![]() |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفضائل عموماً نبدأ مع هذا الفصل القسم الثاني من المدخل إلى اللاهوت الأدبي. ففي الفصول السابقة توجّهت اهتماماتنا نحو المبادئ العامة للاهوت الأدبي. أما الآن فسوف نبدأ بتطبيق تلك المبادئ على قرارات وأعمال محسوسة. سوف ننتقل من المبادئ النظرية إلى الواقع العملي. سوف نناقش في الفصل الحالي موضوع الفضائل بصورة عامة، كمقدمة للفصول التي تليه، والتي ستبحث في مرحلة أولية الفضائل الإلهية، والتي غايتها المباشرة الله. وفي مرحلة لاحقة سوف نعالج الفضائل الأدبية والأعمال الأخلاقية التي هدفها المباشر الإنسان. ويتناسب هذا الترتيب مع وصايا الله العشر التي تتحدث الثلاث الأولى منها عن مسؤولية الفرد نحو الله، والسبع الباقية عن مسئوليته تجاه نفسه والقريب. وقد تحدثنا آنفاً عن أهمية الفعل في تقريب الإنسان لله، ومن هنا جاءت أهمية الفضائل لأنها موجهة نحو العمل. وعن طريق فضيلة المحبة، بصورة خاصة، تتقرب المخلوقات البشرية من الله. ولهذا السبب تدعى فضيلة المحبة بملكة الفضائل. فالمحبة هي الفضيلة التي نحب الله بواسطتها فوق كل الأشياء من أجله هو، ونحب قريبنا كما نحب أنفسنا من أجل محبة الله. أولاً: الكتاب المقدس1) العهد القديم يُعرّف العهد القديم الكثير من الفضائل والرذائل، إلا أنه لا توجد في اللغة العبرية كلمة تعبّر عن المفهوم العام للفضيلة. وتستعمل الترجمة "السبعينية" للتوراة، وهي النسخة اليونانية للعهد القديم كلمة "أريتي" للدلالة على مفهوم الفضيلة، التي تعني حرفياً "ممتاز، شريف". وفيما بعد أخذت الكلمة، في الأوساط غير المسيحية، تفيد معان جديدة كالغنى والشهرة بالإضافة إلى الأخلاق الحسنة. بدأت الكلمة في المحيط الفلسفي اليوناني تأخذ معنى الفضيلة بمفهومها العادي وبدأت تؤثر في الفكر اليهودي. ففي سفر الحكمة تعني الكلمة السلوك الديني الأخلاقي للورعين (1:4، 13:5) والفضائل الرئيسية الأربع (7:8). ويوجد المفهوم العام للفضيلة في سفري المكابيين (2مك 28:10، 12:15) بمعنى الشجاعة والثبات والأمانة البطولية من جهة حفظ الإيمان في الحياة حتى الموت. ويجري الكتاب المقدس قوائم من الفضائل والرذائل التي هي في البداية عبارة فقط عن بيانات لزلات مادية وأعمال فردية، مثل الوصايا العشر (خر2:20-17، تث 6:5-21). ويقدّم أشعيا (2:11) قائمة من الفضائل التي هي مصدر الأسماء التقليدية لمواهب الروح القدس، وهي على وجه التخصيص، الحكمة، والفهم، والنصيحة وهلم جرا. وقد سبق وأن أشرنا إلى قائمة الفضائل الأربع الرئيسية في سفر الحكمة، الذي يحوي أيضاً قائمة من الرذائل (22:14-29). وتدلّ القوائم اللاحقة على تأثير علم الأخلاق اليوناني. ومن المعروف أنه بالنسبة إلى العهد القديم الرجل الفاضل هو ذلك الذي يبحث عن الله بكل قلبه طائعاً الإرادة الإلهية. فالرذيلة الأساسية اتّباع آلهة أخرى (تث 14:6) وخيانة العهد. وبمقتضى ما جاء في المزامير (حز 2:1، 31:37)، فإن قلب الإنسان الفاضل ملئ بشريعة الله (مز 2:1، 31:37)، بينما يقول الإنسان الأحمق أو الشرير في قلبه أنه لا يوجد إله (مز 1:14). 