منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=239669)

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:19 PM

كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث

الروح القدس يقود أبناء الله في حياتهم الروحية (رو 8: 14). وهو يقودهم من خلال وسائط معينة، إن سلكوا فيها يشتركون مع الروح القدس في العمل، أو يدخلون من شركة الروح القدس (2كو13: 14).

ونسمى هذه الوسائط: الوسائط الروحية، أو وسائط النعمة، أي الوسائط التي تعمل النعمة من خلالها، أو تعمل بها..

وقد حدثتك في هذا الكتاب عن 11 واسطة من الوسائط الروحية، وهى:

الصلاة، الكتاب المقدس، قراءة سير القديسين، التأمل، التداريب الروحية، محاسبة النفس، الاعتراف، التناول، الصوم، العطاء، الخدمة...

و هذه الوسائط لازمة لكل إنسان.
مهما ارتفع هذا الإنسان في حياته الروحية، فإنه لن يستغنى عنها. فهى غذاؤه الروحى الدائم. وإن بعد عنها، أو قصر في ممارستها، فإن حرارته الروحية تفتر، ويعرض نفسه لمحاربات خطيرة..
و لا شك أن كل باب منها، يمكن أن يصدر فيه كتاب. ولكننا أردنا أن نقدم لك كل هذه الموضوعات مركزة.
حاول أن تتخذ كل هذه الموضوعات مجالًا للتدريب العملي.
و ليكن الرب معك، يقتاد خطواتك إليه.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:21 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
الصلاة: ما هي؟ وكيف توصِّل إلى الله؟

ليست كل صلاة تعتبر واسطة روحية، يمكن أن توصلك إلى الله.. هنا وأتذكر ما قيل عن إيليا النبي إنه "صلى صلاة" (يع 5: 17) كانت صلاة حقيقية، استطاعت أن تغلق السماء وأن تفتحها، وأن تقتدر كثيرًا في فعلها (يع 5: 16).
فما هى الصلاة إذن؟ ما تعريفها؟
الصلاة هى جسر يوصل بين الإنسان والله. شبهوها بسلم يعقوب الواصل بين السماء والأرض (تك 28: 12). إنها ليست مجرد كلام، إنما هى صلة.. هى صلتك بالله، قلبًا وفكرًا..
الصلاة هى إحساسك بالوجود في الحضرة الإلهية.
وبدون هذا الإحساس لا تكون الصلاة صلاة.. هى مشاعر قلب متجه إلى الله، يشعر بوجود الله معه، أو بأنه واقف أمام الله. كما قال إيليا النبي "حي هو رب الجنود، الذي أنا واقف أمامه" (1مل 18: 15).. وأمام الله ينسى الإنسان كل شيء، ولا يبقى في ذهنه سوى الله وحده. ويتضاءل كل شيء. ويصبح الله هو الكل في الكل وليس غيره..


الصلاة هى عمل القلب، سواء عبر عنها اللسان أو لم يعبر.
هى رفع القلب إلى الله. لأن القلب يتحدث مع الله بالشعور والعاطفة، أكثر مما يتحدث اللسان بالكلام. وربما يرتفع القلب إلى الله بدون كلام.
لذلك فإن تنهد القلب أمام الله صلاة. وحنين القلب إلى الله صلاة. وعواطف الحب نحو الله صلاة. فالصلاة هى الصلة بين الله والإنسان. وإن لم توجد هذه الصلة القلبية، فلن ينفع الكلام شيئًا.
إن أحببت الله تصلى. وإن صليت تزداد حبًا لله. فالصلاة هى عاطفة حب، نعبر عنها بالكلام.
نرى هذا الحب وهذه العاطفة بكل وضوح في مزامير داود إذ يقول:
"يا الله أنت إلهي، إليك أبكر. عطشت نفسي إليك" (مز 63: 1). "كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي. متى أجئ وأتراءى قدام الله" (مز 43: 1، 2).. إنه شوق إلى الله عطش إليك. كما تشتاق الأرض العطشانة إلى الماء
كثيرون يصلون، ولا يشعرون بتعزية. لأن صلواتهم خالية من الحب.. مجرد كلام!
هؤلاء رفض الله صلواتهم. وقال عنهم " هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا" (أش 29: 13). وكرر السيد المسيح نفس التوبيخ بالنسبة إلى اليهود (مت 15: 8) (مر 7: 6) إذن اخلط صلاتك بالحب. وتكلم فيها مع الرب بعاطفة. فالصلاة هى اشتياق النفس إلى الوجود مع الله. هى اشتياق المحدود إلى غير المحدود، اشتياق المخلوق إلى خالقه، واشتياق الروح إلى مصدرها وإلى شبعها..
والصلاة المقبولة هى التي تصدر من قلب نقى.
فالكتاب يقول " ذبيحة الأشرار مكرهة الرب، وصلاة المستقيمين مرضاته" (أم 15: 8) (أم 21: 27). وقد رفض الرب صلاة الأشرار فقال لهم " حين تبسطون أيديكم، أستر وجهى عنكم. وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا" (أش 1: 15). ومن الناحية الأخرى يقول الكتاب " طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها" (يع 5: 16).
إذن ماذا يفعل الخاطئ المثقل بآثامه؟
يصلى ليساعده الله على التوبة. ويتوب لكي يقبل الله صلاته..
يصلى ويقول: "توبنى يا رب فأتوب" (أر 31: 18). فالصلاة هى باب المعونة، الذي يدخل منه الخاطئ إلى التوبة. وقد قال ماراسحق "من قال إن هناك بابًا آخر للتوبة غير الصلاة فهو مخدوع من الشياطين".. إذن لا تنتظر حتى تتوب ثم تصلى!! إنما أطلب التوبة في صلاتك، من ذلك الذي قال "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5)
الصلاة هى فتح القلب لله، لكي يدخل ويطهره.
تذكرنا بصلاة العشار، الذي رفع قلبه في انسحاق أمام الله، طالبًا الرحمة (لو 18: 13). وهكذا خرج مبررًا. عليك إذن أن تصلى لكي تحصل على نقاوة القلب، وأنت تقول للرب في صلواتك: إنضح على بزوفاك فأطهر، واغسلنى فأبيض أكثر من الثلج (مز 50).. أليس هو القائل " أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم.. وأجعلكم تسلكون في فرائضى" (خر 36: 26، 27).. اطلب منه في صلاتك تحقيق هذا الوعد.
الصلاة هى تدشين للشفتين وللفكر، وهى تقديس للنفس، بل هى صلح مع الله..
الإنسان الذي بينه وبين الله خصومة، طبيعى أنه لا يتحدث معه. لا يصلى. لا يجد دالة للحديث مع الله. فإن بدأ يصلى، فمعنى هذا أنه يريد أن يصطلح مع الله.. وإذا صلى، يستحى من حديثه مع الله، ويخجل من أن ينجس فكره الذي كان مع الله منذ حين (). يصل إذن إلى استحياء الفكر، وهذا ظاهرة روحية صحيحة.
وهكذا بالصلاة تبطل الأفكار الردية، كلما داوم الإنسان على الصلاة، ويدخل بها في جو روحي، ويبعد عن قوات الظلمة.
الصلاة هى رعب الشياطين، وأقوى سلاح ضدهم.


فالشيطان يخشى أن يفلت هذا المصلى من يده. يخشى أن ينال بصلاته قوة يحاربه بها. كما أنه يحسده على علاقته هذه مع الله، التي حرم هو منها.. لذلك فالشيطان يحارب الصلاة بكل الطرق يحاول أن يمنعه بأن يوحى للإنسان بأن مشاغل كثيرة تنتظره وليس لديه وقت، أو يشعره بالتعب وبثقل في الجسد. وإن أصر على الصلاة، يحاول أن يشتت فكره ليسرح في أمور عديدة..
أما أنت يا رجل الله، فاصمد في صلاتك مهما كانت الحروب. وركز فيها فكرك وكل مشاعرك.
وكما قال الرسول "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 4: 7). ولا تستسلم لأفكاره. واعرف أن محاولته منع صلاتك، إنما تحمل اعترافًا ضمنيًا منه بقوة هذه الصلاة كسلاح ضده. فلا تلق سلاحك، بل حارب به. واستمر في الصلاة مهما شردت أفكارك. ولا بد أن ييأس العدو من جهادك الروحي ويتركك. كما أن النعمة لن تتخلى عنك، بل ستكون معك..
وفي صلاتك، افتح أعماق نفسك لتمتلئ من الله.
اطلب الله نفسه، وليس مجرد خيراته. قل له كما سبق أن قال داود "طلبت وجهك، ولوجهك يا رب التمس. لا تحجب وجهك عنى" (مز 199). تأكد أن نفسك التي تشعر بنقصها، ستظل في فراغ إلى أن يكملها الله نفسه. إنها تحتاج إلى حب أقوى من كل شهوات العالم. وهى عطشانة، وماء العالم لا يستطيع أن يرويها (يو 4: 13).
قل له يا رب: لست أجد سواك كائنًا يفهمني.
واطمئن إليه: افتح له قلبي، وأحكى له كل أسراري، وأشرح له ضعفاتي فيسمعها ولا يحتقرها. وأسكب أمامه دموعى، وابثه أشواقى. أشعر معه أننى لست وحدى، وإنما معى قلب يحتوينى وقوة تسندنى.. بدونك يا رب، أشعر أننى في فراغ، ولا أرى لي وجودًا حقيقيًا. أنت هو عمانوئيل، الله معنا.. روحى تشتاق إلى روحك الكلى، تشتاق إلى ما هو أسمى من المادة والعالم وكل ما فيه.. نعم، إن في داخلى اشتياقًا إلى غير المحدود، لا يشبعه سواك.
هذه هى صلاة الحب، وهى أعلى من مستوى الطلب. فأنت قد تصلى ولا تطلب شيئًا..
قد تكون صلاتك شكرًا على ما أعطاه لك الله من قبل. تشكره على عنايته بك، ورعايته لك، وعلى ستره ومعونته وكل إحساناته، لك ولكل أصحابك وأحبابك.. وقد تكون صلاتك تسبيحًا لله، مثل صلاة السارافيم " قدوس قدوس، رب الجنود السماء والأرض مملؤتان من مجدك وكرامتك" (أش 6).
قد تكون صلاتك مجرد تأمل في صفات الله الجميلة، كما في صلوات القداس الغريغورى، وكما في كثير من المزامير وصلوات الساعات. وكما قال القديس باسيليوس الكبير "لا تبدأ صلاتك بالطلب لئلا يظن أنه لولا الطلب ما كنت تصلى.
اعتبر صلاتك مجرد تلذذ بعشرة الله، أو كما يسميها بعض الآباء "مذاقة الملكوت".
مجرد وجودك في حضرة الله متعة، حتى لو لم تفتح فمك بكلمة واحدة، حتى لو لم يتحرك ذهنك بأي فكر، كطفل في حضن أبيه ولا يطلب شيئًا سوى أن يبقى هكذا..
ترى ما الذي يمكننا أن نطلبه في ملكوت السموات؟! لا شيء طبعًا. لأن هناك لا ينقصنا شيء حتى نطلبه. إنما نتمتع بما قال عنه المرتل " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). الصلاة هى مذاقة الملكوت هذا. نذوق هنا على الأرض ما سوف نتمتع به في السماء...
لذلك قيل عن الصلاة إنها طعام الملائكة.
هى طعام أرواحهم، وهى غذاؤهم الذي يشبعهم. وهكذا أيضًا بالنسبة إلى أرواح القديسين، وكانت على الأرض غذاء للآباء المتوحدين والسواح.. ويتغذون فيها بمحبة الله وعشرته، ومتعة أرواحهم به. كما قال داود النبي للرب "أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب" (مز 73: 28)
مبارك هو إلهنا الطيب الذي منحنا أن نصلى. تواضع منه أن يسمح لنا بأن نتحدث إليه.
وتواضع منه أن يصغى إلينا.. من نحن التراب والرماد، حتى نقترب إلى الله، ونقف أمامه ونتحدث إليه..و نضم أنفسنا إلى صفوف الملائكة الواقفة أمام عرشه تسبحه وتبارك اسمه، وتتبارك بالوجود في حضرته. حقًا إنه الخالق، أن يسمح لنا نحن مخلوقاته بهذه الدالة: أن نكلمه ويسمعنا.
لذلك عار كبير وخطية كبرى، أن تقول: ليس لدى وقت للصلاة..!!
هل يجرؤ العبد أن يقول إنه ليس لديه وقت للكلام مع سيده؟! عجيب بالأكثر أن المخلوق ليس لديه وقت للحديث مع خالقه!! إن أمورًا عديدة وتافهة تجد لها وقتًا..
ومحادثات لا قيمة لها، تجد لها وقتًا. لماذا إذن تحتج بضيق الوقت في الحديث مع الله؟!
إن داود النبي كان ملكًا وقائدًا وقاضيًا للشعب، وله أسرة كبيرة، ومع ذلك يقول للرب "سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك" (مز 119) " عشية وباكر ووقت الظهر"، "وفي نصف الليل نهضت لأشكرك.."، "وسبقت عيناى وقت السحر لأتلو في جميع أقوالك" (مز 119).
المشكلة لا تكمن إذن في الوقت، إنما في الرغبة. إن كانت لديك رغبة في الصلاة، فلا شك ستجد وقتًا. لماذا إذن تحتج بضيق الوقت في الحديث مع الله؟!
ثم يجب أن تعرف أن الصلاة بركة لك. وأنك فيها تأخذ، ولست تعطى.
هل تظن أنك تعطى الله وقتًا حينما تصلى؟! وهل الله محتاج إليك أو إلى صلواتك؟! أم أنت تأخذ في الصلاة قوة ومعونة وبركة، وتأخذ لذة روحية ومتعة بعشرة الله، وحلًا لمشاكلك..؟!
يجب أن تتغير فكرتك عن الصلاة، لكي تدرك تمامًا أنك ضائع بدونها، وأنها عكازك الذي تستند إليه. إن عرفت هذا، ستعتمد عليها كواسطة روحية أساسية في حياتك. وبعد، أتراني أستطيع في هذا المقال أن أحدثك عن كل ما يتعلق بالصلاة؟! كلا، وإنما بعد كل هذا أتركك لتصلى، ولكي تذكرني أيضًا في صلاتك

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:22 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
شروط الصلاة المقبولة

https://st-takla.org/Pix/People-Gener...an_praying.jpg

ليست كل صلاة مقبولة، لأنه ليست كل صلاة، صلاة.

فصلاة الفريسي المتكبر، لم تكن مقبولة مثل صلاة العشار المنسحق، الذي خرج مبررًا دون ذاك (لو 18: 14). كذلك صلاة الذين أيديهم ملآنة دمًا، قال عنها الرب " حين تبسطون أيديكم، أستر وجهي عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع" (أش 1: 15). وأيضًا صلاة المرائين (مت 6)، والذين لعلة يطيلون صلواتهم (مت 23: 14) فقد تصلى صلاة، فيتقدم واحد من الأربعة والعشرين قسيسًا، ويأخذها في مجمرته الذهبية، ويقدمها إلى الله رائحة بخور.. (رؤ 5: 8) بينما يصلى آخر طول النهار، ويتعجب الملائكة أن شيئًا من صلوات هذا الإنسان لم يصعد إلى فوق!

فما هى إذن شروط الصلاة؟!

الشروط كثيرة: نذكر منها أنها تكون بالروح، فيها روح الإنسان يخاطب روح الله، وقلبه يتصل بقلب الله، هذه الصلاة التي من الروح ومن القلب، هى التي تفتح أبواب السماء، وتدخل إلى حضرة الله، وتكلمه بدالة، وتتمتع به، وتأخذ منه ما تريد.. بل هذه الصلاة هى التي تشبع الروح، كما قال المرتل:



" باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما كم شحم ودسم" (مز 163: 4، 5).

هذه الصلاة التي من القلب، هى التي يشعر فيها الإنسان بلقائه مع الله. ففيها أما أن نصعد إليه،أو ينزل هو إلينا. المهم أن نلتقي. أو هو الروح القدس يصعدنا فكرًا وقلبًا إلى الله. وعن هذه الصلاة يقول القديسون إنها حلول السماء في النفس، أو أن النفس تتحول إلى سماء. وهنا تتميز الصلاة بحرارة روحية



الصلاة التي بجب وعاطفة، تكون صلاة حارة

الصلاة التي بالروح، تكون حارة بطبيعتها. أشعلها الروح الناري. ولذلك قيل عن صلاة القديس مكسيموس ودوماديوس إنها كانت تخرج من أفواههم كشعاع من نار. وهكذا كانت |أصابع القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين حينما كان يرفع يديه في صلاته..



الصلاة الروحانية تكون أيضًا بفهم وتركيز.

وبالتركيز تبعد عنها طياشة الفكر. كذلك عنصر الفهم يجعل الذهن مركزًا، والعاطفة أيضًا تركز الفكر0 أما الذي يصلى بدون قلب، وبدون فهم، وبدون عاطفة، فبالضرورة تشرد أفكاره في موضوعات متعددة لأن قلبه لم يتخلص بعد من الاهتمام بهذه العالميات، ولا يزال متعلقًا بها حتى وقت الصلاة. فلا تكون صلاته طاهرة، لأنها ملتصقة بماديات العالم.

لهذا، عندما سئل القديس يوحنا الأسيوطى "ما هى الصلاة الطهارة؟" أجاب "هي الموت عن العالم"، لأنه حينما يموت القلب عن أمور العالم، لا يسرح فيها أثناء صلاته، فتصبح صلاته طاهرة بلا طيش.



الصلاة الروحانية تكون أيضًا بخشوع أمام الله.

لقد سبق فتحدثنا عن الصلاة بحب، ولكن الحب لا يمنع الخشوع إطلاقًا. محبتنا لله لا يمكن أن تنسينا هيبته، وجلاله ووقاره. فيمتزج حديثنا معه بالاحترام والتوقير، وندرك أدب الحديث مع الله. وخشوعنا ليس هو خوف العبيد، إنما هو توقير الأبناء لأبيهم وأي أب؟ إنه ليس أبًا على الأرض، بل هو أبونا الذي في السموات، الذي تقف أمامه الملائكة في هيبة " بجناحين يغطون وجوههم. وباثنين يغطون أرجلهم" (أش 6: 2). لهذا قال ماراسحق:

" إذا وقفت لتصلى، كن كمن هو قائم أمام لهيب نار".

وإبراهيم أبو الآباء والأنبياء قال " عزمت أن أكلم المولى. وأنا تراب ورماد" (تك 18: 27). لذلك إن وقفت أمام الله، قل له: من أنا يا رب حتى أقف أمامك، أنت الذي تقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة والشاروبيم والسارافيم، وكل الجمع غير المحصى الذي للقوات السمائية. كيف أحشر نفسي وسط هذه الطغمات النورانية؟!


خشوعك أمام الله هو خشوع الروح وخشوع الجسد أيضًا.

أما عن خشوع الجسد. فيشمل الوقوف والركوع والسجود، بحيث لا تقف وقفة متراخية ولا متكاسلة، ولا تستسلم للشيطان الذي يحاول أن يشعرك في وقت الصلاة بتعب الجسد أو بمرضه أو إنهاكه أو حاجته إلى النوم..!

هناك أشخاص، إذا وقفوا للصلاة يشعرون بالتعب، بينما يقفون مع أصدقائهم بالساعات دون شعور بالتعب! لذلك احترس من هذا التعب الوهمي، الذي هو من حروب الشياطين. قال القديس باسيليوس الكبير:

"إياك أن تعتذر عن الصلاة بالمرض، لأن الصلاة وسيلة للشفاء من المرض".

وكما قال ماراسحق " إذا بدأت الصلاة الطاهرة، فاستعد لكل ما يأتي "أي أستعد لحروب الشيطان الذي يريد أن يمنعك عن الصلاة (
خشوع الجسد لازم، لأن الجسد يشترك مع الروح في مشاعرها، ويعبر عنها. فخشوع الروح يعبر عنه خشوع الجسد. وتراخى الروح وعدم اهتمامها، يظهر كذلك في حركات الجسد، مثل انشغال الحواس بشيء آخر أثناء الصلاة! سواء النظر أو السمع وما إلى ذلك..

أما عن خشوع الروح، فيجب أن تصلى بقلب منسحق.


وتذكر أن الرب قريب من المنسحقين بقلوبهم.. لا تنس أنك طبيعة ترابية، وأنك تكلم خالقك الذي هو ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ 19: 16). ولا تنس أيضًا خطاياك التي أحزنت بها روح الله القدوس، وخنت محبته وقابلت إحساناته بالجحود لذلك قف بانسحاق قدامه، كما صلى دانيال النبي وقال " لك يا سيد البر. أما لنا فخزي الوجوه.. لأننا أخطأنا إليك. تمردنا عليك" (دا 9: 7-9). قل له: أنا لا استحق شيئًا. ولكن مع كثرة خطاياي وجحودي، يشجعني طول أناتك، ويعزيني قلبك الواسع. أنت الإله الطيب، الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا (حز 18: 23، 32). في أنا الساقط تظهر عظمة مراحمك.



ولتكن صلاتك بإيمان..

تؤمن أن الله يسمعك ويحبك، ويستجيب لك في كل ما يراه خيرًا لك. وقد قال السيد الرب "كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين، تنالونه" (مت 21: 23). وإن لم يكن لك هذا الإيمان، فاطلبه في صلاتك. كما قال أبو ذلك المريض المصروع للرب "أؤمن يا سيد. فأعن عدم إيماني" (مر 9: 24) – أو كما قال الرسول للرب: زد إيماننا (لو 17: 5) تذكر ذلك الوعد الجميل " كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر 9: 23).

ثق أن الإيمان يعطى الصلاة قوة. وأيضًا الصلاة تقوى الإيمان.. غير أنك إن طلبت طلبًا لا تتعجل نواله. وإنما انتظر الرب. آمن أنه سوف يستجيب، مهما بدا لك أنه أبطأ في استجابته. استمع إلى داود النبي وهو يقول "أنتظر الرب. ليتشدد وليتشجع قلبك، وانتظر الرب" (مز 27: 13).



لتكن صلاتك أيضًا بعمق وبفهم.

كلما كانت صلاتك بفهم، وتقصد كل كلمة تقولها، فإنها حينئذ ستكون بعمق. إن المرتل يصرخ في المزمور ويقول "من الأعماق صرخت إليك يا رب. يا رب استمع صوتي" (مز 130: 1). "من عمق قلبي طلبتك" (مز 199). صل إذن من عمق قلبك، ومن عمق فكرك، ومن عمق إيمانك، ومن عمق احتياجك.. وعمق الصلاة يمنحها حرارة..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:25 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
تداريب على الصلاة


1-تدرب على إطالة الوقت في الوجود مع الله.

ما أجمل قول المرتل في المزمور "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119).
فأسأل أنت نفسك كم من الوقت تقضيه مع الله؟ لا شك أنك تقضى أوقاتًا كثيرة في أحاديث وفى ترفيهات لا تفيدك شيئًا.. وكلها وقت ضائع. فيا ليتك تخصص وقتًا أطول للحديث مع الله. ولا تجعل هذه الأوقات في نهاية مشغولياتك، بل في قمة مشغولياتك.

2-تدريب على الاستيقاظ المبكر، وبدء اليوم بالصلاة.

حيث يكون القلب صافيًا، ولم يزدحم بعد بأفكار العمل وسائر المسئوليات. ويكون البيت هادئًا، لم يستيقظ أهله بعد ولم تدركه الضوضاء. فتخلو مع الله بدون معطل، ويكون الله هو أول من تتحدث إليه في يومك، وتأخذ منه بركة اليوم كله..


3-اهتم بصلوات الساعات في الأجبية:

وإن لم تستطع خلال النهار أن تصلى كل ساعة بكمالها. فعلى الأقل يمكنك أن تصلى القطع والتحليل الخاص بها. وثق أن ذلك سوف لا يستغرق منك سوى دقائق معدودة ترفع فيها قلبك إلى الله خلال حروب النهار ومشغولياته.
وينفعك في ذلك: الحفظ، فكلما كنت تحفظ قطع الأجبية ومزامير الأجبية، ستصليها بدون كتاب وبدون أن يشعر بك أحد

4- حاول أن تمارس الصلاة في كل مكان.

مطيعًا قول الكتاب " صلوا كل حين" (لو 18: 1). " صلوا بلا انقطاع" (1تس 5: 17).. تدرب على الصلاة في الطريق، حتى لا تنشغل بمناظره. تدرب على الصلاة وأنت مع الناس، وبخاصة إن كانت أحاديثهم معثرة أو لا تعنيك. تدرب على الصلاة وأنت في طرق المواصلات، لكي تستفيد من الوقت.. يمكنك أيضًا أن تصلى في دخولك إلى بيتك، وفي خروجك منه. وكذلك في دخولك إلى مكان عملك، وفي خروجك.. وأيضًا في كل مقابلة ليعطيك الرب نعمة وتوفيقًا.

5- تدرب على الصلوات القصيرة المتكررة (الصلوات السهمية).

مثل صلاة "يا رب يسوع المسيح ارحمني" أو "اللهم التفت إلى معونتى. يا رب اسرع وأعنى" أو "أحبك يا رب يسوع المسيح وأبارك اسمك" أو "أشكرك يا رب على كل حال".. أو أية آية صلاة تركبها من نفسك، وتكون مناسبة لحالك ومعبرة عن مشاعرك.. وكثرة ترديد الصلاة تجعلها تلتصق بعقلك الباطن بحيث يدور بها فكرك تلقائيًا، ويمكن أن تبقى معك حتى في نومك. ولعله ينطبق على هذا قول المرتل "كنت أذكرك على فراشى".

6-تدرب على الصلاة من أجل الآخرين.

تدرب على الصلاة من أجل كل الذين هم في حاجة. من أجل أقربائك وأصحابك وزملائك.. من أجل الكنيسة بوجه عام، وكنيستك المحلية بوجه خاص، ومن أجل الخدمة.. صلاة أخرى من أجل المرضى والراقدين، ومن أجل المحتاجين إلى توبة. صلاة من أجل العالم والوطن.. وتتدرج في الطلبة لأجل الآخرين إلى أن تصلى من أجل أعدائك ومقاوميك.

7- تدرب أن تدخل الله في كل موضوع وكل مشكلة.

فلا تقف وحدك في كل مشاكلك، ولا تعتمد في حلها على ذكائك وحده أو مجرد معونة الآخرين. إنما أشعر بأنك لا تستغنى عن الله في كل ما يعرض لك. وثق أن الصلاة ستجلب لك الشعور بالأمن والاطمئنان والسلام الداخلي. وثق أن مشاكلك قد تسلمتها يد أمينة قوية، يمكنها أن تدبر أمورك كلها.
عندما تصلى من أجل مشكلة، إما أن يحلها الله وتنتهي، أو إن بقيت، يعطيك سلامًا قلبيًا من جهتها.
وهذا هو أيضًا لون من حل المشكلة. فالمشكلة موجودة، ولكنك غير متضايق منها وغير مضطرب، وكأنك لا تشعر بوجودها. وأصبحت لا تعتبرها إشكالًا أو منغصًا.. إنها فاعلية الصلاة.

8-تدرب على الصلوات الخاصة، بالإضافة إلى الصلوات الطقسية.


الصلاة التي تكلم فيها الله بكل صراحة، وتكشف له كل ما في قلبك. لا مانع إن تقول له " أنا يا رب أحبك. ولكني أشعر أنني أحب أمورًا أخرى في العالم تعطلني عنك. وكلما حاولت أن أنزعها من قلبي، أجد نفسي ضعيفًا أمامك. وأنا أعرف أن " محبة العالم عداوة لله" (يع 4: 4) لذلك أعطني يا رب أن أحبك المحبة الكاملة. وأنقذني بقوتك من كل ضد محبتك.
لا تكن صلاتك مجرد عبارات منمقة مختارة منتقاة. بل لتكن كلمات صريحة نابعة من قلبك، بلا تكلف ولا تصنع.. تعبر عن حالتك ومشاعرك، بقلب مفتوح.. واحذر من أن تكون صلاتك مجرد روتين.

9- لكي تكون صلاتك بفهم، تدرب على التأمل في صلوات المزامير والأجبية وكل الصلوات المحفوظة.

فكلما تغوص في معاني هذه الصلوات، ستجد لها عمقًا يصحبك في وقت الصلاة بها. بل ستتعلم أسلوب التخاطب مع الله. كما قال التلاميذ للرب " علمنا أن نصلى" (لو 11: 2).

10-إن كنت لم تصل بعد إلى الصلاة الطاهرة، فلا تمتنع عن الصلاة لهذا السبب.

فالصلاة كأية فضيلة، يتدرج الإنسان في الوصول إلى كمالها. وقد قال ماراسحق: إن كنت تنتظر حتى تصل إلى الصلاة الطاهرة ثم تصلى. فإلى الأبد ما تصلى. لأن الصلاة الطاهرة نصل إليها بالصلاة..

11-تدرب أنك تستمر في الصلاة، كلما أردت أن تنهيها..

