![]() |
رد: كتاب بستان الرهبان
وله أيضاًفي الفضائلِ والرذائلِ: خوفُ اللهِ يطردُ جميعَ الرذائلِ، والضجرُ يطرد خوفَ الله. هذه الأربعة يجب اقتناؤها: الرحمةُ، غلبةُ الغضبِ، طولُ الروحِ، التحفظ من النسيانِ. العقلُ محتاجٌ في كلِّ ساعةٍ إلى هذه الأربع فضائل الآتية: الصلاةُ الدائمة بسجودٍ قلبي، محاربةُ الأفكارِ، أن تعتبرَ ذاتَك خاطئاً، وأن لا تدن أحداً. وهذه الفضائل الأربعة هي عونُ الراهبِ الشاب: الهذيذُ في كلِّ ساعةٍ في ناموسِ الله، ومداومةُ السهر، والنشاطُ في الصلاة، وأن لا يعتبر نفسَه شيئاً. ومما يدنس النفسَ والجسد ستةُ أشياءٍ: المشي في المدن، إهمال العينين بلا تحفظ، التعرف بالنساء، مصادقة الرؤساء، محبة الأحاديث الجَسَدَانية، الكلام الباطل. وهذه الأربعة تؤدي إلى الزنى: الأكل والشرب، الشبع من النوم، البطالة واللعب، والتزين بالملابس. وهذه الأربعة مصدرُ ظلمةِ العقل: مُقت الرفيق، الازدراء به، حسده، سوء الظن به. بأربعةِ أمورٍ يتحرك في الإنسانِ الغضبُ: الأخذ والعطاء، إتمام الهوى، محبته في أن يُعلِّم غيرَه، ظنه في نفسِه أنه عاقلٌ. وهذه الأربعة تُقتنى بصعوبةٍ: البكاء، تأمل الإنسان في خطاياه، جعل الموت بين عينيه، أن يقول في كل أمرٍ: أخطأتُ، اغفر لي. فمن يحرث ويتعب فإنه يَخلص بنعمة ربنا يسوع المسيح. |
رد: كتاب بستان الرهبان
وله أيضاً: «أيها الحبيب، ما دامت لك فرصةٌ للتوبةِ فارجع وتقدم إلى المسيح بتوبةٍ خالصة، سارع قبل أن يُغلَق البابُ فتبكي بكاءً مراً، فَتَبِلَّ خديْك بالدموع بدون فائدة. اجلس وترقَّب البابَ قبل أن يُغلق. أسرع واعزم على التوبةِ، فإن المسيح إلهنا يريدُ خلاصَ جميعِ الناسِ وإتيانِهم إلى معرفةِ الحقِّ. وهو ينتظرك وسوف يَقبلك. له المجد إلى الأبد آمين». سأل أحدُ الآباءِ أنبا بيمين قائلاً: «لماذا تقاتلنا الشياطين يا أبي»؟ أجاب الشيخُ قائلاً: «الحقيقة إن الشياطين لا تحاربنا إلا عند ما نتمِّم ميولَنا الرديئة التي هي في الحقيقة شياطيننا التي تحاربنا، فنُهزم أمامها برضانا. أما إن شئتَ أن تعرفَ مع من كانت الشياطين تصارعُ، قلتُ لك مع أنبا موسى وأصحابهِ». |
رد: كتاب بستان الرهبان
الأنبا زكريا كان لرجلٍ اسمه قاريون ولدٌ صغير اسمه زكريا، هذا أتى إلى الإسقيط وترهب به ومعه ابنه. وقد ربى ابنه هناك وعلَّمه بما ينبغي. وكان الصبيُ جميلَ الخلقةِ وحسنَ الصورةِ جداً. فلما شبَّ حدث بسبِبه تذمرٌ بين الرهبان. فلما سمع الوالدُ بذلك قال لابنِه: «يا زكريا هيا بنا نمضي من ها هنا لأن الآباءَ قد تذمروا بسببك». فأجاب الصبيُ أباه قائلاً: «يا أبي إن الكلَّ ها هنا يعرفون أني ابنك، ولكن إن مضينا إلى مكانٍ آخر فلن يقولوا