2) العهد الجديد يستعمل العهد الجديد كلمة "أريتي" للدلالة لا على فعل كريم من أفعال الله (1بط 9:2، 2بط 13:1)، وحسب بل على الفضيلة والاستقامة (فل 8:4، 2بط 5:1). ويعرض العهد الجديد بيانات عديدة للفضائل. فيتحدث بولس مثلاً عن تصميمه، وإخلاصه، وصبره، ومحبته، وتحمّله للاضطهاد والمعاناة (2طيم 10:3). انظر أيضاً (غل 22:5، قول 12:3-14، فل4 إلخ). وليست هذه الفضائل نتيجة السعي البشري بقدر ما هي ثمرة الروح وعطية من عند الله. ويحوي العهد الجديد أيضاً قوائم من الرذائل. وهكذا فإن بولس يكتب أن رذائل الوثنيين تشمل الحقد، والجشع، والضغينة، والحسد، والقتل، والتخاصم، والخداع، والمكر (روم 29:1-31). انظر أيضاً (1قور 9:6-10، 2قور 20:12). إن هذه القوائم تعكس التأثيرات اليهودية واليونانية. وفي العهدين القديم والجديد كليهما، تنبعث الفضيلة من القلب المليء بالمحبة (تث 5:6، 16:10، مر 30:12) وهكذا أيضاً تنبعث الرذائل من القلب وهي التي تجعل الإنسان نجساً (مت 19:15-20). ومن الضروري أن يُعاد خلقه بروح متجددة لكي يتطهر قلبه (مز 12:51). لقد بيّن المسيح لتلاميذه دور الروح في هذا التجدّد الداخلي (يو 26:14، 31:16). ثانياً: تعليم الكنيسةتؤكد الكنيسة وجود فضائل فائقة للطبيعة وطبيعية. ولا توجد الأولى إلا عن طريق الإفاضة، إذ أنها هبة مجانية من الله وهي مرتبطة بالضرورة بوجود النعمة المبررة. أما الفضائل الأخرى، بالمقابل فإمّا أن تكون ميولاً نحو فضائل معينة، التي يملكها الإنسان بالمزاج والوراثة، أو فضائل تكتسب بالمراس، أي بالأفعال المبتكرة. وتعلّمنا الكنيسة أن عبادة الله تتكون بصورة رئيسية من الفضائل الإلهية: الإيمان، والرجاء والمحبة. أوصى المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ببعض الفضائل للكهنة كطهارة القلب، والإخلاص، والقوة، ورباط الجأش، والبحث الحماسي عن العدالة، واللطف (حياة الكهنة-3). ولخلق إنسانية جديدة، دعا المجمع إلى تعهّد الفضائل الأخلاقية والاجتماعية. ومن خلال الأسرار وممارسة الفضائل تعمل الكنيسة كجماعة كهنوتية. ويجب على رجال الدين والراهبات أن يحرّكهم تفانيهم في خدمة الله لممارسة الفضائل، وخصوصاً التواضع، والطاعة، والشجاعة، والعفة (تجديد الحياة الرهبانية-5). وعلى العلمانيين أن يقدّروا تقديراً كبيراً الفضائل المتعلقة بالسلوك الاجتماعي، كالاستقامة، والعدالة، والإخلاص، والحنان، والشجاعة. وتُمارس رسالة العلمانيين بالإيمان، والرجاء، والمحبة التي يفيضها الروح القدس في قلوب أعضاء الكنيسة جميعهم (رسالة العلمانيين-4). ثالثاً: التفكير اللاهوتي1) طبيعة الفضائل: أ- ما هي الفضيلة: يعرّف البعض الفضيلة بأنها الاستعداد الدائم لسلوك طريق الخير. وبالنسبة للبعض الآخر هي حالة ثابتة تكمّل قوة النفس وتحوّلها إلى عمل. عمل الخير. وبالنسبة لغيرهم هي عادة صالحة أو صفة يكتسبها الإنسان تميل به إلى مزاولة الأعمال المطابقة لنظام الطبيعة، ومنطق العقل. بالنسبة لأفلاطون: الفضيلة هي العلم بالخير والعمل به. وأرسطو: الفضيلة هي الاستعداد الطبيعي أو المكتسب للقيام بالأفعال المطابقة للخير. وهي التي