فمن علامات نجاحك في الصلاة، إنك لا تستطيع أن تتركها وكأنك تناجى الرب وتقول "ابق معي يا سيدي" وتقول مع سفر النشيد "أمسكته ولم أرخه" (نش 3: 4).. بل إن كل طلبة أو لفظة تشعر بحلاوتها، فلا تريد تركها. كما قال أحد الآباء عن صلوات القديسين " ومن حلاوة الكلمة في أفواهم، ما كونوا يستطيعون تركها إلى لفظة أخرى.. "

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:29 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
أهمية الكتاب المقدس
مبارك هو الرب الإله، الذي تنازل فكلمنا، نحن التراب والرماد. ومبارك هو لأنه أمر أنبياءه القديسين أن يسجلوا لنا كلامه، فبقى محفوظًا لنا في الكتاب المقدس منفعة لنفوسنا ونورًا لطريقنا.


الكتاب المقدس هو كتاب الكتب أو هو الكتاب.
فعندما يُقال "الكتاب" فقط، إنما يقصد به كتاب الله، كلامه الذي يتحدث به إلينا. الذي نطق به روح الله القدس في أفواه أنبيائه القديسين. "لأنه لم تأت نبوءة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 1: 21). لذلك فإننا في قانون الإيمان، نقول عن الروح القدس "الناطق في الأنبياء". وكما يقول الرسول "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر" (2تى 3: 16).




الكتاب المقدس هو رسالة مقدمة إليك، ومن ذا الذي لا يفرح برسالة الله؟!
القديس أنطونيوس الكبير وصلته رسالة ذات يوم من الإمبراطور قسطنطين. ففرح تلاميذه جدًا، ولكن القديس ترك الرسالة جانبًا، فتعجب تلاميذه وتحمسوا لقراءة الرسالة. فقال لهم " لماذا تفرحون يا أولادي هكذا لرسالة وصلتنا من إنسان؟ وهوذا الله قد أرسل لنا رسائل كثيرة في الإنجيل المقدس، ونحن لا نقابلها بمثل هذا الفرح والحماس؟! ثم بعد ذلك قرأ خطاب الإمبراطور وأرسل إليه يباركه.
وأنت: إن وصلك خطاب من إنسان عزيز عليك، ألا تفرح به، وتقرؤه مرات.. ألا يليق بك أن تفعل هكذا برسالة تصل إليك من الله..


رسالة الله المرسلة إليك، التي نطق بها الروح، وتكلم بها الأنبياء مسوقين بالروح، هى كلمة مملوءة روحًا، نفهمها بالروح ونحياها. هى كما قال الرب:
"الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63). إنه غذاء لأرواحنا تتغذى به فيكون لها حياة..
وكما قال الرب في سفر التثنية (تث 8: 3)، وردده السيد المسيح " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4: 4). لأن الخبز هو طعام الجسد. والإنسان ليس مجرد جسد، بل له روح. والروح تتغذى بكلام الله الذي هو في كتابه المقدس.
ففي الكتاب المقدس غذاؤنا اليومي، لأننا نحيا " بكل كلمة تخرج من فم الله". إنه خبز الحياة وغذاء الروح.
ولعله بعض ما تقصده عبارة "خبرنا الذي للغد، أعطنا اليوم".
إن رجل الله يفرح بالكتاب، "وفي ناموس الرب مسرته" (مز1) وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا. وعبارة "مسرته" تعنى أن وصايا الله ليست عبئًا عليه، وليست ثقيلة، وليست فرضًا، إنما هى سبب فرحه..


وعلاقته بالكتاب دائمة ومستمرة، يلهج فيه النهار والليل.
ولا تظن أن هذه قيلت للرهبان وللعباد فقط، بل للجميع. قالها الرب لقائد جيش مثقل بالمسئوليات، يقود مئات الآلاف من الشعب.. ففى وصية الرب ليشوع بن نون خليفة موسى، يقول له الرب: "لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهارًا. لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه، حينئذ تصلح طريقك، وحينئذ تفلح" (يش 1: 8). تصوروا قائدًا مشغولًا جدًا كيشوع، وعليه كل مسئوليات الحكم الضخمة: ومع ذلك يقول له الرب " لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك "؟!..
ليس هذا الكلام موجهًا إلى يشوع وحده، بل إلى كل واحد منا. ولذلك يقول المزمور الأول عن الرجل البار إنه " في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا" (مز 1: 2).
داود النبي كان ملكًا وقائدًا ورب أسرة كبيرة وصاحب مسئوليات خطيرة. ومع ذلك يقول "ناموسك هو تلاوتي"، "شريعتك هو لهجي". ويتحدث عن علاقته بناموس الله وشريعته فيقول "سراجٌ لرجلي كلامك، نور لسبيلي"، "فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة"، "كلامك ألذ من العسل والشهد في فمي"..
من أين كان لداود وقت يتلو فيه في كلام الله النهار والليل، وتصبح كلمات الله هى درسه وتلاوته ولهجه؟!


إن آبائنا القديسين كانوا يحفظون كثيرًا من أسفار الكتاب عن ظهر قلب، وكان الكتاب يظهر في حياتهم. يا ليتنا نقيم مسابقات لحفظ آيات الكتاب. أتذكر أننى قلت مرة للناس:
"احفظوا الإنجيل، يحفظكم الإنجيل، احفظوا المزامير، تحفظكم المزامير"
وفي حفظ الآيات يمكن أن نرددها في داخلنا، ونتأمل معانيها وأعماقها في كل مكان، في البيت، وفي العمل، وفي الطريق، ووسط الناس. وهكذا نصادق الكتاب وكلماته، وتكون لنا نعم الرفيق..


حفظ الآيات وترديدها وتأملها فضيلة، والعمل بها فضيلة أعظم.
ولذلك قال السيد المسيح " من يسمع كلامي ويعمل به يشبه إنسانًا بنى بيته على الصخر". ويقول الكاهن في أوشية الإنجيل "فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة"..
عبارة " فلنستحق " هنا لها معنى عميق، لأنه من نحن حقًا، حتى نستحق أن نسمع كلام الله ونؤتمن على وصاياه؟!
أحب أن أرى أناجيلكم الخاصة وقد ظهر عليها الاستعمال.
تظهر قديمة ومخططة، وواضحة قراءتكم فيها واستعمالكم لها.. كلها ذكريات وتأملات، دخلت العقل والقلب وأصبحت جزءًا من الحياة.


اقرأوا وتأملوا. اخلطوا الكتاب بأرواحكم، وادخلوا إلى أعماقه.
لا تكتفوا بالمعنى القاموسي.. وبالتأمل ستجدون الآية الواحدة، وكأنها بحر واسع لا حدود له، كما قال داود: "لكل كمال رأيت منتهى، أما وصاياك فواسعة جدًا".
قال هذا داود، في وقت لم تكن أمامه سوى تسعة أسفار تقريبًا، ونحن معنا الكتاب كله، بما في ذلك العهد الجديد وجميع الأنبياء. وكل كلمة فيه مملوءة من العمق وكنز للتأمل.


الكتاب المقدس ليس فقط مصدر تأمل، إنما أيضًا مصدر عزاء.
فى كل حالة من حالات الإنسان النفسية، يجد في آيات الكتاب ما يريح قلبه ويشبعه.
فى حزنه يجد كلمة عزاء، وفي فرحه يجد فيه بهجته، وفى ضيقه يجد حلًا، وفى مشاكله يجد فيه سلامًا، وفي يأسه يجد آيات عن الرجاء..
الكتاب المقدس، كلماته مؤثرة. قد تقرأ بعضها وتقول لله "لا شك يا رب أنك قلت هذا الكلام من أجلى".


لذلك خذ كلمات الله كأنها رسالة شخصية موجهة إليك.
إليك أنت بالذات، و"من له أذنان للسمع فليسمع، ما يقوله الروح القدس للكنائس". من أجلك أنت بالذات نطق الروح على أفواه الأنبياء..
إنها رسالة أرسلها إليك أنت، وليس إلى أهل رومية أو أهل كورنثوس. عندما أرسل الامبراطور قسطنطين رسالة إلى القديس أنطونيوس، فرح أولاده. فقال لهم " إن الله ملك الملوك قد أرسل إلينا كثيرًا من الرسائل، فلماذا لم تفرحوا بها هكذا..


الكتاب المقدس ليس مجرد رسالة عزاء، إنما أيضًا سلاح:
كل خطية، يمكن أن تضع أمامها وصية، فنجد أنها قد ضعفت أمامك، وأخذت أنت من الوصية قوة.. ما أقوى كلمة الرب، حتى أن لفظها صغير.
" كلمة الله حية وفعالة، وأمضى من كل سيف ذي حدين" (عب 4: 12).
الشيطان في التجربة على الجبل، ولم يستطع أن يحتمل كلمة الله، ولم يستطع أن يرد على شئ منها..


وكلمة الرب شاهدة علينا في اليوم الأخير، إن لم ننفذها.
لو لم نعرف، لكان لنا عذر، ولكن أي عذر لنا، وهوذا كلام الله أمامنا يوضح لنا كل شيء؟! وكلام الله لم يكن مطلقًا لمجرد المعرفة، وإنما للحياة.. لذلك فلنعمل به..
إن كلمة الرب ستطاردنا في كل مكان نذهب إليه، ترن في آذاننا، وتتعب ضمائرنا إن لم نعمل بها
ولن تجدينا مطلقًا تبريرات العقل الخاضع لشهوات النفس..


وفي نفس الوقت فإن كلمة الله في أفواهنا هى دليل على روحياتنا وعلى انتمائنا الديني.
هناك أشخاص يتحدثون، فتمتلئ أحاديثهم بكلام العالم. وهناك من يتحدث، فتظهر في كلامه لغة الكتاب. من كثرة ترداده لألفاظ الكتاب، اعتاد أسلوبه، وتأثر بلغته، لذلك " لا يبرح سفر الشريعة من فمه". وكل من يسمعه، يقول له "لغتك تظهرك" (مت 26: 73).
فلنعود أطفالنا استخدام آيات الكتاب، بأن يقولوا آية على كل ما يرونه: كتاب، شجرة قلم، أرض، باب، مائدة.. كل ما يقع تحت بصرهم..
الطفل الذي يتعود هذا، تدخل لغة الكتاب في ألفاظه وحياته. ولذلك لا يعرف لغة الخطاة، ولغة العالم، ولا يخطئ..


قال داود "خبأت كلامك في قلبى، لكيلا أخطئ إليك".
إن الكلام يجب أن يوضع في القلب، في مركز العاطفة والحب والمشاعر، وليس فقط في الفم، أو في العقل في موضع المعرفة فقط. وحينما يكون كلام الله في القلب، حينئذ لا نخطئ، لأن
وصية الله امتزجت بعواطفنا. ما أجمل قول الإنجيل عن مريم العذراء إنها " كانت تحفظ كل هذه الأمور متأملة بها في قلبها".
من ضمن الأشخاص الذين أخطأوا، لأنهم خبأوا كلام الله في عقولهم وليس قلوبهم، أمنا حواء: سألتها الحية عن وصية الله، فأجابت بحفظ وتدقيق شديد، وفي نفس المناسبة كسرت الوصية وأخطأت.


اقرأوا الكتاب المقدس. وثقوا أنكم في كل قراءته ستجدون شيئًا جديدًا. فكلمات الله غنية ودسمة، وهى ينبوع للتأملات لا ينضب لذلك نرى أن داود النبي إذ اختبر هذه الحقيقة يقول:
"لكل كمال رأيت منتهى، أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز 118).
أي أن كل كمال له حدود، أما وصية الله فلا حدود لعمقها. فكما أن الله غير محدود، كذلك عمق كلماته غير محدودة. مهما تأملتها، تجد أن التأملات تفتح أمامك آفاقًا لا تُحَد.. هى جديدة باستمرار، جديدة على ذهنك وعلى فهمك. لهذا قال النبي "وجدت كلامك كالشهد فأكلته".
وفي ذلك يقول داود النبي " ناموس الرب كامل، يرد النفس. شهادات الرب صادقة، تصير الجاهل حكيمًا. وصية الرب مستقيمة، تفرح القلب. أمر الرب طاهر ينير العينين.. أحكام الرب حق، عادلة كلها.. أشهى من الذهب والإبريز الكثير الثمن. وأحلى من العسل وقطر الشهاد" (مز 19).


ثق أن كل كلمة تقرأها من الكتاب سيكون لها تأثيرها فيك وقوتها وفاعليتها دون شرح ودون وعظ.
يكفى أن تذكر كلمة الله، لكي يقتنع الإنسان بدون نقاش وبلا جهد كثير. يكفى أن تذكر كلمة الله، لكي يشعر الإنسان بحضور الله في الوسط وبنعمة خاصة. وهذه الكلمة تنير له الطريق.
إن الروح القدس الذي أوحى بالكلمة، هو يعطى قوة لتنفيذها. ولنتذكر أن الشعب لما سمعوا الكلمة في يوم الخمسين، قيل عنهم إنهم " نخسوا في قلوبهم" (أع 2: 37)0
وقال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس " وأنت منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص" (2تى 3: 15).. يجد فيها الإنسان الإرشاد الإلهي، كما قال داود النبي
"سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" بل قال أكثر من هذا:
"لو لم تكن شريعتك هى تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي" (مز 119).
لهذا كله نلاحظ أن كنيستنا القبطية قد اهتمت بالكتاب المقدس اهتمامًا كبيرًا جدًا.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:30 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
اهتمام الكنيسة بالكتاب
إن الكنيسة المقدسة تهتم اهتمامًا كبيرًا بالكتاب المقدس. ففي كل قداس، نقرأ فصلًا من الإنجيل في رفع بخور عشية، وفصلا آخر في رفع بخور باكر، وفصلًا ثالثًا هو إنجيل القداس.
وإلى جوار قراءة الإنجيل مرات في كل قداس، توجد قراءات أخرى من رسائل بولس، ومن الرسائل الجامعة (الكاثوليكون)، ومن سفر أعمال الرسل (الأبركسيس)، إلى جوار مقتطفات من المزامير تسبق قراءة الإنجيل.

وعندما تقرأ الكنيسة الإنجيل أثناء القداس الإلهي يقف شماسان بالشموع إشارة إلى أن هذا الإنجيل هو سراج لأرجلنا ونور لسبيلنا وأن كلمة الرب مضيئة تنير العينين.
وقيل قراءة الإنجيل تصلى الكنيسة أوشية (طلبة) تسمى أوشية الإنجيل، يقول فيها الكاهن للرب " فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة، بطلبات قديسيك". أي أن مجرد سماعنا للإنجيل يحتاج إلى استحقاق، ويحتاج إلى صلاة، وإلى طلبات القديسين. والشعب كله يسمع وهو واقف. بينما يصرخ الشماس صائحًا " قفوا بخوف من الله، وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس".

يقف الشعب كله في خشوع. ورئيس الكهنة يرفع تاجه من على رأسه احترامًا لكلمة الله. ويُقَبِّل الشعب الإنجيل محبة له. ويكون الأب قد حَمَلَ الإنجيل على رأسه ودار به حول المذبح، إشارة إلى انتشار الإنجيل في المسكونة كلها..

كما أن عظات الكنيسة كلها مبنية على آيات من الكتاب المقدس. وكذلك كل مناهج التعليم الديني.
ومع اهتمام الكنيسة بالتقليد، إلا أن كل الأمور الواردة فيه، لا يمكن أن تتعارض مع شيء من الكتاب، بل تثبتها آيات الكتاب المقدس. كما أن مجرد الاعتقاد بالتقليد، وبالتسليم الرسولي أمر يثبته الكتاب أيضًا.

ونرى الإنجيل ثابتًا في صلواتنا اليومية.
في الصلوات السبع، صلوات الأجبية، التي يصليها المؤمن كل يوم، والتي تصليها الكنيسة في قداساتها وفي اجتماعاتها: تشمل عددًا كبيرًا من المزامير، وهى جزء من الكتاب. في فصل من الإنجيل في كل ساعة، ومقدمة من رسالة بولس الرسول إلى أفسس في صلاة باكر. وهكذا فإن من يداوم على صلوات الأجبية سيحفظ بالضرورة فصولًا من الإنجيل وعديدًا من المزامير.

وفي كل سر من أسرار الكنيسة فصول من الإنجيل.
ففي صلاة القنديل (مسحة المرضى) مثلًا، تقرأ سبعة فصول من الإنجيل، خلال سبع صلوات. وفى صلاة تقديس المياه في المعمودية تقرأ فصول عديدة من الكتاب. وحتى صلاة القداس الإلهي تعتمد غالبيتها على آيات من إنجيل يوحنا (20: 22، 23).

ونفس الوضع بالنسبة إلى الصلوات الطقسية.
فصول عديدة من الكتاب بعهديه في طقس اللقان، وفي تدشين الكنائس ، وفي مباركة المنازل الجديدة، وفى سيامةالرهبان أو الراهبات.
وفي ليلة أبوغالمسيس يُقرأ سفر الرؤيا كله، مع عدد كبير من التسابيح وبخاصة من العهد القديم. وما أكثر فصول الكتاب من العهدين التي تقرأ خلال أسبوع الآلام.
والعهد القديم نقرأ منه أيضًا في الصوم الكبير وفي صوم يونان، وفي كل ساعات البصخة المقدسة. وهو أساس لكثير من قطع الأبصلمودية. هل يوجد اهتمام بالكتاب المقدس أكثر من هذا؟! وفي سيامةالآباء البطاركةوالأساقفة، يوضع الكتاب المقدس فوق رؤوسهم، ليلتزموا بتعليمه..
بقى أن أحدثك عن فائدة قراءة الكتاب المقدس في حياتك. بل أيضًا كيف تقرأ الكتاب، وما هى علاقتك به.
وكذلك أريد أن أذكر لك تدريبات معينة تُعَمِّق علاقتك بالكتاب.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:33 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
علاقتك بالكتاب المقدس
علاقتك بالكتاب المقدس تتركز في نقاط رئيسية أهمها: اقتناء الكتاب، اصطحابه، قراءته، فهمه، التأمل فيه، دراسته، حفظه. وفوق الكل: العمل به، والتدرب على وصاياه وتحويلها إلى حياة.
1- اقتناء الكتاب:

ينبغي على كل شخص أن يقتنى الكتاب المقدس، سواء أكان كتابًا كبيرًا على مكتبه للقراءة والدراسة، أو كتابًا صغيرًا يكون في الجيب أو حقيبة اليد: لا يفارقه. بل يصحبه في كل مشوار في كل رحلة، في كل مكان، أثناء وجوده في العمل، أو في وقت الراحة، أو أثناء الجلوس مع الناس يكون صديقه ورفيقه في دخوله وخروجه، في انتقاله وترحاله. يشعر أنه لا يستطيع الاستغناء عنه إطلاقًا. إن نسى أخذه معه، يحس أنه قد فقد شيئًا هامًا:
أخشى أن يكون الكتاب المقدس غريبًا في بيوتنا أو حياتنا "ليس له أين يسند رأسه" (لو 9: 58)، أو أنه يسند رأسه في مكتبتك أو على مكتبك وليس في ذهنك ولا قلبك! نعم،لست اقصد باقتناء الكتاب أن يكون تحفة في بيتك، أو تميمة في جيبك، إنما يجب أن يكون لاستعمالك الدائم. وأنت لا تصل إلى صداقة الكتاب هذه، إلا إذا كنت تحبه..
2- محبة الكتاب المقدس:


تحب الكتاب لأنه رسالة الله إليك، تتلقفها في حب..
تمامًا كما يصل الإنسان خطاب من حبيب له، يقرؤه ويعيد قراءته، لأنه كلام عزيز عليه.. كما يقول داود النبي عن كلام الله إنه "أشهى من الذهب.. وأحلى من العسل وقطر الشهاد" (مز 19: 10). ويقول عنه الرب في المزمور الكبير:
"إن كلماتك حلوة في حلقي. أفضل من العسل والشهد في فمي".
ويقول أيضًا "أحببت وصاياك أفضل من الذهب والجوهر"، "ممحص قولك جدًا. عبدك أحبه"، "أبتهج بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة"، "اشتهيت وصاياك"، "أحببت وصاياك"، "أحببت شهاداتك"، "لكل كما رأيت منتهى. أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز119). ويقول أيضًا:
"لو لم تكن شريعتك هى تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي" (مز119)
وهكذا إن أحببت الكتاب، تجد لذة في قراءته ومتعة. وهذه اللذة تجعلك تداوم على القراءة وتلهج بها.
3- المداومة على قراءة الكتاب:

يقول المزمور الأول عن الإنسان الطيب المطوَّب:
" في ناموس الرب مسرته. وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلًا".
وهذه هى الوصية التي قالها الرب ليشوع بن نون " لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهارًا وليلًا، لكي تتحفظ للعمل بكل ما هو مكتوب فيه " (يش 1: 8).
إن قراءة الكتاب تكون أفيد، إن كانت بمواظبة ومداومة. وبطريقة منتظمة، كل يوم..
وذلك لكي تتشبع بروح الكتاب، ويثبت تأثيرها فيك، وتصبح قراءته عادة عندك. ويمكن أن تضع لنفسك أن تقرأ فقرات من كتاب في كل صباح قبل أن تخرج من بيتك، لتكون مجالًا لتفكيرك وتأملاتك خلال اليوم، وتملأ ذهنك في مشيك وفي دخولك وخروجك. كما تقرأ أيضًا فصلًا آخر قبل النوم، لكي تفكر في هذه الآيات قبل النوم، فتصحبك حتى في أحلامك..
إن القراءة المنتظمة في الكتاب تساعد على الهذيذ فيه، أو اللهج به، واستمراره في الفكر..
وهكذا تستطيع أن "تلهج به نهارًا وليلًا" حسب الوصية. وإن كان هذا اللهج ممكنًا لملك عظيم مثل داود النبي، أو قائد عظيم مثل يشوع، على الرغم من كثرة مسئولياتهما، فكم بالأولى نحن ولا شك أننا أقل منهما مشغولية بكثير..؟! ولقراءة الكتاب عناصر هامة تساعد على الاستفادة منه، نذكر من بينها:
4-القراءة بخشوع:

أنت في القراءة تستمع إلى الله يكلمك، فاسمعه بخشوع..
وبقدر خشوعك في القراءة، يكون تأثير كلام الله عليك.
لأن قلبك يكون في ذلك الوقت مستعدًا، شاعرًا بأنه في حضرة الله.. ولذلك فإن الكنيسة حينما تتلو علينا قراءات من الكتاب في القداس الإلهي، يصيح الشماس قائلًا "قفوا بخوف من الله، وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس".. والأب الكاهن قبل قراءة الإنجيل، يرفع البخور ويصلى أوشية يقول فيها:
اجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة.. "
إن مجرد السماع يحتاج إلى استحقاق، ويحتاج إلى استعداد، ونحن نذكر أن موسى النبي-قبل سماع الوصايا العشر- دعا الشعب أن يتطهروا ويتقدسوا مدة ثلاثة أيام، لكي يستحقوا أن يسمعوا كلمة الله إليهم" (خر 19: 10 – 15).
فالذي يقرأ كلمة الله باستهانة وإهمال، لا يتأثر ولا يستفيد.
تعود إذن أن تقرأ الكتاب بهيبة واحترام.. تذكر أنك في الكنيسة تقف، ويخلع رئيس الكهنة تاجه أثناء القراءة احترامًا لكلمة الله، فلا تكن أنت في الكنيسة بروح، وفي البيت بروح آخر.. وماذا أيضًا في عناصر القراءة؟
5-القراءة بفهم:

ادخل إلى عمق الكلام الإلهي، وفهم المقصود منه..
اقرأ بتأمل وعمق. فـ"الْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ" (سفر دانيال 12: 3).
كان الكتبة والفريسيون من علماء اليهود، ومع ذلك ما كانوا يفهمون معنى وصية تقديس السبت. وما كانوا يفهمون معنى كلمة (القريب)، حتى شرح الرب مثال السامري الصالح..

وأهمية الفهم لازمة جدًا، حتى أن الرب يقول:
" هلك شعبى من عدم المعرفة" (هو 4: 6) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومن لوازِم المعرفة، عدم الاعتماد على آية واحدة. فالإنجيل ليس آية واحدة. وإنما هو كتاب. ومجرد آية، لا يعطى معنى متكاملًا لقصد الله ووصيته.. ولذلك:
اجمع الآيات التي تخص موضوعًا واحدًا، واخرج بمعنى متكامل.

ومن ضمن الشروط التي تساعدك على فهم كلمة الله:
أن تقرأ بروح، وبعمق..
فليس المهم في كثرة ما تقرأه، ولو بغير فهم أو بغير تأمل!! وإنما تكمن استفادتك في العمق الذي تقرأ به، حيث تدخل كلمة الله إلى أعماق فكرك وإلى أعماق قلبك وتجعلها تمس مشاعرك

لذلك اهتم بروح الوصية، وليس بمجرد النص.
فكلام الله -كما قال- "هو روح وحياة" (يو 6: 63). لذلك عليك أن تعرف روح الوصية، ولا تتمسك بحرفيتها، لأن القديس بولس الرسول يقول في هذا المعنى:
"لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل لكن الروح يحيى" (2كو 3: 6).
والشخص الروحي يسلك بروح الوصية، وليس بمجرد حرفيتها، كما كان يفعل الكتبة والفريسيون..
وفهم الكتاب لازم جدًا، سواء من جهة الروحيات أو من جهة العقيدة والإيمان.
كثيرون كانوا يقرأون الكتاب، ولكنهم ضلوا لأنهم ما كانوا يعرفون المفهوم السليم، فلم يدركوا "ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ2، رؤ3). وهكذا يقول السيد المسيح له المجد " تضلون إذ لا تعرفون الكتب" (مت 22: 29). لذلك حاول أن تعرف، استشر واسأل..

كثيرون من الهراطقة كانوا يقرأون الكتاب، بل حسبهم البعض علماء ولكنهم ضلوا لعدم الفهم.
أو أنهم كانوا أحيانًا يأخذون آية من الكتاب، ويتركون باقي الآيات التي تكمل الفهم. فمثلًا يوردون قول الرب "لأن أبى أعظم منى" (يو 14: 28)، ولا يضعون إلى جوارها "أنا والآب واحد" (يو 10: 30). أو يقول البعض: قال الرسول "آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك" (أع 16: 31). ولا يذكرون معها قول الرب "من آمن وأعتمد خلص" (مر 16: 16).
لذلك إن قال لك البعض: مكتوب "كذا"، قل له كما قال الرب "ومكتوب أيضًا" (مت 4: 7).
إن قال لك أحد المتزمتين: مكتوب "بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا 7: 3). قل له ومكتوب أيضًا افرحوا" (فى 4: 4). ومكتوب كذلك " لكل شيء تحت السموات وقت.. للبكاء وقت، وللضحك وقت" (جا 3: 1، 4).. هكذا كن حكيمًا في فهم ما تقرأ..

إن حاربك السبتيون بحفظ السبت قائلين: مكتوب "اذكر يوم السبت لتقدسه" (خر 20: 8). قل لهم ومكتوب أيضًا "لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هى ظل الأمور العتيدة" (كو 2: 16، 17).
إن آيات الكتاب -إذا اجتمعت معًا- تكون تكاملًا وتناسقًا وعمقًا للفهم، واستخدامًا لكل شيء في موضعه.
ماذا أيضًا عن علاقتك بالكتاب؟ هناك نقطة هامة أخرى وهى:
6- حفظ آيات الكتاب:

حاول أن تحفظ آيات من الكتاب تمثل مبادئ روحية معينة، أو أسسًا في العقيدة والإيمان، أو وعودًا من الله تشجعك وتعزيك، أو تشمل ردودًا على مسائل تشغلك وهذه الآيات وترددها كثيرًا في ذهنك وقلبك، بلون من الهذيذ الذي يلصقها بروحك وأعماقها، ويدخلها في عقلك الباطن، ويحفرها في ذاكرتك فتخرج منها حين تحتاج إليها..

والأمثلة على حفظ آيات الكتاب كثيرة:
البعض يحفظ مثلًا العظة على الجبل (مت 5 – 7). أو صفات المحبة (1كو 13)، أو توصيات روحية كثيرة في (رو 12) وفي (1تس 5). أو اجزاء من سفر الأمثال أو سفر الجامعة. أو الوصايا العشر في (خر 20، تث 5). أو يحفظ عددًا كبيرًا من المزامير، ومن صلوات الأنبياء في الكتاب المقدس. أو آيات متفرقة تترك تأثيرًا في قلبه حين قراءتها. أو آيات خاصة بفضائل معينة، أو خاصة بعقائد إيمانية، أو تمثل ردودًا على حروب روحية.. والأمثلة في هذا المجال عديدة جدًا..
لو أن الإنسان الروحي حفظ آية واحدة كل يوم، كم ستكون محفوظاته في عام كامل؟
بل كم ستكون محفوظاته في عدة أعوام؟! وحتى إن حفظ واحدة كل أسبوع، لا شك سيحفظ 52 آية في العام، أو 520 آية في عشرة أعوام. ويعتبر هذا قدر ضئيل جدًا يتعبه بسببه ضميره.
ويبقى بعد ذلك استخدام الآية التي يحفظها.. وقد كنت كثيرًا ما أقول لأبنائي في هذا الصدد:
احفظوا الإنجيل، يحفظكم الإنجيل.. احفظوا المزامير، تحفظكم المزامير..
ولكن كيف تحفظكم؟ ولداود النبي تأملات كثيرة في هذا الموضوع.
انتقل الآن إلى نقطة أخرى وهى:
7- التأمل في الكتاب:

ما تقرأه من الكتاب، وما تحفظه من آياته، يمكن أن يكون مجالًا لتأملاتك. تخلط به روحك وفكرك، وستجد نتيجة ذلك بما يوحى به إليك. وترى أن لكل كلمة معاني ودلائل، تتجدد في قلبك وتتعدد، وتدخلك في جو روحي.
نصيحتي لك إذن، أنك لا تقتصر على مجرد القراءة، وإنما أدخل إلى أعماقها بالتأمل، وقد كتبت لك موضوعًا عن التأمل يمكن أن تقرأه. نصيحة أخرى خاصة بقراءة الكتاب وهى:
8- اقرأ بروح الصلاة:

ابدأ القراءة بالصلاة، طالبًا من الله أن يعطيك فهمًا، ويكشف لك مشيئته. وقل كما قال داود النبي في المزمور الكبير: " اكشف يا رب عن عيني، لأرى عجائب من شريعتك" (مز 119).
واختم القراءة بالصلاة، طالبًا من الرب أن يعطيك قوة للتنفيذ. وكما أعطاك فهمًا، يعطيك رغبة وإرادة.
بل اصحب القراءة أيضًا بالصلاة، وكما يقول الكتاب "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5). حاول بالصلاة أن تستلم رسالة الله إليك.
البعض يضع في ذهنه فكرة مسبقة استقر عليها، ثم يقرأ ليبحث عن آية تثبت له ما قد استقر فكره عليه. أو يحاول أن يطوِّع كلام الكتاب لأفكاره!! أما أنت فلا تكن هكذا، إنما اقرأ لكي تتعلم ولكي تعرف.