إني ابنك». فقال الوالد: «هيا بنا يا ابني نمضي الآن فإن الآباء يتذمرون بسببنا». وفعلاً قاما ومضيا إلى الصعيد، وأقاما في قلاية، فحدث سجسٌ كذلك. فقام الاثنان ومضيا إلى الإسقيط ثانية. فلما أقاما أياماً عاد السجسُ عينُه في أمرِ الصبي. فلما رأى زكريا ذلك مضى إلى غدير ماءٍ معدني (كبريتي) وخلع ملابسَه وغطس في ذلك الماءِ حتى أنفِهِ. وأقام غاطساً هكذا عدة ساعات حسب طاقتِه، فلأجل صِغرِ سنِه ونعومةِ جسمِه أصبح جسمُه كلُّه منفّخاً، فتشوَّه وتغيرت ملامحُه. فلما لبس ثيابَه وجاء إلى والدهِ لم يتعرف به إلا بصعوبةٍ. وحدث أن مضى بعد ذلك إلى الكنيسةِ لتناول الأسرار فعرفه القس إيسيذوروس، وعندما رآه هكذا تعجَّب مما فعله وقال: «إن زكريا الصبي جاء في الأحد الماضي وتقرَّب على أنه إنسانٌ، أما الآن فقد صار شبه ملاكٍ». يتبع |
رد: كتاب بستان الرهبان
قال مار أفرآم: «إن كانت لك صداقةٌ مع أحدِ الإخوة وانتابتك مضرةٌ بسبب مخالطتك إياه، فأسرع واقطع نفسَك منه، ولستُ أقول لك هكذا أيها الحبيب لتبغضَ الناس، كلا، وإنما لتقطع أسبابَ الرذيلةِ». وقال أيضاً: «من الخطرِ أن يتواجد صبيٌ في ديرٍ على نظامِ الشركةِ لا سيما إذا كان في هذا الوسط عدمُ ترتيبٍ». قال أنبا بيمين: «أيُّ راهبٍ يقيمُ مع صبي وتعرَّض بسببهِ لآلامِ الإنسان العتيق، ثم يستمرُ بعد ذلك ويبقيه معه، فإنه يشبه إنساناً حقلُه مضروبٌ بالدودِ». قال أنبا كورش: «إن كان إنسانٌ يقيمُ مع صبي، فإن لم يكن قوياً فإنه سوف يميلُ إلى أسفل، أما إن كان قوياً ولم يهوى إلى أسفل فإنه رغم ذلك لن يستمرَ قائماً». قال أنبا قاريون: «إني بذلتُ أتعاباً كثيرةً بجسدي لكني لم أصل إلى رتبةِ ابني زكريا في تواضع العقلِ والسكون». |
رد: كتاب بستان الرهبان
قيل: سأل الأب مقاريوس الكبير مرةً زكريا وهو ما زال في حداثةِ سنهِ قائلاً: «قل لي يا زكريا، ما هو الراهبُ الحقيقي»؟ قال زكريا: «يا أبي أتسألني أنا»؟ قال له الشيخُ: «نعم يا ابني زكريا، فإن نفسي متيقنةٌ بالروح القدس الذي فيك، أن شيئاً ينقصني يلزم أن أسألك عنه». فقال له الشابُ: «إن الراهبَ هو ذلك الإنسان الذي يُرذل نفسَه ويُجهد ذاتَه في كلِّ الأمورِ». |
رد: كتاب بستان الرهبان
قيل: أتى أنبا موسى مرة ليستقي ماءً، فوجد أنبا زكريا على البئرِ يصلي وروحُ الله حالٌّ عليه. فقال له: «يا أبتاه قل لي ماذا أصنع لأخلصَ». فما أن سمع الحديثَ حتى انطرح بوجهِه عند رجليه وقال له: «يا أبي لا تسألني أنا». قال أنبا موسى: «صدقني يا ابني زكريا إني أبصرتُ روحَ الله حالاًّ عليك ولذلك وجدتُ نفسي مسوقاً من نعمةِ الله أن أسألَك». فتناول زكريا قلنسوته ووضعها عند رجليه وداسها، ثم رفعها ووضعها فوقَ رأسهِ وقال: «إن لم يصر الراهبُ هكذا منسحقاً فلن يخلصَ». لما حضرت أنبا زكريا الوفاة سأله أنبا موسى قائلاً: «أيُّ الفضائلِ أعظم يا ابني»؟ فأجابه: «على ما أراه يا أبتاه، ليس شيءٌ أفضلَ من السكوتِ». فقال له: «حقاً يا ابني، بالصوابِ تكلمتَ». وفي وقتِ خروج روحِه كان أنبا إيسيذوروس القس جالساً فنظر إلى السماءِ وقال: «اخرج يا ابني زكريا فإن أبوابَ ملكوتِ السماوات قد فُتحت لك». |
رد: كتاب بستان الرهبان
الأنبا مقاريوس الكبير
ا لا يريدهُ الله. ولنصنعْ كلَّ ما يُرضيه ونحفظه. ولا نصنع شيئاً يغضبه. ولنعلم أيضاً أن كلَّ ما نعمله عريانٌ ومكشوفٌ لديه ولا تخفى عليه خافيةٌ». وقال أيضاً: «إن النفسَ لها استطاعةٌ أن تنظرَ إلى الله في كلِّ حينٍ، فتوجِد لها دالةً عند سيدها، لأنها حينئذ يكون لها قدرةٌ على ذلك، لذلك فلنحرص بكلِّ قوتنا ألا نحيدَ عن خوفِ الله ولا نتعبد للأوجاعِ». وقال أيضاً: «يجبُ على الراهبِ أن يكونَ في سكونٍ في كلِّ حين ولا يسمع لأفكارِه التي توعز إليه بكثرةِ الكلامِ الذي يُضعف النفسَ، بل ليمسك عن الكلام حتى ولو نظر أناساً يضحكون أو يتحدثون بكلامٍ لا منفعة له وذلك لجهلِهم. لأن الراهبَ الحقيقي يجب أن يتحفظ من لسانِه كما هو مكتوبٌ في المزمور: اللهم اجعل لفمي حافظاً وعلى شفتيَّ ستراً حصيناً. فالراهب الذي يسلك هكذا لا يعثر أبداً بلسانِه، ولكنه يصبح إلهاً على الأرضِ». |
رد: كتاب بستان الرهبان
من تعاليم الأنبا إشعياء للمبتدئين قال: أيها الحبيب إن كنتَ قد تركتَ العالمَ الباطل وقربَّت نفسَك لله لتتوب عن خطاياك السالفة، فإياك أن تتراجعَ عما عزمت عليه من نحو حفظِ وصايا السيد المسيح وإتمامها، وإلا فلن يغفرَ لك خطاياك القديمة. احفظ الخصالَ الآتية ولا تحتقرها: إياك أن تأكلَ مع امرأةٍ أو تؤاخي غلاماً حديثَ السنِّ، لا ترقد مع آخر في فراشٍ واحدٍ، كن متحفظاً لعينيك. وإذا نزعتَ ثيابك فإياك أن تبصرَ شيئاً من جسدِك، إن أردتَ أن تشرب بعضاً من الشراب لا تزد على ثلاثِ كؤوس. إياك أن تحلَّ الوصيةَ من أجلِ الصداقةِ. احذر أن تسكنَ في موضعٍ قد أخطأتَ فيه قدام الله. لا تتوانَ في صلواتِ الساعات لئلا تقع في أيدي أعدائك. اجهد نفسَك في تلاوة المزامير، فإن ذلك يحفظُك من خطيةِ الدنس. أحبَّ التعبَ والمشقةَ في كلِّ شيءٍ لتخفَّ عنك أوجاعُك. احذر من أن تعتبرَ نفسَك شيئاً في أيِّ أمرٍ من الأمورِ فإن ذلك يُفقدك النوحَ على خطاياك. احفظ نفسَك من الكذبِ فإنه يطرد من الإنسانِ خوفَ الله. لا تكشف أسرارَك لكلِّ أحدٍ لئلا تسبب عثرةً لقريبك. اكشف أفكارَك لآبائك الشيوخ لتجد معونةً بمشورتهم. أتعب نفسَك في عملِ يديك وخوفُ الله يسكن فيك. إذا أبصرتَ إنساناً قد أخطأ فلا تحتقره ولا تزدرِ به لئلا تقع في أيدي أعدائك. إياك أن تتمادى في ذِكر خطاياك القديمة والتلذُّذ بها لئلا تنتابك الأتعابُ. أحب الاتضاع فهو يحفظك من الخطيةِ. لا تكن معانداً أو متمسكاً بكلمتِك لئلا يسكنك الشرُ. لا تضع في نفسِك أنك حكيمٌ فتقع في أيدي أعدائك. عوِّد لسانك دائماً أن يقول: «اغفر لي»، فيأتيك الاتضاع. إذا جلستَ في قلايتك فاهتم بهذه الثلاث خصال: ابدأ عملَ يديك وادرس مزاميرك وصلاتك، تفكَّر في نفسِك أنه ليس لك شيءٌ في هذه الدنيا سوى اليومِ الذي أنت فيه فلن تخطئَ. لا تكن نهِماً في الأطعمةِ لئلا تتجدد فيك خطاياك القديمة. لا تتضجر من الأتعاب مطلقاً فيأتيك النياح من قبل الله سريعاً. مثل بيتٍ خربٍ خارج المدينةِ يُرمى فيه كلُّ نتنٍ، هكذا نفسُ الراهبِ العاجز تصير مأوى لكلِّ شرٍ. جاهد في أن تصلي دائماً ببكاء لعل الله يرحمك ويخلِّصك من الإنسانِ العتيق ويعطيك الملكوت. ثبِّت نفسَك في هذه الخصال التي أقولها لك: التعزية، المسكنة، الصمت، فهذه كلها تجلب لك الاتضاعَ، والاتضاعُ يغفرُ الخطايا كلها. الاتضاع هو أن يعتقدَ الإنسانُ في نفسِه أنه خاطئٌ وأنه ما عمل شيئاً من الخيرِ أمام الله، وأن يلازم الصمتَ، وألا يعتبر نفسَه شيئاً، وأن يرفض هواه ولا يقيم كلمتَه، ويكون نظرُه إلى الأرضِ، وأن يضعَ الموتَ بين عينيه، وأن يحفظَ نفسَه من الكذب، وألا يتحدث بكلامٍ باطل، وألا يناقش من هو أكبر منه، وأن يتحمل الشتيمةَ بفرحٍ، ويُبغض الراحةَ، ويدرِّب نفسَه على التعب، وألا يُحزن أحداً. |
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً: يا ابني كن مستعداً إزاء كلِّ كلمةٍ تسمعها لأن تقول: «اغفر لي»، وبذلك تهزم كلَّ قوةِ العدو. وليكن وجهُك دائماً معبّساً، إلا إذا أتاك إخوةٌ غرباء فكن بشوشاً فيسكن خوفُ الله فيك. إن سرتَ مع إخوةٍ في طريقٍ، فتباعد عنهم قليلاً ولتكن صامتاً. وإذا مشيتَ فلا تلتفت يُمنى ولا يُسرى بل ادرس في مزاميرك وصلِّ لله بفكرك. وأيَّ موضعٍ دخلتَه لا توجِد لنفسِك دالةً مع أهلهِ، وكن جاداً في كل أمرٍ من أمورك. أيُّ شيء يوضع أمامك فمد يدَك إليه بتغصبٍ، وإن رقدت في موضعٍ فلا تتغطَ أنت وآخر بغطاءٍ واحدٍ. وصلِّ صلاةً طويلة قبل أن تنام. وإن كنتَ قد تعبتَ من السيرِ في الطريقِ وأردت أن تدهن جسدَك بقليلٍ من الزيت فليكن لك ذلك بحياء، ولا تدع أحداً يدهن لك جسدك وأنت صبي. إذا كنت جالساً في قلايتك وأتاك أخٌ غريبٌ فادهن رجليه وقل له: أظهر محبةً وخذ قليلاً من الزيت وادهن به جسدك، فإن لم يُرد فلا تُكرهه إذا كان شيخاً عمالاً. إذا جلستَ على المائدة وأنت شابٌ فلا تتجرأ وتدعو