![]() |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سر الزيجة - أسرار الكنيسة السبعة الزواج سُنَّة إلهية لإعمار الأرض وحفظ النوع البشري. "أثمروا واكثروا واملأوا الأرض" (تك27:1،28) "ليس جيداً أن يكون آدم وحده فأصنع له معيناً نظيره" (تك18:2) "يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكونان جسداً واحداً" (تك24:2) -والسيد المسيح جعل الزواج سر إلهي "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان" (مت6:19) لذلك صار الزواج من أسرار الكنيسة. والسيد بارك عرس قانا الجليل (يو1:2-11) ومنع الطلاق إلاّ لعلة الزنا (مت9:19) -ويقول بولس الرسول عنه "سر عظيم" وشبه علاقة المسيح بكنيسته بعلاقة الرجل بزوجته (أف22:5-33). وذلك فإتحاد بهذه الصورة يجب أن يتم بنعمة إلهية، أي بعمل الروح القدس الذي يعطي للعروسين محبة روحانية متبادلة تحفظهم من الخلاف العادي والكراهية فتحفظ سلامة الأسرة. ولكن هذه المحبة تزداد لو حافظ العروسين على علاقتهم بالله في جهاد مستمر. غايات الزواج 1) تعاون الزوجين (تك18:2) 2) حفظ النوع الإنساني. 3) الحماية من الزنا (1كو2:7) -يمنع إرتباط المؤمن بغير المؤمن، وإلاّ فيكف يوحد الروح القدس بينهما، وكيف يجاهد كلاهما ليحفظا نعمة الروح القدس إن وجدت أصلاً، لكنها لن توجد فالزواج ليس زواج إلهي أي بواسطة الروح القدس على يد كاهن. -الرسول بولس يفضل البتولية وإن لم يمكن فليتزوج المرء. وعليه إن ماتت زوجته أن لا يتزوج ثانية. وإن لم يقدر فليتزوج فالتزوج خيرٌ من التحرق. ومن هذا نفهم أن الزواج بأكثر من واحدة هو شئ مرفوض في المسيحية فالله خلق الإنسان من البدء هكذا رجل وإمرأة واحدة، وهكذا دخل نوح وبنيه للفلك، بل وهكذا كانت الحيوانات في الفلك. أما تعدد الزوجات في العهد القديم فكان لقساوة القلوب. وحتى البتوليون هم ثمرة زواج. -يعقد عقد الزواج بإسم ربنا يسوع المسيح. والبركة تكون من الثالوث، لذلك فهناك 3 رشومات (بالآب والإبن والروح القدس يتقدس الزواج) ولكن نقول بإسم ربنا يسوع المسيح 1) فكل نعمة حصلنا عليها هي بإسمه (يو16:1 + يو23:16) 2) الزواج هو رسم لعلاقة المسيح بكنيسته (أف5) -خلق حواء من جنب آدم يشير لأن الله أراد أن يكون الرجل والمرأة جسداً واحداً وكما خرجت حواء من جنب آدم خرجت الكنيسة من جنب المسيح (دم للتقديس وماء للولادة الجديدة ودم للحياة في الإفخارستيا) سر كرامة الزواج إن الله هو الذي أراده وباركه وتممه، فالله طرف ثالث في العلاقة بين الرجل والمرأة، والروح القدس يعطي نعمة للعروسين هي نعمة محبة وإرتباط روحي وليس إرتباط جسدي فقط. ويلبس العروسين أكاليل كتكليل لهما على حفظ عذراويتهما وبكوريتهما إلى لحظة الإكليل. لذلك فصلاة زواج الأرامل هي صلاة توبة بلا أكاليل. لذلك قال بولس الرسول "ليكن الزواج مكرَّماً عند كل واحد والمضجع غير نجس" (عب4:13) فترة الخطبة هي فترة إختبار يكون فيها الخطيب كأخ لخطيبته، وإذا لم يتفقا فهما ينفصلان، وكونهم ينفصلوا في أثناء الخطبة فهذا ليس بمشكلة، فالزواج هو بلا إنفصال. عقد الأملاك يشير لأن كل منهما أصبح ملك الآخر وكل أملاك الرجل للمرأة والعكس. وكان هذا طقساً قديماً ويؤدى الآن مع طقس الإكليل. المسح بالزيت دليل حلول روح الله خلال صلاة الإكليل المقدس ويشير لأن الروح سيقدس حياتهما ويطرد عنهما الأرواح النجسة ويجمعهما في محبة روحانية. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما يُـسمى " الزواج المدني" أخذ يَظْهر، في السنواتِ الأخيرة بشَكْل واضح في بعض المجتمعات العربية، عن طريق أول المنابر في أيامنا المعاصرة،أي عن طريق وسائل الإعلام الغربي والعربي، التي لها تأثيرٌ كبير في إظـهار واقتراح النماذج فيما يخص المـسألةَ الأخلاقيّةَ الأدبية، والتي تتصـل بالبُنَى والأنظمة الأساسية المتعلقة بالمؤسسة الزوجية، ما يُناقضْ في بعض الأحيان القَيمَ المسـيحية، وتُعيق لدى الشبيبة النموَّ العادي في الإيمان المسيحي، وتَحولُ دونَ قيام صِلَة بالكنيسة واكتشاف قيمةِ الزواج المقدسة والمتطلبات التي تترتب على الاحتفال به . كما ظهر أيضاً بنوع ٍخاص، من خلال هذه الوسائل، فِقْدان هويةِ الزواج والعيلة المسيحية، حيث أنّ البرامج أو المسلسلات التلفزيونية مثلاً، تُسهل سُوءَ التثقيف وترويج موضوع الزواج المدني على أنَّها عروض حديثة وطبيعية. وفي المُقابل قد يُلاحَظ في مناسبات كثيرة، ضَعْفاً شديداً لدي كافة الأسر المسيحية، في فـهم والقدرةِ على التمييز بين الأُسس اللاهوتية والقانونية، التي تقوم عليها هذه المؤسسة الزوجية في الكنيـسة والأفكار التي تقدّمها وسائل الإعلام. حتى أنّ هناك بعضَ المسيحيين، وهم أقلَّة، طالبوا بالاعتراف بالزواج المدني تحت شكّل نظام المدني الاختياري الموحّد للأحوال الشخصيّة (مثلاً في لبنان) من قِبل السلطة المدنيّة، وذلك تحت راية حقوق الإنسان، مما يؤدي إلى تخطّي عقبات الدين وإلى التحرر من قيود الشريعة الدينية. وأن كان هذا ناجماً بالأخص عن أسباب أيديولوجية مثل الحركة العلمانية والفكر الديمقراطي الحر، أو لأسباب أيديولوجية لرفض الزواج الكنسي، أو لتجنّب أعباء قضائية، أو التخلص من الرباط الزوجي في حال فشل حياتهم المشتركة. أمام هذه الأسباب كافة أرى من الضرورة التوجه بصورة خاصة إلى الشبان والشابات الذين يتأهبون لسلوك طريق الزواج، أحياناً خارج القطر، حول المعنى المسيحي لسر الزواج وقوانينه الكنسية، وتمييزه في نفس الوقت عن الزواج المدني . لا أرغب من خلال هذه المحاضرة اليوم إلى إطلاق موقف - مؤيد أو رافض - من موضوع الزواج المدني كخيار شخصي وصيغة حياة زوجية وعائلية. ولكن سوف ألتزم بالتأكيد، من موقعي ككاهن كاثوليكي، جـانب التأييد لإقرار تعاليم وقوانين الكنيسة الكاثوليكيّة. وإنّي إذ أقوم بهذه المهمّة أولاً بإعادة ذكر صوت الكنيـسة للذين يبحثون في حيرة وقلق عن الحقيقة، من خلال الإرشاد الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني، فيما يخص قيمة الزواج المدني، فالكنيسة موقَنَة كُلَّ اليقين بالضغوطات العديدة التي تُحاول تشويه حقيقة الزواج المسيحي السريّ: "غالباً ما يتأتّى أن يفضّل كاثوليك عقدَ زواج مدني فقط، أو إرجاء الزواج الديني، إلى ما بعد، على الأقل، وذلك بدافع من أسباب عقائدية أو عملية. فلا يمكن أذن مساواة وضعهم بوضع من يتساكنون دون أي وثاق زواجي، ذلك لأن، لديهم على الأقل، قصداً في اتباع نمط حياة محدّد، مستقرّ، على الأرجح، ولو بقي لديهم، على الغالب، مجال لطلاق محتمل. و بما ان الزوجين يطلبان من الدولة الاعتراف علناً بهذا الوثاق، فانهما يظهران استعدادهما للقبول، في وقت معاً، بما في هذا الزواج من فوائد و التزامات. لكن الكنيسة لا يمكنها أن تسلّم بهذا الوضع. فعلى العمل الرسولي، في هذه الحالة، أن يسعى إلى إفهام الزوجين واجب التوفيق بين ما اختاراه من حياة و يعترفان به من إيمان، و أن يبذل ما في الطاقة ليعمل أمثال هؤلاء الأزواج على تصحيح وضعهم وفقاً للمبادئ المسيحية. و برغم على ما يجب على الرعاة الكنيسة أن يعاملوهم به من محبة بالغة و يحثّوهم على الاشتراك في حياة جماعتهم الخاصة، فلا يجوز، و ياللاسف، أن يسمحوا لهم بإقتبال الأسرار" . إنّ ما يستند إليه يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي، فيما يخص سرّ الزواج، ينبع من إيمان الكنيسة الجامعة، التي لها موقف تقليدي يؤكّد أنّ الزواج المسيحي سرّ. لذلك نعرض في بداية المحاضرة إيمان الكنيسة الجامعة في حقيقة الزواج المستند إلى الكتاب المقدس، وإرشادات و تعاليم السلطة التشريعية، لأن يدركها المؤمن المسيحيّ و يحترمها وبخضوع لها. 1- الزواج المسيحي سرّ أنّ الإرادة الإلهيّة التي ظهرت في الخلق تشمل كل إنسان و هي تعبر عن الدعوة الشاملة لكل إنسان كي يحيا زواجه كما يريده الله فرصة لتجسيد رزح التكامل البشري في شركة حياة . و قد قال البابا بيوس الحادي عشر في رسالته 31 كانون الأول 1930 في "الزواج المسيحي" Casti connub: "أن الزواج لم يضعه البشر ولم يجّددوه، بل الله. و ليس على يد البشر، و لكن على يد صانع الطبيعة نفسه ومجدّد الطبيعة، المسيح الرب، جُعلت للزواج شرائعه، و ثُبّت ورُفع. و بالتالي لا يمكن أن يكون لهذه الشرائع أي تعلّق بالإرادات البشرية، و لا أيّ تعاهد مخالف، حتى من الزوجين نفسيهما. أمّا طبيعة الزواج فليست على الإطلاق خاضعة لحرّية الإنسان، بحيث إن كل من عقده مرّة يكون بالفعل نفسه خاضعاً لشرائعه الإلهية، و مقتضياته الجوهرية" . انطلاقاً من هذا المبدأ نفسه، الزواج يَنعمْ بحماية فائقة الطبيعة إذ أنَّ الله هو مصدره وواضع نظامه، فلا يجوز للإنسان أن يتلاعب بنظام هذه المؤسسة على هواه و يخضعها عن خطأ لشتى أنواع المداخلات. و من خلال هذا البعد الإلهي يتضح لنا البعد الإلهي في الزواج المسيحي. إن السيد الرب يسوع المسيح لا يكتفي برد الزواج إلى ذلك الكمال الأصلي، الذي كانت الخطيئة البشرية قد شوهته، إنما يقرر له أساساً جديداً يضفي عليه معناه الديني في ملكوت الله. فإنه بالعهد الجديد الذي يؤسسه في دمه الخاص (متى 28:26)، يصير هو نقسه عريس الكنيسة (التي هي مجموعة المؤمنين). وأنّ ما جاء على لسان القديس بولس الرسول من أقوال ووصايا متعلقة بقداسة الزواج وسموه "و هذا السرّ لعظيم بـارتباطه بـسر اتـحاد الكنيـسة " ( أفسس 32:5 ) ومن ثمّ حثّه عـلى عـقده "في الربّ" (1 كو 39:7)، أدخل الزوجين في سرّ المسيح الفصحي، و جعل بالفعل عينه من الأسرة المسيحية أسرة على مثال الكنيسة. فخضوع الكنيسة للمسيح، وحب المسيح المخلص للكنيسة، التي افتداها ببذل ذاته من أجلها ، هما القاعدة الحية التي يجب على الزوجين الإقتداء بها. وإنهما القادران على ذلك لأن نعمة الخلاص تمس حبهما ذاته، مكرسة له مثله الأعلى ( أفسس 5: 21- 33 ). يقول اللاهوتي المعاصر إدوار سخيليبكس في تعريفه لسرّ: "إنّ يسوع المسيح هو تجسّد الله. ومحبته هي التجسيد البشري لمحبة الله الخلاصيّة، ومجيء الله إلينا بصورة منظورة. ولأنّ هذه الأعمال الإنسانية هي في الوقت عينه أعمال الله، أي أعمال الله في صورة تجلّ بشري، فهي تملك في جوهرها قدرة إلهية للخلاص. و بما أنّ هذه القدرة الإلهيّة قد ظهرت لنا في صورة أرضية منظورة، فأعمال المسيح الخلاصية هي أعمال من نوع "السرّ". والسرّ هنا يعني عطيّة خلاصيّة يمنحنا إياها الله بشكل خارجي يمكن إدراكه وتيقّنه، و به تصير تلك العطيّة واقعاً و حقيقة" . وأنّ قلنا أن الـزواج سرّ فهذا يعني أنّّ المحبة الله التي ظهرت في يسوع المسيح قد سكبت في قلبي اللـذين يـرتبطان ليصير حبهما أحدهما للآخـر على مثال حـبّ المسيح للكنيسة. و بذلك يصبح زواج المعمدين رمزاً واقعياً للعهد الجديد الأبدي المختوم بدم المسيح . وأنّ الرموز و الشعائر التي ترافق الاحتفال بالزواج لهي دليل على أن الكنائس الشرقية بشكل خاص، قد وعت منذ الأجيال الأولى أنّ الزواج المسيحي هو عمل الكنيسة بحد ذاته يمجدّ الله في المسيح يسوع و في الكنيسة. وهو شأن الأسرار يمنح النعمة بقوة العمل نفسه. لذلك الزواج المسيحي سر مقدس والحب الزوجي هو عهد بين الزوجين وليس عقدا، و ليس للسلطة المدنية أي صلاحية في الأمور الروحية كالأسرار، و هذا بمثابة مبدأ التعليم اللاهوتي للكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، لا يمكن التخلي عنه. وقد أكدت السلطة التعليميّة في الكنيسة الكاثوليكيّة، التي نجدها في إرشادات والوثائق الكنسيّة، على أنّ الزواج هو "مؤسسة" إلهية لها نظامها و شرائعها و غايتها. وجوهر هذه المؤسسة بأنها مقدَّسة وقد رفعها المسيح إلى مقام السرّ . نذكر أهمّ هذه الوثائق: 1- المجمع التريدنتيني (المسكوني التاسع عشر) 1545-1563 في كانون الأول قد قرر: "أن قال أحد أن الزواج ليس بالحقيقة أحد أسرار الناموس الإنجيلي السبعة التي أنشأها المسيح ربنا، ولكنه أمر اختلقه البشر في الكنيسة وأنه لا يمنح النعمة، فليكن محروماً ". 