![]() |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العلاقة بين الإفخارستيا
وذبيحة الصليب https://images.chjoy.com//uploads/im...ed6233e9f4.jpg لابد أولاً أن ننفي من ذهننا أن ذبيحة الإفخارستيا تكرار لذبيحة المسيح المُخلِّص على الصليب. هي ليست تكراراً، لكنها ”تقديم“ أو ”تقريب“ الجسد والدم الأقدسين المبذولَيْن على الصليب مرة واحدة، في شكل قرابين الخبز والخمر. فذبيحة الصليب التي قُدِّمت مرة واحدة وإلى الأبد على جبل الجلجثة، وذبيحة الإفخارستيا التي تُقدَّم مراراً على المذابح الأرضية في كل مكان؛ لا يمكن فصلهما بعضهما عن البعض. فهما نفس الذبيحة الواحدة، وإن كانتا مُتميِّزتين الواحدة عن الأخرى. إنهما غير منفصلتَيْن، بل هما واحد، ونفس شجرة الحياة التي غرسها الله على الجلجثة لكي كل مَن ”يأكل منها يحيا إلى الأبد“ (انظر تك 3: 22؛ رؤ 22: 2)، وقد امتلأت كنيسة الله بورقها لشفاء الأُمم، حيث يأكل من ثمرها المُحيي للأبد كلُّ مَن يطلب الحياة الأبدية إلى نهاية الدهور. غير أنهما متميِّزتان: فالذبيحة المُقدَّمة في الإفخارستيا تُسمَّى: ”غير الدموية“، من حيث إنها تُمارَس بعد قيامة المُخلِّص الذي «بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضاً، لا يسود عليه الموت بعد» (رو 6: 9)، فهي تُقرَّب بدون سفك الدم، بدون موت، بالرغم من أنها تُمارَس كذكرى لآلام وذبح حَمَل الله «لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة» (رو 6: 10). معنى الإفخارستيا كذبيحة(1): إن هذا المعنى نستشفُّه من تعليم المسيح نفسه حينما قال: + «أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المَنَّ في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أَكَلَ أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم» (يو 6: 48-51). - وبدلاً من المنِّ القديم، يُقدِّم المسيح نفسه باعتباره الخبز الحي الجديد الذي نزل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت بعد، بل يحيا إلى الأبد حتى وإن مات بالجسد. وهذا الخبز هو جسده الذي يُبذَلُ على الصليب. - ولكن كيف سيُعطي المسيح نفسه خبزاً ليأكل منه الإنسان الجديد (الذي آمن وتعمَّد من الماء والروح) بعد أن حدَّد أن هذا الطعام الروحي الجديد سيكون جسده الذي يبذله عن حياة العالم؟ - هنا يدخل المعنى في تصوير ميستيكي - أي سرِّي - شديد الشفافية، بمعنى أن المسيح سيُقدِّم جسده على الصليب ذبيحة حيَّة مقدَّسة للآب عن حياة العالم. وهذه الذبيحة الحيَّة المقدَّسة لكي يتم عملها ومفعولها في الإنسان بإعطاء الخلاص والغفران والحياة الأبدية والبرِّ، يتحتَّم أن يأكل منها الإنسان لكي يكون مشترِكاً في فعلها ومفعولها الإلهي السرِّي الفائق. - ولكي يُعطي المسيح لكل إنسان الفرصة والحق ليأكل منها في كل مكان وإلى مدى الأزمان، قام يوم الخميس المبارك برَسم طقس ذبح جسده على عشاء الفصح مع تلاميذه، بأن أخذ خبزاً عادياً، وشكر وبارك وكسَّره، وأعطاه لتلاميذه برسم الجسد الذي كان سيُكسَر على الصليب في اليوم التالي، يوم الجمعة، قائلاً بصوت رهيب: ”هذا هو جسدي المكسور (على الصليب) من أجلكم، خذوا كُلوا منه كلكم“. ثم عاد وأخذ الكأس، وشكر وبارك وأعطاه لتلاميذه قائلاً: ”هذا هو دمي المسفوك (على الصليب) من أجلكم، اشربوا منه كلكم“. - وهكذا حقَّق المسيح، بهذا الفعل الإلهي السرِّي (”سرِّي“ نسبة إلى سرِّ تقدمة جسده ودمه بالخبز والخمر يوم الخميس)، الوجود الميستيكي، أي السرِّي، للجسد الحقيقي المذبوح والمكسور على الصليب والدم المسفوك عليه. - وهكذا أيضاً حقَّق المسيح بهذا الفعل الإلهي السرِّي ذبيحته الفصحية بجسده بواسطة الخبز والخمر، حتى أنَّ كل مَن يأكل من هذا الخبز الفصحي السرِّي ويشرب من هذا الدم الفصحي السرِّي، يكون قد أكل بالفعل السرِّي، المسيح نفسه وهو في حالة الذبيحة الفصحية التي سيُقدِّمها للآب لمغفرة الخطايا وللحياة الأبدية لكل مَن يتناول منها. معنى: ”جسدي مأكلٌ حقٌّ، ودمي مَشْرَبٌ حقٌّ“: - ولكي يرفع المسيح عن ظنِّ الإنسان أنه يأكل خبزاً عادياً ويشرب خمراً ممزوجاً عادياً؛ أكَّد لنا: «لأن جسدي مأكلٌ حقٌّ، ودمي مشربٌ حقٌّ» (يو 6: 55)، مُشيراً بهذا إلى الفرق بين سرِّ الخبز المكسور والخمر الممزوج المُحمَّلين بجسد المسيح ودمه، وبين الخبز العادي والخمر الممزوج العادي. وكلمات المسيح هذه هي أعمق تعبير عن استيعاب لاهوت المسيح الكائن في الجسد والدم الفصحيَّيْن العاملَيْن على غفران الخطايا وإعطاء الحياة الأبدية بقوله في موضع آخر: «مَن يأكلني فهو يحيا بي» (يو 6: 57). - وهكذا يكون المسيح قد أعطى عهداً جديداً أبدياً موثَّقاً، بأنَّ كل مَن يأكل من هذا الخبز المكسور الفصحي والخمر الممزوج الفصحي (والذي نُعبِّر عنه بسرِّ الإفخارستيا)، يكون قد أَكَلَ المسيح وهو في حال الذبيحة الفصحية على الصليب والقائم من بين الأموات، ما يجعله ضماناً لغفران الخطايا (بالصليب) والحياة الأبدية (بالقيامة). وفعلاً، صرَّح المسيح علنياً عن هذا العهد الجديد بقوله: «هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، الذي يُسفك عنكم» (لو 22: 20). فاعلية الأكل والشرب من جسد المسيح ودمه: الثبوت المتبادَل في المسيح: - كما أعطى المسيح استعلاناً جديداً لفاعلية الأكل من الجسد والشرب من الدم الفصحيَّيْن بقوله: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو 6: 56). هذا الثبوت المتبادَل، نتيجة هذا الفعل السرِّي مع المسيح بواسطة الاشتراك في الجسد والدم، هو ما يُعبَّر عنه لاهوتياً بالاتحاد السرِّي مع المسيح. وقد عبَّر عنه القديس يوحنا في رسالته الأولى هكذا: «أما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح» (1يو 1: 3). كما عبَّر عنه المسيح بقوله: «أنتم فيَّ، وأنا فيكم» (يو 14: 20). كذلك قوله في صلاته إلى الآب: «ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا...» (يو 17: 21)، وأيضاً: «أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مُكمَّلين إلى واحد» (يو 17: 23). نتيجة التناول من المسيح الخبز الحي النازل من السماء: هذا الطعام الروحي الجديد الذي أحدره لنا المسيح من السماء كخبز إلهي حي، وهو جسده، ليُطعِم به الإنسان الجديد ليحيا وتدوم حياته إلى الأبد؛ هو جوهر العهد الجديد. فنحن الذين نأكل الجسد المقدس ونشرب الدم الكريم، ندخل في صميم العهد الجديد الذي صنعه الله الآب معنا بدم ابنه الوحيد الذي قدَّمه لنا بنفسه لنشرب منه، فيتغلغل الابن في أحشائنا، ونحن ندخل في عمق أعماقه، ونصير في وحدة أمام عين الآب تؤهِّلنا للبنوَّة لله ولميراث الابن الوحيد. وبهذا ترفع الإفخارستيا - طعام الحق هذا - الإنسانَ الجديد من الأرض إلى السماء، ومن حال الخلقة الترابية إلى وجود سمائي وكيان روحي يتراءى أمام الله في حالٍ من البر والقداسة، لمدْح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. وهذا كله هو مسرَّة مشيئة الآب (اقرأ الأصحاح الأول من رسالة بولس الرسول إلى أفسس). قبول هذه النِّعَم والعطايا كلها بالإيمان، وبخوف ورعدة: ونعود مرة أخرى ونُذكِّر القارئ بكلمات المسيح عن كيفية بلوغ العطايا والنِّعَم الناجمة عن تناولنا من هذه الأسرار المقدسة أنها تُنَال بالإيمان، وليس بالفحص العقلي وكثرة الأسئلة، وبالخوف والرعدة والسجود وليس بالجسارة وتشتُّت الذهن وإعمال العقل لمحاولة الاقتناع العقلي بها، حيث إن كل هذه الأسرار وما ينجم عنها هي خارجة عن إمكانيات طبيعتنا البشرية المحدودة، وفائقة على منطق عقولنا البشرية المحدودة، فلا سبيل إلى قبولها إلاَّ بالإيمان، وإلاَّ فسيفقدها الإنسان. ليُعْطِنا الله نعمة الإيمان بغير فحص، حسب كلمات القدَّاس الإلهي، لكي ننتفع بها وننالها إن أردنا |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كنيسة مار شربل أدونيس
