![]() |
«أيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ» (بطرس الأولى11:2). (لقد استعمل بطرس كلمة نزلاء التي توازي سائحين) يذكِّر بطرس قُرّاءه بأنهم غرباء ونُزلاء، وهو تذكير بأننا في حاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى. النزلاء هم أناس يسافرون من بلد إلى آخر، والبلد الذي يمرون فيه ليس موطنهم وهُم فيه غرباء، فإن موطنهم هو البلد الذي هم متجهون إليه. إن السِّمة المُميِّزة للنزيل هي الخيمة، وهكذا، عندما نقرأ أن إبراهيم سكن في خيام مع إسحق ويعقوب، علينا أن ندرك بأنه اعتبر أرض كنعان بلداً غريباً، (بالرغم من أن الله قد وعده بها)، فأقام في مساكن مؤقتّة «لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ» (عبرانيين10:11). إذاً فالنزيل ليس مستوطناً، إنه شخص في إرتحال. ولأن النزيل ذاهب في رحلة طويلة، فإنه لا يحمل كثيراً، فهو لا يُجيز لنفسه أن يُثقَّل بمُمتلكات كثيرة أو أن يكون مُثقَّلاً بأمتعة غير ضرورة، ولا بد له من التخلُّص من كل ما يعوِّق قدرته على الحركة. ثمة ميزة أخرى للنَّزيل وهي أنه يختلف عن الناس الذين يحيطون به وهم في موطنهم. إنه لا يتفق مع أسلوب حياتهم أو عاداتهم أو حتى شكل عبادتهم، وفي حالة النزيل المسيحي فإنه يُصغي إلى تحذيرات بطرس كي يمتنع عن «الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ»، إنه لا يسمح لشخصيته أن تتشكّّل في بيئته، إنه في العالم لكنه ليس من العالم، إنه يمرُّ في بلد غريب دون أن يتبع عاداته وتقاليده وأحكام قِيَمِه. إذا كان النزيل يمرُّ في بلدٍ مُعادٍ فإنه حريص على عدم التآخي مع العدو لأنه من شأن ذلك أن يشكِّل خيانة لقائده، وقد يكون خائناً للقضية. إن النزيل المسيحي عابرٌ في أراضي العدوّ، وهذا العالم لم يقدِّم لقائدنا سوى الصليب والقبر، وعليه فإن إقامة علاقة صداقة مع هذا العالم هو خيانة الرَّب يسوع، فقد قطع صليب المسيح كل علاقة ربَطتنا بالعالم سابقاً، وإننا لا نطمع بمديح العالم أو نخشى إدانته. إن ما يحافظ على النزيل في رحلته هو معرفته بأن مسيرته اليومية تقرّبه من وجهته شيئاً فشيئاً، وسرعان ما سوف ينسى صعاب وأخطار الطريق كافةً. |
«يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ» (أمثال24:18). إن محبة يسوع موضوع يُثير إستجابة دافئة في قلوب شعبه في كل مكان، فعندما كان على الأرض، سخروا منه لأنه «مُحبٌ للعشّارين والخطاة» (متى19:11)، لكن المؤمنين أخذوا بدورهم هذا التهكُّم وحوَّلوه إلى عنوان شرف. قبل أن يذهب إلى الصليب دعا ربُّنا تلاميذه «أَحبَّاء»، «أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ. لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيداً لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدهُ لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي» (يوحنا14:15، 15). إنَّ بعض أحَبّ ترانيمنا التي تتناول هذا الموضوع هي «يا تُرى أيُّ صَديقٍ مثلَ فادينا الحَبيب، يَحمِل الآثامَ عنّا وكذا الهمَّ المُذيب» و «وجدت حبيباً وأيُّ حبيب؟». لماذا تُصيبُ محبة يسوع وتراً حسّاساً كهذا؟ أعتقِد أن السبب الرئيسي هو أن العديد من الناس متوحدين، وقد يكونوا محاطين بأُناس آخرين، ولكن ليسوا محاطين بالأحبَّاء، أو قد يكونوا مقطوعي الصّلة بالآخرين، وهذا هو الحال الذي يسود عادة كبار السن الذين يعيشون مدة أطول من معاصريهم. إن الوِحدَةَ قاسية وهي مُضرّة بصحة الإنسان الجسدية والعقلية والعاطفية، إنها تقضي على معنوياته وتجعل أعصابه متوترة ويصبح مُسئَماً من الحياة، وغالباً ما تؤدّي بالناس إلى اليأس بحيث يصبحون مستعدين للتساهل مع الخطيئة أو الإنخراط بأعمال غير عقلانية. إن محبة يسوع لمثل لهؤلاء الناس تأتي بخصائص الشفاءِ كبَلسَم جلعاد. ثمة سبب آخر لتقدير محبته، ألا وهو أن المحبة لا تُفشِلُ أحداً أبداً. إن إِصلاح الإنسان غالباً ما يُخَيِّب أملنا أو يندفع خارج حياتنا، لكن هذا المُحِبّ (يسوع) أثبتَ أنه حقيقي وثابت. أصدقاؤنا الأرضيون قد يخيبوننا ويتركوننا، في يوم يكونوا لطفاء وفي اليوم التالي يُحزِنوننا، لكن هذا الصديق لن يخدعنا أبداً، آه كم يحبُّنا! إن يسوع مُحبٌ ألزق من الأخ، هو المحِبُّ الذي يُحبُّنا في كل وقت (أمثال17:17). إنَّ حقيقة كون الرّب يسوع ليس حاضراً معنا في الجسد لا تَحِدُّ من حقيقة محبته، فمن خلال كلمته يتكلّم إلينا وبالصلاة نحن نتكلّم إليه، وبهذه الطريقة يجعل لنا من نفسه مُحباًّ حقيقياً نحن نحتاج إليه، وبهذه الطريقة يستجيب للصلاة. أيها الرَّب يسوع، إجعل لي نفسك حقيقة حيّة مُنيرة، أنت أكثر حضوراً، نراك بالإيمان، أنت أكثر حِرصاً من أي شيء أرضي، وأكثر مَعزَّة وأكثر قرباً من أي رباطِ قُرْبى أرضي. |
«لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية28:3). عند قراءة عدد كهذا من المهِّم جداً أن نعرف ما يعنيه وما لا يعنيه، وإلّا فإننا قد نجد أنفسنا نتبنِّى مواقف غريبة مُحرِّفة لباقي نصوص الكتاب ولحقائق الحياة. إن مفتاح هذا العدد موجود في الكلمات «فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ»، وهذه الكلمات تصف مكانتَنا، أي ما نحن عليه في نظر الله، وهي لا تشير إلى ممارساتنا اليومية، أي ما نحن في أنفسنا أو في المجتمع الذي نعيش فيه. إذاً فإن ما يقوله العدد، هو أنه لا علاقة لمكانتنا أمام الله باليهودي أو اليوناني، فكلاهما، أي المؤمن اليهودي والمؤمن الأممي، هما في المسيح يسوع وبالتالي كلاهما يقف أمام الله في موقف نعمة مطلقة وليس لأي منهما أفضلية على الآخر، وهذا لا يعني أن الإختلافات الجسدية أو الطِباع المُميِّزة قد أُلغيَت. في المسيح يسوع، ليس عبدٌ ولا حرٌّ، فالعبيد يَلْقون نفس القبول الذي يَلقاه الحُرّ من خلال شخص المسيح وعمله، ومع ذلك ففي الحياة اليومية تبقى الفوارق الإجتماعية قائمة. في المسيح يسوع ليس ذَكرٌ وأُنثى، فالمرأة المؤمنة كاملة بالمسيح ومقبولة بالحبيب، مُبَرَّرة مجّاناً تماماً مثل الرجل المؤمن، لديها نفس القدر من الحرية للدخول إلى حضرة الله. على أنه يجب عدم التشديد على هذا العدد بالإشارة إلى الحياة اليومية، فالمُميِّزات الجنسية لا تزال قائمة، ذكر وأنثى، والأدوار الناتجة عن الإختلاف الجنسي لا تزال قائمة، أب وأم، ومراكز السُّلطة والخضوع لتلك السُّلطة لا تزال قائمة، فقد أُعطي الرجل مركز الرئاسة وأعُطيت المرأة مكانة الخضوع لسُلطة الرجل، والعهد الجديد يحدّد حتى الإختلاف في خدمة الرجل وخدمة المرأة في الكنيسة (تيموثاوس الأولى8:2، 12:2، كورنثوس الأولى34:14، 35)، وهؤلاء الذين يزعمون أنه ليس ذكرٌ وأنثى في الكنيسة يضطرون لتحريف الكتاب المقدس ويُنسِبون للرسول بولس دوافع ليست في محلها بل حتى يشكّكون في وحي كلماته في هذه الفقرة. إن ما يتعيّن علينا فهمه هو أنه في حين يتم إلغاء الإختلافات العِرقية والإجتماعية والجنسية فيما يتعلق ومكانتنا أمام الله، إلا أنها لا تُلغَى في الحياة اليومية، وعلينا أن ندرك أيضاً أن هذه الإختلافات لا علاقة لها بالدونية. فالأُممي والعبد والمرأة ليسوا أقل شأناً من اليهودي أو الحُرّ أو الذَّكَر، بل قد يكونوا متفوقين في طرق شتَّى. وبدلاً من محاولة إعادة كتابة ترتيب الله في الخليقة وفي العناية، عليهم القبول بهذا الترتيب والفرح به. |
«يُوجَدُ مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أيضاً وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللاَّئِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْرِ» (أمثال 24:11). يُطلِعُنا الروح القدس هنا على سِرٌ مُبهِج وهو بعكس كل ما نتوقّعه ولكنه حقٌ صحيحٌ دائماً، والسر هو ما يلي: كلما أعطيت أكثر، تزداد أكثر، وكل ما ادَّخرت أكثر، يَقلُّ ما عندك. الكَرَم يضاعف نفسه، البُخل يولِّد الفقر، «ما أعطيت هو من عندي، ما أنفقت كان عندي، وما خبّأت، فقَدْت». إن هذا لا يعني أنك تحصد نفس العُملة التي تزرعها، أو أن الوكيل الأمين يصبح غنياً مالياً، فقد يزرع دولارات ويحصد نفوساً، وقد يزرع لطفاً ويحصد صداقة، وقد يزرع حناناً ويحصد مَحَبّة. يُفهم من هذا أن الشخص السَّخي يحصد مكافآت لا يمكن للآخرين أن يعرفوا عنها، يفتح بريده ليكتشف أنَّ التقدمة المالية التي أرسلها لأحدهم سدَّت حاجة ماسَّة في الوقت المناسب تماماً وبالمبلغ المطلوب، يعرف أن كتاباً قد اشتراه لأحد الشباب المؤمنين فاستخدم الله هذا الكتاب ليُغيّر إتجاه حياة الشاب تغييراً كاملاً، يسمع أن معاملته اللطيفة التي أبداها لشخص ما بإسم يسوع كانت حلقة في سلسلة خلاصه، إنه مبتهج جداً، ولا تعرف فرحته حدوداً ولن يستبدِل مكانه بآخرين يبدو أن لديهم أكثر مما لديه. إن الجانب الآخر من الحقيقة، هو أن الإكتناز يؤدّي إلى الفقر، فنحن لا نحصل حقاًّ على المتعة من مال مودَع في المَصرف، وقد نُخدع بشعور زائف بالأمان، إلّا أنه لن يمتعنا بالفرح الحقيقي والدائم. فأية فائدة نجنيها من المال تكون هزيلة بالمقارنة بالبهجة في رؤية مال قد استُعمل لمجد المسيح وبركة إخوتنا. إن الشخص الذي يُمسك أكثر من اللّائق، قد يكون لديه رصيد كبير في المصرف ولكن رصيد فرحه قليلٌ في هذه الحياة ورصيد صغير في مصرف السماء. إن المقصود من عدد اليوم ليس فقط أن يَطرح مبدأً إلهياً ولكن أن يُصدِر تحدياً إلهياً. يقول لنا الرّب «برْهِن هذا لنفسك، إجعل خبزك وسمكك متاحاً لي، فأنا أعلم أنك كنت تريده لوجبة غذائك، لكن إن وضعته بين يدي، فسوف يكون هناك الكثير لوجبة غذائك ولآلاف آخرين، لكن إن كنت تأكل وحدك فستشعر بالحرج، في حين أن أولئك الناس يجلسون فحسب ويشاهدونك تأكل. فكِّر بكم ستشعر بالراحة إذ تدرك أنني استعملت طعامك لإشباع الآلاف». «نفقِد ما نُنفِقه على أنفسنا، لكن ما نقرضه لك يا ربّ، يكون عندنا كنزاً بلا نهاية، أنت مُعْطي الكلّ» |
«وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟» (يوحنا الأولى17:3). لا يُعقل أن يتوفَّر في الأوساط الطبية علاج لمرض السرطان ولا تشارك به تلك الأوساط مرضى السرطان في جميع أرجاء العالم، إن منع العلاج قد يكون خيانة قاسية وغير إنسانية وانعداماً للشفقة. يرسم الرسول يوحنا صورة موازية في المجال الروحي. ها هنا رجل يصرِّح بإيمانه، قد تراكمت لديه ثروة كبيرة، ويعيش في رفاهية وراحة ويُسر، بينما يحيط به عالَمٌ في حاجة روحية ومادية كبيرتين. هناك الملايين من البشر في أنحاء العالم لم يسمعوا الإنجيل أبداً، وهم يعيشون في ظلمة وفي خرافات وبؤس، ويعاني العديد منهم ويلات الجوع والحرب والكوارث الطبيعية، أمّا صاحب الثروة فهو غافل عن كل هذه الحاجة، وهو قادر على التغافل عن شكوى الإنسانية المتألمة والمُنتَحِبة، ويمكنه المساعدة لو أراد ذلك، لكنه يفضل الإحتفاظ بماله. عند هذه النقطة يُلقي يوحنا قنبلته ثم يسأل «فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟» والسؤال طبعاً يوحي بأن محبة الله لا تثبُت فيه، وإذا كانت محبة الله لا تثبُت فيه فهذا يكون سبباً كافياً للشك فيما إذا كان مؤمناً حقيقياً أم لا. إنَّ هذا لأمرٌ خطير جداً، فالكنيسة اليوم تمجِّد صاحب الثروة وتعيِّنه عضواً في مجلس شيوخ الكنيسة وتوصي به أمام الضيوف، والشعور السائد، «من الجميل أن نرى مؤمنين أثرياء»، لكن يوحنا يتساءل «إذا كان هذا الشخص مؤمناً حقيقياً، فكيف يمكنه الإحتفاظ لنفسه بكل الثروة الفائضة بينما يتضوّر الكثيرون جوعاً طلباً للخبز؟» يخيَّل إلي أن هذا العدد يجبرنا على اتخاذ موقف واحد للعمل به من بين موقفين، فمن ناحية يمكننا أن نرفض المعنى العادي لكلمات يوحنا، نخنق صوت الضمير ونُدين الشخص الذي يجرؤ على الوعظ بهذه الرسالة، أو نستطيع أن نقبل الكلمة بكل وداعة ونستخدم ثروتنا لتلبية حاجة أخينا، وبذلك يكون لدينا ضمير خال من الإساءة نحو الله والإنسان. إن المؤمن الذي يرضى بمستوى معيشة متواضع لكي يعطي كل ما يزيد عن ذلك لعمل الرَّب، يستطيع أن يحيا بسلام مع الله ومع أخيه المُحتاج. |
«لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ» (رسالة يوحنا الثالثة 4). إنَّ الرسول يوحنا لم يكن غافلاً بالتأكيد عن فرحة رابح النفوس الشخصي، إنه يأتي ببهجة روحية هائلة عند قيادة الخاطئ للرَّب يسوع، لكن بالنسبة ليوحنا، هي فرحة عظمى، بل في الواقع، فإن الفرح الأعظم هو بأن يرى أولاده بالإيمان يواصلون ثباتهم في الرَّب. كتب الدكتور م.ر ديهان، «كان هناك وقت في خدمتي غالباً ما قلت فيه، «أعظم فرح للمؤمن هو أن يقود نفساً للمسيح» وبمرور السنين، غيرّت رأيي، لأن الكثيرين ممن فرِحنا بإقرارهم بالإيمان سقطوا على قارعة الطريق وتبدَّل فرحنا بحزن وأسى شديدين، ولكن بعد مرور سنوات نجد مؤمنين ينمون في النعمة ويسلكون في الحق، وهذا هو الفرح الأعظم». عند السؤال عن الأشياء التي تأتي بأعظم الفرح من أي أمر آخر في الحياة، قال ليروي إيمز، «هي عندما ينمو الشخص الذي قدته للمسيح ويتقدّم في حياته كتلميذ مكرَّس ومثمر وناضج والذي يستمر في قيادة الآخرين إلى المسيح ويساعدهم بدوره أيضاً». فإنه ليس من المستغرب أن ذلك يجب أن يوفِّر أعظم الفرح، إذ أنَّ للروحيات ما يقابلها في الطبيعيات، يكون فرح عظيم عندما يولد طفل، لكن هنالك عادة السؤال المُلحّ، «كيف سيكون عندما يكبر؟»، كم يسعد الوالدان عندما ينضج ويَثبُت أنه رجل ذو طابع متميِّز وصاحب إنجازات! لذلك نقرأ في أمثال16،15:23: «يَا ابْنِي إِنْ كَانَ قَلْبُكَ حَكِيماً يَفْرَحُ قَلْبِي أَنَا أيضاً وَتَبْتَهِجُ كِلْيَتَايَ إِذَا تَكَلَّمَتْ شَفَتَاكَ بِالْمُسْتَقِيمَاتِ». إن أحد الدروس العملية التي تنبثق من كل هذا هو أنه لا ينبغي لنا أن نكون راضين عن أساليب سطحية من التبشير والتلمذة. فإذا كنا نريد أولاداً روحيين يسلكون في الحقّ، فعلينا أن نكون مستعدّين لنَسكُبَ حياتنا في حياتهم، وهذه عمليّة مُكلفِة تنطوي على الصلاة والتعليم والتشجيع والنصح والتقويم. |
«إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ» (كورنثوس الأولى58:15). ليس من الغرابة في شيء أن يصاب الشخص بالإحباط في خدمته لأجل الرَّب، فيترك هذه الخدمة. أعتقد أن معظمنا قد واجه مثل هذه التجربة في وقت من الأوقات، لذلك، وفي قراءة اليوم، أود أن أشارك بأربعة مقاطع كانت تشجيعاً هائلاً بالنسبة لي وحالت بيني وبين الإعتزال. الأول، من إشعياء4:49، «أَمَّا أَنَا فَقُلْتُ عَبَثاً تَعِبْتُ. بَاطِلاً وَفَارِغاً أَفْنَيْتُ قُدْرَتِي. لَكِنَّ حَقِّي عِنْدَ الرَّبِّ وَعَمَلِي عِنْدَ إِلَهِي». هنالك لحظات وهي نادرة لحسن الحظ، وبعد مرور سنوات طويلة من الخدمة للرَّب، تبدو وكأنها تتبخّر إلى لا شيء، ويبدو كأن كل عملنا كان مجهوداً ضائعاً، وقد يبدو أنه حالة أخرى من «عمل المحبة الضائع»، لكن الأمر ليس كذلك، فعدد اليوم يؤكد لنا أن الله عادل وسيُؤَمِّن لنا مكافأة ملوكية، وأن أي عمل عُملَ لأجله لن يضيع عبثاً. المقطع الثاني من إشعياء10:55و11 «لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ، هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ»، يعتبر نجاح العاملين على توزيع كلمة الله الحية نجاحاًّ مُؤكَّداً، والنتائج مضمونة، لأن كلمته لا تقاوَم تماماً كما أن جيوش الأرض كلها لا يمكنها أن تمنع المطر والثلج من السقوط، هكذا أيضاً لا تستطيع جميع جيوش الأبالسة والإنسان أن تمنع كلمة الله من التقدُّم وإحداث ثورة في حياة البشر. إننا في الجانب المنتصر. ثم هنالك التشجيع العظيم في متى40:10، «مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي»، هل تم تجاهلك بسبب شهادتك المسيحية أو نبذك أو سُخِرَ منك أو أُسيئت معاملتك؟ هل أوصَد أحدهم الباب في وجهك؟ حسناً، لا تعتبر المسألة شخصية للغاية، فإنه بِرفضِك، يكون الناس في الواقع قد رفضوا المخلّص، والطريقة التي يعاملك الناس بها هي الطريقة التي يعاملون بها الرَّب. فما أجمَل أن تكون مرتبطاً عن قُرب مع إبن الله! ثم هناك بالطبع، كورنثوس الأولى58:15 (المذكورة أعلاه)، كان بولس يقدّم حقيقة القيامة، فلو كانت هذه الحياة هي كل شيء لكان تعبُنا باطلاً، لكن وراء القبر تكمن أمجاد أبدية، وكل ما يُعمل باِسم الرَّب سيُكافأُ هناك، ولن تكون أية خدمة مَحَبّة بلا ثمر أو جدوى. إن الخدمة المسيحية هي الأمجد من بين جميع الدعوات، ولا يوجد أبداً أي سبب معقول لاعتزال الخدمة، ويكفينا تشجيع كلمة الله ليحفظنا من العودة إلى الوراء. |
«وَلَكِنَّ أَسَاسَ اﷲِ الرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هَذَا الْخَتْمُ. يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ. وَلْيَتَجَنَّبِ الإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي إسْمَ الْمَسِيحِ» (تيموثاوس الثانية19:2) حتى في أيام الرُّسل كان هناك إرتباك في ديانات العالم. فمثلاً كان إثنان يعلّمان عقيدة غريبة وهي أن قيامة المؤمنين قد انتهت. مثل هذه الفكرة تبدو جنونية بالنسبة لنا لكنها كانت خطيرة بما فيه الكفاية لتطيح بإيمان بعض الناس. على أن السؤال يبرز بشكل طبيعي «هل كان هذان الشخصان مؤمنين حقيقيين؟» كثيراً ما نواجه نفس السؤال اليوم. ها هنا رجل دين بارز ينكر الولادة العذراوية، مدرِّس في كلية اللاهوت يعلّم أن الكتاب المقدس يحتوي أخطاء، طالب في الجامعة يدّعي بأنه مخلَّص بالنعمة بالإيمان، لكنه يتمسّك بالمحافظة على يوم السبت كضرورة للخلاص، رجل أعمال يخبر عن اختبار تجديده لكنه يبقى عضواً في كنيسة تكرّم الرموز وتعلِّم أن الخلاص يكون بالأسرار المقدسة، ويدّعي قائدها أنه معصوم عن الخطأ في شؤون الدين والأخلاق، فهل هؤلاء الناس مؤمنون حقيقيون؟ لنكون صريحين جداً، إن هناك حالات لا يمكننا تحديدها بالضبط سواء كان الشخص مؤمناً حقيقياً أم مزيَّفاً. وبين كون هذه الحالات صحيحة أم خاطئة، سوداء أو بيضاء، هنالك منطقة رمادية لا يمكننا الجزم فيها. إن اﷲ وحده يَعْلَم. إن الشيء المؤكد في عالم عدم اليقين هو أساس اﷲ، إن كل ما يبنيه ثابت وراسخ. وعلى أساسه يوجد ختمٌ، وعلى هذا الختم نقشان الواحد يمثِّل الجانب الإلهي والآخر الجانب الإنساني، الأول إعلان والآخر أمر. يتمثل الجانب الإلهي في «يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ»، إنه يعلم مَن هُم الذين ينتمون إليه بصدق حتى ولو كانت أعمالهم ليست دائماً كما ينبغي أن تكون. من جهة أخرى يعرف عن كل تظاهر ورياء من طرف الذين يُظهرون وجههم الخارجي وليس حقيقتهم الخفية. ربما لا يمكننا التمييز ما بين الخراف والجِداء، لكن اﷲ يستطيع ويفعل. أمّا الناحية البشرية فهي أن كل من يدعو بإسم المسيح ينبغي أن يبتعد عن الإثم، وهكذا يستطيع الشخص أن يبرهن على حقيقة اعترافه. إن كلَّ من يستمرّ في الخطيئة يخسر مصداقيّته بقدر ما يختص بادعائه بالإيمان. هذا إذاً هو مصدرنا عندما يصعبْ علينا أمر التمييز ما بين الحنطة والزوان. «يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ». كل الذين يدَّعون الإيمان يمكنهم أن يُظهِروا ذلك للآخرين بالإنفصال عن الخطيئة. |
«بِهَذَا أَوْلاَدُ اﷲِ ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اﷲِ، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ» (يوحنا الأولى10:3). قبل سنوات كان كل منزل تقريباً يحتفظ بألبوم لصور العائلة في صالة الجلوس، وهو مغَّلف بغطاء جلديّ ومزيّن بنقوش من ذهب وله حزام من جلد مع مشبَك يُغلقه بإحكام، كانت صفحاته من الورق المقوّى اللامع والمزيّن بأشكالٍ نباتية وحواف مذهَّبة، وعلى كل جانب من الصفحات وُجِدت فتحات مقطوعة لإدخال الصور فيها. عندما كان الضيوف يتصفّحون الصور كانوا يطلقون عبارات مثل، «جوني يشبه جدَّه في هذه الصورة» أو «من المؤكد أن سارة تُشبه أفراد عائلتها». إن رسالة يوحنا الأولى تذكّرني بألبوم العائلة القديم، لأنه يصوِّر هؤلاء الذين هم أفراد عائلة اﷲ والذين فيهم شَبَه العائلة، على أية حال المسألة هنا هي الشَّبه الروحي والأدبي وليس الجسدي. هنالك ثمانية طرق على الأقل «يُشبِه» فيها المؤمنون بعضهم البعض روحياً. أولها، هي أن جميعهم يتحدثون نفس الحديث عن يسوع، فهم يعترفون بأنه هو المسيح، أي المَمسوح (يوحنا الأولى2:4؛ 1:5)، وبالنسبة لهم يسوع والمسيح هو واحدٌ ونفس الشخص. إنَّ جميع المؤمنين يحبّون ﷲ (2:5) على الرغم من أن هذه المحبة في كثير من الأحيان تكون ضعيفة ومتذبذبة، ولم يحدث في أي وقت أبداً أن مؤمناً لم يستطع النظر فوق إلى وجه اﷲ ويقول، «يا ربّ، أنت تعلم أني أحبك». ثم إنَّ جميع المؤمنين يحبّون الإخوة (10:2؛ 10:3؛ 14؛ 7:4؛ و12)، وهذه هي السِمة المميِّزة لجميع الذين انتقلوا من الموت إلى الحياة، ولأنهم يحبون اﷲ فهم يحبون هؤلاء المولودين من اﷲ. وأيضاً، كل الذين يحبون اﷲ يتميَّزون بأنهم يحفظون وصاياه (24:3)، وطاعتهم مدفوعة ليس بدافع الخوف من العقاب بل بالمحبة للذي بذل كل شيء لأجلهم. إنَّ المؤمنين لا يمارسون الخطيئة (6:3؛ 9؛ 18:5)، صحيح أنهم يقترفون أعمال الخطيئة لكن الخطيئة ليست القوة المُتسلطة في حياتهم وهم ليسوا بلا خطيئة ولكنهم يخطئون أقلّ. ثمَّ إن أعضاء عائلة ﷲ يمارسون البِرّ (29:2؛ 7:3)، ليس فقط أنهم لا يقترفون الخطيئة كعادة، مع أن هذه الحال قد تكون سلبية، لكنهم يمدّون يداً للآخرين بأعمال البرِّ أيضاً، وهذا شيء إيجابي وفعاّل. أما السِمة السابعة لأفراد عائلة ﷲ فهي أنهم لا يحبون العالم (15:2)، وهم يدركون أن العالم هو نظام أقامه الإنسان لمناهضة ﷲ، وأن مصادقة المؤمن للعالَم تجعل منه عدواً للّه. أخيراً، يَغلِب المؤمنون العالَم بالإيمان (4:5)، وينظرون إلى ما هو أبعد من الأشياء المؤقّتة، أي إلى الأشياء الأبدية. إنهم يحيون لأجل أشياء لا تُرى وأبدية. |
.«وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ» (تيموثاوس الأولى19:1) إن الضمير هو جهاز مراقبة أعطاه اﷲ للإنسان لكي يصادق على السلوك الجيّد ولكي يَحتجّ ضدّ ما هو خطأ. عندما أخطأ آدم وحواء أدانهما ضميراهما وعرفا أنهما عريانان. لقد تأثَّر الضمير بدخول الخطيئة مثل باقي أعضاء الإنسان الطبيعية، بحيث لم يعد بالإمكان الإعتماد عليه إعتماداً تاماًّ دائماً. إن القول المأثور القديم «دع ضميرك يكون دليلك» لم يعد قاعدة ثابتة، ومع ذلك فإنه حتى في أشدّ إنحراف أخلاقي لا يزال الضمير يضيء إشارتيه الحمراء والخضراء، لكن عند التجديد يتطهّر ضمير الشخص من أعمال ميّتة بدم المسيح (عبرانيين14:9)، وهذا يعني أنه لم يعُد يَعتمِد على أعماله الخاصة لتعطيه مكانة حسنة أمام اﷲ، فقد رُشَّ قلبه من ضمير شرّير (عبرانيين22:10) لأنه يعرف بأن مسألة الخطيئة قد تمَّ تسويتها مرةً وإلى الأبد بعمل المسيح. لم يَعُد الضمير يدينه فيما بعد بما يتعلَّق بالذنب ودينونة الخطيئة. من الآن فصاعداً يرغب المؤمن بأن يكون له ضميرٍ خالٍ من الإثم تجاه ﷲ والإنسان (أعمال16:24)، ويرغب بأن يكون له ضمير صالح (تيموثاوس الأولى5:1،19؛ عبرانيين18:13؛ بطرس الأولى16:3)، ويرغب كذلك بأن يكون له ضمير طاهر (تيموثاوس الأولى9:3). إن ضمير المؤمن بحاجة لأن يتعلَّم بواسطة روح ﷲ من خلال كلمة ﷲ، وبهذه الطريقة يطوّر حساسية متزايدة نحو مجالات مشكوك بها في السلوك المسيحي. إن المؤمنين الذين يبالغون في التدقيق بأمور غير صحيحة أو مغلوطة في حد ذاتها لديهم ضمائر ضعيفة، فإن عملوا شيئاً تدينه ضمائرهم فهم بذلك يخطئون (رومية23:14) وينجّسون ضمائرهم (كورنثوس الأولى7:8). إن الضمير يُشبِه رباطاً من المطّاط، كلّما شدَدته أكثر كلّما فقد مرونته، والضمير أيضاً يمكن خنقه. يستطيع الإنسان أن يبرّر سلوكه الخاطئ بحيث يجعل ضميره يقول أي شيء يريد أن يقوله. أما غير المؤمنين فيمكن أن يكون لديهم ضمير موسوم (تيموثاوس الأولى2:4)، كما لو كان مكتوٍ بالحديد الساخن، ورفضهم المتواصل لصوت الضمير يوصِلهم في نهاية المطاف إلى مرحلة يفقدون فيها الحسّ، ولا تَعود الخطيئة تؤنِّبهم البتَّة (أفسس19:4). إن الله يُحمِّل الإنسان مسؤولية ما يفعله بضميره، فلا يمكن الإفلات من العقاب عند الإساءة لأية مقدرة إلهية فينا. |
وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. إبْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ» (إشعياء11:51). إن نبوءة إشعياء في إطارها هذا تبدو وكأنها تتطَّلع إلى العودة المستقبلية البهيجة لشعب إسرائيل بعد سبعين سنة من السَّبي في بابل، وقد تشير أيضاً إلى عودة إسرائيل مستقبلاً عندما يجمعهم المسيَّا إلى الأرض من جميع أنحاء العالم، وهذا أيضاً سيكون وقت فرح عظيم. لكن في معناها الأوسع بالنسبة لنا ما يبرر تطبيق العدد على إختطاف الكنيسة. نوقَظ بصوت الرَّبّ وصوت رئيس الملائكة وبوق ﷲ. عندما تقوم أجساد المفديّين من القبور عبر جميع الأجيال الغابرة، والمؤمنون الأحياء يتغيرّون في لحظة في طرفة عين وينضمّون إليهم وهم صاعدون لملاقاة الرَّب في الهواء، يبدأ الموكب الكبير نحو بيت الآب. إن نبوءة إشعياء في إطارها هذا تبدو وكأنها تتطَّلع إلى العودة المستقبلية البهيجة لشعب إسرائيل بعد سبعين سنة من السَّبي في بابل، وقد تشير أيضاً إلى عودة إسرائيل مستقبلاً عندما يجمعهم المسيَّا إلى الأرض من جميع أنحاء العالم، وهذا أيضاً سيكون وقت فرح عظيم.من المحتمل جداًّ أن تكون كل الطريق محاطة بجوقات الملائكة وعلى رأس الموكب يكون الفادي نفسه مشرقاً بانتصاره المجيد على الموت والقبر، وتتبعه حشود المفديين من كل قبيلة ولسان وشعب وأُمةّ، ربوات ربوات، وأُلوف أُلوف، وهم يرنّمون ترنيمة جديدة «مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ». إنَّ كلّ واحد في هذه الجموع هو تذكارٌ لنعمة ﷲ الرائعة، وكل واحد قد إفتُدي من الخطيئة والعار وجُعل خليقة جديدة في المسيح يسوع، وقد مرَّ بعضهم بآلام شديدة لأجل إيمانهم وضحّى آخرون بحياتهم لأجل المخلّص، لكن الآن اختفت كل آثار الجروح والتشويهات وصار للقدّيسين أجساد مُمجَّدة لا سلطان للموت عليها. ثم إنَّ هناك إبراهيم وموسى وداود وسليمان، وهناك بطرس المحبوب ويعقوب ويوحنا وبولس، وهناك أيضاً مارتن لوثر وجون ويسلي وجون نوكس وجون كالفن، لكن هؤلاء ليسوا أكثر بروزاً من بعض أولاد ﷲ الذين كانوا مجهولين وهم على الأرض بينما كانوا معروفين للسماء. الآن يسير القديسون إلى قصر الملك، لقد انتهت آلامهم وتنهداتهم إلى الأبد، يُكلِّل رؤوسهم فرحٌ أبدي، والإيمان أصبح عياناً، والرجاء الذي طال انتظاره قد تحقَّق، ويعانق الأحباء بعضهم البعض بحرارة يهيمن عليهم الفرح الغامر، وكلهم منبهرٌ بالنعمة العجيبة التي نقلتهم من أعماق الخطيئة إلى آفاق هذا المجد. |
«إذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ» (مرقس19:5). في بداية خلاصنا نعتقد أن الأمر بسيط جداً وجميل لدرجة أن كل أقاربنا سيرغبون بالإيمان بالمخلّص عندما نخبرهم عنه. على أننا بدلاً من ذلك نجد وفي بعض الحالات أنهم مستاؤون، مرتابون ومعادون، يتصرّفون وكأننا نخونهم، وعندما نجد أنفسنا في جوٍّ كهذا، غالباً ما يكون ردُّنا بطريقة تعيق في الواقع مجيئهم إلى المسيح. أحياناً نردّ عليهم بعنف فنصبح بعيدين عنهم ومنعزلين ومتقلِّبي المزاج، أو ننتقِدهم بسبب مسلكهم في عدم الإيمان ناسين أنهم لا يمتلكون القوة الإلهية اللازمة لتطبيق المعيار المسيحي. ومن السهل في مثل هذه الأوضاع أن نغرز فيهم الإنطباع بأننا نعتبر أنفسنا أفضل منهم، لأنه من المرجَّح أن يتّهموننا بموقف «نحن أقدس منكم»، وعليه يجب أن نتجنب منحهم ما يُبرِّر لهم القيام بذلك. ثمة خطأ آخر نقترفه، وهو محاولة إجبارهم على قبول الإنجيل بدافع محبّتنا الكبيرة لهم وغيرتنا على نفوسهم، فنُقصيهم بكرازتنا الهجومية عن الإنجيل. ثم إنَّ أمراً واحداً يؤدّي إلى أمرٍ آخر، كفشلنا في إظهار الخضوع بالمحبة لوالدينا وكأن إيماننا المسيحي يُعفينا من أي واجب لإطاعتهما ومن ثم يَزداد إبتعادنا عن المنزل لقضاء الوقت في خدمات الكنيسة وبرفقة المؤمنين، وهذا بدوره يزيد من إستيائهم ضد الكنيسة والمؤمنين. عندما شفى يسوع المسكون بالشيطان أي لجيئون قال له أن يذهب إلى بيته ويخبر أصدقاءه بالعظائم التي صنعها معه الرَّب. إن هذا أول ما علينا أن نفعله، بأن نقدّم شهادة بسيطة متواضعة مفعمة بالمحبة عن تجديدنا. إنَّ هذا ينبغي أن يقترِن بشهادة حياة قد تغيِّرت، كما ينبغي أن «يُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (متى16:5). وهذا يعني، إظهار إكرامٌ جديدٌ وخضوع ومحبة واحترام لوالدينا والأخذ بنصيحتهم طالما لم تتعارض مع الكتاب المقدس. ينبغي أن نكون أكثر نفعاً في المنزل ممّا كنا في أي وقت مضى، بالمحافظة على نظافة غرفتنا، وغسل الأواني وإخراج النفايات بحيث نقوم بكل ذلك دون أن يُطلب منّا. إنَّ هذا يعني أيضاً قبول الإنتقادات بصبر دون الإنتقام، الأمر الذي من شأنه أن يذهلهم من روح الإنكسار الجديدة خصوصاً وأنهم لم يروا ذلك من قبل. إن قليلاً من اللطف يساعد على كسر المعارضة، كإستلام رسائل تقدير وبطاقات معايدة ومكالمات هاتفية وهدايا، وبدَلاً من أن نعزِل أنفسنا عن والدينا علينا أن نقضي بعض الوقت معهم في محاولة لتقوية أواصر العلاقة، عندها قد يكونون أكثر إستعداداً لقبول دعوة لمرافقتنا إلى الكنيسة، عندها وفي نهاية المطاف يقدمون أنفسهم للرَّب يسوع المسيح. |
«اَلدَّعْوَةُ الَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ فِيهَا» (كورنثوس الأولى20:7). عندما يصبح الشخص مؤمناً مسيحياً، فقد يظن أن عليه الإنفصال الكامل عن كل ما كان يربطه بحياته السابقة. من أجل تَقويم هذا التفكير، أرسى الرسول بولس قاعدة عامة مفادها أنه ينبغي للشخص أن يَبقى في نفس الدعوة التي كان فيها وقت تجديده. دعونا نُمعن النَّظر في هذه القاعدة ونقترح ما تعنيه وما لا تعنيه. في السياق المباشر، فإن العدد ينطبق على علاقة زوجية خاصة، ففي حالة أنَّ أحد شريكي الزواج قد آمن بينما بَقي الآخر غير مؤمن، ماذا يجب على المؤمن أن يفعل؟ هل يجب عليه أن يطلِّق زوجته؟ يقول بولس، لا، ينبغي أن يبقى على تلك العلاقة الزوجية آملاً في أن يتجدّد شريكه بشهادته. عندما يصبح الشخص مؤمناً مسيحياً، فقد يظن أن عليه الإنفصال الكامل عن كل ما كان يربطه بحياته السابقة. من أجل تَقويم هذا التفكير، أرسى الرسول بولس قاعدة عامة مفادها أنه ينبغي للشخص أن يَبقى في نفس الدعوة التي كان فيها وقت تجديده. دعونا نُمعن النَّظر في هذه القاعدة ونقترح ما تعنيه وما لا تعنيه.تعني قاعدة بولس على وجه العموم أن التجديد لا يتطلّب إلغاءً قاطعاً بالقوة بما كان من علاقات وإرتباطات قبل التجديد والتي لا يمنعها الكتاب المقدس بوضوح، فمثلاً، لا يحتاج اليهودي إلى إجراء عملية جراحية لطمس السمة المادية ليهوديته، ولا يحتاج المؤمن الأمُمي للخضوع لتغيير مادي كالختان لتمييزه عن الوثني. إن الملامح الجسدية والعلامات ليست هي ما يهُم، فإن ما يريد ﷲ أن يراه هو الطاعة لوصاياه. فعندما يكون شخصٌ ما عبداً عند ولادته الجديدة، ينبغي ألاّ يتمرَّد ضد عبوديّته وبالتالي يجلب المتاعب والعقاب على نفسه، إذ أن بإمكانه أن يكون عبداً نافعاً ومؤمناً صالحاً في نفس الوقت. إن المراكز الإجتماعية والطبقية غير مهمة عند ﷲ، ومع ذلك، فإذا كان العبد قادراً على الحصول على حريته بالوسائل المشروعة فينبغي عليه أن يفعل ذلك. كل هذا بل وأكثر ما تعنيه قاعدة بولس. ينبغي أن يكون واضحاً أن هناك إستثناءات مهمة لهذه القاعدة، فمثلاً، إنها لا تعني أن الشخص الذي يعمل في عمل غير شرعي أن يستمر فيه، فإذا كان يعمل نادلاً في حانة أو يدير بيت دعارة أو نادياً للقمار فسيعرف بالغريزة الروحية بأن عليه القيام بالتغيير. ثمة إستثناء آخر لهذه القاعدة العامة يتعلّق بالإرتباطات الدينية وهو أنَّ على المؤمن الحديث أن لا يستمر في أي نظام حيث يتم فيه إنكار الأسُس العظيمة للإيمان المسيحي، عليه أن يفصل نفسه من أية كنيسة يُهان فيها المخلّص، وهذا ينطبق أيضاً على العضوية في نواد إجتماعية حيث يُمنَع ذِكر إسم المسيح أو لا يُرحَّب به. إذاً فإنَّ الولاء لإبن ﷲ يتطلّب من المؤمن أن يستقيل من مثل هذه المؤسّسات. وتلخيصاً للأمر، فإنَّ القاعدة هي أن المؤمن الجديد يجب أن يظَّل في الدعوة التي دُعي إليها إلا إذا كان في ذاك العمل خطيئة أو مَهانةً للرَّب. إنه ليس من الضروري أن يقطع علاقاته بالإرتباطات الماضية إلا إذا كانت ممنوعة وبوضوح في كلمة ﷲ. |
«مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَاناً وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟» (يعقوب14:2). إنَّ يعقوب لا يقول أنَّ الشخص المذكور في عدد اليوم له إيمان، بل الشخص نفسه يقول أن له إيماناً، لكن لو كان له إيمانٌ مُخلِّص حقاًّ لكانت له أعمالٌ أيضاً، إن إيمانه هو مسألة كلمات فقط وهذا النوع من الإيمان لا يمكنه أن يُخلّص أحداً لأن الكلام دون الأعمال ميّت. فالخلاص ليس بالأعمال ولا بالإيمان بإضافة الأعمال، بل هو بنوع من الإيمان الذي تنشأ عنه أعمال صالحة. فلماذا إذاً يقول يعقوب في العدد 24 أن الإنسان يتبّرر بالأعمال؟ أليس هذا تناقضاً صريحاً لتعليم بولس بأننا نتبّرر بالإيمان؟ في الواقع ليس هناك مِن تناقض، كلاهما صحيح، والواقع هو أن هناك ستّة جوانب مختلفة من التبرير في العهد الجديد هي كالتالي: إننا نتبرّر من قِبَل ﷲ (رومية33:8)، فهو الذي يحسِبُنا أبراراً. إننا نتبرّر بالنعمة (رومية24:3)، فإن ﷲ يمنحنا التبرير عطيّة مجانيّة لا نستحقّها. إننا نتبرّر بالإيمان (رومية1:5)، نحصل على هذه العطية بالإيمان بالرَّب يسوع المسيح. إننا نتبرّر بالدم (رومية9:5)، لأن دم المسيح الثمين هو القيمة التي دُفعت لتبريرنا. إننا نتبرّر بالقوة (رومية25:4)، فإن القوة التي أقامت يسوع ربُّنا من بين الأموات هي القوة التي تجعل تبريرنا ممكناً. إننا نتبرّر بالأعمال (يعقوب24:2)، لأن الأعمال الصالحة هي الدليل الخارجي للجميع على أننا حقاًّ قد تبّررنا. لا يكفي أن نشهد لإختبار تجدُّدنا، بل علينا أن نظهره بالأعمال الصالحة التي حتماً تتبع الولادة الجديدة. فالإيمان غير منظور لأنه عمليَّة غير مرئية تحدث بين النفس وﷲ، والناس لا يستطيعون رؤية إيماننا، لكن يمكنهم أن يروا الأعمال الصالحة التي هي ثمر الإيمان المُخلِّص، وقد يظلُّ لديهم سبب للتشكيك في إيماننا إلى أن يروا أعمالنا. كان عمل إبراهيم الصالح إستعداده ليذبَح إبنه تقدمة للّه (يعقوب21:2)، وكان عمل راحاب الصالح خيانة بلدها (يعقوب25:2)، وسبب كونها أعمال «صالحة» هو أن كل منهما أظهر إيماناً باللّه، وإلاّ لكانت أعمالاً سيّئة، أي قتل وخيانة، وأنَّ الجسد المُنفصل عن الروح هو ميت، والموت هو إنفصال الروح عن الجسد، لذا فالإيمان بدون أعمال ميت أيضاً، إنه بلا حياة وبلا قوة وغير فعاَّل. لكن الجسد الحي يُظهِر أن روحاً غير منظورة تسكن فيه، لذا فالأعمال الصالحة هي علامة مؤكِّدة على أن هناك إيماناً مُخلِّصاً رغم كونه غير منظور لكنه ساكن في قلب الشخص. |
«حارِّينَ فِي الرُّوحِ» (رومية11:12). إن أحد القوانين التي تعمل في المجال المادي هو أن الأشياء تميل إلى فقدان الزخم أو تنحل أو تنطفئ، وهذا ليس تعبيراً علمياً للقانون لكنه يشرح الفكرة العامة. فكما قيل لنا، على سبيل المثال، أن الشمس تحترق بدرجة شديدة جداً، وعلى الرغم من أنها يمكن أن تستمرّ لفترة طويلة إلا أن عُمرها آخذٌ بالتناقص. إنَّ الأجساد تَشيخ وتموت ثم تعود إلى التراب، ومكوك يُحرَّك باليد ثم يتوقف، نعبئ زنبرك ساعة الحائط أو ساعة اليد وسرعان ما نحتاج إلى تعبئته من جديد (هذا ينطبق على الساعات التي تعمل بالبطارية بحيث تحتاج إلى تغيير من حين لآخر). الماء الساخن يبرد بحيث يتوازى مع درجة حرارة الغرفة، تفقد المعادن بريقها وتَبهت الألوان، ولا شيء يدوم لفترة طويلة وليس هناك حركة دائمة، فالتغيير والإنحلال يؤثّران في كل شيء. حتى أن العَاَلَم نفسه يشيخ. يقول الكتاب في الحديث عن السماء والأرض، «هِيَ تَبِيدُ وَلَكِنْ أَنْتَ (إبن ﷲ) تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلَكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى» (عبرانيين11:1، 12). للأسف يبدو أن هناك مبدأً مماثلاً في المجال الروحي ويَصحّ قوله عن الأفراد والكنائس والحركات والمؤسسات. فإنه حتّى لو كان الشخص يبدأ حياة مسيحية بإمتياز، فثمة خطر دائم بإنحسار الحماس، أو إخماد القوة أو تراجع الرؤيا. نبدأ بالسَّأم وعدم الرضى من أنفسنا، نفتُر ونشيخ. الشيء نفسه ينطبق على الكنائس، وقد بدأ الكثير منها في قمّة حركة عظيمة للروح القدس واستمرّت النار مشتعلة بتوهُّج لسنوات عديدة، ثم حلَّ بها الخمود، تركت الكنيسة محبّتها الأولى (رؤيا4:2)، إنتهى شهر العسل، يزول الحماس التبشيري مفسحاً المجال للخدمة الرتيبة وقد يُضّحَّى بالنقاوة العقائدية من أجل وحدة لا قيمة لها، وأخيراً يصبح البناء الفارغ شهادة صامتة بأن المجد قد وَلّى وذهب. ثم إنَّ الحركات والمؤسّسات تخضع للإضمحلال. ربما تكون قد بدأت كأنشطة تبشيرية قوية، ولكنها تأخذ في الإنهماك في العمل الإجتماعي لدرجة أن الإنجيل يُصبِح مُهمَلاً إلى حد كبير، أو أنها تبدأ بحماس وبعفوية الروح وبعد ذلك تنتقل إلى الطقوس والشَّكليات. نحن نحتاج للحماية ضد الضعف الروحي، ونحتاج أيضاً أن نختبر ما يدعوه نورمان جراب «النهضة المستمرة». نحتاج إلى المحافظة على «الوهج الروحي». |
