![]() |
ايلودورس أسقف أليتونا كان صديق للقديس جيروم، التقيا معًا في اكيلجا Aquileja ورافقه رحلته في تراس وبيثينيه وبونتس وغلاطية وسوريا. وإذ عاد إلى إيطاليا رُسم أسقفًا على أليتونا واشترك في مجمع أكويلا عام 381، حيث قاوم الأريوسية بغيرة وحماس. طلب إيلودورس والأسقف خروماتيوس Chromatius of Aquileja من القديس جيروم أن يترجم الكتب المقدسة من الكلدانية إلى اللاتينية، وقد قدم لهما القديس سفر طوبيا الذي ترجمه كطلبهما. |
الأب ايليا جاء عنه في البستان: قال بعض الشيوخ في مصر للأنبا إيليا أن الأنبا أغاثون أب صالح. أجابهم: "هو صالح في جيله"، فسألوه: "ماذا إن قورن بالأقدمين؟؟"، أجاب: "قلت لكم إنه صالح في جيله، ولكن بالنسبة للأولين فإنني أقول لكم رأيت في الإسقيط إنسانًا يقدر أن يوقف الشمس في السماء كما فعل يشوع بن نون تمامًا". فلما سمعوا هذا ذهلوا ومجدوا الله. إني أفزع من ثلاثة أشياء: من وقت خروج نفسي من جسدي، ومن لقاء الله، ومن خروج القضية علىّ؟ ما قوة الخطية عندما توجد التوبة؟؟! وما نفع المحبة عندما يظهر الكبرياء؟؟! يفكر الناس إما في خطاياهم أو في يسوع أو في البشر! إن لم تسبح الروح مع الجسد يكون تعبنا باطلاً، لأن من يحب المتاعب إنما لينال الفرح والسلام بعد ذلك. قال أيضًا: "كان شيخ يعيش في معبد للأوثان، فجاءته الشياطين تقول له: "أرحل من هذا الموضع فإنه موضعنا". أجابهم: "ليس لكم موضع خاص بكم". فصارت الشياطين تبعثر سعف النخل الذي له وكان هو يجمعها بصبر. بعد قليل أمسك الشيطان بيد الشيخ وسحبه إلى الباب وإذ بلغ الباب أمسك باليد الأخرى مغلاق الباب وصرخ: "يسوع، خلصني"، وللحال هرب الشيطان. ثم بدأ الشيخ يبكي، فسأله الرب: "لماذا تبكي؟؟" أجابه: "لأن الشياطين تتجاسر، وتمسك بإنسان وتفعل به هكذا". فقال له الرب: "لقد كنت متقاعسًا، ولكن لما طلبتني كنت بجوارك." "قلت هذا لأننا في حاجة إلى تعب شديد، وبدون تعب لا يقدر أحد أن يأتي إلى إلهه الذي صلب عنا". |
ايليا الكاهن التقى القديس جيروم بكاهن يدعى إيليا، في صحراء أنتينوه (أنصنا) بمنطقة طيبة. كان هذا القديس قد بلغ 110 عامًا، اعتاد الرهبان أن يقولوا بأن روح إيليا استقرت عليه. كان هذا الطوباوي مشهورًا في البرية، عاش فيها سبعين عامًا، وكما يقول القديس جيروم إنه لا توجد كلمة يمكن أن يعبر بها عن قسوة الحياة في هذه البرية، وفي الجبل الوعر الذي عاش فيه هذا الكاهن. وكان الوصول إليه صعبًا للغاية، إذ عاش في مغارة تحت صخرة. كان منظره مهوبًا للغاية، يصنع آيات وأشفية كل يوم بلا انقطاع. اعتاد في شيخوخته أن يأكل ثلاث أوقيات خبز كل مساء وثلاث زيتونات، أما في شبابه فكان يأكل مرة واحدة فقط في الأسبوع. |
ايليا المتوحد حدثنا القديس بالاديوس في إيجاز شديد عن هذا المتوحد الذي كان يعيش في مغارة بمنطقة الأردن، كان يعيش في حياة مقدسة عجيبة وعفة. في أحد الأيام جاءه عدد كبير من الأخوة لزيارته، إذ كانت مغارته قريبة من الطريق، ولم يكن لديه سوى ثلاثة أرغفة. فصلى إلى الله وقدم هذه الخبزات القليلة لعشرين ضيفًا فأكلوا وشبعوا وبقى رغيف، بارك الله فيه فكان يأكل منه لمدة خمسة عشر يومًا. |
الأب ايلياس يمكن تمييزه عن بقية الآباء الحاملين لذات الاسم بأنبا إيلياس بجبل بشواو أو جبل اللبخة. كان والده من قرية إسخيم شرقي النيل، وقد نشأ محبًا للحياة الزاهدة التأملية، مع قدرة فائقة على التعلم. ترهب بدير في جبل شامة، حيث حفظ 30 سفرًا من الكتاب المقدس عن ظهر قلب، وكان يتلو المزامير في صلواته باسطًا يديه بلا حركة لتنساب دموعه بلا توقف، الأمر الذي كان يدهش تلاميذه. أضنك جسده جدًا، زاهدًا لكل أمور العالم وكراماته، فكان كثيرًا ما يترك الدير ليقطن وسط المقابر، وقد وهبه الله عطية شفاء المرضى وإخراج الشياطين. له تلميذان أحدهما يوحنا الذي كان يحب معلمه جدًا ويكرمه لكنه لم يكن يحتمل السكنى معه وسط المقابر، فكان يتركه ليعيش في الدير. أما الآخر فيدعى يوساب كان أحد أبناء أشراف قفط، توفى والده وهو صغير فاهتمت به أمه وأرضعته لبن الإيمان الحي لتتركه وهو صبي صغير يبكي بين يديها وهو يراها في أنفاسها الأخيرة تحتضر، أما هي ففي إيمانها بالكاد نطقت كلمات قليلة مملوءة تعزية تسند صبيها وتؤكد له أن يدّي السيد المسيح نفسه الذي يرعاه، وهكذا أسلمت الروح دون أن تفقد سلامها بسبب بكائه. اهتم به أخوه الأكبر، وإذ كانا بجوار المقابر سمعه القديس إيلياس وهو يقرأ في سفر أشعياء بصوت روحي رخيم، فأعجب به جدًا، واشتاق لو أن الرب يهبه قلبًا مكرسًا له بالتمام. وفي الليل إذ صلى من أجله رأى كأن نخلة صغيرة نبتت في الموضع الذي كان يوساب الصبي جالسًا قد نمت وجاءت بثمر كثير، ففرح وتعزى. بعد فترة مرض يوساب مرضًا شديدًا احتار فيه الأطباء، أخيرًا أحضروه إلى القديس إيلياس الذي صلى لأجله فشفي باسم ربنا يسوع في الحال، فالتصق يوساب به وتتلمذ على يديه، وكان يمتثل بمعلمه في كل شئ خاصة في حبه للعبادة وزهده للعالم، فأحبه معلمه من أجل نعمة الله التي تجلت في حياته. مرض يوساب، اشتد به المرض جدًا حتى رقد في 5 هاتور، وقد تأثر بذلك معلمه، الذي قال للحاضرين وهم يدفنوه: "أوسعوا القبر ليتسع لاثنين"، فأدركوا أن أيام إيلياس قد قربت للغاية مما زاد حزنهم، وبالفعل مرض القديس إيلياس واشتد به المرض، فاجتمع حوله الرهبان يطلبون بركته، وإذ اتجه بوجهه نحو الشرق صلى لله ثم رشم نفسه بعلامة الصليب ليسلم الروح في 17 كيهك. نبيل سليم: سيرة الأنبا اندرآس وقديسى جبل الأساس الجديد، 1970. |
الأب ايلياس السائح نشأته قصته تكشف عن الصداقة التي يمكن أن يرتبط بها المؤمنون مع الملائكة، بكونهم خليقة الله العاقلة المحبوبة في الرب. ولد إيلياس بقرية بظاهر الفيوم من أبوين مسيحيين محبين لله، وكانا يقدمان وليمة ضخمة للفقراء والمحتاجين في عيد القديس إليشع النبي، كما كانا يفعلان ذات الأمر شهريًا، وغالبًا في عيد رئيس الملائكة ميخائيل، كعادة الكثير من الأقباط إلى وقت قريب، إذ اتسم عيد الملاك الشهري بالعطاء للمساكين والشركة معهم في وليمة واحدة. كان الوالدان متألمين لعد الإنجاب دون أن يفقدا سلامهما الداخلي، واثقين أن الله يدبر أمورهما حسب إرادته الصالحة. وفي أحد الأيام شاهدا شيخين يسيران داخل البيت ويباركانه، فعرفا أنهما القديسان إيليا وتلميذه اليشع، ففرحا بهما جدًا. لم يمض وقت طويل حتى ظهر لهما رئيس الملائكة ميخائيل في شكل راهب يبشرهما بأن الله يهبهما طفلاً يسمونه إيليا ويحمل ذات سماته. وبالفعل أعطاهما الله هذه العطية، وقد نشأ محبًا للعلم، ذكيًا تواقًا لحياة الهدوء والعبادة. حياته الديرية سمع عن راهب متوحد في البرية فانطلق إليه، وكاشفه بكل ما في قلبه، معلنًا له رغبته في أن يتتلمذ على يديه. في حكمة الشيوخ أرشده أن يبدأ بالحياة الديرية وسط الإخوة ويتدرج من حياة الشركة إلى الوحدة، ناصحًا إياه أن يذهب إلى دير القديس باخوميوس ببافو، بالصعيد الأقصى. انطلق نحو الدير، وإذ برئيس الملائكة ميخائيل يظهر له متخفيًا ليرافقه حتى بلغ به باب الدير. عاش إيلياس في محبة صادقة لله انعكست على حياته مع إخوته فكان يخدم الكل بوجه باش ونفس متهللة، وإذ كان ميل الوحدة يتزايد في قلبه انطلق إلى جبل شامة وأقام سنتين، ثم ذهب إلى جبل بنهدب وأقام فيه أيامًا، وانحدر إلى جبل هو بالقرب من نجع حمادى، ومنه انطلق إلى جبل فرشوط ليسكن هناك. عاش حياة الوحدة في شركة عميقة مع الله، وكان عدو الخير يحاربه بطرق كثيرة، وكان الله يرسل له رئيس الملائكة ميخائيل يسنده ويشجعه. |
ايلياس الأسقف والشهيد أسقفيته لا نعرف كثيرًا عن القديس إيلياس أو هالياس أسقف المحرق والقوصية بأسيوط. في أثناء أسقفيته جاءه إنسان فقير يشكو إليه من كاتب القوصية، غالبًا مدير الديوان والمسئول عن جمع الجباية، وإذ كان الوقت ليلاً لم يستطع الأسقف أن يسترح بل انطلق إلى هذا الأرخن، وفي حزم مملوء محبة بدأ يوبخه على تصرفه مع هذا المسكين، ففتح الرب قلب الأرخن ورد للمسكين ما قد ظلمه فيه بل أكثر، واعتذر للأب الأسقف على ما صدر منه، وصار يسلك بحب ورحمة، مهتمًا بكل إنسان متضايق طوال فترة وجوده في دار الولاية. استشهاده إذ كان لهذا الأسقف شهرته بسبب عطية الله له من شفاء للمرضى وإخراج للشياطين، استدعاه أريانا والي أنصنا وطلب منه التبخير للأوثان، فرفض، وعندئذ صار يعذبه وأخيرًا قطع رأسه لينال إكليل الاستشهاد، في 20 من كيهك. في أيام الأنبا قسطنطين أسقف أسيوط في القرن السادس أقيمت كنيسة على رأس القديس، بركة صلواته تكون معنا آمين. |
الشهيد ايلياس الخصى نشأ هذا الشاب إيلياس في قرية أهناس، وكان ناظرًا على بساتين أمير المنطقة كلسيانوس Culicanos وكان وثنيًا. كان هذا الشاب إنسانًا تقيًا محبًا لله، يلتقي بخاله الراهب المتوحد في الصحراء يطلب إرشاده وبركته. اتسم الشاب برقة شديدة في المعاملة ولطف حتى أحبه الأمير وكل أسرته وتعلقوا به، وإذ كان للأمير ابنة تعلق قلبها به والتهبت الشهوة في داخلها، فصارت تلاطفه وتمازحه، مشتاقة أن يسقط معها في الخطية، أما هو فإذ شعر بحيل عدو الخير كان يلقى الفاكهة ويهرب كمن يبتعد من النار. يبدو أن الفتاة صارت تلاحقه وتضيق عليه، ففي بساطة خصي نفسه لينزع عنها كل أمل، وبصنعه هذا مرض. علمت الفتاة بذلك فاغتاظت، وشكته لوالدها أنه يود الاعتداء عليها. أمسك به الأمير وصار يوبخه، كيف يصدر منه تصرفات كهذه رغم ثقته هو وكل عائلته فيه، وطلب منه أن يذبح للأوثان فيعفو عنه. وإذ رفض، صار يعذبه، فظهر له ملاك الرب وصار يقويه. أخيرًا قطع الأمير رأسه في 28 من شهر طوبة، وقد بنى له المؤمنون كنيسة في أهناس. |
الشهيد ايليان الحمصي إذ ثار الاضطهاد في عهد دقلديانوس ألقى والى حمص القبض على أسقف المدينة القديس سلوانس الذي رعى شعب الله كأسقف لمدة حوالي 40 عامًا بأبوة صادقة، كما قُبض على الشماس لوقا والقارئ موكيوس واقتيدوا معًا إلى حيث يُقدمون طعامًا للوحوش. فجأة رأى الجند الطبيب إيليان يأتي ليركع أمام الثلاثة ويقبل أيديهم مشجعًا إياهم بل ومهنأ لهم على إكليل الاستشهاد، فألقى الجند القبض عليه. كان إيليان هذا الذي وُلد في حمص طبيبًا تقيًا، متفانيًا في خدمة ربنا يسوع، يحب المرضى بكل قلبه لذا أحبه الوثنيون كما المؤمنون، فكان بركة للكل، يهتم بشفاء النفوس كما الأجساد، مكرسًا حياته لخدمة الكل خلال عمله بروح تقوى محب. إذ قُبض عليه ألقى في مغارة وصاروا يستدعونه ويعذبونه وأخيرًا ثقبوا يديه ورجليه ورأسه بالمسامير حتى أسلم روحه الطاهرة في يدي الله. لا زال في حمص توجد كنيسة أقيمت على مقبرته تحمل اسمه، ويتبارك الكثيرون منه حيث تجرى عجائب الله بصلواته. |
