![]() |
كتاب عشرة مفاهيم
كتاب عشرة مفاهيم ما أكثر ما تختلف المفاهيم في عصرنا الحاضر. وكل إنسان يعبر عن رأيه الخاص. وقد يكون بين تلك الآراء تناقض واحد، سواء في ذلك الكتاب أو المفكرون أو الفلاسفة أو المرشدون.. وقد يحتار شبابنا، أو حتى الكبار. ويسألون: أين الحقيقة؟ هذا الكتاب، الذي ألَّفه قداسة البابا شنوده الثالث ووضعناه هنا أصبح جزءا من منهج مدارس التربية الكنسية في كنائسنا.نتحدث فيه مع الشباب عن مفهوم القوة، مصادرها، ومجالاتها: قوة الروح، وقوة النفس، وقوة الإدارة، وقوة الأعصاب، وقوة الشخصية عموما، وقوة الصلاة، وقوة الإيمان. فليست القوة للجسد فحسب..! وكذلك نتحدث عن مفهوم الحرية، وحدود الحرية، وكيف أنه لا توجد حرية مطلقة. وإنما هناك الحرية التي تحترم الآخرين وحقوقهم، كما تراعى القانون والنظام العام، وأيضا وصايا الله.. الحرية الداخلية التي تحررت من الأخطاء، ولا تضر نفسها. نشرح أيضا مفهوم الراحة والتعب، وكيف يمكن أن يتعب الجسد لتستريح الروح ويستريح الضمير. أو يتعب الإنسان لكي يريح غيره. كذلك مفهوم راحة الجسد، والراحة الأبدية. يشرح الكتاب أيضا مفهوم الطموح، السليم منه والخاطئ. ويشرح مفهوم الخطية، وخطورتها ونتائجها على الإنسان..كما يوضح أيضا مفهوم العثرة: متى تحسب عثرة؟ سواء إن كانت سببا في الخطية. والتعريف بالخطية، أو تسهيلها أو مذاقتها. ومتى يكون الإنسان بريئا من إعثار غيره. وما هى مصادر العثرة وأنواعها. كذلك يشرح الكتاب مفهوم الحب والصداقة، والفرق بين الحب والشهوة والصداقة الحقيقية التي لا تضر.كذلك يتحدث الكتاب عن مفهوم الوداعة وأهميتها، والفرق بين الوداعة والطراوة في الطبع، والعلاقة بين الوداعة والشجاعة، والمجالات التي يفقد فيها الإنسان وداعته. يشرح الكتاب أيضا مفهوم الحق بكل معانيه. ويتحدث عن خطورة أنصاف الحقائق. والعلاقة بين الحق والعدل، والحفاظ على حقوق الآخرين. وما معنى الدفاع عن الحق وكيف يكون. كما يذكر أن الحق هو الله، من يبعد عن الحق، يبعد عن الله. ويختم الكتاب بفصل عن مفهوم المعرفة: النافع منها ضار. وختاما نرجو من الله أن يكون هذا الكتاب قد أدى الغرض منه، لمنفعة شعبنا وأولادنا. . |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
القوة صفة من صفات الله طبعا القوة صفة محبوبة. وكل إنسان يحب أن يكون قويا. والمفروض في أولاد الله أنهم أقوياء. ولكي نتحدث عن مفهوم القوة، نذكر النقط الآتية، التي نبدأها بأن القوة هي صفحة من صفات الله: في الثلاث تقديسات نقول (قدوس الله القوى..) وفي تسبحة البصخة نقول (لك القوة والمجد) ونحن نختم الصلاة الربية بقولنا (لأن لك الملك والقوة والمجد) (مت 6: 12) وحينما تحدث الوحي الإلهي عن روح الله، قال (روح المشورة والقوة) (أش 11: 2) وعملية الخلق، وإقامة الموتى، وكل المعجزات دليل على قوة الله.. ومادام الله قويا، ونحن قد خلقنا على صورة الله، وعلى شبهه ومثاله (تك 1: 27) إذن المفروض فينا أن نكون أقوياء. وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية وهى: 2- الله قوى، وهو أيضا مصدر كل قوة حقيقية: ولذلك نردد في تسبحة البصخة قول المرتل في المزمور (قوتي وتسبحتي هو الرب، وقد صار لي خلاصا) (مز 118: 14) ويقول المزمور أيضا (أحبك يا الله قوتي) وفي ترجمات أخرى (أحبك يا الله يا قوتي) (مز 18: 1) ولهذا يقول الوحي الإلهي في سفر زكريا النبي (لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود) (زك 4: 6) لهذا كله قال الكتاب (اختار الله ضعفاء العالم ليخزى بهم الأقوياء) (1كو 1: 27) فلماذا؟ قال القديس بولس (ليكون فضل القوة لله لا منا) (2كو 4: 7) ولكي يكون الله مصدر قوتنا، ما أجمل أن نقول مع بولس الرسول: (أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني) (فى 4: 13). نعم، نحن نريد أن نكون أقوياء، ولكن ليكن الله هو مصدر قوتنا. هو الذي يقوينا. لا نعتمد على قوتنا الخاصة، بل على قوته هو. نقف أمامه كضعفاء، لنأخذ القوة منه. أتذكر أنني كتبت مرة في مذكرتي: (قال الشيطان لله: اترك لي الأقوياء فإنني كفيل بهم. أما الذين يشعرون بضعفهم، فإنهم يلجئون إليك، ويحاربونني بالقوة التي يأخذونها منك، فلا أقدر عليهم).. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
مصادر القوة طبعا المصدر الرئيسي هو الله وحده. وهكذا قال الرب لتلاميذه (ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم) (أع 1: 8) وقال بولس الرسول (أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني) (فى 4: 13). كل الأسباب التي يذكرها البعض: من جهة قوة الشخصية، وقوة الفكر، وقوة النفس، وقوة الإرادة، وقوة الروح.. كلها من غير الله لا تأتى بنتيجة. لأن السيد الرب قد قال: (بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا) (يو 15: 5) ولكن إذا دخلت قوة الله في حياتك، ستظهر إذن في كل تلك الأمور.. أطلب إذن القوة من الله، لكي تغنى بتلك التسبحة الجميلة: (قوتي وتسبحتي هو الرب. وقد صار لي خلاصا) (مز 118 ) لهذا قد يستغرب البعض عندما يسمعون الرب يسوع يقول لتلاميذه (من يؤمن بي فلأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو، ويعمل أعظم منها) (يو 14: 13)!! ولكن هناك فارق هام جوهري وهو السيد المسيح يعمل المعجزات بقوته الذاتية. أما المؤمنون فيعملون المعجزات بقوته هو. وقد تكون المعجزة عظيمة جدا ولكنها ليست بقوتهم هم، إنما بقوة الرب العامل فيهم، هذا الذي قال لهم (بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئا) (يو 15: 5) المفروض أن يكون أولاد الله الأقوياء، ولكن على شرط أن يكون مصدر قوتهم هو الله نفسه. ولا يكونون أقوياء يعتمدون على قوتهم الخاصة أو يفتخرون بها.. هذا شرط أساسي في قوة أولاد الله. انظروا إلى داود: كان بلا شك أضعف من جليات الجبار المفتخر بقوته كما كان ينسب كل القوة لله، إذ قال لذلك الجبار (أنت تأتى إلى بسيف ورمح وبترس، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود.. اليوم يحسبك الرب في يدي.. لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا) (1صم 17: 45 – 47) وهكذا انتصر داود على جليات. لأن جليات كان يحارب بقوته البشرية. أما داود فكان يحارب بقوة الله. كذلك فإن الروحيين، في أعمالهم، ينسبون القوة إلى الله. إن القديس بطرس ويوحنا، لما أقاما الأعرج عند باب الجميل، التف الناس حولهم مذهولين من المعجزة، قال القديسان للشعب (ما بالكم تتعجبون من هذا؟! ولماذا تشخصون إلينا كأننا أو بتقوانا قد جعلنا هذا يمشى؟!) (أع 3: 12) ثم وجها أنظار الناس إلى السيد المسيح الذي صلبوه (وبالإيمان باسمه، شدد اسمه هذا الذي تنظرونه.. وأعطاه الصحة أمام جميعكم) (أع 3: 16) الله قوته غير محدودة. والبشر أقوياء بالله. وهناك فصل من رسالة القديس بولس الرسول نتلوه سيامة الرهبان، نقول لهم فيه (أخيرا يا أخوتي، تقووا في الرب، وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس) (أف 6: 10، 11) وكأننا نقول لهم أنكم مقدمين على حرب مع الشيطان وجنوده تحتاج إلى قوة. وهذه القوة لابد أن تكون القوة الإلهية التي تقويكم. ما هي إذن عناصر القوة التي يجب أن تتصفوا بها؟ |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
قوة الروح يظن بعض الشباب أن القوة تعنى القوة الجسدية، التي يظهر بها أبطال الملاكمة والمصارعة والكاراتيه. قوة من نوع قوة شمشون الجبار (قض 13: 16). · ولكن ليست القوة الجسدية هي كل شيء. بل أن كثيرين من الأقوياء بالجسد، كانوا ضعفاء. إن شمشون الجبار الذي أنتصر بالجسد على كثيرين، كان ضعيفا أمام إغراء دليلة وحبه لها. وقد ضعف أمام إلحاحها، فكشف لها سره، فحلقت شعره، وسلمته لأيدي أعدائه، ففقأوا عينيه، وأوثقوه بسلاسل، وجعلوه يطحن في بيت السجن (قض 16: 19-21). وداود الذي هزم جليات الجبار (1صم 17) وكان منذ صباه (جبار بأس ورجل حرب) (1صم 16: 18) هذا الجبار كان ضعيفا أمام جمال بثشبع، فسقط وأخطأ واستحق أن يعاقبه الرب، وقد جعل أعداء الرب يشمتون ( 2صم 12: 7-14). هنا نقرأ ما قال القديس يوحنا الحبيب للشباب في رسالته الأولى: (كتبت إليكم أيها الشباب (الأحداث) لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم. وقد غلبتم الشرير) (1يو 2: 14) هنا نوع آخر من القوة وهو أن تغلب الشرير (أي الشيطان). · إذن القوى هو الذي يغلب الخطية. ويغلبها لأن كلمة الله ثابتة فيه. لأن وصية الله ثابتة في قلبه أما الإنسان المغلوب من الخطية، فلا نستطيع أن نقول عنه إنه قوى. توجد نقطة ضعف فيه، يستطيع الشيطان أن يدخل منها ويهزمه.. الروح القوية تنتصر على الجسد، وعلى المادة والشيطان. مهما تعرضت لحروب روحية قوية، تقاوم حتى الدم (عب 12: 14) وتجاهد وتطلب معونة من الله، ولا تستلم مطلقا، حتى تنتصر، كما فعل يوسف الصديق (تك 39). الروح القوية لا تسمح لنفسها أن تستعبد لعادة من العادات. ولا تقبل أن تنهزم مهما كانت الحرب عنيفة.. ومهما كانت كان خداع الشيطان، ومهما كانت حيله.. إنها أقوى من إغرائه ومن كل خدعه وحيله. كذلك المغلوب من إحدى العادات، هو إنسان ضعيف.. المغلوب مثلا من عادة التدخين، أو من المسكرات، أو الواقع تحت سلطان إدمان المخدرات، ليس هو قويًا، لأنه ضعيف أمام كل هذه العادات. وهو أمامها لا يمكن أن يملكك السلطان على إرادته. بل العادة أو الإدمان لهما السلطان على إرادته وتصرفاته، وقد يقودانه إلى الجريمة. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
