في السنكسار نحتفل بأيام نياحتهم أو استشهادهم. وفي صلوات المجمع في القداس الإلهي، نذكر أولئك " الذين كملوا في الايمان".
إن ديماس كان أحد أعمدة الكنيسة في بداية خدمته. وكان يذكره القديس بولس الرسول ضمن مساعديه القديسين مرقس، ولوقا، واسترخس. ولكنه لم يكمل المسيرة. لم يستمر. بل أنتهت حياته بعبارة مؤسفة جدًا، قال فيها الرسول:
" ديماس تركني، لأنه أحب العالم الحاضر" (2تى4: 10).
ولم يكن ديماس وحده... بل كثيرون آخرون بدأوا الخدمة مع القديس بولس، وكان يمتدحهم. ولكنهم لم يستمروا. وقال عنهم الرسول أخيرًا " لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك... الذين يفتكرون في الأرضيات" (في3: 18، 19). إذن لا تفتخر بأنك بدأت، بل استمر لكي تكمل. لا تكن مثل ذلك الشخص الذي يبدأ طريقة مع الله فيقول لكل أحد " قد خلصت " وينسى أنه ينبغي أن يكمل حياته في الايمان، مستمعًا إلى قول الرسول:
" تمموا خلاصكم بخوف ورعده" (في2: 12).
إن نوالك نعمة الخلاص بالإيمان والمعمودية، لا يمنع إطلاقًا أن الطريق لا يزال طويلًا أمامك، تستمر فيه بالجهاد والتوبة والعمل الصالح وممارسات الأسرار المقدسة وكل وسائط النعمة، واضعًا أمامك قول القديس بولس الرسول.
" من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط" (1كو10: 12).
وأيضًا قوله " لا تستكبر بل خف" (رو11: 20). لذلك تواضع فقد قال الكتاب عن الخطية إنها " طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26). وقيل أيضًا " اصحوا واسهروا، لأن أبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط5: 8). حسن أن تسلك كما يليق. ولكن ينبغي أن تستمر لكي تخلص في يوم الرب. واذكر أن القديس بولس وبخ أهل غلاطية قائلًا:
" أبعد ما ابتدأتم بالروح، تكملون الآن بالجسد؟!" (غل3: 3).
إذن الذين بدأوا بالروح، يجب أن يستمروا في طريقهم الروحي، ولا يكملوا بالجسد.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:38 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
اختبر الحروب

لا يكفي أن تخطو خطوة واحدة في الطريق الروحي، لأن الخطوة الواحدة لا توصلك إلى الهدف. ومن جهة أخرى لا تأخذ بها الخبرة الروحية. فالمفروض أنك تختبر حروب الشياطين ومعاكساتهم وحيلهم.
من الجائز إن الله لا يسمح للشيطان بأن يحاربك، في أول الطريق، لئلا تيأس...
وحتى إن سمح له الله بأن يحاربك، لاختبار صدق نيتك، فإنه يجعل الحروب خفيفة، لأن الله يشفق على ضعف المبتدئين... ولكن كلما يسير الإنسان في طريق الروح، فإن الحروب تشتد عليه شيئًا فشيئًا بسبب حسد الشياطين وبسماح من الله الذي يجعل نعمته تكثر لتحمي المؤمن من هجماتهم وتعينه في جهاده...
لذلك فالاستمرار في الطريق يكسب الإنسان الاتضاع بالإضافة إلى الخبرة.
لأنه كلما يختبر حروب الشياطين العنيفة، يشعر بضعفه أمام الحروب، فيتضع وقد يسقط أحيانًا ويقوم، فيتدرب على الصلاة التي تقيمه، ويشعر أيضًا بشفقته على الذين يسقطون. كما أنه يتدرب على الصبر والاحتمال، كلما يثبت في طريقه الروحي ويستمر على الرغم من كل ضغطات العدو. ويتذكر قول السيد المسيح لتلاميذه:
" أنتم الذين معي في تجاربي" (لو22: 28).
نعم إنهم ثبتوا، كالبيت المبنى على الصخر، هبت عليه الرياح والأمطار والسيول محاولة أن تجرفه، فلم تستطع، لأنه كان صامدًا مبنيًا على الصخر، مستمرًا في صموده. وبعكس ذلك كان البيت المبني على الرمل، إذ لم يكن له أساس، لم يستمر في بقائه وسقط...
ومثال ذلك أيضًا: الزرع الذي لم يكن له أصل، فجف (متى13: 6).

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:40 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الإصلاح الداخلي
إنسان مثلًا دائمًا يغضب، ويثور، ويعلو صوته، ويسئ إلى غيره، ويفقد أعصابه. يقول لنفسه وهو نادم " لابد أن أدرب نفسي على ترك الغضب". ويبدأ التدريب بالفعل، ولكنه لا يستمر " إذ ليس له أصل". فكيف إذن يتخلص من الغضب، بطريقة يبحث فيها عن الأصل، ويصلحه؟
علية أن يبحث عن أصول هذه الخطية في داخله، ويعالجه.
ربما يكون سبب الغضب كبرياء داخلية لا تحتمل كلمة معارضة أو كلمة توجيه أو نقد. ربما يكون السبب حبه للكرامة والمديح، أو رغبته في تنفيذ رأيه أيًا كان أو تنفيذ رغباته. أو قد يكون سبب غضبة كراهية لإنسان ما أصبح لا يحتمل منه كلمة... أيًا كان السبب، عليه أن يعالجه أولًا. وحينئذ يمكنه أن ينجح في تداريبه...
إذن علينا باصلاح الأسباب، وليس مجرد الأغراض.
مريض ارتفعت درجة حرارته، أيمكنك معالجته بكمادات ثلج، أو بأسبرين Asprin؟! أم يجب البحث عن السبب الذي أدي إلى ارتفاع درجة الحرارة ومعالجته...؟ ربما كان السبب التهابا في اللوز، أو بؤرة صديدية في أحد أعضائه، أو حمى. يحتاج الأمر إلى علاج داخلي، لا تصلح معه المحاولات الخارجية للتخلص من الأعراض...

لا يكن إصلاحكم لأنفسكم مجرد إصلاح خارجي، للمظاهر...
إنما اصلحوا القلب من الداخل. اصلحوا الأسباب الحقيقية التي تنبع منها الخطية. وحينئذ يمكن لتوبتكم أن تستمر، ويمكن أن تستمر، ويمكن للممارساتكم الروحية أن تستمر، لأن لها أصلًا ثابتًا داخل القلب... وهكذا قال الرب لملاك كنيسة أفسس " اذكر من أين سقطت، وتب" (رؤ2: 5). ولذلك فإن الأبرار سقطوا، يقومون بسرعة.
داود سقط، ولكنه قام بسرعة، وبقوة، لأن الأصل من الداخل سليم. وبطرس انكر المسيح، ولكنه بكي بكاءًا مرًا وتاب، وذلك لأن الأصل سليم، القلب من الداخل فيه محبة للرب (يو21: 16). الأخطاء بالنسبة إلى هؤلاء القديسين كانت أخطاء عارضة. أما القلب فهو طاهر من الداخل. ولذلك يمكننا أن نقول عن أخطائهم إنها:
كانت خطايا ضعف، وليست أخطاء خيانة للرب.
وكان هذا هو الفارق الأساسي بين خطية بطرس وخطية يهوذا. بطرس أخطأ عن ضعف. ويهوذا أخطأ عن خيانة. والذي يخطئ عن ضعف، يقوم بسرعة، كما قيل " الصديق يسقط سبع مرات في اليوم ويقوم" (أم24: 16).
إن محبتك لله، هي التى تجعلك تتوب وتستمر في التوبة.
أما محبتك للخطية، فإنها تجعلك مهما تبت ترجع إلى الخطية مرة أخري وتستمر فيها. إذن سبب الاستمرار هنا أو هناك، إنما راجع إلى قلبك وإلى أين يتجه...
فالذي يجعل الصديقين يقومون، هو القلب الحب لله. وبسبب هذا القلب، مهما سقطوا، فإنهم " يجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور... يمشون ولا يعيون" (اش40: 31).
عمقوا جذوركم في الحياة مع الله، مدوها إلى أسفل، قبل أن ترفعوا الجزوع والفروع إلى أعلى.
لأن العمق الداخلي هو الذي يسند الارتفاع إلى فوق. مثل راهب يدخل الرهبنة حديثًا. يلح على أب اعترافه لكي يسمح له بأصوام طويلة، بمئات المطانيات، بطقس شديد في الوحدة والصمت... فيقول له أبوه الروحي: انتظر يا أبني حتى نهتم بالداخل
أولًا: نضع أساسًا من التواضع والوداعة واللطف في معاملة الناس، والمحبة الحقيقية من نحو الله. وعلى هذا الأساس نبني...
اهتم إذن بحياتك كيف تبنيها من الداخل، قبل أن تبنيها من الخارج.
تبنيها بالعمق، قبل أن تبنيها بالارتفاع.
تبنيها بتصحيح الدوافع، قبل أن تبنيها بتغير المظاهر.
لا يكفي فقط أن تترك الخطية، إنما بالأكثر ابحث عن أسبابها وتخلص من هذه الأسباب، حتى لا تقع مرة أخري. فبهذا يمكنك إن تبت أن تستمر في التوبة. فهكذا قال السيد المسيح " اذكر من أين سقطت وتب" (رؤ2: 5). انزع الأشواك التي تحيط بك، حتى إذا زرعك يستمر نموه، ولا تخنقه الأشواك.
ادخل إلى أعماقك، ونظف وصحح كل ما فيها...
كثيرون يبدأون حياتهم الروحية بالتغصب، وبالضغط على أرادتهم، واجبار النفس أن تسلك في الطريق الروحي. ونحن لا ننتقد هذا، فهو لون من الجهاد الروحي اللازم.
ولكن لماذا التغصب؟ لأن المحبة غير موجودة...
أنت تغصب نفسك على عمل الفضيلة، لأن محبة الفضيلة ليست موجودة في قلبك. فإن وصلت إلى هذه المحبة، لا يبقى بعد تغصب، بل تمارس الفضيلة بطريقة تلقائية بدون جهاد. ويمكنك أن تستمر فيها بدون خوف من السقوط
وأساس هذه المحبة، هو إلى نريد أن نضعه في القلب، لأنه صمام الأمن...
إن العربة التي يكون محركها سليمًا، تسير من تلقاء ذاتها، لا تحتاج إلى أناس يدفعونها بأيديهم إلى الأمام. إنما داخلها (موتورها) يحركها... نصيحتي أن تهتم بداخلك، لكي تحيا حياة روحية مستمرة. وإن لم تستطع أن تصل إلى المحبة، اجعل مخافة الله أمام عينيك، وقل مثلما كان يقول إيليا النبي " حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه" (1مل18: 15). وكلما تحارب بخطية، قل لنفسك كما قال يوسف الصديق "كيف أعمل هذا الشر العظيم أخطئ إلى الله؟" (تك39: 9).
ولا تكن حياتك الروحية هي مجرد حياة مناسبات.
إن كان أسبوع نهضة روحية في الكنيسة، تنهض روحك خلاله، ثم تنجو بعد ذلك. إن كانت هناك مناسبة روحية مثل عيد رأس سنة، أو يوم تناول، أو قداس عيد سيدي، ترتفع رو حياتك ثابتة...! لا يليق أن تكون الأمور هكذا. إنما اجعل إيمانك الداخلي بالحياة مع الله، هو الذي يدفعك باستمرار، في كل يوم، وكل ساعة...
وكلما تبدأ صفحة بيضاء، احرص أن تحتفظ ببياضها.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:41 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
ليس له أصل