مع الأب مارون مبارك – المرسل اللبناني الموضوع: "القــربــان" (الجزء الأول). حسب تعابير الكتاب المقدّس. القربان سرّ من أسرار الكنيسة السبعة، يحمل في حياتنا الغذاء الروحي والدفع إلى عيش العلاقة القويّة الملموسة مع الربّ. إنّه الخبز الذي يُحيي، والغذاء الذي يجعل المرء يشعر بحضور الربّ وعمله؛ انّه العطيّة السماويّة النازلة من السماء التي تعطي الحياة. لو أردنا التغنّي بمعاني القربان لطال بنا الكلام ولم نعد نعلم قوّته الفاعلة فينا. نتوقف في حديثنا عند النقاط الآتية: 1- تسميات الخبز السماوي: أ) "كسر الخبز": في بدء الحياة الكنسيّة، كانوا يسمّون "الحركة التي قام بها يسوع ليلة العشاء السرّي الأخير مع تلاميذه "كسر الخبز". إنّها الحركة التي يقوم بها مترئس المائدة. فبعد القيامة، عرف تلميذا عماوس يسوع عند هذه الحركة. (لوقا 24، 35). ب) "الإفخارستيا": جاءت فيما بعد، وهي نتيجة صلاة يسوع حين شكر ليلة العشاء ليقدّس الخبز والخمر. أصل الكلمة يوناني ويعني "تأدية الشكر". لقد أعطت هذه الكلمة رونقاً كبيراً لذلك العشاء إذ بيّنت العلاقة الجوهريّة بين الآب والإبن. لذا نسمّي كل الاحتفال بالقداس إفخارستيا. ج) "العشاء": تأتي هذه التسمية من خلال العشاء الأخير ليسوع مع تلاميذه ليلة عيد الفصح. هذا العشاء أخذ طابعاً مميزاً، وصار العشاء الأخير يعني النهائي الذي ليس من بعده عشاء. لقد بقيَ هوَ هوَ حتى يومنا هذا ونحن نحتفل به كلّ يوم وكلّ عيد. هو فصحنا الجديد الذي صار لنا القيامة. د) "غذاء الربّ": وهي تسمية تُشبه تسمية "العشاء". المقصود به هو الأكل أو الطعام الذي تركه الربّ يسوع لتلاميذه. انّه الزاد، الزوادة. ه) "الجماعة الملتئمة": نقصد بها الجماعة التي دعاها الربّ حتى تشترك بالاحتفال الافخارستيا. هنا تبرز صورة "وحدة الجماعة" التي تحققها الافخارستيا، انها الجسد ويسوع هو الرأس في القربان. و) "التذكار"(Memorial) : إنّه غير الذكرى (Souvenir). فالتذكار يعني الأمر الذي به تأسس القربان لنتذكر يسوع. التذكار يجعل الحدث حاضراً في حياة الكنيسة، والحدث هو موت يسوع وقيامته. يستحثنا القربان إلى عيش هذا الحدث بالحاضر وليس نتذكره بالذاكرة. إنّه واقع. ز) "الليتورجيا المقدّسة" أو "سرّ الأسرار": تدل هاتان العبارتان إلى القداس بحدّ ذاته. وعندما تُستخدمان للدلالة على القربان فإنهما تدلان على انّ الاحتفال بالافخارستيا هو الأهم، إنّه العبارة الأكمل عن سرّ الخلاص والفداء، أي عمل الله في خدمة البشر؛ والعمل الأكبر هو خلاص البشريّة. ح) "السرّ المقدّس": يدلّ بشكل خاص على جسد يسوع المسيح ودمه الموجودين في الاحتفال. ط) "الذبيحة المقدّسة": تدل بشكل خاص على "العطيّة" التي تجدد تضحية يسوع وذبيحته على الصليب من أجل الكنيسة. ك) "المناولة" أو "الاتحاد" (Communion): هي العبارة التي تدل على الاشتراك بطعام الربّ. فيقول مار بولس بهذا الشأن، "احكموا انتم فيما أقول "أليست كأس البركة التي نباركها مشاركة في دم المسيح؟ أليس الخبز الذي نكسره مشاركة في جسد المسيح؟ فلما كان هناك خبز واحد، فنحن على كثرتنا جسد واحد، لأننا نشترك كلنا في هذا الخبز الواحد" (1 قورنتس 10، 16-17). يحاول بولس أن يُفهمنا أن الشركة هذه تخلق وحدة حال على جهتين: من جهة هي اتحاد مع يسوع الذي يعود من جهة أخرى ليوحدنا مع بعضنا البعض. ل) هناك تسميات أخرى للقربان هي: خبز السماء، خبز الحياة، خبز الملائكة، الزاد الأخير، الخبز الفائق المادة... فانطلاقاً من هذه التسميات ومعانيها والمفاهيم التي نستخرجها منها، نتوقف عند مفهموم بعض العبارات في العهد القديم تحضيراً لمفهموم القربان في العهد الجديد. 2- الخبز والشكر في العهد القديم: أ) "الخبز": يشرح معجم اللاهوت الكتابي أن الخبز الذي يهبه الله للإنسان هو مصدر قوّة له (مزمور 13، 14-15) ك "... ويسند الخبز قلب الإنسان"، كما وانّه وسيلة أساسية للحياة، لدرجة أن العوز إلى الخبز مرادف الحرمان من كلّ شيء. يعتبر الكتاب المقدّس أن للخبز قيمته في كلّ ظروف الحياة: - فالمتألّم والذي يشعر بأن الله نسيه يأكل خبز "الدموع والكرب والرماد". (مزمور 41، 4). - أما المبتهج فيأكل عيشه في هناء، يقول (سفر الجامعة 9، 7): "فاذهب وكلْ خبزكَ بفرح واشرب خمرك بقلب مسرور لأن الله قد رضيَ عن أعمالك". - والخاطئ يأكل خبز النفاق والكذب (أمثال 4، 17). - والكسول يأكل خبز الكسل (أمثال 31، 27). من جهة ثانية، الخبز ليس ضرورياً للحياة فقط، بل هو وسيلة للمشاركة. فكل مأدبة تفترض تجمعاً بل شركة، وأكل الخبز بشكل منتظم مع شخص معيّن، هذا يعني أننا اتخذناه صديقاً، من هنا القول المأثور "يوجد خبز وملح بيننا". فإن واجب الضيافة مقدّس وهو يحوّل خبز كل فرد إلى خبز لعابر السبيل الذي ارسله الربّ الإله ك "قال ابراهيم للرجال الثلاثة العابرين أمامه "واقدّم كسرة خبز فتسندون بها قلوبكم بعد ذلك، فانّكم لذلك جزتم بعبدكم" (تكوين 18، 5). ويشدد الكتاب المقدّس على ضرورة تقاسم الخبز مع الجائع، فهي الروحانية التي تعبّر عن المحبّة الأخوية، بحيث يقول (سفر الأمثال 22، 9): الصالح العينِ يبارك لأنّه أعطى من خبزه للفقير". الخبز هو عطيّة من الله، في الخلق كما بعد الطوفان الربّ الإله يؤمّن الطعام لشعبه. لذلك يفهم المؤمن أن أوقات الوفرة في الخيرات هي بركة من الربّ، أمّا ساعات القلّة والقحط فهي عقاب للخطيئة. لذلك يطلب الإنسان الخبز من الربّ وينتظره بكل ثقة، وهذا ما يذكرنا بمعجزة تكثير الخبز والسمك، والمعجزات السابقة كما حصل مع إيليا وأرملة صرفت صيدا، وأليشاع في سفر الملوك الثاني حيث قال "سنأكل ويفضل عنّا". واستعمال الخبز في العبادة يعود إلى تاريخ قديم على أثر شعور ديني حيث كانت تُقدَّم الأطعمة للآلهة. أما إله أسرائيل فإنّه يرفض أي طعام، لذلك كانت توضع البواكير، أي بواكير غلات الأرض، على المذبح وتُحمَل في سلال إلى المذبح، وذلك للاعتراف بجميل الربّ، فهي ترمز إذاً إلى الشركة بين الله وشعبه المؤمن، وتكون بالنهاية من نصيب الكهنة (لاويين 24، 5-9)، لأنّ الكاهن هو ممثّل الله. ثم تحوَّل استخدام تقدمة الخبز الفطير إلى استخدام احتفالي بعد الخروج من مصر وذلك لارتباط الحدثين بعضهما البعض، ولاعتبار الخمير سيئاً لا يصلح للعبادة. ووصل استخدام الخبز في العبادة إلى قمّة معانيه في الافخارستيا حيث يسوع قدّم جسده في هذا الرمز وأمر تلاميذه بالقيام بهذا العمل حتى مجيئه جاعلاً منه سرّ وحدة المؤمنين. وفي استخدامه الرمزي، يحمل الخبز معنى الغذاء الروحي بالكلمة. ففي زمن النبي عاموس أعلن عن الجوع إلى "كلمة الله" (8، 11). وكذلك الأنبياء، مثل أشعيا (55، 1-3) الذي يعلن عن الوليمة الإسكاتولوجية حيث يكون "كلام الربّ" هو الخبز الذي يحي! "أيها العطاش جميعاً هلمّوا إلى المياه، والذين لا فضّةَ لهم هلمّوا واشتروا وكلوا، هلمّوا اشتروا بغير فضّة ولا ثمن خمراً ولبناً وحليباً، لماذا تَزِنونَ فضةً لما ليس بخُبز، وتتعبون لما لا شبعَ فيه؟ اسمعوا لي كلاماً وكلوا الطَيّب ولتتَلَذّذ بالدسمِ نفوسكم. أميلوا آذانكم وهلمّوا إليَّ. إسمعوا فتحيا نفوسكم. فإنّي أعاهدكم عهداً أبدياً على الخيرات التي وُعِدَ بها داود". ب) "الشكر" (Action de Grâce): يقول معجم اللاهوت الكتابي أيضاً بأن عطيّة الله هي مجانية وتفيض، وفعل الشكر هو جواب على نعمة الله المتدفّقة والمتواصلة. لذلك نفهم بفعل الشكر أنه: - وعي على عطايا الله. - اندفاع لا شائبة فيه للنفس التي امتلأت بالدهش من جود الله عليها. - عرفان الجميل أمام العظمة الإلهية. - ردّة فعل دينية عميقة للخليقة التي تكشف شيئاً من الله ومن عظمته ومجده. ففي العهد القديم، الشكر هو عرفان للجميل بقدر ما هو توق نحو المستقبل ونحو نعمة أكبر. وفي الحقيقة إذا لم يكن قد عرف هذا العهد الشكر في كماله، فلأنّه لم يكن قد تذوّق بعد ملء النعمة. لقد تعوّد الأقدمون في الكتاب المقدس الشكر عن طريق استعادة الفرح والحمد والتهليل وتمجيد الله للاعتراف ولإعلان العظائم الإلهية وبالتالي للشهادة لها. لذلك استخدم الأقدمون عبارتين للتعبير عن شكرهم: الأولى هي "توداه" توازيها بالفرنسيةremercier أي شكر؛ وعبارة "بركة" وفيها معنى "التبادل الجوهري بين الله والإنسان". فصدى بركة الله الذي يهب خليقته الحياة والخلاص هو البركة التي يشكر بواسطتها الإنسان خالقه. يقول سفر دانيال 3/ 90 "باركوا الربّ إله الآلهة، يا جميع متقي الربّ، سبّحوه واحمدوه لأن إلى الأبد رحمته". لقد وصلت العبارتان إلى معناهما القوي مع يسوع في عشائه الأخير. ففي ذلك العشاء حمل يسوع حياة البشريّة كلها من خلال رموزها ومن خلال عناصرها الأساسية وقرّبها كلّها بفعل شكر للربّ الإله، وقرّبها كلّها بفعل تعويض، بشخصه، عن خطيئة العالم، حتى رفع العالم معه عندما رُفِعَ هوَ على الصليب.هنا ندخل في التعرّف على معاني القربان في العهد الجديد. 