منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   قسم الرب يسوع المسيح الراعى الصالح (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=17)
-   -   قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013 (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=156297)

john w 04 - 05 - 2013 03:13 PM

قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح

حقيقة راسخة أم أكذوبة خادعة


إنْ كنَّا نبحث عن حقيقة هامة، تتعلق بالإيمان المسيحي، ونقضها يزعزع كل أركانه، فلن نجد في هذا المضمار أكثر من حقيقة ”قيامة الرب يسوع من الأموات“، الأمر الذي عبَّر عنه الرسول بولس بالقول: «إن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطلٌ أيضًا إيمانكم... أنتم بعد في خطاياكم» (1كو 15: 14، 17).

إنَّها النقطة المحوريَّة لكلِّ كارز، فهكذا أشار إليها الرسول بطرس في خطاباته في بكور تكوين الكنيسة: «فيسوع هذا أقامة الله، ونحن جميعًا شهودٌ لذلك... ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهودٌ لذلك... ونحن شهودٌ بكلِّ ما فعل في كورة اليهوديَّة وفي أورشليم، الذي أيضًا قتلوه معلَّقين أيَّاه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث، وأعطى أنْ يصير ظاهرًا» (أع2: 32؛ 3: 15؛ 10: 39، 40؛ إلخ).

ولقد لخَّص الرسول بولس الإنجيل الذي تسلَّمه، وصار يكرز به، بالقول: «فإنَّني سلَّمت إليكم في الأوَّل ما قبلته أنا أيضًا: أنَّ المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنَّه دُفن، وأنَّه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 15: 3، 4).
ولأهمية هذه الحقيقة، ولكثرة ما تعرَّضت للنقض والهجوم، سوف نعرض بعض البراهين العقلانيَّة والمنطقيَّة لقيامة الرب، وكذا بعض النظريات الخاطئة التي تعارض هذه الحقيقة الهامة، وسنحاول بنعمة الرب تفنيدها ودحضها.

أوَّلاً: القيامة والبراهين الثابتة على صحتها

1- فض الختم الروماني
كان الختم موضوعًا على الحجر الذي يحرس قبر المسيح، وهذا الختم يُمثِّل سلطان وقوَّة الإمبراطوريَّة الرومانيَّة. وأي محاولة لزحزحة الحجر عن مدخل القبر لا بدّ أنْ تؤدي إلى فضّ الختم، والتعرُّض بذلك لعقوبة القانون الروماني. وكانت العقوبة لمن يعبث بهذه الأختام صارمة جدًّا، فكانت المخابرات الرومانيَّة تبحث عن المتسببين في ذلك، وإذا تمَّ التوصل لهم فهذا يعني الصلب والرأس منكَّس لأسفل. فكان الكلّ يرتعب من فض الأختام، ولا سيَّما تلاميذ الرب يسوع الذين أظهروا كل الجُبن حينما اختبأوا، وإذا افترضنا أنَّ الشجاعة حلَّت فجأة على التلاميذ وقاموا بفضّ الختم، فلماذا لم تنِل منهم الإمبراطوريَّة الرومانيَّة ولا سيَّما أنَّهم كانوا معروفين؟!

2- القبر الفارغ
إن الأحداث المسجَّلة بخصوص الدفن يمكن تصديقها تاريخيًّا. ومن ضمن هذه الأحداث ذِِكر شخصيَّة ”يوسف الرامي“ الذي قام بدفن المسيح في قبره الخاص، إذ يُكتب عنه أنَّه ”مشير شريف“ (مر 15: 43)، من أعضاء مجمع السنهدريم، ويستحيل أن تثبت أسطورة عن طبقة اليهود الحاكمة (مجمع السنهدريم). كما أنَّ غياب أيَّة قصة أخرى تُروي أحداث الدفن، تُؤكِّد مصداقية ما سُجِّل في الكتاب المقدس. فإذا كانت هذه القصة أسطورة لتوَقعنا قصصًا أخرى مختلفة ولا سيما في الأدب اليهودي، ولكننا لا نجد.

وبما أنَّ قصة القيامة ترتبط بقصة الدفن، فبذلك تكون دقة قصة الدفن تؤكِّد دقة قصة القيامة. ولقد كان مكان قبر يوسف الرامي معروفًا، وإذا لم يكن خاليًا بالفعل، لَمَا صدَّق التلاميذ، ولا آلاف من الذين آمنوا، قصة القيامة.

كما أنَّ غمالائيل، وهو أحد أعضاء مجمع السنهدريم اليهودي، افترض أنَّ قيام حركة المسيحيَّة قد تكون من الله (أع 5: 39)، ولم يكن من الممكن افتراض مثل هذا الافتراض إذا كان القبر ما زال مشغولاً، أو إذا كان مجمع السنهدريم يعرف شيئًا عن جسد الرب.

”البروباجندا“ التي قامت في البداية ضد المسيحية تؤكِّد حقيقة القبر الفارغ. فلقد ادَّعى قادة اليهود أنَّ التلاميذ سرقوا جسد المسيح، وهم بذلك لم ينكروا أبدًا القبر الفارغ، ولكنهم حاولوا تفسيره. وهو دليل مقنع أنَّ القبر كان فعلاً فارغًا. وهذا الدليل التاريخي يُعتبر دليلاً دامغًا لأنه جاء من أضداد المسيحية!

لم يذهب رسل المسيح إلى ”أثينا“ أو ”رومية“ ليبشِّروا بقيامة المسيح، لكنَّهم بشَّروا في مدينة أورشليم حيث قبر المسيح. فإذا كانت بشارتهم كاذبة لانكشفت الكذبة فورًا. لكن حقيقة القبر الفارغ كانت أقوى من أن تُنكر، كما ذكر ”بول الثوس Paul Althaus“: ”لم تكن القيامة لتصمد يومًا واحدًا، أو حتَّى لمدة ساعة واحدة في أورشليم، إلاَّ إذا كان القبر الفارغ حقيقة مُصادَق عليها لدى جميع الأوساط“.

عدم اعتبار قبر المسيح مزارًا دينيًّا في القرن الأول الميلادي يؤكد أنَّ القبر كان فارغًا. فقد كانت أماكن عظام القديسين تعتبر مزارات دينية آنذاك، وكان هناك على الأقل 50 مزارًا في فلسطين في ذلك الوقت، وعدم اعتبار قبر المسيح واحدًا منهم يؤكِّد إنه كان خاليًّا من عظامه.

وهذه الأدلة على القبر الفارغ يصعب دحضها، لأنها واقفة على أساس تاريخي، ويذكر المؤرخ ”مايكل جرانت“ وهو غير مسيحي: ”لا يكون المؤرخ منصِفًا إذا أنكر القبر الفارغ“.

والآن يمكننا القول إن كل الذين يرفضون حقيقة القبر الفارغ يفعلون ذلك لانحيازهم للافتراضات الفلسفية، مثل: لا يمكن أن يكون هناك معجزات. لكن هذه الافتراضات يمكن أن تتغير في ضوء الحقائق التاريخية.

3- دحرجة الحجر
في فجر الأحد، كان أول ما أثَّر في من اقتربوا من قبر المسيح هو الوضع الغريب للحجر الضخم على باب القبر، فيقول متَّى: «دَحرج حجرًا كبيرًا» (مت 27: 60)، ويستعمل مرقس مع كلمة ”دحرج“ كلمة يونانية أخرى تعني أن مدخل القبر كان منحدرًا أو مائلاً قليلاً. ثم عند مجيء المريمات، يذكر لوقا كلمة يونانية مختلفة تعني أن الحجر كان منفصلاً، أي كان يبعد قليلاً عن القبر كله. أمَّا يوحنا فيقول صراحة: «مرفوعًا عن القبر»، أي بعيدًا عنه تمامًا.

والسؤال هنا: كيف أتى التلاميذ وتسَّحبوا على أطراف أصابعهم بجانب الحراس النيام، ثم دحرجوا الحجر وسرقوا جسد المسيح، دون أنْ ينتبه الحراس؟!

4- الأكفان الموضوعة في القبر
كانت العادة عند اليهود أنْ يضعوا الأطياب (ومن ضمنها المر وهو مادة صمغية) بين طيات الأكفان حتى تلصق الأكفان ببعضها، فيَصعُب بعد ذلك فكُّها. ويسجِّل البشير يوحنا: «ثم جاء سمعان بطرس يتبعه (أي يتبع يوحنا)، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده. فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن» (يو20: 6-8).

من هذا نفهم أنَّ المسيح قام، وانسلَّ بجسده من الأكفان، حيث بقيت هي محتفظة بشكلها (كالشرنقة). وليس أحد بالسذاجة التي تجعله يعتقد أنَّ من سرق جسد المسيح قام بفك الأكفان الملتصقة، وأخرج جسد المسيح، ثم قام ثانية بلصق الأكفان كما كانت، ثم لف المنديل ووضعه وحده بعيدًا وأخذ الجسد وفرَّ هاربًا!! أ ليس من الأسهل أنْ يسرق الجسد مع الأكفان؟؟!!

5- كثرة الشهود على ظهورات الرب يسوع
عند دراسة أي حدث تاريخي، من المهم أنْ نعرف كم عدد شهود العيان الذين ما زالوا أحياءً عندما نُشرت الأخبار عن ذلك الحدث. فإذا كان العدد كبيرًا فإنَّ الثقة بهذا الحدث تكون كبيرة، لأنَّ الشهود سوف يفنِّدون الأخبار غير الدقيقة.
كما علينا أن نقول: ليس القبر الفارغ هو الذي أنشأ الإيمان بالمسيح المُقام، بل ظهور المسيح الحرفي هو الذي جعل التلاميذ يؤمنون أنه بالحقيقة قام.

ولنلاحظ أنَّ أول الذين ذكروا كشهود على القبر الفارغ وظهور المسيح كانوا من نساء وليس من رجال، وهذا يضيف قوة إلى مصداقية هذا الحدث؛ حيث لم يكن للنساء أيَّة مكانة في المجتمع اليهودي في القرن الأول، حتى أنه لم يكن يُعترف بشهادتهن في المحاكم، فذكرهن كشهود لن يضفي أيّة قيمة، بل بالعكس. فما الدافع من ذكرهن هنا إلا إذا كان هذا ما حدث فعلاً؟
وفي حديث الرسول بولس لتأكيد حقيقة القيامة، وهو يعدِّد بعض الذين حظوا برؤية الرب بعد القيامة، يقول: «وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باقٍ إلى الآن»، كما لو كان يقول: ”إن كنتم لا تصدقونني، اسألوهم“.
وعلينا أن نلاحظ أنَّ الأناجيل الأربعة كُتبت أثناء فترة حياة من عاصروا القيامة.

6- كان اتباع المسيح يُضطهدون ويُقتلون عند إعلانهم القيامة
لقد هرب التلاميذ عند القبض على الرب يسوع وأخذه للمحاكمة قبل الصلب، فواضح أنَّهم كانوا خائفين لئلاَّ يُسجنوا أو يُقتلوا بسبب تبعيتهم للمسيح، حتى أنَّ بطرس أنكر أنَّه يعرف الرب. وبعد صلب المسيح ودفنه ظلُّوا مختبئين وهم مرتعبين ومُحبَطين، حتَّى ظهر لهم الرب يسوع وتأكَّدوا من أمر قيامته. عندئذ نسوا خوفهم وذهبوا من مدينة لمدينة يشهدون عن قيامة المسيح مُضحيِّن بأنفسهم. ما الذي كان يدفعهم إلى ذلك إذا كان المسيح لم يقُم حقًّا؟! فهم لم يحصلوا على ثروة أو مكانة عالية، بل بالعكس فقد ضُربوا ورُجموا، وأُلقوا للأسود وتعذَّبوا وصُلبوا بسبب بشارتهم!

8- صمت الأعداء
لم ينفِ الأعداء قيامة المسيح، بل ظلوا صامتين، وأمام كلمات الرسول بطرس الواضحة عن حقيقة قيامة الرب في عظته: «يسوع الناصري... الذي أقامة الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه ... فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعًا شهودٌ لذلك» (أع 2: 22-32)، لم يقاوم أحد بطرس، ولا نفى أحد ما أعلنه عن قيامة المسيح. وكان كل آمالهم أن يضغطوا على الرسل ليلزموا الصمت، حتَّى لا يهيجوا الرأي العام عليهم. إذ نسمع رئيس الكهنة يقول لهم: «أما أوصيناكم أن لا تُعلِّموا بهذا الاسم، وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان»، ونلاحظ أنَّه أشار إلى حقيقة موت الرب، ولم ينفِ حقيقة أنَّه قام من الأموات. ثم إننا نسمع جواب بطرس والرسل الصريح له: «ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع ...» (أع 5: 29-31).

وفي أعمال 25، عندما أراد فستوس أن يوضِّح الدعوى المقامة من اليهود ضد بولس قال: «كان لهم عليه مسائل من جهة ديانتهم، عن واحد اسمه يسوع قد مات، وبولس يقول إنَّه حي» (أع 25: 19)، ولم يقدر اليهود أن يُفسِّروا سر القبر الفارغ. لقد اتهموا بولس بمسائل كثيرة، ولكنَّهم صمتوا أمام موضوع القيامة، أمام شهادة القبر الفارغ.
إنَّ سكوت اليهود يتحدَّث بصوت أعلى من كلام المسيحيين عن صدق القيامة. كان يمكن أن تكون قصَّة القيامة أضعف ما في المسيحيَّة، وكان يمكن للأعداء أن يُصيبوها في مقتل، لو أنَّ القيامة لم تكن قد حدثت حقًّا، ولكن الأعداء ظلوا صامتين من جهتها!

ثانيًا: القيامة والنظريات التي تنفيها

1- ربما أخطأت النساء - اللواتي بلَّغن عن الجسد المفقود- معرفة القبر
وهذا يعني أنَّ التلاميذ هم أيضًا أخطأوا في القبر، ولكن بالتأكيد لم تُخطئ السلطات اليهوديَّة أو الحرَّاس الرومان في القبر، فإذا أخطأ التلاميذ والنساء في القبر، لأسرع اليهود والرومان في إظهار جسد المسيح لإبطال إشاعة القيامة.

2- ربما أُصيب بالهلوسة أولئك الذين ادَّعوا رؤية المسيح المُقام من الأموات
لو أنَّ ما رآه الرسل مجرَّد هلوسة، فإن إرساليتهم تكون باطلة من أساسها! ويكون إيماننا المسيحي ظاهرة مَرضيَّة نشرها جماعة من المرضى العصبيين! فهل كان ما رآه التلاميذ مجرَّد هلوسة، رؤى لا يسندها الواقع؟
إنَّ وصف العهد الجديد ينفي هذه النظريَّة، إذ إنَّ المهلوسين لا يمكن أن يُصبحوا أبطالاً! ولكن الذين شاهدوا المسيح المُقام كانوا أبطالاً ذهبوا للموت بأقدام ثابتة من أجل ما رأوه.

ونظرية الهلوسة تناقض بعض ما يقوله الأطباء النفسيون عن الرؤى إنَّ المصابين بالهلوسة هم عادة أصحاب خيال واسع ومتوترون. ولكن المسيح ظهر لعدد كبير من الناس المختلفين في أمزجتهم، فمريم المجدليَّة كانت تبكي، والنسوة كن خائفات ومندهشات، وبطرس كان نادمًا، وتوما كان شكَّاكًا، وتلميذا عمواس كانا يفكران، والتلاميذ في الجليل كانوا يصيدون؛ ولا يمكن أن يكون كل هؤلاء من المصابين بالهلوسة!

الهلوسة ترتبط باختبارات الفرد الماضية المترسِّبة في عقله، وعلى هذا فمن غير المحتمل أنَّ شخصين تصيبهما الهلوسة ذاتها في الوقت ذاته، ولا سيما أنَّ فكرة قيامة الرب لم تكن مُدركَة بعد عند التلاميذ! حتى بعد أن صارت حقيقة، وأخبرت النساء بها بعضًا من التلاميذ، لم يستطع تلميذا عمواس أن يصدّقوها (لو 24: 21-24).

لقد ظهر المسيح لأكثر من خمسمائة شخص في مرَّة واحدة، وليس من المعقول أن يكون هؤلاء جميعًا مصابين بذات الهلوسة!!
وإذا افترضنا أنَّهم أصيبوا بالهلوسة، فلماذا لم يُظهر اليهود جسد المسيح المائت؟!

3- إغماء المسيح
تقوم نظريَّة الإغماء على أنَّ المسيح لم يمت على الصليب، لكنَّه أصيب بالإغماء من الإعياء الشديد وفقد الدم. فاعتقد الجميع أنَّه مات، لكنَّه عندما دخل القبر أفاقته رطوبته ورائحة الأطياب، فقام وظهر لتلاميذه الذين ظنُّوا أنَّه قام من الأموات.
وللردِّ على هذه النظريَّة نقول:

إنَّ المسيح مات فعلاً على الصليب بشهادة العسكر الرومان، ويوسف ونيقوديموس.
أ ليس غريبًا أنَّ هذه النظريَّة لم تخطر ببال أحد من معاصري الصلب، أو من جاءوا بعدهم طيلة القرون السابقة، رغم مقاومتهم الشديدة للمسيحيَّة؟!
قاسى المسيح آلامًا متنوِّعة قبل الصلب: من ترحيلات مضنية اجتاز فيها، وبعد ذلك تعرَّض للجلد الروماني القاسي، ثم آلام الصلب الرهيبة. لذلك لا يمكن أن يحتمل كل هذا الألم ويبقى حيًّا!
هل ممكن بعد إغمائه أن يُطعن بالحربة في جنبه للتأكد من موته، ثم يضعونه في قبر حجري مغلق بدون علاج لجروحه، ملفوفًا في قماش ملتصق بالأطياب.. ثمَّ يفيق بعد ذلك؟!
وكيف كان يقوم من إغمائه، ضعيفًا، مجروح القدمين؛ ليفك الأكفان المربوطة بإحكام حوله، والمثقلة بنحو خمسين كيلوجرامًا من الأطياب، وليزحزح الحجر الضخم عن القبر، ثم يمشي المسافات الطويله على قدميه الجريحتين من المسامير الغليظة؟! وكيف للجريح الجائع المنهك القوى أن يتغلَّب على الجنود الرومان الذين يحرسون القبر؟! وكيف يظهر في نفس اليوم لتلاميذه بالصورة القويَّة التي شدَّت ولاءهم وعبادتهم؟!

4- ربما سُرق جسد المسيح

وعن هذه النظرية نقول:

اتَّخذ اليهود والرومان احتياطات كثيرة حتى لا يُسرق القبر، ولا سيَّما في اليوم الثالث أي اليوم المتوقَّع فيه قيامة المسيح كما بلَّغ اليهود بيلاطس: «فمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلاَّ يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه، ويقولوا للشعب: إنَّه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشرّ من الأولى» (مت 27: 64).
جُبن التلاميذ برهان على عجزهم عن مهاجمة الجنود الرومان لسرقة الجسد، فلم يكن مزاجهم النفسي يسمح لهم بعمل شيء مثل هذا. لقد هربوا عند محاكمة المسيح، وبعد صلبه اختبأوا في عليَّة!
لو أنَّ العسكر كانوا فعلاً نائمين، فكيف عرفوا أنَّ الذين سرقوا الجسد هم التلاميذ؟! ثم إنه لم يكن ممكنًا أنْ ينام كل الحراس، لأن هذا كان يعني توقيع حكم الإعدام عليهم طبقًا للنظام الروماني.
لم يكن التلاميذ قد أدركوا بعد معنى القيامة، بل إنهم اندهشوا عندما عرفوا أنَّه قام، فكيف يزوِّرون فكرة القيامة بالسرقة (انظر لوقا 24)! ومن الواضح أنهم وهم في هذه الحالة ما كانوا ليزوّروا ويخدعوا، ليقنعوا الناس بما لم يدركوه بعد؟!
وإذا قاموا فعلاً بسرقة الجسد فكيف تحمَّلوا بعد ذلك الاضطهاد من أجل التبشير بقيامة المسيح؟ أ لم يكن يدفعهم هذا إلى الاعتراف بحقيقة الأمر لينجوا من الموت والعذاب؟!

من كل ما سبق، يستطيع كل ذي عقل أن يحكم يقينًا إن كانت القيامة حقيقة راسخة أم أكذوبة خادعة.

بقلم
يوسف عاطف

john w 04 - 05 - 2013 03:44 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح في الأسفار التاريخية


قيامة المسيح نراها لامعة متجلّية في كل الكتاب، جنبًا إلى جنب مع موته، فهكذا يعلن الرسول «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو15: 3، 4).
ولعلنا نذكر كيف فسَّر المسيح لتلميذي عمواس «الأمور المختصة به في جميع الكتب... وقال لهما: هكذا هو مكتوبٌ، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث» (لو24: 27، 46). وسنتناول في هذا المقال بعض الإشارات الرمزية للقيامة كما جاءت بالكتب التاريخية، بدءًا من سفر يشوع، وحتي سفر أستير.
في سفر يشوع
1- في الأصحاح الثاني نرى ضمانتين لراحاب: أولاً حبل القرمز المُدلَّى من كوّة بيتها، كعلامة وضمان الخلاص من الدينونة لكل من احتمى في هذا البيت؛ وفيها إشارة لموت المسيح وسفك دمه الكريم. والضمانة الثانية مُمثَّلة في حفظ حياة الجاسوسين باختبائهما في الجبل ثلاثة أيام (رقم القيامة)، وإتيانهما إلى يشوع مؤكِّدين أن الرب قد دفع الأرض كلها لتكون ملكًا لهم، وهي إشارة لقيامة المسيح كأساس تمتّعنا بالبركات السماوية وامتلاكنا الميراث الأبدي «مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظٌ في السماوات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون» (1بط1: 3-5). وهكذا بعد أن خرج دَمٌ وماءٌ من جنبه المطعون (يو19: 34)، نراه في يوحنا20 ينفخ في تلاميذه، مانحًا إياهم حياته كالمُقام من الأموات، والتي تؤهِّلهم لامتلاك كل البركات الروحية السماوية.
2- في الأصحاح الثالث نرى عبور تابوت العهد نهر الأردن، بعد ثلاثة أيام (رقم القيامة)، ليقود الشعب لامتلاك أرض الموعد التي تفيض لبنًا وعسلاً (يش3: 1-5)؛ صورة لقيامة المسيح في اليوم الثالث بعد اجتيازه الموت، ليُعدَّ الطريق، ويقودنا إلى الدائرة الروحية السماوية. وكما نعلم أن التابوت إشارة واضحة إلى المسيح باعتباره ابن الله وابن الإنسان.
3- في الأصحاح الرابع كلم الرب يشوع بأن ينتخب من الشعب اثني عشر رجلاً، رجلاً من كل سبط، ليحملوا من وسط الأردن اثني عشر حجرًا، لكي تكون هذه علامة في وسطهم، إذا سأل غدًا بنوهم عنها، يقولون لهم: إن مياه الأردن قد انفلقت أمام تابوت عهد الرب عند عبوره الأردن، فتكون هذه الحجارة تذكارًا لبني إسرائيل إلى الدهر (يش4: 1-8). وقد نرى في هذه الحجارة الشهادة عن قيامة المسيح، والتي تمّت بواسطة الرسل الاثني عشر الذين عاينوه، وأكلوا وشربوا معه بعد قيامته (أع1: 22؛ 10: 40-42). كما نرى فيها أيضًا قيامتنا مع المسيح واتحادنا معه بقيامته «لأنه إن كنا قد صرنا مُتّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته» (رو6: 5).
4- في الأصحاح الخامس نقرأ «فحلّ بنو إسرائيل في الجلجال، وعملوا الفصح... وأكلوا من غلة الأرض... وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض» (يش5: 10-12). فإن كنا نرى في المن تجسُّد المسيح واتضاعه، وفي الفصح نرى آلامه وموته، فإننا في غلة الأرض نرى قيامته ومجده؛ فالذي وُضع قليلاً عن الملائكة (المن)، من أجل ألم الموت (الفصح)، نراه مكلّلاً بالمجد والكرامة (غلة الأرض)، حيث أقامه الله من الأموات وأعطاه مجدًا، إذ قد مضى إلى السماء، وملائكةٌ وسلاطينٌ وقواتٌ مُخضعةٌ له (1بط1: 21؛ 3: 21، 22).
5- في الأصحاح العشرين نقرأ عن مدن الملجإ التي تُكلِّمنا أيضًا عن أمجاد المسيح في قيامته ونتائجها المجيدة لنا:
ففي"قادش" (مقادس) نراه ”القدُّوس والمُقدّس“ الذي بقيامته اتّحدنا به «لأن المُقَدّسَ والمُقَدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوةً» (عب2: 11)، فبعد قيامته أرسل قائلاً: «اذهبي إلى إخوتي» (يو20: 17).
وفي "شكيم" (قوة) نرى قوة قيامة المسيح التي تعمل لحسابنا (أف1: 19، 20)، والتي قال عنها الرسول بولس: «لأعرفه، وقوة قيامته» (في3: 10).
وفي ”حبرون“ (شركة) نرى الشركة التي تأسَّست على قيامته إذ أرسل الروح القدس ليربطنا بشخصه المجيد وببعضنا البعض (1كو10، 12؛ 1يو1: 3، 7).
وفي ”باصر“ (حصن) نرى وعد الرب - بعد قيامته - «دُفع إليّ كلُّ سلطانٍ في السماء وعلى الأرض... وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (مت28: 18- 20). وها هو - تبارك اسمه - يقول لمن كان يضطهد الكنيسة: «لماذا تضطهدني؟... صعبٌ عليك أن ترفس مناخس» (أع9: 4، 5)، «لأنه من يمسُّكُم يمسُّ حدقة عينه» (زك2: 8).
وفي "راموت" (مرتفع) نرى قيامة الرب من الأموات وارتفاعه فوق جميع السماوات، صائرًا رأسًا فوق كل شيءٍ للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأُ الكلّ في الكلّ (أف1: 22، 23).
وفي "جولان" (فرح، بهجة) نرى الرب المُقام والمُمجّد، الذي يظهر أمام وجه الله، كمصدر لفرحه كما هو مصدر أفراحنا وبهجتنا «ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرحٍ لا يُنطق به ومجيدٍ» (1بط1: 8).
في سفر القضاة
في قضاة14: 14 نقرأ أحجية شمشون «من الآكل خرج أكلٌ، ومن الجافي خرجت حلاوةٌ. فلم يستطيعوا أن يحلُّوا الأحجية في ثلاثة أيام». والآكل والجافي (القوي)، صفتان للشيطان كمن له سلطان الموت، وكالقوي الذي يحفظ داره متسلحًا بسلاحه الكامل، إلا أن الرب يسوع - الأقوى منه - حسم المسألة في إبادته، وأعتق من كانوا - بسبب الخوف من الموت - عبيدًا له (عب2: 14)، وأيضًا في تجريده ونزع سلاحه، وتوزيع غنائمه (لو11: 21، 22؛ كو2: 15).
وكما لم يستطع الأصحاب أن يحلوا الأحجية في ثلاثة أيام، فإن رؤساء الكهنة والشيوخ لم يجدوا - في اليوم الثالث - حلاً لأحجية القبر الفارغ سوى أن يشيعوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه (مت28: 13). وقد سبق ولم يفهموا قول السيد: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أُقيمه»، فكان لهم الأمر كأحجية، ظانين أنه يتكلم عن هيكل سليمان، أما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكّر تلاميذه أنه قال هذا، فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع (يو2: 18- 22). فكانت قيامته في اليوم الثالث هي الحل الوحيد لهذه الأحجية. فقد كان الأمر غير مفهوم، حتى لتلاميذ الرب، لدرجة أنهم لم يصدقوا النسوة اللائي أخبرنهم بقيامة المسيح، وتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدّقُوهن (لو24: 11)، ولكن الرب ظهر للأحد عشر، ووبَّخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام (مر16: 14)، وإذ كانوا لا يعرفون الكتب أنه كان ينبغي أن يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، فقد فتح ذهنهم ليفهموا الكتب (لو24: 44-46).
في سفر راعوث
في سفر راعوث نقرأ عن بوعز (الذي فيه القوة)، كالولي (الفادي)، الذي يفدي الميراث ويقيم اسم الميت، أي يعطي الحياة. وإذ لم يستطع الولي الأول، ذلك لأنه رمز للناموس الذي كان عاجزًا في ما كان ضعيفًا بالجسد (رو8: 3، 4). لكن جاء الولي الثاني الذي يرمز إلى المسيح كمن يُعطي المؤمنين حياته كالمُقام من الأموات. وإذا كنا في بوعز، عندما أكل وشرب وطاب قلبه ودخل ليضطجع في طرف العرمة، نرى رمزًا لموت المسيح (را 3)، فإنه عندما صعد إلى الباب وجلس هناك ليتمِّم أمر اقترانه براعوث، نرى رمزًا لقيامة المسيح وارتباطه بالكنيسة.
في سفر صموئيل الأول
في 1صموئيل30 نعود لنقرأ عن اليوم الثالث (يوم القيامة) في عودة داود ورجاله إلى صقلغ، وفي نصرته على العمالقة (1صم30: 1، 12، 13). وفي هذا اليوم، استخلص داود كل ما أخذه عماليق، وأنقذ الكلّ، ولم يُفقد له شيءٌ لا صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا بنون ولا بناتٌ ولا غنيمةٌ، بل رد داود الجميع، وأخذ غنيمة عظيمة. ثم أرسل داود من الغنيمة إلى الذين في كل الأماكن التي تردد فيها مع رجاله (ع26-31). وفي كل هذا نرى صورة لنتائج النصرة التي أحرزها أصل وذرية داود، بالقيامة من الأموات، في اليوم الثالث، وكيف سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا (أف4: 8) ، إذ أشركنا معه في غنائم نصرته، وكان ذلك إتمامًا لوعد الله: «أقسِم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسِمُ غنيمةً» (إش53: 12)، وإذ جعله الله وارثًا لكل شيء، صرنا - باتحادنا به - ورثة الله ووارثين مع المسيح (رو8: 17).
في سفر الملوك الثاني
في الأصحاح العشرين نقرأ عن قصة مرض حزقيا للموت وصلاته وبكائه أمام رعب الموت، حيث كان في نصف أيامه؛ صورة لمشهد بستان جثسيماني، لمن انفصل عن تلاميذه نحو رمية حجر، وخر على وجهه، وصلى بأشد لجاجة لأجل عبور هذه الكأس، وكأن لسان حاله «أقول: يا إلهي، لا تقبضني في نصف أيامي» (مز102: 24).
ثم كانت العلامة على استجابة صلاة حزقيا ومنحه الحياة، أنه يصعد إلى بيت الرب في اليوم الثالث، فكان هذا يوم القيامة بالنسبة لحزقيا، وهو رمز لقيامة المسيح في اليوم الثالث. ولقد ترنم حزقيا عن «الحيُّ الحيُّ هو يحمدك كما أنا اليوم» (إش38: 19)، ومن هو الحيُّ الحقيقيّ إلا ربنا يسوع المسيح الذي قال ليوحنا: «لا تخف، أنا هو الأوّل والآخرُ، والحيُّ. وكنت ميتًا، وها أنا حيٌّ إلى أبد الآبدين! (آمين). ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 17، 18).
في سفر أستير
طلبت أستير الصوم من جهتها ثلاثة أيامٍ ليلاً ونهارًا لكي تدخل إلى الملك بخلاف السُنّة، وقالت: «وأنا إن هلكتُ، هلكتُ» (أس4: 16)، فكانت في حكم الموت من أجل شعبها. ولكن في اليوم الثالث، لبست أستير ثيابًا ملكيةً ووقفت في دار بيت الملك الداخلية، ونالت نعمةً في عينيه، فمدَّ لها قضيب الذهب الذي بيده، ليتحوّل مرسوم الموت ضد الشعب إلى مرسوم حياة لهم. وهكذا ربنا يسوع المسيح، الذي لم يخاطر بحياته فحسب، بل مات لأجلنا، ليرفع عنا حكم الموت، لكنه قام في اليوم الثالث حائزًا أسمى مقام، نائلاً كل رضى الله، إذ أجلسه عن يمينه في السماويات، مُعطيًا إياه السلطان أن يُعطي حياة أبدية لكل من أعطاه (يو17: 2).



john w 04 - 05 - 2013 03:45 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح في الأسفار التاريخية


قيامة المسيح نراها لامعة متجلّية في كل الكتاب، جنبًا إلى جنب مع موته، فهكذا يعلن الرسول «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو15: 3، 4).
ولعلنا نذكر كيف فسَّر المسيح لتلميذي عمواس «الأمور المختصة به في جميع الكتب... وقال لهما: هكذا هو مكتوبٌ، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث» (لو24: 27، 46). وسنتناول في هذا المقال بعض الإشارات الرمزية للقيامة كما جاءت بالكتب التاريخية، بدءًا من سفر يشوع، وحتي سفر أستير.
في سفر يشوع
1- في الأصحاح الثاني نرى ضمانتين لراحاب: أولاً حبل القرمز المُدلَّى من كوّة بيتها، كعلامة وضمان الخلاص من الدينونة لكل من احتمى في هذا البيت؛ وفيها إشارة لموت المسيح وسفك دمه الكريم. والضمانة الثانية مُمثَّلة في حفظ حياة الجاسوسين باختبائهما في الجبل ثلاثة أيام (رقم القيامة)، وإتيانهما إلى يشوع مؤكِّدين أن الرب قد دفع الأرض كلها لتكون ملكًا لهم، وهي إشارة لقيامة المسيح كأساس تمتّعنا بالبركات السماوية وامتلاكنا الميراث الأبدي «مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظٌ في السماوات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون» (1بط1: 3-5). وهكذا بعد أن خرج دَمٌ وماءٌ من جنبه المطعون (يو19: 34)، نراه في يوحنا20 ينفخ في تلاميذه، مانحًا إياهم حياته كالمُقام من الأموات، والتي تؤهِّلهم لامتلاك كل البركات الروحية السماوية.
2- في الأصحاح الثالث نرى عبور تابوت العهد نهر الأردن، بعد ثلاثة أيام (رقم القيامة)، ليقود الشعب لامتلاك أرض الموعد التي تفيض لبنًا وعسلاً (يش3: 1-5)؛ صورة لقيامة المسيح في اليوم الثالث بعد اجتيازه الموت، ليُعدَّ الطريق، ويقودنا إلى الدائرة الروحية السماوية. وكما نعلم أن التابوت إشارة واضحة إلى المسيح باعتباره ابن الله وابن الإنسان.
3- في الأصحاح الرابع كلم الرب يشوع بأن ينتخب من الشعب اثني عشر رجلاً، رجلاً من كل سبط، ليحملوا من وسط الأردن اثني عشر حجرًا، لكي تكون هذه علامة في وسطهم، إذا سأل غدًا بنوهم عنها، يقولون لهم: إن مياه الأردن قد انفلقت أمام تابوت عهد الرب عند عبوره الأردن، فتكون هذه الحجارة تذكارًا لبني إسرائيل إلى الدهر (يش4: 1-8). وقد نرى في هذه الحجارة الشهادة عن قيامة المسيح، والتي تمّت بواسطة الرسل الاثني عشر الذين عاينوه، وأكلوا وشربوا معه بعد قيامته (أع1: 22؛ 10: 40-42). كما نرى فيها أيضًا قيامتنا مع المسيح واتحادنا معه بقيامته «لأنه إن كنا قد صرنا مُتّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته» (رو6: 5).
4- في الأصحاح الخامس نقرأ «فحلّ بنو إسرائيل في الجلجال، وعملوا الفصح... وأكلوا من غلة الأرض... وانقطع المن في الغد عند أكلهم من غلة الأرض» (يش5: 10-12). فإن كنا نرى في المن تجسُّد المسيح واتضاعه، وفي الفصح نرى آلامه وموته، فإننا في غلة الأرض نرى قيامته ومجده؛ فالذي وُضع قليلاً عن الملائكة (المن)، من أجل ألم الموت (الفصح)، نراه مكلّلاً بالمجد والكرامة (غلة الأرض)، حيث أقامه الله من الأموات وأعطاه مجدًا، إذ قد مضى إلى السماء، وملائكةٌ وسلاطينٌ وقواتٌ مُخضعةٌ له (1بط1: 21؛ 3: 21، 22).
5- في الأصحاح العشرين نقرأ عن مدن الملجإ التي تُكلِّمنا أيضًا عن أمجاد المسيح في قيامته ونتائجها المجيدة لنا:
ففي"قادش" (مقادس) نراه ”القدُّوس والمُقدّس“ الذي بقيامته اتّحدنا به «لأن المُقَدّسَ والمُقَدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوةً» (عب2: 11)، فبعد قيامته أرسل قائلاً: «اذهبي إلى إخوتي» (يو20: 17).
وفي "شكيم" (قوة) نرى قوة قيامة المسيح التي تعمل لحسابنا (أف1: 19، 20)، والتي قال عنها الرسول بولس: «لأعرفه، وقوة قيامته» (في3: 10).
وفي ”حبرون“ (شركة) نرى الشركة التي تأسَّست على قيامته إذ أرسل الروح القدس ليربطنا بشخصه المجيد وببعضنا البعض (1كو10، 12؛ 1يو1: 3، 7).
وفي ”باصر“ (حصن) نرى وعد الرب - بعد قيامته - «دُفع إليّ كلُّ سلطانٍ في السماء وعلى الأرض... وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (مت28: 18- 20). وها هو - تبارك اسمه - يقول لمن كان يضطهد الكنيسة: «لماذا تضطهدني؟... صعبٌ عليك أن ترفس مناخس» (أع9: 4، 5)، «لأنه من يمسُّكُم يمسُّ حدقة عينه» (زك2: 8).
وفي "راموت" (مرتفع) نرى قيامة الرب من الأموات وارتفاعه فوق جميع السماوات، صائرًا رأسًا فوق كل شيءٍ للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملأُ الكلّ في الكلّ (أف1: 22، 23).
وفي "جولان" (فرح، بهجة) نرى الرب المُقام والمُمجّد، الذي يظهر أمام وجه الله، كمصدر لفرحه كما هو مصدر أفراحنا وبهجتنا «ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرحٍ لا يُنطق به ومجيدٍ» (1بط1: 8).
في سفر القضاة
في قضاة14: 14 نقرأ أحجية شمشون «من الآكل خرج أكلٌ، ومن الجافي خرجت حلاوةٌ. فلم يستطيعوا أن يحلُّوا الأحجية في ثلاثة أيام». والآكل والجافي (القوي)، صفتان للشيطان كمن له سلطان الموت، وكالقوي الذي يحفظ داره متسلحًا بسلاحه الكامل، إلا أن الرب يسوع - الأقوى منه - حسم المسألة في إبادته، وأعتق من كانوا - بسبب الخوف من الموت - عبيدًا له (عب2: 14)، وأيضًا في تجريده ونزع سلاحه، وتوزيع غنائمه (لو11: 21، 22؛ كو2: 15).
وكما لم يستطع الأصحاب أن يحلوا الأحجية في ثلاثة أيام، فإن رؤساء الكهنة والشيوخ لم يجدوا - في اليوم الثالث - حلاً لأحجية القبر الفارغ سوى أن يشيعوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه (مت28: 13). وقد سبق ولم يفهموا قول السيد: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أُقيمه»، فكان لهم الأمر كأحجية، ظانين أنه يتكلم عن هيكل سليمان، أما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكّر تلاميذه أنه قال هذا، فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع (يو2: 18- 22). فكانت قيامته في اليوم الثالث هي الحل الوحيد لهذه الأحجية. فقد كان الأمر غير مفهوم، حتى لتلاميذ الرب، لدرجة أنهم لم يصدقوا النسوة اللائي أخبرنهم بقيامة المسيح، وتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدّقُوهن (لو24: 11)، ولكن الرب ظهر للأحد عشر، ووبَّخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام (مر16: 14)، وإذ كانوا لا يعرفون الكتب أنه كان ينبغي أن يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، فقد فتح ذهنهم ليفهموا الكتب (لو24: 44-46).
في سفر راعوث
في سفر راعوث نقرأ عن بوعز (الذي فيه القوة)، كالولي (الفادي)، الذي يفدي الميراث ويقيم اسم الميت، أي يعطي الحياة. وإذ لم يستطع الولي الأول، ذلك لأنه رمز للناموس الذي كان عاجزًا في ما كان ضعيفًا بالجسد (رو8: 3، 4). لكن جاء الولي الثاني الذي يرمز إلى المسيح كمن يُعطي المؤمنين حياته كالمُقام من الأموات. وإذا كنا في بوعز، عندما أكل وشرب وطاب قلبه ودخل ليضطجع في طرف العرمة، نرى رمزًا لموت المسيح (را 3)، فإنه عندما صعد إلى الباب وجلس هناك ليتمِّم أمر اقترانه براعوث، نرى رمزًا لقيامة المسيح وارتباطه بالكنيسة.
في سفر صموئيل الأول
في 1صموئيل30 نعود لنقرأ عن اليوم الثالث (يوم القيامة) في عودة داود ورجاله إلى صقلغ، وفي نصرته على العمالقة (1صم30: 1، 12، 13). وفي هذا اليوم، استخلص داود كل ما أخذه عماليق، وأنقذ الكلّ، ولم يُفقد له شيءٌ لا صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا بنون ولا بناتٌ ولا غنيمةٌ، بل رد داود الجميع، وأخذ غنيمة عظيمة. ثم أرسل داود من الغنيمة إلى الذين في كل الأماكن التي تردد فيها مع رجاله (ع26-31). وفي كل هذا نرى صورة لنتائج النصرة التي أحرزها أصل وذرية داود، بالقيامة من الأموات، في اليوم الثالث، وكيف سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا (أف4: 8) ، إذ أشركنا معه في غنائم نصرته، وكان ذلك إتمامًا لوعد الله: «أقسِم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسِمُ غنيمةً» (إش53: 12)، وإذ جعله الله وارثًا لكل شيء، صرنا - باتحادنا به - ورثة الله ووارثين مع المسيح (رو8: 17).
في سفر الملوك الثاني
في الأصحاح العشرين نقرأ عن قصة مرض حزقيا للموت وصلاته وبكائه أمام رعب الموت، حيث كان في نصف أيامه؛ صورة لمشهد بستان جثسيماني، لمن انفصل عن تلاميذه نحو رمية حجر، وخر على وجهه، وصلى بأشد لجاجة لأجل عبور هذه الكأس، وكأن لسان حاله «أقول: يا إلهي، لا تقبضني في نصف أيامي» (مز102: 24).
ثم كانت العلامة على استجابة صلاة حزقيا ومنحه الحياة، أنه يصعد إلى بيت الرب في اليوم الثالث، فكان هذا يوم القيامة بالنسبة لحزقيا، وهو رمز لقيامة المسيح في اليوم الثالث. ولقد ترنم حزقيا عن «الحيُّ الحيُّ هو يحمدك كما أنا اليوم» (إش38: 19)، ومن هو الحيُّ الحقيقيّ إلا ربنا يسوع المسيح الذي قال ليوحنا: «لا تخف، أنا هو الأوّل والآخرُ، والحيُّ. وكنت ميتًا، وها أنا حيٌّ إلى أبد الآبدين! (آمين). ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 17، 18).
في سفر أستير
طلبت أستير الصوم من جهتها ثلاثة أيامٍ ليلاً ونهارًا لكي تدخل إلى الملك بخلاف السُنّة، وقالت: «وأنا إن هلكتُ، هلكتُ» (أس4: 16)، فكانت في حكم الموت من أجل شعبها. ولكن في اليوم الثالث، لبست أستير ثيابًا ملكيةً ووقفت في دار بيت الملك الداخلية، ونالت نعمةً في عينيه، فمدَّ لها قضيب الذهب الذي بيده، ليتحوّل مرسوم الموت ضد الشعب إلى مرسوم حياة لهم. وهكذا ربنا يسوع المسيح، الذي لم يخاطر بحياته فحسب، بل مات لأجلنا، ليرفع عنا حكم الموت، لكنه قام في اليوم الثالث حائزًا أسمى مقام، نائلاً كل رضى الله، إذ أجلسه عن يمينه في السماويات، مُعطيًا إياه السلطان أن يُعطي حياة أبدية لكل من أعطاه (يو17: 2).



john w 04 - 05 - 2013 03:48 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح في المزامير

.................................................. .....