تجعل المرء وما يفعله صالحين. وأما بالنسبة لتوما الإكويني فلقد عالج موضوع الفضائل من وجهة نظر القوى المتعددة والطاقات الموجودة في الإنسان. ويعلّم الإكويني بأن كل قوة من القوى الكامنة في طبيعة الإنسان قابلة لاكتساب العادات المتنوعة. وتُسمى هذه القوى والطاقات بالملكات. وتتميز هذه بمقدار معين من الديمومة أو الاستقرار. وعندما تتوجّه الملكات نحو الخير الأخلاقي تُعرف بالفضائل. وعندما تتوجّه نحو الشر تُعرف بالرذائل. ب- العادة والفضيلة: ليست الفضيلة مجرد عادة. إن الفضيلة تقتضي في ممارستها تجدّداً حراً نابعاً من قصد داخلي وواقع عميق وحب للقيم الأخلاقية بينما العادة هي مجرد تكرار للعمل وتقتصر مراراً على المستوى الطبيعي الفيزيولوجي (عادة التدخين أو السكر مثلاً). إن الفضيلة غنى وجمال داخلي يشع في الأعمال الخارجية. والإنسان الفاضل لا يكتفي بما وصل إليه من الفضيلة بل يتطلع دائماً إلى آفاق أوسع. والجدير بالذكر أن الفضيلة الحقيقية تنبثق من غنى المحبة كما أنها، في الوقت ذاته، تزيد هذه المحبة. إن من يقول فضيلة يقول استمرارية وسهولة في العمل الجيد الذي ينبع من جودة الإنسان الفاضل الداخلية. إن الفضيلة تجنّد قوى النفس وتوجّه نشاطها نحو الخير. إن الفضيلة الحقيقية تفترض عند الإنسان موقفاً جيداً وأساسياً وعاماً، إنها طبيعة ثانية تحمل على السعي وراء الخير وتجنب الشر بطريقة شبه عفوية ودائمة في مختلف الظروف والأحوال. 2) الفضائل الطبيعية أ. فضائل مكتسبة: تُعتبر هذه الفضائل مكتسبة لأن الإنسان نفسه يكتسبها بجهوده الشخصية. وأن أعماله هي التي تقوّيها. فعلى سبيل المثال يكتسب الإنسان فضيلة الصدق الطبيعية ويقويها عن طريق المثابرة على قول الحق. إن ممارسة الفضائل الطبيعية تعكس متطلبات الشريعة الطبيعية. وتضفي الفضائل الطبيعية السهولة والسرور في العمل المتطابق. وهكذا فالشخص صاحب فضيلة الصدق يجد قول الصدق سهلاً وساراً. وحتى الخاطئ قد تكون لديه بعض الفضائل الطبيعية. وهكذا فإن الشخص قد يكون صادقاً تماماً رغم كونه سكيراً. ومع هذا فإن الفضائل الأخلاقية مرتبط بعضها ببعض بطريقة تجعل وجود إحداها يتطلب وجود الأخرى. وهكذا فإن غياب فضيلة يؤثر على وجود أخرى. فالمدمن على معاقرة المسكرات مثلاً قد يجد أنه يستحيل عليه أن يصبح صادقاً. ب. الفضائل الأدبية الرئيسية: هي فضائل يكتسبها الإنسان وتميل به إلى أن يُكيّف سلوكه مع الله، ومع نفسه، ومع المجتمع باستقامة. وهذه الفضائل هي: الفطنة، العدالة، القناعة والقوة. وهي تُدعى فضائل رئيسية (cardinal- من اللاتينية "كاردو"، محور)، لأن الفضائل الأخرى جميعها يمكن ترتيبها أو تصنيفها انطلاقاً منها. الفطنة موجودة في العقل، وهي تتيح للفرد أن يتعرّف على واجبه الأخلاقي ووسائل تحقيقه. أما العدالة فتكمن في الإرادة، وهي تميل بالإنسان إلى أن يعطي لكل ذي حق حقه. أما القوة فموجودة في الأحاسيس، وهي تمكّن الإنسان من مجابهة صعوبات هذه الحياة بثبات وخصوصاً الخوف من الموت. أما القناعة فموجودة في الرغبة الشهوانية وتمكّن الإنسان من إبقاء عواطفه ومشاعره تحت سيطرة العقل. ج. الفضائل الأدبية