1) نبدأ مع القديس بولس الرسول: يعتبر الأول في التعبير عن القربان، اولاً لأنّه رجع في ابحاثه وفي أفكاره وتعاليمه إلى التقاليد الأولى التي تنبع من عمل يسوع بالذات مع الرسل في أورشليم. تعتبر رسالة مار بولس الأولى إلى أهل قورنتس هي الكتابة الأقدم بالتاريخ بين الكتابات الأخرى في العهد الجديد. فلقد حرّرها بولس ما بين سنتي 56 و 57 وبالتالي هي قبل الأناجيل. ولكن مار بولس لا يستند على كتاباته فقط بل يعود إلى يسوع بالذات ليدل سامعيه على أن مرجعيته لا شائبة فيها، فهو يعود إلى النبع الأول أي يسوع. لذلك يقول "فإنّي تسلّمت من الربّ ما سلّمته إليكم، وهو أنّ الربّ يسوع في الليلة التي أُسلِمَ فيها أخذ خبزاً وشكر، ثم كسر وقال: "هذا هو جسدي، إنّه من أجلكم. إعملوا هذا لذكري". وصنع مثل ذلك على الكأس بعد العشاء وقال "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلّما شربتم فاعملوه لذكري". (1 كورنتس 11/ 23-25). ومن هنا يصل بولس إلى الاستنتاج السريع لفهم معنى هذا العشاء الافخارستي، ومعناه الجوهري، هو أنّه يقول "كلّما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تعلنون موت الربّ إلى أن يأتي" (1 كورنتس 11/ 26). إذاً كل الظروف التي تدور حول هذا العشاء وكل المعاني التي يحملها الخبز الذي يقدّمه يسوع كجسده والمعاني التي تحملها الخمر التي قدّمها يسوع كأنّها دمه من اجل العهد الجديد، كل هذه المعطيات تلقي الأضواء على انّ هدف هذه المائدة وهذا العشاء هو إعلان موت يسوع على أنّه سوف يعود بالمجد. - ويؤكد مار بولس على أنّه "تسلّم من الربّ" ما يقوله لأهل قورنتس وهو يشدد على الأمر كأنّه هو شاهد وهو تلقّى من الشهود نفسهم لهذا الحدث وهم الرسل الذين يؤكّدون بدورهم أن يسوع هو نبع القربان لأنه هو صنعه بنفسه ليلة العشاء الشهيرة. ومار بولس يعود بالمرجع إلى الرسل مرّة ثانية ليؤكد حدثاً أقوى وهوَ حدث قيامة يسوع، وذلكَ بنفس الرسالة إلى أهل كورنتس في 15/ 3-4، حيث يقول "سلّمتُ إليكم قبل كلّ شيء ما تسلمته أنا أيضاً، وهو أن المسيح مات من أجل خطايانا كما ورد في الكتب، وإنّه قُبرَ وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب..." . فموت يسوع وقيامته يشكلان النقطة الأساس والجوهريّة في الوحي المسيحي، وبالأخص القيامة التي تؤكّد كلّ تعاليم يسوع. لذلك من المهم أن يلجأ مار بولس إلى المرجعيّة الأساسية لتأكيد أكبر حقيقتين في الحياة المسيحيّة: حقيقة موت يسوع وقيامته، وحقيقة القربان الذي أسّسه بشخصه. وهذه الحقائق كلّها تدخل في صلب عمليّة خلاص البشريّة. لذلك يشدد أنّه تسلّم حقيقة القربان مباشرة من الربّ بالاستناد إلى أعمال يسوع وأقواله وهذا ما يثبّت كل احتفال قرباني نحتفل به، لأنّ التقليد له دوره ولكن في العمل القرباني ليس التقليد وحده ما يؤكّد العمل، بل تدخّل يسوع بالذات، فهو المرجعيّة الأولى للقربان. - اصنعوا هذا لذكري: يسوع يطلب من الرسل أن يصنعوا هذه الذبيحة غير الدمويّة حتى يتذكّروا شخصه الذي يجمع بين الإنسان والإله والذي يتخطّى كلّ الزمان: "الحق الحق أقول لكم، قبل أن يكون ابراهيم، أنا هوَ" (يوحنا 8/ 58). وبهذا "التذكار" يعلن للرسل وللجميع أنه هو في وسط العمليّة الخلاصيّة التي دبّرها الله للبشريّة كلها. فهو حاضر منذ الأزل، من قبل إنشاء العالم، وهو لا يزال حاضراً حتى بعد قيامته وصعوده، وعمله هو هو نفسه في عمليّة الخلاص هذه. فكما كان العشاء الفصحي السنوي عند اليهود حتى يتذكروا الخروج من مصر، أراد يسوع أن يكون هناك أيضاً العشاء السرّي الذي يعيش فيه المؤمنون وتعيش فيه الكنيسة التجدد المتواصل لعطيّة يسوع الخلاصيّة. والضمانة لهذا العشاء الذي يحمل طابعاً مميزاً هو يسوع نفسه لأنّه إله وإنسان وهو الذي أمرَ وهو الذي يحضر في كلّ عمليّة عشاء تذكاري له. من هنا نلاحظ تلاقي حقيقتين: حقيقة التذكار وحقيقة حضور يسوع الواقعي معنا. 1) الأناجيل وحديثها عن القربان: من الملاحظ أن الأناجيل الثلاثة، حتى متى، مرقس ولوقا، تتحدّث عن العشاء الأخير ليسوع مع تلاميذه. ولوقا يشبه إلى حدّ بعيد بنصه نصّ بولس. أمّا مرقس ومتى فنصهما يتشابهان وفيهما نفحة سامية اكثر من نص بولس. ففي مرقس (14/ 22-25) ومتى (26/ 26-29) نلاحظ حول ما سمعنا وتعلّمنا من بولس الأمور التالية التي تزيد: أ) الدعوة إلى الأكل: "خذوا كلوا، خذوا اشربوا"، تدل هذه الدعوة على رغبة يسوع وتصميمه على إشباع وتغذية الرسل والمؤمنين وهو يطعمهم جسده ويشربهم دمه. ولقد أعدّ هوَ نفسه هذا العشاء وطلب من الرسل أن يذهبوا ليعدّوا المكان له. وهو نفسه هنا يدعو بصوته وكلماته إلى هذه الشركة بالأكل للغذاء والشرب. والملاحظ أيضاً عبارة "من أجل الكثيرين"، فالدعوة هنا مفتوحة لكل البشريّة المؤمنة، وهي دلالة على شموليّة الدعوة وشمولية المشاركة بهذه الدعوة. وهذا يعود ليذكّرنا بالمثل الذي أعطاه يسوع عن الملك الذي يُعِدّ وليمة لعرس ابنه في إنجيل متى (22/ 4) ويقول "أُعِدَّ كلّ شيء، فتعالوا إلى العرس". ويسوع هنا عندما يدعو إلى الأكل فهو يعمل ما يراه الآب أن يعمل وما يريده الآب أن يعمل من أجل خلاص الناس، بمعنى الآب أعدّ للبشريّة فرحة عرس ابنه في هذا العشاء، فالابن إذاً "لا يفعل إلاّ ما يرى الآب يفعله. فما فعله الآب يفعله الإبن على مثاله" (يوحنا 5/ 19). ب) دم العهد الجديد: يتحدّث يسوع هنا عن عهد جديد. فهو لم يحقق فقط العهد الذي يتحدّث عنه الأنبياء في العهد القديم، إنّه هوَ "العهد الجديد بالذات". وهذا العهد يتقدّم ويتحقق بالدم الذي يقربه. فهو إله وإنسان بالوقت نفسه ويلعب دور الوساطة بين البشريّة والله. فالعهد إذاً يتحقق فيه بكل جوانبه. لقد تخطّى كل ما قيل قديماً عن أن الله يريد أن يحقق عهداً مع شعبه. فكل العهود القديمة في سيناء ومع الأنبياء التي أراد الله من خلالها خلق رباط مع الشعب، جاء يسوع هو بنفسه حقق هذا الرباط. فهو إله ويحمل للبشريّة محبّة الله، وهو إنسان ويحمل لله معاناة البشريّة، وهكذا قرر أن يحقق الرباط والعهد بينهما. فالعهود القديمة كانت صورة لحقيقة هذا العهد الجديد. ج) مغفرة الخطايا: وهذا ما يذكره متى عندما يتحدّث عن الكأس. فهو يهرق لأجل الكثيرين بمعنى الكلّ، ولأجل محو الخطايا. فالذبيحة هنا هي ذبيحة تكفير، أي ذبيحة مقدّمة لنيل غفران الخطايا. وهذا النوع من الذبائح تحدثنا عنه في العهد القديم. ولكن الذبيح هنا ليس فقط حياة إنسانية إنّما هي إلهيّة أيضاً من هنا عظمة هذه التقدمة التي تكفر عن أكبر خطايا العالم. ولكن الهدف من هذه الدبيحة لم يكن فقط تخليص البشريّة من الخطيئة بل إن يسوع يريد أن يذهب أبعد، وهو أن يُعطي هذه البشريّة الحياة الأبديّة. "أمّا أنا فقد أتيت لتكون الحياة للناس، وتفيض فيهم؛ أنا الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه في سبيل الخراف" هذا ما يقوله يسوع في يوحنا (10/ 10-11). وهذا البذل وعطاء الحياة الأبديّة حققه يسوع على الصليب. هناك، انتصر على كل قوى الشر. والقربان يعيد مجدداً انتصار يسوع المخلّص النهائي على كل قوى الشر ويُعطي بفيض كبير حياة الحبّ التي يرافقها محو الخطايا. د) لوقا: قلنا إن لوقا يشبه بنصه نص مار بولس. ولكن هناك ملاحظة صغيرة عندما يتحدّث عن الجسد، فبولس يقول "هذا هو جسدي، إنه من أجلكم". أمّا لوقا فيقول "هذا هو جسدي يبذل من أجلكم". كما أنّه يشدد على الكأس حين يقول "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُراق من أجلكم". أو يقدّم من أجلكم. فلوقا يشدد على "العطيّة" ليس للأكل فقط إنّما عطيّة لإفادة الجميع. لكن المميّز بشكل خاص في نص لوقا هو إعلانان مهمّان قبل العشاء وبعده. يقول نص لوقا "فلمّا أتت الساعة جلس هو والرسل للطعام. فقال لهم "اشتهيت شهوة شديدة أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألّم. فإني أقول لكم: لا آكله بعد اليوم حتى يتم في ملكوت الله". ثم تناول كأساً وشكر وقال "خذوا هذا واقتسموه بينكم، فإنّي اقول لكم "لن أشرب بعد اليوم من عصير الكرمة حتى يأتي ملكوت الله". (لوقا 22/ 14-18). هذان الإعلانان يربطان حدث العشاء بالبعد الإسكاتولوجي النهيوي. بمعنى أنّ تحقيق ملكوت الله هو عمل بالأزمنة الأخيرة، والإفخارستيا هو عشاء وطعام على الأرض. لكن الغذاء الذي يعطيه هذا الطعام هو غذاء سماوي يتغذى به المؤمنون من أجل تحقيق الملكوت الذي ينمو ويكبر على الأرض حتى يصل إلى النهاية في السعادة السماوية. فالإفخارستيا تزرع بذار الملكوت وتنمّيها إلى أن يتحقق في آخر الأزمنة ويصبح بكامله. أمّا الشهوة الشديدة التي يرغب فيها يسوع فتعني أن كلّ شخصه يعيش هذه الرغبة وهو بكل استعداد وشوق للقيام بالعشاء أكثر من الرسل الذين ينتظرون الغذاء. فرغبة يسوع تولد فينا نحن الرغبة إلى القربان، لأنّه يحبّ العطاء حتى نصبح نحن نعطي مثله. وهذا بُعد من أبعاد القربان في حياتنا. ه) يوحنا: من الملاحظ أن الإنجيلي يوحنا لا يذكر العشاء السرّي بنص خاص مثل الأناجيل الثلاثة الباقية، لعل السبب هو أنّه يريد أن يكمل العمل ويساعدنا على فهم الموضوع اكثر من ترداده بخبريّة جديدة. فالتعويض الذي يعطيه بذكْرين خاصين بالقربان يؤكدان صلابة تفكيره. يذكر اولاً بشرحه لمعجزة تكثير الخبز والسمك أنّه هوَ الخبز النازل من السماء حتى أن من يأكل منه يجد الحياة الأبديّة وبهذا يربط ما بين الإفخارستيا أي القربان والتجسّد. وهذا الخبز الجديد مَن يأكله تكون له حياة جديدة وهي الحياة الأبديّة. ونجد بعض العبارات تشبه نصوص التكريس التي يتحدّث عنها الإنجيليون الآخرون مثل: "فأخذ يسوع الأرغفة وشكر"، "أنا الخبز الذي نزل من السماء مَن يأكل من هذا الخبز يحيَ للأبد". وهذه الحياة الأبديّة سوف تمتلئ وتُعاش بكل جوانبها بفعل الروح القدس فيقول يوحنا "إن الروح هو الذي يحيي، وأماّ الجسد فلا يجدي نفعاً، والكلام الذي كلّمتكم به هو روح وحياة" (يوحنا 6/ 63). يذكر ثانياً غسل أرجل التلاميذ بعد العشاء ومن ثم يدعوهم أن يعملوا هم أيضاً ما صنعه هو المعلّم بينهم. "فقام عن العشاء فخلع ثيابه، وأخذ منديلاً فأتزر به ثم صبّ ماء في مطهرة وأخذ يغسل أقدام التلاميذ ويمسحها بالمنديل الذي ائتزر به" (يوحنا 13/ 4-5). ولما انتهى من الغسل أعطى يسوع الأمثولة لتلاميذه في المحبّة المتبادلة التي تتجسّد بالخدمة والتواضع. فعلى العشاء إذاً يُعطي يسوع مختصر تعليمه ورسالته فيقول "فاذا كنت انا الربّ والمعلّم قد غسلت أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضاً أن يغسل بعضكم أقدام بعض. فقد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا أنتم أيضاً ما صنعت إليكم. الحق الحق أقول لكم: ما كان الخادم أعظم من سيدّه ولا كان الرسول أعظم من مرسله. أمّا وقد علّمتكم هذا، فطوبى لكم إذا عملتم به" (يوحنا 13/ 14-17). ويختم يسوع لقاءه بتلاميذه هذا بصلاته الكهنوتيه بالفصل 17 حيث يعبّر عن العطاء والتقدمة وعن الشكر للآب، وهذا ما يميّز صلاة الإفخارستيا. السؤال: كلمة الله في الكتاب المقدّس، وكلمة الله المتجسّدة في القربان، كيف صار عندي فيها خبرة حياتيّة روحيّة؟ هل صار لي إلفة معها بعد اختبار عشته في عيلة مار شربل، وبعد اختبار وصلت إليه في خبرتي الروحيّة؟ آمين |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
السلام للقربان المقدّس أيّها الذبيحة المقدّسة من أجل خلاصنا، بإنسانيّتك الكاملة وألوهيّتك الحقّة. يا نبع الخلاص الأوّل، إرحم موتانا. يا يسوع المحبّ. من افتدانا فاغسلنا من أدراننا واغفر خطايانا وارحم موتانا. يا يسوع المحبّ، يا من قبل صلواتنا ورجاء المؤمنين والمستجيب لطلباتنا، إرحم موتانا. يا يسوع المحبّ، نسألك أن تعطي الراحة للذين ماتوا بنعمتك وليغمرهم نورك الأبديّ فينير لهم درب السماء. آمين. • نداء للروح القدس (3 مرّات) تعال أيّها الروح القدس، تعال بقدرة قلب مريم العذراء التي حُبل بها بلا دنس، عروستك الحبيبة. من كتاب : شهر مع أصدقائنا الأنفس المطهريّة |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سر الإفخارستيا - ضرورة الاشتراك في الأسرار الإلهية وطبيعتها الخلاصية - دير القديس العظيم أنبا مقار
سر الإفخارستيا إن نوال الشركة في جسد الرب ودمه الأقدسين، هو ضرورة حيوية، وحتمية خلاصية، وفرصة ثمينة لكل مؤمن مسيحي. ويتضح لنا هذا من كلمات المُخلِّص التي نطق بها وهو يتحدث عن الوعود والمفاعيل المترتبة على هذا السرِّ: «الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير» (يو 6: 54،53).http://www.peregabriel.com/gm/albums...qrbn_28229.jpg - 4 - ضرورة الاشتراك في الأسرار الإلهية وطبيعتها الخلاصية ثمار وآثار سرِّ الإفخارستيا: إن الثمار الخلاصية وآثار سر الإفخارستيا، إن تناولناه باستحقاق، هي كالآتي: 1. الثبات في المسيح: فهي تُتْحِدنا بالرب: «مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو 6: 56). والمؤمنون حينما يشتركون في سر الإفخارستيا، إنما يشتركون حقاً في الجسد الحقيقي والدم الحقيقي للمسيح. فهم يتحدون سرِّياً (ميستيكياً mystical) مع المسيح، ويُطَعَّمون فيه، فيصيرون - بحسب الوصف الآبائي الذي شاع على مدى التاريخ - ”جسداً واحداً، دماً واحداً، حاملين المسيح، وحاملين هيكل الله“، وذلك حسب أقوال القديس إغناطيوس أسقف أنطاكية في القرن الثاني. أما القديس كيرلس الأورشليمي فيقول: [باشتراكك في جسد المسيح ودمه الأقدسين، فإنك تصير من نفس الجسد والدم معه. وهكذا نصبح حاملين المسيح في أنفسنا، لأن جسده ودمه ينتشران ويتغلغلان في داخل أعضائنا، وهذا بحسب كلمات المُطوَّب بطرس، أننا شركاء الطبيعة الإلهية](1). فجسد الرب الذي يتناوله المؤمنون، ومن خلال اتحاده بنا، يُحيي ويُقدِّس المتناولين منه. وبدون أن يفقد خصائصه الطبيعية، ينقل إليهم ويغرس فيهم الحياة الإلهية. اتحاد المسيح بالمؤمنين، يؤدِّي إلى غفران خطاياهم، وغفران خطاياهم يؤدِّي إلى عدم الموت والحياة الأبدية، وذلك كما يُصلِّي الكاهن في القداس الإلهي: [يا الله الذي أحبنا هكذا، وأنعم علينا برتبة البنوَّة، لكي نُدعى أبناء الله، نحن وهم وارثون لك يا الله الآب وشركاء في ميراث مسيحك، أَمِلْ أُذنك، يا رب، واسمعنا نحن الخاضعين لك، وطهِّر إنساننا الداخل كطُهْر ابنك الوحيد، هذا الذي نُضمِر أن نأخذه (ويطلب من الله أن يُبدِّد كل الأفكار النجسة والشريرة)... كل فكر رديء أرضي، فَلْيبعد عنا، من أجل الذي صعد إلى السموات. لكي هكذا بطهارة نتناول من هذه الأسرار النقية، ونتطهَّر كلنا، كاملين في أنفسنا وأجسادنا وأرواحنا؛ إذ نصير شركاء في الجسد، وشركاء في الشكل، وشركاء في خلافة مسيحك]. قداس القديس كيرلس صلاة خضوع قبل التناول(2) وبحسب قداس القديس كيرلس أيضاً، يتناول المؤمن في الإفخارستيا المقدسة الجسد والدم الأقدسين: [... لكي يكونا لنا جميعاً نحن الآخذين منهما... تجديداً للنفس والجسد والروح... ومشاركة سعادة الحياة الأبدية وعدم الفساد، وغفراناً للخطايا]. قداس القديس كيرلس - الرشومات الثانية(3) فإن النفس، أولاً، تتطهَّر وتتقدس، وتتغذَّى روحياً؛ ويتحوَّل الإنسان المتناول سرِّياً (ميستيكياً mystically) إلى عدم الفساد. 2. الاتحاد بالله والاتحاد بالآخرين: ينال المشترك في نفسه بتناوله من الجسد والدم الأقدسين بذرة عدم الفساد، والقيامة، وعدم الموت، والحياة الأبدية. و”الجسد الحقيقي والدم الحقيقي اللذين للمسيح“ (حسب نداء الكاهن) يقودان المؤمن نحو التقديس باعتباره عضواً في الجسد السرِّي للمسيح (أي الكنيسة)، إذ يرتبط به وبكل مؤمن من خلال الشركة المقدسة، حسب قول القديس بولس الرسول: «فإننا نحن الكثيرين خبزٌ واحد (مفرد: أي خبزة واحدة)، جسدٌ واحدٌ، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد (الخبزة الواحدة)» (1كو 10: 17). وكما في أيامنا الحاضرة كذلك في الكنيسة الأولى، كانت كل كنيسة تشترك في قربانة واحدة وكأس واحدة، واللتين من خلالهما ينال المؤمنون المتناولون الحياة الإلهية والتقديس. ويشرح القديس يوحنا ذهبي الفم هذه الآية قائلاً: [كما أن الخبزة تتكون من حبات قمح كثيرة ثم صارت خبزة واحدة، فلا تعود حبات القمح تظهر فيما بعد، بل هي موجودة فعلاً، ولكن كثرتها وتعدُّدها لا يظهران بسبب عجنها؛ هكذا نحن نلتئم معاً كل واحد مع الآخر وكلنا مع المسيح، فلا يكون لك أنت جسد واحد وقريبك جسد آخر، بل هو جسد واحد نتغذى منه جميعنا ”لأننا كلنا نشترك في الخبزة الواحدة“](4). وبحسبما ذكرنا، فالمؤمنون في سرِّ الإفخارستيا يتَّحدون ويتطعَّمون في ابن الله المتجسِّد، إذ ينالون هذا الطعام الإلهي الضروري لتقديسهم(5). 3. الحضور الحقيقي للمسيح في سرِّ الإفخارستيا: وتؤمن الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بالحضور الحقيقي للمسيح في الإفخارستيا المقدسة، وذلك كنتيجة للتغيُّر الذي حدث للعنصرَيْن الخبز والخمر، اللذين تحوَّلا (أو انتقلا أو صارا) ”الجسد الحقيقي“ و”الدم الحقيقي“ للمسيح، بطريقة يكون فيها المسيح بشخصه حاضراً في الأسرار الإلهية. لذلك يصرخ الكاهن قائلاً: [هوذا كائنٌ معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا، حَمَلُ الله الذي يحمل خطية العالم كله (ويؤكِّد حضوره الشخصي فيقول:) الجالس على كرسي مجده. الذي تقف أمامه جميع الطغمات السمائية، الذي تُسبِّحه الملائكة بأصوات البركة، ويخرُّ ويسجد له رؤساء الملائكة](6). كما يُعلن الطقس الكنسي هذه الحقيقة، إذ بعد حلول الروح القدس، يتنحَّى الكاهن من أمام الذبيحة التي على المذبح ليكون ”عمانوئيل“ نفسه هو الذي يُبارك متواجهاً مع الشعب: ”سلامٌ لجميعكم“. كما أن الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة تؤمن بالحضور الشخصي للرب في كل ذرة من عنصرَي الذبيحة، وكذلك في كل مكان تُقدَّم فيه الذبيحة في العالم أجمع. 4. حلول الروح القدس على المؤمنين وعلى القرابين، يُحقِّق هذا الحضور الحقيقي: كما تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأن هذا السرَّ يُجريه الكاهن أو الأسقف على خبز مختمر وخمر ممزوج بالماء، والتحوُّل يأخذ مجراه من خلال استدعاء الروح القدس، كما يصلِّي الكاهن والجميع سجوداً: [وأَرسِلْ إلى أسفل من عُلُوِّك المقدس، ومن مسكنك المستعد، ومن حضنك غير المحصور، ومن كرسي مملكة مجدك؛ الباراقليط، روحك القدوس الكائن بالأقنوم، غير المستحيل ولا متغيِّر، الرب المُحيي. الناطق في الناموس والأنبياء والرسل. الحالَّ في كل مكان، المالئ كل مكان، ولا يحويه مكان. الفاعل، بسلطة، بمسرتك، الطُّهر على الذين أحبهم وليس كالخادم. البسيط في طبيعته، الكثير الأنواع في فعله، ينبوع النِّعَم الإلهية. المساوي لك، المنبثق منك، شريك كرسي مملكة مجدك، وابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومُخلِّصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح؛ علينا نحن عبيدك وعلى القرابين التي لك، المُكرَّمة، السابق وضعها أمامك. على هذا الخبز وعلى هذه الكأس، لكي يتطهَّرا وينتقلا. وهذا الخبز يجعله جسداً مقدَّساً للمسيح، وهذه الكأس أيضاً دماً كريماً للعهد الجديد الذي له](7). 