قوة النفس النفس القوية لا تقلق، ولا تضطرب، ولا تخاف، ولا تنهار، ولا تتردد.. إنها كالجنادل في النهر، تصدمها المياه والأمواج، على مدى السنين والقرون، وهى ثابتة في مكانها. وكالجبال تصدمها الرياح والأمطار والسيول، دون أن تتأثر هكذا الإنسان القوى في نفسيته: يقول مع داود النبي (إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي، وإن قام على قتال، ففي ذلك أنا مطمئن) (مز 27: 1). الإنسان القوى هو إنسان صامد، أمام المشاكل العويصة، وأمام التهديدات. هو قوى من الداخل، مهما كان الضغط من الخارج. أما الضعيف، فإنه يتخيل مخاوف، وينزعج بسببها. وربما لا يكون لها وجود! ولكنه بسبب خوفه الداخلي، يتوقع أن تأتيه المتاعب فيتعب بدون سبب! الإنسان القوى لا يضع أمامه احتمال الفشل أو الانهزام. كما قال القديس بولس الرسول (أَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ) (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 1: 7) (لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ) (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 4: 16) مهما كانت المحاربات والمتاعب والضيقات.. كل هذه لا تدخل إلى القلب فتتعبه. الإنسان القوى يتعامل مع الضيقات وهى خارجه. أما الضعيف فيدخلها إلى قلبه وأعصابه فتتعبه. هذه هى قوة النفس التي اتصف بها الناجحون في حياتهم. الطالب الضعيف يدخل إلى الامتحان. فإن وجد سؤالا صعبا، يعرق ويتصبب ويدوخ، وينسى كل ما كان قد حفظه !! أما الطالب القوى فيفكر في الحل، ويبدأ بالسهل فيتقوى، ويعود إلى الصعب ليحله.. في الواقع إن المفهوم الحقيقي للقوة، ينبغي أن يتركز على القوة الداخلية. فقد يبدو البعض قويا من الخارج، بينما هو ضائع تماما من الداخل. قد يسمع كلمة إهانة، فيقول من الخارج (الله يسامحك).. بينما في الداخل يتقد غضبا وحقدا.. إن تحويل الخد الآخر (مت 5: 39) كما قال أحد القديسين – هو الخد الداخلى، أعنى الاحتمال في الداخل، والمسامحة الداخلية، ولوم النفس. أيضا القوة الداخلية هي الانتصار على النفس من الداخل. فليس القوى هو الذي ينتصر على الآخرين، إنما هو الذي ينتصر على نفسه. وكما قال أحد القديسين: إن القوة الغضبية قد وضعت في الإنسان، لا لكي يغضب على الآخرين، إنما لكي يغضب على نفسه إذا أخطأ. وحسنا قيل في المزمور (كل مجد ابنة الملك من داخل) (مز 45) فإذا انتصرت على نفسك من الداخل، يمكنك أن تنتصر على كل الأمور الخارجية.. حينئذ يمكنك أن تغلب كل الأعداء الخارجيين. وصدق القديس يوحنا ذهبي الفم حينما قال (لا يستطيع أحد أن يؤذى إنسانا،، ما لم يؤذ هذا الإنسان نفسه). · إذن من عناصر القوة ضبط النفس. الذي يضبط لسانه هو إنسان قوى، حسب شهادة القديس يعقوب الرسول (يع 3: 2). وما أكثر الأشخاص الذين نقطة الضعف فيهم هي أخطاء اللسان. ويدفعوا ثمن ذلك غاليًا. كذلك الإنسان القوى هو الذي يستطيع أن يضبط أفكاره. فلا تهزمه الأفكار وتسرح به حيثما تشاء، وتوقعه في خطايا كثيرة. والإنسان القوى هو الذي يضبط نفسه وقت الغضب. ويضبط نفسه وقت الصوم، من جهة الطعام والشراب. ويضبط نفسه من جهة الوقت، فلا يضيعه في المتعة واللهو، ويفشل في مسئولياته.. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
قوة الأعصاب ·هناك لونان آخر من القوة، هو قوة الأعصاب. الإنسان الضعيف الأعصاب: أقل كلمة تثيره وتهيجه، وتجعله يفقد هدوءه، ويفقد سيطرته على نفسه، ويخطئ في تصرفاته وفي ألفاظه، ويكون موضوع نقد من الآخرين.. لأن أعصابه ضعيفة لم تحتمل، مهما كان قويا في نواح أخرى. حقا إن الأعصاب مسألة جسدية، ولكن العامل النفساني يؤثر عليها. فالإنسان الواقع في خطية الغضب، تجد أن أعصابه تلتهب بسرعة، كذلك الإنسان الواقع في محبة الذات، وفي الكرامة الشخصية: أقل كلمة تلمس كرامته، أو يظن أنها تلمس كرامته، تتعب أعصابه لا تستطيع أن تحتمل. مسألة الأعصاب هى نقطة ضعف فيه. لذلك قال الرسول: يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء (رو 15: 1) فالذى يعتدى على غيره هو الشخص الضعيف، بينما الذي يحتمل القوى. هو الجبل الراسخ الذي تثيره أخطاء غيره ضده. هذا الجبل مهما ألقى أحد عليه طوبًا، يبقى راسخا لا يتزعزع. أما الذي يثور ويحاول أن ينتقم ويسئ إلى غيره، هو إنسان مغلوب من ذاته، وليس مغلوبا من غيره. أقل كلمة تتعبه وتفقده هدوءه وتتلف أعصابه. أما القوى، فهو قوى في أعصابه، وقوى في احتماله. إذن الذي يحتمل هو القوى. والذي يهين غيره هو الضعيف. ليتك إذن تمتحن نفسك، وترى ما هي ضعفاتك، وتبذل كل جهدك في الانتصار عليها.. إن القوى ليس هو الشخص الذي ينتصر على غيره، إنما هو الذي يستطيع إن ينتصر على نفسه. لأن البعض يظن أنه منتصر وقوى من الخارج. بينما هو في داخله ضعيف ومهزوم. ليس فقط يحتمل إساءات الناس، إنما أيضا يحتمل الأحداث والمشاكل. يحتمل المتاعب التي تتعب غيره. يحتمل الأمراض والضيقات والحوادث . لقد كان السيد المسيح قويا في احتماله. كان قويا في احتماله التحدي وهو على الصليب، وقولهم له (إن كنت ابن الله انزل من على الصليب) وهكذا نقول له في القداس الإلهي: (احتملت ظلم الأشرار) إن الاعتداء سهل. يمكن لأي إنسان ضعيف النفسية أو ضعيف الخلق أن يعتدي على غيره. أما القوى فهو الذي يحتمل. في الحياة الزوجية: إن كان الطرفان ضعيفين لا يحتملان، قد يخرب البيت! أما إذا كان أحدهما على الأقل قويا، يمكنه أن يحتمل الطرف الآخر، حينئذ يمكن أن يستمر السلام بينهما.. قد يوجد إنسان ضعيف، لا يحتمل. ممكن أن خبرًا معينًا يجعله ينهار: يؤثر على أعصابه، وعلى نفسيته، على أفكاره. صحته لا تحتمل، يرتفع ضغط دمه، أو قلبه لا يحتمل. وربما يقع على الأرض لم تكن له القوة التي يحتمل بها ذلك الخبر!! |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
يقول الكتاب (المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها) (نش 8: 6، 7) . المحبة قوية من الناحية الإيجابية، فيما تقدمه من بذل وعطاء، وتصل إلى بذل الذات من أجل من تحبه.. وهى قوية -من الناحية السلبية- في احتمالها لأخطاء من تحبه، مهما فعل ولذلك قال عنها الرسول (المحبة لا تسقط أبدا) (1كو 3: 8) أما الإنسان الذي يفقد محبته لصديق أو حبيب، بسبب كلمة قيلت أو تصرف مخطئ، فقد تكون محبته ضعيفة. المحبة استطاعت أن تصعد على الصليب، لكي تخلص وتفدى. المحبة القوية احتملت إنكار بطرس، وشك توما، وهروب التلاميذ وقت القبض على المعلم الصالح المحبة القوية يمكن أن تشمل الأعداء والمسيئين، وتبارك لاعنيها (مت 5). |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
قوة الشخصية · من أبرز ما يميزها قوة العقل والفكر. إنسان قوى في ذكائه، في سرعة البديهة، في قوة الإقناع، في روعة الفهم والاستنتاج. له قوة الأسلوب، وقوة الذاكرة.. لذلك إذا دخل في أي موضوع، يسنده بالفكر القوى، الذي يمكن أن يجذب الآخرين فيخضعون لمنطقه. لا يسير وراء كل شائعة، ولا وراء كل مذهب. بل يفكر ويفحص الأمور جيدا، في ذكاء ويتمسك بما هو أفضل.. وبذكائه وفهمه، يكون ناجحا في كل مسئولية تعهد إليه. ويقف قويا أمام المشكلة، لا تهزمه، بل يحلها، أو يحتملها إلى أن تحل. أما الذي ينهار أمام المشاكل، فليس هو قويا. ·الشخصية القوية التي لا تنقاد إلى مشورة خاطئة. هي التي تؤثر في غيره، دون أن تكون تحت تأثير الغير، إلا مشورة الروحيين.. وليس معنى القوة في الشخصية أن يكون الإنسان عنيدا صلب الرأي، بل أن يكون قويا في الخير. سهلا في التفاهم، ولكن ليس ألعوبة في أيدي الغير. هناك أشخاص لهم القوة التي تؤثر في الغير. وهؤلاء هم الذين يصلحون للخدمة وللقيادة. بعكس الإنسان الضعيف في تفكيره، فإنه مهما كان قويا في جسده، أو عظيما في مركزه، يمكن أن يقوده شخص آخر إلى جواره، يكون أذكى منه وأعمق فكرا.. قد تحدث مشكلة لإنسان، ويرفض كل نصيحة، ومهما قيل له لا يقتنع إلى أن يحدثه شخص آخر، فيؤثر عليه. ويستمع لنصيحته. كلماته قوية وفعالة، ولها تأثيرها، ولا ترجع فارغة.. قوة التأثير هذه تنفع في الإرشاد الروحي وخدمة الكلمة وجذب الآخرين. بل تنفع أيضا في محيط الصداقة، وفي مجال العمل الاجتماعي، ولكل من يتولى إرادة وقيادة. وتنفع أيضا الكاتب والصحفي. إذ تكون للشخصية قوة وجاذبية وتأثير. ·هناك إنسان آخر قوى في خدمته وكرازته. له قوة الكلمة، وقوة التأثير على الغير، ويستطيع أن يجذب النفوس إلى الله.. وكلمته لا ترجع فارغة (أش 55: 11) بل باستمرار تأتى بثمر. من أمثلة هذا النوع، كان القديس بولس الرسول، ومارمرقس، والقديس أثناسيوس الرسولي الذي وقف ضد الأريوسيين، ونشر الإيمان السليم.. وكذلك كل أب كاهن روحي عميق في تأثيره الروحي، وكل واعظ وخادم ناجح في خدمته. ونريد أن نقول إن الوداعة لا تتعارض مع القوة. فقد كان السيد المسيح قويا ووديعا في نفس الوقت. كان (لا يخاصم ولا يصيح) وفي نفس الوقت كانت له قوة الإقناع وقوة الشخصية. وكان يفحم مقاوميه في كل حوار. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
قوة الإرادة من مظاهر القوة أن تكون للشخص قوة إرادة، قوة عزيمة. يستطيع إن أراد، أن ينفذ.. فإذا دخل في تدريب مثلا: يمكنه إذ بدأ، أن يستمر وينفذ. أما الإنسان الضعيف، فقد يريد ولا يستطيع. وقد يبدأ ولا يستمر. ومن مظاهر الإرادة، ضبط النفس. فالإنسان القوى يمكنه أن يضبط نفسه، سواء في وقت الغضب، أو رغبة الانتقام كذلك يضبط نفسه أما الشهوة، وعندما يحارب بأية خطية.. القوى يمكنه أن يضبط لسانه، وأن يضبط حواسه، ويضبط فكره. إن كان مريضا بالسكر مثلا، يمكنه أن يضبط نفسه من جهة الأطعمة الممنوعة.. وهنا أقول: إن الإنسان الذي لا يستطيع أن يضبط عن الطعام -في مرض أو صوم- كيف يمكنه أن يضبط نفسه أمام أية شهوة أو أية خطية؟! هناك إنسان قد يكون ضعيفا أمام إغراء معين. أمام إغراء وظيفي، أو إغراء مالي، أو إغراء شهواني .. لا يستطيع أن يحتمل. يغلبه ضعفه، أو تغلبه شهوته، فيسقط.. وقد يرتد!! آخرون يضعفون أمام المجد الباطل، أمام كلمات المديح والإطراء. أما الشهداء والمعترفون فكانوا في منتهى القوة أمام كل الإغراءات. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