الراهب اينوسنت يروي لنا القديس بالاديوس عن حياة كاهن راهب بجبل الزيتون، يدعى إينوست، عاش معه ثلاث سنوات، وقد اتسم بالبساطة الشديدة جدًا حتى كان يقوم بأعمال تبدو شاذة. كان إينوست من رجال البلاط أيام الإمبراطور قسطنطيوس، تزوج وكان له ابن يدعى بولس صار يعمل معه في البلاط الملكي. يبدو أن هذا الابن انحرف إلى الشر فاعتدى على ابنة كاهن، وإذ سمع والده إينوسنت تمررت نفسه فيه حتى طلب من الله أن يسمح لابنه أن يهاجمه شيطان ولا يسقط تحت الزنا، وقيل أنه بالفعل صار به شيطان (ربما إلى حين لتأديبه). رأي أمًا تبكي على إبنها الشاب الذي كان مفلوجًا وبه روح شرير، فتأثر جدًا، وأخذ الشاب إلى الهيكل الذي بناه بنفسه واحتفظ فيه ببعض رفات للقديس يوحنا المعمدان، وصار يصلي من الثالثة حتى التاسعة ثم أعاده معه إلى أمه معافى من الشلل وخرج منه الروح الشرير. قيل أن امرأة عجوز كانت تبكي لأنها فقدت خروفها، فسار وراءها يسألها عن المكان الذي أضاعت فيه الخروف، فاقتادته إلى مكان قريب من بيت عنيا. وقف ليصلي بينما كان الشبان الذين سرقوه قد ذبحوه أخفوا اللحم في كرم حتى لا ينكشف أمرهم. وفيما هو يصلي إذا بغراب ينزل من الجو ويخطف قطعة من اللحم ويطير بها، فعرف إينوسنت مكان اللحم، وذهب إلى هناك، عندئذ ارتعب الشبان وجاءوا إليه معترفين بما ارتكبوه مقدمين ثمن الخروف للعجوز. |
الأب ايوب يروي لنا بستان الرهبان قصة سبعة أخوة - حسب الجسد كما حسب الروح أيضًا - عاشوا معًا بروح الحب، مثالاً حيًا لحياة الشركة، هم الأنبا أيوب (أنوب) والأنبا بيمين وأخوتهما. في بربا (معبد) الأصنام قيل أنه إذ هاجم البربر الإسقيط وخربوه انتقل هؤلاء الأخوة معًا إلى موضع آخر يدعى "إبرين"، ومكثوا معًا في معبد للأصنام. أراد الأخ الأكبر أن يقدم لهم درسًا في بدء حياتهم الرهبانية معًا، فقال للأنبا بيمن أمام بقية الأخوة: "لنصمت جميعًا كل من ناحيته، ولا يتحدث أحد مع أخيه كلمة البتة، وذلك لمدة أسبوع". فأجابه أنبا بيمن: "لنصنع كما أمرت"، وفعل الكل كذلك. كان في ذلك الموضع صنم من الحجر، فكان أنبا أيوب يقوم في الصباح يردم وجه الصنم بالتراب، وفي المساء يقول له اغفر لي. وهكذا كان يفعل طوال الأسبوع. فلما انقضى الأسبوع قال أنبا بيمن لأنبا أيوب: "لقد رأيتك يا أخي خلال الأسبوع تقوم في الصباح وتردم وجه الصنم، وعند المساء تقول له: اغفر لي. أهكذا يفعل الرهبان؟!". أجاب أنبا أيوب: "لما رأيتموني أردم وجهه، هل غضب؟؟" قال: "لا". فقال: "ولما تبت إليه، هل قال: لا اغفر لك؟". قال: "لا". فقال أنبا أيوب لأخوته: "ها نحن سبعة أخوة، إن أردتم أن يسكن بعضنا مع بعض فلنصر مثل هذا الصنم الذي لا يبالي بمجد أو هوان، وإن لم تؤثروا أن تكونوا هكذا فها أربعة طرق أمامكم، ليذهب كل واحد حيثما يشاء." فاختاروا أحدهم ليهتم بالمائدة، وكل ما كان يقدمه لهم يأكلونه. وكان أنبا يعقوب يدربهم في أعمال أيديهم، أما أنبا بيمين فقد كان معلمًا لهم في طريق الفضيلة. وهكذا اجتاز الاخوة أيامهم بسلام. عُرف أيضًا أنه متى جاء أحد إلى أنبا بيمين (بومين) يطلب مشورته، يرسله لأخيه أيوب، قائلاً: "هذا أكبر مني"، وإن جاء أحد إلى أنبا أيوب يرسله إلى أخيه بيمين، قائلاً له: "أذهب إلى أخي بيمين فإنه قد وهب هذه الموهبة". بهذا عاش الاثنان بروح الإتضاع يقدم أحدهما الآخر في الكرامة. اعتاد أنبا أيوب أن يقول: "منذ حلّ علّى اسم المسيح لم تخرج قط كلمة بطالة من فمي". يمكننا أيضًا أن ندرك كيف عاش هؤلاء الأخوة معًا لا يقبلون عطية من إنسان بل يعملون بأيديهم ليعيشوا بالتعب، مهتمين بالعطاء أكثر من الأخذ، فقد قيل أن تاجرًا غنيًا كان يشتاق أن يقدم عطية محبة للأنبا بيمين وأخوته، لكنهم كانوا يرفضون ذلك تمامًا. وفي إحدى المرات إذ جمعوا عمل أيديهم وأرسلوه للبيع ولم يجدوا مشتريًا، فأسرع أحد المحبين يخبر التاجر بما حدث، ففرح التاجر جدًا، وأحضر جملاً، وتظاهر أنه محتاج إلى عمل أيديهم ليقدم لهم الثمن. وما أن أخذ التاجر أعمالهم اليدوية ورحل حتى جاء شخص ليقول وسط حديثه بأن التاجر قد أخذ هذه الأشياء ولا حاجة له بها. ما أن سمع أنبا بيمين ذلك حتى قال للأنبا أيوب: "لنسرع ونحضر الجمل وإلا فلن أبقى في هذا الموضع." وبالفعل أسرعوا إلى التاجر، وبصعوبة قبل التاجر أن يعود بجمله ويسترد ماله، وإذ رأى الأنبا بيمين الجمل فرح جدًا كمن وجد كنزًا عظيمًا. |
أبونديوس الشهيد إنها قصة شهيد روماني يشهد لمسيحه واهب القيامة وهو في طريقه للموت! يوجد في متحف اللاتيران جزء من قبرية (كتاب على قبر) وجدت في Rignano التي تبعد 26 ميلاً من روما، ويُعتقد أنها خاصة بالشهيد أبونديوس Abundius الذي يحتفل الغرب بعيده مع رفقائه في 16 سبتمبر. جاء في هذه القبرية: "في روما، في طريق الفلامينيان Flaminian، أمر الإمبراطور دقلديانوس بقتل الشهدين القديسين أبونديوس الكاهن وأبونداتيوس الشماس مع الرجل الشهيد مارقيان وابنه يوحنا الذي أقامه أبونديوس من الموت، قتلوا بالسيف على بعد عشرة أميال من المدينة". قيل أنه قد طلب من الكاهن وشماسه أن يبخروا لهيراقليس فرفضا، لذا أُلقيا في سجن Mamertine لمدة شهر، ثم اُستدعيا ليعذبا ويُدانا. وفي طريقهما للاستشهاد التقيا بالسيناتور مارقيان الذي كان يبكي ابنه الميت يوحنا. طلب القديس أبونديوس أن يُقدم له الجثمان، وإذ صلى إلى الله وهو مقيد قام الميت باسم يسوع المسيح واهب الحياة. آمن مرقيان وابنه بالسيد المسيح ورافقا القديسين الكاهن وشماسه ليستشهد الكل في نفس اليوم معًا، وقد دفنوا في مقابر الأم ثيؤدورا بالقرب من Rignano في طريق فلامينيان. |
الشهيد أسطاسيوس لقرون طويلة كانت الكنيسة في الشرق والغرب تحتفل بعيد استشهاد القديس أسطاسيوس أو أستاثيوس أو أوسطاس Eustace، وقد حوت قصته بعض الأحداث حسبها المؤرخون أنها مسحة من الخيال. كان يدعي بلاسيداس أو فلاكيداس Placidas، وكان أحد وزراء مملكة الرومان، وقائدًا باسلاً في عهد الإمبراطور تراجان. لم تكن له معرفة بالله لكنه كان شديد العطف على الفقراء، مترفقًا بكل الوثنيين، ورعًا في سلوكه. وإذ كان يصطاد كعادته في الجبال رأى من بعيد مثال صليب مرتفع بين قرون أيل والسيد المسيح مصلوبًا عليه، وسمع صوتًا يناديه: "فلاكيداس، لماذا تضطهدني؟" فارتبك الوزير في الحال، وسأل عن ذاك الذي يضطهده، فجاءه الصوت: "أنا يسوع المسيح" وكان ذلك في منطقة Guadagnolo ما بين تيفولي وفالسترينا Palestrina. عاد الرجل إلى بيته يروي لزوجته وولديه ما قد حدث معه، ثم التقى بأسقف روما الذي علمه الإيمان وعمده ودعاه "أسطاسيوس" بذات الاسم الذي طلب منه الصوت أن يُسمى به، وهو يعني "الناجح" أو "الثابت" كما اعتمدت زوجته ثاوبستي (المتكلة على الله). وابناه أغابيوس (حبيب) وتاؤبستس (المتكل على الله). حلّ بالرجل نكبات متوالية إذ فقد عبيده وجورايه وأمواله، بل وحينما خرج من روما بسبب الفقر أخذ منه النوتية زوجته بسبب عجزه عن دفع الأجرة. تقول القصة إنه حمل أحد ولديه ليعبر به نهرًا وجاء ليجد الآخر قد خُطف ثم عاد ليجد الآخر غير موجود، وبقى وحيدًا يعمل كحارس بستان، يعيش في مخافة الله بروح التقوى. مرت السنوات وكبر الولدان، والتقيا معًا خلال أحد الحروب وتعرفا على بعضهما البعض، وكان التعارف قد تم في بستان كانت والدتهما تعمل فيه فصار الثلاثة معًا بفرح عظيم. إذ تولى أدريان الملك سمع عن أسطاسيوس وما حلّ به فأقامه قائدًا بروما، وعاد إلى غناه، وصار يترفق كعادته بالفقراء. سمعت زوجته بأمره فأخذت ولديها والتقى الكل معًا بروما، وعاشوا في سلام. إذ عرف أدريان الملك بعد ذلك أن أسطاسيوس وعائلته مسيحيون أمرهم بالتبخير للأوثان فرفضوا. وإذ أراد التنكيل بهم ليكونوا عبرة لكل روما، جاء بهم إلى ساحة الاستشهاد وأطلق عليهم الوحوش المفترسة الجائعة فلم تؤذهم، بل صارت هادئة وديعة، تأنس لهم. اغتاظ الإمبراطور فصار يعذبهم وأخيرًا وضعهم في قزان وأوقد النار تحتهم حتى أسلموا الروح وتمتعوا بإكليل الاستشهاد. تعيِّد لهم الكنيسة الغربية في 20 سبتمبر، والكنيسة القبطية في 27 من شهر توت. إنها قصة رائعة من جهة إعلان الله ذاته لذاك الذي يحب الفقراء ويشتاق للحياة التقوية... يحمله معه إلى الصليب ليهبه شركة أمجاد الأبدية! |
الشهيد أسكلابيوس دُعيت مدينة أخميم بصعيد مصر "المتشبهة بأورشليم" من كثرة ما قدمت من شهداء خاصة في عصر دقلديانوس، وهي في هذا تشبه كثير من مدن الصعيد مثل مدينة إسنا، حيث تقدم الشعب بفرح لنوال إكليل الاستشهاد. كانت أخميم تسمى "إشمين". ديسقورس وأسكلابيوس من بين الشهداء المشهورين لمدينة أخميم الأنبا ديسقورس الكاهن وأخوه الأنبا أسكلابيوس الشماس، ويبدو من ميمرهما أنهما كانا توأمين، نشأ معًا وتلازما في العبادة والنسك وحتى في احتمال الاستشهاد حتى انطلقا معًا إلى الفردوس. كانا ابنيّ أرخن محب لله من مدينة أخميم يدعى أمونيوس، كان غنيًا جدًا، وقد اهتم بتربية ولديه. حياتهما النسكية إذ بلغا الخامسة عشر من عمرهما تنيح والداهما، فتفرغا للنسك في منزلهما؛ وعندما بلغا الثانية والعشرين من عمرهما تشاورا معًا أن يمضيا إلى الجبل ليعبرا إلى البرية الداخلية ممتثلين بالقديسين يوحنا المعمدان وإيليا. وهكذا باع الاثنان ممتلكاتهما ووزعاه على الأرامل والمحتاجين والكنائس، وتركا جزءًا يسيرًا للحاجة الضرورية، ثم خرجا من المدينة خفية إلى الجبل الشرقي حيث سكنا في واد على بعد 14 ميلاً، ولعله في هذا الموضع قد بُني فيما بعد دير "السبعة جبال" الذي ذكره المقريزي. بقيا هناك ستة أشهر وسط مصاعب الحياة، وقد حفظهما الرب من الوحوش الضارية والأفاعي، بعدها أرسلهما الله إلى شيخ قديس عابد يدربهما على الحياة الكاملة في الرب، هو القس موسياس، كان قد سكن في هذا الوادي على بعد 20 ميلاً منهما منذ زمن بعيد. كان يسكن معه إخوة يتتلمذون على يديه حول عين ماء، لا زال النبع قائمًا إلى الآن في الجبل الشرقي وإن كان يصعب الوصول إليه. بقيا مع بقية الإخوة تحت قيادة هذا الشيخ لكنه لم يمض سوى ثلاثة أشهر بعدها انتقل إلى الفردوس. وقد استدعاهما قبيل تسليم روحه وباركهما وأعلن لهما أن ديسقورس يكون قسًا وأسكلابيوس شماسًا، وأنهما سيتحملا متاعب كثيرة حتى ينالا إكليل الشهادة، وإنهما يكونا سر بركة وخلاص نفوس كثيرة تقبل إلى الإيمان بالسيد المسيح، وقد انتقل الشيخ في السابع من شهر بؤونة. بقيا فترة مع الإخوة ثم عادا إلى مسكنهما الأول يمارسان الحياة