![]() |
«عِنْدَمَا يَأْتِي الْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ الرَّبِّ تَدْفَعُهُ!» (أشعياء19:59ب) تشتد الأزمات الملحة في الحياة أحيانا عندما يطلق الشيطان مدفعيته الثقيلة ضد شعب الله. تظلم السماء، ترتجف الأرض ويبدو أنه ليس من بارقة أمل. لكن الله وعد أن يرسل تعزيزا لشعبه في آخر لحظة. يرفع روح الله البيرق ضد إبليس في اللحظة الأخيرة. كان العبرانيون مستعبدين لطاغية مصر، نظرة شعب إسرائيل كانت معتمة. كانوا مذلولين تحت سياط رؤساء العمل. لكن الله لم يكن غير مبال لأنينهم. أقام موسى ليواجه فرعون وفي النهاية ليقود شعبه إلى الحرية. في أيام القضاة، استعبدت شعوب أجنبية قبائل إسرائيل. لكن في أحلك الساعات أقام الله منقذين عسكريين ليطردوا العدو ويدخلوا في فترة من الهدوء والسلام. عندما قاد سنحاريب جيشه الأشوري ضد أورشليم، ظُنَّ بأن يهوذا سيسُبى حتميا. من ناحية بشرية، لم توجد أية طريقة لوقف هذا الغزو. لكن ملاك الرب جال وسط معسكر الأشوريين في إحدى الليالي وقتل 185،000 رجلا. كانت إستير ملكة في فارس، هجم العدو كفيضان، أصدر أمرا لإعدام جميع اليهود في المملكة. هل كان الله مهزوما بقانون الماديين والفرس؟ كلا، رتب الأمور لصدور أمر آخر يسمح لليهود في الدفاع عن أنفسهم في ذلك اليوم المشئوم. وطبعا، كان النصر الغامر لليهود. عندما بدأ مارتن لوثر يصرخ ضد بيع صكوك الغفران وضد خطايا أخرى في الكنيسة، كان كأن نورا قد سطع في عصر الظلام. كانت الملكة ماري تثير الفوضى في الإيمان المسيحي الحقيقي في إنجلترا واسكتلندا. أقام الله رجلا يدعى جون نوكس عند الحاجة القصوى. «ارتمى بوجهه في التراب أمام الله، التمس نوكس من الله ليلة كاملة لينتقم من مختارته ويمنحه اسكتلندا أو الموت. أعطاه الله اسكتلندا وعزل الملكة عن العرش. هل تواجه أزمة شديدة في حياتك اليوم؟ لا تخف. سيرسل روح الله عونا في الوقت المناسب ويأتي بك إلى موضع رحب. فقط اتكل عليه. |
«لَمَّا تَكَلَّمَ أَفْرَايِمُ بِرَعْدَةٍ تَرَفَّعَ فِي إِسْرَائِيلَ. وَلَمَّا أَثِمَ بِبَعْلٍ مَاتَ» (هوشع1:13). هنالك سُلطة وقوّة هائلة في كلام الإنسان البارّ، فعندما يتكلّم يكون لكلامه تأثير على حياة الآخرين، حيث تحمل كلماته وزناً كبيراً، وينظر الناس إليه كمن يستحق الإحترام والطاعة. لكن إذا سقط نفس ذلك الشخص في خطيئة، فإنه يفقد كل ذلك التأثير الإيجابي على الآخرين، وتزول لهجة الثقة التي كان يتكلّم بها، ولا يعود الناس يطلبون مشورته، وإذا حاول أن يقدّمها، يعرضون عنه بنظرة ناقدة ويقولون «أيها الطبيب إشف نفسك» أو «أَخرِج الخشبة التي في عينك أوّلاً، ثم بعد ذلك أخرج القذى من عين أخيك»، فتُغلق شفتاه. إنَّ هذا يؤكّد على ضرورة الحفاظ على شهادة ثابتة حتى النهاية، فإنه من المهمّ أن تبدأ بداية حسنة لكن هذا لا يكفي، فإذا تخلينا عن حذرنا في مرحلة متأخرة، فإنَّ مجد الأيام الخوالي سيُحجَب بسحُب العار. «لَمَّا تَكَلَّمَ أَفْرَايِمُ بِرَعْدَةٍ تَرَفَّعَ فِي إِسْرَائِيلَ (أي ارتعد الرجال)». يُعلِّقُ وليامز على ذلك «عندما سار أفرايم مع الله كما كان في أيام يشوع، تكلّم بسُلطان وارتعد الشعب، فكان له مركز كرامة وقوة، لكنّه تحوَّل إلى الأوثان ومات روحياًّ. إنَّ للمؤمن قوة أدبية وكرامة طالما كان قلبه خاضعاً خضوعاً تاماًّ للمسيح وخالياً من الأوثان». إنَّ جدعون مثال آخر على ذلك، فلقد كان الله مع هذا الرجل الشجاع الباسل، فإنه بجيش قِوامُه 300 رجل هزم جيش المديانيين المكوَّن من135،000 رجُل قوي، وعندما أراد رجال إسرائيل تنصيبه ملكاً عليهم، رفض بحكمة لأنه أدرك أن يهوه كان الملك الشرعي، ولكن بعد أن حقَّق إنتصارات باهرة وقاوَم بنجاح إختبارات عظيمة، إنهار بسبب ما نظنه مسألة ثانوية، فقد طلب من جنوده إعطاءه الأقراط الذهبية التي غنِموها من الإسماعيليين، فصنعَ من هذه الأقراط أُفوداً صارت وثناً لشعب إسرائيل وفخّاً لجدعون ولعائلته. نحن نعلم بطبيعة الحال، أنه عندما نسقط يمكننا الرجوع إلى الله معترفين فنجد الصَّفح، ونعلم كذلك أنه يقدِر أن يعوِّض السنين التي أكلها الجراد، أي أنَّه يُمكِّنُنا من تعويض الوقت الضائع، لكن لا يمكن لأحد أن يُنكر بأنه من الأفضل تجنُّب السقوط كلياً بدل التعافي منه، ومن الأفضل عدم تحطيم شهادتنا من أن نحاول إلصاق الأجزاء المهشّمة ثانية. كان والد أندرو سونار يقول له، «يا أندرو، صلِّ لكي نَصمُدَ كلانا حتّى النهاية!» لذا دعونا نصلّي لكي ننهي مسيرتنا بفرح. |
المحبة إنَّ المحبة هي القوة الغالبة في عالم الكراهية والصراع والأنانية، ويمكنها أن تفعل ما لا تستطيع أيّ فضيلة أخرى أن تفعله، وبهذا المعنى فإنها مَلِكة كل النّعِمَ. فالمحبة تُقابِل الإساءة باللطف، وتطلب الرحمة لأجل جلاّديها, وهي تعمل دون أنانية عندما يطالب الجميع بحقوقهم، وتُعطي حتّى لا تقدر على المزيد من العطاء. كان هنديٌ يقود فيلَه في أحد الشوارع، وكان ينخسه باستمرار ليزيد من سرعته، وفجأة سقط المِنخس الفولاذي من يده مرتطماً بالرصيف مُصدراً رنيناً عالياً. استدار الفيل والتقط المِنخس بخرطومه وسلّمه لسيّده. هكذا هي المحبة. في واحدة من أساطير إيسوب، كانت هناك منافسة بين الشمس والريح على من منهما يمكنه أن يجعل رجلاً يخلع معطفه، عصَفت الريح بعنف، ولكن كلّما كان يشتدَّ عصفها كلما كان يتمسُّك الرجل بردائه بشدّة حول نفسه، ثم أشرقت عليه الشمس فخلع معطفه. لقد غيَّرته الشمسُ بدفئها. هكذا هي المحبة. لقد رمى السير وولتر سكوت حجراً على كلب شارد بقوة ودِقَّة فأصابه بكسر في ساقه، وبينما وقف سكوت نادماً، عرَجَ الكلب نحوه ولحس اليد التي رمته بالحجر. هكذا هي المحبة. أطلق ستانتون ذماًّ مريراً على لنكولن واصفاً إيّاه بأنه «مهرج ماكر مُنحطّ» و «الغوريلا الأصلية»، وقال أنه من الحماقة لأي شخص أن يذهب إلى أفريقيا ليتفرّج على الغوريلا بينما يوجد واحدة في سبرنجفيلد، لقد أدار لنكولن خدَّه الآخر، وفي الواقع، عَيَّن لنكولن ستانتون وزيراً للحربية مؤكّداً أنه الأكثر كفاءة لهذا المنصب، وعندما أُطلِقت النار على لنكولن، وقف ستانتون إلى جانب جسده الهامد وبكى، وقال، «هنا يرقد أعظم حاكم بشري عرفه العالم». لقد انتصر لنكولن بأن أدار الخد الآخر. هكذا هي المحبة. كتب ستانلي جونز «بإدارة الخد الآخر أنت تنزع سلاح عدوّك، هو يلطمك على خدّك وأنت بخُلُقِك الجريء تضربه في القلب بأن تدير له الخدّ الآخر، فتزول عداوته ويذهب عدوّك. إنك تتخلّص من عدوّك بأن تتخلص من عداوتك. يقف العالم عند أقدام الرجل الذي يملك القوة لينتقم، لكن من الذي يملك القوة كي لا يثأر؟ هذه هي القوة، القوة المطلقة». يبدو أحياناً أنه يمكن تحقيق المزيد عن طريق الكلام الخشن أو عن طريق واحدة بواحدة، أو بالمطالبة بالحقوق. إنَّ في هذه الأساليب مقداراً معيّناً من القوة، لكن ميزان القوة يقف إلى جانب المحبة، لأنه بدلاً من تعميق الخصومات، فإنَّ المحبة تحوِّل الأعداء إلى أصدقاء. |
«لأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعاً فَلِذَلِكَ قَدِ امْتلأ قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ الشَّرِّ» (الجامعة11:8). بينما أكتب هذا، فإنَّ هناك موجة من الإستياء العام بسبب تزايد معدَّل الجريمة في بلادنا، والناس يطالبون بإحترام القانون والنظام، لكن يبدو أن قوانيننا ومحاكمنا تعمل لصالح المجرمين في حين أن ضحايا الجريمة يتلقون القليل من التعويض أو لا يتلقون شيئاً، والقضايا المعروضة في المحاكم تطول إلى أقصى الحدود، وغالباً ما يستطيع محامي الجاني كسب القضية من خلال ثغرات طفيفة في القانون. لقد ساهم في هذا الإضطراب العام كلام المتحررين من أعمدة علماء الإجتماع وعلم النفس وغيرهم من «الخبراء»، إذ يصرُّون على أن عقوبة الإعدام شيء غير معقول وغير إنساني ويشهدون بأن الخوف من العقوبة لا يشكِّل رادعاً للمجرمين، ويقترحون بأنَّ الحل يكمُن في تأهيل المجرمين وليس في معاقبتهم. ولكنهم في ذلك مخطئون، فكلّما وثُقَ الإنسان بأنه «يمكن أن يفلت من العقاب»، كلّما كان مستعدّاً للُّجوء إلى الجريمة، وعندما يحس بأن العقاب سيكون خفيفاً، سيتجرأ على تحمُّل مخاطر القبض عليه، إو إذا كان يعتقد أن المحاكمة ستطول كثيراً فذلك يشجّعه. وعلى الرغم مما يُقال فإن عقوبة الإعدام تشكِّل رادعاً. في تحليل لأسباب زيادة معدَّل الجريمة، قالت إحدى المجلات الشعبية للأخبار، «إنَّ أحد الأسباب هو عدم وجود رادع قوي في صوت نظام العدالة الجنائية، وتتفق جميع السلطات على أنه إذا أُريد للتهديد بالعقاب أن يكون ذا مصداقية، فيجب أن يكون أكيداً وسريعاً، ولكن نظام الدول عامة يخلو من أي منهما. «لقد أعلن أحد خُبراء علم الجريمة مؤخّراً، أنه مقابل كل شخص فاضل بسبب حبِّه للفضيلة، يوجد 10،000 صالح لأنهم يخشون العقاب. قال إسحق إرليخ، من جامعة شيكاغو، إنَّ الإحصائيات تُظهر أن أخبار الإعدام لقاتل واحد تمنع 17 جريمة قتل أخرى»، إن الإصلاح والتأهيل ليسا هما الحلّ، لأنهما فشلا بإستمرار في تغيير الإنسان، ونعلم أنه فقط بالولادة الجديدة من روح الله يتحوَّل الخاطئ إلى قديس، ولكن للأسف فإنَّ القليل من السُّلطات، نسبياً، توافق على ذلك، سواء لأنفسها أو لسُجنائها. وفي هذه الحال، فإنَّ أفضل شيء يمكن القيام به هو أن يأخذوا عدد اليوم على محمل الجِّد «لأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْعَمَلِ الرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعاً فَلِذَلِكَ قَدِ امتلأ قَلْبُ بَنِي الْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ الشَّرِّ»، لن يتم ذلك الإنصاف بسرعة حتى نتمكن من أن نرى إنخفاضاً في نسبة الجريمة. إنَّ الحل في الكتاب المقدس إذا كان الإنسان يقبَله. |
«َلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (كورنثوس الأولى57:15). إنه ليس من الممكن لعقل مخلوق أن يدرك أبعاد النصر الذي حقّقه الرَّب يسوع على صليب الجلجثة، فلقد غلَبَ العالم (يوحنا33:16) وحكم على الشيطان رئيس هذا العالم (يوحنا11:16) وانتصر على الرياسات والسلاطين (كولوسي15:2) ثم غلَبَ الموت إذ ابتُلع الموت إلى غلبة (كورنثوس الأولى54:15، 55، 57). إنَّ إنتصاره هو إنتصارُنا، وتماماً كما أنَّ إنتصار داود على جوليات قد أحرز خلاصاً لكل إسرائيل، كذلك أيضاً صار إنتصار المسيح المجيد لكل الذين ينتمون إليه، ولذلك يمكننا أن نرنّم مع هوراتيوس بونار: النصرُ لنا! من أجلنا بقوَّةٍ تقدَّم ذاك القويّ، من أجلنا جاهد في الحربِ وفاز بالنصر، فالنصرُ لنا. نحن أكثر من منتصرين بالذي أحبّنا لأنه «لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية37:8-39). حدَّثَ جاي كنج عن صبيّ كان في المحطة عندما وصلَ القطار جالباً معه فريق كرة القدم المحلّي بعد مباراة هامة، ركض الصبيّ إلى أوّل شخص عند نزوله من القطار وسأله بتلهُّف «من الذي فازَ؟»، ثم ركض على طول رصيف المحطة يصرخ مبتهجاً «لقد فُزنا! لقد فُزنا!» وبينما كان السيّد كِنج يشاهد هذا، فكّر في نفسه «حقّاً، كم عمل هذا الصبيّ كي يفوز بالنصر! ماذا كان عليه أن يعمل في الصراع في الملعب؟» الجواب بالطبع، لا شيء، لا شيء بتاتاً، لكن لأنه ينتمي إلى نفس المدينة فقد حدد هويته مع فريق المدينة، وهتف وادَّعى أنَّ الفوزَ هو فوزه. سمعت مرّة عن الرجل الفرنسي الذي كان قد انتقل من مركز هزيمة إلى مركز نصرة بتغيير مواطنته، كان هذا عندما حقَّق ويلنجتون، الملقَّب بِ «دوق إنجلترا الحديدي» إنتصاره الباهر على نابليون في معركة واترلو، ففي البداية كان الرجل الفرنسي مرتبطاً مع الطرف الخاسر، ولكن في اليوم الذي أصبح فيه مواطناً بريطانياً، صار بإمكانه أن يدَّعي أنَّ إنتصار ويلنجتون هو إنتصاره. نحن جميعنا بالولادة رعايا مملكة الشيطان، ولذلك فإننا في الطرف الخاسر، لكن في اللحظة التي نختار فيها المسيح رباًّ ومخلِّصاً، فإننا ننتقل من الهزيمة إلى النصر. |
«وَشَرَحَا لَهُ طَرِيقَ الرَّبِّ بِأَكْثَرِ تَدْقِيقٍ» (أعمال26:18). في شرح طريق الخلاص للآخرين فإنه من بالغ الأهمية أن «تجعل الرسالة سهلة وبسيطة»، ولذا تجنَّب كل ما من شأنه أن يربكهم، إذ أنهم في العادة مرتبكون بما فيه الكفاية لأن الشيطان «قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ» (كورنثوس الثانية4:4). إسمح لي أن أقدِّم مثالاً على الطريقة التي يمكننا بها أن نقول أشياء من شأنها أن تصمَّ آذان غير المؤمنين. نبدأ بالشهادة لشاب إلتقينا به لأوّل مرّة، وقبل أن نخوض في الحديث معه يقاطعنا بقوله: «أنا لا أومن بالدين، لقد جرَّبت الدين ولم يفعل لي شيئاً». إنَّ الردّ الذي نكون عرضة لأن نردَّ به عليه هو «ولا أنا أومن بالدين، ولا أبشِّر بالدين». لنتوقّف هنا قليلاً! يمكنك أن تتخيَّل كم يكون جوابنا مُربكاً للشخص المُحتمل. نحن هنا نحدِّثه عن مسائل من الواضح أنها دينيّة، ومع هذا نقول أننّا لا نؤمن بالدين، وهذا كافٍ لكي يفجِّر عقله. وبطبيعة الحال أنا أعرف ما نعنيه، نحن لا نعني أننّا نطلب منه أن ينضم إلى كنيسة أو طائفة بل أن يبدأ بعلاقة شخصية مع الرَّب يسوع، وأننا لا نقدِّم قانون إيمان بل نقدِّم شخصاً، وأننا لا ندعو لإصلاح بل إلى تجديد، ليس معطفاً جديداً للإنسان بل إنساناً جديداً في مِعطَف. ولكن عندما يفكّر ذلك الشخص بالدين، فإنه يفكر بأي شيء يتعامل مع العبادة وخدمة الله. إنَّ كلمة «دين» عند معظم الناس تدل على نظام معتقدات ونمط حياة ممَّيز مرتبط بعلاقة الإنسان بإذاً، لذلك عندما نقول له أننا لا نؤمن بالدين، فإنه يتبادر إلى ذهنه في الحال أننّا وثنيون أو مُلحدون دون ريب، وقبل أن نتمكَّن من توضيح ما نقصده يكون قد وسَمَنا بعدم التديّن. ففي الواقع، ليس من الصحيح أن نقول أننا لا نؤمن بالدين. نحن نؤمن بالعقائد الأساسية للإيمان المسيحي، ونؤمن بأن كل من يُعلن إيمانه بالمسيح ينبغي أن يُظهِر ذلك في حياته، ونؤمن بأنَّ «اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ إذاًِ الآبِ هِيَ هذهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ» (يعقوب27:1). لكن ما لا نؤمن به هو أن الدين هو المخلّص. إنَّ المسيح الحيّ وحده الذي يقدر أن يُخلّص، ونحن لا نؤمن بأشكال المسيحية السهلة التي في الأجواء اليوم، ولا نؤمن بأي نظام يشجّع الناس على التفكير بأنه يمكنهم الوصول إلى السماء بأعمالهم أو جدارتهم، لكن علينا أن نتمكَّن من تفسير هذا للناس دون أن نصدمهم بقذفهم بمِثِل «أنا أيضاً لا أومن بالدين». فلنتوقَّف عن التلاعب بالألفاظ بينما الأرواح في خطر. |
«فَضَعُوا كَلِمَاتِي هَذهِ عَلى قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ وَارْبُطُوهَا عَلامَةً عَلى أَيْدِيكُمْ وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عُيُونِكُمْ» (تثنية18:11). لا يكتمل عدد اليوم دون الأعداد الثلاثة التي تليه، ولهذا نقتبسها هنا: «وَعَلِّمُوهَا أَوْلادَكُمْ مُتَكَلِّمِينَ بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ وَحِينَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ وَحِينَ تَنَامُونَ وَحِينَ تَقُومُونَ. وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ لِتَكْثُرَ أَيَّامُكَ وَأَيَّامُ أَوْلادِكَ عَلى الأَرْضِ التِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآِبَائِكَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا كَأَيَّامِ السَّمَاءِ عَلى الأَرْضِ». ها هنا سبب لأهمية المكانة التي يجب أن تحتلها كلمة الله في حياة شعبه، وعندما يتمّ إستيفاء هذه الشروط فسيختبر المؤمنون أيام السماء على الأرض. أوّلاً، يجب أن نستظهر الكلمة، أو كما يقول النَّص، «ضَعُوا كَلِمَاتِي هَذهِ عَلى قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ». إن الشخص الذي يستظهر مقاطع كبيرة من كلمة الله يُثري حياته ويزيد من إمكانيات البركة للآخرين. ثم ينبغي أن تُربط الكلمة على أيدينا وعلى جباهنا، وهذا لا يعني أن نستعملها كما يفعل اليهود (إنهم يربطون صندوقاً صغيراً يحتوي على آيات من التوراة)، بل إنَّ أعمالنا (أيدينا) ورغباتنا (أعيننا) يجب أن تكون تحت ربوبية المسيح. يجب أن تكون كلمة الله الموضوع الرئيسي للمحادثات في البيت، وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون في كل بيت مذبح للأُسرة، حيث تُقرأ كلمة الله كل يوم وتُصلّي الأسرة معاً، فإنه لا يمكن لأحدٌ أن يقيس التأثير المُنقّي للكتاب المقدس على بيت كهذا. ينبغي أن تُشغلنا نفس الكلمة عندما نسير في الطريق وعندما نضطَّجع وعندما ننهَض، وبعبارة أخرى، يجب أن تصبح الكلمة جزءاً كبيراً من حياتنا لكي تُصيغَ حديثنا حيثما نكون ومهما نعمل. ينبغي أن نتكلّم بلغة الكتاب المقدس. هل يجب علينا كتابة آيات على قوائم أبوابنا وبواباتُنا؟ إنها فكرة جيّدة! فإنَّ الكثير من الأسر المسيحية تضع على مدخل بيوتها آية (يشوع15:24) «وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ». وتُعلِّق بيوت أخرى كثيرة على جدرانها الداخلية آيات كتابية مختلفة. عندما نعطي الكتاب المقدس مكانته الصحيحة في حياتنا، فإننا نوفّر على أنفسنا ليس فقط ضياع ساعات من الأحاديث الصغيرة، لكننا نُشغل أنفسنا بموضوعات هامّة حقاًّ، مواضيع ذات نتائج أبدية، ونحافظ على أجواء مسيحية في منازلنا. |
«لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ» (متى7:4). ماذا يعني بِ تجرِّب الرَّبّ؟ هل هذا أمرٌ يمكن أن نكون مذنبين فيه؟ لقد جرّب بنو إسرائيل الله عندما تذمّروا على نقص الماء في البرية (خروج7:17) عندما قالوا، «فِي وَسَطِنَا الرَّبُّ أمْ لا؟» لقد شكُّوا ليس فقط بحضوره الإلهي بل بعنايته ورعايته لهم أيضاً. لقد جرّب الشيطان الرَّب يسوع عندما تحدّاه بأن يطرح نفسه إلى الأسفل من جناح الهيكل (لوقا12:4-19). فلو فعل يسوع هذا لكان قد جرَّب أباه السماوي لأنه سيكون كمن يقوم بحيلة خطرة خارج مشيئة الله. لقد جرَّب الفِريسيون الرَّبّ عندما سألوه إن كان يصِح أن يعطوا الجزية لقيصر (متّى15:22-18)، فظنّوا أنه مهما كان جوابه، فإنه إمّا أن يَستَبعِد الرومان أو اليهود الذين كانو أعداء لدودين للرومان. لقد جرّبت سفيرا روح الرَّب عندما تظاهرت بأنها أعطت كل المبلغ ثمن العقار للرِّب، بينما أخفت بالفعل بعضاً منه لنفسها (أعمال9:5). ثم إنَّ بطرس أخبر المجمع في أورشليم بأنَّ وضع الأمم تحت نير الناموس يكون بمثابة تجربة الرَّب، نيرٌ لم يستطع اليهود أنفسهم تحمّله (أعمال10:15). إنَّ تجربة الله تعني، بأي مقدار يمكن للشخص أن يفلت قبل أن يُدان، ويعني أن تفرض على الله ما يعمله، أو أن ترى إن كان سيُتمِّم ما قاله في كلمته، أو أن تستنفذ حدود دينونته (تثنية16:6، متّى7:4)». إننا نجرّب الله حين نتذمّر ونشكو، لأننّا في الواقع نشُكَّ في حضوره وقوّته وصلاحه، ونقول أنه لا يعرف ظروفنا، ولا يهتم، أو أنه لا يقدر أن يخلِّصنا. إننا نجرّب الله عندما نُعَرِّض أنفسنا للخطر بلا داعٍ ونتوقّع منه أن يُنقِذَنا، ومن حين لآخر نقرأ عن مؤمنين مُضَلَّلين يقومون باللعب مع الأفاعي السامة، وقد ماتوا نتيجة لذلك. فلقد كانت حجتهم أن الله وعد بالحِفظ في مرقس18:16 «يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ»، لكن كان المقصود من هذا تبرير قيامنا بالمعجزات عندما تكون ضرورية لتنفيذ مشيئته فينا ومن خلالنا. إننا نجرب الله عندما نكذب عليه، ونفعل هذا عندما ندَّعي تكريساً عظيماً وتضحية والتزاماً مما نميل في الواقع إلى تقديمه كما فعل الفِريسيون تماماً عندما جرّبوا المسيح بما أبدوه من مُراءاة. هكذا نجرِّبه بمُراءاتنا. أخيراً، نجرّب الرَّب كُلما أبعدنا أنفسنا عن دائرة مشيئته ونتصرّف بحسب مشيئتنا. إنه لأمر مذهل أن يرغب المخلوقٌ في تجربة خالقه أو يجرؤ عليها، أو يقوم خاطئ بإهانة المخلّص. |
«حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ» (ملاخي16:3). من الممكن أن نكون مشغولين بحيث تصبح نفوسنا عقيمة. فالنشاطات الكثيرة تسبّب لنا إنشغالاً كثيراً بعملنا وقليلاً جداً بإلهنا. والوعّاظ الذين لا يقضون وقتاً كافياً منفردين في التأمل والشركة مع الرَّب سرعان ما يقدمون رسائل قديمة تحمل القليل أو لا شيء من القوة الروحية. علينا جميعاً أن نصلّي، «أيها الرَّب، خلّصني من عُقم حياة زاخرة بالنشاط». يخشى العديد من المؤمنين أن يكونوا وحدهم، بل عليهم أن يكونوا مع آخرين، يتحادثون، يعملون أو يسافرون، ولا وقت لديهم يقضونه بتأمل صامت، ذلك أنَّ ضغوطات الحياة العصرية تحُثّنا لكي نكون مبالِغين وإنجازاتنا عظيمة، نبني حياة تزخر بالنشاط لدرجة يصعب علينا أن نتباطأ، حيث تبدو الحياة وكأنها دفع مستمرّ، إدفع، إدفع، إذهب، إذهب، والنتيجة هي أننا لا نُنمِّي جذوراً روحية عميقة، ونتكلّم مستخدمين نفس الكلام الذي شاركنا الناس فيه قبل عشرين سنة. فلا تقدُّم خلال عشرين سنة. ولكن هناك أولئك الذين يضبطون أنفسهم بعيداً عن سباق العصر، ويرفضون الدعوات ويضعون جانباً النشاطات الثانوية حتى يتمكنوا من قضاء بعض الوقت على انفراد مع الرَّب، ويعزِمون بحزم على تخصيص وقت للتأمل والصلاة، وعندهم خلوة يُسكِتون فيها ضجيج العالم لكي يتفرَّدوا مع الرَّب. إنَّ لهؤلاء الناس مساراً داخلياً مع الرَّب «سرُّ الرَّبِّ لِخَائِفِيهِ وَعَهْدهُ لِتَعْليمِهِمْ» (مزمور14:25)، فيعلن لهم الله أسراراً لا نعرف عنها شيئاً في حياتنا الصاخبة، ثم إنَّ لديهم تواصلاً من أجل التوجيه الإلهي والإرشاد بما يختص وأحداث المجال الروحي وما يختص بشأن المستقبل، وهؤلاء الذين يدخلون إلى الخلوة المقدَّسة غالباً ما يكون لديهم رؤيا الله الذي لا يعرف الساكنون في الصخب عنها شيئاً. لقد أُعطِيت الرؤيا للشخص الذي كان يتّكئ على صدر يسوع المسيح. كثيراً ما أفكِّر بكلمات سيسيل «أقول في كل مكان وللجميع، يجب أن تكون على إتصال بإذاً وإلاّ نفسك تموت، أن تسير مع الله وإلاّ يسير الشيطان معك، يجب أن تنمو في النعمة وإلاّ فإنك تخسرها، ولا يمكنك عمل ذلك إلاّ بتخصيص جزء كبير من وقتك لهذا الغرض، وتوظيف الوسائل المناسبة بإجتهاد. لا أعرف كيف يتمكَّن بعض المؤمنين من الإكتفاء بقليل من التأمل والعزلة، وأجد أن روح العصر هو مبدأ استنفاد قويّ يُسرِّع فكري في دوامة تغرقني في حُثالة الطبيعة وقذارتُها الجسدية فأضطر إلى الإنسحاب بنفسي بإنتظام وأقول لقلبي ماذا تعمل؟ أين أنت الآن؟» |
«لِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ.» (أشعياء7:43) أحد المشاهد المأسوية في وجودنا رؤية رجال ونساء يعيشون حياة الضياع. لقد صُنع الإنسان على صورة وشبه الله. لقد صُمم ليتبوأ عرشا لا كرسياً في مقصف. خُلق ليمثِّلَ الله وليس عبدا للخطية. وللإجابة عن السؤال، «ما هو الهدف الرئيسي من الإنسان؟» نجد الجواب يقول باختصار، «القصد الرئيسي من الإنسان هو تمجيد الله والتمتع معه الى الأبد.» فإذا أخطأنا هذا الهدف نكون قد خسرنا كل شيء. يبكي ج. ه. جويت عندما يدرك أن سبيل العديد من الناس خلال السنوات «ليس مسيرة إنسان بل مسيرة مكروبة الأميبا.» يحزنه رؤية رجال يسيل لعابهم ليكونوا لا أكثر من موظفين في مشاريع زائلة.» يدوّن بكل تأثر على ضريح أحدهم، «ولد إنسانا ومات بقّالا.» يحدق مايرز بالبشرية ويكتب: أرى الناس هناك أرواحا فقط، مقيدين بدل أن يكونوا غالبين، عبيدا بدل أن يكونوا ملوكا، أسمع أملهم الوحيد بتعجب فارغ، يحزنني رضاهم باستعراض أشياء. عندما كان واتشماني شابا، تأثر من رؤية موهبة إنسان خلاقة تبدد عند صاحب عمل جشع في إحدى مشاغل النقش في شارع من شوارع المدينة القديمة، كان أحد الحرفيين المجهولين قد قضى ست سنوات في حفر ثلاثة أوراق على أربعة أغصان على لوحة، يحفر أشكال أزهار على خشب طبيعي، أبيض على خلفية سطح أسود. وكان يتقاضى ثمانين سنتا أجرة يومية، في المطر وفي الصحو، في الأعياد وفي الثورات، كما يقول صاحب المشغل، بالإضافة الى بعض الأرز والخضار ولوح من الخشب ينام عليه. وبعد أن اكتسب المهارة لهذا العمل، يمكن أن ينجز لوحتين فقط قبل أن يتلف بصره وأعصابه وثم يُلقى في الشارع لينضم الى المتسولين.» مأساة حياة اليوم أن الإنسان يفشل في تقدير واعتبار دعوته العليا. يمرون خلال الحياة يعانقون الامور الثانويه. يزحفون بدل أن يحلقوا. وكما قال أحدهم، يفتشون في كومة من الزبالة ولا يلحظون الملاك فوقهم يقدم لهم إكليلا. يقضون وقتهم في كسب معيشتهم بدل أن يحيوا حياتهم. يقلق الكثيرون اليوم من إتلاف المصادر الطبيعية لكنهم لا يفكرون أبدا بالخسارة الأكبر التي هي المصادر البشرية. يقوم العديدون بحملات للمحافظة على أجناس الطيور والحيوانات والأسماك، لكنهم ينظرون كيف يضيّع الناس حياتهم ولا يحركون ساكنا. حياة إنسان واحد تساوي أكثر من عالم كامل. ضياع تلك الحياة مأساة لا توصف. قالت إحدى السيدات، «أبلغ السبعين من عمري، ولم أعمل شيئا بحياتي،» أتوجد مأساة أكبر؟ |
«الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالإِبْتِهَاجِ. الذَّاهِبُ ذِهَاباً بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ مَجِيئاً يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ» (مزمور5:126، 6) يستعيد بنو إسرائيل ذاكرتهم في المزمور126 حول عودتهم إلى الأرض بعد السَّبي في بابل، لقد كان ذلك كما لو أنهم في عالم الأحلام، مملوئين ضحكاً وغناءً، وحتّى جيرانهم الوثنيّين علَّقوا على الأمور العظيمة التي عملها الرَّب من أجل شعبه. الآن وبعد عودتهم إلى وطنهم كان عليهم أن يزرعوا ليجنوا محاصيلهم، لكن هذا شكَّل مشكلة، فإنهم لم يُحضروا معهم سوى كميّة محدودة من الحبوب كان بإمكانهم إستخدامها كغذاء الآن، لأنه لم يكن هناك غلال في الحقول لكي يحصدوها، أو يمكنهم استخدامها كبزار لزرعها في الأرض على أمل الحصاد الوفير في الأيام القادمة، فإذا قرّروا إستخدام معظمها كبزار، فهذا يعني أن عليهم أن يعيشوا بتقشُّفٍ وبتضحية إلى أن يحين وقت الحصاد. لقد قرّروا المسار الأخير. بينما خرج الفلاّح إلى حقله، كان يَغرُف بيده البِزار وينثرها فوق الأرض المحروثة، كان يذرف دموعاً عند تفكيره بالحرمان الذي كان عليه أن يقاسيه مع عائلته حتّى وقت الحصاد، لكن عندما تمتلئ الحقول بالحبوب الذهبيّة لاحقاً، تتحوَّل دموعه إلى فرحٍ وهو يُجلب الحُزم الناضجة إلى الحظيرة، وبذا ستُجازى بِوَفرة التضحيات التي قدّمتها عائلته. يمكننا التفكير بذلك بعلاقة وكالتنا على الأشياء المادية، لقد إئتَمننا الرَّب على مبلغ محدود من المال يمكن إنفاقه في إنغماسنا بملذّاتنا وشراء كل رغبات قلوبنا، أو أن نحيا مضحّين بأن نستثمره في عمل الرَّب في الإرساليات الأجنبيّة أو المطبوعات، أو الإذاعات المسيحية أو الكنيسة المحلية وأشكال مختلفة من النشاطات التبشيرية. ففي هذه الحالة يعني اختيار مستوى معيشة متواضع حتى أن كل ما يزيد عن ضروريّات الحياة سيدخل في عمل الرَّب، وهذا يعني أيضاً العيش بميزانية محدودة لكي لا تهلك نفوس تحتاج إلى الإنجيل. لكن تضحيات كهذه لا تستحق الذِكر عندما يأتي وقت الحصاد، وعندما نرى رجالاً ونساء في السماء نتيجة حياة التضحية. إنَّ نجاة شخص واحد من الجحيم ليصبح عابداً لحَمل الله طول الأبدية، أمرٌ يستحق كل تضحية ويمكننا أن نقوم به الآن. |
«بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ…الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ» (مزمور2:103، 3). «الرَّب شَافِيكَ» هو أحد أسماء الله التي تعني «أنا الرَّبُّ شافيك» (خروج26:15). الله هو الشافي. يشفينا من كل أنواع الأمراض، وينقذنا في الوقت المناسب وإلى الأبد من كل شكل من أشكال المرض. أحياناً يشفينا بواسطة قوى شافية هائلة وضعها في أجسادنا. إنَّ ما يقوله الأطبّاء عادة «معظم الأشياء تتحسّن في الصباح». يشفي أحياناً بواسطة الدواء أو العمليات الجراحية. قال دوبوا، الطبيب الفرنسي الشهير، «الجرّاح يضمِّد الجرح والله يشفيه». يشفي أحياناً بطرق عجيبة، نعرف هذا من الإنجيل ومن تجاربنا الخاصة. لكن ليست دائماً مشيئة الله أن يشفي، فلو كانت كذلك فلا يشيخ أحد ولا يموت إنسان. لكن الجميع يموتون عاجلاً أو آجلاً إلى أن يجيء الرَّب. لم يشف الله أوجاع بولس الجسدية لكنه أعطاه نعمة ليتحمّلها (كورنثوس الثانية7:12-12). وبصورة عامة فإن جميع هذه الأمراض هي نتيجة للخطيئة، وبعبارة أخرى، لو لم تكّن هناك خطيئة فلن يكون هناك مرض. في بعض الأحيان يكون المرض نتيجة مباشرة لخطيئة في حياة أحدهم. فمثلاً، الإدمان على الخمر يسبب أحياناً أمراضاً في الكبد، التدخين يسبّب أحياناً مرض السرطان، الإنحراف الجنسي يسبّب أحياناً أمراضاً تناسلية، والقلق يسبّب أحياناً قرحة في المعدة. لكن ليس كل الأمراض نتيجة مباشرة لخطيئة الشخص. لقد سبّب الشيطان مرض أيوب الشديد (أيوب7:2) ومع ذلك لم يوجد مثل أيوب بارّ على وجه الأرض، وسبّب لإمرأة غير معروفة وجعاً في ظهر منحن (لوقا11:13-17)، وسبّب شوكة بولس في الجسد (كورنثوس الثانية7:12). وفي يوحنا2:9، 3 لم تكُن خطيئة الشخص سبب ولادته ضريراً. لقد كان أبفرودتس يعاني مرضاً شديداً، ليس بسبب خطيئة، لكن بسبب خدمة الرَّب (فيلبي30:2)، وكان غايوس معافى روحيّاً ولكن مريضاً جسديّاً (يوحنا الثالثة2). أخيراً، فإنَّ الفشل في الشفاء لا يدل بالضرورة على نقص في الإيمان، لكن فقط عندما يعطي الله وعداً محدّداً بالشفاء، يمكننا طلب الشفاء بالإيمان، وإلاّ نستَودِع أنفسنا بين يدي ربّنا الحيّ والمحب ونُصلّي لتكن مشيئته. |
«بِعَدَمِ الْحَطَبِ تَنْطَفِئُ النَّارُ» (أمثال20:26). يتنازع رجلان فيما بينهما، فيقذف أحدهما الآخر بانفجار غضب، ويرُدُّ الآخر بجواب سريع لاذع، ويتَّهم أحدهما بعنفٍ ويُرجِع الآخر الإتِّهام بعنفٍ أشَد، ولا ينوي أي منهما التوقّف لئلاّ يُعتَبر صمته ضعفاً أو هزيمة، وبالتالي تتأجَّج النار ويُنفَث عُباب الكراهية في الإتجاهين. لكن في مشهدٍ آخر، يقذف أحد الرجال وابلاً كلامياًّ ضد خصمه، لكنه لا يتلقّى أي ردٍّ في المقابل، يحاول الأول أن يفاقم عِداءه ويهيِّج الإفتراء والخِزيّ، لكن الرجل الآخر يرفض الإنضمام للمشاجرة، أخيراً يُدرك الخَصم أنه يَهدُر وقته سدى، فهو ينسلّ مُبتعداً ومتمتماً وشاتماً، تنطفئ النار لأن المُتَّهم رفض أن يزيدها وقودا. غالباً ما كان الدكتور ه.أ ايرونسايد يواجه أناساً في نهاية الإجتماع يرغبون في مجادلته بخصوص شيءٍ قاله، وعادة ما كانوا ينتقون تفاهات وليس نقاشاً في عقائد أساسية، فكان يستمع للشخص بكل صبر إلا أن يتوقف ليأخذ نفساً، عندها كان الدكتور ايرونسايد يقول «حسناً، أيها الأخ، عندما نصِلَ إلى السماء يكون أحدنا صادقاً والآخر على خطأ، ربما أكون أنا على خطأ»، كانت هذه الإجابة تحرّر الدكتور دوماً لكي يتحدّث إلى شخص آخر. كيف نواجه الإنتقادات؟ هل ندافع عن أنفسنا، أو أن نردَّ الواحدة بالمثِل، ونمطر الآخر بكل أفكارنا السلبية التي احتفظنا بها ضده؟ أو هل نقول بكل هدوء، «أيها الأخ، أنا مسرور أنك لا تعرفني جيّداً وإلاّ لكنت تجد أموراً أكثر لتنتقدها؟» إنَّ جواباً كهذا قد يطفئ نيراناً كثيفة. أعتقد أن معظمنا قد استلم رسالة في وقت ما كادت أن تنسفنا وبحق عن وجه الأرض، وكردٍّ طبيعي منا في وقت كهذا أن نجلس لنخطَّ إجابة مريرة ولاذعة من شأنها أن تؤجِّج النار وسرعان ما تأخذ الرسائل المسمّمة بالتناقل. ألا يكون من الأفضل لو كتبنا إجابة بسيطة واحدة «أخي العزيز، إن كنت تريد محاربة أحدٌ، فأرجوك، حارب الشيطان»؟ الحياة قصيرة جداً كي نمضيها في الدفاع عن النفس إو في الخصام أو في تبادل الكلمات الساخنة، فهذه الأشياء تحول بيننا وبين ما هو أهمّ وتصبح لهجتنا أقلَّ روحانية وتُضعِف شهادتنا. قد يحمل الآخرون ناراً لإشعال النار عن عمد، لكن نحن من يسيطر على الوقود، فعندما نرفض إضافة الوقود إلى النار، فإنها تنطفئ. |
«وَيْلٌٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْراً وَلِلْخَيْرِ شَرّاً الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُوراً وَالنُّورَ ظَلاَماً الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْواً وَالْحُلْوَ مُرّاً» (إشعياء20:5). إنَّ الله ينطق بالويل على أولئك الذين يعكسون المعايير الأخلاقية، الجاعلين الخطيئة ذات احترام ويقترحون أن الطهارة أمرٌ غير مرغوب فيه. ويشير هربرت ڨاندر لوجت إلى ثلاثة توضيحات معاصرة عن كيف يتلاعب الناس بمميزات الأخلاق. أوّلاً، قرأت مقالاً عالج باستخفاف النتائج السيئة للمواد الإباحية، لكنه أعرب عن أسفه للموقف المتشدد للمتدينين الداعين إلى القداسة الشخصية. ثانياً، اطّلعت عبر صحيفة على قصة تروي عن مجموعة من الآباء القلقين الذين كانوا يحاولون إبعاد معلّمة حامل خارج نطاق الزواج من وظيفتها، وقد صوّرها الكاتب على أنها شخص جميل في حين قدَّم الآباء والأمهات على أنهم أوغاد. ثالثاً، شاهدت كضيف في برنامج تلفزيوني، من يدافع عن الموسيقى الصاخبة والسُكر واستعمال المخدّرات في إحدى حفلات الموسيقى التي قُتل خلالها عدد من الشباب، وقد أنحى الكاتب باللائمة لهذه المشاكل الإجتماعية على أفراد لا يحبوّن هذا النوع من اللقاءات». أودُّ أن أقترح سبَبَين في أننا نشهد موجة متزايدة من الإنتكاسات الأخلاقية. بادئ ذي بدء، لقد تخلّى الناس عن معايير مُطلَقة موجودة في الكتاب المقدس، وصارت الأخلاق اليوم أمراً خاضعاً للتفسيرات الشخصية. ثانياً، كلّما زاد انغماس الناس في الخطيئة كلما كثر شعورهم بوجوب ترشيد الخطيئة كسلوك له ما يبرِّره، وبالتالي تبرئة أنفسهم. إنَّ بعض الذين يصعُب عليهم تبرير الخطيئة، يلجأون بدلاً من ذلك إلى حُجج تثير العاطفة، وهذا يعني أنهم يهاجمون شخصية الخصم بدلاً من الرد على حججه. وهكذا في التوضيحات المذكورة أعلاه، يهاجم اللبيراليون «موقف المتدينين الداعين إلى القداسة الشخصية» جاعلين من الآباء والأمهات أوغاداً، ويلقون باللائمة للمشاكل الإجتماعية على الناس الذين يعبِّرون عن معارضتهم للسكر والمخدرات وحفلات الموسيقى الصاخبة التي قُتل فيها عدد من الشباب. بالإضافة إلى هؤلاء الذين يعكسون المميزات الأخلاقية، هناك أيضاً أولئك الذين يُرضون أنفسهم بالتشويش عليها، وللأسف فإن عدداً كبيراً من هؤلاء هم رجال دين، الذين بدل أن يقفوا بصراحة إلى جانب الكتاب المقدس ويَدْعون الخطيئة بأسمائها الصحيحة، يمتنعون عن التعبير صراحة ويمشون خلسة مما يعني ضمناً أنها ليست بهذا السوء في أي حال، مُدَّعين أنَّ السكر مرضٌ والشذوذ نمط حياة بديلة، والجنس خارج إطار الزواج مسموح به لو كان مقبولاً من الناحية الثقافية، ثمَّ إنَّ الإجهاض والتعرّي العلني والدعارة حقوق شخصية لا يجوز أن تُحرَّم. إنَّ مثل هذا التفكير المشوَّش ينمَّ عن نقص خطير في الفكر الأخلاقي، وهذه الحجج الضارَّة هي أكاذيب شيطانية تغرق الناس في نهاية المطاف في هلاك أبدي. |
«اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (لوقا33:21). إنَّ كلمة الله هي ليست أزلية فقط بل ستتحقّق حتماً. قال يسوع في متى18:5 إنه لا نقطة ولا حرف يزول من الناموس إلى أن يتم الكل، والنقطة هي حرف في الأبجدية العبرية تمثّل الفاصلة أو حرف الإضافة، وبعبارة أخرى، كان يسوع يقول بأن كلمة الله ستتحقّق حتى في أصغر التفاصيل. كان جوليانوس الملحد، وهو أحد أباطرة الرومان والذي حكَم بين 331-336م، قد صمّم أن يدحض الكتاب المقدس ويشوِّه سمعة المسيحية، والنص المعيَّن الذي اختاره ليدحضه كان لوقا24:21، «وَيَقَعُونَ بِالسَّيْفِ وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ»، فبدأ يشجِّع اليهود لإعادة بناء الهيكل، وبحسب سجلّ جيبون «إنحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية»، بدأوا العمل بشغف حتى أنهم استخدموا معاول فضيّة إمعاناً في البَذخ ونقلوا التراب بأوعية أرجوانية، لكن بينما كانوا يعملون، توقفوا بسبب هزّة أرضية وكُرات نار صاعدة من الأرض، فاضطرّوا إلى التخلي عن المشروع. حوالي 600 سنة قبل المسيح تنبّأ حزقيال أن البوابة الشرقية لأورشليم ستُغلق وتبقى مغلقةً حتى يأتي «الرئيس» (حزقيال3:44). يفهم العديد من دارسي الكتاب المقدس أن «الرئيس» هو المسيح والبوابة تدعى «البوابة الذهبية»، التي أغلقت سنة 1543 على يدي السلطان العثماني سليمان. وفي خطَّة القيصر ويلهلم لإحتلال أورشليم، كان يأمل الدخول إلى المدينة من هذه البوابة، لكن أمله تبدد وبقيت البوابة مغلقة. لقد تفاخر فولتير بأن الكتاب المقدس سوف يكون ميتاً في غضون مائة عام. وعندما مرَّت المائة عام كان فولتير ميتاً وأصبح منزله مقراً لجمعية جنيف للكتاب المقدس. ثم أدلى إنغرسول بادعاء مماثل وقال بأن سيضع الكتاب المقدس في معرض الجثث بعد خمسة عشر سنة، لقد كان هو من دخل المعرض. لقد استمرَّ الكتاب المقدس بعد كل منتقديه. قد تظن أن الناس يستيقظون على حقيقة أن الكتاب المقدس هو كلمة الله الأبدية التي لن تزول أبداً، لكن وكما قال جوناثان سويفت «لا يوجد أعمى مثل الذي لا يريد أن يرى». |
«فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِياً بِمَا أَنَا فِيهِ» (فيلبي11:4). كثيراً ما يقال لنا أنه ليست ظروف الحياة هي المهمة، بل كيف نتجاوب مع هذه الظروف هو المهم حقاًّ. هذا صحيح، فبدل أن نسعى دائماً لتغيير ظروفنا، يتعيَّن علينا أن نفكّر أكثر في تغيير أنفسنا. هناك العديد من الطرق التي يتجاوب الناس بها مع الأحداث المعاكسة. أوّلها هو التجاوب برزانة، وهذا يعني أن يكونوا صامتين تماماً، فيصرُّون بأسنانهم ولا يظهرون عواطفهم، وسياستهم هي التعاون مع المحتوم، في حين يتجاوب آخرون بصورة هستيرية، ينهارون عاطفياًّ بالبكاء بصوت عالٍ وبذرف الدموع وبمظاهر جسدية مذهلة، ويتجاوب البعض بإبداء الهزيمة والإستسلام لليأس الشديد، وفي الحالات القصوى قد ينتهون بالإنتحار. أما الطريقة المسيحية العادية فهي التجاوب بإذعان، وأسباب المؤمن لذلك الحال هو «أن هذا الأمر لم يحدث صدفة، فإنَّ الله يسيطر على كل ما يأتي في حياتي، وهو لا يعمل خطأً، لقد سمح بهذا لكي يأتي بالمجد لنفسه والبركة للآخرين والخير لي، ولا يمكنني أن أرى تعامله الكامل لبرنامجه، لكنني مع ذلك سأثق به، لذلك أخضع لمشيئته، وأصلّي أن يمجِّد نفسه ويُعلِّمُني ما يريد مني أن أتعلَّمه». وهنالك طريقة أخرى يتجاوب بها نخبة من القدّيسين، وهي بالنُّصرة الفائقة، وأنا لا أجرؤ أن أعُدَّ نفسي بين هؤلاء مع أنني أطمح إلى شركتهم، هؤلاء هم الذين يستخدمون الشدائد كنقطة إنطلاق لتحقيق النصر، فهم يحوّلون المرارة إلى حلاوة والرماد إلى جمال، ولا يجعلون الظروف تحكمهم، بل يجعلون الظروف تخدمهم، وبهذا المعنى يكونون «أكثر من غالبين»، واسمحوا لي بأن أسوق أمثلة قليلة: كانت هناك إمرأة مسيحية يبدو أن حياتها مليئة بخيبة الأمل والإحباط، لكن كُتب في سيرة حياتها «عملت باقات رائعة من عدد حالات رفض الله». لقد هوجِمَت جماعة من المؤمنين في بلد شرقي بالحجارة من قبل أفراد من الغوغاء الغاضبين، وعندما عاد هؤلاء المؤمنين إلى المكان نفسه إستخدموا الحجارة التي قُذفوا بها لبناء قاعة إجتماعات لهم. بعد أن اشترى أحد الأشخاص منزلاً وجد في وسط الحديقة صخرة كبيرة، فقرّر أن يجعل منها حديقة صخور. وقال أ. ستانلي جونز «إستخدم حالات رفضك وحوّلها إلى أبواب» أو كما قال شخص آخر «عندما تقدّم لك الحياة ليموناً، إصنع منه شراباً». أُحبُ بشكل خاص قصة الرجل الذي قال له طبيبه أنه سيفقد إحدى عينيه وعليه أن يضع مكانها عيناً زجاجية، فكان جوابه الفوري «تأكّد من أن تضع لي عيناً ذات وميض»، وهذا ما أدعوه العيش فوق الظروف. |
«أَحَبَّ الْمَسِيحُ أيضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أفسس25:5). إنَّ الكنيسة تحتلُّ مكانة ذات أهمية كبيرة في فكر المسيح، وأنه ينبغي أن تكون في غاية الأهمية في تقديرنا كذلك. نشعر بأهميتها من المساحة البارزة التي تحتلّها في العهد الجديد، كما احتلت كذلك مكانة بارزة في خدمة الرسل. لقد تكلّم بولس، على سبيل المثال، عن خدمته ذات الشقين، وهما الكرازة بالإنجيل وإعلان حقيقة الكنيسة (أفسس8:3، 9). لقد تكلّم الرُسل عن الكنيسة بكل حماس نستغرب غيابه اليوم، وفي كل مكان ذهبوا إليه زرعوا كنائس هناك، في حين يميل الإتجاه اليوم لإقامة منظّمات مسيحية. لقد شكَّلت حقيقة الكنيسة تتويجاً لإعلان الوحي الكتابي (كولوسي25:1، 26)، وكانت التعليم الأخير الذي أُعلن. إن الكنيسة عبارة عن وسيلة إيضاح للكائنات الملائكية التي من خلالها يتعلمون دروساً حول حكمة الله المتعددة الأوجه. إنَّ الكنيسة هي الوحدة التي على الأرض والتي اختارها الله لكي يذيع ويدافع عن الإيمان من خلالها (تيموثاوس الأولى15:3)، وهو يتكلَّم عنها على أنها عامود الحقّ وقاعدته. إننا شكورون لأجل المنظمات غير الكنسية التي تكرَّست لنشر الإنجيل وتعليم المؤمنين، لكن من الخطأ جعلها تأخذ مكان الكنيسة المحلية في حياة أعضائها. لقد وعد الله أن أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة (متّى18:16)، لكن لم يُعطَ هذا الوعد للمنظّمات المسيحية. يتكلّم بولس عن الكنيسة بأنها «مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ» (أفسس20:1-23). وبنعمة عجيبة لا يعتبر الرأس نفسه كاملاً دون أعضائه. ثم إنَّ الكنيسة ليست فقط جسد المسيح (كورنثوس الأولى12:12، 13)، بل هي عروسه كذلك (أفسس5: 25-27، 32،31). وكجسد فهي الوسيلة التي من خلالها اختار أن يظهِر نفسه للعالم في هذا العصر، وكعروس، فهي موضوع محبَّته والتي يهيأها لتشاركه مُلكه ومجده. من كل ما سبق، فإننا مضطرون إلى الإستنتاج بأن أضعف إجتماع للمؤمنين له مكانة عند المسيح أكبر من أعظم إمبراطورية في العالم. إنه يتحدث عن الكنيسة بتحبُّب لطيف وكرامة فريدة، ونستنتج أيضاً أن الشيخ في الإجتماع المحلّي يعني أكثر عند الله من أي رئيس أو مَلِك. يوجد القليل من التعليم في العهد الجديد كيف تكون حاكماً صالحاً، لكن مساحة كبيرة قد خُصصت لعمل الشيخ. إذا رأينا الكنيسة يوماً كما يراها المسيح، فستُحدِث ثورة في حياتنا وخدمتنا. |
«فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ» (عبرانيين26:10، 27). هذا واحد من أعداد كثيرة في العهد الجديد التي ثبت أنها مقلقة جداً للعديد من المؤمنين المخلصين وأصحاب الضمائر الحيّة الذين يفكّرون بهذه الطريقة: أنا أواجه تجربة لكي أرتكب خطيئة، أعرف أن هذا خطأ، أعرف أنني يجب ألَّا أفعل الخطيئة، ومع ذلك أرتكب الخطيئة على أي حال. لقد تمردّت عن قصد، يبدو أنني أرتكب الخطيئة بإرادتي، لذلك يظهر من هذا العدد وكأنني فقدت خلاصي. تنشأ المشكلة لأنهم يخرجون العدد من سياق الكلام ويعطونه معان لم يُقصَد منها قول ذلك. تتكلم هذه الفقرة عن خطيئة الإرتداد. خطيئة الشخص الذي يعلن أنه مؤمن لفترة من الزمن لكنه يتبرّأ لاحقاً من الإيمان المسيحي وينتمي عادة لنظام يقاوم المسيح. يوصَف المرتد في العدد 29: داس إبن الله، وحسب دم العهد الذي تقدّس به دنس، واحتقر روح النعمة. يعلن بانقلابه المؤلم ضد المسيح أنه لم يولد الولادة الجديدة أبداً. نفرض أن شخصاً يسمع البشارة ويستحسن الإيمان المسيحي. يترك ديانة أجداده ويتبنّى السِّمة المسيحية دون تجديد حقيقي. يأتي الإضطهاد، يعيد تفكيره عن كونه معروفاً كمسيحي، أخيراً يقرّر أن يعود إلى ديانته القديمة. لكن هذا ليس سهلاً. لنفرض أنه قبْلَ قبول القادة به للرجوع بعد التخلّي عن إيمانه، يقيمون مراسيم ينبغي أن يمر بها، فيأخذون دم خنزير ويرشّونه على الأرض، ثم يقولون له، «يمثل هذا الدم دم المسيح. فإن رغبت في العودة إلى ديانة آبائك، فيجب أن تدوس على هذا الدم»، فيفعل. في الواقع، إنه يدوس إبن الله ويحسب دمه دنِساً. هذا الشخص مرتد. لقد إرتكب الخطيئة عن عمد. إنَّ المؤمن الحقيقي لا يمكنه أن يقترف هذه الخطيئة عن عمد، لكن يمكن أن يقترف خطايا أخرى مع عِلمه أن هذا خطأ. ربما يُخالف ضميره عن وعي، وهذا أمر خطير في نظر الله، ويجب ألاّ نقول شيئاً لنقدّم أعذاراً عن هذا العمل، لكنه لا يزال يستطيع أن يجد المغفرة بالإعتراف وترك الخطيئة. فأما المرتدّ فليس كذلك. يقول له الحكم أنه لم يتبقَ ذبيحة بعد لخطاياه (عدد26)، ويستحيل تجديده للتوبة (عبرانيين6:6). |
«كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ لاَ يُخْطِئُ. كُلُّ مَنْ يُخْطِئُ لَمْ يُبْصِرهُ وَلاَ عَرَفَهُ» (يوحنا الأولى6:3). تأمَّلنا بالأمس بفقرة ثبت أنها في الغالب تسبّب قلقاً للمؤمنين الصادقين. سوف ننظر اليوم في ثلاثة أعداد في رسالة يوحنا الأولى والتي تُقلِق المؤمنين المتنبِّهين جداً لحالة إثمهم. هناك عدد قد تمَّ إقتباسه في رأس الصفحة، ثم هنالك يوحنا الأولى9:3 «كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ»، وأيضاً يوحنا الأولى18:5 «نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ»، فلو أخذنا هذه الأعداد كما هي، فإنها ستجعل أي منّا يتسائل فيما إذا كان مؤمناً حقيقياً أم لا. ومع ذلك، فهناك أعدادٌ أخرى في نفس الرسالة، تعترف بأن المؤمن يرتكب خطايا، على سبيل المثال ما ورد في 1: 8-10، 1:2. تكمن المشكلة إلى حدٍ بعيد في الترجمة، ففي لغة العهد الجديد الأصلية يوجد فرق بين إرتكاب أعمال الخطيئة بصفة عرضية وبين ممارسة الخطيئة كمنهج حياة. يرتكب المؤمن أعمال الخطيئة، لكن الخطيئة لا تميّز حياته. لقد تمَّ تحريره من سيادة الخطيئة. تقول الترجمة التفسيرية الحديثة أن الأفعال في هذه الأعداد تكون في الفعل المضارع الذي يدل على الاستمرارية، كما يلي: «فَكُلُّ مَنْ يَثْبُتُ فِيهِ، لَا يُمارِسُ الخَطِيئَةَ. أَمَّا الَّذِينَ يُمَارِسُونَ الْخَطِيئَةَ فَهُمْ لَمْ يَرَوهُ ولَمْ يَتَعَرَّفُوا بِهِ قَطُّ» (6:3). «فَكُلُّ مَوْلُودٍ مِنَ الله، لَا يُمَارِسُ الَخطِيئَةَ، لِأَنَّ طَبِيعَةَ الله صَارَتْ ثَابِتَةً فِيهِ. بَلْ إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمَارِسَ الخَطِيئَةَ لِأَنَّهُ مَوْلودٌ مِنْ الله» (9:3). «نَحْنُ واثِقُونَ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الله لَا يُمَارِسُ الخَطِيئَةَ، لِأَنَّ إبْنَ الله يَحْمِيهِ فَلَا يَمَسُّهُ إبْلِيسُ الشِّرِّيرُ» (18:5). فأيُّ مسيحيّ يقول أنه لا يخطئ يكون ناقص المعرفة في ماهية الخطيئة، وهو في الواقع لا يُدرك أنَّ أي شيء لا يرقى إلى مستوى كمال معايير الله فهو خطيئة، والواقع هو أننا نرتكب أعمال الخطيئة كل يوم سواء بالفكر أو القول أو العمل. لكن يوحنا يميِّز بين ما هو إستثنائي وما هو إعتيادي، وعند القديّس الحقيقي، الخطيئة هي شيء غريب وهو يتميّز بالبرّ. عندما ندرك هذا فلن تكون هناك ضرورة لنعذِّب أنفسنا بهذه الأعداد التي تجعلنا نشكِّك في خلاصنا. الحقيقة البسيطة هي هذه: إنَّ مشيئة الله هي أن لا نُخطئ، إلا أننا مع الأسف نخطئ، لكن الخطيئة ليست القوة السائدة في حياتنا، ولن نعُود نمارس الخطيئة كما كنّا نفعل قبل الخلاص، فإذا أخطأنا نجد المغفرة بالإعتراف بها وتركها. |