2- البابا بيوس التاسع في براءة له سنة1851 ميلادية بعبارةِ Apostolica Sedis يقول: "ما من أحد من الكاثوليك يجهل ولا يسعه أن يجهل كون الزواج سراً بالحقيقة من أصل الأسرار السبعة للشريعة الأنجيلية مرسوماً من السيد المسيح. ولذا كان من الممتنع أن يتم زواج بين المؤمنين وما يكون له صبغةالسر. فإن وقع الاقتران بين الرجل وامرأة مسيحيين بمعزل عن السر فلا يكون زواجاً وأن وقع على مقتضى رسم الشريعة المدنية وانما يكون من قبيل التسري القبيح المهلك المحرم من الكنيسة منذ زمن طويل. فمن ثم قد تقرر امتناع انفصال السر عن عقد الزواج" . 3- و قد جاء في التعليم البابا لاون الثالث عشر ما يلي: "وليس لأحد أيضاً أن يتأثّر بهذا التمييز الذي يعلنه بشدة أصحاب التشريع الملكي، بين العقد والسرّ، لكي يحفظوا للكنيسة ما هو من السرّ ويسلّموا العقد لصلاحية السلطات المدنية وإدارتها. مثل هذا التمييز، أو بالحري هذا الفصل، لا يمكن قبوله، إذ من المترف به أن العقد، في الزواج المسيحي، لا يمكن فصله عن السرّ، وبالتالي لا يمكن أن يوجد عقد صحيح وشرعي لا يكون بالفعل ذاته سرّاً، لأن المسيح الرب قد رفع الزواج إلى كرامة السرّ، والزواج هو العقد نفسه إذا ما تم بحسب الحق" . 4- و قد جاء أيضاً في رسالة "الزواج المـسيحي"، "Casti connubii "، 31 كانون الأول 1930 للبابا بيوس الحادي عشر: " ولأنّ المسيح قد اختار علامةً لهذه النعمة الرضى الزوجي الذي يجري تبادله بوجه صحيح بين المؤمنين، فالسر متجد بوجه وثيق جداً بالزواج المسيحي بحيث لا يمكن أن يوجد زواج حقيقي بين معمدين بدون ان يكون بالفعل عينه سراً" . 5- وقد جاء المجمع الفاتيكاني الثاني وأصدر الدستور العقائدي "فرح و رجاء" الذي أعلنه البابا بولس السادس بتاريخ 7\ 12\ 1965 حيث قدم مفهوم اللاهوتي الجديد لـسرّ الزواج المسيحي، حين اعلن أنه (العدد 48): "رباط مقدس الذي لا يخضع لمزاج الهوى البشريّ. فإنّ الله نفسه هو واضع الزواج...وكما أنّ الله قطع مع شعبه قديماً عهد محبة وأمانة، هكذا أراد الآن مخلص البشر، عروس الكنيسة، أن يقابل الأزواج المسيحيين بسرّ الزواج...كما أحبّ هو الكنيسة وبذل ذاته لأجلها...إنّ الحبّ الزوجيّ الحقيقي يرتكز على الحبّ الالهي وهو يستمد معالم طرقه وغناه من قوة المسيح الفدائية ومن عمل الكنيسة الخلاصيّ". هذا المفهوم للزواج، أعطى أولاً، للمؤسسة الزوجية بعداً جديداً و أدخل العهد الزوجي في نطاق النظام الكنسي، وأضفى عليها صفة العهد بدل صفة العقد، لأنّ صفة العهد هي أكمل و أصح من صفة العقد بالنسبة للزواج الكنسي، وخصوصية العهد تتعدى الضوابط القانونية العائدة لسائر العقود . ثانياً فهو يساهم في إبعاد مؤسسة الزواج عن أي مؤسسة مدنية. انطلاقاً من هذه المبادئ اللاهوتية في تفسير النظرة المسيحية للزواج من كل جوانبه، نجد أنّ لغة التشريع الكنسي الجديد، في الحديث عن الزواج، مستوحى من تصريحات المجمع الفاتيكاني الثاني. فالقانون الجديد للكاثوليك الشرقيين 1990 يقدم تعريفاً لسرّ الزواج: ق. 776-البند 2- بترتيب من المسيح، الزواج الصحيح بين المعمّدين هو سرّ بذات الفعل، به يجمع الله بين الزوجين على مثال الاتحاد السرمدي بين المسيح و الكنيسة، ونعمة السرّ تمنحهما نوعا من التكريس والحصانة". فلأنّ السيد المسيح بترقية عقد الزواج إلى مـقام الأسرار قد وهب الكنيـسة عليه سلطاناً مطلقاً وخاصاً ومانعاً لغيره يخولها دون سواها سن الشرائع المتعلقة به، فهي ? الكنيسة - تطالب لوحدها بحق التشريع والحكم في الأمور الزوجية ، وذلك بما يجب القيام به من الطقوس وشكليات لصحّة الزواج وجوازه، و تطالب بهذا الحق تجاه السلطات المدنية. كما أنّ لها الحق أيضاً في أن تنظر وتحكم في جميع الدعاوى الزوجية العائدة إلى صحـة الزواج أو بطلانه أو فسخه وإلى واجب المـساكنة وشرعية الأولاد وفسخ الخطبة ومفاعيل الزواج الأساسية . وقد بحثت القوانين 828-842 في الإجراءات القانونية التي يجب ممارستها لإتمام الاحتفال الزوجي. وهذه الإجراءات شكلية رسمها الشرع الكنسي لصحة العهد وجوازه. لذلك زواج المعمدين ينظمه الشرع الإلهي و الكنسي بموجب القانون 780 ش.ك -البند 1 حيث ينصّ بوضوح كما يلي: - يحكم زواج الكاثوليك، حتى إذا كان طرف واحد كاثوليكياً، لا الشرع الإلهي فحسب، بل القانون الكنسي أيضاً، مع عدم الإخلال باختصاص السلطة المدنية، في ما يتعلق بأثار الزواج المدنية المحض. لذلك يخضع الزواج عند الكنائس الكاثوليكية جميعها لأحكام القانون الكنسي وجميع المعمّدين ما عدا الغير كاثوليكي مقيّدين بتطبيقه بموجب القانون 11 اللاتيني وقانون 1490 ش ك . والشرع الكاثوليكي الشرقي يلزم أيضاً المؤمنين المتحديـن بالمسيح وفي الكنيسة التي هي جسده (أفسس 5\23) المحافظة أينما كانوا بطقوسهم الليتورجية الشرعية ونظامهم الخاص وعليهم أيضاً أن يحصلوا فيها معرفة أحـسن وأن يمارسوهـا ممارسـة أكمل وإذا ما ابعدوا عنها اضطرارياً بفعل ظروف الزمان والأشخاص فليجتهدوا أن يرجعوا إلى تقاليد اجدادهم . وبموجب القانون 39 ش ك : "إنّ طقوس الكنائس الشرقية يجب حفظها ودعمها بورع، لكونها تراث كنيسة المسيح بأسرها، يشع فيه التقليد المنحدر من الرسل عن طريق الأباء، ويؤكّد بتنوعّه وحدة الأيمان الكاثوليكي الإلهية". وأيضاً القانون 12 ش.ك يقرر: "يجب على المؤمنين، كل بسيرته، أن يحافظوا دوما على الشركة مع الكنيسة". وذلك من خلال خضوعهم و توقيرهم بالعقل والإرادة لتعاليم الكنيسة . لهذا السبب تطلب الكنيسة عادة للمؤمنين من أبنائها الإلتزام بالصيغة الكنسيّة الطقسية والقانونية لإجراء الزواج. ثمّة أسباب كثيرة تساعد في تعليل هذا القرار: -" الزواج الأسراريّ عمل ليتورجيّ. فيجدر، من ثمّ، أن يحتفل به في الكنيسة في إطار ليتورجي علنيّ، - يندرج الزواج في نظام كنسيّ، و يُنشىء في الكنيسة حقوقاً وواجبات بين الأزواج و تجاه الأولاد، - لمّا كان الزواج حالة حياة ضمن الكنيسة، كان لا بدّ من أن يحظى باليقين، - إنّ الطابع العلنيّ في الرضى الزوجين يحمي ميثاقهما ويساعدهما في الوفاء به" . الصيغة القانونية للزواج أمّا فيما يتعلق بالصيغة الزواج القانونية، غير الصيغة الطقسية، فقد وضِعتْ لتكون إثباتاً رسمياً لانعقاد الزواج ومنعاً لانعقاده بدون حضور السلطة الكنسية المختصة. لذلك لكي يكون للزواج كيانه الديني لا بد أن يحتفل به أمام الكنيسة ويتم بصلاة على يد الأسقف أو الكاهن لينالوا بركة الله ونعمته. ومن الجملة فان الكنائس الشرقية، قد شددت منذ الأجيال الرسولية لزوم حضور كاهن وشهود من المؤمنين عند "عقد" زواج المسيحيين وأن يمنح البركة للمتعاقدين بموجب الطقس الكنسي. فالسّر الزوجي قد حمل الكنيسة منذ أواخر القرن الأول على دعوة المؤمنين إلى عقده أمام الأسقف أو الكاهن. وهـذا واضح في إحـدى رسـائل القديس اغناطيوس الأنطاكي إلى بوليكاربوس: "على الرجال والنساء الذين يتزوجون أن يكون اتحادهم على يد الأسقف، حتى يكون الزواج حسب الرب لا حسب الشهوة ليصير كل شيء لمجد الله" . وفي القرن الـرابع لنا شهادات عن أهم طقوس الزواج نجدها في مؤلفات الأباء القديسين: مثلاً تـسليم الخواتم، جمع اليدين بواسطة الكاهن، بركة الكاهن، الأكاليل، الكأس المشتركة . في الكنيسة اللاتينية فقد كان الـزواج رضائيـاً ولم تُصدر صيغـةً كنسيةً خاصة لعقد الزواج إلاً في العصر الوسيط، ولم تُعمّم هذه الصيغةُ بوجه مُلزم وضروريّ لصحـة الـزواج إلاّ في المجمع المسمى "التريدنتيتي" في القرن السـادس عشر (1545-1563). فمنذ ذلك الحين أصبح الزواج لديهم عقداً شكلياً، لا بد فيه من حضـور رجل دين والشهود. فالمرسوم Tametsi 11 تشرين الثاني 1563يصرّح ما يلي: "أما من يقدمون على عقد زواج في غير حضور الخوري أو كاهن آخر مفوّض من قبل الخوري أو الأسقف المحليّ، وأمام شاهدين أو ثلاثة، فالمجمع المقدس يعلن أنهم غير أهل البتّة لأن يقوموا بهذا العقد، ويرسم أن مثل هذه العقود غير صحيحة وباطلة كما أن هذا القرار يبطلها ويلغيها" . من هذا النصّ ينتج أنّ الصيغة القانونية أسست لأسباب قانونية رعويّة أكثر من أن تكون لاهوتيّة، وبما أنّ المتطلبات اللاهوتية تتم بواسطة إظهار الرضى الحر لكلا الطرفين معمدين، الكافي لصحة الزواج، فالزواجات بدون حضور الكاهن، (ex iure naturae) بحد ذاتها صحيحة، تحت شرط أن يكون هناك الأهلية القانونية لدى الزوجين وتبادل الحر للرضاهما الزوجيّ. وفيما بعد هذه الصيغة القانونية التريدنتينية ثبتت في المرسوم دائرة المجمع المقدّس Netemere"" 2 آب 1907، بحسب هذا المرسوم: "إن الزواجات المعقودة أمام الخوري أو الرئيس المحليّ، أو كاهن مفوّض من أيّ منهما، وأمام شاهدين على الأقل هي وحدها صحيحة" . هذه العقيدة أدخلت في الشرع الجيد للكنيسة اللاتينية 1983 ينصّ ما يلي: ق. 1108 البند 1: ليست زيجات صحيحة إلا التي عقدت أمام الرئيس الكنسي المحليّ أو الراعي المحليّ، أو الكاهن أو شماس الذي منحه أحدهما صلاحية مباركة الزواج، وأمام شاهدين لاأقل، ولكن وفقاً لأحكام القوانين التالية ومع عدم الإخلال بالاستثناءات المذكمرة في القانون 144;1112§1,1116 و1127,§§ 1-2. والتعليم المسيحي الكاثوليكي الجديد1992 يصف الاحتفال بالزواج في كلا التقليدين الغربي والشرقي كما يلي: "بحسب التقليد اللاتيني، الزوجان هما خادما نعمة المسيح، يمنحان أحدهما الآخر سرّ الزواج، بالإعراب عن رضاهما أمام الكنيسة. أمّا في تقاليد الكنائس الشرقيّة، فالمحتفلون ?أساقفة أو كهنة- هم شهود على الرضى المتبادل بين الزوجين، ولكنّ بركتهم ضروريّة أيضاً لصحّة السرّ" . فالسر الزوجي لا يقوم في هذه الكنائس الشرقية بمجرد رضا الزوجين المتبادل، بل لكي تنعقد الرابطة الزوجية صحيحة لا بد أن يتم الزواج على يد كاهن وبحضور شاهدين وبمراسيم دينية معينة . فإذا لم يتوفر هذا الشكل الديني كان الزواج بمقام مانع مبطل للزواج. ويشير التعليم المسيحي الكاثوليكي 1992 بهذا السياق ما يلي: "الليتورجيّات، على أنواعها (الشرقيّة) حافلة بصلوات البركة والدعاء، تتوجّه إلى الله بطلب نعمته وبركته للزوجين، ولا سيّما للزوجة. في صلاة الاستدعاء الملحوظة في حفلة الزفاف، ينال الزوجان الروح القدس عربون شركة الحبّ بين المسيح والكنيسة. فالمسيح هو خاتم ميثاقهما ومصدر حبّهما على مدى الزمن، والقوّة التي بها تتجدّد أمانتهما" . لذلك حفاظاً على التقليد الشرقي، الكنائس الشرقية الكاثوليكية لا تعتبر صحيحة إلاّ الزواجات التي تُعقد برتبة مقدسة، أي التي يُحتفل بها بحضور وبركة الرئيس الكنسيّ المحليّ أو الخوري المحليّ، أو كاهن حصل من أحد هذين الاثنين على صلاحيّة مباركة الزواج بحضور الشاهدين فقط. يجب أن نلاحظ أن واجب الرتبة المقدسة، أي أن يبارك كاهن الإكليل ليكون صحيحاً، هي من ميزات الشرع الشرقي. ففي الكنيسة اللاتينية يطلب فقط حضور الرئيس المحلي، أو كاهن أو حتى شماس إنجيلي ينتدب. أمّا في الكنائس الشرقيّة، على الكاهن ليس فقط أن يحضر الزواج، بل أن يباركه. والبركة تعني أنه يعمل كخادم حقيقيّ للسرّ، بحكم سلطان التقديس الكهنوتي (الممنوح له)، كي يوحدّ الله العروسين على مثال الوحدة غير الزائلة القائمة بين المسيح والكنيسة، ولكي تقدسهما نعمة السرّ . إذن مطلوب حضور الكاهن بضرورة جوهرية وإذا لم يحضر فلا يحسب الزواج كنسياً، لأن حضوره لصحة الزواج يلزم بضرورة. بمقتضى الشرع الشرقي الكاثوليكي الجديد 1990 الذي ينص أن لصحة الزواج للمتعمدين في إحدى الكنائس الكاثوليكية الشرقية، يتطلب حضور الكاهن ومنح البركة مما ورد في الكتب الطقسية: ق 828 البند 1- ليست زيجات صحيحة إلا التي يحتفل بها بطقس مقدس، أمام الرئيس الكنسي المحليّ أو الراعي المحليّ، أو الكاهن الذي منحه أحدهما صلاحية مباركة الزواج، و أمام شاهدين لا أقل، ولكن وفقاً لأحكام القوانين التالية ومع عدم الإخلال بالاستثناءات المذكورة في القانون 832 والقانون 834 البند 2. البند 2- بالطقس المقدس يعني هنا اشتراك الكاهن بحضوره وبركته. عندما يتعذّر، بدون مشقّة جسيمة، وجود كاهن ذي صلاحية على قاعدة الشرع، أو الوصول إليه، أو أيضاً في حال خطر الموت، إذا تُوقّع توقّعاً صوابيّاً أن عدم الإمكانية هذا سوف يدوم على الأقل شهراً. في مثل هذه الحال، يحسن إذا أمكن ذلك أن يُستدعى كاهن آخر، وإن كان غير كاثوليكي، لمباركة الزواج (ق 832، البندان 1 و 2). ويحدد القانون 832، البند 3 أنه إذا عُقد الزواج، لأسباب استثنائية، أمام الشهود فقط، فعلى الزوجين أن يقبلا من الكاهن، في أقرب وقت ممكن، بركة الزواج . بالنسبة لمجموعات المسيحية كالبروتستانت فهناك بعض الـفروقات تتعلق بمفهوم الزواج. حيث يصفه مارتن لوثر بأنّه "أمر من أمور العالم الخارجيّ". لم يقصد بذلك القول إنّ الزواج مسألة دنيويَّة محض، بل إنّه لا ينتمي إلى نظام الخلاص، بل إلى نظام الخلق فقط. على هذا الأساس أنكر لوثر على الكنيسة صلاحيَّتَها في وضع قانون للزواج وأسند عقد الزواج إلى السلطة المدنيّة. ومن ثمّ فالزواج الصحيح المعقود أمام السلطة المدنيّة هو، في نظر البروتستانتيّ، زواج صحيح أيضاً أمام الله والكنيسة . لهذا المعتقد ليس لديهم أي مشكلة في قبول النظام العقد المدني، لسبب أنهم يتفهمون الزواج على أنّه "شيء علماني" وليس بسرّ. بالاستنـاد إلى المجموعة من الأحـكام أطلـق عليها تسمية "نظام المجمع الأعلى وقانوني أصول المحاكمات والأحـوال الشخصية للطائفة الإنجيلية في سورية ولبنان، في 24 آب 1949". فإنّ المادة 21 يثبت: " أنّ الزواج عقد يجري بين ذكر وأنثى يقصد منه الاقتران الجنسي الطبيعي والاشتراك في المعيشة العائلية مدى العمر". وتأتي المادة 22 ما يلي: "يتم الزواج بكامل حرية المتعاقدين ورضائهما المتبادل، ومصادقة الولى أو الوصي على زواج من كان قاصراً أو محجوراً عليه، وبعد إجراء المراسم التي تفرضها الكنيسة التي تعقده لها" . ولا يخفي أن المجموعات البروتستانتية متعددة ومتشعبة ولكل منها مراسمها الخاصة. 