النسكية بأكثر اجتهاد، متذكران كلمات أبيهما موساس وحياته، خاصة تواضعه ومحبته وتأمله في الكتاب المقدس، وقد تعرضا لحروب شيطانية كثيرة. سيامتهما إذ نزل الناسكان يومًا إلى المدينة ليبتاعا ما يحتاجان إليه، أمسكهما أهل المدينة ومضوا بهما إلى الأنبا تامسطكلا أسقف المدينة فسام ديسقوروس قسًا وأسكلابيوس شماسًا، وقد عادا إلى الجبل بعد السيامة، حيث اجتمع حولهما كثير من الإخوة يتتلمذون على أيديهما. كما أشادا كنيسة صغيرة بالجبل لكي يتقرب الكل فيها، تحولت إلى مركز روحي حيّ، يقدم إليه كثيرون لطلب المشورة والتعزية وسماع كلمة الله، وقد وهبهما الله عطية الشفاء وإخراج الشياطين. وقد عاش هذان القديسان في هذه البرية 45 عامًا مع إخوة بفرح شديد يمارسان حياة التسبحة كأنهما في الفردوس. قيل أن الأنبا أوضاكيوس أسقف أخميم زار القديسان حيث اجتمع بهما مع بقية الآباء والرهبان، وأيضًا جمهور كبير من الشعب كان قد قدم لنوال البركة، فتحدث الأسقف إليهم وأنبأهم بما سيحل بالقديسين والرهبان مع رجال الدين والشعب بأخميم عندما ينحرف دقلديانوس عن الإيمان، وكان يشجع الكل على احتمال الاضطهاد بفرح. موجة الاضطهاد إذ كفر دقلديانوس أثار الاضطهاد على الكنيسة، وجاء أحد الولاة يدعى أرمانيوس إلى أخميم حيث استقبله أكابر المدينة وعظمائها وكهنتها وشعبها، أما الأسقف أوضاكيوس فكان قد تنيح من شهرين. أعلن أرمانيوس منشور دقلديانوس، وطلب منهم أن يبخروا للأوثان فهاج المسيحيون رافضين ذلك. دهش أرمانيوس إذ لم يجد بين مستقبليه أبسكندة الكاهن العظيم للوثن، فسأل عنه الكهنة الذين ذهبوا إليه يخبرونه بأن الوالي يسأل عنه وإنه يحمل هدايا كثيرة، فأجابهم أبسكندة أنه قد صار مسيحيًا، وبدأ يكرز لهم حتى آمن الكثير منهم. أعد أرمانيوس حفرة ضخمة ليحولها إلى أتون يحرق فيها النصارى الذين يرفضون التبخير للأوثان. نزول القديسين إلى أخميم ظهر رئيس الملائكة ميخائيل للقديسين ديسقورس وأسكلابيوس لينزلا إلى أخميم وينالا مع الشعب إكليل الشهادة، ففرحا بهذه الدعوة، وأقاما رئيسًا للإخوة يدعى الأنبا بطرس عوضًا عنهما. في أخميم دخل الناسكان الكنيسة ليجدا كل الشعب ومعهم أبسكندة وبعضًا من كهنة الأوثان البالغ عددهم حوالي السبعين وأيضًا بعضًا الشعب الوثني هؤلاء الذين قبلوا الإيمان ونالوا سر العماد بفرح. فتحدث القديس ديسقورس بقلب ملتهب عن الاستعداد لنوال إكليل الاستشهاد. بعد أيام قليلة جدًا (ربما بعد يوم أو يومين) اجتمع الكل في الكنيسة بالليل ليحتفلوا بعيد الميلاد المجيد، وقد رأس الصلاة الأنبا بانوديون الأسقف، وكان قد حضر مع الوالي أرمانيوس موثقًا، فتركه الجند لعله يتراجع عن إيمانه... أما هو فانطلق إلى الكنيسة وبقي ساهرًا مع الكل يحتفلون بالعيد. سمع الوالي بذلك فأخذ جنده وانطلق إلى الكنيسة في الصباح، واستدعى أرخنين من الكنيسة، وسألهما أن يتركا الإيمان ويستميلا بقية الشعب عن هذا العصيان لدقلديانوس، فأبيا رفض الإيمان وسلما عنقيهما للسيف، عندئذ صرخ الشعب في الكنيسة يعلن إيمانه. انطلق الجند إلى الكنيسة وقتلوا أولاً أبسكندة وكهنته، ثم سحبوا الأسقف والناسكين والرهبان ليوثقوهم، وضربوا بالسيف كل الشعب المجتمع للعيد. انتشر الخبر سريعًا في الكنائس الأخرى بالمدينة، فصارت الجموع تأتي إلى هذه الكنيسة لتشهد منظر طغمة من الملائكة نازلة من السماء، كل ملاك يحمل إكليلاً ليقدمه لشهيد، فكان الكل يتهافت على نوال إكليله. ويقدر عدد الشهداء في يوم ميلاد الرب (29 كيهك) بحوالي سبعة آلاف ومائتين شخصًا، وكأنهم في موكب نصرة ينطلق مع شهداء بيت لحم لينعم بالفردوس. في السجن أخذ الوالي يوبخ الأسقف بانوديون بأنه مثير للشغب وأنه هو السبب في قتل هذه الآلاف ثم أمر بسجنه. واستدعى الأنبا ديسقورس وصار يعذبه، وبالليل سجنه مع أخيه والرهبان الذين معهما. في الصباح (30 طوبة) استدعى ديسقورس ومن معه وقد لاحظ أنهم محلولي الرباطات، فصار يوبخ رئيس الجند أكوديوس المنوط بحراسة السجن متهمًا إياه أنه ارتشى مع جنده ليحلوا هؤلاء الرجال. وكانت المفاجأة أن أكوديوس ومساعده فليمون وأيضًا الجند قد أعلنوا أنهم قبلوا الإيمان المسيحي، فأحرق الوالي الجند بالنار. زكريا وأبوه قيل أن رجلاً كان واقفًا يرى هذا المشهد ومعه ابنه الصغير زكريا، فصار الابن يصرخ قائلاً أنه يرى ملائكة تنزل من السماء، وتقدم أكاليل مجد للجند وسط النار. فصار الوثنيون المشاهدون للمنظر يتعجبون لذلك. وإذ سمع الملك بالأمر أصدر أمره بقطع لسان الابن. انطلق الأب الوثني حزينًا على ابنه وقد صار الدم يندفع من فمه، وجموع من الوثنيين يواسونه، وإذا برئيس الملائكة ميخائيل يشفي الولد فيؤمن كثيرون بالسيد المسيح. فأحرق الوالي زكريا وأباه وقتل بالسيف الذين آمنوا، وكان ذلك في الثلاثين من كيهك. مع أولجيوس وجنده إذ جاء المساء أمر الوالي رئيس جند يدعي أولجيوس أن يضبط ديسقورس ورجاله في السجن، وكان أولجيوس وهو وثني يخاف الله ويتطلع إلى هؤلاء الرجال كأنبياء، لكنه كان ملتزمًا بتنفيذ أمر الوالي. كبّل الرجال بالقيود وبقى مع جنده حارسًا للحبس وهو مرّ النفس... فظهر رئيس الملائكة ميخائيل للقديس ديسقورس كالمرة السابقة وجمعه بأولجيوس ورجاله، وصار يكرز له، حتى إذا جاء الصباح استشهد أولجيوس ورجاله كمؤمنين، دخلوا الأتون الذي أعده الوالي بفرح شديد. وتعرض القديس ديسقورس لأتعاب كثيرة في ذات اليوم، وكان ببشاشته وشجاعته يجتذب الكثيرين من الوثنيين، وقد استشهد معه جموع كثيرة. خلاص أرمانيوس عاد أرمانيوس إلى القصر وهو حزين القلب من أجل الدماء الكثيرة التي سُفكت في أيام قليلة وأخيرًا نام، وإذ بديسقورس يظهر له بمجد عظيم ليوقظه. ارتعد الوالي الذي لم يعرف ديسقورس في البداية من أجل بهاء المجد الذي له، وإذ أخبره عن نفسه اختفى، فآمن الوالي بالسيد المسيح واعترف بذلك أمام دقلديانوس، واستشهد مع بعض أصدقائه بالسيف. |
الشهيد أسكلاس نشأ الشهيد أسكلاس Asclas في منطقة أنتينوه، وفي زيارة أريانا والي أنصنا لهرموبوليس (الأشمونيين) استدعى أسكلاس، وصار يستجوبه، وأخيرًا قال: "إذن فلتأتِ الآن، ولتذبح للآلهة من أجل سلامتك، فإنك ترى ما لديّ من وسائل متنوعة (للعذابات)". في شجاعة أجابه الشهيد: "لتجرب الآن، فترى إن كنت تغلب أنت بوسائلك، أم أنا بمسيحي!" أمر الوالي بربطه في حصان ليتهرأ جسمه ويتناثر، وإذ رآه لا يبالي قال: "حقًا إني أراه عنيدًا للغاية". أجاب المدعي: "إن اقتراب الموت منه سلبه صوابه". أجابه الشهيد: "لا، لن يُسلب مني صوابي ولا إلهي". إذ جرى ذلك بالقرب من أنتينوة، أراد الوالي الذهاب إلى هرموبوليس، فأمر أسكلاس أن يركب مركبًا، وركب هو مركباً آخر ليعبرا النيل. صرخ أسكلاس طالبًا من الرب أن يتمجد بشفتي أريانا نفسه لا إراديًا، وبالفعل توقفت مركب أريانا في وسط النيل ولم يكن ممكنًا أن تتحرك، وكأنها قد استقرت على شاطئ رملي، وإذ بدأ الخوف يملأ أريانا اضطر أن يكتب بنفسه ورقة يعلن فيها أنه ليس رب إلا إله أسكلاس وحده القادر أن يخلص، وأرسلها إليه، عندئذ تحرك المركب. لكن الوالي وقد ترك السفينة حسب ما فعله أسكلاس من فعل السحر، فصار يعذبه بالنار عند جنبيه وبطنه حتى صار جسمه كتلة من الألم. ربط عنقه بحجر وألقاه في النيل. وهكذا تمتع الشهيد أسكلاس بالإكليل. |
القديس أغاثون العمودي رهبنته ولد بمدينة تانيس بجزيرة ببحيرة المنزلة من أبوين تقيين خائفين الله، محبين للصدقة والعطاء، وكان قلبه يشتعل بحب الرهبنة لتكريس كل طاقاته للعبادة. وإذ بلغ خمسة وثلاثين عامًا سيم قسًا، فلازم الكنيسة، خادمًا شعب الله بكل محبة، لكن بقي قلبه ملتهبًا بالحياة والتأمل والرغبة في الرهبنة. وهبه الله سؤل قلبه فانطلق من المدينة إلى مريوط، ومنها إلى الإسقيط، فتتلمذ على جماعة من الآباء القديسين أبرام وجاورجي. أقام هناك ثلاث سنوات، فأحبه الجميع وأدركوا قوة روحه وفضائله. صلى عليه الأنبا يؤانس قمص شيهيت ومعه جماعة من القديسين ثلاثة أيام متوالية وألبسوه الإسكيم الملائكي، فصار يجاهد بالأكثر في حياته النسكية، بأصوام وصلوات بلا انقطاع. انطلاقه إلى سخا اشتاق أن يتمثل بالقديس سمعان العمودي، فاستشار الآباء بالبرية الذين استصوبوا رأيه، وصلوا من أجله، حيث انطلق من البرية إلى نواحي سخا في كنيسة صغيرة، فبنى له المؤمنون مسكنًا شبه عمود صعد إليه. كان بقلبه المتسع حبًا وبنفسه النقية يخدم الشعب، بصلواته وإرشاداته، وقد وهبه الله عطية عمل الآيات، نذكر منها: 1. في أيامه ظهر إنسان به شيطان عنيد يضل الناس، فكان يجلس في الكنيسة وحوله الشعب يحمل سعف النخيل وأغصان الشجر؛ استدعاه القديس وصلى عليه وأخرج منه الشيطان. 2. ادعت سيدة أن القديس مارمينا يكلمها، وطلبت من الشعب أن يحفروا بئرًا على اسم مارمينا ليبرأ كل من يستحم فيها من مرضه. صلى القديس على المرأة فخرج الروح الشرير، ثم ردم المؤمنون البئر. 3. ادعى شخص إنه يخرج الشياطين، إذ كان يضرب من بهم أرواح نجسة فيسكتون إلى حين، مدعيًا أنه أخرج منهم الأرواح الشريرة. استدعاه القديس لكي يحضر فلم يطع، بل استرسل في طغيانه وكبرياء قلبه. وفي أحد الأيام إذ عبر الوالي به وكان حوله مجموعة من الذين سيطرت عليهم الأرواح الشريرة، صاروا يهينون الوالي ويشتمونه. استدعى الوالي هذا الرجل وأمر بتعذيبه حتى مات. وهكذا نال جزاء كبرياء قلبه وعدم طاعته. 4. ظهرت الشياطين للقديس أغاثون العمودي في شكل ملائكة ترتل له وتطوبه؛ أدرك خداعهم، ورشم عليهم علامة الصليب ففروا مغلوبين. عاش هذا القديس مائة عام، أقام 35 عامًا في العالم قبل الكهنوت، وخمس سنوات ككاهن بتانيس، 10 سنوات ببرية شيهيت، 50 سنة في مسكنه العمودي. وأخيرًا إذ مرض اجتمع حوله كثيرون فوعظهم، ثم صلى، وأسلم الروح بين دموع الكثيرين. تعيِّد له الكنيسة في 14 من شهر توت. |
أغربينوس البابا العاشر ولد بالإسكندرية، وسيم قسًا، وقد عُرف بتقواه وصلاحه، لذلك عندما تنيح كلاديوس، انتخبه الشعب والأساقفة بالإجماع أسقفًا على الإسكندرية، وجلس على الكرسي في مسري سنة 167 م، في عهد مرقس أورليوس. وقد عاصر اضطهاد هذا الإمبراطور فكان يسند المؤمنين ويعظهم، بل وكان كارزًا للوثنيين، انضم منهم عدد كبير إلى الإيمان. تنيح في الخامس من أمشير سنة 178 م. |