«ثَرْوَةُ الْغَنِيِّ مَدِينَتُهُ الْحَصِينَةُ وَمِثْلُ سُورٍ عَالٍ فِي تَصَوُّرهِ» (أمثال11:18). لقد كان لدى الغنيّ الغبيّ في إنجيل لوقا ثروة كبيرة ولم يعرف ماذا يعمل بها، فقرّر أن يهدم مخازنه ويبني أكبر منها، وظن أنه سيشعر بالإرتياح غير عالم أنه سيموت بمجرَّد إكتمال مشروعه، ذلك أنَّ غناه لا يمكن أن يُنقذه من الموت ومن القبر. يقول سيلدر «إنَّ الغنيّ الغبيّ مثالٌ عن الشخص الطمَّاع الذي لديه دافع لا يُقاوم للجشع والحصول على المزيد والمزيد من الممتلكات مع أنه ليس بحاجة إليها، ونجاحه الهائل في تراكم الممتلكات أكثر وأكثر يؤدي إلى التجديف ظاناًّ أن الممتلكات المادية يمكن أن تلبي له جميع إحتياجاته، لكن من ناحية إلهية فإنَّ هذا التوجّه هو جنون محض، فهو غبيٌّ يهذي». هناك أسطورة عن رجل يريد أن يصبح غنيّاً عن طريق تداول السندات المالية. وعندما قال له شخص ما أنه يمكن أن يصير له كل ما يريده، فقال أنه يريد أن يرى صحيفة الأخبار التي ستصدر بعد عام من هذا اليوم، وكانت فكرته بالطبع، أنه سيصنع ثروة من شراء السندات التي سترتفع قيمتها كثيراً خلال السنة التالية. عندما حصل على الصحيفة، أُعجِب إذ عرف كم سيكون غنياً، لكن عندما نظر إلى إعلانات الوفاة وجد إسمه هناك. كاتب المزامير يسخَر من الأغنياء الذين «بَاطِنُهُمْ أَنَّ بُيُوتَهُمْ إِلَى الأَبَدِ مَسَاكِنَهُمْ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. يُنَادُونَ بِأَسْمَائِهِمْ فِي الأَرَاضِي» (مزمور11:49)، لكنهم يموتون تاركين أموالهم للآخرين «وَالإِنْسَانُ فِي كَرَامَةٍ لاَ يَبِيتُ. يُشْبِهُ الْبَهَائِمَ الَّتِي تُبَادُ» (مزمور12:49). صَدَقَ القول بأنَّ المال هو جواز السفر لأي مكان ما عدا السماء، والمُوفِّر لكل شيء في العالم ما عدا السعادة. لم نجد أبداً على حجر قبر أي غنيّ نقشاً للدولار، على الرغم من أن المال كان هاجس حياته، فلو استخدم الرمز الذي كان له الأهمية القصوى في حياته، لوضع شارة $ الدولار، لكنه عند الموت يختار رمزاً دينياً، مثل الصليب، وهذه لفتة نهائية للرياء. أما البارّ فينظر ويقول «هُوَذَا الإِنْسَانُ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ اللهَ حِصْنَهُ بَلِ اتَّكَلَ عَلَى كَثْرَةِ غِنَاهُ وَاعْتَزَّ بِفَسَادهِ» (مزمور7:52)، وإنَّ الله يكتب شاهد قبره «هَكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيّاً لله» (لوقا21:12). |
«وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ» (تيموثاوس الأولى16:3). إنَّ هذا السِّر عظيم، ليس لأنه غامض جداًّ، بل لأنه مذهلٌ جداًّ. هذا السِّر هو حقيقة أن الله قد ظهر في الجسد وهذا يعني على سبيل المثال، بأن الأزلي قد وُلد في عالم الزمن. هو غير المحدود بالزمن، عاش في نطاق التقويم والزمن. ذاك الكُلِّي الوجود، الموجود في كل مكان في نفس الوقت، جعل وجوده مقتصِراً على مكان واحد مثل بيت لحم أو الناصرة أو كفرناحوم أو أورشليم. إنه لشيء مدهش أن نفتكر بأن الله العظيم الذي يملأ السماء والأرض يحصُر نفسه في جسم بشري، وكما رآه الناس فإنهم يستطيعون أن يقولوا فيه الصواب «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا» (كولوسي9:2). هذا السِّر يذكِّرُنا بأن الخالق قد زار كوكبنا التافه الذي يسَمّى الأرض، الذي هو نقطة من غبار بالنسبة إلى بقية الكون، ومع ذلك فقد تجاوز البقية لكي يأتي إلى هنا، قادماً من قصر في السماء إلى حظيرة غنم، إسطبل ومِذود! لقد أصبح الكلّي القدرة، طفلاً عاجزاً، فليس من المبالغة القول أن الذي ضمَّته مريم بين ذراعيها، هو الذي ضمَّها، لأنه الحافظ كما أنه الصانع. إنَّه كلّي المعرفة، مصدر كل حكمة ومعرفة، ومع ذلك نقرأ عنه، أنه كطفل كان ينمو بالحكمة والمعرفة، وإنه لشيءٌ يعُزُّ على التصديق أن نفتكر بأن مالك كل شيء يأتي غير مرحّبٌ به في مُلكه الخاص، ولم يكن له موضع في المنزل ولم يعرفه العالم، وخاصّته لم تقبله. جاء السيد إلى العالم كخادم، أخفى ربُّ المجد ذلك المجد في جسد بشري، جاء رب الحياة إلى العالم ليموت، وجاء القدّوس إلى غابة الخطيئة، وصار المرتفع بلا حدود قريباً بدون حدود، موضوع فرحة الآب وعبادة الملائكة، جاع وعطش وكان منهكاً عند بئر يعقوب ونام في سفينة في بحر الجليل، «كغريب وبلا مأوى في عالم صنعته يداه». جاء من النعيم إلى الفقر وليس له أين يضع رأسه، عمِل نجاراً ولم ينم على فراش أبداً، لم يكن عنده ماء جارٍ بارد وساخن أو أي من وسائل الراحة التي نتمتّع بها اليوم بشكل بديهي. لقد كان كل هذا من أجلك ومن أجلي! هلمّوا تعالوا لنعبده. |
«وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأبْرَامَ: أعْطِنِي النُّفُوسَ وَأمَّا الأمْلاكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ» (تكوين21:14). قَدِمت جيوش غازية إلى سدوم، فقامت بِسَبيْ لوط وعائلته، واستولت على غنائم كثيرة، فما أن سمع أبرام بالخبر حتى قام بتجهيز عبيده بالسلاح وملاحَقة الغُزاة، وأخيراً عندما لَحِق بهم قُرب دمشق وأنقذ الأسرى وممتلكاتهم، خرج ملك سدوم لملاقاة أبرام عند عودته وقال «أعْطِنِي النُّفُوسَ وَأمَّا الأمْلاكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ»، فأجابه أبرام بأنه لن يأخذ منه ولا حتى سيور حذاء لئلا يقول أنه قد أغناه. هناك مفهوم بأنَّ ملك سدوم يمثِّل الشيطان في محاولة ليشغل المؤمنين بالأمور المادية بحيث يهملون الناس الذين حولهم. لقد قاوَم أبرام هذه التجربة، لكن الكثيرين لم ينجحوا في ذلك منذ ذلك الحين، إذ أعطوا أولوية لتكديس الممتلكات وأولوا القليل من الإهتمام بجيرانهم وأصدقائهم الذين يواجهون الأبدية من دون الله، ومن دون المسيح ودون رجاء. إنَّ الناس مهمّون، أما الأشياء فليست مهمة. دخل شاب مؤمن إلى غرفة الجلوس حيث كانت والدته تخيط وقال لها: «أمّي، أنا سعيد لأن الله أعطاني محبة للناس أعظم من محبة الأشياء»، وكانت تلك الأم سعيدة أيضاً. يبدو الأمر غير منطقي عندما نبكي حين يكسر أحدهم فنجاناً خزفياًّ ومع ذلك لا نذرف دمعة واحدة على ملايين من الهالكين. سيكون أمراً غريباً عندما يكون لدينا ذاكرة هائلة لنتذكَّر نتائج مباراة كرة السلّة ومع ذلك نجد صعوبة في تذكُّر أسماء الناس. إنني أخدع إحساسي المشوَّش للقِيَم عندما أقلق أكثر بسبب ضرر لحق بسيّارتي، بدل أن أقلق على الشخص الآخر المجروح في السيارة الأخرى. من السهل الإستياء من مقاطعة الآخرين لي عندما أنشغل بمشروع محبّب، مع أن دافع المقاطعة قد يكون أهم بكثير من المشروع. عادة ما نهتم بالذهب والفضة أكثر من اهتمامنا بالرجال والنساء. يقول أ.ت بيرسون: «هناك في بيوت المؤمنين، ثمة كمية من الذهب والفضة مخزونة تكفي لبناء أسطول من 50،000 مركب، لملئها بالكتب المقدسة وحشدها بالمُرسلين، ولبناء كنيسة في كل قرية فقيرة ولتزويد كل نفس بالإنجيل على مدى عدد من السنوات». ورجل آخر من رجال الله هو ج. ستيورات كتب يقول: «لقد استخدمنا ثروتنا كي ننغمس في الرفاهية التي لا نحتاج إليها، وطوّرنا «مذاقاً للترف» بينما يموت الملايين في أنحاء كثيرة من العالم جوعاً بالخطيئة، لقد بِعنا حقّ باكوريَّتِنا الروحية الموروثة بحساء من الخُضار». غالباً ما يتساءل قلبي متى سنتخلى نحن المؤمنين عن التدافع الجنوني وراء الممتلكات المادية ونُركِّز بدلاً عن ذلك على الرعاية الروحية للناس؟ إن نفساً بشرية واحدة تفوق قيمتها كل ثروات العالم. إنه لا أهمية للأشياء، لكن هناك أهمية للبشر. |
«جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ» (كورنثوس الأولى24:11). لقد وضعت إيمي كارمايكل قائمة بأربعة أشياء مكسورة في الكتاب المقدس والنتائج التي أنجزت بواسطتها. جرارٌ مكسورة (قضاة18:7-19) فأضاء النور خارجاً. قارورةٌ مكسورة (مرقس3:14) فانسكب الطيب فوَّاحاً. خبزٌ مكسور (متى19:14) فأشبع الجياع. جسدٌ مكسور (كورنثوس الأولى24:11) فافتُدي العالم. والآن فإنه إمتياز لنا أن نضيف شيئاً خامساً للقائمة ألا وهو إرادة مكسورة نتيجتها حياة فيّاضة بالسلام والإكتفاء. كثيرون من الذين قدِموا إلى الصليب طلباً للخلاص لم يأتوا لكي تُكسر إرادتهم، فقد تكون لديهم طبيعة لطيفة وقد يكونون معتدلي التصرُّف، بل قد لا يتكلّمون بصوت أعلى من الهمس، وقد يكون ذوي مظهر خارجي روحاني، ومع ذلك لديهم إرادة من حديد تمنعهم عن أفضل ما لدى الله للحياة. يحدث هذا أحياناً مع شباب يتحابُّون ويفكرون في الزواج، فقد يرى والديهم وأصدقائهم ذوي القرارات الحكيمة والناضجة أن هذا الزواج لن ينجح أبداً، ومع ذلك فإن الزوجين العنيدين يرفضان المشورة ولا يريدان أن يسمعوها، ذلك أن نفس الإرادة المستعصية التي قادتهما إلى مذبح الزواج، ستؤدي بهما قريباً إلى محكمة الطلاق. لقد شاهدنا ذلك مع المؤمنين الذين عقدوا العزم على الخوض في بعض الأعمال التجارية مع أنهم يفتقرون بشكل واضح للخبرة في الإدارة أو الدراية اللازمة لذلك العمل، وعلى الرغم من نصيحة المُقرَّبين منهم وأصحاب الدراية، فإنهم يُغرِقون أموالهم وأموال قد اقترضوها على الأغلب من أصدقاء مُحِبّين، فيحدث الذي لا مفرَّ منه، يفشل العمل، ويتحرَّك الدائنون في محاولة لإصلاح الأمر. ليس غريباً أن نرى الآثار المُحطِّمة لإرادة غير مكسورة على الخدمة المسيحية، فإنها تأخذ الشخص وعائلته إلى الحقل المُرسلي ليعود إلى الوطن في غضون عام بتكلفة كبيرة تكبَّدتها الكنيسة التي أرسلته بحيث يستنزف أيضاً أموالاً من مؤمنين سُذَّج لتمويل مشروع هو فكرة إنسان وليس فكرة الله، وهو مشروع يُثبت أنه غير مجدٍ مما يخلق نزاعاً وتعاسة لأن شخصاً واحداً يرفض التعاون مع الآخرين، ذلك لأنه يُريد إتِّباع طريقه. جميعنا نحتاج إلى أن ننكَسر ونتخلّى عن مُكابرتنا وعنادنا وكل مشيئتنا الذاتية ونتركها عند أقدام الصليب. ينبغي وضع الإرادة الحديدية على المذبح، ويجب علينا جميعاً القول مع إيمي كارمايكل: كُسِرتَ يا ربُّ لأجلي، دعني أَنكسِرَ يا ربّ لأَجل محبّتي لك. |
«كَمُمْسِكٍ أُذُنَيْ كَلْبٍ هَكَذَا مَنْ يَعْبُرُ وَيَتَعَرَّضُ لِمُشَاجَرَةٍ لاَ تَعْنِيهِ» (أمثال17:26). يجب أن ندرك في المقام الأول أن الكلب المذكور في هذا العدد ليس هو الكلب الأليف الودود الذي ربما لا يمانع على الإطلاق في أن تمسكه من أذنيه بل المقصود هنا هو الكلب البرِّي والمزمجر، كلب الشوارع الشرس المكشِّر عن أنيابه الذي من المُستبعد أن تستطيع الإقتراب منه كثيراً لتمسك به من أذنيه، وحتى ولو تمكنت من ذلك، فستواجه معضلة يائسة وسينتابك الخوف من الإستمرار بالإمساك به وتخشى أن تتركه يفلت. حسناً، إنها صورة تمثّل الشخص الذي يتورَّط في مشاجرة لا علاقة له بها، فإنه سرعان ما يتعرَّض لغضب المتخاصمَين على حدٍّ سواء ذلك أن كل منهما يشعر بأن المتطفِّل يتدخّل لينتهز فرصة للفوز، لذلك ينسى المتخاصمان خلافاتهما ويتّحدان لمحاربته. نضحك من الشخص الإيرلندي الذي توجَّه إلى رجلين يتقاتلان في اشتباك بالأيدي وتساءل: «هل هذا قتال خاص أو أن أي شخص يمكنه المشاركة؟» لكن هناك ميلاً لدى كل واحدٍ منّا أن يُغْرى ليندفع في التدخُّل بنزاعات ليست من شأنه. على رجال الشرطة أن يكونوا أكثر حذراً عند إستدعائهم إلى مكان حيث الزوج والزوجة يتشاجران. فإذا كان الأمر كذلك فكم يجب على المواطن العادي أن يكون حذراً من التدخّل في الصراعات الداخلية للآخرين. ربما يكون أحد أفضل الأمثلة على مَثَلُ اليوم هو مشكلة في الكنيسة، إنها تبدأ عادة بين شخصين ثم ينحاز الآخرون إلى أحد الجانبين، فإنَّ ما تكون بدايته شرارة سرعان ما يصبح حريقاً هائلاً، والذين لا علاقة لهم بالمشكلة يصرّون على إضافة تصريحاتهم الحكيمة كما لو أنهم كاهنة دِلفي (مدينة في اليونان)، فتشتعل الأمزجة وتتحطّم الصداقات وتنكسر القلوب، وكلما احتدمت المعركة، يسمع جمهور الكنيسة إعلانات عن جلطات في الدماغ وتقرّحات في المعدة ومشاكل صحية أخرى. إنَّ ما بدأ أصلُ مرارة، إنتشر حتّى دنَّس الجميع. إنَّ التحذير بعدم التدخّل في صراع يخصُّ الآخرين قد يبدو متعارضاً مع كلمات المخلّص «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ الله يُدْعَوْنَ» (متّى9:5)، ولكن هناك مكاناً لصانع السلام حين يكون الطرفان على إستعداد لعرض نزاعهما للتحكيم، وإلاّ فإنَّ الشخص الذي يتدَخَّل ينجح فقط في تعريض نفسه لحالة ليس من السهل الخروج منها بدون ألم. |