الأخرى: يعتبر بعض اللاهوتيين الفضائل الرئيسية من مقتضيات كل فضيلة أخرى. لذا يمكن تصنيف الفضائل الأدبية المتبقية جميعها تحت الفضائل الرئيسية. وهكذا فإن تلك الفضائل لممارسة فضيلة أساسية تسمى الأجزاء المكمّلة بالفضيلة الأساسية: فمثلاً الحرص والحذر هما جزءان مكمّلان لفضيلة الفطنة؛ أو الأجزاء المرتبطة: مثلاً التغلّب على المصاعب وعدم التراجع أمامها هما جزءان مرتبطان بفضيلة الشجاعة. وتُدعى الفضائل المرتبطة بالفضائل الرئيسية (كارتباط النوع بالجنس) بالأجزاء الذاتية لتلك الفضيلة. وهكذا فإن العدالة القانونية، أو العدالة الاجتماعية، والعدالة التبادلية التي تسود بين الأفراد هي أجزاء مرتبطة بفضيلة العدالة الأساسية. وأخيراً فإن الفضائل التي تملك بعض خصائص الفضيلة الأساسية، ولكن ليست جميعها، تدعى الأجزاء المحتملة للفضيلة. ففضيلتا التواضع واللطف مثلاً، هما أجزاء محتملة لفضيلة القناعة. د. حلّ وسط بين نقيضين: يُقال في اللاتينية Virtus in medio stat أن الفضيلة تكمن في الوسط (خير الأمور أوسطها). وبعبارة أخرى يُقاس العمل بالمعيار الذي يقرره العقل. أما العمل غير الفاضل، فإنه يخالف هذا المعيار بالإفراط أو النقص. وهكذا فإن الشخص المفرط إما أن يسرف في الطعام أكثر مما يجب، أو بأن يقلل أكثر مما يجب. وفي هذا المعنى تكمن الفضيلة في الوسط. أما فيما يتعلق بأمور العدالة فإن الوسط لا يعني المعيار الذي يقرره العقل فحسب، بل أيضاً تقرره المساواة (لا أكثر ولا أقل) الواجبة للشخص الآخر. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القلب العطوف - البابا شنودة الثالث
اليوم أود أن أحدثكم عن القلب العطوف المملوء بالحنان والرقة الذي يفيض إشفاقا علي كل أحد، حتي علي الذين لا يستحقون..! وحنو الإنسان علي غيره، قد يشمل الكائنات جميع، فيحنو علي العصفور المسكين، وعلي الزهرة الذابلة، وعلي الشجرة العطشي إلي الماء. ويحنو علي الحيوان الضعيف الخائف من وحش يفترسه! ** وقد يكون الحنو في نواح مادية أو جسدية. كما يكون في نواح نفسية أو معنوية. وخلاصة الأمر أن القلب العطوف يفيض بحنانه في كل المجالات وعلي الكل. فيشفق علي الفقير المحتاج، وعلي المريض المتألم. كما يشفق علي اليائس المتعب نفسي، وعلي الخاطئ الساقط المحتاج إلي من يأخذ بيده ويقيمه. ** والحنان ليس مجرد عاطفة في القلب، وإنما القلب العطوف تتحول فيه العاطفة إلي عمل جاد من أجل إراحة الغير. ذلك لأن الحنان النظري هو حنان قاصر ناقص، يلزمه إثبات وجوده بالعمل. فهو لا يحنو بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق. ** القلب العطوف يجول يصنع الخير. ولا يقول عن الساقطين الخاطئين إنهم لا يستحقون، بل يري بالحري، أنهم يحتاجون. أليس أن الله ـ تبارك اسمه ـ وهو في علو قداسته، نراه يشفق علينا، ونحن في عمق خطايانا. وهكذا يستر ولا يكشف! وكم من أناس غطسوا في الشر، فلم يكشفهم ولم يفضحهم، ولم يشأ أن يعلن مساوئهم للناس. لأنهم لو انكشفوا لضاعوا، وانسد أمامهم الطريق إلي التوبة بعد فقدهم ثقة الناس..! ** لذلك فإن القلب العطوف لا يتحدث عن أخطاء الناس، ولا