أنبا إشعياء الإسقيطي لا نعرف كثيرًا عن حياته، لكن ما جاءنا عنه يكشف عن مدى سموّ حياته وقدراته الروحية والتعليمية حتى تسلم تدريب حياة الكثيرين من الرهبان في بدء حياتهم الرهبانية، وقد جاءت تعاليمه للرهبان المبتدئين حية ورائعة. مع القديس أرسانيوس يبدو أنه كان مسئولاً عن حياة القديس أرسانيوس في بداية رهبنته، وإذ كان الأخير يأكل صنفين بقلاً وخلاً يكسر بهذا النظام الرهباني في عهده. وقد خجل أنبا إشعياء أن يحدثه في هذا الأمر، إذ يعلم حياته الأولى كمعلم لأولاد الملوك عاش في القصر مدللاً، لكنه إذ دخل تارة قلاية أحد الإخوة المجاورين للقديس أرسانيوس يدعى زينون، ووجده يبل الخبز الجاف في ماء به ملح ليأكله بسبب الحر الشديد، وجدها فرصة لا للتشهير بهذا الأخ وإنما لتعليم أرسانيوس. أخذ الأب إشعياء الوعاء الذي به الماء ووضعه أمام قلاية أنبا أرسانيوس وأمر فدقوا الجرس واجتمع الإخوة، عندئذ قال: "يا أخي، لقد تركت تنعمك وكل مالك وجئت إلى الإسقيط حبًا في الرب وخلاص نفسك، فكيف تريد الآن أن تتلذذ ذاتك بالأطعمة... إن كنت تريد أن تأكل مرقًا امضِ إلى مصر، لأنه لا يوجد في الإسقيط تنعم". وإذ سمع الأنبا أرسانيوس، قال لنفسه: "هذا الكلام موجه إليك يا أرساني". "والعجيب أن ما فعله مع القديس أرسانيوس حدث معه شخصيًا في بداية رهبنته، إذ دخل عليه الأنبا أخيلاس في قلايته ووجده يأكل، وكان يبل الخبز الجاف أيضًا في إناء به ماء وملح، وإذ شعر بمجيء أنبا أخيلاس أخفى الإناء وراء "الحصيرة"... لكن الأنبا أخيلاس كشف الأمر، وإذ اعتذر أنبا إشعياء إنه كان يقطع سعف النخيل في الحر، وقد جفّ حلقه لذا كان يبل الخبز الجاف... فوبخه، قائلاً له: "أبا إشعياء يأكل مرقًا في الإسقيط، إن أردت أن تأكل مرقًا اذهب إلى مصر". دروس في الجهاد قيل عنه أنه حمل وعاءً ومضى إلى البيدر ليقول لمالكه: "اعطني قمحًا"، فأجابه: "وهل حصدت يا أبتِ؟" قال: "لا"، فقال له صاحب البيدر: "كيف تريد إذن أن تحصد من حيث لم تزرع؟! "قال الأب: "إذن من لا يعمل لا يأخذ أجرة"... ثم تركه الشيخ ومضى. إذ رأى الإخوة ذلك انحنوا أمامه، قائلين: "اخبرنا لماذا فعلت ذلك؟" أجاب الشيخ: "فعلت هذا مثالاً، من لا يعمل لا يتقبل من الله جزاء". إرشاداته للمبتدئين ليس شيء ينفع المبتدئين مثل (احتمال) الإهانة، فالمبتديء الذي يحتمل الإهانة يكون شجرة ترتوي كل يوم. كما أن الغصن الغضّ ينحني بسهولة، هكذا المبتدئون الذين يعيشون في الطاعة. المبتديء الذي يتنقل من دير إلى دير يشبه حيوانًا يركض هنا وهناك بسبب ذبابة خيل. قال أيضًا إنه إذ كان الإخوة مجتمعين يأكلون في الكنيسة (المبنى الملحق بها) وجبة محبة وكانوا يتكلمون فيما بينهم، انتقدهم كاهن البلسم (الفرما)، قائلاً: "اصمتوا يا إخوة، فقد رأيت أخًا يأكل معكم ويشرب مثلكم، وصلاته ترتفع إلى حضرة الله مثل النار. الصلاة أحب الصلاة في كل حين ليضيء قلبك بأسرار الله. لا تتوانى في صلوات السواعي (الأجبية)، لئلا تقع في أيدي أعدائك. اجهد نفسك في تلاوة المزامير، فإن ذلك يحفظك من خطية الدنس. الجهاد إن كنت في شيء من تعب الرهبانية ورأيت الشياطين قد انهزموا منك وانغلبوا في القتال فلا تطمئن، بل كن على حذر منهم... واعلم أنهم يهيئون لك قتالاً أشر من الأول... الصوم يذل الجسد، والسهر ينقي العقل، أما كثرة النوم ففيه خسارة العقل وجفاف العينين وغلاظة القلب. حب التعب والمشقة في كل شيء لتخفف عنك أوجاعك. الكسل يجلب علينا الأعداء، ابغض الكسل كيلا تحزن. مصادقة العظماء إن مضيت إلى رؤساء (عظماء) العالم مريدًا مصادقتهم فليس فيك خوف الله. إن شئت أن تكون معروفًا عند الله، فلا تُعرف الناس بنفسك، لأن المرتبط بأمور العالم إذا سمع الحق يرذل قائله. العفة وحفظ الحواس احفظ قلبك وعينيك فلن يصيبك بأس جميع أيام حياتك. إذا تحدث أناس بأفكار لم تبلغها ولم تُحارب بها فامتنع عن سماع كلامهم هذا، لئلا تجلب على نفسك ذلك القتال. احذر من فتح فمك بالضحك، فإن الضحك يوضح عدم وجود خوف الله. إياك أن تتمادى في ذكر خطاياك السابقة، والتلذذ بها، لئلا تنتابك الأتعاب، وإن قوتلت بزنا في أحلام الليل، فاحفظ فكرك من تذكرها بالنهار، ولا تذكر أيضًا تلك الأجساد التي أبصرتها أثناء نومك، لئلا تتدنس بلذتها وتجلب على نفسك حزنًا. ليكن فكرك منشغلاً بالله، وهو يحفظك. ابغض كلام العالم ليفرح قلبك بالله. التوبة إن قال لي إنسان: "إني أريد أن أتوب عن خطاياي"، وهو لا يزال يفعل شيئًا منها فهو كاذب. إن أخطأت في أمر ما فلا تستح وتكذب، بل اسرع وقر بذنبك واستغفر، فيغفر لك. طوبى لمن اهتم من أجل جراحاته لتُشفى، وعرف خطاياه، وطلب من أجلها الغفران. |
القديس إسحق "الكبير" هكذا تدعوه الكنيسة الأرمنية: "القديس إسحق Sahak وIsaac الكبير أو الأول. يبدو أن الأساقفة في الفترة الأولى في الكنيسة الأرمنية كان يمكن أن يكونوا متزوجين، على أن يكون بعل امرأة واحدة، حتى ظهرت حركة البتولية ثم الرهبنة هناك فسلكوا حسب التقليد الكنسي العام أن يكون بتولاً أو راهبًا. هو ابن الجاثليق (كاثوليكوث) نيرسيس الأول، يُحتمل أن يكون قد سيم وهو أرمل، ومن سلالة القديس غريغوريوس المستنير لذا يدعى "الإغريغوري". ولد حوالي عام 350م، وبعد أن أتم دراسته في القسطنطينية تزوج. تنحيت زوجته في وقت مبكر فصار راهبًا. سيم جاثليقًا على أرمينيا سنة 390 م في وقت عصيب وحرج بالنسبة للكنيسة وأيضًا بالنسبة للدولة. فمن جهة الدولة كانت أرمينيا بقسميها يحكمها ولاة خاضعين اسميًا لسادتهم البيزنطيين والفارسيين. أما من جهة الكنيسة فقد سبق فأعلن سلفه نيرسيس الأول استقلال الكنيسة الأرمنية عن قيصرية، وكان ذلك في أيام القديس باسيليوس أسقف قيصرية، لذا كان يُنظر إلى هذه الكنيسة بطريقة أو أخرى ككنيسة منشقة. لما سيم إسحق وجد قلة تميل للتبعية لكرسي قيصرية فتجاهلها، معلنًا نفسه في القسطنطينية كرئيس أعلى للكنيسة الأرمنية مطالبًا بقوة لدى القصر الإمبراطوري باستقلال كنيسته عن قيصرية، كشعب أرمنّي له بطريركه وثقافته الخاصة، ويبدو أن هذا الاتجاه قد وجد قبولاً لدى القسطنطينية خاصة في الوسط الكنسي، حيث بدأ الأرمن يتفاعلون مع الفكر البيزنطي ويرتبطون بشيء من ثقافته. هذا من جانب ومن جانب آخر يرى بعض الدارسين أن الضغط الفارسي (الوثني) كان له أثره في ميل الأرمن للاستقلال عن قيصرية للارتباط بالأكثر بالقسطنطينية. على أي الأحوال كان هذا العمل تحركًا طبيعيًا للكنيسة الأرمنية يمثل انطلاقة جديدة حسبت كبدء عصر ذهبي للفكر الأرمني الكنسي الأصيل. في عهده ظهرت حركة نمو وإصلاح شامل، فازدهرت الحركة الرهبانية بسرعة وأنُشئت المدارس والمستشفيات، وأعيد بناء الكنائس التي هدمها الفرس. هذا التحرك احتاج إلى صراع الأب إسحق ضد الأفكار الفارسية الوثنية من جانب، وضد بعض الاتجاهات الكنسية التي مالت لقيصرية. قام بحركة ترجمة قوية، يساعده في ذلك القديس ميسروب Mesrop، ويعتبر ترجمة العهد القديم الأرمنية ذات قيمة عالية لدي دارسي الكتاب المقدس، كما أن بعض الكتابات اليونانية التي ترجمت إلى الأرمنية فُقد الأصل وبقيت الترجمة تمثل تراثًا كنسيًا أصيلاً. هذا وينسب له التقليد الكثير من التسابيح والألحان الأرمنية. حوالي عام 425 م طرد الفارسيون الوالي، كما عزلوا إسحق عن كرسيه في أقصى غرب الدولة لمعرفتهم بميوله للكنيسة البيزنطية القسطنطينية، لكن تحت الضغط الشعبي القوي التزم الفارسيون بإعادته إلى كرسيه، وقد تنيح وهو في الثانية والتسعين من عمره تقريبًا. لم يستطع أن يحضر مجمع أفسس سنة 435 م بسبب شيخوخته. |
القديس إسحق التبايسي كثيرًا ما يحدث خلط بين الآباء الذين حملوا اسم "إسحق" في الرهبانية المصرية في مركز قيادي، فيرى بعض الدارسين أن إسحق التبايسي هو بعينه الأب إسحق قس القلالي، كاهن كنيسة نتريا، قد تتلمذ أولاً على يدي القديس مقاريوس أب دير بسبير، وقد رأى القديس أنبا أنطونيوس، ثم انطلق إلى نتريا يتتلمذ على يدي القديس كرونيوس والقديس ثيؤدور الفرمي Theodore of Parme، ويحاول البعض الفصل بين الشخصيتين، وإن كان الرأي السائد أنهما شخص واحد. هذا وكثيرًا ما يخلط البعض أيضًا بين الأب إسحق قس القلالي، والأب إسحق قس شيهيت، وينسبون ما للواحد للآخر. إسحق التبايسي إن كان إسحق قس القلالي هو بعينه إسحق التبايسي، إذ نشأ بالصعيد وترهب أولاً هناك متتلمذًا على يدي القديس مقاريوس رئيس دير بسبير، لكنه وجد أكثر من أب حمل ذات الاسم "إسحق" في الأديرة الكثيرة المنتشرة بمنطقة طيبة التي تكاد تتسع لتحوي غالبية صعيد مصر. لذلك ما ورد في بعض الكتابات النسكية عن "إسحق التبايسي" أحيانًا يقصد به غير الأب إسحق قس القلالي، نذكر هنا ما ورد تحت عنوان "إسحق التبايسي" في كتاب "Bendicta Word" طبعة 1975 م، ص 93-94، إنه كان تلميذًا للأنبا أبوللو، الذي قال عنه تلميذه إسحق أنه "قد تدرب بكمال في كل الأعمال الصالحة وكان له موهبة الصلاة الدائمة". فمع محبته لإخوته لم يكن يسمح لأحد أن يرافقه في الطريق إلى الكنيسة حتى لا يشغل ذهنه بشيء، وكان يعلق على ذلك بقوله: "كل شيء صالح في وقته المناسب، فلكل عمل زمنه". لعله بهذا يقصد أنه لا يليق أن نمارس حتى أحاديث المحبة أو خدمة ما قبيل الحضور للقداس الإلهي حتى لا يرتبك ذهننا بشيء حتى وإن كان صالحًا، فللخدمة وقت معين فلا تكون على حساب تركيز ذهننا في الصلاة. بعد نهاية القداس الإلهي لم يكن يقبل أن يشترك في الطعام بل ينطلق سريعًا إلى قلايته، وكما يقول معلمه أبوللو: "لم يفعل ذلك رفضًا لمحبة الإخوة وإنما حفظًا للصلاة الدائمة". إذ مرض الأب إسحق جاء الإخوة يفتقدونه، فسألوه: "لماذا تهرب يا أبا إسحق من الإخوة في نهاية الخدمة؟" أجاب: "لست أهرب من الإخوة إنما من حيل إبليس، الشياطين الشريرة. متى أشعل إنسان سراجًا، فإن عرَّضه للهواء الطلق ينطفئ بسبب الريح، هكذا نحن إذ نستنير بالإفخارستيا المقدسة فإن روحنا تظلم إن سرنا خارج قلالينا". |