2- الزواج المدني الزواج المدني هو ارتباط عقدي، تنظمه القوانين المدنيّة في كل ما يتعلق بانعقاده وانحلاله وموانعه ومفاعيله وغير ذلك، كسائر العقود ويستمد أنظمته من الشريعة المدنية. فالعنصر الأساسي الذي لا مفرُّ منه للإنشاء الزواج المدني هو الرضى المصُّرح من كلا الزوجين أمام السلطة الشرعية المختصة في أن يتخذ أحدهما الأخر زوج أو زوجة، مع القرار المصرّح من السلطة المدنية أن الزوجين قد اتحدا في عقد زواج . فالمقارنة البسيطة بين الزواج المسيحي بصفته سرا من أسرار الكنيسة والعقود المدنية تظهر لنا ما يأتي: في العقد المدني يمكن للمتعاقدين تنظيم علاقاتهما على الوجه الذي يريانه مناسبا شرط التقيد بالقوانين المرعيّة الإجراء وعدم مخالفتها للنظام العام، كما أن إرادة المتعاقدين التي تتجلى في الاتفاق تبقى السيدة في التنظيم والتعديل في حين ان العلاقة القانونية الناتجة عن سر الزواج هي من وضع إرادة الله، أي أنها مستمدة من الحق الطبيعي والحق الكنسي الذي هو امتداد للحق الطبيعي. كما أن إرادة الزوجين لا تضع الشريعة بل تخضع لها بحيث انهما لا يستطيعان إجراء أي اتفاق مخالف لها وحيث تحديدها لمدة الزواج مثلاً: باعتبار ان ديمومته مستمدة من الحق الطبيعي . لذلك الزواج الكنسي هو عمل كنسي. وفي جميع الأحوال، فالزواج المدني هو زواج غير دائم، شأنه شأن جميع الارتباطات العقدية، يجوز لأي من عاقديه أن يتحلل من أحكامه. ويتم انحلال الزواج بين المتزوجين زواجاً مدنياً في ضوء القانون المدني نفسه، والقضاء المدني هو الذي يفصل مثل هذه المنازعات ويحكم بها. <H1>نبذة تاريخية </H1> الحكم المدنيّ حتى القرن التاسع عشر، في معظم الدول الأوروبية، كان يعترف بوجود نظام تشريعي كنسي، مع السلطة مستقلة التي كانت لها. وفي الدول الكاثوليكية كانت القوانين الكنسية محترمة، حيث اعتاد المسيحيون اعتماد تعاليم الكنيسة في الزواج وظل الزواج خاضعاً لأحكام الكنيسة وحده، منفصلاً عن الحالة المدنية، تحكمه قواعد خاصة في القانون الكنسي. وفي القرن التاسع عشر هذا الوضع قد طُمس لأسباب كثيرة ومنها كان نتيجة الأكثر أهمية للثورة الفرنسية سنة 1792 التي أسست مفهوم علمنة الدولة، بمعنى أنّ الدولة، منفصلة عن الكنيسة، هي السلطة العليّة الوحيدة ولديها الاختصاص القانوني في تنظيم كل نواحي الحياة البشرية . وبهذا الشكل أخذت سيادة الدولة في فرنسا تزاحم الكنيسة، وبدأت السلطة المدنيّة تطغى على النفذ الدينيّ، وبـدأ إدماج الزواج في الحالة المدنية إلى أن اعتمد الزواج المدني وحده. وانتقلت هذه الحركة من فرنسا إلى بعض الدول المجاورة في إبّان القرن التاسع عشر حيث استعملوا التـشريع الفرنـسي كنموذج (إيطاليا سنة 1866، سـويسرا سنة 1874، ألمانيا سنة 1875، ببلجيكا 1830) ، فشملت الأحوال الشخصية مسائل انعقاد الزواج وانحلاله. أمّا عن ردة فعل الكنيسـة على أثر إعلان عـلمنة الـزواج من قبـل الثورة الفرنسيـة فقد جاءت على لسان البابا بيوس التاسع الذي أعلن حـق الكنيـسة وسلطانها الحصري على نظـام زواج المعمـدين وقرّر أن كـل زواج يعقد أمـام السلطة المدنية ليس سوى حالة تسرّ مشينة ومخجلة تحرّمها الكنيسة (Acerbissimum1852): "لايمكن أن يحصل زواج، بين مؤمنين، لا يكون في الوقت عينه سراً. ولذلك كل اتحاد آخر عند المسيحيين، رجل وامرأة خارجاً عن الزواج، وإن عقد بقوة الشريعة المدنية، ليس سوى تسرًّ مخز ومسيء". ويرى مجمع التوبة المقدس 15 كانون الثاني 1866: "من النافل تذكير أيّ كان بأن كون الزواج واحداً من الأسرار السبعة التي أسسها المسيح الربّ هو عقيدة معروفة جداً في ديانتنا الجزيلة القداسة، وأن منحه بالتالي يخص فقط الكنيسة نفسها، التي أودعها المسيح ذاته توزيع أسراره الإلهيّة. ويرى كذلك من النافل تذكير أيّ كان بالصيغة التي رسمها المجمع التريدنتيني والتي بدون حفظها في الأماكن التي أصدرت فيها لا يمكن أن يعقد زواج صحيح. وعلى الرعاة، انطلاقاً من هذه المبادئ وهذه العقائد الكاثوليكيّة ومن غيرها، أن ينشئوا تعليمات عملية يقنعون بها كذلك المؤمنين بما أعلنه سيدنا الجزيل القداسة في المجمع السري، في 27 أيلول 1852. ويستطيعون أن يستنتجوا من ذلك بسهولة أن الإجراء المدني لا يٌنكَر عليه فقط، أمام الله وكنيسته، ألاّ يكون سراً، بل لا يمكن أيضاً أن يٌعَدَّ عقداً، بأيّ وجه من الوجوه، كما أن السلطة المدنية لا تقدر على ربط مؤمن في الزواج، كذلك هي غير قادرة على حله. لذا...يكون أيّ حكم يصدر عن سلطة علمانية في شأن فصل الأزواج الذين ارتبطوا بزواج شرعيّ أمام الكنيسة غير ذي قيمة. والزوج الذي يسيء استعمال هذا الحكم فيتجاسر على الاقتران بشخص آخر يكون في الحقيقة زانياً، كذلك يكون في الحقيقة متسرراً من يجرؤ على البقاء في الزواج بفعل إجراء مدني فحسب. وكلاهما لا يستحقان الحلّ ما داما لم يندما ولم يرتدا إلى التوبة خاضعين لفرائض الكنيسة" . وقد ردد ذلك التعليم البابا لاون الثالث عشر في الرسالة العامة " Arcanum divinae sapientiae" 10 شباط 1880: بعد أن جدّد المسيح الزواج هكذا، ورفعه إلى كمال سام، وضع بين يدي الكنيسة واستودعها نظامه كلّه، وقد مارست الكنيسة هذه السلطة على زواج المسيحيين في كل زمان ومكان، وفعلت ذلك مبيّنة أن السلطان هو خاص بها، وغير صادر عن تنازل من البشر، ولكنه منحة إلهية من إرادة مؤسّسها..." . الأنظمة مختلفة لعقد زواجات في الترتيبات التشريعية المدنية 1- النظام إلزامي : المفروض على جميع المواطنين بدون تمييز في مذاهبهم الدينية. يقوم هذا المفهوم على أن لا تشريع في الدولة إلا تشريعها، ولا نظام إلا نظامها، ولا محكمة إلا محكمتها، والزواجات التي تعقد أمام السلطة الدينية ليس لها أي مفاعيل مدنية. فالدول التي تتبنى هذا نظام إلزامي، تضع قانوناً واحداً يعالج أمور الزواج لكافة مواطنيها ضاربة بعرض الحائط الانتماءات الدينية أو الكنسية، وتجعل من الزواج عقداً يتم بالإيجاب والرضى بين الزوجين أمام السلطة المدنية المختصة ضمن شروط يحددها القانون الموحّد دون النظر إلى دين العروسين، فيصبح الزواج عقداً مدنياً كباقي العقود يفقد قدسيته الخاصة. حتى ولو قام العروسان بعد ذلك بالزواج دينياً لدي الكنيسة فإنّ الزواج المدني يبقى هو الزواج الذي يرتب الآثار القانونية في حياة الزوجين وحتى بعد الموت من حيث الأحكام المتعلقة بالإرث والوصاية والوصية. ويعتبر وحده الزواج القانوني المعترف به من قبل الدولة، وبشكل عام يمنع الاحتفال بالزواج الديني لأشخاص الذين لم يعقدوا سابقاً زواج مدني. هذا النظام بدأ أثناء الثورة الفرنسية في فرنسا سنة 1797 حيث كان لها الدور في علمنة الزواج وتأسيس الزواج المدني من خلال دستور 14 أيلول 1791المادة 7 بمبدأ : "الشريعة لا تعترف بزواج إذا لم يكن عقد مدني". وفي 25 تشرين الأول 1792 تم إصدار مرسوم الذي فرض على جميع المواطنين الذين يرغبون عقد زواج، أن يتم زواجهم بصيغة موحدة أمام رئيس البلدية. وقد أصبح الزواج الآن في فرنسا مدنياً إنما يجوز للزوجين بعد إتمام الزواج المدني أن يعقداه "دينياً" على يد أحد الكهنة دفعاً للحرج الذي قد يقعان فيه إذا كان الزواج المدني مخالفاً لعقائد المذهب الذي يدينان به بأن كانا تابعين للكنيسة الكاثوليكية مثلاً. وقصارى القول أن القانون المدني يحتم الزواج على حسب أوضاعه وأصوله ولكنه يدع للزوجين الحرية في إجراء الزواج الديني إلى جانب الزواج المدني. وقد نصت المادتين 199 و200 من قانون العقوبات الفرنسي على معاقبة الكاهن الذي يتولى الزواج الديني بين زوجين قبل الزواج المدني باعتبار أنه مرتكب لجريمة جنحة . الفرنسيون الذين يرغبون عقد زواج خارج القطر، هم ملتزمون، فيما يخص صيغة الزواج، بشريعة مكان الاحتفال بالزواج. أما الشروط الضرورية أو الأهلية للزواج، يجب تطبيق شريعة الفرنسية. وللحصول على وثيقة التي تثبت الأهلية الزوجية يمكن تحريرها من الأشخاص الدوبلوماسيين أو من القنصل الفرنسي (المادة 170) . وتبنت هذا النظام فيما بعد بعض الدول الأوروبية نذكرمثلاً: سويسرا، بيلجيكا، المانيا، ايطاليا سنة 1865 حتى سنة 1929، تشيلي ، أرجنتين، فنزويلا. أما في تونس حسب 1957 شرع، مادة 36،الغير مسلمين هم ملتزمون بالزواج أمام اثنين من موثقين أو أمام مسؤول قانوني مدني. وفي تركيا 1926 شرع مادة 110 الزواج يمكن أن يعقد فقط بصيغة المدنية وفى الوقت الذي لا تعترف الدولة بأي زواج خارج عن الزواج المدني الرسمي الذي يتم بمعرفة دائرة الزواج في البلديات، فإنها تمنع في نفس الوقت الزواج الديني، وتفرض الفقرة الرابعة من المادة 237 من قانون العقوبات التركي: "عقوبة الحبس لمدة بين شهرين وستة أشهر لكل من أجرى زواجًا في إطار المراسم الدينية فقط. في العموم هذه الدول كانت مسيطرة تحت النظام اشتراكي دكتاتوري حيث كان هدفها علمنة السلطة السياسية. النظام إلزامي للزواج المدني يطبق أيضاً على المسيحيين الغير كاثوليك، مثل كولومبيا- برتغال- كوستاريكا. النظام التشريعي الذي يلزم الزواج المدني ورافضاً الاحتفال بالزواج الديني قبل المدني، يشكل ضرر جوهري لحقوق الانسان الأساسي المبرمة في الأمم المتحدة 26\ 6\ 1945، ومن الحقوق التي تضْمَنُها المواثيق الدولية، نبذ التمييز بسبب الجنس أو الدين، والمساواة في الحقوق أمام القانون لا سيما بين الرجل والمرأة، والحق في الزواج وتكوين أسرة، وحرية التفكير والمعتقد والدين والاعتراف بحق الأقليات الدينية في ممارسة تعاليم دياناتها، وحق ممارسة هذه الحريات. لذلك الكنيسة الكاثوليكية اعترضت على هذا النوع من النظام إلزامي. 