ويلزمك لذلك روح الاتضاع في صلاتك..
الاتضاع الذي تخضع به لتعليم الكتاب، وتغير وتصحح به فكرك.. والاتضاع الذي تطلب به المعرفة، قائلًا مع داود النبي "علمني يا رب طرقك. فهمني سبلك"، وكأنك وأنت تقرأ تقول له:
"ماذا تريد يا رب أن أفعل؟" (أع 9: 16).
أما ماذا تفعل، فهذا ما أريد أن أحدثك عنه فيما بعد.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:35 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
تأثير الكتاب المقدس
من الآيات الواضحة جدًا عن تأثير كلمة الله، هى قوله تبارك اسمه "هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إلى فارغة، بل تعمل ما سررت به، وتنجح في ما أرسلتها له" (أش 55: 11).
نعم، إنه كلمة الله لا ترجع فارغة.
إن لها قوتها، ولها تأثيرها. الذين اختبروا قوة الكلمة في حياتهم، يستطيعون أن ينقلوا هذه القوة إلى غيرهم أيضًا.. إن القديس بولس الرسول في شرحه لقوة الكلمة وتأثيرها يقول " كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل، ومميزة أفكار القلب ونياته" (عب 4: 12)

ولعل إنسانًا يقول: إذن لماذا اقرأ ولا أتأثر؟!

يقينًا إن العيب هو فيك أنت، وليس في الكلمة، إن كلمة الله مثل سيف ذي حدين. بالنسبة إلى اللحم يقطعه، ولكنه لا يقطع الصخر. لذلك قال الرب في سفر حزقيال النبي "وانزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم" (حز 36: 26). فما هو نوع قلبك الذي يستقبل كلمة الله. أهو قلب حجر أو قلب صخر؟ إن عذراء النشيد سمعت صوت الرب يناديها "افتحي لي يا أختي يا حبيبتي، يا حمامتي، يا كاملتي، فإن رأسي قد امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل" (نش 5: 2). ومع ذلك لم تفتح، واعتذرت بأعذار..!


إن كلمة الله حية وفعالة. ولكنها تعمل بالأكثر في الذين يفتحون قلوبهم لها، ويريدون أن تعمل فيهم.
ومع ذلك فإن كلمة الله إن لم تعمل فيك اليوم، فقد تعمل بعد حين.. ولا ترجع فارغة.
ستظل راسخة في عقلك الباطن. وفي وقت ما، حينما يصبح قلبك مهيئًا لها، وحينما تكون الظروف مناسبة، تجد الكلمة قد خرجت من ذاكرتك، ولصقت بقلبك، وأخذت تعمل عملها.
وكأن عدم استجابتك الأولى كانت تصرفًا مؤقتًا، أو فترة أو لحظة فتور، تستيقظ بعدها إلى نفسك. مثل عذراء النشيد التي اعتذرت أولًا عن فتح باب قلبها. ثم عادت تقول "حبيبي مد يده من الكوة، فأنت عليه أحشائي.. نفسي خرجت عندما أدبر.." (نش 5: 4، 6)

ليست كل بذرة تلقى على الأرض، تخرج ثمرًا في نفس الوقت. وربما بعد أيام أو شهور
لذلك اختزن كلام الله في قلبك وفي ذهنك، وسيعطى ثمره في الحين الحسن. وبخاصة إذا كنت تتعهده بالاهتمام، وتلهج فيه النهار والليل، وتحفظه من الموانع التي تعوق عمله، سواء أكانت موانع داخلية أو خارجية.. ربما بذرة في الأرض، ولم تصل إليها المياه، فظلت كما هى، والحياة فيها ولكنها كامنة. ثم وصلتها المياه بعد أيام، فبدأت هذه الحياة تنشط وتظهر على وجه الأرض. لذلك ما أجمل قول الكتاب "ارم خبزك على وجه المياه، فأنك تجده بعد أيام كثيرة"..

ولهذا لا تيأس في الخدمة، إن لم تلاحظ للكلمة ثمرًا سريعًا..
بل اصبر وانتظر الرب، ولا تتضجر. فليست كل النفوس من نوعية واحدة. وليست كلها سريعة الاستجابة. وليست كل الظروف الخارجية مواتية.. هناك من يسمع الكلمة فيتأثر بسرعة. وهناك من يحتاج بعدها إلى شرح وإقناع، وإلى متابعة وحل الإشكالات التي تعترضه في التنفيذ..
هناك من يأخذ الكلمة للمعرفة وليس للحياة.
يتناولها بعقله لا بروحه، ليوسع بها مداركه لا ليطهر بها قلبه.. وهذا الفارق بين العالم والعابد
فالعالم يقرأ الكتاب ويدرسه، ويشرحه ويفسره كما كان يفعل الكتبة والفريسيون وهم جلوس على كرسي موسى (مت 23: 2). يعلمون ولا يعملون. أما العابد فيشبه داود النبي الذي كان يقول " خبأت كلامك في قلبي، لكيلا أخطئ إليك" (مز 119: 11). هذا كان هدفه من كلام الله.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:38 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
عمل الكتاب المقدس فيك
إن استجبت لكتاب الله وتركت كلمته تعمل فيك، فماذا تراه سيكون عمل الكلمة الإلهية فيك؟ إن النتائج كثيرة بلا شك، فنحاول أن نتتبعها..
1- إنها تجمع العقل من الطياشة وتشغله بالإلهيات

لو تركت فكرك على سجيته، فلست تدرى في أي موضوع يطيش. ولكن القراءة عمومًا تجمع العقل من تشتته، وتركزه في موضوع القراءة. أما قراءة الكتاب بالذات، فإنها تهدى الفكر إلى ميناء سليم. والخشوع في القراءة يعطي تركيزًا أكثر بسبب توقيرك لكلمة الله. ويكون لهذا التركيز تأثيره الروحي.

2- قراءة الكتاب تمنحك فهمًا واستنارة ومعرفة..

لذلك يقول المرتل في المزمور "سراجٌ لرجلي كلامك ونورًا لسبيلي" (مز 119: 105). ويقول أيضًا "وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بعد" (مز 19). لهذا نحن نوقد الشموع ونحملها أثناء قراءة الإنجيل، متذكرين هذه الاستنارة. أما عن الفهم فيقول المرتل: "شهادات الرب صادقة، تصير الجاهل حكيمًا " بل يقول أيضًا " أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت، لأن شهاداتك هى درسي. أكثر من الشيوخ فهمت، لأني طلبت وصاياك" (مز 119: 99). بهذا الفهم يتعلم الإنسان طرق الرب، يعرف كيف يسلك، ويقتنى موهبة الإفراز والحكمة. وبخاصة لو اهتم بمعرفة كيف كان قديسو الكتاب يسلكون، وكيف كانوا يتعاملون مع الله ومع الناس. وأخذ من تصرفاتهم أمثولة لحياته يقتدي بها (عب 13: 7).
3- بل قراءة الكتاب ترشده أيضًا إلى العقيدة السليمة.

وذلك إذا قرأ بفهم وتحت إرشاد. وكل عقيدة حفظ لها آية أو بضع آيات. وصارت آيات الكتاب تحفظه من البدع والهرطقات ومن كل تعليم خاطئ. وهذا ما كان يفعله آباء الكنيسة الكبار أبطال الإيمان. إذ كانوا يقاومون البدع عن طريق فهمهم للكتاب ومحصول الحفظ العجيب لآياته في أذهانهم.

4- الكتاب أيضًا يرشد قارئه إلى حياة التوبة إلى النمو الروحي.

فى ضوء وصاياه، يمكن أن يصل إلى محاسبة النفس بطريقة سليمة، فيكتشف ضعفاته وخطاياه. ويعرف أن المطلوب منه ليس هو فقط التوبة عن الخطية، بل بالأكثر حياة القداسة والكمال حسب قول الرسول " نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (1بط 1: 15، 16) (لا 11: 44). ويقول الرب أيضًا " فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48) (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).
ويشرح الكتاب بالتفصيل حياة التوبة والقداسة والكمال، ويقدم لها مثلًا. ومن الناحية العكسية يقول: " تضلون إذ لا تعرفون الكتب" (مت 22: 29).
5- وقراءة الكتاب تمنح العقل والإرادة لونًا من الاستحياء، إذا تعرض الإنسان لإغراء الخطية.

إذ كيف أن فكره الذي تقدس بكلام الله وبالجو الروحى أثناء قراءته، يعود ويتدنس بفكر الخطية.


6- وفي محاربات الشيطان، يستطيع الإنسان أن يرد على الخطية بالوصية.

وذلك حسبما شرح القديس مارأوغريس في كتابه عن حروب الأفكار.. فإذا ضاع وقتك في الثرثرة والكلام الكثير، تذكر قول الكتاب "إن كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم 10: 19). وقول المرتل "ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتي".
وإذا حوربت بالغضب تذكر قول الرسول "ليكن كل إنسانًا مسرعًا إلى الاستماع. مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع 1: 19، 20) وأيضًا قول الكتاب " لا تصطحب غضوبًا، ومع صاحب سخط لا تجئ" (أم 22: 24).
وإذا حوربت بالنظر الشهواني، تذكر قول الرب "كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (مت 5: 28). وتذكر أيضًا قول أيوب الصديق "عهدًا قطعت لعيني، فكيف أتطلع في العذراء" (أى 31: 1).
وهكذا كانت آيات الكتاب ثابتة في ذهنك وفي قلبك، تستطيع أن تسترجعها، وترد بها على كل حرب روحية يحاربك بها العدو.. مجرد تذكر الوصية يخجلك، ويرد قلبك عن ارتكاب الخطية. وغالبًا الشخص الذي يخطئ، يكون وقتذاك في حالة نسيان لوصايا الله. محبة الخطية قد خدرته.

7- كلام الكتاب أيضًا يعزيك في ضيقاتك، ويقويك كلما ضعفت.

وكثيرًا ما كان داود النبي يقول في مزاميره للرب "وعلى كلامك توكلت" (مز 119: 81). ويقول له أيضًا "اذكر لعبدك القول الذي جعلتني عليه أتكل، هذا الذي عزاني في مذلتي " (مز 119).. وكلما كان يتعرض لهجمات الأعداء كان يقول "لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء.. نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز 123)0
ما أكثر كلام الكتاب عن الرجاء..
الذى يقرأه ويحفظه، يستريح قلبه ويجد سلامًا، بل كما قال الرسول "فرحين في الرجاء" (رو 12: 12).. إن وعود الله في كتابه المقدس، تعطى النفس اطمئنانًا عجيبًا، مثل قوله " ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20). وقوله " وأما أنتم، فحتى شعور رؤوسكم محصاة. فلا تخافوا" (مت 10: 30، 31). وقوله " أنا معك. لا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10).. وما أكثر الآيات. ليتك تجمعها وتحفظها.. ويعوزني الوقت إن تكلمت، ولا تكفي الصفحات.

8- فالكتاب فيه كل شيء، لكل أحد، في كل حالة.

أيًا كانت ظروفك، أيًا كانت حالتك النفسية، فسوف تجد في الكتاب رسالة لك تريحك. تجد فيه كل ما يلزمك، وما يناسبك. يكفي مثلًا كتاب (المزامير) فيه كل ألوان المشاعر والصلوات. وسفر الأمثال فيه كل أنواع النصائح. وكل سفر يحوي لك رسالة معينة إن أحسنت انتقاءها وفهمها..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:39 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
استخدامك للكتاب المقدس
1 يمكنك أن تستخدمه أولًا كمادة للصلاة.



فبالإضافة إلى صلاتك قبل القراءة وبعدها، فإن قراءة الكتاب تشعل فيك مشاعر معينة تجد نفسك محتاجًا أن تحولها إلى صلاة. وكذلك فإن قراءة سفر كالمزامير مثلًا يعلمك كيف تصلي، ومنه تعرف أسلوب التخاطب مع الله. ونفس الوضع في قراءاتك لصلوات رجال الله في الكتاب، مثل صلاة دانيال النبي (دا9). وصلاة عزرا (عز9)، وأيضًا صلاة نحميا (نح1) وصلاة سليمان (1مل8)، وصلاة يونان في بطن الحوت (يون2). وتسبحة العذراء (لو1). وباقي التسابيح والصلوات التي في الكتاب.


2 ويمكن أن يكون الكتاب مادة للتأمل:

بأن تتخذ حادثًا من الأسفار التاريخية مجالًا للتأمل، أو إحدى المعجزات، أو مثلًا، أو آية. وتخلط بكل ذلك قلبك وفكرك، وتسجل تأملاتك.

3 أو تتخذ وصايا الكتاب مجالًا للتداريب الروحية.

بما يناسب مستواك واحتياجك الروحي، لكي تنمو في حياة الفضيلة. وستجد شرحًا طويلًا لهذا في مقالنا عن التداريب الروحية.

4 أو تتخذ من قراءة الكتاب مجالًا للتوبة.

فإن قرأت مثلًا قول الرب "إن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، أترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولًا اصطلح مع أخيك" (مت25: 23، 24)، تجد في داخلك دافعًا قويًا أن تذهب لتصالح من أسأت إليهم. وإن قرأت آيات عن النذر (جا5: 4، 5).. تجد أنك ملزم أن توفي للرب نذورك التي تأخرت في دفعها.
5 يمكن أن تتخذ كثيرًا من الآيات مجالًا للحفظ.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:45 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
قراءة سير القديسين
قراءة سير القديسين Hagiography من أهم الوسائط الروحية التي تستخدمها النعمة لتنمية علاقتنا مع الله، إشعال محبتنا له وملكوته.
وهى تقدم لنا التنفيذ العملي للمبادئ الروحية.
ربما تبدو لنا كثير من الوصايا والتعاليم وكأنها مبادئ نظرية. ولكننا نراها في سير القديسين في الواقع العملي، منفذة بصورة واضحة وفي ظروف مناسبة لها.
وهكذا ترينا سير القديسين أن وصايا الرب سهلة وممكنة، وليست مثاليات نظرية.


فكثيرًا ما يقول البعض في استغراب: من يستطيع أن ينفذ هذه المثاليات؟! هل حقًا يمكن لإنسان أن يحول الخد الآخر لمن يلطمه على خده؟! (مت 5: 39). هل يمكن أن يصلى إنسان كل حين ولا يمل (لو 18: 1)؟! وأن يصلى بلا انقطاع! (1تس 5: 17). وهل يمكن أن يعطى الإنسان كل ماله للفقراء؟! (مت 19: 21). هذه الأسئلة مع الكثير من أمثالها، نراها جميعًا مجابة وممثلة في سير القديسين.

ولقد سمح الله أن يقدم لنا هؤلاء القديسون أمثلة عالية في كل فضيلة من الفضائل بلا استثناء
وبطريقة مذهلة حقًا، تدعو إلى الإعجاب الشديد بروحانية أولئك الأبرار، حتى وكأنهم كانوا ملائكة أرضيين، ارتفعوا فوق مستوى المادة والجسد، وعاشوا بالروح مع الرب، في حياة نصرة كاملة على كل حروب العدو. أو نقول أنهم عادوا إلى الصورة الإلهية التي خلق بها الإنسان منذ البدء.. فحياتهم تشجع كل إنسان أن يسير في النهج الروحي، بلا خوف، وبلا تردد.
بحيث نقول في ثقة حينما نقرأ عنهم: الله قادر أن يعيننا كما أعانهم..
حياة البر إذن ممكنة وسهلة ومتاحة، لكل من يطلبها. ونعمة الله مستعدة أن تعمل في كل قلب، وترفعه إلى أسمى درجة، مهما كانت حالته الأولى.. فروح الله الذي كان يعمل، ويقود النفوس نحو الله، ويمنحهم كل الإمكانيات والمواهب.

فما عمله القديسون، هو ما عمله روح الله معهم. أترانا نقرأ عنه أم عنهم في هذه السير؟
أما القصص التي وردت في سير القديسين، إنما تحكى "عن شركة الروح القدس" (2كو 13: 14) أو هى قصة (الله مع الناس). عمل الله معهم، أو عملهم معه. يبدأ الله فيستجيب الناس، أو يتجه الناس نحو الله، يجذبهم إلى أحضانه بكل قوة. أو هى صورة لتلك العبارة في سفر النشيد "اجذبني وراءك فنجرى" (نش 1: 4).

لقد كان لسير القديسين تأثير عميق في الجميع على مدى الأجيال.
فقصة حياة القديس الأنبا أنطونيوس التي كتبها القديس أثناسيوس الرسولي، كان لها تأثير عجيب في أهل رومه، حتى كانت سببًا في انتشار الرهبنة هناك. ولما قرأها القديس آوغسطينوس تأثر بها جدًا، وقادته إلى التوبة. كذلك فإن تأثير سير الرهبان في برية شيهيت، جذب إليهم السواح من كافة البلاد، ليروا هؤلاء الذين عاشوا على الأرض وكأنهم في السماء.. فجاءوا إليهم، ليسمعوا من أفواههم كلمة منفعة، وكتبوا قصصهم أو بعضًا منهم، فحفظها التاريخ.

إن هؤلاء القديسين لم يكتبوا أي كتاب عن حياتهم. ولكن حياتهم كانت هى أشهى كتاب.
كانت التاريخ الحي الذي قرأه جيلهم، وعاش به ونقله إلى باقى الأجيال.
والوحي الإلهي نفسه نقل إلينا سير كثير من الأنبياء والرسل، حتى تسمت بأسمائهم بعض الأسفار المقدسة، التي شرحت لنا عمل الله فيهم، ورسالتهم التي كلفهم الله بها، وسيرتهم المقدسة.

وقد اهتمت الكنيسة جدًا بسير القديسين.
فوضعتها في كتاب اسمه السنكسار Synaxarium، لكي تقرأ منه في كل قداس إلهي، سيرة واحد منهم أو أكثر، لتعزيتنا وتعليمنا. وتقرأ أيضًا على المؤمنين جزءًا آخر من سير آبائنا الرسل الأطهار من (الأبركسيس)، أي سفر " أعمال الرسل ". وما أكثر ما تقيم الكنيسة أعيادًا لأولئك القديسين، تحتفل فيها بذكراهم، وتعيد على الآذان والأذهان سيرهم وفضائلهم.
وكذلك أيقوناتهم في الكنائس، وما يوضع أمامها من شموع، إنما تعيد إلى الذاكرة سير أولئك القديسين، لتكون غذاء للروح ومجالًا لتأمل فضائلهم. وما أجمل قول ماراسحق:
" شهية هى أخبار القديسين، مثل الماء للغروس الجدد".
كانت التاريخ الحي الذي قرأه جيلهم، وعاش به ونقله إلى باقي الأجيال. والوحي الإلهي نفسه نقل إلينا سير كثير من الأنبياء والرسل، حتى تسمت بأسمائهم بعض الأسفار المقدسة، التي شرحت لنا عمل الله فيهم، ورسالتهم التي كلفهم الله بها، وسيرتهم المقدسة.

إنها غذاء روحي لا يستغنى عنه أحد، يجلب لنا الشعور بمحبة الله، ومحبة طرقه التي تؤدى إلى الملكوت.. وتجعلنا أيضًا نحب الفضيلة، ونحب أولئك الأبرار، ونتخذهم لنا آباء وشفعاء، ونحرص أن نعمق علاقتنا بهم، وكأنهم أحياء يعيشون معنا على الأرض، نتحدث إليهم ونطلبهم.

ومن محبتنا لهم ولسيرتهم، نتسمى بأسمائهم.
ونشكر الله أنه في أيامنا هذه، كثر التسمي بأسماء القديسين التي نسمى بها أطفالنا، لينشأوا محبين للقديسين، وأيضًا اعترافًا منا بمحبتنا لهم وإعجابنا بسيرتهم.. ونفس الوضع حينما يدخل أحد في حياة التكريس، راهبًا أو كاهنًا، يتسمى باسم أحد هؤلاء القديسين، اعترافًا منا بالسيرة المقدسة التي لهذا الاسم الحسن. وأود في هذا المقال أن أسجل بعضًا من التأثير الروحي لسير القديسين:

1- التأثير الأول هو القدوة:
وهذا ما قاله القديس بولس الرسول " اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم" (عب 13: 7).
وهنا نجد أمامنا منهجًا واسعًا جدًا. فكل فضيلة يريد إنسان أن يقتنيها، نجد مجموعة من القديسين يرشدونهم بحياتهم إلى كيفية السلوك فيها، ويقدمون لنا مثالًا عمليًا، وحافزًا يجذبه إليها.. على أنني أحب هنا أن أضع ملاحظة هامة وهى:

علينا أن نقتدي بالقديسين فيما هو ممكن لنا.
فمثلًا قد لا تكون حياة الاستشهاد متاحة. ولكننا نقتدي بالشهداء في قوة إيمانهم، فى شجاعتهم، في احتمالهم للإيمان، وفي الاستعداد للأبدية، وعدم محبة العالم ولا التمسك به.. وكل هذا ممكن لنا.
وقد لا نستطيع الصلاة الدائمة، كما كان يفعل القديس أرسانيوس الكبير، أو القديس مقاريوس الإسكندارني.. ولكن على الأقل ليكن لنا محبة الصلاة والاستمرار فيها على قدر قامتنا الروحية.
ولنعلم أن حياة قديسى البرية غير حياتنا في العالم. فلا نقلدهم في طيّ الأيام صومًا، الأمر الذي أتقنوه بعد سنوات طويلة من التدريب الروحي، وساعدتهم عليه حياة السكون..

إنما ليكن اقتداؤنا بهم في تلك الفضائل العالية تحت إرشاد روحي، وبتدرج حكيم.
وهناك فضائل أخرى متاحة للجميع، مثل الاتضاع، والوداعة، والهدوء، وخدمة الآخرين واحتمالهم، وعدم الغضب، وما يشبه ذلك.
أما الصمت الكامل، فلا يناسبك، إنما تأخذ منه: الكلام عند الضرورة، والكلام بقدر، واختبار الكلمة المناسبة، والكلمة البناءة النافعة..
فلا تقلد الفضيلة تقليدًا كاملًا لا يناسبك ولا تقدر عليه. ولا ترفضها بالتمام في يأس. وإنما خذ منها بقدر، وبحكمة، وبتدرج، وتحت إرشاد..

خذ الفضيلة في روحها، لا في شكلها:
فحينما تقرأ مثلًا عن قديسى التوبة، حاول أن تكون مثلهم في حرارة توبتهم، وفي عدم عودتهم مطلقًا إلى الوراء. وتمثل بهم في إنسحاق قلوبهم وفي دموعهم. ولكن لا تقلد تقليدًا حرفياَ الذين قادتهم التوبة إلى الرهبنة مباشرة مثل بيلاجية ومريم القبطية وموسى الأسود، وأوغسطينوس..
خذ محبة التائب لله، وعودته إليه، وعميق ندمه، واشمئزازه من الخطية.. ولكن عش في حدود شخصيتك وإمكانياتك، وما أعطيته من النعمة..

2- التأثير الثاني لسير القديسين هو تقوية الإيمان:


سواء ما تقدمه سير الشهداء والمعترفين من التمسك بالإيمان، إلى حد الموت من أجله، أو قبول كل صنوف التعذيب، برضى وفرح وصبر..
أو ما تقدمه سير أبطال الإيمان الذين دافعوا عن العقيدة، بكل قوة وكل فهم، محتملين في سبيلها السجن والنفي والتشريد وكافة ألوان الاضطهاد، كالقديس أثناسيوس الرسولي مثلًا: الذي نفى عن كرسيه أربع مرات، واتهموه اتهامات شنيعة، وصدرت ضده أحكام، وقيل له "العالم كله ضدك يا أثناسيوس"..

نقرأ عن ذلك فيتبكت هذا الجيل، الذي لا يبالى بالخلاف في المذهب أو العقيدة، وينسى ما تحمله القديسون من آلام في سبيل ذلك!!
كانت المجامع المحلية والمسكونية تقام بسبب نقطة خلاف واحدة. ويبذل القديسون كل جهدهم في الدفاع عن الإيمان وفي إثبات العقيدة السليمة. والآن من أجل زواج أو طلاق، يمكن أن يغير إنسان مذهبه، بكل سهولة وبلا مبالاة، أو بجهل!! أو يختلف شخص مع أحد رجال الكهنوت، فيترك الكنيسة كلها، بكل إيمانها وعقيدتها. ولا يبالى بكل جهاد القديسين في سبيل ذلك الايمان.

لذلك نحن محتاجون إلى قراءة سير القديسين أبطال الإيمان، لتغرس في نفوس الجميع أهمية الإيمان والثبات فيه، ونبذ ما يسمى بـ"اللاطائفية"!!
إن الكنيسة ليست طائفة، ولا هى مجموعة طوائف، ولكنها جماعة المؤمنين بإيمان سليم في كل تفاصيله..
هذا الإيمان الذي استشهد من أجله قديسون في جميع الأجيال، والذين تألم بسببه وتعذب عدد كبير من القديسين. ومن بينهم رهبان عاشوا في البرية الجوانية. ولكن عاشوا في الأيمان. وما أجمل الرمز الذي يحويه تكفين الأنبا بولا السائح في رداء البابا أثناسيوس بطل الإيمان..
3- التأثير الثالث لسير القديسين هو غرس مشاعر الاتضاع و الانسحاق:


فكلما نقرأ عن هذه القمم العالية، وما وصلوا إليه، تتضع نفوسنا في الداخل، ونشعر أننا لا شيء إلى جوارهم..
حينما نقرأ عن القديس الأنبا ابرام في العطاء، ألا تنسحق نفوسنا؟‍‍ هذا الذي كان يعطى كل شيء. ولا يبقى لنفسه شيئًا. حتى أن البعض أعطاه مرة قطعة قماش أسود ليفصلها ثوبًا له بدلًا من جلبابه البالي، فوهب قطعة القماش هذه لأرملة زارته.. أو ماذا نقول عن الأنبا يوحنا الرحوم الذي باع كل ما كان له وأعطاه للفقراء، ولما لم يجد شيئًا يملكه، باع نفسه عبدًا، وتبرع بثمن نفسه للفقراء..!! ألا تتضع نفوسنا، حينما نقارن عطاءنا بعطاء هؤلاء؟!

حقًا إن سير القديسين تطرد من نفوسنا كل محاربات الكبرياء والمجد الباطل، إن حاربنا العدو بها.
إن حاربتنا أفكار من جهة خدمتنا، وقارنا أنفسنا بسيرة بولس الرسول الذي تعب أكثر من جميع الرسل (1كو 15: 10). وبشر في أورشليم، وفي إنطاكية، وآسيا الصغرى، واليونان، وفى رومه، ووصل إلى أسبانيا. وأسس كنائس لا حصر لها، وذاق متاعب لا توصف (2كو11)0 وكان يكتب رسائل، حتى وهو في السجن (أف 4: 1).. ألا تنسحق أنفسنا بهذه المقارنة وأشباهها؟!

ومهما انسحقنا لن نصل إلى اتضاع القديسين.
هؤلاء الذين على الرغم من كل فضائلهم، قيل إنهم كانوا يبكون على خطاياهم!! القديس مقاريوس الكبير بكى وأبكى كل المجمع معه. القديس موسى الأسود، القديس بيشوي، القديس باخوميوس الكبير.. ماذا كان يبكى كل هؤلاء؟
القديس أرسانيوس الذي كان يقف ليصلى وقت الغروب، والشمس خلفه، ويظل واقفًا في الصلاة حتى تشرق مرة أخرى من أمامه، يقال إنه سقطت رموش عينيه من كثرة البكاء. وكان يبلل خوصه بالدموع!! فأين هو اتضاعنا نحن مهما اتضعنا؟!
القديس مكاريوس الكبير مؤسس الرهبنة بالإسقيط سألوه بعد رؤيته لسائحين في البرية الجوانية، فقال "أنا لست راهبًا ولكني رأيت رهبانًا"..!! القصص أمامنا لا تنتهي فلعلنا نكتفي بهذه..