قوة الصلاة وقوة الإيمان ·نوع آخر من القوة، هو قوة الصلاة.. الصلاة القوية في إيمانها، وفي حرارتها، وفي انسحاقها وفي روحياتها، التي يمكن أن تصعد إلى السماء وتأتى بالاستجابة. كثيرون يشعرون بقوة الشخص الذي له مثل هذه الصلاة، ويلجئون إليه في مشاكلهم لكي يحلها الله لهم على يديه.. صلاة الآباء الرسل كانت قوية جدا، لدرجة أنه قيل عنهم (ولما وصلوا، تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس) (أع 4: 31) إنها الصلاة القوية التي تصعد إلى فوق، وتستطيع أن تدخل إلى عرش الله، وتأخذ منه ما تريد.. أترى هل لك مثل هذه الصلاة، التي قد يلجأ إليها الآخرون يمكنك أن تقرأ عن مثل هذه الصلاة في سير القديسين، الذين ائتمنوا على مخازن الله، فكانوا يأخذون منها بصلواتهم ويمنحون الناس الصلاة القوية، صلاة حارة، مملوءة بالإيمان. إن الإيمان القوى يمنح الصلاة قوة. وقوة الصلاة مع قوة الإيمان، تعملان معا. بقوة الإيمان مشى بطرس على الماء. ولما ضعف إيمانه بدأ يغرق. فأنقذه الرب ووبخه قائلا: (يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟) (مت 14: 31). الإيمان القوى يستطيع أن يصنع المعجزات. يكفى قول الكتاب: (كل شيء مستطاع للمؤمن) (مر 9: 23). أليشع ذهب مع المرأة الشونمية، وهو واثق أنه سيقيم ابنها (2مل 4: 35) وهكذا فعل إيليا مع أرملة صرفة صيدا وأقام ابنها (1مل 17: 22) الإيمان القوى يؤمن أن الرب سيأتي، ولو في الهزيع الرابع من الليل. ولابد سيعمل عملًا.. إنه يؤمن أن لعازر سيقوم، ولو بعد أربعة أيام من دفنه. إنه إيمان لا يتزعزع مهما (تأخر) الله عليه، أو خيل إليه أن صلواته لم تستجب. إيمان لا يشك في محبة الله، معهما أحاطت به الضيقات واستمرت، ومهما (على ظهره جلده الخطاة وأطالوا إثمهم) (مز 129). قوة الإيمان ليست فقط من جهة الثقة بعمل الله. بل تظهر قوة الإيمان في مواجهة الهراطقة. مثل قوة إيمان القديس أثناسيوس الذي وقف ضد أفكار الأريوسيين، وكل ما قدموه من شكوك. ولكن الإيمان الذي كان في قلبه، كان أقوى من كل شكوكهم.. بعكس الإيمان الضعيف الذي يصمد أمام الشك، ولا يصمد أمام البدع والهرطقات. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
2) مفهوم الحرية:
إن الله يحب لكل إنسان أن يكون حرًا
|
رد: كتاب عشرة مفاهيم
يقابل الحرية حسابٌ ومسئولية فالإنسان أو الكائن غير الحر، لا يحاسب على أفعاله. أما مع الحرية، فيوجد حساب على كل ما يفعله الإنسان خيرا أو شرا. فينال المكافأة على أعماله الخيرة. كما توقع عليه العقوبة في أعماله الخاطئة أو الشريرة. آدم وحواء كانا حرين. وأمامهما وصية الله. يمكن أن يطيعاها أو يخالفاها. وقد خالفا الوصية. وأوقع الله على كل منهما عقوبة مسببة (تك 3: 9 – 19) . والعقوبة على الخطأ الذي يفعله الإنسان بحريته، هى عقوبة مزدوجة: على الأرض وفي السماء. وقد ينجو الإنسان من العقوبة على الأرض. ولكن تبقى العقوبة في العالم الآخر قائمة، لا تمحى إلا بالتوبة (لو 13: 3، 5) (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). كما أن الخير الذي يفعله الإنسان بحرية إرادته، له مكافأة مزدوجة أيضًا. وإن لم ينل الإنسان مكافأة على الأرض، فأجره محفوظ في السماء: (أبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك على علانية) (مت 6: 4، 6). |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
ليس من حقك إطلاقًا أن تنال حرية مطلقة فأنت حر في كل ما تفعله، بحيث أنك لا تعتدي على حقوق أو حريات الآخرين. وبحيث أنك لا تكسر وصايا الله، ولا تخالف القانون والنظام العام الذي جعل من أجل سلامة وراحة الآخرين.. فليس من حقك مثلا أن تركب سيارة وتخالف قواعد المرور، وتقول: أنا حر، أسير حيثما أشاء!! وليس من حقك أن ترفع صوتك في ضوضاء تزعج بها الآخرين، وتقول: أنا حر أرفع صوتي كما أشاء!! وليس من حقك أن تأخذ معك ورقة تغش بها في الامتحان، وتقول أنا حر، استعمل ما أشاء من أوراق!! كذلك كما تستخدم حريتك، بحيث لا تضر الآخرين ولا تخالف النظام العام فأنت أيضا من حقك أن تستخدم حريتك، بحيث لا تضر نفسك. لأن نفسك ليست ملكا لك. إنها ملك لله الذي خلقها وفداها، وملك أيضا للمجتمع الذي رعاك ورباك وله عليك حقوق يجب أن تؤديها.. ولذلك فقتل الإنسان لنفسه بالانتحار، جريمة يعاقب عليها الله. ولا يوافق عليها القانون. ونفس الوضع ينطبق على من يضر نفسه عن طريق التدخين أو المخدرات. فليس من حقه أن يقول أنا حر، أدخن كما أشاء، وأتعاطى المخدرات كما أشاء!! لأنه ليس من حقه أن يهلك نفسه. وليس من حقه أن يحرم المجتمع من وجوده مؤديا واجبه نحو المجتمع. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الضوابط التي توضع على الحرية، هي لفائدتك وليس لتقييدك ومن فائدتها أنها تمنعك عن الإضرار بنفسك، ومن الإضرار بغيرك، ومن الإضرار بالمجتمع، ومن مخالفة وصايا الله.. النهر له شاطئان، لا يقيدان مجراه، وإنما يحفظانه. وإذا لم تكن للنهر شواطئ، فإنه سينسكب ويفيض على الجانبين، ويغرق الأرض، ويحولها إلى مستنقعات أترى يستطيع أي نهر أن يحتج على وجود شاطئين له، ويقول إنهما يقيدان حريتي؟! كذلك أنت: الشاطئان بالنسبة إليك، هما وصايا الله، وقوانين أو تقاليد المجتمع. أو الشاطئان هما الدين والتربية. وكلاهما لفائدتك. فالطفل الذي يرفض التربية، ويحسبها تقييدا لحريته، والشاب الذي يرفض نصيحة أبويه أو معلميه أو مرشديه، ويرى ذلك تقييدا لحريته، لابد أنه سيفسد، ويفقد الطريق السليم السوي، ويضل.. فهو الضلال هو اسم آخر للحرية، أو نتيجة لها؟! |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الحرية الحقيقية هي أن يتحرَّر الإنسان من الأخطاء فيتحرر من الخطايا والسقطات، ويتحرر من العادات الرديئة. يتحرر من كل المشاعر الرديئة، ويتحرر عقله من الأفكار المنحرفة ومن كل خطأ فكرى.. يتحرر أيضا من الخضوع للشيطان وكل أعوانه. ويتحرر من كل قيادة تفرض سلطانها على إرادته، لتقوده حسب هواها في مسيرة منحرفة. هذه هي الحرية، التي قال عنها الكتاب: (إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحرارا) (يو 8: 36). |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الذي يتحرَّر داخله من الخطيئة، يمكنه أن يستخدم الحرية الخارجية بطريق سليم فمثلا الذي يتحرر من الكراهية والقسوة والعنفوالظلم، يستطيع أن يستخدم حريته في التعامل مع الناس بطريق سليم. أما إن كان ظالما أو قاسيا، وقال أريد أن استخدم حريتي في التعامل كما أشاء.. فإنه سوف يؤذى غيره بقسوته وبظلمه، أو بعدم تحرره من القسوة والظلم.. كذلك الذي لم تتحرر عفته من الشهوات الجسدية، فإنه، حينما يستخدم حريته لتنفيذ شهواته، لابد سيؤذى نفسه وغيره وفيما يظن أنه يستخدم حريته، يكون قد أضاف قيودا جديدة على عفته ونقاوته. وأيضا الفتاة التي تقول ألبس كما أشاء، وأضحك وألهو كما أشاء. وبهذا الأسلوب تعثر غيرها وتسقطه، وتسقط هي أيضا معه.. هذه الفتاة لم تتحرر بعد من الداخل. لذلك تستخدم حريتها الخارجية بطريقة ضارة لها ولغيرها.. والطالب الذي يلعب طول العام ويهمل دروسه، ويقول أنا حر!! إنما يضر نفسه باسم الحرية الخاطئة ويفقد مستقبله. لأنه لم يتحرر في الداخل من سيطرة اللهو عليه.. إذن نصيحتنا لك: استخدم حريتك لفائدتك وفائدة غيرك. وتحرر أولا من الداخل، قبل أن تمارس الحرية الخارجية. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
يضغط البعض على نفسه، ليصل إلى الحرية الحقيقية فلا يعطى ذاته كل ما تطلب، لئلا يصل إلى تدليل النفس، ويفقد سيطرته على نفسه، وبالتالي يفقد حريته الحقيقية. وهكذا يدخل هذا الإنسان في تداريب روحية لضبط النفس، لضبط اللسان فلا يقع في أخطاء. لضبط الأعصاب حتى لا يثور ويفقد غضبه معارفه وأصدقاءه وأيضا تداريب لضبط الفكر، حتى لا يسرح في أمور تضره. بل يدخل في تداريب لضبط الحواس، ولضبط الجسد بالصوموالسهر، وضبطه في البعد عن الشهوات حتى لا ينساب في الملاهي والملاذ الجسدية ويفقد روحياته. هل يجوز أن يقول أحد أسلك حسب هواي، بحريتي، ولا بضبط نفسه ويغصبها على عمل الخير؟! وإن سلك هكذا، أيكون حرا أم مقيدا بشهواته؟! |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
3) مفهوم الراحة والتعب: |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
راحة الجسد إن الله نفسه أراد للجسد أن يستريح. هو الذي خلق الجسد، ويعرف أن طبيعته تحتاج إلى راحة. لذلك منحه اليوم السابع من الأسبوع لكي يستريح فيه. عملا من الأعمال لا يعمل فيه. وقال عن راحة السبت (السبت إنما جعل لأجل الإنسان، وليس الإنسان لأجل السبت) (مر 2: 27) وكذلك مواسم الرب وأعياده، قال عنها (عملا ما تعملوا) (لا 23: 3، 7).. إذن لابد أن نعطى الجسد ما يحتاج إليه من راحة. راحة الجسد ليست خطية، إنما هى وصية إلهية. بحيث يتصرف الإنسان بعقل. لا يرهق الجسد بحيث يتعب فوق الطاقة. ولا يريحه أزيد مما يحتاج بحيث يصل إلى الكسل أو الخمول. أتذكر أن أحد أساتذة الطب في لندن قال لي (أنا لا أستطيع أن أمنعك عن الـHard Work فطبيعة مسئوليتك تستدعى ذلك. ولكنى أمنعك عن الـOver Work ويقصد بهذا أن العمل الذي يعمله الإنسان بعد أن يصل إلى الإرهاق فيجب حينئذ أن يقف ولا يستمر. وإن استمر بعد الإرهاق أو الإعياء، يكون هذا Over Work. كما قال لي أيضا البروفسور: إن العمل الذي تعمله بفرح ورضى، لا يؤذى قلبك. أما العمل الذي تعمله وأنت متضايق ومتبرم، فهو الذي يتعب صحتك. فالعمل بلذة لا يرهق.. إذن هناك علاقة بين راحة النفس وراحة الجسد. لو كانت النفس مستريحة، تستطيع أن تحمل الجسد. ولو تعبت النفس، لا يحتمل الجسد أقل مجهود. وفي راحة الجسد، يقول بعض العلماء، لا تترك الجسد يعمل مدة طويلة بلا راحة، إنما وسط العمل الطويل أعطه فترات راحة ولو دقائق . وهذه يسمونها بالإنجليزية Break أى تكسر حدة العمل الطويل، بشيء من الراحة. الجسد أيضا يتعبه المرض، ويجعله في حالة عدم احتمال. وكثيرا ما يكون المريض في حاجة إلى راحة كاملة. يتعبه الكلام إذا هو تحدث ويتعبه الإصغاء إلى كلام كثير. ويتعبه الصوت، والحركة. ويتعبه التفكير، والإلحاح من غيره.. لذلك فإن غالبية المستشفيات تمنع زيارة المرضى إلا في مواعيد محدودة. فلا تظنوا أنكم تريحون المريض بزيارته أو كثرة الحديث معه!! وراحة الجسد غير الكسل. الكسل معناه أن الإنسان لديه قدرة على العمل، ولا يرغب في ذلك. والكسل له نتائج كثيرة سيئة، سواء في عدم قيام الشخص بمسئولياته. أو من الناحية الصحية قد يصل إلى الوخم أو البلادة. ويفقد