القديس إسحق السرياني نال شهرة عظيمة بسبب حبه الشديد للوحدة، وممارسته إياها، كما وضع أربعة كتب عن الوحدة والسكون، غاية في الروحانية، ترجمت منذ وقت مبكر إلى العربية والأثيوبية واليونانية. دخل مع أخيه ديرًا بطور سيناء، ويرى البعض أنه التحق بدير في "بيت آب Bethabe" بكوردستان. ثم توحد في مغارة بينما صار أخوه رئيسًا للدير. ولما دعاه لزيارة الرهبان أرسل إليه يعاتبه بشدة إذ كان يعشق حياة الوحدة والسكون. إذ اشتهر علمه وقداسته اختير أسقفًا لمدينة نينوى (تبع النساطرة)، في ظروف لا نعرفها (مع هذا فقد رأى الدارسون في الكنيسة الجامعة أن كتاباته لا تحمل فكرًا نسطوريًا). في أول يوم للأسقفية جاءه دائن ومدين يحتكمان إليه، فطلب المدين من الدائن أن يمهله قليلاً حتى يجمع المال، لكن الدائن أصر على تسليمه للحاكم. تدخل الأب الأسقف، قائلاً: "إن الإنجيل المقدس يأمرنا بأن من يأخذ مالنا لا نطالبه به، فلا أقل من أن تصبر عليه". أجابه الدائن: "دع عنك كلام الإنجيل". قال مار إسحق: "إذا كانوا لا يستمعون لكلمات الإنجيل، فماذا أتيت لأعمل؟!" ولما رأى تدبير شئون الأسقفية يفسد له عمل الوحدة هرب إلى دير "رابان شابور" Rabban Shapur، وصار رائدًا للسكون والوحدة. ويرى البعض أنه هرب إلى برية الأسقيط يقضي بقية أيامه في شيهيت متوحدًا (القرن السادس / السابع). يرى البعض أن هناك خلطًا بين حياته وحياة إسحق الأنطاكي في القرن الرابع. من كلماته المسيح هو الغاية: السابح يغوص غائرًا في البحر إلى أن يجد اللؤلؤ، والراهب الحكيم يسير في الدنيا عاريًا إلى أن يصادف فيها الدرة الحقة التي هي يسوع المسيح، وإذ ما وافاه فلن يقتني معه شيئًا من الموجودات. الإيمان: بالحقيقة إن المعمودية والإيمان هما أساس كل خير، فيهما دُعيت ليسوع المسيح لأعمال صالحة. بالإيمان يدرك العقل الأسرار الخفية، كما يدرك البصر المحسوسات. التوبة: التوبة هي لباس الثياب الحسنة المضيئة. الرهبنة الحقيقية: طوبى للذين يحفظون ويعملون. لا تفتخر بالاسم بل اجتهد في الأعمال، لأن العمل (لا مجرد الاسم كراهب) هو الذي يبرر ولو كان بلا شكل أو اسم. الجهاد: لا تحب التهاون، لئلا تحزن نفسك في قيامة الصديقين. الموت والحياة: كن ميتًا بالحياة، لا حيًا بالموت. التواضع: من وضع قلبه مات عن العالم، ومن مات عن العالم مات عن الآلام. من طلب الكرامة هربت منه، ومن هرب من الكرامة لحقت به وأمسكت. جالس المجذومين ولا تجالس المتعظمين. من يهرب من سبح العالم بمعرفة يكتنز في نفسه رجاء العالم العتيد... والذي يفر من نياح الدنيا يدرك بعقله السعادة الأبدية. الصلاة: ثمار الشجرة تكون فجة ومرّة، ولا تصلح للأكل حتى تقع فيها حلاوة من الشمس، كذلك أعمال التوبة الأولى فجة ومرة جدًا، ولا تفيد الراهب حتى تقع فيها حلاوة الثاؤريا (التأمل في الإلهيات بالصلاة)، فتنقل القلب من الأرضيات. حِبّْ الصلاة كل حين لكي يستنير قلبك بالله. الذي يتهاون بالصلاة ويظن أن هناك ثمة باب آخر للتوبة مخدوع من الشياطين. الذي يمزج قراءته بالتدابير (العملية) والصلاة يُعتق من الطياشة. الحياة الداخلية: اصطلح مع نفسك فتصطلح معك السماء والأرض. من يصالح نفسه أفضل ممن يصالح شعوبًا. الشكر: ليست خطية بلا غفران إلا التي بلا توبة، ولا عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر. فم يشكر دائمًا إنما يقبل البركة من الله، وقلب يلازم الحمد والشكر تحل فيه النعمة. الرحمة: كن مطرودًا لا طاردًا، وكن مظلومًا لا ظالمًا. الذي فرش مراحمه بلا تمييز على الصالحين والأشرار بالشفقة، فقد تشبه بالله. استر على الخاطئ من غير أن تنفر منه لكيما تحملك رحمة الله. الاتكال على البشر: الاتكال على البشر يمنع بالكلية الاتكال على الله، والعزاء الظاهر يمنع العزاء الخفي، وهكذا بقدر ما يكون الراهب منفردًا وفي وحشة تخدمه العناية الإلهية. العادات: رباطات النفس هي العادات التي يعتادها الإنسان، إن كانت بالجيد أو بالرديء. كل عادة إذ سُلمت لها باختيارك، تصبح لك في النهاية سيدًا، تسير خلفها مضطرًا بغير اختيارك. النهم: جالس الضباع ولا تجالس الشره الذي لا يشبع. من يشتهي الروحيات حتمًا يهمل الجسديات. من يكرم الجسد (بالنهم) يكرم معه الشياطين الذين خدعوه منذ القديم. محبة الاقتناء: التمس فهمًا لا ذهبًا، واقتن سلامًا لا مُلكًا. المرتبط بالمقتنيات والملذات هو عبد للأوجاع الذميمة. مطرانية بني سويف: بستان الرهبان. |
القديس إسحق الهوريني نشأته ولد هذا القديس بمدينة هورين من أعمال شباس من أبوين تقيين، وقد تنحيت والدته سوسنه وهو صغير، فتزوج والده إبراهيم مرة أخرى، فكانت امرأة أبيه تبغضه بالرغم من صغر سنه، فلم تكن تعطيه طعامًا سوى القليل من الخبز، وكان ينطلق مع رعاة أبيه وهو في الخامسة من عمره يحمل الخبز معه، يوزعه على الرعاة ويبقى صائمًا حتى يعود إلى بيته. إذ شكاه أحد الرعاة لوالده أنه لا يأكل طوال النهار، أراد الوالد أن يتحقق الأمر بنفسه. رآه الصبي الصغير قادمًا من بعيد، وعرف أنه جاء خصيصًا ليراه إن كان يأكل الخبز أم يوزعه، وكان قد قام بتوزيعه، وإذ خاف من والده، جاء بثلاث قطع من طين وربطهم في طرف العباءة ليظن والده أنه محتفظ بالخبز، وكان ذلك على مشهد بعض الرعاة. جاء الوالد واتجه إلى العباءة وفك الرباطات ففوجئ الرعاة بوجود خبز حقيقي، فدهشوا للغاية، وإذا سألهم الوالد عن سرّ دهشتهم قصوا له ما فعله أبنه، فتعجب الوالد ومجّد الله. رهبنته إذ كبر الصبي كان يزداد قلبه شوقًا للحياة الرهبانية، فذهب إلى راهب قديس يدعى الأنبا إيليا، وأقام عنده مدة. وبعد نياحة الأنبا إيليا، مضى إسحق إلى جبل البرنوج، وأقام عند شيخ يدعى الأنبا زخرياس يتتلمذ على يديه (جبل البرنوج بنتريا، بمركز دمنهور بمحافظة البحيرة). إذ كان والده يجّد في البحث عنه، عثر عليه عند القديس، وسأله أن يرجع معه، وقد أشار عليه معلمه أن يطيع فعاد، ومكث مع والده حتى تنيح الأخير فوزع الابن كل ما ورثه، وأقام في مكان منفرد بناه خارج المدينة يمارس حياته النسكية، وبقى في هذا الموضع سرّ بركة لكثيرين حتى تنيح ودفن هناك، في 22 برمودة. |
القديس إسحق قس القلالي وُلد القديس إسحق قس القلالي أو قس نتريا من أبوين فقيرين تقيين بصعيد مصر. كان يلتقي بالرهبان القادمين إلي الريف ويسمع لهم فأحب الحياة الرهبانية، وتتلمذ علي يدي القديس مقاريوس رئيس دير بسبير. كما رأى القديس أنبا أنطونيوس وتعلّم منه الصلاة، كما يظهر من مناظرته مع القديس يوحنا كاسيان (مناظرة عن الصلاة 9: 31). رحل إلى جبل نتريا، وتتلمذ على يد الأنبا كرونيوس الذي خلفه كقس ومدبر لنتريا والقلالي. عندما كبر المعلم في السن جدًا، إذ كان قد بلغ حوالي 110 سنة هذا وقد تتلمذ أيضًا على يدي القديس ثيؤدور الفرمي. التقى بالقديس الأنبا بامو (بيمين)، وتتدرب على يديه في الزهد خاصة في الملبس. طرد من نتريا على يد البابا ثاوفيلس (23) مع سميّه إسحق قس شيهيت وعدد من المتوحدين والرهبان بسبب ميولهم للعلامة أوريجينوس. بعد النفي عاد من فلسطين إلى نتريا ليمارس دوره الفعال. وقد أصيب في آخر أيامه بمرض شديد أنهكه، فلازم الفراش زمانًا طويلاً. تلمذته لأنبا كرونيوس يكشف لنا الأنبا إسحق قس القلالي كيف يدربه معلماه أنبا كرونيوس وأنبا تيؤدور بالعمل لا الكلام، مقدمين مفهومًا آبائيًا للتلمذة الحقة، إذ يقول: "عندما كنت شابًا صغيرًا اعتدت السكنى مع أنبا كرونيوس، ولم يكن يكلفني مطلقًا بعمل شيء ما. والآن، وقد صار شيخًا لا يستطيع التحكم في أطرافه، إلا أنه لا يزال يقف ويقدم لي الماء بيديه وكذلك الأمر مع الجميع. هذا هو ما كان يحدث أيضًا بالنسبة لأنبا تيؤدور الفرمي، إذ لم يكن يكلفني بعمل أيا كان نوعه. وكان يعد هو المائدة، وكنت أقول له: "لقد جئت يا أبي لكي أساعدك، فلماذا لا تطلب مني أن أؤدي لك عملاً؟" لكن الشيخ لم يكن يخاطبني بشيء بل كان يحفظ السكون. فصعدت أنا وأعلمت الشيوخ بالأمر، فجاءوا إليه قائلين: "يا أبانا لقد جاء إلى قداستك هذا الأخ لكي ما يعينك، فلماذا لا تأمره بعمل ما؟" أجابهم الشيخ: "وهل أنا رئيس دير حتى آمره؟ إنني لن أقول له شيئًا إلا عن رغبتي في أن يفعل هو مثلما يراني أعمل". "ومنذ ذلك الوقت كنت أسبقه في عمل الشيء قبل أن يقوم هو به، ولازال يعمل هو في صمت وهدوء، وبهذه الطريقة جعلني أتعلم أن أعمل في سكون وهدوء. مع أنبا بيمين يذكر لنا البستان أحاديث كثيرة نافعة وبدالة قوية تمت بين القديس إسحق قس القلالي والقديس الأنبا بيمين، نذكر منها: كنت جالسًا في إحدى المناسبات مع أنبا بيمين، فلاحظت أنه كان في دهش عظيم، وبما كان لي من تأثير عليه طلبت منه بإلحاح، قائلاً: "فيم تفكر يا أبي؟" وبعد إلحاح شديد أجاب، قائلاً: "كنت أتأمل في موضوع الصلب، حيث كانت القديسة مريم والدة الإله واقفة تبكي بجوار صليب مخلصنا، كنت أتمنى أن أشعر بمثل هذا كل الأوقات". في إحدى المناسبات رأى أحد الآباء الأنبا بيمين يصب ماء على قدميه (يغسلهما)، فقال أنبا إسحق لأنبا بيمين بدالة: "كيف يكون هذا؟ فبينما يدرب الآباء أنفسهم على أتعاب شاقة، وأعمال نسك عظيمة حتى أنهم قمعوا أجسادهم نراك تغسل قدميك؟" أجاب أنبا بيمين: "إننا لم نتعلم أن نكون قاتلين لأجسادنا، بل قاتلين لشهواتنا". مرة سمع أنبا إسحق صياح ديك، فقال لأنبا بيمين: هل يوجد دواجن هنا يا أبي؟ أجابه قائلاً: "لماذا تجبرني أن أتحدث إليك يا إسحق؟ الذين يشبهونك فقط هم الذين يسمعون مثل هذه الأصوات، أما المجاهد فلا يشغل نفسه بمثل هذه الأمور". اعتاد أبا إسحق قس القلالي أن يقول بأن أبا بامو (بيمين) كان يقول: يليق بلبس الراهب الذي يرتديه أن يكون هكذا: لو أُلقي خارج القلاية لمدة ثلاثة أيام لا يريد أحد أن يلتقطه. اعتاد أبا إسحق أن يقول للإخوة: إن آباءنا وأنبا بامو (بيمين) كانوا يلبسون خرقًا موصولة قديمة، أما الآن فتلبسون ثيابًا غالية الثمن. امضوا من هنا فقد أفسدتم الموضع. إنني لا أقدم لكم وصايا لأنكم لا تحفظونها. بكاؤه كان أبا إسحق وأبا إبراهيم يعيشان معًا. حدث أن دخل مرة أبا إبراهيم ليجد أبا إسحق يبكي، فقال له: "لماذا تبكي يا أبت؟" أجاب الشيخ: "ولماذا لا نبكي؟ لقد مات آباؤنا، وها عمل أيدينا (جهادنا الروحي) لا يكفي لأجرة المركب لكي نذهب ونفتقدهم، لهذا نحن أيتام (لا نجاهد كآبائنا)، من أجل هذا أبكي". عند الحصاد اعتاد الرهبان أن يقوموا ببعض الأعمال كالحصاد في الحقول القريبة حتى يأكلوا من تعب أيديهم. وقد روى لنا أنبا إسحق ما رآه بعينيه أن أحد الإخوة (الرهبان) إذ كان يقوم بالحصاد ذهب يستأذن صاحب الحقل ليأخذ سنبلة يفركها بيديه ويأكلها، فدُهش صاحب الحقل، قائلاً: "يا ابني الحقل هو لك، أتستأذني لكي تأكل؟!" وقد تأثر صاحب الحقل منتفعًا لما رأى ما بلغه الإخوة من حذر على أنفسهم. حبه للنسك حدثنا أحد الآباء كيف أنه في أيام أبا إسحق جاء أخ إلى كنيسة القلالي، وكان يرتدي قبعة صغيرة، فطرده الشيخ، قائلاً: "هذا الموضع هو للرهبان، إنك علماني ولا يليق بك أن تعيش هنا". نقاوة القلب لم أسمح قط لفكر ضد أخي يحزنني أن يدخل قلايتي، وكان همّي ألا أترك أحدًا يدخل قلايته وفي قلبه فكر ضدي. لعل هذا الحديث جاء ثمرة خبرة عاشها بعد أن سقط في إدانة أخ، فوبخه الملاك على ذلك، إذ جاء عنه: حدث أن أتى أبا إسحق إلى دير، فرأى أخًا يخطئ فأدانه، وإذ عاد إلى البرية وجد ملاكًا من عند الرب قد جاء ووقف أمام قلايته، وصار يقول له: "لن أسمح لك بالدخول". وإذ قاومه قائلاً: "ما هو الأمر؟" أجابه الملاك: "الرب بعثني إليك أسألك أين تشاء أن تطرح الأخ المخطئ الذي أنت أدنته؟" فتاب لوقته، وقال: "أخطأت، اغفر لي". عندئذ قال الملاك: "اصعد، فإن الرب قد غفر لك، ولكن عليك من الآن أن تحفظ نفسك من أن تدين أحدًا قبل أن يدينه الله". في كتاب "Bendicta" نسبت هذه القصة لإسحق التبايسي كإسحق آخر غير قس القلالي. هذا ويروي لنا عن نفسه أن الشيطان قد تجاسر وظهر له مطلاً من الطاقة قائلاً له أنه قد صار من أتباعه، وإذ فحص الأمر تذكر أنه تجاسر وتناول من الأسرار المقدسة ثلاثة أسابيع متتالية دون أن يصفح عن أحد. هكذا شعر أنه بهذا العمل عوض نوال بركة الاتحاد مع الله حُسب من أتباع عدو الخير، إذ عمل في قلبه عدم الصفح عن الآخرين. لهذا أسرع إلى الأخ، وبدموعه سأله أن يصفح عنه. الكبرياء يتقدم الآلام (الشهوات) جميعها الكبرياء ومحبة الذات. |