هناك إشارات واضحة كثيرة عن قيامة المسيح في سفر المزامير. سنركز الكلام هنا على مزموري 16؛ 41؛ ثم على مجموعة من المزامير قد يُطلق عليها مزامير الخلاص، وفيها نقرأ عن صلاة من المسيح يطلب فيها الخلاص ورحمة الله، وطبعًا هذا يتمثل في إقامته من بين الأموات ومنها مثلاً مزمور21، 22، 40، 69، 102.
في مزمور16 نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بالله.
في مزمور41 نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بالبشر، وخصوصًا أولئك الرافضين والمحتقرين له.
بينما في مزامير الخلاص، نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بالمسيح نفسه، بوظائفه المختلفة.
أولاً: المزمور السادس عشر
فيه أول، وأوضح إشارة، عن قيامة المسيح. وفيه نرى قيامة المسيح بالارتباط بالله. وقد اقتبس منه بطرس في أعمال2، كما اقتبس منه بولس في أعمال13.
يمكن تقسيم هذا المزمور إلى شقين، الشق الأول من (ع1–8)، وفيه نرى أمانة المسيح تجاه الله، هذه الأمانة غير المحدودة؛ فهو الذي اتكل على الله تمامًا، وهو الذي ارتبط بالقديسين تمامًا، وهو الذي انفصل عن الأشرار وطُرقهم تمامًا.
ثم من ع9 –11 نرى الشق الثاني، وفيه نقرأ عن أمانة الله ناحية المسيح. هذه الأمانة تتمثل في أن الله تحت التزام بإقامة هذا التقي من بين الأموات.
«لِذلِكَ فَرِحَ قَلْبِي، وَابْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضًا يَسْكُنُ مُطْمَئِنًّا»(ع9).
لقد كان قلب المسيح مملوًا بالفرح، وليس قلبه فقط بل أيضًا روحه كانت في حالة ابتهاج. طبعًا هذا لم يكن لأن الظروف حسنة، أو لأن الرياح مواتية، بل لأنه متكلٌ على الله. إن الاتكال على الله لا يمنح الاطمئنان فقط، ولكنه يُعطي سرورًا وفرحًا للقلب وابتهاجًا للروح.
قد يتكل الإنسان على الله طوال حياته إلى أن يصل الأمر إلى الموت، وهناك يكون الانزعاج والخوف، مثل حزقيا الملك في يومه. ولكن الأمر كان مختلفًا مع المسيح تمامًا؛ فحتى لو وصل الأمر به إلى الموت، إلى القبر والتراب، فإن جسده يسكن مطمئنًا. ومثلما كانت روحه سعيدة، وقلبه فرِحًا وهو على الأرض، هكذا سيكون عندما يصل جسده إلى التراب. لماذا؟ لأنه يثق في الله ويتكل عليه، حتى أمام هذا الأمر الرهيب الذي لا حلَّ له عند البشر جميعًا. إنه يثق في إقامة الله له من الأموات.
يا للروعة! هل ليسوع من مثيل؟! هل له من مثيل يثق في قدرة الله؟ هل من مثيل له يتكل ويستند على الله إلى النهاية؟
ولذلك يكمل قائلاً: «لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا».
في ع9 نسمع المسيح متحدِّثًا عن نفسه، ولكنه في هذا العدد يتحول متحدِّثًا لله. في هذا العدد يتحدث عن أمور سلبية لن يقوم بها الله، وهي أنه لن يترك نفسه في الهاوية، ولن يدع جسده يرى فسادًا. وفي العدد التالي يتحدث عن أمور إيجابية يصنعها الله له.
أولاً يقول لله: «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية». تحدث في هذا العدد أولاً عن الهاوية، قبل أن يتحدث عن تأثيرات الموت على الجسد.
والهاوية هي حالة النفس بدون الجسد. وهنا المسيح يعلن أنه لن يظل في هذه الحالة كثيرًا، فلن تطول المدة التي تكون نفسه فيها بدون جسده. وكما نعلم أن هذه المدة كانت ثلاثة أيام وثلاث ليال.
ثم «لن تدع تقيَّك يرى فسادًا»، وهذا ما يرتبط بالجسد. ففي الموت يحدث أمران: تصير النفس بدون الجسد وهذه هي الهاوية، ثم يمضي الجسد دون النفس إلى التراب، وبالتالي يعمل الفساد فيه فورًا. والله كان يعمل في الدائرتين، وهو لم يترك نفس المسيح في الهاوية، وهذا جانب، ولكن من الجانب الآخر لم يَدَع تقيَّه، أي قدوسه، يرى فسادًا.
بالمناسبة إن كلام المسيح هنا يختلف تمامًا عن كلام داود في مزمور6: 5، حيث يقول: «لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي الْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟». داود يذكر أن كل شيء ينتهي بالموت، ولا أمل اذا وصل الإنسان للهاوية، ولكن كلام المسيح في مزمور16 يختلف تمامًا؛ فهو واثق من عدم ترك الله له، ومن أنه لن يرى فسادًا.
«تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ الْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ» (ع11)
هنا نجد الأمور الإيجابية التي يصنعها الله تجاه المسيح. أولاً يُعرِّفه سبيل الحياة، وهذا عندما يقيمه من بين الأموات، وبعد الموت والقبر والهاوية يأتي سبيل الحياة. ولا عجب فذاك الذي كان شعاره «حياة في رضاه»، لا بد أن يعرِّفه الله سبيل الحياة.
ثم «أمامك شبع سرور»، فلقد أجلسه الله عن يمينه فوق كل رياسة وسلطان وكل اسم يسمى. إن المسيح عندما كان على الأرض كان فرحًا في قلبه، مبتهجًا في روحه (ع9)؛ ولكن بعد القيامة لم يجِد أمام الله سرورًا فقط، بل شبع سرور.
ومن الممكن أن نفهم هذه الآية بالارتباط بالماضي والحاضر والمستقبل.
في الماضي عرَّف الله المسيح سبيل للحياة؛ إذ أقامه الله من بين الأموات. وفي الحاضر «أمامه شبع سرور»، فهو مسرور بالله وبما فعله معه. وفي المستقبل سيتمِّم الله كل مواعيده من نحو المسيح. وهذا ما تذكِّرنا به كلمة ”اليمين“، حيث قال الله له: «اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك» (مز110: 1)
ثانيًا: المزمور الحادي والأربعون
وفيه نقرأ إشارة واضحة عن قيامة المسيح، وفيه نرى قيامة المسيح بالارتباط بالإنسان.
في هذا المزمور نقرأ عن شر الإنسان ورفضه لمسيح الله، فالاشرار تملأ قلوبهم مثل هذه الأفكار «مَتَى يَمُوتُ وَيَبِيدُ اسْمُهُ؟... أَمْرٌ رَدِيءٌ قَدِ انْسَكَبَ عَلَيْهِ. حَيْثُ اضْطَجَعَ لاَ يَعُودُ يَقُومُ» (ع5، 8). بل الأكثر من ذلك «أََيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!» (ع9). هذا هو الإنسان في شره، يتمنى لمسيح الله أن يموت ويبيد اسمه، وينتهي أمره. وأخيرًا في تبجُّحٍ، وهذه إشارة نبوية عن الإسخريوطي، يرفع الإنسان على المسيح عقبه لكي يميته. وماذا كان رد المسيح تجاه كل هذا؟! هو المسكين في هذا المزمور (ع1)، والمسكين ليس لديه سوى الصلاة «أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَارْحَمْنِي وَأَقِمْنِي، فَأُجَازِيَهُمْ» (ع10).
إنه يطلب القيامة، ولماذا يُقام؟! لكي يجازيهم. في أعمال17: 31 نقرأ بوضوح عن ارتباط القيامة بالدينونة «لأَنَّهُ (أي الله) أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُل قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ». فالمسيح أُقيم من بين الأموات، وهو المعيَّن من الله ليدين العالم، وقد تعيَّن وتجهَّز لهذا العمل، أي دينونته لكل العالم، بإقامته من بين الأموات.
يُختم مزمور41 بعبارة إلى الأبد «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. آمِينَ فَآمِينَ» كما أننا في مزمور16 نقرأ في نهايته عن النعم التي في يمين الله إلى الأبد.
من هنا نفهم أمرين أنه بقيامة المسيح من بين الأموات، سيتمتع هو بكل النعم التي في يمين الله، وأيضًا بقيامة المسيح من الأموات سيدين المسيح الأشرار، وبذلك يعود المجد والبركه لله إلى الأبد.
ثالثًا: مزامير الخلاص
وهي تربط بين قيامة المسيح وأعمال المسيح المختلفة.
مزمور21
«يَا رَبُّ، بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ، وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا! شَهْوَةَ قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ، وَمُلْتَمَسَ شَفَتَيْهِ لَمْ تَمْنَعْهُ. سِلاَهْ. لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُهُ بِبَرَكَاتِ خَيْرٍ. وَضَعْتَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا مِنْ إِبْرِيزٍ. حَيَاةً سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ. طُولَ الأَيَّامِ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ» (مز21: 1–4).
المسيح في هذا المزمور هو الملك. هذا الملك كان له طلب، نفّذه له الله، ونتيجة ذلك فرح وابتهج بهذا. هذا الطلب يوصَف بأنه شهوة قلبه، وملتمس شفتيه أيضًا. لقد كان لدى المسيح رغبة داخلية «شهوة قلبه»، وأيضًا «ملتمس شفتيه»، إذ رفع صلوات خارجية تُعبِّر عن هذه الرغبة الداخلية؛ كما نرى في بستان جثسيماني وهو يصارع مصلّيًا. وما هو هذا الطلب؟! إنه القيامة من بين الأموات، وما أجمل استجابة السماء له: «حَيَاةً سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ. طُولَ الأَيَّامِ إِلَى الدَّهْرِ»!
لقد تمَّم الله طِلبته بأن أعطاه حياة، وله أيام إلى الدهر والأبد. وهنا جاءت قيامة المسيح بالارتباط بشيء سيقوم به شخصيًا، ألا وهو عمله كالملك؛ وهذا أمر رائع!
مزمور22
«أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ، فَلاَ تَبْعُدْ. يَا قُوَّتِي، أَسْرِعْ إِلَى نُصْرَتِي. أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي، مِنْ يَدِ الْكَلْبِ وَحِيدَتِي. خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ، وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ الْوَحْشِ اسْتَجِبْ لِي» (مز22: 19-21).
هنا نجد صلاة المسيح لله، بأن لا يبتعد عنه، وأن يُسرع لنصرته، فهو يحتاج لإنقاذ من السيف ومن يد الكلب، بل من فم الأسد، ومن قرون بقر الوحش؛ وهذه كلها صور وتعبيرات مختلفة عن الموت.
طبعًا هناك نتائج كثيرة مرتبطة بوظائف المسيح المختلفة تأتي كنتيجة للقيامة في هذا المزمور؛ ولكن أروع شيء هو أنه قائد التسبيح وسط كنيسة الله، إذ يقول: «أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ» (ع22).
ولماذا التسبيح؟؟ «لأنه (أي الله) لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه؛ بل عند صراخه إليه استمع» (ع24).
شيء عجيب أن تتكرر كلمة «إلى الأبد» مرة أخرى في هذا المزمور أيضًا « يَأْكُلُ الْوُدَعَاءُ وَيَشْبَعُونَ. يُسَبِّحُ الرَّبَّ طَالِبُوهُ. تَحْيَا قُلُوبُكُمْ إِلَى الأَبَدِ».
المسيح له حياة إلى الأبد، وهكذا كل من يتبعه، لقد صار هذا المقام من الأموات مصدر الحياة، إلى الأبد، لكثيرين!
مزمور 40
«أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَلاَ تَمْنَعْ رَأْفَتَكَ عَنِّي. تَنْصُرُنِي رَحْمَتُكَ وَحَقُّكَ دَائِمًا. لأَنَّ شُرُورًا لاَ تُحْصَى قَدِ اكْتَنَفَتْنِي. حَاقَتْ بِي آثامِي، وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُبْصِرَ. كَثُرَتْ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي، وَقَلْبِي قَدْ تَرَكَنِي. اِرْتَضِ يَا رَبُّ بِأَنْ تُنَجِّيَنِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ» (مز40: 11 – 13)
هنا يطلب المسيح من الله أن لا يمنع رأفته عنه، بل أن تنصره رحمته وحقّه دائمًا، فقد حاقت الآثام به، وطبعًا هذه الآثام هي آثامنا نحن. ولذلك طلب أن يرتضى الله بتنجيته، وأن يسرع لمعونته. هذا يتمثل في إقامته من بين الأموات.
في هذا المزمور نرى المسيح كالمتمِّم لمشورات الله، وهو الذي جاء بدرج الكتاب مكتوب عنه أن يفعل مشيئة الله، كما أنه هو مُعلن البر، بِرَّ الله لكنيسته «بشرت ببرٍّ في جماعة عظيمة» (ع9). وهذا المزمور هو مزمور المحرقة، والمحرقة كات تُوقد دائمًا، ولا عجب أن نقرأ كلمة ”دائمًا“ مرتين.
أولاً يقول المسيح لله «تنصرني رحمتك وحقك دائمًا» (ع11)، ثم نقرأ نتيجة الصلاة «ليبتهج ويفرح بك جميع طالبيك. ليقُل أبدًا (أي دائمًا) محبو خلاصك: يتعظم الرب» (ع16)
المحرقة استحضرت السرور لله، والرضا للإنسان؛ فالمسيح يترجى نصرة الله دائمًا، وفي هذا سرور لله. ثم يقول محبو خلاصك ليتعظم الرب دائمًا، وهنا نرى سرور الإنسان بما حصّله المسيح.
مزمور 69
«خَلِّصْنِي يَا اَللهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ دَخَلَتْ إِلَى نَفْسِي. غَرِقْتُ فِي حَمْأَةٍ عَمِيقَةٍ، وَلَيْسَ مَقَرٌّ. دَخَلْتُ إِلَى أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ، وَالسَّيْلُ غَمَرَنِي. تَعِبْتُ مِنْ صُرَاخِي. يَبِسَ حَلْقِي. كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنِ انْتِظَارِ إِلهِي... أَمَّا أَنَا فَلَكَ صَلاَتِي يَا رَبُّ فِي وَقْتِ رِضًى. يَا اَللهُ، بِكَثْرَةِ رَحْمَتِكَ اسْتَجِبْ لِي، بِحَقِّ خَلاَصِكَ. نَجِّنِي مِنَ الطِّينِ فَلاَ أَغْرَقَ. نَجِّنِي مِنْ مُبْغِضِيَّ وَمِنْ أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ. لاَ يَغْمُرَنِّي سَيْلُ الْمِيَاهِ، وَلاَ يَبْتَلِعَنِّي الْعُمْقُ، وَلاَ تُطْبِقِ الْهَاوِيَةُ عَلَيَّ فَاهَا. اسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ لأَنَّ رَحْمَتَكَ صَالِحَةٌ. كَكَثْرَةِ مَرَاحِمِكَ الْتَفِتْ إِلَيَّ. وَلاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنْ عَبْدِكَ، لأَنَّ لِي ضِيْقًا. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا. اقْتَرِبْ إِلَى نَفْسِي. فُكَّهَا. بِسَبَبِ أَعْدَائِي افْدِنِي» (مز69: 1-3، 13-18)
والصلاة في هذا المزمور من أوضح الصلوات التي تتحدث عن القيامة. فيبدأ المسيح بتوسلاته وصرخاته، ثم يعود - بعد أن يستعرض العار الذي سقط عليه نتيجة رفض إسرائيل له - للصلاة مرة أخرى في ع13. وفي صلاته هنا يذكر الموت بصورة واضحة حيث يقول: «لا تطبق الهاوية علي فاها».
ونحن نقرأ هنا عن تحمُّل المسيح للعار واللعنة. كان هناك عار خارجي، وهذا يتمثل في رفض البشر له (ع5–12)، ثم هناك عار داخلي بالارتباط بحملِه للخطية، وهو ما يقول عنه: «أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي... العار قد كسر قلبي فمرضت» (ع19، 20). ثم نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بحُكمِه كابن الإنسان، إذ سيسيطر على كل الأرض «تسبِّحه السماوات والأرض والبحار وكل ما يدب فيها» (ع34). إنه هو ابن الإنسان الذي سيملك على كل شيء، وسيُخضع له كل شيء.
مزمور 102
«يَا رَبُّ، اسْتَمِعْ صَلاَتِي، وَلْيَدْخُلْ إِلَيْكَ صُرَاخِي. لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا... ضَعَّفَ فِي الطَّرِيقِ قُوَّتِي، قَصَّرَ أَيَّامِي. أَقُولُ: يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي. إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ» (مز 102: 1–2، 23، 24).
المسيح يطلب هنا القيامة من بين الأموات، وهو يتحدث عن نفسه في هذا المزمور كإنسان، ولذا يصف حياته على الأرض كإنسان بأنها أيام (ع3، 11، 23، 24). إن حياة الإنسان تُقاس بالأيام مثلما سأل فرعون يعقوب: «كَمْ هِيَ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِكَ؟» (تك47: 8). كما يذكر المسيح أيضًا أن أيامه قد فنيت، وهي كظل مائل، وأنها صارت قصيرة بمجيء الموت مبكِّرًا.
ولكن ماذا كانت إجابة السماء لصلاته المسجَّلة في أول المزمور، وفي ع24 «يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي»؟ كانت الإجابة: «إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ. مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ» (عدد24-26).
الإجابة أنه هو الله، ولأنه الله، فإلى دهر الدهور سنوك، وليس أيامك. كل شيء يتغير ويذهب وهو يبقى، بل إن سنيه هذه لا تنتهي.
هذا المزمور لا يتحدث عن وظائف المسيح، ولكنه يصف من هو في ذاته، فهو الله، الثابت الذي لا يتغيَّر، ولذلك هو الضامن لشعبه ولحقوقهم، لقد قال الرب يومًا لشعبه: «لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنُوا» (ملا3: 6). وهنا لأن المسيح هو الله، الذي حتى لو وصل إليه الموت كإنسان، فإن «أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ، وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ» (ع28). هو الذي سيردّ شعبه، لأنه هو الله الثابت الذي لا يتغيَّر.


إسحق شحاته

john w 04 - 05 - 2013 03:48 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح في المزامير

.................................................. .....

هناك إشارات واضحة كثيرة عن قيامة المسيح في سفر المزامير. سنركز الكلام هنا على مزموري 16؛ 41؛ ثم على مجموعة من المزامير قد يُطلق عليها مزامير الخلاص، وفيها نقرأ عن صلاة من المسيح يطلب فيها الخلاص ورحمة الله، وطبعًا هذا يتمثل في إقامته من بين الأموات ومنها مثلاً مزمور21، 22، 40، 69، 102.
في مزمور16 نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بالله.
في مزمور41 نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بالبشر، وخصوصًا أولئك الرافضين والمحتقرين له.
بينما في مزامير الخلاص، نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بالمسيح نفسه، بوظائفه المختلفة.
أولاً: المزمور السادس عشر
فيه أول، وأوضح إشارة، عن قيامة المسيح. وفيه نرى قيامة المسيح بالارتباط بالله. وقد اقتبس منه بطرس في أعمال2، كما اقتبس منه بولس في أعمال13.
يمكن تقسيم هذا المزمور إلى شقين، الشق الأول من (ع1–8)، وفيه نرى أمانة المسيح تجاه الله، هذه الأمانة غير المحدودة؛ فهو الذي اتكل على الله تمامًا، وهو الذي ارتبط بالقديسين تمامًا، وهو الذي انفصل عن الأشرار وطُرقهم تمامًا.
ثم من ع9 –11 نرى الشق الثاني، وفيه نقرأ عن أمانة الله ناحية المسيح. هذه الأمانة تتمثل في أن الله تحت التزام بإقامة هذا التقي من بين الأموات.
«لِذلِكَ فَرِحَ قَلْبِي، وَابْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضًا يَسْكُنُ مُطْمَئِنًّا»(ع9).
لقد كان قلب المسيح مملوًا بالفرح، وليس قلبه فقط بل أيضًا روحه كانت في حالة ابتهاج. طبعًا هذا لم يكن لأن الظروف حسنة، أو لأن الرياح مواتية، بل لأنه متكلٌ على الله. إن الاتكال على الله لا يمنح الاطمئنان فقط، ولكنه يُعطي سرورًا وفرحًا للقلب وابتهاجًا للروح.
قد يتكل الإنسان على الله طوال حياته إلى أن يصل الأمر إلى الموت، وهناك يكون الانزعاج والخوف، مثل حزقيا الملك في يومه. ولكن الأمر كان مختلفًا مع المسيح تمامًا؛ فحتى لو وصل الأمر به إلى الموت، إلى القبر والتراب، فإن جسده يسكن مطمئنًا. ومثلما كانت روحه سعيدة، وقلبه فرِحًا وهو على الأرض، هكذا سيكون عندما يصل جسده إلى التراب. لماذا؟ لأنه يثق في الله ويتكل عليه، حتى أمام هذا الأمر الرهيب الذي لا حلَّ له عند البشر جميعًا. إنه يثق في إقامة الله له من الأموات.
يا للروعة! هل ليسوع من مثيل؟! هل له من مثيل يثق في قدرة الله؟ هل من مثيل له يتكل ويستند على الله إلى النهاية؟
ولذلك يكمل قائلاً: «لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا».
في ع9 نسمع المسيح متحدِّثًا عن نفسه، ولكنه في هذا العدد يتحول متحدِّثًا لله. في هذا العدد يتحدث عن أمور سلبية لن يقوم بها الله، وهي أنه لن يترك نفسه في الهاوية، ولن يدع جسده يرى فسادًا. وفي العدد التالي يتحدث عن أمور إيجابية يصنعها الله له.
أولاً يقول لله: «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية». تحدث في هذا العدد أولاً عن الهاوية، قبل أن يتحدث عن تأثيرات الموت على الجسد.
والهاوية هي حالة النفس بدون الجسد. وهنا المسيح يعلن أنه لن يظل في هذه الحالة كثيرًا، فلن تطول المدة التي تكون نفسه فيها بدون جسده. وكما نعلم أن هذه المدة كانت ثلاثة أيام وثلاث ليال.
ثم «لن تدع تقيَّك يرى فسادًا»، وهذا ما يرتبط بالجسد. ففي الموت يحدث أمران: تصير النفس بدون الجسد وهذه هي الهاوية، ثم يمضي الجسد دون النفس إلى التراب، وبالتالي يعمل الفساد فيه فورًا. والله كان يعمل في الدائرتين، وهو لم يترك نفس المسيح في الهاوية، وهذا جانب، ولكن من الجانب الآخر لم يَدَع تقيَّه، أي قدوسه، يرى فسادًا.
بالمناسبة إن كلام المسيح هنا يختلف تمامًا عن كلام داود في مزمور6: 5، حيث يقول: «لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي الْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟». داود يذكر أن كل شيء ينتهي بالموت، ولا أمل اذا وصل الإنسان للهاوية، ولكن كلام المسيح في مزمور16 يختلف تمامًا؛ فهو واثق من عدم ترك الله له، ومن أنه لن يرى فسادًا.
«تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ الْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ» (ع11)
هنا نجد الأمور الإيجابية التي يصنعها الله تجاه المسيح. أولاً يُعرِّفه سبيل الحياة، وهذا عندما يقيمه من بين الأموات، وبعد الموت والقبر والهاوية يأتي سبيل الحياة. ولا عجب فذاك الذي كان شعاره «حياة في رضاه»، لا بد أن يعرِّفه الله سبيل الحياة.
ثم «أمامك شبع سرور»، فلقد أجلسه الله عن يمينه فوق كل رياسة وسلطان وكل اسم يسمى. إن المسيح عندما كان على الأرض كان فرحًا في قلبه، مبتهجًا في روحه (ع9)؛ ولكن بعد القيامة لم يجِد أمام الله سرورًا فقط، بل شبع سرور.
ومن الممكن أن نفهم هذه الآية بالارتباط بالماضي والحاضر والمستقبل.
في الماضي عرَّف الله المسيح سبيل للحياة؛ إذ أقامه الله من بين الأموات. وفي الحاضر «أمامه شبع سرور»، فهو مسرور بالله وبما فعله معه. وفي المستقبل سيتمِّم الله كل مواعيده من نحو المسيح. وهذا ما تذكِّرنا به كلمة ”اليمين“، حيث قال الله له: «اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك» (مز110: 1)
ثانيًا: المزمور الحادي والأربعون
وفيه نقرأ إشارة واضحة عن قيامة المسيح، وفيه نرى قيامة المسيح بالارتباط بالإنسان.
في هذا المزمور نقرأ عن شر الإنسان ورفضه لمسيح الله، فالاشرار تملأ قلوبهم مثل هذه الأفكار «مَتَى يَمُوتُ وَيَبِيدُ اسْمُهُ؟... أَمْرٌ رَدِيءٌ قَدِ انْسَكَبَ عَلَيْهِ. حَيْثُ اضْطَجَعَ لاَ يَعُودُ يَقُومُ» (ع5، 8). بل الأكثر من ذلك «أََيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ!» (ع9). هذا هو الإنسان في شره، يتمنى لمسيح الله أن يموت ويبيد اسمه، وينتهي أمره. وأخيرًا في تبجُّحٍ، وهذه إشارة نبوية عن الإسخريوطي، يرفع الإنسان على المسيح عقبه لكي يميته. وماذا كان رد المسيح تجاه كل هذا؟! هو المسكين في هذا المزمور (ع1)، والمسكين ليس لديه سوى الصلاة «أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَارْحَمْنِي وَأَقِمْنِي، فَأُجَازِيَهُمْ» (ع10).
إنه يطلب القيامة، ولماذا يُقام؟! لكي يجازيهم. في أعمال17: 31 نقرأ بوضوح عن ارتباط القيامة بالدينونة «لأَنَّهُ (أي الله) أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ، بِرَجُل قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّمًا لِلْجَمِيعِ إِيمَانًا إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ». فالمسيح أُقيم من بين الأموات، وهو المعيَّن من الله ليدين العالم، وقد تعيَّن وتجهَّز لهذا العمل، أي دينونته لكل العالم، بإقامته من بين الأموات.
يُختم مزمور41 بعبارة إلى الأبد «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. آمِينَ فَآمِينَ» كما أننا في مزمور16 نقرأ في نهايته عن النعم التي في يمين الله إلى الأبد.
من هنا نفهم أمرين أنه بقيامة المسيح من بين الأموات، سيتمتع هو بكل النعم التي في يمين الله، وأيضًا بقيامة المسيح من الأموات سيدين المسيح الأشرار، وبذلك يعود المجد والبركه لله إلى الأبد.
ثالثًا: مزامير الخلاص
وهي تربط بين قيامة المسيح وأعمال المسيح المختلفة.
مزمور21
«يَا رَبُّ، بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ، وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا! شَهْوَةَ قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ، وَمُلْتَمَسَ شَفَتَيْهِ لَمْ تَمْنَعْهُ. سِلاَهْ. لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُهُ بِبَرَكَاتِ خَيْرٍ. وَضَعْتَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا مِنْ إِبْرِيزٍ. حَيَاةً سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ. طُولَ الأَيَّامِ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ» (مز21: 1–4).
المسيح في هذا المزمور هو الملك. هذا الملك كان له طلب، نفّذه له الله، ونتيجة ذلك فرح وابتهج بهذا. هذا الطلب يوصَف بأنه شهوة قلبه، وملتمس شفتيه أيضًا. لقد كان لدى المسيح رغبة داخلية «شهوة قلبه»، وأيضًا «ملتمس شفتيه»، إذ رفع صلوات خارجية تُعبِّر عن هذه الرغبة الداخلية؛ كما نرى في بستان جثسيماني وهو يصارع مصلّيًا. وما هو هذا الطلب؟! إنه القيامة من بين الأموات، وما أجمل استجابة السماء له: «حَيَاةً سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ. طُولَ الأَيَّامِ إِلَى الدَّهْرِ»!
لقد تمَّم الله طِلبته بأن أعطاه حياة، وله أيام إلى الدهر والأبد. وهنا جاءت قيامة المسيح بالارتباط بشيء سيقوم به شخصيًا، ألا وهو عمله كالملك؛ وهذا أمر رائع!
مزمور22
«أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ، فَلاَ تَبْعُدْ. يَا قُوَّتِي، أَسْرِعْ إِلَى نُصْرَتِي. أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي، مِنْ يَدِ الْكَلْبِ وَحِيدَتِي. خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ، وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ الْوَحْشِ اسْتَجِبْ لِي» (مز22: 19-21).
هنا نجد صلاة المسيح لله، بأن لا يبتعد عنه، وأن يُسرع لنصرته، فهو يحتاج لإنقاذ من السيف ومن يد الكلب، بل من فم الأسد، ومن قرون بقر الوحش؛ وهذه كلها صور وتعبيرات مختلفة عن الموت.
طبعًا هناك نتائج كثيرة مرتبطة بوظائف المسيح المختلفة تأتي كنتيجة للقيامة في هذا المزمور؛ ولكن أروع شيء هو أنه قائد التسبيح وسط كنيسة الله، إذ يقول: «أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ» (ع22).
ولماذا التسبيح؟؟ «لأنه (أي الله) لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين، ولم يحجب وجهه عنه؛ بل عند صراخه إليه استمع» (ع24).
شيء عجيب أن تتكرر كلمة «إلى الأبد» مرة أخرى في هذا المزمور أيضًا « يَأْكُلُ الْوُدَعَاءُ وَيَشْبَعُونَ. يُسَبِّحُ الرَّبَّ طَالِبُوهُ. تَحْيَا قُلُوبُكُمْ إِلَى الأَبَدِ».
المسيح له حياة إلى الأبد، وهكذا كل من يتبعه، لقد صار هذا المقام من الأموات مصدر الحياة، إلى الأبد، لكثيرين!
مزمور 40
«أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَلاَ تَمْنَعْ رَأْفَتَكَ عَنِّي. تَنْصُرُنِي رَحْمَتُكَ وَحَقُّكَ دَائِمًا. لأَنَّ شُرُورًا لاَ تُحْصَى قَدِ اكْتَنَفَتْنِي. حَاقَتْ بِي آثامِي، وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُبْصِرَ. كَثُرَتْ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي، وَقَلْبِي قَدْ تَرَكَنِي. اِرْتَضِ يَا رَبُّ بِأَنْ تُنَجِّيَنِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ» (مز40: 11 – 13)
هنا يطلب المسيح من الله أن لا يمنع رأفته عنه، بل أن تنصره رحمته وحقّه دائمًا، فقد حاقت الآثام به، وطبعًا هذه الآثام هي آثامنا نحن. ولذلك طلب أن يرتضى الله بتنجيته، وأن يسرع لمعونته. هذا يتمثل في إقامته من بين الأموات.
في هذا المزمور نرى المسيح كالمتمِّم لمشورات الله، وهو الذي جاء بدرج الكتاب مكتوب عنه أن يفعل مشيئة الله، كما أنه هو مُعلن البر، بِرَّ الله لكنيسته «بشرت ببرٍّ في جماعة عظيمة» (ع9). وهذا المزمور هو مزمور المحرقة، والمحرقة كات تُوقد دائمًا، ولا عجب أن نقرأ كلمة ”دائمًا“ مرتين.
أولاً يقول المسيح لله «تنصرني رحمتك وحقك دائمًا» (ع11)، ثم نقرأ نتيجة الصلاة «ليبتهج ويفرح بك جميع طالبيك. ليقُل أبدًا (أي دائمًا) محبو خلاصك: يتعظم الرب» (ع16)
المحرقة استحضرت السرور لله، والرضا للإنسان؛ فالمسيح يترجى نصرة الله دائمًا، وفي هذا سرور لله. ثم يقول محبو خلاصك ليتعظم الرب دائمًا، وهنا نرى سرور الإنسان بما حصّله المسيح.
مزمور 69
«خَلِّصْنِي يَا اَللهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ دَخَلَتْ إِلَى نَفْسِي. غَرِقْتُ فِي حَمْأَةٍ عَمِيقَةٍ، وَلَيْسَ مَقَرٌّ. دَخَلْتُ إِلَى أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ، وَالسَّيْلُ غَمَرَنِي. تَعِبْتُ مِنْ صُرَاخِي. يَبِسَ حَلْقِي. كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنِ انْتِظَارِ إِلهِي... أَمَّا أَنَا فَلَكَ صَلاَتِي يَا رَبُّ فِي وَقْتِ رِضًى. يَا اَللهُ، بِكَثْرَةِ رَحْمَتِكَ اسْتَجِبْ لِي، بِحَقِّ خَلاَصِكَ. نَجِّنِي مِنَ الطِّينِ فَلاَ أَغْرَقَ. نَجِّنِي مِنْ مُبْغِضِيَّ وَمِنْ أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ. لاَ يَغْمُرَنِّي سَيْلُ الْمِيَاهِ، وَلاَ يَبْتَلِعَنِّي الْعُمْقُ، وَلاَ تُطْبِقِ الْهَاوِيَةُ عَلَيَّ فَاهَا. اسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ لأَنَّ رَحْمَتَكَ صَالِحَةٌ. كَكَثْرَةِ مَرَاحِمِكَ الْتَفِتْ إِلَيَّ. وَلاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنْ عَبْدِكَ، لأَنَّ لِي ضِيْقًا. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا. اقْتَرِبْ إِلَى نَفْسِي. فُكَّهَا. بِسَبَبِ أَعْدَائِي افْدِنِي» (مز69: 1-3، 13-18)
والصلاة في هذا المزمور من أوضح الصلوات التي تتحدث عن القيامة. فيبدأ المسيح بتوسلاته وصرخاته، ثم يعود - بعد أن يستعرض العار الذي سقط عليه نتيجة رفض إسرائيل له - للصلاة مرة أخرى في ع13. وفي صلاته هنا يذكر الموت بصورة واضحة حيث يقول: «لا تطبق الهاوية علي فاها».
ونحن نقرأ هنا عن تحمُّل المسيح للعار واللعنة. كان هناك عار خارجي، وهذا يتمثل في رفض البشر له (ع5–12)، ثم هناك عار داخلي بالارتباط بحملِه للخطية، وهو ما يقول عنه: «أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي... العار قد كسر قلبي فمرضت» (ع19، 20). ثم نقرأ عن قيامة المسيح بالارتباط بحُكمِه كابن الإنسان، إذ سيسيطر على كل الأرض «تسبِّحه السماوات والأرض والبحار وكل ما يدب فيها» (ع34). إنه هو ابن الإنسان الذي سيملك على كل شيء، وسيُخضع له كل شيء.
مزمور 102
«يَا رَبُّ، اسْتَمِعْ صَلاَتِي، وَلْيَدْخُلْ إِلَيْكَ صُرَاخِي. لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا... ضَعَّفَ فِي الطَّرِيقِ قُوَّتِي، قَصَّرَ أَيَّامِي. أَقُولُ: يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي. إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ» (مز 102: 1–2، 23، 24).
المسيح يطلب هنا القيامة من بين الأموات، وهو يتحدث عن نفسه في هذا المزمور كإنسان، ولذا يصف حياته على الأرض كإنسان بأنها أيام (ع3، 11، 23، 24). إن حياة الإنسان تُقاس بالأيام مثلما سأل فرعون يعقوب: «كَمْ هِيَ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِكَ؟» (تك47: 8). كما يذكر المسيح أيضًا أن أيامه قد فنيت، وهي كظل مائل، وأنها صارت قصيرة بمجيء الموت مبكِّرًا.
ولكن ماذا كانت إجابة السماء لصلاته المسجَّلة في أول المزمور، وفي ع24 «يَا إِلهِي، لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي»؟ كانت الإجابة: «إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ. مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ» (عدد24-26).
الإجابة أنه هو الله، ولأنه الله، فإلى دهر الدهور سنوك، وليس أيامك. كل شيء يتغير ويذهب وهو يبقى، بل إن سنيه هذه لا تنتهي.
هذا المزمور لا يتحدث عن وظائف المسيح، ولكنه يصف من هو في ذاته، فهو الله، الثابت الذي لا يتغيَّر، ولذلك هو الضامن لشعبه ولحقوقهم، لقد قال الرب يومًا لشعبه: «لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنُوا» (ملا3: 6). وهنا لأن المسيح هو الله، الذي حتى لو وصل إليه الموت كإنسان، فإن «أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ، وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ» (ع28). هو الذي سيردّ شعبه، لأنه هو الله الثابت الذي لا يتغيَّر.


إسحق شحاته

john w 04 - 05 - 2013 03:55 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
القيامة كما جاءت في نبوات العهد القديم

.......................................


أولاً: نبوات عن قيامة الرب يسوع



(1) «والسيد الرب يعينني. لذلك لا أخجل. لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أني لا أخزى . قريب هو الذي يبررني. من يخاصمني؟ لنتواقف! من هو صاحب دعوى معي؟ ليتقدم إلي! هوذا السيد الرب يعينني. من هو الذي يحكم علي؟...» (إش 50: 7-9).
لقد أعان الله المسيح في الآلام التي قاساها من يد البشر، التي فيها احتمل كل أنواع الآلام، من بصق وتعيير ولطم وعري وثقب اليدين والرجلين، لذلك يقول بروح النبوة: «والسيد الرب يعينني». أما الآلام الكفارية في ساعات الظلمة الأخيرة، التي فيها كان المسيح ممثِّلنا أمام عدالة الله فلم يُعِنه فيها، بل احتملها بالكامل، ولذلك نطق بهذه العبارة: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟».
وبعد أن احتمل المسيح الآلام الكفارية وأكمل العمل ومجد الله تمامًا، كان لا بد أن يقيمه الله من الأموات، ويجلسه عن يمينه في السماويات، لذلك يقول: «قريب هو الذي يبررني».
وفي إقامة المسيح من الأموات، نجد أيضًا البرهان علي تبرير المؤمنين به، لأنه حمل خطاياهم، ووفّى مطالب العدل بالنيابة عنهم؛ لذلك هم متبررون فيه، لأنه جُعل خطية لأجلهم (2كو5: 21). ولكي يبرهن الله لنا أنه بررنا وقبلنا في المسيح قبولاً كاملاً وأبديًا، أقامنا وأجلسنا في المسيح في السماويات.
وفي تبرير المذنبين يستعمل الرسول بولس نفس العبارات التي نطق بها المسيح في هذا النص عن تبريره، أي «من يخاصمني؟ من هو صاحب دعوى معي؟ من هو الذي يحكم علي؟». لذلك يقول بولس للمؤمنين: «فماذا نقول لهذا؟ إن كان الله معنا، فمن علينا؟.. من سيشتكي علي مختاري الله؟ الله هو الذي يبرِّر، من هو الذي يدين؟...» (رو 8: 31).
(2) «أما الرب فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن، إن جعل نفسه ذبيحة إثم . يرى نسلاً. تطول أيامه، ومسرّة الرب بيده تنجح» (إش 53: 10)
لقد جعل الله المسيح ذبيحة إثم، كما أنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه (2كو 5: 21)، وهو الذي وضع الرب عليه إثم جميعنا. وفى هذا النص عبارتان يجب التمييز بينهما وهما:
أ- «يرى نسلاً»: النسل هنا هم المؤمنون الذين أتى بهم المسيح، على أساس كفارته وقيامته، مثلما ذكر الرب مشبِّهًا نفسه بحبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت، فأتت بالثمر الكثير (يو12: 24).
2- «تطول أيامه»: المقصود هنا هو إطالة أيام المسيح، كما جاء عنه في المزمور: «حياة سألك فأعطيته، طول الأيام إلى الدهر والأبد» (مز21: 4)، وهنا نجد حياة المسيح بعد القيامة. لقد مات مرة واحدة، وأُقيم من الأموات بقوة حياة لا تزول (عب7: 16). والرسول يفسِّر لنا ما نطق به المسيح في مزمور 102 عندما قال بروح النبوة: «ضعَّف في الطريق قوتي، قصَّر أيامي. أقول يا إلهي لا تقبضني في نصف أيامي». فيجيبه الآب بالقول: «إلي دهر الدهور سنوك. من قِدَمٍ أسَّست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى. وكلها كثوب تبلى، كرداء تغيّرهن فتتغير. وأنت هو وسنوك لن تنتهي» (مز 102: 23-27؛ عب 1: 10-13). وهو الذي قال ليوحنا: «وكنت ميتًا وها أنا حي إلي أبد الآبدين» (رؤ1: 18).
ثانيًا: الرموز عن قيامة المسيح
«لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال» (مت 12: 40).
إن آية يونان النبي تتضمن الموت والدفن والقيامة، ثم بعد ذلك الذهاب إلى الأمم.
1- الموت:
مع أن يونان كان شاهدًا غير أمين، لكنه رمز وهو في البحر لابن الإنسان، الشاهد الأمين؛ فقد نطق وهو في البحر (يون2) بعبارات تعبِّر عن المسيح في آلامه فوق الصليب نذكر منها:
 «لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار، فأحاطني نهر. جازت فوقي جميع تياراتك ولججك» (ع 3).
 «قد اكتنفتني مياه إلى النفس. أحاط بي غمر» (ع5): وهذه أيضًا لغة المسيح عندما صرخ قائلاً: «غرقت في حمأة عميقة وليس مقر. دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني» (مز 69: 2).
 «أصعدت من الوهدة حياتي» (ع6). وهذه أيضًا لغة الرب يسوع، كقوله في المزمور: «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيك يرى فسادًا» (مز16: 10؛ انظر أيضًأ أع 2: 27).
2- الدفن:
وهو جزء من الإنجيل الذي يكرز به بولس حيث يقول: «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن. وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 15: 3، 4). ويذكر إشعياء دفن المسيح قائلاً: «جُعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته» (إش53: 9). ويُعتبَر يونان وهو في بطن الحوت مدفونًا، كما ذكر المسيح: «كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال».
3- القيامة:
في اليوم الثالث أمر الرب الحوت فقذف يونان إلي البر، هكذا المسيح قام في اليوم الثالث، وقد ذكر المسيح مرارًا أنه سيقوم في اليوم الثالث (مت 16: 21؛ مر 8: 31).
4- ذهاب المسيح إلي الجليل بعد قيامته:
لقد ذهب يونان إلي نينوى بعد أن أمر الرب الحوت أن يقذفه إلي البر، وهكذا المسيح بعد قيامته، ذهب إلى الجليل، الملقَّب «جليل الأمم» (مت4: 15)، وهو في هذا صورة لتوجّهه بالخلاص للأمم، بل ولكل الأرض (إش49: 6). وهكذا اتجهت الرحمة الإلهية إلي الأمم، نتيجة لموت المسيح وقيامته.
صعوبة فهم الثلاثة أيام والثلاث ليال
لقد نشأت الصعوبة من اعتبار أن الثلاثة أيام والثلاث ليال مدتها 72 ساعة؛ لكن بحسب المفهوم اليهودي يُحسب الجزء من اليوم يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة، لذلك يمكن حساب الأيام الثلاثة هكذا:
1- عصر الجمعة يحسب يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة
2- السبت يحسب يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة
3- فجر الأحد يحسب يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة.
وطريقة الحساب هذه مألوفة عند اليهود.
تذييل: القيامة القومية
(1) «يُبلَع الموت إلى الأبد، ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه، وينزع عار شعبه عن كل الأرض لأن الرب قد تكلم» (إش 25: 8)
«يُبلع الموت إلي الأبد» أي يُبطل، وهذا ما سيتم جزئيًا في الألف السنة، ونهائيًا في الحالة الأبدية في الأرض الجديدة. ويقتبس الرسول بولس هذه العبارة ليطبِّقها عند مجيء المسيح للاختطاف فيقول: «متى لبس هذا الفاسد عدم فساد، ولبس هذا المائت عدم موت؛ فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: اُبتُلع الموت إلى غلبة» (1كو 15: 54). وسترد تفصيلات أكثر عن هذا عندما نذكر هوشع 13: 14
«ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه». يتكلم النبي هنا عن الحياة في الملك الألفي للشعب الأرضي، وليس عن الاختطاف؛ لأن الاختطاف سِرّ لم يُعلَن في العهد القديم. سوف لا يكون موت في الملك الألفي إلا للشرير (إش 65: 20). بعد ذلك يأخذ مؤمنو الملك الألفي أجسادًا غير قابلة للموت أو الفساد ليحيوا بها في الأرض الجديدة التي يسكن فيها البر.
(2) «تحيا أمواتك تقوم الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب. لأن طلك طل أعشاب والأرض تسقط الأخيلة» (إش 26: 19)
يصف إشعياء حالة اليهود الذين ليسوا في أرضهم بأنهم أموات وجثث، لكن هناك إحياء لهذه الأمة في الملك الألفي، وهذه الحياة توصف بأنها «حياة إلي الأبد» (مز133: 3)، وذلك بالمقابلة مع الأعداء الأشرار الذين قال عنهم إنهم أموات لا يحيون.
«تقوم الجثث». يتكلم النبي هنا عن القيامة القومية للأمة كما سنرى في حزقيال37 ودانيآل12.
«والأرض تسقط الأخيلة»؛ أى تلفظ الأموات حيث يحيا المؤمنون حياة إلي الأبد.
(3) «كانت علي يد الرب فأخرجني بروح الرب وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا... فقال لي: تنبأ علي هذه العظام، وقُل لها: أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب... هأنذا أدخل فيكم روحًا فتحيون... فتنبأت... فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا علي أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا... هأنذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتى بكم إلى أرض إسرائيل» (حز 37: 1-12).
القبور المذكورة هنا ليس المقصود بها القبور الحرفية، لكن لها معنى رمزي؛ حيث تشير إلى الأمة باعتبارها مدفونة وسط الأمم، والقيامة هنا ليست حرفية إذ كيف نفسِّر كلامهم وهم أموات، عندما قالوا: «يبست عظامنا وهلك رجاؤنا»؟ لكن المقصود هنا المعنى الأدبي مثل القول عن الابن الضال: «ابني هذا كان ميتًا فعاش» (لو15: 24).
وهذه القيامة سوف تحدث على مرحلتين:
المرحلة الأولى:
العظام اليابسة أتت بجانب بعضها، وتغطّت بالعصب واللحم والجلد، ولكن بدون أي أثر للحياة. وهذا يشير إلى رجوعهم في عدم الايمان وبدون حياة ولا ثمر، مثلما قال عنهم الرب مشبِّهًا إياهم بشجرة التين التي تخرج أوراقها أولاً لكن بدون ثمر (مت 24: 32).
المرحلة الثانية:
بعد ذلك سيعمل الرب فيهم بروحه ليأخذوا حياة، وذلك ليس بمجهودهم أو بعملهم، كما يظنون، أو باتكالهم على القوى الأخرى؛ لكن بعمل الرب فيهم عن طريق روحه الذي يحييهم.
(4) «كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلي العار للازدراء الأبدي» (دا12: 2).
يصف دانيآل اليهود المشتتين بين الأمم بالراقدين في تراب الأرض، ثم بعد ذلك يستيقظون؛ وهو في ذلك يشير إلي قيامتهم القومية، ولا يتحدّث عن القيامة الحرفية لأجساد المؤمنين الراقدين والتي ستحدث عند الاختطاف، والأدلة علي ذلك هي:
أ- هناك فريق يستيقظ للحياة الأبدية والآخر للازدراء الأبدي، وذلك في وقت واحد، بينما القيامة الحرفية لا تحدث في آن واحد؛ فهناك قيامة للأبرار قبل الألف السنة، وقيامة للأشرار بعد الألف السنة حيث يدانوا أمام العرش العظيم الأبيض.
ب- يستخدم الروح القدس كلمة «يستيقظون» للتعبير عن نهضتهم ورجوعهم ، فهو يقصد المعنى الأدبي مثلما قال بولس: «استيقظ أيها النائم وقُم من الأموات فيضيء لك المسيح» (أف 5: 14).
ج- جميعهم يوصفون هنا بكلمة ”الراقدين“، بينما في القيامة الحرفية لا تستخدم كلمة ”الراقدين“ إلا على المؤمنين فقط (1تس4: 13، 14، 15؛ 1كو15: 51).
(5) «يحيينا بعد يومين . في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه» (هو 6: 2)
اليومان هنا هما فترة الوقت الحاضر الذي فيهم نُحيَ الشعب جانبًا بسبب رفضه للمسيح، وتشتته، وتكوين الكنيسة. وبعد يومين من شتاتهم يحييهم، والمقصود بالإحياء هنا الإحياء القومي، كما يذكر الرسول بولس في رسالته إلي روميه «لأنه إن كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات؟» (رو 11: 15).
«في اليوم الثالث يقيمنا». وهذه، كما سبق وذكرنا، قيامة قومية، واليوم الثالث يذكّرنا باليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات بعد أن اجتاز تيارات ولجج الغضب الإلهي، وكما حدث مع المسيح كذلك سيحدث مع هذه البقية، التي ستجتاز في ضيقة عظيمة تسمّى ضيقة يعقوب، بكل أهوالها، وسيخرجون كما خرج المسيح بالقيامة في اليوم الثالث.
إذًا فستكون هناك قيامة قومية لإسرائيل في المستقبل، وكأمّة ستقوم وتحيا أمام الرب، أو أمام وجهه، كما ترد في ترجمة داربي. ويدخلون الأرض بأجسامهم الطبيعية، وهم مولودون من الله، يأكلون ويشربون كما تذكر نبوات العهد القديم.
(6) «من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم. أين أوباؤك يا موت؟ أين شوكتك يا هاوية؟» (هو 13: 14).
يتكلم النبي هنا عن النعمة والخلاص اللذين سيكونان من نصيب الشعب مستقبلاً. فالهاوية هي المكان الذي يسيطر على الأرواح، أما الموت فهو الذي يسيطر علي الأجساد، وهما قوتان مرعبتان على الأرض، لكن شكرًا للرب لأن المسيح له مفاتيح كل منهما (انظر رؤ 1: 18). أي أن هاتين القوتين خاضعتان له، وقد هُزمتا بواسطته. له كل المجد.
رشاد فكري


”حقًا أن قيامة المسيح من الأموات تتعارض مع ما ألفه البشر من أحداث، لكنها لا تتعارض مع العقل، بل تسمو فوق إدراكه، وهناك فارق عظيم بين الأمور الأولى والأمور الثانية؛ فالأولى لا تتفق مع العقل إطلاقًا، أما الثانية فتتفق معه في أسبابها، لكن لسموها يعجز عن الإحاطة بها، ومن ثم فإنه لا يعترض عليها، بل يرضخ أمامها. وقيامة المسيح من الأموات هي من هذه الأمور، كما يتضح لنا من شهادات الوحي والتاريخ في آن واحد“.