الجسد نشاطه الطبيعي الذي يلزمه. كما يؤدى به هذا إلى السمنة والترهل. والمعروف أن الجو الحار المشبع بالرطوبة يساعد على الكسل، بينما الجو البارد يساعد على النشاط والحركة. والحركة تولد فيه حرارة. ولذلك فإن الذين يحالون إلى المعاش، ويقضون بقية حياتهم في المقهى أو البيت أو النادي، يصيبهم الخمول. بينما الذين يستمرون في العمل والنشاط، تقوى صحتهم.. وبالمثل السيدات اللائي يعملن ويتحركن، غير اللائي يجلسن في البيت بلا عمل ويترهلن. ونحن لا نقصد براحة الجسد، راحة مطلقة. فالجسد قد يكون في عمق النوم، ومع ذلك يكون قلبه يعمل في انتظام، كذلك جهازه التنفسي، وكذلك المخ، وباقي أجهزة الجسد المتعددة. كلها تعمل أثناء نومه، وأثناء راحته. وتعمل بكل ٍانتظام، ولكن في هدوء، وبغير إرهاق. فتعب القلب هو في إرهاقه، وليس في توقفه عن العمل وكذلك المخ. لذلك ليست الراحة معناها عدم العمل إطلاقا. ربما معناها أحيانا تغيير نوع العمل. وكما يسمون الراحة بالفرنسية Recreation (أي خلق آخر) فينتقل العقل من صنع فكر إلى صنع آخر. لأنه مما يرهق العقل التركيز على فكر واحد. فإن تعب الإنسان من هذا التركيز، ينتقل إلى فكر آخر. والعقل دائم التفكير. ولكنه قد يتعب من التفكير العميق إذا استمر في موضوع واحد مدة طويلة. فيحتاج أن يترك هذا الموضوع إلى حين ثم يعود إليه بعد أن يجدد نشاطه. وأحيانا ترتبط الراحة مع التعب (بتعقل) . فالإنسان ليستكمل صحته، قد يحتاج إلى تداريب رياضية، يحرك فيها جسده. والعض قد يلجأ إلى المشي أو الجري. وقد يتعب ويحتمل التعب لفائدته الصحية. ونقول التعب وليس الإرهاق. وهذا ما يحدث أيضا في تمرينات العلاج الطبيعي. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
التعب بين النفس والروح هناك مريض إن قيل له إن حالته خطيرة، قد تتعب نفسه، ولكنه يستعد لأبديته فتستريح روحه. بينما لو خدعوه وصورا له الأمر بسيطا لراحة نفسه وشغلوه بمسليات عالمية، لا يهتم بروحه وأبديته، ويهلك! مثال آخر هو مجاملة إنسان خاطئ بأنه على حق في تصرفه، تريح بهذا نفسه وتهلك روحه، فلا يلوم نفسه ولا يتوب. وبنفس الوضع النفاق في معاملة الرؤساء وأيضا تدليل الأطفال. وهنا نضع قاعدة روحية هامة: إن لم تستطع تبكيت الخطية، فلا تبررها.. فإنك بتبريرك تصرفات المخطئين، تشترك معهم في المسئولية. إيزابل ساعدت آخاب في ظلم نابوت اليزرعيلى وأخذ حقله. فأراحت زوجها نفسيا، ولكنها أتعبته روحيًا، واشتركت معه في العقوبة (1مل 21). إن من يكذب ليخرج من مأزق، يريح نفسه ويتعب روحه. وبالمثل من يلجأ إلى خدعة توصله إلى غرضه.. كذلك من لا يحاسب نفسه ويلومها على خطاياها بل ويعاقبها أيضا، هذا يريح نفسه، ولكنه يهلك روحه.. وأسوأ من هذا الذي يحاول أن يبرر نفسه ليستريح.. إنها راحة زائفة خاطئة!! ومن الأخطاء في الراحة أيضًا: أن شخصًا يبنى راحته على تعب الآخرين. وتكون، هذه الراحة لونا من الأنانية ومحبة الذات، وعدم محبة الآخرين. إنه يريح نفسه، ويتعب روحه بالأخطاء. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
التعب الداخلي هناك أشخاص لا يوجد سبب خارجي يتعبهم، وإنما تعبهم من الداخل. مما في قلوبهم من الاضطراب، والقلق، والشك، والخوف، والتشاؤم. فكل شيء من الخارج يتعبهم بدون سبب.. هؤلاء يتعبون أنفسهم، دون أن يتعبهم أحد. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
راحة الضمير قد يقبل الإنسان تعب جسده من أجل راحة ضميره، أو راحة روحه. كالشهداء مثلا والمعترفين، الذين تحملوا عذابات كثيرة احتملها الجسد، من أجل راحة ضمائرهم بالثبات في الإيمان. مثال آخر ما احتمله القديس يوحنا المعمدان من سجن. وأخيرا قطع رأسه، لكي يشهد للحق، ويقول للملك المخطئ (لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك) مر 6: 18) ومثال آخر ما احتمله القديس أثناسيوس الرسولي من نفى وتشريد ومن أجل الدفاع عن الإيمان ضد الأريوسيين. كذلك ما أحتمله يوسف الصديق من سجن في سبيل راحة ضميره العفيف، وقوله (كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله) (تك 38: 9). كذلك ما يحمله الرعاة من تعب في الجسد. لكي يريحوا الشعب من جهة، ولكي تستريح ضمائرهم من جهة أدائهم لواجبهم الرعوي. وينطبق على هذا أيضا كل من يسلك في أسلوب البذل والعطاء والأمانة في العمل.. يتعب جسديا، لكي يستريح ضميره، وتستريح روحه في أداء الواجب. إنه لا يبحث عن راحته الشخصية، إنما عن راحة غيره أيضا طالب العلم الذي يتعب، فيريح ضميره من جهة مستقبله. ويكون مبتهجا بتعبه، لأنه أراح نفسه. وبنفس الوضع كل الذين يجاهدون، في تعب وكد، من أجل هدف كبير يسعون إليه. وكما قال الشاعر: إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد حتى في الجهاد الروحي أيضًا: لابد أن يتعب الإنسان، ويجاهد الجهاد الحسن، ليريح ضميره الروحي، ولكي تستريح روحه في الله – وقد قال الرسول موبخًا (لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية) (عب 12: 4). وهناك من يتعب جسده، وفي نفس الوقت يتعب روحه. فلا هو أدرك سماء، ولا أرضا. كالذي يتعب أعصابه بالغضب، ويتعب صحته بالتدخين وبالخطايا الشبابية.. وبينما الإنسان الروحي يتعب من أجل البر، يتعب الخاطئ تعبا باطلا.. ومن هذا التعب الباطل، تعب الشياطين في إغراء البشر. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
في الخدمة الخادم يتعب، فيريح ضميره، ويريح غيره. وكما قال الرسول (كل واحد سينال أجرته بحسب تعبه) (1كو 3: 8). وهكذا تعب القديس بولس في الخدمة، لبناء الملكوت وخلاص أرواح الناس.. والخادم الذي لا يتعب جسديا لأجل الخدمة، لن يستريح روحيا، ولا تستريح الخدمة.. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الطموح الطموح هو الرغبة في الازدياد، والتطلع باستمرار إلى قدام. هو حالة إنسان لا يكتفي، ولا يحب أن يقف عند حد. فهل هذا خطأ أم صواب؟ هل هو وضع روحي أم غير روحي، طبيعي أم غير طبيعي؟ يستمر فيه الإنسان أم يقاومه؟ إنه سؤال هام نجيب عليه الآن، من حيث نوعية الطموح واتجاه مساره. الطموح هو شيء طبيعي. جزء من طبيعة الإنسان. فكيف ذلك؟ نقول إن الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله. والله غير محدود فكيف يكون الإنسان على صورة الله في هذه الصفة بالذات، بينما الله هو الوحيد غير المحدود؟ الإجابة هي: لقد وجد الله في الإنسان اشتياقا إلى غير المحدود. مادام الإنسان لا يمكن أنت يكون غير محدود في ذاته، لأن هذه صفة الله، لذلك أصبحت عدم المحدودية يمكن أن تكون في رغباته وفي طموحاته كلما يصل إلى وضع، يشتاق إلى ما هو لأعلى، وما هو أفضل، في النطاق المسموح به لإنسانيته، بحيث (لا يرتئي فوق ما ينبغي.. بل يرتئي إلى التعقل) (رو 12: 3). مادام الإنسان على صورة الله، إذن فالطموح شيء طبيعي. ولكن يختلف الطموح من شخص لآخر. وحسب نوع الطموح عليه بأنه خير أو شر.. لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله) (أف 4: 18: 19). صدقوني يا أخوتي أنني أقف مبهوتًا ومنذهلًا، أمام هذه العبارة الأخيرة: (لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله)..! مادام طريق الكمال طويلا جدا إلى هذا الحد، وإلى هذا المفهوم العميق، إذن ينبغي علينا أن لا نسير فيه ببطء أو تكاسل، بل نستمع إلى القديس المختبر وهو يقول (أركضوا لكي تنالوا..) (1كو 19: 24) ويطبق هذا على نفسه فيقول (إذن أنا أركض هكذا) (1كو 9: 26). عجبًا على هذا القديس، الذي كان مازال يركض، حتى بعد أن صعد إلى السماء الثالثة. الطموح المقدس إذن هو طموح روحي. نحو الهدف الروحي، وبأسلوب روحي. ومع ذلك هناك طموح آخر، عالمي وخاطئ، فما هو؟ |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الطموح الخاطئ إنه طموح مركز على الذات، ولأهداف عالمية، وربما بوسائل خاطئة.. مثل الطموح في الغنى، في اللذة، في الشهوة، في المال، في الألقاب، في العظمة في المجد الباطل، وما أشبه.. مثال ذلك الغنى الغبي. هذا الذي (أخصبت كورته) فقال (أهدم مخازني، وابني أعظم منها، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة. استريحي وكلى وأشربي وأفرحي) (لو 12: 18، 19) وهكذا كان مركزا في المادة وحول ذاته. ولم تدخل علاقته بالله في طموحه لذلك سمع ذلك الحكم الإلهي (يا غبي، في هذه الليلة، تؤخذ نفسك منك. فهذه التي أعددتها، لمن تكون؟!) (لو 12: 20). مثال آخر هو سليمان الحكيم: كانت طموحاته في العظمة والرفاهية، وفي اللذة والنساء. وهكذا قال عن نفسه (عظمت عملي. بنيت لنفسي بيوتًا، غرست لنفسي كرومًا، عملت لنفسي جنات وفراديس.. قنيت عبيدا وجواري جمعت لنفسي أيضًا فضة وذهبا، وخصوصيات الملوك والبلدان. اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات، وكل تنعمات البشر سيدة وسيدات. فعظمت وازدادت أكثر من جميع الذين كانوا قبلي في أورشليم ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما) (جا 2: 4-10). وماذا كانت نتيجة كل هذه الطموحات العالمية؟ يقول سليمان (ثم التفت أنا إلى كل أعمالي التي عملتها يداي، وإلى التعب الذي تعبته في عمله، فإذ الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس) (جا 2: 11). نعم، هذا هو الطموح العالمي الباطل.. وكيف أنه قاد سليمان إلى الخطية وإلى عقوبة الله. وقال عنه الوحي الإلهي (إن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى. ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه) (1مل 11: 4). من الطموحات العالمية أيضا: الذين بنوا برج بابل. أرادوا العظمة والعلو. وقالوا (هلم نبن لأنفسنا مدينة، وبرجا رأسه في السماء ونصنع لأنفسنا اسمًا) (تك 11: 4) فكانت النتيجة أن الله بلبل ألسنتهم، وبددهم على وجه الأرض.. (تك 11: 7، 8) لأن الله لم يوافق على هذا الطموح الممتزج بحب العظمة والكبرياء ولكن أسوا طموح، كان طموح الشيطان !! هذا الذي كان ملاكا ورئيس ملائكة، هذا الذي لقبه الكتاب بالكاروب المنبسط المظلل. وكان كاملا في طرقه يوم خلق (حز 28: 14، 15). وعلى الرغم من سقوطه استمر في طموحاته الشريرة. حتى وصل به الأمر أنه من على جبل التجربة قال للسيد المسيح له المجد، وهو يشير إلى جميع ممالك الأرض ومجدها (أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي) (مت 4: 8، 9) فانتهره الرب قائلا أذهب يا شيطان. واستمر في طموحاته، يريد أن ينافس الله، ويضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض (رؤ 20: 8) ويسبب الارتداد العظيم الذي يسبق المجيء الثاني (2تس 3، 9) وبنفس هذا الطموح الخاطئ عمل على إسقاط أبوينا الأولين، في الإغراء على الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، قائلا (تصيران مثل الله عارفين الخير والشر) (تك 3: 5). هناك نوع من الطموح يمتزج بالغرور. غرور سابق للطموح، وغرور لاحق له.. أما عن الغرور السابق، فهو أن يظن الشخص في نفسه فوق ما يستطيع ويرتئي فوق ما ينبغي (رو 12: 2) وربما يقفز إلى درجات روحية فوق إمكانياته، فلا يحسن منها شيئا بل يهبط إلى أسفل. أو يطمح إلى مسئوليات فوق قدراته فيفشل.. وإن نجح في شيء، يلحقه غرور آخر فيطلب المزيد.. إن كثير من القادة السياسيين أضاعهم الطموح الزائد في الاتساع ومواصلة الانتصار، حتى انتهوا إلى الفشل والضياع، مثلما حدث لهتلر ولنابوليون أيضا.. إن شهوة الاتساع والامتداد كثيرا ما أتعبت الطامحين. وأوصلتهم إلى الطمع وعدم الاكتفاء. كما يقول سليمان الحكيم (كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن) (جا 1: 7) وأيضا (العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع) وهكذا تجد كثيرا من المحارَبين بالطموح العالمي، نفوسهم في تعب مهما نالوا ومهما أخذوا بسبب الاتساع والطمع التي لا يشبعها شيء. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الفرق بين النوعان الطموح الخاطئ: كلما يصل ينتفخ ويتكبر. أما الطموح الروحي، فيفرح بالرب في اتضاع. إن عمل الاثنان في المجال الديني. فصاحب الطموح الخاطئ يحب أن يصل إلى مواهب الروح التي ينال بها مجدا من الناس. أما صاحب الطموح الروحي، فيسعى إلى نوال ثمار الروح (غل 5: 22، 23) التي يتمتع فيها بمحبة الله وبالفضائل الخفية.. إنه يجاهد في الروحيات لا ليفتخر بما وصل إليه، بل لأنه لذة روحية في الالتصاق بالرب. وكلما يزداد اتضاعًا، عارفا أن طريق الكمال لا يزال بعيدا. وينظر إلى المثل العليا في حياة القديسين، فيرى أنه لم يفعل شيئا! ومهما وصل طموحه يتذكر قول الرب: (متى فعلتم كل ما أمرتم به، فقولوا إننا عبيد بطالون) (لو 17: 10) لذلك فإن قديسين كثيرين وصلوا إلى مستويات عالية جدا، ومع ذلك كانوا يبكون على خطاياهم. لأنهم كانوا في طموحهم الروحي، كانوا في طموحهم الروحي، كانوا يرون درجات أعلى وأعلى، لم يصلوا إليها بعد.. إن المقاييس تتغير بين الروحيين وأهل العالم في طموحهم. · الذي عنده طموح عالمي يحب مثلا أن يزداد في الغنى، وتكثر أمواله وأرصدته يوما بعد يوما حتى أنه يصاب بالتجلي.. أما الإنسان الروحي، فإن طموحه هو في توزيع ماله على الفقراء، حتى يكون له كنز في السماء.. · الإنسان الذي عنده طموح عالمي، يجب أن يكون الأول باستمرار، بل الوحيد ويحب المتكئات الأولى. أما الإنسان الروحي فإن طموحه في أن يكتسب فضيلة الاتضاع، وأن يأخذ المتكأ الأخير ويضع أمامه قول الرسول (مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة) (رو 12: 10) وهكذا يجتهد أن يكون آخر الكل وخادما للكل (مر 9: 35) وهكذا يتحول إلى إنسان خدوم، يحب الخدمة وينمو فيها. ويحبه كل الناس لخدمته لهم. الطموح العالمي ينافس الناس ليحل محلهم. أما الطموح الروحي فيساعدهم على الوصول. إنه لا يزاحم الناس في طريق الحياة، بل بمحبته يفسح الطريق لهم ليسيروا. إنه من كل قلبه يريد أن يصل إلى الله. ولكنه في طموحه يحب أن يسبق غيره، أو أن يعطل غيره ليصل قبله. لما يشوع بن نون رأى اثنين يتنبآن، أراد أن يردعهما، حيث أن النبوة هي لمعلمه موسى النبي. فوبخه موسى بقوله (هل تغار لي أنت يا ليت كل الشعب كانوا أنبياء، إذا جعل الرب روحه عليهم) (عد 11: 26 – 29) الذي عنده طموح روحي يهدف أن يصل إلى قمة الروحيات، من أجل محبته لله، ولكنه لا يفكر أبدأ أن يسبق غيره، أو ينافس غيره، أو يتفوق عليه في الروحيات.. الطموح الذي يريد التفوق على الغير، هذا قد انتصرت عليه الذات. إن طريق الله يتسع لجميعنا، وقمم الروحيات معروضة على الكل والنعمة مستعدة أن تساعد كل أحد على الوصول. فلماذا التنافس والتزاحم إذن في طريق الطموح، بينما فيه متسع للجميع؟! أتريد في طموحك أن تنتصر على غيرك في الروحيات؟! لماذا؟! وهل في هذا الانتصار، تجد روح المحبة التي تسعى إليها في طموحك؟! أما طموح الإنسان الذي لا يحب فقط أن يكون الأول، وإنما الوحيد.. فهو بلا شك طموح شرير. لأنه في طموحه، لا يريد لغيره الخير. وهذا شر. إنه طموح قد انحرف، وتحول إلى محبة الذات أو تحول إلى الأنانية. الطموح الروحي يسعى إلى الارتفاع فوق مستويات معينة، وليس فوق أشخاص معينين. فمن الجائز أن ترتفع فوق أشخاص معينين، ويبقى مستواك منخفضا. كما أن رغبة الأرتفاع فوق الغير، قد تعصف بك إلى نطاق الحسد والغيرة، مما يتعارض مع روح المحبة الحقيقية. وتظل ترقب هذا الذي ينافسك، وقد تفرح بفشله لأن هذا يعطيك فرصة التفوق عليه. وهكذا تفقد نقاوة قلبك.. اسع إلى الامتياز، وليس إلى الانتصار على الغير. وإن صرت الأول، فهذا حسن جدا. وإن لم تصر. فلا تحسد من صار الأول، بل افرح بتفوقه.. الإنسان الروحي طموحه في أن ينتصر على نفسه، لا على الآخرين. وليكن هدفك من السعي إلى الكمال هو إرضاء الله وليس المجد الباطل.. إنها وصية إلهية أن تصير كاملا (مت 5: 48) فإن صرت هكذا، تفرح بإرضاء الله الذي نفذت وصيته. ويكون فرحا بغير افتخار، وبغير مقارنة بالآخرين. الإنسان الروحي في الطموح، ينمو باستمرار. فالنمو صفة عملية للطموح. ولكنه في نفس الوقت يفرح حينما يرى غيره ينمو أيضا.. الطموح الروحي ينمو في الروحيات: في الصلاة، في التأمل، في معرفة الله، في محبته، في خدمته، في محبة الآخرين.. وكلها ليست مجالا للتنافس. إذا صلى، يحب أن ينمو في الصلاة: من جهة الوقت الذي يقضيه مع الله، ومن جهة ما في الصلاة من حرارة ومن عمق وتأمل، ومن حب وإيمان. وهكذا مع باقي الفضائل. باستمرار يمتد إلى قدام. أما غير الطموح، فقد يتوقف عند وضع معين، ويتجمد. وهذا التوقف قد يؤدى إلى الفتور. وفى الحياة العملية ينبغي أن يكون الإنسان طموحًا. يهدف إلى النجاح في كل ما تمتد إيه يده، كما قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلا ناجحا. وكان الرب معه. وكل ما كان يصنع، كان الرب ينجحه بيده (تك 39: 2، 3) وهناك ولعل البعض يسأل: هل يتناقص الطموح مع القناعة؟! كلا. فالقناعة تكون في الماديات، والطموح في الروحيات. ويتمشى الاثنان معًا. يقويان بعضهما البعض. يسأل البعض كيف يكون طموحي نحو الكمال، بينما الكمال لله وحده. فأقول له المطلوب منك هو الكمال النسبي، وليس الكمال المطلق.. وإن لم تصل إلى الكمال، فعلى الأقل أن ينمو. ويجدك الله سائرا في الطريق، متقدما كل يوم. كن كالشجرة التي كل يوم تنمو. فالصديق كالنخلة يعلو. ولا تجعل طموحك في أمانتك في عملك، يعطل طموحك في روحياتك. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
5) مفهوم الخطيَّة: الخطية كثيرون يقولون كلمة (أخطأت) بسهولة عجيبة! دون أن يدركوا مفهومها، ولا عمق معناها.. ونحن جميعا نكرر هذه العبارة في الصلاة الربانية: أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأتِ ملكوتك... "اغفر لنا خطايانا".. ونقولها أيضا في المزمور الخمسين (إليك وحدك أخطأت واشر قدامك صنعت) ونفس العبارات نقولها في صلاة الثلاثة تقديسات (اغفر لنا خطايانا، وآثامنا، وزلاتنا) نقول هذا كله في هدوء، دون أن ندرك خطورة مدلولاته!! فما هي الخطية إذن؟ |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الخطية ضد الله خطورة الخطية إنها أولا موجهة ضد الله. لذلك فإن داود يقول للرب في مزمور التوبة (إليك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت) (مز 50) ويقول عن الخطاة (لم يسبقوا أن يجعلوك أمامهم) أي لم يفكروا أنك أمامهم، تراهم وتسمعهم. فالخاطئ كأنه في غيبوبة لا يدرى ماذا يفعل. يحتاج إلى من يوقظه ويجعله يفيق، لكي يدرى ما يفعل. تدل الخطية على أنك لا تشعر بوجود الله. فلو كنت تشعر بوجود الله، ما كنت ترتكبها قدامه، بدون خجل!! ولعل هذا ما كان يجول بذهن يوسف الصديق وهو يقول (كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله) (تك 39: 10) إذن أنت في الخطية، إنما تخطئ إلى الله قبل كل شيء: تقاومه وتعصاه وتتحداه، تحزن روحه القدوس تدنس سكناه في قلبك.. إلخ. هل تشعر بكل هذا، وأنت تخطئ، أو وأنت تعترف بخطيتك؟ أم أنت تذكر الخطية ببساطة، دون أن تشعر بخطورتها وبشاعتها..! كإنسان مريض تسأله عن صحته، فيقول لك: (شيء بسيط. مجرد سرطان.. مجرد إيدز)!! وهو لا يدرى سرطان أو معنى إيدز!! أولا: الخطية هي التعدي (1يو 3: 4). هي التعدي على وصايا الله، كسر الوصايا، عدم الاهتمام بها.. أو هي التعدي على حقوق الله، وعلى كرامته وعلى أبوته. معنى الخطية يؤخذ من ناحتين: من جهة الله، ومن جهة الناس. الخطية من جهة الله، هي تمرد عليه. ثورة على الله، وعصيان، وتمرد.. تصوروا حينما يثور التراب والرماد، ويتمرد على الله خالق السماء والأرض.. لاشك أنه لون من الكبرياء، أن يتمرد التراب أمام الله.. إنه قبل أن يكسر الوصية، تكون الكبرياء قد كسرت قلبه من الداخل. الخطية إذن هي كبرياء وتشامخ. ولذلك حسنا قيل في سفر الأمثال (قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح) (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). (أم 16: 18) وبهذا الكبرياء يسقط الإنسان. إن المتضع الذي لصقت بالتراب نفسه، لا يسقط أما المتكبر، فإنه يرتفع إلى فوق ثم يسقط. الخطية أيضا هي عدم محبة لله. وفى هذا يقول القديس يوحنا الرسول (إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب) (1يو 3: 15) إذن فالإنسان أمامه أحد طريقين: إما محبة العالم، أو محبة الله. وواضح أن الخاطئ يفضل محبة العالم على محبة الله، أو قل: يحب ذاته أكثر من محبته لله (وطبعا ذاته بطريقة تهلكها). وطبيعي أن الخطية عدم محبة لله، لأن الخاطئ يعصى الله ويتمرد عليه. الخطية عداوة لله، أو خصومة معه. وواضح هذا من قول القديس يعقوب الرسول (أما تعلمون أن محبة العلم عداوة لله؟!) (يع 4: 4) فإن كانت كلمة (عداوة) صعبة فلنستخدم على الأقل كلمة خصومة. ولهذا فإن حال الخطاة يحتاج إلى مصالحة.. وهكذا يقول القديس بولس الرسول إن الله (أعطانا المصالحة) لذلك (نسعى كسفراء عن المسيح.. نطلب تصالحوا مع الله) (2كو 5: 18، 20) لذلك إن كنت إنسانا خاطئا، فأنت محتاج أن تتصالح مع الله.. وكخصومة، الخطية هى انفصال عن الله. لأنه (أية شركة للنور مع الظلمة؟!) (2كو 16: 14) فالله نور، والخطاة يعيشون في الظلمة الخارجية، إذا قد أحبوا الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة) (لأن كل من يحب السيئات يبغض النور، ولا يأتي إلى النور، لئلا توبخ أعماله) (يو 3: 19، 20). الابن الضال، حينما أحب الخطية، ترك بيت أبيه، وانفصل عنه، وذهب إلى كورة بعيدة (لو 15: 13) هكذا ينفصل عن الله، بقلبه وبفكره وبأعماله وعن هذا الانفصال يقول الرب (أما قلبهم فمبتعد عنى بعيدًا) (مر 7: 6) وبقاء الخاطئ في هذا الانفصال، وفي هذا البعد معناه أن عشرة الله لا تهمه ولا تروق له!! وهكذا فإنه يفض شركته مع الله، وينهى علاقته به، ولا تكون له بعد شركة مع الروح القدس، طالما هو يحيا في الخطية. وبالخطية نحزن روح الله القدوس (أف 4: 30) وهكذا حال الخطية منذ البدء. ففي قصة الطوفان يقول الكتاب ( فحزن الله وتأسف في قلبه) (تك 6:6) إن الله يحزن إذ يجد خليقته التي صنعها على صورته ومثاله، تتحطم أمامه، وتتدنس أمامه. وفى الخطية لا نحزن فقط روح الله، إنما أيضا نقاومه ونعانده. كما قال القديس اسطفانوس الشماس لليهود في وقت استشهاده: أنتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان آباؤكم (أع 7: 51). بل قد يصل الخاطئ إلى حد يفارقه فيه روح الله. كما قال الكتاب عن شاول الملك (وفارق روح الرب شاول، وبغته روح رديء من قبل الله) (1صم 16: 14) ما أصعب هذا الأمر، أن يفارق روح الرب إنسانا!! وإن كان هذا الكلام صعبا عليك، وتقول في احتجاج (كيف هذا: إن روح الله يفارقني؟!) سأورد لك الأمر بطريقة أسهل.. فبدلا من عبارة (روح الله يفارقك) نقول: أنت الذي تفارق روح الله وفي كلا الحالتين حدثت مفارقة، انفصال، بعد بينك وبين روح الله.. إن القديس بولس الرسول يتكلم كلاما صعبا جدا، وبخاصة من جهة خطية الزنا. يقول ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح، وأجعلها زانية؟! حاشا) (1كو 6: 15) إذن الإنسان في هذه الخطية يدنس هيكل الله. وهكذا يقول الرسول (أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم! إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو) (1كو 3: 16، 17). إذن حينما تقول (أخطأت) حلل هذه العبارة، لتعرف ماذا تحوى داخلها.. أتراها تحمل كل ما ذكرناه من خطايا، أم تراها تحمل أكثر وأكثر، وبخاصة ما تحويه من تفاصيل بشعة.. والإضافة إلى هذا، فإن الخطية تدل على معنى آخر: الخطية هى استهانة بالبنوة لله. فإن كنت حقا ابنًا لله، وعلى صورته ومثاله، فإنك لا يمكن أن تخطئ. كما يقول القديس يوحنا الرسول إن (المولود من الله لا يخطئ، بل لا يستطيع أن يخطئ والشرير لا يمسه) (1يو 3: 9) (1يو 5: 18) ويقول عن الرب (إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يفعل البر مولود منه) (1يو 2: 29). هل الخاطئ -وهو يخطئ- يكون متذكرا أنه ابن الله. وصورة الله؟! أم يكون وقتذاك متنازلا عن هذه البنوة وصفاتها. هذه التي يقول عنها الرسول (بهذا أولا الله ظاهرون، وأولاد إبليس ظاهرون) (1يو 3: 10) لهذا وبخ القديس بولس المخطئين، بأنهم (نُغُولٌ لا بنون) (عب 12: 8). الخطية هى أيضا خيانة لله. لأن الخاطئ أثناء خطيته يكون منضما لأعداء الله ضده، أي لإبليس وجنوده.. بل للأسف يكون قد صار واحدا منهم. كما قال الرب موبخا اليهود (لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم.. أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا) (يو 8: 39، 44). ويوحنا المعمدان وبخهم قائلا (يا أولاد الأفاعي) (مت 3: 7) أي أولاد الشيطان. الخطية هي أيضًا صلب للسيد المسيح. وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول (لأن الذين استنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السمائية، صاروا شركاء الروح القدس.. وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه..) (عب 6: 4-6) على الأقل، فإن كل خطاياك لا تغفر إلا إذا حملها المسيح على صليبه. كأنك بخطاياك تضيف ثقلا عل صليب المسيح، وتضيف قطرات مرة في الكأس التي شربها.. وبخطاياك تضع رجاسات على المسيح في صلبه! فهو الذي حمل خطايا العالم كله ليمحوها بدمه ويكون كفارة عنها (1يو 2: 2، 2) ومن ضمن هذه الخطايا، ما ارتكبته وما ترتكبه من خطايا.. استمع إذن في خوف إلى القديس بولس الرسول (من خالف ناموس موسى، فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابا تظنون أنه يحسب مستحقا، من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا، وازدرى بروح النعمة)؟! (عب 10: 28، 29).. تأمل إذن هذه العبارات، لتعرف مقدار بشاعة الخطية: داس ابن الله.. حسب دم العهد الذي قدس به دنسا.. أزدرى بروح النعمة يصلبون ابن الله ثانية ويشهرونه.. حقا إنها خيانة لله، وخيانة للنعمة التي نلناها في المعمودية، حيث يقول الرسول (لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح) (غل 3: 27). هل تظنون أن يهوذا وحده هو الذي خان المسيح؟! كلا، بل أن كل من يخطئ، يخون المسيح. يخون معموديته وميرونه، ويخزن الدم الكريم الذي طهرنا من كل خطية (1يو 1: 7). |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الخطية من جهة الإنسان الخطية أيضا هي فقدان للصورة الإلهية. خلقنا الله على صورته ومثاله. وفقدنا هذه الصورة بسقوط أبوينا الأولين. ثم أعيدت إلينا في نعم العهد الجديد. ولكننا نعود فنفقدها كلما أخطأنا. فالخاطئ لا يمكن أن يكون على صورة الله، لأن الله قدوس.. والخطية هي كذلك حرمان من الله. أنت غصن في الكرمة، طالما أنت ثابت فيها، تجرى فيك عصارة الكرمة، فتحيا وتثمر. والله ينقيك لتأتى بثمر أكثر. أما الغصن الذي ينفصل عن الكرمة بحياته في الخطية، فإنه يقطع ويجف ويلقى في النار (يو 15: 1-6). وفى حالة الخطية تتعرض لتلك العبارة المخيفة التي قالها السيد الرب لفاعلي الإثم (إني لا أعرفكم قط، اذهبوا عنى) (مت 7: 23) والعجيب أنه قال هذه العبارة لأشخاص قالوا (يا رب، أليس تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسم صنعنا قوات كثيرة)..! أمر مؤلم، أن يتبرأ الرب من معرفتنا!! نفس العبارة قالها للعذارى الجاهلات (الحق أقول لكن إني لا أعرفكن) (مت 25: 12) وأغلق الباب، وبقيت هؤلاء خارجا، منفصلات عن القديسات اللائي حضرن العرس.. الخطية فساد للطبيعة البشرية. تصورا حالة آدم وحواء قبل السقوط، البراءة العجيبة، والبساطة والنقاوة.. ولكن الخطية غيرت القلب، وغيرت النظرة (رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر) (تك 3: 6) وكانت أمامها الشجرة من قبل، ولكن لم تكن تنظر إليها هكذا الخطية غيرت النظرة، وأوجدت الشهوة ففسدت الطبيعة.. دخل الإنسان في ثنائية الخير والشر، والحلال والحرام، وفقد بساطته، وعرف شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة (1يو 2: 16) وأصبح (الجسد يشتهى ضد الروح والروح تشتهى ضد الجسد، ويقاوم أحدهما الآخر) (غل 5: 7). صدقني، حتى ملامح الوجه تتغير بالخطية. نوع النظرة، والابتسامة، ولهجة الصوت، وشكل الإنسان جملة يتغير.. حتى أن الرسول ينصحنا فيقول (تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم) (رو 12: 2) فإن عاش صديق لك في الخطية، ورأيته بعد مدة، تكاد تقول: ليس هذا هو الإنسان الذي كنت أعرفه من قبل. الآن كل شيء فيه قد تغير.. حتى ملامحه!! الخطية هي هزيمة وسقوط وضعف. مهما ظن الخاطئ أنه نال من العالم شيئا. إن شاول الملك لم يكن قويا وهو يطارد داود من برية إلى برية. بل كان مهزوما من ذاته ومن غيرته. وأخيرا أحس بهزيمته، فرفع صوته وبكى . وقال لداود (أنت أبر منى، لأنك جازيتني خيرًا، وأنا جازيتك شرًا) (1صم 24: 16، 17). الإنسان الخاطئ إنسان ضعيف، لم يستطع أن يقاوم الخطية. فغلبه الشر، وغلبته شهوته فسقط وانهزم أمامها. وأصبح غير مستحق لوعود الله للغالبين، كما ذكرها الرب في رسالته للكنائس السبع (رؤ 2: 3) إنه إنسان مهزوم، ليس فقط من الخطية التي تحاربه من الخارج، بل بالأكثر من الخطية التي تسكن في أعماقه. أخيرا، الخطية هي موت. لست أجد في وصفها أروع من قول الرب لراعى كنيسة ساردس (إن لك اسمًا أنك حي، وأنت ميت) (رؤ 3: 1) وهكذا قال الآب عن توبة ابنه الضال (ابني هذا كان ميتا فعاش، وكان ضالا فوجد) (لو 15: 24). |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
6) مفهوم الحب والصداقة:
الحب أولًا لله
|
رد: كتاب عشرة مفاهيم