مثل إنسان يبدأ الطريق الروحي، ويظهر قليلًا، ثم ينزوي ويبعد، كالنبات الذي ظهر على وجه الأرض، وإذا لم يكن له أصل جف...
فما معنى عبارة "وإذا لم يكن له أصل"؟
مثالها إنسان أقدم إلى الحياة الروحية نتيجة هزة معينة، أو تأثر مؤقت بحادث أو بعظة، أو بقراءة معيني، أو نتيجة لمشكلة حاقت، فقال يا رب "إن أنقذتني سأتبعك كل حياتي". وأنقذه الله، فتبعه ولكن إلى حين... وإذ لم يكن له أصل جف. فما هو الأصل؟
الأصل هو حياة
الايمان العميقة. وحياة الحب الحقيقية.


https://st-takla.org/Pix/Plants-Trees...-the-Rocks.jpg
هو العلاقة الشخصية مع الله، والعشرة، والمعرفة. وليست مجرد الممارسات الخارجية التي لا تنبع من القلب. فالإنسان الذي حياته مجرد ممارسات بدون حب، لا يمكن أن يستمر... فتاة مثلًا، سمعت عظة عن الحشمة والأزياء والزينة، فتأثرت وبدأت تغير مظهرها الخارجي. ولكنها من الداخل لم تتغير. لم تدخل إلى قلبها محبة الله فتغيره. لم تتأسس في داخلها العفة الحقيقية، والزهد في العماليات، والسعي إلى الأبدية. وهكذا قد تستمر مدة في مظهر الحشمة، ولكنها لا تستمر... وإذ ليس لها أصل تجف... أو شاب يقص شعره الطويل، متأثرًا بما من تدريبات روحية في بداية عام جديد. وليس عن اقتناع داخلي بتفاهة هذا المظهر، وببناء الرجولة على أسس سليمة... هذا الشاب قد يبقى هكذا فترة. ثم يطول شعره، فلا يجد دافعًا لتقصيره وينتظر إلى بدابة عام جديد آخر، أو مناسبة روحية أخري.
وهكذا يصبح التدين عند أمثال هؤلاء، تدين مناسبات.
ليس له أصل قوي، وليس نابعًا من القلب عن إيمان وحب، وإنما هو مجرد تأثرات وقتيه، وانفعالات تزول بعد حين... فهي مثل بيت مبنى على الرمل، بدون أساس.
إذن لكي يثبت الإنسان، لابد من أسس روحية توضع داخل القلب وترسخ فيه.
ولهذا فإن الروحيات لا تأتي ولا تستمر، نتيجة لأوامر واجبة الطاعة من أب أو أم أو مرشد أو رئيس. إنها تحتاج إلى تكوين علاقة روحية مع الله، علاقة تبدأ داخل القلب، أساسها الإيمان بحياة الروح، وبأهمية الأبدية، وبوجوب تكوين علاقة حب مع الله، حب ثابت وليس مجرد مظاهر أو ممارسات.
إنها تبدأ بإصلاح الذات من الداخل.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:42 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
بدء الحكمة مخافة الله

نشكر الله الذي منحنا أن نعرف الطريق الروحي الذي يوصلنا إليه. كما وضع لنا علامات الطريق نستدل بها حتى لا نضل.
وقد جعل للطريق خطوات منتظمة. كل واحدة منها توصل إلى الأخري والكل يقود خطانا إلى الهدف الوحيد الذي هو الله.
فما هي نقطة البدء في الطريق الروحي إنها مخافة الله حسب قول الوحي الإلهي مرتين:
بدء الحكمةمخافة الله (أم9: 1).
رأس الحكمةمخافة الله (مز111: 10).

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:43 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
محبة الله ومخافته
ولكن البعض قد لا يروقهم الحديث عن مخافة الله. وقد اعتادوا أن نكملها باستمرار عن محبته. وفي الواقع أن محبة الله لا تعارض مطلقًا مع مخافته. إنما هي درجة أعلي منها تجتازها ولكن محتفظة بها. تمامًا مثل تلميذ وصل إلى المرحلة الجامعية. واجتاز مرحلة القراءة والكتابة والحساب. ولكنه لا يزال محتفظًا بهذه المعلومات لا يستغني عنها. ولكن الذين يهربون من مخافة الله يحتجون بقول القديس يوحنا الرسول.

" لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو4: 18). وللرد على هذا نقول: من منا وصل إلى هذه المحبة الكاملة؟! المحبة التي تحب بها الرب من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك" (تث6: 5) (متى22: 37) المحبة التي تملك كل مشاعرك حتى ما تعود تحب شيئًا في العالم موقتًا أن " محبة العالم عداوة لله" (يع4: 4). وأنه " إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1يو2: 15).
هل وصلت إلى هذه الدرجة؟ وهل وصلت إلى الحب الإلهي... الذي يجعلك تصلي كل حين ولا تمل (لو18: 1)، بل تصلي بكل عواطفك وأنت في عمق الحب وعمق التأمل؟
إن وصلت إلى هذه الدرجة فلن تخاف، لأن حبك الكامل لله يطرح الخوف إلى خارج. أما إن كنت لم تصل إلى محبة الكاملة. فلا تدعيها لنفسك. ولا تنسب نتائجها الروحية إلى مستواك.
إن كنت لا تزال تخطئ وتسقط وتبتعد أحيانًا عن الله. فلا تنسب إلى ذاتك المحبة الكاملة. وإن كنت تفتر أحيانًا في رو حياتك. ولست عميقًا في صلواتك وتأملاتك. فلا شك أنك لم تصل بعد إلى المحبة الكاملة ويفيدك جدًا أن تعيش في المخافة. وثق أن مخافة الله هي الطريق الذي يوصلك إلى المحبة.
إن كنت تخاف الله، فسوف تخاف أن تخطئ لكي لا تتعرض لعقوبة الله ولغضبة... وسوف تخاف من السقوط، لأن الخطية تفصلك عن الله وملائكته، وتفصلك عن الملكوت ومجمع القديسين.
لذلك فإن مخافة الله تدفعك إلى حفظ الوصايا... وكلما سلكت في طريق الله ستشعر يقينًا بلذة في الحياة الروحية، وتفرح بوصايا الله كمن وجد غنائم كثيرة (مز119). وتفرح بالقائلين لك إلى بيت الرب نذهب وسوف تفرح بهذه الحياة الروحية. وتقول للرب "محبوب هو أسمك يا رب فهو طول النهار تلاوتي" (مز119: 97). وهكذا تنتقل تدريجيًا من المخافة إلى المحبة، ثم تنمو في المحبة حتى تصل إلى المحبة الكاملة، فيزول الخوف. إن الله الذي خلق طبيعتنا، والذي يعرف ضعفنا وميلنا للسقوط، كما يعرف قدرة عدونا الشيطان الذي يجول كأسد يزأر ملتمسًا من يبتلعه هو (1بط5: 8)... إلهنا هذا يعرف تمامًا مقدار الفائدة الروحية التي تكمن في المخافة. لذلك قدم لنا هذه الفضيلة حتى ننتفع بها. وحتى نتدرج منها إلى المحبة تدرجًا طبيعيًا سهلًا، ثم ننمو في المحبة.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:45 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الفوائد الروحية لمخافة الله
فما هي الفوائد الروحية لمخافة الله؟
أولًا: هي حصن من السقوط.
إنها رادع لنا يمنعنا من ارتكاب الخطية. فإن سقطنا، تكون مخافة الله حافزًا لنا على التوبة... نقول هذا لأن كثيرين من الذين قفزوا إلى محبة الله دون أن يعبروا على مخافته...
وأصبح كلامهم كله عن الله المحب العطوف المتأني، الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا (مز103: 10)... هؤلاء لم يفهموا المحبة فهمًا سليمًا. ولأنهم لم يتعودوا المخافة، قادهم هذا إلى الاستهانة والاستهتار وعدم الاهتمام بالوصية، وبالتالي إلى السقوط.
فما هي المحبة إذن؟ إنها ليست مجرد مشاعر. فالرب يقول: "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو14: 3). والقديس يوحنا الرسول الذي قال إن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، هو نفسه الذي قال في نفس رسالته " لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1يو3: 18).. فما هي هذه المحبة العملية؟ إنه يقول " إن هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه" (1يو5: 3).. طبعًا نحفظها عن حب.. ولكن هذه درجة عالية، يسبقها أن نحفظ الوصايا عن طريق المخافة..
وطبيعة الناس هكذا: لم يولدوا قديسين، بل جاهدوا بمخافة الله، وبالتغصب وقهر النفس، حتى وصلوا إلى المحبة. وهكذا يقول القديس بولس الرسول:
" مكملين القداسة في خوف الله" (2كو7: 1). وكيف نكمل القداسة في خوف الله؟ وكيف نطيع أيضًا القديس بطرس الرسول في قوله "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط1: 17).
يبدأ الإنسان حياته الروحية بالحرص الشديد من السقوط في الخطية... يخاف من العثرات ومن الاغراءات ومن حروب الشياطين، وغير مغتر بقوته ومقاومته، واضعًا أمامه قول الرسول:
" لا تستكبر بل خف" (رو11: 20).
وهو أيضًا يخاف أن يغصب الله، ويضع أمامه السيد المسيح له المجد " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد.. بل خافوا بالحي من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (متى10: 27). " نعم من هذا خافوا" (لو12: 5).
هذا هو الخوف من عقوبة الله، يبدأ به الإنسان، وقد يستمر معه طول الحياة.. وقد قال أحد الآباء: أخاف من ثلاثة أوقات:
وقت خروج روحي من جسدي، ووقت وقوفي أمام منبر الله العادل، ووقت صدور الحكم على...
ولا شك أن هذه الأوقات الثلاثة مخيفة لكل إنسان، إلا للذين عاشوا في محبة الله الكاملة، وتمتعوا بعشرته المقدسة في أعماقها، ولم يعد ضميرهم يبكتهم على شيء.
أما الذي يخشي أن ينكشف في حياته شيء يوم تفتح الأسفار، فهذا لابد أن يخاف.
والخير أن يخاف الإنسان ههنا، من أن يخاف في يوم الدين..
لأن خوفه ههنا، إنما يقوده إلى التوبة وإلى الصلح مع الله إن أراد.
أما ذاك الخوف في يوم الدين، فإنه خوف خرج عن حدود الإرادة البشرية. الخوف ههنا يعطينا حياة الخشوع، وحياة الدموع، ويعطينا الإرادة في الرجوع. ويكون سياجًا لنا في الطريق حتى لا ننحرف... ونحن نقول في صلاة الشكر " امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس وكل أيام حياتنا، بكل سلام مع مخافتك".
عجيب أن أشخاصًا يخافون من الناس، ولا يخافون الله.
يخافون أن يخطئوا أمام الناس لئلا يصغر قدرهم في أعينهم. ويخافون أن تنكشف خطاياهم أمام الناس. خوفًا من الفضيحة. ولكنهم مع ذلك يرتكبون أية خطية أمام الله بلا خوف مادام الأمر في خفية عن الناس.
إنهم يستغلون طيبة الله ومحبته!
ويستغلون إيمانهم برحمة الله وحنوه وتسامحه ومغفرته وقلبه الواسع الذي غفر للزانية ولناكر... ويقودهم هذا للأسف الشديد إلى التساهل في كل حقوق لله عليهم! ويعيشون في حياتهم الروحية بلا جدية، وبلا التزام!
وكأن الله إن كان لا يعاتبنا، ولا يعاقبنا، فلا اهتمام من جانبنا.. ونصل بهذا إلى اللامبالاة...
إن المحبة الكاملة التي تطرح الخوف هي للقديسين الكبار، وليس للمبتدئين في التوبة أو المقصرين في رو حياتهم.
لذلك عش في مخافة الله، ولا تقفز قفزًا إلى المحبة، بطريقة نظرية تدعي فيها ما ليس لك.. ولا تحتقر مخافة الله كدرجة بسيطة لا تصلح لك!
إنما ثق تمامًا أنك كنت أمينًا في القليل الذي هو المخافة. فسيقيمك الله على الكثير الذي هو المحبة. إذن في حياتك الروحية بنظام يوصلك إلى الله. وبخطوة سليمة تقودك إلى خطوة أخري بطريقة عملية. دون اشتهاء لمظهرية لها صورة الروحانية ولا توصلك!
إن قمة الحياة الروحية هي حقًا المحبة الكاملة. ولكنك لا تبدأ بالقمة. ابدأ بالمخافة. حينئذ تصل إلى القمة دون أن تعثر. وبخاصة في هذا الجيل المستهتر الذي كثرت فيه الخطية والذي كثرت فيه الشكوك والعثرات. والذي يوجد فيه من ينكرون وجود الله أحيانًا ويخاصمونه!!
الذي فيه مخافة الله يتقدم كل يوم لأنه يخاف عدم الوصول إلى هدفه.
أما الذي ليست فيه مخافة الله فإنه عدم الوصول إلى اسفل..
الذي يخاف الله يري طريق الكمال طويلًا جدًا أمامه: فيحاول بكل جهد أن يصل. مثل تلميذ يجد أمامه مقررًا طويلًا لم يحصل منه عشرة، فيخاف أن يدركه الامتحان دون أن ينتهي منه.. ويدفعه الخوف إلى مزيد من الجهد.
ونحن أمامنا منهج روحي طويل يتلخص في كلمتين القداسة والكمال قال لنا الرب " كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متى5: 48) وقال أيضًا " كونوا قديسين".. فمن منا وصل إلى هذا المستوي. لذلك نخاف أن يدركنا الموت ولم نصل. ويدفعنا الخوف إلى الجهاد...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:46 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
لماذا لا نسلك في مخافة الرب