عوض سمعان

john w 04 - 05 - 2013 03:55 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
القيامة كما جاءت في نبوات العهد القديم

.......................................


أولاً: نبوات عن قيامة الرب يسوع



(1) «والسيد الرب يعينني. لذلك لا أخجل. لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أني لا أخزى . قريب هو الذي يبررني. من يخاصمني؟ لنتواقف! من هو صاحب دعوى معي؟ ليتقدم إلي! هوذا السيد الرب يعينني. من هو الذي يحكم علي؟...» (إش 50: 7-9).
لقد أعان الله المسيح في الآلام التي قاساها من يد البشر، التي فيها احتمل كل أنواع الآلام، من بصق وتعيير ولطم وعري وثقب اليدين والرجلين، لذلك يقول بروح النبوة: «والسيد الرب يعينني». أما الآلام الكفارية في ساعات الظلمة الأخيرة، التي فيها كان المسيح ممثِّلنا أمام عدالة الله فلم يُعِنه فيها، بل احتملها بالكامل، ولذلك نطق بهذه العبارة: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟».
وبعد أن احتمل المسيح الآلام الكفارية وأكمل العمل ومجد الله تمامًا، كان لا بد أن يقيمه الله من الأموات، ويجلسه عن يمينه في السماويات، لذلك يقول: «قريب هو الذي يبررني».
وفي إقامة المسيح من الأموات، نجد أيضًا البرهان علي تبرير المؤمنين به، لأنه حمل خطاياهم، ووفّى مطالب العدل بالنيابة عنهم؛ لذلك هم متبررون فيه، لأنه جُعل خطية لأجلهم (2كو5: 21). ولكي يبرهن الله لنا أنه بررنا وقبلنا في المسيح قبولاً كاملاً وأبديًا، أقامنا وأجلسنا في المسيح في السماويات.
وفي تبرير المذنبين يستعمل الرسول بولس نفس العبارات التي نطق بها المسيح في هذا النص عن تبريره، أي «من يخاصمني؟ من هو صاحب دعوى معي؟ من هو الذي يحكم علي؟». لذلك يقول بولس للمؤمنين: «فماذا نقول لهذا؟ إن كان الله معنا، فمن علينا؟.. من سيشتكي علي مختاري الله؟ الله هو الذي يبرِّر، من هو الذي يدين؟...» (رو 8: 31).
(2) «أما الرب فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن، إن جعل نفسه ذبيحة إثم . يرى نسلاً. تطول أيامه، ومسرّة الرب بيده تنجح» (إش 53: 10)
لقد جعل الله المسيح ذبيحة إثم، كما أنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه (2كو 5: 21)، وهو الذي وضع الرب عليه إثم جميعنا. وفى هذا النص عبارتان يجب التمييز بينهما وهما:
أ- «يرى نسلاً»: النسل هنا هم المؤمنون الذين أتى بهم المسيح، على أساس كفارته وقيامته، مثلما ذكر الرب مشبِّهًا نفسه بحبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت، فأتت بالثمر الكثير (يو12: 24).
2- «تطول أيامه»: المقصود هنا هو إطالة أيام المسيح، كما جاء عنه في المزمور: «حياة سألك فأعطيته، طول الأيام إلى الدهر والأبد» (مز21: 4)، وهنا نجد حياة المسيح بعد القيامة. لقد مات مرة واحدة، وأُقيم من الأموات بقوة حياة لا تزول (عب7: 16). والرسول يفسِّر لنا ما نطق به المسيح في مزمور 102 عندما قال بروح النبوة: «ضعَّف في الطريق قوتي، قصَّر أيامي. أقول يا إلهي لا تقبضني في نصف أيامي». فيجيبه الآب بالقول: «إلي دهر الدهور سنوك. من قِدَمٍ أسَّست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى. وكلها كثوب تبلى، كرداء تغيّرهن فتتغير. وأنت هو وسنوك لن تنتهي» (مز 102: 23-27؛ عب 1: 10-13). وهو الذي قال ليوحنا: «وكنت ميتًا وها أنا حي إلي أبد الآبدين» (رؤ1: 18).
ثانيًا: الرموز عن قيامة المسيح
«لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال» (مت 12: 40).
إن آية يونان النبي تتضمن الموت والدفن والقيامة، ثم بعد ذلك الذهاب إلى الأمم.
1- الموت:
مع أن يونان كان شاهدًا غير أمين، لكنه رمز وهو في البحر لابن الإنسان، الشاهد الأمين؛ فقد نطق وهو في البحر (يون2) بعبارات تعبِّر عن المسيح في آلامه فوق الصليب نذكر منها:
 «لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار، فأحاطني نهر. جازت فوقي جميع تياراتك ولججك» (ع 3).
 «قد اكتنفتني مياه إلى النفس. أحاط بي غمر» (ع5): وهذه أيضًا لغة المسيح عندما صرخ قائلاً: «غرقت في حمأة عميقة وليس مقر. دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني» (مز 69: 2).
 «أصعدت من الوهدة حياتي» (ع6). وهذه أيضًا لغة الرب يسوع، كقوله في المزمور: «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيك يرى فسادًا» (مز16: 10؛ انظر أيضًأ أع 2: 27).
2- الدفن:
وهو جزء من الإنجيل الذي يكرز به بولس حيث يقول: «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن. وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 15: 3، 4). ويذكر إشعياء دفن المسيح قائلاً: «جُعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته» (إش53: 9). ويُعتبَر يونان وهو في بطن الحوت مدفونًا، كما ذكر المسيح: «كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال».
3- القيامة:
في اليوم الثالث أمر الرب الحوت فقذف يونان إلي البر، هكذا المسيح قام في اليوم الثالث، وقد ذكر المسيح مرارًا أنه سيقوم في اليوم الثالث (مت 16: 21؛ مر 8: 31).
4- ذهاب المسيح إلي الجليل بعد قيامته:
لقد ذهب يونان إلي نينوى بعد أن أمر الرب الحوت أن يقذفه إلي البر، وهكذا المسيح بعد قيامته، ذهب إلى الجليل، الملقَّب «جليل الأمم» (مت4: 15)، وهو في هذا صورة لتوجّهه بالخلاص للأمم، بل ولكل الأرض (إش49: 6). وهكذا اتجهت الرحمة الإلهية إلي الأمم، نتيجة لموت المسيح وقيامته.
صعوبة فهم الثلاثة أيام والثلاث ليال
لقد نشأت الصعوبة من اعتبار أن الثلاثة أيام والثلاث ليال مدتها 72 ساعة؛ لكن بحسب المفهوم اليهودي يُحسب الجزء من اليوم يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة، لذلك يمكن حساب الأيام الثلاثة هكذا:
1- عصر الجمعة يحسب يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة
2- السبت يحسب يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة
3- فجر الأحد يحسب يومًا كاملاً، أو يومًا وليلة.
وطريقة الحساب هذه مألوفة عند اليهود.
تذييل: القيامة القومية
(1) «يُبلَع الموت إلى الأبد، ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه، وينزع عار شعبه عن كل الأرض لأن الرب قد تكلم» (إش 25: 8)
«يُبلع الموت إلي الأبد» أي يُبطل، وهذا ما سيتم جزئيًا في الألف السنة، ونهائيًا في الحالة الأبدية في الأرض الجديدة. ويقتبس الرسول بولس هذه العبارة ليطبِّقها عند مجيء المسيح للاختطاف فيقول: «متى لبس هذا الفاسد عدم فساد، ولبس هذا المائت عدم موت؛ فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: اُبتُلع الموت إلى غلبة» (1كو 15: 54). وسترد تفصيلات أكثر عن هذا عندما نذكر هوشع 13: 14
«ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه». يتكلم النبي هنا عن الحياة في الملك الألفي للشعب الأرضي، وليس عن الاختطاف؛ لأن الاختطاف سِرّ لم يُعلَن في العهد القديم. سوف لا يكون موت في الملك الألفي إلا للشرير (إش 65: 20). بعد ذلك يأخذ مؤمنو الملك الألفي أجسادًا غير قابلة للموت أو الفساد ليحيوا بها في الأرض الجديدة التي يسكن فيها البر.
(2) «تحيا أمواتك تقوم الجثث. استيقظوا ترنموا يا سكان التراب. لأن طلك طل أعشاب والأرض تسقط الأخيلة» (إش 26: 19)
يصف إشعياء حالة اليهود الذين ليسوا في أرضهم بأنهم أموات وجثث، لكن هناك إحياء لهذه الأمة في الملك الألفي، وهذه الحياة توصف بأنها «حياة إلي الأبد» (مز133: 3)، وذلك بالمقابلة مع الأعداء الأشرار الذين قال عنهم إنهم أموات لا يحيون.
«تقوم الجثث». يتكلم النبي هنا عن القيامة القومية للأمة كما سنرى في حزقيال37 ودانيآل12.
«والأرض تسقط الأخيلة»؛ أى تلفظ الأموات حيث يحيا المؤمنون حياة إلي الأبد.
(3) «كانت علي يد الرب فأخرجني بروح الرب وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا... فقال لي: تنبأ علي هذه العظام، وقُل لها: أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب... هأنذا أدخل فيكم روحًا فتحيون... فتنبأت... فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا علي أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا... هأنذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي وآتى بكم إلى أرض إسرائيل» (حز 37: 1-12).
القبور المذكورة هنا ليس المقصود بها القبور الحرفية، لكن لها معنى رمزي؛ حيث تشير إلى الأمة باعتبارها مدفونة وسط الأمم، والقيامة هنا ليست حرفية إذ كيف نفسِّر كلامهم وهم أموات، عندما قالوا: «يبست عظامنا وهلك رجاؤنا»؟ لكن المقصود هنا المعنى الأدبي مثل القول عن الابن الضال: «ابني هذا كان ميتًا فعاش» (لو15: 24).
وهذه القيامة سوف تحدث على مرحلتين:
المرحلة الأولى:
العظام اليابسة أتت بجانب بعضها، وتغطّت بالعصب واللحم والجلد، ولكن بدون أي أثر للحياة. وهذا يشير إلى رجوعهم في عدم الايمان وبدون حياة ولا ثمر، مثلما قال عنهم الرب مشبِّهًا إياهم بشجرة التين التي تخرج أوراقها أولاً لكن بدون ثمر (مت 24: 32).
المرحلة الثانية:
بعد ذلك سيعمل الرب فيهم بروحه ليأخذوا حياة، وذلك ليس بمجهودهم أو بعملهم، كما يظنون، أو باتكالهم على القوى الأخرى؛ لكن بعمل الرب فيهم عن طريق روحه الذي يحييهم.
(4) «كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلي العار للازدراء الأبدي» (دا12: 2).
يصف دانيآل اليهود المشتتين بين الأمم بالراقدين في تراب الأرض، ثم بعد ذلك يستيقظون؛ وهو في ذلك يشير إلي قيامتهم القومية، ولا يتحدّث عن القيامة الحرفية لأجساد المؤمنين الراقدين والتي ستحدث عند الاختطاف، والأدلة علي ذلك هي:
أ- هناك فريق يستيقظ للحياة الأبدية والآخر للازدراء الأبدي، وذلك في وقت واحد، بينما القيامة الحرفية لا تحدث في آن واحد؛ فهناك قيامة للأبرار قبل الألف السنة، وقيامة للأشرار بعد الألف السنة حيث يدانوا أمام العرش العظيم الأبيض.
ب- يستخدم الروح القدس كلمة «يستيقظون» للتعبير عن نهضتهم ورجوعهم ، فهو يقصد المعنى الأدبي مثلما قال بولس: «استيقظ أيها النائم وقُم من الأموات فيضيء لك المسيح» (أف 5: 14).
ج- جميعهم يوصفون هنا بكلمة ”الراقدين“، بينما في القيامة الحرفية لا تستخدم كلمة ”الراقدين“ إلا على المؤمنين فقط (1تس4: 13، 14، 15؛ 1كو15: 51).
(5) «يحيينا بعد يومين . في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه» (هو 6: 2)
اليومان هنا هما فترة الوقت الحاضر الذي فيهم نُحيَ الشعب جانبًا بسبب رفضه للمسيح، وتشتته، وتكوين الكنيسة. وبعد يومين من شتاتهم يحييهم، والمقصود بالإحياء هنا الإحياء القومي، كما يذكر الرسول بولس في رسالته إلي روميه «لأنه إن كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات؟» (رو 11: 15).
«في اليوم الثالث يقيمنا». وهذه، كما سبق وذكرنا، قيامة قومية، واليوم الثالث يذكّرنا باليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات بعد أن اجتاز تيارات ولجج الغضب الإلهي، وكما حدث مع المسيح كذلك سيحدث مع هذه البقية، التي ستجتاز في ضيقة عظيمة تسمّى ضيقة يعقوب، بكل أهوالها، وسيخرجون كما خرج المسيح بالقيامة في اليوم الثالث.
إذًا فستكون هناك قيامة قومية لإسرائيل في المستقبل، وكأمّة ستقوم وتحيا أمام الرب، أو أمام وجهه، كما ترد في ترجمة داربي. ويدخلون الأرض بأجسامهم الطبيعية، وهم مولودون من الله، يأكلون ويشربون كما تذكر نبوات العهد القديم.
(6) «من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلصهم. أين أوباؤك يا موت؟ أين شوكتك يا هاوية؟» (هو 13: 14).
يتكلم النبي هنا عن النعمة والخلاص اللذين سيكونان من نصيب الشعب مستقبلاً. فالهاوية هي المكان الذي يسيطر على الأرواح، أما الموت فهو الذي يسيطر علي الأجساد، وهما قوتان مرعبتان على الأرض، لكن شكرًا للرب لأن المسيح له مفاتيح كل منهما (انظر رؤ 1: 18). أي أن هاتين القوتين خاضعتان له، وقد هُزمتا بواسطته. له كل المجد.
رشاد فكري


”حقًا أن قيامة المسيح من الأموات تتعارض مع ما ألفه البشر من أحداث، لكنها لا تتعارض مع العقل، بل تسمو فوق إدراكه، وهناك فارق عظيم بين الأمور الأولى والأمور الثانية؛ فالأولى لا تتفق مع العقل إطلاقًا، أما الثانية فتتفق معه في أسبابها، لكن لسموها يعجز عن الإحاطة بها، ومن ثم فإنه لا يعترض عليها، بل يرضخ أمامها. وقيامة المسيح من الأموات هي من هذه الأمور، كما يتضح لنا من شهادات الوحي والتاريخ في آن واحد“.




عوض سمعان

john w 04 - 05 - 2013 04:04 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح حقيقة وحتمية إن موت المسيح دون القيامة لا يجدي نفعًا. ولقد حمل التلاميذ حقيقة قيامة المسيح للعالم أجمع، وكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، لكل أمم العالم وشعوبه، وأكدوا على قيامة المسيح لأنهم كانوا شهودًا لها. إن قيامة المسيح كانت برهانًا على سلطانه على الموت؛ لقد وضع نفسه بالموت وأخذها بالقيامة «ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتها من أبي» (يو10: 18). ومن ثم قيامته كانت التعبير عن الغلبة، والنصرة التي تمت في الصليب.
قيامة المسيح هي الأساس، وإذا لم تكن قيامته حقيقية لأصبح البناء بدون أساس، ولقد أكَّد الرب يسوع قيامته ببراهين كثيرة، فكان يظهر لتلاميذه ويكلِّمهم حتى يسمعوا صوته ويتأكدوا من شخصه، إن البراهين الكثيرة التي أعطاها لهم، لم تتعلق بحاستي السمع والبصر فقط، وإنما تعدّتهما إلى حاسة اللمس، إذ أمرهم أن يلمسوه حتى يتأكدوا من حقيقة قيامته.
قيامة المسيح أكَّدت:
1- أنه هو الذي صُلب على الصليب
عندما ظهر لتلاميذه بعد قيامته ووقف في الوسط، قال لهم «سلام لكم»، ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه (يو20: 19). قصد المسيح أن يتأكد تلاميذه تمامًا أنه هو الذي صُلب على الصليب، لذا أراهم يديه ليروا فيها آثار المسامير (مز22: 16)، وأراهم جنبه ليروا فيه آثار الحربة التي طعنه بها أحد العسكر (يو19: 34).
2- صِدق نبوات العهد القديم
ولنأخذ مثالاً لذلك من سفر المزامير: تنبأ داود عن قيامة المسيح في (مز16)، المزمور الذي يصف حياة المسيح التي عاشها كإنسان متكلاً على الله، ذاك الذي سلك في طريق طاعة الله حتى وصل إلى الموت، إذ كان واثقًا أن الله لن يترك نفسه في الهاوية، ولن يدع تقيه يرى فسادًا، وأعلن بطرس ذلك في خطابه لليهود في يوم الخمسين. إن هذا المزمور لا يمكن أن يشير إلى داود، لأن داود مات ودفن ولا يزال قبره موجودًا إلى هذا اليوم، وقد رأى جسده فسادًا، فلم يكن داود يتكلم عن نفسه، بل «إذ كان نبيًا، وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، أنه لم تُترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا. فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعًا شهود لذلك» (أع2: 30-32).
3- صِدق نبوات المسيح
أ) تنبأ المسيح عن موته ودفنه وقيامته «لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال» (مت12: 40) - هذه الآية العظيمة تشير إلى قيامة المسيح من بين الأموات، لكن بكل أسف لم تنفع هذه الآية تلك الأمة المتمردة، غير المؤمنة – التي صارت أواخرها أشر من أوائلها، ولما قام المسيح من الأموات، فإن رؤساءهم أنفسهم «أعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين، قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام. وإذ سمع ذلك الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين» (مت28: 13،12).
والجدير بالذكر أن لليهود عادة أن يقرأوا سفر يونان (الذي فيه الآية عن موت المسيح وقيامته) في يوم الكفارة العظيم، وهم لا يؤمنون بموت المسيح وقيامته، لكن البقية ستفهم فيما بعد. إنهم بكل أسف يقرأون العهد العتيق والبرقع موضوع على قلبهم، ولكن عندما يرجع هذا الشعب إلى الرب مستقبلاً يُرفع البرقع، ويبصرون المسيح ويؤمنون به (2كو3: 14-16).
ب- بعد اعتراف بطرس في قيصرية فيلبس: «من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم» (مت16: 21) – إعلان قيصرية فيلبس يُعتبر نقطة تحول في مجريات الأحداث، وأصبح مسار المسيح يتجه للصليب بعد إعلان رفضه.
ج- مرة أخرى بعد حادثة التجلي «كان يُعلِّم تلاميذه ويقول لهم: إن ابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الناس فيقتلونه وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث» (مر9: 31). لقد سبب هذا الإعلان حزنًا عظيمًا للتلاميذ، لكن بعد قيامته فتح ذهنهم ليفهموا الكتب (لو24: 45).
د- بينما كان يسير معهم في الجليل: وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع: «ابن الإنسان سوف يُسلَّم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم» (مت17: 23،22). كان الرب يقصد هنا تسليمه إلى أيدي الأمم فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، أما في أصحاح (16: 21) فالإشارة إلى أن اليهود هم الذين يقتلونه، ولكن في أصحاح (20: 20،18) نرى اليهود والأمم مشتركين معًا في صلب الرب.
هـ- عندما تحدث عن شخصه باعتباره الراعي الصالح: «ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتها من أبي» (يو10: 18)
يتكلم الرب هنا باعتباره ابن الله صاحب السلطان الذي به يضع نفسه وبه يأخذها أيضًا، ولكن هذا السلطان ليس بالاستقلال عن الله الآب بل مرتبط بخضوعه لإرادة أبيه. لقد وضع نفسه بالموت، وفي اليوم الثالث أخذها بالقيامة.
ما أعظمك يا ربي يسوع.. في حياتك أقمت الموتى، وعند موتك أقمت نفسك، وبعد قيامتك كنت تظهر وتختفي، ظهرت لأفراد وجماعات، لقد عاين كثيرون قيامتك. يا لك من شخص عظيم لك سلطان على الموت والحياة! إنك بحق تستحق كل السجود والتعبد إلى أبد الآبدين.


.......
أفرايم فخري

john w 04 - 05 - 2013 04:08 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قام كما قال

.............................


هذا القول الجميل «قام كما قال» (مت 28: 6)، على الرغم من قِصره، مشحونٌ بالتعليم النافع لأولاد الله على مرِّ الزمان. فلقد اعتدنا القول إنَّ الرب يسوع - له كل المجد - وُلد لكي يموت، وهذا حق، ولكن حريٌّ بنا أن نقول: إنَّ الرب - تبارك اسمه - وُلد لكي يموت، ويقوم من الموت! إنَّه لم يولد فقط ليموت ويظل في القبر، حاشا، فهو الذي خاطب الله قائلاً: «لن تدع تقيَّك يرى فسادًا» (مز 16: 10). فلا إيمان مسيحيًا بدون قيامة الرب، وكم هو جميل أن نتتبَّع الإشارات التي تكلَّم فيها الرب عن قيامته، خلال سنوات خدمته القليلة؛ فلم تكن قيامته من الموت أمرًا عَرَضيًا، بل قبل أن يموت كان يعلم أنَّه سيموت، وسيقوم أيضًا. فكما أنَّ موته كان أمرًا محتومًا من الله (أع 2: 23)، كانت قيامته أيضًا أمرًا مقرَّرًا من الله، إذ لم يكن مُمكنًا للموت أن يُمسِك به (أع 2: 24).
هناك العديد من المناسبات التي أشار فيها الرب إلى قيامته، خمس مرَّات بالارتباط بأشخاص: ”يونان“، ”بطرس“، ”التلاميذ“، ”ابني زبدي“، ”هيرودس“؛ ومرّة بالارتباط بالهيكل.
1- آية يونان، وأساس الكرازة
«لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيَّام وثلاث ليالٍ» (مت 12: 38-41 مع لو 11: 29-32).
هذه هي أولى إشارات الرب من جهة قيامته، وفيها يقارن ما حدث مع يونان بما سيحدث معه. لقد مكث يونان في بطن الحوت ثلاثة أيامٍ وثلاث ليالٍ، ثم خرج من جوف الحوت وكرز لأهل نينوى، فآمنوا بكرازته، إذ كان بالنسبة لهم ”آية“، كمن قام من الموت. هكذا أيضًا الرب يسوع، مكث في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، ثم قام من الأموات، وآمن به الكثيرون، وهذا ما عبَّر عنه البشير لوقا: «لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضًا لهذا الجيل» (لو11: 30).
كما أن المسيح بعد قيامته من الأموات قال: «هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغي أنَّ المسيح يتألَّم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يُكرز باسمه للتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأً من أورشليم» (لو 24: 46، 47)، فلا كرازة بالإيمان المسيحي بدون القيامة.
2- بطرس، وأساس بناء الله
«من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهِر لتلاميذه أنَّه: ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألَّم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم» (مت 16: 21-23، مع مر 8: 31-33؛ لو 9: 20-22).
يلفت انتباهنا قول البشير متَّى: «من ذلك الوقت». أيّ وقتٍ بدأ منه الرب الكلام عن موته وقيامته؟ بعد إعلان الآب، من خلال بطرس، عن حقيقة شخص الرب: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، كالأساس الذي أعلن الرب أنه عليه سيبني كنيسته. وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. فالمسيح هو ”ابن الله“، وهو ”الحي“. لهذا قال الرب ليوحنا: «أنا هو الأول والآخر. والحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين» (رؤ 1: 17، 18).
ولذلك فعندما اعترض بطرس على قول الرب إنَّه سيُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم، وفي تجاسر انتهر الرب قائلاً: «حاشاك يا رب. لا يكون لك هذا»، استحقّ توبيخ الرب له: «اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس». وما أروع تلك الكلمة عن الرب وهو يوبِّخ بطرس، والتي ذكرها البشير مرقس: «فالتفت وأبصر تلاميذه» (مر 8: 33). وكأنَّ الرب يتأمَّل في حال تلاميذه، والشقاء الذي سيعتريهم، لو لم «يذهب إلى أورشليم... ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم»، فلا يمكن أن يكون هناك بناء لله مكوَّن من حجارة حيَّة (1بط 2: 4، 5)، سوى على المسيح الصخر، ابن الله الحي، الذي مات وقام. فلا كنيسة ولا مسيحية بدون قيامة المسيح.
3- التلاميذ وحتميَّة الموت والقيامة
«وفيما هم يتردَّدون في الجليل قال لهم يسوع: ابن الإنسان سوف يُسلَّم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، فحزنوا جدًّا» (مت 17: 22، 23؛ مع مر 9: 30-35؛ لو 9: 43-48).
هذه الكلمات قالها الرب بعد أن أخرج الروح النجس من الولد المصروع (مر 9: 24-32؛ لو 9: 37-45). ويذكر لوقا: أنَّ الجميع بُهتوا من عظمة الله، وأنَّهم تعجبوا مما فعل الرب يسوع. وفي هذا الجو المثير للجموع بصفة عامة، وللتلاميذ بصفة خاصة، قَصَدَ الرب أن يقول لهم: «ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم: أنَّ ابن الإنسان سوف يُسلم إلى أيدي الناس» (لو 9: 44)، فكان عليه أن يذكّرهم بأنَّه سوف يُسلَّم أولاً إلى أيدي الناس، فيقتلونه ثم يقوم؛ وبعد ذلك يأتي المُلك والمجد. كان عليهم ألا يخلطوا الأوراق، ويستعجلوا الأحداث. ولكن هل تعلَّم التلاميذ الدرس؟ هل أدركوا مخطَّط الله؟ هل أدركوا أنَّ ترتيب الله الأزلي أنَّ هناك مجيئين للرب على الأرض: مجيئه الأول كحمل الله، ومجيئه الثاني كأسد يهوذا؟ في الواقع لم يعرفوا، ولم يريدوا أن يعرفوا! وهذا ما نفهمه من متابعة ردود أفعالهم كما وردت في الأناجيل الثلاثة:
فمتَّى يذكر لنا أنَّه بعد أن وضَّح الرب لهم حتمية موته وقيامته أنَّهم «حزنوا جدًّا» (مت 17: 23). فرغم أنَّ التلاميذ قد سمعوا من فم الرب مِمَّا لا يدع مجالاً للشك انتصاره الباهر على الموت، إلاَّ أنَّ ما سمعوه أيضًا من فم الرب عن موته؛ موت العار والآلام، لا يتناسب مع ما كانوا يتوقعونه عن المسيا. ويضيف مرقس أنَّهم: «لم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه» (مر 9: 32).
لِمَ فاتهم أن يفهموا معنى هذه النبوّة؟ ذلك لأنَّه في ظنَّهم كان موته يعني هزيمته وخسارة قضيّتهم. ومن جهة أخرى، خافوا حتَّى طلبَ المزيد من الإيضاحات، وكأنَّهم كانوا يخشون أن تتحقَّق هواجسهم، وكان حريٌّ بهم أن يتعلَّموا أنَّ لا أساس للمُلك سوى القيامة.
4- ابنا زبدي والغرض الأسمى
«وفيما كان يسوع صاعدًا إلى أورشليم أخذ الاثني عشر تلميذًا على انفراد في الطريق وقال لهم: ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يُسلَّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلِّمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث يقوم» (مت 20: 17-19 مع مر 10: 32-40؛ لو 18: 28-34).
واضح أنَّ حديث الرب هنا كان بمناسبة صعوده الأخير إلى أورشليم، فلقد ارتسم أمامه ما ينتظره هناك من آلام واستهزاء وصلب. وإذ نظر الرب إلى تلاميذه، رأى على وجوههم الحيرة، وفي قلوبهم الخوف (مر 10: 32)، فقد أخذهم على انفراد كاشفًا أمامهم ما ينتظره في أورشليم. وما يلفت انتباهنا أنَّه في هذه المناسبة، بصفة خاصة، قصد الرب أن يذكر ما سيحدث معه بالتفصيل، الأمر الذي لم يفعله في المناسبات الأخرى، ففي إنجيل متَّى نقرأ أنَّهم: «يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم»، وفي مرقس: «يهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم»، وفي لوقا: «يُستهزأ به ويشتم ويتفل عليه، ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم»!
لماذا ذكر الرب يسوع كل هذا؟ هل قصد الرب أن يزيد تلاميذه ارتباكًا وخوفًا؟ بالطبع لا، بل قصد الرب أن يُبدِّد كل حيرة ويزيل كل مخاوف، فما كان يُحيِّرهم، بل ومُخفَى عنهم (لو 18: 34)، كان حلَّه معروفًا مُسبقًا عند الرب، وما كان يملأ قلوبهم خوفًا كان هو يتوقعه بكل تفصيلاته!!
وكأنَّ الرب يقول لهم: ”ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وإن كنتم تصعدون متباطئين فها أنا أتقدمكم“ (مر 10: 32)، فهو بلغة يوحنا: «عالم بكل ما يأتي عليه»! من أجل ذلك لا داعي للخوف، ”أهناك أخطار قد تعترضني؟ إنني أعرفها جيِّدًا، وها أنا أذكرها بالتفصيل“.
وكم نتعجب أن نجد ذهن ابني زبدي منصرفًا تمامًا عن كل هذا، وبدلاً من أن يتفهَّما غرض الرب السامي من الصعود إلى أورشليم، نجدهما منشغلين في: من سيكون له الرفعة والمقام الأعلى يوم يملك المسيح؟! والأعجب أنَّ هذه المشغوليَّة بالرفعة جاءت وليدة حديث الرب عن آلامه وموته وقيامته، الأمر الذي أغاظ باقي التلاميذ. لقد تباعدت نظرة الرب وتوجُّهه، عن نظرة التلاميذ وتوجّههم، فالطريق إلى المجد والمُلك يمر عبر طريق الموت والقيامة.
5- هيرودس، بين إرادته وقصد الله
«في ذلك اليوم تقدَّم بعض الفريسيِّين قائلين له: اُخرج واذهب من ههنا لأن هيرودس يريد أن يقتلك. فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب: ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغدًا، وفي اليوم الثالث أُكَمَّلُ» (لو13: 32).
إنَّنا لا نعرف تمامًا بواعث هؤلاء الفريسيين الذين أخبروا الرب عن مؤامرة هيرودس ضده، وأنَّه يريد قتله، طالبين منه الهروب من وجه هيرودس. ولو أننا نكاد نجزم بأنَّهم لم يكونوا يُنشدون سلامة الرب وأمنه. غير أنَّ هذا التهديد أظهر لنا مزيدًا من روعة الرب وكمال مقاصده. فلقد حمَّل الرب هؤلاء الفريسيين رسالة إلى هيرودس، مفادها أنَّه ما زال يحتاج بعض الوقت، فيه يُخرِج شياطين، ويصنع بعض معجزات الشفاء، خلال الأيام القليلة الباقية من حياته على الأرض. ثم في اليوم الثالث يُكَمَّل، أي بموته وقيامته. وإلى أن يتم كل هذا ما كان بوسع أية قوة أن تؤذيه. فلا هيرودس بكل جبروته، ولا رؤساء الكهنة بكل حيلهم ومؤامراتهم، بل ولا إبليس بكل قواته الجهنميَّة، يستطيعون أن يُنقِصوا يومًا واحدًا من حياة الرب.
وكما في الخليقة الأولى ، هكذا في الخليقة الجديدة لا بد أن يرى في كل ما صنعته يداه أنَّ كل شيء حسنٌ جدًا. وذلك بما أكمله بكل روعة. فلا تتويج لمقاصد الله سوى بالقيامة.
6- الهيكل بين الرمز والحقيقة
«فأجاب اليهود وقالوا له: أيّة آية ترينا حتى تفعل هذا؟ أجاب يسوع وقال لهم: اُنقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه... كان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات تذكَّر تلاميذه أنَّه قال هذا، فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع» (يو 2: 15-22).
أهاج الرب مشاعر أعدائه، بتصرفه الصارم والشديد إزاء الحالة المترديَّة التي وصل إليها هيكل الله، كيف تحوَّل بيت الصلاة إلى بيت تجارة. ورغم علم الجميع بما وصل إليه الهيكل، فإنهم صُدموا مِمَّا فعله الرب. أ يمكن لأي إنسان أيًّا كان أن يفعل مثل ذلك؟! وما هو السلطان الذي يُخوِّل له أن يفعل ذلك؟ ولذلك نجدهم يسألونه: « أيّة آية ترينا حتى تفعل هذا؟»، وهنا أجابهم الرب: «اُنقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه»!
كان الرب هنا يفارق بين الهيكل الذي أمامهم المشيَّد بحجارة، وبين هيكل جسده. الهيكل الأول هُدم بأيدي أناس، وشيِّد أيضًا بأيدي أناس، أمَّا هيكل جسد المسيح، فصحيح إنه سيُنقَض بأيدي أناس، لكنه هو الذي سيُقيم نفسه!! وهذه هي آية الآيات. نعم هناك كثيرون قاموا من الموت، لكن لم يُقِم أحد نفسه، أمَّا الرب يسوع فما كان يحتاج أن يُقيمه أحد، بل أقام هو نفسه، كما أعلن هو عن ذلك: «وفي ثلاثة أيام (أنا) أُقيمه». وهذا ما أعلنه الرب أيضًا أمام جموع اليهود: «لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضًا» (يو 10: 18)، وهذا إعلان صريح وواضح عن حقيقة شخصه أنه ”ابن الله“، كقول الرسول بولس: «وتعيّن (أي تبرهن) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رو1: 4).
* * * *
ما أروع سيدنا، الذي كما تكلَّم عن موته، تكلَّم أيضًا عن قيامته، وأخبرنا بأنه سيقوم. وهكذا قام من الموت كما قال منتصرًا عليه، مُحصِّلاً لنا كل بركات السماء.

......


عاطف إبراهيم

john w 04 - 05 - 2013 04:20 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
يوم قيامة المسيح
.......................

إن قيامة المسيح هي إحدى أهم الحقائق في الإيمان المسيحي، ويوم قيامته من بين الأموات هو - بلا شك - أهم أيام التاريخ البشري كله من بدايته حتى الآن. فلا غرابة أنه بينما لم ترد أحداث ميلاد المسيح إلا في بشارتين فقط، هما البشارة بحسب متى والبشارة بحسب لوقا، فإن أحداث صلب المسيح، ثم قيامته من بين الأموات في اليوم الثالث، وردت في كل من البشائر الأربع.
ونحن نجد تسجيلاً لأحداث ذلك اليوم في ختام كل من الأناجيل الأربعة. ولا ننكر أن هناك صعوبة في التوفيق بين ما سجَّلته هذه البشائر، لكن التوفيق بينها ليس مستحيلاً؛ فنحن نؤمن بأن ما سُجِّل فيها ليس متعارضًا، بل هو متكامل، حيث يَنظُر كل بشير إلى الموضوع من الزاوية التي قصد له الروح القدس أن يعالجها في بشارته. وقصْدُنا الآن في هذا المقال أن نتصور ما حدث في ذلك اليوم العظيم. ومع أنه ليس من السهل معرفة ترتيب الأحداث كما تمت في ذلك اليوم، بشكل مطلق؛ فإنَّنا بتتبعنا الصبور لما سجّله البشيرون الأربعة سنحاول أن نعطي تصوُّرًا لترتيب أحداث ذلك اليوم الذي هو أهم أيام الزمان.
تحدَّثت كل الأناجيل عن أن النسوة في فجر يوم الأحد جِئن إلى القبر، وهو البقعة التي دُفنت فيها آمالهن، بعد أن دُفن فيه المسيح. وكان غرضهن استكمال ما كان نيقوديموس ويوسف الرامي قد ابتدأا يعملانه بعد موت الرب يسوع، من تحنيط لجسده قبل دفنه، حسبما نقرأ في يوحنا 19. ولكن لضيق الوقت لم يقوما بعمل كل ما يلزم، كما لم تشارك فيه النساء، وأردن أن يكون لهن نصيب في إكرام الشخص الذي هو محور حياتهن.
وهناك اختلاف حول موعد شراء النساء للحنوط. فمرقس يذكر أنهن اشترينه بعدما مضى السبت، بينما يفيدنا لوقا أنهن اشترينه يوم الجمعة بعد دفن المسيح مباشرة، وفي السبت استرحن حسب الوصية. وحل هذا الإشكال ميسور، لأن النساء اللائي فعلن ذلك كُنَّ كثيرات، فلا يُستبعد أن من أمكنهن استيعاب الموقف، أسرعن واشترين الحنوط يوم الجمعة، بمجرد موت المسيح، ولكن الوقت لم يسعفهن للرجوع إلى القبر لتحنيط الجسد؛ بينما اللواتي لم يتمكنَّ من استيعاب صدمة موت المسيح بسرعة ظللن وقتًا أطول عند الصليب، ثم عند القبر، وإذ أقبل يوم السبت تعذَّر عليهن شراء الحنوط، فاشترينه بعد غروب شمس يوم السبت، وقرّرن المضي مع بزوغ أول ضوء للقيام بالمهمة التي تثقّلن بتنفيذها.
ويخبرنا البشير لوقا أن عدد النساء اللائي ذهبن إلى القبر كان كبيرًا (لو24: 10)، وإن كان يوحنا يذكر واحدة فقط هي مريم المجدلية؛ ومتّى يذكر اثنتين، مريم المجدلية ومريم الأخرى، التي نفهم من مرقس أنها مريم أم يعقوب؛ ويذكر مرقس ثلاثًا، إذ يضيف إليهما سالومة. فهناك قاعدة تفسيرية هامة، وهي أن ذكر الجزء لا ينفي الكل؛ وأنْ يذكر بشيرٌ أشخاصًا بعينهم لا ينفي احتمال وجود أشخاص آخرين، أكثر من أولئك الذين خصَّهم هذا البشير بالذكر.
ثمة اختلاف آخر بين موعد الذهاب إلى القبر. فبينما يخبرنا البشير يوحنا أن مريم المجدلية جاءت إلى القبر ”باكرًا والظلام باق“ (يو20: 1) يذكر مرقس أن النساء وصلن إلى القبر ”إذ طلعت الشمس“ (مر16: 2). ونحن يمكننا أن نفهم أن مريم المجدلية خرجت من بيتها والظلام باقٍ، وأتت مع باقي النساء إلى باب غرب المدينة، وانتظرن هناك حتى فُتح الباب، الذي لا يُفتح عادة إلا قبيل شروق الشمس، ولما وصلن إلى القبر كانت الشمس قد طلعت.
كانت الصعوبة الماثلة أمام النساء هي: من يدحرج الحجر لهن؛ لأن الحجر كان ضخمًا (مت27: 60؛ مر16: 4). وما كُنَّ يعلمن شيئًا – على ما يبدو - عن الحراس الذين على باب القبر. فنحن نفهم من البشير متى أن اليهود لم يطلبوا حراسة القبر إلا ”في الغد“ (مت27: 62-66)، عندما كانت النساء مستريحات حسب الوصية (لو23: 56). إذًا فلقد شاهدت النساء دفن المسيح في مساء الجمعة، ورأين الحجر الكبير الذي دحرجه يوسف الرامي ليسدّ القبر، أما مسألة الحراس وختم الحجر فحدثت في اليوم التالي، وما كان لديهن علم بها.
وما إن اقتربت المجدلية من القبر، ورأت الحجر مرفوعًا عن القبر، حتى هرولت راجعة وحدها لتخبر بطرس ويوحنا بهذا الخبر المزعج (يو20: 1، 2). فلقد تخيَّلت سرقة الأعداء لجسد المسيح. ومن هذا نفهم أن اليهود كانوا يخشون سرقة التلاميذ للجسد (مت27: 64)، وكان التلاميذ يخشون سرقة اليهود الأشرار للجسد؛ لكن شيئًا أبعد من تفكير هؤلاء وأولئك هو الذي حدث!
كانت هذه بداية الأخبار الغريبة والمتلاحقة التي سمعها التلاميذ في ذلك اليوم. وكان كل من يصل إليه خبرٌ يسرع بإخباره للتلاميذ الآخرين، وهذا هو سر اختلاف الروايات بين الأناجيل، ولو أنَّها كلها اتفقت على أن المسيح قام من الأموات.
وما إن وصل الخبر من المجدلية إلى بطرس ويوحنا حتى أسرعا على التوِّ إلى المكان، ورأيا القبر المفتوح، ودخلا القبر، ورأيا القبر الفارغ والمرتب، فآمنا بصحة الخبر الذي نقلته المجدلية إليهما: أن جسد المسيح ليس في القبر.
وفي أثناء ذهاب مريم المجدلية لتخبر بطرس ويوحنا، ومجيئهم معًا إلى القبر، كانت النساء الأخريات قد دخلن إلى القبر المفتوح، حيث كان الحراس مصابين بالذهول والصدمة لرؤيتهم لملاك السماء (مت28: 3، 4). وهنا نجد اختلافًا بين عدد الملائكة الذين كانوا عند القبر كما ذكره البشيرون، حيث يركز كل من متى ومرقس على الملاك الذي دحرج الحجر وجلس عليه خارج القبر، وهو الذي دعا النساء للدخول لمشاهدة القبر الفارغ، أما لوقا ويوحنا فيخبراننا بأنه داخل القبر كان هناك ملاكان (لو24: 4؛ يو20: 11، 12). بل إننا من إنجيل لوقا يمكننا أن نفهم أن الملائكة ربما كانوا ثلاثة (واحد خارج القبر، واثنان في الداخل – لو24: 23).
وعندما دخلت النساء إلى القبر، رأين الملائكة، وسمِعن منهم خبر قيامة المسيح. فذهبن مسرعات ليخبرن باقي التلاميذ بالخبر العجيب. والأرجح أنه لدواعي الأمن لم يكن كل التلاميذ في ذلك الوقت موجودين في مكان واحد، وهو ما نستنتجه أيضًا من قول الكتاب: «أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية» (مت26: 31). لقد تشتّت شمل التلاميذ في تلك الفترة الحزينة، ولم يتجمعوا ثانية إلا عندما وصل إلى سمعهم ما يفيد بأن المسيح قام من الأموات. ولو لم يقم المسيح من الأموات، لما التأم شملهم قط. على أي حال، عندما نقلت النساء هذا الخبر الذي سمعنه من الملائكة، إلى التلاميذ، تراءى كلامهن لهم كالهذيان (لو24: 11).
عند ذلك قرر تلميذان أن يتركا هذا الجو الكئيب المضطرب، فتركا أورشليم وذهبا إلى قريتهما عمواس (مر16: 12، 13؛ لو24: 13-35). فأخبار موت المسيح، والحديث الغريب عن قيامته، كانت فوق طاقة احتمالهما، فقرّرا الهروب من المكان الذي يحمل لهما أسوأ الذكريات. وبعد رحيلهما عاد كل من بطرس ويوحنا إلى موضعهما بعد مشاهدتهما للقبر الفارغ.
أما مريم المجدلية - كما يخبرنا البشير يوحنا - فقد ظلت عند القبر واقفة وهي تبكي. من ثم انحنت لترى الوضع في داخل القبر، فرأت أولاً الملاكين اللذين تحدثا إليها، ثم ظهر لها المسيح شخصيًا، وطلب منها أن تذهب لتخبر تلاميذه بأنه قام. فذهبت لتخبرهم بأنها شاهدت المسيح المُقام، كما تخبرهم عن الرسالة التي حمَّلها إياها؛ فلم يصدقوها (مر16: 9-11).
وبالنسبة للنساء اللائي نقلن رسالة الملائكة لبقية التلاميذ، فإنهن قبل أن يعرفن شيئًا عن رؤية مريم المجدلية للمسيح المُقام، ونظرًا لأن التلاميذ لم يصدقوا كلامهن، فقد قرَّر بعضهنّ العودة إلى القبر من جديد، لعلهن يحصلن على معلومات إضافية تشفي الغليل. وفي طريق عودتهن من زيارة القبر، ظهر لهن المسيح أيضًا، وأكد لهن مرة أخرى رغبته في رؤية تلاميذه في الجليل. وهذا هو الظهور الذي تحدث عنه متى في إنجيله.
وبذلك يكون الرب قد ظهر في يوم قيامته أولاً لمريم المجدلية، ثم للنساء: اثنتين أو أكثر. وبعد ذلك ظهر لسمعان بطرس (لو24: 34)، ثم لتلميذي عمواس (لو24: 13- 35)، وأخيرًا للتلاميذ، ولم يكن معهم توما (لو24: 36-43؛ يو20: 19-25). ثم توالت بعد ذلك ظهورات المسيح لتلاميذه على مدى أربعين يومًا، مؤكِّدًا لهم - ببراهين كثيرة - أنه قام من الأموات (أع1: 3)، قبل أن يصعد أمام عيونهم إلى السماء.
هذه هي أحداث أعظم يوم في تاريخ البشرية. كيف لا وقد قام فيه المسيح من الأموات، معلنًا نصرته على عدو البشرية الأول؟ ولقد تحقَّق الخبر للتلاميذ، وهو الخبر الذي سبق وأعلنته أسفار العهد القديم (1كو15: 4). ولذك فنحن أيضًا يمكننا أن نقول بفرح: «إن الرب قام بالحقيقة» (لو24: 34). هللويا!