«لَكَ نَحْنُ يَا دَاوُدُ، وَمَعَكَ نَحْنُ يَا ابْنَ يَسَّى. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لَكَ، وَسَلاَمٌ لِمُسَاعِدِيكَ. لأَنَّ إِلَهَكَ مُعِينُكَ» (أخبار الأيام الأول18:12). إنَّ تعبير الولاء النبيل هذا لداود ينبغي أن يُستعار من قِبل جميع المؤمنين تعبيراً عن ولائهم للرَّب يسوع المسيح. فليس هناك مجال لولاء فاترٍ أو ولاءٍ مجزأ لملك الملوك، يجب أن تكون كل قلوبنا له. لقد كنت دائماً مُعجباً بقصة الجندي الفرنسي الذي أصيب بجروح خطيرة في واحدة من حروب نابليون، فقد قرّر الأطباء أن الجراحة كانت ضرورية لإنقاذ حياته، وكان ذلك قبل أن يُعرَف التخدير. وبينما كان الجرّاح يتفحَّص صدر الجندي، قال المريض «دقِّق أعمق قليلاً وسوف تجد الإمبراطور». كان عنده شعور بأنَّ الإمبراطور متوَّجٌ على قلبه. عندما تُوِّجَت الملكة إليزابيث وهي لا تزال في ريعان الشباب، كتبت لها جدّتها الملكة ماري رسالة ولاء ووقّعت عليها «جدّتك المُحِبَّة ورعيّتك المُخِلصة». لقد أعربت بالتالي عن ولائها للتاج وللشخص الذي تُوِّجَ به. ولكن ماذا عنّا؟ كيف ينطبق كلّ هذا على حالتنا؟ يذكّرنا ماثيو هنري أنّه، ومن تعابير ولاء عماسا (قائد جند شاول) يمكننا أن نستمدَّ إرشاداً عن كيفية الشهادة لمحبتنا وولائنا للرَّب يسوع: «أن نكون له دون أي تحفّظ أو الحق في إبطال ولائِنا، وأن نَظهَر إلى جانبه ونتصرَّف؛ ويجب أن تعمل رغبتنا القلبية لصالحه؛ أوصَنَّا، الإزدهار لإنجيله ومملكته؛ لأن إلهه يساعده؛ وسيفعل حتى يُخضِع كل سلطان ورئاسة وقوة». وفي كلمات سبيرجين، ينبغي أن يكون لسان حالنا «لك نحن يا يسوع؛ ونحن لا نحسُب أي شيء نملكه ملكاً لنا؛ لكن كلّه مخصصٌ لإستخدامك المَلكي؛ وإلى جانبك نحن يا إبن الله؛ لأنه إن كنّا منتمين للمسيح، فطبيعي أن نكون إلى جانبه، أياًّ كان هذا الجانب، في الدين، في الأخلاق أو في السياسة. سلام لك. قلوبنا تحيِّيه وتدعو له بالسلام، وسلام لمساعديه، ونتمنّى كل خير للناس الصالحين، ونصلّي لأجل سلام المسالمين، لأن إلهكم يعينكم، وكل قوى إله الطبيعة تعمل لتدعم ربّ النعمة. أيها المسيح المُقام، ننظُر إلى العلاء بينما تقبلك السماء، ونعبد مسيحنا الصاعد، نسقط عند قدميك ونقول، نحن مُلكُك يا إبن داود، مُسِحتَ لتكون رئيساً ومخلِّصاً. مسيحنا الآتي، ننتظر ونترقّب ظهورك. تعال سريعاً إلى خاصتك! آمين ثم آمين». |
«هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا20:3). ها نحن في ختام سنة أخرى، وما زال المخلِّص الصَّبور يقف عند باب قلب الإنسان يطلب الدخول. لقد أمضى وقتاً طويلاً خارجاً. فلو كان أي شخص آخر ليَئِس منذ زمن بعيد وغادر المكان عائداً إلى منزله. لكن ليس هذا حال المخلّص، فإنه طويل الأناة، لا يريد أن يهلِكَ أحد، فهو ينتظر على أمل أن يُفتح الباب يوماً ما ويُرحَّب به في الداخل. من المدهش جدّاً أنه لا يستجيب أحدٌ لقرع الرَّب يسوع، فلو كان القارع جاراً، لفُتِح الباب في الحال، ولو كان بائعاً، لجامله أحد على الأقل بفتح الباب قائلاً «لا نحتاج شيئاً!» وبالتأكيد لو كان رئيس أو حاكم، لتنافست العائلة في من يكون له شرف الترحاب به. لكن الغريب في الأمر أنه عندما يقف الخالق الحافظ والفادي عند الباب فإنه يُعامَل ببرودة وصمت. إنَّ رفْض الإنسان أمر غير عقلاني، وأكثر من ذلك عندما ندرك أن الرَّب يسوع لا يأتي ليسلب بل ليُعطي. إنه يأتي ليُعطي حياة فيّاضة. في إحدى الليالي وفي ساعة متأخرة، إتَّصل أحد المستمعين بواعظ إذاعي، وكان يريد أن يأتي إليه في زيارة قصيرة. حاول الواعظ بشتى الأعذار أن يثنيه عن المجيء، لكنه وافق أخيراً، فتبيّن أن الزائر جاء ليقدِّم مبلغاً كبيراً من المال، مساعدة له في مصاريف برامج الإذاعة، وبعد مغادرته قال الواعظ «أنا سعيد للغاية لأنني سمحت له بالدخول». إعتاد جو بلينكو أن يصف مشهداً، حول حديث حيوي كان يجري في غرفة الجلوس، «وفجأة سُمِع قرع على الباب الرئيسي، قال أحد أفراد الأسرة «هنالك شخص واقف على الباب». هبَّ شخص آخر وتوجّه إلى الباب وفتحه، ثم سأله أحدهم من غرفة الجلوس، «مَن الطارق؟» فجاء الردُّ من عند الباب، وأخيراً صاح رب البيت قائلاً، «دعه يدخل». هذا هو الإنجيل في سطور. إسمع! هناك شخص ما عند الباب. من هو؟ إنه ليس سوى ربّ الحياة والمجد الذي مات بديلاً عنا وقام في اليوم الثالث، المتوَّج الآن في المجد، وسيأتي قريباً ليأخذ شعبه إلى بيتهم ليكونوا معه. «فدعه يدخل!». |
سِراج الجسد سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرا ( مت 6: 22 ) يذكر لنا الكتاب سلسلة مآسِ حصلت نتيجة النظر: ما الذي أوقع ”حواء“ في التجربة؟ لقد حذَّرها الرب من الأكل من الشجرة التي في وسط الجنة، فلماذا اقتربت من وسط الجنة، وتفرَّست في الشجرة التي في وسط الجنة؟ «فرأت المرأة أن الشجرة جيدةٌ للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجُلها أيضًا معها فأكل» ( تك 3: 6 ). كان ينبغي أن تبتعد عن ذلك المكان، ولا سيما أن أمامها مساحات شاسعة من الأشجار التي تحمل ما لذّ وطاب من أنواع الثمار. فالشيطان يستغل النظرة للشجرة المُحرَّمة لكي يوقع الناظر في التجربة. وماذا نقول عن ”لوط“ في سدوم «إذ كان البار، بالنظر والسَّمع وهو ساكن بينهم، يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة»؟ ( 2بط 2: 8 ). ولماذا وضعت نفسك في هذا المكان يا لوط؟ قد يحبذ بعضهم وجود لوط يربح أهل سدوم للرب، لكن كانت النتيجة أنه جلب الويلات على نفسه وعلى عائلته. وماذا نقول عن ”دينة“ التي خرجت لتنظر بنات الأرض؛ تعاشرهم وتجُالسهم حتى تتعلم منهم وتتثقف بثقافتهم، علها تكتسب شيئًا جديدًا، فكانت النتيجة مأساة، إذ جلبت العار على العائلة، وتسببت بالمشاكل والخطر والحرب والانزعاج والتكدير (تك34). وما الذي أوقع ”داود“ قديمًا في التجربة؟ أَ ليس لأنه صعد ليتمشى على السطح، ويراقب الناس، فيما الحرب على أشدها «وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشَّى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا» ( 2صم 11: 2 ). لقد زج داود نفسه في مكان وفي وضع غير مُلائمين، ونظر، فتملَّكته الشهوة، فكانت النتيجة أنه سقط في الفخ. وإشعياء النبي، لأنه كان من خاصة الملك عزيا، يبدو أنه كان يُطيل النظر للعرش وللملك وللبلاط الملكي، بما فيه من مركز وجبروت وجاه، ولكن عند وفاة عزيا استطاع أن يرى رؤى الله، فرأى الرب جالسًا على كرسي عالٍ، وأذياله تملأ كل الهيكل (إش6). إني أعرف كثير من المؤمنين يُطيلون النظر إلى التلفزيون، وهم يرون أنها تسلية بريئة، وهم لا يدرن أنهم يُطفئون سراج الجسد، ليصبح الجسد كله مُظلمًا. يا ليتنا نتعلم إلى ماذا ننظر. |
أمجاد الصليب ﭐلآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ...إن كان الله قد تمجَّد فيه، فإن الله سيمجده في ذاته ... ( يو 13: 31 ، 32) سواء تفكَّرنا في مجد الله، أو في مجد المسيح، أو في الأثر العملي على قلوبنا، فإن المسيح الذي كان على الصليب ذبيحة خطية حقيقية، هو الذي فيه الإجابة الكافية على كل سؤال. يُمجّد الله تمجيدًا كاملاً، ويُكرم المسيح إلى أقصى حد، ويُبارك الإنسان بركة كاملة، مؤكدًا له أنه موضوع محبة الله اللانهائية، وأن بر الله قد روعيَ إلى أقصى حد. إن الرب يسوع كان الله ظاهرًا في الجسد، وفي شخصه كان مجيدًا في الكرامة مجدًا فائقًا. وهذا في الواقع ما أهَّله لأن يقوم بمثل هذا العمل العظيم. ولكنه من حيث عمله وخدمته، لم يكن في وقت من الأوقات أمجد مما كان وهو على الصليب. والآن لاحظ تأثير هذا العمل المبارك فيما يتعلق بي كخاطئ مسكين. فهناك كانت تقوم الخطية والموت والدينونة والغضب العادل معترضة طريقي. وكان ضميري يؤكد ذلك، وكلمة الله تُعلنه بصراحة، وقوة الشيطان تضغط به على نفسي، وتجاربه وغواياته تشجعني على المضي فيما يؤدي إليه، وحتى ناموس الله لم يخفف الأمر عني بل زاده حَرجًا وصعوبة كلما حاولت أن أتعامل معه، لأن قداسته كانت تدين تعدياتي. أما الآن فقد رفع كل شيء من طريق المؤمن. فالخطية قد أُبعدت، والموت قد أُبطل باعتباره الشيء الرهيب المُرعب الذي كنت أتوقعه وأخشاه، إذ حوّله الصليب إلى ربح، لأني بواسطته سأكون مع المسيح. والدينونة قد تحمّلها المسيح ولم يبق منها شيء علىّ، وقد أصبحت المحبة الكاملة نصيبي المؤكد. فالمسيح يجعلني شريكًا في كفاية موته. قد وضعني بعيدًا عن متناول هذه الأشياء جميعها ـ في النور ـ حيث الله نور، إذ أحبني وقد غسَّلني من خطاياي بدمه، وجعلني ملكًا وكاهنًا لله أبيه. وبقيامته قد أوصلني إلى هذا المكان الجديد، ولو أني بطبيعة الحال لا أتمتع بهذا المكان الآن سوى بالإيمان وبالاشتراك في تلك الحياة التي بقوتها قام. نعم، أيها القارئ العزيز، إن المؤمن مُخلَّص، له حياة أبدية، مُبَرَّر، ويَنتظِر في غير شك أو ريب أن يتمجّد، وهو يعرف ذاك الذي حصَّل له كل هذه البركات العظمى، ويؤمن أنه قادر أن يحفظ وديعته إلى ذلك اليوم. |
لا تلتفت من فضلك فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هَذَا قَالَ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ وَهَذَا مَا لَهُ؟ ( يو 21: 21 ) كان الرب يتحدث لبطرس على شاطئ بحيرة طبرية، وفي تلك اللحظات كان الرب يتحدث معه مُشيرًا إلى أية ميتة كان بطرس مزمعًا أن يمجد الله بها. وبدلاً من أن يولي بطرس اهتمامه لهذا الحديث الخطير، فجأة التفت فوجد يوحنا يتبع الرب، فلما رأى هذا سأل عن نهاية يوحنا وكيفية موته قائلاً: «يا رب وهذا ما له؟». وربما نندهش من تصرف بطرس في هذا الموقف لكن ليتنا لا نندهش كثيرًا؛ فالمؤمن إذا رفع عينيه من على الرب ومن الانشغال به، غالبًا أول ما يفعله أنه ينشغل بالآخرين مقارنًا نفسه بهم. فكثيرًا ما يتحدث إلينا الرب في أمور تخص حياتنا و بيوتنا وخدمتنا وبدلاً من أن نقضي وقتًا معه؛ حتى ندرك قصده ومشيئته لحياتنا نجد أنفسنا وقد انشغلنا بالآخرين، وبخدمتهم، وبحالتهم الروحية. ونسقط في فخ المقارنة والنتيجة الحتمية لهذه المقارنة أننا إما نظن في أنفسنا أننا أفضل من الآخرين فنُصاب بالكبرياء، أو نظن أننا أقل حظًا منهم فنُصاب بصِغر النفس والشعور بالنقص. وفي كلتا الحالتين نكون نحن الخاسرين. لهذا كانت إجابة الرب حاسمة على سؤال بطرس حينما قال له: «إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك؟ اتبعني أنت» (يوحنا21: 22). فالرب أراد أن يوضح لبطرس ولنا، أن له خطة خاصة لحياة وخدمة كل منا، لذلك فلا فائدة من المقارنة والانشغال بالآخرين؛ لأن فيها مضيَعة للوقت، ولن تضيف لصاحبها إلا مزيدًا من الضيق والغيرة وربما التذمر على الله وهذه خطية. فليتنا لا ننشغل إلا بسيدنا ولا نهتم إلا باتّباعه كل يوم، مقدمين له الشكر العظيم على خطته المُتقنة لحياة وخدمة كل منا، متلَّمسين وباحثين عن فكره ومشيئته لنا، فنحيا العمر في رضاه وفي خوف اسمه، حتى نلقاه عن قريب. |
امتحان الإيمان فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ الْوِلاَدَةِ. ادْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ ( تك 16: 2 ) من الصعب أن نتصوَّر وجود مفارقة حادة مثل هذه التي فيها يختلف تكوين16 عن سابقه. ففي تكوين15 نرى أبرام رجل الإيمان، وفي تكوين16 نراه كرجل عدم الإيمان. في تكوين15 «آمنَ بِالرب» (ع6)، وفي تكوين16 «سمع أبرام لقول ساراي» (ع2). في الأول سلك أبرام حسب الروح، وفي الثاني نراه يعمل بقوة الجسد. تناقض مُحزن! لكن هناك شخص واحد فقط، هو الذي استطاع أن يقول: «لأني في كل حين أفعل ما يُرضيه» ( يو 8: 29 ). وحتى هذه اللحظة، تعرَّضت شخصية إبراهيم لستة امتحانات: (1) اختبار شدة الإيمان: كان على إيمانه أن يتغلَّب على الروابط الطبيعية، وذلك عندما دعاه الله أن يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه ( تك 12: 1 ). (2) اختبار كفاية الإيمان: بعد وصوله إلى أرض كنعان بوقت قصير، تعرَّض إيمانه لضغوط الظروف الصعبة، فكان جوع في الأرض ( تك 12: 10 ). فهل كان ينظر إلى الله الحي لكي يسدد كل أعوازه، ويفي كل احتياجاته، أم يترك نفسه لرحمة الظروف؟ (3) اختبار وداعة الإيمان: كان عليه أن يواجه تجربة عن طريق لوط ابن أخيه ( تك 13: 5 -11). فلم يُرضِ إبراهيم أن المنازعات بين رعاته ورعاة ابن أخيه تؤدي إلى خصومة بينهما وهما أخوان، فواجه إبراهيم الموقف بشهامة وإنكار للذات، ولم يتمسك بحقوقه، وترك الفرصة لأخيه لوط لكي يختار ما يريد. (4) اختبار جسارة الإيمان: تعرَّضت شجاعة إبراهيم للاختبار، وأيضًا محبته لابن أخيه. فلما وقع لوط أسيرًا في يد محاربين أشداء، أسرع إبراهيم لنجاته وحرره من يد الغزاة الأقوياء (تك14). (5) اختبار كرامة الإيمان: لقد تعرَّضت نزاهته وعزّة نفسه للاختبار، عندما عرَض عليه ملك سدوم مكافأة نظير انتصاره على ”كَدرلعومر“ والملوك الذين معه، واسترجاع النفوس والأملاك ( تك 14: 17 -24). (6) اختبار صبر الإيمان: في هذه المرة يأتيه الامتحان عن طريق هذا الاقتراح الذي قدَّمته امرأته ( تك 16: 1 ، 2)، فهل ينتظر الله أن يُتمم له وعده، في وقته وبطريقته، أم يتصرف بقوة الجسد ليكون له ابن يَرثه؟ والقاعدة العامة في معاملات الله مع خاصته أن يُبارك ويُغني أولاً، ثم بعد ذلك يمتحن الذين نالوا بركته وغناه. |