يشهر بها، ولا يقسو في الحكم عليها. بل قد يجد أحيانا لهم عذر، أو يخفف من المسئولية الواقعة عليهم. وإن قابلهم، لا يفقد توقيره لهم، معطيا إياهم فرصة لإصلاح وضعهم. بل إنه قد يضحي بنفسه من أجلهم، ويحمل بعض المسئولية عوضا عنهم! قال أحد القديسين إن لم تستطع أن تمنع من يتكلم علي الغير بالسوء، فعلي الأقل لا تتكلم أنت. وقال أيضا إن لم تستطع أن تحمل خطايا الناس وتنسبها إلي نفسك لتنقذهم، فعلي الأقل لا تستذنبهم وتنشر خطاياهم.. ** إن القلب العطوف يعيش في مشاعر الناس: يتصور نفسه في مكانهم، ولا يجرح أحدا. ويبرهن علي نقاوة قلبه بعطفه علي الكل.. وهو يعرف أن الطبيعة البشرية حافلة بالضعفات. وربما أقوي الناس تكون في حياته أيضا ثغرات. لذلك فإن القلب العطوف ينظر إلي الناس في حنو، حتي في سقوطهم أيضا! وبهذا كان أقوي المرشدين الروحيين هم الذين يفهمون النفس البشرية، ولا يقسون عليها في ضعفاتها.. ** إن القلب العطوف، لا يعامل الناس بالعدل المطلق مجرد، بل يخلط بالعدل كثيرا من الرحمة. ولا يزن بميزان عدل جاف حرفي يطبق فيه النصوص. بل أيضا يقدر الظروف المحيطة، سواء كانت عوامل نفسية أو وراثية أو تربوية أو عوامل اجتماعية.. أما الذي يصب اللعنات علي كل مخطئ، دون أن يقدر ظروفه أو يفحص حالته، فإنه قلب لا يرحم.. ** أيضا القلب العطوف دائما يعطي.. وهو يعطي في حب، وباستمرار، ودون أن يطلب منه، بل بدافع داخلي.. إنه دائم التفكير في احتياجات الناس ليقوم به، دون أن يقولوا له. ** هذا القلب العطوف يريد أن يريح الناس وأن يسعدهم. وإن وضعت في يده مسئولية، يستخدمها لراحة الناس. وإن وهبه الله ثروة أو سلطة أو أية إمكانية، فإنه يستخدمها أيضا لأجل راحة الناس، كل الناس. ** والقلب العطوف لا يستطيع أن ينام، إن عرف أن هناك شخصا في تعب أو احتياج. بل يظل يفكر ماذا تراه يفعل لأجله. لذلك كان من المستحيل علي مثل هذا القلب أن يؤذي أحد، لأنه يتألم لآلام الناس أكثر من تألمهم هم.. ** والقلب العطوف يعطي من حبه وليس من مجرد جيبه، ويشعر الآخذين من عطائه أنه إنسان محب، وليس مجرد محسن. وهو يعطي الكل. ولا يقتصر علي الأصدقاء والأحباء وذوي القربي أو إخوته في الدين والمذهب، بل هو يريح الجميع. ** وهو يعطي بكور إيراداته، أي أوائل ما يصل إليه لكي يبارك الله الكل. يعطي المرتب الأول الذي يتقاضاه، والعلاوة الأولي، وأول ما يصل إليه من إيراد. فالجراح مثلا يعطي أجر أول عملية يجريها. والطبيب يعطي أجر أول كشف. والمدرس يعطي أجر أول درس خصوصي. والصانع يقدم أجر أول عمل يقوم به. والزارع يعطي أول حصيد أرضه، وأول ثمر شجره. كل ذلك يقدم عطية للمحتاجين والمعوزين.. ** وأجمل ما في العطاء أن يعطي الإنسان من أعوازه ليسد احتياج غيره. وفي هذا منتهي الحب والحنو. لأن فيه تزول الذاتية، وتحل محلها محبة الغير، بل تفضيل الغير علي المعطي نفسه. وفي كل هذ، يشعر القلب العطوف بأنه إنما يعطي من مال الله لعيال الله، دون أي فضل من جهته! وكيف ذلك؟ في الواقع إننا لا نعطي شيئا من مالنا، بل من الله الذي أعطانا ما نعطيه، وأعطانا أيضا موهبة العطاء. فكل شيء نملكه هو ملك لله. ونحن مجرد وكلاء علي ما عندنا من مال، قد استودعنا الله إياه لكي ننفق منه علي وجهات الخير، وهو الذي يعطي القلب العطوف ما فيه من عطف وإشفاق |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العطاء ( الصدقة)