القديس إسحق قس برية شيهيت انطلق إلى الصحراء وهو ابن سبع سنوات، وبالرغم من صغر سنه كان يحفظ بعض إصحاحات كاملة من الكتاب المقدس عن ظهر قلب، وقد اهتم كل حياته بالكتاب المقدس. يقول عنه المؤرخ القديس بلاديوس أنه حفظ الكتاب كله. منذ صغره تمتع بمواهب فائقة حيث كان يمسك الأفعى المقرنة القاتلة ولا تؤذيه. عاش 50 عامًا في حياة الوحدة وتتلمذ له 150 متوحدًا. وكان القديس الأنبا أثناسيوس يحبه وكان كثير الحديث عنه. نفي مع سميّه أنبا إسحق قس القلالي لميوله للعلامة أوريجينوس. يروي لنا الآباء عن قصة هروبه من الكهنوت ثم قبوله، وقد نُسبت خطأ للأب إسحق قس القلالي كما يرى بعض الدارسين، تتلخص في أن الأب إسحق سمع أنهم يريدون سيامته كاهنًا فانطلق إلى مصر، وذهب إلى حقل واختفى في وسط البيدر. انطلق الكهنة وراءه يبحثون عنه، وإذ بلغوا ذات الحقل توقفوا ليستريحوا إذ كان الليل قد حلّ. تركوا الدابة (الحمار) قليلاً وإذ به ينطلق وهم وراءه يريدون الإمساك به، حتى بلغ إلى الموضع الذي فيه القديس إسحق مختفيًا، فامتلأوا دهشة، وإذ أرادوا أن يربطوه ليحملوه عنوة منعهم قائلاً لهم: "إنني لن أهرب بعد، فإن هذه هي إرادة الله، وأينما هربت وجدت ذلك بعينه". |
الشهيد إسحق من شما كان يعمل في حراسة بستان، يسلك في حياة تقوية نسكية، يأكل مرة كل يومين من البقول، وكان محبًا للفقراء. ظهر له ملاك في رؤيا وسأله أن يمضي إلى الوالي ويعترف باسم السيد المسيح، وبالفعل تمم ذلك، ونال إكليل الشهادة في 25 من شهر أبيب، وقد دفن في بلده شما. الأنبا إسحق تلميذ الأنبا أبلوس: أنظر الأنبا إيساك (10 برمودة). |
الشهيد إسخيون في أيام الإمبراطور داكيوس (ديسيوس)، كان والي الإسكندرية عنيفًا في اضطهاده للمسيحيين، وكما يقول المؤرخ يوسابيوس أنه بدأ الاضطهاد قبل إصدارالإمبراطور للمرسوم بذلك الأمر بحوالي سنة كاملة (أي سنة 249 م). كان المسيحيون في الإسكندرية يُساقون إلى المحاكمة ليسقطوا تحت أنواع كثيرة من العذابات، وإذ كان أحد المسيحيين يومًا ما يُحاكم، ورأى أدوات التعذيب يبدو أنه بدأ يضعف، وكاد أن ينهار، وينكر مسيحه، لكن ربنا يسوع المسيح لم يتركه هكذا، إذ فجأة رأى خمسة من الجند من بينهم جندي يدعى إسخيون Ischyion قد اقتحموا ساحة المحاكمة، الأمر الذي شدَّ أنظار الكل ليروا ما وراءهم، وإذ بهم ينطلقون ليقفوا بجوار المتهمين، معترفين أنهم تلاميذ المسيح. دُهش القاضي وكل الجماهير لهذا المنظر، خاصة وقد حمل هؤلاء الرجال بشاشة على وجوههم، وكأنهم قادمون لا لاحتمال العذابات وإنما لنوال فرح وأكاليل. هنا تشدد الرجل الخائر، وأدرك بقوة تملأ نفسه، وتعزيات الله في قلبه، بعد أن كان القاضي قد بدأ يتهلل بانهيار الرجل انقلبت كل الموازين، إذ أعلن الرجل شوقه لاحتمال كل عذاب من أجل إيمانه الحق. بدأ إسخيون يشهد للسيد ويكرز به وسط المحكمة، فأمر القاضي رجلاً يدعى أرمينيوس أن يعذب هذا الجندي، فصار يبتر أعضاء جسده، بل وفتح بطنه بعصا، ثم استشهد، وتبعه زملاؤه. |
القديس إسطفانا الساقط في مرارة يسجل لنا القديس جيروم سيرة هذا الراهب العملاق الذي انهار بسبب الكبرياء، وانحل عن حياته الروحية ليعيش في الفساد والدنس، وقد صار عبرة لكل نفس متشامخة. قال القديس جيروم: "كان في الإسقيط رجل يدعى إسطفانا Stephana ، سكن في البرية تسعة وعشرين عامًا، كان ثوبه من سعف النخيل، يسلك حياة صارمة مدققة في إنكار الذات، ويمارس النسك حتى أنه لم يمل لأكل الوجبات العادية ذات المذاق الحسن، وكان ينتقد بشدة الذين يأكلون بسبب المرض طعامًا مطبوخًا أو يشربون حلوًا. لقد وُهب عطية الشفاء، فكان يخرج الشياطين بكلمة. حدث مرة أن إنسانًا به روح نجس جاء إلى الإسقيط ليُشفى، وإذ رأى الراهب أن الرجل يتعذب بشدة من الشيطان صلى فشفي. أخيرًا رفضته نعمة الله بسبب تشامخه وتعاليه المتزايد جدًا، فقد ظن في نفسه أن حياته وأعماله أعظم مما للآباء الآخرين، ففي البداية عزل نفسه عن الإخوة، ثم ذهب إلى أحد الأديرة بالإسكندرية كرئيس للمتوحدين. في كبريائه قال: "أأخضع أنا لمقاريوس؟ أليست حياتي وأعمالي أفضل من حياته وأعماله؟". وقد بلغ به الجنون (العظمة) أنه ذهب إلى الإسكندرية وسلم نفسه للنهم والسكر، وكان يأكل اللحوم بنهم أكثر من العاديين، وأخيرًا سقط في حفرة اشتهاء النساء. صار يذهب إلى بيوت الزانيات وإلى الأماكن البطالة، يرتبط بالزناة ويمارس شهواته بطريقة مخجلة، وكان يقول: "لست أفعل هذا بسبب الأهواء والزنا، إنني لا أفعل أمرًا مشينًا، فإن الالتصاق بالنساء ليس خطية إذ خلق الله الرجل والمرأة". حدث في الأيام أنني نزلت مع الطوباوي أوغريس إلى الإسكندرية لقضاء عمل هناك، وكان معنا أربعة إخوة. وإذ كنا عابرين في سوق المدينة التقينا براهب في غير قصد، وكان يتحدث مع زانية في أمور شهوانية. وإذ رآه الطوباوي أوغريس بكى وسقط عند قدميه وصار يتوسل إليه، أما الرجل فلم يهز له رأسه بأقل انحناءة، بل في تشامخ معيب وتعالٍ أجابه، قائلاً: "ماذا تطلبون أيها المراؤون والمخادعون هنا؟" صار الطوباوي أوغريس يتوسل إليه أن يذهب معنا إلى حيث نقيم لكنه لم يقبل بأية وسيلة، وبصعوبة شديدة جاء معنا. وإذ دخلنا وصلينا وقع الطوباوي أوغريس على عنقه وقبّله، والدموع تنهمر منه، وهو يقول: "حقًا يا حبيبي لقد هبطت من الخدمة الإلهية التي للملائكة إلى أعماق الشر! لقد تحولت عن الحديث عن الله لتتحدث مع الزانيات! عوض الحياة وخدمة الملائكة اخترت حياة الشياطين! أسألك، وأتوسل إليك ألا تقطع الرجاء في خلاصك؛ قم وتعال معنا إلى البرية، فإن الله الرحيم قادر أن يردك إلى درجتك الأولى". كان فهمه قد أصيب بالعمى بواسطة الشيطان فلم يعرف كيف ينصت لما قيل له، ولا ما يجيب به. وإنما قال لأوغريس: "كنت حتى الآن تائهًا، لكني عرفت طريق الحق". ثم بدأ يسخر بالآباء، قائلاً: "إنكم تائهون، تقطنون البرية بسمة باطلة، من أجل الناس لا الله، وها أنتم أمام الذين يشاهدونكم كأصنام زيّنها البشر ليتعبدوا لها". وهكذا في كبرياء إبليس وعجرفته صار يستهزئ بالآباء، ثم تركهم ومضى. وقد بكى الطوباوي أوغريس والإخوة وتنهدوا من أجله كثيرًا. هذا الرجل أخذ عذراء يتيمة تعيش بمفردها كراهبة بخطة دنيئة، تحت ستار أنه يتصدق عليها فيما تحتاج إليه، وكان في حقيقة الأمر يود أن يشبع شهوته. وإذ عاش معها بطريقة منحطة لمدة عامين، أخيرًا جاء بعض اللصوص ليلاً، وربطوه بحبال حتى قدم لهم كل ما في مسكنه، ثم رفعوه مع المرأة التي يصنع معها الشر إلى منزل يوجد به قش ورُبط الاثنان وأشعلوا في البيت نار فماتا أشر ميتة. فيهما قد تحقق ما قاله معلم الأمم: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" (رو 1: 28). بمعنى آخر أن حرق النار هنا هو عربون للنار التي يتعذب بها الأشرار. الآن فإن ما حدث لإسطفانا إنما لأنه عزل نفسه عن الإخوة، وانتفخ في ذهنه، وظن في نفسه أنه كامل" |
القديس إسطفانوس الليبي
يروي لنا القديس بلاديوس سيرة الطوباوي إسطفانوس الذي من أصل ليبي، وقد عاش ناسكًا في البرية على حدود مارماريكا Marmarica ومريوط في الصحراء الغربية (يبدو بالقرب من ليبيا)، وتشعر من حديثه عنه مدى اشتياقه أن يلتقي معه لولا بعد المسافة، وقد سمع عنه من القديسين أمونيوس وأُغريس اللذين زاراه في مرضه. قال عنه القديس بلاديوس: [سكن في البرية ستين عامًا، وقد بلغ مرتفعات تدبير الحياة الكاملة، وحُسب (بنعمة الله) أهلاً أن يهب تعزية للغير، حتى أن كل متألم – أيا كان – إذ يقترب منه يخرج فرحًا. وقد تعرف عليه الطوباوي أنطونيوس. إسطفانوس هذا استمر في هذه الحياة حتى أيامنا، لكنني لم أعش معه قط، ولا التقيت به، لأن الجبل الذي يقطنه بعيد عني جدًا. القديسان أمونيوس وأغريس اللذان ذهبا لافتقاده رويا لي قصصًا عنه، فقد قالا: إذ ذهبنا إليه وجدناه في مرض خطير جدًا، فقد أصيب بأورام في الأجزاء السفلية من جسده، أصيب "بغرغرينة"، وقد وجدنا طبيبًا يبتر أجزاءً من جسمه (غالبًا إحدى رجليه). ومع هذا كان القديس يعمل بيديه، يجدل سعفًا، وكان يتحدث معنا بينما كان الطبيب يبتر في جسده. كان محتملاً ذلك بصبرٍ، كما لو كان البتر في جسم غير جسمه، وإذ بُترت هذه الأجزاء كأن شعرًا قد قُص، استمر القديس بنعمة الله دون أن يعطي الأمر اهتمامًا. صار الطبيب يربط الجراحات بينما جلس هو ليجدل السلال بيديه، وتحدث معنا فرحًا شاكرًا لله... لقد وقفنا ونحن مندهشين لهذه المأساة، إذ لم نكن قادرين على احتمال رؤية الإنسان الذي سلك حياة نسكية روحية سامية أن تُبتر أعضاؤه تحت الضرورة. أدرك الطوباوي أفكارنا، وإذ شعر بحزننا، أجاب قائلاً لنا: "لا تحزنا يا بني لهذا الأمر، ولا يضعف إيمانكما بسبب هذا الأمر فإن الله لن يصنع شرًا قط، بل بالعكس يتطلع إلى نهاية سعيدة (لأعماله). كم من مرة استحقت هذه الأعضاء الحكم بالعقوبة! لقد استحقت الأعضاء البتر، فلتجازى هنا أفضل من أن تجازى بعد الرحيل من هذا العالم". هذا ما نطق به معنا، فأراحنا، وأرسلنا، قائلاً لنا: [لا تتعثروا عندما تجدًان تجارب من هذا النوع تحل بالقديسين، فبها يبنينا الله، ويهبنا الراحة ويثبتنا في النواميس التي هي ضد التجارب. لقد رويت هذه الأمور لكي لا تتعجبوا عندما ترون قديسين يسقطون في ضيقات |