أُم سيسرا مِنَ الْكُّوَةِ أَشْرَفَتْ وَوَلْوَلَتْ أُمُّ سِيسَرَا ... لِمَاذَا أَبْطَأَتْ مَرْكَبَاتُهُ عَنِ الْمَجِيءِ؟ لِمَاذَا تَأَخَّرَتْ خَطَوَاتُ مَرَاكِبِهِ؟ ( قض 5: 28 ) سيسرا حاكمٌ أعلى عسكري، داهيةٌ يجرُّ وابلاً من الجيش الكنعاني، عشرون سنةً ضايق شعب الرب، غير مُعتَبِر لمصيرٍ نهائي، لم يجد الظنُّ سبيلاً إلى قلبِهِ، أن دَبورة مع باراق مِن أصلٍ نفتاليِّ، ستنضمُّ إليهما ياعيل، وبوتدها الحديدي، تسحَق رأسَه «تُبارك على النساء ياعيل امرأة حابر القيني. على النساء في الخيام تُبارك» ( قض 5: 24 ). في مقالتنا هذه، أوَدُ أن نقف وقفة تعجُبية، لا أمام سيسرا هذا، فالبطل لن يعتازَ قبرًا، أو نَصبًا تذكاري، إذ قد تشدَّخَ وتخرَّقَ بكفٍّ نسائي، وإن احتاج إلى مثوى، فالقبورُ لن تشكوَ يومًا تضيقًا سكاني. ولكني في هذه القصة، أتعجبُ لا مِن سيسرا بل من أُمِهِ، وليس منها فقط بل من أحكم سيداتِها أيضًا، أو مِن أغباهُنَّ إذا شئت. انتظرت الأم ابنها المحارب، وقد ذهب لاجتياز أصعب بل وأخطر مواقف الحياةِ، أقصد معمعة الحرب الشديدة. فالأمُّ هي رمزُ العطاء والحنان، التي وإن نَسيت نفسَها، لا تنسى فلذة كبِدِها، ولكن هذه الشريرة، انتظرت لا ابنها، بل الغنيمة، وعندما ولولت لإبطائِهِ «فأجابتها أحكم سيداتها، بل هي ردَّت جوابًا لنفسها» ( قض 5: 29 ). فالحديث بعد ذلك هو نتاج تفكير مشترك بين أُم سيسرا، وأحكمُ سيداتها، وما هو؟ «أَ لم يجدوا ويقسموا الغنيمة!» (ع30). وما هي؟ (1) «فتاةً أو فتاتين لكل رجل! ». يا لها من امرأة حمقاء! فعِوضَ أن تتمنى لابنها أن يسعد بامرأةِ حضنِهِ، تمنَّت أن يرجع لا بفتاةٍ بل باثنتين، فيُكتَب البوار على بيتِهِ! أ ليست هذه شهوة الجسد؟ (2) «غنيمة ثياب مصبوغة مُطرَّزة!». يا لها من أُم حمقاء! «أ ليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس؟» ( مت 6: 25 )، لقد عادَ القتيل أشلاءً فاحتاج لا إلى ثيابٍ مطرَّزة، بل إلى أكفانٍ. أ ليست هذه شهوةُ العيون؟ (3) «ثياب مصبوغة مُطرَّزة الوجهين غنيمة لعُنقي!». يا للتفاهة! لماذا مطرَّزة الوجهين إن كانت للعُنُقِ؟ فوجهتها الداخلية ليست ظاهرة للناس. أ ليس هذا هو تعظم المعيشة؟ أخي، هذا هو الرجاءُ ، فلترتعِب من ضياعِ الحياة والهدف إن لم يكن المسيح هو الكلُّ لك. يا مسيحي بهجةُ الأرضِ سرابٌ سرابْ دونكَ العمرُ شقاءٌ وصِعابْ |
كرنيليوس وكلمة الخلاص كرنيليوس..رجلاً بارًا وخائف الله ..أُوحي إليه بملاكٍ مقدس أن يستدعيك إلى بيته ويسمع منك كلامًا ( أع 10: 22 ) ذلك الرجل الذي كان مشغولاً دائمًا بممارسة الأعمال الصالحة التي لها قيمة عظيمة في حد ذاتها، قد أُوحيَ إليه أن يسمع كلامًا، وفي ذلك الكلام يجد خلاصه. ليس المقصود من هذا أن الأعمال التي كان يعملها لم تكن ذات قيمة. كلا، لأن الوحي يُخبرنا أن الله شهد لقيمة تلك الأعمال، وأخبر كرنيليوس بأن صلواته وصدقاته صعدت تذكارًا أمام الله، لأنها أظهرت إخلاصه وتعبد نفسه، وهكذا كل نفس مُخلِصة تسير بأمانة بحسب النور الذي لها، لا بد أن الله يقدِّرها قدرها ويعطيها نورًا أكثر. ولكن لنتذكَّر أن كرنيليوس كان لا بد له من سماع كلام به يخلُص، وما هو هذا الكلام؟ كلام عن يسوع الناصري، عن حياته الطاهرة الكاملة، وعن موته الكفاري، وعن قيامته المجيدة. هذا هو الكلام الذي أُرسل من السماء على شفتي بطرس الرسول ليوضع في أُذني، بل في قلب ذلك الرجل التقي. فالحسنَات والصلوات كانت حسنة، ولكن يسوع المصلوب والمُقام، يسوع الذي عُلِّق مرة على الخشبة، وهو الآن مُمجَّد في السماء، كان أحسن بما لا يُقاس. الصلوات والحسنَات صعدت تذكارًا إلى السماء، ولكن دم المسيح وحده هو الذي أمكنه أن يؤهل كرنيليوس نفسه للوصول إلى هناك. ولا يمكن لجميع الصلوات التي صعدت من القلوب المتعبدة ولا جميع الحسنَات التي قدمتها الأيادي السخية، لا يمكن لهذه جميعها أن تؤهل خاطئًا واحدًا للدخول إلى حضرة الله القدوس، لأن الدم، والدم وحده، هو الذي يستطيع أن يقرِّب الخاطئ إلى الله، سواء أَ كان ذلك الخاطئ قائدًا تقيًا أو مجرمًا فاجرًا. فأحسن الناس لا ينفعه أقل من دم المسيح الثمين الذي يُطهِّر من كل خطية، كما أن أشرّ الناس لا يحتاج إلى أكثر من ذلك الدم. وبالجملة إذا كان هذا الرجل الذي له شهادة من الله بالتقوى وعمل الإحسان، احتاج إلى سماع كلام عن موت المسيح وقيامته كالأساس الوحيد لخلاص الخاطئ وقبوله أمام الله. إذا كان الأمر كذلك، فمن الواضح الجلي أنه لا يمكن لإنسان أن يخلُص بدون المسيح مهما كانت أعماله وحسناته، ولا يمكن لنفس أن تحيا إن لم تأتِ إلى المسيح مباشرةً. |
يأتي صباح، وأيضًا ليل يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَ الْحَارِسُ: أَتَى (يأتي) صَبَاحٌ وَأَيْضًا ليل ( إش 21: 11 ، 12) الليل يشير إلى فترة غياب الرب يسوع عنا بالجسد حاليًا؛ ذاك الذي هو النور وكوكب الصبح للخليقة الجديدة، وسيكون الصبح عند رجوعه. والمؤمن ليس من ليل، وإن كان يعيش في ليل. ولكننا كمؤمنين من نهار، ولذلك نسلك في النور، ونسهر حتى مجيء الرب إلينا ككوكب الصبح المنير، ثم ظهوره كشمس البر ليملك في المُلك الألفي. وفي ليل غيابه الذي قارب الألفي عام، علينا كمؤمنين أن نُضيء كأنوار لامعة في هذا العالم. والكنيسة بالإجمال تُشبه القمر الذي يعكس نور وبهاء وجمال السَيِّد (الشمس) في وقت غيابه عنا بالجسد. أما الخاطئ فهو من ليل، وهو الآن في ليل العالم غارقًا في خطاياه، وهو في طريقه إلى ظلام ليل أبدي. إننا ننتظر مجيء الرب كمُخلّص، ولكن العالم يهزأ قائلاً: «أين هو موعد مجيئهِ؟» ( 2بط 3: 4 )، مثل ذلك الصارخ من أدوم: «يا حارس، ما من الليل؟» ولكن الرب قال لتلاميذه: «إن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا» ( يو 14: 3 ). والرسول بولس يقول: «هكذا المسيح أيضًا، بعدما قُدِّم مرةً لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانيةً بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه» ( عب 9: 28 ). فهو عندما يأتي ثانية لن يناقش مع شعبه مشكلة الخطية، إذ إنه سوَّى مشكلة خطايانا وحملها في مجيئه الأول، بل هو سيأتي «بلا خطية» ـ أي لن يثير موضوعها مرة أخرى، بل سيأتي ليخلِّصنا من هذا العالم. وماذا عن الخطاة؟ يقول الحارس: «أَتى (يأتي) صباحٌ وأيضًا ليلٌ»؛ الصباح للمؤمن، والليل للخاطئ. وأي ليل هذا؟! إنه «قَتَام الظلام إلى الأبد» (يه13)، وهو ”الموت الثاني“. ويصف الروح القدس المصير الأبدي للهالكين بأن «نصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني». ومَن هم أولئك الذين سيكون نصيبهم الموت الثاني؟ إنها قائمة طويلة تضم الخطاة الذين يرتكبون أبشع الخطايا. ولكن يتصدر هذه القائمة أيضًا «الخائفون وغير المؤمنين» ( رؤ 21: 8 ). سيدخلون تلك الليلة التي هي بدون صباح، في مشهد من الظلام والبُعد عن محضر الله، يحوي كل نتائج الخطية وعدم الإيمان. ألا ليت الغافل عن هذا، يُصغي إلى رحمة الله التي تريد أن تُنقذه من مصير كهذا؛ من ليل بلا صباح. |
النوم عندما تعصف الريح بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجِعُ بَلْ أَيْضًا أَنَامُ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي ( مز 4: 8 ) يُحكَى أنه كان هناك مزارعٌ يمتلك قطعة أرض تطل على المحيط الأطلسي، وكان يُعلن باستمرار عن رغبته في تعيين عامل يساعده في المزرعة. كان الكثير من الناس يرفضون العمل في المزارع التي تقع على المحيط الأطلسي، إذ كانوا يخشون العواصف المُروعة التي تهب على تلك المناطق، مُحطمةً للمنازل، ومُدمِّرةً للمحاصيل. قام المزارع بمقابلة العديد من الأشخاص للوظيفة ولكنه كثيرًا ما قُوبل بالرفض. وأخيرًا تقدَّم رَجلٌ قصيرُ القامة، نحيفُ الجسمِ، تجاوزَ منتصف العمر، فسأله المُزارع: هل أنت عاملٌ جيِّد؟ أجاب الرَجل: حسنًا، أنا أستطيع النومَ عندما تَعصفُ الريحْ. وبالرغم من غموض إجابة الرَجل، إلا أن المُزارع كان في حاجة شديدة إليه، فقام بتعيينه في الحال. وكان العاملُ يعمل في المزرعة بجدٍ، منذ شروق الشمس وحتى مغيبها. وكان المُزارع راضيًا باجتهاد عامله. وفي إحدى الليالي، هبَّتْ ريحٌ عاصفة من الساحل. قفز المُزارع من سريره، وأخذ المصباح في يدهِ، وهرعَ إلى غرفةِ العاملِ، وقام بإيقاظه بقوةٍ وهو يصيحُ: انهض بسرعة، هناك عاصفة قادمة، قُمْ بربط الأشياء قَبلَ أن تتحطم بفعلِ الرياح. لم يتحرَّك العاملُ من سريرهِ، وقال للمزارع بجدية: لا يا سيدي، لقد قلت لك، أنا أستطيع النومَ عندما تعصفُ الريح. صُدم المُزارع من إجابة العامل، واعتزمَ أن يستغني عنْ خدماتهِ في الحال. ولكنه هرع أولاً إلى الخارج ليُجهز نفسه لمواجهة العاصفة. ولكن يا لدهشته! فقد اكتشف أن كل التبنِ قد تمَّت تغطيته بمشمع واقي ضد الماء. الأبقار في الحظيرة، والدجاج في مكانهِ، وجميع الأبواب موصدةٌ تمامًا، وجميع الأشياء تم ربطها، ولا يمكن أن تتلف من جراءِ العاصفة. عندها فَهم المُزارع ما كان يقصده العامل، ورجع إلى فراشهِ ونامَ هو أيضًا هادئًا عندما عَصَفَتْ الريح. عزيزي: هل تستطيع النوم عندما تعصف الرياح بحياتك؟ يقينًا عندما تكون في الوضع الروحي الصحيح، مُحتفظًا بضمير هادئ مستريح، مُتمتعًا بشركتك مع الله، وجاعلاً الرب أمامك في كل حين، فإن سلام الله سيملأ قلبك ولن يكون لديك سببٌ للخوف. لقد تمكَّنَ العامل في هذه القصة من النومِ لأنه أمَّنَ المزرعة ضد العاصفة. ونحن نُؤَمِّن حياتنا ضد العواصفِ التي تَهُبُّ عليها عندما نتمسك بمواعيد كلمة الله. نحن لا نحتاجُ أن نفهم، بل نحتاج فقط للإيمان الذي يُمسك بيدهِ لنشعر بالسلام عندما تعصف الرياح. |
أمجاد الصليب ﭐلآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللَّهُ فِيهِ ( يو 13: 31 ) انظر كيف تمجد الله في الصليب: هل الله بار وعادل في دينونته للخطية؟ لقد أظهر الصليب ذلك بأجلى بيان. هل الله محبة كاملة للخاطئ المسكين؟ لقد أظهر الصليب ذلك بكل جلاء. هل كان جلال الله يقتضي أن يتبرر ضد الخطية العاصية؟ لقد فعل الصليب ذلك مع تبرئة الخاطئ الأثيم. هل الله حق، وقد قال إن الموت يتبع الخطية، في حين قال الشيطان ـ ولا زال يقول ـ غير ذلك؟ فأين تجد الشهادة قوية أكيدة على صدق قول الله كما تجدها في الصليب حيث مات ابن الله المبارك كإنسان؟ ومع ذلك فقد حصّل لنا بموته ـ تبارك اسمه ـ حياة بعيدة عن متناول الموت والدينونة. وهل كانت خطاياي تضغط عليَّ حتى لم أكن أجرؤ على رفع رأسي؟ لقد رُفعت عني جميعها، بحيث أستطيع أن أرى الله في النور بلا خوف. لقد برهن على محبته، وأستطيع أنا بدوري أن أتمتع بهذه المحبة. ففي الوقت الذي فيه أظهر الإنسان بغضه الشديد لله بقتل ابنه، أظهر الله كامل محبته للإنسان ببذل ابنه ليرفع الخطية البادية في قتله! ثم أين ظهرت الطاعة كما ظهرت على الصليب؟ وأين بانت المحبة لنا كما بانت على الصليب؟ وأين تجلَّت رغبته في تمجيد أبيه كما تجلَّت هناك؟ وهكذا تمجد الابن، وتمجد الله فيه في كل ناحية من نواحي طبيعته، أي في محبته وبره وحقه وجلاله. الكل ظهر وتجلى على الصليب بصورة مجيدة باهرة. وماذا كانت النتيجة؟ لقد أبطل سلطان الموت وخوفه من جهة المؤمن. فالموت ما هو إلا طريق المؤمن إلى الفردوس. والخطايا التي كان يخشاها، لأن في أعقابها الدينونة، قد رُفعت ومُحيت، وهو يعلم أن الله يحبه ـ يحبه هكذا حتى بذل ابنه نيابة عنه لينقذه من الهلاك. إنه يعلم أن الله ليس عنده شيء يحسبه عليه لأن المسيح قد حمل الكل، ويعلم أن الله أمين وعادل حتى يغفر جميع خطاياه. ومع ذلك، فهل الخطية شيء هيِّن لدى الشخص الذي له هذا السلام التام مع إله المحبة؟ إنه بسببها مات ابن الله. لقد حصل المؤمن على كل البركات والمزايا العظمى والثمينة بفضل ذلك العمل الذي يجعل الخطية أبغض شيء لنفسه، والذي يربط قلبه بالرب يسوع الذي رضيَ أن يتألم هكذا لكي يبطل الخطية بذبيحة نفسه. |