http://www.peregabriel.com/gm/albums...mily0115~1.jpg عندما تكلم السيد المسيح - فى العظة على الجبل- عن ثلاثى الصلاة والصوم والصدقة اختار الصدقة أولاً قائلاً " اخترزوا أن تضعوا صدقتكم قدام الناس لكى ينظروكم"(1).ـ والعطاء بمفهومه الواسع ليس هو عطاء المال فقط، ولكنه يشمل عطاء كل شئ .. عطاء فى الحب .. عطاء فى الخدمة .. عطاء حتى البذل لذلك يقول بولس الرسول فى سفر الأعمال "فى كل شئ أريتكم أنه هكذا ينبغى أنكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ"(2).ـ والعطاء قديم، فنسمع عن إبراهيم أبو الآباء أنه أعطى ملكى صادق ملك ساليم كاهن الله العلى "عشراً من كل شئ"(3).. مع أن فريضة العشور لم تكن قد عُرفت بعد. وفى سفر ملاخى يوبخ الله إسرائيل قائلاً "من أيام آبائكم حدتم عن فرائضى ولم تحفظوها ارجعوا إلى أرجع إليكم قال رب الجنود فقلتم بماذا نرجع. أيسلب الانسان الله فإنكم سلبتمونى فقلتم بم سلبناك فى العشور والتقدمة. قد لعنتم لعنا وإيا أنتم سـالبون هذه الأمة كلها. هاتوا جميع العشـور إلى الخزنة ليكون فى بيتى طعام وجربونى بهذا قال رب الجنود إن كنت لا أفتح لكم كوى السـموات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع. وانتهر من أجلكم الأكل فلا يفسـد لكم ثمر الأرض ولا يعقر لكم الكرم فى الحقل قال رب الجنود"(4).ـ ومن النص السابق نلاحظ أن الله اعتبر عدم دفع العشور سلب لله نفسه ويريد أن يتوفر الطعام لإخوة الرب باستمرار. وهذا يوضح لنا أن الله قصد من دفع العشور أن يؤكد المحبة بين قلوب الناس جميعاً .. وأن يهتموا بعضهم لبعض اهتماماً واحداً. (1)- (مت6: 1). (2)- (أع20: 35). (3)- (تك14: 20). (4)- (ملا3: 7- 11) وللتحلى بفضيلة العطاء حاول تطبيق التدريبات الآتية: ـ 1- يجب أن تعرف أن الخير الذى عندك هو من الله وأنت مجرد وكيل عليه، وسيحاسبك الله فى يوم الدينونة كيف صرفته ؟ وداود النبى يقول للرب "الغنى والكرامة من لدنك وأنت تتسلط على الجميع .. والآن يا إلهنا نحمدك ونسبح اسمك الجليل .. ولكن من أنا ومن هو شعبى حتى نستطيع أن ننتدب هكذا لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك"(1).ـ والمثل الذى قاله السيد المسيح يوضح هذه الحقيقة "و كأنما إنسان مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله. فأعطى واحداً خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنـة كل واحد على قدر طاقته وسـافر للوقت. فمضى الذى أخـذ الخمـس وزنات وتاجر بها فربح خمـس وزنات أخـر. وهكذا الذى أخـذ الوزنتين ربح أيضاً وزنتين أخريين. وأما الذى أخذ الوزنة فمضى وحفر فى الأرض واخفى فضة سيده. وبعد زمان طويل أتى سيد أولئك العبيد وحاسبهم. فجاء الذى أخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات أخر قائلاً يا سيد خمس وزنات سلمتنى هوذا خمس وزنات أخـر ربحتها فوقها. فقال له سـيده نعماً أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينا فى القليل فأقيمك على الكثير أدخل إلى فرح سيدك"(2).