أنواع من المحبة توجد محبة طبيعية مثل المحبة بين البنوة والأبوة، لذلك شبه الله محبته لنا بمحبة الأب للأبناء. وتوجد محبة مكتسبة كمحبة الأصدقاء والأقرباء والزملاء، أو المحبة بين خطيب وخطيبته، أو بين زوج وزوجته. والمحبة قد تسلك في درجات.. ربما تبدأ بزمالة، تتدرج إلى تعاون أو صداقة. والزمالة هي علاقة بين اثنين أو أكثر في رابطة بعمل مشترك أو مصلحة مشتركة. وقد تؤدى إلى فكر مشترك.. وربما تؤدى الزمالة إلى صداقة وربما يوجد في العلاقات لون من الإعجاب. والإعجاب غير الحب. فربما تُعجب ببطل من أبطال الرياضة. ولكن ليس معنى هذا أنك تحبه. كذلك قد تعجب بكاتب من الكتاب. يعجبك فكره، دون أن تكون هناك صلة بينك وبين شخصه. وقد تنشأ بينكما رابطة فكرية، ولكن ليست هي الحب. وإن تدرجت إلى المحبة، فإنها تكون محبة لفكره أو لأسلوبه، ولكن ليس لشخصه.. المحبة هي التقاء بين قلبين، أو اتحاد قلبين، بمشاعر واحدة، أو عواطف واحدة ولكن تكون محبة مقدسة، من المفروض أن تكون هذه المشاعر داخل محبة الله، لا تتعارض معها، ولا تزيد عليها. ومن المشاكل أن توجد محبة من جانب واحد. لابد أن يكون هناك شيء من الخطأ، أو عدم التوافق. فالمفروض أن المحبة تولد محبة.. ومن شروط المحبة أن تكون عاقلة وحكيمة وروحية، لأن هناك أنواعا من المحبة قد تسبب ضررا والمحبة الحقيقية ينبغى أن تكون محبة طاهرة. وهنا نفرق بين المحبة والشهوة وأتذكر أنني قلت مرة في التمييز بينهما: المحبة تريد دائما أن تعطى. والشهوة تريد أن تأخذ. والشهوة التي تريد دائما أن تأخذ، وتتصف دائما بالأنانية. وقد تضيع الطرف الآخر الذي تدعى أنها تحبه. وقد تحبسه داخلها، وتحد حريته في الاتصال بالآخرين وقد تتحول أحيانا إلى غيرة مدمرة..!! إنها في الواقع ليست محبة حقيقية. فالمحبة الحقيقية تتصف بالعطاء والبذل. وقد تصل إلى التضحية بالذات.. فانظر إلى نفسك، في علاقتك مع الجنس الآخر، أهي علاقة حب أم شهوة؟ الشاب الذي (يحب) فتاة، فيضيع سمعتها، أو يفقدها عفتها: هل تسمى هذا حبا أم شهوة؟! لو كان يحبها حقا، لكان يحرص عليها. يحرص على سمعتها، كما يحرص على سمعة أخته. ويحرص على بتوليتها. ويحرص على مشاعرها، فلا يشغلها به، ويعلقها بشخصه، وقد يتركها بعد ذلك حيرى، لا تجد طريقها في الحياة، أو تجده مظلما أمامها أنستطيع أن نسمى هذا حبًا؟! قد يسميه البعض مجرد تسلية في حياة الشباب!! ولكن ما هو ثمن هذه التسلية من الناحية الروحية، ومن الناحية الاجتماعية.. هذه التسلية التي تشغل الفكر، ومن تضيع المستقبل! وقد تفقد الشاب والشابة نجاحهما في الدراسة أو تفوقهما. وليس في هذا أي حب لأحد منهما. وما معنى هذه التسلية التي تفقد فيها العفة والسمعة؟ وتفقد فيها روحيات الاثنين أيضا. الحب الحقيقي لابد أن يرتبط بنقاوة القلب. والحب بين الشابين لا يجوز أن يلغى محبتهما لله. فقد قال الرب إن أحب أحدا أكثر منه، فلا يستحقني (مت 10: 37) فهل يجوز لشاب أن يحب فتاة أكثر من الله؟! وهل يجوز لشابه أن تحب فتى أكثر من الله؟! وهل يجوز أن تدخل في هذه المحبة مشاعر تتعارض مع نقاوة القلب التي بدونها لا يعاين أحد الرب؟! الذي يحبك حقا، لا يمكن أن يُفقِدَك روحياتك. الذي يحبك حقا، لا يغتصب لنفسه حبك نحو الله، ولا يقلل من مقداره، ولا يهز داخل قلبك محبتك نحو الله.. ولا يتركك في صراع بين محبتين.. محبة روحية، ومحبة جسدية، أو محبة نحو الله، ومحبة نحو إنسان.. المحبة ليست متعة على حساب الغير! بل هي إنكار للذات، وبذل للذات، في محبة الغير. كما فعل يوناثان من أجل صديقة داود. وتعرض لغضب أبيه في دفاعه عنه. وأعظم مثل للحب هو ذبيحة الصليب لأجلنا، التي قيل فيها (هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد) (يو 3: 16). إذن ماذا عن الحب الذي يقود إلى الزواج . المهم في ذلك: ما هو الضمان أنه يقود إلى الزواج؟ وما هي حدود هذا الحب، أو ما هي حدود العلاقة التي يسمونها حبا يقود إلى زواج؟ هل هو حب يشترط أن يكون بين خطبين؟ أم هو حب بدون أية رابطة شرعية؟! وما مصيره؟ وما مدى الحرص الذي يكون حافظا له من الانحراف. والمحبة الحقيقية هي محبة دائمة. أي أنها تستمر، لا تسقط أبدا (1كو 13: 8). وإذا كان اثنان يحبان بعضهما البعض محبة قوية، فإنهما يريدان ليس فقط أن تدوم هذه المحبة بينهما طول عمرهما على الأرض، بل هما يريدان أن تستمر هذه المحبة بينهما في الأبدية، فيوجدان معا في العالم الآخر.ولا يتوفر لهما ذلك، إلا لو كانت محبتهما طاهرة، بحيث يذهبان معا إلى الملكوت، في النعيم الأبدي.. لكن لو ضاع أحدهما في الطريق، فلن يوجدا معا في الملكوت. لابد إذن أن يسند بعضهما البعض في الطريق الروحي. لنفرض أنهما عاشا معا في خطية!! وتاب أحدهما، ولم يتب الآخر.. إذن سوف يفترقان بعد الموت: أحدهما إلى الفردوس، والآخر إلى الجحيم. ولن يلتقيا في الحياة الأبدية.. ولا تكون محبتهما دائمة. فالمحبة الدائمة هي المحبة الروحية. إن الحب له أنواع عديدة تتنوع في مجالاتها. الحب في أفراد الأسرة الواحدة، بين الآباء والأبناء، وبين الأخوة والأخوات، وبين الأزواج، وكله حب يوافق عليه الكتاب، وتوافق عليه الطبيعة. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الصداقة وهناك أيضًا الحب بين الأصدقاء، كالحب بين داود ويوناثان. قال فيه داود عن يوناثان بعد وفاته (قد تضايقت عليك يا أخي يوناثان. كنت حلوا لي جدًا. محبتك لي أعجب من محبة النساء) (2صم 1: 26). ذلك لأنها محبة خالصة بين روح وروح. لا دخل لمشاعر الجسد فيها. أما المحبة التي يتدخل فيها الجسد، كالمحبة التي بين زوجين، لا يبيحها الكتاب لفتى وفتاة خارج حدود الزواج. وهنا ونتطرق لموضوع الصداقة. ما مفهومها وما حدودها؟الصداقة هي مشاعر مودة، يمكن أن تكون بين رجل ورجل، أو بين امرأة وامرأة، أو بين عائلة بكل أفرادها رجالا ونساء، مع عائلة أخرى بكل أفرادها رجالا ونساء (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ويمكن أن تكون بين الجنسين في حدود المودة الروحية، بشرط أن لا يكون للجسد تدخل فيها. والصديق ينبغي أن يكون صادقًا في صداقته. ويكون أيضًا صِدّيقًا؛ أي بارًا يقود صديقه إلى الخير. فالصديق الذي يدافع عنك في أخطائك، ويثبتك فيها، ليس هو صديقا بالحقيقة. لأنه فيما يفعل ليس صادقًا، ولا صديقًا.. ومحبته لك هي لون من المحبة الضارة.. لذلك عليك أن تنتقى أصدقاءك من النوع الذي لا يشترك معك إلا في عمل البر، ولا يجاملك على حساب الحق، ولا يشجعك على خطأ.. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
المحبة الخاطئة أما المحبة الخاطئة، فتوجد أنواع منها: إما أنها خاطئة في ذاتها، أو في الوسيلة والأسلوب، أو في النتيجة. فمن أمثلة الخطأ في الوسيلة: محبة رفقة لابنها يعقوب. أرادت له أن ينال البركة. ولكنها لجأت إلى وسيلة خاطئة، وهى خداع أبيه، وبهذا عرضته لعقوبة من الله، فلم يفارقه الخداع. خدعه لابان بتزويجه ليئة بدلا من راحيل وخدعه أبناؤه بادعائهم أن ابنه يوسف افترسه وحش رديء.. وعاش يعقوب في حياة كلها تعب. كذلك أخطأت رفقة في أن محبتها لم تكن شاملة فلم تحب عيسو كما كانت تحب يعقوب. وبالمثل يعقوب لما كبر، لم تكن محبته لأبنائه شاملة أيضا. فأحب يوسف أكثر من الباقين مما سبب لهم غيرة قادتهم إلى إيذائه. إن الرب أرادنا أن نحب الكل، حتى الأعداء والمسيئين إلينا. وقال الكتاب (إن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه) (رو 12: 20). الذي يحب البعض، على حساب البعض الآخر: يكون في قلبه عدم محبة لهذا الآخر. ومن أمثلة ذلك أن ايزابل كانت تحب وزوجها الملك آخاب. وفي هذا الحب ساعدته أن يغتصب حقل نابوت اليزرعيلى. ودبرت في ذلك تهمة باطلة لنابوت بشهود زور، انتهت بها قتله وهكذا كانت محبتها لزوجها محبة خاطئة قادته إلى الظلم والقتل وإلى انتقام الرب منه (1مل 21). هناك محبة خاطئة من حيث نتائجها: مثل النسوة اللائي أعجبن بانتصار داود على جليات، فهتفن له قائلات (ضرب شاول ألوفه، وداود ربواته) (1صم 18: 7) وبهذا غرسن الغيرة في قلب شاول فاضطهد داود اضطهادًا مرًا، وسعى إلى قتله وإيذائه. وبالمثل أولئك الرجال الذين هتفوا لهيرودس الملك قائلين عنه لما خاطبهم (هذا صوت إله صوت إنسان) (أع 12: 22) ففي الحال ضربه الرب فمات، لأنه لم يعط مجدا لله. هناك محبة أخرى خاطئة، بتشجيع الخاطئين. ومن أمثلة الذين تبعوا الهراطقة على مدى الأجيال، وشجعوهم وكوَّنوا لهم شعبية تؤيدهم في أخطائهم اللاهوتية، مما جعلهم يستمرون في بدعهم وهرطقاتهم، فحرمتهم الكنيسة، وفقدوا أبديتهم أيضا. بينما لو لم يكن هؤلاء التابعون قد شجعوهم، لكان ممكنا أن يرجعوا عن الهراطقة بسبب عدم التأييد. بل أن كثيرا من هؤلاء التابعين استمروا ينادون بآراء أساتذتهم الهراطقة حتى بعد موتهم. ليست محبة أن يشجع إنسان أحد الخطاة على خطيئته. وليست محبة أن يدافع عنه، أو حتى يساعده ماليا أو ماديا. إنما المحبة الحقيقية هي أن يقوده إلى التوبة، بأن يشرح له الخطأ، ويبكته عليه، ويدعوه إلى تركه.. حقا إن هذه ليست محبة، بل هي ضرر. والكتاب يقول: (مبرئ المذنب ومذنب البريء، كلاهما مكرهة للرب) (أم 17: 15) فهذا الذي يبرئ المذنب، إنما بسبب محبته له، يفقد محبة الله، ويصير مكرهة له. وحتى محبته الخاطئة للمذنب تتسبب في هلاكه الأبدي. ويعتبر مشجعه مشتركا معه في الخطية، وفي مسئولية الخطأ ونتائجه وعقوبته. فحينما يهلك هذا المخطئ، يكون من شجعه أحد الأسباب التي أوصلته إلى الهلاك. وفي نفس الوقت يكون ضد الحق الذي هو الله. الأم التي تغطى على أخطاء ابنها، حتى لا يعرفها أبوه، فينجو من عقابه: هذه لا تحب ابنها على وجه الحق، بل تضره وتفسده وتضيع مستقبله وعلاقته بالله.. وكذلك الأم التي تدلل ابنها تدليلا يتلفه.. لهذا كله يقول أحد الأمثال (الذي يبكيك يبكى عليك، والذي يضحكك، يضحك عليك). إن أحببت إنسانا، لا تدافع عنه في خطئه، إنما أنقذه من خطئه. وذلك بقيادته إلى التوبة. وهكذا تخلص نفسه، وأيضا تنقذ نفسك من الاشتراك معه في الدينونة، إن استمر في الخطأ بسبب تشجيعك. المحبة الحقيقية هي أن تنجيه من أغلاطه، لا أن تبرر أخطاءه أمام الناس. لذلك كان التوبيخ لونا من المحبة. وكان التأديب ممن له سلطان التأديب، دليلا على الحب. وفي ذلك قيل عن الله تبارك اسمه (الذي يحبه الرب يؤدبه). بعض الناس -للأسف- يظن أن العقوبة ضد المحبة!! كلا، فهذا خطأ. لأن العقوبة تكون رادعة عن الاستمرار في الخطأ. وإن لم يستفد بها المخطئ، يستفيد بها الآخرون. كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس (الذين يخطئون، وبخهم أمام الجميع، لكي يكون عند الباقين خوف) (1تى 5: 20). أحيانا يظن البعض أن المحبة تدعوهم إلى مساعدة الآخرين، ولو في الخطأ. ومن أمثلة ذلك تلميذ يساعد زميله على الغش في الامتحان محبة له!! أو أب كاهن يساعد طالب زواج في زيجة غير شرعية زعما بأنه يساعده على الزواج بمن يحب أو طبيب يساعد فتاة أخطأت بأن يجهضها لتنجو من الفضيحة. ومن أمثلة المحبة الخاطئة، زوج يحبس زوجته في البيت لتكون له وحده. الحبي ليس هو الأسلوب السليم، بل تعميق بينه وبين زوجته هو الذي يجعلها تتمسك به وحده. كذلك محبتها لله، تجعلها لا تخون زوجها أبدا.. كما أن حبس الزوجة في البيت هو نوع من الأنانية يحرمها فيه من التمتع بالحياة بلا خطأ. هناك محبة أخرى تخطئ في الأسلوب والوسيلة. مثل محبة بطرس للمسيح التي جعلته يستل سيفه ويضرب عبد رئيس الكهنة فيقطع أذنه، فوبخه السيد على ذلك (يو 18: 10، 11). ومن أمثلة هذه المحبة الخاطئة الأم التي من حرصها على صحة ابنها تمنعه عن الصوم بكافة الطرق بل تذهب إلى أب اعترافه وترجوه أن يمنعه هو أيضا.. عكس ذلك الأم القديسة التي في أيام الاستشهاد، ذبحوا أبناءها على حجرها، وهى تشجعهم على الاستشهاد. إننا حينما نتكلم عن المحبة، إنما نتكلم عن المحبة الحقيقة، التي تهدف إلى خلاص نفس الإنسان، وإلى نجاحه بطريقة روحية. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
