![]() |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سرّ الكهنوت بقلم: الأب بسّامآشجي قراءة لاهوتية لمناسبة سنة الكهنوت 19 حزيران 2009 حتى 19 حزيران 2010 لقد رأت الكنيسة في دعوة الرب يسوع تلاميذَه لاتباعه والتشبّه به وإعطائهم تحقيق سرّ حضوره وخدمته، تأسيساً مباشراً لسرّ الكهنوت. تاريخيّة سرّ الكهنوت - في حياة يسوع إن الكهنة في حياة يسوع العلنية هم خدام الهيكل، ويكمن دورهم في تقديم الذبائح وتنظيم العبادة والحياة الدينية في مجتمع العهد القيم المعاصر ليسوع. والكهنوت آنذاك رتبة وراثية محفوظة لسبط لاوي. أما يسوع فلم يختر تلاميذه من بين الكهنة، ولم يكن هو شخصياً من سلالة كهنوتية، رغم أن حياته بأسرها كانت تقدمة وعبادة لله أبيه، تجلّت بملئها في تقدمة ذاته ذبيحة على الصليب. فكان الكاهن والذبيحة، المقرَّب والمقرِّب في آن. ولكنه اختار من بين تلاميذه اثني عشر رسولاً، وثقَّفهم تثقيفاً خاصاً، وأرسلهم للتبشير بملكوته وشفاء المرضى (مر3/14، 6/7). وتقوم دعوة الرسل بأنهم مرسلون من قِبل المسيح، كما أن هو مرسل من قِبل الله الآب بقوة الروح القدس (يو20/21-23، 16/7-15، 17/17-19)، فمن قبلهم يقبل المسيح، ومن يقبل المسيح يقبل الآب الذي أرسله (مت10/14، مر9/35-36)، ويقومون بالأعمال نفسها التي يقوم هو بها (مر16/14-20)، ويكون هو أيضاً معهم بروحه القدوس (يو20/22، لو24/48-49، رسل1/6-8). ورغم كل ذلك لا ذكر للكهنوت بحصر المعنى، أو وعد به حدده الرب لا له مباشرة ولا لرسله. - في أعمال الرسل: ينتخب الرسل، بالقرعة، متيّا خلفاً ليهوذا "ابن الهلاك"، تأكيداً لضرورة المحافظة على اختيار يسوع لمن يخدمون حضوره بعد موته وقيامته (رسل1/15-26). ويعيّنوا أيضاً سبعة شمامسة ليساهموا معهم في خدمة الملكوت، فيضعون أيديهم عليهم علامة التكريس (6/1-6)، ليقوموا معهم بالخدمة والكرازة والتعميد واجتراح الآيات والمعجزات (6/8، 8/5-13 و26-40). نستنتج من ذلك وعي الرسل لتحديد مهام الكهنوت الجديد في العهد الجديد، وهي التبشير والكرازة وخدمة الأسرار والمشاركة والصلاة. - في رسائل القديس بولس: يتحدث القديس بولس في أكثر من موضع في رسائله وفي كتاب أعمال الرسل عن مهمات رسولية عديدة، كالرسل والأنبياء والمعلمين (1كور12/27)، ويستعمل في أكثر من موضع أيضاً تعابير: كهنة، أساقفة، شمامسة، ونجد الرسل بدورهم يقيمون أشخاصاً لهذه الأدوار (رسل14/23، 11/29-30، 15/2 و4 و6 و22 و23، 20/17، 21/18، تيط1/5-6، 5/17-22، 1تسا5/12، فيل1/1، 1تيمو3/1-7، يع5/14،..). وغالباً ما لا يتميّز الكاهن عن الأسقف، بينما يقوم الشمامسة بالمساهمة في الخدمة. إن كلمة "كاهن" بحسب اللغة اليونانية تعني "شيخ" أو متقدّم، أما لفظة "أسقف" تعني الساهر أو الناظر أو "المراقب"، بينما لفظة "شماس" فهي من أصل سرياني تعني "خادم" وهي ترجمة لكلمة يونانية. هذه الرتب إن وجدت فلكي تساهم بشكل أكثر فعاليّة في حياة الكنيسة الناشئة. - في القرون الأولى: تتثبّت الرتب الكهنوتية الثلاث في هذا العصر، وتبرز أهمية الأسقف أكثر في الرئاسة وخلافة الرسل، فنرى في كل كنيسة أسقفاً واحداً يقوم على خدمتها ويلتفُّ حوله مجلس من الكهنة والشمامسة. يقول القديس اغناطيوس الأنطاكي: "لا يصنع أحد منكم شيئاً خارجاً عن الأسقف في كل ما يتعلق بشؤون الكنيسة.. فلتُعتبر وحدها شرعية الافخارستيا التي تقام برئاسة الأسقف أو من يوكله.. كونوا مع الأسقف وأطيعوه كما أطاع يسوع الآب. وليكن مجلس الكهنة كالرسل. وأما الشمامسة فاحترموهم كما تحترمون شريعة الله.. حيث يكون الأسقف تكون الكنيسة..." - عبر العصور: مع انتشار الكنيسة وتوسعها ظهرت رتب إكليريكية ليست من الأصل الكتابي لمفهوم الكهنوت، بل هي بمثابة رتب شرفيّة أو امتيازيّة أو إداريّة، كالقارئ والشدياق والبطريرك والمتروبوليت... وإثر تبني الأمبراطورية الرومانية الدين المسيحي بعد السلام القسطنطيني (سنة 313) ازداد دور الاكليروس في إدارة وتنظيم الحياة روحياً ومدنياً، مما جعل، في بعض الأحيان، رتب الكهنوت تفقد مصداقية خدمتها الحقيقية، فانبرى بعض الكهنة والأساقفة، بشجاعة ليعيدوا إلى سرّ الكهنوت مكانته الروحية والإنجيلية في التشبه بيسوع "الراعي الصالح". كذلك حدث ما يُشبه هذا الانحراف في كنيسة العصور الوسطى فأدى إلى ظهور حركة "الإصلاح" البروتستانتية التي لم تعطِ الكهنوت مكانته "الأسراريّة" المألوفة في تقليد الكنيسة. كما ازدادت حدّة الخلاف مع "الأنكليكان" مؤخراً في منح ليس الدرجة الكهنوتية للنساء وحسب بل الأسقفية أيضاً. ولكن مما لاشك فيه أن اللجان المسكونيّة الدوليّة تبحث جادّة في التوصل إلى مفاهيم مشتركة حول لاهوت سرّ الكهنوت وبقية الأسرار. الكاهن خادم الكلمة: إن الإيمان لا ينطلق ولا ينمو إلا بالكلمة الحية، ولقد أكد السيد المسيح على ذلك مرات عديدة (مت13/3-00)، كذلك الرسل (إقرأ: رو10/14-18). ويؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني اليوم على أن خدمة الكلمة هي أهم دور يقوم به الأساقفة والكهنة، فيقول: "إن أولى مهام الأسقفية الرئيسية هي الدعوة بالإنجيل. ذلك أن الأساقفة هم رواد الإيمان.. وهم المعلمون الأصليون الذين قُلدوا سلطة المسيح، فيُعلنون للشعب الذي ائتمنوا عليه الإيمان الذي يجب أن ينظم تفكيره ومسلكه.. ويستخرجون من كنوز الوحي جدداً وعتقاً (مت13/52)، ويجعلون الإيمان يؤتي ثمره، ويعملون بيقظة على إقصاء جميع الأضاليل التي تهدد رعاياهم".. "أن وظيفة الكهنة الأولى، بحكم كونهم معاوني الأساقفة، أن يبشروا بإنجيل الله لجميع الناس. ويجب إلا تقتصر خدمة كلمة الله على عرضها بصورة عامة ونظرية، بل يجب أن تطبَّق على أحوال الحياة، فهناك طرق عديدة لممارسة خدمة الكلمة وفقاً لحاجات السامعين المختلفة ومواهب المبشرين الخاصة". الكاهن خادم الأسرار: إن خدمة الكلمة مرتبطة بشكل وثيق بخدمة الأسرار، ولقد دعى السيد المسيح مباشرة تلاميذه لممارسة هاتين الخدمتين معاً: "تلمذوا.. وعمدوا.." هناك حقيقة واحدة تُعلن في الكلمة والسرّ. إن الكاهن هو خادم السرّ ليس لجدارته أو استحقاقه بل بنعمة الرسامة التي تلقاها "بوضع الأيدي". ولا بد له، لكي يُحسن هذه الخدمة، أن يكون رجل صلاة، لكي لا تغدو خدمته طقوساً فارغة. الكاهن هو قائد إلى الملكوت: لا يزال الرب إلى اليوم يطلب من الكاهن ما طلبه من بطرس الرسول: "ارعَ خرافي" (يو21/15). والراعي هو من يخدم رعيته أفراداً وجماعات، وبحسب حاجاتها، ولا يفرّق بين أبنائها بشكل مزاجي، بل يفتقد الضعفاء والمرضى، ويعنى بتربية الأطفال والمراهقين، ويكون علامة مصالحة وسلام، ومعلم صلاة وتضحية، ويعير الفقراء والمحتاجين والمتألمين حقهم في الاهتمام، ولا يتسلط على رعيته بدافع قيادته، فالسلطة في الكنيسة هي أولاً وآخراً خدمة. وبالمختصر: على الكاهن أن يعبر في ذاته وفي خدمته عن مرافقة الله المحبّة للبشر وعن أبوته لهم. الكاهن.. كاهن إلى الأبد: الكهنوت يذكرنا أيضاً بأبدية الله. فإذا كانت الافخارستيا هي إطلالة ملكوت الله في الزمن، الكاهن خادم الافخارستيا هو افخارستيا حيّة للملكوت. يمثل الكاهن حضور المسيح القائم من بين الأموات بخدمته هذا الحضور. الكاهن ليس موظفاً لأدوار معينة وحسب كخدمة الكلمة والأسرار والطقوس، الكاهن لأنه يمثل حضور المسيح رأس الجسد السرّي يقوم بتلك الأوار، لأنه يمثل حضور أبوة الله بتكريسه الكهنوتي يقوم برعاية شعبه، لأنه موهبة الروح القدس يقوم بتقديس رعيته. أن أبدية الكهنوت تنطلق من أبدية الله، لذلك نجد الكهنة الذين لا يستطيعون ممارسة الخدمات الكهنوتية لأسباب خارجة عن إرادتهم، يحيون صمت الأبدية بألمهم وصلاتهم وتكريسهم الشخصي، وكأن حياتهم تُقدَّم ذبيحة كهنوت |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إجهاد الكهنة: جواب نفسي – روحي نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي "أيها الطبيب طبّب نفسك" (لوقا 23:4) نظرة عامّة مختصرة للإجهاد في تعابير علم النفس، الإجهاد هو أيّ نتيجة أو حَدَث يهدد (أو يُنظَر إليه وكأنّه يهدد) عمل المرء العادي المتكيّف أو يكمن وراء قدرات المواجهة الملحوظة. من وجهة النظر الروحية، الإجهاد هو تهديد لصحّة المرء الروحية وهو يتضمّن: وقف الصلوات، شعور بفقدان محبة الله واهتمامه، ونقص في الثقة بالله وبكنيسته. بوجه عام، ينقسم الإجهاد إلى فئتين رئيسيتين: 1) الإجهاد الحادّ المؤلِم، و2) الإجهاد المزمِن. يُعَرَّف الإجهاد الحادّ المؤلِم بأنّه ردّة فعل على صدمة أو أمر ضاغط. إنه فئة من التشخيص العلاجي مؤلّفة من خلل ما بعد الصدمة (PTSD) أو اضطراب التوتر الحاد (ASD) وتغطّي أحداث التعرّض لجرح عميق والموت في الحوادث والحروب والكوارث، التعرّض لاعتداء جسدي، الاعتداء الجنسي، مخيمات الاعتقال والسجن الإفرادي. ردّة الفعل تكون عادةً الخوف، الشعور بعدم الأمان، الرعب، الغضب، أو إعادة الاختبار الحسي للحدث والاضطراب المتزايد والاستثارة. لا يهتمّ هذا المقال بهذه الفئة. الإجهاد المزمن سببه الأحداث اليومية التي تصير ضاغطة بسبب تكرارها. التكرار المستمر لهذه الأحداث ولفترة طويلة يوعّي نظام التفاعل مع الإجهاد في الجسد، ويجعل الجسد أكثر قابلية لتوليد ردة فعل إجهادية. تشمل هذه الأحداث الخبرات اليومية وغيرها من الهموم العامة والتجارب واضطرابات الحياة. بين هذه الأحداث الشائعة المشاكل العائلية، الشؤون الصحية، زحمة السير، توقف السيارة عن العمل، التخلّف عن المواعيد، والتأخّر. هذا النوع من الإجهاد في حياة الكاهن هو موضوع التركيز في هذا المقال. يواجه الكهنة الأرثوذكسيون نفس الأحداث المجهِدة التي يواجهها الآخرون. إلى هذا، عندهم الأحداث الشائعة في كنيسة هرمية: أسقفية (من فوق)، ومجلس الرعية (من تحت)، وغالباً ما تفترض كل من الفئتين، الأسقف ومجلس الرعية، أنّها تتحكّم بالكاهن. ظاهرياً قد تبدو هذه الأمور الشائعة حميدة، لكن متى تكررت مواجهتها يوماً يعد يوم لفترات طويلة تميل نحو تكديس مفعولها. بالواقع، إنها تؤدّي إلى نفس التأثيرات الجسدية، النفسية والروحية التي تنتج عن خلل ما بعد الصدمة والتوتر الحاد المذكورَين سابقاً. العوامل الكثيرة الداعمة للإجهاد إن العوامل التي تحدد ردة فعل الناس على الإجهاد كثيرة ومتنوعة منها: الجسدية (نظام ردة الفعل على الإجهاد عند الجسد)، معرفية (التقدير)، عاطفية (الإحباط)، شخصية (تفاؤلية)، اجتماعية – ثقافية (انتماء إلى خلفية إثنية محددة) وسلوكية (استرتيجيات المواجهة). يؤثّر الإجهاد على الجسد بطرق عديدة. للجهاز العصبي مكوّنان أساسيان: الجهاز المركزي المؤلّف من الدماغ والنخاع الشوكي، والجهاز الطَرَفي الذي يضمّ ما هو خارج الجسد والعقل النخاع الشوكي، وهو ينقسم إلى الجهاز العصبي الجسدي كالأعصاب التي تمتدّ إلى اليدين والرجلين وغيرها، والجهاز العصبي التلقائي الذي يتألّف بدوره من عنصرين: النظام الودّي والنظام نظير الودّي. الجهاز العصبي التلقائي حاسم في فهم نظام تفاعل الجسم مع الإجهاد. فهو يتّصل بمجاري الدم، المثانة، جهاز التنفس، الجهاز الهضمي، الغدد والقلب. عندما يسترخي الجسد ويعمل طبيعياً، يعمل النظام نظير الودي. هرمون الأسيتيلكولين هو أحد أهمّ قنوات نقل المعلومات. عندما يكون بؤبؤ العين ضيقاً، واللعاب طبيعياً، والتنفس منتظماً، ونبض القلب نظامياً، وعمليات الهضم فاعلة، والمثانة قادرة على ضبط المحتوى، يكون الإنسان مسترخياً وطبيعياً. عندما يكون الجسم مجهَداً، يعمل النظام الودي. هورمونات الأدرينالين أو الآبيتارفين أو الكوتيزول تكوّن قنوات نقل المعلومات. في حالة إحساس الإنسان بالتوتر، يتّسع بؤبؤ العين، ينشف الفم، يتسارع التنّفس ونبض القلب، تُكبَح عمليات الهضم، ترتفع نسبة التعرّق، ويجري بعض التسرّب من محتوى المثانة.... تأثيرات الإجهاد ماكرة: نمو العدائية، الاستسلام، سوء استعمال الأشياء، ضعف في الإنجاز، إنهاك جسدي وفكري وعاطفي، تعاسة، اضطرابات وقلق، وإحباط. إلى هذا، الإجهاد، كعامل نفسي، يزيد من حدّة بعض الأمراض النفس-جسدية ذات الأسباب الجسدية أو الوراثية، مثل الربو، الأكزيما، مرض القلب، البثور، التوتر، الصداع وألم الرأس، الاضطرابات الجلدية والقروح. عوامل ذات تأثير خاصّ على الإجهاد السيطرة والدعم بدأت، في جامعة لندن منذ 1967، دراسات ما تزال مستمرّة حول تأثير التحكّم في العمل أو الوظيفة على الإجهاد. وقد ظهر استنتاجان واضحان: 1) ضعف السيطرة في العمل يقدّم مساهمة مهمّة من التحدّر الاجتماعي في المرض العقلي والجسدي، و2) وجه آخر من جو العمل الذي قد يكون مجهِداً هو النقص في الدعم من المدراء أو المسؤولين (كالزملاء والمراقبين المباشرين) خاصةً عندما لا يتلقّى العامل معلومات واضحة ودقيقة من المشرِفين عليه. المشكلة الثانية ترتبط بخطر متنامٍ ثنائي على الصحة العقلية عموماً. التوقّع المضخَّم لقد ميّزتُ في مقالة سابقة بين الكمالية (perfectionism) ووصية المسيح بأن "كونوا كاملين كما أن اباكم السماوي كامل" (متى 48:5). إن اتّباع دعوة المسيح إلى الكمال هي الاعتراف بأنّ الكمال بالمطلَق لا يأتي من الإنسان بل من الله. "وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ" (1بطرس 10:5). وقد ذكرتُ أن الثقة والصبر هما عمودا رحلتنا نحو الكمال. في تعبير علم النفس، يُبلَغ إلى الصبر بالتخلّي عن التوقّعات المتطلّبة المستعجلة غير الواقعية وبعدم استبدال الحقيقة بل قبولها كما هي. إنّ الثقة بالله وبحكمته الإلهية هي التقنية الفعّالة لتحدي الضرورات التي نعتبرها ملّحة، كما أنّها تساعد على علاج داء الكمالية. لكن عالماً من الاختلاف يكمن بين السعي إلى الكمال بالمعنى الروحي والكمالية. إن الخوف من الفشل والحسّ بالواجب هما ما يحرّك الذين يعانون من هذا الداء. فهم يجاهدون لأن يكونوا في المركز الأول في كلّ مساعيهم دون أن ترضيهم إنجازاتهم. إنهم يؤمنون بأنّ هناك جودة خاصّة لاكتساب الكمال؛ فالطريقة الوحيدة لاكتساب احترام الذات وتحقيق حسّ الفرادة هي في التعبير عن بعض الصفات، كالذكاء مثلاً، بطريقة تخلو من العيب أو بتطبيق بعض المهارات بطريقة تخلو من الخطأ. يشير ألان (2003): "تصير الكمالية مستبدة (إجهاداً) عندما تقترن المعايير (التوقعات) العالية بالقلق". قد يتاثّر أيٌّ كان بهذه المتغيّرات التي تشكّل عوامل ترفع من خطر الإجهاد. لذا، أصحاب الوظائف ذات المراتب الدنيا التي تخضع لإشرافٍ ملتبِس أو متناقض هم عرضة للتأثّر بنفس المستوى من السهولة كما الأشخاص الذين في مراتب عالية أو في جو متطلّب. وعلى المنوال نفسه هم أصحاب التوقعات الكمالية. الإكليروس الأرثوذكسي كحالة خاصة أنجزتُ حلقات دراسية عديدة حول إجهاد الإكليروس في مختلف الأبرشيات، تمّ خلالها تبيان ثلاث عوامل إجهاد بشكل ثابت: 1) الوقوع تحت إشراف أحد الرؤساء أو عدم تفهمه؛ 2) المعاملة كموظف من قِبَل مجلس الرعية الذي هو صاحب الكلمة الأخيرة في الشؤون الإدارية (وقد يبلغ التحكّم في بعض الأوقات حدّ التدخّل في وظيفة الكاهن الليتورجية)؛ و3) المتطلبات الناجمة عن كون الكاهن زوجاً ووالداً، بالنسبة للكهنة أرباب العائلات. غيرُ الإكليروس قد لا يعتبرون هذه الحالة خاصة. فتحمّل المشرِفين وعدم تفهمهم، وضغوطات العائلة أمور يواجهها الكثيرون في الحياة اليومية. يكمن الفرق في طبيعة الكهنوت بحدّ ذاته، وفي نظرة الكاهن لنفسه ككاهن. شيء من التأمّل في نصائح القديس يوحنا كرونشتادت في الكهنوت يبرهن طبيعة الكهنوت المسيحي ومسؤوليته: "... الكاهن المستحقّ، يكون مثل السارافيم، يحترق أمام الله بالمحبة والمديح والامتنان لعجائب رحمته وحكمته... كما النور والحرارة لا ينفصلان عن الشمس، كذلك القداسة والغيرة على التعليم ومحبة الجميع والحنو عليهم، ينبغي ألا تنفصل عن شخص الكاهن. إذ لمَن هذا الجلال الذي يحمله؟ إنّه جلال المسيح... الله نفسه... ما أنا بذاتي شيء، لكن بنعمة الكهنوت أصير وسيلة الشفاء. من خلالي نعمة الروح القدس تعطي حياة جديدة؛ جسد المسيح ودمه للمؤمنين... متحدة إياهم مع الله". قال القديس يوحنا للكهنة: "عليكم أن تمجّدوا الله وتشكروه من دون انقطاع. عليكم دائماً أن تسعوا إلى القداسة، بصوم وتقشّف، باتّضاع فكر وصبر". ما الذي يمكن اعتباره أكثر الأمور إجهاداً للكهنة؟ يجيب القديس يوحنا بالتحذير الذي أورده الرب في إنجيل الرسول لوقا: "فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ" (لوقا 48:12). ينبغي إيراد كلام القديس يوحنا كاملاً: "إن لمْ يتعلّم الكاهن أن يكون لطيفاً، متواضعاً وكريماً، وأن يتخطّى الشر بالخير، فإن الحساب الذي يُطلَب منه أكثر صرامةً مما يُطلَب من العلماني. فالكاهن في سيامته أُعطي قوة أكبر للتقوى، وإن لم يسلك بحسبها ويتممها، يحكم على نفسه بإهماله وعدم توبته. يا الله اغفر لي خطاياي، وعلّمني أن أعمل إرادتك". التعامل مع الرؤساء على الكهنة أن يطيعوا أساقفتهم وكأنهم يسوع المسيح. "أطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ" (عبرانيين 17:13). القديس إغناطيوس الأنطاكي، منذ بدايات تاريخ الكنيسة قال للكهنة (وللعلمانيين) أن يكونوا: "... خاضعين للأسقف كما ليسوع المسيح... وأيضاً للرعاة كما للرسل... وأن يحترموا الشمامسة... إذ من دونهم لا يمكن تمييز أيّ كنيسة". لهذا، إذا أراد الكهنة أن يكونوا غيورين وصادقين في كهنوتهم فالإخلاص والخضوع للأساقفة سيشكّل ضغطاً عظيماً عليهم. هذا أمر إلهي وفوق النضال البشري. الهدف بمقابل خبرة الكهنة يعطينا الرسول بولس الهدف المتوقّع من أصحاب الرتب المقدسة، من الأسقف إلى الشمّاس: "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيمًا، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ، 4يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ. وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟ غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ. وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ. كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ. وَإِنَّمَا هؤُلاَءِ أَيْضًا لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ. كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ ذَوَاتِ وَقَارٍ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، صَاحِيَاتٍ، أَمِينَاتٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. لِيَكُنِ الشَّمَامِسَةُ كُلٌ بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَنًا، لأَنَّ الَّذِينَ تَشَمَّسُوا حَسَنًا، يَقْتَنُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وَثِقَةً كَثِيرَةً فِي الإِيمَانِ الَّذِي بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ" (1تيموثاوس 1:3-7). من بين صفات الشخصية التي يوردها الرسول بولس: الوقار، اللسان الواحد، عدم الولع بالخمر، عدم الطمع، عدم المخاصمة، والحُلُم. كلامه يعني أن هذه الصفات تصير مطلوبة أكثر مع علو الرتبة. بحسب ما سمعتُه من الكهنة الذين شاركوا في الحلقات الدراسية التي أدرتُها، ما هو الشيء الأكثر تسبباً في إجهادهم؟ الأول هو التناقض والتعارض بين المثال الذي ينبغي أن يكون الأساقفة (والكهنة والشمامسة) عليه ويتبعونه في التصرّف والعمل. بعض الأمثلة: - اتّصل أحد أبناء الرعية بالأسقف ليشتكي من أمر ما. دعاني الأسقف وراح يصيح من دون أن يتحقق من الكلام أو يسألني عن روايتي. - كتب أحد الأغنياء من أعضاء مجلس الرعية إلى الأسقف واتّهمني بما لا علم لي به مطلقاً. أنّبني الأسقف من دون الاستماع لي. - طلب الأسقف من كل الرعايا في أبرشيته أن يقوموا بخدمة ليتورجية ما. عندما قمتُ بها اشتكى بعض أبناء الرعية إلى الأسقف الذي أعطاهم الحقّ من دون أن يدعمني بالمطلق. - وفي إحدى المرّات، قال لي مجلس الرعية بأني أعمل عندهم وأني موظفهم... فهم لا يأبهون بما يقول الأسقف أو أنا. فما من علاقة بين إدارة الرعية ويسوع المسيح، إنها أعمال ليس إلاّ. - كان من المتوَقّع أن يأتي الأسقف لخدمة ليتورجية لكنّه وصل متأخراً ساعات، فيما كلّ الرعية تنتظر. لم يعتذر. لاحقاً عرفتُ أنّه كان في أحد النشاطات الرياضية يصحبه أحد أعضاء مجلس الرعية. - وبّخني الأسقف بلهجة وضيعة وقاسية خلال الليتورجيا أمام كل أبناء رعيتي. كيف أقوم بعملي من دون دعم الأسقف؟ - تنتظر الأبرشية مساهمة الرعية. عليّ أن أدفعها، أو أُنفى إلى سيبيريا. لا يريد مجلس الرعية أن يؤدّيها لذا أنا أدفعها من جيبي. أنا بالكاد أطعم عائلتي وأدفع فواتيري. الاضطراب الروحي كيف على الكاهن أن يتعامل مع الإساءة التي تصدر عن أحد أبناء الرعية اللئيمين أو الرئيس المتبلّد، في غياب النهضة الروحية؟ النقطة الأولى هي الإشارة إلى إنجيل المسيح. سوء المعاملة، ينبغي تحمّله أحياناً فيما لا ينبغي تبريره مطلقاً. الكاهن الذي يرمي التناقضات والرياء عند قدمي المسيح ينمو في محبته. في العظة على الجبل، قال يسوع: " طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 11طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ" (متى 10:5-11). يحذّر يسوع تلاميذه ألاّ يتوقّعوا أفضل مما كان له: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. 17إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ" (يوحنا 16:13-17). الكاهن الذي يحمل محبة المسيح في قلبه، تصير له هذه التجارب وسيلة ينمو بها المسيح في داخله بشكل أكثر تماماً. محبة الكاهن للآخرين تنمو أيضاً. ومع ذلك، ينبغي أن نشير إلى أن هذه التجارب يمكن أن تسبب قلقاً عظيماً وضغطاً يمكن أن يؤدّيا إلى نتائج مؤذية للكاهن وعائلته. إلى هذا، إمكانية النمو الروحي لا تبرّر الإقدام على عمل المحظور ولا الرياء ولا سوء الإدارة التي تولّد التجارب. قبول الأحداث اليومية كَمِن ضمن مشيئة الله يمكن أن يواجه الكاهن الإهانات التي تطرأ بين الفينة والأخرى بالاعتراف بأنّ هذه الحوادث اليومية هي وسائل للنمو في النعمة. كتب القديس ثيوفان الحبيس: "الله حدّد أعمال الحياة اليومية التي يقوم عليها أساس البيت والمجتمع، والقيام بهذه الأعمال ليس هجراناً إلى عالم الإثم، بل متابعة لأمور الله". تابع القديس ثيوفان تعليم الكاهن عن كيف يتمّ هذا: "من الضروري لك أن تعيد تفسير كلّ ما يمرّ أمام ناظريك بتفسير روحي... إذا قمتَ بهذا، كل الأمور تصير مثل كتاب مقدّس أو مقال في كتاب إلهي... من ثمّ كلّ أمر يقودك إلى التفكير بالله... سوف تصحو في وسط العالم الحسّي وكأنّك في العالم الروحي. كل شيء سوف يكلّمك عن الله ويحفظ انتباهك مثبّتاً عليه". خبرة الصحراء يشتمل قانون القديس ثيوفان الروحي الاعتزال في الأماكن الهادئة في القلب، الصحراء الداخلية. خبرة الصحراء مركزية في الروحانية الشرقية. تعود أصولها إلى رهبان القرن الثالث الأوائل الذين هرعوا إلى صحارى النوبة والإسقيط وسيناء ليهربوا من جري العالم وهيجانه فيتقرّبوا من المسيح. يُعتَبَر القديس أنطونيوس (251-356) مؤسس طريقة العيش الرهبانية لكنّه ليس أوّل مَن ذهب إلى الصحراء بحثاً عن الله. يذكر الإنجيلي متى أنّ القديس يوحنا المعمدان كان من أوائل سكّان الصحراء: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً». وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلاً بَرِّيًّا" (متى 1:3-4). انتبهوا أيضاً أنّ ربّنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بدأ حياته العلنية في الصحراء وغالباً ما رجع إليها طلباً للغذاء الروحي. يكتب الرسول متى: "ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. 2فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا" (متى 1:4-2). كما يكتب الرسول لوقا: "ذَاعَ الْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَاجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي" (لوقا 15:5-16). الصحراء في المدينة ليست الصحراء بالضرورة القفار الجافّة في سيناء أو النوبة. كثيرون من الكتّاب الروحيين علّموا أنّ الصحراء يمكن أن تكون في أيّ مكان، حتّى في وسط الحضارة المدنية. يشير كارلو كاريتو في كتابه "الصحراء في المدينة (Desert in the City)" (1979) إلى أنّ الصحراء يمكن إيجادها في أعماق المنزل أو مكان العمل. قضاء بعض الدقائق منسحباً من الضجيج وهيجان العمل يمكن أن يقود الإنسان إلى الوحدة التأملية. يكتب كاريتو: "إنْ عَجِز المرء عن الذهاب إلى الصحراء، فيمكن أن تأتي الصحراء إليه أو إليها. لهذا السبب نحكي عن خلق الصحراء في المدينة". إنّه يصف هذه الصحراء مثل "... مكان للانسحاب حتى نجد الله في الصمت والصلاة... مكان نستجمع فيه الشجاعة ونعلن كلمات الحقيقة متذكّرين أن الله هو الحقيقة... مكان ننقّي فيه أنفسنا ونهيئها للعمل وكأنّها لامست الجمرة المحرِقة التي وضعها الملاك على شفتي النبي". الصحراء مكان وحدة لا مكان انعزال. لا تكتمل خبرة الصحراء بمعزل عن الشركة مع الكنيسة والمساهمة في الأسرار الإلهية والصلوات والعبادة. حتى النسّاك، أي المسيحيون الذين يعيشون اليوم التوحّد في الصحراء والكهوف، هم أعضاء في أخويات رهبانية ويخضعون لنظام ديرهم وممارساته. فكّروا في القديسة مريم المصرية. لقد عاشت وحيدة تقريباً كلّ حياتها في صحراء سيناء بعد توبتها، لكنها كانت تتلقّى المناولة والاعتراف من الأب زوسيما (الذي كتب لاحقاً سيرة هذه المرأة المميّزة)، الذي أجلّته كأبيها الروحي. المساعِدات النفسية لنتذكّر تعليم القديس مكسيموس المعترف: "نعمة الروح القدس لا تَمنَح الحكمة للقديسين من دون أن يتقبّلها عقلهم الطبيعي كقدرة". الخير والحكمة يُمنَحا للإنسان بمَلَكة الإرادة. الله ليس قمعياً ولا يهب عطاياه للذين يرفضون تقبّلها. هذا يشير إلى الحرية الأصليّة التي يملكها الإنسان. إذاً، عندما يطيع الإنسانُ اللهَ بحرية، يمكنه أن يستعمل عقله ويكتسب المعرفة بطرق تتيح لإرادة الله بأن تعمل بشكل أكثر فعالية في حياته. لهذا السبب، معرفة المساعِدات النفسية في إدارة الإجهاد لا يمكن أن تُعتَبَر كبديل عن السلام والحكمة وغيرها من الصفات الممنوحة من الروح القدس، ولكن كوسيلة من خلالها يفعّل الروح القدس السلام لينظّم حياة المؤمنين. إجراءات علاج الإجهاد من حيث المبدأ، يمكن تقسيم الإجراءات النفسية لإدارة الإجهاد إلى التبدّل المعرفي وإدارة الحافز-الاستجابة. يتضمّن التبدّل المعرفي تغيير طريقة إدراكنا لما نقوم به من المهمات. الفهم الخاطئ للمهمة هو بالحقيقة افتراض معرفي غير مثبَت؛ افتراضات غير محكية تبنيّناها وهي تقود إجاباتنا تلقائياً. مثلاً، نحن نبني لذواتنا توقعات مضخّمة ونعلّي من معايير فعاليتنا، فتكون معايير نجاح العمل عالية بشكل غير واقعي وكلّ ما لا يبلغها يتمّ التعامل معه كفشل. التوقعات المضخّمة تحفّز الكماليّة وتعدد المهمّات. إلى هذا، الكماليّة تخذل الأداء الجيّد لأنها تطلِق الإجهاد والقلق الذي يشوّش على الأداء نفسه. التحريفات المعرفية تحرّض الكماليّة المؤذية وينبغي تفنيدها. تعدد المهمات تعدد المهمات هو القيام بأكثر من عمل معقّد في نفس الوقت، ويقود إلى الأداء المؤذي. ترتفع تأثيرات الإجهاد مع تكاثر المهمات وارتفاع درجة تعقيدها. إدارة الوقت وضع لائحة بالمهمات وأولوياتها هو طريقة مهمّة لتخفيف الإجهاد. ما لا شكّ فيه هو أنّ بعض المهمات ذات أهمية أكثر من غيرها. لهذا، الإدارة الفعّالة للوقت ليست مجرّد الانتقال من الأعلى إلى ما هو دون من المهمات واحدة فواحدة. العمل الأكمل يعني التنقل بين المهمات ذات الأولويات المختلفة في فترات متنوعة. أظهر البحث