إنساناً إلى الأكلِ وتشكر له في الطعام، بل اذكر خطاياك لئلا تأكل بلذةٍ، ومد يدك إلى ما هو قدامك فقط، ولتغطِ ثيابُك رجليك، وركبتاك مضمومتان إحداهما إلى الأخرى. وإذا زارك غرباءٌ فأعطهم حاجتهم برضى، وإذا كفوا عن الطعام فقل لهم مرتين أو ثلاثة: اصنعوا محبةً وكلوا قليلاً. وإذا كنتَ تأكلُ فلا ترفع وجهَك في قريبك ولا تتلفت لا هنا ولا هناك ولا تتكلم كلمةً فارغة، وإذا شربتَ الماءَ فلا تدع حلقَك يُحدث صوتاً كما يفعل العلمانيون. وإذا كنتَ جالساً مع الإخوةِ واضطررت للبُصاق فلا تبصق في وسطِهم بل قم خارجاً وألقِهِ. لا تتماطأ في وسطِ الناس، وإذا جاءك التثاؤب فلا تفتح فمَك فيذهب. احذر من فتح فمِك بالضحك، فإن الضحك يوضِّح عدم وجود خوف الله. لا تشتهِ شيئاً لصاحبك، لا ثوبه ولا قلنسوته ولا غير ذلك مما له. ولا تتمِّم شهوةَ جسدِك وتصنع لك مثله. إن عملتَ لك مجلداً فلا تزينه فإن ذلك عثرة. إن أخطأت في أمر ما فلا تستحِ وتكذب، بل أسرع وقر بذنبك واستغفر فيُغفر لك. إذا وجه إليك إنسانٌ كلمةً قاسية، فلا تشمئز أو يستكبر قلبُك، ولكن بادر واصنع مطانية ولا تلُمه في قلبك، وإلا فالغضبُ يثور عليك. إن افترى أحدٌ عليك بشيءٍ لم تصنعه فلا تجزع ولا تغضب، بل اتضع واصنع مطانية، وسواء كنتَ قد فعلتَ أم لم تفعل ففي كلتا الحالتين قل: «اغفر لي فلن أعود لمثلِهِ مرةً أخرى». إذا كنتَ تقوم بعملِ يديك فلا تتوانَ البتة ولكن اهتم به بخوفِ الله لئلا تخطئ بدون وعي، وكلُّ عملٍ تؤديه لا تستحِ أبداً من أن تسأل من يعلمك قائلاً: «اصنع محبة وأرني»، وخذ رأيَه أيضاً فيما لو كان عملُك جيداً أم لا. إن دعاك أخوك وأنت جالسٌ تقوم بعمل يديك فاترك عملَك واسْعَ في راحتِهِ، إذا انصرفتَ من المائدة فادخل قلايتك ولا تجلس تتحدث مع من لا ينفعك، فإن كان الجالسون شيوخاً يتكلمون كلامَ الله فاستأذن معلِّمك أولاً فإن أذِنَ لك فاجلس واسمع كلامَهم، وكما يأمرك به افعله. إن أمرك معلمُك بقضاء حاجةٍ خاصة به فاسأله عن المكان الذي تذهب إليه لقضائها وما يشير به عليك لا تزد عليه ولا تُنقص منه. إن سمعتَ كلاماً غيرَ لائق فلا تبلِّغه لآخر. إن أردتَ أن تصنع أمراً لا يهواه الأخ الساكن معك فاقطع هواك واسعَ في خيرهِ لئلا يقع بينكما شكٌ وتجربةٌ. إذا عزمتَ على السكنى مع إخوة فلا يكن لك مع أحدِهم دالة ما. ولا تخلط كلامَك بكلامِهم. إن فعلت ذلك فإنك تمكث زمانك كلَّه معهم في سلامةٍ. وإن طالبوك بأمرٍ لا تهواه فارفض مشيئةَ نفسِك وتمِّم ما يقولونه لك لئلا تحزنهم فتفقدون السلامَ فيما بينكم. إذا كنتَ ساكناً مع أخٍ وسألك قائلاً: «اطبخ لنا شيئاً»، فاسأله عما يُحب، فإن ترك لك حرية الاختيار فمهما وجدتَه موافقاً له اطبخه بخوفِ الله. وكلُّ عملٍ تعملانه اشتركا فيه ولا يطلب أحدُكم راحةَ جسدهِ لئلا يضطرب فكرُ أخيه». |