«مَنْ يُجِيبُ عَنْ أَمْرٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَهُ فَلَهُ حَمَاقَةٌ وَعَارٌ» (أمثال13:18). إن نصَّ الكتاب المقدس للترجمة التفسيرية يقول «مَنْ أَجابَ عَنْ أَمْرٍ ما زالَ يَجهَلَهُ فَذاكَ حَماقَةٌ مِنهُ وَعارٌ لَهُ». إن هذا يُبرزُ درساً هاماًّ وهو أنه لا يمكنك اتخاذ قرار ذكيٍّ حتى تسمع كلَّ الحقائق، وللأسف فإن العديد من المؤمنين لا ينتظرون سماع كِلا الطرفين في القضية، فيُصدرون حكماً على أساس قصة طرفٍ واحدٍ، وغالباً ما يكون هذا الحُكم خاطئاً تماماً. في سنة 1979 كان جاري بروكس عضواً في مجلس شمامسة كنيسة إنجيلية، كان ذا شعبية كبيرة جداً وشخصية دافئة ومرحة، وفي كل مرة كان يدخل مكاناً يعجُّ بالناس كانت الغرفة تشعُّ فرحاً. لقد ميَّز نفسه بخدمة أعضاء الكنيسة كلّما احتاجوا إلى مساعدة، كان دائماً متنبهاً لكبار السن في الجماعة، وكانت زوجته وإبناه أيضاً نشيطين في شؤون الكنيسة، وقد بدا أن عائلة بروكس عائلة نموذجية. لقد وقع خبرٌ كإنفجار القنبلة عندما عُلِم بأن الشيوخ الكنيسة قد أَدَّبوا جاري بإعفائه من عمله كشمّاس وأنه قد طُلبِ منه الإمتناع عن المشاركة في خدمة العشاء الرَّباني. إحتشد أصدقاؤه للدفاع عنه ودعوا أعضاء كنيسة أخرى لمعارضة الشيوخ في قرارهم هذا. كان الشيوخ في وضعٍ غير مؤات، فهم لا يرغبون في ان يعلنوا عن كل ما يعرفوه، فجلسوا بهدوء يستمعون إلى مديح فضائل جاري، عالمين أن هناك جانباً آخر للقصة، وأنه قد نالهم الكثير من الإساءة في هذه العملية. ما الذي عَلِمَه الشيوخ؟ كانوا يعرفون أن زواج جاري على حافة هوّة لأنه كان في علاقة غرامية مع سكرتيرته، وكانوا يعرفون أنه اختلس أموال الكنيسة لتمويل نمط حياته الباذخ، وأنه كان يشارك في معاملات تجارية غير أخلاقية، وأن شهادته في عالم الأعمال كانت سلبية، كانوا يعرفون أيضاً أنه كَذَبَ عليهم عند مواجهته بالأدلة عن سوء تصرفاته. وبدل الخضوع لتأديب الشيوخ، قام جاري بتنظيم أصدقائه في تحدٍ صريح، حتى على حساب إنقسام الكنيسة، في النهاية تحدَّث بعضٌ من أتباعه إلى أحد شيوخ الكنيسة وعَلِموا ببعض الحقائق المُحزنة، لكنّهم كانوا يَخجَلون من تغيير موقفهم، فاستمرّوا في الدفاع عنه. تبرز لنا من كل هذا ثلاثة دروس. أولاً: لا تحاول إصدار حكم قبل أن تعرف كل الحقائق. ثانياً: إذا كنت لا تستطيع الحصول على كل الحقائق، أُحجُب حكمك. أخيراً: لا تسمح لأواصر الصداقة أن تضغط عليك في الدفاع عن الإثم. |
«اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ فَيَأْتِي رَفِيقُهُ وَيَفْحَصُهُ» (أمثال17:18). يشير الجزء الأول من هذا العدد إلى تقصير شائع عند معظمنا، فنحن دائماً نقدِّم أدلةً بطريقة نظهر فيها أنفسنا في أفضل نور ممكن، وهذا يحدث معنا بطريقة طبيعية. فعلى سبيل المثال، نقوم بحجب حقائق من شأنها أن تُثبِت أنها مُضرَّة لنا ونركّز على نِقاطِنا الحسنة، نقارن أنفسنا بالآخرين الذين يبدو فَشَلهُم أكثر وضوحاً، ونلقي باللائمة على الآخرين عن تصرفاتنا، ننسب دوافع مقدسة لأفعالنا التي خطؤها واضح، نشوِّه ونحرّف الحقائق حتى يُصبح واقعها باهتاً، نستخدم كلمات ملونة عاطفياً كي نرسم صورة أكثر مواتاة. لقد ألقى آدم باللائمة على حوّاء، «الْمَرْأةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأكَلْتُ» (تكوين12:3)، وألقت حوّاء باللائمة على الشيطان، «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأكَلْتُ» (تكوين13:3). دافَع الملك شاول عن عصيانه فأبقى خراف وثيران عماليق بأن نَسَبِ لها دوافع مقدّسة، «فَأَخَذَ الشَّعْبُ مِنَ الْغَنِيمَة… لأَجْلِ الذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ فِي الْجِلْجَالِ» (صموئيل الأول21:15)، وقد اقترح أيضاً بالطبع، أنه إذا كان هناك أي لوم فيجب أن يقع على الشعب وليس عليه. لقد كذب داود على أخيمالك من أجل الحصول على أسلحة قائلاً: «لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ مُعَجِّلاً؟» (صموئيل الأول8:21). في الواقع لم يكن داود في عمل لأجل الملك بل كان هارباً من الملك شاول. ثم إنَّ المرأة على البئر قد حجبت الحقيقة وقالت، «لَيْسَ لِي زَوْجٌ» (يوحنا17:4)، والواقع أنه كان لها خمسة أزواج وكانت الآن تُعاشر رجلاً لم تكن متزوّجة منه. وهكذا يستمرّ الحال! فبسبب طبيعتنا الساقطة الموروثة من آدم، فإنه من الصعب علينا أن نكون موضوعيين تماماً عند تقديم الجانب الخاص بنا من المسألة. إننا نميل إلى تصوير أنفسنا في ضوء أكثر جاذبية، ويمكن أن يكون لدينا إعتبار ألطف نحو الخطيئة في حياتنا بينما نُدين بشدّة هذه الخطايا في حياة شخص آخر. «اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ فَيَأْتِي رَفِيقُهُ وَيَفْحَصُهُ»، أي عندما يكون لرفيقه فرصة ليُدلي بشهادته فإنه يعطي صورة أكثر صحَّة للحقائق، ويكشف عن كل المحاولات الماكرة للتغطية وتبرئة الذات، إنه يروي القصة دون تحريف. في النهاية ﷲ هو الرَّفيق، الشخص الذي يُسلِّط الضوء على الأشياء المتخفيِّة في الظلام ويكشف أفكار ونوايا القلب. ﷲ نور وليس فيه ظلمة البتّة، فإذا أردنا أن نسير معه في شركة مكشوفة فيجب أن نكون صادقين دون مواربة في شهادتنا كلها حتىّ لو أدى ذلك إلى دمارنا. |
«لَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ، لأَنَّكُمْ لاَ تَطْلُبُونَ» (يعقوب2:4). إنَّ عدداً كهذا يثير مسألة مثيرة للإهتمام وهي أننا لا نملك لأننّا لا نطلب، فما هي الأشياء العظيمة التي نفتقدها في الحياة لأننّا لا نطلبها بالصلاة؟ ثمة سؤال مماثل يُثار من يعقوب16:5 «طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعْلِهَا»، وإن لم يُصلّي هذا الإنسان البارّ، أَيعني هذا أنه يحقق من خلالها إنجازات قليلة؟ المشكلة مع معظمنا أننّا لا نصلّي بما فيه الكفاية، أو عندما نصلّي، نطلب القليل القليل، نحن كما يقول س.ت. ستاد «نَقضُم المُمكن بدل أن نقبِضَ على المستحيل»، صلواتنا خجولة ولا خيال فيها عندما يجب أن تكون جريئة. ينبغي أن نُكرم ﷲ بالصلاة لأجل أشياء عظيمة، وبكلمات جون نيوتن: أنت قادم إلى حضرة ملك التماسات كبيرة تُحضِرُ معك ولأنّ نعمته وقوّته عظيمة هكذا فلا يستطيع أحد أن يطلبها كلها. عندما نفعل ذلك فنحن ليس فقط نكرم ﷲ بل ونُغني أنفسنا روحياً، إنه يحب أن يَفتح لنا كُنوز السماء، لكن عدد اليوم يشير إلى أنه يفعل ذلك في استجابةٍ للصلاة. يبدو لي أن هذا العدد يجيب على سؤال كثيراً ما نسمعه، وهو: هل يمكن فعلاً أن تحرّك الصلاة ﷲ لكي يعمل أشياء سوف لا يعملها بغير ذلك؟ أو هل تضعنا بإنسجام مع ما قد يشاء أن يفعله على أية حال؟ تبدو الإجابة واضحة: إن ﷲ يستجيب إلى صلاة لا يستجيب إليها بطريقة أخرى. قد يُشدُّ خيالنا في أحد إتجاهين حين نتأمّل هذا الموضوع؛ أولاً، يمكن أن نُفكِّر بالإنجازات العظيمة التي جاءت كنتيجة مباشرة للصلاة، ونقتبس كلمات العبرانيين33:11و34 فنتذكّر هؤلاء «الَّذِينَ بِالإِيمَانِ قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرّاً، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ، أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَّوُوا مِنْ ضُعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ». ثانياً، يمكننا أن نُفكِّر في ما قد أنجزناه نحن أنفسنا من أجل المسيح إذا كنا نطلب فحسب. يمكننا أن نُفكّر في الوعود الكثيرة والثمينة في الكلمة، التي فشلنا في المطالبة بها، فلقد كنّا ضعفاء عندما كان بإمكاننا أن نكون أقوياء، لمسنا حياة البعض لأجل ﷲ عندما كان بإمكاننا أن نلمس الآلاف أو حتّى الملايين، لقد طلبنا دونمات بينما كان بإمكاننا أن نطلب قارَّات، كنّا فقراء روحياًّ بينما كان بإمكاننا أن نكون أثرياء، لا نملك لأننّا لا نطلب. |
«مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً» (متى26:20، 27). هنالك نوعان من العظمة في العهد الجديد، من المفيد أن نميِّز بينهما. هناك عظمة مرتبطة بمركز الشخص، وعظمة أخرى مرتبطة بشخصيته. عند الكلام عن يوحنا المعمدان، قال يسوع أنه «لَيْسَ نَبِيٌّ أَعْظَمَ مِنْه» (لوقا28:7). كان المخلّص هنا يتكلّم عن عظمة مركز يوحنا. لم يتسنَّ لأي نبي آخر هذا الإمتياز بأن يكون سابقاً للمسيح، وليس المقصود أن يوحنا كان ذا صفات أفضل من أي أنبياء العهد القديم، لكن فقط لأنه كان له مهمّةً فريدة في تقديم حمل ﷲ الذي يرفع خطايا العالم. في يوحنا28:14، قال يسوع للتلاميذ: «أبي أعظم منّي»، فهل كان يقصد أن أباه كان أعظم منه شخصيّاً؟ لا، لأن جميع أعضاء الأُلوهِيَّة متساوون، لكنه قَصَدَ أن الآب كان جالساً على العرش في المجد السماوي في حين كان هو محتقر ومخذول من الناس على الأرض، كان يجب على التلاميذ أن يفرحوا لعلمهم أن يسوع سيصعد إلى الآب لأنه سيكون له نفس مركز المجد كما للآب. يتمتَّع جميع المؤمنين بمركز عظيم بسبب إتحادهم بالرَّب يسوع، إنهم أولاد ﷲ، وورثة ﷲ ووارثون مع المسيح يسوع، ثم يتكلّم العهد الجديد أيضاً عن عظمة شخصيَّة. فعلى سبيل المثال، في متى26:20، 27، يقول يسوع، «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً»، فالعظمة هنا هي عظمة الصفات الشخصية التي تتجلَّى في حياة الخدمة للآخرين. يَهتمّ مُعظم رجال العالم بالعظَمة بما يختص ومركزهم فقط، وقد أشار الرّب يسوع إلى ذلك عندما قال: «مُلُوكُ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ وَالْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ» (لوقا25:22)، لكن فيما يتعلَّق بصفاتهم الشخصيَّة فقد يكونون خالين تماماً من العظَمة، وقد يكونون زناة أو مختلسين أو سكّيرين أو قتلة. إنَّ المؤمن مدركٌ أن عظمة المركز بدون عظمة الشخصيَّة لا قيمة لها. إن ما في باطن الشخص هو ما يُحسب له، وثمر الروح أكثر أهمية من مركز عالٍ في سلّم الشركات. وعليه فمن الأفضل أن تكون ضمن قائمة القدّيسين ممّا أن تكون بين النجوم. |
«أَفْعَلُ شَيْئاً وَاحِداً: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ.» (فيلبي13:3) عادةً عندما نقرأ هذه الكلمات نميل إلى الإعتقاد بأن بولس كان يتحدَّث عن خطاياه الماضية، كان يعلم أن هذه الخطايا قد غُفرت، وبأن ﷲ قد نسيها ولن يذكرها فيما بعد، ولذلك حرِصَ أن ينساها هو أيضاً وأن «يسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ ﷲ العُليا في المسيح يسوع». مع أنني لا أزال أعتقد أن هذا تطبيقٌ صحيحٌ للعدد، إلّا أنَّ بولس لا يفكّر في هذا المقطع بخطاياه، بل إنه يفكر بالأشياء التي قد يفتخر بها، أي نَسَبهُ وتديُّنه السابق وغيرته وبّره الناموسي، والآن، هذه الأمور لم تعُد تعني له شيئاً، فهو عازمٌ على أن ينساها. أتذكّر جون سانج، المبشّر الصيني المُكرَّس، والذي جاء إلى الولايات المتّحدة للتدريب، وبينما هو في طريق عودته إلى الصين كَتَبَت ليسلي لِيالْ عنه قائلة: «في أحد الأيام، وعند إقتراب السفينة من نهاية رحلتها، نزل جون سانج إلى حجرته، أخرج من صندوقه شهاداته وميدالياته ومفاتيح فرقة أخويّته وألقى بها كلها في البحر ما عدا شهادة الدكتوراه التي احتفظ بها لإرضاء والده، ووضعها لاحقاً في إطار وعلّقها في بيته القديم. زاره القس و.ب كول يوماً عام 1938، ولاحظ الدكتور سانج أن القس كول كان ينظر إلى الشهادة فقال له: «مثل هذه الأمور لا جدوى منها، إنها لا تعني شيئاً بالنسبة لي». «يجب أن يكون هناك تنازلات كبيرة إذا كان يجب أن تكون الخِدمة مسيحية!» هذه كلمات الدكتور داني التي ربما كانت مكتوبة آخذاً باعتباره الدكتور سانج، ومن المحتمل أن السِّر الرئيسي في خدمة الدكتور سانج أنه جاء اليوم الذي تَخلَّى فيه للتو عن كل ما يعتبره العالم أنه ذات قيمة». يا رَّب لا تسمَح بأن أفخر إلّا بالصَّليب مُكرِّساً نفسي وما أَملُكُ للفادي الحبيب إن شهادات فخر الإنسان بإنجازاته عابرةٌ وشيءٌ فارغ، يَعتزُّ بها للحظة ثم يتراكم عليها الغبار لعشرات السنين. إنَّ الصليبَ هو كلُّ مَجدنا، نطمحُ لنكون مرْضِيين عند الذي مات لأجلنا وقام ثانية، وكل ما يهم هو أن نسمع كلمة «نِعِمَّ!» وأن نُمدَحُ عند اﷲ، وأن نكون مستعدّين للتخلِّي عن كل شيء كي نفوز بالمكافأة. |