أن الناس يعملون على دورات زمنية مختلفة. بعض هذه الدورات يتمّ في أقلّ من يوم واحد، وبعضها الآخر يومياً، وغيرها فصلياً. تشمل إدارة الوقت دمج هذه المهمات في هذه الدورات لتحقيق الفعالية القصوى. يتطلّب هذا الدمج التعقّل والحكم الصحيح والتمييز. وقد يكون من الحسن البدء مع لائحة من المهمات بأولويات مصنّفة بحسب الفئة كالرعية، العائلة، والفئات الخاصة. الكهنة الذين يكرّسون كلّ وقتهم لنشاطات الرعية مثلاً، يسيئون الحكم. للكاهن عائلة عليه الاهتمام بها دون إهمال حاجاته الشخصية للاستجمام والراحة والتمرين. ينبغي موازنة كلّ يوم على هذه الفئات الثلاثة لكي يمتلك الإكليريكي حسّاً من الخير والاتّزان. "لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ" (جامعة 1:3). التأجيل عندما يتَحدّث باحثو علم النفس المعاصرون عن الرباط المعرفي – العاطفي في التأجيل، هم يؤكّدون ما علّمه يسوع: "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!" (متى 22:6-23). لاحظ آباء الكنيسة أنّ الأفكار تثير المشاعر والطريقة الأفضل قي إدارة المشاعر هي في تمييز المحفِّز العقلي (الخارجي) الذي يثير الأفكار. نوعان من الأحاسيس يهزّان الاطمئنان الداخلي والتناغم (ويقودان إلى فقدان التركيز الروحي) هما الغضب والشهوة الجسدية. ينصح القديس مكسيموس المعترف: "لا تلوّث فكرك بالتشبّث بأفكار ملأى بالغضب أو الشهوة الجسدية، وإلا ستخسر قدرتك على الصلاة النقية وتقع ضحية شيطان الفتور". تقنيات التدخّل الأوليّة تشمل إزالة الارتباكات، اختيار مهمات واقعية، اعتراض الأهداف الجائرة، وتحديد تقييمات واقعية للفعالية. امتحان التحريف إذا كان يُنتَظَر من أحد الكهنة أن يقوم بمهمات ليس من المعقول تنفيذها، ينبغي تفنيد هذه المهمة من دون إبطاء. بالتأكيد، بعض الأعمال يتطلّب مستوى عالٍ من العمل ويستدعي درجة عالية من الإنتاج. قد يكون الفرق كبيراً بين رغبة المشرِف في تنفيذ مهمة ما وبين ما تتطلبه هذه المهمة فعلياً. في خبرتي الرعائية والاستشارية، وجدت أن أفضل الطرق لتفنيد وامتحان هذه التوقعات المضخّمة هو استعمال تقنية "الحقائق تحكي عن ذاتها". مثلاً، إذا طلب الأسقف أو أي مشرِف آخر أن تُنهى مهمة ما في فترة أسبوع واحد، فيما هي منطقياً تتطلّب أسبوعين أو أكثر، يمبغي مناقشة الطلب غير الواقعي مباشرةً. الطلب غير المنطقي يخلق قدراً عظيماً من الإجهاد. إلى هذا، إذا أصرّ المشرِف على الطلب بالرغم من وجود إثبات على أنه غير منطقي، فهو يلامس خط الإيذاء النفسي. على الكاهن أن يورد بإيجاز الحقائق، أي الخطوات المطلوبة لإنهاء المهمة، ومن ثم أن يطلب من المشرِف تعليمات إضافية. هذه النصيحة تفترض، طبعاً، أن الكاهن بالأصل يعمل بجدّ، من غير تراخٍ في المسؤوليات ولا كسل ولا مثل ذلك. ينبغي أن نتذكّر أن الناس يتصرّفون بالطريقة التي يرغبون، وليس بالطريقة التي نفضّل. بعض الناس لا يتجاوبون مع عرض للوقائع بالرغم من الدليل المقدَّم للبرهان. هذه الحالات قد تؤدّي إلى مواجهة مع نتائج غير سارّة، كإنهاء وظيفة أو خسائر أخرى. مع ذلك، ينبغي وزن هذه الأحداث بمقابل الضغط الذي ينشأ عن الطلبات غير المنطقية المستمرّة والنتائج التي تسببها في حياة الذين تُطلَب منهم وعائلاتهم. في بعض الأحيان، تكون المواجهة بَرَكة مخفية، بالرغم من كونها بغيضة. كيف يمكن للمرء أن يقدّر هذه النتائج السيئة؟ إن استعمال تقنية "المسطرة العقلية" هي مقاربة فعاّلة. مثلاً، عندما يتمّ تقييم طلبات أحد المشرفين الغضوبين على قياسٍ من واحد إلى مئة، حيث الواحد هو أفضل ما يمكن توقعه ومئة هو الأسوأ، تفقد العاقبة بعضاً من لدغها. الناس عادةً لا يزعجهم أن يتخيّلوا حدثاً لطيفاً، كالجلوس في الشمس على شاطئ استوائي. مع هذا، أغلب الناس يحتاجون عادةً بعض المساعدة ليتخيّلوا أسوأ الأحداث، كقطع الرأس أو كوارث مشابهة. عند المقارنة مع سيناريو أسوأ الأحداث، لا تبدو العاقبة سيئة جداً. بالحقيقة، قد تولّد أفكاراً مبدِعة في كيفية التعامل مع العواقب بطرق صحيحة. الميل إلى التوكيد والجزم: عملية صعبة ومقدِّسة الميل إلى التوكيد والجزم في حالات الإجهاد هو طريقة فعّالة أخرى للتعاطي مع أصحاب التوقعات المتطلّبة الذين يترقّبون أكثر مما يمكن إنجازه منطقياً. تعليق شخصي: أكثر من مرة في حياتي واجهت حالات مثل هذه. كنت أقيّم الوضع بواقعية وأحاول تقديم النصيحة وأنقل الحقائق بدقة، ولكني أُواجَه بالرفض. فكنت أمضي بسلام واطمئنان، لا بل كنت أعرف أن الله يبارك قراري. تعترضني، في كل أمر، بعض النتائج التعيسة فأقول لنفسي "الآخرون أحرار، سوف أهتمّ بنفسي وأبذل جهدي في العمل مع الذين سوف يساعدونني على النجاح". هذا مماثل لما علّم يسوع تلاميذه في قوله: "فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُسْتَحِقًّا فَلْيَأْتِ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَلْيَرْجعْ سَلاَمُكُمْ إِلَيْكُمْ. وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ" (متى 14:10-13). بالطبع، كان يسوع يتكلّم عن أناس رفضوا كلمة أبيه، بينما كانت كلماتي في أحداث يومية. مع هذا، إذا كانت كلماتي الموجهة إلى مراقب متعسّف صحيحة، وإذا كانت الحقيقة متحدة بالله (وهي كذلك)، عندها تنطبق الوصية. إلى هذا، علّمتني خبرتي أن النصيحة تعمل. المحبة قال يسوع: "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (يوحنا 34:13). المحبة هي العمل من أجل خير الأخ ومصلحته. يحرّم الله أن نكون سبباً لإجهاد أخينا. الإجهاد مؤذٍ لنا جسدياً ونفسياً وفوق كل شيء روحياً. علينا أن نتفكّر بكلمات القديس بولس: "الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ" (1كورنثوس 4:13-6). كمسيحيين أولاً، وكأطباء رعائيين ونفسيين، علينا أن نطبّق هذه الكلمات في كل معاملاتنا مع الإخوة. من بعدها، بكل عدم استحقاق، أقترح أن يتصرّف كل المسيحيين بالطريقة نفسها لتخفيف الضيق بين الناس. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سرالكهنوت الأب منيرسقّال مقدمـة " إن يسوع المسيح هو الكاهن الأوحد فيالعهد الجديد ، إذ قدّم حياته ذبيحة عن الجميع . واستنتاجاً يمكن وصف الكنيسةبأجمعها كجماعة كهنوتية . فجميع الأعضاء يدعون لتقديم كيانهم " ذبيحة حيّة " وللتشفع للكنيسة ولخلاص العالم . والخدّام المكّرسون يرتبطون ، كما يرتبط جميعالمسيحيين بكهنوت المسيح وبكهنوت الكنيسة . لكن قد يُسمّون على نحو ملائم كهنة ،لأنهم يتمّون خدمة كهنوتية خاصة بتوطيد وبناء كهنوت المؤمنين الملوكي والنبوي عبرالكلمة والأسرار وعبر صلواتهم التشفعّية وعبر إرشادهم الرعوي للجماعة " . من وثيقة مجلس الكنائس العالمي فيالكهنوت ، ك2 1982 - أرثوذكس ؛ كاثوليك ، بروتستانت ،أنجليكان الكهنوت عرفته شعوب الأرض منذ نشأتها . وهويجيء تلبية لغريزة الإنسان الدينية ، إذ هو كما حدّده الفلاسفة " رجل متديّن " . فالله هو علّة وجوده . وحضوره الإلهي يحس به في طيّات وجدانه " فيه حياتنا وحركاتناووجودنا " ( أع 17/28 ) . فالإنسان في حنين دائم إلى إلهه ، بحث عنه في ظلام الحياة، لأنه ابن الله . فما دام في غربة عن الله فهو في شقاء ، قلق ، مضطرب البال . كماعبّر عن ذلك القديس اغوسطينوس بقوله : " لقد خلقتنا لك يا الله ، وقلبنا لا يزالمضطرباً وقلقاً إلى أن يأتي إليك ويستريح فيك " . فالاقتراب من الله بالعبادةوالعمل بإرادته القدوسة واسترضاؤه في حال الخطأ يعيده إلى أصالته و إلى بعض سعادتهبمشاركته حياة الله . وبما أن عامة البشر هي منهمكة بأمور هذهالدنيا ، ويرعبها الدنّو من الألوهة لشعورها بعدم أهليتها ، فكان لزاماً على الشعبأن ينتدب عنه أشخاصاً يفرزهم لهذه الغاية ، ليكونوا وسطاءه عند الله . هؤلاءالأشخاص دعوا " كهنة " والكاهن كلمة عبرانية ارامية تعني " الواقف " ، أرى الواقفأمام الله يصلي إليه حمداً وضراعة واستشفاعاً. كهنوتالعهد القديم " وأما هذا الذي يبقى ( يسوع ) للأبد ، فلهكهنوت لا يزول " ( عب 7/24 ) . هكذا إذ أرادت الرسالة إلى العبرانيين ، أن تصفوساطة المسيح ، قرّبتها من وظيفة كانت موجودة في العهد القديم ، أسوة بها في كلالديانات المجاورة ، وهي وظيفة الكهانة . فحتى نفهم كهنوت المسيح ، ينبغي أن نعرفمفهوم الكهنوت في العهد القديم ، الذي مهّد لكهنوت المسيح وكان رمزاً مسبقاً له . أختار الله شعب إسرائيل أساساً لمهمةكهنوتية ، أي ليؤدي له العبادة الحقيقية التي مارسها أجداده إبراهيم واسحق ويعقوب . و كلّم موسى فرعون باسم الرب قائلاً : " أطلق شعبي ليعبدوني " ( خر 7/16 ) . وليعلناسمه مبشراً به الأمم الغارقة في ظلام الوثنية : " لكي يعرّفوا بني البشر جبروتهومجد بهاء ملكوته " ( مز 144/12 ) . وقد أعلن الله لبني إسرائيل قائلاً : " وأنتمتكونون لي شعباً مقدساً ومملكة كهنة " ( خر 19/5 ) . على أن شعور الشعب بخطاياه وخوفه من الدنّوإلى الله والمثول بين يديه على غير استحقاق ، دفعه لأن يبقى هو بعيداً ، وينتخبلهذه المهمة أشخاصاً ينتدبهم عنه ، ويقدّسون متكرسين لهذه الرسالة العظيمة السامية . أيّام الأباء ، لم يكن لا هيكل ولا كهنة ،بل ممارسات كهنوتية يقوم بها كبار العشائر . كان الآباء ينصبون المذابح في بلادكنعان ( تك 12/7 ) ، ويقدمون الذبائح ( 22/13 ) . وهكذا كان يفعل سائر الشعوب حولهم . الكهنة الوحيدون الذين يؤتى على ذكرهم هم أجانب : ملكيصادق الكاهن والملك ( 14/18 ) وكهنة فرعون (41/45 ) . في عهد موسى الذي كان من سبط لاوي ، كان هو نفسه يقدّمالذبائح ( خر 24/3 – 8 ) . لكنه أوكل فيما بعد ، من قبل الرب ، جميع الأمورالكهنوتية إلى أبناء سبط لاوي . وكان أخوه هرون أول عظيم الأحبار ( 29 ) . معالأيام أصبح الكهنوت تراتبيّا ، في القمة عظيم الأحبار وهو خليفة هرون ، ثم الكهنة، ثم اللاويون ومنهم المرتلون وحراس الأبواب . أما الوظائف الكهنوتية فكانت خدمةالطقوس ( حراسة العهد ، ترؤس الاحتفال تقدمة الذبائح ، تكريس وتطهير ) وخدمة الكلمة ( تلاوة الأسفار ، كتابتها ، تفسيرها ) . لكنّ ذلك لم يكن سوى " فرائض جسدية موضوعةحتى زمن الإصلاح فقط " ( عب 9/10 ) . لأنه " لما كانت الشريعة لا تشتمل إلا على ظلّالخيرات المستقبلة ، لا على جوهر الأمور ، فإنها عاجزة للأبد – على الرغم من تلكالذبائح التي تقدّم كل سنة إلى ما لا نهاية – أن تجعل كاملين أولئك الذين يشتركونفيها … ذلك أنه من المحال أنّ دم ثيران وتيوس يزيل الخطايا " ( 10/1 – 4 ) . فظلواهكذا " يذكرون خطاياهم مرة كل سنة " ( 3 ) إلى أن تجّسد ابن الله قائلاً لأبيه : " ذبيحة وقرباناً لم تشأ ، غير أنك هيأت لي جسداً . لم ترتض محرقات ولا ذبائح خطيئة ،حينئذ قلت هاءنذا آتي لأعمل يا الله بمشيئتك … فهو ، إذاً ، يبطل النظام الأولليقيم الثاني . وبقوّة هذه المشيئة قدّسنا نحن بتقدمة جسد يسوع مرّة واحدة لا غير " ( 10/5 – 10 ) . ظل كهنوت العهد القديم في أغلبيته أميناًعلى رسالته . فبطقوسه وتعليمه وتدوينه الكتب المقدسة ، أبقى حياً في إسرائيل التراثالمسلّم من موسى والأنبياء ، ووطد من جيل إلى جيل ، حياة شعب الله الدينية . ولكنكان لابد أخيراً من تجاوزه . فقيم العهد القديم لا تأخذ كل معناها إلا في يسوع الذييتممها متسامياً عليها . ويحقق هذا المبدأ العام الوحي على الوجه الأكمل ، في حالالكهنوت . يسوعالمسيح : الكاهن الوحيد الأحد هو ملك الأيام لأنه " يصنع الكنيسة " ، الجماعة ، في الافخارستيا ، والافخارستيا ملكة الأسرار لأنها ذبيحة ، ذبيحة العهدالفصحي ، المؤلّهة . والذبيحة تتطلب كاهناً . فما هو الكاهن ؟ الكاهن المسيحي . يجبأن ننطلق من يسوع المسيح ، هناك كاهن واحد : إنه هو . وكهنوت واحد : إنه كهنوته . يسوع المخلص ، لا يكمّل الكهنوت الهارونيالمنتقل بالوراثة في سلالة لاوي . إنما على العكس ، لن يكون كاهناً على مثال هارون، بل ، تقول الرسالة إلى العبرانيين ، بعد المزمور 110 : " إنه كاهن إلى الأبد علىشبه ملكيصادق " . يسوع ابن داود ، من قبيلة يهوذا ، " ينتميإلى قبيلة لم يخدم منها المذبح أحد " ( عب 7/13 – 15 ) . لم يأخذ يسوع إذاً لقبكاهن أبداً ، كما لم يقل عن نفسه مرة أنه " كاهن " ، لا ولم يتكلم على " الكهنوت " ولم يدع رسله " كهنة " . بدلاً من أن يظهر بمظهر شخص مكرّس ، مفصول ، طاهر ، هاهويستقبل الخطأة ويأكل معهم من دون أن يهتم " بالدنس الشرعي " الذي يلصق به هكذا . كان يختلط بالجمهور ويعيش مثل جميع الناس ، فقيراً مع الفقراء ، مع رسله . ولم نجدسفراً واحداً يسمّيه بهذا الاسم ، ما عدا الرسالة إلى العبرانيين ، فلا أية إمكانيةالتباس بين كهنوت المسيح والكهنوت الذي كان المسيحيون الأول يرون اليهود أوالوثنيين يمارسونه . أما الطغمة الكهنوتية اليهودية ، فهي ليست فقط لم تعتبره كواحدمنها ، بل راح رؤساؤها يطاردونه منذ بدء حياته العلنية ولم يهدأ لهم بال حتى حاكموهوقتلوه ، وهكذا أسهموا في تقدمة الذبيحة الوحيدة ، ذبيحة الكاهن الأوحد . لم يقميسوع أبداً بوظيفة طقسية لكي " يقدّم " أو " يضحي " شيئاً ما . لا يتم كهنوتهبالاحتفالات بل هو شخصه بالذات . فهو يدعو نفسه " ذاك الذي قدّسه الآب – كرّمه – وأرسله إلى العالم " ( يو 10/36 ) . ويقول أيضاً : " أني أقدّس ذاتي لأجل تلاميذيليكونوا هم أيضاً مقدّسين في الحق " ( يو 17/19 ) . هذا " التقديس والتكريس " هماذبيحة حياته ذاتها وتقدمة موته بالذات . حياة وموت تمجّدا في القيامة لأجل تقديسوتأليه تلاميذه هذا الموت الذي يقاسيه ، إنه يقبله ويقدمه هو ذاته كما يقدم الكاهنذبيحته . لذلك ننتظر منه أن يكفّر عن الخطايا ويؤسس العهد الجديد ويخلّص شعبه . وبالمختصر ، إنه " كاهن ذبيحته الخاصة " ( معجم اللاهوت الكتابي ) . عندئذ لم يعد للكلمات " كاهن ، كهنوت ،ذبيحة " المعنى ذاته . فنحن ننتقل من الصور إلى