إسماعيل ورفيقاه الشهداء أرسل ملك الفرس إرسالية تتكون من ثلاثة شبان مسيحيين يدعون مانوئيل وسابيلSabiel وإسماعيل وكانوا أبناء ساحر مشهور، بعثهم برسالة إلى الإمبراطور يوليانوس الجاحد، قبيل الحرب التي اشتعلت بينهما وقُتل فيها يوليانوس. استقبلهم يوليانوس بحفاوة عظيمة وسألهم أن ينتظروه في بيثينية. وإذ جاء الإمبراطور رأى السفراء الثلاثة حشودًا ضخمة من الجماهير تتدفق على المعبد تكريمًا للإمبراطور، يقدمون تقدمات وعبادات للوثن. حزن الشبان، وصاروا يقرعون صدورهم. دعاهم حاجب الملك – وكان هنديًا – أن يدخلوا المعبد ويقدموا ذبائح فرفضوا بإصرار. ثار يوليانوس على هذا الموقف عندما سمع بتصرفاتهم وأمر بقتلهم وحرق أجسادهم، مع أنهم غرباء غير تابعين لمملكته... الأمر الذي لا يحمل أية لياقة إنسانية. إذ سمع ملك الفرس ما فعله يوليانوس بسفرائه غضب جدًا وحسبها إهانة موجه له شخصيًا بل ولكل بلده، لذا دخل معه في حرب أدت إلى هلاك يوليانوس مضطهد الكنيسة. يُعيَّد لهم الغرب في 17 يونيو. |
إشعياء وبسويس الأسبانيان يحدثنا المؤرخ الرهباني بلاديوس عن أخين من أب أسباني يدعيان بسويس Poesius (أو بشوي) وإشعياء لا نعرف عنهما أكثر مما ورد في كتابه، إذ يقول: [كذلك كان هناك (في جبل نتريا) بسويس وإشعياء، وهما ابنان لتاجر أسباني. مات والدهما فقسّما ميراثهما البالغ خمسة آلاف قطعة من العملة وثيابًا وعبيدًا. تشاورا معًا ودبرا أمرهما هكذا: "يا أخي، ما هي الحياة التي سنعيشها؟ إن اشتغلنا بالتجارة كأبينا فإننا سنترك تعبنا لآخرين؟ وسنتعرض لمخاطر القراصنة في أعالي البحار. هلم بنا نمارس الحياة الرهبانية فننتفع بخيرات أبينا ولا نخسر نفوسنا" استهوتهما فكرة الحياة الرهبانية لكنهما اختلفا في وجهة النظر، فإنهما إذ قسّما ميراثهما كان كل منهما يود أن يرضي الله بأسلوب حياة مختلف. فقام واحد بتوزيع كل ما عنده على الأديرة والكنائس والسجون، وتعلم صنعة كي يكسب قوته بالتعب، مكرسًا وقته في التداريب النسكية والصلاة. أما الآخر فلم يوزع ماله بل بنى به ديرًا لنفسه وقبل قليلاً من الإخوة، وكان في كل سبت وأحد يقيم ثلاث أو أربع موائد يستضيف إليها كل غريب ومريض وشيخ وفقير، هكذا صرف أمواله. ولما مات كلاهما كثرت الأقاويل عنهما مع أن كليهما سلك بالكمال. فضّل البعض الواحد والبعض الثاني. وإذ حدثت منافسة بين الإخوة في مديح واحد عن الآخر، ذهبوا إلى الطوباوي بامبو ووضعوا الحكم بين يديه، طالبين أن يعرفوا أي الطريقتين أفضل. فقال لهم: "كلاهما كامل، أحدهما أظهر عمل إبراهيم (كرم الضيافة) والآخر عمل إيليا (إنكار الذات)". سأل فريق: "نتوسل إليك عند قدميك كيف يمكن أن يتساوى الاثنان؟" وكان هذا الفريق يظن أن الناسك هو الأعظم، مصرّين أنه نفذ ما أمر به الإنجيل إذ باع كل ماله معطيًا إياه للمساكين وحمل صليبه وتبع المخلص في صلواته (لو 18: 22؛ 9: 23، 14: 27). أما الآخرون فأكدوا أن إشعياء قد شارك الفقراء في كل شيء إذ كان يجلس في مفارق الطرق ويضم المتضايقين، فلم يكن يخفف عن نفسه فقط، بل كان يخفف عن الآخرين مهتمًا بالمرضى ومعينًا لهم. أخبرهم بامبو: "مرة أخرى أقول أنهما متساويان، وأؤكد لكل واحد منكم أنه لو كان الأول لم يعش ناسكًا لما كان مستحقًا أن يقارن بصلاح الآخر. أما الآخر فإن كان قد أنعش الغرباء لكنه قد أنعش نفسه (روحيًا)، فإنه وإن بدى حاملاً أثقال التعب (الضيافة للغرباء) لكنه كان يشعر بالراحة (الروحية) بعد ذلك. انتظروا إلى أن أنال إعلانًا من الله، ثم تعالوا إليّ وأعلمكم". جاءوا إليه بعد أيام، فأخبرهم: "رأيت كليهما واقفين في الفردوس في حضرة الله". هذه القصة تكشف عن مفهوم الكلمات الرسولية: "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح، واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد، وأنواع أعمال موجودة لكن الله واحد الذي يعمل للكل" (1كو 12: 4-6). يلزمنا لا أن ننشغل بنوع موهبتنا فنفتخر بها على غيرنا، أو تصغر نفوسنا أمام مواهب الغير... إنما نهتم كيف نضرم مواهبنا بالروح القدس، فنُحسب أمناء لننال الكنز الأبدي! |
إشعياء وهور وبولس يروي لنا القديس جيروم في كتابه عن تاريخ الرهبان، أن ثلاثة من الرهبان النساك الكاملين التقوا معًا عند شاطئ النهر الكبير، وكان الثلاثة يريدون زيارة معترف يدعى نوبي Nopi، وكان مقيمًا في مدينة بعيدة. يبدو أنه في شيء من الدعابة قالوا لنرى من يغلب ويكرمه الله فيبلغ بنا سريعًا إلى الموضع، عندئذ قال أباهور أو أبا أور: "إنني أسأل الله هذه العطية أن ننطلق إلى المدينة بقوة الروح بلا تعب"، في الحال صلى فوجدوا قاربًا معدًا للرحلة، وفي وقت قصير جدًا بلغوا المدينة مع أن الريح كانت مضادة. إذ صعدوا من النهر قال إشعياء: "أكثير على الله يا أحبائي إن كان الرجل الذي نحن قادمون إليه يأتي إلينا ويقابلنا ويحدثنا عن حياته وأعماله؟! "أما بولس فقال: "لقد أعلن الله لي إنه سيأخذه بعد ثلاثة أيام... "لم يسيروا إلا قليلاً جدًا وإذا بالرجل يلتقي بهم ويحيهم. قال له بولس: "أخبرنا أيها الأخ عن حياتك وأعمالك فإنك سترحل إلى الله بعد غد". قال أبا نوبي: "مبارك هو الله الذي أعلن لي هذه الأمور، وأظهر لي مجيئكم، وكشف لي عن حياتكم وأعمالكم". إذ وصف لهم استقامة سلوكهم مع بعضهم البعض، وأظهر لهم حياتهم وكيف يجاهدون، بدأ الحديث معهم عن حياته وأعماله، قائلاً: "منذ اليوم الذي فيه اعترفت باسم ربنا يسوع المسيح، مخلصنا وإلهنا، لم تخرج كلمة بطالة من فمي على الأرض، ولم آخذ شيئًا أرضيًا، فإن ملاكًا يطعمني بغذاء سماوي. ليس في قلبي شهوة أكثر من الله. الله لم يخفِ عني شيئًا مجيدًا ومكرمًا. لم أكن محتاجا لنور لعينيّ. لم أنم في النهار، وبالليل لا أكف عن التوسلات لله. ملاك الرب يصاحبني على الدوام، ويظهر لي قدرة العالم العتيد؛ نوره لا يفارق عقلي. ما أطلبه من الله يهبني إياه حالاً. في كل الأوقات أرى ربوات الملائكة واقفين أمام الله. وأرى جماعات القديسين، كما أنظر جموع الشهداء. أتطلع إلى نصرات الرهبان المتألمين. أشاهد أعمال الإخوة المتوحدين، وجموع الأبرار. أرى كل الخليقة تمجد الله. أرى الشيطان وقد أُسلم للنار المحرقة، كما أنظر ملائكته يعانون العذابات، أما الأبرار فينالون غبطة بلا توقف". إذ نطق المعترف نوبي بذلك، كما تحدث معهم في أمور روحية كثيرة، في اليوم الثالث أسلم الروح، وجاءت ملائكة وجيوش من الشهداء تستقبل نفسه وتحملها وهي تسبح... وقد سمع الإخوة الثلاثة أصواتهم كما رأوهم عيانًا. |
القديس إغريغوريوس العجائبي كتب لنا عن حياته سميّه القديس إغريغوريوس أسقف نيصص، كما امتدحه القديس باسيليوس الكبير مشبهًا إيّاه في عجائبه بموسى النبي. إنه يمثل الإنسان الذي في أعماقه يشتاق للحق فلا يقبل الإيمان المسيحي فحسب، وإنما قبله بقوة في حياته ليحيا بروح إنجيلي رسولي، ومع قداسة حياته العجيبة عمل كارزًا بين الوثنيين بقوة فائقة. نشأته كان يدعى قبل عماده ثيؤدور، ولد في قيصرية الجديدة ببنطس، من أبوين ذوي شهرة وكرامة عالية، وثنيين. توفي والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، لكنه أكمل تعليمه إذ كان محبًا للمعرفة ومشتاقًا إلى إدراك الحق، وكان مهتمًا بدراسة القانون. في عام 233 م، صاحب أخته التي رافقت زوجها، الذي كان له مركزه في ولاية قيصرية فلسطين، وأيضًا معه أخوه أثينادوراس Athenodorus، الذي صار بعد ذلك أسقفًا واحتمل الكثير من أجل الإيمان بالسيد المسيح. هناك في قيصرية الجديدة كان العلامة أوريجينوس قد وصل وافتتح مدرسته بها، فحضر غريغوريوس (ثيؤدور) بدء افتتاحها، وعوض توجهه إلى بيروت ليتعلم القانون ارتبط هو وأخوه بالعلامة أوريجينوس وأحبّاه جدًا إذ يقول: "أرشدنا ملاك الرب في طريق هذه الحياة، وربطنا بحبل المودة مع هذا الرجل العظيم، الذي منه سنستفيد جدًا، فأحسن استقبالنا مع عدم معرفته السابقة لنا، ومع كونه مسيحيًا، وأظهر لنا سرورًا كأننا أناس هداهم الله إلى أشراكه ليصطادنا ويربحنا للإنجيل وينقذنا من ظلام عبادة الأوثان". على يدي العلامة أوريجينوس قبل الأخّان الإيمان المسيحي، وأدركا أن الحق الذي يطلبانه لا يوجد في كتب الفلاسفة والفكر البشري المجرد، وإنما ننعم به خلال نور الإيمان وإعلانات الله الفائقة للنفس... وهكذا انضم الأخان إلى الموعوظين الذين يتتلمذون على يدي العلامة أوريجينوس ويسمعون تفسيره للكتب الإلهية. تتلمذ القديس غريغوريوس على يدي معلمه لمدة خمس سنوات، وفي السنة 238م عاد إلى مدينته "قيصرية الجديدة" بعد أن شكر معلمه علانية في مقال أمام حشد كبير، مادحًا إياه على لباقته وحكمته التي بهما قاده في دراسته، كما بعث المعلم رسالة لتلميذه فيها يدعوه ابنه المكرم، حاثًا إياه أن يضرم كل مواهبه وطاقاته لحساب الرب، وأن ينتفع بما درسه من فلسفات في خدمة الإيمان وذلك كما استخدم العبرانيون ما أخذوه من المصريين في إقامة خيمة الاجتماع. قيل أنه قبل ذهابه إلى بلده انطلق أولاً إلى الإسكندرية، ربما للاستزادة ببعض المعرفة من جهة الطب والفلسفة. وقد اتسم بنقاوة وطهارة مع أنه لم يكن بعد قد نال سّر العماد. قيل أن بعض الحاقدين أرادوا تشويه صورته، وإذ كان يتباحث مع بعض الوثنيين في أمور فلسفية دخلت عليهم امرأة زانية، ونظرت إليه علانية تطلب أجرتها، لتوحي للحاضرين أنه ارتكب معها الخطية، أما هو فلم يضطرب بل طلب من أحد الحاضرين أن يعطيها ما تطلبه. إذ أخذت الدراهم التي طلبتها دخلها روح شرير وصارت معذبة جدًا، فقام ثيؤدو (غريغوريوس) وصلى من أجلها فخرج الروح الشرير، واعترفت أمام الحاضرين عن الذين حثوها أن تفعل هذا لإفساد سيرة هذا الرجل. عماده إذ عاد إلى مدينته نال سرّ العماد ودُعي غريغوريوس في المعمودية. انطلق إلى البرية يمارس حياة الخلوة والتأمل ودراسة الكتاب المقدس؛ غير أن القديس فيديموس أسقف أماسيا إذ سمع عنه اشتاق إلى سيامته أسقفًا على مدينة قيصرية الجديدة التي لم يكن بها من المسيحيين سوى 17 شخصًا. شعر القديس بذلك فهرب، لكن فيديموس وقد تمررت نفسه من أجل المدينة التي بلا رعاية وقف أمام الله بدموع يصرخ، إنه وإن كان قد عجز عن وضع الأيدي على غريغوريوس ليكون أسقفًا فليسمح الله ويقبله أسقفًا ويتصرف. إذ سمع غريغوريوس ذلك لم يحتمل الهروب فعاد يقبل الأسقفية. أعماله الرعوية إذ كان الأسقف الجديد سائرًا في المدينة وجد هيكل وثن فدخله وصار يصلي طوال الليل، وفي الصباح إذ جاء كاهن الوثن وجد الشياطين قد هربت من الهيكل فتضايق جدًا، وذهب إلى حاكم المدينة يشكو إليه أن مسيحيًا دخل الهيكل وأخرج منه آلهتهم. وإذ سمع الأسقف بذلك التقى بالكاهن، وبدأ يحدثه عن الله الحقيقي، موضحا له حقائق الإيمان. ولكن الكاهن طلب أن تعود آلهته إلى الهيكل، عندئذ كتب له القديس على ورقة، جاء فيها: "من غريغوريوس إلى الشيطان، يقول لك: "ارجع". وإذ حمل الكاهن الورقة إلى المذبح عادت الشياطين، وأدرك الكاهن تفاهة هذه الأرواح الشريرةن فانطلق إلى القديس يطلب منه أن يعرفه