إننا نحارب بالكبرياء، حينما نقارن أنفسنا بأمثلة حية، نظن أننا أعلى منها!! أما حينما نقرأ سير القديسين، فحينئذ يستد كل فم، وندرك أننا لا شيء..
التأثير الرابع لسير القديسين
أنها تعطينا روح الحكمة والإفراز
تعلمنا الطريق الصحيح الذي نسلك فيه.. ما أجمل ما نقرؤه عن داود الملك، حينما أراد أن يشترى مكانًا لبناء الهيكل ووافق أرونه اليبوسى أن يهبه كل شيء بلا مقابل، حينئذ رفض داود وقال " لا، بل أشترى منك بثمن. ولا أصعد للرب إلهي محرقات مجانية" (2صم 24: 24).
إننا نتعلم الحكمة أيضًا من أبيجايل: كيف أنها تمكنت من توبيخ داود النبي بطريقة ربحته بها (1صم 25: 23 – 35)
نتعلم الحكمة من سير آباء البرية، حتى من الشباب. الذين فيهم أمثال القديسين الأنبا يوحنا القصير الذي قيل إن الإسقيط كله كان معلقا بإصبعه. ومثل تادرس تلميذ باخوميوس ومن حكمة الشيوخ مثل الأنبا أغاثون والأنبا ايسيذورس وغيرهم.. إن حكمة الآباء كنز لمن يتعلم..

الدرس الخامس الذي نتعلمه من سير القديسين هو دوام النمو
إنه صعود إلى فوق بغير حدود.. مثال ذلك بولس الرسول بكل مواهبه وخدمته وصعوده إلى السماء الثالثة. ومع ذلك يقول " ليس أنى نلت أو صرت كاملًا، ولكنى أسعى لعلى أدرك. أنسى ما هو وراء، امتد إلى ما هو قدام. اسعى نحو الغرض" (فى 3: 12 – 14).
الدرجات العليا التي وصل إليها القديسون في كل فضيلة، تحثنا على أن نمتد إلى قدام، ولا نكتفى مهما وصلنا. فالطريق أمامنا طويل طويل.. والنعمة مستعده أن تأخذ بأيدينا لنقطع فراسخ أولًا.. على آثار هؤلاء القديسين، إذ تعطينا سيرهم حرارة لا تخمد ولا تنطفئ..

أمور أخرى كثيرة نتعلمها من تأثير سير القديسين فينا.
نتعلم كيف تكون اعترافاتنا أكثر دقة، إذ نكتشف تقصيرات عديدة في حياتنا، بالمقارنة بسيرهم..
نتعلم أيضًا أسلوب التخاطب مع الله في الصلاة، عندما نقرأ صلواتهم، وما فيها من دالة، وما فيها من اتضاع، ومن حب وحرارة.. نتعلم أيضًا أسلوبهم في التعامل مع الناس، وطريقتهم في مواجهة الحروب الروحية، وأسلوب الانتصار عليها.
إن الذي يقرأ سير القديسين، يصير على الدوام في تغير مستمر، إلى أفضل: أسلوبه يتغير كلامه يتغير، معاملاته تتغير، محاولًا أن يصل إلى تلك الصورة عينها..

وبعد، أنا لست أدعى مطلقًا أنني وفيت هذا الموضوع حقه، فهو يحتاج إلى كتاب أو كتب. وكل ما ذكرته هو مجرد أمثلة.
وأترك لك أيها القارئ العزيز هذا الخضم الواسع من التأمل في فوائد سير القديسين.
فلا شك أن هذا الموضوع قد يشمل الحياة الروحية كلها..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:47 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل
ما معنى التأمل؟ يتأمل إنسان شيئًا يعني أنه يمعن النظر فيه، يدقق، يفحص، يحلله، يرى ما أعماقه.

التأمل إذن هو الدخول إلى العمق، سواء في عمل الفكر، أو عمل الروح.
هو الوصول إلى لون من المعرفة، فوق المعرفة العادية بكثير، معرفة فوق الحس، معرفة جديدة عليك، ومُبهِجة لروحك. تجد فيها غذاء ومتعة روحية.
أو التأمل هو تفتُّح العقل والقلب والروح لاستقبال المعرفة الإلهية من فوق، أو من داخل الإنسان، من روح الله الساكن فيه..
والتأمل يناسبه السكون والهدوء، والبُعد عن الضوضاء التي تُشغِل الحواس، وبالتالي تشغل القلب وتبعده عن عمل الروح فيه. ويزداد التأمل عمقًا، كلما تتحرَّر الحواس من الشغب الخارجي، ويتحرر الإنسان من سيطرة فكره الخاص، لكي يستقبل ما تعطيه الروح. ويساعد على التأمل: الرغبة في الفهم، والتركيز في الإلهيات..
وللتأمل مجالات كثيرة، نود أن نتناولها بالتفصيل..
فهناك تأمل في الكتاب المقدس، أو في الصلاة والتراتيل والألحان. أو التأمل في الخليقة والطبيعة، أو في السماء والملائكة. وفي الموت والدينونة وما بعدها. وهناك تأمل في الأحداث، وفي سير القديسين، وفي الفضيلة عمومًا وتفصيلًا، وفي وصايا الله. ونوع آخر وأسمى هو التأمل في صفات الله الجميلة.. ومنها التأمل في المطلق، وفي الحق، وفي الخير.. على أن موضوعات هذا التأمل قد تكون أكثر من أن نحصيها، بحيث يتأمل الإنسان الروحي في كل شيء، حتى الماديات: يحاول أن يستخرج منها روحيّات تفيده..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:50 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل في الكتاب المقدس
إن كلمات الوحي الإلهي، عبارة عن روح متجسدة في ألفاظ. وليس الجسد (أي اللفظ) هو الذي ينفعك، بل الروح الذي فيه هو الذي يُحيي (2 كو 3: 6). لهذا قال السيد الرب: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63).
الكلمات هي مجرد غلاف، يغلف معاني داخلها، كالصَّدَفَة التي تحوي داخلها اللؤلؤ. واللؤلؤ هو روح الكلمات. لا تكتفِ بالصَّدَف، بل اكشفه وخُذ ما يحويه من لآلئ. وهذا الأمر يحدث بتوسط الروح القدس، بالصلاة، إذ تقول مع المرتل: "اكشف يا رب عن عينيَّ، لأرى عجائب من ناموسك" (مز 199). أو كما صلّى إليشع النبي عن تلميذه جيحزي، لكي يفتح الرب عينيَّ الغلام ليرى (2 مل 6: 17).
التأمل إذن هو استنارة العقل بالروح القدس.
لكي نفهم معاني الكتب المقدسة، ونتعمَّق فيها، وننزع القشرة الخارجية للوصول إلى اللُّب. وهكذا يكون التأمل في الكتاب المقدس، هو محاولة اكتشاف الأسرار الإلهية الموجودة في الوحي الإلهي. أو كما قيل عن عمل السيد المسيح مع تلاميذه بعد القيامة "حينئذٍ فتح ذهنهم، ليفهموا الكتب" (لو 24: 45).

حقًا يا رب، بنورك نُعاين النور.
نريد إذن نورًا من روحك القدوس، يُنير عقولنا وقلوبنا وأفهامنا، لندرك ما يقوله الروح للكنائس (رؤ2).

أما المجهود الذي تقوم به أفكارنا وقلوبنا وأرواحنا. فأننا نحسبه كمجرد طلب نرجو به من النعمة أن تفتح عقولنا، لتستقبل ما يسكبه فيها الروح.. عملنا هو أن نقدم عقولنا إلى الله، ليملأها بالفهم الذي من عنده، وما أعمقه.. نفتح له الباب ليدخل ونتعشى معه (رؤ 3: 20)
نعم نتعشى بخبز الحياة النازل من السماء (يو 6: 33، 35)، ونحيا به، بكل كلمة تخرج من فم الله (مت 4: 4)

إذن الخطوة التي يقوم بها الذهن في التأمل، هى فتح الباب للروح.
ومن هنا فإن بعض الآباء يجعلون التأمل في عمقه خارجًا عن المجهود البشرى. باعتباره هبة من الروح القدس. وكما يقول المرتل في المزمور " فتحت فمي واقتبلت لي روحًا" (مز 119).
أو التأمل هو تلمذة على الروح القدس. هو تدرب كيف تأخذ من الروح ما يريد أن يعطيك.
وليس هو مجرد كد للذهن ليفهم، ولا هو مجرد اعتماد على ذكائنا وقدراتنا، فقد قال الكتاب " وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5)

إن التفكير العقلي المحض، الخالي من عمل الروح، لا ينتج تأملًا.. إنه قد ينتج علمًا أو فلسفة، وليس تأملًا
وهنا نفرق بين العالم والعابد، بين الدارس والمتأمل، بين الباحث في الكتب والمستقبل من الروح إن التأمل ليس هو مجرد فكر، إنما هو خلط الفكر بالقلب، وترك العقل كمجرد أداة في يد الروح. ثم تبتهل الروح لتأخذ من روح الله. وما تأخذه، تعطيه للعقل عن طريق القلب.
وحينئذ ندرك قوة الكلمة، لأنها تأخذ من الروح قوة.. فلا تقف يا أخي عند مستوى العقل، بل اتخذ العقل وسيلة توصلك إلى الروح. والروح توصلك إلى الله، الذي عنده كل كنوز المعرفة فيعطيك..

القارئ السطحي قد يقرأ كثيرًا ولا يتأمل.
أما القارئ الروحي، فالقليل من قراءته يكون له نبع تأملات لا ينضب.
أنه لا يركز على كثرة القراءة، إنما على ما فيها من تأملات.. وقد تستوقفه كلمة أو عبارة، فيغوص في أعماقها، ويظل سابحًا في تلك الأعماق. وهو يقول مع المرتل " لكل كمال رأيت منتهى. أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز 119).. قد يفتح الله قلبه، فيرى في الكلمة الواحدة كنزًا عظيمًا مهما اغترف منه لا ينتهى، كما قال داود النبي في صلواته " فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة"...

ليتكم كتدريب روحي، تأخذون كل يوم آية للتأمل.
آية من الكتاب، تكون قد تركت في نفسك تأثيرًا أثناء القراءة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ولكن لا تقف عند حد التأثير، إنما احفظ هذه الآية، وخذها مجالًا لتفكيرك وتأملك، ومعطيًا فرصة لروح الله أن يمنحك من خلالها شيئًا.. أو اتخذ قصة معينة من الكتاب مجالًا لتأملك.

إن معاملات الله مع الناس مجال واسع جدًا للتأمل..
سواء معاملة الله لقديسيه الذين أحبهم أو أحبوه، وكانت بينه وبينهم دالة.. أو حتى معاملة الله للخطاة، الذين انتفعوا من طول أناة الله وغنى لطفه فتابوا، أو الذين عاندوا وتقسَّت قلوبهم..
شخصيات الكتاب أيضًا تصلح مجالًا للتأمل.. وما أكثر الكتب التي وضعت في هذا المجال..

يساعدك على التأمل أيضًا ما تكون قد حفطته من آيات كثيرة من الكتاب المقدس.
تجد نفسك كلما بدأت التأمل، تأتيك تلك الآيات مرتبه متناسقة، يكمل بعضها بعضًا. وكل آية تقدم لك معنى خاصًا. وكلها معًا تقدم لك باقة جميلة من التأملات ونتذكر في تناسقها معًا قول الرسول:
"قارنين الروحيات بالروحيات" (1كو 2: 13).
وبهذا تشغل نفسك أثناء النهار بفكر روحي..
ويظل هذا الفكر يتعمق فيك. والفكر يلد فكرًا من نوعه، ويلد أيضًا الكثير من المشاعر والعواطف والتأملات. ويصبح قلبك نقيًا تعم فيه كلمة الله، تنتشر فيه التأملات الروحية.. كما تصحبك أيضا هذه التأملات أثناء الصلاة. بل تطرأ على ذهنك كذلك أثناء حديثك مع الناس. ويلمح المستمعون إليك عمقًا لا يقف عند المستوى السطحي في أي شيء.

وهكذا ينفعك التأمل في تعميق حياتك الروحية.
ولا يقتصر على مجرد الفكر أو الإحساس الروحي، أو الشعب الداخلي بكل ذلك، أو اللذة بالمعرفة.. إنما يتطور ليكون له تأثيره على الحياة العملية..
لذلك إن قرأت، لا تقف عند حدود القراءة والتأمل فيما تقرؤه في الكتاب من الوصايا أو سير الأنبياء والآباء، ما تقرؤه، اخلطه بفكرك وروحك وقلبك.. وطبق تأملاتك على حياتك، واستخرج منها منهجًا تسير عليه، ويدخل في علاقتك مع الله والناس..

ولتكن قراءتك مصحوبة بالصلاة..
كما قال داود النبي في المزمور الكبير "اكشف عن عيني لأرى عجائب من ناموسك".. وهناك نرى أن التأمل يحتاج إلى كشف إلهي.. وكثيرًا ما يقف الإنسان في حالة انبهار أمام ما يكشفه الله له.. وقد يقرأ فصلًا من الكتاب يكون قد قرأه من قبل. ولكن تنكشف له معان عديدة لم تخطر على ذهنه مطلقًا في قراءته السابقة..
وقد يحدث له هذا أيضًا، أثناء قراءة أو صلاة المزامير. فتنكشف له معاني جديدة. ويتكرر الأمر إذ يصلى نفس المزمور بعد أيام، فيدرك منه معاني أخرى لم يدركها من قبل..
وهكذا يفتح له الله طاقات من نور تشرق على ذهنه.
لا يعزو ذلك إلى ذكائه أو معرفته، إنما هى موهبة من الله يسكبها عليه أثناء الصلاة أو القراءة أو التأمل، وتكون الصلاة مصدرًا للتأمل، أو مصحوبة بالتأمل. كما يكون التأمل مصحوبًا بالصلاة.. وتتسع أمامه معاني الآيات، حتى ما يجد لها حدودًا. إنما في كل حين يختبر لها أعماقًا..

إن لم تكن لك موهبة التأمل، اقرأ تأملات الآباء القديسين.
قديس عظيم مثل القديس يوحنا ذهبي الفم، له كتاب في تفسير إنجيل متى، وآخر في تفسير انجيل يوحنا وكتب أخرى في تفسير أعمال الرسل ورسائل بولس الأربع عشرة.. هذه الكتب مملوءة بالشرح وبالتأملات. وتتبعه في أسلوب شرحه وتأمله، وتعلم..
قديس عظيم آخر هو القديس آوغسطينوس، عميق جدًا في تأملاته، وفي رقة أسلوبه. له كتاب تأملات في الرسالة الأولى للقديس يوحنا الرسول، وله كتاب تأملات في المزامير، وعظات على فصول كثيرة من الأناجيل. وغالبية كتاباته حافلة بالتأملات. اقرأ له، وتعلم..
وهكذا مع باقي القديسين في كتاباتهم، وبخاصة الذين اشتهروا بالتأمل، وليس فقط بعمق التعليم.. مثل القديس مارافرام السريانى، والقديس يعقوب السروجى والقديس ديديموس الضرير وغيرهم. اقرأ لهم، وانتفع بتأملاتهم، واتخذهم مدرسة في التأمل..

بل تدرب أيضًا على الآباء الذين اشتهروا بالتفسير الرمزى للكتاب..
ستجد عمقًا كبيرًا في كتابات هؤلاء الآباء لأنهم لا يقتصرون على المعنى الحرفي لآيات الكتاب، إنما يدخلون إلى العمق، وإلى ما تحمله الآيات من إشارات بعيدة لأمور أخرى..
وبهذا أيضًا يمكن فهم أسفار النبوات، وسفرًا مثل نشيد الأناشيد.. ويمكننا أن نفهم ما ورد في الكتاب عن الذبائح والتقدمات والأعياد، والشرائع الخاصة بالنجاسات والتطهير، وشرائع أخرى قال عنها بولس الرسول إنها كانت " ظلًا للأمور العتيدة" (كو 2: 17).

ادخل في تدريب التأمل، لأنه يشغل ذهنك بشيء صالح، بدلًا من أن تترك الفكر يسرح في أمور خاطئة.
أو يسرح في أمور زائلة.. لا نفع فيها.. وتأكد أن ذهنك لن يكف عن التأمل. إنما يتوقف تأمله على نوع المادة المقدمة إليه، خيرًا كانت أم شرًا. سواء قدمتها أنت له من داخل قلبك وفكرك، أو قدمتها لك البيئة المحيطة بك.. والأفضل أن تقود تفكيرك في تأملاته..

واعرف أن موهبة التأمل هى للكل، وليست للقديسين فقط، بل حتى للخطاة..
أولئك قد تكون لهم قدرة عجيبة على التأمل، وإنما في مجال الخطية. فالخاطئ الذي يحب خطية معينة، ما أسهل أن يسرح فيها ويتأملها بعمق، وتملك على فكره وقلبه ومشاعره، ويؤلف فيها قصصًا وأفكارًا. كما كان يفعل بعض الأدباء والشعراء ومؤلفو الروايات. إنه لون من التأمل، ولكنهم استخدموه في الخطية.
أما القديسون فتأملاتهم تكون في موضوعات روحية. كذلك فإن الخطاة الذين يتمتعون بموهبة التأمل، إذا تابوا، وأداروا موهبة تأملهم في مسار روحي، حينئذ يظهر عمقهم وتأثيرهم الطيب
ونذكر كمثال لذلك القديس أوغسطينوس في حياة التوبة والنمو الروحي، وحتى في كتاب اعترافاته وما فيه من عمق..
والقراءة إحدى الوسائل التي توجد التأملات..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:54 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل في الطبيعة
أول آية وردت في الكتاب المقدس عن التأمل، هى ما قيل عن أبينا اسحق بن إبراهيم إنه "خرج اسحق ليتأمل في الحق عند إقبال المساء" (تك 24: 63). ولعل هذا يقدم لونًا من التأمل في الطبيعة.

ليس مجرد التأمل في جمال الطبيعة، إنما بالأكثر فيما تقدمه من روحيات، حسب قول المرتل في المزمور: السماوات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه (مز 19: 1). وهنا نتدرج من الطبيعة إلى عظمة الله خالقها، أو إلى حنو الله المهتم بها. استمع إلى الشاعر وهو ينشد:
هذى الطبيعة قف بنا يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري

لقد كانوا يدرسون الفلك قديمًا في الكليات اللاهوتية. لأن النظام العجيب الدقيق الذي فيه، يثبت وجود خالق كلى القدرة استطاع أن يوجده. حتى أن أحد الفلاسفة لقبة بالمهندس الأعظم..
فإن كانت السماء المادية مجالًا عظيمًا للتأمل، فكم السماء التي هى عرش الله (مت 5: 34).
وهنا ما أجمل ما رآه يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا، وبخاصة حينما قال "أبصرت وإذا باب مفتوح في السماء" (رؤ 4: 1). يضاف إلى هذا ما شرحه عن أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس (رؤ 21).. إن التأمل في السماء والسماويات، لا شك يرفع عقل الإنسان وقلبه إلى فوق، يسمو به كثيرًا عن مستوى المادة والجسدانيات..

ويرتبط بالتأمل في السماء، تأمل آخر في الملائكة..
وفي كل القوات السمائية: السارافيم، والأرباب والعروش، ورؤساء الملائكة، وتلك الألوف والربوات التي أمام العرش الإلهى، وكذلك الملائكة "المرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). ما طبيعة الملائكة؟ وما هى روحيتهم وقدسيتهم ومحبتهم وطاعتهم (مز 103) (مز 104)؟ وما هى خدمتهم لله وللناس؟ وماذا ستكون علاقتهم بنا في الأبدية؟ بل ما هى قصصهم التي وردت في الكتاب وفى سير القديسين.. وهنا يسبح الفكر في العالم الروحي..
فإن كان هذا التأمل عميقًا علينا..
لنتأمل في أرواح القديسين الذين انتقلوا.. كما حكى لنا الرب عن أبينا ابراهيم، ولعازر المسكين في حضنه. سواء في ذلك تأملنا في القديسين الذين مع الرب في الفردوس (لو 23: 43)، أو الذين يرسلهم الرب في خدمات في الأرض مثل العذراء ومارجرجس وغيرها. ودرجات كل هؤلاء، وكيف أن نجمًا يفوق نجمًا في المجد (1كو 15: 41)..
ثم ماذا عن القيامة والأجساد الروحانية النورانية السماوية (1كو 15: 42-50)؟ وماذا عن الأبدية والمجد العتيد، والملكوت، ومراتب القديسين وعلاقاتهم، والملك المعد لنا في النعيم الأبدي.
فإن لم نستطع تأمل كل هذا لنهبط إلى الأرض، نتأمل في الخليقة المحيطة بنا، كما قال الرب:
تأملوا زنابق الحقل.. وطيور السماء (مت 6: 28، 26).
ولم يقصد الرب التأمل الحسي في زنابق الحقل، من حيث جمالها، وتعدد أنواعها وألوانها وعطرها وتناسقها.. ولكن الارتفاع فوق الحس إلى الله الذي خلقها هكذا، بحيث ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها.. وهنا يقود التأمل إلى عناية الله العجيبة بكل مخلوقاته، كما يقودنا أيضًا إلى الإيمان بعناية الله وإلى الاتكال عليه في غير قلق.
ولو تأملنا الفارق الكبير بين الزهور الطبيعية وغيرها من الزهور الصناعية، التي مهما تفنن الإنسان في صنعها، تبقى بلا حياة، بلا رائحة، بلا نمو. بل لا يمكن أن تصل في ألوانها إلى تلك الطبيعة، مما يدل على قدرة الله العجيبة. ونفس الوضع بالنسبة إلى طيور السماء في تعدد أنواعها وأشكالها ونغمات أصواتها، وطباعها ورحلاتها، وقناعتها.. وتضع إلى جوارها قول المزمور "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا (مز124).

حقًا ما أحن الله: المعطى البهائم طعامها، وفراخ الغربان التي تدعوه (147: 9).
بل يقول الرب "تأملوا الغربان: إنها لا تزرع ولا تحصد، والله يقيتها" (لو 12: 24). نعم، الغربان السوداء اللون، التي يتشاءم البعض منها.. يهتم بها الله هذا الاهتمام، بل يعهد إليها بمهمات: غربان كانت تعول إيليا النبي في زمن المجاعة يرسلها إلى قديسيه، فتطيع وتعرف وتنفذ مشيئة الله من جهته.. وهنا تخطو خطوات في تفكيرك، أعمق من الفكر السطحي أثناء القراءة..
إن علاقة الله بالحيوانات والطيور موضوع طويل ليس الآن مجال الحديث فيه. والتأمل فيه موضوع أطول.. على أنه حتى الحشرات الضئيلة، وهبنا الله مجالًا للتأمل فيها، فقال الكتاب:
"اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها، وكن حكيمًا" (أم 6: 6).
حقًا، إنني لم أر في حياتي كلها نملة واحدة واقفة بلا عمل.. إنها دائمة الحركة، دائمة العمل، لا تهدأ. كما أن جماعات النمل درس عجيب في التعاون، لمن يتأمل عملها الجماعي، في حمل أشياء توازى عشرات حجمها. وهى درس أيضًا في النظام، إذ تسير في طابور طويل، متجهة نحو هدف ثابت. وباتصالات عجيبة بين بعضها البعض.

وما نأخذه من دروس في تأمل النمل، نأخذ مثله أيضًا في تأمل النحل.
هذا النحل الذي أنشد فيه أحمد شوقي قصيدته:
مملكة مدبرة بامرأة مؤمرة
تحمل في العمال والصناع عبء السيطرة
أعجب لعمال يولون عليهم قيصرة

إن النظام المذهل الذي تعيشه مملكة النحل، هو مجال لتأمل عميق.. كيف خلقها الله بهذا الإمكانيات والقدرات.. وكيف تستطيع أن تجمع الرحيق وتصنعه شهدًا وكيف تصنع غذاء الملكات! وكيف تبنى خلاياها بهندسة متقنه عجيبة. وكيف تطير رحلات بعيدة بحثًا عن الزهور والرحيق! ما أعجبها! وما أعجب خالقها!!

إن الإنسان الروحى يستطيع أن يتخذ كل شيء مجالًا للتأمل. ويستطيع أن يستخرج من الماديات ما تحمله من دروس روحية.
أتذكر أننى في إحدى المرات، نشرت لكم في كتاب (كلمة منفعة) تأملًا عن الدروس الروحية التي يمكن أن نأخذها من (نهر النيل). ومن نقطة الماء الهينة اللينة التي إن سقطت بمداومة على صخر، تحفر فيه طريقًا.. وأيضًا عن شاطئ النهر اللذين لا يحدان حريته، إنما يحفظانه من الانسكاب. وهكذا وصايا الله وإرشاد الآباء، لا يحدان حرية الإنسان، إنما يحفظانه من الخطأ.

كذلك جسم الإنسان وهو مادة إلا أنه مجال واسع جدًا للتأمل، يدل على عظمة الخالق.
يكفى أن تتأمل قدرات كل عضو فيه، وعلم وظائف الأعضاء. المخ مثلًا وما فيه من مراكز عجيبة، للنظر والسمع والحركة والكلام.. بحيث إذا لم يصل الدم إلى أي مراكز، يبطل عمله، ويصير صاحبه معوقًا..
كذلك القلب وهو كقبضة اليد ولكنه جهاز دقيق جدًا، تتوقف عليه حياة الإنسان، كما على المخ أيضًا. ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل أجهزة الجسم البشرى، وكيف تعمل متناسقة في اتزان عجيب. وبعض هذه الأجهزة إذا تلف، لا يقدر كل التقدم العلمي على إرجاعه إلى وضعه الطبيعي..
و هكذا في كليات اللاهوت قديمًا، كما كانوا يدرسون علم الفلك، كانوا يدرسون علم الطب أيضًا، لأنه يعمق الإيمان بقدرة الله الخالق إن كانت قدرات الجسد هكذا، حسبما خلقه الكلى القدرة، فماذا تكون تأملات في قدرات الروح؟ على أنني أود أن أترك هذه النقطة الآن، لأتحدث في موضوع آخر وهو: التأمل في الأحداث.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:55 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل في الأحداث
أعنى ما تمر بنا من أحداث يومية ، وما تدل عليه من حكمة الله وتدبيره، وتدخله وعنايته.. سواء في عالمنا الحاضر، أو يد الله في التاريخ.. إنه أمر يدعو إلى عميق من التأمل. وليس من صالحنا روحيًا أن نمر مرورًا عابرًا على أحداث التاريخ، دون وقفات من التأمل.

يد الله فيما حدث لآريوس وديوقلديانوس ونيرون. يد الله التي كانت مع القديس أثناسيوس الذي وقف العالم كله ضده. يد الله مع يوستيناوكبريانوس الساحر.. يد الله التي كانت مع الآباء السواح في وحدتهم، والتي أرشدت بعض القديسين إلى معرفة أماكنهم، وكتابة سيرة كل منهم قبل انتقاله..

يد الله في التاريخ الكنسي، وفي التاريخ المدني، وفي التقائهما، وفي تدبير كل شيء للخير.. هل التاريخ هو مجرد علم وأحداث، أم فيه أيضًا عبر ولاهوت؟ أعنى العمل الإلهي فيه. وهذا يحتاج إلى تأمل.
أليست يد الله مع قسطنطين الملك تدعو إلى التأمل، وكيف قادته إلى إصدار مرسوم ميلان سنة 313 م. الذي كفل به الحرية الدينية، وصار نقطة تحول خطيرة في تاريخ المسيحية وفي تاريخ الاضطهاد الديني.

هل نستطيع أن ننكر يد الله في الأحداث التي غيرت مصير روسيا والاتحاد السوفيتي، وأثر ذلك في القضاء على إلحاد استمر أكثر من سبعين عامًا، وانتهى بسرعة عجيبة غير متوقعة، مما يدل على تدخل يد الله فيه..! وهل يمكن أن يمر هذا الحدث علينا، بدون وقفة تأمل تقوى الإيمان بالله، وبتدخله.. هو صانع العجائب وحده

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:57 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل في الصلاة
سواء في الصلوات الخاصة، أو صلاة القداس الإلهي، أو صلاة المزامير، أو في الترانيموالتسبحة وكلما كان للمصلى تأمل سابق في المزامير وقطع الصلاة، على هذا القدر تكون صلاته أعمق وبفهم..

وأتذكر أنني أصدرت لكم كتابًا عن التأمل في المزمور الثالث (من صلاة باكر) " يا رب لماذا؟!".. وكتاب آخر عن المزمور 19 (أول مزامير الساعة الثالثة) " يستجيب لك الرب في يوم شدتك".. وكتابًا آخر عن تأملات في بعض مزامير الغروب.. كما أصدرت لكم كتابًا عن التأملات في صلاة الشكروالمزمور الخمسين. وأرجو أن نتخذ باقي المزامير مجالًا لتأملاتنا، وتصدر لكم فيها كتب أخرى..


ما كان الآباء يتلون عبارات الصلوات بطريقة سطحية سريعة، بل كما قال ماراسحق عن صلواتهم: "من حلاوة الكلمة في أفواههم، ما كانوا يستطيعون بسهولة أن يتركوها إلى كلمة أخرى".
كانوا يصلون بفهم، يغوصون إلى أعماق المعاني في تأمل، يعطى صلواتهم روحًا وحرارة وعمقًا. وفي هذا تختلط مشاعرهم بعبارات الصلاة، فتصدر الكلمات من قلوبهم. ولا يهتمون بطول الصلوات أو بكثرتها، وإنما بما فيها من تأمل وعمق. وهكذا قال ماراسحق لمن يريد أن يسرع في صلواته ليتلو أكبر عدد من المزامير: إذا حوربت بهذا، فقل: أنا ما وقفت أمام الله لكي أعد ألفاظًا..