2- النظام الاختياري : <H1>حيث يختـار المـواطنون بحرية بين الزواج المـدني أو الزواج الديني وفقاً لأحكام وأنظمة المعترفة عليها. وهذا النظام يتكون بالاعتراف بعدة صيغ قانونية مختلفة لعقد زواج، وفيما يتعلق بشروط الضرورية كأهلية لصحة الزواج والمـوان </H1> |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سر الكهنوت جوهر وفاعلية سر الكهنوت: سر الكهنوت هو فعل مقدس، الذي من خلال صلوات ”وضع الأيادي“ على رأس الأسقف أو الكاهن المختار، تحل على هذا الشخص النعمة الإلهية التي تُقدِّسه، وتقسمه أي تُخصِّصه لرتبة ما في خدمة الكنيسة، وتعمل معه في تتميم متطلبات الخدمة التي ائتمنه عليها الروح القدس. ويتضح هذا من صلوات ”وضع الأيادي“ أو ”الشرطونية“ (وهي كلمة يونانية مستعربة تتكون من مقطعين: شيرو: أي يد؛ طونيا: أي وضع): [النعمة الإلهية الشافية للأمراض، المُكمِّلة النواقص، الجامعة المتفرِّقين، المعتنية بكنائسها المقدسة، اعتنت أن نتبصَّر ونعرف ”فلان“... ليكون (قساً أو أسقفاً أو رئيس أساقفة)... على مدينة (أو على مذبح كنيسة)... المُحبة للمسيح... فصلُّوا، إذن، معنا بعزيمة يا كافة الحاضرين إلى الرب، لكي تحلَّ عليه نعمة الروح الكلِّي قدسه، ولنقُل جميعاً: يا رب ارحم]. ثم يقول الأسقف (أو كبير الأساقفة): [اجتمعوا يا أساقفة معاً، وصلُّوا معاً، ومدُّوا أيديكم]. ويضعون أيديهم (أو يضع يديه) على رأس المتقدِّم المختار. ثم يُكملون صلوات تكريس كل خادم حسب درجته المحددة. ومن هذا يتضح أن أقوى ما يتوشح به الكاهن (قساً كان أو أسقفاً) هو ”الروح القدس“ الذي أكمل به الرب مهامه ومسْحته بالروح القدس تجاه كنيسته، والذي سكبه على رُسله القديسين الذين أسَّسوا الكنائس في كل موضع. والروح القدس يعمل من خلال الرسامة بوضع الأيدي، بموجب وعد الرب أنه سيكون مع كنيسته وفي كنيسته، يقودها ويرشدها: «ها أنا معكم كل الأيام، إلى انقضاء الدهر» (مت 28: 20)، «المعزِّي (الروح القدس)... أُرسله إليكم. ومتى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق» (يو 16: 13،7). الكهنوت هو ”كهنوت المسيح“، والكاهن هو ”خادم كهنوت المسيح“ و”خادم الأسرار الإلهية“: لقد تأسَّست خدمة كهنوت المسيح أو خدمة الأسرار الإلهية، مساء الخميس الكبير أو خميس العهد، عهد الله مع شعبه بدم ذبيحة الحَمَل الذي بلا عيب، الرب يسوع المسيح له المجد، الذي قدَّم ذاته بإرادته وسلطانه وحده ذبيحة مقدَّسة لله أبيه، وأطعم تلاميذه القديسين ورُسله الأطهار من هذه الذبيحة، جسده ودمه الأقدسين، في شكل الخبز والخمر، كما أوضحت الأناجيل المقدسة هذا: 1. (إنجيل متى 26: 20-30). 2. (إنجيل مرقس 14: 17-26). 3. (إنجيل لوقا 22: 14-23). 4. (إنجيل يوحنا 13: 1-35). أصل الوظيفة الكهنوتية للكهنة في العهد الجديد: إن سرَّ الإفخارستيا هو مركز ومحور العبادة المسيحية في العهد الجديد. وحسب إيمان الكنيسة الأرثوذكسية، فقد تأسَّس هذا السرُّ يوم الخميس الكبير أو خميس العهد في العشاء الرباني (أو العشاء السرِّي mystical) للرب مع تلاميذه. هذا العشاء كان طقساً من طقوس وليمة عشاء ذي صبغة دينية يمارسه أفراد البيت اليهودي أيام المسيح في بعض المناسبات. وبالرغم من أنه لم يكن له أية صفة ذبائحية، أي لم يكن يُذبح فيه خروف فصح، بل كان طعاماً عادياً، إلاَّ أن المسيح - له المجد - أعطاه معنىً جديداً تماماً في هذه الليلة. فقد رأى الرب يوم خميس العهد، وهو جالس على مائدة العشاء هذا، رأى بعين النبوَّة أن موته الكفَّاري سيتم غداً الجمعة، وهو الموت الذبائحي الذي أتى من أجل إتمامه عن حياة العالم، أي أنه سيموت ذبيحةً جديدةً، كافية وكاملة، مُقدَّمة عن خلاص وحياة كل العالم، أي أنه سيُصبح غداً (الجمعة) هو حَمَل الفصح الحقيقي (وليس الرمزي)، وليس مثل الخروف الذي تعوَّد اليهود أن يذبحوه في كل عيد للفصح كذكرى لعبور الموت عنهم أُمسية خروجهم من مصر. وعيد الفصح في هذه السنة كان هو يوم الجمعة غداة وليمة العشاء. لذلك جلس المسيح مع تلاميذه في مساء الخميس ليُقدِّم نفسه (بالإرادة وبالنية) باعتباره حَمَل الفصح الجديد والحقيقي الذي سيعبر به الموت عن كل واحد. ولأن المسيح تقدَّم إلى الصليب بإرادته وسلطانه وحده، لذلك اعتُبِرَ موته على الصليب في اليوم التالي ذبيحة إرادية. ومن أجل أن يُعلن المسيح هذه السِّمة الإرادية في ذبيحته، سبق وقدَّمها بسرِّ الخبز والخمر يوم الخميس بقوله لتلاميذه، وهو يشير إلى الخبز والخمر الموضوعَيْن على مائدة العشاء: «هذا هو جسدي الذي يُبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكري... هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي (سـ) يُسفك عنكم... اشربوا منها كلُّكم» (لو 22: 19-20؛ مت 26: 27). فهذان المقطعان اللذان نطق بهما المسيح، ارتبطت فيهما وليمة العشاء اليهودي القديم بموت المسيح كذبيحة من أجل حياة العالم. كما أن هذا العشاء دخل في هذه اللحظات المقدسة إلى المجال الذي لابد أن يكون فيه مُقدِّم الذبيحة (وهو المسيح له المجد) كاهناً. وهذه هي الصفة الثانية(1) التي في المسيح والتي استُعلِنَت لتلاميذه ولنا لأول مرة في العهد الجديد، صفة كهنوت المسيح، وهو يُقدِّم نفسه ذبيحة، جسداً ودماً، يُبذلان كفَّارة من أجل حياة العالم. فصار بهذا هو الذبيحة، وهو مُقدِّم الذبيحة، بآنٍ واحد. وكما كان مُقدِّم ذبيحة الفصح في العهد القديم هو وحده رئيس الكهنة وليس غيره، كذلك فالمسيح يُطلَق عليه لقب ”رئيس الكهنة“ (آرشي إيريفس) أو الكاهن الأعظم، بسبب تقديمه ذبيحة نفسه كفَّارة عن خطايا العالم أجمع. ومنذ ذلك اليوم المبارك، وتنفيذاً لأمر الرب: «اصنعوا هذا لذكري» (لو 22: 19)، أصبح كلُّ مَن يرأس الاحتفال الإفخارستي (أي القداس الإلهي) ويُقدِّم الخبز والخمر في الكنائس المسيحية، إنما يتركَّز عمله في أن يُحقِّق ويُعلِن مجدَّداً حضور ”رئيس الكهنة الأعظم“ الرب يسوع المسيح، ويُفسِح له المجال والكرامة أن يكهن لشعبه ويُقدِّم لهم جسده ودمه الأقدسين في شكل الخبز والخمر الموضوعين على المذبح المقدس. فكهنوت المسيح فريد ووحيد، كون المسيح صار هو وحده الكاهن الأعظم، بدلاً من الكهنة ورؤساء الكهنة الكثيرين في العهد القديم، وذبيحته واحدة وحيدة لكنها حيَّة إلى الأبد. لذلك لم ولن تتكرر مثلما كانت ذبائح العهد القديم تتكرر آلاف المرات على أيدي آلاف الكهنة (اقرأ في هذا الرسالة إلى العبرانيين الأصحاحات من 7-10). ومن هذا الوقت أصبح هذا الكهنوت الجديد الذي للمسيح ينضح على جسده الذي هو الكنيسة، دون أن يُحسَب كهنة العهد الجديد كثرة في العدد، بل هم كلهم محتوون في كهنوت وشخص الكاهن الأعظم الواحد الأوحد، الرب يسوع المسيح، وهم يُمثِّلونه، أي يعلنون حضوره مجدَّداً كاهناً أعظم وحيداً، يُقدِّم الذبيحة الواحدة الوحيدة لجسده ودمه كل حين عن حياة العالم، والتي قُدِّمت مرة واحدة وعن الكل، عن كل واحد، يوم خميس العهد. ويُوصف عملهم أنهم خُدَّام كهنوت المسيح(2)، وخُدَّام أسرار المسيح الإلهية(3). وهذا هو الفرق الجوهري بين كهنة العهد الجديد وبين كهنة العهد القديم. الشرطونية (أو وَضْع الأيادي) في الكنيسة الأولى: حينما كان الرسل يتصرَّفون في كل شيء بحسب تعليم المسيح وإلهام الروح القدس، وجدوا أنه من الضروري إقامة شمامسة في الكنيسة ليخدموا ”الموائد“ (سواء موائد جمع المال أو موائد الرب أي ”المذبح“) حتى يتفرغ الرسل لخدمة الصلاة وخدمة كلمة الله. لذلك فقد أعطوا لجمهور التلاميذ (أي المؤمنين) أن يختاروا من بينهم سبعة رجال مختبرين ممتلئين من الروح القدس والحكمة. وحينما تم اختيارهم وقُدِّموا للرسل، «صلُّوا ووضعوا عليهم الأيادي» (اقرأ القصة بأكملها في سفر أعمال الرسل 6: 1-6). وهنا نلاحظ عمليتين اثنتين متميِّزتين بعضهما عن البعض: الاختيار (أو الإقامة)، ثم وضع الأيادي (أي الشرطونية، التي هي الرسامة). والاختيار أو إقامة الخُدَّام هي عملية يقوم بها المؤمنون بأنفسهم: «فانتَخِبوا، أيها الإخوة، سبعة رجال منكم...» (عدد 3). وهي عملية لها شروط ومتطلبات لكل درجة من درجات خدمة الكهنوت يجب أن تتوفر في المختار للرسامة. بينما الرسامة، أي وضع الأيادي، هي عمل مقدَّس أي عمل النعمة الإلهية. + وفي نفس سفر أعمال الرسل، نجد إشارة عن ”وضع الأيادي“ في الكنيسة الأولى كعمل مقدس به رُسم ”قسوس“(4)أو ”شيوخ“ أو بالاسم اليوناني الكنسي ”بريزفيتيروس“؛ فبينما كان بولس وبرنابا يُبشِّران في مدن آسيا الصغرى (دربة ولسترة وإيقونية) وأنطاكية، وازداد عدد المسيحيين، إذا بسفر أعمال الرسل يفيدنا بأنهما: «انتخبا (”رسما“ هي الترجمة الصحيحة للشيروطونيا) لهم قسوساً في كل كنيسة، ثم صلَّيا بأصوامٍ، واستودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به» (أع 14: 23). هذا العمل ( ”رسما“ - شيروطونيا - ”وضعا الأيـادي عليهم“) هـو عمـل مقدَّس، وقـد اختار القديس لوقا الاسم الكنسي له: ceiroton»santej ليُبيِّن تميُّزه عن ”انتخبا“ (في الترجمة البيروتية)، وعن ”عيَّنا“ (في الترجمة العربية الحديثة)، وعلى الأخص أن الذي قام بهذا العمل المقدس رسولان هما بولس وبرنابا. والرسامة ليست مجرد طقس ولا شكل، بل هي توصيل موهبة إلهية خاصة. وهذه الموهبة يشهد لها ويؤكِّد عليها القديس بولس في خطابه الوداعي مع قسوس (شيوخ - مُقدَّمي) كنيسة أفسس: «احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة (أي ”مفتقدين“)، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع 20: 28). فكلمة ”أقامكم“ هنا هي بالروح عن طريق ”وضع الأيادي“ أو ”الشرطونية“ أي ”الرسامة“. + وفي الرسالتين اللتين أرسلهما القديس بولس الرسول إلى تيموثاوس، نجد إشارة واضحة ومباشرة للرسامة كعمل مقدس، لإعطاء موهبة للأساقفة المختارين. ففي الرسالة الأولى - أصحاح 4: 14، يكتب لتيموثاوس الذي كان أسقفاً على كنيسة أفسس: «لا تُهْمِل الموهبة التي فيك، المُعطاة لك بالنبوَّة مع وَضْع الأيدي (”للقسوسية“ - ترجمة دقيقة أفضل وأوضح من كلمة ”المشيخة“)»، وفي الرسالة الثانية يكتب له: «فلهذا السبب أُذكِّرك أن تُضرِم (أي تزيدها حرارة) أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يديَّ» (2تي 1: 6). وبمقارنة الآيتين من الرسالتين (إلى تيموثاوس) بعضهما مع البعض، نرى أن تيموثاوس رُسِمَ أولاً للقسوسية، ثم مع مجمع القسوس برئاسة بولس الرسول رُسِمَ أسقفاً وصار له سلطان رسامة القسوس (1تي 5: 22) والإشراف على مجمع القسوس الذين في أفسس (1تي 5: 19،17)؛ ملقِّباً إيَّاه كمَن يبني ويُدبِّر «بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحق، عمود الحق وقاعدته» (1تي 3: 15). |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكهنوت هو سر محبة قلب يسوع
http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_345.jpg ترأس البابا بندكتس السادس عشر عند الساعة السادسة من مساء اليوم الاحتفال بصلاة الغروب في البازيليك الفاتيكانية، وذلك بمناسبة بعيد قلب يسوع الأقدس، المتزامن مع احتفال السنة الكهنوتية، التي أراد البابا بندكتس الاحتفال بها في الذكرى الخمسين بعد المائة لوفاة القديس جان ماري فياني، المعروف عمومًا باسم "خوري آرس". قبيل الاحتفال، جرى تزياح بذخيرة الكاهن القديس الفرنسي، ترأسه الكاردينال أنجلو كوماستري، رئيس كهنة بازيليك القديس بطرس، والكاردينال كلاوديو هوموس، رئيس مجمع الكهنة، والمطران غي بانيار، أسقف بلي-آرس. ذكر البابا في مطلع القداس أن العهد القديم يتحدث ٢٦ مرة عن قلب الله، باعتباره عضو إرادته. ويصف الكتاب المقدس قلب الله مشيرًا إلى أنه يتأثر ويعطف ويتحرك. فما هو هذا القلب؟ شرح الأب الأقدس أنه بالحديث عن قلب الله، تخبرنا الكنيسة عن "حب سري"، يظهر في العهد الجديد من خلال شغف الله اللامحدود نحو البشرية. فالله لا يستسلم أمام عقوق الإنسان ورفضه، بل ترسل رحمته الإلهية الابن لكي يحمل على عاتقه مصير الحب المحطم لكيما بغلبته لسلطان الشر والموت يستطيع أن يعيد للإنسان كرامة الابن. ورمز هذا الحب في العهد الجديد هو جنب يسوع المطعون بالحربة. ودعا البابا الحضور للتوقف والتأمل بقلب يسوع المطعون على الصليب، منطلقًا من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس التي تقدمها الليتورجية: " الله الواسع الرحمة، لحبه الشديد الذي أحبنا به، مع أننا كنا أمواتا بزلاتنا، أحيانا مع المسيح - بالنعمة نلتم الخلاص - وأقامنا معه وأجلسنا معه في السموات في المسيح يسوع" (٢، ٤ ? ٦). وصرح بندكتس السادس عشر: "يعبر قلب يسوع عن جوهر المسيحية الأساسي؛ ففي المسيح أوحيت إلينا ووهبت لنا جدة الإنجيل الثورية: الحب الذي يخلصنا ويجعلنا نعيش منذ الآن في أبدية الله". فالقديس يوحنا يشرح لنا: "إن الله أحب العالم حتى إنه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدي" (يو ٣، ١٦). ثم أردف الأب الأقدس: "إن قلبه الإلهي يدعو قلبنا؛ ويحثنا على الخروج من ذواتنا" لكي نجعل من ذواتنا "هبة حب دون تحفظ". دعوة المسيح لكل مؤمن هي "الإقامة بالمحبة"، وهذه الدعوة تنطبق بشكل مميز على الكهنة، فالكهنوت ? بحسب تعليم الكنيسة الكاثوليكية ? هو "حب قلب المسيح" (عدد ١٥٨٩). "فكيف لنا ألا نذكر بتأثر أن عطية خدمة الكهنوت تدفقت مباشرة من قلب يسوع؟". وذكر البابا أن السماح للمسيح أن يجتاح القلب بأسره كان هدف حياة بولس الرسول، الذي تشارف السنة المكرسة له على الختام، وكذلك حياة خوري آرس القديس، الذي هو الشفيع المميز لهذه السنة الكهنوتية. وذكر البابا الكهنة بضرورة الحفاظ بأمانة على "الوعود الكهنوتية" التي قطعوها عند سيامتهم الكهنوتية. داعيًا إياهم إلى الرجوع إلى المسيح عند شعورهم بضعفهم، لأنه راعي نفوسهم أيضًا |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سر الكهنوت المسيحي هو رأس الهرم في الأسرار إذ بواسطته يتم إتمام باقي الأسرار الإلهية ، وبه يتكرس أناس بنعمة الروح القدس لخدمة الأسرار الستة الباقية. تأسيس السر: أسسه يسوع المسيح عندما أعطى لرسله السلطة على حل الخطايا ومسكها ، وعلى التعليم والتبشير. في بداية خدمة الرب يسوع أختار الرب التلاميذ ودعاهم للخدمه " و لما كان النهار دعا تلاميذه و اختار منهم اثني عشر الذين سماهم ايضا رسلا" ( لو6 :13) " وبعد ذلك عين سبعين آخرين ايضا و أرسلهم اثنين اثنين امام وجهه الى كل مدينة و موضع حيث كان هو مزمعا ان يأتي " (لو 10: 1) وقال لهم " ليس انتم اخترتموني بل أنا اخترتكم و اقمتكم لتذهبوا و تأتوا بثمر و يدوم ثمركم لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي " الكهنوت خدمة في الملكوت : أعطاهم الرب سلطان غفران الخطايا " الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء و كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء "(مت18: 18) وكرر الرب الوعد ايضا بعد قيامته " و لما قال هذا نفخ و قال لهم اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له و من أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 21-23 ). أعطاهم الرب سلطان الشفاء واخراج الشياطين " ثم دعا تلاميذه الاثني عشر و وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها و يشفوا كل مرض و كل ضعف" (لو9: 1) و " يضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون" (مر16: 18 ) "وأقام اثني عشر ليكونوا معه و ليرسلهم ليكرزوا و يكون لهم سلطان على شفاء الأمراض و إخراج الشياطين " (مر3: 15). أعطاهم الرب سلطان سيامة الكهنة والاساقفه وتسليم ووضع الأيادي والفرز للخدمه وهناك مجموعه من الآيات التي تثبت ذلك :" و هو أعطى البعض ان يكونوا رسلا و البعض أنبياء و البعض مبشرين و البعض رعاة و معلمين لاجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح الى ان ننتهي جميعنا الى وحدانية الإيمان و معرفة ابن الله الى انسان كامل الى قياس قامة ملء المسيح" (افس 4: 11)" و بينما هم يخدمون الرب و يصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا و شاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع 13)" فصاموا حينئذ و صلوا و وضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما فهذان اذ أرسلا من الروح القدس انحدرا الى سلوكية" (أع 13)" و انتخبا لهم قسوسا في كل كنيسة ثم صليا باصوام و استودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به " (أعمال الرسل 14 : 23) أرسلهم الرب للكرازة وقال لهم "دفع إليّ كل سلطان في السماء و على الأرض فاذهبوا و تلمذوا جميع الأمم و عمدوهم باسم الاب و الابن و الروح القدس و علموهم ان يحفظوا جميع ما أوصيتكم به و ها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر آمين" ( مت28: 19) وفي الإصحاح العاشر من إنجيل معلمنا لوقا قال لهم الرب ايضا " أية مدينة دخلتموها و قبلوكم فكلوا مما يقدم لكم و اشفوا المرضى الذين فيها و قولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله و أية مدينة دخلتموها و لم يقبلوكم فاخرجوا الى شوارعها و قولوا حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم و لكن اعلموا هذا انه قد اقترب منكم ملكوت الله . . . . الذي يسمع منكم يسمع مني و الذي ير ذلكم يرذلني و الذي يرذلني يرذل الذي أرسلني… . و لكن لا تفرحوا بهذا ان الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري ان أسماءكم كتبت في السماوات " أعطى الرب يسوع تلاميذه الأطهار سلطان إعطاء الروح القدس للفرز للكهنوت واقام الرسل سبعة شمامسة بعد ان اختارهم الشعب ووضعوا عليهم الأيادي " فاختاروا استفانوس رجلا مملوا من الإيمان و الروح القدس و فيلبس و بروخورس و نيكانور و تيمون و برميناس و نيقولاوس دخيلا انطاكيا الذين أقاموهم امام الرسل فصلوا و وضعوا عليهم الأيادي و كانت كلمة الله تنمو و عدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم و جمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " (أع 6: 2-6)واقاموا كهنه واساقفه في كل كنيسه " بولس و تيموثاوس عبدا يسوع المسيح الى جميع القديسين في المسيح يسوع الذين في فيلبي مع اساقفة و شمامسة "(فيلبي 1 : 1). وبهذا لم يبقَ لأحد أن ينكر على الكنيسة إقامتها لهذا السر المقدس. الكهنوت في الكنيسة: في وصايا الرسل والتلاميذ نجد مدي احترام الكهنوت " احترزوا اذا لانفسكم و لجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أعمال الرسل 20 : 28) وفي وصايا الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس نجد مدي عظمة مسؤولية الأسقف " صادقة هي الكلمة ان ابتغى أحد الأسقفية فيشتهي عملا صالحا فيجب ان يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة صاحيا عاقلا محتشما مضيفا للغرباء صالحا للتعليم غير مدمن الخمر و لا ضراب و لا طامع بالربح القبيح بل حليما غير مخاصم و لا محب للمال يدبر بيته حسنا له أولاد في الخضوع بكل وقار و إنما ان كان أحد لا يعرف ان يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله غير حديث الإيمان لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس و يجب ايضا ان تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج لئلا يسقط في تعيير و فخ إبليس "(1 تي3) . وعن شروط الشموسيه يقول " يجب ان يكون الشمامسة ذوي وقار لا ذوي لسانين غير مولعين بالخمر الكثير و لا طامعين بالربح القبيح و لهم سر الإيمان بضمير طاهر و إنما هؤلاء ايضا ليختبروا أولا ثم يتشمسوا ان كانوا بلا لوم. . . . ليكن الشمامسة كل بعل امرأة واحدة مدبرين أولادهم و بيوتهم حسنا لان الذين تشمسوا حسنا يقتنون لانفسهم درجة حسنة و ثقة كثيرة في الإيمان "(1 تي3). ويوصي الرسول بولس تلميذه تيموثاوس قائلا " أوص بهذا و علم لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة الى ان أجيء اعكف على القراءة و الوعظ و التعليم لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة اهتم بهذا كن فيه لكي يكون تقدمك ظاهرا في كل شيء لاحظ نفسك و التعليم و داوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا تخلص نفسك و الذين يسمعونك ايضا " (1تي4: 11-17) . وعن احتمال الألم في الخدمه ينصحه في الرسالة الثانية قائلا " اكرز بالكلمة اعكف على ذلك في وقت مناسب و غير مناسب وبخ انتهر عظ بكل أناة و تعليم لانه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكّة مسامعهم فيصرفون مسامعهم عن الحق و ينحرفون الى الخرافات و اما أنت فاصح في كل شيء احتمل المشقات اعمل عمل المبشر تمم خدمتك " (2تي4 :2-5) وفي رسالته إلى تيطس يقول الرسول بولس عن الاسقفيه " لانه يجب ان يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله غير معجب بنفسه و لا غضوب و لا مدمن الخمر و لا ضراب و لا طامع في الربح القبيح " تيطس 1: 7 †من غفرتم خطاياه تغفر له و من أمسكتم خطاياه أمسكت † |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
خدمة الكهنوت وأهمية الاستفادة من الخادم كطبيب للنفوس كثيرون من المسيحيين المعاصرين يعتبرون الكهنة أنهم خدام الله العلي، وكموظفين رسميين في الكنيسة، مستعدون أن يُلبُّوا احتياجات الناس الليتورجية، من عقد سر الزيجة وإجراء صلوات الجنازات وحتى ممارسة الأسرار، ويظنون أنهم عن هذا الطريق يُشبعون احتياجاتهم أو يؤدون واجباتهم التقليدية. وبهذا يكون الكهنة في نظر هؤلاء مجرد ممارسين واجبات الوظيفة! ولكن الأمر ليس فقط كذلك، فالكهنة هم حقاً خُدَّام الله العليِّ، يوصِّلون نعمة الله من خلال الأسرار الكنسية السبعة. لكن هل كل كاهن يقدر - أو يملك القدرة - ليشفي النفوس، إلا إذا تجاوبت هذه النفوس معه، وأيضاً كان هو مؤهَّلاً لذلك؟ حقاً الكاهن يقدر أن يحلَّ الخاطئ التائب من خطاياه بمقتضى سلطان المغفرة المُعطَى له من كهنوت المسيح، ولكن هذا ليس كل المطلوب. ومعظم المسيحيين يكتفون بأداء سر الاعتراف ليكون لهم الحق في التناول من الأسرار المقدسة بناءً على تنبيه الكاهن بذلك: +”مَن لم يعترف لا يتناول“، ولا شيء غير ذلك. أما صحة نفوسهم فلا ينتبهون لها أو لشفائها، مع أن صحة النفس وشفاءها هما السبيل إلى تفادي الخطية فيما بعد. لذلك فالكهنة ليسوا فقط خدام أسرار الكنيسة بل هم أيضاً آباء روحيون وأطباء للنفوس، وهم - كما يجب أن يكونوا - مؤهَّلين لمعرفة الطريق إلى شفاء النفس من شهواتها، بحيث يدلُّون أبناءهم الروحيين إلى ذلك. وهذا يستدعي أن يكونوا مستعدين أن يدلُّوا المؤمنين أيضاً على كيف يتحررون من أَسْرِهم للشهوات، وكيف تتحرر نفوسهم من العبودية، عبودية الخطية. إن الكاهن طبيب النفس يُوصي أولاده الروحيين بـالطريق الأرثوذكسي - طريق التقوى - الذي اختبره وعاش فيه هو أولاً. وسنحاول أن نشرح معالم ومسالك هذا الطريق الذي يجب أن يتبعه المريض بالنفس والروح تحت إرشاد الكاهن طبيب النفوس ليبلغ إلى شفاء النفس الروحي. أهمية الأب الروحي في توجيه النسك الوجهة الصحيحة: والآباء الكهنة الذين نالوا الشفاء يقتنون نعمة الإفراز، ويستطيعون بهذه الموهبة أن يرشدوا كل إنسان أن يجد طريقه في حياة التقوى، الذي هو أساساً الطريق التقليدي الأرثوذكسي. وموهبة الإفراز الروحي لازمة جداً لمَن يرعون ويرشدون النفوس. لذلك، فإن الطبيب الروحي لابد أن يكون أولاً: - قد برأ هو من أمراضه الروحية، - ومارس حياة السلامة والصحة الروحية، - قاوم أمراضها وانتصر، - حتى يمكنه أن يُبرئ أمراض أبنائه الروحيين ورعيته. وتقول الكتب الكنسية المقدسة: [كيف يدبِّر آخرين مَنْ لم يعرف أن يُدبِّر نفسه أولاً]. لذلك، فما أخطر النتائج التي تترتب على تسرُّع المرسومين كهنة حديثاً في أخذ اعترافات الناس، أو في تجرُّؤ البعض على رئاسة وتدبير رهبان، أو في تبوُّء مراكز السلطة في الكنيسة، قبل أن يكونوا قد عرفوا ونجحوا في أن ”يُدبِّروا أنفسهم أولاً“، ودون أن يكونوا قد تعلَّموا وتسلَّموا من الشيوخ الأسبقين كيف ”يُدبِّرون آخرين“. وكل هذا سبق وأكَّد عليه القديس غريغوريوس اللاهوتي الذي يكتب: [من الضروري أن نتنقَّى أولاً ثم نُنَقِّّي، أن نكون حكماء ثم نُمارس الحكمة، أن نكون نوراً ثم نُنير، أن نقترب من الله ثم نُقرِّب الآخرين إلى الله، أن نتقدَّس ثم نقدِّس...] - المقالة 2: 71. والقديس يوحنا ذهبي الفم، الذي اشتهر بكتابه عن الكهنوت، يكتب مُبرِّراً رفضه - في أحد مراحل حياته - أن يصير أسقفاً، فيقول إنه مُدرك جداً ضعفه وصغر نفسه بل وأهمية وصعوبة تدبير الناس: [أنا أعرف كم أن نفسي ضعيفة وصغيرة. أنا أعرف أهمية هذه الخدمة والصعوبة العظيمة التي تكتنفها] - الكهنوت 3: 7. وفى حواره مع معاصره القديس باسيليوس الكبير، يرجوه أن لا يشكَّ فيما برَّر به موقفه من رفض الأسقفية، لأنه بينما هو يحب المسيح، فهو أيضاً يخاف من أن يثير عثرة حينما يقبل الخدمة الروحية: [من حيث أن ضعفي الروحي يجعلني غير كُفء لهذه الخدمة] - المرجع السابق 2: 4. إن النقاوة الكاملة لأفكاره وأحاسيسه جعلته يحس بأن ضعف نفسه أقنعه بأنه غير أهل لهذه الخدمة العظيمة، لأن الشهوات إذا لم تُشفَ تمنع الكاهن من أن يخدم شفاء أولاده الروحيين. فإذا كان طبيب النفس لم يُشْفَ أولاً من أسقامه وأمراضه، فهو يظل ”شخصاً عامياً“ (مهما التحف بهذا الزِّي أو بذاك الشكل)، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [فإنهم يأخذون ببساطة ”الأشخاص العاميين“ ويجعلونهم مسئولين عن هذه النفوس]. الكهنوت 3: 15 هذه مقدمة مختصرة لابد منها، قبل أن نتقدَّم لنفحص بالتفصيل مؤهِّلات وكفاءات خُدَّام كنيسة الله المُقامين من أجل تحقيق غاية قيام الكنيسة وممارسة الأسرار الكنسية، أَلاَ وهي شفاء نفوس الرعية. متطلبات ضرورية للمتقدمين للكهنوت: فقد ذكر الإنجيل متطلبات مُسبقة من المتقدِّمين للكهنوت ليكونوا قادرين أن يُكمِّلوا كل جوانب هذه الخدمة العظيمة. ومنها «أن يكون بلا لوم» (تيطس 1: 6)، وألاَّ يكون ”حديث الإيمان“ (1تى 3: 6)، أي لابد أن يكون قد تمرَّس في الاختبار الروحي، أي يكون قد تطهَّر في نفسه أولاً، ثم بعد ذلك الرسامة. ويطلب القديس يوحنا ذهبي الفم من الكاهن أن يكون متمتعاً بقوة روحية، لأنه يجب أن يختبر الكاهن مزيداً من القوة الروحية والغيرة الروحية ليكون قادراً ”أن يختطف نفسه دائماً من كل تأثير ضار ويحفظ جماله الروحي بلا تشويه“. لذلك يؤكِّد على أن الإكليروس الذين يعيشون في العالم يحتاجون إلى نقاوة وطهارة أكثر مما يحتاجه الرهبان في أديرتهم. فإن كان الإنسان نفسه لم يُشفَ بعد، فكيف سيكون قادراً على أن يشفي الضعيف والمريض روحياً من شعبه؟ لذلك تكلَّم كثيرون من القدِّيسين على أنه إذا لم يكن الإنسان مقتنعاً من الروح القدس أنه مقبول لدى الله والناس حتى يمكنه أن يكون وسيطاً بينهما، فعليه ألاَّ يتجرَّأ ويقبل ”هذه الخدمة المهوبة المملوءة سراً“. ومن سِيَر آبائنا القديسين نرى أن المدعوين للرسامة كانوا يهربون للجبال، كما فعل القديس غريغوريوس اللاهوتي وكثيرون من آباء الكنيسة القبطية. وفى ”الدفاع عن هروبه إلى بنتس“ يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي بأن لا أحد يقدر أن يتحمل مسئولية رعاية القطيع الروحي إلاَّ إذا كان قد اجتاز ”بالخبرة والتأمُّل“ كل ألقاب المسيح، وتعلَّم «حكمة الله (المخفية) في سر» (1كو 2: 7)؛ أما إذا لم يكن كذلك، فهو ما زال طفلاً ”يتناول اللبن“ (مقالة 2: 97-99). ولكن آباء الكنيسة لم يكن خافياً عليهم تلك الحقيقة المُرَّة أن كثيرين رُسموا دون استيفاء متطلبات الرسامة الواجبة، فهم لم يكونوا قد شُفُوا من آلامهم ولا تطهَّروا من شهواتهم. لذلك فإن الكثير من الرسامات، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [قد تمت ليس من النعمة الإلهية بل من الطموح البشري] - الكهنوت 1:4. وهناك قول مأثور للقديس ذهبي الفم . [الله لا يرسم الكل، لكنه يعمل من خلال الكل]. عظة 2 على تيموثاوس الثانية لكن تعطُّل شفاء الناس في الكنيسة، وربما العثرة من الرسامات التي من غير اختيار النعمة الإلهية، أخطر بكثير مما نظنه أنه خسارة حين يُمنع إنسان كفؤ من الرسامة وهو أهلٌ لها. + |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
النظرة اللاهوتية للخدمة الكهنوتية رالشماس ديبو حبابة من أهم المسائل اللاهوتيّة في الفكر اللاهوتيّ المعاصر هي الخدمة الكهنوتية، والتي يعالجها كتاب اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر في جزئه الثالث، للمطران كيرلّس سليم بسترس، ومقالتي هنا مقتصرة على وضع ملخص عام لأهم الأفكار اللاهوتية المتعلقة في الخدمة الكهنوتية.أولاً: كهنوت المؤمنين و كهنوت الخدمة إنَّ الله يدعو بعض المسيحيين، ولكن المسيحيين جميعاً يشتركون في كهنوت المسيح، لأنَّهم بالمعمودية يصيرون أعضاء في جسد المسيح، فما الذي يميّز هذين النوعين من الكهنوت؟ 1. كهنوت المؤمنين المشترك بعد العهد الجديد بالمعمودية كل شعب الله هم كهنة، وهذا يؤكد عليه بطرس في رسالته الأولى (2: 5- 10)، والدستور العقائدي في الكنيسة في المجمع الفاتيكاني الثاني، وهذا الكهنوت يمارس بالشهادة للمسيح في كل مكان، وبالاشتراك في الصلوات و الأسرار ولاسيّما الإفخارستيا. 2. كهنوت الخدمة الراعوية: أوكل الله إلى البعض مهمة خاصة في هذا الجسد (الكنيسة)، والفرق بين النوعين من الكهنوت ليس على صعيد كيان المسيحي، بل على صعيد المهمة في الجسد؛ وهذا الفرق يظهر في طقوس الأسرار، فكهنوت المؤمنين المشترك يُمنح بالتغطيس بالماء بالمعمودية ومسحة الميرون في التثبيت، أما كهنوت الخدمة فيمنح "بوضع اليد"، ووضع اليد يعني إعطاء سلطة ومهمة خاصة، فما هو قوام تلك المهمة ومضمونها: أ. كهنوت الخدمة هو وظيفة عضوية في جسد المسيح. ب. كهنوت الخدمة هو استمرار لدور المسيح رأس الكنيسة. ج. الخدم الكهنوتية هي مواهب من الروح القدس. ثانيًا: أبعاد الخدمة الكهنوتية الخدمة الكهنوتية تضمن استمرار شعب الله، وتعمل على بناء جسد المسيح، وتلك الخدم تتمّ في ثلاثة ميادين: الكلمة، الأسرار، والرعاية: 1. خدمة الكلمة: لقد أنشأ المسيح الكنيسة أولاً بالكرازة بالكلمة، وأرسل تلاميذه للغرض نفسه، فالإيمان بحاجة إلى التبشير بالكلمة، ويجعل المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره العقائدي في الكنيسة خدمة الكلمة أولى المهام الأسقفية الرئيسية، ويتوسع في هذه المهمة في قراره في خدمة الكهنة الرعائية. 2. خدمة الأسرار: إن خدمة الكلمة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بخدمة الأسرار، والكلمة التي يكرز بها الكهنة يجب أن تقود الشعب إلى الاتحاد بالمسيح وبالأسرار، وإلى تكوين جماعة مسيحية تحيا في الحياة الإلهية الواحدة، فالكاهن هو خادم المسيح وخادم الجماعة التي يقودها لتصير جسدًا واحدًا في المسيح، لذلك يعلن المجمع الفاتيكاني الثاني أن الاجتماع الإفخارستي هو النقطة المركزية في الجماعة المسيحية التي يرأسها الكاهن، وهذا ما نستشفّه بوضوح في صلوات الرسامة. 3. قيادة شعب الله- خدمة الرعاية: إنَّ تصميم الله هو "أن يجمع تحت رأس واحد من المسيح كل ما في السماء والأرض"، فالبعد الثالث للخدمة الكهنوتية يقوم على تجسيد عمل المسيح الراعي الذي يجمع كل المسيحيين في جماعة عضوية، في شعب واحد لله، بحيث تصغي الرعية كلها لصوت المسيح "لتصير رعية واحدة لراعٍ واحد" (يو10: 16). ثالثًا: كهنوت الخدمة سر من أسرار الكنيسة عاشت الكنيسة الخدمة الكهنوتية كموهبة من الروح القدس وكوظيفة عضوية في جسد المسيح، ثم حددت الكنيسة الغربية مفهوم الأسرار وعددها في القرن الثاني عشر، وقد قبلت الكنيسة الأرثوذكسية هذا التحديد أيضاً في مجمع الاتحاد المنعقد في ليون (1247). لماذا تعتبر الكنيسة الخدمة الكهنوتية سرًا؟ 1. لأنه يرقى إلى إرادة المسيح نفسه الذي اختار بعض رسله وأقامهم خدام الكرازة. 2. لأن الخدمة الكهنوتية تمنح من يقبلها نعمة خاصة. 3. لأن النعمة التي يمنحها هي لخدمة الكنيسة. رابعًا: كهنوت الخدمة و الزواج إن السيد المسيح قد دعا رسله دون تمييز بين متزوج وأعزب، على الرغم من أنه دعا إلى البتولية، لكن هذه الدعوة إلى التكرس لأجل الملكوت هي دعوة حرة وليست على الإطلاق شرطاً مسبقاً للرسل والمبشرين. والتفسير الكتابي المعاصر يشرح كتابات بولس الرسول، بأنه يدعو المدعوين إلى الخدمة الكهنوتية بالأمانة الزوجية، فيجب اختيار الشمامسة والكهنة والأساقفة من ذوي الأخلاق الحسنة في جميع المجالات. يجب التمييز بين الدعوة إلى الحياة الرهبانية والدعوة إلى الخدمة الكهنوتية، فالحياة الرهبانية تتطلب البتولية، كما الفقر والطاعة، أما الكهنوت فخدمة في الكنيسة، وهذه الخدمة يمكن أن يؤديها الكاهن المتزوج والكاهن الأعزب. إنَّ أفضلية البتولية على الزواج في الكهنوت لم يستطع اللاهوت أن يعطي عنه براهين واضحة ومقنعة، لذا المهم في الأمر ليس النظر إلى أفضلية البتولية في ذاتها، بل بالنسبة إلى كل شخص، فعلى كل من يريد التكرس للخدمة الكهنوتية أن يسأل نفسه لا عمّا هو الأفضل نظرياً بل عمّا هو الأفضل له، استناداً إلى طبيعته ونفسيته وإمكانات اكتماله الذاتي، فإذا كانت العزوبة إطاراً صالحاً للبعض ويستطيعون تكريس حياتهم لخدمة الكنيسة بفرح وانتعاش، فقد تكون لغيرهم حاجزاً وعائقاً للخدمة الكاملة وبذل الذات السخي. وهكذا إن الأمر الأساسي الذي يتفق عليه المسيحييون اليوم، والذي لا بد من تأكيده، هو أن الخدمة الكهنوتية ليست منفصلة عن عمل المسيح "الكاهن الأوحد"، وليست نعمة تُمنح لمنفعة الشخص الذي يحصل عليها، إنما هي موهبة يمنحها الروح القدس في سبيل بناء الكنيسة جسد المسيح |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التكريس الكهنوتي
http://www.peregabriel.com/gm/albums...odination2.jpg الأرشمندريت توما (بيطار) التكريس بعامة كل معمَّد يفترض أن يكون مكرَّساً للمسيح. ليس بعد لنفسه بل لمن اشتراه بدمه. لا يعيش لنفسه. المسيح صار سيّد حياته. محور حياته. إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت. يُفترض بالمعمَّد أن ينظر إلى نفسه كعبد لله. أن يتعامل مع الناس كعبد للمسيح. هذه صورته عن نفسه. أمّا المسيح فلا ينظر إليه كعبد ولا يعامله كعبد بل كابن. والعبد يسأل نفس السؤال الذي طرحه شاول، أي بولس العتيد، لمّا تراءى له السيّد في طريقه إلى دمشق: "ماذا تريد أن أفعل" (أع 9: 6). المؤمنون أمّة كهنة. هذه موهبتهم. والكاهن هو مَن يقدِّم الذبيحة. المسيح كان الذبيحة ومقدِّمها. هو المقرِّب والمقرَّب. المؤمن على مثال المسيح. هو المقرِّب والمقرَّب. يقرِّب ذبيحة نفسه، كيف؟ يستعبد نفسه لله. يعتبر كل شيء نفاية من أجل فضل معرفة المسيح. من أجل فضل الدخول في شركة معه. كيف يستعبد نفسه لله؟ بالتخلّي عن مشيئته. بالتخلّي عن أفكاره. يتّخذ مشيئة السيّد كأنّها مشيئته. يتّخذ وصيّة السيّد كأنها كلمته. يصبح من معدن كلمة الله. يكون مكرَّساً لله بالكليّة. الإيمان بيسوع أصلاً تكريس أو لا يكون لأنه استيداع للروح بين يديه. "في يديك أستودع روحي" (لو 23). حفظ الوصيّة تكريس لأنّ الوصيّة هي التعبير عن مشيئة الله. المحبّة في المسيح تكريس لأنها بذل الإنسان نفسه عن أحبّائه لأجل يسوع. يبذل وقته وماله وأتعابه وفكره وصحّته، يكرِّس عائلته وكل ماله، وصولاً إلى بذل حياته بالكامل، إلى تكريس نفسه بالكامل. المسيح كرَّس نفسه لنا لمّا اتّخذ بشرتنا لكيما نكرِّس نحن أنفسنا له إذا ما آمنّا به. أن يكرِّس المؤمن نفسه لله معناه أن يعطي قياده لروح الله بالكامل. فقط الذين ينقادون بروح الله أولئك هم أبناء الله (رو 8: 14). ولكن، في التكريس كلّية في الموقف الداخلي لا مناص منها. مَن ليس معي فهو عليّ. فلا يتذرّعن أحد بالضعف البشري. الضعف البشري يطال القدرة على السلوك بحسب هذا الموقف ولا يجوز أن يطال الموقف الداخلي بالذات. وهذا أمر طبيعي لأنّ الضعف واقع الطبيعة البشرية. أمّا موقفنا الداخلي فمستمدّ من وعد يسوع لنا، من إيماننا به، لا من قدرتنا. هو القادر فينا. ولكي نعرف أنّه هو القادر فينا يجب أن نعرف ضعفنا. الإحساس بالضعف مفيد لا بل ضروري. مهم جداً أن يعرف المرء حجمه، إذن ضعفه، وأنّ ما له يأتيه من الله. الخلاص نعمة من فوق تعطى لنا بالإيمان، بالتسليم لله، بالثقة بالله، باليقين أنّه هو القادر فينا. المهم ألاّ ينعكس الشعور بالضعف انقساماً في النفس. المهم أن تبقى الإرادة حاضرة عندي. السؤال المطروح عليّ دائماً هو أتريد أن تبرأ؟ لا أتقدر أن تبرأ؟ لا بأس إن لم أجد في نفسي القدرة على أن أفعل الحسنى (رومية 7). النعمة الإلهية هي تكمِّل الناقصين في كل حين. قوّة الله بحاجة لضعفنا لتكمل. التجربة التي أتعرّض إليها دائماً هي أن أيأس لأني لا أقدر أن أُتمِّم الوصيّة. التجربة يسمح بها الربّ الإله لأتّضع لا لأيأس. وإذا آمنت واتضعت عرفت أنّ كل عطيّة صالحة منحدرة من العلو. فقط المتّضعون يلتهمون رفعة الله. يمكنهم أن يكونوا في شركة حقّانية مع الله. يعطون المجد لله. المجد للآب والابن والروح القدس. هذا الكلام يخصّنا جميعاً. يخصّ كل واحد منّا. فيه نسلك في جدّة الحياة أو نبقى في عتاقة الخطيئة والموت. مَن لا يسلك فيه يكون قد أنكر الإيمان وهو شرّ من غير المؤمن. في إطار التكريس بعامة نطرح التكريس بخاصة، لهذه الخدمة أو تلك، في هذا الاتجاه أو ذاك. كل كلام عن التكريس لا يقابله تكريس فعلي للمسيح، بالروح والحقّ، هو لغو. التكريس الخاص الكنيسة بحاجة لخدّام "لتكميل القدّيسين، لبنيان جسد المسيح" (أف 4). بحاجة لأساقفة وكهنة وشمامسة ومعلّمين ومبشّرين... هؤلاء تفرزهم الكنيسة، تختارهم لسدّ حاجاتها. هناك شروط يجدر توفّرها فيهم، عادة ما تكون محدّدة. يصلّى لهم. توضع الأيدي عليهم فيُعطَون من فوق نعمة خاصة تكمّلهم وتعينهم. بعض الكنائس أعجز من أن يفي بحاجة نفسه. هذه تستعين بكنيسة شقيقة أكثر ازدهاراً منها. الكنيسة التي تضعف فيها حدّة الغيرة على جسد المسيح تكون في انحطاط، في انفراط، في تآكل. الكنيسة التي يرعى أبناؤها فيها أنفسهم ولا يرعونها تخرب. صدق مَن قال إن الكنيسة لا تقوى عليها أبواب الجحيم. ولكن هناك كنائس محلية زالت. الكنيسة التي لا تنهض تموت. النهضة في الكنيسة تتمثّل في أربعة أمور: 1 - وعي المؤمن لحتمية تكريس نفسه للمسيح 2 - تكريس المؤمن نفسه فعلياً للمسيح 3 - الغيرة على بيت الله 4 - الذود عن كنيسة المسيح. أنطاكياً هاجس القداسة خافت. الفردية سيِّدة الموقف. الغيرة على بيت الله واهية. جماعة القدّيسين المتراصّة مفتقدة إلى حدّ بعيد. قلّة متناثرة تُغويها القداسة. ليس عندنا تيار قداسة. لذلك النهضة عندنا بداية نهضة. نهضة خجولة. التكريس الكبير ليس واقعاً. الحسّ المشترك ضعيف. تسعون بالمائة ممن يُسمَّون أرثوذكس في أنطاكية، تسعون بالمائة على الأقل، من دون رعاية تُذكر. مَن تراه يبالي!؟ قلّة تبالي! ليس عندنا ما يكفي ولا لقطاع واحد من قطاعات الخدمة. على سبيل المثال، حاجتنا للكهنة بالسرعة التي نسير بها، بمعدل كاهن أو اثنين أو ثلاثة يُسامون في السنة، لا يمكن تلبيتها اليوم إلاّ بعد مائة أو مائتين أو أكثر من السنوات. مثلاً أبرشية دمشق فيها حوالي 400 ألف شخص أي ما يعادل 80 ألف عائلة. الكاهن الواحد – اللهمّ إذا كان صالحاً! – يقدر أن يرعى ما معدّله مائتا عائلة. فنكون بحاجة إلى أربعمائة كاهن. عندنا منهم ثلاثون كاهناً أو يكاد. إذن نحن بحاجة إلى 380 كاهناً لنسدّ حاجتنا اليوم. إلى كم من السنوات نحتاج لنغطّي هذه الحاجة اليوم؟ أترك ذلك لحساباتكم! المشكلة كبيرة والخطورة حقيقية. شعبنا، بكل بساطة، بلا رعاة. نحن نحسب الرعيّة لنا وغيرنا يرعاها. شعبنا متروك للجهل والغربة. إذا ما كان لنا بعدُ شعب اليوم فلعلّ في ذلك، بشكل أو بآخر، شيء من الرعاية الإلهية المباشرة. ولعلّ للعامل الطائفي والتركيبة العائلية شبه القبلية تأثير. أولوياتنا عديدة لكن أولوية الأولويات أن نؤمِّن رعاة لهذا الشعب، رعاة على قلب الله. كلّنا معنيّ بهذا العمل: المجمع، الأساقفة، مجالس الرعايا حيثما وُجدت، المجموعات، الأفراد. نحن أيضاً معنيّون، ربما أكثر من غيرنا لأنه يُفترض بنا أن نكون عارفين ومطّلعين أكثر من غيرنا. الكنيسة بحاجة إلى مؤمنين غيارى يكرِّسون أنفسهم. صحيح أنّ هناك واقعاً إدارياً أو اقتصادياً بحاجة إلى تغيير في كنيسة المسيح. لكن الحاجة الكبرى هي إلى روح الشهادة، إلى روح التضحية أولاً. المعادلة نحن قادرون على تغييرها بنعمة الله. لا نكن سبحانيّين. نحن عاملون مع الله. الله لا يعمل عنّا. وهو يطالبنا بذلك. السؤال المطروح على ضمير كل واحد منّا: هل تترك كنيستك لرحمة الأقدار غير مبال إلاّ بما هو لنفسك أم تنبري لأداء دورك؟ هل تجلس على كرسيِّك الخاص مكتّف اليدين تتفرَّج وتنظِّر وتطلق الأحكام يميناً ويساراً على البطريرك والأساقفة والكهنة فيما يتضوَّر شعب الله وخراف المسيح المهجورة جوعاً إلى الكلمة والرعاية؟ إذا لم أكن مستعداً لأن أقدِّم نفسي في هذا الوقت الصعب فما المنفعة؟ الربّ يسأل كما في إشعياء 6: "مَن أُرسل ومَن يذهب من أجلنا". فبماذا نجيب؟ أنقبع في لامبالاتنا وتبرير أنفسنا أم نقول كأشعياء "هاءنذا أرسلني". طبعاً الاستعداد الطيِّب لا يكفي، لكنّه مهم جداً. قد لا أصلح للخدمة. ليقرِّر ذلك ذوو الشأن. إذا لم نكن على هذه الموجة من الغيرة والاستعداد فمعالجتنا لموضوع التكريس الكهنوتي اليوم باطلة. كلامنا، والحال هذه، مجرّد دردشة. ولكن ثمّة مَن يتوقّف عند موضوع الدعوة الكهنوتية. يدّعي أو يحبّ أن يدّعي أنّه ليس مدعواً إلى الخدمة الكهنوتية. كيف ننظر إلى هذا الأمر؟ الدعوة والكاهن إذا كنّا نحسب أنّ السيّد الربّ يختار مَن يريدهم كهنة له ثم يدعوهم بطرق هو يعرفها فيستجيبون فإننا نخطئ. الإختيار الإلهي وارد ولكن في حالات خاصة الله يعرفها. في الأحوال العادية الكنيسة هي التي تختار مَن تراه مناسباً للخدمة ولكن في إطار علاقتها الحيّة برأسها المسيح. بدون الله لا نستطيع شيئاً. الكل ينبغي أن يكون بروح الله. ولكن الله جعل الأمور بين يدي الكنيسة. من هنا أنّ المسألة هي مسألة شفافية في العلاقة مع الله. مسألة تعاون مع الله. مسألة تفاعل مع الله. هذه الشفافية لتتحقّق تحتاج إلى توبة من قِبَلنا، إلى نسك، إلى تواضع، إلى صلاة. روح الله، إذن، نلتمسه في هذا الإطار. قلب الله نستقرئه في هذا الإطار وإلاّ خرجنا من دائرة المعرفة بالروح إلى دائرة التخمين، إلى دائرة التحليل الفكري، إلى دائرة المشاعر والأحاسيس، إلى دائرة القناعات المحكومة بالأهواء. الإنتماء للكنيسة، إذ ذاك، ينتفي عن أن يكون بالروح والحقّ. يصبح انتماء فكرياً نفسانياً. فلا يتسرعنّ أحد ويدّعي أنّه لا يقدر أن يتصوّر نفسه كاهناً، أنّه ليس مدعواً إلى الكهنوت. كيف تعرف؟ كيف تجزم؟ لعلّك تُسقط على الله ما هو منك! كيف تخرج من دائرة نفسك؟ بحفظ الوصيّة، بالصوم، بالصلاة، لا سيما بالطاعة للأسقف، لأب الإعتراف، للأب الروحي... لا يكلّمنا الله، في العادة، مباشرة بل من خلال آخر. الآخر علامة لخروجنا من ذواتنا. مناخك الداخلي ينبغي أن يتغيّر أولاّ. لا تتمسّكن برأيك. أسلم نفسك للربّ يسوع تسلم. كنْ مستعداً لأن تسمع، لأن تقبل قصد الله لك، في كل حال، تجد رأس الخلاص. الموضوع إذ ذاك يطرح نفسه لديك بطريقة جديدة لعلّك لم تختبرها من قبل. ولكن ليس كلّ مَن يرغب في الكهنوت، يصلح للكهنوت، مع أنه إن اشتهى أحد الكهنوت فإنه يشتهي عملاً صالحاً. للكهنوت حدود، شروط، مقوِّمات. ماذا تراها تكون؟ مقوِّمات الكهنوت أولاً : القداسة. أن تكون القداسة هاجسك المحوري. أن تتمحور حياتك حول يسوع. أن يكون هو همّك الأول والأخير. أن يكون قلبك له. أن يكون سعيك إليه. كاهن لا يسعى إلى القداسة ولا تهمّه القداسة هو موظّف أجير، دخيل، شاهد زور، بائع كلام، تاجر خدمات. يبيع القدسات كما تُباع البطاطا. وهو خير عميل لضدّ المسيح. همّه في أجره، في ربحه، في مركزه، في مجده، في كرامته، لا في ما للمسيح. يتجلبب بجلباب الواجبات والشكليات والأصول دون ما هو لروح الربّ. ثانياً : الفقر. يتبنّى الفقر الطوعي. المسيح غناه. يعيش بالقليل. يرضى بالقليل. يُسلم أمره لله. قلبه واثق بالربّ. يؤمن بمَن قال "لا أُهملك ولا أتركك" (عب 13). يؤمن بمَن قال: "لا تهتمّوا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس... لأنّ أباكم السماوي يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذه كلّها. لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلّها تزاد لكم" (متى 6). يخاف لكنّه لا يستسلم للخوف. يلقي بنفسه بين يدي الله الحيّ. الخوف على المعيشة، الخوف على المستقبل يعطِّل الإيمان. يفضي إلى الخطيئة. يفرع تبرير الذات. "بدنا نعيش!". الاستسلام للخوف يأتي بنا إلى طلب الغنى. يسقطنا في حبّ المال، في عبادة مامون. لذا تبنّي الفقر، ثقةً بالله والتماساً لغناه، علامة أساسية من علامات محبّته. ولكن لنفهمْ: الكاهن هو الذي يطلب الفقر طوعاً ولا يفرضه عليه أحد لا الأسقف ولا وكلاء الكنيسة ولا المتنفّذون في القوم. هؤلاء يوفّرون له كل ما يحتاج إليه، وبكرم وغيرة إلهية. الفضيلة لا تُفرض. الفضيلة تُقتبَل. ثالثاً : الصلاة والصوم. أن يكون محبّاً للصلاة. ملازماً للصلاة. مداوماً على صلاة القلاّية. مواظباً على صلاة الجماعة. الصلوات في الكنيسة. الصلوات التقديسية في البيوت. همّ الكاهن أولاً تقديس العالم، تقديس الزمن، تقديس النفوس. يصلّي مع الناس ويصلّي للناس ويصلّي على الناس. كل شيء عنده، كل مسألة، كل قضية، كل اهتمام مؤطّر بالصلاة. "لا تهتمّوا بشيء بل في كل شيء، بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتعلم طلباتكم لدى الله" (في 4: 6). ومع الصلاة يكون الصوم. الصوم مساعد على الصلاة. مصاحب للصلاة. الصلاة الحقّانية تأتي من جوع لا من شبع. رابعاً : مزايا نفسية. أن يكون قادراً على ضبط نفسه. لطيفاً. سمّاعاً. محترماً للناس. مكرِّماً للناس دون تملّق. مصلحاً لهم دون تهجّم. جلوداً. عقله راجح مرتّب. قادر على التعبير الواضح عن نفسه. ذو مزايا قيادية دونما تسلّط. خدوماً دون ابتذال. يرتاح الناس إليه. غير ضرّاب ولا محب للمخاصمة. ثابت في موقفه دونما تصلّب. مرن في تعاطيه دونما تلوّن. يُتَّكل عليه. يُؤتمن له. صاحب شخصية سويّة دونما عقد بارزة حادة. مثال ذلك أن يكون قد عانى من تسلّط أبيه المفرط فيتقمّص شخصيته أو من فقر بيته المدقع فأضحى مسرفاً أو بخيلاً أو من قهر أبيه لأمّه فأمسى كارهاً لصورة الأب بعامة، حقوداً. ذوو العقد المستعصية، في العادة، يضفون على عقدهم، في إطار الإلهيات، صبغة إلهية وهم لا يعلمون. له شخصية غيرية لا إنطوائية. تميل إلى الناس. تجد فرحاً ورضى وإشباعاً في انفتاحها على الناس وتعاطيها معهم. خامساً : النضج الروحي. النضج الروحي يلطِّف الواقع النفسي والمزاجي للشخص لكنّه لا يغيِّره بالضرورة. النضج الروحي والنضج النفسي متداخلان حتماً. من علامات النضج الروحي أن يكون المرء ملاحظاً لنفسه، ملاحظاً لأفكاره وتصرّفاته، ضابطاً لنفسه، مجاهداً، منقِّحاً لذاته. غير معجب بنفسه. مستعداً أبداً لأن يتّضع، لأن يعترف بخطيئته وتقصيره. لا تهمّه صورة الآخرين عنه بقدر ما تهمّه صورة الله عنه. يسامح بيسرٍ ويطلب الصفح بسهولة. يقبل الآخرين مهما كانوا عليه ويعرف أن يقبل ما يأتي عليه. ليس همّه في تبرير نفسه بل في إصلاح نفسه. متعقِّلاً. صبوراً. حليماً. ورعاً. حنوناً. ودوداً. صلباً في تصميمه وعزمه، رقيقاً في مشاعره. الدمعة سهلة في عينيه. محبّاً للسلام، ساعياً إليه. دافئاً في علاقته بالناس دونما لزاجة، وعلى مسافة من الناس دونما برودة. لا يتصرّف مع الآخرين بدالة الأقران ولا يترك للآخرين مجالاً لأخذه بدالة العشراء. حدوده الشريعة ومحبّة الله في الناس. رجل مواجهة. يؤدّب برحمة ويعزّي بنبل. محتشماً في المأكل والملبس والتصرّف. عفيفاً في العين واللسان. له امرأة تقيّة معِينَة له، ملتزمة لكهنوته. يدبّر بيته حسناً وله أولاد في الخضوع بكل وقار. سادساً : الثقافة الإلهية. مطلوبة لغرضين: لأنّ الحياة الروحيّة السليمة لا تكون من دون معرفة للإيمان القويم. وثانياً لكي يكون الكاهن قادراً على التعليم والدفاع عن الإيمان بلغة الناس. ثمّة حجم من التحصيل العلمي لما في الكتب مطلوب. ثمّة تلمذة بخبرات الرعاية ضرورية. مطلوب من الكاهن أن يكون مداوماً على القراءة، عارفاً بما في الكتب لكي يتسنّى له أن يعكف على الوعظ ويلازم التعليم. الثقافة الإلهية لازمة ولكن في إطار القداسة والفقر والاتضاع والصلاة والصوم والسعي الروحي الجاد. تجربتان نعاني منهما اليوم: اعتبار الثقافة اللاهوتية الشرط الأساسي لإعداد الكهنة الموافقين وغضّ النظر، عملياً لا نظرياً، إلاّ في حدود العموميات، عن أصول الحياة الروحية والمقوِّمات الكهنوتية الأخرى. هذه تجربة أولى، أما التجربة الثانية فهي الاكتفاء بإتمام الطقوس وضرب الصفح عن المعرفة الكتبية والثقافة الإيمانية. كِلا المنحيين خطر على كنيسة المسيح. كذلك ثمّة حاجة – فيما بيننا – إلى معرفة للإسلام وسواه من التيارات الدينية والفكرية – طبعاً ما أمكن – ليكون للكاهن أن يتبيّن وجه السيّد فيما يجري هنا وثمّة ولدواعي البشارة ولكي يكون له أن يدافع عن إيمان كنيسته ويقاوم المناقضين. الربّ الإله يعطي خائفيه حكمة. هذا صحيح. لكن الكاهن أيضاً يحصِّل ما أمكنه بجدّ ونشاط تعاوناً مع ربّه، لئلا يوجد مقصِّراً. خلاصة القول لعلّ هذه الصورة، للبعض منّا، قاتمة ومثالية. الحقّ أنّ الكنيسة كشركة مؤمنين مفتقدة عندنا إلى حدّ بعيد. لدينا بعض الإشراقات، هنا وثمّة، بعض الوجوه، لكن الفردية، بيننا، سيّدة الموقف. وحدة الكنيسة الإنطاكية تكاد تقتصر على العقيدة، بالمعنى الإيديولوجي للكلمة، وعلى الطقوس. وحدة الروح، وحدة القلب، وحدة الفكر، وحدة اليد، وحتى وحدة القوانين الكنسية مفرَّط بها إلى حدّ بعيد. إذا لم يتغيّر المناخ الروحي