«…يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ كَبَاقِي الْكُتُبِ أيضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ.» (بطرس الثانية16:3) اعتاد الدكتور فان جوردر أن يُحدّث عن لافتة معلّقة فوق مشغل للأخشاب تقول «نقوم هنا بجميع أنواع خِراطة الخشب». لا يتقن عمّال الخشب الخِراطة فقط، لكن العديد من المؤمنين المُعلنين إيمانهم يحرّفون ويحوّلون الكتب المقدّسة لتناسب أهواءهم، وكما يقول العدد، يحرّف البعض الكتاب المقدس لهلاك أنفسهم. نحن خبراء لا بأس بنا في التبرير، فمثلاً، نقدّم أعذاراً لخطّة عدم الطاعة بأن نقدّم شرحاً مُعتمَداً أو ننسب لأعمالنا دوافع سليمة، نحاول أحياناً أن نحرِّف الكتاب المقدس ليناسب تصرّفاتنا. نقدّم أسباباً معقولة لكنها غير حقيقية لسلوكنا أو لمواقفنا. إليك بعض الأمثلة: يَعرِف رجل الأعمال المؤمن أنه من الخطأ أن يقاضي مؤمناً آخر في محكمة مدنيّة (كورنثوس الأولى6: 1-8). وعندما يُواجَه بهذا يقول، «أجل، لقد كان مخطئاً على وجه التحديد ولا يريده الرَّب أن يفلت من العقاب». تخطِّط جين لكي تتزوّج من جون على الرغم من أنها تعرف أنه غير مؤمن. وعندما يذكّرها أحد المؤمنين بأن كورنثوس الثانية14:6 يردَع عن هذا، تقول، «حقاًّ، لكن الرَّب قال لي أن أتزوجّه لأتمكن من قيادته إلى المسيح». بالرغم من أن جلين وراعوث يعترفان بأنهما مؤمنان ومع ذلك يعيشان معاً دون زواج. وعندما يشير أحد أصدقاء جلين بأن ما يقوم به يُعدّ زنا وأن الزناة لا يرثون ملكوت ﷲ (كورنثوس الأولى9:6، 10)، يردّ جلين قائلاً: «هذا ما تقوله أنت، لكننا نحب بعضنا البعض حبًّا شديداً وفي نظر ﷲ نحن متزوّجان». وهذه عائلة مسيحية تعيش حياة بذخ وأبهة، وبالرغم من تحذير بولس أنه ينبغي أن نحيا حياة بسيطة، مكتفين بالطعام والكساء (تيموثاوس الأولى8:6)، يبرّرون أسلوب حياتهم بإجابة مدروسة بدقة: «لا شيء كثير على شعب ﷲ». وهنا رجل أعمال جشع، يكدِّس بطمع كلَّ ما يمكنه من الثروة، وفلسفته هي: «لا عيب في المال. إنما محبة المال هي أصل لكل الشرور». على أنه لم يخطر بباله أبداً أنه يمكن أن يكون مذنباً بمحبته للمال. يحاول الناس إيراد تفسيرٍ أفضل لخطاياهم ممّا يسمح به الكتاب المقدّس، وعندما يصمّمون على عصيان الكلمة، يجدون عُذراً أقبح من ذنب. |
"وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْمَى ذَبِيحَةً أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرّاً؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْرَجَ وَالسَّقِيمَ أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرّاً؟ قَرِّبْهُ لِوَالِيكَ أَفَيَرْضَى عَلَيْكَ أَوْ يَرْفَعُ وَجْهَكَ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.» (ملاخي8:1) ليس هنالك من خلاف حول ما يطلبه ﷲ في الذبيحة الحيوانية، فإنها يجب أن تكون بلا عيب أو شائبة، لقد توقّع من شعبه أن يقدّموا خِيار الحيوانات من قطعانهم، ذلك لأن ﷲ يريد الأفضل. لكن ماذا كان يفعل الإسرائيليون؟ كانوا يقدّمون الأعمى والأعرج والسَّقيم، لأن خيار الحيوانات تجلب سعراً مرتفعاً في السوق، أو أنه يكون مطلوباً للتربية والتكاثر وبالتالي فإن الناس قدَّموا السَّقيم من الحيوان قائلين في الواقع، «أي شيء يصلح للرَّب». وقبل أن ننظر إلى الإسرائيليين بصدمة وازدراء، علينا أن نفكِّر، نحن مؤمني القرن الواحد والعشرين، إن كنّا نقوم الآن بإمتهان ﷲ عندما نفشل في إعطائه الأفضل. نقضي حياتنا في جمع الثروة في محاولة لكسب سمعة لأنفسنا، نعيش في بيت فخم في ضواحٍ راقية متمتّعين بأفخر الأشياء، ثم نقدِّم لله نهاية حياة كادحةٍ مُرهِقة جداً، وخيرة مواهبنا تذهب لعملنا ولمهنتنا، والرَّب يحصل على ما يتبقّى من أمسيات أو نهايات الأسبوع. نربّي أولادنا لأجل العالم مشجّعين إياهم على كسب المال الكثير داعين لهم بزواج ناجح وامتلاك منزل مميّز مع كل وسائل الراحة الحديثة، لا نَعرِض عمل الرَّب أمامهم أبداً كطريقة مرغوب بها لكي يقضوا حياتهم فيها، فإن الحقل التبشيري مناسب لأولاد أناس آخرين وليس لأولادنا. ننفق أموالنا على سيارات باهظة الثمن وعلى سيارات الترفيه ومراكب شراعية ومعدات رياضية بدرجة عالية، ثم نقدّم جنيهاً تافهاً أو إثنين لعمل الرَّب، نلبس ملابس غالية الثمن ثم نغتَبِط عندما نتبرَّع بأشيائنا القديمة لمؤسسات خيرية. ما نريد أن نقوله، في الواقع، هو أن أي شيء يصلح للرَّب، وأننا نبغي الأفضل لأنفسنا، والرَّب يقول لنا «إذهب وتبرّع به للرئيس، وانظر إن كان يرضى بهديتك»، إنها إهانة للرئيس، وكذلك للرَّب، فلماذا نعامله بطريقة قد لا نجرؤ أن نعامل بها الرئيس؟ إن ﷲ يريد الأفضل ويستحق الأفضل. دعونا نعقد العزم بكل صدق لكي يحصل على أفضل ما لدينا. |
«فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ.» (متى16:10) إنَّ أحد العناصر الهامة للحكمة العملية هي اللَّباقة. ينبغي على المؤمن أن يتعلّم كيف يكون لبِقاً، وهذا يعني أنه يجب أن يطوّر إحساساً مرهفاً لكل ما يعمله أو يقوله وذلك لتفادي الإساءة ولبناء علاقات جيِّدة. إن الشخص الَّلبِق يضع نفسه في مكان الشخص الآخر ويسأل نفسه «هل يعجبني أن يُقال أو يُعمل لي هذا الأمر؟» إنه يسعى لكي يكون لبِقاً ومراعياً لشعور الغير، مهذَّباً وذا إدراك. مما يؤسف له، أنه كان للإيمان المسيحي حصَّته من الأفراد المناصرين لعدم اللَّباقة، وأحد الأمثلة التقليدية، أن حلَّاقاً مسيحياً كان يعمل في مدينة وسط البلاد، فدخل إليه يوماً أحد الزبائن طالباً حلق ذقنه، أجلسه الحلّاق وربط فوطة بيضاء حول عنقه كالعادة وأمال الكرسي إلى الخلف، وعندما نظر الزبون إلى السقف رأى الكلمات التالية، «أين ستقضي أبديّتك؟» وضع الحلّاق الصابون على وجهه، ثم أخذ يشحذ موسَى الحلاقة على حزام الجلد وبدأ يقدِّم شهادته سائلاً إياه «هل أنت مستعد لِلِقاء إلهك؟» إندفع الزبون هارباً من على الكرسي ومن الفوطة ومن كل شيء ولم يُسمع عنه منذ ذلك الحين. ثم هناك الطالب المتحمَّس الذي خرج في إحدى الليالي ليقوم ببعض الكرازة الشخصية، فبينما كان يسير في شارع معتم رأى صبيَّةٌ تسير أمامه في الظلال، ولما حاول اللِّحاق بها أخذت تركض، ومن شدَّة تلهُّفه راحَ يركض هو أيضاً خلفها، وعندما ضاعفت من خَطوِها قام هو بالمثِل، إلى أن وصلت أخيراً إلى باحة منزل وهي مصدومة ثمَّ أخذت تتحسّس حقيبتها مفتشةً عن مفاتيحها، وعندما وصل هو إلى الباحة خلفها، كانت متشنجة ولم تستطع الصراخ من خوفها، عندها وبابتسامة قدّم لها منشوراً ثم غادر المكان، وكان سعيداً لأنه بشَّرَ خاطئاً آخر برسالة الإنجيل. تقتضي عيادة المرضى لباقة عظيمة، فإنه لا يليق بك أن تقول للمريض «تبدو مريضاً حقاًّ» أو «أعرف شخصاً بنفس المرض، وقد فارق الحياة»، من عساه يرغب في تعزية كهذه؟ ينبغي أيضاً أن نكون لبِقين حين نزور المكلومين، فيجب ألاّ نكون مثل ذلك الشخص الذي قال لأرملة سياسي قد اغتيل «لماذا كان يجب أن يحدث هذا هنا؟» ليبارك ﷲ خيار القديسين أولئك الذين يعرفون كيف يتكلّمون برقَّة وبكلام مناسب، وليت ﷲ يعلِّم الباقين منّا كيف يكونوا لَبِقين بدل أن يكونوا مرتبكين. |
«أَنَا أَعْرِفُ…َضَِيْقَتَكَ، وَفَقْرَكَ.» (رؤيا9:2) قال الرَّب يسوع في رسائله لكنائس آسيا سبع مرّات، «أَنَا أَعْرِفُ» وعادة ما تستخدم هذه العبارة بمعنى إيجابي «أنا عارف أعمالك… تعبك… صبرك… ضيقتك… فقرك…إيمانك… وخدمتك». ففي هذه الكلمات «أنا أعرف» عزاء كبير وتعاطُف وتشجيع لشعب ﷲ. يشير ليهمان شتراوس، إلى أنه عندما قال يسوع «أنا أعرِف»، فإنه لم يستخدم الكلمة «eksonig» التي تعني في كثير من الأحيان المعرفة التي تتحقق تدريجياً، فلقد استعمل كلمة «adio» والتي تعني كمال المعرفة، أو معرفة كاملة ليس فقط بالملاحظة بل بالخبرة. وبما أن القديسين المتألمّين غير معروفين للعالم ومكروهين منه، إلّا أنهم معروفون للرَّب ومحبوبون منه. إن المسيح يعرف عن الإضطهاد الذي يلقاه أتباعه وعن فقرهم، ويعرف كيف ينظر العالم إليهم، فلقد تقوّى كثير من القدّيسين المُتعَبين والمتضايقين وتشجّعوا من هاتين الكلمتين «أنا أعرف»، وهاتان الكلمتان اللتان نطق بهما مخلّصنا تلمسان ضيقاتنا بابتسامة من ﷲ، وتجعل آلام العالم لا تُقارَن بالمجد الذي سيُستَعلَن فينا (رومية18:8). إنها كلمات تعاطُف، فإنَّ رئيس كهنتنا العظيم يعرف ما نمرّ به من الضيقات لأنه قد مرّ بها بنفسه، فهو رَجُل الأوجاع ومختبِر الحَزَن. لقد تألم وجُرِّب. إنها كلمات مُشارَكة، وكرأس الجسد، فهو يشارك في تجارب وضيقات الأعضاء، «مع كل إنقباضة تمزق القلب يكون لرجل الأحزان نصيب»، ثم هو لا يعرف ما نمرّ به فكرياً فقط، بل يعرفه كإختبار حاضرٍ لأنه يشعر به. إنها كلمات وعد بالمساعدة، كمُعزٍّ لنا، فهو يسير بجانبنا ليحمل أحمالنا ويمسح دموعنا الساقطة، وهو هناك ليُضمِّدَ جراحنا وليَطرد أعداءنا. وأخيراً، إنها كلمات لمكافأة مضمونة. فهو يعرف عن كل عمل وتألُّم نمرُّ به لأننا متحدون معه، وهو يحافظ على سِجل دقيق لكل عمل محبة وطاعة وصبر، وسيأتي اليوم الذي يكافئنا فيه سريعاً. فإذا كنتَ تمرّ الآن في وادي حزن أو ألم فاسمع المخلّص يقول لك، «أَنَا أَعْرِفْ» فأنت لست وحدك إني معك في الوادي وسأعبر بك بأمان وأقودك إلى وجهتك المنشودة. |
"اُنْظُرُوا أنْ لاَ يَكُونَ أحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ.» (كولوسي8:2) نحصل من كلمة «spillihp» «فكرية» على كلمة «فلسفة»، التي تعني أساساً حب المعرفة، ولكن منذ ذلك الحين اكتسبت معنى آخر ألا وهو البحث عن الحقيقة والهدف من الحياة. إنَّ معظم فلسفات البشرية يُعبَّر عنها بلغة معقّدة ومتعالية فوق مستوى الإنسان العادي، وهي مرغوب فيها عند الذين يؤثرون إستخدام سلطتهم الفكرية بتغليف الأفكار البشرية بكلمات يصعب فهمها. وصريح القول، أنَّ الفلسفات البشرية غير ملائمة، ويتحدَّث فيليبس عنها على أنها «هُراء فكري رنَّان» وهي تقوم على أفكار الإنسان عن طبيعة الأشياء وتجاهل المسيح. وقد نُقل عن الفيلسوف المشهور بيرتراند راسل، قوله في أواخر حياته، «لقد ثبت لي إخفاق الفلسفة». إن المؤمن الحكيم لا يُؤخذ بالهُراء الرنَّان الصادر عن «الفكر الحديث». إنه يرفض الركوع عند نُصُب الحكمة البشرية، وبدلاً من ذلك فهو يدرك أن كل كنوز الحكمة والمعرفة مجتمعة في المسيح، إنه يمتحن كل فلسفات البشرية بكلمة اﷲ ويرفض كل ما يتعارض مع الكتاب المقدّس. لا يهزَّ المؤمن أن يَبرُز الفلاسفة بعناوين الصحف بلون جديد من الهجوم على الإيمان المسيحي، لأن عنده نضوجاً في الرأي لكي يدرك أنه لا يمكنه أن يتوقّع منهم ما هو أفضل. فهو لا يشعُر بالنقص لعدم استطاعته التحدّث مع الفلاسفة بكلمات ومقاطع رنَّانة أو متابعتهم في التفكير الذي يعنيهم، بل إنه يشك في مقدرتهم على التعبير عن رسالتهم ببساطة، ويفرح بأنه حتى بعض خائفي ﷲ الجهلاء يمكنهم إستيعاب الإنجيل. إنه يكتشف في الفلسفات الحديثة غواية الأفعى، «…تكونان مثل ﷲ» (تكوين5:3). يميل الإنسان إلى تمجيد فكره بحيث يعلو فوق فكر ﷲ. لكن المؤمن الحكيم يرفض كذب الشيطان، طارحاً التفكير البشري «وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اﷲ» (كورنثوس الثانية5:10). |
«لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.» (فيلبي10:2، 11) يا له من منظر! كل رُكبة في الكون ستجثو لإِسم يسوع القدُّوس، وكل لسان سيعترف بأن المسيح هو الرَّب! لقد قضى ﷲ بذلك وسيتم بالتأكيد. إنه ليس خلاصاً كَونياً شاملاً، وبولس لا يقترح هُنا أن جميع المخلوقات سوف تتّخذ المسيح ربّاً حياًّ ومحبوباً في نهاية المطاف، بل إنه يقول أن الذين يرفضون الإعتراف به في هذه الحياة سيضطرون لذلك في الحياة القادمة، فإن كل مخلوق سيعترف في النهاية بربوبية يسوع المسيح، وسيكون خضوعاً كونياً شاملاً. لقد قال جون ستوت في إحدى عظاته بعنوان «يسوع ربّ» ما يلي: «خلال حفل تتويج جلالة الملكة في كاتدرائية ويست مِنِستر، كانت أكثر اللحظات إثارة عندما كان التاج على وشك أن يوضع على رأسها وعندما نادى رئيس أساقفة كانتربري، المواطن الأول في البلاد أربع مرّات باتّجاه كل نقطة في البوصلة في الكاتدرائية، شمالاً، جنوباً، شرقاً وغرباً، أيها السّادة، أقدّم لكم الملكة المُعْتمدة على هذه المملكة، فهل أنتم مستعدّون لمُبايَعتِها؟ إنه لن يوضع التاج على رأس الملكة حتى يتم سماع صُداح الموافقة الهادر في صحن الكنيسة أربع مرّات». ثم يضيف جون ستوت، «وأنا أقول لكم هذا المساء، أيها السيّدات والسادة، إني أقدّم لكم يسوع المسيح ملكاً ورباًّ لكم لا جدال حوله، فهل أنتم مستعدّون لمُبايَعتِه؟» ذلك السؤال المُلحّ ظلَّ يرنُّ على مدى قرون، هتافاً إيجابياً عظيماً يرتفع «يسوع المسيح هو ربُّنا»، ولكن من ناحية أخرى يصدر جواب التحدي من آخرين «لا نريد هذا الإنسان أن يملك علينا». هذه القبضة القابضة ستضطر يوماً ما أن تنفتح والرُّكب التي رفضت الإنحناء ستجثو لذاك الذي إسمه فوق كل إسم. إن المأساة هي أن ذلك سيأتي متأخراً إذ يكون يوم نعمة ﷲ قد وَلّى، وفُرصة الإيمان بمخلّص الخطاة قد ولَّت أيضاً، وذاك الذي رُفِضَت ربوبيّتُه سيصبح في ذلك الحين ديَّاناً جالساً على العرش الأبيض العظيم. فإذا لم يكن هو ربُكَ حتى هذا اليوم فاعترِف به رباًّ ومخلّصاً، وكن مستعداً لمُبايَعتِه. |
«إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ…» (كورنثوس الأولى1:13) بعد أن أدَّت مغنية شابة بصوت سوبرانو (صوت الغناء الأعلى عند النساء) دوراً على مسرح الأوبرا لأوّل مرّة، كتب عنها أحد النقّاد قائلاً: «إنَّ أداءها الرائع كان من الممكن أن يكون أفضل لو أنها قد أحبّت ذات يوم»، لقد اكتشف غياب الحب، وكان غناؤُها على ما يبدو سليماً من الناحية الفنيَّة لكنه كان يفتقر إلى الدِّفء. نحن أيضاً يمكن أن نحيا الحياة ونقوم بكل شيء بحسب القواعد، ويمكن أن نكون صادقين ويمكن الإعتماد علينا، أبراراً وكرماء وذوي طاقة ومتّضعين، ومع ذلك فكل هذه الفضائل لا يمكنها التعويض عن نقص المحبة. إنَّ الكثيرين منا يجدون صعوبة في معرفة كيفيّة إعطاء الحب وتلقِّيه. لقد قرأت منذ وقت قريب عن أحد المشاهير «الذي يمكنه أن يفعل كل شيء ما عدا التعبير عما يشعر به نحو الناس الذين يُحبِّهم». كتبَ جون وايت في كتابه «الناس في الصلوات» قائلاً: «لسنين عديدة كنت أخشى من أن أُحَبُّ، أنا لم أمانع في مَنح محبّتي (أو ما كنت أعتقد أنه محبَّة)، لكنني كنت أشعر بضيقٍ إذا ما أظهَر لي أي رجلٍ أو إمرأة أو ولد الكثير من المحبة، فإننا لم نتعلّم أبداً في عائلتنا كيف نتعامل مع المحبة، لم نكن خبراء في إظهارها للغير أو قبولها منهم. أنا لا أقصد أننّا لم نحب بعضُنا البعض أو أننا لم نجد طرقاً للتعبير عن المحبة، لكن كنّا بريطانيّين للغاية. وعندما كنت في التاسعة عشرة من عمري وعزمت على مغادرة البيت لألتحق في الجيش، قام أبي بعمل شيء غير مسبوق، فقد طوَّقني بذراعيه وقبَّلني، فذهِلتُ إذ لم أعرف ماذا أقول أو ماذا أفعل، فقد كان الأمر بالنسبة لي مُحرِجاً في حين كان أمراً محزناً جداًّ لأبي». وذات يوم رأى وايت رؤيا بأن المسيح واقف أمامه مع يدين تظهر فيهما آثار المسامير كانتا ممدودتين نحوه. في البداية بدا عاجزاً عن قبول محبة المسيح تجاهه، ثم صلّى، «آه يا ربّ، أريد أن أمسك بيديك، لكنني لا أستطيع». «في الهدوء الذي أعقبَ ذلك جاءني التأكيد بأن جدار الدفاع الذي أقمته حولي بدأ بالتفكُّك تدريجياً وبأنني قد أتعلّم ما معنى أن أسمح لمحبة المسيح أن تَلُفَّني وتملأني». فإن كناّ قد أقمنا جدران دفاع حول أنفسنا تعيق تدفُّق المحبة مِنّا وإلينا، فيجب علينا أن نترك للرَّب يسوع أن يُفكِّك هذه الجدران وأن ينقذنا من الخوف الذي يجعلنا مسيحيين فاترين. |
«طَرِيقُ الْغَادِرِينَ فَأَوْعَرُ» (أمثال15:13). إن كانت هناك حاجة إلى دليل على أن طريق الغادرين أَوعَر، فما علينا إلّا أن نختار صحيفة يومية على نحو عشوائي، وسوف نجد الكثير من الأمثلة. لقد قمت بمثل هذه التجربة بالذات وإليك بعض النتائج: إنَّ مجرم حرب نازِيّ كان قد نجا من الكشف عنه والقبض عليه في أمريكا الجنوبية لمدة 35 عاماً قد انتحر، فإن خوفه من المحاكمة ومن حكم إعدام مُحتمل جعل إستمرار حياته أمراً غير محتمل. إختَطف ثلاثة رجالٍ رجلاً في الرابعة والسبعين من عمره تحت تهديد السلاح وطالبوا إبنه بفدية قدرها 90،000 دولار، كان المعروف عن إبنه أنه تاجر مخدِّرات، وهارب من الشرطة ومن عملاء الحكومة لمكافحة المخدِّرات. طُرد عضوٌ في مجلس النواب الأمريكي من المجلِس لقبوله رشوة في مقابل وعدٍ بمنح إمتياز سياسي، ويبدو أن طرده من المجلس سيكون نهائياً. إنَّ الثوار الأفغان يواصلون مقاومة القوّات الروسية، إذ أنَّ ما نشرته الصحيفة لا يذكر حقيقة أن حكومة أفغانستان قد جرفت في السابق مبنى الكنيسة المسيحية الوحيد في البلاد، أيمكن أن يكون الغزو الروسي العقاب الإلهي؟ أعلَن نقيبُ شرطة كذِباً أنَّ سيارته قد سُرقت، وأَمِلَ في أن يحصل على تعويض عنها، وقد كان يُعتبر ضابطاً مُتمَيِّزاً وكان من المتوقَّع أن يُرقَّى إلى منصب رئيس الشرطة يوماً ما، أما الآن فقد استُبعِدَ من الخدمة ويَنتظر التحقيق الجنائي. نحن أحياناً مثل ما قال صاحب المزامير، نميل إلى حَسَد الأشرار، لأنه يبدو أن العالم مثل جوهرة في أيديهم وكل شيء يعمل لصالحهم، لكننا ننسى بأنهم يَجْنونَ حصاداً أكيداً من عار الشعور بالذنب والخوف من الفضيحة، وغالباً ما يصبحون ضحايا للإبتزاز. إنهم يخشون على حياتهم وحياة أفراد أسرهم مما يتعيَّن عليهم تركيب أنظمة الحماية المُكلِفة، وهم يواجهون إحتمال المقاضاة والإعتقال وفرض غرامات باهظة أو السجن، وتصبح الحياة كابوساً بدلاً من حلم كما كانوا يتمنّون. إنَّ أحد الرجال الذين تعلموا الدرس جيداً، قال للواعظ سام جونز بإقتِناع عميق، أعرف عدداً واحداً في الكتاب المقدس وأعرف أنه صادق، «طَرِيقُ الْغَادِرِينَ فَأَوْعَرُ»، لقد ثبت له بأن الخطيئة المُدمَجة بالعواقب لا مفرَّ منها وغير سارّة البتَّة. |
«فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ» (متى74:26). كان أحد الأساقفة يتجّول في حديقته في أحد الأيام، وكان يُعمِل فكره بنشاطات الأسبوع الماضي، وعندما لمَع في ذاكرته حادثاً محرجاً جداً، أطلق سيلاً من الشتائم المريرة. وإيجازاً للموقف، كان أحد أفراد رعيّته يسير على الجهة الأخرى من جدار الحديقة المرتفع، سمع اللغة غير الكهنوتية ولَهَثَ غير مصدِّق. كانت تلك حالة تدنيس خاصة، وتجربة تسحق قلب العديد من أولاد ﷲ الجِديّين. يتأوه المئات تحت القهر من هذه العادة البشعة، مدركين كم هي مهينة للرَّب وكم هي مُدنِّسة لحياة الشخص، ومع هذا فإنَّ كل جهودهم للتخلّص منها تثبت عُقمَها. إنَّ هذه العبارات غير المرغوب فيها عادة ما تندفع عندما يكون الشخص وحيداً (أو يظنَّ ذلك) وعندما يكون متوتّر الأعصاب، فتكون أحياناً تعبيراً مسموعاً عن الغضب المكبوت، وفي أحيان أخرى تعطي متنفساً لمشاعر الإحباط، أما في حالة الأسقف فقد كان ذلك ردَّ فعله الطبيعي للخجل الذي سَبَّب له إحراجاً. إنَّ الأسوأ من عذاب الشتم الشخصي هو الخوف من أن تخرج العبارات ذات يوم علناً على الملأ، أو عندما نكون نائمين، أو نكون تحت تأثير المُخدِّر في المستشفى. إن هذه العادة القديمة قد عادت لبطرس ليلة محاكمة المخلّص، عندما أُشير إليه على أنه من رفقاء يسوع الجليلي، فلقد أنكر الإتهام وصار يلعن ويحلف (متى74:26)، لم يكن ليفعل ذلك لو كان في حالة من الإسترخاء لكنه الآن في خطر وتهديد شديدين، فخرجت العبارات بكل سهولة كما كان يفعل قبل تجديده. على الرغم من حُسن نوايانا وتصميمنا الجِدِّي فإن الكلمات تخرج قبل أن تتحيَّن لنا فرصة للتفكير، فنسقط فيها على حين غرَّة. هل يجب أن نيأس من التغلُّب على «جوليات» كهذا في حياتنا؟ كلّا، هناك وعدٌ بالإنتصار عليه وعلى كل تجربة أخرى (كورنثوس الأولى13:10). أوّلاً، علينا أن نعترف ونترك الخطيئة في كل مّرة نسقط فيها، ثمَّ يجب علينا أن نصرخ إلى ﷲ ليضع حارساً لشفاهنا، يجب أن نطلب قوة لكي نواجه ظروف الحياة غير المواتية بإتزان وهدوء، وأحياناً فإن الإقرار بالخطأ ضد بعض المؤمنين الآخرين قد يساعدنا على كسر العادة القوية. أخيراً، يجب أن نتذكّر دائماً بأنه في حين لا يسمعُنا أحد هنا على الأرض، فإن أبانا الذي في السماء يسمع. وإذ نتذكَّر كم هذا مزعجٌ لدى ﷲ فإنه يكون رادعاً قوياً لنا. |
«كُونُوا شَاكِرِينَ» (كولوسي15:3). إنَّ القلبُ الشاكر يُضفي بريقاً على كل ما في الحياة. بعد إنتهاء تناول العشاء قال أحد الأولاد، «لقد كانت هذه وجبة جيدة يا أمي»، فخلقت هذه الملاحظة إحساساً جديداً بالدفء في بيت إتَّسم بالسعادة. كثيراً ما نفشل في التعبير عن شُكرنا. لقد شفى الرَّب يسوع عشرة بُرُص، لكن واحداً فقط عاد ليقدّم الشُكر، وكان هذا سامرياًّ (لوقا17:17). نتعلّم من هذا الحادث درسَين، هما أن الشكر نادرٌ في عالم الإنسان الساقط، ثم عندما يظهر، يأتي دائماً من المصدر الذي قلّما نتوقّعه. من السهل علينا أن نشعر بالحزن عندما نُظهِر العطف على الآخرين ولا يكون لديهم حتى بعض المجاملة ليقولوا «شكراً»، وعلى نفس المنوال فإننا يجب أن ندرك كيف يشعر الآخرون عندما نفشل في التعبير عن إمتناننا لأفضالٍ نتقبلها منهم. عند فحص سريع للكتاب المقدس يتكشَّفُ لنا ما يتخلله من النصائح والأمثلة لتقديم الشكر لله، وعندنا الكثير من الأمور التي يجب أن نكون شاكرين ﷲ لأجلها، ولا يمكننا تعدادها، ذلك أنَّ حياتنا يجب أن تكون مزمور حمدٍ للرَّب. من أجل آلاف وعشرات آلاف العطايا الثمينة أُوظِّف شكري اليومي، ليس بأقل من قلبٍ فرح بمذاق هذه العطايا. يجب أن نُنمِّي فينا عادةً نتعلَّم منها كيف نعبِّر عن الشكر لبعضنا البعض أيضاً، كمصافحة دافئة أو مكالمة هاتفية أو رسالة. ترى أي تشجيع يجلبه كل هذا؟ تسلّم طبيب متقدّم في السن رسالة شكر مع دفعة من المال من أحد مرضاه، فاحتفظ بتلك البطاقة بين ممتلكاته الثمينة، لقد كانت الأولى التي تسلّمها خلال حياته. ينبغي أن نكون سريعين في التعبير عن شكرنا للهدايا والضيافة، ولأجل سفرةٍ مجانية أو إستعارة بعض الأدوات والآلات، أو للمساعدة في مشروع نقوم به، ولأجل كل شكل من أشكال الّلطف والخدمة التي أُظهِرت لنا. إن المشكلة هي أننا كثيراً ما نأخذ هذه الأفضال كأمرٍ مفروغٍ منه، أو أننا لا ننضبط في الجلوس لخط رسالة شكر. في هذه الحالة يجب أن نعمل على تطوير عادة الشكر وتطوير الوعي لكل ما لدينا وما يجب أن نشكر من أجله، ثم تدريب أنفسنا للتعبير عن الشكر على هذه الأشياء على الفور. فالسرعة في التعبير تضاعف الشكران. |
«بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ» (أمثال18:26). إنَّ القسم الأول من عدد اليوم: «بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ»، عادة ما يُفهم لكي يعني بأن يكون للناس أهدافٌ يعملون على تحقيقها، ويجب أن يكون في أذهانهم برنامج محدّد وكذلك الخطوات المؤدية له مع تَصوُّر واضح للنتائج المرجوَّة. لكن كلمة «رُؤْيَا» هنا تعني «إعلان من ﷲ» وكلمة «يَجْمَحُ» تعني «يطرح الإنضباط»، لذا فإن الفكرة هي أنه حيث لا تُعرف أو تُحترم كلمة ﷲ ينحرف الشعب. والنقيض موجود في القسم الثاني من العدد: «أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ». وبعبارة أخرى، فإن الطريق المباركة توجد في إطاعة إرادة ﷲ كما نجدها في كلمته. دعونا نفكِّر بالقسم الأول من العدد، حيث يتخلّى الناس عن معرفة ﷲ ويصبحون غير منضبطين في سلوكهم، ولنفترض على سبيل المثال، أن شعباً ما يرتدّ عن ﷲ ويفسِّر كل شيء على أساس عملية النشوء والإرتقاء، ما يعني أن الإنسان هو نتيجة عملية طبيعية بحتة وليس من خلق كائن خارق للطبيعة، فإذا كان الأمر كذلك فلا يكون هناك أساس للمعايير الأخلاقية، وكل سلوكنا يكون نتيجة حتمية لعوامل طبيعية، وكما يشير إلين و لِيان عن الأخلاق الجديدة، «إذا كانت أول خليَّة حيَّة قد تطوّرت من خلال عملية طبيعية بحتة على سطح كوكب هامد، وإذا كان فكر الإنسان ناتج من عمل طبيعي وقِوى مادية كالبركان، فإنه ليس من المعقول إدانة سياسيي جنوب إفريقيا لأجل التمييز العنصري، وكذلك إدانة البركان قاذف الحِمم». إذا تمَّ رفض كلمة ﷲ، فسوف لا تكون إذاً معايير مطلقة من الخطأ والصواب، فتكون الحقائق الأخلاقية معتمدة على الأفراد أو الجماعات التي تتمسك بها، ويصبح الناس قضاة سلوكهم الخاص، وتكون فلسفتهم «إذا شعرت بالإرتياح فافعل ذلك»، على أساس أن «الجميع يفعل ذلك». هذه هي كل المبررات التي يحتاجون إليها. هكذا يتخلّص الناس من ضبط النفس، ويتخلون عن أنفسهم ليمارسوا الزنا والدعارة والشذوذ الجنسي، وتزداد الجريمة والعنف في معدلات مثيرة للقلق، وينتشر الفساد في جميع قطاع الأعمال والحكومة، ويصبح الكذب والخداع من أشكال السلوك المقبول فيتفكك نسيج المجتمع. «أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ» حتى لو أن سائر العالم كان بلا ضابط، فإنَّ المؤمن الفرد يستطيع أن يجد الحياة الطيبة بالإيمان وطاعة كلمة ﷲ. هذا هو السبيل الوحيد لنسلك فيه. |
«أَنَا آتِي سَرِيعاً» (رؤيا20:22). مع إقتراب الإنسان من نهاية العمر، فإنه من المُتوقَّع أن يتخلّى عن الرجاء في مجيء المسيح في أيّة لحظة. لكن حقيقة مجيئه لا تزال قائمة سواءً تمسّك بها أم لا. إنَّ حقيقة الأمر هي أن الرَّب يسوع قد يأتي في أي وقت، نحن لا نعرف اليوم أو الساعة لرجوع العريس لعروسه، وهذا يعني أنه يمكن أن يأتي اليوم. فليس ثمة أية نبوءة تنتظر تحقيقها قبل أن نسمع هتافه وصوت رئيس الملائكة وبوق ﷲ. صحيح أن الكنيسة تتوقّع إختبار الضيق خلال زمنها على الأرض، ولكن أهوال زمن الضيقة ليست جزءاً من مصيرها، فإذا كان على الكنيسة أن تمر في الضيقة، فإنَّ ذلك يعني أن الرَّب لا يمكن أن يأتي قبل سبع سنين على الأقل. ولأننا متأكدون بأننا لسنا في الضيقة الآن، فإنها عندما تأتي فعلاً، فستدوم سبع سنين. هنالك مجموعة كبيرة من النصوص الكتابية تُعلّمنا أن نكون مستعدّين في كل الأوقات لظهور المخلّص. لاحظ ما يلي: «أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا» (رومية11:13). «قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ» (رومية12:13). «الرَّبُّ قَرِيبٌ» (فيلبي5:4). «لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدّاً سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ» (عبرانيين37:10). «لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ» (يعقوب8:5). «هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ» (يعقوب9:5). «وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ» (بطرس الأولى7:4). يبدو أن هذه الأعداد قُصِدَ بها خلق إنطباع في الفكر بأن مجيء الرَّب بات وشيكاً، وهو الحدث الذي ينبغي لنا أن نراقبه وننتظره، وينبغي أن نكون منشغلين في الخدمة، حاملين وكالتنا بكل أمانة. قال ر. توري ذات مرّة، «عودة ربّنا الوشيكة هي حجة كتابية عظيمة لحياة خدمة نشطة، نقية وغير أنانية ومكرّسة وغير دنيوية». إنَّ مسؤوليتنا واضحة، وينبغي أن تكون أحقاؤنا مُمَنطقة، وسُرُجنا مُشتعلة، ويجب أن نكون مثل أولئك الذين ينتظرون ربّهم (أنظر لوقا35:12، 36). دعونا ألّا نَخضَع لأولئك الذين يُعلِّمون أنه ليس لدينا الحقّ في أن نتوقّعه في أية لحظة، بل دعونا نؤمن بعودته الوشيكة، نُعلِّمها بحماس، ونسمح للحقّ بأن يتألَّق في حياتنا. |
«بِنِعْمَةِ اﷲِ أَنَا مَا أَنَا» (كورنثوس الأولى10:15) إنَّ واحدة من ويلات الحياة التي نُسببها لأنفسنا هي محاولة أن نكون غير ما أُريدَ لنا أن نكون، فكل واحد منّا هو خليقة فريدة من الله. وكما قال أحدهم: «عندما صنعني أتلفَ القالب»، ولم يُراد لنا أبداً محاولة التغيير. لقد كتب ماكسويل مالتز، «أنت كشخصية لستَ في منافسة مع أية شخصية أخرى لأنه ببساطة لا يوجد هناك شخص آخر على وجه الأرض مثلك، أو من فئتك بالتحديد، أنت شخصٌ، وأنت فَريدٌ، وأنت لست مثل أي شخص آخر ولا يمكنك أبداً أن تصبح مثل أي شخص آخر، وليس من المفروض أن تكون مثل أي شخص آخر وليس من المفروض أن يكون أي شخص آخر مثلك». إن اﷲ لم يخلق شخصاً قياسياً، مُصنِّفاً إياه بطريقة ما قائلاً: «هذا ما أريد»، لكنه صنع كل إنسان فرداً فريداً كما صنع كل نُدفَة ثلج فريدة ووحيدة». كل واحد منّا هو نِتاج حكمة ومحبة اﷲ، وإذ ُصنعنا كما نحن فإنه كان يعلم بالضبط ما كان يقوم به، فإنَّ مظهرنا وذكاءنا ومواهبنا تمثّل أفضل ما لديه لأجلنا. إن أي شخص لديه المعرفة والمحبة اللّانهائية كان سيصنع نفس الشيء. أما الآن، فإن تَمَنِّيْتَ أن تكون شخصاً آخر فذلك إهانة لله، فكأنك تقول أن ﷲ قد ارتكب خطأً، أو أنه حرمك من شيء كان من الممكن أن يكون لصالحك، وأن تشتهي لو تكون مثل أي شخص آخر، فأمر غير مُجدي. هناك أمر قاطع حول كيف صنعنا ﷲ وما أعطانا إياه. من الطبيعي أنه يمكننا تقليد فضائل الآخرين، لكن ما نفكّر به هنا هو من نحن كخليقة ﷲ. إذا سِرنا في الحياة غير راضين عن تصميم ﷲ لحياتنا، فسوف نُشَلُّ بإحساسنا بالدونية، لكنها ليست مسألة الدونية، لأننا لسنا أقلُّ شأناً، فنحن أفرادٌ فريدون فحسب. إنَّ محاولة أن نكون شخصاً آخر مقضي عليها بالفشل، إنه أمر غير معقول، وكأن الإصبع الصغير يريد أن يقوم بوظيفة القلب. إنَّ هذا لم يكن تصميم ﷲ ولن ينجح ببساطة. أما الموقف الصحيح فهو أن تقول مع بولس «بِنِعْمَةِ ﷲِ أَنَا مَا أَنَا» (كورنثوس الأولى10:15). علينا أن نفرح بما نحن عليه كتصميم اﷲ المتمِّيز، ونصمِّم على استخدام ما نحن عليه وما عندنا إلى أقصى حدٍّ في سبيل مجده، ولكن هناك أشياء كثيرة لن نستطيع القيام بها، بينما هنالك أشياء أخرى نستطيع أن نعملها ولا يمكن لغيرنا القيام بها. |
«أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً» (يوحنا30:5). يقول الرَّب يسوع مرّتين في يوحنا أنه لا يقدر أن يفعل من نفسه شيئاً، وفي العدد 19يُعلِن، «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الإِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً…». ثم يقول ثانية في العدد 30، «أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً». عندما نقرأ هذه الأعداد لأول مرّة نكون عرضة للشعور بخيبة الأمل، وكأنها تقول بأن يسوع كان محدوداً في قُدرته تماماً مثلنا، ولكن إذا كان هو ﷲ كما يدَّعي أن يكون، فيجب أن يكون كلّي القُدرة، فكيف يقول إذاً أنه لا يمكنه أن يفعل من نفسه شيئاً؟ في الواقع إستخدم أعداء الإنجيل هذه الأعداد ليُظهروا بأن يسوع كان مجرَّد إنساناً مع كل القيود البشرية. لكن أُنظُر عن كثب! فربّنا لم يكن يتكلّم عن قدراته الجسديّة، بل الذي كان يُشدِّد عليه هو أنه مكرَّس لمشيئة أبيه لدرجة أنه لا يقدر أن يفعل شيئاً بمُبادرته الشخصية، لقد كان كاملاً أدبياً بحيث لم يقدر أن يتصرَّف بإرادته الذاتية ولم يُرِد شيئاً بعيداً عن إرادة ﷲ. لا يمكننا أن نقول، لا نقدر أن نعمل شيئاً من أنفسنا، وكثيراً ما نتصرّف بشكل مستقل عن الرَّب، نتّخذ قرارات دون التشاور معه، نستسلم للتجارب مع عِلمنا الكامل بأننا نخطئ ونختار إرادتنا فوق إرادته. أما الرَّب يسوع فلا يقدر أن يفعل أياً من هذا كلّه. لذا، فبدلاً من التفكير بأن يسوع المسيح كان ضعيفاً ومحدوداً، فإنَّ هذه الأعداد تثبت العكس تماماً، أي أنه كان إلهاً كاملاً، وهذا يظهر واضحاً من خلال قراءة الأعداد بكاملها بدلاً من التوقف في منتصف الطريق. إنَّ ما قاله يسوع في عدد 19 كان، «لاَ يَقْدِرُ الإِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ»، وبعبارة أخرى، لا يقدر الإبن أن يعمل مستقلاً عن الآب، لكنه يقدر أن يعمل كل ما يعمله الآب، وهذا إدعاءٌ بمساواته مع ﷲ. ثم مرة أخرى في العدد 30، قال يسوع، «أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي»، وهذا يعني أنه يتخذ قرارات فقط على أساس تعليمات يتلقاها من أبيه، وأن خضوعه الكامل لمشيئة ﷲ سيَضْمن أن هذه القرارات كانت صحيحة. يشير ج.س. باكستر إلى أنَّ هذه الفقرة تحتوي على سبع إدّعاءات مميزة عن المسيح على أنه معادلٌ لله، فهو معادلٌ في العمل (عدد19)، ومعادلٌ في المعرفة (عدد20)، ومعادلٌ في إقامة الموتى (عدد28:21، 29)، ومعادلٌ في القضاء (عدد22،27)، ومعادلٌ في الكرامة (عدد23)، ومعادلٌ في التجديد (عدد24،25)، ومعادلٌ في كيانه الذاتي (عدد26). إن مخلّصنا ليس مخلوقاً ضعيفاً بقوة محدودة لكنه كلّي القدرة، إنه ﷲ الظاهر في الجسد. |
«(2) إحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ وَهَكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ… (5) لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَحْمِلُ حِمْلَ نَفْسِهِ» (غلاطية2:6، 5). في قراءة عارضة لهذين العددين قد يقتنع الشخص بسهولة، بأنهما يطرحان تناقضاً صارخاً. فالعدد الأول يقول أننا يجب أن نحمل أثقال بعضنا البعض، والثاني أننا يجب أن نحمل أثقالنا الخاصة. إنَّ الكلمة التي تُتَرجَم بِ «أثقال» في العدد 2 تعني أي شيء يثقّّل على الشخص روحياً وجسدياً وعاطفياً، وفي سياقها المباشر تشير إلى ثقَل الذنب والكآبة التي تستحوذ على حياة الإنسان الذي أُمسِكَ في زلّة (عدد 2). فنحن نساعد أخاً كهذا عندما نطوِّقه بذراعنا بمحبة ونكسبه ثانية إلى حياة الشركة مع اﷲ ومع شعب اﷲ، لكن الأثقال تشمل أيضاً الحزن والمتاعب والتجارب والإحباطات التي تصيبنا كلنا، ونحن نحمل أثقال بعضنا حين نعزّي ونشجع ونشارك بأشيائنا المادية، ونقدِّم المشورة البنَّاءة، وهذا يعني أن نشارك في مشاكل الآخرين، حتى بتكلفة شخصية كبيرة، وعندما نفعل ذلك نتمّم ناموس المسيح الذي هو أن نحبّ بعضُنا بعضاً. إننا نُظهر محبتنا بطريقة عملية بأن نُنفِق ونُنفَق لأجل الآخرين. هذا وقد استخدمت كلمة أخرى لِ «ثقل» في عدد 5، وهي هنا تعني أي شيء يجب حمله دون أية إشارة حول ما إذا كان الحِمل ثقيلاً أو خفيفاً. إن ما يقوله بولس هنا هو أن كل واحد سوف يحمِل حِملَ نفسه من المسؤولية عند كرسي قضاء المسيح، عندئذ لن يكون السؤال حول كيف نقارن أنفسنا بالآخرين، بل سنُحاكَم على أساس سجلّنا الخاص، وسيتم توزّيع المكافآت وفقاً لذلك السِّجل. إنَّ العلاقة ما بين العددين تبدو هكذا: من يَستعيدُ شخصاً أُخِذَ في زلّة، قد يَزِلَّ هو نفسه في فخ الشعور بالتفوُّق، وبحملِه ثِقَل من أُخِذَ في زلةٍ فإنه بذلك قد يفكِّر في ذاته بأنه يقف على مستوى أعلى من الروحيات، إنه يرى نفسه أفضل بالمقارنة مع القدّيس الذي زَلَّ. ويذكِّره بولس أنه عندما يقف أمام الرَّب عليه أن يقدّم حساباً عن نفسه وعن أعماله وعن صفاته وليس عن الشخص الآخر، لأنَّ عليه أن يَحمِلَ ثقل مسؤوليّاته الخاصة. وهكذا فإنَّ هذان العددان لا يتناقضان، بل ينسجمان تمام الإنسجام. |