لماذا إذن لا نسلك في مخافة الله؟ هناك أسباب نذكر منها:
لا يخاف الإنسان الذي لم يفحص ذاته بعد، ولم يعرف حقيقة وماضية، وخطاياه وضعفاته. ولم يعرف المستوي الروحي المطلوب منه، وما يلزمه من سعي ومن جهد. كذلك لا يخاف الذي لا يضع الدينونة أمام عينية. لذلك تذكرنا الكنيسة بهذه الحقيقة كل يوم في قطع صلاة النوم، وفي قطع صلاة نصف الليل، حتى نستيقظ من غفلتنا في الحياة.
كذلك لا يخاف الإنسان الذي تجرفه دوامة العالم فلا يعلم أين هو؟!
يلفه العالم في طياته، ويغرقه في لججه، ويجره في مشغوليات لا تحصي بحيث لا يبقى له وقتًا يفكر فيه في مصيره، أو وقتًا يفكر في روحيا ته. وقد يقع في عدم المخافة، لأن الأوساط الخارجية التي تؤثر عليه ليست فيها مخافة الله فتساعده على السير بنفس الأسلوب.
والذي لم يصل إلى المخافة بعد، كيف يمكنه أن يصل إلى المحبة؟!
بل وكيف يمكنه أن يصل إلى المحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلى خارج!!
إننا لا نخاف لأننا لا نضع الله أمام أعيننا، فننساه وننسي وصاياه كما قال المزمور عن الخطاة " لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم". وكذلك لأننا نفكر في هذا العالم الحاضر.. ولا نفكر مطلقًا في العالم الآخر وفي الدينونة. لذلك حسنًا قال الكتاب إن القديس بولس الرسول لما تكلم عن البر والدينونة والتعفف، ارتعب فيلكس الوالي (أع24: 25).
كذلك نصل إلى مخافة الله إن تذكرنا قول الرب لكل واحد من رعاة كنائس آسيا "أنا عارف أعمالك" (رؤ2، 3).
هذه كلها أسباب تمنع المخافة.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:47 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
تداريب في مخافة الله
1 حاول أن تخاف الله. على الأقل كما تخاف الناس.
الشيء الذي تخاف أن تعلمه أمام الناس. لا تعلمه أمام الله.
والفكر الذي تخاف أن يعرفه الناس أو تخاف أن ينكشف عندما تفيق من التحذير، هيا لا تفكر فيه أمام الله الذي يقرأ كل أفكارك ويفحصها.

وأعلم أن كل أفكارك ستنشف أمام الخليقة كلها في اليوم الأخير، إلا التي تبت عنها ومحيت.
والخطايا الخفية التي تخجل من ارتكابها أمام الناس، فتعلمها في الظلام، حاول أن تخجل منها أمام الله الذي يراها. لتكن لله هيبة تجعلك تستحي منه ومن ارتكاب الخطية أمامه. أتخاف الناس، ولا تخاف الله الذي خلق هؤلاء الناس من تراب. لهذا اسلك أمام الله في استيحاء. واعرف أنه ينظرك ويسمعك في وكل ما تفعله. كذلك احتفظ بهيبة كل ما يتعلق بالله وكل ما يخصه.
قف في صلاتك بكل توقير وخشوع لكي تدخل مخافة الله في قلبك... وتذكر أنك تقف باحترام أمام رؤسائك.
فكيف لا تكون كذلك أمام الله أيضًا أعط هيبة لكتاب الله: فلا تضع شيئًا فوقه ولا تطالعه بغير احترام. وتذكر أن الشماس يصيح في الكنيسة قائلًا " قفوا بخوف من الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس".
وإن كنت تهاب كلام الله، فسوف تهاب الله نفسه.
استح من ملائكة الله القديسين الذين حولك، يرونك ويسمعونك. واعرف أن أخطاءك البشعة تفصلك عن عشرة الملائكة فينصرون عنك، ويتركونك إلى اعدائك المحاربين لك. وعليك أن تخاف من هذا جدًا. كذلك استح من أرواح القديسين الذين يرونك في الخطية، هو وارواح معارفك، وأصدقائك بل واعدائك الذين انتقلوا.
اسلك في مخافة الله لتصل إلى محبته. وتذكر قول الرسول " أحبوا الأخوة... خافوا الله" (1بط2: 17). وقول الملاك في سفر الرؤيا " خافوا الله وأعطوه مجدًا" (رؤ14: 7).
واعلم أن مخافة الله موجودة في العهد الجديد... كما في العهد القديم ومحبة الله موجودة في العهد الجديد.
ها قد حدثتك عن مخافة الله... ولكنها موضوع طويل أرجو أن أضع لك فيه كتابًا إن شاء الله...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:48 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
التغصُّب هو البداية العملية
يختلف كثير من المرشدين الروحيين في تعريف ما هي الفضيلة التي تعتبر بداية للطريق الروحي.
فالبعض يقول إنها التوبة. لأن التوبة هي نقطة التحول في حياة الإنسان. يترك بها الماضي بكل أخطائه ويبدأ علاقة مع الله.
والبعض يقول إن نقطة البداية التي تسبق التوبة هي جلسة مع النفس ومحاسبتها. وبهذا بدأ القديس أوغسطينوس والإبن الضال.
والبعض يقول إن بداية الطريق وأساس الفضائل كلها. هو التواضع وانسحاق القلب. وهو الذي يقود إلى التوبة ويحفظها مستمرة.
والبعض يقول إن بداية الطريق الروحي هي المعرفة. وتأتي بخدمة الكلمة. وبها تنكشف للإنسان مبادئ وقيم. هي التي تؤثر على مفاهيمه وعلى مشاعره، فيبدأ طريقًا جديدًا يوصله إلى محاسبة النفس وإلى التوبة انسحاق القلب والتواضع.
ولكن بعض القديسين يقولون إن المعرفة والجلوس مع النفس والتأثيرات، كلها أمور نظرية، وقد تكون خارجية. ولكن الطريق العملي، حتى داخل حياة التوبة، هو التغصُّب أو الجهاد الروحي.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:49 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
ما هو التغصب؟
التغصب هو أن يغصب الإنسان نفسه على السير في الطريق الروحي.
حقًا إن الحياة الروحية بمعناها السليم، هي أن الإنسان يحب الله ويحب الخير ويحب الملكوت السماوي، ويسلك في حياة البر والنقاوة بكل رضي القلب، ويشعر بأن عشرته مع الله هي ملء السعادة وشهوة قلبه.
ولكن هل كل الناس يبدءون بهذا المستوي؟ كلا، بلا شك.