.............


م / يوسف رياض

john w 04 - 05 - 2013 04:28 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
ما زال يدحرج الأحجار

.............................

«من يدحرج لنا الحجر؟». لا شك أنه سؤال قد حيَّر المريمات قديمًا، وهن في طريقهن للقبر. وقد اعتراهن كثير من القلق، وأطنان من اليأس رزحت فوق قلوبهن، أكثر ثقلاً من وزن ذلك الحجر، الذي كان على الأرجح يزيد على الطن، والذي يسد فوّهة القبر، وكان يفصل بينهن وبين المحبوب. من سيرفع من أمامهن كل هذا الثقل؟
إن قصة المريمات هي قصتنا أيضًا، بل هي قصة كل الجنس البشري؛ فالشعور بالخوف والفشل والحزن والمرارة، هي المشاعر السائده التي تسيطرعلينا حينما نحاول أن نرفع أحجارًا من طريقنا، محاولين أن نمهِّد لأنفسنا الطريق. ونحن في داخلنا نعرف جيدًا أنه ليس بمقدورنا حتى تحريكها من مكانها. قد نكون مثلهن تمامًا، والحجر أمامنا هو قبر ابتلع أحد أحبائنا، ونحن نرزح تحت ثقل الفراق والوحدة! قد يكون الخوف من المستقبل، الخوف من الاتكال على مصادر غير موثوق بها، خوف من قلة الإمكانيات، الخوف من ظروف لا نستطيع التحكم فيها. بل وكثيرون منا يرزحون تحت ثقل أحجار من الأمراض العضوية أو النفسية، بل وحتى الإدمان الفعلى، أو لعادة قبيحة أحكمت قبضتها علينا وأثقلت كاهلنا. لا شك أن هناك العديد من الحجارة الثقيلة، تجثم فوق قلوبنا من أخطاء اقترفناها من قبل، تطل برؤوسها من وقت لآخر مهدِّده إيانا بما لا يُحمد عُقباه. أو أخطاء ارتُكبت في حقنا لا نستطيع غفرانها، مسبِّبة لنا الكثير من الحزن والمرارة. قد يكون الخوف مما اجتاح العالم من تيارات العنف والإرهاب، وما ستجلبه عليه من مستقبل حالك ومظلم. وهذا قليل من كثير تمثِّل جميعها أحجارًا أثقل من أن نستطيع دحرجتها أو زحزحتها من مكانها.
ولكن تخيل معي المفاجأة التي اعترت المريمات حينما وصلن إلى القبر ووجدن الحجر، الذي كان سرِّ حيرتهن، قد تدحرج من مكانه، ومشهد الموت الذي ارتبطت به كل مخاوفهن، قد تحوَّل الى مشهد حياة، والرب، الذي ظنوا أنهن قد فقدنه للأبد، هو أمامهن يتكلم معهن، مغيِّرًا كل أحزانهن ومخاوفهن إلى أفراح وسلام!
هذه هي حقيقة القيامة، إنها اكتشاف أن الحجر الذي أعاقنا زمانًا طويلاً قد تدحرج من طريقنا بواسطة إنسان آخر يقدِر أن يخلِّص إلى التمام. إنه اكتشاف أن الرب الذي حسبناه لوهلة قد مات، ما زال حيًّا، بل هو واقف معنا ويقول لنا: ”سلام“، بل ويرسلنا لنعلن للكل عن سلطانه، ولنخبر العالم أن لا شىء يستطيع أن يقف في طريقه، وأنه يستطيع كل شيء، بل إن له حتى في الموت مخارج!
إن القيامة ليست حَدَثًا، بل هي طبيعة حياة تُعلن أن لله سلطانًا، ولا تعيقه أيّة أحجار، مهما بدت للعقل البشرى غير قابلة للزحزحة. إن القيامة إعلان أن القدرة الإلهية لا تضع شرعية للعالم بكل مخاوفه وآلامه كما نراه نحن.
قد قام ليُبطل نظام هذا العالم، ويدفن كل مخاوفنا وآلامنا داخل القبر، ويجلب إلى قلوبنا، كل فرح وطمأنينه وسلام.
علينا أن لا ننجرف فى بالوعة اليأس، ونحن نرى بالعيان حجم الحجر وثقله. علينا أن نسلك بالإيمان، ونعلم أنه منذ ابتداء تضرعتنا قد خرج الأمر من عند الرب (دا 9 : 23)، والأمر قد صدر من قِبَلِه للملاك أن يدحرج الحجر؛ وهو في طريقه إلينا يزيل الأحجار من أمامنا.

........


مسعد رزيق

john w 04 - 05 - 2013 04:35 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
أنه قام.. وأنه ظهر

.........................


هناك ارتباط وثيق جدًا بين عمل الفداء والقيامة، فالدليل علي قبول عمل الفداء الذي تمَّ على الصليب هو قيامة الرب من الأموات؛ لذلك نجد الرسول بولس يقول: «إن لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم» (1كو15: 17).
وإذا بحثنا في الكتاب، نجد أن رقم الفداء هو رقم 14؛ فخروف الفصح كان يُذبح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول. ويفتتح إنجيل متى بالقول: «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود بن إبرهيم»، ثم قال «جميع الأجيال من إبرهيم إلي داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلي سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلي المسيح أربعة عشر جيلاًً» (مت1: 1، 17). ثم في سفر الرؤيا نجد كلمة الحمل تتكرر بطول السفر ثماني وعشرون مرة (14×2).
وإذا حسبنا المرات التي ظهر فيها الرب بعد قيامته، سنجدها أربع عشرة مرة، منها إحدى عشرة مرة قبل صعوده، ثم ثلاث مرات بعد صعوده، ولكل منها دلالة خاصة نذكرها كالآتي:
1- لمريم المجدليه فقط (يو20: 14)، حيث الإعلان عن الارتباط بالرب وهو في السماء «أصعد إلي أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم».
2- لمريم المجدلية ومريم الأخرى اللتين خرجتا سريعًا من القبر، وفيما هما منطلقتان إذا يسوع لاقاهما وقال: «سلامٌ لكما، فتقدَّمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له» (مت28: 9، 10)؛ حيث يتعامل الرب كالملك مع البقية التقية.
3- لسمعان بطرس (لو24: 34)؛ حيث تعامل الرب معه بالنعمه لردِّ نفسه.
4- لتلميذي عمواس (لو24: 13- 25)؛ كالراعي الذي سار معهما وفسَّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب وفتح أعينهما فعرفاه.
5- للرسل العشرة في العلية (يو20: 12؛ لو24: 36)؛ حيث حضر في وسطهم ليُظهر لهم جروحه، ويهبهم سلامًا مؤسَّسًا علي شخصه وعمله وقيامته، ويفتح ذهنهم ليفهموا الكتب.
6- للأحد عشر في العلية (يو20: 26-29)؛ حيث جعل توما يضع يده في جنبه فهتف قائلاً: «ربي وإلهي»، فقال له الرب: «طوبي للذين آمنوا ولم يروا».
7- التلاميذ وهم يصطادون عند بحيرة طبرية (يو21)؛ حيث ظهر لهم الرب بصفته رب الخدمة، الذي يوجِّه عبيده كيف وأين يخدمون، حيث قال: لهم ألقوا الشبكة علي الجانب الأيمن، بعد أن تعبوا الليل كله؛ فاصطادوا سمكًا كبيًرا مئة وثلاثًا وخمسين، ثم عيَّن الخدمة لبطرس قائلاً: «ارعَ غنمي».
8- للأحد عشر (مت28: 16)؛ حيث أعلن الرب سلطانه وسيادته قائلاً «دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلي الأرض»، وأعلن أيضًا بداية ملكوت السماوات وكيفية دخول ذلك الملكوت قائلاً «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلي إنقضاء الدهر» ( مت28: 18-20).
9- لأكثر من500 أخ دفعة واحدة (1كو15: 6).
10- ليعقوب أخي الرب (1كو15: 7)؛ حيث آمن يعقوب بالرب بعد قيامته، علي الرغم أنه لم يؤمن به أيام حياته على الأرض.
11- للأحد عشر وبعض التلاميذ عند صعوده من جبل الزيتون (لو24: 50-52 ؛ أع1)، وبينما هو يصعد رفع يديه ليباركهم بعد أن وعدهم أن يرسل إليهم موعد أبيه؛ وهو هنا يظهر كرئيس الكهنه الذي يبارك قديسيه وهم في بيت عنيا (بيت العناء)، ليباركهم وسط آلام البرية وظروفها، ويهبهم أيضًا الروح القدس والقوة.
ثم بعد صعوده للمجد أظهر نفسه لتلاميذه ثلاث مرات هي:
12- لاسطفانوس (أع7: 56) حيث قال: «ها أنا أنظر السماوات مفتوحةٌ، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله»؛ وهنا يظهر الرب كابن الإنسان الذي على استعداد أن يدين الأمة.
13- لشاول وهو في طريقه إلى دمشق (أع9)؛ حيث أعلن الرب نفسه لشاول في صفته رأس الجسد وأن الكنيسة لحم من لحمه وعظم من عظامه: «لماذا تضطهدني؟».
14- ليوحنا الرسول وهو منفي في جزيرة بطمس، وذلك في سفر الرؤيا، حيث أعلن له ما هو كائن، وما سيكون بعد هذا، وأعلن له تاريخ الأرض حتى نهاية كل شيء، وحتى يصنع كل شيء جديدًا.
والآن نحن ننتظر آخر ظهور له بلهفة شديدة كل لحظة، ليأتي ويأخذ عروسه؛ وستكون هذه المرة الأخيرة لظهوره لنا نحن قبل ظهوره العلني للعالم.
آمين تعال أيها الرب يسوع.

...

عزت نظير

john w 04 - 05 - 2013 04:38 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
مريم المجدلية عند القبر (يوحنا 20)
..........................................

الأحد لم يستبدل بالسبت، السبت هو كمال عمل الله في الخليقة، فيقول في تكوين2: 3 «وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا» (انظر أيضًا خروج20: 11)، بينما الأحد هو ذكرى كمال عمل المسيح الذي أتمه بالقيامة. السبت مرتبط بالخليقة الأولى التي رأسها آدم، بينما الأحد مرتبط بالخليقة الجديدة، ورأسها آدم الأخير، الرب يسوع المسيح.
في أول الأسبوع «جاءت مريم المجدلية إلى القبر»: عند الصليب بقيت مريم للآخِر، وإلى القبر جاءت أولاً. ما الذي قادها باكرًا إلى القبر والظلام باقٍ؟ محبتها. إن تكريسها للرب يُخجل الكثيرين. فمنذ أن عرفته مخلصًا كانت تجول معه وتخدمه (لو8: 1، 2). ثم عند الصليب تركه التلاميذ وهربوا، لكن هي بقيت ومعها النساء هناك. ولما أسلم الروح كانت هناك (مر15: 40)، وعندما دُفن أيضًا كانت هناك (مت27: 61). محبتها منذ بداءة إيمانها، وقد استمرت حتى النهاية. هل محبتنا للرب تزداد يومًا بعد يوم؟ أم نتراجع وننشغل بالعالم؟
«فنظرت الحجر مرفوعًا»: وذلك بعد قيامته، لأن الرب لا يحتاج أن يرفع الحجر لكي يخرج من القبر، بل كما كان يدخل ويخرج إلى العلية والأبواب مغلقة، هكذا قام والحجر على باب القبر والحراس هناك، والملاك إنما دحرج الحجر لكي يظهر إن القبر فارغ.
ونلاحظ أن إنجيل متى ينتهي بالقيامة (28: 20)، وإنجيل مرقس ينتهي بالصعود (16: 19)، وإنجيل لوقا ينتهي بالوعد بارسال الروح القدس (21: 49)، وإنجيل يوحنا ينتهي بالمجيء الثاني (21: 22). القيامة - الصعود - إرسال الروح القدس - المجيء الثاني. هذه هي الحقائق الأربع في المسيحية.
«فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر». مريم المجدلية وحدها ارتبطت بكل المشاهد الختامية، من اتباعه وهو حامل الصليب حتى قيامته. أعمالها ومحبتها تحمل لنا تعاليم روحية، لأن الرب كان أمامها الغرض الأسمى والمستحوِذ على كل مشاعرها، وهذا واضح من كلامها للتلميذين بطرس ويوحنا: «أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه». حامل كل الأشياء بكلمة قدرته لا يؤخذ يا مريم. صحيح كان قلبها مملوءًا بالمحبة، لكنها بدون سراج الكلمة أخطأت في استنتاجها. كلمة الله وحدها هي التي تصحِّح أفكارنا وسلوكنا. المحبة تنظم بواسطة الإيمان بكلمة الله. إيمانها كان يحتاج إلى تدريب، لذلك حكمت حسب الظاهر.
«فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر» تجاوبًا مع كلام مريم تحركت أرجلهما، وركضا ليصلا إلى القبر بأسرع ما يمكن. لكن يوحنا تجاوز بطرس ووصل أولاً. قبل الإيمان كانا معًا وكانا شريكين، وبعد ما اتبعا الرب كانا معًا في العديد من المناسبات، مثل: بيت يايرس عندما أقام المسيح ابنته، وعلى جبل التجلي ومعهما يعقوب، وكذلك في جثسيماني، وبعد القيامة في سفر الأعمال. لكن يوحنا كان أعمق تأثرًا وانجذابًا بمحبة المسيح، فكان الأسرع، وكأن لسان حاله يقول: «اجذبني وراءك فنجري». لكن أيضًا بطرس يركض، وربما كان يفكر بخطيته ونكرانه، لذلك تثقلت خطواته! عندما تكون في القلب خطية غير مدانة يبتدئ المؤمن يتأخر عن الاجتماعات وعن الشركة مع الإخوة، وهكذا يبتعد رويدًا رويدًا...
«وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل». نظر يوحنا إلى القبر والأكفان ولم يرَ المسيح... كم من الأشخاص ينظرون إلى نفوسهم وليس إلى المسيح!
«ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة». قد يوجد تباين في الشخصية، لكنهما في طريقهما معًا إلى المسيح. يوحنا لطيف هادىء متحفظ، انحنى فقط، بطرس حار غيور مندفع متحمس، وأحيانًا متهور، وهو أول من دخل إلى القبر. اختلاف الأمزجة بين المؤمنين لا يؤثِّر، طالما أنظارهم متجهة إلى المسيح.
«والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده». كل شيء بترتيب لإظهار أن مغادرة الرب المكان قد حصلت بهدوء ومن دون عجلة، ودون أن يُنقل بواسطة آخرين، بل إنه خرج بنفسه من الموت ساعة أراد، وكما أراد، تاركًا هذا المكان في ترتيب كامل. بينما لعازر عندما أقامه الرب خرج من القبر «ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب» (يو11: 44). أما الرب فلم يحتج إلى البشر.
لقد جرَّد القوي من سلاحه الكامل وهو في عقر داره (لو11: 21، 22؛ كو2: 15). لقد أباد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، وقام بقوة الله وترك الثياب في القبر. يوسف طُرح في السجن مكان الإدانة وكان معه مذنبان، ولكنه خرج من السجن بعدما بدل ثيابه، وتركها هناك ليلبس ثياب السمو والكرامة.
«فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن». يوحنا كان أول من قَبِلَ هذه الحقيقة . لقد شاهد بطرس لكن لم يذكر الكتاب عنه أنه آمن. الإيمان يكون غير عامل عندما تكون النفس تحت ٍضباب السقوط المعتم، لأن بطرس لم يكن قد عولج بعد.
«لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب». شيء قاسٍ ومذلٍ أن رؤساء الكهنة والفريسيين قالوا لبيلاطس: «يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم» (مت27: 63)، ولكن تلاميذه لم يتذكّروا ذلك!
«أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي». بطرس ويوحنا رجعا إلى موضعما (ع10)، أما مريم فهي وحدها خارج القبر تبكي. قلبها متعلق بالرب، تريد أن تراه حيًا أو ميتًا. العالم كله بالنسبة لها قبر فارغ طالما لم تجد سيدها. ولا عجب فإن التلميذين عرفاه لما دعاهما عند البحر فتركا الشباك وتبعاه، أما هي فقد عرفته كالشخص الذي أنقذها من قبضة سبعة شياطين كانوا يسكنونها، لذك أحبت منقذها كثيرًا.
«تبكي»: كان يجب أن تبكي لو بقي المسيح في القبر، لأنه أي رجاء في مسيح مات ودُفن ولم يقُم. بينما بولس يقول: «أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو15: 3و4). فدموعها لا حاجة لها، كهاجر التي كانت تبكي لموت الغلام من العطش، بينما الماء بقربها! أحيانًا كثيرة نحزن لغياب أشياء هي في متناولنا، ونكون كيعقوب الذي اضطرب لفقدان يوسف، بينما يوسف حي (تك42: 36). وهنا مريم تبكي كمن لا رجاء لها!
«فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدًا عند الرأس والآخر عند الرجلين».
لم تَخَف مريم الملاكين، ولم يجذبا انتباهها، لأن غرضها أسمى بكثير من هذه الكائنات السماوية، إذ لا شخص ولا أي شيء يشبع قلبها إلا شخصه. إن كانت قلوبنا متمتعة تمامًا بشخص الرب مرتبطة به أكثر، كم من الأشياء في هذا العالم تفقد أهميتها لنا، ويا له من فرح نختبره أن نكون مشغولين به!
ملاكان مرسلان من السماء يؤكدان نصرة القيامة، شهادة من فوق. قد يكونا رئيسي ملائكة. جالسين عند الرأس وعند الرجلين كل واحد منهما كان مكتفيًا بما يخدم به، وهذا ما يجب أن يكون عليه كل واحد منا، فلا مخاصمة بينهما كما حدث مع الرسل عندما صنع الرب ذكرى موته «وكانت بينهم أيضًا مشاجرة من منهم يظن أنه يكون أكبر» (لو22: 24).
«ثياب بيض»: صفات كل سكان السماء. الملائكة لم ترَ المسيح إلا بعد التجسد، لأن السرافيم الواقفين فوق العرش يغطي كل منهم وجهه لكي لا يرى السيد الجالس على الكرسي العالي.
«فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين؟ قالت لهما أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه». تعجّب الملاكان إذ إن السماء تسبِّح، وهذه المرأة تبكي. يا لطول أناة إلهنا في تعامله مع غباوتنا! لكن سؤالاً رقيقًا مشفقًا وجَّهاه لها. لقد كان على مريم أن تسبح وتهتف وترنم لأن القبر فارغ. لكن فكرة القيامة لم تخطر على بالها، كبقية التلاميذ، ما عدا يوحنا الذي لما رأى القبر فارغًا آمن.
«ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفًا، ولم تعلم أنه يسوع». مريم لم تعُد تنظر إلى القبر، بل تحولت إلى جهة الأحياء. يجب أن نرفع عيوننا وننظر رئيس الإيمان ومكمله. مريم لم تُرد أن تترك الرب مع أي شخص آخر، لكن الموقف كله كان خطأ – دموع الحزن بدلاً من الفرح والبهجة؛ تصوَّرت أنه لا يزال ميتًا، وهو الحي إلى أبد الآبدين، وله مفاتيح الهاوية والموت.
«قال لها يسوع: يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني، فقالت له يا سيد: إن كنت أنت قد حملته، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه». قد يكون المخلِّص قريبًا جدًا من الناس، ومع ذلك يفوتهم أن يميّزوه.
هذه هي أول كلمات له بعد القيامة. لقد جاء ليعصب من**ري القلب، ليعزي كل النائحين (إش61: 1). وقريبًا جدًا سيأخذنا إليه، وهناك سيمسح كل دمعة من عيوننا (رؤ21: 4).
لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ الملاكان لم يعزّياها وغابا عن الأنظار، لكنها قالت بالضمير الغائب ”حملته - وضعته - آخذه“. لقد أخطأت مريم إذ ظنت أنه البستاني، لكن راعي الخراف العظيم المُقام من الأموات، يعرف خرافه الخاصة التي تطلبه والمكرَّسة له، ويعرف تمامًا كل ما يختلج في قلبها.
نتائج تكريسها: رأت الملاكين وتكلما إليها، أول من رأت الرب المقام وحمَّلها رسالة بشرى لإخوته، بينما بطرس ويوحنا خسرا كل هذا. وقد تم فيها القول: «إني أكرم الذين يكرمونني».
«قال لها يسوع: يا مريم. فالتفتت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم».
أول كلمة: ”يا امرأة“ قالها المسيح بصفته كالخالق، وأما ”يا مريم“ فقد قالها كالراعي الذي يدعو خرافه الخاصة بأسماء. إن كنا نطلبه يظهر لنا «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي» (يو14: 21).
يا مريم: كلمة واحدة منه طردت كل حزن! إنه يظهر في ملء محبته، فيملأ القلب فرحًا ويشيع الاطمئنان في النفس!
ربوني: سمعت فالتفتت، ورأت ثم سجدت بكلمة واحدة. المحبة تغني الحبيب عن الثرثرة، كلمة واحدة حوَّلت الباكية إلى ساجدة. انتهى ليل بكائها وفاض كأسها.
«وقال لها لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي». لقد بيَّن لها بهذه الكلمات الحاسمة أن العلاقات الجديدة لا يمكن أن تستأنف تمامًا كما كانت قبلاً، إذ موته وقيامته غيّرا كل شيء. ويجب أن نعرفه بالروح كواحد مع الآب ممجدًا في الأعالي وغرض الإيمان. وبعدما يمتلئون من الروح القدس سوف يدركون أن علاقتهم معه أعمق جدًا من اللمس، وأن البركة ليست بالمنظور «في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم» (يو14: 20).
«ولكن اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم». إعلان عظيم دعا تلاميذه إخوته، في يوحنا 13: 1 دعاهم خاصته، وفي يوحنا 15: 14 أحباءه، لكن ولا لقب من هذه يعبِّر عن العلاقة بنفس الطريقة مثل اخوتي، إنها العلاقة كالشخص المقام الذي انتصر على الموت «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل، وبه الكل، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمِّل رئيس خلاصهم بالآلام. لأن المقدِّس والمقدَّسين جميعهم من واحد فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة، قائلاً: أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبحك» (عب2: 10-12). وفي يوحنا 12: 24 هو حبّة الحنطة التي تُنتج نظيرها بعد الموت. وفي رومية 8: 29 «ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين». كذلك في مزمور22 بعد ما أنقذ من فم الأسد، ومن قرون بقر الوحش، قال «أُخبر باسمك إخوتي» (ع21، 22).
«إني أصعد إلى أبي وأبيكم». قام لا ليبقى معهم إنما هي أول خطوة لرجوعه للسماء، كممثِّل لنا وسابق لأجلنا.
بعد الفداء، أبوكم كما هو أبي، أي كل ما لي، كالرأس، هو لكم كالأعضاء. لكن ليس أبانا، فالله أبوه منذ الأزل وهو مساوٍٍٍٍ للآب. نحن أبناء الله بالتبني لأننا ارتبطنا به مخلِّصًا.
«فجاءت مريم وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا». حملت مريم أفضل رسالة للتلاميذ. امتياز جليل مُنح لها. إنها رسالة الحياة، والشفاء، والعزاء، والهناء، والرجاء!
أول رسالة للموت جاءت بامرأة: ”حواء“ في بستان المسرات، وأول إشعار بالقيامة من الموت جاءت بامرأة: ”مريم“ في بستان القبر. لقد زرعت مريم بالدموع وحصدت بالابتهاج (مز126: 5، 6).

......

john w 04 - 05 - 2013 04:41 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
المجدلية تتحدث

..........

كادت دموعي أن تَذيبَ مُقلتيَّ

وتذوبُ فيما أُعِِدُّ من أغلى الحنوطْ

ففؤادي قد سُحِقَ وشُقَّت كُليتيّ

والحزنُ دمّرني وداهمني القنوطْ

وأنا أرى ربي وشافي الداءِ فيَّ

مُعلَّقًا فوق الصليبْ

فأصابني يأسٌ رهيبْ

* * *

ها طيبي أحمله لعلي به أُداوي

جُرحًا بقلبي مُصابه جُرحَ الحبيب

لكنَّ طيبي أو حنوطي لا تساوي

قدر الحبيب

مهما بأسواق العطارة كان طيبي أغلى طيب

* * *

إني أُشُق طريقي أُسرِعُ كالحمام

فالفجر قد شق الظلامْ

مَنْ لي بجبّارٍ يدحرجُ لي الحجر؟

أنا لستُ أخشى من خَطرْ

أن تدمى رجليَّ الشُعابُ أو الوعَرْ

لكني لا أقوى على الحِملِ الثقيل

كيف السبيلْ؟

كيف السبيلُ وليس يحملني سوى جسدٍ هزيل؟

* * *

ماذا أرى ...؟

القبرُ مفتوحٌ وقد رُفعَ الحجرْ؟

ماذا جرى ...؟

قلبي من الحزن انفطرْ

فالقبرُ خالٍ من حبيبي وسيدي

ربي وقُنية قلبي كنزي المفتخَرْ

يا ليت دمعي يظل منهمرًا ولو جسدي قُبِرْ

* * *

بينما رأسي المُنكَّس لامس صدري الحزين

جاءني صوتٌ لطيفٌ رنَّ في الليل السكينْ

يا امرأة مَنْ تطلبينْ؟

ولِمَ بكاؤك والأنينْ؟

فأجبتُه أخذوا حبيبي ولستُ أدري الموضعا

هذا هو سرُّ شجوني وما أسالَ الأدمعا

ثم التفتُّ إلى الوراءِ أُسائلُ.. أتوسلُ

يا أيها البستاني أنت حملتَه؟

إن كنت أنت أخذتَه

أخبرني أين وضعتَه

كي آتي آخذُه فإنه سيدي

ربي إلهي بل نصيبي الأوحدِ

* * *

فإذا بصوت حبيبي ... صوت حبيبي أسمعُ قائلاً:

”يا مريم“

”ربوني“!!

قالتها روحي ... قالها عقلي وقلبي والفمُ

وبلهفة أسرعتُ في حبٍ وقلبٍ راغبٍ

فأجابني: ”لا تلمسيني فما صعدتُ إلى أبي“

لكني أخبركُ بأمرِ أعجبِِ

أعطيكِ إعلانًا جديدًا أروعا

حقًا عظيمًا أرفعا

”قولي لإخوتي كلهم: بُشرى لكم“

”فإلى أبي أبيكمو أنا أصعدُ“

”وإلى إلهي إلهكم“

بشرى لكم

هذا المقامُ الأمجدُ!



فيبي فارس

john w 04 - 05 - 2013 04:45 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
سلام لكما.. لا تخافا (متى28: 1-10)

..................................................

قال المرنم: «عند المساء يبيت البكاء، وفي الصباح ترنم» (مز30: 5). هذه العبارة تُعتبر أوضح تصوير لحال التلاميذ عندما قَبض الأشرار على سيدهم وربهم، وعندما اقتادوه إلى الصليب، ثم عندما أُدخل إلى الضريح. فحقًا ما من مساء فاق فيه الحزن كل حدود التصور، وسالت فيه الدموع مدرارًا مثل ما حدث في ذلك اليوم القاتم الرهيب، عندما رأى التلاميذ معبود قلوبهم، والذي هو بحق أبرع جمالاً من بني البشر، يُساق كشاة إلى الذبح، ثم يموت كما يموت أحد السفهاء، ورأوا محيي الرميم يُدفن كالبشر في قبر، ويختفي فيه ضمن مختوم الحجر!
لكن جاء الصباح المنير. الصباح الذي يفوق في نوره وإشراقه كل صباح آخر، منذ أن قال الرب وسط ظلمة الأرض الحالكة: «ليكن نور، فكان نور» (تك1: 3).
وسوف نتتبع الآن الأحداث الأولى لذلك الصباح الصحو المضيء، كما سجَّلته لنا البشارة الأولى في العهد الجديد، بشارة متى. ومعروف أن البشائر لم تروِ الأحداث ذاتها، بل إن كل بشير انتقى من أحداث ذلك اليوم المجيد ما يتناسب مع غرض الروح القدس من إنجيله.
* * * *
يقول البشر متى: «بعد السبت، عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر» (ع1). ومن المقطع الأول في هذه الآية، نفهم أن قيامة المسيح تمّت في أول الأسبوع، في فجر يوم الأحد، الذي سُمِّي في الكنيسة الأولى ”يوم الرب“. ونحن نعرف من البشائر أن النساء لم يذهبن إلى القبر يوم السبت، ليقُمن بأهم واجب، لأنهن استرحن حسب الوصية. فلقد كان التلاميذ يهودًا، يحترمون السبت ويقدسونه. إلا أن شيئًا خطيرًا يخبرنا به كل من التاريخ المقدس (سفر الأعمال) والتاريخ البشري، وهو أن يوم الأحد احتل بسرعة في مشاعر أتباع المسيح من اليهود محل يوم السبت. وهذا إنما يؤكِّد بكل يقين أن شيئًا جَللاً قد حدث في ذلك اليوم، جعل اليهود الذين تعوّدوا منذ نعومة أظفارهم احترام يوم السبت وتقديسه يُغيِّرون هذا الأمر. وما هذا الحدث إلا قيامة المسيح من بين الأموات في أول الأسبوع. إن هذا التغيير يمثِّل دليلاً تاريخيًا لا يقبل النقض على قيامة المسيح حقًا وصدقًا في ذلك اليوم، ولا يمكن تفسيره لدى كل من يُنكر حدوث قيامة المسيح، بعد ثلاثة أيام من صلبه.
ولقد أعلنت قيامة المسيح انتهاء السبت، بل انتهاء كامل التدبير القديم الذي كان السبت علامته. وعندما بزغ فجر يوم أول الأسبوع، كان هذا إيذانًا ببدء تدبير جديد. ويعتقد بعضٌ أنه حتى طريقة الحساب للأيام من الغروب إلى الغروب قد تغيَّرت، ومن ذلك الوقت أصبح اليوم يبدأ بالفجر.
يستطرد البشير قائلاً: «وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه» (ع2). لقد كان هذا الحجر كبيرًا، كما يذكر كل من متّى ومرقس (مت27: 60؛ مر16: 2). وكان يحتاج إلى مجموعة من الرجال الأشداء، يشتركون معًا في دحرجته. ولكن ملاك السماء طبعًا دحرجه في لحظة.
والبشير متّى ينفرد بذكر الأمر الذي أصدره بيلاطس لختم الحجر الذي كان على باب القبر بخاتم الإمبراطورية (مت27: 66)، وبذلك فقد ألقت الإمبراطورية الرومانية بكل سلطانها وهيبتها في القضية. فكما اشترك الأمم مع اليهود في صلب ابن الله، وكانوا معهم شهودًا عليه، هكذا اشترك الأمم مع اليهود في ختم الحجر، ليكونوا شركاءهم في باقي الجريمة، بل أيضًا شهودًا معهم على أغرب أحداث التاريخ وأهمها.
ولكي يدحرج الملاك هذا الحجر، فضَّ يقينًا خاتم الإمبراطورية الرومانية الذي خُتم به الحجر. وجلوس الملاك فوق الحجر المدحرج فيه نوع من التحدي، فهو ليس على عجلة من أمره في إنجاز مهمته، كما أنه يعلن أن سلطان السماء، الأعلى من سلطان أعظم إمبراطوريات زمانها، أبطل ما فعلته تلك الإمبراطورية العظمى. وعندما جلس الملاك على الحجر المُدَحرَج، أصبح هو نفسه بذلك ختم السماء على الحجر في وضعه الجديد!
وهكذا فإن كل ما عمله اليهود بأياديهم الآثمة، أبطله الله بيده القادرة. فماذا بوسع الحجر والختم والحراس أن يفعلوا، إن كان الله قد قرَّر أن يُقيم ابنه من الأموات. حقًا إن «الساكن في السماوات يضحك. الرب يستهزئ بهم» (مز2: 4).
ثم إن منظر الملاك الذي كان كالبرق، ولباسه الأبيض كالثلج (ع3)، بالإضافة إلى الزلزلة التي حدثت، ودحرجة الملاك للحجر، ثم جلوسه عليه؛ هذا كله جعل الحراس يرتعدون ويصيرون كأموات! (ع4). لقد ارتعش الجنود الأشداء، كما ارتعشت أيضًا الأرض الصمَّاء، أمام ملاك واحد مُرسَل من السماء! ويا للعجب، فالمسيح الذي كان قد مات، قام، وأما الحراس الذين وضعهم البشر ليحرسوا القبر والميْت، فقد صاروا مثل الأموات!
وكما حدثت زلزلة عند موت المسيح، فقد صاحبت قيامته أيضًا زلزلة. ويبدو من السرد هنا أن الزلزلة التي حدثت، ونزول ملاك الرب من السماء، ارتبطا باقتراب المرأتين من القبر. وإن كان الختم الذي وضعوه على الحجر الذي على باب القبر أزاله ملاك السماء، فإن ابن الله نفسه أقامه إله السماء! فطبعًا ليس الملاك هو الذي أقام المسيح من الموت، ولا دحرجة الحجر هي التي أخرجت المسيح من القبر. إن الملاك أرجف الحراس، وأما الله فهو الذي أقام يسوع من الأموات. ثم إن دحرجة الملاك للحجر لم يكن القصد منها مساعدة المسيح للخروج من القبر، فالرب لم يكن محتاجًا إلى مساعدة ملاك ليقوم، فلقد قام بمجد الآب (رو6: 4)، كما أنه قام بمقتضى سلطانه هو (يو2: 19؛ 10: 17، 18)، وقام بفاعلية الروح القدس وقوته (1بط3: 18)، بل إن دحرجة الحجر كانت لتقدِّم السماء الدليل القاطع والبرهان الساطع على أن المسيح لم يعُد في القبر. وعندما دحرج الملاك الحجر، فإنما كان ليدعو النساء، وأيضًا الرسل، ليعرفوا ما كانت الملائكة قد عرفته بالفعل: أن المسيح قام من الأموات! ومن ثم ليكونوا شهوده عند الشعب.
ثم يستطرد البشير متى فيقول: «فأجاب الملاك وقال للمرأتين: لا تخافا أنتما. إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ههنا، لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه» (ع5، 6).
جميلة هذه العبارة: «لا تخافا أنتما!». كأنه يقول لهما: ”اتركا الخوف لغيركما. اتركاه للأعداء، أما الأحباء والمؤمنون بالمسيح فليس لهم أن يخافوا“. ونحن هنا نتذكَّر أن أولى نتائج الخطية المسجَّلة في الكتاب هي ما قاله آدم، الإنسان الأول، لله: «سمعت صوتك في الجنة فخشيت» (تك3: 10). أما هنا فنجد نصرة آدم الأخير، ربنا يسوع المسيح، ولذا ترد البشرى للمؤمنين به ”لا تخافوا“.
قال الأخ وليم كلي: ”حتى مجيء المسيح وقيامته من بين الأموات كان هناك قدر من عدم الوضوح وعدم اليقين، رغم حنان الله الذي كان واضحًا في تعاملاته؛ ولكن من القيامة فصاعدًا الكل صار في النور. فكل أسباب الخوف والحزن قد دُفنت في قبر المسيح. ومن المسيح المُقام أتت إلينا كل بركات الله بحسب مشوراته الأزلية. وإن كان موته واجَه كل شروري، فإن قيامته هي نبع كل سروري. فحياتي وسلامي ومقامي أمام الله صارت لي كلها في المسيح المُقام“.
ثم أخبرهما الملاك بأحلى خبر كان مُمكنًا أن يسمعاه في ذلك اليوم: أنه قام من الأموات. وعلينا أن ندخل إلى معنى هذه العبارة: «قام كما قال»! ولنتأكد أن كل ما يقوله الرب يفعله، فهل هو نظيرنا «يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟» (عد23: 19).
ما أكثر ما قال المسيح إنه سيقوم! ففي كل مرة أعلن موته، أتبع هذا بإعلان عن قيامته. هناك ثماني مرات أعلن فيها المسيح هذا الحدث الجلل. وإنجيل متى وحده اختص بذكر ست منها: مت12: 40؛ 16: 21؛ 17: 9؛ 17: 22، 23؛ 20: 18، 19؛ 26: 31، 32.
وإذ عرفت المرأتان أن المسيح قام من الأموات، فإن ما سبَّب الخوف والهلع للحراس، سبب الفرح والابتهاج لهما. وهي واحدة من المباينات العجيبة بين المؤمنين وغيرهم. فيقول الوحي إن أخبار الإنجيل السارة هي للمؤمنين رائحة حياة لحياة، وللهالكين رائحة موت لموت (2كو2: 16). كما يقول أيضًا إن كلمة الصليب (أي رسالة الصليب) عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله (1كو1: 18).
لم تكن المرأتان حتى تلك اللحظات قد رأتا بعد غرض قلبيهما ومعبودهما، لكنهما سمعتا شهادة الملائكة أنه قام من الأموات، كما رأتا أدلة قيامته ونصرته، رأتا مصاريع النحاس وقد تكسَّرت، ومغاليق الحديد وقد قُصفت! وأشار إليهما الملاك بالدخول إلى القبر (ع6)، ربما لأنه لاحظ تردّدهما في تصديق مسألة قيامة المسيح. ودعوته للمرأتين لتدخُلا وتريا الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه، إنما كان ليقدِّم لهما الدليل الأكيد على نصرة المسيح، وقيامته من بين الأموات.
والبشير متّى يحدثنا في ثلاثة فصول متتالية عن مواضع لها ذكريات عزيزة على قلوب المفديين: فهو يحدثنا في الأصحاح 26 عن ”ضيعة يقال لها جثسيماني“ (مت26: 36): من هذه الضيعة بدأ المسيح رحلة المعاناة والألم، ألم المحبة الذي تحمَّله طواعية ليفدينا. ثم يحدثنا في الأصحاح 27 عن ”موضع الجلجثة“ حيث يقول: «أتوا إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمّى موضع الجمجمة» (مت27: 33)، وهناك تحمَّل المسيح الآلام الكفارية الرهيبة لأجلنا. وهنا في الأصحاح 28 نجد الموضع الثالث العزيز على قلوبنا جدًا، أعني به ”القبر الفارغ“. فلقد قام المسيح من الأموات ناقضًا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه.
كم عزيزة علينا جدًا هذه الأماكن حيث بدأ سيدنا رحلة المعاناة والألم، وحيث وصل الألم ذروته، وأخيرًا حيث زالت حقًا المرارة والألم وإلى غير رجعة!
وفي الحقيقة أن بستان الأحزان، ومن بعده الصليب الرهيب، وأخيرًا القبر المظلم الكئيب، هذه الأماكن التي دخل فيها المسيح بمفرده، كان يجب أن تسبق أفراح القيامة التي في كرمه ارتضى أن يشركنا معه فيها.
ثم بعد أن طمأن الملاك المرأتين، وأخبرهما بحقيقة قيامة المسيح من الأموات، ودعاهما لمشاهدة القبر الفارغ بأعينهما، فإنه أردف قائلاً: «واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه: إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما» (ع7).
لقد أتت المرأتان في الصباح لتنظرا القبر، ولقد دعاهما الملاك لتنظرا الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه، لكنَّه الآن يدعوهما لتذهبا مع تلاميذه إلى الجليل، وهناك يرونه. ويا له من تدرّج مجيد: من رؤية القبر، حيث ذوت كل الآمال وانتهت؛ إلى رؤية الموضع الذي كان الرب مضجعًا فيه، ولكنه موضع فارغ ليس فيه الحبيب، وهو ما يعطي نوعًا من الأمل؛ وأخيرًا رؤية شخصه حيًّا، كالمُقام من بين الأموات، أمل الحياة وفرحتها!
ولكن لماذا اختار الرب أن تكون النساء هن أول من يعلم بحقيقة القيامة، وأول من يبشر بها؟ ربما أراد الله أن يختار الإناء الأضعف ليخبر عن نصرة القوي. أو ربما اختار المرأة في البستان لتنقل للتلاميذ أخبار الخلاص، حيث إن المرأة في الجنة هي التي أدخلت الموت. أو ربما أراد الرب مكافأتهما على وفائهما لشخصه في اتباعه إلى الصليب ثم إلى القبر.
وعند الرب إذا كان حزننا مقدسًا، فإن الحزن الشديد يعوَّض بالفرح الأكيد. كما أن المحبة الممتازة يكافئها الرب بامتيازات خاصة.
ونلاحظ أن الملاك لم يقُل للمرأتين: اذهبا سريعًا إلى قادة الأمة الأشرار، وقولا لهم: ”موتوا بغيظكم“، بل طلب منهما أن تذهبا سريعًا إلى تلاميذه لتخبراهم بأن المسيح حي، لكي تحيا أرواحهم فيهم. وهذا يذكِّرنا بما طلبه يوسف من إخوته، أن يسرعوا بالذهاب إلى أبيهم يعقوب، ويخبروه بأن يوسف حي بعد، لكي تعيش روح أبيهم فيه.
وما أرق ذلك الراعي الوديع! فهو لم يشأ أن يعاقب تلاميذه على تركهم له، وعلى عدم تصديقهم ملائكته، بأن يبقيهم أيامًا في الحيرة والقلق، ولا أرسل إليهم رسالة توبيخ وتعنيف، بل أرسل إليهم رسالة سريعة تفيد قيامته له المجد من الأموات.
ولا غرابة أن يقول الملاك: «ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه». فهو يقينًا يسبقهم. فهم بأجسادهم الترابية يحتاجون إلى وقت طويل للسفر من أورشليم إلى الجليل، وأما هو فبجسد القيامة لا يحتاج إلا إلى لحظة أو طرفة عين لينتقل من مكان إلى مكان.
«فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم، راكضتين لتخبرا تلاميذه» (ع8).
ومن القول ”فخرجتا“ نفهم أنهما دخلتا القبر بناء على دعوة الملاك، ليتأكد لهما أن المسيح لم يعد بعد في عالم الأموات، بل إنه ”قام كما قال“. والعبارة: «خرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم» يدل على المزيج العجيب الذي ملأ قلبيهما في ذلك الصبح المنير، فالمنظر ملأ قلبيهما برعب مقدس، والأخبار ملأت قلبيهما بفرح لا ينطق به ومجيد. كان الخوف بسبب العجائب التي رأتاها، وكان الفرح بسبب البشارة التي سمعتاها. لقد تمَّت فيهما حقًا كلمات المسيح التي كان قد قالها للتلاميذ في العلية قبيل الصليب: «أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم يتحول إلى فرح» (يو16: 20).
تتكرر عبارات السرعة والركض في الآيتين 7، 8 ثلاث مرات. إن منظر نسوة يجرين في الشوارع ليس منظرًا مألوفًا، وهو يدل على مدى الحب والإخلاص الذي ميزهما نحو سيدهما، ونوع طاعتهما لرسالة الملاك الذي قال لهما: «اذهبا سريعًا قولا لتلاميذه».
ثم يستطرد البشير قائلاً: «وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع: لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني» (ع9، 10). وبلغة سفر النشيد: «فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي» (نش3: 4). لقد كافأ الرب طاعة الإيمان التي ميزت المرأتين، لأن البركة تأتي دائمًا في رِكاب الطاعة، نعم كافأهما مكافأة سخية بأن أظهر نفسه لهما؛ فما عادت المرأتان تحملان فقط رسالةً من الملاك، بل خبرًا من الرب المُقام نفسه. وليس فقط سمعتا من الملاك أنه قام، بل إنهما رأتا الرب المقام شخصيًا. نعم ليس فقط حملتا أخبارًا عنه، بل خبرًا منه.
والرب أكَّد على ما قاله الملاك. ولو أنه أضاف إضافة جميلة تناسب جو القيامة المجيد، عندما دعا تلاميذه ”إخوته“. هذه العبارة لم تستطع الملائكة أن تقولها، لكن المسيح بنفسه قالها. فهم ما عادوا مجرّد تلاميذ، رغم أنهم كذلك، بل هم أكثر من ذلك: هم إخوته. لقد كان تصرّفًا نبيلاً من يوسف أن يقول عن أولئك الذين باعوه «أنا يوسف أخوكم»، لكنه تصرَّف أعظم جدًا من رب يوسف، بل من إله كل نعمة، أن يشير إلى تلاميذه الذين هربوا كلهم، وتركوه وحده يواجه بطش اليهود والرومان قائلاً: «قولا لاخوتي».
يا لجمال هذا المشهد عن قيامة المسيح، كما سجَّلته البشارة الأولى في العهد الجديد! فالمسيح يقول لتلميذتيه: «سلام لكما... لا تخافا... قولا لإخوتي... هناك يرونني». وأما هما فإننا نراهما ممسكتين بقدميه، وبلغة سفر النشيد: «وجدت من تحبه نفسي، فأمسكته ولم أرخه» (نش3: 4). كما نراهما ساجدتين عند قدميه، وكأنهما تردِّدان مع بني قورح: «لأنه هو سيدك، فاسجدي له» (مز45: 11). له كل المجد.