نفس الكلام نقوله أيضًا عن الترتيل والتسبحة.. وبخاصة التراتيل التي لها روح الصلاة.. مثل ترتيلة "مراحمك يا إلهي كثيرة جدًا".. ومثل تسبحة "يا ربى يسوع المسيح، مخلصي الصالح".. حقًا إن الذين يسرعون في صلواتهم وتسابيحهم، إنما يفقدون عمقها وتأملاتها. وتتحول من كونها صلاة، لتصبح مجرد تلاوة...
إن لم تكن لك موهبة التأمل في الصلاة، أنصحك أن تقرأ تأملات الآباء في الصلوات والمزامير. وما أكثرها..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 05:58 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل في الموت والدينونة
و هذا ما تعلمنا الكنيسة إياه في صلاة النوم، إذ يقول المصلى "هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوبًا من أجل كثرة خطاياي"، "لو كان العمر دائمًا، وهذا العالم مؤبدًا، لكان لك يا نفسي حجة واضحة. لكن إذا انكشفت أعمال كالرديئة وشرورك القبيحة أمام الديان العادل، فأي جواب تجيبين، وأنت على سرير الخطايا منطرحة، وفي إخضاع الجسد متهاونة؟!"..
وفي صلاة نصف الليل، توجهنا الكنيسة إلى التأمل في نهاية العالم، ومجئ المسيح الثانى، ومصير كل من العذارى الحكيمات والجاهلات.. وإلى وجوب السهر الروحي..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:00 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل في صفات الله

إن صفات الله تبارك اسمه موضوع عميق للتأمل، يقدمها لنا القداس الغريغورى، والطلبة الأخيرة في ختام كل صلاة " ارحمنا يا الله ثم ارحمنا " حيث نتأمل " إلهنا الصالح، الطويل الروح، الكثير الرحمة، الجزيل التحنن، الذي يحب الصديقين ويرحم الخطاة".. كذلك نجد هذا التأمل في تسبحة الثلاثة تقديسات، حيث نقول "قدوس قدوس قدوس. السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس" (أش 6).
و تأملاتنا في صفات الله تشمل نوعين: صفاته من جهة علاقتنا به، وصفاته الخاصة به وحده كإله.. مثل الأزلي، الذي لا يُحَد، الخالق القادر على كل شيء، الموجود في كل مكان.. وكلها مجال عميق للتأمل..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:02 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
التأمل في سير القديسين



*يمكن التأمل في إحدى الفضائل:


كأن تتأمل مثلًا في الحكمة والإفراز، أو في فضيلة الرحمة أو المحبة أو الاحتمال. أو في الصلاة والصلة بالله. تتأمل عمق الفضيلة وأسبابها داخل النفس، ونوعية التعبير عنها.. وما يتعلق بذلك كله من آيات الكتاب المقدس وقصصه.
*يمكن أن تتأمل في أسرار الكنيسة:
مثل سر المعمودية، وما يحدث فيه من نعم خفية شرحتها آيات الكتاب المقدس.. أو سر المسحة المقدسة وعمل الروح فيه وفينا.. وهكذا مع باقي الأسرار. وما يكمن في وضع اليد من عمل إلهي.
*يمكن التأمل في إرادة الله وحسن تدبيره:
أو في عجائب الله (أى 37: 14) ويده القوية. وفي طرق الرب وأسلوب تعامله مع الخطاة ومع القديسين. وكما يقول داود النبي للرب " بصنائع يديك أتأمل" (مز 143: 5)
* التأمل في سير القديسين:

إنه موضوع جميل ونافع جدًا. وتأمل سير القديسينHagiography غذاء شهى للنفس، لست أريد أن أمر عليه في عجالة، بل أحب أن أخصص له موضوعًا قائمًا بذاته، إن شاء الرب وعشنا

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:05 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
فوائد التداريب الروحية


ليس الدين معلومات، ولا مجرد امتلاء من المعرفة الدينية. فالمعرفة وحدها لا تكفى. ماذا يستفيد الإنسان إن كان يعرف كل المعلومات عن الفضيلة دون أن يسلك فيها؟!
إننا نقرأ الكثير، ونستمع إلى الكثير. والمهم ماذا نفعل؟
فى كل قداس، نستمع إلى فصل من الإنجيل، وقراءات من رسائل بولس الرسول، ومن الرسائل الجامعة، ومن سفر أعمال الرسل. ونستمع أيضًا إلى سير القديسين في السنكسار، ونستمع إلى عظة. وإن حضرنا رفع بخور باكر، ورفع بخور عشية، نستمع إلى فصول أخرى من الكتاب، بالإضافة إلى ما نقرؤه في بيوتنا وفي الاجتماعات الروحية.. ولكن ما تأثير كل ذلك على حياتنا العملية؟ هل اكتفينا بالمعرفة؟ أم اهتممنا بأن نحول تلك المعرفة إلى حياة، حسب قول السيد المسيح له المجد "الكلام الذي أقوله لكم هو روح وحياة "" (يو6: 63)0 كيف يكون ذلك التحويل:


بالتداريب الروحية، تتحول المعرفة إلى ممارسة. وتتحول المعلومات إلى عمل.
كذلك نلاحظ أن كثيرين يترددون على الكنيسة، ويعترفون ويتناولون، وربما يخدمون أيضًا. ولكنهم مع ذلك لهم ضعفات ثابتة، تكاد تصل إلى مستوى الطباع، مستمرة معهم على مدى سنوات طويلة!! فلماذا؟... لعل السبب في ذلك أنهم لم يضعوا تلك الضعفات موضع الاهتمام الخاص، بأن يدربوا أنفسهم على تركها، ويلاحظوا مدى تنفيذ التدريب..
وبنفس الأسلوب نقول إن هناك كثيرين لهم خطايا يكررونها في كل اعتراف. اكتشفوها، وعرفوها، واعترفوا بها. ومع ذلك استمروا فيها. ذلك لأنهم لم يدربوا أنفسهم عمليًا على تركها.

ومن هنا كانت أهمية التداريب الروحية: يدخل بها الإنسان في مواجهة عملية مع نفسه: إما لترك خطاياه، أو لاكتساب فضائل، أو للنمو روحيًا..
يحول بها المعرفة الروحية إلى حياة. وكذلك أيضًا يحول بها الاشتياقات الروحية إلى حياة روحية.
وفي التدريب العملي: يعرف حقيقة نفسه، ومن أين يأتيه الخطأ، أسبابه ومصادره. ويدخل في طريق المقاومة. ويعرف العقبات وأسلوب الانتصار عليها. ولا يقف عند حد المعرفة، ولا حتى عند حد العاطفة الدينية الداخلية.

وفي التداريب يجاهد مع نفسه، ومع الله..
يستمع إلى توبيخ الرسول وهو يقول " لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). فيقاوم نفسه ويصارع. وفي ذات الوقت لا يعتمد على ذراعه البشرى، إنما يمزج التداريب بالصلاة طالبًا معونة من فوق، حسب قول الرب لنا " بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). وفي ذلك كله يضع نفسه وتداريبه تحت إشراف روحي من مرشد حكيم مختبر، لأن الكتاب يقول " وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5) https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
والكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة من التداريب.
هوذا القديس بولس الرسول يقول "تدربت أن أشبع وأن أجوع. أن أستفضِل وأن أنقص" (فى 4: 12). وقال أيضًا "قد صارت لنا الحواس مدربة" (عب 5: 14)0
* الله درب قديسيه:

*قيل عن موسى النبي "وكان موسى حليمًا جدًا، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). فهل تظنون أنه ولد هكذا؟! كلا، بل إنه بدأ حياته في الخدمة شديدًا عنيفًا، حينما قتل الرجل المصري وطمره في الرمل (خر2: 12). ولكن الله أخذه على البرية، ودربه في عمل الرعي على اللطف والهدوء والوداعة، على مدى أربعين عامًا، حتى وصل إلى ما وصل إليه..
*هل تظنوا أن يوحنا الحبيب بدأ حياته هكذا بما عرف عنه من حب، حتى أنه قال " الله محبة. من يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه" (1يو4: 16). كلا. بل كان هو وأخوة يعقوب شديدين، تربيا في مدرسة يوحنا المعمدان الشديد، الذي كان يوبخ في عنف (مت 3: 7-11). وقد لقبها الرب "بوانرجس" أي "أبنى الرعد" (مر 3: 17).
وهما اللذان لما رفضت إحدى قرى السامريين أن تقبل الرب، لأن وجهه كان متجهًا نحو أورشليم، قالا له "أتريد يا رب أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضًا؟". فانتهرهما الرب وقال لهما "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص" (لو 9: 52-56)
ولكن الرب أخذ يدرب ابن الرعد، حتى تحول إلى شعلة من حب. وبدايته لم تكن هكذا.

كذلك القديسون لم يصلوا إلى درجاتهم العالية دفعة واحدة، بل تدربوا حتى وصلوا.
تدربوا بجهاد وتعب، وعلى مدى زمني. فلا يجوز أن نأخذ ما كتب عن قممهم الروحية كأنه نقط بدء!! ولا نبدأ نحن بما وصلوا إليه في نهاية جهادهم، بل نتدرج.
*أرسانيوس العظيم، في بدء رهبنته، كان يخطئ في طريقة تنقية الفول التي يعرفها ذلك المصري الأمي، حتى أخذ درسًا وقال "هذا القلم على خدك يا ارسانى" وبالتدريب والمدى الزمني، وصل إلى ما وصل إليه من قداسة.
موسى الأسود الذي شاهده أحد الآباء في رؤياه، والملائكة يطعمونه شهد العسل، لم يصل إلى حياة المحبة والخدمة والوداعة وإضافة الغرباء دفعة واحدة، بل حينما بدأ كان منظره مخيفًا. وظل القديس إيسيذورس يدربه، حتى وصل إلى ما وصل إليه من قداسة واحتمال.

حتى في مجال الخدمة، درب الرب تلاميذه أيضًا..
أرسلهم في تدريب عملي. ورجعوا إليه فعرضوا نتائج خدمتهم. وكانوا فرحين لأن الشياطين تخضع لهم باسمه!! فصحح لهم هذا الخطأ، قال لهم "لا تفرحوا بهذا.. بل افرحوا بالحرى أن أسماءكم قد كتبت في السموات" (لو 10: 17-20).
كذلك دربهم على أمر آخر، وهو عدم الاهتمام بمن يكون الأول فيهم. وقال لهم "لا يكون هكذا فيكم. بل مَنْ أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا. ومَنْ أراد أن يكون فيكم أولًا، فليكن لكم عبدًا. كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم، بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 26 – 28).
* نصائح في التدريب:

لهذا كله، ينبغي علينا ألا نكتفي بالمعرفة الدينية، بل نهتم بالأكثر بالعمل، مدربين أنفسنا على تنفيذ الوصايا.
إن الرب بعد أن ألقى العظة على الجبل، ختمها بقوله: " كل من يسمع أقوالى هذه ويعمل بها، أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر.. وكل من يسمع أقوالى هذه ولا يعمل بها، يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل" (مت 7: 24 – 26). وهكذا ركز الأهمية على العمل بما نسمع. وأكد هذا بقوله أيضًا " وليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يعمل إرادة أبى الذي في السموات" (مت 7: 21). وهكذا يصلى الكاهن في أوشية الإنجيل " اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك". إذن فلنتدرب لكي نعمل بوصاياه وتعليم الإنجيل.
* دلائل التداريب:

التداريب الروحية تدل على أن صاحبها سهران على خلاص نفسه. يكتشف أخطاءه ونقائصه، ويتدرب على تفاديها.
لابد إذن أن تكتشف أخطاءك، أو الأخطاء التي يكشفها لك غيرك. لأنه بدون اكتشاف أخطائك، لا يمكنك أن تدرب نفسك على تركها، إذ "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (مت 9: 12). فلا تتضايق إذن ممن يظهر لك عيبًا فيك استفد من هذا الكشف لكي تتدرب على التخلص من ذلك العيب.. بل أنت نفسك حاول أن تفحص نفسك جيدًا في ضوء وصايا الله لتكشف عيوبك.

وأحذر من تبرير النفس والتماس الأعذار لأخطائك.
فالذي يبرر نفسه، يبقى دائمًا حيث هو، لا يصلح من ذاته شيئًا، لأن ذاته جميلة في عينيه بلا عيب!! أما الذي يحاسب نفسه بدقة، ولا يعذر نفسه مطلقًا مهما كانت الظروف، فهذا هو الشخص الذي يمكنه أن يتخلص من عيوبه، معترفًا أمام ذاته بنقائصه.

إن كنت تستحي من أن يكشف لك الغير خطأ فيك، فلاشك أنك لا تستحي من نفسك بنفس القدر!!
فاجلس إلى ذاتك، وكن صريحًا مع نفسك إلى أبعد الحدود وحاول أن تطرق نقط الضعف التي فيك، والتي تكشفها لك القراءة الروحية، أو تدركها من سماعك لبعض العظات التي تشعر أنها تمس حياتك.

ولو أنك دربت نفسك كل أسبوع، أو حتى كل شهر على مقاومة نقطة ضعف واحدة، لأمكنك في عام واحد أن تتخلص من 12 نقطة ضعف. وثق أن الخطايا يرتبط بعضها بالبعض الآخر. بحيث أن تخلصك من خطية معينة، قد يخلصك من خطايا أخرى عديدة.

كما أن تدربك على فضيلة معينة، وبخاصة لو كانت من الفضائل الأمهات، ستقودك إلى فضائل أخرى ما كنت قد وضعتها في تدريبك. فالفضائل أيضًا مرتبطة ببعضها البعض، كحلقات في سلسلة واحدة.
وسأعطيك مثالًا هنا لارتباط الفضائل.
لنفرض أنك دربت نفسك يومًا على الخلوة، ستجد نفسك محتاجًا أن تشغل نفسك أثناء الخلوة حتى لا تمل. وهكذا ستلجأ إلى القراءة حينًا، وإلى الصلاة حينا آخر، أو إلى الترتيل، أو الحفظ: حفظ مزامير أو قطع من الأجبية أو آيات من الإنجيل. وربما يدعوك هذا إلى التأمل في هذه الآيات.. وهكذا تجد أن تدريبًا على الخلوة جر وراءه فضائل عديدة.. أو مثلًا دربت نفسك يومًا على الصمت، ستجد نفسك محتاجًا بالضرورة إلى أن تشغل ذهنك بشيء نافع، حتى لا تسرح فيما لا يليق. وهكذا سيقودك الصمت إلى الصلاة أو التأمل، أو تشغل نفسك بالقراءة.. تدريب واحد يجر وراءه تداريب عديدة.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:08 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
ملاحظات حول التداريب الروحية، وكراسة التدريبات
ثق أنك إن بدأت، لابد ستبدأ النعمة معك:
الله لا يتركك وحدك في تداريبك، بل سيعمل معك. لأنك بالتدريب أظهرت أنك جاد وملتزم بالسلوك في الحياة مع الله. وهذا الشعور ستتجاوب معه المعونة الإلهية. وإن كان الشيطان يحاول أن يحاربك لتكسر التدريب، فإن النعمة سوف تسندك لتنجح فيه. المهم أنك لا تتراجع ولا تتراخى ولا تكسل. بل تكون حازمًا مع نفسك..

وإن دربت نفسك على فضيلة، فاعلم أن الثبات في الفضائل أهم بكثير من اقتنائها.

!
لأنه ما أسهل أن تسير في فضيلة ما يومًا أو يومين أو ثلاثة أو أسبوعًا.. ولكن المهم أن تستمر، حتى تصبح هذه الفضيلة عادة فيك، أو تتحول إلى طبع، وهكذا تحتاج التداريب إلى مدى زمني طويل لكي ترسخ في أعماق النفس. وكما قال ماراسحق إن كل تدبير لا تثبيت فيه زمنًا، يكون بلا ثمر..
ذلك لأن الزمن والاستمرارية هما المحك العملي لمعرفة عمق الفضيلة فيك. والوقت أيضًا يعطى فرصة لاختيار المعوقات التي تقف ضد التدريب وطريقة النصرة عليها.

لهذا، فإن القفز السريع من تدريب إلى آخر، لا يفيد روحيًا.
كثيرون يريدون أن يصلوا إلى كل شيء، في أقل فترة من الوقت. فتكون النتيجة عدم الوصول إلى شيء..!! أو أنهم يضعون أمامهم تداريب عديدة في نفس الوقت بحيث ينسون بعضها، أو لا يستطيعون التركيز عليها جميعًا. أما أنت فاسلك في تداريبك بحكمة، شيئًا فشيئًا، لكي تصل. وهنا أضع أمامك بعض الملاحظات.

*ليكن التدريب محددًا وواضحًا.
فلا تقل أدرب نفسي على المحبة بينما القديس بولس الرسول يضع لهذه المحبة حوالي 14 عنصرًا في (1كو13). يمكنك الاكتفاء بعنصر واحد تركز عليه. ولا تقل أني أريد أن أدرب نفسي على حياة التواضع، أو الوداعة، أو الإيمان. بينما تكون كل كلمة من هذه غير واضحة في تفاصيلها أمامك. وهكذا لا تفعل شيئًا.. إنما قل مثلًا أريد في حياة الاتضاع أن أدرب نفسي على أمر واحد فقط ، هو أنى لا أمدح ذاتي. فإن أتقنت هذا، تقول: أدرب نفسي على أنى أسعى وراء مديح الناس فإن أتقنت هذا، تقول أتدرب على شيء آخر، وهو إن مدحني أحد، أتذكر في الحال خطاياي وتقصيري، وأبكت ذاتي من الداخل.

البعض يضع لنفسه تدريبًا فوق مستوى إرادته، أو لا تساعد عليه ظروفه. أو يقفز في التدريب إلى مستوى درجة عالية لا يستطيع الاستمرار فيها، وقد تصيبه بنكسة فيما بعد ترجعه إلى الوراء خطوات. فمثلًا، لا تضع لنفسك تدريبًا في الصوم فوق احتمال صحتك، ولا تدريبًا في الصمت لا يتفق مع ظروف عملك ومقابلاتك، وظروف بيتك، لا تدريبًا في الصلاة أو في الخدمة لا يسمح به وقتك..
*و يمكن أن تتدرج في التدريب، بحيث لا تأخذ في كل مرة إلا جزءًا واحدًا من تفاصيله.
من الصعب مثلًا أن تدرب نفسك على الصمت، في حياة المجتمع الذي تضطر فيه بالضرورة إلى الكلام. ولكنك قد تتدرج فتقول: أدرب نفسي على عدم الإطالة في الحديث. فما يحتاج إلى كلمة، لا أقول فيه جملة وما يحتاج إلى جملة، لا ألقى فيه محاضرة. وإن فهم محدثي ما أريد، لا داعي لأن أزيد..
فإن أتقنت هذا، تقول: لا أبدأ الكلام إلا لضرورة. ثم تدخل في تدريب آخر، وهو البعد عن الصوت الحاد، وعن الصوت العالي، وتقول أدرب نفسي على "الصوت المنخفض الخفيف" (1مل 19: 12). ثم تدخل في مقاومة أخطاء اللسان واحدة فواحدة. إلى أن تصل إلى حسن الكلام. وحينئذ إن بعدت عن الصمت، تصل إلى النقطة التالية وهو حسن الكلام، فلا تخطئ. لأن هناك من ينطبق عليه المثل القائل: سكت دهرًا ونطق كفرًا!!
*و لتكن تداريبك من صميم حياتك العملية الواقعية.
فما يصلح لغيرك من تداريب، قد لا يصلح لك أنت. أما تداريبك فليكن مصدرها مقاومة أخطائك الخاصة، وتقصيراتك الروحية، وما يناسبك في حياة الفضيلة بحسب قامتك الروحية. وتداريبك يجب أن تتفق مع حياتك وظروفك الداخلية والخارجية.
# كراسة التدريبات:

*ولتكن لك كراسة خاصة بالتدريبات.
تكتب فيها التدريب، وآية أو ضع آيات من الكتاب تشجعك، وتحثك على هذا التدريب بالذات. واحفظ هذه الآيات ورددها باستمرار، لكي تكون حاضرة في ذهنك كلما حوربت بشئ ضد ما تدرب نفسك عليه. وتذكر أيضا قصص القديسين الذين كانوا أمثلة عليا في الفضيلة التي تدرب نفسك عليها.

*و إن سقطت في تدريبك في وقت ما، اعرف أسباب السقوط، وحاول أن تتحاشاها فيما بعد.
و هكذا تأخذ خبرة روحية في كل ممارساتك، وتعرف حروب العدو وطريقة الانتصار عليها. حتى أن البعض بهذه التدريبات صاروا مرشدين لغيرهم. كالأم التي جربت الحياة، وتستطيع
أن تنصح ابنتها بنصائح عملية تفيدها.
*وحاول أن تستفيد من فشلك أحيانًا في تداريبك.
ليكن ذلك سببًا في اتضاعك وشعورك بالضعف، حتى لا تتكبر نفسك بتوالي النجاح.
وأيضًا ليكن ذلك سببًا يدعو إلى الإشفاق على الضعاف والمخطئين. ولتكن سقطاتك موضوعًا لمطانيات أمام الله تقدم فيها انسحاق قلبك ولتكن مجالًا لصلوات ترفعها إلى الله ليمنحك قوة ونعمة.
# جهاد:

وبعد، فإن التداريب في صورتها الظاهرة، هى جهاد للوصول إلى نقاوة القلب، حتى يستحق سكنى الله فيه. ولكنها ليست مجرد جهاد، وإنما هى طلبة مقدمة إلى الله ليتدخل. وكيف؟
كثيرون يقدمون لله رغباتهم الروحية في أسلوب نظري، في مجرد مشاعر القلب أو كلام في الصلاة. أما التداريب الروحية فهي رغبات تقدم إلى الله بأسلوب عملي..
هى جهاد عملي صارخ إلى الله لكي يتدخل ويمنح من عنده النصرة لهذا الجهاد.. والله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل من أجل المسرة (فى 2: 13).. المسرة في أن يتمجد اسمه فينا كلما ننجح في جهادنا وتداريبنا. وليكن اسم الرب مباركًا من الآن وإلى الأبد.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:10 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
أهمية محاسبة النفس


يحتاج الإنسان كثيرًا إلى جلسة مع النفس:
يجلس إلى نفسه لكي يفحصها ويفتش دواخلها، ويرقب تصرفاتها ويحاسبها حتى يكون في يقظة مستمرة. وهذه الرقابة الذاتية وملاحظة النفس لازمة لكل إنسان، مهما علا في حياته الروحية، ومهما ارتفع في منصبه. ولذلك نرى القديس بولس الرسول يكتب إلى تلميذه تيموثاوس الأسقف قائلًا " لاحظ نفسك والتعليم، وداوِم على ذلك. فإنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (اتى 4: 16).


لذلك فالشيطان يحاول بكل قوة أن يمنع الإنسان الروحى من الجلوس إلى نفسه، وكذلك يمنع الخاطئ..

ما أسهل أن يقدم له مشغوليات عديدة جدًا، تستغرق كل وقته، وتستحوذ على كل مشاعره بأهمية كل هذه المشغوليات. وإن كان إنسانًا روحيًا محبًا لملكوت الله، يمكن أن يشغله بالخدمة ومتطلباتها، حتى يجعل الخدمة تشغله، بحيث لا يهدأ ليفكر في أخطائه داخل خدمته. مثل ذلك الابن الكبير الذي لم يفرح برجوع أخيه، ولم تتفق مشيئته مع مشيئة الآب. ومع ذلك قال لأبيه " ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. وجديًا لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي..!" (لو 15: 28، 29). ولا شك أن هذا الابن الخادم طول تلك السنين، لو كان قد جلس إلى نفسه، لوجد أن له أخطاء عديدة وغير لائقة، سواء في التعامل أو أسلوب التخاطب، أو في محبته أو احترامه لأبيه..

لذلك أيها الابن المبارك لا تجعل مشغوليات الخدمة تعطلك عن الجلوس إلى نفسك وفحصها ومحاسبتها.
أليس أن الخدمة أحيانًا قد تعطلك عن الصلاة وعن القراءة والتأمل؟! ألست أحيانًا في الخدمة ترفع ذاتك وفكرك أكثر مما يليق، وربما ترتئي فوق ما ينبغي (رو12: 3). ألست في الخدمة أحيانًا قد تقع في الإدانة، وربما في قساوة القلب، باسم الدفاع عن الحق..؟! وغير ذلك كثير.. اجلس إلى نفسك وافحصها، خوفًا من أن تقول "حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 9: 27). أو لئلا تسمع قول الرب لمرثا "أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد" (لو 10: 41، 42).

أنت محتاج أن تجلس إلى نفسك لتعرف أخطاءك..
سواء أخطاء اللسان، أو الفكر، أو الحواس، أو مشاعر القلب، أو أخطاء الجسد.. لتعرف أخطاءك ضد الله وضد الناس، وأيضًا ضد نفسك.. بل لتدرس طباعك أيضًا الثابتة فيك، والتي لم تتغير ... بل لتعرف الخطايا التي تلبس ثياب الحملان، وتتسمى عندك بأسماء فضائل، وقد تفتخر بها!! اجلس يا أخي إلى نفسك، وتذكر قول القديس مقاريوس الكبير:
أحكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:12 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
كيف تحاسب نفسك؟
لتكن محاسبتك لنفسك بصراحة وجدية.
قد يحاول الشيطان أن يتدخل بإحدى طريقتين:
إما أن يقول لك: لا تبالغ في حكمك على نفسك، لئلا تقع في عقدة الذنب Sense of guilt.
أو قد يقول لك: احترس من أن تقسو على نفسك، لئلا تقع في الكآبة Depression. وهو ليس مخلصًا في نصائحه، لأنه يريد أن يبعدك عن تبكيتك لنفسك. هنا وتذكر قول القديس أنطونيوس الكبير " إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله". وتذكر أيضًا قول داود النبي في مزمور التوبة "خطيتي أمامي في كل حين" (مز 50).

ذلك لأن الشيطان قد يقول لك: لماذا تتذكر خطاياك، وهى مغسولة بالدم الكريم؟!
إنها تظل مغسولة، طالما كنا في حياة التوبة، نادمين على ما فعلناه، وفي انسحاق قلب بسبب خطايانا. إن داود النبي ظل يبلل فراشه بدموعه بسبب خطيته، حتى بعد أن نال المغفرة. وقال له ناثان "الرب نقل عنك خطيئتك. لا تموت" (2صم 12: 13). وشاول الطرسوسي بعد أن نال الدعوة الإلهية، وصار رسولًا، وتعب أكثر من جميع الرسل" (1كو15: 10). قال في انسحاق قلب " لأني أصغر الرسل. أنا الذي لست أهلًا لأن أدعى رسولًا، لأنى اضطهدت كنيسة الله "! (1كو 15: 9). ألم تكن هذه الخطية قد غفرت له، وغسلت بالدم الكريم. ولكنه لا يزال يذكرها ويبكت نفسه عليها. بل أنه يقول في رسالته الأولى إلى تلميذه تيموثاوس " أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا. ولكنني رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان" (1تى 1: 13). وعلى الرغم من أنه فعل ذلك بجهل، وقبل إيمانه، إلا أنه لا يزال يذكر ويبكت نفسه..

وأيضًا في محاسبتك لنفسك، احترس من أن تلتمس لنفسك الأعذار والتبريرات..
قد تحاسب نفسك وتدرك أخطاءك. وإلى هنا تكون النعمة قد عملت فيك. ثم يأتي الشيطان ليفقدك عمل النعمة، ويبعدك عن الندم والانسحاق ولوم النفس، فيقدم لك الأعذار والتبريرات، لكي تغطى بها على خطيتك، كما حاول من قبل أبونا آدم وأمنا حواء.. احترس من هذه الأعذار التي هى لون زائف من الإشفاق على النفس، بالدفاع عنها ومحاولة تخفيف الذنب فيما ارتكبته.
فإن كنت تحب نفسك حقًا، لا تشفق عليها بهذا الإشفاق الخاطئ الذي يحرمها من مشاعر التوبة والندم والانسحاق. وهذا لا يفيدها بشيء. بل على العكس قد تعتمد على الأعذار وتستمر في الخطأ. اذكر باستمرار قول الرسول "أنت بلا عذر أيها الإنسان" (رو 2: 1). الذي يحاول أن يعذر نفسه في خطاياه، قد يقع في الضمير الواسع، الذي يبلع الجمل (مت 23).

وإن عذرت نفسك بأن هناك معطلات خارجية عاقتك عن طريق الفضيلة، فقل لنفسك: كان ينبغي أن أجاهد لأنتصر، على تلك المعوقات.
هوذا نوح البار كان يعيش في جيل فاسد جدًا حتى أن الله أغرقه بالطوفان. ومع ذلك حفظ نوح نفسه في الإيمان، ولم يتأثر بالوسط المحيط. ويوسف الصديق كانت الخطية تلح عليه كل يوم، دون أن يطلبها. وعلى الرغم من ذلك قال عبارته الخالدة" كيف اصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!" (تك 39: 9). وفي سبيل رفضه للخطية تحمل ما أحتمله من سجن وعار..
ودانيال والثلاثة فتية كانوا مهددين بموت خطير، هو بالإلقاء إلى جب الأسود وهم بالإلقاء في أتون النار. ولكن ذلك التهديد لم يحولهم مطلقًا عن مخافة الله. وهكذا كان كل الشهداء والمعترفين، في كل ما تعرضوا له من تعذيب.