محبة الله قد تكون نهاية الطريق. أو قمة العلاقة مع الله. وليست هي نقطة البدء إنما قد يبدأ بالمخافة.. وكما قال الكتاب " بدء الحكمةمخافة الله" (أم9: 10).
يستيقظ الإنسان إلى نفسه، فتبدأ مخافة الله تدخل إلى قلبه، فيخاف من دينونة خطاياه ومن غضب الله، ويخاف أن يأتيه الموت وهو غير مستعد له.
وهذا الخوف يدعوه إلى أن يغير طريقه.
ولكن كيف يغير طريقة؟
يغيره بالتغصب. لأن محبة الله لا تكون قد ملكت على قلبه منذ البداية. وهكذا يكون التغصب هو نقطة البداية العملية في الحياة الروحية. إنسان دخل جديدًا في الطريق الروحي. لم يتدرب بعد على الصلاة ولم يتعود المكوث فيها طويلًا، وليست له المشاعر الروحية التي تساعده على صلاة الحب والعاطفة والخشوع والتأمل. ولكنه يغصب نفسه على الصلاة وإن حروب بإنهائها يغصب نفسه على الاستمرار فيها.
يشعر بالليل أنه مثقل بالنوم: وأن متعب جسديًا، وليست لدية قوة على الوقوف للصلاة، وليست له رغبة في ذلك. ولكنه يغصب نفسه على ذلك واضعًا أمامه قول ماراسحق:
اغصب نفسك على صلاة الليل. وزدها مزامير. يغصب نفسه على الصلاة، وعلى الوقوف أو الركوع أو السجود في الصلاة وتركيز فكره أيضًا، مانعًا إياه من الشرود والسرحان.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:50 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
التغصب والنمو

قال أحد الآباء: لو انتظرت إلى أن تصل إلى الصلاة الطاهرة. ثم بعد ذلك تصلي. فإلى الأبد ما تصلي.
وذلك لأن الصلاة الطاهرة ليست هي نقطة البدء، إنما هي قمة العمل الروحي. أما أنت، فاغصب نفسك على عمل الصلاة، حتى لو كانت صلاة مثقلة بالنوم أو شاردة في الفكر، أو بدون تأمل...
ربما ينظر الله إلى تعبك وجهادك وصبرك وإصرارك. ويشرق عليك بنعمته. أو يرفعك درجة إليها... ونفس الوضع نقوله بالنسبة إلى كل فضيلة من الفضائل...
قد لا تبدأ ممارسة الصوم بمحبة للصوم واشتياق إلى الجوع، ولكنك تبدأ بأن تغصب نفسك على ذلك. وقد لا يكون لك اشتياق إلى قراءة الكتاب المقدس والتأمل في كلماته، ولكنك تغصب نفسك على القراءة.
وبالمثل تغصب نفسك على التوبة. وعلى الاعتراف. وعلى حضور الاجتماعات الروحية. كما تغصب نفسك على التسامح وعلى دفع العشور. وعلى تقديس يوم الرب وضبط اللسان، وضبط الحواس. وهكذا أيضًا في الصمت، وضبط الفكر. بل إنك إن لم تستطيع أن تغصب نفسك على مقاومة أخطاء اللسان، فإنك تصلي قائلًا " ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حينًا لشفتي" (مز141: 3).

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:52 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
التغصب فضيلة مرحلية
ولكن، لعل سائلًا يسأل.
وهل يقبل الله الفضيلة التي بتغصب وهي خالية من الحب؟!
أقول أولًا: إنها ليست خالية من الحب. فلولا الحب ما كنت تفعلها. ولكنه حب مبتدئ، تقاومه عادات النفس القديمة، وتقاومه ارتباط بالمادة والجسد، وتقاومه محاربات الشياطين ومعطلات عديدة... والله يقبل هذا التغصب باعتباره لوًا من الجهاد الروحي. ومحاولة لقهر النفس...
وقد قال سليمان الحكيم "من يملك نفسه، خير ممن يملك مدينة" (أم16: 32).
والله يعرف تمامًا أن العمل الروحي ليس سهلًا على المبتدئين، كما يعرف أيضًا ما يقابله من حسد الشياطين، ومن مقاومتهم. ولعله من أجل غصب النفس على السير في الطريق الروحي، قال الرب:

"ادخلوا من البابا الضيق.. ما أضيق الباب وأكرب الطريق. الذي يؤدي إلى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه" (متى7: 13، 14). ولكن الباب لا يستمر ضيقًا على طول الخط. إنما يكون في أوله. وكلما يمارس الإنسان العمل الروحي يجد فيه لذة، ويجد فيه حياة جديدة تجذبه إليها. فيكلمه في حب ويسعي إليه في اشتياق قلب...
وهكذا قد يبدأ الصلاة بتغصب وإذ يجده لذة روحية في الصلاة. يمارسها بعد ذلك بشوق وحب.
ولكن الشيطان يهزأ بالتغصب، ويحاول أن يتخذه وسيلة لإبطال العمل الروحي..!
يقول لك: هل من الأدب الحديث مع الله، أن تصلي هكذا بتغصب؟! أين الحب الذي قال عنه داود النبي " باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز63). وحينئذ يدعوك أن توقف هذه الصلاة احترامًا لمثاليات الصلاة النقية المملوءة حبًا وخشوعًا!! ومن المحال أن تبدأ بالكمال... المهم عند الشيطان أن يوقف صلاتك وبالمثل يوقف كل عمل روحي تعمله. وهو خلال ذلك يتهكم على هذا التغصب الذي ربما يكون هو السبب فيه...
أما الله فإنه يري الحروف التي يتلفظها الطفل بلا معني، هي أولي درجات الكلام في طريقة إلى الكمال... ويري تحركات الطفل المتعثرة هي أول الخطوات في السير المنتظم والسريع. إن ابطال العالم في القفز وفي الجري وفي السباحة بدأوا طفولتهم بحركات متعثرة. ثم تدرجوا نحو الكمال.
لهذا نحن لا نتحتقر التغصب ولا يحقره الله، بل يشجعه، لكي ينمو، ويسعي نحو الحب الإلهي... المهم أن التغصب لا يبقي تغصبًا، إنما يكون مجرد خطوة تتحرك إلى أفضل..
لتأخذ مثالًا في التغصب الذي يتدرج إلى الحب.. العطاء.. يقول الكتاب المعطي المسرور يحبه الله (2كو9: 7).
فهل تمتنع عن العطاء. حتى تصل إلى درجة المعطي المسرور. أو المعطي بسخاء (رو12) وما ذنب الفقير أو المحتاج لعطائك. وأنت لم تصل بعد إلى هذه الدرجة؟!
الوضع السليم أنك تعطي ، ولو تغصبًا نفسك على دفع العشور من أجل الفقراء إليها. ثم تطور إلى أن تغصب نفسك أيضًا على دفع البكور، والنذور، وكل حقوق الله في مالك.. ومن هنا تتطور إلى أن تبذل كل مالك لأجل غيرك، ولا تعود تتغصب في عطائك.. ولعلك تسأل كيف؟
إنك كلما تلمس سعادة الناس وحل مشاكلهم بما تعطيه. حينئذ تنتقل هذه السعادة منهم إليك. وتشعر بفرح في العطاء فتعطي بسرور. وتعطي مرحلية.
وإن كان الله يعطي أجرًا على المحبة التي في داخل كل فضيلة، فهو أيضًا يعطي أجرًا على التغصب، غير ناس تعبك في الانتصار على المعوقات التي تأتيك من الخارج، أو تأتيك من داخل نفسك...
إنك بالتغصب تروض نفسك وتروض جسدك. وتروض أرادتك.
فالحيوان الذي يضعون النير على عنقه، لكي يجر عربة أو محرثًا أو قصابية أو نورج، قد يرفض أولًا ويتمنع ويهرب. ولكنه بالترويض، يحني عنقه بكل راحه تحت النير لكي يؤدي عمله بهدوء ورضي. إن الرفض كان في مرحلة الابتداء، والتذمر والهروب والرفض، كان مرحلة وانتهت إلى الرضي... فكم بالأولي الذي يرضي ينفذ ولو متغصبًا... إنها مسألة مرحلية.
وربما يدخل في التمرن على التغصب، ما نسميه بالتداريب الروحية.
الإنسان في نضوجه الروحي يعمل الخير تلقائيًا. أما المبتدئ فيحتاج إلى التداريب. وقد يفشل في تداريبه بعض الشيء في بادئ الأمر ولكنه بالتغصب والاصرار وبالجهاد الروحي يحول ما يدرب نفسه عليه إلى صفة ثابته فيه. يقول القديس بولس الرسول في جميع الأشياء قد تدربت أن اشبع وأن أجوع. أن استفضل وأن انقص (في4: 12). وكلما كان التدريب صعبًا، يكون الانتصار فيه ذا أجر أكبر. ففي التغصب تقوية لإرادة الإنسان وتوجيه لهذه الإرادة نحو الخير.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 03:54 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
فوائد التغصب
يصلح التغصب كثيرً في الانتصار على العادات الخاطئة التي عاشت في الإنسان مدة، وأخضعته وأذلته واستعبدته. وليس من السهل أن تطوعه وهو يقودها في اتجاه عكس اتجاهه السابق.
إن التغصب هو بلا شك ثورة على تدليل النفس، أو هو حرب ضد الذات.

كلنا نعرف أن الإنسان لو ترك نفسه إلى رغباته وشهواتها، وإلى محبة الراحة والاسترخاء، فأنه لا شك يضيعها. أما بالتغصب فإنه لا يترك نفسه إلى أهوائها، بل يأمرها فتطيع فتخضع، ولو يرغمها على غير ما تود، إلى حين أن تصل إلى محبة الخير ومحبة الله... إننا نستعمل التغصب أحيانًا في تربية أطفالنا وأولادنا. لأننا لو دللناهم وتركناهم حسب هواهم لكانت النتيجة هي ضياعهم وهلاكهم. ونستعمل هذا الغصب لخيرهم، إن فشلت طرق الحب والطيبة والحيلة والاقناع...
يونان النبي لما لم يغصب نفسه إلى الطاعة غصب الله عليه. وبعد أن هرب من الله، أمر الله حوتًا عظيمًا فابتلعه بسرعة ولم يرجعوا إلى الله حبًا، فرجعوا إليه غصبًا، بتجارب وآلام منوعة.
وخير للإنسان أن يغصب نفسه بإرادته، من أن تغصبه التجارب والأحداث.
الفرق بين القديسين والأشخاص العاديين، أن القديسين غصبوا أنفسهم على الفضيلة في بادئ الأمر حتى تعودوها وأحبوها... كانت لهم أجساد تجوع وتعطش، وغصبوها على الصوم.
وكانت لهم أجساد تتعب، ولكنهم غصبوها على السهر، كما حدث مع القديس الأنبا بيشوى الذي قطع على نفسه عهدًا حينما قال:
لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطي لعيني نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا، ولا راحة لصدغي، إلى أن أجد موضعًا للرب (مز131).