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً: إذا قمتَ باكرَ كلِّ يومٍ فقبل أن تقومَ بأيِّ عملٍ اقرأ كلامَ الله وبعد ذلك إن كان لك في القلايةِ عملٌ فاعمله بهمةٍ ونشاط. إذا جاءك أخٌ غريبٌ ليكن وجهُك له صبوحاً حين سلامك عليه، واحمل عنه ما يحمله بفرحٍ، وكذلك إذا أراد الانصرافَ ليفارقك بفرحٍ ولتودِّعه بخوفِ الله وبشاشة كي تكونا عند الفراق رابحيْن نفسيكما. وكذلك في حال وصوله إليك إياك أن تسأله عن أمورٍ لا تُخلِّص نفسَك، بل دعه يصلي أولاً، فإذا جلس قُل له: «كيف أنت؟ وكيف حالك»؟ ولا تزد على ذلك. وأعطه كتاباً ليقرأ فيه. فإذا كان قد جاء متعباً فاتركه حتى يستريح واغسل رجليه. فإن كان قد أتاك حاملاً إليك كلاماً ليست فيه منفعة فقل له: «اغفر لي يا أخي فإني ضعيفٌ ولست أقوى على سماعِ هذا الكلام». وإن كان ضعيفاً وثيابُه رثة فاغسلها له وخيطها إذا احتاجت إلى خياطة. وإذا جاءك أحدٌ من الطوافين وتصادف أن كان عندك رجلٌ قديس في نفس الوقت، فلا تُدخله عليه، ولكن اصنع معه رحمةً من أجلِ محبةِ اللهِ وأَخلِ سبيلَه. وإن كان مسكيناً فلا تصرفه من عندك فارغاً، بل أعطه من البركة التي أعطاك الله إياها. واعلم أن كلَّ شيءٍ لك ليس ملكك فأعطهِ من أجلِ الربِّ. إذا استودعك أخٌ وديعةً، إياك أن تفتحها لتعرف ما فيها إلا بحضرتِه، وإن كانت الوديعةُ ثمينةً جداً، فاسأله أن يسلمها لك ويعرِّفك بحقيقتها. وإن ذهبتَ إلى ضيعةٍ ونزلت عند إنسانٍ في قلايتِه واضطر أن يخرج هو لأمرٍ ما وتركك وحدَك في القلاية فإياك أن ترفع نظرَك لتبصر شيئاً مما في قلايتِه أو تُحرك شيئاً من موضعِه، ولكن عند خروجه قل له: «أعطني شيئاً أقومُ بعملِه»، وكلُّ شيء يوصيك به فافعله بلا كسل. إذا دخلتَ بيتَ الراحةِ لقضاء حاجة الطبيعة فلا تتباطأ، بل اذكر أن الله ينظر إليك دائماً. إن قمتَ في قلايتك لتصلي ساعاتك فإياك أن تكون صلاتُك بتهاونٍ لأنك بذلك بدلاً من تُكرم الله تغضبه. ولكن قف بخوفٍ ورعدةٍ ولا تتكئ على الحائط ورجلاك مرتخيتان ولا تقف بواحدةٍ وترفع الأخرى. وإن كنتم تقرءُون صلواتكم وأنتم مجتمعون فليقدِّم كلُّ واحدٍ منكم صلاةً، فإن وُجد معكم غريبٌ فاطلبوا منه بمحبةٍ أن يصلي ولا تلحُّوا عليه أكثر من مرتين أو ثلاث. وإذا كنتَ واقفاً في القداسِ فراقب أفكارَك لكي توقف جسدَك وحواسَك بخوفِ الله لتستحق أن تتناولَ من القربان الذي هو جسدُ المسيح ودمه الأقدسين، فيشفيك الربُّ. |
الساعة الآن 06:50 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025