الحقيقة . لم يعد ما يطلب منّا هوأن ندور حول المذبح بل أن نصبح أبناء الله . المطلوب لم يعد الطقوس بل الحب ، لميعد تقدمة ضحايا وذبح حيوانات بل بذل الذات والتضحية بالذات : " … فكم بالأحرى دمالمسيح الذي بالروح الأزلي قرّب نفسه لله بلا عيب يطهّر ضمائركم من الأعمال الميتةلتخدموا الله الحي . لذلك هو وسيط عهد جديد … " ( عب 9/11 – 15 ) . فلنذكر أنالخطيئة هي انفصال : الإنسان عن الله ، الرجل والمرأة ، الأخ وأخيه ، شعب وشعب … بينما هو الاتحاد : اتحاد بالينبوع الذي هو الله ، وهذه هي الحياة . اتحاد بالآخرينوهذا هو الحب . الحياة والحب الأبديان . وكهنوت المسيح ، الكهنوت الوحيد ، هو هذهالوساطة المثلثة : - أرسله الله الآب إلى لقاء البشر ( وساطة " رسولية " ) - ليجمع جميع الناس في حظيرة ( وساطة " رعاية " ) - ليسير بهم في عبوره في فصحه نحو الآب ( وساطة " ذبيحة " ) هذا هو كهنوت المسيح ، لم يكن من كاهن قبله، ولن يخلفه أحد ، هو الكاهن إلى الأبد . كهنوت المسيح هذا ، الوحيد الأوحد ، يشتركفيه كل من هم له بالمعمودية ، " من أراد أن يتبعني ، فليحمل صليبه ويتبعني … ويشربالكأس التي أنا مزمع أن أشربها " ( متى 16/24 ، 20/22 ) ، و " ليمض ويبشر بملكوتالله " ( لو 9/60 ) ، وليكن مستعداً لتأدية الشهادة حتى الدم ( متى 10/16 – 28 ) . كهنوتملكي ، أمة مقدسة " … فقدّموا أنفسكم لبناء بيت روحانيللكهنوت المقدس كيما تقربوا ذبائح روحية ، يقبلها الله إكراماً ليسوع المسيح … فالكرامة لكم أيها المؤمنون … أما أنتم فإنكم ذرّيّة مختارة وكهنوت ملكي وأمة مقدسةوشعب اصطفاه الله للإشادة بآيات الذي دعاكم من الظلمات إلى نوره العجيب . لم تكونواشعباً من قبل ، وأما اليوم فإنكم شعب الله … " ( 1بط 1/4 – 10 ) . العماد هو الذي يشدّنا هكذا إلى يسوعالمسيح في بناء واحد ويجعل منّا جسداً واحداً معه في الكنيسة ويجعلنا أحياء بحياتهوشركاء في كلّ ما هو له . فإن كان المسيح الكاهن هو حجر الأساس الذي عليه يقومالبيت كلّه – الكنيسة – وإن كان حجر الزاوية الذي به يتماسك البناء كلّه كقطعة |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سرّ الكهنوت http://www.peregabriel.com/gm/albums...eur_Savoie.jpg مقدّمة: الكهنوت هو السرّ الّذي يكفل استمرار الرسالة الّتي وكلها السيّد المسيح إلى تلاميذه، ناشطةً في الكنيسة حتّى منتهى الأزمنة. هو سرّ الخدمة الرسوليّة ويتضمّن ثلاث رُتَب: الأسقفيّة، الكهنوت والشمّاسيّة. لقد أنشأ السيّد المسيح بحياته وموته كهنوت العهد الجديد. وتركّزت الدعوة الكهنوتيّة من حيث المهمّة والرسالة على التبشير بالمسيح والكرازة بإنجيله الإلهيّ، على التعليم والقيادة والتقديس. تركّزت على توزيع الاسرار والخدمة. على الرعاية والإِرشاد. على تقدمة الذات والشهادة. كهنوت المؤمنين وكهنوت الخدمة اتّسمت الكنيسة كلّها بطابع الخدمة الكهنوتيّة. وجميع أعضاء شعب الله هم كهنة، يشتركون في رسالة المسيح: المعلّم والكاهن والملك. إنّه كهنوت المؤمنين المشترك، بالمعموديّة ومسحة الروح القدس. غير أنّ بعضًا منهم تُوكل إليهم مهمّة خاصّة في هذا الجسد الشامل. فما هي المهمّة الخاصّة؟ إنّها الخدمة الكهنوتيّة الّتي تضمن استمرار شعب الله وتعمل على بناء جسد المسيح. هذه الخدمة تتمّ في ثلاثة ميادين: الكلمة، الأسرار، الرعاية. - خدمة الكلمة تحقّق أمر المسيح :"اذهبوا في العالم كلّه، وبشّروا بالإنجيل الخليقة كلّها" (مر16 / 15). - خدمة الأسرار : تكوّن جماعة مسيحيّة تحيا في الحياة الإلهيّة الواحدة. - أمّا خدمة القيادة فتقوم على تجسيد عمل المسيح الراعي الّذي يجمع كلّ المسيحيّن في جماعة شعب الله الواحد. ولذلك يؤّكد المجمع الفاتيكانيّ الثاني على ضرورة تنشئة وإعداد الكهنة إعدادًا كاملاً فيتهيّأوا لخدمة الكلمة وخدمة الصلاة والأسرار وخدمة الراعي .(رقم 4- 21). تتكوّن رتبة سرّ الخدمة الكهنوتيّة من : وضع اليد والصلاة الابتهاليّة لمنح الروح القدس . الكهنوت والرسالة: الرسول هو مبعوث يمثّل المرسِل. هو شخصيّة شخص له مهمّة خاصّة.أُطلق هذا الاسم على تلاميذ يسوع الاثني عشر الّذين اختارهم حتّى يشاهدوا حوادث حياته على الأرض وينتظرونه بعد القيامة ويشهدوا له أمام العالم بعد العنصرة. وصار هذا الاسم يطلق على كلّ معمَّد اشترك بحياة المسيح وموته وقيامته. لم يكن الرسل من العلماء، بل كانوا من الأَتقياء. علّمهم يسوع تعليمًا روحيًّا بحياته معهم، بمثله وأعماله، لأنّه المعلّم وهم التلاميذ. السيّد المسيح هو رسول الآب إلى العالم، هو رسالة الحُبّ والحقيقة والخلاص لأنّه وحي الآب، حُبّ الآب، حقيقة الآب هنا، كلمة الآب. هو الطريق إلى الآب بمثله والحقيقة بتعليمه. والحياة بنعمته. هو الراعي الصالح والباب إلى الآب، «قد جئت لتحيا الخراف» والحياة مختصر كلّ الخيرات. «كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ( يو20/21) اذهبوا إلى العالم وتلمذوا جميع الامم وعمّدوهم... وعلّموهم أن يحفظوا كلّ ما أوصيتكم به. من سمع إليكم سمع إليّ ومن أعرض عنكم أعرض عنّي ومن أعرض عنّي أعرض عن الّذي أرسلني».اختارهم ليكونوا معه. يبشّروا بالإنجيل، يطردوا الشياطين، يشفوا المرضى. أعطاهم سلطانه ليشهدوا لقيامته وينشروا حضوره وكلامه . هكذا أسّس السيّد المسيح الكنيسة الّتي هي شركة الحياة الالهيّة بين البشر واللـه وبين البشر ذاتهم. وأعطاها بنية اجتماعيّة منظورة قوامها الكهنوت المسيحيّ الشامل الموضوع تحت رعاية الخدمة الرسوليّة المتوّجة بالخدمة البطرسيّة. فالرسالة عمل ووظيفة. والكنيسة، في حقيقتها، هي المسيح الحاضر، الفاعل في العالم. وفي امتدادها هي كلّ الشعوب والأمم. في غايتها هي مكان الخلاص، ومهمّتها أن تقدّم المسيح إلى العالم وتصيّره متجسّدًا دائمًا، حاضرًا، فاعلاً وحيًّا فيها إلى الأبد. رسالتها أن تعدّ البشر إلى قبول المسيح وتشهد له وتكمّل إنجيله، تحقّق خلاصه وتقود الكون إلى معاده. السيّد المسيح رسول الآب ورسالته. هو سرّ الآب. والرسل رسالة المسيح إلى الكنيسة والكنيسة والرسل هم سرّ المسيح في العالم، يعني أنّهم علامة حضوره وعمله وخلاصه؛ مهمّتهم أن يوصلوا المسيح إلى العالم ويشهدوا له لأنّه رسالة الكنيسة إلى العالم. حاولت الكنيسة أن تكون سرّ المسيح إلى العالم، من خلال ثلاث مميّزات: 1- المواظبة على تعليم الرسل وتفسير الكتب على نور القيامة. 2- المواظبة علىالمشاركة واقتسام الخيرات والاختبارات. 3- المواظبة على كسر الخبز والصلوات. بعد هذا العرض حول الكهنوت، سنتوقّف عندالبُعد العمليّ والاختباريّ: أوّلاً: إذا كان الدين هو أقدم تقليد في التاريخ والأكثر تأثيرًا بالانسان لأنّه يتناول كلّ الانسان وقطاعات حياته وعلاقته واختباراته، فإنّ رجُل الدين هو الاكثر تأثيرًا وخصوصًا بذهنيّة شعبنا الشرقيّ ونظرته إلى الكاهن؛ دوره تقريريّ في تربية إيمان الشعب وتوجيه مسار حياته ومصيره. ثانيًا: منبر الكاهن هو المنبر الاكبر والأفضل في علاقاته ومعاملاته لأنّ شعبنا ما زال يربط ويجمع بين وجه الكاهن ووجه يسوع المسيح. فإمّا يحبّ اللـه ويرتاح إليه أو يعاديه ويرفضه من خلال الكاهن. ولأنّه هكذا فرضت على الكاهن مسؤوليّة خطيرة أن يكون وجه يسوع المسيح في علاقته مع الناس. ومن شروط نجاح الكاهن أن يكون مقبولاً من الرعيّة ولكي يكون مقبولاً يجب أن يتجنّب ثلاثة منـزلقات يرفضها الناس في شخصيّته ومنها: 1- التكالب على المال والتجارة بالكهنوت، بغية الربح المادّيّ. 2- المغامرات العاطفيّة (الهرقة، الدلعة، الموعة، والخفّة) وتخصيص الزيارات وتكرارها لأشخاص أولبيت معيّنين. عملاً بالقول المأثور " لكلّ مقام إلزام, ولكلّ مكان لباسه". 3- الدخول في السياسة المحلّيّة، مع فريق ضدّ آخر، فيصير الكاهن فريقًا.وتنقسم الرعيّة عليهوتفشل المهمّة. أمّا نجاح كاهن الرعيّة في مجتمعنا فله ثلاثة شروط جوهريّةمنها: 1- أن يحبّ رعيّته مثل عيلته. ويربّيها بالمحبّة والصدق وأن يتعرّف عليها ويزورها لأنّ الراعي الصالح يعرف رعيته والرعيّة تعرف راعيها. 2- التضحية في سبيلها: فلا يتردّد بأن يكون المحرقة والفدية على مذبحها. وأن يكون اختياره خطّ النار للدفاع عنها لأنّه الراعي الصالح الّذي يبذل نفسه في سبيل خرافه ويواجه العدوّ ويضحّي بذاته لإنقاذهموحمايتهم. ومن واجباته أن يتبنّاها ويتضامن معها ولا سيّما في أوقات الخطر والمحنة. 3- حضوره الدائم فيها ومشاركتها مناسبات الحياة والاختبارات. يشاركها بالفرح والحزن والصعوبات بالبساطة والعفويّة والأبوّة. ولأنّه معنيّ بها وليس متعدّيًا على المهام. وهكذا يتمكّن من إشراك الرعيّة بكلّ المشاريع والنشاطات والهموم والمهام. ولكي يكون المرجع المُطاع، يُطلب منه التحلّي بالصفات التالية: أن يكون مهذّبًا ويحترم أبناء رعيّته ويستقبلهم بالبشاشة ولا يطالب بما لا يمارس. أن يكون نظيفًا ولائقًا.ولأنّ الكاهن هو مرجع الرعيّة تُعرض عليه مشاكل العائلات ويعرف أسرارها، فيصير لزامًا عليه أن يحفظ السرّ ويقود حملة المصالحات ويحاول أن يحلّ مشاكل الرعيّة.لأنّه حافظ السرّ ودوره فريد. ولا يمكن سواه أن يقوم به. من صفات كاهن الرعيّة الناجح: اليقظة، حتّى يراقب ما يدخل إلى الرعيّة وماذا يحصل فيها ويواجه الصرعات والشعوذات والّتيارات الفكريّة والعقائديّة والأخلاقيّة الّتي تؤثّر سلبًا على سلامة الفكر والعقيدة والأخلاق. من هنا يطلب منه أن يكون مُلِمًّا بتيّارات زمنه الفكريّة والعقائديّة وصرعات البيئة الاجتماعيّة وإفرازاتها. على الكاهن المعاصر أن يكون رسول المعرفة والحقيقة، ينكبّ على الأبحاث والعمل الفكريّ ولا يطلّق الكتاب. أن يتحلّىبجرأةالموقف والقرار، فلا يساوم على الحقيقة والرسالة والمصلحة العامّة.من مسؤليّاته تنقية التقاليد وتصحيح المفاهيم بالتعاون والتضامن مع الرعيّة. إذا كانت علاقة الكاهن بالرعيّة علاقة ضميريّة وتوزيع أسرار ، فيصير لزامًا عليه، أن يقتدي بمواقف المسيح. أن يكون أخًا وطبيبًا وعالمًا نفسيًّا يستقبل الخاطئ بحنان ورجاء، ويتحمّل معه ألمه ويبحث عن حلول لمشاكله. كاهن الرعيّة، وخصوصًا إذا كان وحيدًا, وليس له معاون،فلا يسمح له أن يتعب ولا يمكنه أن يستقيل من خدمته ولا يقدر أن يمرض، فهناك حتميّات تفرض عليه: وفيات، أعياد، مشاكل، عمادات، أكاليل. راحته في التعب وسعادته أن يخدم. لأجل الرعيّة يعيش ويقدّس ذاته. في النهاية، الكاهن هو القدّاس بذاته، هو إِتقان الأسرار، لأنّ فشله جماعيّ ونجاحه جماعيّ. فهو القادر أن يجعل من رعيّته برج بابل جديدًا أو رعيّة وثنيّة معادية للكنيسة. كما أنّه يقدر أن يجعل منها علّيّة صهيون جديدة تعيش دائمًا مناخات العنصرة وهبوب الروح: علّيّة محبّة وإلفة، صلاةوروحانيّة مشعّة تتقن لغة الحُبّ ووحدة الحال. والمشاركة.على كاهن الرعيّة أن يتمرّس بالفشل وينتظره ولا يسمح لذاته بالحرد والخصام وبردّات الفعل الانفعاليّة بحيث يخسّر الكنيسة أولادها.يمكن للكاهن أن يذبح ذاته على مذبح الرعيّة ومع هذا تبقى الحملات المسعورة والمهاترات تُمارس ضدّه وعليه: من الأجهزة المشبوهة، المحافل، المافيات والمنظّمات المعادية، وعليه أن يتوقّع ذلك.يتعلّم الكاهن الناجح من رعيّته الإيمان، وفيها يجد شخصيّته الكهنوتيّة ويعيش إيمانه؛ يمتلئ عاطفيًّا وهو يربِّي صغارها ويحبّهم وينجح في قيادة حياة الرعيّة الاجتماعيّة والفكريّة والروحيّة وهكذا تصير الرعيّة عيلته الكبيرة. ممنوع علىالكاهن الضعف اللامعذور الّذي يشوّه ويشكّك ويبلبل حياة الرعيّة، لأنّه ضعف مجرم إلى جسد السيّد المسيح. وخصوصًا لأنّه جماعيّ.على الكاهن، باسم سلطانه ومسؤوليّاته، أن يجمع كلّ يوم أتعاب الناس وجهادهم, نشاطهم وأوجاعهم، أحلامهم وأمراضهم وقضاياهم ويرفعها ويكرّسها مع القرابين؛ فيكرّس ويقدّس البشريّة والكون بأسره خليقة جديدة مخلّصة بدم الحمل الإِلهيّ.ويقدّم ذاته قربانًا وذبيحة مع الحمل الذبيح. عليه أن يبقى الكائن الزاهد الفقير، رجل الصلاة والخدمة، الحاضر الغائب. معاني أواني التقديس والملابس الكهنوتيّة : http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_345.jpg 1- المذبح: يرمز ويشخّص جبل الجلجلة حيث صلب المسيح. 2- الطبليت: يرمز إلى القبر حيث وضع جسد السيّد المسيح. 3- أغطية المذبح ترمز إلى أغطية القبر. 4- الصمدة: ترمز إلى الكفن الّذي لفّ فيه. 5- الإسفنجة: ترمز إلى الإسفنجة الّتي سقاه بها الصالبون الخلّ والمرّ. 6- النوافير: ترمز إلى اللفائف الّتي لفّ بها . 7- الصينيّة: ترمز إلى الصليب الّذي ذبح عليه . 8- الكأس: ترمز إلى الآلام الّتي شربها وكأس العهد الجديد. 9- الكتّونة: ترمز إلى القميس الّذي اقترع عليها الجند. 10- الزنّار والبطرشيل والزنود: ترمز إلى الحبال الّتي ربطوه بها على العمود . 11- المنصفة : ترمز إلى المنديل الّذي غطّوا به رأسه . 12- البدلة: ترمز إلى البرفير الّذي ألبسوه إيّاه، استهزاءً به. 13- البخور: يرمز إلى الطيب الّذي تطيّب به جسده الطاهر، وإلى صلاة المؤمنين المتصاعدة إلى السماء . 14- الشمع: يرمز إلى المسيح نور العالم. 7- سرّ مسحة المرضى http://www.peregabriel.com/gm/albums...2/2cat-004.jpg ماهيّة السرّ وتسميته: هو أحد أسرار الشريعة الجديدة السبعة، شرَّعه السيِّد المسيح لمنح المريض الحاصل في خطر الموت خلاص النفس وشفاء الجسد أيضًا، بدهنه بالزيت المبارك وبواسطة صلاة الكهنة وتشفُّع الكنيسة. ليست «مسحة المرضى» سرّ الّذين يكونون في خطر الموت الشديد فقط، وعليه فإنَّ الزمن الموافق لاقتبالها يكون ولا شكّ قد حان، عندما يبدأ المؤمن يدخل في خطر الموت، بسبب المرض أو الشيخوخة.