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:00 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
نصائح وتداريب حول فضيلة التغصب
لذلك لا تستجيبوا لمحبة الراحة، ولا لنداء الرغبات، ولا تدللوا أنفسكم واعرفوا أن التغصب سوف يستمر معكم، فما أن تجدوا لذة في حياة الفضيلة حتى يزول التغصب تلقائيًا وتبدأ حياة الحب...
وفي كل ذلك ضعوا أمامكم قاعدة روحية هامة وهي:

إن أكبر حرب نجتازها في حياتنا الروحية، هي الحرب ضد أنفسنا وإذا انتصرنا في الداخل بالتغصب سننتصر على كل حرب خارجية..
لا تنفذوا كل فكر يأتي إليكم، ولا أية رغبة تطرق قلوبكم. وإن لم تستطيعوا أن تمتنعوا، أجلوا الأمر فترة من الوقت، ثم اغصبوا أنفسكم على مداومة التأجيل..
ربما خلال التأجيل تفتقدكم النعمة وتريحكم...
واعملوا أن التغصب يدخل في وصية حمل الصليب التي أمر الرب (متى16: 24) فهؤلاء هم الذين " صلبوا الجسد مع الأهواء" (غل5: 24).
حاول أن تعلن الثورة على ذاتك وعلى رغباتك. وإن تضع لنفسك نظامًا روحيًا ثابتًا، تغصب نفسك على تنفيذه. ولا تسامح مع نفسك بالتنفيذ، بكثير من الاستثناءات التي توحي بعدم الجدية في العمل الروحي، وبروح التراخي واللامبالاة.
إن مبدأ التغصب يظهر في قول الرب " إن أعثرتك عينك فاقلعها.. وإن أعثرتك يدك اليمني، فاقطعها والقها عنك" (متى5: 29، 30).
وهكذا تغصب ذاتك، فلا تستسلم عينيك للنظر بل تمنعها. وكذلك يدك.
وهكذا في منع اللسان عن الكلام نري القديس يعقوب الرسول يستخدم عبارات: يلجم، يلل، يضبط.. وكلها عبارات تدل على التغصب.
من أجل التغصب، وضعت الدول القوانين والعقوبات ووضع الله وصايا وأيضًا عقوبات.
والمطلوب روحيًا أن يغصب الإنسان نفسه على ترك الشر، وعلى عمل الخير، قبل أن يغصبه القانون والوصية والعقوبة.
المطلوب أن ينبع الخير من داخل قلبه، بإرادته، بإكراهه لنفسه على ترك الخطأ دون أن يضطر إلى ذلك اضطرارًا، وبلا أجر...
اجعل ضميرك هو الذي يغصبك وليس القانون. وارتفع فوق مستوي القانون... لتصل إلى محبة الخير اغصب نفسك على عمل الخير قبل أن تغصب غيرك عليه. وإن أخطأت عاقب نفسك، بدلًا من أن تأتيك العقوبة من الخارج.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:01 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
السلوك الروحي واستقامته
الإنسان الروحي يسلك حسب الروح: حسبما الروح يقوده ويرشده وليس حسب الجسد، أي ليس حسب مشيئة الجسد ورغباته وماديته...
والذي يسلك حسب الروح، يكون مقبولًا أمام الله، بينما الذي يسلك حسب الجسد يقع تحت الدينونة.
ولذلك قال القديس بولس الرسول: "لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو8: 1).
المفروض في الإنسان الروحي أن يهتم بروحه: في غذائها وصحتها ونموها...

يعطي روحه ما تحتاج إليه من غذاء يحفظها في قوة وفي نمو، مثل كل وسائط النعمة من صلاة وصوم، وقراءات روحية، وتأمل ومطانيات واجتماعات روحية، وخلوة روحية، وارشاد روحي.
كما يحتاج أن ينمي روحه بحياة الفضيلة التي يسلك فيها وبالمحبة التي تربطه بالله وبحياة التوبة التي تحفظ روحه نقيه.
غير أن غالبية الناس يهتمون بأجسادهم إهتمامًا كبيرًا يفوق اهتمامهم بأرواحهم.
يضعون كل الاهتمام في الجسد وكل ما يختص به من مأكل وملبس ومسكن وترفيه وزينة، بل يهتمون برغبات هذا الجسد، وتحقيق شهواته وملاذه، بشكل يشمل كل الفكر وكل العاطفة، حتى لو تعارض هذا كله مع نقاوة أرواحهم.
وينسي كل هؤلاء قول الرسول: اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام، اهتمام الجسد هو عداوة لله.. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله... (رو8: 6 8).
لذلك يسمون هؤلاء جسدانيين.. ولا يستطيع الجسدانيون أن يرثوا ملكوت الله، لأنه ملكوت روحي، يعيش فيه فقط، الروحانيون السالكون حسب الروح.
ولذلك فعندما تكلم الرسول عن محبة العالم التي هي عداوة لله، قال " لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة" (1يو2: 16). وهكذا وضع شهوة الجسد في مقدمة العالميات.
هنا نسأل سؤالًا يفرض نفسه: هل الجسد إذن خطية؟

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:02 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
هل الجسد خطية؟
كلا، إن الجسد ليس خطية ولا شرًا، وإلا ما كان الله يخلقه.
يكفي أن السيد المسيح أخذ جسدًا وكذلك قال لنا الرسول: "ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم"، "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح" (1كو6: 19، 15). فإن كان جسدنا كذلك فهو ليس شرًا إطلاقًا.
وهذا الجسد سيقيمه الله في اليوم الأخير. جسدًا روحانيًا نورانيًا (1كو15). ونحن نكرم أجساد القديسين. ولو كان الجسد خطية، ما كنا نكرم هذه الأجساد.
إن الجسد شيء مقدس، نزل إلى ماء المعمودية وتدشن وصار طبيعة جديدة، ومسح بزيت المسحة المقدسة في سر الميرون. وصار هيكلًا للرب (1كو2: 16، 17).
هذه هي النظرة السليمة التي نحترم بها الجسد، وننظر إليه في وقار، سواء كان جسدنا الخاص أو جسد آخرين.. متذكرين في ذلك قول الرسول " من يفسد هيكل الله فسيفسده الله" (1كو2: 17). وقوله أيضًا "فمجدوا لله أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو6: 20).
إذن يمكن أن نمجد الله أجسادنا ونمجده بأجسادنا...
أليس الجسد يشترك مع الروح في عبادة الله. الروح تصلي. والجسد يقف أو يركع أو يسجد أو يرفع أيادي طاهرًا إلى فوق.
والجسد يصوم، والجسد يبارك الله في المطانيات. والجسد يتعب في الخدمة ومعونة الآخرين...
إن احترمنا الجسد هكذا، لا يمكننا أن نمتهنه أو ندنسه في أنفسنا أو في الآخرين..
ننظر إلى الجسد ككنيسة صغيرة مقدسة مدشنة بالميرون، يسكنها روح الله.
والمفروض أن هذه الكنيسة تخرج منها تسابيح وصلوات وتراتيل ومزامير وأغاني روحية (أف5: 19) ترتفع إلى الله كرائحة بخور. كما قال المرتل في المزمور: "فلنستقيم صلاتي كالبخور قدامك، وليكن رفع يدي ذبيحة مسائية" (مز141: 2).
هذه هي النظرة الروحية إلى الجسد.
إذن الجسد ليس خطية، إن استعملناه بطريقة روحية، وفهمناه بطريقة روحية كشيء مقدس مثل جسد آدم وحواء قبل الخطية. ومثل أجساد الأبرار في القيامة العامة ومثل كل جسد مقدس من أجساد الأحياء يبارك الله.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:03 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
خضوع الجسد للروح
يكون الجسد مقدسًا إن خضع لقيادة الروح، ولم يدعها هي تخضع له.
إن حدث ذلك يسلك بطريقة روحية بل ينطبق عليه قول الرسول " اطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة.. ولا تشاكوا هذا الدهر" (رو12: 1، 2). إذن يمكن أن يكون الجسد ذبيحة حية مقدسة.. أما إن قاوم الروح، ولم يخضع لها، فحيئنذ ينطبق عليه قول الكتاب:
" الجسد يشتهي ضد الروح، والروح يشتهي ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غل5: 17).
يقول الرسول هذا، ليس عن كل جسد، وإنما عن الأجساد الخاطئة المقاومة لعمل الروح، والتي تشتهي ضد الروح، والتي توقع الإنسان في صراع داخلي بين جسده وروحه، ولكن القديسين ليسوا هكذا، وإنما أجسادهم تشترك مع أرواحهم في العمل الروحي، وتبذل ذاتها. لذلك يكافئ الله الجسد بأن يتنعم مع الروح بإخضاع الجسد، فلا يسلك في طريق مادي بل في طريق روحي.


https://st-takla.org/Pix/Holy-Bible-C...-Coptic-01.gif
وهكذا قال القديس بولس الرسول " بل أقمع جسدي واستعبده، حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (2كو9: 27).
وهكذا فعل كل الأباء في البراري والقفار، حتى جسدهم تمامًا للروح وشارك في عملها، باصوام وأسهار وسجود، وعدم اعطاء الجسد ما يشتهيه.
إذن ليس الجسد ذاته خطية، إنما شهوات الجسد هي خطية.
وقد سقط أبوانيا الأولين في شهوة الجسد، حينما نظرًا إلى شجرة معرفة الخير والشر، فإذا الشجرة للأكل وبهجة للعيون وشهية للنظر (تك2: 6).
وبدأ الانحراف إلى اشتهاء كل ما هو مادي، وما هو جسدانى. وهنا يأتي تحذير الكتاب لنا، بقول الرسول:
" لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تمتون أعمال الجسد فستحيون" (رو8: 13).
ولهذا يدخل القديسون في أعمال الإماتة هذه شهوات الجسد وهكذا نطلب إلى الرب يسوع في صلاة الساعة التاسعة قائلين "أمت حواسنا الجسدانية" وإن ماتت الحواس الروحية وتتحرك بمحبة الله، ولذلك يقول الكتاب:
" وأما أنتم فلستم في الجسد، بل في الروح، إن كان روح الله ساكنًا فيكم" (رو8: 9).
وإن عاش الإنسان بالروح، وفي الروح، وصار الجسد خاضعًا، فحينئذ يتمتع بحياة الانتصار كائنًا واحدًا، وليس كيانين متصارعين، بل على العكس لا يوجد فيه صراع داخلي بين الجسد والروح، لأن جسده أصبح يشتهي ما تشتهيه روحه، ويتعاون معها في كل أعمال البر.
وحينئذ لا يخطئ الجسد...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:04 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الجسد والخطية