«فِي الصَّبَاحِ إزْرَعْ زَرْعَكَ وَفِي الْمَسَاءِ لاَ تَرْخِ يَدَكَ لأَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ أَيُّهُمَا يَنْمُو هَذَا أَوْ ذَاكَ أَوْ أَنْ يَكُونَ كِلاَهُمَا جَيِّدَيْنِ سَوَاءً» (الجامعة6:11). إن جَهْلنا بما يتعلَّق بالكيفية والزمن لإستخدام اﷲ لخدماتنا، ينبغي أن يحثّنا على إنتهاز الفرص بشكل دؤوب، فإن الرَّب في كثير من الأحيان يعمل عندما لا نتوقَّع ذلك، وهو يعمل في عدد غير محدود من الطرق الجديدة والغريبة. كان ملاّح مؤمن يخدم في قاعدة جوّية تابعة لسلاح البحرية يقف إلى جانب حظيرة الطائرات يشهد لزميل له، فسمع البشارةَ بحارٌ ثالث يقف في زاوية بعيداً عن الأنظار، فتبكَّت على خطاياه، وقبِل الرَّب بشكل جِديّ، لكن الزميل الذي وُجِهت إليه البشارة لم يستجِب. وبينما كان واعظ يتفحّص أجهزة الصوت في القاعة الجديدة، صرخ بكلمات يوحنا29:1 «هُوَذَا حَمَلُ اﷲ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» وعلى ما يبدو لم يكن هناك أي شخص يَستمع، ومرة ثانية صرخ مردِّداً كلمات يوحنا المعمدان الأزلية: «هُوَذَا حَمَلُ اﷲ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!». كان الطابق الرئيسي فارغاً لكن عاملاً كان واقفاً على الشرفة في الطابق الأول صُعِق بهذه الرسالة فتوجّه إلى حمل ﷲ يطلب الغفران والحياة الجديدة. كان معلّم أمريكي للكتاب المقدس يتكلّم إلى سائح أمريكي في محطة القطار في باريس (كان كلاهما من نفس المدينة ومن نفس الحي)، بدا الشاب منزعجاً من مواجهته فقال: «أتظن أنك ستخلِّصني في محطة قطار في باريس؟»، أجابه معلّم الكتاب، «لا، لا أستطيع أن أخلّصك لكن لا شيء يحدث بالصدفة في الحياة، ولم يكن لقاؤنا هنا من قبيل الصدفة، وأعتقد أن ﷲ يتحدث إليك ومن الأفضل أن تُصغي». في الأيام التي تلَت ذلك، أركَبَ مؤمن شاب هذا السائح معه إلى فيَنَّا وقدّم له شهادته بينما كانا على الطريق. وبعد عودته إلى الولايات المتّحدة دعاه ذلك الشاب المؤمن نفسه لزيارة مزرعته في ولاية كولورادو، في آخر يوم له في المزرعة، كان الشاب الضيف يقف وحيداً في حوض السباحة، وسرعان ما انضَمّ إليه في الماء ضيف آخر وكلّمه بهدوء عن الرَّب، وكان فرحه عظيماً حين قاده للمُخلّص. وبعد سنوات عديدة، أتى في نهاية أحد الإجتماعات من عرَّفَ معلّم الكتاب المقدس إلى تلميذٌ شاب، بدا الإسم مألوفاً نوعاً ما، لكن عندها تذكَّر أن ذلك الشاب كان السائح الذي تكلّم معه في محطة القطار في باريس. إن المغزى من كل ذلك بطبيعة الحال هو أن علينا أن نكون دؤوبين من أجل المسيح في الصباح وفي المساء، في وقت مناسب وغير مناسب لأننا لا نعلم أية ضربة ستحطِّم الصخر أو أية كلمة ستكون سبباً في نوال الحياة. |
«إِنْ سَمِعْتَ قَوْلاً… وَفَحَصْتَ وَفَتَّشْتَ وَسَأَلتَ جَيِّداً وَإِذَا الأَمْرُ صَحِيحٌ وَأَكِيدٌ…». (تثنية12:13، 14). إذا راجت شائعة بأن سكّان مدينة في إسرائيل قد تركوا الرَّب ليعبدوا الأوثان، فإنه لا بدَّ من إجراء تحقيق مكثَّف قبل أن يُتَّخذ أي إجراء عقابي. يجب ألاّ نكون أقل حذراً عندما نسمع شائعات نميمة، لكن ينبغي تطبيق الإختبارات الستَّة: هل هي هرطقة؟ هل استفسرتَ؟ هل قمتَ بالبحث؟ هل سألتَ بإجتهاد؟ هل هذا صحيح؟ هل هو أكيد؟ في الواقع، ستكون فكرة جيّدة إذا اتبعنا نفس الدقة والحيطة قبل أن ننقل أخباراً مثيرة من التي تظهر في الأوساط الدينية من وقت لآخر. إسمحوا لي أن أقدّم بعض التوضيحات: لقد شاعت منذ عدة سنوات قصة بأن حجارة لبناء هيكلٍ في أورشليم قد جُمعَت في مخازن ميناء في نيويورك، وجُهِّزت للشحن إلى إسرائيل عندما يحين الوقت المناسب، وأُفيد بأن الحجارة تلك أُخذت من الصخر الجيري من ولاية إنديانا. عمَّم المسيحيون الخبر بحماس حتى تم دَحض مصداقية الخبر عندما عُلمَ أنه لا أساس من الصحة لهذا التقرير. وفي وقت آخر، إنتشرت قصة أن العلماء غَذّوا بيانات شاملة بشأن التاريخ الزمني للبشرية في جهاز الحاسوب، وأكدت نتائج السرد الكتابي صحة اليوم الطويل المذكور في سفر يشوع. وبتلهّفم لسماع أية أخبار لتأكيد صحة الكتاب نشر المؤمنون هذه القصة في المجلاّت وبالكلمة المتداولة، ثم تنفجر الفُقاعة فيثبُت أنه لا أساس من الصحة للقصة. قبل بضع سنوات استُخدم حساب الرياضيات للإشارة إلى أن شخصية عامة غير شعبية قد تكون شخصية ضد المسيح (المسيح الكذاب)، والعملية الحسابية تعمل على هذا النحو: يتم تعيين القيمة العددية لكل حرف من حروف إسم هذه الشخصية، وبعد إتّباع سلسلة من عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة يأتينا الرقم 666، وبالطبع فإنها لا تبرهن على أي شيء بتاتاً، إذ يمكن برمجة الحاسوب ليعطي نتيجة 666 لكل إسم تقريباً. بين يدي نبذة تقول أن تشارلز داروين في الأيام الأخيرة من حياته، تنصَّل من نظرية التطوُّر وعاد إلى إيمانه بالكتاب المقدس. قد يكون هذا صحيحاً، وبودّي أن أصدِّق لو أن هذا صحيح، ربما أجد يوماً ما أنه كان كذلك، لكن حالياً ليس لدي وثائق عن القصة، وأنا لا أجرؤ على تعميمها حتى أحصل على الدليل. سوف نوفّر على أنفسنا الكثير من الإحراج ونحفظ الإيمان المسيحي من فقدان مصداقيته إذا ما طبّقنا الإختبارات الستة في عدد اليوم: هل هي هرطقة؟ هل استفسرت؟ هل قمت بالبحث؟ هل سألت بإجتهاد؟ هل هذا صحيح؟ هل هو أكيد؟ |
««مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ» (أفسس19:5). إن الترنيم هنا يرتبط بالإمتلاء بالروح، كما لو أنه نتيجة أكيدة للإمتلاء، ولعلّ هذا هو السبب بأن جميع إنتعاشات التاريخ العظيمة تقريباً كانت مصحوبة بالترنيم، والإنتعاش في ويلز-بريطانيا، هو مثال بارز. لا يوجد شعب عنده الكثير من الترنيم مثل المسيحيين، ولا يوجد لدى أي شعب آخر مثل هذا الإرث من المزامير والتسابيح والأغاني الروحية، فإنَّ ترانيمَنا تُعبِّر بلغة فخيمة عمّا نُحسُّ به عادة عندما لا يمكننا الإعراب عنه، فبعض الترانيم تعبِّر عن أفكار قد تكون أبعَد من إختباراتنا الشخصية، وترانيم تُعبِّر عن التكريس الكامل مثل «كل ما لي وحياتي مُلك فاديَّ يسوع»، في هذه الحالات يمكننا أن نرنّم هذه الترانيم كمَطمَح قلوبنا. إنَّ ما يهمُّ في الأغاني الروحية ليس الإيقاع أو اللحن أو التناسُق، بل الرسالة التي تصدُر من القلب وترتفع إلى الله بقوة الروح القدس، وقد عبَّرت ماري بولي تعبيراً حسناً عن هذا الحقّ في السطور التالية: «نعرف يا رَبّ أنه لا يَهُمُّ كم جميلة هي الأغنية إنه القلب وفكر الروح من يرفع اللحن إليك». إنَّ الروح يستطيع أن يستخدم الترنيم تماماً كما يستخدم الكرازة بالكلمة. لقد سمعت والدة جانان جينيس فلاّحاً يرنّم بينما كان يحرث حقله، وقرّرت ألا تُقْدِم على الإنتحار غرقاً في النهر. وقال الدكتور جينيس لاحقاً: «كل ما فيَّ لأجل الله، أنا مَدينٌ به لحرّاث مسيحي متواضع رَنَّم تسابيح للرَّب بينما كان يقوم بعمله المتواضع». أولئك المحترفين خدمة الموسيقى المسيحية عليهم أن يأخذوا حَذرهم من خَطرَين أوّلهما، خطر زحف الذات إلى الموسيقى كما يحصل في باقي الخدمات العامة، خاصة وأنه من السهل الشروع في ركوب الأنا حيث تكمن التجربة دائماً في محاولة للتأثير على الناس بالموهبة الفردية بدلاً من الترنيم لمجد الله ولبركة شعبه. ثانيهما، خطر الترفيه بدلاً من البُنيان، فمن الممكن جداً ترنيم الكلمات بموهبة موسيقية عظيمة ومع ذلك لا يتم توصيل الرسالة لقلوب السامعين، كما ومن الممكن إثارة الناس عاطفياً بالترانيم السطحية الطائشة والتي لا تليق أبداً بالرَّب الذي نحبّه. لدى الثقافات المختلفة ذوق مختلف للموسيقى، لكن في جميع هذه الثقافات ينبغي أن تكون الترانيم سليمة عقائدياً مُكتسية وقاراً، وبنّاءة روحياً. |
«يُبَشِّرُ الآنَ بِالإِيمَانِ الَّذِي كَانَ قَبْلاً يُتْلِفُهُ» (غلاطية23:1). بعد أن تجدد شاول الطرسوسي، سمعت كنائس اليهودية أن زعيم مضطهدي الإيمان المسيحي أصبح كارزاً غيوراً ومدافعاً عن الإيمان، وكان لذاك التغيير إنعكاساً عظيماً في الآونة الأخيرة، حيث وقعت حوادث مذهلة عندما قام بعض الرجال بتحوّل مُماثل. قرَّر اللورد ليتلتون وجلبرت ويست معاً تقويض إيمان هؤلاء الذين يدافعون عن الكتاب المقدس، فاتفقا على أن يقوم ليتلتون بدحض سجلات تجديد شاول، بينما يثبت ويست بشكل قاطع أن قيامة المسيح كانت خرافة. كان عليهما أن يعترفا بأن معلوماتهما عن الكتاب المقدس كانت ضعيفة، لكنّهما قررّا «إذا أردنا أن نكون صادقين ينبغي على الأقل أن ندرس البراهين»، وغالباً ما تداولا خلال بحثهما في الموضوع الذي بين أيديهما. وفي إحدى هذه اللقاءات فتح ليتلتون قلبه لصديقه واعترف بأنه بدأ يشعر بأن هناك بعض الحقيقة في القصة، أجابه الرجل الآخر أنه هو أيضاً قد خُضَّ قليلاً بنتائج بحثه. أخيراً، وعندما أنهيا كتابهما، إلتقيا معاً واكتشفا أن كل واحد منهما بدل أن يكتب «ضدّ»، كان قد أنتج كتاباً في صالح الموضوع الذي قصد السخرية منه، واتّفقا أيضاً أنه بعد الغوص في جميع البراهين كخبيرين في القانون، لا يستطيعا القيام بأي شيء آخر سوى قبول ما دوّنه الكتاب المقدس فيما يختص بتلك المواضيع»، (فريدريك وود). كان كتاب ليتلتون بعنوان «تجديد القدّيس بولس». وكان كتاب ويست بعنوان «قيامة يسوع المسيح». طلب الملحد روبرت إنجرسول من لو والاس (أحد اللاأدريين) أن يؤلّف كتاباً يبيّن فيه «أكذوبة» السجل المختص بيسوع المسيح. أمضى والاس سنين طويلة في البحث في الموضوع، مسبّباً الحزن الشديد لزوجته المؤمنة بعقيدة المنهجيين، ثم بدأ بالكتابة، وبعد أن أنهى ما يقرُب من أربعة فصول، أدرك أن السجلاّت المتعلّقة بالمسيح كانت حقيقية، سقط على ركبته تائباً مؤمناً بالمسيح رباًّ ومخلِّصاً ثم قام بتأليف كتاب «بن حور» مقدّماً المسيح كإبن الله القدّوس. أراد فرانك موريسون أن يكتب قصة عن المسيح، لكن بما أنه لم يؤمن بالمعجزات، قرّر أن يحدّد نفسه بالسبعة أيام ما قبل الصلب، وبينما كان يدرس سجلات الكتاب أضاف موضوع القيامة، وبعد اقتناعه بأن المسيح قد قام حقّاً، قَبِله مخلّصاً وكتب كتابه المشهور «مَن دحرج الحجر؟» والفصل الأول بعنوان «الكتاب الذي رفَض أن يُكتب». إنَّ الكتاب المقدس حيّ وقويّ وأمضى من كل سيف ذي حدّين، وهو البرهان الأعظم لذاته، وكل من يهاجمه ويسخر منه ينبغي أن يُواجِه إمكانية الإيمان به يوماً ما ويصبح بطله المُكرّّس. |
«وَمَلأتُهُ مِنْ رُوحِ اللهِ… وَكُلِّ صَنْعَة» (خروج3:31). إنَّ فقرة اليوم تشير إلى بصلئيل الذي جَهَّزَه الروح القدس ليُشرف على بناء خيمة الإجتماع، فكان ماهراً في صياغة الذهب والفضة والنحاس ونَقْش وتطعيم الحجارة الكريمة والحفر في الخشب. فقد جعله روح الله لكي يكون حِرَفياً ليقوم بهذه الأنواع من الأشغال العملية المختلفة. تقتبس إحدى الروزنامات قول أ. ترامب «نَغفَل عادة عن هذا الدور في خدمة الروح، سواء في الحقل أو في المصنع، في المنزل أو في المكتب، فإنَّ المؤمن ليستطيع أن يطلب مساعدة الروح القدس في الأعمال اليومية. أعرف رجُلاً صنع مذبحاً من مقعدٍ في مشغله. ثم أنَّ «مرثا» التي في وسطنا، جعلت من طاولة مطبخها مائدة للعشاء الرَّبّاني، وآخر قد حوَّلَ طاولة مكتبه إلى مِنبَر يكرز منه ويكتب عليه، محوِّلاً شؤون المكان العام إلى عمل للملك. يوجد في الناصرة، إسرائيل، مشفى مسيحي لخدمة السكّان العرب بشكل رئيسي، وفي هذا المشفى توجد قاعة للعبادة، فعندما يقف الواعظ ليكرز، فإنه لا يقف من وراء مِنبرٍ بل يقف وراء بنك نجّار مصقول مع مِلزمة خشبيّة في طرفه وصندوق أدوات، إنَّ هذا لتذكيرٌ رائع وضروري بأن رَبّنا قد اشتغل نجّاراً في الناصرة وأن بنك النجارة كان مِنبره. سعى طبيبٌ في الغرب الأوسط من الولايات المتحدة لعلاج نفوس وأجساد مرضاه، وأحياناً وبعد أن يكون قد تحدّث إلى الشخص في عيادته فاحصاً إياه فحصاً شاملاً، يشكُّ بأن المشكلة كانت روحيّة وليست جسدية، فيتوجه في تلك الليلة إلى بيت ذلك المريض ويقرع جرس الباب. يتفاجأ المريض أوّلاً عند رؤيته، ولكن بعد ذلك يقول الطبيب الكريم ما يلي: «أنا لم آتِ لأراك بصفتي طبيب بل أتيت لزيارتك كصديق، وثمة شيء أودُّ أن أكلمك بخصوصه، فهل تسمح لي بالدخول؟» بطبيعة الحال لا يعارض الشخص، فيدخل الطبيب ويتكلّم إليه عن حاجته الروحيّة، ثم يشرح له كيف أن الرَّبّ يسوع هو الذي يُلبِّي هذه الحاجة. لقد سلَّم كثيرون من المرضى حياتهم للرَّب واستمروا في خدمته بشكل صحيح، وكثيرون سيكونون مُمتنّين لخدمة الطبيب المحبوب الذي اعتنى بنفوسهم فضلاً عن أجسادهم. للرَّب منابر عديدة غير تقليديّة في العالم اليوم، وكما قال ترامب، «تعلّم الكثيرون كيف يحوّلون أشغالهم العادية إلى عمل للمَلِك». |
الساعة الآن 02:28 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025