الملك على مائدتـه فَقَالَ مَا دَاَمَ الْمَلِكُ فيِ مَجلِسِه أفاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ ( نش 1: 12 ) المحبوبة في هذه الآية تُشير للمرة الثانية إلى حبيبها باعتباره الملك. سبق لها أن قالت: «أدخلَني الملك إلى حجاله» (ع4)، وهذه العبارة تمثِّل الشركة الخاصة والفردية بين النفس وربها. ولكن تعبير «الملك في مجلِسِه»، ليس له الطابع الشخصي، بل هو الطابع الجماعي للتمتع بالملك والشركة معه. بكلمات أخرى هو صورة جميلة للاجتماع إلى اسم الرب. وعبارة «في مجلِسِه»، تَرِد في بعض الترجمات «على مائدته». والكلمة المُستخدمة هنا هي بالعبري تفيد الدائرة. ومن أجزاء أخرى من الوحي نفهم أن المسيح هو مركز هذه الدائرة؛ فهو الذي قال: «لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» ( مت 18: 20 ). إنه مركز الاجتماع. وبالنسبة لنا فإن المسيح ليس هو الملك في علاقته الشخصية بنا. صحيح الملك هو الملك دائمًا، سواء في الخارج أو في بيته، ولكن زوجته تعرفه في علاقة أسمى من كونه الملك، إنه زوجها ورأسها وحبيبها. وهكذا بالنسبة لنا، نحن نعرف أن سيدنا هو ملك الملوك، ولكنه في علاقته بالكنيسة ليس هو ملك الكنيسة بل رأسها وعريسها. وبهذا الاعتبار نحن نُجمَع حوله ولا سيما في أول الأسبوع لصُنع ذكراه الغالية على قلوبنا. إن الهدف الأساسي من مائدة الرب في الوقت الحاضر هو بحسب قول الرب: «اصنعوا هذا لذكري» ( لو 22: 19 ). وعند اجتماعنا لصُنع هذه الذكرى لا ينبغي أن تكون مشغوليتنا الأولى بما نأكله نحن ونشبع به، بل بما نقدمه لسيدنا المعبود لكي نُنعشه ونُسرّ قلبه. بكلمات أخرى ليست العِظة في الاجتماع هي أهم فقراته، بل يجب أن تكون مشغوليتنا في المقام الأول بالسجود، فكلٌ منا يأتي بقارورة طيب، تمثل تقديري وإكرامي لشخصه. وهناك لا أذكر إلا شخصه ومحبته، وعندئذٍ يفيض القلب بالسجود المُمثَّل في الناردين الذي تفيح رائحته. إن مشغوليتنا به طوال أيام الأسبوع، ثم سكب هذا التقدير أمامه في أول الأسبوع بعمل الروح القدس، كم ينعش قلب فادينا وقلوب المفديين أيضًا! |
التقوى وملامحها الَّذِي، فيِ أَيَّامِ جَسَدِهِ، إَذْ قَدَّمَ بِصُراخٍٍ ..وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ ..لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِِّصَهُ منَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تقواه ( عب 5: 7 ) التقوى هي مخافة الرب في السرّ والعَلَن. إعطاؤه المهَابة والاحترام، والتوقير والإكرام. صُنعْ المستقيم في عينيه، وعدم الحيدان عن وصاياه وأحكامه. إنها حالة قلب وتوجُّه داخلي ينبع من معرفة شخصية وثيقة بالرب وعلاقة حميمة معه. أما الملامح البارزة للتقوى فهي: (1) الشعور الدائم بحضور الله. قال يعقوب: «الرب في هذا المكان ... وخاف وقال: ما أرهب هذا المكان!» ( تك 28: 16 ، 17). وقال يوسف: «فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأُخطئ إلى الله؟» ( تك 39: 9 )، فقد كان يشعر برهبة حضوره وأنه يراه. (2) تصديق واحترام أقوال الله، والتلذذ بوصاياه، والارتعاد أمام كلمته. يقول الكتاب: «طوبى للرَّجل المُتقي الرب، المسرور جدًا بوصاياه» ( مز 112: 1 )، وقال الرب: «إلى هذا أنظر: إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي» ( إش 66: 2 ). (3) المحبة للرب والتضحية لأجله: وهذا ما ظهر في إبراهيم الذي كان شهادة الرب له: «الآن علمت أنك خائفٌ الله فلم تُمسك ابنك وحيدك عني» ( تك 22: 12 ). (4) احترام محضر الرب. يقول الكتاب: «مَقدِسِي تَهَابون» ( لا 19: 30 )، وذلك عن المسكن الرمزي، فكم يكون المسكن الروحي الحقيقي. وهذا ما يليق بكل مؤمن يتعامل مع القدوس والمقدسات، فيحترم ميعاد الاجتماع، ويجلس بخشوع أمام الرب، ولا يخرج من الاجتماع قبل انتهائه. (5) حياة التسليم والثقة في الرب. يقول الكتاب: «مَن هو الإنسان الخائف الرب؟ يُعلِّمه طريقًا يختاره» ( مز 25: 12 ). إنه تدريب يومي في حياة المؤمن أن لا يثق في نفسه وفي اختباراته، ويسلِّم للرب طريقه ويثق فيه ويستأمنه، والرب بسرور يعلِّمه الطريق الصالح الذي يختاره. (6) حياة الصلاة والاتكال. إنها الملجأ والملاذ لكل الأتقياء، «لهذا يصلي لك كل تقي في وقتٍ يجدك فيه» ( مز 32: 6 ). (7) الشركة مع الأتقياء. «رفيقٌ أنا لكلِّ الذين يتقونك ولحافظي وصاياك» ( مز 119: 63 ). «حينئذٍ كلَّم مُتقو الرب كل واحدٍ قريبه، والرب أصغى وسمع وكتب أمامه سفر تذكرة للذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمهِ» ( ملا 3: 16 ). |
شمشون: محبة الذات واللَّذات وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحَبَّ امْرَأَةً فِي وَادِي سَوْرَقَ اسْمُهَا دَلِيلَةُ ( قض 16: 4 ) لقد قيل عن شمشون أنه أحب دليلة. ولكن شتان بين حب وحب. فهناك حب ناتج عن تفكير هادئ مُتزن يسعى إلى أن تكون لصاحبه علاقة كريمة مع مَنْ يُحبّ إلى نهاية الحياة، مهما كانت الظروف والأحوال، ومبدؤه الاحترام المتبادل بين الطرفين، وغرضه التعاون معًا وتقاسم حلو الحياة ومُرّها، وإنجاب نسل يُمجد الله، وشروطه التوافق في الحياة الروحية والثقافية، والتقارب في السن والحالة الاجتماعية. وهناك حُبّ أهوج لا يُقيم وزنًا لأي مبدأ من المبادئ الأدبية أو الاجتماعية، كما أنه لفترة محدودة من الزمن يخبو بعدها ويزول. وإذا ظل مدة ما، فإنه ينطفئ إذا أصاب أحد الشريكين مرض أو إملاق. ومن ثم فالحب الأول هو الحب الروحي، الذي تختفي فيه الذات، ويسعى الواحد بكل ما لديه من جهد لأجل خير صاحبه. أما الحب الثاني فهو الحب الجسدي، الذي يسعى إلى إرضاء الذات وحدها، بغض النظر عن أي شيء آخر. وما أتفهه من حب! وما أحقره! كان حب شمشون بكل أسف من النوع الثاني، كما كان حب دليلة من هذا النوع أيضًا، فاستغل كل منهما صاحبه لمآربه الخاصة. فشمشون استغل دليلة لإرضاء أهوائه، واستغلت دليلة شمشون للحصول على الشهرة والمال، بغض النظر عما يُصيب شمشون من ذل أو أذى. وإذ ارتضى هذا أن يُسلِّم قلبه لها، أصبحت هي المتسلطة عليه والمُسيّرة له. فهذا البطل العظيم، سيطرت عليه امرأة وجعلته ألعوبة بين يديها. وكم غدر الهوى بصاحبه! وكم قاده إلى الحضيض والهوان! أخذت دليلة، مدفوعة بحب المال، تسأل شمشون من وقت لآخر عن سر قوته لكي تبلّغه إلى أعدائه، فكان يحرص على عدم الإباحة به في أول الأمر. غير أنها لما أخذت تضرب له على الوتر الحساس، ألا وهو بحق حبه لها، وتلِّح عليه بأسلوبها الناعم الرقيق «ضاقت نفسه إلى الموت» ( قض 16: 16 ). عجبًا وكل العجب من شمشون! لماذا انتظر حتى وصل به الأمر إلى هذا الحد؟ ولماذا تضيق الدنيا في عينيه، على الرغم من سِعتها، حتى يصل إلى درجة الرغبة في الموت؟ الجواب: لأنه لم يهرب من الشهوة بل استسلم لها. والشهوة إذا استسلم المرء لها سلبته الراحة والهدوء، وضيَّقت الخناق حوله وقادته، إن أمكن، إلى الانتحار، كما تطالعنا الصحف من وقت لآخر. |
الفرصة الضائعة اذْهَبْ، وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ ( أع 24: 25 ) فيلكس الوالي رغم شره الواضح، إلا أن نعمة الله أتاحت له أن يتعامل مع الرسول بولس ويسمع منه كلامًا هامًا عن خلاص نفسه، فكان كلام بولس معه مُركِّزًا على مستقبله الأبدي، وعن موقع حياته من الرب يسوع، الأمور التي كان هذا الوالي يتجاهلها ولم تكن في حساباته قط. كلَّمه بولس عن البر وعن التعفف وأخيرًا عن الدينونة ورهبتها حيث النار التي لا تُطفأ والدود الذي لا يموت. تأثر فيلكس بالكلام وارتعد، لكنه للأسف أجَّل أخطر قرار وقال لبولس: «اذهب، ومتى حصلت على وقت أستدعيك». ولم يُخبرنا الكتاب أنه حصل على وقت، والآن هو في أشد الندم في الهاوية على هذه الفرصة الثمينة التي أهدرها ليس برفضه لها بل بتأجيله لقبولها. فقد كان عنده وقت لأمور كثيرة لن يتوقف عليها خلاصه الأبدي، ولكن أهم وأخطر شيء لم يكن عنده وقت له. عزيزي .. ربما سمعت عظات كثيرة لكثير من الخدَّام، آسف أن أخبرك أن سماعك للوعظ فقط ليس كافٍيًا. ربما في سماعك لبعض العظات تأثرت لكن هذا التأثر بدون أخذ قرار رجوعك للرب ليس كافٍيًا. ربما اقتنعت أنه يجب أن يكون لك رجوع حقيقي للرب ولكن ليس الآن بل غدًا، لكن اقتناعك هذا لن يفيد طالما لم ترجع إلى الرب بعد. فها شخص كان له كل هذا، ومع ذلك هلك، رغم أنه تأثر، وذلك لأنه لم يعطِ لأمور الله وقتًا وأجّل أخطر قرار. ولأنه لم يسمع لقول الكتاب الذي يعرِّفنا أن وقت الخلاص ليس غدًا ولا حتى بعد ساعات، بل «الآن» ... «هوذا الآن وقت مقبولٌ. هوذا اليوم يوم خلاصٍ» ( 2كو 2: 6 و3). فهل تأتي قبل فوات الأوان؟ يا مُهملَ الخلاصِ لبِّ الحَمَلْ ويلكَ من قصاصِ لا يُحتملْ فموعدُ الحسابِ دانٍ قريبْ فاهرب من العقابِ إلى الحبيبْ |
سوداء وجميلة أَنَا سَوْدَاءُ وَجَمِيلَةٌ ... لاَتَنْظُرْنَ إليَّ لِكَوْنِي سَوْدَاءَ، لأنَّ الشَّمْسَ قَدْ لوَّحَتْنيِ ( نش 1: 5 ، 6) يمكننا أن نرى في فعل حرارة الشمس التي لوَّحت العروس إشارة إلى تأثير معاملات الله معنا وتدريباته لنا بالآلام، فإنه علاوة على معاملاته الحُبية الحلوة معنا، هناك طرق وتدريبات إلهية مُذللة لنفوسنا، وهذه جوهرية ولازمة لنا كتلك أيضًا. إن كل طرق الله وتدريباته وإن كانت مُذلة لنفوسنا، وتجعلنا ندرك حقارتنا في ذواتنا، إلا أنها تُجمِّل حياتنا بسجايا وفضائل روحية جليلة القدْر. نعم إن التأديب، وإن كان أليمًا ولكنه «أخيرًا يعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام» لأنه «لأجل المنفعة، لكي نشترك في قداسته» ( عب 12: 10 ، 11). إن ما جعل الرسول بولس وضيعًا في عيني نفسه كما في عيون آخرين أيضًا كان في الواقع ربحًا روحيًا له، فقد استطاع مقاوموه أن يقولوا عنه بأن «حضور الجسد ضعيف، والكلام حقير» ( 2كو 10: 10 )، ولكنه إذ كان ضعيفًا فقد حلَّت عليه قوة المسيح. فإن كان السواد ظاهرًا فيه، فإن الجمال كان باهرًا أيضًا إذ اجتذب قلوب المؤمنين لأنهم رأوا فيه جمال المسيح يسوع ( غل 4: 14 ). فإذا كانت طرق الله وتدريباته أليمة ومُذلة، إلا أنها تنقي حياتنا من كل ما هو من الجسد ومن كل ما لا يليق بالعروس، بل بالحري تُكسب النفس جمالاً روحيًا مقدسًا. إن كل جمال يزيِّن حياة العروس إنما هو من الوجه الواحد نتيجة لمعاملات المسيح الحُبية الحلوة، ومن الوجه الآخر نتيجة لمعاملات الله التأديبية المؤلمة، وإن ما يذللنا ويحقِّرنا في أعين ذواتنا، يمهّد السبيل للتمتع بغنى نعمة المسيح. لقد اختبر أيوب قديمًا كيف أن شمس التجارب قد لوَّحته فقال: «حَرِش جلدي عليَّ وعظامي احترَّت من الحرارة فيَّ» ( أي 30: 30 )، وقد كان هذا لازمًا له لتنقيته من الاعتماد على بره الذاتي، وإزالة ما كان في نفسه من زهو. كان لازمًا أن تحرقه الشمس بحرارتها اللافحة حتى يذبل «لأن الشمس أشرقت بالحرّ، فيبَّست العُشب، فسقط زهره وفَنيَ جمال منظره. هكذا يذبل الغني أيضًا في طُرقه»، وماذا تكون نتيجة هذه التدريبات؟ «طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكَّى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه» ( يع 1: 11 ، 12). |
الساعة الآن 10:12 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025