قامَ المسيحُ يَا شَعبُ أَبْشِرْ




صارَ الذبيحُ عَنْكَ بَديلا





كُلُّ الخَطَايَا اِنْقَشَعَتْ


بِهِ الدُّيُونُ قَد أُكْمِلَتْ




قامَ المسيحُ قامَ المسيحُ




زالَ العِقَابُ سُرِّي نَفسي







مَا عَادَ مَوْتٌ لإهْلاَكِي


قَامَ المَسيحُ فَطُوبَاكِي




كُلُّ الخطايا طَمَت عَلَيهِ


قَامَ البَديلُ والصُّلحُ تَمَّ







فَأَصبَحَ العَدلُ يَرْضَاكِي


وبِرُّ اللهِ قَد غَطَّاكِي




قام المسيحُ والقبرُ ضَاءَ




قَامَ الحَبيِبُ والنصرُ جَاءَ


..............


مَخَالِبُ المَوتِ انكَسَرَتْ


وَكُلُّ أَعدَاكِ انْدَحَرَتْ




زكريا عوض الله













م / يوسف رياض

john w 04 - 05 - 2013 04:48 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
من العبوسة إلى الفرح

.....................................
فتن الوحي عيوننا بمشاهد النعمة البديعة، الواحد تلو الآخر في إنجيل لوقا، وها هو، في النهاية، يختمها بهذه اللوحة الفائقة الجمال للمسيح المُقام من الأموات. بدأ الإنجيل بملائكة يطمئنون زكريا والمطوَّبة مريم والرعاة؛ لكنه يُختم بربِّ الملائكة يفعل ما هو أكثر بكثير وأعمق أثرًا مع قديسيه المضطربين؛ وما أبعد الفارق!!
ولنتقدَّم بقليل من التأمل في هذا الفصل الغني، لوقا 24: 13-53، لنرى كيف عمل راعي الخراف المُقام من الأموات، وكيف أثّر إدراك حقيقة القيامة فتحوَّل المحبطون المنطرحون الشكاكون إلى فرحين ساجدين مُخبرين.
هيا إذًا لنسيِر الرحلة مع هذين التلميذين العابسين، وهما عيّنة تعبِّر عن حال الغالبية؛ ولنلق نظرة على: العلة والداء.. الطبيب والدواء.. نفحات السماء.
العلّة والداء
من وجهة النظر الطبيعية كان لعبوستهما العديد من الأسباب المنطقية؛ من إحباط وخيبة أمل وظروف غير مؤاتية. وبالطبع يمكننا، إنسانيًا، أن نلتمس لهما العذر. لكن دعونا في عُجالة ننظر إلى نتائج الفحص الإلهي، ونطّلع على التقرير الطبي الروحي للوحي وهو يصف لنا الأسباب، لعلّنا نجد فيها بعض أسباب عبوستنا اليوم.
1. لقد «كانا منطلقين... إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة...» (ع13)؛ تركا المكان الذي كان التلاميذ مجتمعين فيه. هجرا الشركة. ورغم أن المسافة ليست بالطويلة (قرابة 12 كم) إلا أنه ابتعاد. وفي البُعد عن المكان الذي أمر فيه الرب بالبركة، حتى لو بدا الأمر بسيطًا، ماذا ننتظر؟!
2. «وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث» (ع14). والانشغال بما يحدث حولنا من أحداث، دون أن نضع الرب فيها، لا بد وأن يملأ القلب بالكَدَر. ولنكن منصفين مع أنفسنا فنفحص ما هي مواضيع انشغالاتنا وأحاديثنا، فلا نسبِّب لأنفسنا الكدر.
3. ثم يقول أحدهما للمعلِّم: « هل أنت متغرِّب وحدك... ولم تعلم الأمور التي حدثت...؟» (ع18). لقد ظنّا أنهما يَعلَمَان؛ فنسبا بذلك الجهل للكلّي العلم!! وعندما نضع أنفسنا في مركز الفاهمين، بدلاً من أن نأتي في اتضاع إلى وضع المتعلّمين، نثقل قلوبنا بهموم لا قِبَل لنا بها. وفي ادعاء العلم ظهر الجهل في القول: «المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدِرًا في الفعل والقول» (ع19). أ هذا هو أقصى ما يعلمانه عن المسيح: «إنسان»؟! لقد كانا منشغلين بأفكارهما الخاطئة عن المسيح، وليس بنظرة الله إليه.
4. وإذ يفصحان عن سرِّ إحباطهما «كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل» (ع21)؛ نفهم أن آمالهما كلها كانت مرتبطة بالأرض، رغم كل ما علّم الرب به في أيام جسده. وإلى اليوم يعتقد بعضٌ أن المسيح جاء ليجعل لهم هذا العالم أفضل (هذا هو فهمهم لـقوله - له المجد - «وليكون لهم أفضل»!!)؛ فيمنحهم الصحة والنجاح والثروة وحل المشاكل... هل ما زلنا نحاول إدخال المسيح في أمور حياتنا ليعطينا راحة وقتية ومجدًا أرضيًا؟! وهل، إلى الآن، نطلب كما لو كنا من مواطني الأرض؟! ولِمَ نستغرب الكدر بعد ذلك؟!
5. ثم تظهر علّة العلل، عدم الإيمان، في رفضهما لتصديق قول النساء «إنه حيّ» مع وجود شهود عيان بأن القبر فارغ (ع22-24). كان ينبغي أن تنشِّط هذه الشهادات، في قلبيهما، بذرة الإيمان التي ألقاها السيد بتكراره أنه سيقوم. لكن هذا ما لم يحدث!
وها قد استعرضنا العلّة والداء، هيا إذًا لنرى
الطبيب والدواء
ما أعظم نعمته وهو يبحث عن قديسيه المحبَطين التائهين المتخبّطين، وإن كانوا مبتعدين؛ فنراه وقد «اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما... فقال لهما...» (ع15-17). وما أروعه مشهد يتكرَّر معنا كل يوم! فعندما تسير الأمور على ما يرام قد يكفي أن يرسل الرب مُرسَلاً برسالة تعزية أو بكلمة تحريض أو ببعض تعليم؛ لكن في وقت الأزمات والأحزان، عند البُعد والتيهان، لا بد أن يقترب الحنّان، وهكذا يظهر في المشهد «يسوع نفسه». وذاك الذي نسمعه يومًا بالنبوة صارخًا «اقترب إلى نفسي. فكّها» (مز69: 18) لا يتوانى عن أن يقترب إلى نفوسنا في ضيقها ليعزي ويشجِّع ويصحح ويعلِّم. وما بين المؤمن و«يسوع نفسه» لا يحتمل وسيطًا يتدخل فيه.
وفيما هما مدفوعان باحتياجهما، منجذبان لنعمته، اندمجا معه في الحديث دون تحفّظ، وإن أُمسكت أعينهما عن معرفته. ولقد حاز ثقتهما فاستخرج من شفاههما تقريرًا بالحالة كلها. ليتنا ندرك أنه الجدير بالثقة وحده! كيف لا وهو الذي جاز كل الأحزان وغلب ملك الأهوال؟
وهكذا باشر هذا الطبيب الماهر علاجه:
القلوب المكشوفة
«فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان... أما كان ينبغي أنّ المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده» (ع25، 26). إذ نوى أن يبارك، فلا بد من كشف حالة القلب. وإن كان ليس من المُسرّ أن نختبر حقيقة ذواتنا؛ فإنّها الطريقة التي يستخدمها الله للبركة، فهي التي تتناسب مع اعتباراته.
على أن كشف قلوبنا وإن كان لازمًا فهو غير كافٍ. وقد كان علاج القلوب البطيئة في الإيمان أن يكلّمهما عن آلامه والأمجاد التي بعدها؛ وليس سوى هذين الأمرين معًا يلهب القلب المتبلّد. ليس أمجاده فقط، كما ظن تلميذا عمواس، ولا الآلام فقط كما يفعل الكثيرون اليوم. ليت قلوبنا تمتلئ، ليس فقط بمعرفة المسيح الذي مات، بل بالحري الذي قام والذي هو الآن في المجد.
«ثم ابتدأ ... يفسِّر لهما الأمور المختصّة به في جميع الكتب» (ع27). لقد كانا يتحدّثان عن الأمور المختصة بهما، وها هو يقودهما إلى الأمور المختصة به. وأرادا إدخاله في أمورهما؛ فأدخلهما هو في أموره، حتى يعرفاه كالمُقام من الأموات. نخسر كثيرًا إذا ما بحثنا في المكتوب عن الأمور المختصة بنا، وعلينا بالأحرى أن نفهم كل المكتوب على أنه الأمور المختصة به؛ وعندئذ سنجده هو بنفسه - له كل المجد - يفسِّر لنا أمورًا تعجز الحكمة البشرية عن سبر أغوارها إذ هي متعلقة بذلك الشخص غير المحدود. وما أمجد النتيجة!
العيون المفتوحة
«فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسّر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه» (ع30، 31). إنه لم يكتف بمجرد تفسير يصل الآذان فقط، بل كان لا بد أن يفتح العيون لتعرفه هو شخصيًا. وما أبدع ارتباط هذا بكسره للخبز! كيف عرفاه؟! أ رأيا جروح يديه؟! غالبًا! لكن السؤال اللازم، هل تنفتح عيوننا ونعرفه عند كسر الخبز؟! ليتها تكون طلبتنا فيتغير حال اجتماعاتنا!!
القلوب الملتهبة
إنه لم يفتح عيونهما فقط، بل اسمعهما يقولان: «أ لم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟» (ع32). والنتيجة «فقاما في تلك الساعة ورجعا» (ع33)، وما أحلى طريق العودة! وما أجمل الهمّة! فهذان اللذان أمسكا بضيفهما لأن النهار كان قد مال للغروب لم يعبأا الآن بظلمة الليل، بل رجعا بقوة معرفتهما للمسيح المُقام، وبقلب ينبض بالحب له، فنراهما شاهدين «يخبران بما حدث في الطريق» (ع35).
آه أيها المُقام من الأموات: ارحمنا من قلوب لم تعد تُحبّك المحبة الأولى، فصارت في برودة القبور.. عُد وبثّ فيها سخونة الحياة من جديد.. بل ألهبها في دواخلنا بحبٍّ حقيقي لشخصك.. فنرجع إلى أماكننا، ونشهد لك أروع شهادة.
النفوس المطمئنة
مرة أخرى نرى «يسوع نفسه في وسطهم»، ودائرة عمله هنا تتسع عن الاثنين الأولين. ونسمعه يقول لهم «سلام لكم» (ع36). ومع أنهم، إذ كانوا في حالة ضعف الإيمان، «جزعوا وخافوا وظنّوا أنهم نظروا روحًا»، فإنّ ذلك لم يوقفه - تبارك اسمه - عن أن يكمل عمله. فيطمئنهم بأن «أراهم يديه ورجليه» ليروا جراحه الغالية، ثم بالأكل معهم (ع38-43).
وصوته إلى الآن يرن في أذن كل قديس «لا تخف! أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتًا، وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 18). إنه الذي غلب الموت وقام، والذي هو حي في كل حين، وله قوة حياة لا تزول (عب7)، فكيف لا تطمئن قلوبنا به؟! في كل ظروفنا وأمورنا، مهما هاجت البحور علينا، أو طمت لُجج فوقنا؛ ليت طلبتنا تكون: افتح آذاننا يا رب على صوتك العذب قائلاً: «سلام لكم».
الأذهان المفتوحة
وإذ يواصل الرب الكريم عمله يُعلمهم أن «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم...». إن كل ما علّمهم بصفته المسيح المتضع في أيام جسده كان قد انتُسي؛ لكنَّ المسيح المُقام «فتح ذهنهم ليفهموا الكتب»، ويا للروعة، لقد فهموا!! فهموا وما عادوا ينسون!! فإذ قال لهم: «هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أنَّ المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدِأً من أورشليم»، رسخت هذه الأمور في أذهانهم، وشكَّلت كل توجّهاتهم بعد ذلك، كما نراها في سفر الأعمال؛ فنراهم بكل قوة متكلمين عن موته وقيامته، كارزين بالتوبة لمغفرة الخطايا!
نعترف يا سيد أنه ما أكثر ما نعرفه من الكتب المقدسة وعنها؛ لكن ما أقل ما استقرّ منها في أذهاننا فشكَّل حياتنا. ألا تفتقدنا في هذه الأيام، لتفتح أذهاننا، فلا تعود أمورك تبدو كطلاسم لنا، بل نفهمها، وتغيّر بهذا الفهم حياتنا، فنعيش بحق كل ما لنا في شخصك الجليل؟!
التكليف والوعد
«وأنتم شهود لذلك» يا له من تكليف! وما أسمى إرسالية المسيح المُقام! وما أكثرها تميّزًا عن أيّة إرسالية أخرى!! وها هو المنتصر المُقام يزوِّد مُرسليه بهذا الوعد «وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي؛ فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبَسوا قوة من الأعالي». إنه تكليفنا اليوم، وهذه هي قوتنا أيضًا.
البركة
ثم نراه وقد «وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا» فاصلاً إياهم عن كل نظام، بل عن كل شيء عداه. ثم بصفته رئيس الكهنة العظيم «رفع يديه وباركهم». آه ما أحلى المشهد! ما أمتعه للعيون وأغلاه للقلوب! وما أسمى هذا الأمر: إنه إلى اليوم يبارك!!
«وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء» تاركًا في عيونهم وأذهانهم وقلوبهم صورته منطلقًا بمجده وقوة سلطانه إلى السماء، لتصبح هذه اللقطة البديعة قوتهم الدافعة للخدمة والتعب بل وأيضًا لقبول حتى الموت... وكيف لا وصورة السيد الذي انتصر على الموت مطبوعة في أذهانهم
نفحات من السماء
ما أعظم ما نتج مما فعل الرب المقام مع تلاميذه. إذ فتح عيونهم ليروا، وألهب قلوبهم لتشعر، وهدّأ نفوسهم في داخلهم، ثم فتح أذهانهم ليفهموا، وكّلفهم أشرف تكليف، ثم باركهم؛ نرى التغيير الجذري في أنهم:
«سجدوا له».
وما أروعه سجودًا عندما أدركوا أن ذاك الذي مات، مات لأجلهم؛ وأنه بعد ما مات قام بمجدٍ وارتقى إلى السماء! وإذ تنفتح العيون فنعرف حقَّ قدره، ويلتهب القلب بمرأى جراحه، ويمتلئ الذهن بمعنى قيامته؛ هكذا تنحنى القلوب، قبل الركب، وتنشد الألسنة أعذب كلمات السجود.
«ورجعوا إلى أورشليم».
ويا له من رجوع! إنهم لن يعودوا للاختباء في علّية مغلّقة بسبب الخوف ولن ينطلق بعضٌ منهم في ابتعاد، ولن يعودوا للشكِّ والإحباط والتخبّط؛ بل سنراهم بعد أيام يهزّون المسكونة شاهدين بمجد المسيح المٌقام أنّ «الله قد أقامه»، ومن ثمّ ينطلقون إلى العالم أجمع متممين التكليف الأسمى.
«بفرح عظيم».
انتهت أيام العبوسة، فالمسيح قام.. اطمأنت القلوب أن العمل أُكمل بالتمام.. وغلب السيد أعتى أعداء الأنام.. غُمرت النفوس بالراحة والسلام.. شبعت العيون بمشهد المُقام.. أ هناك شيء غير الفرح بعدئذ؟! ولا زال من حقنا الآن أن نتمتع بذاك الفرح «وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد» (1بط1: 8). فلماذا الأسى بعدُ؟!
«وكانوا كل حين في الهيكل يسبّحون ويباركون الله».
نعم، كل حين. ولن تنقطع تسبيحاتنا وأفراحنا طالما امتلأت قلوبنا بالمسيح المُقام وأمجاده. له كل المجد.
* * * *
ولأنه هو هو، لا يتغير، كما كان في طريق عمواس، في يوم القيامة، هو لنا في طريقنا، كل أيامنا؛ فلنا أن نطمئن. هو ذاك الذي مات لأجلنا، وقام معلنًا نصرته وتبريرنا، وهو في السماء حيٌّ قد خصَّص ذاته لنا. هيا لنقترب إليه، ولنطلب منه أن يمتّعنا بما عمل مع تلاميذه يومًا. ولنغنِّ:








د / عصام خليل

john w 04 - 05 - 2013 04:48 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
من العبوسة إلى الفرح

.....................................
فتن الوحي عيوننا بمشاهد النعمة البديعة، الواحد تلو الآخر في إنجيل لوقا، وها هو، في النهاية، يختمها بهذه اللوحة الفائقة الجمال للمسيح المُقام من الأموات. بدأ الإنجيل بملائكة يطمئنون زكريا والمطوَّبة مريم والرعاة؛ لكنه يُختم بربِّ الملائكة يفعل ما هو أكثر بكثير وأعمق أثرًا مع قديسيه المضطربين؛ وما أبعد الفارق!!
ولنتقدَّم بقليل من التأمل في هذا الفصل الغني، لوقا 24: 13-53، لنرى كيف عمل راعي الخراف المُقام من الأموات، وكيف أثّر إدراك حقيقة القيامة فتحوَّل المحبطون المنطرحون الشكاكون إلى فرحين ساجدين مُخبرين.
هيا إذًا لنسيِر الرحلة مع هذين التلميذين العابسين، وهما عيّنة تعبِّر عن حال الغالبية؛ ولنلق نظرة على: العلة والداء.. الطبيب والدواء.. نفحات السماء.
العلّة والداء
من وجهة النظر الطبيعية كان لعبوستهما العديد من الأسباب المنطقية؛ من إحباط وخيبة أمل وظروف غير مؤاتية. وبالطبع يمكننا، إنسانيًا، أن نلتمس لهما العذر. لكن دعونا في عُجالة ننظر إلى نتائج الفحص الإلهي، ونطّلع على التقرير الطبي الروحي للوحي وهو يصف لنا الأسباب، لعلّنا نجد فيها بعض أسباب عبوستنا اليوم.
1. لقد «كانا منطلقين... إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة...» (ع13)؛ تركا المكان الذي كان التلاميذ مجتمعين فيه. هجرا الشركة. ورغم أن المسافة ليست بالطويلة (قرابة 12 كم) إلا أنه ابتعاد. وفي البُعد عن المكان الذي أمر فيه الرب بالبركة، حتى لو بدا الأمر بسيطًا، ماذا ننتظر؟!
2. «وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث» (ع14). والانشغال بما يحدث حولنا من أحداث، دون أن نضع الرب فيها، لا بد وأن يملأ القلب بالكَدَر. ولنكن منصفين مع أنفسنا فنفحص ما هي مواضيع انشغالاتنا وأحاديثنا، فلا نسبِّب لأنفسنا الكدر.
3. ثم يقول أحدهما للمعلِّم: « هل أنت متغرِّب وحدك... ولم تعلم الأمور التي حدثت...؟» (ع18). لقد ظنّا أنهما يَعلَمَان؛ فنسبا بذلك الجهل للكلّي العلم!! وعندما نضع أنفسنا في مركز الفاهمين، بدلاً من أن نأتي في اتضاع إلى وضع المتعلّمين، نثقل قلوبنا بهموم لا قِبَل لنا بها. وفي ادعاء العلم ظهر الجهل في القول: «المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدِرًا في الفعل والقول» (ع19). أ هذا هو أقصى ما يعلمانه عن المسيح: «إنسان»؟! لقد كانا منشغلين بأفكارهما الخاطئة عن المسيح، وليس بنظرة الله إليه.
4. وإذ يفصحان عن سرِّ إحباطهما «كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل» (ع21)؛ نفهم أن آمالهما كلها كانت مرتبطة بالأرض، رغم كل ما علّم الرب به في أيام جسده. وإلى اليوم يعتقد بعضٌ أن المسيح جاء ليجعل لهم هذا العالم أفضل (هذا هو فهمهم لـقوله - له المجد - «وليكون لهم أفضل»!!)؛ فيمنحهم الصحة والنجاح والثروة وحل المشاكل... هل ما زلنا نحاول إدخال المسيح في أمور حياتنا ليعطينا راحة وقتية ومجدًا أرضيًا؟! وهل، إلى الآن، نطلب كما لو كنا من مواطني الأرض؟! ولِمَ نستغرب الكدر بعد ذلك؟!
5. ثم تظهر علّة العلل، عدم الإيمان، في رفضهما لتصديق قول النساء «إنه حيّ» مع وجود شهود عيان بأن القبر فارغ (ع22-24). كان ينبغي أن تنشِّط هذه الشهادات، في قلبيهما، بذرة الإيمان التي ألقاها السيد بتكراره أنه سيقوم. لكن هذا ما لم يحدث!
وها قد استعرضنا العلّة والداء، هيا إذًا لنرى
الطبيب والدواء
ما أعظم نعمته وهو يبحث عن قديسيه المحبَطين التائهين المتخبّطين، وإن كانوا مبتعدين؛ فنراه وقد «اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما... فقال لهما...» (ع15-17). وما أروعه مشهد يتكرَّر معنا كل يوم! فعندما تسير الأمور على ما يرام قد يكفي أن يرسل الرب مُرسَلاً برسالة تعزية أو بكلمة تحريض أو ببعض تعليم؛ لكن في وقت الأزمات والأحزان، عند البُعد والتيهان، لا بد أن يقترب الحنّان، وهكذا يظهر في المشهد «يسوع نفسه». وذاك الذي نسمعه يومًا بالنبوة صارخًا «اقترب إلى نفسي. فكّها» (مز69: 18) لا يتوانى عن أن يقترب إلى نفوسنا في ضيقها ليعزي ويشجِّع ويصحح ويعلِّم. وما بين المؤمن و«يسوع نفسه» لا يحتمل وسيطًا يتدخل فيه.
وفيما هما مدفوعان باحتياجهما، منجذبان لنعمته، اندمجا معه في الحديث دون تحفّظ، وإن أُمسكت أعينهما عن معرفته. ولقد حاز ثقتهما فاستخرج من شفاههما تقريرًا بالحالة كلها. ليتنا ندرك أنه الجدير بالثقة وحده! كيف لا وهو الذي جاز كل الأحزان وغلب ملك الأهوال؟
وهكذا باشر هذا الطبيب الماهر علاجه:
القلوب المكشوفة
«فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان... أما كان ينبغي أنّ المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده» (ع25، 26). إذ نوى أن يبارك، فلا بد من كشف حالة القلب. وإن كان ليس من المُسرّ أن نختبر حقيقة ذواتنا؛ فإنّها الطريقة التي يستخدمها الله للبركة، فهي التي تتناسب مع اعتباراته.
على أن كشف قلوبنا وإن كان لازمًا فهو غير كافٍ. وقد كان علاج القلوب البطيئة في الإيمان أن يكلّمهما عن آلامه والأمجاد التي بعدها؛ وليس سوى هذين الأمرين معًا يلهب القلب المتبلّد. ليس أمجاده فقط، كما ظن تلميذا عمواس، ولا الآلام فقط كما يفعل الكثيرون اليوم. ليت قلوبنا تمتلئ، ليس فقط بمعرفة المسيح الذي مات، بل بالحري الذي قام والذي هو الآن في المجد.
«ثم ابتدأ ... يفسِّر لهما الأمور المختصّة به في جميع الكتب» (ع27). لقد كانا يتحدّثان عن الأمور المختصة بهما، وها هو يقودهما إلى الأمور المختصة به. وأرادا إدخاله في أمورهما؛ فأدخلهما هو في أموره، حتى يعرفاه كالمُقام من الأموات. نخسر كثيرًا إذا ما بحثنا في المكتوب عن الأمور المختصة بنا، وعلينا بالأحرى أن نفهم كل المكتوب على أنه الأمور المختصة به؛ وعندئذ سنجده هو بنفسه - له كل المجد - يفسِّر لنا أمورًا تعجز الحكمة البشرية عن سبر أغوارها إذ هي متعلقة بذلك الشخص غير المحدود. وما أمجد النتيجة!
العيون المفتوحة
«فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسّر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه» (ع30، 31). إنه لم يكتف بمجرد تفسير يصل الآذان فقط، بل كان لا بد أن يفتح العيون لتعرفه هو شخصيًا. وما أبدع ارتباط هذا بكسره للخبز! كيف عرفاه؟! أ رأيا جروح يديه؟! غالبًا! لكن السؤال اللازم، هل تنفتح عيوننا ونعرفه عند كسر الخبز؟! ليتها تكون طلبتنا فيتغير حال اجتماعاتنا!!
القلوب الملتهبة
إنه لم يفتح عيونهما فقط، بل اسمعهما يقولان: «أ لم يكن قلبنا ملتهبًا فينا؟» (ع32). والنتيجة «فقاما في تلك الساعة ورجعا» (ع33)، وما أحلى طريق العودة! وما أجمل الهمّة! فهذان اللذان أمسكا بضيفهما لأن النهار كان قد مال للغروب لم يعبأا الآن بظلمة الليل، بل رجعا بقوة معرفتهما للمسيح المُقام، وبقلب ينبض بالحب له، فنراهما شاهدين «يخبران بما حدث في الطريق» (ع35).
آه أيها المُقام من الأموات: ارحمنا من قلوب لم تعد تُحبّك المحبة الأولى، فصارت في برودة القبور.. عُد وبثّ فيها سخونة الحياة من جديد.. بل ألهبها في دواخلنا بحبٍّ حقيقي لشخصك.. فنرجع إلى أماكننا، ونشهد لك أروع شهادة.
النفوس المطمئنة
مرة أخرى نرى «يسوع نفسه في وسطهم»، ودائرة عمله هنا تتسع عن الاثنين الأولين. ونسمعه يقول لهم «سلام لكم» (ع36). ومع أنهم، إذ كانوا في حالة ضعف الإيمان، «جزعوا وخافوا وظنّوا أنهم نظروا روحًا»، فإنّ ذلك لم يوقفه - تبارك اسمه - عن أن يكمل عمله. فيطمئنهم بأن «أراهم يديه ورجليه» ليروا جراحه الغالية، ثم بالأكل معهم (ع38-43).
وصوته إلى الآن يرن في أذن كل قديس «لا تخف! أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتًا، وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ1: 18). إنه الذي غلب الموت وقام، والذي هو حي في كل حين، وله قوة حياة لا تزول (عب7)، فكيف لا تطمئن قلوبنا به؟! في كل ظروفنا وأمورنا، مهما هاجت البحور علينا، أو طمت لُجج فوقنا؛ ليت طلبتنا تكون: افتح آذاننا يا رب على صوتك العذب قائلاً: «سلام لكم».
الأذهان المفتوحة
وإذ يواصل الرب الكريم عمله يُعلمهم أن «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم...». إن كل ما علّمهم بصفته المسيح المتضع في أيام جسده كان قد انتُسي؛ لكنَّ المسيح المُقام «فتح ذهنهم ليفهموا الكتب»، ويا للروعة، لقد فهموا!! فهموا وما عادوا ينسون!! فإذ قال لهم: «هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أنَّ المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدِأً من أورشليم»، رسخت هذه الأمور في أذهانهم، وشكَّلت كل توجّهاتهم بعد ذلك، كما نراها في سفر الأعمال؛ فنراهم بكل قوة متكلمين عن موته وقيامته، كارزين بالتوبة لمغفرة الخطايا!
نعترف يا سيد أنه ما أكثر ما نعرفه من الكتب المقدسة وعنها؛ لكن ما أقل ما استقرّ منها في أذهاننا فشكَّل حياتنا. ألا تفتقدنا في هذه الأيام، لتفتح أذهاننا، فلا تعود أمورك تبدو كطلاسم لنا، بل نفهمها، وتغيّر بهذا الفهم حياتنا، فنعيش بحق كل ما لنا في شخصك الجليل؟!
التكليف والوعد
«وأنتم شهود لذلك» يا له من تكليف! وما أسمى إرسالية المسيح المُقام! وما أكثرها تميّزًا عن أيّة إرسالية أخرى!! وها هو المنتصر المُقام يزوِّد مُرسليه بهذا الوعد «وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي؛ فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تُلبَسوا قوة من الأعالي». إنه تكليفنا اليوم، وهذه هي قوتنا أيضًا.
البركة
ثم نراه وقد «وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا» فاصلاً إياهم عن كل نظام، بل عن كل شيء عداه. ثم بصفته رئيس الكهنة العظيم «رفع يديه وباركهم». آه ما أحلى المشهد! ما أمتعه للعيون وأغلاه للقلوب! وما أسمى هذا الأمر: إنه إلى اليوم يبارك!!
«وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء» تاركًا في عيونهم وأذهانهم وقلوبهم صورته منطلقًا بمجده وقوة سلطانه إلى السماء، لتصبح هذه اللقطة البديعة قوتهم الدافعة للخدمة والتعب بل وأيضًا لقبول حتى الموت... وكيف لا وصورة السيد الذي انتصر على الموت مطبوعة في أذهانهم
نفحات من السماء
ما أعظم ما نتج مما فعل الرب المقام مع تلاميذه. إذ فتح عيونهم ليروا، وألهب قلوبهم لتشعر، وهدّأ نفوسهم في داخلهم، ثم فتح أذهانهم ليفهموا، وكّلفهم أشرف تكليف، ثم باركهم؛ نرى التغيير الجذري في أنهم:
«سجدوا له».
وما أروعه سجودًا عندما أدركوا أن ذاك الذي مات، مات لأجلهم؛ وأنه بعد ما مات قام بمجدٍ وارتقى إلى السماء! وإذ تنفتح العيون فنعرف حقَّ قدره، ويلتهب القلب بمرأى جراحه، ويمتلئ الذهن بمعنى قيامته؛ هكذا تنحنى القلوب، قبل الركب، وتنشد الألسنة أعذب كلمات السجود.
«ورجعوا إلى أورشليم».
ويا له من رجوع! إنهم لن يعودوا للاختباء في علّية مغلّقة بسبب الخوف ولن ينطلق بعضٌ منهم في ابتعاد، ولن يعودوا للشكِّ والإحباط والتخبّط؛ بل سنراهم بعد أيام يهزّون المسكونة شاهدين بمجد المسيح المٌقام أنّ «الله قد أقامه»، ومن ثمّ ينطلقون إلى العالم أجمع متممين التكليف الأسمى.
«بفرح عظيم».
انتهت أيام العبوسة، فالمسيح قام.. اطمأنت القلوب أن العمل أُكمل بالتمام.. وغلب السيد أعتى أعداء الأنام.. غُمرت النفوس بالراحة والسلام.. شبعت العيون بمشهد المُقام.. أ هناك شيء غير الفرح بعدئذ؟! ولا زال من حقنا الآن أن نتمتع بذاك الفرح «وإن كنتم لا ترونه الآن، لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد» (1بط1: 8). فلماذا الأسى بعدُ؟!
«وكانوا كل حين في الهيكل يسبّحون ويباركون الله».
نعم، كل حين. ولن تنقطع تسبيحاتنا وأفراحنا طالما امتلأت قلوبنا بالمسيح المُقام وأمجاده. له كل المجد.
* * * *
ولأنه هو هو، لا يتغير، كما كان في طريق عمواس، في يوم القيامة، هو لنا في طريقنا، كل أيامنا؛ فلنا أن نطمئن. هو ذاك الذي مات لأجلنا، وقام معلنًا نصرته وتبريرنا، وهو في السماء حيٌّ قد خصَّص ذاته لنا. هيا لنقترب إليه، ولنطلب منه أن يمتّعنا بما عمل مع تلاميذه يومًا. ولنغنِّ:








د / عصام خليل

john w 04 - 05 - 2013 04:50 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
ماذا بعد أن قام؟
.......................

”المسيحية بُنيَت على قبر فارغ“، هذه المقوله الساخرة التي قالها أحد الفلاسفه الملحدين لمبشِّر اسكتلندي، هي في الواقع الأساس التى ارتكزت عليه المسيحية، بل هي الحق الذي نتمسك ونفتخر به. ونحن نُعلن جهارًا «أنه ليس هو ههنا ولكنه قد قام». وكل البدع القديمة والحديثة تحاول أن تطعن في هذه الحقيقة السامية.
والموضوع الذي سوف أتناوله هو: ما هو موقفنا من هذا الحق السامى؟ وما هو تجاوبنا وتفاعلنا مع هذا الحق الثمين الغالي على قلوبنا. وسوف أستند على بعض المواقف التي حدثت مع شهود القيامة، والتي يريد الروح القدس أن يعلِّمنا من خلالها بعض الدروس الرئيسية التي تختص بهذا الحق الثمين، وألخِّصها في:
المشاركة، الفرح، الإيمان ، والسجود
المشاركة
إنَّ الدرس الأول الذي نتعلَّمه هو أن هناك إرسالية، وهى أن نعلن جهارًا أن ”مسيحنا حي“. وهذا ما أتخيله قد حدث بكل قوة في الأيام الأولى التي تَلَت القيامة؛ فمن الأناجيل نفهم أن مريم ركضت لتخبر بطرس ويوحنا، اللذين بدورهما أخبرا التلاميذ بما روته مريم. ومن بداية قصة تلميذي عمواس نفهم أن أخبار القيامة قد وصلت إليهما، وفي نهاية القصة أخذا على عاتقهما إخبار التلاميذ ومشاركتهم بما أصبح حقيقة يقينية لديهما. وهذا هو الدرس الذي يريد أن يعلِّمنا إياه الروح القدس، أن ”نذهب ونقول إن مسيحنا حي“، وأن طبيعة ارتباطنا به تختلف عما كان للتلاميذ قبل إعلان حقيقة القيامة.
وإن الرب، بعد القيامة، له إرسالية نجدها في نهاية كل إنجيل، تتفق مع طبيعة التدبير الجديد الذي كان سيؤسَّس على الأرض. ولكن هنا نرى إرسالية خاصة، أُعطيت كامتياز إضافي لمريم، التي أحبَّت وأظهرت وفاءً للرب، بدموع كثيرة، واقفة في اللحظات الأولى من الفجر، تبحث باجتهاد عمَّن ظنت أنها فقدته إلى الأبد، والتي ظنت لوهلة أنها ”طلبته وما وجدته“ (نش3: 1). لقد استحقت مريم أن يُطلق عليها لقب ”الرسولة إلى الرسل“، فهى أول من سمعت «اذهبي... وقولي» - والتي هي مسؤوليتنا حاليًا - وكأنّ هذا الامتياز قد مُنح لها لمكافأتها على وفائها للمسيح، وكما منح لها امتياز أن تكون أول مُشاهدة شاهدة للمسيح المُقام.
الدرس الثاني الذي نتعلمه عن طبيعة الإرسالية، أنها أخبرت التلاميذ أنهم الآن يرتبطون به بأسلوب جديد لم يكن لهم قبل القيامة، فهم ”إخوته“. هذا الإعلان يملأ صفحات الوحي في العهد الجديد (رو8: 29؛ عب2؛ 10؛ ...)، ونردِّده الآن على أنّه حقيقة مسلَّم بها، وكامتياز مطلق اكتسبناه. ولكن في أثناء تجسد المسيح عرفه التلاميذ كمن هو ”المعلم“، وكمن هو ”السيد“ (يو13)، وفي آخر خدمته أعطاهم لقب ”أحباء“؛ وهذا كان قمة الإعلان لهم في ذلك الوقت. ولكن ما أعظم طبيعة الإعلان الجديد: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم». لقد كان هذا الإعلان - في ذلك الوقت - بمثابة نقلة كبيرة لم تكن تخطر ببال التلاميذ مطلقًا، ولذلك كان على الرب أن يرسِّخه في ذهن مريم، حينما حاولت ”لمسه“، قائلاً لها: «لا تلمسيني». إن الرب أراد أن يعلن لمريم اختلاف طبيعة ارتباطهم به في التدبير الجديد، فهو لن يكون حاضرًا معهم بالجسد بشكل حسّي ومنظور يعتمد على اللمس والمشاهدة ولكنه ”صاعد إلى أبيه وأبيهم“، ومن هناك سوف يرسل الروح القدس، ومتى أتى ذاك فإنه سيعلن شخصه لقلوبنا بشكل لم نعهده من قبل، كما أنه سيكون أقرب لنا وأعزّ لدينا مما كان متاحًا خلال حياته هنا على الأرض «إذًا نحن من الآن لا نعرف أحدًا حسب الجسد، وإن كنَّا عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد (أي بهذا الأسلوب الجسدي الحسي الملموس، بل نعرفه كمن هو المقام من الأموات)» (2كو 5: 16).
الفرح
«فرح التلاميذ إذ رأوا الرب» (يو20: 20). وقيل عن المريمات حين تحقَّقن من القيامة: «فخرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين ليخبرن التلاميذ» (مت28: 8). والسبب الرئيسي للفرح أنهم رأوا ”الرب المقام“، والذي ظنوا أنهم فارقوه إلى الأبد، واقفًا في وسطهم، وكما قال البشير لوقا «وبينما هم غير مصدقين من الفرح» (لو24: 41). إن قول الرب للمريمات حينما التقى بهن «سلام لكما» (مت28: 9)، هي في الترجمة اليونانية ”chario“ والتي شرحها ”Strong's Dictionary“ ”الكثير من الفرح“.
إن سر فرح المسيحي بالقيامة يكمن في أننا أدركنا أن الموت ليس هو نهاية الرحلة وخاتمتها. لا شك أن الموت مخيف والبشر أمامه «كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية» (عب2: 15). إن الأهوال التي تواجه الجنس البشري كثيرة؛ من أوبئة، وحروب، ومجاعات، وتلوث، كل هذه الأهوال حينما اجتمعت وأرادت أن تتوِّج ملكًا عليها، أعطت المُلك للموت الذي قيل عنه ”ملك الأهوال“.
إن كل قصص حياة العظماء (Biography) تنتهي بفصل عن موتهم، ولكن نحن نستطيع أن نقول: إن الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي فيه فصل ما بعد الموت. وكما عبر عن ذلك رجل الله ”توزرو Tozer“ قائلاً إنه الكتاب الوحيد الذي يحدثنا عن الفصل الأول ما بعد النهايةThe first chapter after the last.
قيل عن سواحل أسبانيا قديمًا: ”إنَّها نهاية المطاف there is nothing beyond“، ولكن بعد اكتشاف كرستوفر كولومبوس للأمريكتين، قيل عن سواحل أسبانيا: ”بل هناك المزيد there is more beyond“.
هناك قصة عن كهف عميق ومظلم، وقف على مدخله رجلان يريدان الدخول، ولكن أحدهما لاحظ آثارًا لأقدام كثيرة داخلة، ولم يجد أي آثار خارجة، فقال لزميله: ”لا شك أن هناك وحشًا مخيفًا يأكل كل الداخلين لهذا الكهف“، وقال الثاني: ”لا أعرف ماذا هناك، لكن لا شك أن هناك شيئًا مخيفًا“. إن الموت مثل هذا الكهف، ابتلع كل من دخل إليه، ولم يخرج أحد ليُخبرنا ماذا عن الجانب الآخر. ولكن المسيح بقيامته صارت له قدمان خارجتان من هذا الكهف.
لقد صار المسيح ”باكورة للراقدين“ فله سمة حياة تدوم إلى الأبد؛ وهنا يكمن سر الفرح المسيحي الحقيقي. لقد قام المسيح، كرأس لجنس جديد، منتصرًا على الموت، داحرًا هول المنون، ونحن حتمًا سنتبعه، فالموت بالنسبة لنا بمثابة ظل لا يخيف (مز23). والكهف المخيف الذي رأينا آثار السابقين داخلة إليه، قد رأينا الآن قدمين خارجتين منه، تعلنان بكل وضوح أننا سنخرج منه إلى رحب لا حصر فيه.
الإيمان
هناك إيمان يختصّ بالتعليم أو بإيماننا الأقدس، ومما لا شك أن التلاميذ كانوا يؤمنون بالرب، ولكن إيمانهم به كان قاصرًا على أنه ”المسيا المنتظر المزمع أن يفدي اسرائيل“ (لو 24). ولكن بعد القيامة كان عليهم أن يؤمنوا به بأسلوب جديد ”كالمسيح المقام من الأموات“. وهذا الإيمان الجديد بالنسبة لهم، هو الأساس الذي سترتكز عليه المسيحية في ما بعد. ففي سفر الأعمال كانت الكرازة المسيحية تتكلم عن المسيح المُقام، كرأس للكنيسة، ولم تَعُد قاصرة على كرازة الملكوت - التي أُرجئت الى أن يدخل ملء الأمم - فالمسيحية لم تخرج من تحت عباءة اليهودية، ولكنها تدبير مستقل بذاته، والإيمان في المسيحية يعتمد أساسًا على المسيح المُقام من الأموات كرأس لجنس جديد صعد إلى السماء كسابق لأجلنا (عب 6).
ولكن هناك إيمان آخر يعتمد على إيماننا بقدرته. قد يتعجب البعض ويندهش كيف شكّ التلاميذ في من أبصروه حيًّا ومُقامًا من الأموات؟ (يو20: 27، 29؛ مر16: 14). ولكن أعتقد أننا لا يجب أن نندهش لو عرفنا غلاظة القلب البشري. إن بطء القلب فى الإيمان وغلاظته، ظهرا من قبل حينما شاهدوا معجزة الخمس خبزات «لأنهم لم يفهموا بالأرغفة إذ كانت قلوبهم غليظة» (مر6: 52). إنّ شكِّنا في قدرة الله هي التي دفعت الرسول بولس أن يقول: «اصْحُوا لِلْبِرِّ وَلاَ تُخْطِئُوا لأَنَّ قَوْماً لَيْسَتْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِاللَّهِ. أَقُولُ ذَلِكَ لِتَخْجِيلِكُمْ!» (1كو15: 34). يجب أن ندرك جيدًا أنه لا يستحيل على الرب شىء؟ إن الشك في قدرته ونعمته، هما سمة من سمات الطبيعة البشرية، وهما عادة سرّ فشلنا للتمتع بما قصده الرب لنا من خيرات. يجب أن نتعلم هذا الدرس جيدًا، ونمسك بهذا الحق ولا نُرخه؛ لأن نفس القدرة التي أقامت المسيح من الأموات هي مذخَّرة لصالحنا، وتعمل لحسابنا وفينا لتقوينا وتثبتنا (راجع رو 6: 8-9؛ كو1 :11؛ عب13: 20، 21).
السجود
يبدأ إنجيل متى بسجود المجوس للمسيح، وينتهي بسجود المريمات والتلاميذ للمسيح (مت28: 9، 17)؛ فهو كالملك يستوجب أن يُسجد أمامه، وهذا هو الدافع وراء سجود المجوس، ولكن سجود التلاميذ بعد القيامة كان له عُمق أكبر ودافع أعمق. فهم أدركوا بكل وضوح أن هذا الذي انتصر على الموت وقام من الأموات هو بحق ”ابن الله“. إنهم بلا شك، في فترة وجوده معهم على الأرض، أدركوا أنه شخص فريد متميّز أو نبي أُعطي له سلطان فائق، أو ”المسيا المنتظر“. وهذا ما امتحنهم الرب به في متى 16 حينما سألهم عمن يقول الناس عنه. وباستثناء بطرس الذي نطق بما أعلنه له الآب مباشرة - بامتياز خاص أعطي له- أن المسيح هو نفسه ابن الله، كانت هذه الحقيقة، إلى حدٍّ كبير، مبهمة في عقول التلاميذ، ولكن حينما رأوا المسيح المُقام، فإنه «تعين (أي تبرهن) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رو1: 4). وحتى إخوته الذين لم يؤمنوا به في حياته (يو7) آمنوا به بعد القيامة، ومنهم يعقوب أخو الرب (1كو15: 7).
ونحن نعلم من الكتاب أن السجود لغير الله يُعدُّ تجديفًا، ولكن هنا تم السجود له باعتباره الله والملك في ذات الوقت، وهو تتميم جزئي لـ1أخبار 29: 20 كصورة للملك العتيد، وهي الآية الوحيدة في الكتاب المقدس كله التي تخبرنا عن السجود للملك كمن هو صورة لابن داود الذي سيملك في المستقبل وسيأكل ويشرب الشعب أمام الرب بفرح عظيم (أخ29: 22). وهذا الامتياز الذي سيُمنح للشعب في المستقبل صار من امتيازنا نحن الآن الذين أدركنا حقيقة القيامة.
ليت قلوبنا تمتلىء به باعتباره المُقَام من الأموات، فيملأ الفرح قلوبنا، ونذهب لنخبر ونكرز للآخرين، ونتمسك بهذا الإيمان الذي يغيّر نمط حياتنا، ويجعلنا نسجد له. له كل المجد.