إن الضغط الخارجي، لا يستسلم له سوى الضعف الداخلي.
بكت نفسك بهذه العبارة. وقل لنفسك: ينبغي أن أكون قويًا في الداخل، وأنتصر على كل الحروب مهما كانت شديدة. وليبكتك قول بولس الرسول للعبرانيين "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4) لذلك إن حاسبت نفسك، فلا تقل في سقطاتك "لقد كنت ضعيفًا والخطية أقوى منى. بل أذكر انتصار يوسف الصديق، وبكت به نفسك. ولا تقل كانت الوصية صعبة، لم استطع تنفيذها!! بل تذكر كيف أن ابراهيم أخذ ابنه الوحيد الذي يحبه ليقدمه محرقة (تك 22)

اذكر قصصًا من الكتاب في الانتصار على العوائق:
أذكر أصدقاء المفلوج الذين لم يجدوا أي منفذ لإدخال صاحبهم إلى الرب، فلم ييأسوا، ونقبوا السقف ودلوه منه (مر 2: 4). واذكر الإغراءات التي قدمت لداود لقتل شاول الملك الذي كان يطارده، وكيف قال داود: حاشا لي أن أمد يدى إلى مسيح الرب.. لأنه مسيح الرب هو (1صم 24: 6)..

في محاسبتك لنفسك، اعتبر الأعذار تدليلًا للنفس.
مثل عذراء النشيد، التي لم تفتح للرب، وقد امتلأ رأسه من الطل، وقصصه من ندى الليل! وقالت "قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه. قد غسلت رجليَّ فكيف أوسخهما". ولم يقبل الرب عذرها،، بل تحول عنها وعبر. ثم عصرها الندم فقالت بعد ذلك " طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني (نش 5: 2-6)..
لا تكن مثل صاحب الوزنة الواحدة، الذي دفن وزنته في الأرض، ووجد لنفسه عذرًا فقال لسيده كلامًا شريرًا لامه عليه! (مت 25: 24 – 28)..

ما أكثر الذين أخطأوا وقدموا أعذارًا، كانت كلها غير مقبولة.
مثل شاول الملك لما أصعد محرقة (1صم 13: 11، 12). ومثل يونان النبي لما اغتاظ بالصواب حتى الموت (يون 4: 1-13). ومثل إيليا في خوفه من ايزابل وهربه منها (1مل 19: 1، 14).
ومثل هؤلاء من يكسر الصوم. وأن حاسبه ضميره وبكته، يعتذر بضعف صحته. ومن يكسر وصية العشور. وإن حاسب نفسه، يعتذر بظروفه المالية، وكذلك من لا يفي بالنذر.. إن داود لم يجد لنفسه عذرًا، لما "جاء أسد مع دب، واختطف شاه من قطيعه"، بل جرى وراءه، وأنقذها من فمه (1صم 17: 34، 35).. ولو أن داود قد اعتذر عن إنقاذ الشاه، لوجدنا عذره مقبولًا!! ولكنه لم يفعل. كان ضميره أقوى..

ما أكثر الذين يخطئون، فبدلًا من لوم أنفسهم، يلقون اللوم على الكنيسة لكي يعذروا أنفسهم!!
يقولون: الكنيسة لم تفتقدني! أب الاعتراف لم يهتم بي! لم أجد مرشدًا يعرفني الطريق! أين الآباء؟! أين عمل الكهنوت؟! ولا يقول أحد منهم: الخطأ كان واضحًا، وضميري كان يبكتني، وأنا لم أطع إرشاد ضميري وتبكيته لي من الداخل..!!
إن أنطونيوس العظيم كان وحده في البرية بلا مرشد. وسار في الطريق السليم، ولم يعتذر بعدم وجود إرشاد.. وكذلك الأنبا بولا السائح وغيرهما من أعاظم القديسين..

في محاسبتك لنفسك، من الأفضل لك أن تدين نفسك وتبكتها.
فهذا أنفع لك من تبرير نفسك، وإلقاء التبعة على غيرك.. ما أجمل جواب أب جبل نتريا، لما سأله البابا ثاوفيلس عن أحسن الفضائل التي أتقنوها في حياة الوحدة، فقال: "صدقني يا أبى، لا يوجد أفضل من أن يرجع الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء"..
أما العوائق فلا تكون مجالًا للاعتذار، وإنما مجالًا للتدريب على مقاومتها، والصلاة لكي يعطى الرب نعمة للانتصار عليها.

محاسبة النفس تليها إدانة النفس. يليهما علاج النفس.
ووضع كل تلك الضعفات مجالًا للتدريبات الروحية، وللجهاد الروحي، والصلاة. وأيضًا لذكرها في الاعتراف، وطلب المشورة الصالحة..
وأيضًا لكي تكون تلك الضعفات سببًا في أتضاع النفس، والبعد عن أفكار المجد الباطل كلما تحارب النفس حينما تعمل خيرًا. وكذلك تكون تلك الضعفات سببًا في الإشفاق على المخطئين بدلًا من إدانتهم. كما قال القديس بولس الرسول "أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، واذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3).

حاسب نفسك على السلبيات التي تصدر منك، وأيضًا على الفضائل التي تنقصك. وكذلك على توقف نموك، إن كانت روحياتك وصلت إلى وضع معين، ثم توقف نموها. وهنا تضع أمامك قول القديس بولس الرسول "ولكنني أسعى لعلى أدرك.. أنسى ما هو وراء، وامتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض" (فى 3: 12- 14). ادرس ما الذي أوقف نموك. أهي أسباب داخلية، أم عوائق خارجية؟

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:13 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
متى تكون محاسبة النفس؟
بقى سؤال وهو: متى نحاسب أنفسنا؟
البعض يحاسبون أنفسهم في مناسبات: في بداية سنة جديدة مثلًا: السنة الميلادية أو القبطية أو في بدء سنة من عمرهم. والبعض الأفضل يحاسبون أنفسهم قبل كل اعتراف وتناول. وأفضل من هذين النوعين من يحاسبون أنفسهم في آخر كل يوم وأفضل من هؤلاء جميعًا من يحاسب نفسه بعد الفعل مباشرة، ويبكت نفسه..
أما الوضع الأمثل والأكمل، فهو أن تحاسب نفسك على العمل قبل فعله.
فقبل أن تنطق كلمة مثلًا، تحاسب نفسك: هل يليق بي أن أقول هذه الكلمة؟ وماذا سيكون وقعها على الآخرين؟ وهل سيفهمها البعض على غير ما أقصده؟ فإن وجدت خطأ تتفاداه قبل وقوعه.
وهكذا في كل تصرف، وفي كل فكر.. بهذا تسير نحو الكمال. وليكن الرب معك...

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:15 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
الاعتراف وعناصره
الاعتراف واسطة روحية لتوبة الإنسان:
حتى أننا في عقيدة الكنيسة نسمى سر الاعتراف "سر التوبة". وهو فعلًا يقود إلى التوبة، إذا مارسه الإنسان بطريقة روحية تليق به. فالاعتراف ليس مجرد كلام يقوله المعترف للأب الكاهن، إنما ينبغي أن يمتزج بمشاعر معينة توصل الخاطئ إلى التوبة الحقيقية فكيف ذلك؟
# عناصر الاعتراف:

وما هى عناصر الاعتراف لكي يكون شاملًا:
الاعتراف يشمل أربعة عناصر، يجب أن تتم:
1-الاعتراف على الله نفسه:

كما يقول داود النبي للرب في المزمور الخمسين، مزمور التوبة "لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت" (مز 50). وفي هذا الاعتراف تطلب من الله المغفرة، كما نقول في الصلاة "اغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن أيضًا لمن أخطأ إلينا". وتطلب من الله أن يرفع غضبه عنك الذي تستحقه بسبب خطاياك، كما نقول في المزمور " يا رب لا تبكتني بغضبك، ولا تؤدبني بسخطك. ارحمني يا رب فإني ضعيف" (مز 6).

2-وكما نعترف على الله، نعترف على أب الاعتراف أيضاَ:

تعترف عليه كوكيل للسرائر الإلهية (1كو4: 1). وكرسول من الله إليك (ملا2: 7). وتعترف عليه لكي يمنحك من الله المغفرة والحل (يو 20: 22، 23) (مت 18: 18). وأيضاَ لكي يسمح لك بالتناول، حتى يمكنك أن تتناول باستحقاق (1كو11: 27). وأيضًا من أجل الإرشاد الروحي، ليشرح لك ما يجب أن تفعله0 وتعترف على الأب الكاهن أيضًا لسبب عملي. وهو أن الإنسان كثيرًا ما يخجل وهو يذكر خطاياه أمام شخص روحي، وأمام الكهنوت بالذات. وهذا الخجل يساعده على عدم ارتكاب الخطية في المستقبل. وهكذا قال الكتاب "اعترفوا بعضكم على بعض بالزلات" (يع 5: 16). أي بشر على بشر.

3-تعترف على من أخطأت إليه بكل ما أسأت به إليه:

وذلك لكي تزيل من قبله أي غضب، أو حزن بسبب إساءتك إليه، حتى يمكنك أن تتناول بقلب صاف من نحو الكل (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وهذا ما علم به الرب في العظة على الجبل، إذ قال " فإن قدمت قربانك على المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا اصطلح مع أخيك" (مت 5: 23، 24).
وهكذا لو وجدت في كل إساءة إلى الغير ستذهب إليه وتصالحه، وتعتذر إليه معترفًا بخطئك من نحوه.. فبلا شك سيقودك هذا إلى الاحتراس من معاملة الغير، والبعد عن الإساءة، حتى لا تضطر إلى الاعتذار عنها.

4-هناك اعتراف آخر، قد يكون هو الأول في الترتيب الزمني، وهو أن تعترف بينك وبين نفسك أنك قد أخطأت..

ذلك أنه إن لم تكن معترفًا في داخل قلبك وفكرك أنك قد أخطأت، سوف لا تعترف طبعًا أمام الله بخطأ لا ترى أنك قد وقعت فيه. وأيضًا سوف لا تعترف أمام الكاهن بأنك قد أخطأت. ولن تذهب إلى أخيك وتصالحه، مادمت غير مقتنع في داخلك بأنك قد أخطأت إليه..
إذا الاعتراف بالخطأ أو الخطية، يبدأ داخل الإنسان أولًا، بإحساس داخلي أنه قد أخطأ، وباقتناع فكرى بواقع الخطأ وتفاصيله، وبضرورة الاعتراف به للحصول على المغفرة، وللوصول إلى المصالحة مع الله والناس.

كثيرون ليس لهم هذا الإحساس الداخلي بالخطأ، لذلك لا يتقدمون نحو التوبة ولا الاعتراف..
ربما لأن موازينهم الروحية غير سليمة، أو أنهم يبررون تصرفاتهم باستمرار. الذات عندهم تقف ضد كل اعتراف بالخطأ. يرون ذواتهم باستمرار على حق، فبأي شيء يعترفون؟! بل إن كثيرًا من أولئك المخطئين تلبس أخطاؤهم ثوب الفضيلة، ويفتخرون بذلك الخطأ.. كما كان الفريسيون والكتبة يرون أنهم على حق في معاداة السيد المسيح، دفاعًا عن ناموس موسى وتقاليد آبائهم!! وهكذا قالوا له في جرأة وفي الاعتزاز بالإثم "ألسنا نقول حسنًا أنك سامرى وبك شيطان!" (يو8: 48)!! إنهم يهينون المسيح هكذا ويشتمونه، ويرون أنهم يقولون حسنًا!!

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:17 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
مشاعر المعترف


المعترف إذن لابد أن يشعر أنه أخطأ. ولابد أن يندم على خطيئته وينسحق قلبه بسببها.
داود النبي كان من فرط ندمه، كان يبكى بمرارة على خطيته، وبدموعه يبل فراشه" (مز 6). وكان يرى أن خطيئته تحتاج إلى غسيل وتطهير، فيقول للرب "أغسلني كثيرًا من إثمي، ومن خطيئتي طهرني"، "أنضح على بزوفاك فأطهر.." (مز 50).
كثيرون يأتون إلى الاعتراف بغير ندم، وبغير شعور بالخجل والخزي والعار من خطاياهم. ولذلك لا يستفيدون من اعترافهم. ويصبح اعترافهم مجرد كلام بغير روح!! أما أنت فبقدر ندمك تكون توبتك، وتكون استفادتك من الاعتراف.

ومع الندم يوجد عزم أكيد على تغيير حالتك.

إصرار على ترك الماضي الخاطئ، وغلق كل السبل الموصلة إلى الخطية. لأن الاعتراف ليس معناه التخلص من حساب قديم، لفتح حساب جديد إنما هو قطع كل صلة بالخطية، متعرفًا بأنها طريق خاطئ يمنع الحياة مع الله وسكنى روحه في القلب.

كذلك ينبغي أن يوقن المعترف أنه قد أخطأ ضد الله نفسه..
فالخطية هى عصيان لله وكسر لوصاياه. هى تمرد على الله وثورة عليه، وتفضيل محبة العالم والمادة والجسد على محبة الله. وكما قال
القديس يعقوب الرسول: " أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟! فمن أراد أن يكون محبًا للعالم، فليست فيه محبة الآب" (1يو 2: 15). إذن الخطية ضد محبة الله. وفي نفس الوقت هى رفض للشركة مع روحه القدس، لأنه " أية شركة للنور مع الظلمة؟!" (2كو 6: 14).. ولأن الخطية ضد الله، إذن فهي غير محدودة لأن الله غير محدود..

لهذا نرى داود النبي يقول للرب " لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت" (مز 50). ولم يقل أخطأت إلى أوريا وبتشبع زوجته.. كذلك لما عرضت الخطية على يوسف الصديق، رفضها قائلًا " كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟!" (تك 39: 39).. ضع هذا إذن في ذهنك، وأنت تعرف أنك أخطأت إلى الله.

كذلك ليس الاعتراف مجرد علاقة بينك وبين أب الاعتراف. إنما قبل كل شيء هو علاقة مع الله.
إنك تعترف إلى الله في سمع الكاهن، كما قال يشوع بن نون لعخان "يا ابني أعط مجدًا للرب.. اعترف له وأخبرني الآن ماذا فعلت.." (يش 7: 19).. كذلك في التحليل، أنت تأخذ حلًا من الله من فم الكاهن. بهذا تشعر بوجود الله أثناء الاعتراف، وتستفيد روحيًا من اعترافك. كثيرون ينسون الوجود في حضرة الله أثناء الاعتراف. فتضيع هيبة الاعتراف، ولا يستفيدون الفائدة المرجوة.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:21 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
نصائح للمعترفين
1- ينبغي أن تراعى وقت أب الاعتراف ومسئولياته وصحته، وأن تراعى أيضًا باقي المعترفين الذين ينتظرون دورهم بعدك. فلا تطيل أزيد مما يجب، ولا تضيع الوقت في مقدمات وشروحات لا لزوم لها. أو في محاولة أن تتذكر ما تريد أن تقوله بل عليك بتحضير اعترافك من قبل، مع التركيز أثناء اعترافك.


2- اعرف أنك على قدر ما تفتح قلبك وتكون صريحًا في اعترافك، على قدر ما تستفيد روحيًا.


3- عليك أن تحتفظ بسرية إرشادات أب اعترافك، كما يحتفظ هو بسرية ما تقوله من خطايا. فقد تقول في اعترافك شكوى أو عثرة من أحد الأشخاص، فينصحك أب الاعتراف أن تتجنب ذلك الشخص أو تبتعد عنه. فلا تخرج وتقول للبعض " أمرني أب اعترافي أن أبتعد عن فلان أو فلانة". فربما تسبب بذلك إحراجًا لأبيك الروحي.




4- لا تطلب من أب اعترافك أن يكون مجرد جهاز تنفيذ لرغباتك كأن تأتيه بقرارات تطلب منه الموافقة عليها، وإلا يضيع الوقت في جدل وبكاء وعذاب لأنه لم يوافقك على ما تريد. الوضع السليم أنك تستشيره وتطلب نصيحته، لا أن تقدم له قرارات مسبقة. وفي نفس الوقت لا تحاول أن تخفى عنه ما ترى أنه لا يوافق عليه.


5- لا تسأل أب اعترافك عن أمور ليس من صالحك أن تعرفها، كأن تسأل في سياسة الكنيسة وأخبارها، ولو عن طريق أن تقول له "أتعبتني أفكار بخصوص موضوع كذا من أخبار الكنيسة".


6- ينبغي أن تكون لك ثقة بأب اعترافك، ولا تضطره في كل نصيحة أن يقدم لك الكثير من الإثباتات ومن البراهين لكي تقتنع. وهكذا قد يبذل جهدًا يمكن توفيره.


7- إذا أتاك فكر شك في أب اعترافك، فلا تذكر ذلك بأسلوب جارح، وإنما لتكن لك الصراحة المؤدبة0


8- لا تعامل أب اعترافك معاملة الند بالند، ولا تعاتبه بشدة. وإنما تذكر باستمرار أنك في اعترافك عليه، إنما تقف أمام وكيل الله.


9- لا تتملكك الغيرة من معاملة أب الاعتراف لغيرك ممن لهم حالة خاصة. ولا تحاول أن تضغط عليه لمعرفة تلك الحالة الخاصة، لأنك بذلك تدخل في سرية اعترافاتهم.


10- لا تكن كثير التردد على أن الاعتراف، لتسأله حتى عن التافهات، أو في كل صغيره وكبيرة، لئلا يتساءل البعض لماذا يقابلك أكثر منهم وتسبب له حرجًا.
11- عليك بالطاعة. ولتكن الطاعة الحكيمة.


12- إذا وبخك أب الاعتراف على خطأ، فلا تتضايق من توبيخه، إنه لفائدتك. ولا تحاول أن تبرر نفسك فيما تقدمه من اعترافات.
13- إن طلبت من أب اعترافك طلبًا وصمت، فلا تقل أن صمته علامة على الموافقة، ربما صمت لأن ما تطلبه فيه شيء محرج، أو يكشف عن بعض أسرار الناس أو أن الإجابة لا تفيدك بل قد تضرك. أو أنه أجاب على ذلك من قبل. أو أنه صمت لأنه مرهق. أو لأن السؤال خطأ.


14- فى اعترافك لا تذكر أنصاف الحقائق، بل الحقيقة كاملة.
15- لا تحول الاعتراف إلى شكوى من غيرك. ولا يكن مجالًا للتحدث عن أخطاء الآخرين. تكلم عن أخطائك وحدك.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:25 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
أهمية التناول وفائدته
إن التناول من السرائر الإلهية من أهم الوسائط الروحية وأعمقها أثرًا في الإنسان. سواء من جهة مفعول هذا السر بذاته كما شرح الرب، أو فائدته الروحية الواضحة في الاستعداد له، أو من جهة نتائجه الواضحة وتأثيره الروحي في المتناول.

1-أول أهمية له هى الثبات في الرب


وذلك حسب قول الرب في إنجيل يوحنا " من يأكل جسدي ويشرب دمى، يثبت في وأنا فيه" (يو 6: 56). وهنا لا يتحدث عن الحياة مع الله فقط، وإنما بالأكثر الثبات فيه.

2-كذلك التناول هو الخبز الروحي


قال عنه الرب في (يو6) إنه الخبز الحي النازل من السماء، هو خبز الحياة " إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد " وهو " الواهب الحياة للعالم" (يو 6: 33، 48، 50، 51). ولذلك فإن الذين يترجمون الخبز في الصلاة الربانية بعبارة "خبزنا الذي للغد" يركزون على الطعام الروحي اللازم لأبدية الإنسان، وبخاصة هذا الخبز السماوي الذي للغد أي للحياة الأبدية. كما قال الرب "من يأكل جسدي ويشرب دمى، فله حياة أبدية.، وأن أقيمة في اليوم الأخير" (يو 6: 54).. "من يأكل هذا الخبز، فإنه يحيا إلى الأبد" (يو 6: 58). إنه خبز الحياة، لأنه سبب حياة روحية للإنسان.

3-هذا التناول هو عمليه تطعيم كما في الأشجار


إذ يمكن أن تطعم شجرة ما بشجرة أفضل، فتبقى هذا الشجرة الأفضل، بدلًا من طبيعة الشجرة الأولى. وهكذا فإن طبيعتنا البشرية -في سر الأفخارستيا- تحدث لها عملية تطعيم بجسد الرب ودمه..
وقد أعطانا الرب مثالًا لعملية التطعيم، بكنيسة العهد الجديد (الزيتونة البرية) التي أمكن تطعيمها في الزيتونة الأصلية التي للعهد القديم، فأصبحت " شريكًا في أصل الزيتونة ودسمها" (رو 11: 17).. وبالتناول، كأغصان في الكرمة (يو 15: 5)، حينما نثبت فيها بالتناول، تسرى فينا عصارة الكرمة، فنتغذى بها ونحيا " ونأتي بثمر كثير "..

4-نذكر في التناول أيضًا بركاته التي نسمعها في القداس الإلهي في الاعتراف الأخير، إذ يقول الكاهن:


"يُعْطَى عنا خلاصًا، وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لمن يتناول منه"
من منا يستطيع أن يستغنى عن هذه البركة الثلاثية: الخلاص والغفران والحياة الأبدية؟! إن المغفرة التي نستحقها بالتوبة والاعتراف، ننالها في التناول. لأنه "بدون سفك دم لا تحدث مغفرة" (عب 9: 22). وسر الافخارستيا هو استمرارية لذبيحة المسيح الذي نتناول دمه الكريم. وكما قال القديس يوحنا الرسول عن هذا الدم إنه "يطهرنا من الخطية، يعدنا للحياة الأبدية.
5-التناول أيضًا هو عهد مع الله


كما نذكر قول الرب الذي نردده في القداس الإلهي "لأنه في كل مرة تأكلون من هذا الخبز، وتشربون من هذه الكأس، تبشرون بموتى، وتعترفون بقيامتي، وتذكرونني إلى أن أجئ" (1كو 11: 26). فهل نحن في كل تناول، وندخل في عهد مع الرب أن نذكره إلى أن يجئ؟!
من أجل هذا العهد بين الرب وبيننا، فإن يوم الخميس الكبير الذي سلم فيه الرب هذا السر لتلاميذه القديسين، نسميه (خميس العهد).. ليتك تذكر باستمرار في كل مرة تتناول فيها، أنك تدخل في عهد مع الرب..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:32 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
الاستعداد للتناول
أخطر عبارة في ذلك، قالها القديس الأنبا رويس:
قال: يليق بالذي يتناول جسد الرب ودمه في داخله، أن يكون من الداخل في نقاوة أحشاء العذراء التي كان في داخلها جسد الرب". ما أخطر هذه العبارة؟! ما أخطر هذه العبارة؟! من ذا الذي يستطيعها؟! لذلك سأكلمكم عن السهل المستطاع. يلزمنا إذا الاستعداد الروحي للتناول:


وبمقدار استعدادنا للتناول، تكون استفادتنا منه..
كثيرون يتناولون.. آلاف، بل مئات الآلاف.. ولكن ليس الجميع يستفيدون نفس الفائدة الروحية!! ولنضرب مثالًا بالرسل الأحد عشر الذين تناولوا في يوم خميس العهد ومن يد الرب نفسه: واحد منهم فقط، تبع المسيح حتى الصليب، هو القديس يوحنا الحبيب، واستحق أن يكلمه الرب، وأن يعهد إليه بالسيدة العذراء قائلًا "هذه أمك" (يو 19: 27). فأخذها إلى بيته، وصارت بركة له..


و تلميذ من الذين تناولوا، تبع المسيح حتى بيت رئيس الكهنة. وكان قد تحمس أيضًا وقطع أذن عبد رئيس الكهنة، دفاعًا عن المسيح (يو 18: 25 – 27). ولكنه عاد فأنكر الرب ثلاث مرات!! وباقى التلاميذ التسعة هربوا وقت القبض على معلمهم وسيدهم!! والكل كانوا قد تناولوا معًا..


إن التناول يذكرنا بمثل الزارع (مت 13).
الزارع هو نفس الزارع، البذار هى نفس البذار. ولكن حسب طبيعة الأرض اختلفت النتائج: فالبعض سقط على الطريق فأكلته الطيور. والبعض سقط على الأرض المحجرة، وإذ لم يكن له عمق أرض جف. والبعض سقط على أرض فيها شوك، فطلع الشوك وخنقه.. وحتى الذي سقط على الأرض، لم يعط ثمرًا بمستوى واحد. بل أعطى بعض مائة، آخر ستين، وآخر ثلاثين (مت 13: 3 9).. هكذا التناول أيضًا، حسب حالة قلب الإنسان، وحسب استعداده الروحي، هكذا تكون استفادته الروحية.


فهو من الوسائط الروحية، ولكن تختلف فائدته من شخص لآخر، حسب استعداده له..
كثيرون يتناولون كثيرًا، بل قد يتناولون كل يوم وفي كل قداس. وربما لا يستفيدون!! وربما من كثرة التناول بلا استعداد، قد يتحول الأمر إلى مجرد عادة، وتسقط هيبة الأسرار من قلوبهم! وغير هؤلاء قليلون يستطيعون الاحتفاظ بهيبة السر ودوام الاستعداد له.. لذلك اختبر نفسك وانظر: هل المداومة على التناول في مواعيد متقاربة جدًا، تساعدك على دوام الحرص أم لا؟ الأمر يختلف من شخص لآخر.. هنا ونسأل ما هو الاستعداد للتناول؟


أولًا: الاستعداد بالاتضاع وبانسحاق القلب


من أجمل قطع القداس الإلهي في هذا الانسحاق، صلاة سرية يتلوها الأب الكاهن، قبل القداس وهو يفرش المذبح، تسمى (صلاة الاستعداد) يقول فيها: أيها الرب العارف قلب كل أحد، القدوس المستريح في قديسيه، الذي بلا خطية وحده، القادر على مغفرة الخطايا.. أنت يا رب تعرف أنى غير مستحق ولا مستعد ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة التي لك، وليس لي وجه أن اقترب وافتح أمام مجدك الأقدس. ولكن من أجل كثرة رأفاتك، اغفر لي أنا الخاطئ، وامنحني أن أجد نعمة ورأفة في هذه الساعة..".
فإن كان الأب الكاهن في القداس الإلهي بهذا الانسحاق،فكم بالأكثر يكون باقي الشعب؟!


2-ويلزم للتناول:التوبة والنقاوة الداخلية


وهنا نرى الأب الكاهن نفسه يقوم بعدة أمور:
*يلبس هو والشمامسة الملابس البيضاء (التونيات) الخاصة بالخدمة، والتي ترمز إلى النقاوة الداخلية. مثلما يلبس المعتمد بعد عماده ملابس بيضاء ترمز إلى الحياة الطاهرة النقية التي نالها بالمعمودية، إذ لبس بر المسيح (غل 3: 27). وكما يقول السيد الرب " من يغلب، فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا.." (رؤ 3: 5) اشارة إلى الحياة المقدسة في الملكوت الأبدي.. وكما قيل عن ملائكة القيامة إنهم كانوا " بثياب بيض" (يو 20: 12)(مر 16: 5) (مت 28: 3).. وذلك يرمز إلى قداسة الملائكة وطهارتهم. وهكذا يكون خدام المذبح الذين يتقدمون للتناول.. ويكون في هذه الملابس البيضاء قدوة للشعب ومثالًا..


*وكما يلبس الكاهن، يغسل أيضًا يديه قبل القداس، ويقول "أنضح على بزوفاك فاطهر، واغسلني فابيض أكثر من الثلج".
ويقول أيضًا "اغسل يديّ بالنقاوة، وأطوف بمذبحك يا رب.." إنه درس يقدمه الأب الكاهن للشعب قبل التناول أن تغتسل نفوسهم بالتوبة، وتصير أبيض من الثلج..


*إن التوبة لازمة جدًا للتناول. ولعلنا نلاحظ أن السيد المسيح له المجد، قبل أن يناول تلاميذه في يوم الخميس الكبير غسل أرجلهم أولًا وقال لهم "أنتم الآن طاهرون، ولكن ليس كلكم" (يو 3: 10).
وكان يعنى يهوذا مسلمه، ولذلك لم يناوله من الجسد والدم.
*و لعل من أخطر العبارات التي تقال في هذا المجال في القداس الإلهي، قبل التناول:
"القدسات للقديسين" أي السرائر المقدسة هى للقديسين.
لذلك يسمى القداس الذي يتناول فيه المؤمنون (قداس القديسين)، لتمييزه عن الجزء السابق له الذي كان يسمى (قداس الموعوظين). وفيه يستمع أولئك للقراءات والعظة وينصرفون قبل بداية قداس القديسين الذي يتناول فيه هؤلاء القديسون..
إذن يحتاج الإنسان إلى قداسة لكي يستحق التناول من الأسرار المقدسة. وهذا يذكرني بعبارة جميلة قالها صموئيل النبي لأسرة يسى البيتلحمى حينما أراد أن يقدم ذبيحة.. قال لهم:
"تقدسوا وتعالوا معي إلى الذبيحة" (1صم 16: 5).