فالجسد الذي يخطئ، هو الجسد المتمرد على الروح، أو هو الجسد الذي يسيطر على الروح ويخضعها لرغباته، فتتدنس معه وتفقد صورتها الإلهية، وتقع معه تحت الدينونة في ذلك اليوم الرهيب.
والجسد الذي يخطئ، إنما يدنس هيكلًا من هياكل الله.
لأن الجسد هو هيكل الله، فإن أخطأ، فيكون كمن يحطم كنيسة مقدسة كان روح الله يحل فيها.
وهو يتمرد ليس فقط على روحه، إنما أيضًا على روح الله الساكن فيه.
وإن كان الإنسان الذي تنتصر فيه روحه، وتقود الجسد معها إلى حياة القداسة يصير كملائكة الله في السماء. فإن الإنسان الذي يتمرد فيه الجسد على الروح ويقودها، يصبح في مستوي الحيوانات.
والجسد الذي يعيش في شهواته، إنما يعتبر ميتًا، مهما كان ينبض بالحياة.
وكما قال الرسول " فالجسد ميت بسبب الخطية" (رو8: 10). ولذلك قال الرب راعي كنيسة ساردس " إن لك إسمًا أنك حي وأنت ميت" (رؤ3: 1). وقال الرسول عن الأرملة المتنعمة فقد ماتت وهي حية" (1تى5: 6).
لأن الحياة الحقيقية هي في الله ومن ينفصل عن الله بالخطية، يعتبر ميت، وهو حي. وبهذا قال الآب عن الإبن الضال " أبني هذا كان ميتًا" (لو15: 24). والذي يتوب، إنما يعود إلى حياة مرة أخرى. ولذلك قيل عن الإبن الضال في توبته " كان ميتًا فعاش".
لهذا ينبغي أن يهتم الإنسان بروحه في ذلك بأبديته.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:05 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الاهتمام بالروح
يقول الرسول " اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو8: 6).
يضع أمامه أن له روحًا واحدة إن قادها في طريق الخلاص، ربح كل شيء. وإن خسر هذه الروح، خسر كل شيء. وكما قال السيد المسيح " ماذا ينتفع لو ربح العالم كله وخسر نفسه".

الذي يسلك في الطريق الروحي، يضع كل اهتمامه في نقاوة روحه، واتصال روحه بالله والسعي لأن ترث هذه الروح ملكوت الله في الأبدية السعيدة.
يسلك بالروح، وينمو في الروح، ويصبح إنسانًا روحانيًا.
يعود صورة الله ومثاله، ويحتفظ بنفسه باستمرار صورة لله. فالروح هي النفخة التي نفخها الله في الإنسان، فصار نفسًا حية أما الجسد فهو العنصر الترابي، لأن جبل من تراب الأرض. وبالسلوك بالروح يصير الإنسان شبة الملائكة، ويكون له صداقة وعشرة مع الله وملائكته ومع العالم الروحي كله، بل يصير هو ملاكًا عند الله.
تصبح تصرفاته روحية، وكلماته كلمات روحية، وكل علاقاته علاقات روحية، وتسيطر الروح على كل حياته. لذلك تأمل يا أخي نفسك كيف تسلك: هل بالروح أم بالجسد؟
فالكتاب يقول " اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد" (غل5: 16). بل يقول بالأكثر " امتلئوا بالروح" (أف5: 18).
وهنا يبدو النمو في الحياة الروحية: من سلوك بالروح إلى امتلاء بالروح.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:06 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
علاقة روحك بروح الله

الإنسان الروحي يخضع جسده لروحه، وتخضع روحه لروح الله. ويصبح هذا دليلًا على بنوته لله. وفي هذا يقول الكتاب " لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14). وإن كان روح الله هو الذي يقوده فلن يخطئ، والشرير لا يستطيع أن يمسه (1يو3: 9) (1يو5: 18). حقًا بهذا "أولاد الله ظاهرون".
ولا يقتصر الأمر على الناحية السلبية من جهة البعد عن الخطية، وإنما إيجابيًا تظهر فيه ثمار الروح.
وهذه قال عنها الرسول " وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف" (غل5: 22). قال القديس بولس هذا عن السالكين بالروح "الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل5: 24) وقال بعدها مباشرة " إن كنا نعيش بالروح، فلنسلك أيضًا بحسب الروح".

لأنه كيف نقول إننا أولاد الله، إن كنا لا ننقاد بروح الله؟ وكيف نقول إننا نعيش بالروح، إن كانت لا تظهر في حياتنا ثمار الروح؟
والذي ينقاد لروح الله، لا يطفئ الروح، ولا يحزن روح الله في داخله ولا يقاوم روح الله، وإنما يستسلم تمامًا لعمل الروح فيه. ويكون أداة طيعة للروح القدس، يصنع الله به مشيئته المقدسة. لا يخون الله ويفتح أبواب قلبه أو فكره للخطيئة التي تقاوم عمل الروح. بل على العكس:
يشترك مع روح الله في العمل:
وبهذا يدخل في شركة الروح القدس (2كو13: 14) ويكون شريكًا للطبيعة الإلهية (2بط1: 4) في العمل لأجل خلاصه وخلاص الآخرين.
إذن فالسلوك بالروح، هو سلوك بروحك وبروح الله.
وعندئذ تتجمل روحك بالفضائل، وتستعد لمقابلة الله " كعروس مزينة لعريسها". تتزين بالفضائل، بالمحبة بالاتضاعالإيمان بالتعب من أجل الله. تتزين بما قال عنه القديس بطرس الرسول " زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بط3: 4).
اهتم إذن بجمال روحك، حتى عندما تخلع جسدك، تكون روحك مقبولة في السماء. لها رائحة المسيح الذكية.
وتأخذ روحك حتى في هذا العالم هيبة أمام الشياطين.
" يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات، وأما أنت فلا يقتربون إليك" (مز91: 7). أتريد إذن أن تختبر روحك وسلوكك بالروح؟ إليك هذا السؤال:
هل أنت تخاف الشياطين، أم أن الشياطين تخافك، لسكنى روح الله فيك؟

اسلك يا أخي بالروح، وأنت تصل إلى هذا المستوى. وكل عمل تعمله تأكد من أن الله يشترك معك فيه بروحه القدوس.
واحتفظ بسكني الروح داخلك.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:06 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
معنى الاستقامة

الإنسان الروحي هو إنسان مستقيم في فكره، وفي ضميره، وفي سلوكه. أمام الله والناس.
فما معنى هذه الاستقامة integrity؟ وما علاماتها؟ وكيف تكون؟ وما محارباتها؟ وكيف نميزها؟
إن الإنسان المستقيم، هو إنسان حقاني، لا يسلك في الباطل، سواء إن كان يدري. ولا يجمع بين الحق والباطل..!
يسير في طريق مستقيم لا ينحرف عنه.
وكما قال الوحي الإلهي " لا تمل يمنه ولا يسره" (أم4: 27). أي لا تنحرف، سواء نحو اليمين أو نحو اليسار. لا يكن لك تطرف هنا أو تطرف هناك.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الاستقامة ضد التطرف
المبالغة في الطريق الروحي، غير مقبولة: سواء كانت مبالغة في الكلام أو في الوصف، أو في السلوك. فالمبالغة في الكلام نوع من الكذب المبالغة في الوصف، ولا تعطي هذه ولا تلك صورة حقيقية عن الواقع.
والمبالغة في السلوك ليست مستقيمة لأنها لون من التطرف، وقد تتحول إلى فريسة. وفي ذلك قال القديس بولس الرسول عن حياته السابقة للإيمان "حسب مذهب عبادتنا الأضيق عشت فريسيًا" (أع26: 5).. والذين يضيقون على نفوسهم، يتعودون هذا التضييق على الآخرين!

وتكون أحكامهم ظالمة وقاسية وغير مستقيمة وقد وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين على ذلك لأنهم يحملون الناس أحمالًا ثقيلة عسره الحمل (متى23: 4). وبهذا يقعون في خطية القسوة، وأيضًا في خطية الإدانة، بسبب التطرف غير المستقيم. وربما بهذا الأسلوب، يصيرون ملكوت الله صعبًا أمام الآخرين، ويوقعونهم في اليأس إذا لم يستطيعوا وهكذا يغلقون ملكوت السموات أمام الناس. فما يدخلون هم، ولا يجعلون الداخلين يدخلون (متى23: 13).
والتطرف ليس له ثبات...
ربما يتطرف إنسان في طريقة صومه ويستمر على هذا فترة. وقد يظن أنه ارتفع إلى درجة روحية عالية ولكنه فجأة لا يستطيع أن يستمر. وقد يرجع إلى الوراء، إلى مستوي أقل بكثير من الذين في الطريق بتؤدة وتدرج وهدوء.
وبالمثل التطرف في المطانيات، وفي كل أعمال التقشف والنسك. وفي الصمت أيضًا...
ففي البعد عن خطايا اللسان، قد يتطرف الإنسان فيفرض على نفسه تدريب صمت عنيف، لا يستطيع أن يستمر فيه! كما أن هذا الصمت في تطرفه قد يوقعه في أخطاء عديدة جدًا، ويسئ معاملاته مع الناس. ولا يكون تصريفًا مستقيمًا...
إن الخط الذي يعلو ويهبك في غير استقرار، ليس هو خطأ مستقيمًا. ولا يتفق مع نصائح الآباء...
فقد كان الآباء الروحيون ينصحون أبناءهم بعدم التطرف. لأن التطرف لا يتفق مع الحق من جهة، كما أنه من جهة أخرى لا يتصف بالدوام. وقد يتحول فيه الشخص من الضد إلى الضد. وهذه الذبذبة في الحياة الروحية لا يتفق مع الاستقامة في المسيرة الروحية السليمة. لهذا كان الآباء ينصحون بالتدرج من بداية سهلة ممكنه بعيدة عن العلو والافتخار، تنمو قليلًا قليلًا حتى تصل. وكانوا يقولون:
قليل دائم، خير من كثير متقطع: أي عمل روحي بسيط يبدأ الإنسان به، راسخة... فهذا أفضل بكثير من قفزة روحية عالية، لا تستمر طويلًا، ثم تعقبها رجعة إلى الوراء...! إن القفزات في الحياة الروحية خطيرة وغير ثابتة. وغالبًا ما يحصدها شيطان المجد الباطل...
الاستقامة إذن هي ضد التطرف، كما أنها أيضًا ضد الباطل...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:08 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الاستقامة ضد الباطل
إن كان من الخطأ التطرف حتى فيما يظنه الإنسان خيرًا، فماذا نقول إذن عن الباطل والتطرف فيه؟!
قد يسلك الإنسان في الباطل عن طريق الجهل ومع ذلك يحكم عليه بأنه غير مستقيم في سلوكه. إن طريقة غير مستقيم، لأنه ضد الحق والبر، سواء كان يعرف ذلك أو لا يعرف.. وما أعمق قول الكتاب " توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت" (أم16: 25، 14: 12).
إنها طرق غير مستقيم، وعاقبتها الموت، مهما بدت لصاحبها غير ذلك. إن الكبرياء قد تصور للإنسان أن كل تصرفاته مستقيمة، وربما تكون الحقيقة عكس ذلك تمامًا. وفي ذلك يقول الكتاب " طريق الجاهل مستقيم في عينيه" (أم12: 15). الاستقامة يلزمها قلب متضع، يدرك خطأه، ويصحح طريقه لكي يصير مستقيمًا...