المحبة العملية والمحبة الحقيقية هي محبة عملية: وفى ذلك قال القديس يوحنا الرسول (لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق) (1يو 3: 18) محبة الأسرة لطفلها هي محبة عملية، فيها الاهتمام بغذائه وصحته ونظافته وتعليمه.. وكذلك الاهتمام بروحياته، وتلقينه الدين، وتدريبه على الفضيلة.. وفى حديث سفر النشيد عن الحب، يقول (اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك) (نش 8: 6). عبارة (خاتم على قلبك، تعنى عواطفك ومشاعرك القلبية أما عبارة (خاتم في ساعدك) فتعنى مد ساعدك للعمل. إن بطرس الرسول حينما قال (لو أنكرك الجميع لا أنكرك) كان خاتما على القلب. وحينما أنكر، لم يكن خاتما على الساعد.. خاتما على القلب تعنى الإيمان، وخاتما على الساعد تعنى الأعمال. والمحبة نحو الله تتطلب الاثنين معًا. والمحبة نحو الناس تتطلب المشاعر والعمل أيضًا. هذه هي المحبة العملية. ومن جهة الرعاية يقول الكتاب (الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف) (يو 10: 11) وبذل النفس هو المحبة العملية. والله -كراع صالح- يقول عنه الكتاب إنه (بين محبته لنا. لأننا ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا). رو 5: 8) إنها محبة عملية، فيها التجسدوالصلبوالفداء. المحبة عاطفة، تترجم ذاتها إلى عمل. يقول الرب (يا ابني أعطني قلبك) (أم 23: 26) فهل هذا يعنى مجرد العاطفة؟ كلا، لأنه يقول بعدها مباشرة (ولتلاحظ عيناي طرقي) هنا الحب والعمل معا. وهكذا نرى الرب يقول في ذلك: (إن أحبني أحد يحفظ كلامي) (يو 14: 23) إن حفظتم وصاياي، تثبتون في محبتي) (يو 15: 10).فالمحبة لله، ليست محبة نظرية، ولا هي مجرد عواطف. محبتك لله تتجلى في طاعته وحفظ وصاياه. كما تظهر في نشر ملكوته على الأرض. في خدمته، وخدمة كنيسته، وخدمة أولاده..أما أن تقول إنك تحب الله، وأنت جالس في خمول لا تعمل شيئا، فهذا كلام نظري لا يقبل منك. وهنا أذكر بإعجاب، أولئك الذين بشروا بكلمة الله في بلاد تأكل لحوم البشر هذه هي المحبة العملية الباذلة. محبة الشخص الذي يعطى الناس كلمة الله لكي يتغذوا، حتى لو أن بعضهم تغذى به هو! |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
العلاقة مع الله حينما نتكلم عن المحبة، لا نتكلم فقط عن المعاملات المتبادلة مع الناس، بل بالأكثر العلاقة مع الله، وحينما تكلم السيد المسيح مع الآب عن علاقته بتلاميذه، في الإصحاح المشهور (يو 17)، قال: (الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم)، (عرفتهم اسمك، وسأعرفهم. ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم) (يو 17: 8، 26). علاقة معرفة وحب. وكمثال للبذل فيها: يقول بولس الرسول عن خدمته لله: بأسفار مرارا كثيرة، بأخطار في البر، بأخطار في البحر، بأخطار من جنسي، بأخطار من الأمم، بأخطار من أخوة كذبة.. في برد وعرى، في جوع وعطش. في تعب وكمد..) (2كو 11: 26، 27). وتسأله أهذه هي الخدمة؟ وكأنه يجيب: بل هذا هو الحب. وأنت: هل حبك لله كلام أم عمل؟ هل فيه بذل وعطاء، ونشر لكلمة الله؟ هل فيه ضبط للسانك، وضبط للسانك، وضبط لفكرك، وضبط لشهواتك؟ هل الحب يظهر في صلواتك، وفي خدمتك، وفي احتمالك؟ هل في صلاتك تقول مع المرتل في المزمور (باسمك ارفع يدي، فتشبع نفسي كما من لحم ودسم) (مز 63: 4) (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). هل خدمتك حب؟ كما كانت خدمة السيد المسيح الذي قيل عنه إنه أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى) (يو 13: 1). المحبة الحقيقية هي أيضًا محبة بلا رياء (رو 12: 9). سواء كانت تجاه الله أو تجاه الناس. لا تكون قلوبنا غير ألسنتنا. ولا تكون ألسنتنا غير مشاعرنا. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
ما هي العثرة؟ ما هي العثرة، التي قال عنها السيد المسيح له المجد: (ويل للعالم من العثرات.. ويل لذلك الإنسان الذي به تأتى العثرة) (مت 18: 7) (من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر) (مت 18: 6) إن كانت العثرة بهذه الخطورة في عقوبتها، فما هي العثرة؟ العثرة هي أن يتسبب إنسان في إسقاط غيره. وقد تكون العثرة بقصد، أي أن يتعمد الإنسان ويقصد أن يسقط غيره. وهذه عقوبتها أخطر من حالة الإنسان الذي يعثر أحدًا بغير قصد.. أول عثرة في تاريخ البشرية، جاءت عن طريق الشيطان: فهو الذي أسقط أبوينا الأولين. وكانا بسيطين لا يعرفان شرًا. وفقد أسقطهما بقصد. وذلك عن طريق الخداع والإغواء وبهذه العثرة دخل الموت إلى العالم وتسبب الشيطان في إفساد الطبيعة البشرية.. وعموما طرق العثرة هي: إما أن يعثر الشخص غيره بمعرفة الخطية، أو بتسهيل الخطية، أو بمذاقة الخطية أو بإعطاء مفهوم مخادع الخطية، كأن يقدمها باسم فضيلة، أو أن يحدثه عن (منافع) الخطية وفوائدها!! |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
معرفة الخطية يعنى أن يعرف الإنسان أمورًا تضره روحيًا، ما كان يعرفها من قبل.. وهكذا تدخل في ذِهنه معارف تُدَنِّس فِكره. أو تجلب له شهوات، وتُسْقِطهُ في الخطية. ولعله عن هذه قال سليمان الحكيم (الذي يزيد علمًا، يزيد حزنًا) (جا 1: 18). وبهذه المعرفة سقطت حواء، مع أنها كانت معرفة غير سليمة، قال لها الشيطان وهو يكذب "تنفح أعينكما وتصيران مثل الله".. (تك 3: 5) فما الذي أحدثته هذه العبارة؟ لقد غيَّرَت نظرة حواء وتفكيرها وشعورها "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت.." فالذي يصب في أذن زميل أو صديق معلومات تضره، إنما يعثره. كأن يعطيه معلومات تدين شخصا معينا، أو تجعله يأخذ فكرة سيئة عنه أو يقدم له معارف معينة تتعبه أخلاقيا، أو شكوكا تتعبه عقيديًا.. بحيث يخرج صاحبه من هذا اللقاء ليقول: ليتني ما قابلت فلان، أو ليتني ما سمعت. مثال ذلك أيضًا البيئة الشريرة، وما تقدمه من أفكار. هذه التي قال عنها الرسول (المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة) (1كو 15: 33) Evil company corrupts good habits. وهكذا بالعثرة من جانب، وبالانقياد للعثرة من جانب آخر، يتعلم منهم التحايل، أو طرق المكر. أو طالب يتعلم التزويغ من الدارسة، أو الغش في الامتحان. وأطفال تستخدمهم عصابات فتعثرهم وتعلمهم النشل. أو شباب يجتمعون معا، والجديد فيهم يعلمونه تعاطي المخدرات أو لعب القمار. كلها عثرات، ولتفاديها قال عنها المرتل في المزمور الأول (طوبى للإنسان الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف، وفى المستهزئين لم يجلس..). كذلك يعتبر عثرة من يقدم لك الفكر الخاطئ، دون أن يرد عليه. يقدم لك كل أدلة الفكر الخاطئ وبراهينه، ويقف عند هذا الحد، دون أن يذكر تعليقاته على كل ذلك دون ذكر الردود التي تحطم ذلك الفكر الخاطئ.. وإذا هوجم فلا يورده من أفكار، يرد قائلا (أنا لم أقل إن هذا رأيي، وإنما ذكرت كل ذلك من باب العلم!!) والخطير أيضًا أن يكون وراء هذا الشخص تابعوه وتلامذته ومريدوه، الذين يكررون نفس الكلام ويعملون به، ويكونون هم أيضًا عثرة. البعد عن هؤلاء: طهارة، وليس خصومة. إنه بعد عن أسباب العثرات، أو البعد عن معرفة العثرة. فالذي يسبب العثرة يفقد صاحبه البساطة والبراءة التي كان يحياها. وكأنه يقول له ما قاله الشيطان لحواء (تنفتح أعينكما..) تنفتح العين، فتعرف الخطية.. النقطة الأخرى غير معرفة الخطية، هي تسهيل الخطية. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
تسهيل الخطية إنه نوع آخر من العثرة. لأنه ربما يعرف إنسان الخطية، ولكنه لا يمارسها لأن الباب مغلق أمامه. لذلك يعثره من يسهل الأمر عليه. فيعرفه أماكن الخطية ووسائلها، ويقودها إليها، ويزيل الخوف من قلبه، كما يزيل العوائق من أمامه. مثال ذلك ما فعلته إيزابل مع الملك آخاب في الاستيلاء على حقل نابوت اليزرعيلي (1ما 21)، وما كان ينويه اخيتوفل في نصيحته لأبشالوم ليمكنه من القضاء على أبيه داود (2صم 17). كل هذا أعمق وأخطر بكثير من مجرد معرفة الخطية، التي علاجها أسهل من علاج مذاقة الخطية. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
مذاقة الخطية هي الخطوة العملية الأولى في ارتكاب الخطية. كالذي يقدم لشخص سيجارة ليدخنها، أو وردة فيها مسحوق الهيروين ليشمها، أو يجعله يذوق مكسبا في لعب القمار، أو يذوق كأسا من الخمر، أو يفتح له مجالا عمليا لممارسة الخطايا الشبابية. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
اسم آخر للخطية من العثرة أيضًا تسمية باسم فضيلة. أو باسم آخر يسهل قبوله. فالذي ينشر هرطقة مثلا، يقول عنها إنها المفهوم السليم للدين. والذي يعلم زميله لعب القمار، يسميها تسلية، أو تحلية للعب. والذي يدعو لممارسة الزنى، يسمى ذلك معالجة للكبت وأضراره. والذي يساعد على التهرب من الضرائب، يقول إن ذلك مجرد تخلص من مغالاة وظلم اللجان التي تقدر قيمة الضريبة.. وهكذا. فإن الشيطان -في العثرة- لا يحارب بوجه مكشوف |
الساعة الآن 05:22 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025