ـ أما صاحب الوزنة الواحدة فقال له " فأجاب سيده وقال له أيها العبد الشرير والكسلان عرفت أنى أحصـد حيث لـم أزرع وأجمع من حيث لم أبذر. فكان ينبغى أن تضع فضتى عند الصيارفة فعند مجيئى كنت أخذ الذى لى مع ربا. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذى له العشر وزنات. لأن كل من له يعطى فيزداد ومن ليس له فالذى عنده يؤخذ منه. والعبد البطال إطرحوه إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان"(3).ـ ـ لذلك قال رب المجد "إصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم (العشور) حتى إذا فنيتم يقبلونكم فى المظال الأبدية. الأمين فى القليل أمين أيضاً فى الكثير"(4) (1)- (1أى29: 12، 13). (2)- (مت25: 14- 21). (3)- (مت25: 26- 30). (4)- (لو16: 9، 10). وقال لهم أيضاً "لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون بل إكنزوا لكم كنوزاً فى السماء"(1). وذلك بالتصدق على الفقراء والمساكين. ـ 2- لا تنسى أن العشور هو الحد الأدنى للعطاء، فهناك البكور والنذور. ورب المجد قال "إن لم يزد بركـم على الكتبـة والفريسيين لن تدخـل ملكوت السموات"(2).ـ ـ 3- يجب أن يكون بفرح وسرور، وليس عن اضطرار كما يقول بولس الرسول "من يزرع بالبركات فبالبركات يحصد. كل واحد كما ينوى بقلبه. ليس عن خوف أو اضطرار لأن المعطى المسرور يحبه الله"(3).ـ ـ 4- يجب أن يكون العطاء أيضاً بسخاء كقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "أن يصنعوا صلاحاً وأن يكونوا أغنياء فى أعمال صالحة. وأن يكونوا أسخياء فى العطاء كرماء فى التوزيع مدخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل لكى يمسكوا الحياة الأبدية"(4).ـ ـ ويتكلم بولس الرسول لأهل رومية قائلاً "المعطى فبسخاء. المدبر فباجتهاد. الراحم فبسرور"(5).ـ ويقول المسيح له المجد "اعطوا تعطوا كيلاً ملبداً مهزوزاً فائضاً يعطون فى أحضانكم لأنه بنفس الكيل الذى به تكيلون يكال لكم"(6).ـ ـ 5- والسؤال هنا هل أعط كل واحد يسألنى، فإن هناك أناس غير محتاجين يطلبون صدقة، والسيد المسيح يرد على هذا السؤال قائلاً "كل من سألك فاعطه .. ومن أخذ الذى لك فلا تطالبه وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم فأى فضل لكم فإن الخطاة أيضاً يقرضون الخطاة لكى يستردوا منهم المثل اقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بنى العلى فإنه منعم (1)- (مت6: 19). (2)- (مت5: 20). (3)- (2كو9: 6، 7). (4)- (1تى6: 18، 19). (5)- (رو12: 18). (6)- (لو6: 38). على غير الشاكرين والأشرار"(1). ـ ويقول أيضاً رب المجد "ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً. ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين. ومن سألك فأعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده"(2).