5. التناول يكون من كِلاَ العنصرَيْن، وضرورة تناول الأطفال منهما: إن أهمية هذا السرّ ”الإفخارستيا المقدسة“ لخلاصنا عظيمة جداً مساوية تماماً في أهميتها لسرِّ المعمودية. ولهذا السبب فإن عموم الشعب المسيحي الأرثوذكسي، إكليروساً وشعباً بالمساواة، الكل يتناول هذه الأسرار بكِلاَ العنصرين، حسب الأصول المرعية. والتناول من كِلاَ العنصرين قائم على ما ورد في إنجيل متى (26: 26-28) وباقي الأناجيل عن تسليم المسيح سرّ جسده ودمه الأقدسين لتلاميذه القديسين مساء خميس العهد. وحتى الأطفال فلهم الحق في تناولهما حسب إنجيل يوحنا (6: 54،53) لينالوا نعمة الحياة الأبدية والثبات في المسيح بعد نوالهم سر المعمودية مباشرة، وذلك من حيث إن معمودية الأطفال مؤسَّسة على كلام المسيح - له المجد - أنها تؤهِّل المعمَّد لدخول ملكوت الله (يوحنا 3: 5). 6. الإفخارستيا ذبيحة شفاعية من أجل الجميع: كما يجب أن يكون واضحاً لأذهاننا من كل ما تقدَّم، أن الإفخارستيا المقدسة ليست مجرد سر، بل هي ذبيحة أيضاً، كما أوضحنا في المقال الماضي(8). هي ذبيحة غير دموية، وتقدمة شفاعية إلى الله ”من الكل ومن أجل الكل“، عن كل العالم، وعن سلام الكنيسة كلها، ”الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية، كنيسة الله الأرثوذكسية“، وعن كل المسيحيين الأرثوذكسيين، عن الأحياء منهم وعن الذين رقدوا على رجاء القيامة للحياة الأبدية، وعن الرؤساء المدنيين، وعن الخليقة والطبيعة وحتى الأعداء والمقاومين. وبالطبع، ومن المفهوم أن كل ما قلناه هنا ليس إضافة إلى ذبيحة الصليب من جهة ثمار الخلاص التي نتجت عنها، والتي ينالها المتناولون بتناولهم من الإفخارستيا، كما أنها ليست تكراراً لموت الفادي على الصليب؛ بل هي تناول سرِّي mystical من نفس ذبيحة الصليب القائمة أمام عرش الله على المذبح في السماء، كما رآها القديس يوحنا الرائي: «خروف قائم كأنه مذبوح» (رؤ 5: 6)، الذي هو «حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29). 7. الإيمان بغير فحص هو ضمان سريان مفاعيل سرِّ الإفخارستيا: ولابد أن يفهم الكل أن حضور المسيح - له المجد - في الإفخارستيا، وعمله وعمل الروح القدس في هذه الأسرار الإلهية هي كلها أفعال سرِّية (ميستيكية mystical)، ليست خاضعة للفحص العقلي، بل تؤخذ بالإيمان كما يصلِّي الكاهن ليُعطينا الله ”إيماناً بغير فحص“، فالمؤمن يقبلها كما هي بالإيمان لينال مفاعيلها وثمارها في حياته وينتفع بها بعد مماته على رجاء القيامة والحياة الأبدية |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصورة الإلهية في الإنسان
الأب الشماس اسبيرو جبور سر الشكر السر الثاني العظيم هو سر الشكر. به يُبنى الإنسان في جسد المسيح ويأخذ بذار عدم الفساد والحياة الإلهية داخلياً. سر الشكر يفترض سر المعمودية. المعمودية تُعطَى للإنسان لتجدده وتؤهله إلى الشركة في جسد ودم المسيح. المعمودية تهب الإنسان نقاوة الصورة والمثال بالمسيح مبدئياً. أمَّا سر الشكر فيعمل على امتداد المثال والاتحاد الكامل بالمسيح. اتحاد الإنسان بالمسيح، الحاصل بواسطة هذا السر، يشكل ذروة التعبير وملخصه عن محبة الله لنا. يقول بالماس مرتكزاً على موعظة قديمة قيلت باللغة الدارجة: إن المحبة تفرض تشابه الأشخاص المحبوبين: (كل محبة حاصلة بالمحبة لها كَمالُها. أما المبدأ فهو التشابه). نجد مِثْلَ هذا المبدأ عند هوميروس وأفلاطون وأرسطو. حسب العهد القديم خُلِقَ الإنسانُ منذ البدء (على صورة الله ومثاله). وقد أعاد تجسدُ كلمةِ الله الصورةَ والرباط اللذين تشوّها، إلى ارتباطهما بالله، وإعادة الرباط بين الله والإنسان تركزت على القربى القائمة بينهما منذ البدء. كانت القربى شديدة بحيث أمكن توحيدها في أقنوم واحد، كما يقول بالماس. الارتباط الحاصل بالمسيح بين الإنسان والله ألَّف بصورة خارقة كل علاقة وقربى بشريتين. وباتخاذ كلمة الله جسداً ودماً صار أخاً للبشر، لا بل صار صديقاً لنا، لأنه اشترانا من العبودية وجعلنا شركاء ومالكين لأسراره. المسيح ذاته قال لتلامذته: (أنه لا يدعوهم عبيداً بعد لأن العبد لا يعرف ما يصنعه سيده، بل يدعوهم أصدقاء لأنه عرّفهم كل شيء سمعه من أبيه). المسيح هو أب أيضاً وأم للبشر لأنه يلدهم بالمعمودية ويغذيهم كأطفال رضّع لا بدمه بدلاً من الحليب فحسب، بل بجسده وروحه. بارتباطه بسر الشكر الإلهي مع المؤمنين بجسد واحد يصبح المسيح عريساً للبشر. إن تشبيه محبة الله للبشر بالمحبة الزوجية كان معروفاً ومنتشراً عند كتبة العهد القديم، وخصوصاً عند لاهوتيي الكنيسة المستيكيين {mystiques : صوفيون}. إن بالماس يعتبر المحبة الزوجية أسمى الشكر الإلهي. في الزواج التصاق جسدين بجسد واحد لا في روح واحد، أما في سر الشكر فالتصاق لا ينحصر في الجسد بل يتعدى إلى الروح لنصير معه روحاً واحداً. يا للشركة المتعددة الأشكال التي لاتحد! لقد صار المسيح أخاً لنا، فناولنا جسداً ودماً وجعلنا أصدقاء مقربين بإعطائه لنا هذه الأسرار وربطنا ونسقَّنا بالمناولة كما يرتبط العريس بالعروس، وصار معنا جسدا ًواحداً وكذلك صار لنا أباً بمعموديته الإلهية وأرضعنا من الأثداء الأليفة كما ترضع الأم الحنون أطفالها. الإتحاد في المسيح الحاصل بسر الشكر الإلهي ليس إتحاداً شبيهاً بوحدة كلمة الله مع الطبيعة البشرية. إنه ليس إتحاداً أخلاقياً فقط. مع أن المسيح يتحد حقيقياً مع كل إنسانٍ يتقدم بإيمان لهذا السر إتحاداً لا ينحصر في دائرة الأخلاق، إلاَّ أنه لا يشكل معه أقنوماً واحداً كما حدث في وحدة كلمة الله مع الجسد المتخذ. هذا الاتحاد السري هو اتحاد حقيقي مع النعمة المؤلهة ومع فعل المسيح، لهذا يبقى المسيح دائماً واحداً (كذي أقنوم دائم لا يتجزأ). بينما الذين هم على (شكل المسيح) كثيرون. إن أكندينوس بعكس بالماس يقول: (الإنسان بالمناولة الإلهية يشترك بالطبيعة الإلهية. من يعلّم أن الذين يتناولون الأسرار الإلهية لا يشتركون في الطبيعة الإلهية يقاوم رأي الرسول بطرس وكل الآباء). الموقف الذي يتخذه أكندينوس موقف خاطئ مبني على ارتكاز خاطئ وعلى فهم خاطئ للكتاب وللتعليم الآبائي، لهذا جاء يضادّ بجلاءٍ العلم المسيحي الأرثوذكسي. وهذا التضاد مرتبط بموضوع الشركة في الله وعدم الشركة برمته. باشتراك الإنسان في سر الشكر الإلهي يتحد مع جسد المسيح المؤله ويصير شريكاً في عدم الفساد والحياة الأزلية. وهكذا بالسر هذا يصبح الإنسان جسداً واحداً مع المسيح. إن هذه المعية الجسدية ليست نتاجاً لنتيجة آلية بل هدية تقدمها نعمة الله، فيتقبّلها الإنسان بالروح شخصياً وبحرية. وعلى أساس هذا الاعتبار الشكري علينا أن ندرك العبارات: (الجسد الواحد مع المسيح) في مؤلفات أثناسيوس الكبير وغريغوريوس النيسسي، أو العبارة: (الجسد الواحد والدم الواحد) في المسيح في تعليم كيرلس الأورشليمي. إن غريغوريوس أكندينوس يُرْجعنا إلى أثناسيوس ويستعمل: (الجسد الواحد)، عندما يتكلم عن المسيحيين الذين (كجسد واحد مع المسيح) سيدخلون إلى المجد السماوي. (إن الاشتراك في جسد ودم المسيح هو اشتراك في جسده المخلوق وطبيعته الغير المخلوقة) (أكندينوس). أما في نظر بالماس فإن الاشتراك في الأسرار المقدسة هو وحدة مع طبيعة كلمة الله البشرية التي باتحادها أقنومياً مع الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس تألهت وصارت نبعاً للتأله البشري. المؤمن باتحاده مع المسيح يتحول إلى هيكل الألوهة المثلثة. كما أن كمال الألوهة يقطن في جسد المسيح، كذلك الثالوث الأقدس يقطن في الذين صاروا معه جسداً واحداً. (يا للعجب الذي لا تَطَالُهُ مغالاة! حتى هذه الكيانات البشرية تتحد. كل واحدٍ من المؤمنين يدمج ذاته بمناولته الجسد المقدم ليصير معه جسداً واحداً وهيكلاً لكل الألوهية). إن نقولا كاباسيلاس نمَّى فيما بعد التعليم عن الحياة في المسيح بمناولة الإنسان للأسرار وبصيرورته مشتركاً مع المسيح بجسده. دمج الوجود البشري المجدد بالمعمودية بالجسد المؤلِّه والمؤلَّه للمسيح يحوي، كما سبق وقلنا، الأساس اللاهوتي لتعليم بالماس عن الرؤية المستيكية للنور الغير المخلوق، فكما أن جسد المسيح الإلهي عند تجلّيه أنار تلامذته خارجياً، إذ كان بعد لم يدخل إلى أجسام الشر، فإنه الآن باندماجه وبوجوده في داخلهم ينير أرواحهم داخلياً {راجع نهاية الملحق}. سرُّ الشكر يحوي، في نظر بالماس، معنى ورائياً عميقاً. بتناول الإنسان للأسرار الطاهرة