(دستور في الليتو. عدد 73). منذ الجيل الثامن عمَّ استعمال هذه المسحة في آخر رمق من الحياة لذلك أطلق عليها، وقتئذٍ، اسم «المسحة الأخيرة»، لأنَّها آخر مسحة على لائحة المسحات:عماد، تثبيت، كهنوت، ولا تعني مسحة آخر الحياة. أمّا تسميتها «مسحة المرضى»، فتتجاوب أكثر مع تاريخ استعمالها ومع فاعليّتها الجسديّة والروحيّة. فمسحة المرضى ليست طقس تكريس، بل هي عمل يشفي روحيًّا وجسديًّا تحمل الشفاء والغفران معًا. في العهد الجديد: أرسل يسوع الرسل للبشارة:«اشفوا المرضى، أقيموا الموتى، طهِّروا البرص، اطردوا الشياطين» (متّى 10/7-8). البرهان الكتابيّ على أصالة هذا السرّ: إنجيل مرقس: إنَّ القدِّيس مرقس الإنجيليّ تفرَّد بذكر المسح بالزيت في أيّام يسوع حيث قال: «كانوا يطردون شياطين كثيرة ويدهنون مرضى كثيرين بالزيت فيشفون.» (مر6/13). يخبر مرقس: 6 /12-13: المسح بالزيت كان معروفًا كوسيلة شفاء لدى اليهود والوثنيّين، أخذ يسوع هذه الطريقة وأعطاها قوّة روحيّة. فشفاء المرضى، بالإضافة إلى كونه عملاً جسديًّا، هو في الوقت ذاته ظاهرة مسيحانيّة، ترتكز على قوّة المسيح ضدّ الشرّ في سبيل الحياة. رسالة القدّيس يعقوب: يعطي القدّيس يعقوب في الفصل الخامس 14-15، عدّة نصائح بالنسبة للظروف وصعوبات بعض أفراد الجماعة المسيحيّة، من هذه النصائح المرتبطة بتاريخ الخلاص: « هل فيكم مريض فليدع كهنة الكنيسة، وليصلّوا عليه ويمسحوه بالزيت باسم الربّ، فإنَّ صلاة الإيمان تخلَّص المريض، والربّ ينهضه، وإن كان قد ارتكب خطايا تُغفَر له، إنَّها فاعليّة إيمان وصلاة الكنيسة والكهنة والحاضرين مع المريض ». يقصد القدِّيس يعقوب هنا مريضًا طريح الفراش، لذلك يدعى الكهنة الّذين أعطوا قوّة خاصّة على الشفاء بفضل صلوات الإيمان الّتي ترافق المسحة بالزيت باسم الربّ أيّ بأمره وقوّته، وبهذا يخلص المريض ويُعطى نعمة حياة جديدة جسديّة وروحيّة. يمكن استثمار المرض كاشتراك طوعيّ بآلام السيِّد المسيح وموته وتضامن مع آلام المعذّبين في الأرض وكفّارة عن الخطايا. السيِّد المسيح « أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا» (متّى17:8)، وسلّم تلاميذه، انتدبهم، ليشفوا المرضى باسمه. هو طبيب الأرواح والأجساد، مخلّص الأشخاص. بشفائه المرضى أخذ على عاتقه شرّ البشريّة الجسديّ والروحيّ، لذلك عاشت الكنيسة مسحة المرضى ومارستها منذ أوائل المسيحيّة.فالمسحة هي سرّ المرضى، والقربان سرّ المنازعين. والمسحة والمصالحة والمناولة تؤلِّف الأسرار الأخيرة. خادم السرّ: إنَّ خادم سرّ المسحة هو الكاهن الّذي يَسِمُهُ الأسقف بسمة الكهنوت وليس إلاّ. ويتَّضح هذا من قول يعقوب الرسول 5/14 « هل من مريض فيكم فليدع كهنة الكنيسة ليصلّوا عليه ويمسحوه بالزيت». والمجمع اللبنانيّ يحدِّد بقوله:« إنَّ خدمة هذا السرّ، من حيث الصحّة، تناط بالكهنة والأساقفة دونغيرهم». «فإنَّ الصلاة مع الإيمان تخلِّص المريض والربّ ينهضه». صورة سرّ المسحة: «أيّها الآب القدّوس، الطبيب السماويّ للنفوس والأجساد، يا من أرسلت ابنك يسوع المسيح يشفي كلّ مرضٍ ويولي النجاة من الموت، اشف، بهذه المسحة المقدّسة، عبدك هذا من كلّ مرض فيالنفس والجسد، بنعمة مسيحك الّذي يليق بك المجد معه ومع الروح القدس ، الآن وكلّ آنٍ وإلى الأبد». من يمكنه قبول السرّ ؟ المؤهّل لقبول هذا السرّ إنَّما هو الخاطىء المصاب بمرض خطر وأن يكون خطر الموت متأَتّيًا عن مرض باطنيّ كالجرح والشيخوخة والولادة المتعسِّرة، التسمّم، وذلك لصحّة إعطاء السرّ. وعليه فلا يُعطى إلى النافرين إلى ساحة القتال والمسافرين ولا المتعرِّضين إلى غير ذلك من الأخطار، ولا المجرمين المحكومين بالموت، ولا الأطفال، وذلك لانتفاء اقتراف الأطفال خطيئة فعليّة، ويحَرَّم إعطاء هذا السرّ مَن كانوا معتوهين منذ الولادة وكلّ عمرهم، لانتفاء اقترافهم خطيئة مميتة، وغير التائبين والمحرومين وغير المعمَّدين، وعند الريب، يمسح المريض بصورة شرطيّة. فوائد هذا السرّ وثماره: يمنح سرّ المسحة: 1- النعمة المبرّرة والنِعم الحاليّة المختصّة به والتعزية والسلام والإغاثة الّتي تخوِّل المريض فرجًا وتقويةً على مواجهة تجارب إبليس ومقاومتها وعلى عبور الجسر إلى الحياة بثقة ورجاء. 2- غفران الخطايا الّتي لم تكن بعد غُفرت وإن كانت مميتة.«وإن كان قد ارتكب خطيئة ما تغفر له». 3- التنقية من فضلات الخطايا وآثارها وعواقبها في النفس، تعطي صحّة النفس نظرًا لتوبة المنازع وإيمانه. 4- عودة المريض إلى الصحّة إن كان ذلك ملائمًا لخلاص النفس،والمساعدة في خلق جوّ التسليم للعناية الإلهيّة والمرافقة الروحيّة والأخويّة والصلاة. خــــلاصــــة: وهكذا يبدو سرّ المسحة سرّ الأمل بالحياة والرجاء بالقيامة والسعادة الأبديّة والاتِّحاد بآلام المسيح، ويبدو خادم السرّ رسول المريض يمثِّل موقف الآب الحنون وطبيب آخر لحظة. فهل يجوز بعد الخوف من اقتبال هذا السرّ ورفض حضور الكاهن ساعة الضرورة، والحرمان من هذا المدد الإلهيّ ؟؟؟ |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
5- سرالكهنوت 1- هو منبع الأسرار: لولا الكهنوت ما كانت بقية الأسرار. من يعمد غير الكاهن؟ من يرشم بالميرون غير الكاهن؟ لذلك نسميه منبع الأسرار. كل سر له إسم فالمعمودية نسميها باب الأسرار؛ بدونها لا دخول للأسرار. التناول نسميه سر الأسرار. لأنه يعقب كل سر لا يكمل أى سر إلا بالتناول. سر التوبة والإعتراف نسميه مفتاح للأسرار. نسمى أيضاً سر الكهنوت سر الشرطونية بمعنى قانونية العمل الكهنوتى. لا أحد يأخذ قانونية العمل الكهنوتى إلا بالسيامة. وأحياناً نسميه بوضع اليد الروح القدس يحل بوضع اليد. منبع الأسرار، يناله الإنسان بالشرطونية وطقس السيامة عن طريق وضع اليد. مادة السر: هى الشخص الذى يرسم كاهن. يتحول من شخص عادى إلى شخص قادر على دعوة الروح القدس من حلول. ليس أى أحد يدعى (أعمال 13) "إفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه"، واضح أنه أمر خاص. حتى بولس قال "لما سُرَّ الله الذى أفرزنى من بطن أمى ودعانى بنعمته" فهى دعوة خاصة. (عبرانين). "لا يأخذ أحد هذه الكرامة لنفسه بل المدعو من الله كما هارون أيضاً". هذه الآيات تثبت أن هناك كهنوت خاص. دعوة خاصة. أجمل من ذلك ما قيل عن السيد المسيح كرئيس كهنه. فالسيد المسيح تجسد كى يكون رأساً للكنيسة ورئيساً للكهنه. "مدعو من الله كرئيس كهنه على رتبة ملكيصادق" حتى المسيح رغم أنه الله الإبن الكلمه حينما جاء ليكون رئيس كهنه دعى من الله. مدعو من الله رئيس كهنه على رتبة ملكي صادق. وفى إختيار متياس (أعمال 1) طلبوا وصلوا لربنا "أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أى تختاره" عيِّن أى أختار. ولذلك فالكهنوت دعوة. حتى القديس بطرس يقول بصورة عامة بالنسبة للمؤمنين جميعا ً"إجتهدوا أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين" وهذا بالنسبة لدعوة الكل للملكوت. فما بال بالنسبة للكهنوت. الله يدعو ولكن المختار يثبت صدق دعوته أو إستحقاقه للدعوة من خلال حياته فى الكهنوت. عندما طلب الناس من الرسل لكى يعملوا لهم خداماً قالوا لهم "إنتخبوا فنقيمهم نحن". أنتم تختارون ونحن نقيم لذلك نجد أن الكاهن يقدم له تذكية من الشعب. الله فى دعوته يعطى لكل رتبة القدرة أو الموهبة التى تجعله يقدم الدور المطلوب منه. (2كو 3: 5) "ليس أننا.. خدام عهد جديد". (أفسس 4: 11) "أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة" من الذى يحدد؟ ربنا هو الذى يدعو كل واحد حسب موهبته. (أعمال 20) "الخدمة التى تسلمتها من الرب يسوع لا أحتسب لشيئ ونفسى ليست ثمينه عندى حتى أتمم بفرح سعيى والخدمة التى أخذتها من الرب يسوع". (كولوسى 4) "أنظر إلى الخدمة التى قبلتها من الرب لكى تتممها". (1 تيمو 1) "أشكر المسيح يسوع ربنا الذى قوانى أنه حسبنى أميناً إذ جعلنى للخدمة" الآيات كلها واضحة تفيد الدعوة وتفيد الإمكانية المعطاه من الله لكى يخدم الإنسان بحسب دعوته. 6- تأسيس سر الكهنوت - الكاهن فكرة الكهنوت أساساً ظهرت فى العهد القديم لتقديم الذبائح. مثلث الكهنوت مثلث متساوى الأضلاع رؤوسه ثلاثة وأضلاعه ثلاثة. الله على رأس المثلث. والكاهن والذبيحة. الله يختار الكاهن، والكاهن يقدم الذبيحة، والذبيحة ترضى قلب الله. فالله هو المصدر والمصب (الهدف)، حيث أن الخطية أغضبت ربنا، الإنسان أغضب الله فلكى يرضى قلب الله ويوفى عدله فكان لابد من ذبيحة، وكيف تقدم الذبيحة بالكهنوت؟ هذا المثلث هو الكهنوت أو فكرة الكهنوت أو منشأ الكهنوت أو تأسيس الكهنوت. تقديم الذبيحة هنا طقس وحتى إختيار الله للكاهن فيه طقس إذاً هنا طقس الإختيار، طقس تقديم الذبيحة، والذبيحة ترضى الله من خلال فعل معين وهو الطقس أيضاً ولذلك يشمل سر الكهنوت أمرين: 1- فعل السر: أى إرضاء قلب الله. 2- الطقس: طقس ممارسة السر. الكهنوت فى العهد القديم كان ظلاً للكهنوت فى العهد الجديد والمسيح هو ملتقى الكهنوتين بمعنى أن كاهن العهد القديم كان يقدم الذبيحة وكانت تستمد قوتها من ذبيحة المسيح وكاهن العهد الجديد يقدم المسيح نفسه. ولذلك يسمونه حجر الزاويه. الكهنوت أخذ بعدين، البعد القديم، التمهيد للخلاص والبعد الجديد، ممارسة الخلاص. لماذا يحتاج الكهنوت إلى سلطان؟ ما معنى سلطان الكهنوت؟ لماذا أعطاهم سلطاناً؟ ما احتياجهم للسلطان؟ هناك ثلاث نقاط مهمه: 1- الكاهن كحارس للنعمة: لا يعطى العطية إلا لمن يستحقها لأن الكهنوت المذبح، حارس الجسد والدم. عندما أكل آدم من شجرة الحياة ربنا عمل كاروب، وضع حارس ومعه سيف من نار. لكى يمنع آدم أن يأكل منه. ولذلك الكاهن معه سلطان لأنه حارس للنعمة، حارس للأسرار. لا يمنحها إلا لمن يستحقه. 2- سلطان ضد الأسرار التى تحارب الأسرار المقدسة: أعطيكم سلطاناً أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو. سلطان على مملكة العدو. جيش خلاصى. فهو سلطان لأنه حارس، وسلطان لأنه مدافع. لذلك هناك رتب فى الكهنوت وكل رتبة تعمل تحت رئاسة رتبة أخرى وهكذ. فالشماس له رئيس. وهو رئيس الشمامسة ويقال إنه له لبس معين ويمسك عصاه ويمشى عن يمين الأسقف وحامل عصا الأسقف. سلطان. 3- سلطان دعوة الروح القدس ليعمل فى الأسرار: هذه فى حد ذاتها سلطان. سلطان العمل. لا يعمل فى الكهنوت إلا من معه سلطان. وهناك فرق بين السلطان والسلطة؟ السلطة مؤقته، ولكن السلطان دائم، والسلطة تعبير مادى أكثر، لكن السلطان شيئ روحى يشعر به الخليقة كلها حتى غير العاقلة. مثل الشجرة التى سجدت للعائلة المقدسة. الخليقة أمام خالقه. لذلك الشياطين تخاف من الكهنوت لأن معه سلطان. نبلور ما قلناه سابقاً سلطان السر: 1- كهنوت العهدين أسسه الله. 2- جعل لكل عهد ذبيحته. 3- أعطى سلطاناً مناسباً لكل عهد. 4- أوضح نوع العمل. من هنا نبدأ نرى الكهنوت فى العهد الجديد. متى تأسس الكهنوت فى العهد الجديد؟ بعد القيامة (يوحنا 20: 20 24) السيد المسيح بعد القيامة ظهر للتلاميذ وقال لهم "سلام لكم". وأراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. وقال لهم بعد ذلك "سلام لكم كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا" ونفخ فى وجوههم وقال لهم "إقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه غفرت له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت". أول نقطه أراه يديه وجنبه: أراهم الذبيحة التى سيقدمونها. النقطة الثانية قال "سلام لكم" مرتين. "سلام لكم" الثانية كانت بداية سر الكهنوت. ونفخ فى وجوههم أى أعطاهم الروح القدس. هنا عمل ثلاث أشياء. 1- معاينة الذبيحة. 2- ليتروجية سر الكهنوت. 3- نفخة الروح القدس. وهذا ما يتوفر فى رسامات الكهنوت فى العهد الجديد. 7- سر الكهنوت: ألقاب الكاهن 1- الكاهن وكيل سرائر الله: الكلمة الدقيقة لكلمة وكيل أى موصل نتيجة العمل فهو حلقة صلة بين طرفين الكاهن أمام الله يمثل الشعب وأمام الشعب يمثل الله. ولذلك هو وكيل عن الله أمام الناس ووكيل عن الناس أمام الله. لذلك نسميه شفيع. 2- الكاهن سفير: أى ممثل لشخصية من أرسله. يمثل الفكر ويمثل الحياة. الكاهن يلبس العمة على شكل قبة الكنيسة وقبة الكنيسة على شكل قبة السماء. فهو يمثل الحياة السماوية. الذى يراه يقول إنه سفير من السماء آتى إلينا على الأرض، لكى يوصل الناس للسماء. 3- الكاهن أب: لأنه يلد الناس فى المعمودية ولادة روحية. 4- الكاهن راعى: بمعنى النظر والمراقبة وتوفير الإحتياجات. 5- الكاهن خادم: يغسل الأرجل. أى يشجع على التوبة ويساعد الناس على ممارسة التوبة. سر الإعتراف هو تدريب عملى للتوبة. كلمة كاهن أى يكهن أى يقدم ذبيحة. 8- درجات الكهنوت درجات الكهنوت ثلاث (كل درجة فيها رتب) 1- الشماسية 2- القسيسية 3- الأسقفية. الشماسية: كلمة سريانية معناها خادم. درجات الشماسية: + الإبصالتوس: (أى مرتل مسؤل عن ألحان الكنيسة. هل ألحان الكنيسة محتاجة للروح القدس؟ طبعاً وإلا أصبحت أغنية فما الفرق بين الأغنية واللحن. الأغنية لصالح الجسد واللحن لصالح الروح فلابد من عمل الروح القدس ليحول اللحن لحساب الروح). + الأغنسطوس: (معناها قارئ وكلمة قارئ معناها مفسر أى يفهم من خلال القراءة. لذلك يسمون قراءات الكنيسة قراءات أغنسطوسية أى ما يقرأه الشماس شارحاً للناس ما يريد الكتاب أن يقوله). + الإيبذياكون: (كلمة معناها مساعد. إيبو أى تحت إيبذياكون أى مساعد شماس أو وكيل شماس. عمله أن يساعد الدياكون فى كل أعماله وعلى الأخص يحرص أبواب الكنيسة ويحفظ نظام الكنيسة. يحفظ هدوء الكنيسة وكل شخص فى مكانه. ينظم لكن قلبه يصلى لذلك فهى رتبة خطيرة. فهو مثال للمصلين وهو ينظمهم. لا يشتم ولا يضرب). + الدياكون: (هو الشماس الكامل الخادم الكامل. يخدم المذبح وينذر الشعب ويخدم الفقراء خارج المذبح. وهو عين الكاهن والأسقف. إذا كان بتولاً وأخذ وضع اليد، لا يتزوج. فيكون شماساً مكرساً). + الأرشيذياكون: هو رئيس الطغمة ويجلس عن يسار الأسقف أو البطرك ويناول الدم ويخدم الأيتام ويهتم بالمتعبدين ويبكت غير المتأدبين وينظم الأكليروس ويتلو الصلوات عند تجليس البطاركة والأساقفة. يسمونه المنذر والمعلن لكل صلاة وبدايته. طقس السيامة: (حسب كل رتبة) النطق: (فى النطق يعلن الرتبة) الدعوة: (من بداية الإيبذياكون) (ندعوك يا فلان إيبذياكون. من هنا تبدأ الدعوة) وضع اليد: (من بداية الدياكون) النفخة: (نفخة الروح القدس لكل الرتب الشماسية تكون النفخة فوق الرأس القسيسية وما بعدها تكون فى الفم). الرشومات: (الرشومات للكل الإبصالتوس يأخذ نطقاً ورشومات فقط أغنسطوس أيضاً نطقاً ورشومات لكن يضاف إليها قص الشعر. يقص الشعر أثناء النطق ويقص من أعلى مع كلمة باسم ومن الأمام ثم من الخلف ثم على الجنبين. والرشومات مع قص الشعر نوع من تقديس للفكر. على أساس أن خدمته فكرية عقلية فنحن نقدس له الفكر.) شرط أساسى أن كل السيامات تتم فى القداس ولابد أثناء صلاة الصلح. لأن مهمتهم نشر السلام والمحبة بين الناس. ولذلك لا يقول قبلوا بعضكم بعضاً إلا بعد الرسامة. أى أن السلام يحل نتيجة للرسامة ولابد فى أى رتبة أن يكون هناك تذكية لكل من يسام فى أى رتبة. القسيسية : هى من كلمة سريانية (قسيسو) وهى بالسريانى (قسيس) تطلق على الشخص الكبير فى السن الحكيم. حتى لبس الكهنوت هو لبس الحكماء والعلماء والفهماء. اللبس الأسود الفضفاض الرسمى وهو إشارة للآلام أيضاً. اللبس الأبيض إشارة للقيامة. قسيسية: معناها شفاعة. (سموا الكاهن شفيعاً للمقادس الإلهي) بالنسبة للقسيسية تسير فى المراحل الآتية: 1- التذكية: بمعنى أن يكون مزكى من الشعب "إختاروا أنتم فنقيم نحن". تزكية بمعنى الإختيار. شخص يكون مشهود له والكل يستريح له ويوكلوه. لأنهم يوكلونه عنهم أمام ربنا. 2- الدعوة: من خلال الليتروجية. ندعوك يا فلان. 3- تسلم الخدمة: سواء الذبيحة أو الكنيسة. الممنوعون من السيامة: يمنع من السيامة من خصى نفسه والزانى والفاجر والمتزوج بمستهترة وحديثى الإيمان. مفروض أن يكون عارفاً دائماً بأقوال الكتب المقدسة للتعليم والتوبيخ ولا يكون حقوداً ولا متكبراً ولا طماعاً ولا متكلماً بالسوء على الآخرين. لا يسكر بالخمر ويكون رسول سلام وبركة فى تفقد الرعية. مفروض أن يكون عفيفاً باراً ضابطاً لنفسه. مترفق بالرعية لا يميز بين فقير وغنى لا يعمل شيئاً بمحاباه يحتمل ضعف الضعفاء. يفتقد فى عزم محاولاً رجوع الضال والساقط. مفروض السن القانونى 30 سنه. يمنع من الكهنوت أيضاً من عرف بالشهاده الزور والوقيعة والتكبر والمدمن بالمسكرات ومن أقرض بالربا. والذى يعمل بالسحر. طقس سيامة الكاهن: أول خطوة قراءة التعهد. بعد قراءة التعهد تبدأ صلوات السيامة. تبدأ بصلاة الشكر ورفع البخور وصلوات لأجل السيامة. نطلب من أجله لكى يملأه من الحكمة ويحفظ عمل الروح القدس فيه ويعطيه نعمة لكى يتكلم كلام التعليم والوداعة ويتعبد بطهارة. القمصية: بالنسبة للقمص هذه رتبة قيادة أو تدبير. سبع طغمات كنيسة الله: أربع منهم الشماسية (إبصالتوس، أغنوسطوس، إيبذياكون، دياكون) (القس، الأسقف، رئيس الأساقفة). بالنسبة لوصايا الكاهن: الوصية تتضمن ثلاث نقاط مهمة: 1-حياته: (الداخلية والخارجية) 2- خدمته 3- علاقاته: (علاقته بالذبيحه، علاقته بالأوانى، علاقته بالناس) تدعوه بالأهتمام بالحياة الداخلية وبالقدوة الحسنه والسلوكيات الطيبة وتدعوه أن يخدم الله ويطيع الأسقف ويرعى الشعب. هذه هى الثلاث الأشياء المطلوبة من الكاهن. ملحوظة: إن الكهنوت فى كنيستنا القبطية كهنوت متوازن فيه الكاهن المتزوج وفيه الراهب الذى يصير أسقفاً أو بطركاً يرعى الناس رعاية عامة. فى الكاثوليك كلهم رهبان. أين الكاهن الذى يقدم الأسرة المثالية ويعرف مشاكل الأسرة ويختبرها؟ لذلك كان الأسقف الذى يدخل فى مشكلة عائلية أو أحوال شخصية يكون عن طريق مجلس إكليريكى به كهنه متزوجون. لأنه لم يعيش الحياة الزوجية فهنا يكون الكهنوت متوازن. الأسقفية: بمعنى النظارة. (صاحب النظرة المتسعة) أو الناظر من أعلى over seer أو الرقيب. وهى الدرجة العليا فى الكنيسة وله حق رئاسة الكهنوت. يقوم بالتدشين والشرطونية. ولذلك فهو أسقف أى يرى ما لا يراه أحد أى رؤية متسعة من علو. ودرجة الأسقفية تتميز بالتدشين والشرطونية. فهى درجة رئاسة الكهنوت. هو المثل الأعلى للإيبارشية. (والشرطونية معناها إقامة الكاهن بطريقة قانونية سليمة). أى قانونية السيامة. من شروط الأسقف: ألا يكون حديث الإيمان وأن يكون حكيماً، حليماً، نقياً، وديعاً، ساهراً، غير محب للفضة هادئاً، مستعد لكل عمل صالح. غير طامع فى الربح القبيح، وليس سكيراً، وغير غضوب، ولا يكون سماعاً (أى لايسمع من الناس ويحكم) ولا ضراباً، مشهود له بالفضيلة ويكون له تذكية ودعوة وسيامة. أكبر مسؤلية على الأسقف هى السيامات. هو سيسأل عن الشعب من خلال الكهنه. الكهنه مسؤله عن الشعب وهو مسؤل عن الكهنه. فلابد أن تكون السيامات دقيقة. لذلك الكهنه الكنيسين تذكية للأسقف أو شهاده له. 9- القيم الروحية لسرالكهنوت 1- خلاص النفس: (الكهنوت هو سر خلاص النفس) لذلك الذى يقبل الدعوة ويعثر الناس يكون حسابه عسير. 2- حامل للكنز: (إكنز لنا هذا الكنز فى آوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا) 3- يعمل بقوة الله: لا يعمل بقوة منه. يقولون للمسيح (إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك) فهم يعملون بقوة ربنا. 4- كرامة الرعاية فى صلاحه. كلما كان الراعى صالح كلما كانت لخدمته كرامة. ذهبى الفم يقول "إن كان يتسبب فى هلاك أحد فى هذه الحياة يستحق الموت بالقانون فكم بالأكثر من يسبب هلاك أحد فى الأبدية". 5- الكاهن هو قابل للعطية وموصل لها: يقبل عطية ربنا ويمنحها للناس المحتاجين. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكهنوت هوية ورسالة
http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_345.jpg الأب روماني أمين اليسوعي من هو الكاهن؟. يعطي كاتب الرسالة إلي العبرانيين صورة رائعة عن الكاهن فيقول: 'فإن كل حبر يؤخذ من بين الناس ويقام لدي الله من أجل الناس, ليقرب قرابين وذبائح كفارة للخطايا' (عبر5:1). وهو مدعو من الله فالكاهن هو قبل كل شيء شخص اختاره الله, أي ليس هو الذي يعطي الدعوة لنفسه, ولا هو الذي يحدد مسيرته. فطالب الكهنوت, الذي شغف بالمسيح, وأراد اتباعه, سمع هذه الدعوة, وتقدم من الكهنوت, بوعي وحرية, ولكن ليس هو المبادر: 'ما من أحد يتولي بنفسه هذا المقام.....' (عبر5:4). فهويته ورسالته تنبعان عن 'دعوة'. هذه الدعوة لا تبني بناء, ولا تتعلق بإرادة الشخص, أو انطلاقا من شعور وأحاسيس, ولا تتعلق بدعوة أو مثال أشخاص آخرين, ولا هي ضربة حظ. إنما الدعوة هي مبادرة إلهية, هي دعوة موضوعية وحقيقية من المسيح. في كل واحد من الذين يميلون إلي الدعوة الكهنوتية, تعاد قصة الرسل الذين دعاهم المسيح مؤكدا لهم: 'لم تختاروني أنتم, بل أنا اخترتكم..' (يو 15:16). وبالواقع, ففي أحد الأيام, وبطرق مختلفة, كل واحد منهم شعر بصوت داخلي يقول له: 'اتبعني' (مر 10:21). كل تاريخ الخلاص يتكلم عن طريقة إلهية خفية في عملية الدعوة: يدعو إبراهيم ليكون شعبا جديدا, ويدعو موسي لتحرير الشعب العبراني من عبودية المصريين, ويدعو الأنبياء ليكونوا صوت الحقيقة وشهود علي إرادة الله, ويدعو مريم لتكون أما للمخلص. ثم أتي يسوع الناصري, الكلمة المتجسد, ودعي بدوره بعض الرجال: 'فأقام منهم اثني عشر يصحبونه فيرسلهم يبشرون..' (مر 3:14). وفي مسيرة تاريخ شعب الله, يتابع المسيح في اختيار ودعوة مساعدين معاونين, يتابعون ويواصلون حضوره الخلاصي في العالم. ليست الدعوة إذن اختيارا وظيفيا جامدا, بل هي إعلان حب. فالمسيح يختار مجموعة بكل حرية: '... ودعا الذين أرادهم فأقبلوا إليه..' (مر 3:13), ودعاهم واضعا عليهم نظرة حب. والشاب الغني الذي كان يتبع الوصايا, ولكنه كان يريد أكثر: 'حدق إليه يسوع فأحبه فقال له: '... تعال فاتبعني' (مر 10:21). وأعلن للذين تبعوه حتي النهاية: 'كما أحبني الآب, فكذلك أحببتكم أنا أيضا...' (يو 15:9). عندما يحدق يسوع بنظره في شخص ما ويدعوه إلي اتباعه في المسيرة الكهنوتية, يجعله يسمع صوته من خلال مجموعة أو سلسلة من الإشارات والنداءات, ويتركها تتغلغل, نقطة نقطة, بصمت وسكون وبكل حب, في داخل ضميره وقلبه ووجدانه. هذه الإشارات أو النداءات, تكون مرات تحت شكل كلمة قيلت لشاب, أو سؤال بسيط, رسالة أو مثل صالح, يستخدمها الله لكي يعلن عن حبه. إن الله في مخططه الأبدي, فكر مسبقا في أهلية واستعداد الذي تم اختياره, ومنحه الصفات الضرورية ليتجاوب بالكامل مع دعوته. وما قبول الكنيسة الرسمي لهذه الاستجابة إلا ختم وضمان ودعاء إلي الله الأمين لوعوده لكي يحفظ هذه الدعوة. إعلان الحب هذا, يتطلب أيضا جواب حب من قبل الذي تم اختياره. فالله عندما يدعو, يحترم الإنسان. فالله يتكلم بوضوح, ولكنه لا يضغط ولا يكره, إنما يقترح, يخلق ربما اضطرابا وقلقا, يحضر روح الشاب, يدعو برقة في عمق أعماق الضمير, ولكنه يريد أن تستجيب النفس بكل حرية وحب صادق حقيقي. لأن الله لا يريد أبدا, كاهنا يتبعه مرغما يؤدي وظيفة ويؤديه دون حب. لذلك,معرفة الدعوة يجب أن تجد طريقها إلي قلب الشاب الذي يصغي, وأن تدخل في عمق تفكيره, وإحساسه وإرادته, حتي يكون لها تأثير علي تصرفاته واستعداداته الأخلاقية. كل دعوة هي حوار صداقة حقيقي بين المسيح الفادي والإنسان, الذي ومنذ الأزل, بحب, اختاره من بين جميع البشر ليرافقه أي يكون معه. فالمسيح هو الكاهن. فكل حياته, منذ ولادته في بيت لحم وحتي صعوده جبل الجلجثة, كان عملا كهنوتيا متواصلا, وبموته علي الصليب كان هو نفسه الذبيحة. ولهذا السبب وحده يستطيع إن يعطينا الكلمة النهائية عن هوية ورسالة الكاهن. لا يوجد مثال كهنوتي آخر خارج المسيح نفسه. هو وحده يستطيع أن يعطينا الهيئة (الصورة) الأساسية للكاهن, صورة لا تتغير. فكاهن الغد ليس أقل من كاهن اليوم, يجب عليه أن يتشابه ويتمثل بالمسيح, ففي السنوات التي قضاها المسيح علي الأرض, قدم في شخصه الصورة النهائية للكاهن, محققا في ذاته كهنوتا خدميا, كان الرسل أول من تقلده. كهنوت قصد منه أن يدوم, وأن يستمر ويتكاثر بلا انقطاع علي مدي التاريخ. فكاهن الألفية الثالثة سيكون المكمل للكهنة الذين سبقوه عبر القرون السابقة, وعاشوا حياة الكنيسة. وتستمر اليوم, في بداية الألفية الثالثة, الدعوة الكهنوتية كم حيث كونها دعوة لعيش كهنوت المسيح الوحيد والدائم |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سر الكهنوت – أب الإعتراف يبدأ القديس كيرلس الأورشليمي "عظاته التعليمية للموعوظين عن التوبة ومغفرة الخطايا" بوصف بسيط للخطية: [الخطية أمرٌ مخيف، وأكثر الأمراض وجعاً للنفس هو التعدِّي. إنه يُمزِّق أوصالها، وتصبح الخطية هي السبب في النار الأبدية، إنها اختيار الإنسان للشر بمحض رغبته، إنها ثمرة الإرادة الشريرة. وعن أننا نخطئ بمحض إرادتنا الحُرَّة يتكلَّم النبي بوضوح في الآيات التالية: «أنا (الله) قد غرستُكِ (شعب إسرائيل) أجود كرمة، وزرعتُكِ كلك أفضل زرع، فكيف تحوَّلتِ إلى كرمـة تنكَّرت لي» (إرميا 2: 21)](1). من هذا النص يتبين لنا وصفٌ صادقٌ للخطية: 1 - الخطية فعل رهيب. 2 - وهي مرض موجِع جداً للنفس. 3 - وهي نتيجة إرادة الإنسان الحُرَّة. ولابد لكل أب اعتراف أن يُعلِّم أبناءه المعترفين هذه الحقائق عن الخطية ويقبلها هو وهم كأساس للدخول في عملية الاعتراف. فإن فَعَلَ هذا فيمكنه أن يكون أب اعتراف ناجحاً ويمارس أيضاً خدمته كأب روحي لرعيته. وهو في عملية تلقِّي الاعتراف يستطيع أن يُعلِّم، ويرشد، ويحلَّ من الخطايا؛ بينما المعترف يعترف بخطيته أو بخطاياه ويطلب التوجيه الروحي والحِلَّ ومغفرة خطاياه. فعلى المعترف أن يعرف ويعترف أنه خاطئ، ويعرف أنه مسئول عن خطيته، ويحس بحزن وبذنب لأنه عصى الله وصار متغرباً عن أبيه السماوي (كما في مَثَل الابن الضال: لوقا 15). لذلك فهو محتاج حقاً أن يعرف أن الله قَبِِلَ توبته، وأنه سوف يغفر له خطاياه إن كان حقاً تائباً. ثم في النهاية يجب أن يعرف أن نفسه التي مرضت بسبب الخطية يمكن أن تُشفَى بنعمة الله، وأنه سيرجع، ويُصالَح ويتحد مرة أخرى بأبيه السماوي. مواجهة الواقع الذي يعيش فيه المؤمن التائب: الراعي لا يجد صعوبة في هذا الأمر ما دام التائب القادم إليه معترفاً يعرف ويعترف بذلك، ولكن الراعي والرعية الذين يعيشون في العالم يتواجهون بواقع مخالف يجب أن يتواجهوا معه ولا يتجاهلوه. فالعالم يضغط على الحياة الروحية في الكنيسة وأعضائها. لذلك فالأمر يتطلب أولاً انتباهاً مستمراً تجاه كل وسائل الاتصال الحديثة التي تحيط بالمؤمن. والمسيح - له المجد - يصف بوضوح حقيقة الوضع الروحي للمؤمنين وهم في العالم وذلك في صلاته الشفاعية: «أنا قد أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم، لأنهم ليسوا من العالم كما أنى أنا لستُ من العالم. لستُ أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما أنى أنا لستُ من العالم» (يو 17: 14-16). وقبل ذلك بقليل قال الرب يسوع في حوار مع تلاميذه عن آلامه المزمعة أن تأتى: «هوذا تأتى ساعة، وقد أتت الآن، تتفرَّقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأن الآب معي. قد كلَّمتكم بهذا ليكـون لكم فيَّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنـا قـد غلبتُ العالم» (يو 16: 32-33). ويجيب القديس يوحنا على سؤال الإنسان المؤمن عن محنة معاناته في ”العالم“ المنساق وراء الخطية: «نعلم أن كل مَنْ وُلد من الله لا يُخطئ، بل المولود من الله يحفظ نفسه، والشرير لا يمسُّه... ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية. أيها الأولاد احفظوا أنفسكم من الأصنام» (1يو 5: 18 - 21). أما الإجابة فهي واضحة: في الرب يسوع المسيح تكون لنا القوة وتتاح لنا الوسيلة اللتين بهما نتغلَّب على قوة العالم الذى بلا إله، الغارق في الخطية. الحق لا يمكن أن نجده إلاَّ في الرب يسوع المسيح الذى هو ”الحق“ والإله الحق. كلمات القديس يوحنا الأخيرة في رسالته الأولى في منتهى الأهمية: «احفظوا أنفسكم من الأصنام». لذلك يجب دائماً أن نحفظ أنفسنا من الأوثان، أي الآلهة الكَذَبَة، التي في العالم، أي تلك التي تُقدِّم لنا بدائل زائفة لرؤية ”الحق“ ورؤية ”العدل“ و”الخير“ و”الجمال“ و”الحب“، إنها بدائل وثنية في العصر الحديث. وأساس هذه البدائل هي أنها تنكر تعليم المسيح والكنيسة عن الله والإنسان والعالم. هذا العالم اليوم مُغلَّف بأجمل الأغلفة وأكثرها إغراءً ولكنه - كالسم في العسل - يُخفي وراءه قوى خفية غير منظورة تتحكَّم في مصيرنا الأبدي: عالم العروض والأزياء والآراء والأفكار وطرق المعيشة وأساليب المعاملات اليومية وأنماط التفكير والتخطيط؛ والمقدَّمة لنا من خلال وسائل الاتصال السهلة ”المحيطة بنا بسهولة“ أينما كنا ووقتما نكون! مجرد مفتاح أو زر نضغط عليه ونجد أنفسنا تحت وطأة قوى العالم البعيد عن الله! ولكن لا حيلة لنا أمامها إلاَّ قوة المسيح. وكل هذه البدائل التي يُقدِّمها العالم بديلاً عن المسيح هي فاسدة ومُميتة وتؤكِّد تحذير الوحي الإلهى لنا: «لأن أُجرة الخطية هي موت» (رو 6: 23)، وهى لا تقدر أن تدفع عنا هذه الأجرة، بل تتركنا ندفعها صاغرين! والإنسان الذى يقبل هذه البدائل وهو مجرد من الإيمان يصبح عبداً للشيطان وفريسة للخطية. أما المؤمن المسيحي، فبكلمات القديس بولس يؤمن بأنه: ”أُعتق من الخطية، وصار عبداً لله“ (رومية 6: 22)، وهذا يجعله قادراً أن يُجاهد لينال «حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا» (رو6: 23). لذلك فإن حرية الإرادة التي وهبها الله لنا يمكنها، بنعمة ربنا يسوع المسيح، أن تختار طاعة الله وترفض عصيانه. والله في عِظَم جوده وفضله خلق الإنسان حُرَّ الإرادة وهو يعلم أن هذه الحرية قد تقوده إلى الخطية، لكنه أراد أن يجعل من الإنسان صورة له فيفعل الخير والصلاح بنفس هذه الحرية. وهذا ما حقَّقه رجال الله القديسون، ويُحقِّقه كل مؤمن بالمسيح في كل جيل وفي كل زمان ومكان. لذلك أصبح الإرشاد الروحي مقترناً بممارسة الاعتراف بالخطية وضرورياً له. المرشد الروحي، ومحاذير استخدامه مبادئ علم النفس دون وعي: من أخطر الأمور أن يسعى بعض رجال الدين إلى استخدام بعض مبادئ علم النفس Psychology دون دراسة حقيقية له، ودون معرفة الفرق بين هذا العلم الحديث وبين علم طب النفوس الروحاني الذى يُمارسه آباء الكنيسة الروحانيون منذ 20 قرناً. ومن أخطر ما يجب أن يعرفه الكاهن أن علم السيكولوجي الحديث يحاول أن يستخدم الأسماء الإنجيلية المسيحية لعلم طب النفوس الروحاني ليُطلقه على المفاهيم العلمانية لهذا العلم. فمثلاً ”النفس“ في مفهوم علم النفس ليست هي ”النفس“ في المفهوم المسيحي، وتغيير مفهوم ”النفس“ في علم النفس يُرينا كيف أن هناك فرقاً شاسعاً بين علم النفس وبين علم طب النفوس الروحاني. فعلم النفس هو ”علم العقل والذهن بكل أوجهه“، وهو يُعرِّف "النفس Psyche" بأنها ”نظام التحكُّم في الذات حيث الوعي واللاوعي يتبادلان المواقع والتأثير على الإنسان، حيث يتغلَّب اللاوعي في النهاية على الوعي في التحكُّم في الإنسان"(2). أما النفس في المسيحية، فهي كيان روحي، وهى كما عبَّر عن ذلك أحد العلماء الأرثوذكس: ”الموضع حيث فيه يستقر الله“(3). ويقول أحد المتصوِّفين واصفاً النفس هكذا: ”الله خلق الإنسان ليكون مدينته الخاصة ومكان سكناه. فنفسنا جُعِلَت لتكون مسكن الله. الله لا يمكن أن يكون خارج النفس التي فيها سيجعل سكناه للبركة إلى مالانهاية“(4). لذلك فلابد للإنسان أن يحفظ ويصون هذه الكرامة التي منحها الله للنفس: أي كرامة سُكنى الله فيها، ويظل على شركة دائمة مع الله متأملاً فيه وحده، موشِّحاً نفسه بالمحبة الحارة والشديدة نحوه. ولأن النفس عاقلة فهي متوشِّحة بقوة العقل والتعقُّل والثبات في الله. لكن النفس تنكسر بالشهوات والخطايا. لذلك فإقامتها من هذا الانكسار تكون بإعادة تقديمها لله، بالصلاة النقية الطاهرة، وبوضع وصايا المسيح موضع التنفيذ في حياة الإنسان، وباستدعائه لاسم الله والمناداة باسم يسوع دائماً (الصلاة الدائمة)، وبالندم على الخطايا والاتضاع والمحبة نحو الله وكل الناس. ومرض النفس(5) يأتي حينما تتشتت قُوَى النفس، والتي هي التعقُّل وتركيز التأمل في الله، بانغماسها في الشهوات والخطايا. وشفاؤها يتم حينما تتحد قُوَى التعقُّل في النفس مرة أخرى وتركِّز تأمُّلها ومحبتها نحو الله. أما موت النفس فهو يحدث بالعبودية للخطية والعيش فيها. أما رجوع الحياة للنفس فأمرٌ شاق، ويتحقق بالتوبة الجادة الشديدة والحاسمة. والنفس متحدة بالجسد ومتغلغلة بطاقاتها في كل ذرة فيه، لكنها تظل متميزة عنه، وهى التي تُعطي الحيوية والنشاط للجسد وتوجِّهه بكل أعضائه. لذلك فيُقال إن القلب هو المركز الأول لحركة النفس ونشاطها وحيويتها، و”القلب“ هنا ليس المقصود به العضو وكأنه وعاء يحوى النفس، بل باعتباره العضو الذى يضخُّ الدم في كل أنحاء الجسم ويحفظ حيوية كل عضلاته وأعصابه وأجهزته ويُجدِّدها ويحييها؛ هكذا النفس فهي متغلغلة في كل ذرة من الجسم من خلال ”القلب“، وتبث فيه الحياة والحركة. ويختص علم الطب الروحاني بكشف أمراض النفس وأسباب موتها، وأدوية شفائها، وعلاقة الشهوات والخطايا بمرضها وموتها وأثر التوبة والحياة الروحية مع الله في دوام صحتها وثباتها، وفاعلية الأسرار الكنسية في منح هذه الصحة والثبات لها. وهذا العلم يحتاج إلى دراسة وفحص وتمحيص في كتابات آبائنا القديسين النساك ليُستخرج منه أصول وفروع عملية صحة النفس وشفائها وثباتها في الحياة الأبدية. لعل أحد الباحثين المجتهدين المختبرين يُحرِّكه روح الله ليُقدِّمه للكنيسة، رعاة ورعية، ليُنعم الله عليهم بمعرفة أسرار حياة النفس وشفائها، ويكون عوناً للراعي وأب الاعتراف في خدمته لنفوس الرعية |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قيمة الدعوة الكهنوتية
المتنيح الأنبا غريغوريوس كلمة في عيد رسامته أسقفا مساء الاثنين 15 مايو 1989م يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيينلأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس فيما لله,لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا,قادرا أن يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضا محاط بالضعف كإنسان,ولهذا الضعف يلتزم أنه كما يقدم عن الخطايا لأجل الشعب هكذا أيضا لأجل نفسه,ولا يأخذ أحد هذه الكرامةبحسب النص اليوناني والقبطي بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضا,كذلك المسيح أيضا لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة,بل الذي قال له أنت ابني أنا اليوم ولدتك..الذي في أيامه..الخعب5:6,5 لا يأخذ أحد هذه الكرامة بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضاهذه الجملة في غاية الأهمية, في هذه الدعوة الكهنوتية, لا يجوز للإنسان أن يدعو نفسه دون أن يتثبت من أن الله دعاه. لذلك من حقه أن يرفض وأن يعتذر,ولا يعتبر هذا الاعتذار تنصلا,إنما يعتبر إجلالا واحتراما لهذه الكرامة التي يشعر الإنسان أنه ليس أهلا لها. ولذلك توجد عبارة مرعبة قالها أحد القديسين:إن من تجاسر وصار كاهنا من غير أن يدعوه الله يهلك,كلمة مرعبة ,لماذا؟لأنه أقحم نفسه,وفي هذا الموضوع لايجوز للإنسان أن يقحم نفسه كما حدث في الكتاب المقدس في العهد القديم,عندما كان تابوت العهد تحمله المركبة وحدث أن البقر الذي يحمل التابوت أنشمص فكاد التابوت أن يقع,وكان واحد اسمهعزاعزةولو أنه كان من اللاويين لكنه لم يكن من الكهنة, تقدم وسند التابوت,فضربه الله فمات,علي الرغم من حسن نيته.ولذلك يقول الكتاب اغتاظ داود لأن عزا صنع ذلك بحسن نية كان ذلك لأن الله أراد أن يعطي درسا لعزا,علي الرغم من أن نيته طيبة لأنه أقحم نفسه,وأعطي لنفسه حقا لايجوز له,لكنه كان درسا عمليا كعقاب لهذا الرجل علي الرغم من أن نيته كانت طيبة,لم تشفع له نيته الحسنة. فالكهنوت مسئولية أمام الله ككاهن أو كرئيس كهنة,عن نفسه وعن الشعب من الذي أعطاه هذا الحق؟أنه يضع نفسه في هذا الوضع كشفيع وكوسيط بين الناس وبين الله؟ ما لم يكن مقاما علي هذا بأمر إلهي,أو بدعوة يطمئن إليها يكون قد وضع نفسه في وضع لايستحقه ولذلك له عقاب. وفي نفس الوقت أيضا ربما يكون الواحد في مبدأ الأمر,لايدرك مسئولية هذا الكهنوت أو مسئولية هذه الرعاية,لكن بعد ذلك يري المتاعب والمضايقات والآلام والاتهامات والكلام..الخ فكيف يمكنه أن يحتملها؟إن كان مدعوا من الله يتعزي وسيجد الحل,وإن كان غير مدعو من الله يري متاعب كثيرة جدا ولاعزاء له,لأنه هو الذي وضع نفسه في هذا الوضع.هذا هو السبب في أن كثيرا من آباء الكنيسة كانوا يهربون بعيدا في أماكن متفرقة لإحساسهم بالمسئولية. وفي تقليد الكنيسة أن البطريرك أو الأسقف يوم الرسامة,يربطونه في عنقه بحبل أو بشيء من هذا القبيل,ويدخل به بعض الأساقفة والمطارنة مشدودا بهذا الرباط بعنقه,وهذا يشير إلي أنه لم يأت إلي الكهنوت برغبته,إنما جاء بناء علي دعوة وأنه لم يقحم نفسه.ففي غاية الأهمية الإنسان الذي يدخل في هذه النار المشتعلة وهو غير مهيأ لها,أو ربما يجهل في مبدأ الأمر ويظن أن في الرسامة شيئا حسنا يسعي إليه أو يطلبه,أو يفرح بها إذا وجهت إليه من البشر,علي أساس أنها دليل ثقة الناس ومحبة الناس,قد يعزي الواحد نفسه في هذا بثقة الناس ومحبته لله,لكن كل هذا لايكفي لابد للإنسان أن يكون مطمئنا أكثر من دعوة الله,وهذه لها علاماتها وليس مجال الكلام فيها الآن,ولكن كمبدأ عام لابد أن الشخص المدعو إلي الكهنوت لايكتفي بدعوة الناس, ولايكتفي برأي الناس ولا يتوهم أو يظن في نفسه أنه مستأهل كل هذا لايكفي أمام القيم الروحية العظيمة الموجودة في الكتاب المقدس وفي تعاليم الآباء عن الكهنوت ومسئولياته الكبيرة الإنسان لابد أن يشعر وهو داخل علي هذه المسئولية أنه داخل علي شيءكبير جدا جدا,ومهما بلغ من إدراكه لها,لكنها أكبر وأعظم وأقوي مما يتصور الإنسان. توجد جملة مرعبة قالها القديس غريغوريوس الثيئولوغوس تقول:اليد التي تطهر كم ينبغي أن تكون طاهرة ,اليد التي تقدس كم ينبغي أن تكون مقدسةهذا التعبير عندما يتأمله الإنسان ويقوله مثل هؤلاء الآباء لأنهم خدموا وجربوا وعرفوا هذا الطريق ,فلابد أن يشعر الإنسان أن هذا الطريق نار,إن لم يكن مؤهل لها ومشدود لها بقوة إلهية تعزيه عند الضيق لأنه ليس الناس فقط,بل الشيطان أيضا يثير ضدك حربا من أنواع مختلفة ,ليس مثل الحروب العادية التي يتعرض لها الناس,وكما قال الكتاب المقدسالذين لم يعرفوا أعماق الشيطان رؤ2:24. فالخلاصة إن لم يكن الإنسان مطمئنا أن الدعوة آتية من عند الله,يكون الإنسان دخل في مسئولية ليس في مستواها,ويكون أقحم نفسه وجلب إلي نفسه المتاعب والمضايقات والحروب خصوصا أنه أخذ وضعا قياديا ,وأخذ وضع تحد مباشر للشيطان بكل قواته ,هذا إلي جانب متاعب البشر..إنما عندما يشعر الإنسان بدليل مقنع للقلب أن هناك دعوة إلهية, هذه تعزية وترطب قلبه وتهديء من ثورة نفسه إذا ثار أحيانا لأنه يحس أنه لم يأت بذلك لنفسه وإنما الله هو الذي دعاه. كل هذه المعاني نتذكرها ونشكرها كلما جاءت مناسبة من هذا القبيل,لنعرف هذه الكرامة وهذا الوضع الإلهي الموجود في الكنيسة المقدسة,وأن الكهنوت بركة كبيرة جدا للشعب وللمسيحية,وكيف أن الواحد يأخذ وضع المسيح,عندما الإنسان يتأمل فقط الكاهن وهو يرفع يديه ويقول:إفنوتي ناي نان..يارب ارحم,هنا يقف وسيطا بين الله وبين الناس من الممكن أن تقبل وساطته ومن الممكن أن ترفض وساطته,وأنه يمكن بسببه إذا رفضت أن هذا الرفض يشمل الشعب كله,فيكون بسببه صار بلاء, مثل يونان عندما قال:بسببي صارت هذه البلية هذا هو الوضع عندما يجد الإنسان نفسه في وضع الشفيع والوسيط بين الناس وبين الله,وأنه إذا كان مرضي عنه يرضي الله عن الشعب,وإذا كان هو غير مرضيا عنه يسبب متاعب للشعب كله.كل هذه معان ينبغي أن نفكر فيها وأن نتذاكرها لأنها في غاية الأهمية في حياتنا المسيحية,قد تكون هذه الصورة غير موجودة في أي دين آخر,هناك أديان ترفض الكهنوت,إنما ديانتنا فيها الكهنوت لكن الكهنوت بأي معني؟ الكهنوت ليس هو وظيفة ينالها الإنسان أو ترقية مثل الترقيات العادية التي يترقاها لكي يأخذ درجة ويكون مقدما بين الناس لا..هذا التقديم له ثمنه وله وزنه وله جزاؤه. انظروا كلمة مرعبة يقولها السيد المسيح:من هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده علي عبيده ليعطيهم الطعام لماذا أقامه؟هنا مسئولية لكي يعطي,السيد نفسه هو صاحب الأمر الذي يعطي,لكن شرف هذا الإنسان بأن جعله وكيلا عنه في العطاء للناس,وهذا ما رأيناه من سيدنا عندما كان يعطي التلاميذ يقول:أعطوهم أنتم ليأكلوا هو يعطي التلاميذ والتلاميذ يعطون الناس فيقول:من هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده علي عبيده ليعطيهم الطعام,فهو مقام ليس للسيادة,ولا للسيطرة إنما للعطاء هذه وظيفته هذه كرامته أنه يعطي,يأخذ من سيده ويعطي فإذا قال ذلك العبد الرديء في قلبه أن سيدي يبطيء في قدومه فيبتديء يضرب العبيد رفقاءه,هنا وصفه بالرديء لأنه أخذ هذه الدرجة للسيطرة علي الناس وللتحكم في الناس,فهو وكيل وليس الأصيل ويسأل في الوكيل أن يكون أمينا يقول:يأتي سيد هذا العبد في الوقت الذي لايعلمه فيشطره اثنين ثم يقطعه... ثم يجعل نصيبه مع المرائين إنه مرائي لأنه أخذ الوضع الغير صحيح,ظهر أمام الناس بشيء لكنه هو شيء آخر فله حساب وله دينونة في الوقت الذي لايعلمه,كل هذه معاني جميلة موجودة في الكتاب المقدس,وتشعرنا بقيمة الكهنوت |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عظة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة افتتاح السنة الكهنوتية والذكرى المئة والخمسين لوفاة القديس جان ماري فياني ، خوري آرس
ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها بندكتس السادس عشر يوم الجمعة الفائت خلال صلوات الغروب في عيد قلب يسوع الأقدس، بمناسبة افتتاح السنة الكهنوتية والذكرى المئة والخمسين لوفاة القديس جان ماري فياني، خوري آرس إخوتي وأخواتي الأعزاء، في تسبحة البتول سوف ننشد بعد قليل: "استقبلنا الرب في قلبه ? Susceptit nosDominus in sinum et cor suum". في العهد القديم، يذكر قلب الله ٢٦ مرة، هذا القلب الذي يعتبر عضو مشيئته لأن الإنسان يدان بحسب قلب الله. بسبب الألم الذي يشعر به قلبه من جراء خطايا البشر، يقرر الله الطوفان إلا أنه يتأثر لاحقاً بالضعف البشري ويغفر. يأتي لاحقاً مقطع كبير في العهد القديم يتناول بطريقة واضحة موضوع قلب الله. هذا المقطع يرد في الفصل الحادي عشر من سفر النبي هوشع حيث تصف الآيات الأولى حجم المحبة التي تحدث بها الرب مع إسرائيل في فجر تاريخها: "إذ كان إسرائيل صبياً أحببته ومن مصر دعوت ابني" (الآية الأولى). وفي الحقيقة أن إسرائيل أجابت بلامبالاة وعقوق عن الاصطفاء الإلهي الذي لا يكل. فقال الرب: "قد دعوهم لكنهم أعرضوا عنهم" (الآية الثانية). مع ذلك، لا يتخلى أبداً عن إسرائيل ويتركها بين أيدي الأعداء، حسبما نقرأ في الآية الثامنة، فقد "انقلب في فؤادي واضطرمت مراحمي"، حسبما لاحظ خالق الكون. إن قلب الله يضطرم بالرحمة! تدعونا الكنيسة اليوم في عيد قلب يسوع الأقدس إلى التأمل في هذا السر، سر قلب الله الذي يتأثر ويصب كل محبته على البشرية. محبة سرية تظهر لنا في نصوص العهد الجديد كعاطفة الله اللامحدودة تجاه البشر. إنه لا يستسلم أمام نكران الجميل وأمام رفض الشعب الذي اختاره، بل إنه على العكس يقوم برحمة لامتناهية بإرسال ابنه الوحيد إلى العالم لكيما يحقق فيه قدر المحبة المحطمة ولكيما يعيد كرامة الابن إلى البشر الذين أصبحوا عبيداً بسبب الخطيئة وذلك من خلال الانتصار على قوة الشر والموت. هذا الأمر يكلف ثمناً باهظاً لأن ابن الآب الوحيد يقدم نفسه قرباناً على الصليب : "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم الآن أقصى المحبة" (يو ١٣، ١). يتجلى رمز هذه المحبة التي تتجاوز الموت في جنبه المطعون بالحربة. في هذا الصدد، يقول الشاهد العيان الرسول يوحنا: "وإنما طعنه أحد الجنود بحربة في جنبه، فخرج في الحال دم وماء" (يو ١٩، ٣٤). إخوتي وأخواتي الأعزاء، أشكركم لأنكم استجبتم لدعوتي وأتيتم بأعداد كبيرة إلى هذا الاحتفال الذي نستهل من خلاله السنة الكهنوتية. أحيي نيافة الكرادلة والأساقفة بخاصة الكاردينال المسؤول وأمين سر مجمع الإكليروس ومعاونيه وأسقف آرس. كما أحيي الكهنة والإكليريكيين من مختلف إكليريكيات روما ومعاهدها والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين. وأوجه تحية خاصة إلى غبطة بطريرك أنطاكية للسريان إغناطيوس يوسف يونان الذي جاء إلى روما للقائي والتعبير علناً عن "الشركة الكنسية" التي منحته إياها. إخوتي وأخواتي الأعزاء، دعونا نتوقف معاً للتأمل في قلب المصلوب المطعون. لقد سمعنا مجدداً خلال القراءة الوجيزة من رسالة القديس بولس إلى أهل أفسس أن "الله، وهو غني في الرحمة، فبسبب محبته العظيمة التي أحبنا بها، وإذ كنا نحن أيضاً أمواتاً بالذنوب، أحياناً مع المسيح، [?] أقامنا معه وأجلسنا معه في الأماكن السماوية في المسيح يسوع" (أف ٢: ٤، ٦). إن إقامتنا في يسوع المسيح تعني جلوسنا في الأماكن السماوية. ففي قلب يسوع تتجلى نواة المسيحية. وفي المسيح أعطيت لنا كل الجدة الثورية للإنجيل أي المحبة التي تخلصنا وتقيمنا في الله الأزلي. ويكتب الإنجيلي يوحنا: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (٣، ١٦). إذاً يدعو قلبه الإلهي قلبنا ويدعونا إلى التخلي عن أنفسنا وعن الثقة البشرية لوضع ثقتنا فيه وجعل أنفسنا هبة محبة على مثاله. إن كانت دعوة يسوع إلى "الثبات في محبته" (١٥، ٩) موجهة لكل معمد في عيد قلب يسوع الأقدس، يوم التقديس الكهنوتي، فإن هذه الدعوة موجهة بقوة أكبر لنا نحن الكهنة، بخاصة في هذا المساء، في بداية السنة الكهنوتية التي أردت إعلانها بمناسبة الذكرى المئة والخمسين لوفاة خوري آرس القديس. يخطر في بالي قول رائع ومؤثر مذكور في تعليم الكنيسة الكاثوليكية وهو: "إن الكهنوت هو محبة قلب يسوع" (رقم ١٥٨٩). لم لا نذكر بانفعال بأن هبة خدمتنا الكهنوتية انبثقت من هذا القلب؟ كيف ننسى أننا نحن الكهنة مكرسون لخدمة كهنوت المؤمنين بتواضع وسلطة؟ إن رسالتنا هي رسالة أساسية للكنيسة وللعالم تتطلب أمانة تامة للمسيح ووحدة مستمرة معه. فهو يطلب منا أن نسعى دوماً إلى القداسة على مثال القديس جان ماري فياني. إخوتي الكهنة الأعزاء، في الرسالة التي وجهتها لكم بمناسبة هذه السنة اليوبيلية الخاصة، أردت أن أوضح بعض الجوانب المميزة في خدمتنا بالاستناد إلى قدوة وتعليم خوري آرس القديس، مثال جميع الكهنة وبخاصة الخوارنة والمحامي عنهم. فلتكن لكم رسالتي عوناً وتشجيعاً على جعل هذه السنة فرصة سانحة للنمو في الصداقة مع يسوع الذي يعتمد علينا نحن خدامه في نشر ملكوته وتوطيده، وفي نشر محبته وحقيقته. لذلك اختتمت رسالتي قائلاً: "على مثال خوري آرس القديس، دعوه يقيم في قلوبكم فتصبحوا أنتم أيضاً رسل رجاء ومصالحة وسلام في عالم اليوم!" دعوا المسيح يقيم فيكم! هذا هو الهدف الذي كان يعمل من أجله الرسول بولس طيلة حياته، الرسول الذي تأملنا به خلال السنة البولسية التي توشك على النهاية. وهذا هو هدف خدمة خوري آرس القديس الذي نبتهل إليه بخاصة خلال السنة الكهنوتية. فليكن ذلك هدفكم أنتم أيضاً. إن الدراسة والتنشئة الرعوية المتقنة والدائمة ضروريتان ومفيدتان في سبيل التحول إلى خدام في خدمة الإنجيل، إلا أن "علم المحبة" الذي لا نتعلمه سوى في "التقرب" من المسيح ضروري أكثر. ففي الواقع أنه هو الذي يدعونا إلى كسر خبز محبته لغفران الخطايا وهداية القطيع باسمه. لذلك يجب ألا نبتعد أبداً عن ينبوع المحبة المتدفق من قلبه المطعون على الصليب. هكذا فقط نتمكن من الإسهام بفعالية في "تدبير الآب" السري الذي يقوم على "جعل المسيح قلب العالم!" إنه تدبير يتحقق في التاريخ كلما أصبح يسوع قلب القلوب البشرية ابتداءً من القلوب المدعوة إلى أن تكون الأقرب منه أي الكهنة. ومن شأن "الوعود الكهنوتية" التي قطعناها يوم سيامتنا والتي نجددها سنوياً يوم خميس الأسرار خلال القداس المسحي تذكرنا بهذا الالتزام الدائم. حتى عوزنا وضعفنا وعجزنا لا بد لهم من إرشادنا إلى قلب يسوع. فإن كان صحيحاً أن الخاطئين يجب أن يتأملوا به ويتعلموا منه "ألم الخطايا" الضروري الذي يرشدهم إلى الآب، فالأمر سيان للخدام القديسين. في هذا الصدد، كيف ننسى أن لا شيء يزيد أوجاع الكنيسة، جسد المسيح، أكثر من خطايا رعاتها بخاصة أولئك الذين يتحولون إلى "سارقي خراف" (يو ١٠، ١)، أو يعملون على تضليلها بعقائدهم الخاصة أو إيقاعها في شرك الخطيئة والموت؟ أيها الكهنة الأعزاء، إن الدعوة إلى الاهتداء واللجوء إلى الرحمة الإلهية موجهة لنا أيضاً. وهنا يجب أن نطلب من قلب يسوع بتواضع وبلا انقطاع أن يحفظنا من خطر إلحاق الأذى بالأشخاص الذين نعنى بحمايتهم. منذ لحظات قليلة، كرمت ذخيرة خوري آرس القديس التي هي قلبه في كنيسة الخورس. هذا القلب الملتهب بالمحبة الإلهية الذي كان يتأثر بفكرة كرامة الكاهن ويخاطب المؤمنين بتعابير مؤثرة وسامية مؤكداً على أن "الكاهن هو كل شيء بعد الله!... هو نفسه لن يفهم إلا في السماوات!" (الرسالة بمناسبة السنة الكهنوتية، ص. ٢). إخوتي الأعزاء، دعونا ننمي هذا الإحساس عينه، سواء لتأدية خدمتنا بسخاء وتفان أو للمحافظة في أرواحنا على "الخشية الفعلية من الله": خشية حرمان الأرواح التي أوكلت إلينا من الخيرات من خلال إهمالنا أو أخطائنا، أو التمكن ? لا سمح الله ? من إيذائها. إن الكنيسة بحاجة إلى كهنة قديسين، خدام يساعدون المؤمنين على اختبار محبة الرب الرحيمة ويكونون شهوداً لها. في السجود القرباني الذي يلي الاحتفال بصلاة الغروب، سنسأل الرب أن يلهب قلب كل كاهن بهذه "المحبة الرعوية" القادرة على مطابقة شخصه بشخص يسوع الكاهن فيتمكن من التشبه به في تقديم ذاته بالكامل. فلنحصل على هذه النعمة بشفاعة العذراء مريم التي سنتأمل غداً في قلبها الطاهر بإيمان عميق. لقد كان خوري آرس ينمي لها تفانياً بنوياً حتى أنه قام سنة ١٨٣٦ بتكريس رعيته لمريم "التي حبل بها بلا دنس"، وذلك قبل إعلان عقيدة الحبل بلا دنس. وحافظ على تجديد تقدمة الرعية إلى العذراء القديسة معلماً المؤمنين أنه "يكفي أن يتحدثوا إليها لتستجاب طلباتهم" وذلك لأنها "تتمنى رؤيتنا مسرورين". فلترافقنا أمنا العذراء القديسة خلال السنة الكهنوتية التي نستهلها اليوم لكيما نكون مرشدين حكماء للمؤمنين الذين يوكلهم الرب إلى عنايتنا الرعوية. آمين! |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من أجمل ما قيل في الكاهن: أنتَ الكاهن، أَنتَ ملحنا ميمر الحب الإلهي لمار يعقوب السروجي. أنت الكاهن إِنّ الأعمالَ الشِرّيرة تَزيدُ خُطورةً، حَتى أنَّ الكاهنَ نفسه يَغضَب، هو حَارسُ الأَسرار، لا بل يَكرَهُ أَخاهُ وَيَسخَرُ مِنه. أَمامَ هَذا الوَاقِع، أَيَجبُ عليّ السُكوتُ أَم التَكَلّمُ بِاحتِرام؟ أَيَجب عَليَّ التَكلمُ بِوضوحٍ أَو إِغلاقُ فَمي كَي لا أُعَلِّم؟ الكاهنُ هُو مِلحُ الأَرض، وَهو الذي يُصَالِحُ المُتخاصمِين؛ فإذا كانَ هو في خِصام، مَن سَيُصالِحُهُ مَع قَريبِهِ؟ لاَ أَحدَ يَزيدُ المِلحَ على المِلحِ لِيَجعَلَه بِحالَةٍ أَحسَن؛ إِذا فَقَدَ المِلحُ نَكهَتَه، مَن يُعيدُ لَهُ طَعمَهُ اللَذيذ؟ إذا فَقَد المِلحُ نَكهَتَه مَاذا بِاستِطَاعَتِنَا أَن نَضعَ في الغِذاء؟ إِذا فَقَدَ المِلحُ نَكهتَه، فمِنَ المُستَحيلِ عِندَهَا أن يُعطي نَكهَةً لَذيذة. إذاً أَنتَ أيُها الكَاهن، الذي أَنتَ مِلحُنَا، أُجلُب نَكهَتَك الطيِّبةَ كَي تَجعلَنَا مُمَيَّزينَ عَن الآخرين؛ أَنتَ لاَ تَفقِدُ نَكهَتَك الطيّبة، لِذَلك نَنتَظِرُكَ كَي تَجعَلَنَا أَطهَارا. أُمْزُجْ ذَاتَكَ بِنَا، نَحنُ الذين فَقَدنَا نَكهَتَنَا الطيّبة، أَصبَحنَا أَشراراً إذ لاَ نَقوم بأعمَالٍ جَيّدة؛ رُدَّنَا إلى السَّبِيل المُستَقيم وَأَعِد إِلَينَا النَّكهَةَ الطَيّبة التي فَقَدنَاهَا. الكُلُّ يَنتَظِرُ نَكهَةَ مِلحِكَ الطَيِّبِ، فَتَجْعَلُهُم أَطهاراً؛ إِن زالَت نَكهَتُكَ الطيّبةُ، لَبَكَينا من نَكهَتِكَ الكَريهَة. أيُهَا الكاهِنَ، أَنتَ المِلحُ، إَنتَبِه أَلاَّ تَغضَب مَع قَريبِكَ، وإِلاّ لَقَالَ النَّاسُ: لمَ يَعُد هُنَاكَ نكهَةٌ لِلمِلحِ. "أَنتُم مِلحُ الأَرض" إِن أَعْطَيتُمُ السَّلامَ وَطَنَكُم. "أَنتُم نُورُ العَالمَ" إِن عَلَّمتُمُ الآخَرينَ مَن هُو الله. تُصالِحُونَ مَن هُو عَلَى خِلافٍ مَعَ قَريبِه؛ تُهَدِّؤونَ مِن رَوعِ مَن يَغضَبُ على رَفيقِه. أَنتُم الكَهَنَةُ! تُعَلِّمُون الآخَرينَ حُبَّ أَعدَائهِم؛ تُعطونَ دُرُوساً في كَيْفِيَّةِ عَطَاءِ الحَيَاة. تُعلِنُونَ بِاسمِ الله "إِذا أَخطَأَ أَخَاكَ سَبعَ مَرات، سَامِحهُ سَبعاً وَسَبعينَ مَرّةً سَبعَ مَرّات". عَلى آلاتِكُم الموسيقيَّةِ، تُرَنِمونَ إِنجيلَ ابنِ الله؛ تُرَنِمونَ تَرانيمَ الحُبِّ، كَي يُحبَّ كُلُّ واحِدٍ مَن يَكرَهُه. يَسمَعُكم كُلُّ المَسيحِيينَ في الكنيسةِ تقولونَ بِقلوبٍ طَاهِرَة وفِي كُلِّ الأَنْحَاء: "لا يَغلِبَنَّ أَحَدٌ الشَرَّ بالشَر". أَنتَ، أيُّهَا الكاهِنُ، عَلّمتَني مَا تَقولُهُ الكُتُبُ المُقَدَّسَةُ، وَبِفَضلِ ذَلكَ أَحَببتُ عَدُوّي. وَلَكِن مَاذا عَليَّ أَن أَفعلَ إِذا رَأَيتُكَ أَنتَ أَيُهَا الكَاهِنُ تَكرَهُ أَخَاك؟ تُعلِّمُني: "أَحبِب مَن يَكرَهُكَ"؛ وَلَكِن عِندَمَا يَكونُ أَخوكَ أنتَ في حَالَةِ غَضَبٍ مِنك، لا تَجِدُ نَفسَكَ أهلاً لِتَبني السَّلامَ مَعَه. قُلتَ لي: "الرَبُّ لَن يُسامِحَكَ إذاَ لا تَغفِر"؛ وأَنتَ لا تُريدُ مُسَامَحَةَ أَخيكَ الذي أَبغَضَك. إِذا لا تَحتَرِمُ مَا يَجِبُ عَليكَ القِيامَ بِه، هَل بِاستِطاعَةِ أَحدٍ أَن يُرشِدَك؟ أَخاَفُ مِن تَأديبِكَ أَيُهَا الكاَهِن. عَندمَا قَرأتَ لَنَا الكُتُبَ المُقَدّسَة، عَلَّمتَني أَن أَقومَ بِبِنَاءِ السَّلامِ مَع أخي. بالحقيقة، لَن يُقبَلَ في يَومِ الغُفرانِ العَظيمِ مَن كانَ غَاضِباً حَاقِدا. في البُشرى الجَديدةِ نَقرَأُ: "أُترُك قُربَانَكَ وَصَالِح أَخَاك". نعم، إن كَان أَحَدُهُم في حَالَةِ غَضَبٍ، ويُصَالِحُ أَخَاه، يَستَطِيعُ عِندَها وَبِسُهولَةٍ أَن يُقَرِّبَ قُربَانَهُ لله. وَلَكِن عِندَمَا لا نَستَطيعُ القيامَ بالمُصَالحَة، لَحْظَةَ نَرفَعُ البَخّورَ لله، تَكُونُ تَقدِمَتُنَا بَالية. وإَذا كَان رافِعُ البَخُّورِ غَاضِباً حاقداً، يُهينُ بذلك مَسكِنَ الله. بالحَقيقَة، في اليومِ الذي نَطلُبُ فيه الغُفرانَ مِنَ الله، يَكونُ البَخُّورُ عَلامَةَ حُبِّنَا له. هَذا هُو ضَميرُ القَلبِ النَّقي الذي إِحتَضَنَتهُ الجُذورُ المُبارَكةُ لِشَجَرةِ الحَياة. هذا البَخُّورُ المُختارُ الذي يَرفَعُهُ الكَاهنُ في قُدْسِ أَقداسِ الهَيكلِ، يُصَوِّرُ الأَفكارَ الطّاهِرَةَ مِن كُلِّ عَيب. إن "الشَمعَدَان" ذا الأَعمِدَةِ السّبْعِ، الذي كان يُضِيءُ خَيمَة اللّقَاء، يَرمُز إلى حُبِّ الله الذي يَسكُنُ في قَلبِ الإنسَان الطّاهِر. |
الساعة الآن 05:18 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025