وهكذا " قدس يسى وبنيه، ودعاهم إلى الذبيحة".. ليتنا نحفظ تلك العبارات ونرددها في يوم التناول، العبارات الخاصة بقدسية المتناولين من تلك السرائر المقدسة وإن لم نستطع أن نصل إلى تلك القداسة في إيجابياتها الروحية، فعلى الأقل نتقدم إلى التناول بالتوبة والاعتراف، وبعزم أكيد على ترك الخطية، والبعد عن كل الأسباب التي توصلنا إليها والتي توصلها إلينا. وإن اعترفنا بخطايانا، لا يكون اعترافنا مجرد كلام، بل يكون ندمًا حقيقيًا، وتوبة عمليه، حتى تكون أنفسنا وأجسادنا مستحقة لحلول تلك الأسرار المقدسة فيها، فنقبلها بقلوب طاهرة، ونفوس مستحقة، وأرواح متصلة بالله.. وماذا أيضًا؟


3-يلزم التناول أيضًا استعدادًا للجسد. وكيف؟


نستعد للتناول بطهارة الجسد وصومه ونظافته. ولنتذكر كمثال: استعداد الشعب لتقبل كلام الله في العهد القديم، أعنى استلام الوصايا العشر، وإذ " قال الرب لموسى: اذهب إلى الشعب، وقدسهم اليوم وغدًا. وليغسلوا ثيابهم، ويكونوا مستعدين لليوم الثالث" (خر 19: 10،11).. "فانحدر موسى من الجبل إلى الشعب وقدس الشعب، وغسلوا ثيابهم. وقال للشعب: كونوا مستعدين لليوم الثالث. لا تقربوا إمرأة" (خر 19: 14، 15).


لذلك فالاتصال الجنسي، والاحتلام، ونزيف الدم، وما أشبه، أمور تمنع التناول.
ينبغي أن يكون المتقدم للتناول طاهرًا، جسدًا وروحًا. وهكذا أيضًا يحسن الاستحمام في اليوم السابق للتناول، أو على الأقل الاغتسال لمن يتناول باستمرار. مجرد هذا الأمر -إلى جوار نظافة الجسد الذي يستقبل التناول- يعطى الإنسان إحساسًا بأنه يستعد يلزمه لون من اللياقة.
كذلك نستعد جسديًا بالصوم.
وحسب نظام كنيستنا نصوم منقطعين عن الطعام والشراب فترة لا تقل عن تسع ساعات نكون قد دخلنا في يوم جديد (يوم التناول) الذي يجب أن نبدأه صائمين. والصوم ليس مجرد عمل جسدي، فهو من ناحية أخرى عمل روحي. وهو استعداد لكل نعمة نتلقاها في كل سر من أسرار الكنيسة، إلا في في الاستثناء المانع كالمرض الشديد، وحاليًا يستثنى سر الزواج أيضًا حسب قول السيد الرب " هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا مادام العريس معهم؟! مادام العريس معهم لا يستطيعوا أن يصوموا" (مر 2: 19). ولكن حينما كان سر الزواج يجرى بعد رفع بخور باكر، كان يقترن بالصوم أيضًا.. كم بالأولى التناول.


4-من شروط الاستعداد للتناول أيضًا: المصالحة.


وهكذا قبل بدء قداس القديسين، قبل أن يرفع الأبروسفارين، يصلى الكاهن صلاة الصلح، التي يقول فيها "اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نقبل بعضا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي ننال بغير وقوع في دينونة من موهبتك غير المائتة السمائية".. لاحظ هنا عبارة "لكي ننال بغير وقوع في دينونة"..(إذن الذي يتناول بغير مصالحة يقع في دينونة). ثم ينادى الشماس قائلًا " قبلوا بعضكم بعضًا.." وهذه القبلة المقدسة تعنى كمال الحب بين الناس. وعبارة " مقدسة " تعنى أنها طاهرة وبغير رياء، وليس مثل قبلة يهوذا، التي تذكارًا لها يمتنع التقبيل في أسبوع الآلام.


ينبغي قبل التناول أن نكون في صلح مع الله والناس.
مع الله بالتوبة، حسب قول الرسول".. تصالحوا مع الله" (2كو 5: 20).. ومع الناس حسب قول الرب " فإن قدمت قربانك على المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك، فاترك قربانك قدام المذبح، واذهب أولًا تصالح مع أخيك.." (مت 5: 23، 24). وعبارة " شيئًا عليك " تعنى أنك في موقف المذنب. أما الذي يبغضك بغير سبب منك، كما أبغض شاول داود، وكما قال داود " أكثر من شعر رأسي، الذين يبغضونني بلا سبب" (مز 69: 4).. فذلك طبعًا لست مطالبًا بأن تترك قربانك لمصالحته.. السيد المسيح نفسه كان يبغضونه بلا سبب (يو 15: 18، 24، 25).. أنت أيضًا لست مطالبًا بالذهاب لمصالحة من يضطهدونك ومن يحسدونك ويعادونك. ولكن هناك قاعدة:
إن كنت أنت المسيء، اذهب وصالح من أسأت إليه وإن كنت المساء إليه، فاحفظ قلبك من البغضة.
كذلك لست مطالبًا بأن تصالح من يعثرك روحيًا أو أخلاقيًا أو فكريًا، الذي ينطبق عليه قول الكتاب "المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو 15: 33). والكتاب يطالبنا أن نبعد عن العثرات، لا أن نذهب لنصالح أصحابها، ونرجع معهم علاقات تسبب الخطية..


كذلك لست مطالبًا بأن تذهب لتصالح أصحاب البدع والهرطقات. أولئك الذين قال عنهم الرسول "إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا نقول له سلام. لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة" (2يو 10، 11).. ولا تسلم على من قال عنه الكتاب "اعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو 5: 13).. وعمومًا، لا يكون صلحك مع الناس على حساب صلحك مع الله.. تحدثنا عن الاستعداد للتناول، بقى أن نقول:


يشرح الكتاب عواقب من يتناول بغير استحقاق:


فيقول الرسول عن التناول إذن أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق، يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه.. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب. من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو حكمنا على أنفسنا، لما حكم علينا" (1كو 11: 27 – 31).. عبارات خطيرة ومحذرة. لذلك اعتدت أن أقول قبل التناول، وانصح من يتناولون أن يقولوا: ليس يا رب من أجل استحقاقي أتناول، إنما من أجل احتياجي. ليس لاستحقاقي بل لعلاجي.
ليست لي القداسة التي أتناول بها إنما أنا أتناول ليساعدني التناول على حياة القداسة، إذ أنال به قوة روحية، ودفعة إلى قدام.


فالذي يتناول يشعر بهيبة هذا السر، ويخجل من ارتكاب الخطية بسبب قداسة التناول. فإن كان يتناول كل أسبوع مثلًا، يظل الأيام التالية لتناوله لتناوله مبتعدًا عن الخطية بسبب قداسة السر.. وكذلك في الأيام السابقة للتناول التالي يكون محترسًا مستعدًا للتناول في الأسبوع المقبل.. فيتعود الحرص.


من أهمية التناول، فإن الكنيسة تشعرك بأن يوم التناول يوم غير عادي، بوسائل كثيرة.
الاستعداد له بالصوم، طهارة الجسد، وبالاعتراف والتوبة، والمصالحة مع الناس، والدخول إليه بانسحاق، والصلاة قبل التناول وبعده، والكنيسة تعد الشخص للتناول بأكثر من تحليل للمغفرة: تحليل في رفع بخور عشية، وتحليل في رفع بخور باكر، وتحليل الخدام، وتحليل سرى في نهاية القداس. كما تعد ذهنه روحيًا بالقراءات الكتابية الكثيرة، والطقوس الروحية وكل ما في القداس من تأثير. وبعد التناول تجعله يحترس من أن يخرج، أو أن يبصق، احترامًا لتناوله.


أتذكر أنني ذات يوم في بدء رهبنتي، كتبت في مذكرتي في يوم تناولي:
"هذا الفم الذي تقدس بتناول جسد الرب ودمه: كلمة زائدة لا تخرج منه. ولقمة زائدة لا تدخل فيه".

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:35 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
فوائد الصوم وأهميته
الصوم من الوسائط الروحية الأساسية. فلماذا؟
لأنه أولًا يفيد في ضبط النفس.
من حيث أن الصائم يمنع نفسه عن تناول الطعام والشراب بصفة عامة خلال فترة الانقطاع. ويمنع نفسه عن كل ما يتعلق بالدسم الحيواني. وهكذا يدخل في حياته عنصر المنع. يستطيع أن يقول لنفسه كلمة (لا)، وينفذ ذلك. وكما يمنع جسده عن الطعام والشراب، يتدرج حتى يمنع نفسه عن كثير من الأخطاء.

عنصر المنع هذا، وضعه الله منذ البدء.

وذلك حينما أمر أبوينا الأولين آدم وحواء أن يمتنعا عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فوضع بذلك مبدأ ضبط النفس من أول تاريخ البشرية. لكي ندرك تمامًا أن الحرية ليس معناها التسيب. فعلى الرغم من أن الله كان كريمًا جدًا مع آدم وحواء، وصرح لهما أن يأكلا " من كل شجر الجنة "، إلا أنه وضع ضابطًا هو المنع من شجرة واحدة (تك 2: 16، 17) (تك 3: 3).

لعلنا هنا ندرك تمامًا خطورة العبارة التي قالها سليمان الحكيم في التعبير عن تسيبه في المتعة، إذ قال " ومهما اشتهته عينا لم أمنعه عنهما" (جا 2: 10). فلما وصل إلى هذا الوضع، تطور حتى أخطأ وفقد حكمته. " ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه" (1مل 11: 4). وعصفت به الشهوات الكثيرة.

والصوم أيضًا دليل على الارتفاع فوق مستوى الجسد.
ففيه لا نعطى الجسد كل ما يطلبه من الطعام، أو كل ما يشتهيه من الطعام. وبهذا نرتفع فوق مستواه. بل نرتفع فوق مستوى المادة بصفة عامة. وهكذا نعطى الفرصة للروح، لكي تأخذ مجالها، متذكرين قول الرب "اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية" (يو 6: 27). وقول الرسول "لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو 8: 6).
إن الروح تكون في حالة أقوى في وقت الصوم.
في الصوم تكون صلواتنا أعمق، وتأملاتنا أعمق. وتكون صلتنا بالله أقوى. وحتى ألحاننا أيضًا. فرق كبير بين أن نسجل لحنًا من ألحان البصخة في نفس أسبوع الآلام، وأن نسجل نفس اللحن في غير فترة الصوم وليس أثر الصوم في تقوية الروح قاصرًا على المسيحيين فقط، بل إن الهندوس واليوجا والبوذيين يجدون قوة للروح بتداريب الصوم والنسك، وتصفوا أرواحهم أكثر.

إذن فالصوم ليس نافعًا فقط من جهة محاربة الأخطاء والسلبيات، إنما يفيد إيجابيًا في تقوية الروح.
لذلك نجد غالبية المناسبات الروحية تسبقها أصوام.
فأسرار الكنيسة مثلًا، كالمعمودية والميرون والتناول والكهنوت، لابد أن يسبقها الصوم. وكذلك نوال بركة الأعياد يسبقه الصوم. فنصوم أسابيع طويلة قبل عيديّ الميلاد والقيامة، وقبل عيد الرسل وعيد العذراء وقبل عيد الغطاس نصوم يوم البرامون. وما أجمل قول سفر أعمال الرسل (قبل وضع الأيدي على برنابا شاول): "وفيما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادي.." (أع 13: 2، 3).

ومن أجمل ما قيل أيضًا في أثر الصوم روحيًا: العلاقة بين الصوم وإخراج الشياطين:
وفي ذلك قال السيد الرب في معجزة إخراجه لشيطان عنيد لم يقو التلاميذ على إخراجه.. حينئذ قال الرب "وأما هذا الجنس، فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (مت 17: 21).. ذلك لأن صلاة الصائم تكون لها روحياتها وتأثيرها، والصائم يكون أكثر قربًا من الله، وأكثر قوة على الشياطين.

وكان القديسون يستخدمون الصوم في وقت الضيقات.
ولنا مثال واضح جدًا في ذلك صوم استير والشعب كله، حينما تعرضوا لمؤامرة هامان (أش 4: 16) وكيف كانت استجابة الرب سريعة وعجيبة. كذلك نسمع عن صوم نحميا لما جاءته الأخبار أن "سور أورشليم منهدم، وأبوابها محروقة بالنار" (نح 1: 3، 4). ويروى سفر نحميا أيضًا كيف كانت استجابة الرب سريعة وعجيبة.. كذلك يروى لنا الكتاب كيف صام عزرا وهو باك، وكيف كان تأثير ذلك في تنقية الشعب وتطهيره. كما يروى لنا الكتاب أيضًا صوم دانيال النبي وأثر ذلك (دا 9: 3، 21) (دا 10: 3، 12).

وكان للصوم تأثيره أيضًا في مجال التوبة..
لقد تاب أهل نينوى. ولم تكن توبتهم مجرد رجوعهم عن حياة الشر، وإنما امتزجت هذه التوبة بصوم ونسك شديدين، اشترك فيه الشعب كله وملكهم. وقبل الله صومهم وتوبتهم وغفر لهم خطاياهم
(يون 3).

ومن أروع ما قيل في امتزاج التوبة بالصوم، قول الوحي الإلهي في سفر يؤئيل النبي "الآن يقول الرب، ارجعوا إلى بكل قلوبكم، وبالصوم وبالبكاء والنوح" (يؤ 2: 12). وداود النبي يشرح عمق صومه فيقول "أذللت بالصوم نفسي" (مز 35: 13) وأيضا "أبكيت بالصوم نفسي" (مز 69: 10).
وكثير من صلوات الآباء والأنبياء من أجل طلب المغفرة، كانت مصحوبة بصوم، كصلوات دانيال وعزرا طلبًا لمغفرة خطايا الشعب.
والصوم أيضًا له علاقته بالخدمة.
ولعل أبرز مثل لذلك السيد المسيح نفسه الذي بدأ خدمته بصوم أربعين يومًا. وعلى نسقه كل الآباء الأساقفة والكهنة الجدد يبدأون خدمتهم الكهنوتية بالصوم.. ونفس الآباء الرسل القديسين بدأوا خدمتهم كذلك بالصوم. وتحقق فيهم قول السيد نفسه "حين يرفع العريس عنهم، حينئذ يصومون" (مر 2: 20)

ولم يكن الصوم فقط في بدء خدمة الآباء الرسل، بل كان يتخللها أيضًا. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول عن خدمته " في أصوام مرارًا كثيرة" (2كو 11: 27) ويقول أيضًا " بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام لله.. في أتعاب في أسهار في أصوام.." (2كو 6: 4، 5)..
أتراك يا أخي جربت في حياتك الصوم من أجل الخدمة، والصوم لحل مشاكلها ولحل المشاكل عمومًا؟

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:37 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
الصوم الروحي المقبول
و لكن لعل البعض يسأل الرب، كما حدث في أيام أشعياء النبي، ويقول:
لماذا صمنا ولم تنظر؟ أذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟ (أش 58: 3).
ويجيبك الرب كما أجاب أولئك وقال لهم: " أمثل هذا يكون صومًا أختاره؟!" (أش 58: 5).


اعلم يا أخي أنه ليس كل صوم مقبولًا أمام الله. فالفريسي الذي كان يصوم يومين في الأسبوع، لم يخرج من الهيكل مبررًا كما خرج العشار (لو18: 12،14). وكذلك الصوم البعيد عن التوبة، مثل صوم أولئك الخطاة أيام ارمياء النبي الذين قال عنهم الرب "حين يصومون لا أسمع صراخهم، وحين يصعدون محرقة وتقدمة لا أقبلهم" (أر 14: 11، 12). وكذلك أيضًا صوم المرائين، الذين يظهرون للناس صائمين (مت 6: 16 – 18).


فلا تقل إذن، صمت ولم أستفد روحيًا!!
إن حدث ذلك، فربما تكون أصوامك غير روحية. أو أنك تصوم وفي نفس الوقت تحيا في الخطية!! إذن علينا أن نعرف كيف نصوم؟ وما هو المعنى الحقيقى للصوم؟ وكيف نستفيد منه روحيًا؟


كثير من الناس يهتمون في الصوم بشكلياته، أو أنهم يفهمونه على أنه مجرد الطعام النباتي!! أو أنهم لا يهتمون بالجانب الروحي خلال الصوم!! لهؤلاء أقول: أن تعريف الصوم من جهة الجسد هو أنه الامتناع عن الطعام فترة معينة من الوقت، يعقبها طعام خال من الدسم الحيواني.


فهل تمارس هذا الانقطاع عن الطعام والشراب؟ وهل تصل فيه إلى مرحلة الجوع وتحتملها.
هذا هو التدريب الأول، أعنى الجوع.. لقد قيل عن صوم السيد المسيح إنه "جاع أخيرًا" (مت 4: 2) (لو4: 2). وقال القديس بولس الرسول عن صومه مع زملائه "في جوع وعطش، في أصوام مرارًا كثيرة" (2كو 11: 27). وورد عن صوم القديس بطرس الرسول إنه " جاع كثيرًا واشتهى أن يأكل" (أع 10: 10). فهل تختبر الجوع في صومك؟
عندما تجوع تشعر بضعفك، فلا تفتر بقوتك، بل تلجأ إلى قوة الله لتسندك (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وعندما تجوع وتحتمل الجوع، تكتسب فضيلة الاحتمال وضبط النفس. لذلك لا تأكل كلما جعت أثناء الصوم، إنما أصبر واحتمل. وخذ بركة الإحساس بالجوع واحتماله والصبر عليه وأيضًا عندما تجوع تشعر بألم الفقراء الذين ليس لديهم ما يأكلونه، فتشق عليهم وتعطيهم.. هذا من جهة فترة الانقطاع في الصوم.


نصيحة أخرى، وهى أن تبعد عما تشتهيه..
تذكر قول دانيال النبي عن صومه " لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر" (دا 10: 3).. أقول ذلك لأن كثيرين يأكلون مشتهيات كثيرة من الطعام النباتي، ويلتذون بها. وبالتالي لا يشعرون حقًا أنهم صائمون، ولا يستفيدون وقتذاك من صومهم، وبخاصة إن كانت لهم أو زوجة تتفنن في صنع الطعام (الصيامي)، وتجعله أشهى من الأطعمة الحيوانية.
و لذلك أضع أمامك هنا ملاحظتين في صومك: الأولى أنك لا تطلب أصنافًا معينة تلذ لك. والثانية أنه لو وضعت أمامك مثل هذه الأصناف المشتهاة -دون أن تطلب- لا تملأ شهوتك منها. خذ قليلًا واترك الباقي، واضبط نفسك. أو اخلط أصنافًا بأصناف، بحيث تفقد حدة حلاوتها ولذة مذاقها..
ليتك تتدرج في الصوم، حتى تصل ليس فقط إلى الجسد الجائع، بل إلى الجسد الزاهد.
بحيث يزهد جسدك هذه المتع التي تقدمها الأطعمة. إن عنصر المنع يبدأ أولًا. ولكنك حينما تدرب نفسك عليه وتعتاده، حينئذ لا تبذل مجهودًا لتمنع نفسك، لأنك تكون قد زهدت هذا الذي كنت تشتهيه أولًا، وتمنع نفسك عنه. وهذا الزهد في الأطعمة والمشروبات يتطور معك حتى تزهد في ملاذ أخرى كثيرة، مثل متع الحواس مثلًا، شهوات الجسد المتعددة.. وحينئذ يرتفع مستواك الروحي..


ويدخل عنصر المنع في مجالات عديدة.
فكما تتدرب على منع فمك عن الطعام والشراب، تتدرج إلى منع لسانك عن الكلام البطال وعن الأفكار الباطلة والخاطئة. وتمنع قلبك عن كل شعور خاطئ، وعن كل الشهوات والعواطف غير النقية. وتتدرج هكذا من صوم الفم إلى صوم اللسان، إلى صوم الفكر، إلى صوم القلب.


ولا يكون لك فقط جسد صائم، وإنما أيضًا نفس صائمة..
ويصبح الصوم مجرد تعبير عن حالة النقاوة الداخلية التي وصلت إليها. ويكون الصوم عبارة عن فترة روحية تحياها.. وبكثرة الممارسة تتعودها، وتصبح فضائلها بالنسبة إليك هى منهج حياة
أعنى أن ما تستفيده روحيًا أثناء صومك، لا تفقده حينما ينتهي الصوم وتفطر، بل يستمر معك. حقًا إنه قد تغير نوع طعامك، ولكن لم تتغير الفضائل التي اقتنيتها أثناء الصوم..


وهنا نفرق بين الإفطار والتسيب.
لأن كثيرين يضبطون أنفسهم أثناء الصوم. فإذا ما انتهى وحل العيد، يفقدون كل ما قد اقتنوه، ويظنون أن الإفطار يعنى التسيب وعدم ضبط النفس!! لذلك فالإنسان الذي يتخذ الصوم كواسطة روحية، هو الإنسان الذي يحتفظ في قلبه وفي نفسه وفي إرادته، بكل ما قد اقتناه أثناء الصوم فتستمر الفائدة معه. وإن كان الصوم قد ساعده على التخلص من عادة رديئة أو من عادة معينة، لا يعود إلى ذلك مرة أخرى حينما يفطر.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:38 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
امتزاج الصوم بالفضائل
ولكي يستفيد الإنسان من الصوم، ولكي يدخل إلى روحانية الصوم، ويصير الصوم فضيلة لروحه وليس لجسده فقط:
عليه أن يخلط صومه بفضائل معينة تناسب الصوم وتتمشى معه.
*فالصوم لابد أن تصحبه الصلاة. لماذا؟ لأننا نصوم ليس فقط لكي نقهر الجسد ونستعبده (1كو9: 27)، بل لكي نعطى للروح أيضًا فرصة تتغذى فيها بكل الأغذية الروحية النافعة لها: بالصلاة، والقراءة الروحية، والتأمل، ومحبة الله. وفي قسمة الصوم المقدس في القداس الإلهي نكرر عبارة " بالصوم والصلاة.." ويقينًا أن الروح إذا أخذت غذاءها، تستطيع أن تحمل الجسد أثناء صومه فلا يتعب. وهذا نلاحظه في أسبوع الآلام، إذ لا نشعر أبدأ بثقل الصوم لأن الروح تتغذى خلاله بالقراءات والألحان والذكريات المقدسة. وهكذا نستطيع أن نقول عن الصوم الروحي: إن صوم الجسد، يكون فرصة لغذاء الروح.
والصوم المصحوب بعشرة الله، يتحول إلى متعة روحية، بحيث يشعر الصائم بتعب إن انقطع عن صومه. وهذا ما كان يحدث للآباء المتوحدين والرهبان، الذين أصبح الصوم بالنسبة إليهم غذاء روحيا، يفرح قلوبهم ويقربهم إلى الله.

*الصوم أيضًا لابد أن يرتبط بالتوبة.


لأن المهم في الروحيات هو القلب النقى، وليس مجرد الجسد الجائع. وأيضًا لكي يقبل الله صومنا، ولكي نشعر أننا استفدنا من الصوم.
وهكذا يقول لنا الوحى الإلهى في سفر يوئيل " قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف" (يؤ2: 15). فالصوم إذن هو فترة مقدسة. وكيف تكون مقدسة بدون توبة؟! وما نحصل عليه من مشاعر التوبة أثناء الصوم، يجب أن يستمر معنا.

*الصوم أيضًا يصحبه التذلل أمام الله.

وهكذا قال داود النبي " أذللت بالصوم نفسى" (مز 35: 13). وفي صوم أهل نينوى، جلسوا على المسوح والرماد (يون3). وكما ينسحق الجسد بالصوم، كذلك ينبغى أن تنسحق الروح. ولذلك فإن الأصوام تصحب بالمطانيات.
ولا تكتفى فيها بأن ينحنى جسدك، إنما تنحنى روحك أيضًا، كما قال داود النبي " لصقت بالتراب نفسه" (مز119) ولم يقل فقط "لصقت بالتراب رأسي" وفي هذا التذلل، تطلب النفس من الله رحمة، لها ولغيرها. وأيضًا تعترف بخطاياها وتطلب مغفرة. وكما قال يوئيل النبي "مزقوا قلوبكم لا ثيابكم. وارجعوا إلى الرب إلهكم" (يوء 2: 13).

*الصوم أيضًا تصحبه الصدقة.

فالإنسان الذي يطلب رحمة من الله في فترة الصوم، عليه أن يرحم غيره ويعطيه.
وما أجمل ما قاله الرب عن ذلك في سفر إشعياء النبي "أليس هذا صوما أختاره: حل قيود الشر ... أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين غلى بيتك. إذا رأيت عريانا أن تكسوه. وأن لا تتغاضى عن لحمك" (أش 58 : 7 )

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:40 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
العطاء، وتطويب العطاء
من العبارات الجميلة التي وردت في هذا الموضوع، قول بولس الرسول لرعاة كنيسة أفسس: متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال: مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ (أع 20: 35).
فلماذا طوب الرب العطاء؟ لاشك لأسباب كثيرة:
# تطويب العطاء:

في العطاء تشرك الغير في الذي لك، بل بالحرى تشرك الله نفسه في أموالك. ليس فقط حينما تعطى للكنيسة، إنما حينما تعطى للمحتاجين أيضًا. ألم يقل الرب".. لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني. كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني".. وشرح ذلك في قوله عن كل هؤلاء المحتاجين: "بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم" (مت 25: 35 – 40).
إذن ما تعطيه لأحد من المحتاجين، إنما تعطيه للرب نفسه. سواء كان طعامًا لجوعان، أو كساء لعريان.. أو مجرد زيارة تزورها لمريض أو لسجين.. هذه الزيارة هى أيضًا لون من العطاء، تعطى فيه حبًا ومشاركة وجدانية، عطاء للنفس وليس للجسد..

العطاء إذن هو خروج من الذات للشركة مع الآخرين.

الإنسان المنطوي على ذاته، يبعد عن الغير، لا يأخذ ولا يعطى. والإنسان الأناني يحب دائمًا أن يأخذ لا أن يعطي. والإنسان الاجتماعي يأخذ من الناس ويعطى. أما الإنسان المحب الباذل، فهو الذي دائمًا يعطى. هو الذي يفضل غيره على نفسه
يأخذ دائمًا من نفسه، لكي يعطى لغيره.
ومن هنا كانت فضيلة العطاء تمتزج على الدوام بإنكار الذات. فيها تكون الذات في المتكأ الأخير، بينما الأولوية للغير. لا يفكر الإنسان في احتياجاته الشخصية ولوازمه، إنما يفضل غيره على نفسه. وهكذا فعلت أرملة صرفة صيدا في أيام المجاعة، حينما قدمت لإيليا النبى حفنة الدقيق التي عندها، والقليل مما في كوز الزيت، لهذا بارك الله بيتها بركة عظيمة (1مل 7: 11-19).

وبالمثل فعلت الأرملة التي دفعت فلسين في الصندوق، فطوبها الرب أكثر من كل الذين أعطوا. لماذا؟ "لأنها من أعوازها أعطت" (لو 21: 4).
وليس فقط أعطت من أعوازها، بل أنها أيضًا "أعطت كل معيشتها"، كل الذي لها. وهنا نرى نفس القاعدة التي ذكرناها وهى تفضيل الذات.. يعيش غيرى، ولو أموت أنا. يستوفى هو حاجته، أو أساهم في سد احتياجاته، مهما كنت أنا محتاجًا. وفي تطويب الرب لهذه الأرملة، ونلمح قاعدة هامة هى: إن الله ينظر عمق العطاء لا إلى مقداره0
ومن مظاهر هذا العمق، ارتباط العطاء بالحب. فتحب أن تعطى، وتحب الذي تعطيه. ولذلك فالعطاء الذي يفيدك روحيًا، هو الذي تعطيه، لا عن ضجر ولا تذمر ولا اضطرار، بل بكل مشاعر الرضا والفرح. وكما قال الكتاب: "المعطى المسرور يحبه الله" (2كو9: 7).
فأنت تحب الإنسان المحتاج. وبدافع المحبة تعطيه. وتظهر محبتك في طريقة تعاملك وأنت تعطى. ويحس المحتاج بمحبتك فيفرح بها أكثر من فرحه بما يأخذه. إنه يأخذ منك مشاعر قبل أن يأخذ ماديات. ويحس أن عطاءك ليس لونًا من المظاهر أو الرسميات، بل هو عاطفة ومشاركة، أنت أيضًا لا تكون أقل فرحًا منه وأنت تعطيه. كالأم التي تفرح وهى تعطى لابنها، فرحًا سابقًا للعطاء، ومصاحبًا له، وفرحًا بفرح ابنها وهو يأخذ.
ولنا مثال كتابي، بفرح الشعب حينما كان يعطى لبناء الهيكل أيام داود النبي.
وفى ذلك يقول الكتاب " وفرح الشعب بانتدابهم، لأنهم بقلب كامل انتدبوا للرب (دفعوا بإرادتهم)
وداود الملك فرح فرحًا عظيمًا. وبارك الرب أمام كل الجماعة وقال "وَلكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟ لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ.. أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، كُلُّ هذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتًا لاسْمِ قُدْسِكَ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ" (سفر أخبار الأيام الأول 29: 14، 16).