ينال ختم شركة المسيح الغير المسبور غورها في الجيل الآتي. ملكوت الله يتحقق منذ الحياة الحاضرة. ملكوت الله هو ملك للمؤمن. المؤمن فيه يعيشه وهو في هذه الحياة الحاضرة. إنه مواطن في الحياة الجديدة والحياة المقبلة. ملكوت الله كشركة مع البشر يتحقق بواسطة سر الشكر. ملكوت الجيل المقبل هو الشكل الكامل للعلامة بين المؤمنين والمسيح روحياً. هذا الطابع الورائي لسر الشكر الإلهي المعروف في اللاهوت الآبائي له معناه في تعليم بالماس عن التأله الإنساني. تأليه الإنسان لا يشكل حدثاً استقبالياً فحسب بل هو حقيقة حية للحياة الحاضرة. نعمة المسيح الغير المخلوقة المؤلِّهة التي تجعل جسد الإنسان في حالة من الطوعية مع جسد مجده تنزرع منذ الحياة الحاضرة في الإنسان وتعمل على تألُّهه. بالشركة الإلهية يدخل المسيح إلى أعماق الوجود البشري ليقدم نعمته المؤلِّهة. وهذا يخلق في الإنسان المؤمن الضرورة لينقي ذاته كما يجب، ما دام يتأهب للشركة في السر العظيم. بالنقد الذاتي تتحقق التنقية، وبالتوبة والاعتراف يصل المؤمن إلى ما يبتغيه. استناداً إلى أقوال بولس، يقول بالماس: (على المؤمن أن يمتحن نفسه قبل أن يدخل إلى هذا السر وألاَّ يتناول بدون استحقاق. مهما تعب الإنسان لا يستطيع أن يجعل نفسه الغير المستحقة مستحقة موهبة المسيح العظيمة. بالتوبة لا يتحول الإنسان فعلاً بل يتقدم إلى الله الذي يجعل الغير المستحقين مستحقين). على المسيحي أن يتقدم إلى هذا السر بإيمان عميق ليستأهل نعمة الله. بما أن سر الشكر هو سر روحي، لذلك يجب أن ينظر إليه روحياً. خبز سر الشكر هو نوع من الحجاب يخفي الألوهية. لذلك على المؤمن أن يدخل إلى مضمون داخل السر بالإيمان وألاَّ ينحصر في رؤية شكله الخارجي. اهتمام المسيحي لا يجب أن ينحصر في استعداده للمناولة الإلهية. عليه أن يتجاوز المناولة ويوسع أفق مداها. يجب أن تجد النعمة المؤلهة تعبيرها في حياة المؤمن. بقبول الإنسان للمسيح في داخله يجعله سيد حياته وعلى هذا الأساس يجب أن ينسق أعماله وأقواله وأفكاره وفقاً لإرادة ذلك. يشدد آباء الكنيسة على واجبات المؤمن هذه. يصل الذهبي الفم إلى الدعوة إلى الصيام حتى بعد المناولة، أما بالماس فيحذِّر من التقلقل بعد مناولة جسد ودم المسيح |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سر الشكر أو القربان المقدس
( الإفخارستيا ) تأسيس السر في الليلة الأخيرة مع تلاميذه أقام الرب يسوع رئيس كهنتنا بنفسه أعظم سر في الكنيسة وهو " سر الشكر " أو " سر القربان المقدس " . إذ يقول كاتب الإنجيل أنه أثناء العشاء " أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ قائلاً خذوا كلوا هذا هو جسدي . وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا " ( متى26: 26-28 ) .. وأضاف " اصنعوا هذا لذكري " ( لو 22: 19 ) . سر القربان المقدس هو حضور الرب يسوع الدائم في كنيسته وسط شعبه كما وعد " ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " ( مت 28: 20 ) . إيماننا الأرثوذكسي : إننا نؤمن ونعلّم أن الخبز والخمر المقدمين لهذا السر كمادة أولية كلاهما يتحولان في أثناء القداس الإلهي وبعد صلاة استدعاء الروح القدس لكي يحل عليهما إلى جسد الرب نفسه ودمه نفسه ( وليس تحولاً رمزياً بل حقيقياً ) مع بقائهما تحت مظهر الخبز والخمر للعين البشرية . فالسيد قال صراحة " هذا جسدي .. هذا دمي " ولم يقل هذه كجسدي أو هذا كدمي .كما أكد القديس الرسول بولس ذلك بقوله " من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه ... لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب " ( 1كور11 : 27-29 ) وهذا تأكيد قاطع على ما آمنت به الكنيسة منذ البدء . إذا يتم ذلك بعد قول الكاهن : " أيها الرب يا من أرسل روحه القدوس على تلاميذه في الساعة الثالثة ، لا تنزعه منا أيها الإله الواحد بل جدده في داخلنا نحن المسبحين لك " . ثم يبارك جزء الحمل الموضوع على الصينية المقدسة قائلاً " واصنع أما هذا فجسد مسيحك المكرّم " كما يبارك الخمر في الكأس قائلاً " واصنع أما ما في هذه الكأس فدم مسيحك المكرم " ، وبعد كل مباركة يقول الشماس " آمين " وأخيراً يبارك الكاهن الصينية والكأس معاً قائلا " محولاً إياهما بروحك القدوس " فيجيب الشماس " آمين آمين آمين " .في هذه اللحظة العظيمة والمقدسة يتحول الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه الكريم عينهما ، وهنا يسجد الكاهن أمامهما كما يسجد أمام الإله الملك تماماً ، إنها أعظم وأقدس لحظات القداس الإلهي . المناولة المقدسة هي غاية كل قداس إلهي ولا معنى للاشتراك به دونها ، وهذه يجب أن تكون مسبوقة بممارسة سر التوبة والاعتراف ، وهذا الترتيب وضعته الكنيسة لكي يبقى أبناؤها كل حين مستعدين للمناولة ولقاء الرب ، ومستمرين في التوبة والطهارة عبر الاستعداد في كل قداس إلهي . توصيات الكنيسة قبل المناولة : توصي الكنيسة بالصيام قبل ممارسة هذا السر ويفضل أن يكون انقطاعاً تاماً عن الطعام العالمي طوال الليلة السابقة للاحتفال بالقداس الإلهي ، مع تلاوة ما هو ممكن من الأفاشين والصلوات وقراءة كلمة الرب والتأمل بها . فلا يجب أن يدخل طعام أرضي الجوف قبلها ولا بعدها مباشرة . كما أن الذي يلامس بشفتيه المسيح الإله لا يخرج فوراً ليفتحهما للكلام في أمور الدنيا إن لم يكن للخطيئة . تتلى وترنم بعد المناولة صلوات الشكر، وهي ضرورية لمن يقدّر محبة الله. عندما يتناول أحدنا الطعام على مائدة مضيفه هل يخرج قبل أن يلتفت إليه ولو بكلمة شكر؟ لذلك إن إحدى درجات التقوى البديهية والمطلوبة هي العودة إلى أماكننا بصمت وهدوء والمشاركة "بوعي" ورهبة بالصلوات الختامية. يقول المتناول بعد تقبّله لجسد المسيح ودمه الكريمين: "هذه تحرق شفتّي وتغفر جميع آثامي". فمن احترقت شفتاه وغفرت آثامه لا يستطيع على الفور فتحها والتفوه بالكلام العام إن لم يكن البطال، ولا بد أن يبقى ولو لحظات مدتها دقائق في حالة من التخشعّ والامتنان والشكر والتأثر، أي التأمل. إن هذه الدقائق الصامتة والمتأملة بعد المناولة هي ضرورية جداً. لهذا يقول الشماس بعد المناولة: " إذ قد تناولنا أسرار المسيح المقدسة الطاهرة فلنشكر الرب حق الشكر". يقول القديس يوحنا الذهبي الفم، إن من يخرج من الكنيسة فوراً بعد تناول القربان المقدس، ولا ينتظر الـ 5 دقائق الأخرى التي ستتلى فيها صلوات الشكر، هو مثل يهوذا الذي خرج للتسليم وما زالت اللقمة من صحفة يسوع في فمه. لا شك أنه يجب أن تسبق المناولة ندامة حقيقية تجاه كل الخطايا التي تحزن روح الله القدوس وتوبة حقيقية عنها ، عبر سر التوبة والاعتراف ، فالمسيح يدخل بيتاً نظيفاً مستعداً ولائقاً . كلمة أخيرة في مادة السر : تستعمل الكنيسة الأرثوذكسية لإتمام السر الخبز المختمر لأنه هو المادة التي استعملها الرب يسوع في العشاء الأخير ، على عكس الكنيسة اللاتينية التي درجت على استعمال الخبز الفطير ( غير المختمر ) . والدليل على استعماله للخبز المختمر من الكتاب نفسه : - الكلمة التي تعني خبزاً مختمراً بلغة الكتاب المقدس الأصلية هي غير تلك التي تعني خبزاً فطيراً ونرى ان العهد الجديد استعمل في كل البشارات كلمة خبز ، وليس خبز فطير ، هذه هي الكلمات باليونانية مع ترجمتها الإنكليزية: في العهد القديم : خبز فطير unleavened bread وباليونانية αζυμα خبز مختمر bread وباليونانية αρτον في العهد الجديد: الخبز الذي ورد أن يسوع كسره في الليلة التي أسلم فيها هو : bread , αρτον ( متى26.26 ) ، ( مر14: 22 )، ( لو22: 19 ) في عبارة القديس بولس " لِنُعَيِّدْ لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ " ( 1كور 5: 8 ) يستعمل الرسول كلمة αζυμοις ( أو unleavened ) بينما بولس يميز بين الكلمتين اللتين تدلان على الفطير والمختمر إذ يقول : " فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ " ( 1 كور 10: 17 ) ويستعمل لها bread أو αρτος ولذلك هو يؤكد أن ما تناوله يسوع مع تلاميذه كان خبزاً مختمراً : " لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزاً ... " ( 1 كور11: 23 ) ويستعمل كلمة bread: أو αρτον هناك تلازم بين سر المعمودية والقربان المقدس حيث يناول الطفل بعد عماده الجسد والدم . لذلك ليس لدينا مناولة أولى ولكن درجت العادة على إقامة مناولة احتفالية بعد أن يقضي الطفل فترة من الوقت في التعليم الديني ويتعلم معنى هذا السر بلغة بسيطة ، فتكون مناولته الاحتفالية التي يتناول فيها واعياً ما يتناول بعد أن كان تناول عند العماد على أساس إيمان والديه وعرابيه . †اصنعوا هذا لذكري † |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإفخارستيا والخلاص