بالحق، وبالفعل بشره بالإنجيل وأكد له ذلك بأن أمر باسم السيد المسيح أن تتحرك صخرة كانت أمامه فتحركت. سمع الوثنيون في المدينة بما حدث فخرج الكثيرون يرحبون به، ويطلبون منه أن يكرز لهم، ولم يمض زمان طويل حتى آمن كثيرون من خلال عظاته وسيرته المقدسة في الرب، وأعمال الله العجيبة به التي حدثنا عن بعضها القديس غريغوريوس أسقف نيصص، كما قال عنه القديس باسيليوس الكبير: "خلال عمل الروح كان لإغريغوريوس سلطانًا على الأرواح الشريرة، وقد حوّل مجاري أنهار باسم المسيح، وجفف بحيرة كانت علة نزاع بين أخين، وأنبأ عن أمور مقبلة متساويًا مع الأنبياء... هذه الآيات والعجائب رآها الأصدقاء كما أعداء الحق وكأنه موسى آخر". يقول القديس غريغوريوس النيصي: "يستحيل علينا أن نورد كل عجائب هذا القديس، وإنما يكفينا أن نقول أن بكلمة واحدة وبعلامة الصليب المقدس يشفي جموعًا من مرضى، لذا كان الجميع يحسبونه قديسًا". قيل أن يهوديين احتالا عليه إما بقصد إفساد شهرته كصانع عجائب أو لاختلاس مالٍ منه، فتظاهر أحدهما كميت وطلب الثاني صدقة ليكفنه، فأعطاه القديس رداءه إذ لم يكن معه مال، ومضى الشاب يستهزئ بالقديس، وراح يقول لصديقه: انهض لنضحك على أسقف دعاه المسيحيون نبيًا يصنع عجائب، غير أن الشاب وجد زميله قد فارق الحياة فعلاً. اختيار الكسندر الفحام أسقفًا جاءه مجموعة من مدينة كومنا Comona يطلبون منه أن يختار لهم أسقفًا، مقدمين له مجموعة من الشرفاء العلماء جزيلي الاعتبار، أما هو فقال لهم: "هذه السمات لا تكفي، بل الأجدر بكم أن تختاروا إنسانًا قديسًا حكيمًا". حينئذ قال أحد الحاضرين أنه بهذا يجب أن يكون الكسندر الفحام أسقفًا، وكان هذا الرجل ماهرًا في الفلسفة لكنه تغرب عن بلده وصار يعمل كفحّام، يحمل صورة المهانة، بعيدًا عن الأنظار. استدعاه القديس فجاء، وكانت ثيابه ووجه ويداه قد تلوثت بالفحم، مملوءًا سوادًا، فضار الحاضرون يضحكون كيف يصير هذا الرجل أسقفًا، لكن إذ جلس مع القديس أدرك الكثير عن حياته، وبالفعل سيّم أسقفا واستشهد في 11 أغسطس. سماته كتب لنا القديس باسيليوس الكبير عن سمات هذا القديس، وقد تعرف هو وأخوه إغريغوريوس أسقف نيصص على سيرته من جدتهما ماكرينا التي ربتهما، وكانت ماكرينا قد تعرفت عليه أيام الصبا وسمعت عظاته، فكان تروي لحفيديها ما رأته فيه وسمعته منه، فقال القديس باسيليوس أنه في تقواه أظهر وقارًا عظيمًا واحتشامًا؛ لم يغط رأسه قط في الصلاة (ربما يقصد بأكاليل الأساقفة)، أحب البساطة والتواضع في كلماته... كان يكره الكذب والبطلان، لم يغضب قط ولا حملت كلماته أو سلوكه مرارة! في اضطهاد ديسيوس حوالي سنة 250 م إذ التهب الاضطهاد في عهد ديسيوس (داكيوس) نصح شعبه أن يختفي حتى لا يتعرض أحد للضعف خلال الآلام فينكر إيمانه، وهو نفسه اعتزل في البرية ومعه فقط كاهن وثني قد قبل الإيمان على يديه وسامه شماسًا معه. إذ سمع الوثنيون أنه مختفي في البرية أرسلوا جندًا ليقبضوا عليه، لكنهم عادوا ليقولوا أنهم لم يجدوا في البرية سوى شجرتين. وإذ عادوا من جديد يفتشون عنه وجدوه مع شمامسه يصليان وقد ظهرا لهم من قبل كشجرتين. رأي القائد ذلك فأتى إلى الأسقف وخرّ عند قدميه وأعلن إيمانه بالسيد المسيح، طالبًا منه أن يقبله معه في البرية. تعرض الشعب للضيق، وإذ انتهى الاضطهاد، عاد القديس يمارس عمله الرعوي، كما عين أعيادًا للشهداء الذين كابدوا الآلام وقت الاضطهاد. تعرضت البلاد لوباء معدٍ خطير، وبصلاة القديس شُفي الكثيرون وزال الوباء، فآمن كثير من الوثنيين بالسيد المسيح. أخيرًا فقد قيل إنه استلم المدينة بها 17 مسيحيًا، وعند نياحته سنة 268م لم يكن بها سوي 17 وثنيًا. يُعيَّد له الغرب في 17 نوفمبر، والكنيسة القبطية في 21 هاتور. بركة صلواته تكون معنا آمين. |
إغريغوريوس النزينزي القديس شارك القديس يوحنا الحبيب في لقبه "اللاهوتي" أو "الثيؤلوغوس"، بسبب براعته في الحديث عن الثالوث القدوس بإلهام إلهي، ولالتحام حياته التقوية بعمل الثالوث القدوس ويعتبر أحد الثلاثة آباء الكبادوك العظام: باسيليوس الكبير، وغريغوريوس أسقف نيصص، وغريغوريوس الثيؤلوغوس، عاشوا في عصر واحد في الكبادوك بآسيا الصغرى، لهم دورهم الفعّال بعد القديس أثناسيوس الرسولي في مقاومة الأريوسية. نشأته ولد حوالي عام 329 م بقرية أريانزوسArianzus جنوب غربي الكبادوك، والدته القديسة نوناNonna التي كسبت زوجها الثري والقاضي إلى الإيمان المسيحي عام 325م، بل وصار أسقفًا على نزينزا لمدة 45 عامًا. عاش تحت رعاية أمه التي بعثت فيه حب الكتب المقدسة والحياة الفاضلة في الرب مع الصلاة بتقوى وورع. روى لنا عن نفسه أنه إذ كان فتى رأى في حلم فتاتين جميلتين محتشمتين ترتديان ثيابًا بيضاء، قالت له إحداهما: أنا العفة، والأخرى: أنا الحكمة. وكانتا واقفتين أمام عرش السيد المسيح. وإذ استيقظ من نومه شعر بحنين شديد نحو العفة يتزايد على الدوام طوال عمره، هذا وقد اتسم بالحكمة الإلهية في دراسته للقضايا اللاهوتية وسلوكه. التحق مع أخيه الأكبر قيصر بأعلى المعاهد في قيصرية كبادوكية حيث تعرفا على القديس باسيليوس. إذ كان غريغوريوس يميل لدراسة القانون ذهب إلى قيصرية فلسطين ليلتحق بمدرستها الشهيرة في الخطابة. ثم سافر مع أخيه إلى الإسكندرية حيث كان القديس ديديموس الضرير مديرًا للمدرسة اللاهوتية. قضى غريغوريوس فترة قصيرة بمصر ثم أبحر إلى أثينا للاستزادة في العلم (الفلسفة). وهناك التقى بصديقه باسيليوس ليعيشا معًا في حياة روحية مشتركة حتى قيل عنهما أنهما عقل واحد في جسدين. هناك أيضًا التقى بيوليانوس الذي كان يتظاهر بالمسيحية، وكان يود صداقة غريغوريوس، لكن سرعان ما اكتشف القديس خطورته الخفية، حتى قال عنه: "ما أشرس هذا الوحش الذي تربيه المملكة (الرومانية) في حضنها"، فصار يتجنب معاشرته. وعندما جلس يوليانوس على العرش حاول اجتذاب غريغوريوس ولم يفلح، وإنما نجح في اكتساب أخيه قيصريوس الذي عينه كطبيب إمبراطوري، فكتب إليه غريغوريوس ليترك هذا الذئب الخاطف، وبالفعل تركه. مكث في أثينا عشر سنوات، وإذ رحل عنها صديقه الحميم باسيليوس، تركها هو أيضًا ليعود حوالي عام 357م. في نزينزا أراد أن يعيش في بلده حياة الوحدة يكرس كل وقته وطاقاته لدراسة الكتاب المقدس مع العبادة، إلا أن صديقه باسيليوس دعاه ليعيش معه في الدير الذي أسسه في بنطس، فذهب إليه حيث قضى ثلاثة أعوام في حياة نسكية رائعة مع تجميع لكتابات العلامة أوريجينوس في تفسيره للكتاب المقدس. دعاه والده في ذلك الحين لمساعدته إذ كان قد بلغ أكثر من ثمانين عامًا، وكان قد رسم أسقفًا في نزينزا، وهناك أصر الشعب على سيامته كاهنًا بالرغم من تحاشيه لنوال أية درجة كهنوتية ورغبته في الهروب، وتم ذلك على يدي والده عام 361م. كان والده مع شيخوخته بسيطًا فسقط في التوقيع على مرسوم مجمع ريميني الذي يحمل اتجاهًا شبه أريوسي مما أثار الشعب ضده، فقام غريغوريوس يُظهر ما في المرسوم من خبث خفي وكشف لأبيه خداع هؤلاء النصف أريوسيين فاعتذر الأب عن توقيعه المرسوم، وعاد الشعب إلى الأسقف من جديد. سيامته أسقفًا إذ سيم القديس باسيليوس رئيس أساقفة قيصرية أراد أن يحيط نفسه بجماعة من الأساقفة المستقيمي الرأي، لتحطيم البدع المنتشرة في ذلك الحين فألح على صديقه غريغوريوس أن يقبل سيامته أسقفًا على سازيما، فرفض لكنه ألح عليه هو ووالد غريغوريوس فاضطر أن يقبل نعمة الأسقفية عام 372 م، لكنه لم يدخل الإيبارشية إذ كانت موضع نزاع بين القديس باسيليوس والأسقف أنتيموس. عاد القديس غريغوريوس إلى خلوته لكن والده الأسقف طلب معونته، فجاء إليه مشترطًا ألا يرتبط بالإيبارشية. وبالفعل إذ تنيح والده عام 374م ووالدته في نفس السنة وزع ممتلكاته التي ورثها وانفرد في دير يمارس الحياة النسكية مع التأمل والدراسة خمس سنوات. في القسطنطينية إذ سمع أن مدينة القسطنطينية امتلأت بالهراطقة حتى استولوا على جميع الكنائس اضطر أن يقبل دعوة المؤمنين هناك تحت إحساسه بالالتزام بالمسئولية. وفي فترة قصيرة استطاع أن يرد كثير من الشعب من الهرطقات إلى الإيمان المستقيم. وفي سنة 381م إذ انعقد المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية كان الاتجاه سائدًا أن يُثبت القديس إغريغوريوس على القسطنطينية، وإذ اعترض الفريق المصري على هذا من جهة أنه سبق فسيم أسقفًا على إيبارشية أخرى أعلن أنه كمحب للوحدة والسلام يرفض قبول تثبيته، خاصة وأنه لا يشتهي المراكز، وقد ترك المدينة بعد أن ودّع الأساقفة والشعب بخطاب مؤثر للغاية، ثم ذهب إلي نزينزا يقاوم بدعة أتباع أبوليناريوس. وفي سنة 381م اعتكف بجوار المدينة ليستعد لرحيله من هذا العالم عام 390م. تعيِّد له الكنيسة اليونانية في 10 مايو، أما كنيستنا ففي 24 توت. كتاباته ترك لنا القداس الإلهي (الإغريغوري) وكنزًا من الكتابات اللاهوتية العميقة مع عظات ورسائل وقصائد. 1. العظات: أجمل ما تركه لنا هو 45 عظة قدمها في أهم فترة في حياته من 379 – 381م، حينما كان أسقفًا على القسطنطينية، جاذبًا أنظار العالم إليه. 2. القصائد الشعرية: كتبها في أواخر حياته، في خلوته باريانزيم Arianzum لم يبق سوى 400 قصيدة، في أحدها سجل لنا علة اتجاهه للشعر في أواخر حياته، ألا وهو إظهار أن الثقافة المسيحية الجديدة ليست أقل من الثقافة الوثنية بأية حال، ولأن بعض الهرطقات كالأبولينارية تستخدم القصائد في نشر أفكارها، لهذا استخدم ذات السلاح للرد عليها. جاءت بعض قصائده لاهوتية، والبعض سلوكية. 3. رسائله: أول مؤلف باليونانية ينشر رسائله، وذلك بناء على طلب نيكوبولسNicobulus حفيد أخته جورجونيا. بغير قصد وضع نظرية "كتابة الرسائل"، إذ طلب أن تكون الرسالة قصيرة، وواضحة، ولطيفة (رقيقة)، وبسيطة (رسالة 51، 54). مدحه القديس باسيليوس، إذ كتب إليه يقول: "وصلتني رسالتك أول أمس، هي بالحقيقة منك، ليس من جهة الخط وإنما من جهة نوع الرسالة، فإن كانت عباراتها قليلة لكنها تقدم الكثير". من كلماته من لا يؤمن بأن القديسة مريم والدة الإله "ثيؤتوكس"، يعنفه اللاهوت (رسالة 101). لسان الكاهن يتوسط لدى الرب فيقيم المرضى؛ لتصنع ما هو أعظم بتقديس الليتورجيا فتمحى خطاياي الكثيرة عندما تقيم ذبيحة القيامة |
رد: +++ موسوعة كاملة عن أباء الكنيسة وشهدائها وقديسها بحرف " أ " +++
مجهود كبير جدا يا مجدي
ربنا يباركك |
رد: +++ موسوعة كاملة عن أباء الكنيسة وشهدائها وقديسها بحرف " أ " +++
شكراً أختى مارى على مرورك الجميل
|
الساعة الآن 05:53 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025