جميلة هذه العبارة "من يدك أعطيناك".
نحن لا نملك شيئًا. كل منا يقول ما قاله أيوب الصديق "عريانًا خرجت من بطن أمى" (أى 1: 21). وكل ما نملكه حاليًا، نقول فيه أيضًا مع أيوب "الرب أعطى". نقول للرب مع داود "هو من يدك، ولك الكل". لذلك حسنًا أننا في كل عطاء نقدمه للرب، نقول له فيه "من يدك أعطيناك".

حقًا، إنه تواضع من الله الغنى، أن يأخذ منا".
إنه يعطينا فرصة نعبر فيها عن مشاعرنا. تمامًا مثل الأب الذي يقبل هدية من أبنه، يعبر بها الابن عن محبته لأبيه، بينما ثمن هذه الهدية هو أيضًا من مال أبيه، وكأنه يقول له كذلك " من يدك أعطيناك".. الله الغنى، مصدر كل غنى، الذي له الأرض وما عليها" (مز 24: 1) الله الذي يشبع كل حي من رضاه، من محبته يحب أن يشركنا معه في العناية ببيته وبأولاده، ويكافئنا على ذلك..

يعطينا ما نعطيه، يكافئنا حينما نعطى.. وفي كل ذلك يدربنا على العطاء.
يعطينا الحياة والوجود. ثم يقول لنا: في كل أسبوع حياة أعطية لكم، أعطوني منه يومًا يسمى "يوم الرب".. وأعطيكم مالًا. وفي كل ما أعطيه لكم من مال، اعطونى العشر.. وفى كل ذلك نقول له: يا رب من يدك أعطيناك.. أنت هو المعطى لنا، ولمن نعطيهم. وأنت أيضًا الذي تعطينا محبة العطاء0

أعطني صحة وقوة، وأنا أخدمك بها.
وكلما أتعب في خدمتك، وكلما أبذل في خدمتك، لا أحسب نفسي مطلقًا أنني قد أعطيتك شيئًا.. فالصحة من عندك، والقوة من عندك، ومحبة الخدمة هو أيضًا من عندك. بل أنا نفسي من عندك. كان ممكنًا أنى لا أولد ولا أوجد. وأنت أعطيتني هذا الوجود الذي أخدمك به، وأعطيتني الكلمة التي أقولها.. وفي كل خدمتي لك وتعبي من أجلك، أقول "من يدك أعطيناك".

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:43 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
كيف تعطي؟
لذلك كله، ينبغي أن يكون العطاء بغير افتخار.
لا افتخار باللسان، ولا بمشاعر القلب من الداخل، ولا بالفكر.. وكأنك قد أعطيت من عندك!!.. هنا وأتذكر عمق الكلمات التي قالها الرسول "أي شيء لك لم تأخذه؟! وإن كنت قد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟!" (1كو 4: 7).. وإن كان كل ما نعطيه قد أخذناه من الرب، ألا يكون افتخارنا بالعطاء افتخارًا باطلًا؟!

لذلك أمر الله أن يكون العطاء في الخفاء.
وقال "احترزوا من أن تصنعوا صدقة قدام الناس، لكي ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات". وقال "لتكون صدقتك في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية" (مت 6: 1، 4). وهذا الخفاء، لا يقصد به الرب أن يكون خفاء على الناس فقط، وإنما على نفسك أيضًا. فلا تعد أو تحصى كم أعطيت، وإنما:
"لا تعرف شمالك، ما تفعله يمينك" (مت 6: 3).
لا تذكر كم أعطيت، ولا تتذكر كم أعطيت.. ولا تحسب عطاياك. وحاول أن تنساها جميعها، حتى لا يحاربك بذلك شيطان المجد الباطل، أيضًا حتى لا تستوفى خيراتك على الأرض من تمجيد ذاتك لك...

روى عن القديسة ميلانيا، في بدء حياتها الروحية قبل أن تترهب، حينما كانت تقدم إحسانات كثيرة للأديرة والرهبان.. أنها في إحدى المرات وضعت في كيس خمسمائة قطعة من الذهب، وسلمته للقديس الأنبا بموا ليعطيه للرهبان الساكنين في البرية الداخلية. فنادى القديس على تلميذه، وسلمه الكيس كما هو دون أن يفتحه وكلفه بتوزيعه على أولئك الرهبان.. وهنا قالت له ميلانيا "ولكنك لم تفتحه يا أبى لتعرف كم فيه؟" فرد عليها القديس قائلًا "إن كنت قدمت هذا المال لله، فالله يعرف مقداره كم هو".. وكان ذلك درسًا لميلانيا.

صفة أخرى من صفات العطاء، وهى السخاء.
يقول الكتاب "المعطى فبسخاء" (رو12: 8). ويأمرنا أيضًا أن نكون "أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع" (1تى 6: 18). ويقول "من يزرع بالشح / فبالشح أيضًا يحصد. ومن يزرع بالبركات، فبالبركات أيضًا يحصد" (2كو 9: 6). ويعلل الرب ذلك بقوله "بالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم" (لو6: 38).

لا يكفى إذن أن تعطى، إنما كن كريمًا في عطائك.
أمامنا مثل جميل في الكتاب هو أرونه اليبوسى، حينما أراد داود الملك أن يشترى منه بيدره لكي يبنى مذبحًا للرب. ففرح أرونة بذلك، وأراد أن يتبرع بالبيدر وكل ما فيه. ولذلك قال لداود عن البيدر " فليأخذه سيدى الملك، ويصعد ما يحسن في عينيه. أنظر: البقر للمحرقة. والنوارج وأدوات البقر حطبًا" (سفر صموئيل الثاني 24: 24) " الكل دفعه أرونى إلى الملك. ولكن داود قال لأرونة "لاَ، بَلْ أَشْتَرِي مِنْكَ بِثَمَنٍ، وَلاَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ إِلهِي مُحْرَقَاتٍ مَجَّانِيَّةً".. كل منهما يريد أن يدفع، وبرضى وفرح، وبسخاء..

ولنتذكر قصة أبينا ابراهيم، لما زاره ثلاثة رجال:
قال لأمنا سارة " أسرعي بثلاث كيلات دقيق.. واصنعي خبز ملة"، "ثم ركض ابراهيم إلى البقر، وأخذ عجلًا رخصًا وجيدًا، وأعطاه للغلام، فأسرع ليعمله. ثم أخذ زبدًا ولبنا والعجل الذي عمله، ووضعها قدامهم" (تك 18: 6-8).. هل ثلاثة رجال يحتاجون إلى ثلاثة كيلات دقيق.. وإلى عجل بأكمله، بالإضافة إلى الزبد واللبن؟ أم هو كرم أبينا إبراهيم؟.. أو أنه لفرحه بضيوفه أراد أن يأكل الكل معهم، الغلمان ورعاة الغنم يأكلون من العجل، وأيضًا من الخبز الساخن.معهم0

وبنفس الكرم في عطائنا ن يعاملنا الله..
وهكذا قال "أعطوا تعطوا، كيلًا جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا، يعطون في أحضانكم" (لو 6: 38). وأيضًا "هاتوا جميع العشور إلى الخزانة.. وجربونى بهذا قال رب الجنود، إن كنت لا أفتح لكم كوى السموات، وافيض عليكم بركة حتى لا توسع.." (ملا 3: 10).. وقيل أيضًا " أكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك، فتمتلئ خزائنك شبعًا، وتفيض معاصرك مسطارًا" (أم 3: 9)

ومن الآيات التي تدعو إلى الكرم في العطاء، قول الرب..
"اذهب وبع كل أملاكك، وأعط الفقراء" (مت 19: 21).
وأيضًا "بيعوا أمتعتكم وأعطوا صدقة" (لو 12: 33). وكذلك قوله "من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" (لو 6: 30). وأيضًا يقول الكتاب "من له ثوبان،فليعط من ليس له. ومن له طعام، فليفعل هكذا" (لو 3: 11).

ومن الصفات الجميلة في العطاء:
* أن تعطى دون أن يطلب منك ذلك. فهكذا يفعل أبونا السماوي معنا. وهكذا يفعل الأب والأم مع أولادهم. لتكن لك الحساسية نحو ما يحتاجه الناس، ولا تحوجهم أن يسألوا ويطلبوا.
* لا تؤجل العطاء. فربما التأخير يسبب أضرارًا للمحتاجين. وفي ذلك يقول الكتاب "لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك: اذهب وعد فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (أم 3: 27، 28).

* درب نفسك أن تعطى من أفضل ما عندك.
فكثيرون لا يعطون إلا الملابس الممزقة أو القديمة، والأشياء التالفة عندهم أو المرفوضة منهم.. هذه يقدمونها للمسيح في أشخاص الفقراء. ليتنا في كل ذلك نتذكر قرابين هابيل الصديق، إذ قيل عنه "وقدم هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه" (تك 4: 4).. " من أبكار غنمه ومن سمانها " أي أفضل ما عنده.
# أمثلة للعطاء:

لقد قدم التاريخ أمثلة عجيبة في العطاء.
القديس الأنبا ابرام أسقف الفيوم، والقديس الأنبا صرابامون أبو طرحه أسقف المنوفية، وقصص عطائهما كثيرة جدًا وعجيبة، ليس الآن مجالها.. والقديس يوحنا الرحوم الذي باع كل شيء وأعطاه للفقراء. وإذ لم يجد شيئًا آخر يبيعه، باع نفسه عبدًا، وتبرع بالثمن للفقراء. أيضًا القديس سيرابيون، الذي أعطى ثوبه لفقير ومشى عريانًا وباع إنجيله أيضًا وأعطى الثمن للفقراء. فلما سأله تلميذه عن ذلك، أجابه: كان الإنجيل يقول لي اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء، فبعته إذ لم يكن لي غيره

وفى العصر الرسولي قيل "كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت، كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل. فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج (أع 4: 34، 35).

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:45 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
شركة الله في أموالك

يشترك الله في مالك لكي يباركه، لا ليأخذ منه، فهو مصدر لكل غنى. ويشترك في مالك، لكي يشركك معه في عمل الخير الذي يمكن أن يقوم به وحده، ولكنه -من تواضعه- يحب أن يتم هذا الخير بواسطتك.

أقدم اشتراك لله فيما أعطاه للإنسان، كان هو الذبائح والمحرقات.
وهو أمر قديم جدًا، أقدم من الشريعة المكتوبة. بل هو منذ نشأة الإنسان نفسه. ويروى لنا الكتاب تقدمة هابيل البار فيقول إنه " قدم للرب من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه" (تك 1: 4). ولعل هابيل أخذ فكرة تقديم الذبيحة والمحرقة عن أبيه آدم الذي أخذها من الله نفسه. هنا نرى أيضًا نشأة التقليدTradition ونشأة الذبائح، ونشأة التقدمات، أعنى تقديم شيء لله، بما كان يحمله ذلك من رمز.

واستمرت فكرة الذبائح والمحرقات في تاريخ البشرية.
نسمع عن المحرقات التي أصعدها أبونا نوح من على المذبح بعد رسو الفلك، فتنسم الرب منها رائحة الرضا (تك 8: 20، 21). ونسمع عن ذبائح أبينا إبراهيم (تك12). وعن محرقات أيوب الصديق (أى 1: 5).. ونظمت الذبائح والمحرقات والتقدمات في الشريعة المكتوبة، في سفر اللاويين أيام موسى النبي. وكانت تحمل رموزًا0
وإن كانت ذبيحة المسيح قد حلت محل خروف الفصح (خر12) ومحل المحرقة وذبيحة الخطية وذبيحة الإثم، إلا أن ذبيحة السلامة التي كانت تعبر عن الشكر وعرفانًا بجميل الرب، ويأكل منها مقدمها وأصحابه معه، لا يزال الكثيرون يقدمونها إلى الآن، بأسلوب يختلف عن العهد القديم في كثير من التفاصيل..

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:47 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
العشور
ننتقل إلى نقطة أخرى وهى العشور..
و العشور هى أيضًا أقدم من الشريعة المكتوبة. نسمع عن أبينا يعقوب لما رأى سلمًا بين السماء والأرض، أنه قال لله "إن كان الله معي وحفظني.. ورجعت بسلام إلى بيت أبى، يكون الرب لي إلهًا.. وكل ما تعطيني فإني أعشرة لك" (تك 28: 20 – 22).
ولعل يعقوب قد أخذ فكرة العشور عن جده أبينا إبراهيم، الذي قدم العشور إلى ملكي صادق كاهن الله العلى "فأعطاه عشرًا من كل شيء" (تك 14: 20).

ثم أمر الله بالعشور في الشريعة أيام موسى النبي.
فقال "تعشيرًا تعشر كل محصول زرعك الذي يخرج من الحقل سنة بسنة" (تث 14: 22). "وكل عشر الأرض من كل حبوب الأرض وأثمار الشجر، فهو للرب، قدس للرب.." (لا 27: 30). "عشر حنطتك وخمرك وزيتك" (تث 12: 17) (تث 14: 23) " وأما كل عشر البقر والغنم، فكل ما يعبر تحت العصا، يكون العاشر قدسًا للرب" (لا 27: 32). وبالإجمال لخص زكا العشار كل في عبارة واحدة قال فيها " وأعشر جميع أموالى" (لو 18: 12) أو هى عبارة أبينا يعقوب أبى الآباء " وكل ما تعطيني أعشرة لك" (تك 28: 22) حتى الكاهن الذي كان يأخذ العشور من الشعب، كان يقدم عشرها للرب، رفيعة للرب. وكانت أعشار هذه تسمى الرفائع (عد 18: 26، 28).
والذي لا يدفع العشور، يعتبر أنه سلب الرب.


ورد هذا صراحة في سفر ملاخي النبي، حيث قال الرب "أيسلب الإنسان؟! فإنكم سلبتموني. فقلتم بما سلبناك؟ في العشور والتقدمة.. هاتوا جميع العشور إلى الخزنة وجربوني قال رب الجنود: إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء، وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع.." (ملا 3: 8-10)

المال الذي لا تدفعه في العشور، هو مال ظلم.
لأنك سلبت فيه الرب، وظلمت الكنيسة كما ظلمت الفقراء أصحابه.. لذلك قال السيد الرب "اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم" (لو 16: 9). هؤلاء الأصدقاء هم الفقراء الذين يصلون من أجلكم "حتى يقبلوكم في المظال الأبدية".
حتى إن كنت محتاجًا، ادفع العشور متمثلًا بتلك المرأة التي دفعت من أعوازها (لو 21: 4). ولعل البعض يسأل هنا:

هل نعطى أقربائنا من العشور؟!


نعم، أعطهم إن كانوا محتاجين. فإن الرسول يقول "إن كان أحد لا يعتني بخاصته ولاسيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان وصار شرًا من غير المؤمن" (1تى 5: 8).. إذن أعطهم، ولكن لا تعطهم وحدهم. لئلا يظن أن مجرد الواجب، أو رابطة الدم، هى التي دفعتك للعطاء. فإن أعطيتهم الكل، تكون قد بخست حق باقي الفقراء المستحقين معهم أو الذين قد يكونون استحقاقًا للعطاء منهم..

كل مال يصل إليك، إفرز عشره للرب..
سواء كان مرتبك الثابت، أو موارد أخرى إضافية، أو منحًا أو موارد طارئة. سواء كان مالًا أو أشياء عينية تعرف قيمتها ويدفع عشرها.. الكل تخصم عشره، وتفرزه في صندوق خاص بالرب. ولا تقع في الخطأ الذي يقع فيه كثيرون: إذ ينفقون من إيراداتهم أولًا، ثم يفحصون هل تبقى لله شيء لم يتبق!! جاعلين استحقاقات الرب في آخر القائمة، أو قد ينسونها! أو يعتبرون مصروفاتهم الأخرى تحت قائمة الضروريات. أما نصيب الرب، فمن الكماليات أو من الفائض! أما أنت فاخصمه من إيرادك مباشرة، كما تخصم منك أمور رسمية معينة..

واعلم أن العشور هى الحد الأدنى في العطاء.
إنها تدخل في العطاء اليهودي وليس المسيحي. أما في المسيحية، فيقول الكتاب "من سألك فأعطه" (مت 5: 42). ويقول أيضًا "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض.. بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء" (مت 6: 19، 20). إذن لا يصح أن تكتفي بدفع العشور، ولا تعطى من يحتاج بينما عندك ما تكنزه.
ولا تقل عند دفع العشور إن الله قد استوفى حقه!! أو استوفى كل حقه عليك!!
ويستريح ضميرك عند هذا الحد، وتغلق قلبك أمام طلبات المحتاجين! فإن الكتاب يقول "من يسد أذنيه عن صراخ المسكين، فهو أيضًا يصرخ ولا يستجاب" (أم 21: 13).. لتكن المحبة ثابتة في قلبك، ولا تتعامل مع الله ومع الكنيسة ومع الفقراء بعلم الحساب دون القلب!! وكلما عرضت أمامك مناسبة لعمل الرحمة، لا تغلق أمامها قلبك بحجة أنك قد دفعت العشور...

فى عطائك ارتفع فوق مستوى العشور..
فقد قال السيد المسيح له المجد "إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت السموات" (مت 5: 20). والكتبة والفريسيون كانوا بلا شك يدفعون العشور. إذن لابد أن تدفع أكثر. لا تكن ناموسيًا تكتفي بحرفية الناموس. إنما في عطائك تعامل بقلبك وبحبك. ولا تحب مالك أكثر مما تحب الفقراء. واذكر قول الرب "إن أردت أن تكون كاملًا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء" (مت 19: 21). وإن سمعت هذه العبارة، فلا تمضى حزينًا مثل الشاب الغنى الذي كان أول من سمعها.. على أن العشور ليست هى كل شركة الرب في مالك

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:48 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
البكور
نسمع عرضًا عن البكور في تقدمة هابيل البار الذي قدم من "أبكار غنمه ومن سمانها" (تك 4:4). يعنى أفضل ما عنده. وكان ذلك طبعًا قبل الشريعة المكتوبة.. أما في شريعة موسى، فقد نظم الله البكور في كل شيء، سواء في الإنسان أو الحيوان، أو في ثمار الأشجار. فعن بكور المواليد، قال:
"قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم.. من الناس ومن البهائم. إنه لي" (خر 13:2).
وكان الأبكار من كل الشعب من نصيب الرب يخدمونه، إلى أن استبدلهم بسبط لاوي وبنى هرون. فهم الأبكار بالمعنى الرمزي أو الروحي.. وحتى بعد اختيار سبط لاوي، ظل البكر بمكانته كقدس للرب، تقدم عنه ذبيحة في الهيكل. وهكذا قيل عن السيد المسيح في يوم الأربعين لمولده "صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب. كما هو مكتوب في ناموس الرب إن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسًا للرب، ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب"(لو 2: 22، 23).

فما الذي نقدمه للرب من أولادنا؟!

ألا يشمل العطاء الأبناء أيضًا؟! إن لم يكن كل بكر، فعلى الأقل بعض الأبناء.. إن لم يكن الإبن الوحيد، كما ذهب أبونا إبراهيم ليقدم ابنه وحيده اسحق، فعلى الأقل أحد الأبناء.. إن كان مطلوبًا للرب ككاهن أو راهب، أو لخدمة التكريس أيًا كانت..

إن تقدمة البكور أقوى من العشور..

لأنها تكون كل ما للإنسان في ذلك الوقت، فالابن البكر عند ولادته يكون هو الابن الوحيد، وعندما قدمت حنة ابنها صموئيل، كان وقتذاك ابنها الوحيد. وحينما صار يوحنا نصيبًا للرب كان هو الابن الوحيد لزكريا واليصابات. وأيضًا السيد المسيح هو الابن البكر للعذراء، وهو أيضًا ابنها الوحيد، ليس فقط وقت ولادته، إنما خلال كل حياتها.. الابن البكر له مكانته الكبيرة، وله فرحته وإعطاؤه للرب يحمل تفضيلًا للرب على النفس بالنسبة إلى المعطى.

ولم تقتصر وصية البكور على الابن البكر، إنما شملت كل البكور، فأمر الرب من جهة:
بكور المحاصيل، وثمار الأشجار.
وقال في ذلك "أول أبكار أرضك تحضره للرب إلهك" (خر 23: 19). "تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن. فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم" (لا 23: 10). "تأخذون من أول كل ثمر الأرض.. وتضعه في سلة.. وتأتى (به) إلى الكاهن.. ثم تضعه أمام الرب إلهك " (تث 26: 2-10)

كذلك أمر الرب من جهة بكور الحيوانات.
فقال " تقدم للرب كل فاتح رحم، وكل بكر من نتاج البهائم التي تكون لك، الذكور للرب. ولكن كل بكر حمار تفديه بشاه" (خر 13: 12، 13).. "لي كل فاتح رحم. كل ما يولد ذكرًا من مواشيك، بكرًا من ثور وشاة. أما بكر الحمار فتفديه بشاه" (خر 34: 19).

وأيضًا أول العجين..
حتى حينما يعجنون للخبز، ورد في سفر حزقيال "وتعطون الكاهن أوائل عجينكم، فتحل البركة على بيتك" (خر 44: 30). وهكذا يأخذ الرب من أوائل (بكور) كل الذي لك. فتجعل الرب أولًا في كل شيء. يكون أول من يأخذ من شجرك وأرضك وغنمك وبهائمك، بل أيضًا أول نسلك. فيبارك الرب الكل. وحتى حينما أخذ اللاويين بدلًا من الأبكار، طلب أن تقدم ذبيحة عن بكرك، لتفديه، فقال " وكل بكر إنسان من أولادك تفديه" (خر 13: 13، 15).

كيف ننفذ إذن وصية البكور في أيامنا.

ليست ثروة كل الناس محاصيل الأرض أو نتاج الماشية والأغنام. ففي عصرنا الحاضر:
*تدفع للرب أول مرتب تستلمه في وظيفتك، ويفضل أول شهر من مرتبك. فالذي يعين في وظيفة في الربع الأخير من الشهر، هل يكفى أن يدفع هذا الربع باعتباره البكور؟

*تدفع للرب أيضًا أول علاوة، وأول زيادة في ترقيتك، وأول منحة، وأول أجر لعمل إضافي: بالنسبة إلى الطبيب مثلًا أول كشف أو أول عملية جراحية. وبالنسبة إلى المدرس أول درس خصوصي.. وهكذا في باقي الحرف والوظائف. بالإضافة إلى العشور والبكور توجد مشاركة أخرى لله.

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:50 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
النذور

و النذور هى شيء آخر غير العشوروالبكور. هى تعهد منك أمام الله، في حال خير يقدمه الله لك، أو مساعدة في أمر ما، أو إنقاذ من ضيقة.. ومن أجمل وأشمل ما ورد عن النذور في الكتاب، ما ورد في سفر الجامعة الأصحاح الخامس. حيث يشمل:


الوفاء بالنذر، عدم تأخيره، عدم تغييره..

فقيل: "أوف بما نذرته. أن لا تنذر خير من أن تنذر ولا تفي" (جا 5: 4، 5) "إذا نذرت نذرًا لله، فلا تتأخر عن الوفاء به" (جا 5: 4). "لا تستعجل فمك، ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله.. لا تقل قدام الملاك أنه سهو. لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك" (جا 5:2، 6).

وحينما نتكلم عن النذر، نقصد نذر المال أو نذر الحياة
لا تتسرع في أن تنذر شيئًا للرب لا تقدر فيما بعد على تنفيذه. ولا تنذر البتولية مثلًا في حالة انفعال روحي، ثم تدرك أنك غير مستطيع أن تحيا هذه الحياة. فبدلًا من النذر، قدم رغباتك كصلاة.. قل له: يا رب، هذه هى أمنية قلبي. فإن رأيت أن ذلك نافع لي وممكن، حققه لي، وامنحني القوة على التنفيذ. ولتكن مشيئتك في حياتي. نقطة أخرى في شركة الرب في أموالك

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 06:51 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
القرابين


القرابين التي تتقرب بها إلى الله

و الكنيسة تذكر كل تلك العطايا في "أوشية القرابين".. الذين يقدمون للكنيسة: الخمر والزيت والبخور والستور، وكتب القراءة وأواني المذبح. وتطلب أن يعوضهم الرب الفانيات بالباقيات، والأرضيات بالسماويات. أصحاب الكثير وأصحاب القليل. بل تصلى أيضًا من أجل "الذين يريدون أن يقدموا وليس لهم، أي نية العطاء".

فهل لك نصيب في أوشية القرابين؟

البعض مثلًا يحب أن يقدم دقيقًا نقيًا لخبز (الحمل). والبعض يسأل عن احتياج الكنيسة ليقدمه، بدلًا من أن يقدم الناس عشرات الستور، بينما تحتاج الكنيسة إلى أشياء أخرى ضرورية. أو يقدم البعض أيقونات عديدة، الكنيسة ليست في حاجة إليها، ولا يوجد بينها توافق في الفن.

يقدم لنا الكتاب أمثلة أخرى من العناية بالفقراء.
فيقول مثلًا "وعندما تحصدون حصيد أرضكم، لا تكمل زوايا حقلك في حصادك. ولقاط حصيدك لا تلتقط. للمسكين والغريب تتركه" (لا 23: 22). ويقول أيضًا "ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها. وأما في السابعة فتريحها. وتتركها ليأكل فقراء شعبك وفضلتهم تأكلها حيوانات الأرض. وكذلك تفعل بكرمك وزيتونك" (خر 23: 10، 11). كيف نطبق هذا المبدأ الروحي، في الحياة غير الزراعية..؟

على كل من أجمل كلمات الكتاب عن العطاء، قول الرب "ولا يظهروا أمامي فارغين" (خر 23: 15) (خر 34: 20).

Mary Naeem 30 - 12 - 2013 07:04 PM

رد: كتاب الوسائط الروحية لقداسة البابا شنوده الثالث
 
أنواع من الخدمة


و الخدمة على أنواع: منها الاجتماعية، ومنها الروحية، وخدمات أخرى كثيرة..


ومن أجمل ما قيل في الخدمة الروحية، قول الكتاب "مَنْ رد خاطئًا عن ضلال طريقه، يخلص نفسًا من الموت ويستر كثرة من الخطايا" (يع 5: 20). وأيضًا " لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك. فإنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تى 4: 16). إذن هى خدمة تتعلق بخلاص النفس. ما أمجدها!! والكتاب يقول "نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس" (1بط 1: 9).


أما الخدمة الاجتماعية، فمن سموها أيضًا جعلها الرب ميزانًا للدينونة في اليوم الأخير:
إذ يقول للذين عن يمينه "كنت جوعانًا فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني. كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إليَّ" (مت 25: 35 – 40) ويشرح ذلك بقوله "بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم". معتبرًا كل هؤلاء المحتاجين كشخصه تمامًا..
ويقول الكتاب أيضًا "اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ." (رسالة يعقوب 1: 27).


وقد رأينا أنواعًا من الخدمة تشمل المجتمع كله. وتتعداه إلى مستوى عالمي..
فالهيئات العالمية مثل الصليب الأحمر وجمعيات الإسعاف، والهيئات الدولية للإغاثة، وأمثالها، هذه التي تقدم معونة لكل محتاج أينما كان، سواء في البلاد التي حدثت فيها كوارث طبيعية كالفيضانات مثلًا، أو كوارث حربية، أو مجاعات، تجد المعونات تصلها من بلاد بعيدة ربما ما كانت تعرفها من قبل، ولا كانت بينها وبينها صلة. ولكنه الشعور الإنساني والمحبة نحو الكل، التي تهب من تلقاء ذاتها لإغاثة المحتاج.


فإن كانت الهيئات العلمانية التي لا صلة لها بالكنيسة تفعل هكذا، فكم بالأولى نحن؟!
أنت مطالب أن تفعل شيئًا من أجل أخيك الإنسان. وقد أعطانا الرب مثال السامري الصالح (لوقا 10: 30 – 37) الذي أغاث وهو سائر في الطريق إنسانًا، على الرغم من وجود عداوة بين شعبه وشعبه. ولكنها المحبة التي لا تعرف تفريقًا.
ولا يقل أحد في نفسه " لست مدعوًا للخدمة"!! كلا، فأنت مدعو أن تحب الكل، وتعبر عن محبتك بالخدمة. أما الخدمة التعليمية فتحتاج إلى أن ترسلك الكنيسة (رو 10: 15) لأنه ليس كل إنسان صالحًا للكرازة والتعليم..


إذن هى أنواع عديدة من الخدمة. وكل إنسان يخدم حسب النعمة المعطاة من الله.
ولا يستطيع إنسان مطلقًا أن يقول إن الله لم يهبه أية إمكانات للخدمة. لابد أنه يستطيع أن يفعل شيئًا.. والإنسان الخدوم، أقصد الذي فيه روح الخدمة، تجده يخدم في كل مجال: في البيت، في مكان العمل أو الدراسة، في الكنيسة، في الطريق، في النادي.. مع كل أحد. إنه إنسان معطاء. كل من يقابله، لابد أن ينال من عطائه.


أسأل نفسك إذن: ما نصيب الآخرين في حياتي؟


إن التكريس يحتاج إلى دعوة. أما الخدمة العامة فلا تحتاج إلا إلى الحب، والدافع القلبي نحو خدمة الآخرين. وهذه في حد ذاتها دعوة قلبية..
أتذكر في إحدى المرات سألني طبيب جراح عما يستطيع أن يعمله لأجل الآخرين. فقلت له: على الأقل عشر العمليات الجراحية التي تقوم بإجرائها، لتكن للفقراء بالتنازل عن أجرك من مهنتك..


الساعة الآن 07:26 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025