أما المتكبر فيستمر في عدم استقامة لأنه يرفض الاعتراف بخطأ طريقه. وهكذا نرى الصلة القوية بين الاستقامة والاتضاع. ذلك لأن المتكبر لا يعرف حقيقته جيدًا، ولا يعرف سقطته أو لا يعترف بها. لذلك وصفه الكتاب بأنه جاهل، وقال: طريق الجاهل مستقيم في عينية!
وقد يسلك الإنسان في الباطل نتيجة مرضه، فيظن أن كثيرين ضده يضطهدونه، فيكره البعض منهم، ويقاوم البعض، ويشتم هذا وذاك، ويشكو من جميعهم، وتتعقد نفسيته، ويظن أن هناك أخطارًا تترصده، حيث لا يوجد خطر على الإطلاق. ويفقد هذا الشخص استقامة سلوكه نتيجة لمرضه النفسي. حتى لو كان هذا الشخص في حالة من المرض لا توقعه في مسئولية. ولكن ذلك لا يمنع من أن السلوك غير مستقيم.
الباطل هو الباطل، سواء أدين عليه صاحبة، أم لم يدن. وربما الإنسان المريض نفسيًا أو المريض عقليًا، لا نقول عنه أنه غير مستقيم. ولكن نقول عن تصرفاته إنها غير مستقيمة. وقد يوجد إنسان يحاول أن يجمع بين الحق والباطل. وهذا أيضًا غير مستقيم.
فالباطل الذي يقع فيه أحيانًا، يشوه استقامة طريقة. ولا يمكن أن يتفق مع علامات الطريق الروحي. ولكنه إذا اعترف بأنه أخطأ وقوم طريقة، فإننا نعتبرها خطية وقد تاب عنها. ولكن الخطر هو إنسانًا يعتبر الباطل الذي فيه لونًا من الاستقامة!!
وذلك بأن يلبس الخطية ثوب الفضيلة ويعتبر أنه على حق في كل أخطائه، بل لا يسميها للأمور!
ومثل هذا الشخص، تصبح عدم الاستقامة الفكرية والضميرية عنده، سببًا في استمرار عدم الاستقامة في سلوكه، كطبع من طباعة...!
ما أخطر عدم الاستقامة في الضمير حيث تختل كل موازين الإنسان وقيمه ويصبح حكمة على الأمور غير مستقيم ويفعل الخطية بضمير مستريح، ولكنه ضمير مريض، أو ضمير واسع، أو ضمير غير مستقيم...!
أمثال هؤلاء يحتاجون إلى توعية... يحتاجون إلى تعليم روحي، لإصلاح موازينهم الروحية. فالذين يقبلون التعليم منهم، يكون هناك رجاء في عودتهم إلى الاستقامة، فكريًا وضميريًا وسلوكًا.
والبعض قد يحاول الجمع بين الحق والباطل عن طريق الرياء!

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:09 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الاستقامة ضد الرياء
هؤلاء يكون ظاهرهم من الخارج مستقيمًا، بينما هم في الداخل عكس ذلك. فيظهرون للناس أبرارًا وهم خطاه. هم كالقبور المبيضة من الخارج وفي الداخل عظام نتنة...
وبالرياء يجمعون بين نوعين من عدم الاستقامة: داخلهم الخاطئ غير مستقيم وتظاهرهم أيضًا بالاستقامة هو أيضًا عمل غير مستقيم.
ويقعون بهذا في خطية مزدوجة. لأنه إن كان من يفعل خيرًا لكي يظهر للناس بره، يكون قد وقع في خطيئة الرياء، فكم بالأكثر الذي يكون غير مستقيم، ويظهر أمام الناس وكأنه مستقيم وبار، أي رياء مزدوج يكون هذا؟‍ من هذا النوع يهوذا، الذي كان يقبل السيد المسيح كصاحب له بينما كان بالقبلة يسلمه لأعدائه. أو كان يجلس قريبًا منه، يأكل معه ويغمس لقمته في نفس صفحته، بينما هو قد قبض ثمن تآمره عليه! إن خيانة يهوذا شيء. أما استمراره في صحبه المسيح، مع تلاميذه، يأكل معه ويأتي يقبله، فهذا لون آخر من الطريق غير المستقيم الذي يظهر في الرياء والتظاهر بالحب...
ومن هذا النوع كانت دليلة مع شمشون، نفس المزيج من الخيانة والرياء!
تتظاهر بالحب والدالة فيما تسلمه لأعدائه! وبنفس الرياء وأكثر منه، يسلك الشيطان، حينما يتظاهر أنه يقدم لآدم وحواء طريق بينما هو يعمل على هلاكهما. ومعنا أيضًا بنفس الأسلوب..
الإنسان المرائي يكون أحيانًا ذا وجهين ولسانين! ويلعب على حبال كثيرة...
ولا يكون مستقيمًا بذلك في تصرفه ولعل من هذا كان يريد أن يجمع بين بالاق بن صفور وبناء سبعة مذابح للرب (تك22: 23) فهو يقول "كيف ألعن من لم يلعنه الله..؟! الذي يضعه الرب في فمي أحرص أن أتكلم به" (تك23: 8، 12) وهو في نفس الوقت يقدم لبالاق النصيحة التي يهلك بها الشعب (رؤ2: 14).
وظن بلعام أنه يكفي أن لسانه لم تخرج منه لعنة للشعب، بينما قلبه كان يسعي لهلاكهم! أما الإنسان المستقيم، فإن قلبه ولسانه يكونان معًا في خط واحد طاهر.
ولقد رفض السيد المسيح أن يكون القلب واللسان في طريقين متضادين. وورد العبارة التي قيلت عن الشعب في العهد القديم " هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (متى15: 8 ؛ 29: 13).
الإنسان المستقيم: إن قال كلمة حب أو مديح بشفتيه، يكون قلبه أيضًا بنفس المشاعر...
لا تناقض إطلاقًا بين القلب واللسان فهذا التناقض دليل على عدم الاستقامة.
وفي هذا التناقض يقع الذين يستخدمون كلمات التملق، والمديح الكاذب، وكلمات النفاق...
ووقع في هذا الخطأ الأنبياء الكذبة الذين كانوا يقولون لآخاب الملك أنه سينتصر" (1مل22: 13، 22).
الإنسان المستقيم لا تقوده سياسات وأغراض، ولا تغير ضميره ولا لسانه.
فلا يسلك في الرياء من أجل غرض يحققه أو شهرة يحصل عليها، أو انضمامًا لتيار معين. إنما هو هو: من الداخل كما من الخارج.
ليس هو شخصين، بل شخص واحد لا يخالف ضميره، ليتكلم بما يرضي الناس ولا يقول إلا ما يؤمن في قلبه إنه حق.
الرياء ضد الاستقامة لأنه محاولة للجمع بين طريقين متضادين، بأسلوب الخداع...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:10 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الخداع ضد الاستقامة

لم يكن يعقوب مستقيمًا، حينما خدع أباه إسحق، وقال له أنا بكرك عيسو" (تك26: 18). ولم يكن مستقيمًا حينما ليس جلد جدي ماعز ولم تكن أمه رفقة مستقيمة حينما نصحته بكل هذا وقالت له لعنتك على (تك26: 13).
ولم يكن أخوة يوسف مستقيمين حينما خدعوا أباهم يعقوب، حينما غمسوا قميص يوسف الملون في دم ماعز ليظن أبوه أن وحشًا قد افترسه (تك37: 31 33).
الإنسان المستقيم إنسان صريح وواضح لا يكذب ولا يخادع ولا يصل إلى أغراضه عن طريق الخداع، ولا يحل مشاكله بالخداع. ويري أن الخادع طريق غير مستقيم، يحتقر ذاته إن أوصله إلى غرض.
الخداع ضد الحق. والإنسان المستقيم هو إنسان حقاني، لا يقبل على نفسه أن يظلم أحدًا.
وإن كان له غرض يحب أن يصل إليه، فليكن ذلك عن طريق مستقيم.
لأنه يؤمن، ليس فقط باستقامة الغرض والهدف، وإنما أيضًا باستقامة الوسيلة ولذلك فهو يرفض التحايل.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:11 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
التحايل ضد الاستقامة

الإنسان غير المستقيم، إذا لم توصله استقامة الوسيلة، يلجأ إلى الحيلة.
فإن لم يجد حيلة سليمة، فإنه يلجأ إلى التحايل...
ومن ضمن ذلك: اللف والدوران:
عن الخط المنحني خطأ مستقيمًا والخط الدائري ليس كذلك خطأ مستقيمًا يرفض كل طرق اللف والدوران، التي يحاول أن يخفي بها غرضه ليصل بأسلوب غير ملحوظ...
لذلك فهو يرفض أيضًا سياسة السبب الثاني والثالث...
هذه التي يستخدمها البعض، مخفين السبب الأول أو السبب الحقيقي، ومقدمين أسبابًا أخري ثانوية أقل أهمية، ربما السبب الثاني أو الثالث أو الرابع، من أمور قد يهتم بها السامع، ولا علاقة لها بالموضوع، وذلك لكي ينالوا موافقته بأية الطرق!
إن السبب الثاني، حتى لو كان حقًا، ليس هو صدق خالص وذلك بإعطائه أهمية له تخدع السامع..! واستخدمه نوع من التحايل.
وكذلك أيضًا المبالغة سواء في تقييم الأشياء ونوعياتها، أو المبالغة في وصف منافعها أو مضارها، لكي توصل السامع إلى اقتناع معين ما يلبث أن يكشف زيفه بعد حين...!
كلها أساليب لا تتفق مع الاستقامة ولا تتفق مع احترام المتكلم لضميره ولا مع احترامه لضمائر الناس...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:13 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الاستقامة والثقة

الإنسان المستقيم هو موضع ثقة كل من يعاشره، أو يتحدث إليه...
واستقامته تعطي فكرة عن روحياته وتدينه. فالاستقامة ليست مجرد فضيلة اجتماعية...
إنما هي إحدي معالم الطريق الروحي وتكون عند الروحيين بمستوي أعلى وأعمق. نقول ذلك لأنه قد يحدث أن البعض يعيشون في جو الخدمة داخل الكنيسة ويكونون قد استبقوا معهم بعض أساليب العالم الخاطئة يحققون بها أهدافهم الكنسية.
فيخدمون، ويستخدمون في داخل الخدمة أساليب غير مستقيمة تكون عثرة لغيرهم!
على أن الإنسان الروحي يحتاج باستمرار أن يعود نفسه على الاستقامة مهما كلف ذلك من ثمن، ومهما بذل في سبيله... بل حتى لو ظن أنه يخسر أحيانًا بسبب استقامته أسلوبه في التعامل وفي الخدمة... إنها قد تكون خسارة مادية، ولكنها مكسب روحي.
وعليه أن يرفض كل مكسب أو نفع عن طريق غير مستقيم، شاعرًا أنه ليس من الله.. ولا يستاهل مطلقًا في هذا الأمر ولا يشترك مع الذين يتساهلون.
إن أبدية الإنسان أهم من أية منفعة عالمية كذلك قدوته كإبن لله، وعضو في جسد المسيح، يجب أن تكون بلا لوم أمام الكل.
بهذا يعيش ضميره سعيدًا، ويعيش الناس مطمئنين له.
وعلينا أن نضع أمامنا قدوات الآباء القديسين، ونسلك في خطاهم...