...........


مسعد رزيق

john w 04 - 05 - 2013 04:52 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
إن لم يكن المسيح قد قام - (1كورنثوس15: 1- 23)
.................................................. ............

أود أن أشير أولاً إلى الطريقة التي يستخدمها الرسول بولس، وكذلك باقي كتبة الوحي، في عملية التصحيح لكل الضلالات التعليمية المتنوعة التي وصلت إلى بعض الكنائس في ذلك الوقت، في محاولة لتقوية إيمان المسيحيين. كان ذلك التصحيح مؤسَّسًا على أسانيد وبراهين حقيقية، سواء تمّ هذا التصحيح بالحق الإلهي الكامل والواضح، أو بالأحداث التاريخية الحقيقية التي جرت على أرض الواقع.
وإحدى هذه الضلالات التي انبرى لها الرسول، هي زعم البعض في كنيسة كورنثوس أنه لا توجد قيامة أموات «فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة أموات؟» (1كو15: 12).
ونحن، بالاتكال على معونة الرب، سنخوض في تلك المحاجة بين الرسول والمؤمنين الذين اعتنقوا هذه الفكرة في كورنثوس، وذلك لمعرفة خطورة النتائج المترتِّبة على هذا الاعتقاد، من خلال هذه الأمور الأربعة:
مصدر الضلالة، أدلة قيامة المسيح، لو لم يكن المسيح قد قام، المسيح باكورة الراقدين
أولاً: مصدر الضلالة
الأرجح أن هذا الاعتقاد قد دخل إلى كنيسة كورنثوس من بعض اليهود الذين تأثروا بطائفة الصدوقيين، وآخرين تأثروا بفلسفة الأبيكوريين، وهؤلاء وأولئك لم يكونوا يؤمنون أن هناك قيامة للأموات (أعمال17: 18، 32).
ثانيًا: أدلة قيامة المسيح
قبل أن يخوض الرسول في النتائج المترتبة على الاعتقاد أنه ليس قيامة أموات، يقدِّم البرهان والدليل أولاً على قيامة المسيح؛ ويؤكِّدها من خلال:
1- الكتب المقدَّسة: أي كُتب العهد القديم الموحى بها من الله. وإن كان لا يذكر هنا النصوص أو الأسفار الكتابية التي تكّلمت عن قيامة المسيح، إلا أن ما اقتبسه كل من الرسولين بطرس وبولس من مزمور 16: 10 (راجع أعمال 2: 31؛ 13: 35، 36) واضح كل الوضوح. فما سبق وأنبأت به الكتب المقدسة كان الحُجّة الأولى والدليل الأول على قيامة المسيح.
2- ظهورات الرب بعد القيامة: لسمعان، وللإثني عشر، ولأكثر من خمسمئة أخ، وليعقوب أخي الرب، ولبولس شخصيًا.
ثالثًا: ماذا لو لم تكن هناك قيامة من الأموات؟
عودة إلى الإنجيل الذي قبلوه. إن الإنجيل الذي بُشِّروا به وقبٍلوه وتمسّكوا به هو الإنجيل الذي قدَّم لهم المسيح المُقام. وربما استخدم الرسول بولس أسلوبًا تهكميًا عندما قال: «آمنتم عبثًا».
وقد يكون مفهوم فكرة القيامة عند هؤلاء الهراطقة أن النفس ستكون خالدة لكن في صورة روحية بلا جسد حرفي. لكن طبعًا إنكار القيامة بأجساد حرفية فيه إنكار لقيامة المسيح بجسد حرفي.
ويؤكد الرسول أن هذه العقيدة، التي اعتنقها البعض، بأنه لا توجد قيامة أموات؛ لها سبع نتائج خطيرة:
1- لا يكون المسيح قد قام.
هذه هي النتيجة الأولى الحتمية لهذا الاعتقاد . وهنا يوجِّه الرسول سهمه إلى أصحاب هذا الفكر فكأنه يقول لهم: هل لا تؤمنون أن المسيح قد قام؟ وطبعًا لن يعتري إيمانهم أي شك من جهة هذه الحقيقة الراسخة التي استقرّت في عقولهم وقلوبهم. لأن قيامة المسيح هي جوهر الإنجيل الذي قبلوه.
2- باطلة كرازتنا
لماذا اعتبر الرسول أن كرازتهم باطلة؟ لأنهم كانوا يكرزون بشخص لم يعُد موضع ثقة. لماذا؟ لأنه قال إنه سيقوم في اليوم الثالث (مت20: 18، 19) ولم يتم ما قاله. وبالتالي، فإن كان المسيح لم يقُم من بين الأموات، فنحن لا نعرف مصيره المجهول بعد موته. وبالتالي سيكون موته موتًا كأي إنسان عادي، وبالتالي سيكون مثله مثل باقي البشر الخطاة الذين ماتوا من جرّاء الخطية، وبالتالي لا يمكن من هذا المنطلق أن يُعتبر موت المسيح موتًا كفاريًا، لأنه لم ينل قبول الله ورضاه؛ وبناء عليه ستصبح الكرازة التي كرز بها الرسل ”باطلة“ بلا فاعلية أو نتيجة إيجابية لصالح وفائدة من يقبَلون كرازتهم.
3- باطل إيمانكم
إن لمؤمني كورنثوس إيمانهم الحقيقي، لكن هذا الإيمان لا يُثمر في صالحهم أية بركة إن لم يكن المسيح قد قام؛ فلا هم نالوا الغفران أو التبرير، لأنهم لن يجدوا شخصًا حقَّق لهم، بالقيامة، نتائج يستندون إليها بالإيمان، بالنسبة لحاضرهم أو مستقبلهم الأبدي. فإيمانهم أصبح خاليًا من النتائج، بل إنه قد أصبح نوعًا من الوهم. لأن قيامة المسيح تؤكِّد غفران خطايا المؤمن وتبريره، فإذ لم يَقُم المسيح فواضح أن إيمانهم باطل.
4- نوجد نحن شهود زور
لماذا يعتبر الرسول بولس أن كرازتهم ستُعتبر شهادة زور؟ لأنهم في كرازتهم كانوا ينادون بأن الله أقام المسيح يسوع من بين الأموات، فهذه هي شهادة بطرس على سبيل المثال في أعمال2: 24؛ وهكذا أيضًا كانت شهادة بولس في أريوس باغوس (أعمال17: 18، 31). ولو أن القيامة لم تحدث، فهذا معناه أنهم شهدوا شهادة غير حقيقية، لأنهم قالوا ما لم يفعله الله. وبالتالي يثبت الرسول أنهم هكذا أصبحوا مضلِّلين، وهذا ما يجعلهم يخسرون صيتهم وشهادتهم بل وكل شيء.
5- أنتم بعد في خطاياكم
ما هي علاقة خطاياهم بقيامة المسيح؟ إن العلاقة وثيقة بين الموت في صورته الفدائية والنيابية، وبين قيامة المسيح؛ لأن قبول الله لموت المسيح بهذه الكيفية يمنح الشخص قبولاً أبديًا لدى الله، وغفرانًا شاملاً لكل خطاياه، إذ تكون الخطية قد أُبعِدت إلى الأبد، لأن المسيح حملها في جسده فوق الصليب، كما احتمل دينونتها من عدالة الله، وبذلك تم تمجيد الله في دينونة الخطية. وهكذا كان يجب أن يقيم الله شخص المسيح كبرهان قبول الله لعمله لأجلنا فوق الصليب. وإن لم يكن المسيح قد قام، فهذا معناه أن الخطية لم يُكفَّر عنها، وبالتالي لم يوُجَد مَن حمل خطاياهم نيابة عنهم. فيصبح كل من آمن بالمسيح، بناء على هذا، في خطاياه؛ فهي باقية عليه وتستوجب الدينونة والهلاك الأبدي.
6- الذين رقدوا في المسيح هلكوا
ما المقصود بالقول «الذين رقدوا في المسيح هلكوا»؟ المقصود أنهم رقدوا على رجاء قيامتهم من الأموات، وقد رقدوا وهم في حالة الإيمان بالمسيح، ولهم رجاء ينتظرونه حسب ما وعدهم المسيح بالأمان الأبدي، والحياة فيما بعد الموت (انظر يوحنا11: 25)، ولكن في حالة عدم قيامة المسيح يكون هؤلاء الذين رقدوا ودُفنت أجسادهم في القبر قد هلكوا هلاكًا أبديًا. ولماذا يهلكون؟ لأنهم في هذه الحالة يتساوون مع قايين الشرير وإيزابل وهيرودس ويهوذا الاسخريوطي وغيرهم. فعدم قيامة المسيح تذهب بالجميع للهلاك الأبدي دون استثناءات.
7- نحن أشقى جميع الناس
إن المؤمنين بعد إيمانهم بالمسيح يقاسون أنواعًا متعدِّدة من الآلام والاضطهادات لأجل المسيح، ونتيجة لإيمانهم بالمسيح، فإن كانوا يحتملون كل هذا، ثم يكتشفون أنه لا رجاء لهم ولا مجازاة لهم في السماء؛ وإن كانوا يحرمون أنفسهم من ملذات وشهوات الحياة التي يتمتع بها بقية الناس، وذلك لتوقعهم أن لهم في السماء الفرح والبهجة والسعادة الأبدية، ثم يكتشفون أن كل هذا الرجاء كان عبثًا؛ فبجدارة سيكونون أشقى جميع الناس، إذ في النهاية يتساوون مع من عاشوا حياتهم متمتعين بكل ما في الحياة من لذة وبهجة.
رابعًا: المسيح باكورة الراقدين
بعد أن أوصلنا الرسول بولس من خلال هذه الأقوال إلى النتائج الرهيبة لهذه العقيدة أو هذا الفكر بأنه لا قيامة أموات، والتي أدت إلى حالة الانزعاج والقلق واليأس التي ملأت الصدور من جراء هذه النتائج، يأتي بنا إلى صباح النصرة الذي جلب لنا الفرح والسعادة والرجاء، وذلك بالإعلان أن المسيح الآن قد قام وصار باكورة الراقدين.
والباكورة هي العينة الأولى من الثمر الذي نضج، حيث تُجمَع من الحقل قبل الحصاد الكامل. إن القول «الآن قد قام المسيح» يحمل النفي التام لما اعتقده البعض بأن لا قيامة للأموات، والنفي التام أيضًا لما سبق أن افترضه الرسول من جهة كرازتهم؛ فالآن كرازتهم ليست باطلة، وإيمانهم ليس باطلاً، وخطاياهم قد غُفرت، وسيتحقق رجاؤهم؛ والآن أصبحوا أسعد الناس على الإطلاق. ونحن الآن معهم لنا نفس الغبطة لأن المسيح قد قام كالباكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه. له كل المجد.
............................


جوزيف وسلي

john w 04 - 05 - 2013 04:54 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات
.....................................

كان كابوسًا مخيفًا عَبَرَ على ذهن الرسول بولس وهو يفترض، جدلاً، في الأصحاح الخامس عشر من رسالته الأولى إلى كورنثوس، أن المسيح لم يقُم من الأموات؛ الأمر الذي يترتب عليه انهيار المسيحية من أساسها: باطلة كرازتنا.. باطل إيمانكم.. أنتم بعد في خطاياكم.. الذين رقدوا في المسيح هلكوا.. لكن كما تظهر الشمس ناصعة فتمحو بأشعتها كل السحب والغيوم، يهتف بنغمة الانتصار «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين» (ع20). نعم، فقيامة المسيح هي حجر الأساس في الإيمان المسيحي وفي البشارة بالإنجيل.
إنها البرهان الأكيد على حقيقة شخصه وعلى كفاية عمله.
أولاً: من جهة شخصه:
فإن الرسول بولس يخبرنا أنه «تعيّن (تبرهن) ابن الله بقوة، من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات» (رو1: 4). إن ابن الله لا يموت.. إنه القدّوس البار الذي ليس للموت حق عليه على الاطلاق. أما وقد ارتضى أن يأخذ صورة إنسان، ويموت حاملاً خطايانا وبديلاً عنا، فكان لا بد له أن يقوم من الموت «إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه» (أع2: 24). إن البرهان الأكيد أن المسيح هو ابن الله أنه أقام نفسه من الأموات. إنه العرض المجيد لقدرته الإلهية الفائقة. لقد تبرهنت عظمته في إقامة لعازر من الأموات بعد أن أنتن، لكن أن يقيم نفسه بعد موته فهذا هو البرهان الأعظم؛ فهو بلاهوته أقام ناسوته الذي مات. لقد تجمّعت كل قوات الجحيم لتعطِّل قيامته، لكنه انتصر وقام، دليلاً لا يقبل الدحض على أنه ابن الله.
ثم أن قيامته من الأموات هي دليل بره وبراءته. لقد صلبوه كمجرم أثيم، لكن الله قد برّأه وبرره إذ أقامه من الأموات. ويقول بطرس لليهود يوم الخمسين «هذا أخذتموه... وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت» (أع2: 23، 24)، ثم يردف قائلاً «فيسوع هذا أقامه الله ونحن شهود لذلك» (ع32). إن الله برهن بوضوح على براءة المسيح وبره، فالشخص الذي رُفض واحتُقر وقٌتل من الناس قد أٌقيم من الأموات بمجد الآب.
ثانيًا: كفاية عمله
إن قيامة المسيح هي البرهان الأكيد على كفاية عمله، فقد مات المسيح نائبًا عني، حاملاً خطاياي، ووفاءً لدينٍ كان مُستحَقًا عليَّ؛ فما هو الدليل على أن الله قد قبل ذبيحته وارتضى نيابته، واسترد دينه كاملاً؟ إن الدليل هو قيامة المسيح، لقد «أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا» (رو4: 25). لو أن خطية واحدة بقيت على المسيح لما قام من الموت، لكن إن كان بديلي المبارك قد سقطت عنه قوة الحكم المختص بجريمتي، وأُخلى سبيله بالقيامة من الأموات؛ فأنا قد ُبِّرئتُ فعلاً وصرت حرًا طليقًا. إن قيامة المسيح هي بمثابة الإعلان الإلهي بالعفو الشامل عن كل من يؤمن بموته. إن برّ الله الذي أوقع عليه دينونة خطايانا أولاً تطلّب الآن عدم بقائه في القبر. هذا هو البرهان للعالم، ولنا، أن الله قد قَبِل عمله النيابي واكتفى به.
ثالثًا: قيامة المسيح هي عربون قيامتنا
يهتف الرسول بولس بصيحة النُصرة «الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين... لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع، ولكن كل واحد في رتبته. المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه» (1كو15: 20-23). واليهودي التقي يعرف تمامًا معنى الباكورة. إنها حزمة أول الحصاد، يأتي بها إلى الكاهن فيردِّدها أمام الرب في باب خيمة الاجتماع، أو في الهيكل، وهو على يقين من أن حصادًا وفيرًا سوف يُجمع إلى مخازنه بعد أيام قليلة. وهكذا فإن قيامة المسيح هي العربون والضمان الأكيد لقيامتنا نحن، عند مجيء المسيح. حتى وإن توارت أجسادنا في التراب، أو انتثرت في الجو ذرات، أو صارت طعامًا لوحوش أو أسماك.
لقد قام المسيح بجسد مجيد، ونحن أيضًا سنقوم بأجساد ممجَّدة حين يغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده. لقد غلب المسيح الموت وقهره، ويومًا نحن أيضًا سنهتف «أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟» (1كو15: 55). «لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضًا معه» (1تس4: 14).
رابعًا: قيامة المسيح هي ضمان ميراثنا
يقول الرسول بطرس في رسالته الأولى «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية، لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراث لا يفنى، ولا يتدنس، ولا يضمحل، محفوظ في السماوات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مُستعد أن يُعلَن في الزمان الأخير» (1: 3-5). لقد أدخل الرب شعبه قديمًا إلى أرض ميراثهم، ولكنهم بخطيتهم سرعان ما أفسدوا ودنّسوا هذا الميراث، ثم فقدوه تمامًا عندما ذهبوا إلى السبي، وعندما أتاهم الوارث نفسه رفضوه وصلبوه، وبموته فقدوا رجاءهم فيه، حتى أن تلميذي عمواس في أساهما قالا: «كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل». لكن بقيامة المسيح من الأموات صار لنا رجاء حي وميراث لا يفنى ولا يمكن أن يتدنس بالخطية، وهو محفوظ في السماوات لأجلنا، ونحن بقوة الله محفوظون لهذا الميراث. إن رجاءنا ما عاد في الأرض، بل في السماء، حيث المسيح المُقام والجالس عن يمين الله؛ هناك كنزنا، وهناك أيضًا ينبغي أن يكون قلبنا - لا يخدعنا العالم ببريقه الزائف، طالما لمع أمام عيوننا هذا الرجاء الحي.
خامسًا: قيامة المسيح هي العرض الأعظم لقوة الله التي لحسابنا
يصف الرسول بولس القيامة كأعظم عرض عرفه العالم للقوة الإلهية «حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات» (أف1: 19، 20). قد يتبادر إلى الذهن أن خلق الكون هو أعظم عرض لقوة الله، أو عبور البحر الأحمر المعجزي؛ إلا أن العهد الجديد يعلِّمنا أن قيامة المسيح وصعوده هما العرض الأعظم لقوة الله. لقد انتصر الله على كل قوات الجحيم، وكانت قيامة المسيح وتمجيده هزيمة ساحقة للشيطان وأجناده، وعرضًا مجيدًا للقدرة الإلهية التي لا يمكن وصفها تمامًا، لذلك يستعير بولس بعض الكلمات من ”فيزياء الحركة“ في وصفه للقوة المبذولة من أجلنا «حسب عمل شدة قوته».
إن إقامة الله للمسيح تعني أنه لا توجد صعوبة تقف أمام الله، وأن الله صار لنا إله خلاص، وعند الرب السيد للموت مخارج، وأن هذه القوة هي لحسابنا؛ فهل نحيا حياة القوة، حياة القيامة والنُصرة؟ أم نحيا في ضعف وهزيمة ولنا قوة الله التي أقامت المسيح من الأموات؟!
سادسًا: قيامة المسيح هي قوة حياتنا الجديدة
إنها «القوة التي تعمل فينا» لنحيا لله حياة جديدة تختلف تمامًا عن حياتنا القديمة في الجسد. إنها حياة القيامة.
إن الكتاب يعلّمنا أننا قد صرنا متّحدين مع المسيح في موته وقيامته «لأنه إن كنا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته» (رو6: 5). والرسول بولس يبني تحريضاته للمؤمنين في كولوسي على هذه الحقيقة قائلاً: «إن كنتم قد مُتّم مع المسيح...»، ثم «إن كنتم قد قُمتم مع المسيح...». وكما أُقيم المسيح من الأموات بقوة حياة جديدة، قُمنا نحن أيضًا معه لنسلك بموجب هذه القوة سلوكًا جديدًا مختلفًا «حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة» (رو6: 4).
إن هذه الحياة الغالبة المنتصرة؛ حياة المسيح المُقام من الأموات، هي أيضًا حياة المؤمنين به، وقوة هذه الحياة هي التي تفصلنا عن العالم وعن الخطية، وترفع قلوبنا حتى نطلب ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله.
* * * *
وأخيرًا: فإن قيامة المسيح تعني أن الكلمة الأخيرة لله وليست للشيطان، والنُصرة النهائية للحق وليست للباطل، للنور وليست للظلمة، للخير وليست للشر.. فإذا رأيت الأرض وقد امتلأت جورًا، والشر وقد عاث في الأرض فسادًا تذكَّر قيامة المسيح. «اذكر يسوع المسيح المُقام من الأموات من نسل داود حسب إنجيلي... صادقة هي الكلمة أنه إن كنا قد مُتنا معه فسنحيا أيضًا معه» (2تي2: 8-11).

..............



متى ناشد

john w 04 - 05 - 2013 04:58 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
أسئلة حول قيامة المسيح
............................
السؤال الأول:
تذكر بشارة متى: «وَﭐلْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ. وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ» (مت27: 52، 53). ماذا حدث لهؤلاء الذين قاموا من الأموات عندما أسلم المسيح الروح؟
حدث عند موت المسيح فوق الصليب العديد من العجائب، فالظلمة التي سادت الأرض مدة ثلاث ساعات انسحبت، وعاد النور يشرق من جديد. والأرض تزلزلت، وكانت الزلزلة من الشدة حتى إنها شقّقت الصخور الصمّاء. كما أن القبور تفتّحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وظهروا لكثيرين. أخيرًا وليس آخرًا، انشقّ حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل.
وبهذا تكون هناك معجزتان في المجال الطبيعي، هما عودة النور وتشقّق الصخور، ومعجزة في المجال الروحي أو الديني، شق الحجاب؛ ومعجزة في دائرة غير المنظور، هي تفتّح القبور وقيام كثير من أجساد القديسين الراقدين. وهذا هو موضوع السؤال.
ودائرة غير المنظور هذه كان للشيطان فيها وضع خاص؛ فبحسب تعليم الكتاب المقدس كان لإبليس سلطان الموت على البشر، بالنظر إلى خطاياهم (عب2: 14).
وإن كانت الزلزلة قدرت أن تفتح القبور، فليس سوى الله القدير هو الذي أقام الأموات، الذين يسجِّل الوحي عنهم أنهم كانوا كثيرين. والله بالزلزلة أعطى تحذيرًا للعالم الغافل عن الدينونة المقبلة، وبالقبور المفتوحة أعطى وعدًا للمؤمنين بالبركة الأبدية، عندما يُبتلع الموت إلى غلبة، والموت لا يكون في ما بعد. وموت المسيح، ثم قيامته، قدَّما هذا التحذير للرافضين، وهذا الوعد للمؤمنين.
عودة إلى سؤالنا. لقد تفتحت القبور التي كانت تضم رفات القديسين، ودخلت في الجثث حياة جديدة. وبعد قيامة باكورة الراقدين خرج هؤلاء أيضًا من قبورهم، وظهروا لكثيرين في المدينة المقدسة. والأرجح أن هؤلاء الذين قاموا من قبورهم لم يموتوا ثانية، بل إنهم تمتعوا بباكورة القيامة الأولى. والذي يدفعنا إلى هذا الاعتقاد ثلاثة أشياء:
أولاً: أن المسيح الذي صُلب في يوم ”الفصح“، قام من الأموات في يوم ”الباكورة“، أي اليوم الذي كان فيه كل فلاح يحضر حزمة من أول حصيده للكاهن، لكي يرددها ترديدًا أمام الرب (انظر لاويين 23: 9-11). والمسيح هو الفلاح الذي زرع بالدموع، ولا بد أن يحصد بالابتهاج. ولكن قبل أن يتمتع هو بالحصاد الوفير لما زرع، أي قبل أن يرى هو من تعب نفسه ويشبع، كان لا بد من ترديد حزمة أول الحصاد أمام الله. ولذلك فلقد قام هؤلاء القديسون من الأموات ليمثلوا حزمة تلك الباكورة المقدسة. فالذي كان يُردَّد أمام الرب في يوم الباكورة هو حزمة، وليس ثمرة واحدة. ويعتقد بعض المفسرين أن هؤلاء الذين قاموا وخرجوا من قبورهم يوم الأحد، قد صعدوا مع المسيح إلى السماء لكي يردِّدهم الكاهن العظيم، ربنا يسوع المسيح، أمام الله. وهذا يعطي بُعدًا جديدًا لقول المسيح للمجدلية: «لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي». فهو في يوم القيامة تفسه صعد لكي يردِّد حزمة الترديد هذه أمام الله، وبالتالي فإن هؤلاء المُقَامين لم يموتوا ثانية بل صعدوا بعد قيامتهم إلى السماء.
ثانيًا: أن البشير متى يركز على أن هؤلاء القديسين لم يخرجوا من القبور إلا بعد أن قام المسيح من الأموات. فلو أنهم قاموا بأجساد قابلة للموت ثانية، كما حدث مع كل من قاموا قبل ذلك، مثل لعازر وغيره، فلماذا لم يخرجوا من القبور عندما أسلم المسيح الروح، ولماذا انتظروا حتى قام المسيح من الأموات؟ الواقع أنهم لم يخرجوا من قبورهم إلا بعد قيامة المسيح من الأموات ليكون هو بكر الراقدين وباكورتهم، وليكون هو متقدِّمًا في كل شيء (أع 26: 23؛ 1كو15: 20؛ كو1: 18). وعليه فإن هؤلاء لم يقوموا ليعيشوا من جديد على الأرض.
ثالثًا: يقول البشير متى إنهم ”ظهروا لكثيرين“، ولا يقول ”ورآهم كثيرون“. وهذه خاصية تميّز جسد القيامة، كما نفهم مما حدث بالنسبة للرب يسوع. لقد استخدم الوحي هنا كلمة ”ظهروا“، وهي بعينها الكلمة التي استخدمها عن المسيح المُقام من الأموات (مر16: 9، 12). فمن يقُم بجسده الترابي يَرَه الناس، وليس يظهر لهم. لكن يبدو أن لجسد القيامة خاصية القدرة على الظهور لبعضهم والاختفاء لغيرهم. لقد ظهر هؤلاء المقامون لكثيرين، لكنهم لم يمكثوا طويلاً على الأرض. والأرجح أن هؤلاء أيضًا، مثل المسيح، لم يظهروا إلا للمؤمنين فقط.
السؤال الثاني:
أين كان المسيح في فترة الثلاثة الأيام التي مرت بين موته وقيامته؟
بالنسبة لجسد المسيح، معروف أنه دخل إلى قبر يوسف الرامي، وكان هذا إتمامًا لقوله له المجد: «كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال» (مت12: 40)؛ وأما بالنسبة لروح المسيح الإنسانية فقد استودعها المسيح عند موته في يدي الآب، كقوله في نطقه الأخير من فوق الصليب: «يا أبتاه في يديك أستودع روحي» (لو23: 46).
لقد مات المسيح بكل معنى الكلمة، فالموت هو الترك من الله، وهو - تبارك اسمه - تُرك من الله في ساعات الظلام. والموت أيضًا هو انفصال الروح عن الجسد، وقد حدث هذا الفصل فعلاً عندما أسلم الرب يسوع الروح، فدُفن جسده في قبر يوسف الرامي، كما استودع روحه الإنسانية في يدي الآب. ولكن المسيح كان يعلم أن هذا الأمر لن يستمر، لأنه رئيس الحياة، ولا يمكن أن يُمسك من الموت (أع2: 24). ولهذا فقد قال في المزمور: «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية (أي حالة انفصال الروح عن الجسد)، ولن تدع تقيك يرى فسادًا» (مز16: 10). فجسد المسيح ما كان يمكن أن يرى الفساد، نظرًا لخلوِّه من الخطية، وإن كان فوق الصليب قد جُعل - لفترة محدودة - خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه (2كو5: 21). وفي اليوم الثالث قام المسيح من الأموات.
السؤال الثالث:
أين كان المسيح في الفترة ما بين قيامته من الأموات وصعوده إلى السماء؟
لم يذكر لنا الكتاب المقدس هذا الأمر صراحة، وعليه فمن المفضَّل أن لا نرتئي فوق ما هو مكتوب (1كو4: 6). وإن كان ثمَّة مَن يعتقد أن المسيح في تلك الفترة، نظرًا لكونه السماوي، مكانه الطبيعي هو السماء، وأنه عندما ارتفع بعد أربعين يومًا، كان هذا هو الارتفاع الدائم، لكي يجلس عن يمين الله. عندئذ تم القول: «قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك» (مز110: 1). وهو الآن جالس، منتظرًا توقيت الآب له لكي يستلم الملك الذي له، بعد أن قُطع المسيح وليس له (عب10: 12، 13؛ دا9: 26).
ويرى آخرون أنَّ المسيح عندما يستلم مُلكه، ويملك على كل الكون، ستكون علاقته مع الأرض كما كانت في تلك الفترة ما بين القيامة والصعود. فطوال فترة الأربعين يومًا التي قضاها الربّ قبل صعوده إلى السماء، حسبما نقرأ في الأناجيل وسفر الأعمال (مر 16: 9-14؛ لو 24: 15-43 ؛ أع 1: 3-8)، كان يظهر حينًا ويختفي حينًا آخر. وهكذا ستكون علاقته عندما يملك من الدائرة السماوية على الساكنين على الأرض في فترة الألف السنة.
السؤال الرابع:.
ما طبيعة جسد القيامة الذي به قام المسيح من الأموات، وهل يختلف هذا الجسد عن الجسد الذي كان له عند التجسد، وعن الجسد الذي كان له في الظهورات الإلهية في العهد القديم؟
طبعًا يختلف جسد القيامة عن الجسد الذي كان للمسيح في الظهورات الإلهية في العهد القديم، فقد كان جسده في تلك الظهورات جسدًا معجزيًا، لا جسدًا حرفيًا حقيقيًا، من لحم ودم. فواضح أنه اشترك في اللحم والدم بالتجسد، أي عندما وُلد من العذراء المطوبة مريم، لكي يمكنه بهذا الجسد أن يموت، وبالتالي لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس (عب2: 14).
ومن الأهمية بمكان أن نؤكِّد أن المسيح قام بجسد، والمسيح عندما ظهر لتلاميذه بعد قيامته من الأموات أكّد لهم أنه جسد وليس روحًا، إذ قال لهم: «جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي» (لو24: 39). ولاحظ أيضًا أنه لم يُشِر إلى الدم، حيث قد سُفك دمه الكريم لأجل فدائنا على عود الصليب.
ثم لاحظ أيضًا أن المسيح قام بالجسد نفسه الذي مات ودُفن، وليس بجسد آخر، وإلا فلا يكون المسيح قد قام، وتبقى عندنا مشكلة بلا حل، هي: أين الجسد الذي دخل القبر ودُفن؟ فهو لم يكن في القبر عندما دحرج الملاك الحجر عن باب القبر. نعم إن الجسد بعينه قام، ولكنْ لم تكن له خصائصه الأولى ذاتها.
لقد قام المسيح، وعندما قام فقد قام جسدًا روحانيا، أي جسدًا له خصائص مختلفة عن الجسد الضعيف الذي نعيش به الآن، فجسدنا يُقال عنه إنه جسد حيواني، يحتاج إلى الدم، وإلا فلن يمكنه أن يعيش. ولكن كما قال المسيح عن قيامة أجساد القديسين، «يُزرع جسمًا حيوانيًا، ويُقام جسمًا روحانيًا» (1كو15: 44).
إنِّما خصائص ذلك الجسد لا يمكن أن نعرفها بعقولنا الحاضرة، فلقد قال الرسول يوحنا: «لم يُظَهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو3: 2). نعم نحن سنكون مثله، وفي الوقت ذاته يقول الرسول إنه «لم يُظهر بعد ماذا سنكون»، مما يدل على أنه لا يمكن بصورة واضحة معرفة طبيعة الجسد الروحاني الذي قام به المسيح من الأموات. ولكن يكفي أن نشير إلى أن هذا الجسد كان يمكنه الدخول إلى الأماكن، فيما الأبواب مغلقة (يو20: 19، 26)، كما كان يمكنه أن يظهر وأن يختفي ما بين لحظة وأخرى (لو24: 31)، وأيضًا أن يظهر بأشكال وهيئات مختلفة (مر16: 12).
السؤال الخامس:
إذا كان المسيح هو باكورة الراقدين، فما هو وضع أخنوخ وإيليا، اللذين يخبرنا الوحي أنهما اختطفا حيين إلى السماء؟ وعندما صعدا إلى السماء فهل لبسا جسدًا ممجَّدًا، قبل المسيح؟
الأرجح طبعًا أن أخنوخ وإيليا لبس كل منهما جسدًا ممجدًا، قبل صعودهما إلى السماء، لأن «لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله» (1كو15: 50). ولكن ليس ثمة مشكلة هنا، فالمسيح هو باكورة الراقدين (1كو15: 20)، وليس باكورة المتغيّرين. المسيح هو أول قيامة الأموات (أع26: 23)، فلم يقُم قبله شخص بجسد القيامة. فكل الذين ذكر الكتاب أنهم قاموا قبله، سواء الذين قاموا في العهد القديم، أو أولئك الذين قاموا في أثناء وجود المسيح بالجسد على الأرض، ماتوا ثانية؛ وأما المسيح فقد قام من الأموات لكي لا يموت أيضًا، ولا يسود عليه الموت بعد (رومية 6: 9 انظر أيضًا رؤيا 1: 18).
السؤال السادس:
كيف يمكن التوفيق بين قول الرب لمريم المجدلية «لا تلمسيني»، وما ورد في بشارة متى أن المرأتين تقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له؟
واضح من إنجيل يوحنا 20: 17 أن الرب عندما ظهر لمريم المجدلية عند القبر، قال لها: «لا تلمسيني»، ولكنه بعد ذلك سمح للمرأتين أن تمسكا بقدميه، قبل أن تسجدا له (مت28: 9). وفي تفسير ذلك:
1- يرى بعض الشراح أن الرب عندما قال لمريم: «لا تلمسيني»، أوضح لها مباشرة السرّ في ذلك، إذ قال لها: «لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم». لقد ظهر الرب للمجدلية قبل أن يصعد إلى الآب، حاملاً معه حزمة الباكورة وهم الذين قاموا من الأموات وخرجوا من القبور بعد قيامته (انظر إجابة السؤال الأول). لقد ظهر لها مكافأة لها على إخلاصها ومحبتها، ولكنه كان على عجلة من أمره، إذ كان يجب أن يمثل أمام الله بحزمة أول الحصاد ويردِّدهم ترديدًا أمام الله، ولهذا السبب فإنه لم يسمح لها بأن تُمسك به. ثم بعد أن تمم هذا الرمز، فإنه بعد نزوله من عند الآب، سمح للمرأتين في متى 28 بأن تمسكا قدميه.
2- ويرى بعض الشراح أن السر في الاختلاف بين الحادثتين يرجع إلي أن مريم المجدلية في إنجيل يوحنا تعطينا صورة للكنيسة، ولذلك فإن علاقتها بالمسيح ليست علاقة اللمس، كتلك العلاقة التي كانت لها معه قبل الصليب، بل إن علاقة الكنيسة بالمسيح هي علاقة روحية، بدأت بصعود المسيح إلى السماء، كقول الرسول بولس: «نحن من الآن لا نعرف أحدًا حسب الجسد، وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد فإننا الآن لا نعرفه بعد. إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة» (2كو5: 16، 17). ولهذا فقد قال المسيح للمجدلية: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» (يو20: 17). هذه هي نوعية علاقته بالكنيسة. أمَّا المرأتان في إنجيل متى فتعطياننا صورة للبقية التقية في المستقبل، تلك البقية التي ستُبنى علاقتها بالمسيح على الرؤية واللمس، وهي مصوَّرة في سفرالنشيد بالعروس التي ستقول عن عريسها: «فأمسكته ولم أُرخِه» (نش3: 4). لذلك فبينما وجَّه المجدلية والتلاميذ إلى الآب إذ قال لها: «اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم»، وجَّه المرأتين والتلاميذ إلى الجليل، لكي يروه هناك. والجليل في النبوة يحدِّثنا عن البقية التقية في المستقبل، تلك التي ستكون مُحتقرة في نظر باقي الأمة، ولكن لها سيظهر المسيح بالبركة (إش9: 1-7).

م / يوسف رياض

john w 04 - 05 - 2013 05:14 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
يسوع المسيح هو هو

........................................

بإكمال عمل الصليب حقَّق الرب يسوع مجدًا اكتسابيًا، وعندما دُفن في ضريح كالبشر أُقيم من بين الأموات بمجد الآب (رو6: 4). لكن ما يدعو للعجب في ذلك الشخص الفريد أن الأمجاد لم تُغيِّر من طبيعته؛ فالمحبة التي كانت تجري من قلبه نحو الآخرين أيام اتضاعه، هي بذاتها التي ظهرت فيه بعد قيامته، فمكتوب عنه «هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد» (عب13: 8).
إن الرب كشخص مؤثِّر كان يستحق أن تكون خدمته وسط الجماهير الغفيرة، ربما حدث هذا مرات معدودة أيام جسده، لكن الذي يدعو للعجب هو اهتمامه باللقاءات الفردية؛ وإنجيل يوحنا يُكلِّمنا في الأصحاحات من 1-9 عن بعضها، كيف كان يقضي الساعات مع النفوس. وبعد القيامة نجد الأمر ذاته، حيث العديد من ظهوراته كانت لأفراد، منها ظهورات لفرد واحد مثل ظهوره للمجدلية ولصفا وليعقوب ولبولس، ومنها لفردين مثل ظهوره لتلميذي عمواس، وهناك ظهور وحيد كان لجمهور مكون من نحو خمسمائة أخ.
ثم إنه في أيام اتضاعة سار على الأقدام ساعات حتى تعب من السفر ليتقابل مع السامرية، ونرى الأمر عينه يعمله بعد قيامته، حيث سار على الأقدام فترة طويلة مع تلميذي عمواس. بالنسبة لنا نحن فإننا نقبل التعب أيام الفقر، ولكن عندما نغتني ربما نتأفف مما كنا نقوم به بسرور في وقت مضى.
ثم تأمل في مشاعره تجاه الآخرين: لقد كان الرب في خدمته يُضمد المشاعر الجريحة، وكان يهمّه مشاعر المتألمين مثلما تهمّه احتياجاتهم، وكثيرًا ما كان علاجه لمشاعرهم ونفوسهم يسبق علاجه لأجسادهم. الأمر نفسه حدث يوم القيامة، فلقد قال للمجدلية: «يا امرأة لماذا تبكين؟»، وبالنسبة للتلاميذ في ظهوره لهم، لما رآهم مضطربين طمأنهم وقال لهم جسوني لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. ولكي يزيل كل خوف واضطراب أكل قدامهم!
وما أجمله وهو يدعو خاصته بأسمائهم! إن الرب كالراعي الصالح كان دائمًا ينادي التلاميذ بأسمائهم، إذ هو يعرف جيدًا قيمة مناداة الشخص باسمه، وبعد قيامته فعل الشيء ذاته، مع مريم المجدلية ومع شاول الطرسوسي. له كل المجد
..........
أنور داود

john w 04 - 05 - 2013 05:16 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
القيامة الأولى: نـُصرة ورجاء

«مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم،
بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة» (رؤ 20: 6)
موضوع عظيم جدًا، وله غلاوة خاصة على قلوبنا كمؤمنين. سنحاول بمعونة الرب أن نلمس أبرز جوانبه من زاويتين رئيسيتين هما: التعليم، والتعزية المرتبطين به. وفي كلتا الحالتين سنبني أفكارنا على الكلمة النبوية.
فمن الجانب التعليمي سنتعرَّض لمفهوم ”القيامة“ الشائع قديمًا، والمستمر في أذهان الكثيرين حتى اليوم؛ من جهة عمومية القيامة وحدوثها دفعة واحدة في ما يُسَمّى ”القيامة العامة“ أو ”يوم القيامة“. ثم نتناول تصحيح العهد الجديد لهذا المفهوم، مع بيان الترتيب السليم للأحداث وصولاً إلى مفهوم ”القيامة الأولى“ من جهة تفوقها وكمالها.
أما من الجانب المُعزّي، فسنتأمل في إيجاز في هذه الحقيقة المباركة حال كونها انتصارًا عظيمًا على أعتى عدو، ورجاءً كريمًا في أروع مستقبل، ولقاءً حميمًا في أبهى اجتماع.
وإن الذين ينكرون حقيقة ”القيامة“ بعد الموت، يجهلون - عن عمد أو عن عدم تبصُّر- على الأقل ثلاثة أمور:
الأمر الأول: يجهلون طبيعة الإنسان وتميّزه عن سائر المخلوقات في كونه كائنًا ثلاثيًا؛ له روح ونفس وجسد (1تس5: 23)؛ بخلاف الحيوان الذي له نفس وجسد ولكن ليس له روح، وبموته يتلاشى وجوده ويفنى نهائيًا. ليس كذلك الإنسان الذي نفخ فيه الرب الإله نسمة حياة، «ولكن في الناس روحًا ونسمة القدير تعقِّلهم» (أي 32: 8). فإذ قد عمل الله الإنسان على صورته كشبهه (تك 1: 26)، فإن الروح الإنسانية خالدة لا تموت.
الأمر الثاني: يجهلون قدرة الله، الذي ليس فقط هو «القادر على كل شيء» (رؤ 1: 8)؛ بل هو أيضًا الذي يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة (رو 4: 17). وبكل يقين لا يعسر عليه قيامة جسد مات وتحلّل في أي مكان وأي زمان ليعيد اتحاده بالروح والنفس.
الأمر الثالث: هو جهلهم بقوانين الطبيعة وقواعد الأمور المنظورة، وهذا ما قصده الرسول بولس في قوله لمثل هؤلاء: «يا غبي: الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت» (1كو 15: 36). وهو ذات الفكر الذي تحدّث عنه الرب يسوع نفسه قبل ذلك مشيرًا إلى موته، قائلاً عن حبة الحنطة إنها «إن لم تقع في الأرض وتمُت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» (يو12: 24).
إننا في كل عصر سنواجه أمثال هؤلاء ”الصدوقيين“ والذين يُطلَق عليهم زورًا ”العقلانيون“، في حين أن كلمة الله لا تصفهم بكثرة العقل، بل بالحري - وبكل أسف - بكثرة الجهل والغباء كما رأينا.
1. مفهــــوم قــــــــديم
لقد أُعلنت حقيقة قيامة الأموات على صفحات الوحي الإلهي بشكل متدرِّج؛ مثلها في ذلك مثل العديد من الحقائق الكتابية الأخرى. لذلك، فلا غرابة إن كنا نجد في العهد القديم، أنه حتى الأتقياء، كانوا يجهلون تفصيلات ما بعد الموت. إلا أنهم لم يجهلوا أنه بعد موتهم سيرون الله (أي 19: 26).
وإذا وصلنا إلى زمان تجسّد المسيح فإننا نجد مرثا تتحدث عن قيامة لعازر أخيها بلغة عامة وغامضة إذ تقول للرب: «أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير» (يو 11: 24).
من الواضح هنا أن النور كان جزئيًا، والمفهوم لم يكن كامل الوضوح.
2. تصحيح المفاهـــيم
كثيرون نظير مرثا يعتقدون بفكرة ”القيامة العامة“، أي أن كل الأموات سيقومون معًا. ولقد قام الرب يسوع بنفسه أولاً، ثم الرسول بولس من بعده بالوحي، بتوضيح الفكر الصحيح، وهذا ما سنراه في بعض الفصول الكتابية نمرّ عليها بالترتيب في إيجاز.
أما أولاً فإن حديث المسيح إلى اليهود في يوحنا 5 يفصِل بشكل واضح بين قيامة الحياة للأبرار، وقيامة الدينونة للأشرار (ع 28، 29). مما يلغي فكرة القيامة العامة دون تمييز بين الأموات في أشخاصهم، أو فيما سيتبع قيامتهم. ثم توالت الإعلانات الإلهية في الرسائل لتزيد الأمر وضوحًا.
ففي أصحاح القيامة الشهير، كورنثوس الأولى 15، نجده يحدّثنا فقط عن قيامة المؤمنين بالمسيح دون سائر الأموات؛ فيقول مثلاً عن أجسادهم «يُزرع في فساد، ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان ويُقام في مجد» ثم يربط في وضوح بين نوعية قيامة المسيح من بين الأموات، وقيامة الراقدين بيسوع، الذين هم للمسيح في مجيئه (راجع من فضلك 1كو 15: 20،42، 43، 49،54 ...).
وفي أصحاح التعزية المعروف، تسالونيكى الأولى 4، نجد الوحي يؤكِّد مجدَّدًا نفس الفكر: أن هناك قيامة خاصة بالقديسين وحدهم عند مجيء الرب لاختطاف المؤمنين «الأموات في المسيح سيقومون أولاً. ونحن الأحياء (المؤمنين) نتغيَّر... وهكذا نكون في كل حين مع الرب».
وفي فيلبي 3 يتوق الرسول لأن يبلغ إلى قيامة الأموات (أو ”القيامة من بين الأموات“ بحسب الأصل) (ع 11) ولو كانت القيامة عامة، فلا معنى لكلام الرسول هنا، ولكن المؤكد أن قيامة القديسين متميّزة.
أما عبرانيين 9 فهي تؤكد لنا الجانب المقابل، وهو أن هناك قيامة خاصة بالأشرار تعقبها الدينونة إذ نقرأ في عدد 27 «وُضِع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة».
وأخيرًا نصل إلى رؤيا 20 حيث الآية محور حديثنا في عدد 6 فإننا نجد حسمًا جديدًا ونهائيًا للأمر، فهناك قيامة خاصة بالأبرار هي ”القيامة الأولى“ يقول عنها إنه مبارك ومقدَّس من له نصيب فيها، إذ لن يؤذيه الموت الثاني. في حين أن الأشرار غير المؤمنين سيقومون في مرحلة تالية ليُدانوا أمام العرش العظيم الأبيض، ثم يُطرحوا بجسد القيامة أحياء في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت إلى أبد الآبدين. وهذا هو الموت الثاني.
إذًا فلا توجد قيامة عامة، بل إن قيامة القديسين مختلفة تمامًا: شكلاً، ومضمونًا، ونتيجةً، بل وتوقيتًا أيضًا (كما سنرى الآن) عن قيامة الأشرار.
3. الترتيب الســـــلـيم
إننا إذا ربطنا بين الفصول السابقة، وبين الأحداث المستقبلة بحسب النبوات الواردة في الأناجيل، والإشارات النبوية في الرسائل، والإعلان النبوي الكامل في سفر الرؤيا، فإننا يمكننا الوصول إلى ترتيب أهم الأحداث المرتبطة بالقيامة في السباعية التالية:
1. قيامة المؤمنين: عند مجيء الرب، وهذه تشمل القديسين الراقدين من العهد القديم بدءًا من هابيل، وكل مؤمني الكنيسة حتى آخر مؤمن يرقد قبيل الاختطاف. وعندئذٍ سيعقب ذلك تغيير أجساد المؤمنين الأحياء عند هذه اللحظة (1تس 4 مع 1كو 15).
2. أحداث أسبوع الضيقة على الأرض بعد الاختطاف مباشرة، إذ ستأتي ضربات سفر الرؤيا من ص 6 إلى ص 18 (بداية من رؤيا 4 الكنيسة تُرى في السماء بعد اختطافها).
3. في خلال فترة الضيقة سترجع إلى الرب بقية من اليهود ستُنادي ببشارة الملكوت في كل العالم ومضمونها أن المسيّا سيرجع ليملك، وسيقبل بعض من الأمم هذه البشارة (الخراف بحسب متى 25: 32-34).
4. في خلال نفس الفترة سيموت عدد من القديسين، وعنهم يسجِّل الوحي هذه الكلمات الرائعة: «طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح، يستريحون من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم» (رؤ 14: 13).
5. وخلال نفس الضيقة نقرأ عن شاهدين للرب سيموتان، ثم يُقامان من بين الأموات، ويصعدان حيين إلى السماء (رؤ11: 3–12).
6. عند ظهور المسيح بالمجد والقوة، وقبيل تأسيسه لملكوته الألفي السعيد (رؤ20)، سيقوم القديسون الذين ماتوا خلال فترة الضيقة، ليملكوا مع المسيح.
7. بعد الألف سنة ستتمّ قيامة الأموات، والتي ستشمل جميع الأشرار بدءًا من قايين، ووصولاً إلى آخر شخص مات بدون أن يتمتع بفداء المسيح، وجميعهم سيقفون أمام الله للدينونة أمام العرش العظيم الأبيض (رؤ 20: 12–13).
مما سبق يتضح لنا أن القيامة الأولى، التي هي قيامة الأبرار، لن تتم على مرحلة واحدة، بل على مرحلتين رئيسيتين:
* الأولى: عند مجيء الرب يسوع ثانية لاختطاف قديسيه عن قريب. وهذه تشمل كل القديسين في العهد القديم بالإضافة إلى الراقدين في فترة الكنيسة.
* الثانية: عند ظهور المسيح بالمجد والقوة، بعد الضيقة العظيمة. وهذه ستشمل الذين ماتوا في الرب (رؤ 14: 13) خلال فترة الضيقة.
إذًا فهناك:
مرحلتان لمجيء المسيح: الاختطاف، والظهور يفصل بينهما فترة سبع سنوات ، يبدأ بعدها مباشرة مُلك المسيح (رؤ 11: 3؛ 12: 6 مع دانيال 12: 12).
ومرحلتان للقيامة: قيامة الأبرار ”القيامة الأولى“ جزء منها عند الاختطاف، والجزء الآخر قبيل الملك الألفي. في حين أن قيامة الأشرار ستتم بعد المُلك الألفي وقبيل الحالة الأبدية.
ومرحلتان للدينونة: الأولى دينونة الأحياء عند بداية المُلك، والثانية دينونة الأموات عند نهاية الألف سنة (مت25: 31-46 مع رؤ20: 11-15).
4. تفـوّق وتتـــــــمــيم
لكن لماذا سُميّت قيامة القديسين بـ ”القيامة الأولى“؟ صحيح أنها تبدو أولى من حيث ترتيبها الزمني كما رأينا الآن، لكن الواقع أن كلمة ”أولى“ هنا لا تعني أولوية الترتيب الزمني، بل أولوية التفوق الأدبي. إنها نظير ”الحٌلة الأولى“ (لو 15: 22) و”المحبة الأولى“ (رؤ 2: 4).
أما عن أسباب أفضلية هذه القيامة فهي كثيرة. يكفي أن نذكر الثلاثية الآتية:
هي الأفضل من حيث مضمونها: إذ هي قيامة أفضل من وُوريَت أجسادهم الثرى: القديسين والأفاضل.
وهي الأفضل من حيث توقيتها: إذ ستتم أولاً قبل قيامة الدينونة.
وهي الأفضل من حيث نتيجتها: التي هي الوجود في حضرة الرب الودود في هناء وخلود.
لكن يبرز أمامنا هنا سؤال: أ لم نقرأ في التاريخ المقدّس عن حالات قيامة لبعض من ماتوا، سواء في العهد القديم أو العهد الجديد؟ الإجابة هي: نعم بالتأكيد، ولكن: أين هم الآن؟ لقد ماتوا جميعًا ثانية! أما القيامة الأولى فهي شيء مختلف تمامًا، إذ إن من له نصيب فيها لن يسود عليه الموت بأية صورة فيما بعد. فالقيامة الأولى ستتم بجسد ممجَّد خلافًا للأجساد الطبيعية التي قام بها من قاموا من الموت قبلاً فماتوا مرة أخرى. لقد قام لعازر من بين الأموات بعد أن أنتن جسده في قبره (يو11: 39) لكن هل كانت هذه هي ”القيامة الأولى“ بالنسبة له؟ كلا بالطبع، فلقد قام بجسد قابل للمرض والموت والفساد وهذا ما حدث معه ثانية. أما عندما سيقوم في القيامة الأولى عند الاختطاف فإنه سيقوم بجسد على صورة جسد المسيح المقام والممجد، جسد لا يخضع لألم أو لموت أو لفساد إلى الأبد!
* * *
وبعد هذه الجولة السريعة في أبرز الأفكار التعليمية لموضوع ”القيامة الأولى“، دعنا فيما يلي نستكمل حديثنا بالمرور سريعًا على بعض الأفكار المعزّية المرتبطة بهذه الحقيقة الكتابية الرائعة.
5. انتصـــار عـــــظيم
والواقع، فإن أول ما يشجِّعنا إزاء حقيقة ”القيامة الأولى“ هو أنها انتصار عظيم، نهائي وشامل على أقسى عدو شهدته البشرية، أسماه الأقدمون «ملك الأهوال» (أي18: 14)، وسجل الوحي عنه أنه «آخر عدو يُبطل» (1كو15: 26). لَكَم خرّب الموت من بيوت، وأثكل من نساء، ويتم الأطفال، وكسر قلوب أعتى الرجال! لقد هزم الجميع، ولم يرحم توسلات أحد. لكن قريبًا سيُسمع صياح النصرة من ملايين لا تُحصى من المفديين هاتفين «اُبتلع الموت إلى غلبة (نُصرة)» (1كو 15: 54).
حقًا ما أحلى الانتصار! وما أغلاه عندما يأتي بعد طول انكسار! وما أروعه عندما يأتي انتصارًا كاملاً ونهائيًا على عدو لا يرحم ولا يشفق! مجدًا للرب الذي دخل الموقعة الأقسى، مع العدو الأشرس، في الموضع الأصعب في الصليب. لقد دخل الحبيب إلى المعركة بمفرده وخرج ظافرًا منتصرًا ليشرك في نصرته ما لا يُحصى من القديسين، ويصبح الموت بالنسبة لتابعي المسيح «ربحًا»، ومجرّد قنطرة آمنة تنقل القديسين من دنيا الآلام والعناء إلى أبدية الأفراح والهناء، إلى محضر الرب نفسه مباشرة، في انتظار قيامة الجسد؛ ولكن في صورة أمجد وأروع في «القيامة الأولى».
لَكَم كانت فرحة مريم ومرثا غامرة، عندما قام لعازر من بين الأموات، أفراحًا تفوق أحزانهما عندما مات! فهو عندما مات شعرتا بمرارة الهزيمة والانكسار، وعندما قام امتلكهما الفرح المرتبط بالنصرة على الموت، هذا مع علمهما أنه في يومٍ تالٍ سيموت ثانية!! فما بالك وأفراحنا عندما يقوم أحباؤنا قريبًا لكي لا يسود عليهم الموت في ما بعد نهائيًا!!
6. رجــــــاء كريــــــم
إن ما يشجِّع المؤمن في لحظات رحيله وهو يعبر «وادي ظل الموت» (مز 23: 4) هو أنه سيكون مع المسيح «ذاك أفضل جدًا» (في 1: 23)، وأن الجسد لن يبقى في تراب القبر إلى الأبد. وهو تشجيع رائع وتعزية قوية كذلك لأحباء الراحلين: إذ ندرك أنهم لم ينتهوا، ولم يخسروا. فنحن نودِّع أحباءنا الراحلين على رجاء هو ”القيامة الأولى“؛ القيامة الأفضل عند مجيء الرب يسوع عن قريب. هذا الرجاء فيه العزاء ما دمنا في وادي الدموع. رجاء مزدوج: للراحل أنه سيربح أعظم مما سيخسره؛ ولمن حوله بأن القيامة ليس فقط ستعيد الأمور إلى ما كانت عليه، بل وأروع جدًا.
7. لقــــاء حـــمـــيــــم
وفي القيامة الأولى سيحدث أروع لقاء في أكبر تجمع للقديسين يشهده الكون منذ البدء: الأفاضل يلتقون من كل عصر وجيل، من كل حدب وصوب!
سنرى أحباءنا الذين سبقونا، إذ لم يفرّقهم الموت عنا إلى الأبد! كما سنرى القديسين والأفاضل الذين طالما قرأنا سيرتهم وسمعنا عنهم في الوحي المقدس، أو على مر التاريخ الطويل. سنراهم في أفضل حال.. وسنكون معهم في أسعد حال.. وأروع الكل أن المسيح هو مركز الدائرة في كل الأحوال!
سيكون لقاء بعد طول فراق. سنلتقي مع هابيل ودانيال، وسنجتمع مع موسى وإيليا، ومع بطرس ويعقوب ويوحنا! حقًا جيد أن نكون هناك.
إننا ونحن بعدُ في أرض الغربة وفي جسد الضعف لا تحتمل قلوبنا في مراتٍ كثيرة الفرح الناتج عن رؤية أحباء لنا فرّقت بيننا وبينهم المسافات المكانية والزمانية. وكم نسعد في فرصنا العامة بلقاء القديسين، رغمًا عن أنها كلها لقاءات يعقبها فراق. فماذا عن لقاء لن يتأخر عنه واحد، ولن يوجد فيه ضعف واحد، الكل في مكان واحد، مشغولون بشخص واحد، ساجدين بقلب واحد، يجمعنا فكر واحد، بدون فراق لأي واحد؟!!

john w 04 - 05 - 2013 05:16 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
القيامة الأولى: نـُصرة ورجاء

«مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم،
بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة» (رؤ 20: 6)
موضوع عظيم جدًا، وله غلاوة خاصة على قلوبنا كمؤمنين. سنحاول بمعونة الرب أن نلمس أبرز جوانبه من زاويتين رئيسيتين هما: التعليم، والتعزية المرتبطين به. وفي كلتا الحالتين سنبني أفكارنا على الكلمة النبوية.
فمن الجانب التعليمي سنتعرَّض لمفهوم ”القيامة“ الشائع قديمًا، والمستمر في أذهان الكثيرين حتى اليوم؛ من جهة عمومية القيامة وحدوثها دفعة واحدة في ما يُسَمّى ”القيامة العامة“ أو ”يوم القيامة“. ثم نتناول تصحيح العهد الجديد لهذا المفهوم، مع بيان الترتيب السليم للأحداث وصولاً إلى مفهوم ”القيامة الأولى“ من جهة تفوقها وكمالها.
أما من الجانب المُعزّي، فسنتأمل في إيجاز في هذه الحقيقة المباركة حال كونها انتصارًا عظيمًا على أعتى عدو، ورجاءً كريمًا في أروع مستقبل، ولقاءً حميمًا في أبهى اجتماع.
وإن الذين ينكرون حقيقة ”القيامة“ بعد الموت، يجهلون - عن عمد أو عن عدم تبصُّر- على الأقل ثلاثة أمور:
الأمر الأول: يجهلون طبيعة الإنسان وتميّزه عن سائر المخلوقات في كونه كائنًا ثلاثيًا؛ له روح ونفس وجسد (1تس5: 23)؛ بخلاف الحيوان الذي له نفس وجسد ولكن ليس له روح، وبموته يتلاشى وجوده ويفنى نهائيًا. ليس كذلك الإنسان الذي نفخ فيه الرب الإله نسمة حياة، «ولكن في الناس روحًا ونسمة القدير تعقِّلهم» (أي 32: 8). فإذ قد عمل الله الإنسان على صورته كشبهه (تك 1: 26)، فإن الروح الإنسانية خالدة لا تموت.
الأمر الثاني: يجهلون قدرة الله، الذي ليس فقط هو «القادر على كل شيء» (رؤ 1: 8)؛ بل هو أيضًا الذي يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة (رو 4: 17). وبكل يقين لا يعسر عليه قيامة جسد مات وتحلّل في أي مكان وأي زمان ليعيد اتحاده بالروح والنفس.
الأمر الثالث: هو جهلهم بقوانين الطبيعة وقواعد الأمور المنظورة، وهذا ما قصده الرسول بولس في قوله لمثل هؤلاء: «يا غبي: الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت» (1كو 15: 36). وهو ذات الفكر الذي تحدّث عنه الرب يسوع نفسه قبل ذلك مشيرًا إلى موته، قائلاً عن حبة الحنطة إنها «إن لم تقع في الأرض وتمُت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» (يو12: 24).
إننا في كل عصر سنواجه أمثال هؤلاء ”الصدوقيين“ والذين يُطلَق عليهم زورًا ”العقلانيون“، في حين أن كلمة الله لا تصفهم بكثرة العقل، بل بالحري - وبكل أسف - بكثرة الجهل والغباء كما رأينا.
1. مفهــــوم قــــــــديم
لقد أُعلنت حقيقة قيامة الأموات على صفحات الوحي الإلهي بشكل متدرِّج؛ مثلها في ذلك مثل العديد من الحقائق الكتابية الأخرى. لذلك، فلا غرابة إن كنا نجد في العهد القديم، أنه حتى الأتقياء، كانوا يجهلون تفصيلات ما بعد الموت. إلا أنهم لم يجهلوا أنه بعد موتهم سيرون الله (أي 19: 26).
وإذا وصلنا إلى زمان تجسّد المسيح فإننا نجد مرثا تتحدث عن قيامة لعازر أخيها بلغة عامة وغامضة إذ تقول للرب: «أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير» (يو 11: 24).
من الواضح هنا أن النور كان جزئيًا، والمفهوم لم يكن كامل الوضوح.
2. تصحيح المفاهـــيم
كثيرون نظير مرثا يعتقدون بفكرة ”القيامة العامة“، أي أن كل الأموات سيقومون معًا. ولقد قام الرب يسوع بنفسه أولاً، ثم الرسول بولس من بعده بالوحي، بتوضيح الفكر الصحيح، وهذا ما سنراه في بعض الفصول الكتابية نمرّ عليها بالترتيب في إيجاز.
أما أولاً فإن حديث المسيح إلى اليهود في يوحنا 5 يفصِل بشكل واضح بين قيامة الحياة للأبرار، وقيامة الدينونة للأشرار (ع 28، 29). مما يلغي فكرة القيامة العامة دون تمييز بين الأموات في أشخاصهم، أو فيما سيتبع قيامتهم. ثم توالت الإعلانات الإلهية في الرسائل لتزيد الأمر وضوحًا.
ففي أصحاح القيامة الشهير، كورنثوس الأولى 15، نجده يحدّثنا فقط عن قيامة المؤمنين بالمسيح دون سائر الأموات؛ فيقول مثلاً عن أجسادهم «يُزرع في فساد، ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان ويُقام في مجد» ثم يربط في وضوح بين نوعية قيامة المسيح من بين الأموات، وقيامة الراقدين بيسوع، الذين هم للمسيح في مجيئه (راجع من فضلك 1كو 15: 20،42، 43، 49،54 ...).
وفي أصحاح التعزية المعروف، تسالونيكى الأولى 4، نجد الوحي يؤكِّد مجدَّدًا نفس الفكر: أن هناك قيامة خاصة بالقديسين وحدهم عند مجيء الرب لاختطاف المؤمنين «الأموات في المسيح سيقومون أولاً. ونحن الأحياء (المؤمنين) نتغيَّر... وهكذا نكون في كل حين مع الرب».
وفي فيلبي 3 يتوق الرسول لأن يبلغ إلى قيامة الأموات (أو ”القيامة من بين الأموات“ بحسب الأصل) (ع 11) ولو كانت القيامة عامة، فلا معنى لكلام الرسول هنا، ولكن المؤكد أن قيامة القديسين متميّزة.
أما عبرانيين 9 فهي تؤكد لنا الجانب المقابل، وهو أن هناك قيامة خاصة بالأشرار تعقبها الدينونة إذ نقرأ في عدد 27 «وُضِع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة».
وأخيرًا نصل إلى رؤيا 20 حيث الآية محور حديثنا في عدد 6 فإننا نجد حسمًا جديدًا ونهائيًا للأمر، فهناك قيامة خاصة بالأبرار هي ”القيامة الأولى“ يقول عنها إنه مبارك ومقدَّس من له نصيب فيها، إذ لن يؤذيه الموت الثاني. في حين أن الأشرار غير المؤمنين سيقومون في مرحلة تالية ليُدانوا أمام العرش العظيم الأبيض، ثم يُطرحوا بجسد القيامة أحياء في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت إلى أبد الآبدين. وهذا هو الموت الثاني.
إذًا فلا توجد قيامة عامة، بل إن قيامة القديسين مختلفة تمامًا: شكلاً، ومضمونًا، ونتيجةً، بل وتوقيتًا أيضًا (كما سنرى الآن) عن قيامة الأشرار.
3. الترتيب الســـــلـيم
إننا إذا ربطنا بين الفصول السابقة، وبين الأحداث المستقبلة بحسب النبوات الواردة في الأناجيل، والإشارات النبوية في الرسائل، والإعلان النبوي الكامل في سفر الرؤيا، فإننا يمكننا الوصول إلى ترتيب أهم الأحداث المرتبطة بالقيامة في السباعية التالية:
1. قيامة المؤمنين: عند مجيء الرب، وهذه تشمل القديسين الراقدين من العهد القديم بدءًا من هابيل، وكل مؤمني الكنيسة حتى آخر مؤمن يرقد قبيل الاختطاف. وعندئذٍ سيعقب ذلك تغيير أجساد المؤمنين الأحياء عند هذه اللحظة (1تس 4 مع 1كو 15).
2. أحداث أسبوع الضيقة على الأرض بعد الاختطاف مباشرة، إذ ستأتي ضربات سفر الرؤيا من ص 6 إلى ص 18 (بداية من رؤيا 4 الكنيسة تُرى في السماء بعد اختطافها).
3. في خلال فترة الضيقة سترجع إلى الرب بقية من اليهود ستُنادي ببشارة الملكوت في كل العالم ومضمونها أن المسيّا سيرجع ليملك، وسيقبل بعض من الأمم هذه البشارة (الخراف بحسب متى 25: 32-34).
4. في خلال نفس الفترة سيموت عدد من القديسين، وعنهم يسجِّل الوحي هذه الكلمات الرائعة: «طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح، يستريحون من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم» (رؤ 14: 13).
5. وخلال نفس الضيقة نقرأ عن شاهدين للرب سيموتان، ثم يُقامان من بين الأموات، ويصعدان حيين إلى السماء (رؤ11: 3–12).
6. عند ظهور المسيح بالمجد والقوة، وقبيل تأسيسه لملكوته الألفي السعيد (رؤ20)، سيقوم القديسون الذين ماتوا خلال فترة الضيقة، ليملكوا مع المسيح.
7. بعد الألف سنة ستتمّ قيامة الأموات، والتي ستشمل جميع الأشرار بدءًا من قايين، ووصولاً إلى آخر شخص مات بدون أن يتمتع بفداء المسيح، وجميعهم سيقفون أمام الله للدينونة أمام العرش العظيم الأبيض (رؤ 20: 12–13).
مما سبق يتضح لنا أن القيامة الأولى، التي هي قيامة الأبرار، لن تتم على مرحلة واحدة، بل على مرحلتين رئيسيتين:
* الأولى: عند مجيء الرب يسوع ثانية لاختطاف قديسيه عن قريب. وهذه تشمل كل القديسين في العهد القديم بالإضافة إلى الراقدين في فترة الكنيسة.
* الثانية: عند ظهور المسيح بالمجد والقوة، بعد الضيقة العظيمة. وهذه ستشمل الذين ماتوا في الرب (رؤ 14: 13) خلال فترة الضيقة.
إذًا فهناك:
مرحلتان لمجيء المسيح: الاختطاف، والظهور يفصل بينهما فترة سبع سنوات ، يبدأ بعدها مباشرة مُلك المسيح (رؤ 11: 3؛ 12: 6 مع دانيال 12: 12).
ومرحلتان للقيامة: قيامة الأبرار ”القيامة الأولى“ جزء منها عند الاختطاف، والجزء الآخر قبيل الملك الألفي. في حين أن قيامة الأشرار ستتم بعد المُلك الألفي وقبيل الحالة الأبدية.
ومرحلتان للدينونة: الأولى دينونة الأحياء عند بداية المُلك، والثانية دينونة الأموات عند نهاية الألف سنة (مت25: 31-46 مع رؤ20: 11-15).
4. تفـوّق وتتـــــــمــيم
لكن لماذا سُميّت قيامة القديسين بـ ”القيامة الأولى“؟ صحيح أنها تبدو أولى من حيث ترتيبها الزمني كما رأينا الآن، لكن الواقع أن كلمة ”أولى“ هنا لا تعني أولوية الترتيب الزمني، بل أولوية التفوق الأدبي. إنها نظير ”الحٌلة الأولى“ (لو 15: 22) و”المحبة الأولى“ (رؤ 2: 4).
أما عن أسباب أفضلية هذه القيامة فهي كثيرة. يكفي أن نذكر الثلاثية الآتية:
هي الأفضل من حيث مضمونها: إذ هي قيامة أفضل من وُوريَت أجسادهم الثرى: القديسين والأفاضل.
وهي الأفضل من حيث توقيتها: إذ ستتم أولاً قبل قيامة الدينونة.
وهي الأفضل من حيث نتيجتها: التي هي الوجود في حضرة الرب الودود في هناء وخلود.
لكن يبرز أمامنا هنا سؤال: أ لم نقرأ في التاريخ المقدّس عن حالات قيامة لبعض من ماتوا، سواء في العهد القديم أو العهد الجديد؟ الإجابة هي: نعم بالتأكيد، ولكن: أين هم الآن؟ لقد ماتوا جميعًا ثانية! أما القيامة الأولى فهي شيء مختلف تمامًا، إذ إن من له نصيب فيها لن يسود عليه الموت بأية صورة فيما بعد. فالقيامة الأولى ستتم بجسد ممجَّد خلافًا للأجساد الطبيعية التي قام بها من قاموا من الموت قبلاً فماتوا مرة أخرى. لقد قام لعازر من بين الأموات بعد أن أنتن جسده في قبره (يو11: 39) لكن هل كانت هذه هي ”القيامة الأولى“ بالنسبة له؟ كلا بالطبع، فلقد قام بجسد قابل للمرض والموت والفساد وهذا ما حدث معه ثانية. أما عندما سيقوم في القيامة الأولى عند الاختطاف فإنه سيقوم بجسد على صورة جسد المسيح المقام والممجد، جسد لا يخضع لألم أو لموت أو لفساد إلى الأبد!
* * *
وبعد هذه الجولة السريعة في أبرز الأفكار التعليمية لموضوع ”القيامة الأولى“، دعنا فيما يلي نستكمل حديثنا بالمرور سريعًا على بعض الأفكار المعزّية المرتبطة بهذه الحقيقة الكتابية الرائعة.
5. انتصـــار عـــــظيم
والواقع، فإن أول ما يشجِّعنا إزاء حقيقة ”القيامة الأولى“ هو أنها انتصار عظيم، نهائي وشامل على أقسى عدو شهدته البشرية، أسماه الأقدمون «ملك الأهوال» (أي18: 14)، وسجل الوحي عنه أنه «آخر عدو يُبطل» (1كو15: 26). لَكَم خرّب الموت من بيوت، وأثكل من نساء، ويتم الأطفال، وكسر قلوب أعتى الرجال! لقد هزم الجميع، ولم يرحم توسلات أحد. لكن قريبًا سيُسمع صياح النصرة من ملايين لا تُحصى من المفديين هاتفين «اُبتلع الموت إلى غلبة (نُصرة)» (1كو 15: 54).
حقًا ما أحلى الانتصار! وما أغلاه عندما يأتي بعد طول انكسار! وما أروعه عندما يأتي انتصارًا كاملاً ونهائيًا على عدو لا يرحم ولا يشفق! مجدًا للرب الذي دخل الموقعة الأقسى، مع العدو الأشرس، في الموضع الأصعب في الصليب. لقد دخل الحبيب إلى المعركة بمفرده وخرج ظافرًا منتصرًا ليشرك في نصرته ما لا يُحصى من القديسين، ويصبح الموت بالنسبة لتابعي المسيح «ربحًا»، ومجرّد قنطرة آمنة تنقل القديسين من دنيا الآلام والعناء إلى أبدية الأفراح والهناء، إلى محضر الرب نفسه مباشرة، في انتظار قيامة الجسد؛ ولكن في صورة أمجد وأروع في «القيامة الأولى».
لَكَم كانت فرحة مريم ومرثا غامرة، عندما قام لعازر من بين الأموات، أفراحًا تفوق أحزانهما عندما مات! فهو عندما مات شعرتا بمرارة الهزيمة والانكسار، وعندما قام امتلكهما الفرح المرتبط بالنصرة على الموت، هذا مع علمهما أنه في يومٍ تالٍ سيموت ثانية!! فما بالك وأفراحنا عندما يقوم أحباؤنا قريبًا لكي لا يسود عليهم الموت في ما بعد نهائيًا!!
6. رجــــــاء كريــــــم
إن ما يشجِّع المؤمن في لحظات رحيله وهو يعبر «وادي ظل الموت» (مز 23: 4) هو أنه سيكون مع المسيح «ذاك أفضل جدًا» (في 1: 23)، وأن الجسد لن يبقى في تراب القبر إلى الأبد. وهو تشجيع رائع وتعزية قوية كذلك لأحباء الراحلين: إذ ندرك أنهم لم ينتهوا، ولم يخسروا. فنحن نودِّع أحباءنا الراحلين على رجاء هو ”القيامة الأولى“؛ القيامة الأفضل عند مجيء الرب يسوع عن قريب. هذا الرجاء فيه العزاء ما دمنا في وادي الدموع. رجاء مزدوج: للراحل أنه سيربح أعظم مما سيخسره؛ ولمن حوله بأن القيامة ليس فقط ستعيد الأمور إلى ما كانت عليه، بل وأروع جدًا.
7. لقــــاء حـــمـــيــــم
وفي القيامة الأولى سيحدث أروع لقاء في أكبر تجمع للقديسين يشهده الكون منذ البدء: الأفاضل يلتقون من كل عصر وجيل، من كل حدب وصوب!
سنرى أحباءنا الذين سبقونا، إذ لم يفرّقهم الموت عنا إلى الأبد! كما سنرى القديسين والأفاضل الذين طالما قرأنا سيرتهم وسمعنا عنهم في الوحي المقدس، أو على مر التاريخ الطويل. سنراهم في أفضل حال.. وسنكون معهم في أسعد حال.. وأروع الكل أن المسيح هو مركز الدائرة في كل الأحوال!
سيكون لقاء بعد طول فراق. سنلتقي مع هابيل ودانيال، وسنجتمع مع موسى وإيليا، ومع بطرس ويعقوب ويوحنا! حقًا جيد أن نكون هناك.
إننا ونحن بعدُ في أرض الغربة وفي جسد الضعف لا تحتمل قلوبنا في مراتٍ كثيرة الفرح الناتج عن رؤية أحباء لنا فرّقت بيننا وبينهم المسافات المكانية والزمانية. وكم نسعد في فرصنا العامة بلقاء القديسين، رغمًا عن أنها كلها لقاءات يعقبها فراق. فماذا عن لقاء لن يتأخر عنه واحد، ولن يوجد فيه ضعف واحد، الكل في مكان واحد، مشغولون بشخص واحد، ساجدين بقلب واحد، يجمعنا فكر واحد، بدون فراق لأي واحد؟!!

john w 04 - 05 - 2013 05:29 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
القيامة والكنيسة
............................


تشمل القيامة جانبًا هامًا في الإيمان المسيحي، وهي من أساسيات ذلك الإيمان، مثل التجسّد والصلب. وكما وجَّه الشيطان سهام التشكيك إلى تجسد المسيح وصلبه، فإنه وجّهها أيضًا إلى قيامته، إذ أشاع اليهود أن المسيح لم يقُم، بل سرق التلاميذ جسده (مت28: 11-15)؛ وللمؤمنين في كورنثوس دسّ تعليم عدم وجود قيامة أموات، وبالتالي فإن المسيح لم يقُم (1كو15)؛ وللمؤمنين في تسالونيكي أن إخوتهم الذين رقدوا لن يقوموا (1تس4)، وهكذا سبَّب الحزن لهم. فالشيطان يسعي حثيثًا لكي يقوِّض الإيمان المسيحي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إن كان التجسد واضحًا ومُعلنًا للكل، وهكذا أيضًا الصليب، فلماذا لم تكن قيامة المسيح كذلك، علي الرغم من أن العدو ما زال يشكك في هذه الأمور الثلاثة؟
والحقيقة أن الرب قَصَدَ أن يُظهر نفسه بعد قيامته في دائرة ضيقة من التلاميذ الذين كانوا معه، لأن ما يميِّز تدبير النعمة الحاضر هو الإيمان؛ فالرب قال لتوما: «طوبى للذين آمنوا ولم يروا» (يو20: 29).
وبموت المسيح وقيامته تمّت المشورات الأزليه من جهة الكنيسة. صحيح أن كل التدبيرات تستفيد من موت المسيح وقيامته، لكن ما يميز الكنيسة الآن هو وجود المسيح في المجد كرأس الجسد، وحضور الروح القدس هنا علي الأرض لتكوين الكنيسة، لذلك سوف نتكلّم في هذه العُجالة عن علاقة قيامة المسيح بالكنيسة في ثلاثة اتجاهات:
أولاً: قيامة المسيح وبناء الكنيسة (من حيث كونها بيت الله وهيكل الله).
ثانيًا: قيامة المسيح وبنيان الكنيسة (من حيث كونها جسد المسيح).
ثالثًا: قيامة المسيح ورجاء الكنيسة (من حيث كونها عروس المسيح).

أولاً: من جهة بناء الكنيسة
إن الكنيسة كبيت الله على الأرض أخذت مكان الأمة اليهودية التي رفضت الرب بصفته الملك. فبيت الله كان في أورشليم، لكن الرب أعلن - بعد رفض الأمه له - أن ذلك البيت لم يعُد بيت الله، وقال لهم: «هوذا بيتكم يُترك لكم خرابًا» (مت23: 38)، لكنه أعلن أيضًا أن هناك بناءً جديدًا سوف يبنيه، ألا وهو كنيسته (مت16: 18).
أساس البناء:
لقد أخذ الرب تلاميذه إلى نواحي قيصرية فيلبس، وهناك كان سؤاله لهم: «من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟... وأنتم، مَن تقولون إني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودمًا لم يُعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أيضًا: أنت بطرس، وعلي هذه الصخرة ابني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت16: 13-18). وهكذا على أساس الإعلان الذي أخذه بطرس عن المسيح أنه ابن الله الحي، يبني الرب كنيسته. لقد قال الرب لآدم بعد السقوط: «لأنك ترابٌ، وإلي ترابٍ تعود»، فكل من هو من آدم يكون للموت سلطان عليه. أما كل من يُبنى على المسيح ابن الله الحي، الذي هزم الموت، ثم قام بقوة حياة لا تزول (عب7: 8، 16، 25)، فإنه يُبنى على تلك الصخرة (أي المسيح ابن الله الحي).
وفي رسالتي بطرس الأولي وأفسس، نجد الرب هو الذي يبني بيته، في حين أنه في رسالة كورنثوس الأولى نجد الإنسان تحت المسؤولية هو الذي يبني. ففي رسالة بطرس الأولى يقول: «الذي إذ تأتون إليه، حجرًا حيًّا، مرفوضًا من الناس، ولكن مختار من الله كريم، كونوا أنتم أيضًا مبنيين - كحجارة حية - بيتًا روحيًّا» (1بط2: 4، 5). لقد أدرك بطرس معنى الإعلان الذي أخذه من الآب عن المسيح ابن الله الحي (مت16: 16، 17). لقد قام الرب منتصرًا على الموت، وصار هو حجر الزاوية (كما يراه بطرس في رسالته)، وكل من يبنى عليه من المؤمنين يصير أيضًا حجرًا حيًّا، وهكذا يتكوَّن البيت الروحي الذي لله على هذا الأساس الذي هو المسيح المُقام من الأموات، وبطرس يرى البناء من نهايته، فيذكر أن المسيح هو رأس الزاوية.
أما في رسالة أفسس فإننا نرى الرسول بولس يتكلم عن تكوين الكنيسة؛ مرّة كمسكن لله في الروح، والمؤمنين حينما يجتمعون معًا يُظهرون هذا المسكن، حيث يُستعلن في هذا المسكن مجد الله وحضوره. فالمؤمنون هنا على الأرض مسكنٌ لله في الروح، كما كان المسكن في سفر الخروج. لكن من جهة أخرى يتكلم بولس عن الكنيسة كبناء أو كبيت الله وهيكله، ويظهر أيضًا في هذه الرسالة أن الله هو الذي يبني هذا البيت، ويأتي بالمؤمنين كحجارة لتُبنى على الأساس الذي هو يسوع المسيح المُقام من الأموات. فقد كتب الرسول: «مبنيين على أساس الرسل والأنبياء (وهو هنا يقصد أشخاصهم وليس تعليمهم، حيث يتكلم عن بناء البيت وتكوينه من أشخاص كحجارة في هذا البيت)، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية» (أف2: 20). والرسول يتكلم هنا عن البناء من بدايته من أسفل، ولذلك ذكر الرب يسوع المسيح كحجر الزاوية، وليس كرأسها كما في رسالة بطرس. وكل يوم يُضيف الرب أحجارًا إلى هذا البناء. وآخر حجر يدخل في هذا البناء يُصيِّر هذا البناء «هيكلاً مقدَّسًا في الرب» (أف2: 21). وعندما يحدث ذلك يأتي الرب، ويأخذ المؤمنين إلى حيث يكون هو.
ثانيًا: قيامة المسيح وبنيان الكنيسة، من حيث كونها جسد المسيح
لقد أوقع الرب الإله سباتًا علي آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحمًا، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم (تك2: 22). لقد أطاع آدم الله في هذا الأمر (إن جاز التعبير)، ولما قام من سباته، وجد أمامه المرأة التي بناها الله من إحدى أضلاعه، فقال: «هذه الآن عظمٌ من عظمي ولحمٌ من لحمي» (تك2: 23). وهكذا أيضًا المسيح؛ لقد ذهب إلى الصليب طائعًا، ولسان حاله: «الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟». ولنلاحظ أيها القارئ العزيز، أن آدم عندما أُوقع عليه السبات (رمز لموت المسيح) لم يكن ذلك بسبب الخطية، إذ لم تكن الخطية قد دخلت بعد. فلم يكن هذا السُبات إلا لغرض واحد وهو أن يأخذ الرب ضلعًا منه، ويبنيها امرأة. وهكذا قد ذهب المسيح إلى الصليب لأسباب عديدة، لا مجال لذكرها هنا، ولكن هناك سبب لا يتعلق بالخطية، بل يتعلق بالكنيسة وحدها، أي لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدةً، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك (أف5: 27).
لقد «بنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة»، وهكذا لا بد من بنيان الكنيسه كجسد المسيح. فبعد أن مات الرب، وقام، وجلس عن يمين العظمه في الأعالي؛ أرسل الروح القدس على الأرض ليكوِّن الكنيسة، لذلك يقول بولس في 1كورنثوس12: 13 «لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ أيضًا اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ، يهودًا كنا أو يونانيين، عبيدًا أم أحرارًا، وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا». وهكذا يعمل الروح القدس الآن ليأتي بالنفوس المختارة لتنضم إلى كنيسة المسيح ويصبح أعضاء في الجسد الواحد. وهكذا يُرى المؤمنون في كورنثوس كأعضاء في الجسد الواحد، أما في روميه فهم أعضاء بعضهم لبعض (رو12: 5)، وفي أفسس أعضاء في الجسد الذي رأسه المسيح (أف1: 22، 23)، في حين أنه في كولوسي يُرى شخص المسيح ومجده في صفته رأس الجسد (كو1: 18).
لكن السؤال هنا: كيف يُبنى الجسد؟
نقرأ في أفسس4 عن الرب أنه «إذ صعد إلى العلاء، سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا... وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مبشِّرين، والبعض رعاةً ومُعلِّمين، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح» (أف4: 8-11). فالرب المُقام من الأموات والجالس فوق جميع السماوات هو الذي ُيقيم ويُعطي المواهب لبنيان جسد المسيح، وليس من حقِّ أية جماعة أو فئة أن ُتقيم أو تُعّين أشخاصًا لبنيان جسد المسيح، لكن الرب يبني فقط الجسد من طريق استخدام العطايا التي أعطاها وأقامها هو للكنيسة.
ثالثًًا: القيامة ورجاء الكنيسة، من جهة صفتها عروسًا
إن الكنيسة في دعوتها سماوية، وأصلها ومصدرها هو السماء «وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة، نازلةً من السماء من عند الله، مهيأةً كعروسٍ مزينةٍ لرجُلِها» (رؤ21: 2). وهي الآن تنتظر عريسها كي يأتي ويأخذها إليه. ونحن نجد في تكوين 22؛ 24 صورة رمزية لهذا الأمر. ففي تكوين 22 نجد إسحاق ذاهًبا هو وأباه إبراهيم إلى جبل المريا، سالكًا طريق الطاعة حتى الموت، لكن الرب دبَّر له الخروف للمحرقة. وفي ع19 نجد أن الكتاب يذكر رجوع إبراهيم وحده إلى غلاميه دون إسحاق؛ وفي هذا إشارة لقيامة الرب من الموت، وصعوده إلى الأعالي، كما نجد في نهاية الأصحاح ولادة رفقة من بتوئيل الثامن من إخوته، وكما نعلم أن الرقم ”ثمانية“ هو رقم القيامة. وفي ص24 نجد العبد (الذي هو رمز للروح القدس) يذهب ليدعو رفقة العروس (رمز للكنيسة) لتذهب للاقتران بإسحاق العريس (رمز للرب يسوع). وما دامت العروس في البرية، يظل القول: «الروح والعروس يقولان: تعال». لقد قال الرب للكنيسة: «ها أنا آتي سريعًا»، فكان الرد: «آمين. تعال أيها الرب يسوع» (رؤ22: 20). وعلى الكنيسة طوال فترة وجودها على الأرض أن ترفع عينيها إلى فوق، منتظرة لحظة نداء عريسها ليأخذها إليه، فهي لا تنتظر أحداثًا على الأرض تُنبئ بقرب لحظة الاختطاف، فنحن لا نرتبط بتلك الأحداث، بل نرتبط بعريسنا السماوي. كما أن فترة تدبير النعمة التي نحن فيها الآن، والتي تبدأ من لحظة تكوين الكنيسة حتى الاختطاف، هي فترة ساقطة من النبوة وليست فترة محدَّدة. فبولس الرسول الذي كان يعلم النبوات جيدًا، وهو الذي تلقّى إعلان الكنيسة والاختطاف، كان ينتظر الرب.
ورجاء الكنيسة يرتبط بقيامة ربنا يسوع المسيح من جهة الأمور الآتية:
1- مكاننا في بيت الآب
2- قيامة المؤمنين وتغيير الأجساد
3- لقاؤنا مع الرب في الهواء، سواء كنا قديسين راقدين أو أحياء.
1- مكاننا في بيت الآب
لقد قال الرب لأحبائه في يوحنا 14: «لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قُلت لكم». فالتلاميذ هنا، كيهود، كانوا يعلمون أن سليمان بنى مساكن للكهنة في بيت الرب، لكن حين زاد عددهم، كان على بعضهم أن يبحثوا عن سكن بعيدًا عن بيت الرب، إذ لم تكن المساكن التي في البيت كافية لهم. لكن الرب هنا يطمئن أحباءه أن المساكن في بيت الآب كافية لكل المؤمنين مهما كان عددهم. لكنه استطرد قائلاً: «أنا أمضي لأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إلي». فبيت الآب لا يمكن لأي مخلوق، مهما كان، أن يدخله؛ فهو يخصّ الخالق نفسه، حتي نحن وإن كنا مفديين بعمل الصليب، فإن العمل في حدِّ ذاته فقط لا يجعل لنا مكانًا في بيت الآب، لكن بيت الآب أُعِد لنا بعد قيامة المسيح من الموت، ودخوله إلى بيت الآب كإنسان.
2- قيامة المؤمنين وتغيير الأجساد
في 1كورنثوس 15: 13-14 أكَّد الرسول بولس بيقين قيامة الأموات، على أساس أن الرب يسوع نفسه قام من الأموات. لكن كان هناك هذا السؤال: إن كان الأموات يقومون، فبأي جسمٍ يأتون؟ وكيف يتم ذلك؟ فكان جواب الرسول: «يا غبيُّ! الذي تزرعه لا يحيا إن لم يَمُتْ. والذي تزرعه، لست تزرع الجسم الذي سوف يصير، بل حبَّه مجردةً، ربما من حنطة أو أحد البواقي... هكذا أيضًا قيامة الأموات؛ يُزرع في فسادٍ (حالة الموت)، ويُقام في عدم فساد (حالة المجد)، يزرع في هوان (حالة اللحم والدم) ويُقام في مجد (الجسد الممجَّد)، يُزرع في ضعف (حالة الشيخوخة والمرض) ويقام في قوة (حيث لا مرض)، يُزرع جسمًا حيوانيًا، ويُقام جسمًا روحانيًا... وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي. فأقول هذا أيها الأخوة إن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله، ولا يرث الفساد عدم الفساد» (1كو 15: 35-50).
وهكذا فإن الرجاء المسيحي جعل مكان القبور بالنسبه للناس هو المزرعة الإلهية بالنسبه للمؤمنين. والفلاح عندما يزرع يتطلع إلى وقت الحصاد بفرح، وهكذا للمؤمنين وإخوتنا الراقدين هناك ميعاد للفرح، حيث قيامة الراقدين وتغيير الأجساد (1كو15: 51-55).
3- لقاؤنا مع الرب في الهواء
في الرسالة إلى تسالونيكي كتب الرسول قائلاً: «ثم لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين... لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع، سيُحضرهم الله أيضًا معه». ثم يستطرد بولس قائلاً: «لأن الرب نفسه... سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حينٍ مع الرب» (1تس4: 13-17). والسؤال هنا لماذا في الهواء؟ والإجابة: لأن الشيطان هو إله هذا الدهر ورئيس هذا العالم، لكنه أيضًا رئيس سلطان الهواء. وهكذا فإن الهواء هو منطقة مناوراته وحروبه التي يشنّها على الكنيسة، لذلك سوف يأتي بنا الرب، بعد قيامة الراقدين، وتغيير الأحياء إلى منطقة الهواء، وبذلك يعلن الرب نصرتنا الأكيدة، حيث يجمعنا قبل ذهابنا إلى بيت الآب، فنهتف قائلين: « أين شوكتك ياموت؟ أين غلبتك ياهاوية؟». فما أعظمه انتصارًا!
عزيزي القارئ، لقد قام المسيح. فلئن كان الصليب وموت المسيح أساسًا هامًا من أساسيات المسيحية، فإن قيامة المسيح هي الأساس الآخر، وإن كان هناك في العهد القديم عمودان يرتكز عليهما بيت الله وهما ”ياكين (القوة)“ و”بوعز (الغنى)“، فهناك أيضًا عمودان ترتكز عليهما المسيحية وهما الصليب والقيامة، فعلى أساسهما كان بناء الكنيسة وبنيانها، بل أيضًا رجاؤها.