لنيافة الأنبا رافائيل يقوم الفكر المسيحي على شرح قضية الخلاص.. والأسفار المُقدَّسة تشهد أن الله وحده هو المُخلِّص.. & "أنا أنا الرَّبُّ، وليس غَيري مُخَلِّصٌ" (إش43: 11). & "ها إنَّ يَدَ الرَّب لم تقصُرْ عن أنْ تُخَلِّصَ، ولم تثقَلْ أُذُنُهُ عن أنْ تسمَعَ" (إش59: 1). & "هوذا هذا إلهنا. انتَظَرناهُ فخَلَّصَنا. هذا هو الرَّبُّ انتَظَرناهُ. نَبتَهِجُ ونَفرَحُ بخَلاصِهِ" (إش25: 9). بل وتعتبر الأسفار المُقدَّسة أن علامة الإله الحقيقي أنه يستطيع أن يُخلِّص تمييزًا له عن الآلهة الكاذبة.. & "اِجتَمِعوا وهَلُمّوا تقَدَّموا معًا أيُّها النّاجونَ مِنَ الأُمَمِ. لا يَعلَمُ الحامِلونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ، والمُصَلّونَ إلَى إلهٍ لا يُخَلصُ" (إش45: 20). والخلاص في الفكر المسيحي يكون بغفران الخطايا، وليس بالخلاص من الأزمات الزمانية.. كما هو في الفكر اليهودي. لذلك قيل ليوحنا المعمدان وهو طفل وليد: "وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ نَبيَّ العَلي تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّب لتُعِدَّ طُرُقَهُ. لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو1: 76، 77). وغفران الخطايا لا بد أن يكون بسفك الدم "وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب9: 22). لأن الدم يساوي الحياة، وسفك الدم يساوي بذل الحياة.. فالرب يسوع المسيح إلهنا خلَّصنا بغفران خطايانا بسفك دمه الكريم على الصليب من أجلنا.. "لأنَّ أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23).. فتسديد دين الخطية يستلزم بذل الحياة. هذا الدم المسفوك على الصليب أعطانا إياه مُخلِّصنا الصالح لنشربه في سر الإفخارستيا حسب قوله الطاهر: "اشرَبوا مِنها كُلُّكُمْ، لأنَّ هذا هو دَمي الذي للعَهدِ الجديدِ الذي يُسفَكُ مِنْ أجلِ كثيرينَ لمَغفِرَةِ الخطايا" (مت26: 27، 28)، "لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ" (يو6: 55). فبالرغم من أن مُخلِّصنا الصالح قد سفك دمه عن الجميع.. & "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا" (1يو2: 2). & "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ" (يو3: 16). ولكن للأسف لن يستفيد من هذا الفداء العظيم إلاَّ مَنْ يُؤمن فقط بالقيمة الخلاصية لهذا الدم.. & "لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16). & "الذي يؤمِنُ بهِ لا يُدانُ، والذي لا يؤمِنُ قد دينَ، لأنَّهُ لم يؤمِنْ باسمِ ابنِ اللهِ الوَحيدِ" (يو3: 18). & "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47). ولكن الإيمان النظري وحده لا يفيد، فالكتاب يقول: "والشَّياطينُ يؤمِنونَ ويَقشَعِرّونَ!" (يع2: 19). فالشيطان نفسه يعرف القيمة الخلاصية لدم المسيح، ولكن بكل قطع لا يستطيع أن يستفيد من هذا الخلاص الثمين، بل يقشعر ويرتعب من مجرد تذكار فِعله. لذلك فلابد للإنسان المسيحي أن يتقدَّم ليأكل الجسد ويشرب الدم لينال هذا الخلاص الثمين.. "يُعطى عنَّا خلاصًا وغفرانًا للخطايا" (القداس الإلهي) |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأفخارستيا سر الكنيسة نيافة الأنبا رافائيل الكنيسة هى مجال عمل السيد المسيح الخلاص... الخلاص الذى تممه السيد المسيح لنا على الصليب، يقدمه لنا بنفسه كل يوم من خلال الكنيسة فالكنيسة هى استمرار وامتداد عمل السيد المسيح النبوى ( بالتعليم) والكهنوتى (بالخلاص) والملوكى (بميراث ملكوت السموات). والكنيسة هى مكان حضور واستعلان السيد المسيح فينا "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى فهناك أكون فى وسطهم" (مت 20 : 18). فمن يقبل إلى الكنيسة... هناك يرى السيد المسيح ويتحد به ويتكلم معه فالكنيسة هى عروس السيد المسيح وهى جسده المقدس... ولذلك تهتف الكنيسة بكل فرح - عند اجتماعها - "عمانوئيل إلهنا فى وسطنا الآن... يمجد أبيه والروح القدس". السيد المسيح للكنيسة الرأس للجسد "المسيح أيضاً رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد" (أف 23:5)، "وهو رأس الجسد - الكنيسة - الذى هو البداءة" (كو 18:1). وجسد السيد المسيح يستعلن بكل وضوح فى سر الأفخارستيا. "كأس البركة التى نباركها، أليست هى شركة دم المسيح؟، الخبز الذى نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح؟" (1كو 16:10). ومن هنا كانت الرابطة القوية بين الكنيسة والأفخارستيا.. فكلاهما هى جسد السيد المسيح.. الكنيسة جسد المسيح الذى ننتمى إليه كأعضاء... والأفخارستيا جسد السيد المسيح الذى نأكله فنحيا كأعضاء "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد، لأننا جميعنا نشترك فى الخبز الواحد" (1كو 17:10). الكنيسة والأفخارستيا الكنيسة وجدت خلال سر الأفخارستيا ونالت كيانها وحقيقتها خلال هذا السر المقدس... "كانوا كل يوم يواظبون فى الهيكل بنفس واحدة (صلاة المزامير)، وإذ هم يكسرون الخبز (الأفخارستيا) فى البيوت، كانوا يتناولون الطعام (الأغابى) بابتهاج وبساطة قلت" (أع 46:2)، "وفى أول الأسبوع، إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً" (أع 7:20).وأيضاً الأفخارستيا هى ذبيحة الكنيسة.. فمتى اجتمع المؤمنون... كان اجتماعهم لكسر الخبز (التناول من جسد الرب ودمه)، فنسمع عنة الكنيسة الأولى: "كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات" (أع 42:2). والسيد المسيح نفسه هو الذى يقدم ذبيحته بيده فى كنيسته كل يوم، إذ هو الكاهن والذبيحة وهو الله الذى يقبل الذبيحة... "هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا" التسبحة السنوية وهو مازال مستمراً وعاملاً فى الكنيسة بذبيحته.. ليس أن الأفخارستيا تكراراً لصليب السيد المسيح بل استمراراً له وامتداد لمفعوله. والكنيسة إذ ترى عريسها المحبوب يقدم ذاته عنها على المذبح فى كل يوم... تتشجع وتقدم حياتها للرب بالتسبيح والنسك والخدمة وأيضاً بالاستشهاد إننا نستمد القوة على الاستشهاد من ذبيحة الأفخارستيا. إذ "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً" (1يو 19:4). حياة السيد المسيح مصلوبة برهان حبه لنا إذ "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 16:3). وحياتنا نحن مصلوبة معه برهان حبنا له... هذا الصليب الى تحمله الكنيسة كل يوم وتتبع السيد المسيح... يتجلى فى ذبيحة الأفخارستيا فندخل إلى المذبح، عند الجلجثة ونرتفع معه إلى السموات... نقدم له... التوبة بانكسار القلب، ونقدم له لمهارة الجسد، والنفس والروح، ونقدم له جسداً مصلوباً بالصوم الانقطاعى، حسابين فى أنفسنا أننا نمات من أجله كل النهار... وكذلك تدخل الكنيسة إلى المذبح حاملة معها ذبيحة بسيطة (من خبز وخمر وماء) تقدمها برهان الشكر وقبول نعمة الله فى حياتنا... وبرهان الحب والاعتراف بأن الله هو صاحب هذه العطايا "نقرب لك قرابينك من الذى لك". وتتيقن الكنيسة أنها لم تقدم بعد شيئاً يذكر... فما هو صومى؟ وما قيمة تعبى؟.. وكيف أتكلم عن طهارة الجسد أو عن تعب جهادى؟ لذلك لا تشبع الكنيسة إلا بتقدمه عريسها السماوى على المذبح المقدس الإلهى ليس لدينا ما نقدمه غير السيد المسيح نفسه، الذى هو حياة العالم.. على المذبح تدرك الكنيسة أنها جسد السيد المسيح المذبوح، ونحن أعضاؤه حاملى سمات آلام.. فالمعمودية والميرون جعلان له أعضاء.. وبتناول جسده ودمه المبذولين.. ننمو يوماً فيوماً إلى قياس قامة ملء السيد المسيح.. الكنيسة الواحدة :جسد السيد المسيح جسد واحد.. يقوم فى كل مكان ولكنه جسد واحد.. ويقوم فى كل يوم ولكنه جسد واحد.. هكذا ندرك أن الكنيسة واحدة جامعة... فكل المذابح فى العالم هى مذبح واحد.. وكل الكنائس فى العالم كنيسة واحدة (من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها).. وكل الكهنة فى العالم يمثلون كاهناً واحداً هو ربنا يسوع المسيح.. الذى يقوم جسده بيده فى كل قداس فى كل مكان وفى كل زمان ومع كل الناس. هذا هو استعلان سر اتحادنا بعضنا مع بعض فى المسيح يسوع.. كيف أن خبزه واحدة تجمع مئات حبات القمح فى وحدة واحدة.. فالله فى سر الأفخارستيا يجمع الكنيسة إلى واحد "أجعلنا كلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا؛ لكى نكون جسداً واحداً وروحاً واحداً، ونجد نصيباً وميراثاً مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء" القداس الباسيلى. "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد، لأننا جميعنا نشترك فى الخبز الواحد" (1كو 17:10)، "هكذا نحن الكثيرين جسد واحد فى المسيح وأعضاء بعضاً لبعض، كل واحد للآخر" (رو 5:12). "لأنه كما أن الجسد هو واحد، وله أعضاء كثيرة وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هى جسد واحد كذلك المسيح أيضاً" (1كو 12:12). |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