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
القيم والتقييم الروحي

لفظة " قيم " من الناحية اللغوية، هي كلمة جمع مفردها قيمة، وتعني الأشياء ذات القيمة التي تقود الإنسان في حياته. واصطلاحًا بها الأمور السامية ذات القيمة التي يهتم بها كل من يتبع طريقًا فاضلًا، ويتمسك بها كمبادئ يبدأ بها كل عمل يعمله.
فما هي الأشياء التي لها قيمة في تقديرك، والتي تقودك في حياتك؟
إن الناس يختلفون من جهة القيم. فالإنسان الروحي له قيم عالية يضعها أمامه باستمرار. بينما هناك أشخاص في العالم يعيشون بلا قيم، أو لهم قيم أخري غير روحية، أو لهم تقيمهم الخاص للأمور. وبناء عليه يتبعون منهجًا آخر في الحياة وسبلًا أخري.
في قلب كل إنسان يوجد اهتمام بشئ معين له القيمة الأولي في تقديره الخاص. ومن أجل هذا الشيء يبذل كل جهده، وفيه يركز كل عاطفته.
فهناك من يركز جهده في المال ويعطيه كل القيمة وهناك من يركز القيمة كلها في الشهرة أو العظمة.. وهناك من يجعل القيمة كلها في النجاح أو التفوق...
وبحسب هذا التركيز قد تختفي القيم السامية التي ربما يفكر فيها اطلاقًا.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:15 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الغرض والوسيلة
إنسان قد يضع أمامه غرضًا معينًا كل القيمة، وربما في سبيل ذلك لا يهتم مطلقًا بنوعية الوسيلة الموصلة إليه.
فلا مانع مثلًا من الكذب والخداع والغش والحيلة لكي يصل إلى غرضه، أيًا كان هذا الغرض. فإن وصل بفرحة النجاح.. حتى إن كان قد ارتفع على جثث غيره، أو كانت راحته قائمة على تعب الآخرين...
لا شك أن هذا إنسان وصولي يعيش بلا قيم، قد فقد الغرض والوسيلة كليهما.
والإنسان الروحي لابد أن يضع أمامه غرضًا صالحًا. ولابد أن تكون وسائله إلى هذا الغرض الصالح، هي وسائل صالحة أيضًا.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
معنى النجاح

كل إنسان يشتاق إلى النجاح. وبمثل النجاح إحدى القيم التي يضعها أمامه.
ولكن ما هو النجاح؟
ونقصد النجاح بمعناه الحقيقي...
ذلك لأن الأشرار يفرحون أيضًا إذا ما نجحوا في تحقيق الشر الذي يزيدونه. وكل صاحب غرض يفرح بنجاحه في الوصول إلى غرضه مهما كان خاطئًا. ونحن لا نقصد النجاح بهذا المعني.
النجاح هو أن تنتصر على نفسك، لا أن تنتصر على غيرك.
والنجاح هو أن تصل إلى نقاوة القلب وليس فقط إلى تحقيق أغراضك أيًا كانت.
والنجاح هو أن تصل إلى ملكوت الله في قلبك. وكل غرض آخر لك يكون داخل هذا الملكوت.
فإن خرج نجاحك عن هذه القيم، يكون فشلًا لا نجاح.
لذلك كثيرًا ما يفرح إنسان قد نجح، بينما السماء قد ترثي لحاله.
وقد يظن أنه نجح في أمر من أمور هذا العالم الحاضر، بينما يكون قد خسر أبديته.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الاهتمام بالأبدية
الإنسان الروحي يكون اهتمامه الأول هو بأبديته. وينمو في هذا الشعور، حتى تشغل الأبدية كل اهتمامه ويصبح تفكيره مركزًا في مصيره الأبدي.
تصير الأبدية صاحبة القيم الأولى في حياته. وكل عمل أو غرض يتعارض مع أبديته، يرفضه رفضًا كاملًا، ولا يقبل في ذلك نقاشًا. ويعتبر حياته الحاضرة مجرد تمهيد يوصل إلى الأبدية.
وهذا الاهتمام بالأبدية يجعل لحياته اتجاهًا روحيًا طاهرًا، ثابتًا في الله، حريصًا على محبته وحفظ وصاياه.
هذا الاتجاه الروحي يفقده الذين جعلوا القيمة الأولي لحياتهم في العالم، من حيث المركز والمتعة. فانشغلوا بالعالميات انشغالًا ملك كل تفكيرهم، وأنساهم تلك الحياة الأبدية. ولقد قدم لنا السيد المسيح مبدأ روحانيًا نضعه نصب أعيننا في طريقنا الروحي وهو:
" ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟" (متى16: 26).

ليتك تسأل نفسك أيها القارئ العزيز: ما هي قيمة الأبدية في حياتك؟ هل هي إحدى القيم الأساسية التي تحرص عليها، ولا تبرح ذاكرتك في أي وقت؟ أم أنت لا نفكر فيها على الإطلاق؟ تشغلك عنها اهتمامات كثيرة، ناسيًا قول الرب لمرثا:
" أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد" (لو10: 42).
ما هي هذه الأمور الكثيرة من أمور العالم التي تنال منك اهتمامًا وتقييمًا أكثر من أبديتك؟! أما آن وان أن تصلح موازينك الروحية، وتعيد تقييمك للأمور، حتى تنال ما يليق بها من اهتمام وتركيز، في قلبك وفي فكرك وفي توزيع وقتك؟
وحينما نتكلم عن الأبدية، إنما نقصد الأبدية بالنسبة إليك، وأيضًا بالنسبة إلى غيرك...
أي نقصد تقييمك لأهمية ملكوت الله فيك، وفي سائر الناس...
نقصد مدي حرصك أن تكون داخل هذا الملكوت، وأن يكون كل من تعرفه داخل دائرة الملكوت أيضًا. وهنا تبرز الغيرة المقدسة والخدمة كعلامة هامة من معالم الطريق الروحي، وكإحدى القيم التي تقود حياتك.
وكلما ترتفع قيمة الأبدية في فكرك وفي قلبك، على هذا الحد تصغر وتتضاءل قيمة العالم في نظرك.
وهذه أيضًا واحدة من معالم الطريق الروحي: أن لا تعطي تقييمًا لشيء من أمور هذا العالم، واضعًا أمامك قول الرسول " لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الأب" (1يو2: 15).
ليتك تسأل نفسك في صراحة: ما هو تقييم العالم في نظرك؟
هل هو حياتك ومتعتك وشهواتك؟ هل هو جميل بدرجة أنك لا تستغني عما فيه من متع وملاذ وتحزن أن فارقته؟!
أم العالم وكل الأشياء التي فيه، هي مجرد " نفاية " كما رآها القديس بولس الرسول؟ (في3: 8).
لقد جرب سليمان الحكيم الأمرين كليهما الأمرين: جرب النظر إلى العالم كمتعة، فقال " مهما اشتهته عيناي، لم أمنعه عنها" (جا2: 10). ولما فقد هذا العالم قيمته في نظره، قال عنه إنه كله " باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس" (جا2: 11).
فما هي قيمة العالم في نظرك؟ حسب تقييمك له، سيكون تعاملك معه.
هل هو تافه وباطل وقبض الريح؟ أم هو شهوة تجتذبك بعنف؟ شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة (1يو2: 16).
ليتك في تقييمك للعالم، تؤمن ببطلانه، وتثق بأنه يبيد وشهوته معه (1يو2: 17).
هذه هي بعض القيم التي ينبغي أن تؤمن بها. وقد كان النسك والزهد نابعين من الإيمان بهذه القيم.
والرهبنة أيضًا نبعت من هذا القيم، وكذلك البتولية. بل أن الاستشهاد نفسه كان ثمرة للإيمان بقيم معينة، من جهة الأبدية والإيمان بتفاهة العالم.
ولقد جرب القديس أوغسطينوس شهوات العالم الكثيرة. ولكن لما زالت قيمته في نظره استطاع أن يقول: جلست على قمة العالم، أحسست في نفسي أني لا أشتهي شيئًا ولا أخاف شيئًا.
إذن لكي تقتاد إنسانًا إلى محبة الله، عليك أن تصلح موازينه، وتصحح قيمة ونظرته إلى الأمور.
لذلك حسنًا قال الرسول " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 2). وماذا يكون تغيير الذهن سوي تغيير مفاهيمه وتصحيح قيمة؟ لكي تستقيم نظرته إلى الأمور، وتأخذ اتجاهًا روحيًا...
وهنا نسأل عن تقييمك لكي من احتياجات الروح والجسد.

Mary Naeem 04 - 01 - 2014 04:17 PM

رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
 
الروح والجسد

لا شك أن غالبية الناس يقدمون كل الاهتمام أو غالبيته لأجسادهم. فيهتمون بطعام الجسد، وبصحته، وقوته وجماله.
ويعطونه ما يحتاج إليه من غذاء ومن دواء ومن علاج، ومن راحة ونشاط واستجمام.. ويهتمون نفس الاهتمام بأجساد أبنائهم وأقاربهم وصحتهم.
أما الروح فلا تأخذ نفس الاهتمام. لأن تقييم احتياجات الروح ليس وارِدًا على الذهن، وربما يكون مُهمَلًا.
لذلك تضعف أرواح الناس، إذ لا تجد غذائها الكافي، ولا الاهتمام بكل ما تحتاج إليه من تقوية، ومن رياضة روحية، ومن سائر المنشطات الروحية كالقراءة والتأمل والتراتيل والاجتماعات والصلاة والتداريب الروحية.
إن التقييم الذي للروح هو الذي يحدد مسلكنا في الحياة...
وهو الذي يجعلنا نهتم بالقيم الروحية وبالوسائل الروحية التي تنمينا روحيًا وتدفعنا إلى التقدم باستمرار في الطريق الروحي..


الساعة الآن 02:29 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025