john w 04 - 05 - 2013 05:32 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح وكهنوته
...................................
«وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوت لا يزول» (عب7: 24)
لو لم يكن المسيح قد قام من بين الأموات لما أمكنه أن يُمارس كهنوته لصالح شعبه. هذه الحقيقة نجدها بكل وضوح في الأصحاح السابع من الرسالة إلى العبرانيين، كما أننا نجد رمزًا جميلاً لها في الأصحاح السابع عشر من سفر العدد.
ولكن في البداية دعونا نجيب عن هذا السؤال: ما هو عمل المسيح كرئيس الكهنة؟ إننا نفهم من كلمة الله أن عمل المسيح كالكاهن له شِقّان: شِق يخص الله، وآخر يختصّ بالإنسان.
فمن جهة ما يختص بالله؛ فالمسيح بعد أن قدِّم نفسه لله كالذبيحة الكاملة التي أشبعت قلبه تمامًا، هو الآن يمثِّل شعبه قُدّام الله. وهذا ما يعبِّر عنه كاتب رسالة العبرانيين بكلمات رائعة في القول: «لأن المسيح لم يدخل إلى أقداسٍ مصنوعة بيدٍ، أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها، ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا» (عب9: 24).
هذا الأمر نراه قديمًا في هارون الذي كان دائمًا يحمل الشعب على صدره، مُمثَّلاً في صُدرة القضاء، وعلى كتفيه مُمثَّلاً في حجري الجزع.
أما من جهة ما يختص بالإنسان؛ فالمسيح، وهو في السماء، يرثي لشعبه، ويُعينه في تجاربه، ويُمارس قدرته ليخلِّصه إلى التمام.
وعن هذا يقول أيضًا كاتب العبرانيين: «فإذ لنا رئيس كهنةٍ عظيمٌ قد اجتاز السماوات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنةٍ غير قادرٍ أن يرثي لضعفاتنا، بل مُجرَّبٌ في كل شيء ٍمثلنا، بلا خطيةٍ. فلنتقدَّم بثقةٍ إلى عرش النعمة، لكي ننال رحمةً ونجد نعمةً عونًا في حينه» (عب4: 14-16).
تفرَّد كهنوت المسيح
في الأصحاح السابع من رسالة العبرانيين، يعقد الكاتب مقابلة بين الكهنوت الهاروني وكهنوت المسيح، الذي هو على رتبة ملكي صادق، ويوضِّح بصورة بديعة سمو رتبة كهنوت ملكي صادق على الكهنوت اللاوي أو الهاروني، ويستخلص من ذلك سمو كهنوت المسيح عن كل كهنوت آخر.
ويمكننا تلخيص أسباب تفرُّد كهنوت المسيح في النقاط الآتية:
1- المسيح يجمع بين المُلك والكهنوت، كما كان ملكي صادق قديمًا. وهذا الأمر، رغم استحالة حدوثه في الشعب اليهودي قديمًا، سيتم في المسيح في مُلكه المقبل، على العالم. وقد جاءت النبوة في زكريا النبي: «هوذا الرَّجُل الغصن اسمه، ومن مكانه ينبُتُ ويبني هيكل الرب. فهو يبني هيكل الرب، وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلَّط على كرسيه، ويكون كاهنًا على كرسيه» (زك6: 12، 13).
2- المسيح كهنوته غير محدود بشعب معين، بينما الكهنوت الهاروني محصور في الشعب اليهودي فقط. وما أجمل أن ندرك أن خدمة المسيح الكهنوتية هي لصالح كل واحد من شعبه «فإذ لنا رئيس كهنة عظيم» (عب4: 14).
3- المسيح كهنوته بِقَسَم «لأن أولئك بدون قسمٍ قد صاروا كهنةً، وأما هذا فبقسمٍ من القائل له: أقسم الرب ولن يندم؛ أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. على قدر ذلك قد صار يسوع ضامنًا لعهدٍ أفضل» (عب7: 21، 22).
وهنا يأتي سؤال: لماذا أقسم الله للمسيح؟ (مز110: 4)
أعتقد أن هناك سببين: أولاً لأن الله شبع تمامًا بعمل المسيح على الصليب. لقد أرضاه المسيح تمامًا، وأدخل السرور إلى قلبه بهذا العمل، ومجّده تمجيدًا فائقًا، أكثر كثيرًا جدًا من كل ما سبَّبته له الخطية من إهانة. فلهذا السبب، ومن فرط سروره به، أصدر هذا المرسوم الملكي الإلهي.
وثانيًا لأننا في القَسَمِ نجد التشديد على مبدإ عدم تغير القرار أو المرسوم «فلذلك إذ أراد الله أن يُظهر أكثر كثيرًا لورثة الموعد عدم تغيُّر قضائه، توسَّط بقسمٍ» (عب6: 17).
إذًا فكهنوت المسيح لصالح شعبه لا يتغيَّر أبدًا. يترتب على ذلك أنه الضامن لعهد أفضل «على قدر ذلك قد صار يسوع ضامنًا لعهدٍ أفضل» (7: 22). وما أحلى كلمة ”يسوع“ على مسمع كل مؤمن! إنها تُحرِّك في القلب كل مشاعر الحب نحوه. يسوع الغالي هذا قد صار ضامنًا لعهدٍ أفضل. وكلمة ”ضامن“ هي كلمة قانونية تعني الشخص الذي يتحمل المسؤولية كاملة.
ويا للروعة!! إن يسوع يُريح نفسي ويُهدئها. إنه يؤكد قبولي الدائم لدى الله في شخصه المحبوب، في كل مرة أقترِب فيها من حضرة الله.
4- المسيح كاهن إلى الأبد لأنه قام من بين الأموات «وأولئك قد صاروا كهنةً كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء، وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوتٌ لا يزول» (عب7: 23، 24). ولنتوسع قليلاً في هذه النقطة:
القيامة ركيزة أساسية للكهنوت
يستند كاتب العبرانيين، في أصحاح7، إلى حقيقة قيامة المسيح كأمر أساسي لخدمته الكهنوتية الآن، فيقول إن كهنوت المسيح قد صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية، بل بحسب قوة حياة لا تزول (ع16). فبينما كهنوت هارون تأسَّس بالارتباط بالناموس، فإن كهنوت المسيح مؤيَّد بقوة حياة لا تزول. المسيح دُعيَ للكهنوت كالمُقام من بين الأموات، الذي له حياة غلبت الموت ولا يُمكن أن يقهرها أي شيء. إنها حياة لاتزول. وكلمة ”لا تزول“ - في ترجمة يوحنا داربي - تأتي indissoluble وتعني حرفيًا: لا فكاك منه. فهي إذًا حياة لا يعتريها الضعف أو الوهن، حياة مليئة بالقوة.
إن كهنة العهد الأول كانوا كثيرين، لأن الموت منعهم عن البقاء. وقد ذكر أحد الشرَّاح أن عدد رؤساء الكهنة في تاريخ الأمة، من هارون حتى عام 70م يُقَدّر بحوالي 84 رئيس كهنة «وأولئك قد صاروا كهنةً كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء، وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوتٌ لا يزول». فالمسيح، كالمقام من بين الأموات، لن يموت مرة أخرى، إنه يبقى إلى الأبد، وكهنوته لا يزول. وكلمة ”لا يزول“ - في حاشية ترجمة داربي - تعني ”لا ينتقل إلى آخر“.
عصا هارون التي أفرخت
من قراءة الأصحاح السابع عشر من سفر العدد، نفهم أن الرب أراد أن يبرهن للشعب اختياره هارون للكهنوت. وكان ذلك بعد هلاك قورح وقومه، وبعد تذمر إسرائيل على موسى وهارون. «وكلَّم الرب موسى قائلاً: كلِّم بني إسرائيل وخذ منهم عصًا، عصًا لكل بيت أبٍ من جميع رؤسائهم حسب بيوت آبائهم، اثنتى عشرة عصًا. واسم كل واحدٍ تكتبه على عصاه، واسم هارون تكتبه على عصا لاوي... وضعها في خيمة الاجتماع أمام الشهادة... فالرَّجُل الذي أختاره تُفرخ عصاه... فوضع موسى العصيَّ أمام الرب في خيمة الشهادة. وفي الغد دخل موسى إلى خيمة الشهادة، وإذا عصا هارون لبيت لاوي قد أفرخت. أخرجت فروخًا وأزهرت زهرًا وأنضجت لوزًا» (عد17: 1-8).
عصا هارون التي أفرخت رمز لقيامة المسيح. فالمسيح قام من بين الأموات بقوة حياة لا تزول. والليلة التي قُضيت في الخيمة تمثل موته، ثم الغد هو قيامته. واللوز هو أول الأشجار التي تُثمر في الربيع. فإن كان الشتاء يمثل الموت، فإن الربيع يُمثل الحياة، واللوز المزهر صورة مبهجة للحياة بعد الموت.
أما عن ارتباط هذه العصا بهارون، فلكي توضِّح أن خدمة المسيح كرئيس الكهنة لشعبه مؤسَّسة على قيامته من بين الأموات. وقد ظلت هذه العصا في تابوت العهد (عب9: 4)، لكن عند تدشين هيكل سليمان لم يحتوِ التابوت سوى على لوحي الشريعة (1مل8: 9)، أما قسط المن الذهبي، وعصا هارون التي أفرخت، واللذان كانا يمثِّلان الإمداد الإلهي للشعب طوال رحلة البرية، فلا مكان لهما في حُكم سليمان؛ ملك السلام. وهكذا لن يكون المؤمنون في احتياج إلى خدمة المسيح الكهنوتية، في صورتها الحالية، عندما يصلون إلى بيت الآب، في نهاية الرحلة. فهناك لن يكون ضعف أو عجز أو تجارب أو ألم. لكن المسيح سيواصل خدمته، إذ سيقود شعبه في السجود والتسبيح لله، إلى أبد الآبدين.
تعزية قلب المؤمن
إن حقيقة خدمة المسيح كالكاهن العظيم هي مصدر تشجيع كبير لكل مؤمن يدركها ويفهمها. فيقول كاتب العبرانيين: «وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد، له كهنوتٌ لايزول» (عب7: 24). وإنني أتخيل شخصًا يهوديًا، من الشعب قديمًا، اعتاد أن يذهب إلى هارون ، مثقَّلاً بمشاكله، حتى يفرغ قلبه له، وينال منه رثاءً وترفقًا وإرشادًا. وفي أحد الأيام أخبروه أن هارون قد مات. وجاءه الخبر كوقع الصاعقة عليه. لقد أَلِفهُ وأعتاده واستفاد منه، فماذا يعمل الآن؟ عليه أن ينتظر تعيين أحد أولاد هارون ليشغل مركز أبيه. لكن المشكلة؛ هل سيكون مثل أبيه؟ هل سيتفهَّم مشاكله بذات سعة صدر أبيه؟ هل عنده ذات الحكمة والنظرة الثاقبة للأمور؟ من يدري؟! حقًا إن هذا يشكل عبئًا نفسيًا شديدًا على صاحبنا اليهودي هذا.
لكن لنا أخ مسيحي مؤمن يجتاز في ظروف صعبة، وها هو يجلس أمام الرب يسوع المسيح، يحكي له، ويبكي عنده، ويسكب قلبه قدامه، ويكشف له كل أوجاعه. ودائمًا يقوم من قدامه مجبور الخاطر، مكفكَف الدموع، مُعالَج النفس، ومُشجَّع القلب أيضًا. إنه يتعلم، يومًا فيومًا، أن هذا الكاهن العظيم يعرف كل جزئياته وكلّياته؛ يعرف تكوينه النفسي، ويعرف جوانب الضعف في شخصيته، يعرف ما الذي يؤلمه وما الذي يفرحه. إنه يعرف كل شيء عنه. وهو ليس يعرف فقط، بل يرثي ويشجِّع، ويأخذ باليد ويُقوي؛ فيتمكن أخونا من المضي في مشواره المسيحي مرفوع الرأس، مسنود القلب. وأكثر ما يطمئن قلبه هو أن حبيبه القدير العظيم حيٌّ إلى الأبد، ولن يموت مرة أخرى، وكهنوته لن ينتقل لشخص آخر.
ويواصل كاتب العبرانيين «فمن ثمّ يقدر أن يُخلِّص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حيٌّ في كل حينٍ ليشفع فيهم» (عب7: 25). مِمَ يُخلِّص الرب؟ من كل ما يُعيق تقدُّمنا إلى حضرة الله. أحبائي، كم من عوائق تقف في طريقنا لإعاقتنا عن الوجود في حضرة الله، والتمتع بما لنا فيه، سواء كأفراد في مخادعنا، أو كجماعة في الاجتماعات. ربما مشاكل يفتعلها العدو، ربما ضعفات نفسية تؤدي للإنحناء وصغر النفس، ربما أمراض يسمح بها الرب، أو حيرة ذهنية ناتجة من المحدودية الإنسانية، هذه وغيرها يُخلِّص منها الرب، ويُخلص إلى التمام، على الدوام، على طول الخط.
ولكن كيف يُخلِّص الرب؟ إما بإزالة السبب أو برفعنا فوقه، والنتيجة هي شبع بكلمته، وتجديد للذهن من الأفكار السلبية التي تملاؤه كالقلق والخوف والكآبة، وملؤه بالرجاء والثقة في الرب. حقًا إنها معجزة تتم فينا بفضل عمله الكهنوتي.
والحيثية لخلاص الرب: «إذ هو حيٌّ في كل حينٍ ليشفع فيهم».
ياللروعة! إنه يخصِّص حياته في السماء، لا لنفسه، بل لشؤون أحبائه.
ليتنا نثبِّت النظر عليه. له كل المجد.

د / فريد زكي

john w 04 - 05 - 2013 05:35 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
أقامنا معـًا
......................
ونحن نميل لننظر هذا المنظر العظيم الذي يستعرضه الروح القدس أمامنا في أفسس2: 6، يجدر بنا أن نضع هذا العدد جنبًا إلى جنب مع أفسس1: 19، 20، فنقرأ هكذا: «وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدّة قوته الذي عمله في المسيح، إذ أقامه من الأموات، وأجلسه عن يمينه في السماويات»، «وأقامنا (معًا) معه وأجلسنا (معًا) معه في السماويات في المسيح يسوع».
تخبرنا هذه الأعداد عن أعظم عملين يرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا: العمل الأول يمثِّل أعظم استعراض لقدرة الله الفائقة وشدة قوته، والعمل الثاني يمثل معجزة رحمة الله الذي هو غني فيها.
العمل الأول هو الأساس للثاني؛ والثاني هو النتيجة الحتمية والمباركة للأول. العمل الأول هو الضمان والتأكيد للثاني، والثاني هو الأمر الأكيد والمضمون. العمل الأول تم فعلاً منذ ألفي عام تقريبًا، والعمل الثاني تم أدبيًا منذ أن تعرّفنا بالمسيح واتحدنا به، وسيتم فعلاً في المستقبل القريب، ويتم يوميًا مع كل شخص يقبل المسيح، ويتّحد به بالإيمان. العمل الأول يحدثنا عن الرأس الممجد الآن في السماء، والثاني يحدثنا عن أمجاد الجسد الآن على الأرض، وما سيكونه مستقبلاً. الأول يخبرنا عن عمل الله في المسيح لأجلنا (رو4: 25)، والثاني يخبرنا عن عمل الله فينا مع المسيح له المجد.
أمام هذا الإعلان الرائع المجيد، يفيض القلب بالسجود، ويمتلئ الفم بالتسبيح والشكر لله لأجل مقاصده ومشوراته، له كل المجد.
والآن هيا بنا لنلقي نظرة خاطفة على ثلاثية مباركة من ثلاثيات إعلانات الله في كلمة الله وهي:
1- ماذا كنا قبل أن «أقامنا»؟ - ماضينا التعيس (أف2: 1-3).
2- كيف «أقامنا... وأجلسنا»؟ - حاضرنا السعيد (أف2: 4-6).
3- ماذا بعد أن «أقامنا»؟ - مستقبلنا المجيد (أف2: 7).

أولا: ماذا قبل أن «أقامنا»؟ (ماضينا التعيس)
«وأنتم (الأمم) إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا (في الذنوب والخطايا) التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم، حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية. الذين نحن (اليهود) أيضًا جميعًا تصرّفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا، عاملين مشيئات الجسد والأفكار، وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضًا» (أف2: 1-3).
أ- لقد كنا «أمواتًا في الذنوب والخطايا».
يجب أن نلاحظ أن الرسول لا يتكلم هنا عن الموت كعقوبة بسبب الذنوب والخطايا، بل يشير إلى الموت كحالة كنّا فيها، فلم نكن سوى موتى كالرمم، نفترش الذنوب ونلتحف الخطايا؛ ذلك لأن الموت كعقوبة لا يدخل ضمن مشغولية هذه الرسالة، فالروح القدس في هذه الرسالة ينظر إلى الإنسان كمجرّد رمة عفنة وملفوفة بالذنوب والخطايا، وقد تساوى في هذا الوضع الأمم واليهود على السواء وبدون استثناء. لقد سلكنا جميعًا في الذنوب والخطايا، وهذا هو الموت، فهذا السلوك يعني الذهاب بعيدًا بعيدًا عن كل طريق يقود إلى الله، إلى الحياة. وكان قانوننا الذي يحكمنا هو «دهر هذا العالم» الذي يحكمه «رئيس سلطان الهواء».
ب- كنا «أبناء المعصية».
فقد كنا نمارس العصيان بوعي وتعمد، وقد تساوى في هذا الطبع اليهود والأمم، «لأننا كنا نحن أيضًا قبلاً أغبياء، غير طائعين...» (تي3: 3). وهنا نشتمّ رائحة الفساد المادي، تمامًا مثل صورة الأمم في (رومية 1).
ج- كنا بالطبيعة «أبناء الغضب كالباقين أيضًا».
إن هذه الطبيعة لم يستطع الناموس أن يروِّضها ولا المعرفة أن تصقلها، فالجميع عصوا الله، فاستحقوا لقب «أبناء الغضب». نلاحظ أنه يقول: أبناء الغضب، ولا يقول ”أبناء الهلاك“، لأنه كانت هناك ثمّة أمل، وشعاع من رجاء، قبل أن يصل الإنسان إلى الهلاك.
كانت تلك هي الحالة التعيسة والبائسة. وقد اشترك وتضافر في إنتاجها أعداء ثلاثة وهم: العالم، والشيطان، والجسد (أي الطبيعة الشريرة الساكنة فينا، والتي ورثناها من أبينا آدم الأول الساقط). ولولا عمل الله في المسيح لأجلنا، وعمله فينا بالروح القدس والكلمة، لَبقينا في هذه الحالة من الانفصال عن الله حاضرًا (بؤس وشقاء) ومستقبلاً (هلاك أبدي ودخان عذاب إلى أبد الآبدين). لكن الله، الذي هو غني في الرحمة، ومن أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها - رغم وجودنا في هذا الوضع الكريه - عمل معنا عملاً عظيمًا، يشكِّل معجزات الرحمة والمحبة والنعمة، التي تُظهر عظمة الله وشدّة قوته، فهو وحده العامل في كل ما نحن عليه الآن، وكل ما سنكونه مستقبلاً «الكل من الله».
ثانيا: عمل الله العظيم (حاضرنا السعيد)
«الله الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أموات بالخطابا أحيانا مع المسيح - بالنعمة أنتم مخلصون - وأقامنا (معا) معه، وأجلسنا (معا) معه في السماويات في المسيح يسوع» (أف2: 4-6).
لقد عمل الله عملين عظيمين، يليقان بعظمة شخصه، ولا يقدر عليهما إلا هو وحده بكل إمكانياته الفائقة. وكان لا بد له - كما رأينا - أن يعمل العمل العظيم الأول، لكي يتسنّى له أن يعمل العمل العظيم الثاني.
العمل العظيم الأول الذي عمله في المسيح كان عملاً رباعيًا، إذ يقول الكتاب إنه:
1- أقامه من الأموات،
2- وأجلسه عن يمينه في السماويات، فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة، ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضًا،
3- وأخضع كل شيء تحت قدميه،
4- وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل. (أف1: 19-23).
العمل العظيم الثاني الذي عمله الله فينا كان عملاً ثلاثيًا، فقد:
1- أحيانا مع المسيح،
2- وأقامنا (معًا)،
3- وأجلسنا (معًا) في السماويات في المسيح يسوع.

هيا بنا نُمعن النظر في هذا العمل الثلاثي:
أ- أحيانا مع المسيح:
تلك هي المعجزة الأولى لرحمة الله ومحبته ونعمته، لقد أحيانا مع المسيح، لأننا كنا أمواتًا في الذنوب والخطايا. لقد منحنا الحياة الأبدية بالارتباط بربنا يسوع المسيح المُقام من بين الأموات «وهذه هي الشهادة: أن الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة، ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة» (1يو5: 11، 12). لقد أتى الرب يسوع المسيح لتكون لنا حياة وليكون لنا أفضل (أي حياة فضلى وسامية)، وذلك على أساس إتمامه لعمل الفداء وقيامته من بين الأموات. الله لم يكتفِ - بواسطة عمل المسيح - أن يوفي الدين الذي كان علينا، بل نظير ما عمله الله بواسطة أليشع رجل الله - في يومه - مع الأرملة المديونة، إذ أضاف إلى بُشرى وفاء الدين، بشرى الحياة، إذ قال لها: «اذهبي بيعي الزيت، وأوفي دينك، وعيشي أنت وبنوك بما بقي» (2مل4: 7). الله الذي هو غني في الرحمة «أحيانا»، ومن يملك إعطاء الحياة سوى الله الحي؟! لقد أحيانا مع المسيح الحي، ولا يقول إن الله أحيا المسيح ثم أحيانا معه؛ كلا، بل أحيانا نحن فقط مع المسيح الحي، ذلك أن المسيح هو «الحي» وقد «كان ميتًا» وها هو «حي إلى أبد الآبدين». لم تكن فينا نسمة حياة، بل وقد فقدنا حقنا في الحياة، لكن كأموات أعطانا الله حياة مع المسيح «الحي».
ب- أقامنا معًا:
هذه هي المعجزة الثانية لرحمة الله ومحبته ونعمته. وكما كنا معًا كأبناء المعصية، ومعًا كأبناء الغضب، هكذا نحن معًا مقامون. لم يكتفِ الله بأن يهبنا الحياة الأبدية، بل أقامنا أيضًا معًا. وماذا يقصد بكلمة «أقامنا»؟ يقصد أنه أخرجنا ونقلنا من تلك الحالة التي كنا فيها «أموات في الذنوب والخطايا». لقد أهّلنا لشركة ميراث القديسين في النور، وأنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته، إلى دائرة الرضا الإلهي، التي نحن فيها مقيمون. أما كلمة «معًا» فيقصد بها اليهود والأمم على السواء، وكأنه هنا يعالج حالة من العداوة والشقاق التي كانت بين الفريقين، رغم أنهما كانا معًا أمواتًا بالذنوب والخطايا، وكانا معًا أبناء المعصية، وأبناء الغضب؛ وها هم معًا نالوا الحياة، وأقيموا معًا. لقد قصد أن يجرِّد اليهودي من كبرياء الاعتزاز بمكانته أمام الله، وأن يجرِّد الأممي من فلسفته التي عليها يعتمد، ويقتل العداوة التي كانت بينهما بالصليب.
نلاحظ أنه لم يقل ”أقامنا معه“، لأننا فعلاً وحرفيًا غير مُقامين، لكننا أقمنا معه أدبيًا بحسب رسالة كولوسي، ومن ثم فعلينا من نفس الزاوية الأدبية أن نطلب ما فوق، ونهتم بما فوق. نحن لم نقم ”معه“ قيامته الفعلية (أف1: 20)، لكننا قمنا «معًا» وهذا شيء أدبي. فنحن لسنا بعد في قبر الخطايا، بل قمنا تاركين الأكفان أدبيًا، ونحن الآن أحياء «لله في المسيح» من الناحية الأدبية.
ج- أجلسنا (معًا) في السماويات في المسيح يسوع:
هذه هي المعجزة الثالثة لرحمة الله ومحبته ونعمته، وهذا هو مقامنا العظيم الذي حبانا إياه الله في المسيح، بسبب اتحادنا بالمسيح رأسنا الممجَّد. إن ربنا يسوع، الذي أقامه الله من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات هو رأس الجسد، وحيث أن المؤمنين الحقيقيين هم أعضاء جسده، فلا يمكن أن يرى الجسد مستقلاً عن الرأس أو منفصلاً عنه. فكما أن المسيح الرأس قد أجلسه الله عن يمينه في السماويات (أف1: 20)، كذلك قد أجلسنا الله في السماويات في المسيح. هذا هو مركزنا وهذا هو مقامنا الآن «في السماويات في المسيح يسوع»، وبعد قليل سيأتي الرب ليأخذنا إليه، وعندئذ سنكون «مع المسيح» فعلاً. أما الآن فإننا ونحن هنا على الأرض فقد أجلسنا الله (معًا) - المؤمنين من اليهود والأمم - في السماويات في المسيح يسوع. هذا المقام السامي هو لجميع المؤمنين الحقيقيين بدون استثناء، وليس هو حالة عملية أو اختبارية، بل هو مقام. ويجب أن تكون حالتنا العملية والاختبارية في تمام التوافق مع هذا المقام السماوي العظيم.
ثالثًا: ماذا بعد أن أقامنا (مستقبلنا المجيد)
وهذا يتضمن:
أ- الغاية من هذا العمل العظيم.
ب- الحالة العملية التي يجب أن نكون عليها.
أ- الغاية من هذا العمل العظيم «ليظهر في الدهور الآتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع» (أف2: 7). هذا هو المستقبل المجيد للمؤمنين، وهذا يتضمن أولاً مجد الله، وثانيًا مجدنا نحن. إن الدهور الآتية ليست هي «ملء الأزمنة» أي «الملك الألفي»، بل تتخطاها إلى الأبدية السعيدة المجيدة، حيث السماوات الجديدة التي نُرى فيها، ثم الأرض الجديدة التي يرانا ساكنوها، ويعظِّمون غنى نعمة الله التي تجلت «في اللطف علينا». لقد ظهر لطف الله في نظره إلينا ليس فقط في ما كنا محتاجين إليه كخطاة مساكين ومعوزين، بل إلى ما فيه مجده ومجد ابنه الحبيب إلى آباد الدهور كلها. الله سيظهر غنى نعمته في «الدهور الآتية»، أي الأبدية التي لا نهاية لها؛ إن قصده الأسمى في عمل الفداء ليس مجرد خلاص وسعادة المفديين فقط، بل إظهار غنى نعمته الفائق لجميع الكائنات، فالملائكة ورؤساء الملائكة، بل والشياطين أيضًا سترى نصرة النعمة الغنية بواسطة ابن الله الحبيب وما عمله فوق الصليب.
ب- الحالة العملية التي يجب أن نكون عليها: إذ لنا هذا المقام الرفيع - هبة الله المجانية بالإيمان بالرب يسوع المسيح - يجب أن تتوافق حالتنا الراهنة مع هذا المقام، لأنها تمثِّل مدى تجاوبنا مع نعمة الله. ويقدِّم لنا الروح القدس تحريضات مفصَّلة للحالة التي يجب أن نكون عليها في كولوسي3: 1 - 4: 1؛ وإني أوجه القارئ العزيز إلى هذه الأعداد من كلمة الله العظيمة.
.......................

طلعت حلمي

john w 04 - 05 - 2013 05:38 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح والدينونة
...................................

«لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه،
مقدِّمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات» (أع17: 31).

أولاً: الدينونة وماذا تعني
إن كلمةmishpat التي وردت في كتاب الله الثمين حوالي 420 مرة تحمل معنيين؛ المعني الأول: ”دينونة“، وهو أن تجلس قاضيًا تصغي إلي قضية، وتُعطي قرارًا سليمًا؛ وهذا ما نجده في سفر الجامعة 12: 14 علي سبيل المثال لا الحصر «لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة، علي كل خفي إن كان خيرًا أو شرًا». أما المعني الثاني فهو ”أحكام - حقوق“، والمقصود به الجو الذي توضع فيه الأمور في علاقات سليمة بالنسبة لحقوق الأشخاص مثال ذلك «وهذه هي الأحكام التي تضع أمامهم» (خر21: 1). كما استخدمت كلمة shepatim لتشير إلي عملية الدينونة نفسها؛ ووردت حوالي 16 مرة في كلمة الله، حيث يقول في سفر العدد 33: 4 «والرب قد صنع بآلهتهم أحكامًا».
وكل الكتاب يعلن أن الدينونة مؤكَّدة (جا11: 9)، وأنها بالبر (رو2: 5)، وأنها أبدية في نتائجها (عب6: 2). والدينونة كلمة مرعبة لا يحبّ الناس سماعها أو نطقها، وقعت ذات مرة علي مسمع فيلكس الوالي الروماني فارتعب (أع24: 25). فالإنسان يريد أن يعيش دون حساب ولا عقاب، ولكن هيهات، فالديّان واقف قدام الباب (يع5: 9)، وسوف يدين الله غير المخلَّصين حسب أعمالهم لأنهم لم يؤمنوا «باسم ابن الله الوحيد» (يو3: 18)، رغم أنهم يعرفون الحق، لكنهم يحجزونه بالإثم، «إذ معرفة الله ظاهرة فيهم... لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدرَكَة بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته، حتى أنهم بلا عذر». ورغم أنهم عرفوا الله، لكنهم استبدلوا حق الله بالكذب (رو1: 18-21)؛ ورغم أن عمل الناموس مكتوب في قلوبهم (رو2: 15)، لذلك سوف يدينهم الله حسب الحق (رو2: 2)، وحسب الأعمال (رو2: 6)، وبحسب الناموس إذا كان لهم ناموس، وبعمل الناموس المكتوب في قلوبهم إذا كانوا بلا ناموس (رو2: 12-15)؛ وسينال البعض ضربات قليلة والبعض ضربات كثيرة بحسب درجة مسؤوليتهم وجسامة خطيتهم (لو 12: 47، 48)، ولكن لن يخلص منهم أحد (رو2: 6؛ 3: 20).
ثانيًا: الدينونة ومن يقوم بها
الله هو الديَّان، فالدينونة أساسًا هي من حق الله ”ديان كل الأرض“ (تك18: 25؛ مز94: 2)، وهو ”ديان الجميع“ (عب12: 23). ودينونة الله لا شك أنها عادلة عدالة مطلقة، وهي ليست اعتباطية، ولكنها ثمر رحمته وغضبه، فهو لا يأخذ بالوجه ولا يقبل الرشوة (تث10: 17)، وسيقضي على الأشرار «إذا سننت سيفي البارق، وأمسكت بالقضاء يدي، أرُدّ نقمة على أضدادي، وأجازي مبغضيَّ» (تث32: 41).
ثالثًا: لماذا الله الابن؟
«لأن الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن» (يو5: 22).
لقد حدد الله يومًا سوف يدين فيه العالم بالاستقامة والعدل بواسطة الرب يسوع المسيح، وهو الرجل الذي عيَّنه الله للدينونة، على أساس قيامته من الأموات، لأن الله «أقامه من الأموات وأعطاه مجدًا» (1بط1: 21)، وأيضا رُفِع في المجد (1تي3: 16). «أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟» (لو24: 26). وهو الآن في حضرة الله كالإنسان الممجَّد الجالس في سماء السماوات على يمين العظمة في الأعالي، «فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمَّى، ليس في هذا الدهر فقط، بل في المستقبل أيضًا» (أف 1: 21). إنه «سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته» (مت16: 27)، وسيُستعلَن من السماء مع ملائكة قوته (2تس1: 7). وسيجلس على كرسي مجده (مت 25: 31). وسيغطّي جلاله السماوات (حب 3: 3). إن ذاك الذي رفضه العالم من قبل، سيأتي في جلاله ومجده، وستراه كل عين؛ وحينئذ ستجثو باسم يسوع كل ركبة وسيعترف به كل لسان ربًّا وسيدًا.
وفي يوحنا 5: 27 يقول الوحي «وأعطاه سلطان أن يدين أيضًا لأنه ابن الإنسان». فلم يقرِّر الله أن يكون للابن حياة في ذاته وحسب، بل أعطاه أيضًا سلطانًا أن يدين العالم، وهذا السلطان قد حصل عليه ”يسوع“ لأنه ابن الإنسان. فالرب دُعي ابن الله وابن الإنسان، في آن واحد؛ أما اللقب ”ابن الله“ فهو لتذكيرنا بأن الرب يسوع هو أحد أقانيم الثالوث الأقدس في اللاهوت، فبصفته ابن الله هو مساوٍ للآب وللروح القدس، كما أنه أيضًا بهذه الصفة مانح الحياة. لكنه أيضا ”ابن الإنسان“، فهو قد جاء إلى هذا العالم إنسانًا، وعاش إنسانًا هنا بين الناس، ومات على الصليب بديلاً عن البشر رجالاً ونساء، لقد رُفض وصُلب عندما أتى إلى هذا العالم بوصفه الإنسان الكامل؛ لكنه قام، وعلى أساس قيامته سوف يأتي ثانية ليدين أعداءه وليتمجَّد في هذا العالم. أنه مهيأٌ تمامًا ليكون القاضي، لكونه الله والإنسان في أن واحد.
إذًا، فمن البديهي أن يكون المسيح هو الشخص الذي يدين الخطاة؛ إذ فضلاً عن أنه هو وحده البار - والبار هو وحده الذي له الحق في القيام بهذه المهمة - فإنه هو الذي قدَّم نفسه كفّارة عنهم، ومِن ثّمَ، فله وحده أن يدينهم بسبب عدم تقديرهم كفارته ورفضهم الاستفادة منها. وقد سبق وأشار الرب يسوع المسيح لهذه الحقيقة فقال «لأن الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن» (يو5: 22)، وأعطاه سلطان أيضًا أن يدين لأنه ابن الإنسان (يو5: 27)، الذي قام بالفداء؛ كما قال: «ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض...». قال بطرس عن المسيح إنه هو المعيَّن من الله ديّانًا للأحياء والأموات، وأن له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا (أع 10: 42، 43). وقال بولس الرسول: «من هو الذي يدين؟»، ثم أجاب على هذا السؤال فقال: «المسيح الذي مات بل بالحري قام أيضًا» (رو 8: 34)؛ كما قال عنه إنه هو الذي يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته (2تي 4: 1).
رابعًا: عمل الابن في الدينونة
إن الرب يسوع، بفضل الموت والقيامة استولى على سلطان العدو، وأمسك بيمينه مفاتيح الموت والهاوية، وأصبح من حقِّه القيام بدينونة الأشرار ومكافأة المؤمنين به. وهذا ما نراه في قول الوحي:
«ثم رأيت عرشًا عظيمًا أبيض، والجالس عليه، الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضع» (رؤ 20: 11). فالعرش عظيم ورهيب، والدينونة بحسب قداسة الجالس عليه، صاحب المجد والجلال، الرب يسوع المسيح. ثم يقول الرائي: «ورأيت الأموات، صغارًا وكبارًا، واقفين أمام الله، وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودِين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم» (رؤ20: 12). فالدينونة هي على أساس الأعمال، وتشمل الأفكار (تك 6: 5)، والأقوال (مت 12: 36)، والسرائر (رو 2: 16). وهكذا سيدان كل واحد، ويستدّ كل فم، وتُنكَّس كل رأس؛ وهكذا يصل الأشرار إلى البيئة التي سيخلدون فيها، حيث سيعذَّبون نهارًا وليلاً إلى أبد الآبدين، ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين (رؤ 14: 11). وهذه الدينونة سوف تتم بعد الملك الألفي.
كم مرعب هو السماع عن الانتقام، وكم مزعج هو تصوّر حالته! فكم يكون وقعه؟ وكيف يمكن وصفه إذا كان واقعًا من الله الخالق القدير الذي يستطيع كل شيء؟! لئن كان الكتاب يقول: «مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي» (عب10: 31)؛ فذلك لأن هذا أقصى ما تصل إليه لغتنا في ضعفها للتعبير عن شيء لا يمكن أن يعبَّر عنه. لذا أناشدك أيها القارئ العزيز أن تراجع نفسك في ضوء ما قرأت، فإن لم تكن لك حياة ابن الله، وما زلت ترزح تحت نير خطاياك، فاعلم أن الدينونة آتية لا محالة؛ وأن الديَّان هو الابن لذلك «قبِّلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق، لأنه عن قليل يتقد غضبه» (مز2: 12)؛ ومن يستطيع أن يحتمل غضبه؟!!



جمع وتقديم

حنا اسحق

john w 04 - 05 - 2013 05:41 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
القيامة من بطون الكتب
................................

لا توجد صفة لله ضدنا؛ فهو إله السلام، وهذا السلام أبدي مؤسَّس على عمل المسيح الكامل. وقد أعلن الله قبوله لهذا العمل الكامل بإقامة المسيح من الأموات، وإقامة الله للمسيح أعلنت قبوله لدمه الكريم. وكما دخل المسيح إلى السماء عينها بفضل قيمة الدم، هكذا بفضل قيمته أُقيم المسيح من الأموات بل وصار راعيًا عظيمًا للخراف.
محاضرات في الرسالة إلى العبرانيين –صوئيل ريدوت
يُلخَّص الإنجيل في ثلاثة عناوين رئيسية: أولا؛ أن المسيح مات، وهذا يستحضر أمامنا العمل الكفاري العظيم. وثانيًا أنه دُفِن، وهو البرهان الأكمل لموته. وثالثًا أنه قام من الأموات في اليوم الثالث حسب الكتب، وهي الشهادة الأبدية بأن قوة الموت قد كُسرت والشر قد هُزم والله قد تمجد.
تفسير كورنثوس الأولى – هاملتون سميث
لا غرابة أن الشيطان يهاجم حقيقة القيامة. وقد كانت الأكذوبة الأولى التي ابتدعها أن التلاميذ أتوا وسرقوا جسد يسوع، ولكن من الصعب أن نتخيّل كيف يستطيعون أن يفعلوا ذلك. لقد كان القبر محروسًا بعناية فائقة، وبالطبع كان مستحيلاً أن يتغلّب زمرة التلاميذ الخائفين على الجنود الرومان ويفتحوا القبر ويسرقوا الجسد. إلا أن العائق الأكبر، هو حقيقة أن التلاميذ أنفسهم لم يؤمنوا أنه سيقوم، فلماذا إذًا يسرقون الجسد ويورِّطون أنفسهم في مثل هذه الخدعة.
تفسير إنجيل لوقا –وارين ورزبي
المسيح ليس فقط مات بكامل إرادته، وعندما أراد، وكما حدَّد؛ بل أيضًا قام بكامل إرادته، وعندما أراد، وكما حدَّد. فلا عجب أن يعلِّق الرسول بولس على أن قيامته هذه بالقول «تعين (تبرهن) إبن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رو1: 4). فإقامة المسيح لنفسه من بين الأموات من أقوى الأدلة على لاهوته.
أرني أين قال المسيح أنا هو الله فاعبدوني – يوسف رياض
القيامة هي نبع الأفراح والتأكيد بالخلاص للمؤمن , وقوة الرجاء الحي. كما أنها القياس للحلة الحقيقية للأنسان الميت في خطاياه، والبرهان الأكيد الثابت للدينونة التي تحلق فوق الخطاة لأن الله أقام من الأموات رجلاً قد عينه ليدين الأحياء والأموات
تفسير إنجيل يوحنا – هلال أمين
لو أنّ المسيح ظل مائتًا مدفونًا في قبره، لَكَان هناك مجال للطعن في كماله المُطلق، ولكان هناك أيضًا مجال للطعن في كفارته وإيفاء مطالب عدالة الله وقداسته. لكن قيامته من الأموات في اليوم الثالث لم تدَع مجالا لهذا الطعن أو ذاك.
غفران الذنوب – عوض سمعان
إن المسيح قد أعلن أنه إبن الله، وقيامته تصديق من الآب على صدق ما أعلنه المسيح. فلو أن المسيح بقيَ في قبره، رغم إعلانه أنه سيقوم، لكان هذا يعني أن الله لم يوافق على ذلك الإعلان أنه إبن الله. أما وقد أقامه من الموت، فهذا معناه أن الله يقول: أنت ابني، وإنني اليوم أعلن هذه الحقيقة على الملأ.
برهان يتطلب قرار – طبعة ثانية – جوش ماكدويل
أُخذ إسحاق من على المذبح وكأنه أقيم من الأموات في مثال (عب11: 19) رمزًا لقيامة الرب يسوع الحقيقية من الأموات، بنتائجها المباركة لنفسه ولنا. فله، قد أُعطيت عروس، هي الكنيسة. ولنا، قد تمتعنا بالبركات السماوية.
أسفار موسى الخمسة – يوسف رياض
إن موت المسيح يحمل معه غروب شمس هذا العالم، وأيضًا غروب كل رجاء وتوقع من الإنسان في الجسد. ولكن بقيامته يبدأ يومًا جديدًا، وعلينا أن نبدأ حساباتنا من هذا اليوم الجديد.
كتاب التابوت – عاطف ابراهيم
القيامة ما كان يمكن أن تكون إلا بعد الموت الذي وضع حدًّا للحالة القديمة التي أنتجتها الخطية، فبدون الموت لم يكن ممكنًا أي خلاص أو إنقاذ؛ ولكن من جهة أخرى، بدون القيامة يكون المسيح قد مات باطلاً. فالقيامة هي باب البركات الجديدة والحالة المجيدة. والخُلاصة أن القيامة هي حقيقة الإنجيل الكبرى.
تأملات في تيموثاوس الأولى والثانية – هنري روسييه
القيامة ليست مجرد حادثة تاريخية، ولا حتى حتمية لاهوتية، بل هي حقيقة تعليمية لها أبعادها الروحية. إنها تعني أن الذبيحة قُبلت، والكفارة تمَّت ومشكلة الخطية سُويَت وأننا تبررنا.

المزامير المسياوية

يوسف رياض

john w 04 - 05 - 2013 05:43 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
شهادات عن القيامة من بطن التاريخ
.....................................
حمل التاريخ الكثير من الشهادات التي تشهد عن قيامة المسيح، إليك بعضها:
أغناطيوس قال: ”إن المسيح تألم لأجل خطايانا وقام في اليوم الثالث لأجل تبريرنا“.
بوليكاربس قال: ”من ينكر قيامة المسيح فهو من أتباع الشيطان“.
بلسيطون قال: ”المسيح قام من بين الأموات لأنه لم يكن مجرد إنسان“.
يوستينوس قال: ”إننا نحتفل بسرِّ قيامة المسيح في اليوم الأول من الأسبوع“.
الحبر اليهودي كاوزنر قال في كتابه ”يسوع الناصري“: ”من المحال أن نفترض وجود خدعة في أمر قيامة المسيح لأنه لا يُعقل أن تظل خدعة 19 قرنًا“.
وستكوت قال: ”لا توجد حادثة تاريخية واحدة دعّمتها أدلة أقوى من تلك إلي تدعم قيامة المسيح“.
دكتور توماس (أستاذ التاريخ في جامعة أكسفورد) قال: ”لما طُلب مني أن أقوم بتدريس التاريخ القديم وأفحص أدلة المؤرخين على صدق ما جاء به من أخبار، لم أجد خبرًا أجمع على صدقه كل الأشخاص المحايدين مثل خبر قيامة المسيح“.
دكتور ”ديني“ قال: ”لا مجال للشك في قيامة المسيح بعد أن غيَّرت يوم الراحة الذي كان اليهود يتمسكون به بشدة“.




john w 04 - 05 - 2013 05:45 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
قيامة المسيح
...................
شذرة

........

”حقًا أن قيامة المسيح من الأموات تتعارض مع ما ألفه البشر من أحداث، لكنها لا تتعارض مع العقل، بل تسمو فوق إدراكه، وهناك فارق عظيم بين الأمور الأولى والأمور الثانية؛ فالأولى لا تتفق مع العقل إطلاقًا، أما الثانية فتتفق معه في أسبابها، لكن لسموها يعجز عن الإحاطة بها، ومن ثم فإنه لا يعترض عليها، بل يرضخ أمامها. وقيامة المسيح من الأموات هي من هذه الأمور، كما يتضح لنا من شهادات الوحي والتاريخ في آن واحد“.

عوض سمعان

Ramez5 26 - 05 - 2013 07:29 AM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
موضوع مميز ومتكامل
ربنا يبارك خدمتك ويثمرها

بيدو توما 01 - 06 - 2013 09:26 AM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
شكراً جزيلاً أخي العزيز موضوع حقاً رائع جداً
تحياتي وأحترامي والرب يباركك ويبارك في أعمالك ويعوض تعبك
في خدمتك المباركة دائماً والرب يفرح قلبك على طول
ويحفضك في سلامه ونعمه الدائمه والمجد ليسوع المسيح
دائماً وأبداً...آمين ...

john w 07 - 07 - 2013 11:39 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
أشكركم جدا جدا لتشجيعكم ربنا يبارك حياتكم ويحفظكم فى اسمة القدوس

sama smsma 08 - 07 - 2013 12:05 AM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
مجهود رااااااااائع منك يا وسيم
ربنا يبارك خدمتك

Mary Naeem 08 - 07 - 2013 08:17 AM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
موضوع مميز جدا
ربنا يباركك

حمامة السلام 05 - 09 - 2013 05:42 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 

تسلم الايادى

john w 07 - 09 - 2013 07:22 PM

رد: قيامة المسيح ( موضوع متكامل ) 2013
 
شكرا جدا كل اخواتى على المرور ربنا يفرح قلوبكم ويحفظكم


الساعة الآن 01:50 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025