جسد المسيح و دمه القديس كيرلس الأورشليمي “لأني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضًا أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزًا” (1 كو 11: 23). جسد حقيقي ودم حقيقي 1. تعليم المطوّب بولس كافٍ ليعطيكم حتى من نفسه تأكيدًا كاملاً بخصوص “الأسرار الإلهية” التي صرتم مستحقين لها، وصرتم من نفس الجسد والدم مع المسيح. لأنكم سمعتموه الآن فقط يقول بوضوح: “إن الرب يسوع في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزًا وشكر وكسر وقال: خذوا كلوا هذا جسدي. كذلك أخذ الكأس وشكر وقال: خذوا اشربوا هذا هو دمي” (1 كو 11: 23-26). وحيث أنه بنفسه أوضح وقال عن الخبز: “هذا هو جسدي”، فمن يتجاسر ويشك بعد ذلك؟ وإذ هو بنفسه أكد وقال: “هذا هو دمي” فمن الذي يتردد ويقول إنه ليس دمه؟ 2. في قانا الجليل حوّل الماء مرة إلى خمر قريب من الدم. فهل لا يمكن تصديق أنه يقدر أن يحوّل الخمر دمًا؟ صنع هذا العمل المدهش بمعجزة عندما دُعي إلى عرس دنيوي، وعندما يهب “بني العُرس” (مت 9: 15) أن يتمتعوا بجسده ودمه، أفلا نعترف به بالأكثر؟ أصبحنا شركاء الطبيعة الإلهية 3. لنشترك إذا بكل ثقة في جسد المسيح ودمه. لأنه في شكل الخبز يعطي جسده لك، وفي شكل الخمر دمه، حتى بمشاركتك جسد المسيح ودمه تتحد في نفس الجسد ونفس الدم معه، لأنه هكذا نحمل المسيح في داخلنا. الآن جسده ودمه وُزِّعا في أعضائنا. وهكذا حسب قول المطوّب بطرس “أصبحنا شركاء الطبيعة الإلهية” (2 بط 1: 4). غضب اليهود 4. وعظ سيدنا المسيح اليهود في مناسبة معينة، وقال: “إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي فليست لكم حياة فيكم” (يو 6: 53). وغضبوا ولم يسمعوه بطريقة روحية، ورجعوا ظانين أنه يدعوهم ليأكلوا لحمًا (ماديًا). بين خبز التقدمة والإفخارستيا 5. في العهد القديم أيضًا كان خبز التقدمة، لكن انتهى ما يخص العهد القديم. أما في العهد الجديد فيوجد خبز السماء وكأس الخلاص، مطهرين النفس والجسد، لأنه كما يمتزج الخبز بالجسد كذلك الكلمة توافق أنفسنا. كن واثقًا دون شك أن الجسد والدم تنازلا لك 6. تأمل الخبز والخمر لا في ماديتهما، لأنهما كما أوضح الرب هما جسد المسيح ودمه. لأنه حتى لو أوحت إليك الحواس بهذا، فدع الإيمان يؤسِّسك. لا تحكم على الأمر من الذوق بل من الإيمان، كن واثقًا دون شك أن الجسد والدم تنازلا لك. رتبت قدامي مائدة 7. وينصحك المطوّب داود بهذا قائلاً: “تُرتب قُدّامي مائدة تجاه مضايقيَّ” (مز 23: 5). وما يقوله يعنى هذا قبل مجيئك. رتبت الشياطين مائدة للناس، نجسة ومدنسة ومملوءة من النفوذ الشيطاني، لكن منذ مجيئك يا رب “رتبت قدامي مائدة”. وعندما يقول الإنسان “رتبت قدامي مائدة”، فعلى ماذا يدل إلاّ على هذه المائدة السرّية الروحية التي رتبها الله لنا؟ رتبها ضد الأرواح الشريرة. وحقًا. لأن ذلك اختلاط بالشياطين، أما هذا فشركة مع الله. “مَسحت بالدهن رأسي” (مز 23: 5) بالزيت مسح رأسك على الجبهة، لأن الختم الذي أخذته هو من الله، حفر الختم قداسة لله. “وكأسك أسكرتني” لأنها قوية. نرى أن الكأس التي يتكلم عنها هنا هي التي أخذها المسيح في يديه وشكر وقال “هذا هو دمي الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا” (مت 26: 28). يجب أن تكون مكسوًا بالثياب البيضاء اللامعة الروحية 8. لذلك يقول سليمان مشيرًا إلى هذه النعمة: “تعالوا كلوا خبزكم بفرح” (أي الخبز الروحي) تعالوا هنا (ينادي للحكمة والخلاص) اشربوا كأسكم بقلب فرح (أي الخمر الروحي) ودعوا الزيت يُسكب على رأسكم (نرى أنه يشير حتى إلى الزيت السري)، واجعلوا أثوابكم بيضاء دائمًا، لأن الرب سُر بأفعالكم. لأنه قبل مجيئكم للعماد كانت أعمالكم باطل الأباطيل، لكن الآن إذ خلعتم أثوابكم العتيقة ولبستم هذه البيضاء روحيًا، يجب أن تكون مكسوًا بثياب. بالطبع لا تعني هذا إنك يجب أن تلبس ثيابًا بيضاء، لكن يجب أن تكون مكسوًا بالثياب البيضاء اللامعة الروحية، حتى تقول مع المطوّب “فرحًا أفرح بالرب، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني رداء البرّ” (إش 6: 10). 9. إذ قد تعلمنا هذه الأشياء، وتأكدنا تمامًا أن ما يبدو خبزًا ليس خبزًا، ولو أنه مساغ في الطعام لكنه جسد المسيح. وأن ما يبدو خمرًا ليس خمرًا ولو أن مذاقه كذلك لكنه دم المسيح. وعن هذا ترنم داود البار قديمًا “لإخراج خبز تفرح قلب الإنسان لإلماع وجه أكثر من الزيت” (مز 104: 15). “قوِّ قلبك باشتراكك روحيًا، واجعل وجه نفسك يلمع”، ومع جعل وجهك مكشوفًا بضميرٍ طاهرٍ تعكس كمرآة مجد الرب، وتنتقل من مجدٍ إلى مجدٍ في المسيح يسوع ربنا، الذي له المجد والكرامة والقوة من الآن وإلى دهر الدهور. آمين. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإفخارستيا والحياة الأبدية لنيافة الأنبا رافائيل إننا ننال الحياة الأبدية بالإيمان بألوهية السيد المسيح.. & "الذي يؤمِنُ بالاِبنِ لهُ حياةٌ أبديَّةٌ، والذي لا يؤمِنُ بالاِبنِ لن يَرَى حياةً بل يَمكُثُ علَيهِ غَضَبُ اللهِ" (يو3: 36). & "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذي أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، ولا يأتي إلَى دَينونَةٍ، بل قد انتَقَلَ مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ" (يو5: 24). & "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47). ولكن أيضًا هذا الإيمان النظري لا يكفي، فلابد من الشركة في التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين.. لننال الحياة الأبدية حسب قول السيد المسيح: "مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ" (يو6: 54). بل لقد أعلن السيد المسيح أنه بدون التناول من جسد الرب ودمه لا يمكن أن ينال الإنسان الحياة.. "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم" (يو6: 53). أي أنه لا يوجد طريق آخر للحياة إلاَّ التناول من جسد الرب ودمه. فالمسيح هو حياتنا.. راجع (كو3: 4)، وبدونه لا يكون لنا حياة. وهذا يفسر لنا لماذا "أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23). فالخطية هي انفصال عن الله، وهذا يؤدي حتمًا إلى الموت، كمثل انقطاع تيار الكهرباء عن المصباح الكهربائي، وكما أنه لا يمكن أن يعود الضوء إلى المصباح إن لم يتصل مرة أخرى بنفس التيار الكهربائي، بنفس الفولت والتردد.. وكذلك لا يمكن للإنسان أن يحيا إن لم يتصل مرة أخرى بالله. ولذلك كان تدبير التجسد والفداء.. ففي التجسد اتحد اللاهوت بالناسوت في شخص ربنا يسوع المسيح اتحادًا أقنوميًا فريدًا ليس له نظير. وهذا الاتحاد أدى إلى انسكاب الحياة من لاهوت السيد المسيح إلى ناسوته، فأصبح الناسوت حيًّا ومُحييًا بقوة اللاهوت الذي فيه. ولذلك ما كان يمكن أن يستمر هذا الناسوت في الموت، بل كان لا بد أن يقوم.. "الذي أقامَهُ اللهُ ناقِضًا أوجاعَ الموتِ، إذ لم يَكُنْ مُمكِنًا أنْ يُمسَكَ مِنهُ" (أع2: 24). حقًا لم يكن ممكنًا أن يُمسك من الموت إذ هو الحياة.. & "أنا هو القيامَةُ والحياةُ" (يو11: 25). & "أنا هو الطَّريقُ والحَقُّ والحياةُ" (يو14: 6). فالجسد الحاضر على الأرض ويمشي بين الناس هو جسد الله الكلمة الذي "فيهِ كانَتِ الحياةُ" (يو1: 4)، "لأنَّ عِندَكَ يَنبوعَ الحياةِ" (مز36: 9). نحن هنا نتكلَّم عن جسد المسيح الحي والمُحي، جسده الخاص الذي أخذه من القديسة العذراء مريم، وصار متحدًا اتحادًا أقنوميًا كاملاً بلاهوته الطاهر.. لكن كيف أنال أنا الحياة الأبدية؟!! لقد وضع لنا السيد المسيح طريقة سهلة جدًّا ننال بها الحياة به إذ قال: & "أنا هو خُبزُ الحياةِ" (يو6: 48). "أنا هو الخُبزُ الحَيُّ الذي نَزَلَ مِنَ السماءِ. إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ. والخُبزُ الذي أنا أُعطي هو جَسَدي الذي أبذِلُهُ مِنْ أجلِ حياةِ العالَمِ" (يو6: 51). & "مَنْ يأكُلْ هذا الخُبزَ فإنَّهُ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 58). وقد أعطانا فعلاً الرب يسوع جسده لنأكله ودمه لنشربه حتى نحيا به، وعلَّمنا أن هذا الأكل وهذا الشرب هما وسيلة الحياة الأبدية.. & "فقالَ لهُمْ يَسوعُ: الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم. مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ، لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يأكُلْ جَسَدي ويَشرَبْ دَمي يَثبُتْ فيَّ وأنا فيهِ. كما أرسَلَني الآبُ الحَيُّ، وأنا حَيٌّ بالآبِ، فمَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي" (يو6: 53-57). وكأن السيد المسيح قد ذخر طاقة الحياة الأبدية في هذا الجسد المُقدَّس، وأعطانا أن نأكله كي نحيا به ونهتف مع مُعلِّمنا بولس الرسول: "لأنَّ ليَ الحياةَ هي المَسيحُ" (في1: 21)، "أحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ" (غل2: 20). |
الساعة الآن 04:06 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025