عندنا فإننا آيلون إلى بؤس لا قرار له. إذا لم نحرِّك أنفسنا ويحرِّكنا روح الربّ إلى توبة صدوق وغيرة أصيلة على كنيسة المسيح ووحدة محبية عميقة وشركة بالروح والحقّ فإنّ العتمة سوف تتكثّف بالأكثر والبلبلة ستزداد والارتداد سيمتدّ والضياع سيكون أشمل والانقسامات ستعمّ. في أزمنة الانحطاط لا شيء ينهض بالكنيسة إلاّ روح الشهادة، روح التضحية، روح البذل. هذه وحدها توقظ، تضخّ دماً جديداً. مشكلاتنا أكبر بكثير من أن تُحلّ بجملة تدابير قانونية أو إدارية أو مالية. لم يعد الموضوع موضوع تغيير أشخاص بل تغييراً في الذهن، في الروح، في القلب. ليقف كل واحد منّا أمام ضميره، على محرس نفسه، أمام مسؤوليته، أمام ربّه. نحن بحاجة إلى كهنة، إلى رعاة. هذه أولية من جملة أولويات لكنّها أبرزها جميعاً. وإلى أن تتحرّك الغيرة في النفوس على خراف المسيح سوف تبقى الصورة قاتمة. والصورة أيضاً مثالية. هذه لأننا صرنا مشمولين بواقعية دهرية. الإلهيات تبدو لنا، إذ ذاك، مثاليات. ولكن لو عدنا إلى أنفسنا، لو تبنا عن طرقنا، لو أخذنا نسلك في الوصيّة بأمانة لبان لنا أنّ الإلهيات ليست مثاليات بل واقعية أخرى، الله فيها حيّ وروحه فاعل وكنيسته نبض حياة جديدة. الجمعة في 30 كانون الثاني 1998، مدرسة مار الياس – الميناء، حلقة للعاملين والجامعيّين حول "التكريس الكهنوتي" |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تشوّهات الكهنوت أخوتي الأحبّاء ها إنني أقدّم لكم من جديد وباختصار رسالة أُخرى كتبها المكرّم الأب جوزيبّي كوادريو لأصدقائه الكهنة، تلاميذه القدامى. كتبها في 3-1-1963 قبل تسعة أشهر من وفاته. لعلّها تعود بالفائدة عليكم. يكتب الرسالة وهو على فراش الألم، منتظراً الموت الذي سيصير له جسراً ينقله إلى السماء، تلك السماء التي بدأ بعيشها على الأرض وسيكمل تذوّقها هناك، بجوار الآب السماوي ومعلّمه الربّ يسوع بقوة الروح القدس. إخوتي الكهنة الأحبّاء: بما أنَّ الكهنوت والتجسّد هما وجهان لسرٍّ واحد، فالتشوّهات الكلاسيكيّة التي تهدّدُ كهنوتنا تتوافق مع المفاهيم الخاطئة لسرّ التجسّد، التي تظهر لنا جليّاً من خلال اللاهوت. بدايةً: ممكن أن يكون لدينا كهنوت غير متجسّد، حيث الجانب الإلهي فيه لم يستطع أن يتّخذ إنسانية حقيقية وكاملة: ( الظاهرية). فيكون لدينا عندئذٍ كهنة ليسوا بأشخاص ذوي إنسانية أصيلة، بل هم يرقات إنسانية، أو أشخاص هبطوا من المريخ على الأرض، غير إنسانيين وغرباء، غير قادرين لا أن يتفهّموا ولا أن يكونوا مفهومين من قبل أُناس عصرهم وبيئتهم. ناسيين أنّ المسيح، ليخلّص البشر، "نزلَ... تجسّدَ... وصارَ إنساناً"، "أرادَ أن يشابههم بكل شيء، ما عدا الخطيئة". إذا كنّا الجسر بين البشر والله، يجب أن تكون قاعدة هذا الجسر مغروسة ومستندة بقوّة على الإنسانية، ليسهل لهم الوصول إليه. ثانياً: لكن بالنسبة لنا، ممكن أن يكون الأكثر خطورة عكس ذلك: أي ذلك الكهنوت الذي أخذ من العالم الكثير حتّى صار كهنوتاً دنيوياً، حيث الجانب البشري فيه مَيّعَ وأضعفَ أو خنق الإلهي: ( المونوفيزية (. نرى حينئذٍ المشهد الداعي للبكاء لكهنة لعلّهم أساتذة جيّدين ومنظّمين بارعين، لكنّهم ليسوا بعد "رجال الله"، فيصعب حينئذٍ رؤية المسيح من خلالهم. هم مثل بعض الكنائس المحوّلة إلى متاحف دنيوية. يوجد مقياس غير قابل للخطأ لقياس متانة كهنوتك ألا وهو الصلاة. الصلاة يجب أن تكون الاهتمام الأوّل والأساسي لأي كاهن، بغضّ النظر عن المسؤوليات الموكلة إليه، كل الأمور الأُخرى هي هامّة ولكن تأتي فيما بعد، في الدرجة الثانية. فإذا لم نكن رجال صلاة، سنكون كجسرٍ انهار قوسه الأخير، ذاك الذي يلمس الله. وأخيراً: ممكن أن يكون لدينا التشوّه النسطوري للكهنوت: كهنوت ممزّق، يعيش فيه الجانبان الإلهيّ والبشريّ دون تناسق وانسجام. كهنة على الهيكل، لكن علمانيين على كرسي التدريس، في الشارع، بين الناس. هم كجسرٍ فَقَدَ قوسه المركزي الذي يدعم ويربط طرفيه اللذَين يلمسان الله من جهة والإنسان من جهة أُخرى، للأسف، الجانب الإلهي يسير باتجاه والإنساني باتجاهٍ آخر ولا رابط بينهما... الكاهن الحقيقي والأصيل هو الذي يكون الإنسان فيه، كلّه، دائماً وفقط كاهنا. الإنسان والكاهن يجب أن يتعايشا ويتوافقا تماماً في وحدةٍ متناغمة ومتجانسة إسوةً بوحدة المسيح الإنسانية اللاهوتية. حتّى الاهتمامات الأكثر دنيوية يجب أن تكون مدفوعة بوعيٍّ كهنوتيٍّ ناضجٍ وعميق دون مساومةٍ وكسوفٍ. إخوتي أُؤكّد لكلّ واحدٍ منكم صلاتي المتواضعة وخاصةً من خلال الذبيحة الإلهية، من اجل أن يكون كهنوتكم دائماً أكثر أصالة بحيث تُظهرون تجسّد المسيح في البيئة التي تعملون فيها. ليستطع الكل رؤية يسوع فيكم، كما يُرى الضوء خلف قطعة من البلّور. أخوكم الكاهن جوزيبّي كوادريو |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكهنوت و صفات الكاهن
القديس مكسيموس المعترف http://www.peregabriel.com/gm/albums...2cat-004~0.jpg المسيح الطبيب الحقيقى للإنسان الداخلى، وهو يستطيع وحده أن يخلص النفس، ويزينها بثوب النعمة 1ـ إن كان أحد عريانًا لقلة الملابس الإلهية السماوية التى هى قوة الروح القدس كقول الرسول ” إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ فَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ “ (رو9:8). فليبكِ ويتوسل إلى الرب حتى ينال الثوب الروحانى الذى من السماء ويأخذ غطاء لنفسه العارية من القوة الإلهية لأن الإنسان الغير مكسو بكساء الروح فهو مكسو بالعيب العظيم: عيب الأهواء الدنيئة. لأنه كما فى الأشياء المنظورة إن كان أحد عريانا يحل به خزى وفضيحة عظيمة بل الأصدقاء ينصرفون عن أصدقائهم العرايا والأقارب عن أهاليهم. بل أن من البنين من رأوا أباهم عريانًا وصرفوا عنه وجوههم لكيلا يعاينوا جسد أبيهم العريان، وإنما رجعوا على أعقابهم وستروه . ولذلك ارتفعت عنه عيونهم . كذلك ينصرف الله عن النفوس غير المكسوة بلباس الروح فى ملء ثقة الإيمان لكونها لم تلبس الرب يسوع (رو14:13). بالقوة والحق. 2 ـ ثم أن الإنسان الأول لما رأى نفسه عريانا خجل. فما أعظم فضيحة العرى. فإذا كان من جهة الجسد يعتبر العرى فضيحة كبرى، فكم بالحرى النفس العارية من القوة الإلهية التى لا تكتسى ولا تلبس اللباس الأبدى الروحانى غير الموصوف وهو الرب يسوع نفسه بالحق ـ وهى مغطاة بالخجل والأهواء الرديئة ، وكذلك كل من كان غير مكتسى بذلك المجد الإلهى يجب عليه أن يستحى ويقر بفضيحته كما استحى آدم من عرى جسده ومع أنه ستر نفسه بورق التين فلم يزل خجله مصاحبًا له لعلمه بفقره وعريه جدًا. فعلى هذه النفس أن تطلب من المسيح الذى يعطى المجد لكى يكسوها بالمجد فى النور الذى لا يوصف، بدون أن تعمل لنفسها غطاء من الأفكار الباطلة أو تنخدع بزعمها أنها بارة من نفسها وأنها تملك لباس الخلاص. 3 ـ فإنه أن استند أحد على بره ولم يتطلع إلى بر الله، هذا البر الذى هو الرب يسوع “الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً “ (اكو30:1). كما يقول الرسول، فإن تعبه يصبح باطلا لا ثمرة له، لأن كل زعمه ببره يظهر فى اليوم الأخير كلا شىء بل يكون مثل خرقة نجسة كما قال أشعياء النبى ” كَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا “ (أش 64 : 6 ) فلنطلب إذن من الله ونتوسل إليه أن يلبسنا لباس الخلاص وهو الرب يسوع المسيح، النور الفائق الوصف الذى إذا لبسته النفوس لا تخلعه قط، بل تتمجد أجسادهم أيضا فى القيامة بمجد ذلك النور الذى تلبسه النفوس الأمينة الفاضلة منذ الآن حسب قول الرسول ” الَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ” (رو11:8). فالمجد لمراحمه المتعطفة ولرأفته التى تفوق كل وصف وكل تعبير. 4 ـ وأيضا كما أن المرأة التى كانت معتلة بنزف الدم لما صارت مؤمنة بالحق، ولمست طرف ثوب ربنا شفيت حالا وانقطع نزيف دمها النجس، كذلك كل نفس فيها جرح الخطية الذى لا شفاء له، وينبوع الأفكار الخبيثة النجسة، إن هى أتت فقط إلى المسيح وصلت إليه بإيمان صحيح فإنها تعود إلى الصحة وتخلص من ينبوع الأهواء الفاسدة الذى لم يكن له علاج. وذلك الينبوع الذى يخرج أفكارًا نجسة لا ينقطع ويجف إلا بقوة المسيح فقط، وليس لأحد غيره قدره على شفاء هذا الجرح. لأن العدو كان محتالاً للغاية فى معصية آدم حتى أنه جرح الإنسان الباطن وأظلمه أى العقل المرشد الذى ينظر الله. فمالت عيناه بعد ذلك إلى الخطية والأهواء وكانت مغلقة عن رؤية خيرات السماء. 5 ـ فهذه كانت شدة جرحه حتى أنه لم يستطع أن يشفه منه غير الرب وحده. فهذا مستطاع عنده وحده. ولهذا فقد جاء ” الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ” (يو29:1)، أى جفف الينبوع النجس. ينبوع أفكار النفس. لأنه كما أن تلك المرأة التى كانت مريضة بنزف الدم كانت قد صرفت كل ما كان لديها على الذين وعدوها بالشفاء ولم يشفها أحد، إلى أن أتت إلى الرب بإيمان صادق ولمست طرف ثوبه فشعرت حينئذ بالشفاء فى الحال، ووقف نزف الدم. كذلك هو حال النفس التى جرحت منذ البدء بجرح أهواء الخطية الذى لا شفاء له، فلم يقدر أن يعالجه أحد من الأبرار. كلا ولا الآباء ولا البطاركة. 6 ـ ولقد أتى موسى ولكنه لم يقدر أن يعطى شفاءً كاملاً. والكهنة والعطايا والعشور والسبوت والآهلة والغسلات والذبائح والمحرقات وسائر متفرعات البر كانت تحفظ جميعها بالدقة تحت الناموس. ومع ذلك لم يمكن بها شفاء النفس وتطهيرها من الينبوع النجس أى ينبوع أفكار الخطية. وكل بر النفس لم ينفع لشفاء الإنسان إلى أن أتى المخلص نفسه الطبيب الحقيقى الذى يشفى مجانا فبذل نفسه فداء لجنس البشر. فهو وحده صنع فداء النفس العظيم وخلاصها وشفاءها، وهو ذاته الذى حررها من العبودية وأخرجها من الظلمة ممجدا إياها بنوره الخاص. فهو حقا جفف ينبوع الأفكار النجسة الذى كان فيها لأن الكتاب المقدس يقول “هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ” (يو29:1). 7 ـ لأن أدويتها التى كانت من الأرض يعنى أفعالها البارة لم تقدر أن تعالجها وتشفيها من هذه الضربة العظيمة غير المنظورة بل يتم الشفاء بالطبيعة السماوية الإلهية التى لموهبة الروح القدس. فإنه بواسطة هذا الدواء فقط يمكن للإنسان أن يجد الشفاء ويحصل على الحياة إذ يتطهر فى قلبه بالروح القدس. ولكن كما أن تلك المرأة، ولو أنها لم تكن قد شفيت وكان فيها مرضها لكنها جاءت بقدميها إلى الرب، وعند مجيئها نالت الشفاء ـ وكما أن الأعمى أيضا الذى لم يقدر أن يمشى ليأتى إلى الرب، بسبب عماه، صرخ إليه صرخة شديدة وصل بها إلى الرب لأنه قال “يَا ابْنَ دَاوُدَ ارْحَمْنِي” (مر47:10) وبإيمانه نال الشفاء إذ أن الرب أتاه بنفسه وجعله يبصر بوضوح ـ كذلك النفس ولو أنها جرحت بجروح الأهواء الفاسدة وعميت بظلمة الخطية فمع ذلك لا تزال فيها الإرادة أن تصرخ إلى يسوع وتناديه ليأتى ويصنع لها فداءً أبديًا . 8 ـ لأنه كما أن الأعمى لو لم يصرخ إلى الرب ، والمرأة التى كان بها النزف الدموى لو لم تأت إليه لما وجدا الشفاء، كذلك الآن إن لم يأت الإنسان إلى الرب بإرادته وبكل نية قلبه ويطلب منه بثقة الإيمان التامة فلا يشفى أبدًا. فلماذا شفى هذان الاثنان للوقت بإيمانهما، ونحن لم يعد إلينا بصرنا بالحقيقة ولم نشف من أمراضنا الخفية؟. مع أن الرب يهتم ويعتنى بالنفس غير المائتة أكثر من الجسد، لأنها إن انفتحت عينيها، كما يقول ” اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى” (مز18:119) فلا تعمى أبدًا فيما بعد. وإن شفيت فلا تعود تنجرح أبدًا. فإنه إن كان الرب عند مجيئه على الأرض اعتنى بالأجساد الفاسدة، فكم بالحرى يعتنى بالنفس غير المائتة المصنوعة على شبهه؟ ولكن بسبب قلة إيماننا وانقسام قلوبنا وعدم محبتنا له من كل القلب، وعدم إيماننا به حقيقة، لذلك لم نجد بعد الشفاء الروحى والخلاص. فلنؤمن به إذن ولنأت إليه بالحقيقة لكى يتم فينا حالاً عمل الشفاء الحقيقى لأنه وعد بأنه يعطى للذين يسألونه روحه القدوس ويفتح للذين يقرعون وبأن الذين يطلبونه يجدونه. فالذى وعد لا يمكن أن يكذب له المجد والقدرة إلى الأبد آمين. |
الساعة الآن 07:32 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025