ـ ـ 6- مدح رب المجـد الأرملة الفقيرة التى أعطت كل أعوازها .. وتطلع (المسيح) فرأى الأغنياء يلقون قرابينهم فى الخزانة .. ورأى أيضاً أرملة مسكينة ألقت أكثر من الجميع لأن هؤلاء من فضلتهم ألقوا فى قرابين الله وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل المعيشة التى لها(3).ـ لذلك يطوب الرب الرجل الذى يعطى أمواله للمساكين فيقول "سعيد هو الرجل الذى يترأف ويقرض .. يدبر أموره بالحق .. الصديق يكون لذكر أبدى لا يخش من خبر السوء قلبه ثابت متكلاً على الرب .. فرق أعطى المساكين بره قائم إلى الأبد"(4).ـ ويقول سليمان الحكيم " من يعطى الفقير لا يحتاج ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة"(5).ـ ـ 7- عندما تكلم السيد المسيح عن الصدقة قال "أما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكى تكون صدقتك فى الخفاء. فأبوك الذى فى الذى يرى فى الخفاء هو يجازيك علانية"(6).ـ كنت أعرف رجلاً خيراً يطبق قول السيد المسيح بالحرف الواحد فيضع نقوده فى جيبه، وعندما يأتيه فقير يسأل صدقة كان يضع يده فى جيبه ويخرج النقود ويعطيه دون أن يعّدها أو يعرف ما دفعه. ـ 8- هناك أيضاً أناس طبقوا وصية المسيح بالحرف الواحد التى تقول "لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سـر أن يعطيكم الملكوت. بيعوا ما لكم ـ (1)- (لو6: 30- 34). (2)- (مت5: 40- 42). (3)- (لو21: 1- ـ 4).ـ ـ (4)- (مز112: 5- 9). (5)- (أم28: 27). (6)- (مت6: 3، ـ 4).ـ المرأة التى أعطت كل أعوازها واعطوا صدقة اعملوا لكم أكياساً لا تفنى وكنزاً فى السموات حيث لا يقرب سارق ولا يبلى سوس لأنه حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضاً"(1).ـ أمثال هؤلاء : الأنبا أنطونيوس أب الرهبان الذى كان يملك ثلاثمائة فدان من أجود أراضى الصعيد، فباعها ووزعها على الفقراء بعد أن ترك لاخته نصيبها وأودعها أحد أديرة البنات .. وعاش الأنبا أنطونيوس فى الصحراء الشرقية يأكل البلح ويشرب الماء فقط. وأيضاً الأنبا بولا الذى ترك ميراثه لأخيه وذهب وسكن فى البرية، وكان يعوله غراب مرسل من الله كل يوم بنصف رغيف خبز فقط. أما الذى رفض تطبيق الوصية كان شاباً غنياً، ذهب إلى المسيح يطلب أن يرث الحياة الأبدية فلما سأله المسيح عن الوصايا "قال هذه كلها حفظتها منذ حداثتى فلما سمع يسوع ذلك قال له يعوزك أيضاً شئ. بع كل مالك ووزع على الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى فلما سمع حزن لأنه كان غنياً جداً فلما رآه يسوع قد حزن قال ما أعسر دخول ذوى الأموال إلى ملكوت الله"(2).ـ ـ 9- الله يقبل الصلوات والصدقات حتى من غير المؤمنين وذكر لنا سفر الأمثال عن كرنيليوس قائد المائة الذى ظهر له ملاك يخبره قائلاً "صلواتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام الله"(3).ـ ـ 10- ضع أمام عينيك رب المجد يسوع الذى أعطى الناس خيرات كثيرة أكثر مما يتوقعون .. ليست عطايا مادية فقط بل عطايا روحية أيضاً مثل مواهب الروح القدس فيقول بولس الرسول "إذ صعد إلى العلا سبى سبياً وأعطى الناس عطايا"(4).ـ ويقول أيضاً "لأنه بخطية الواحـد قد ملك الموت فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون فى الحياة بالواحد يسوع المسيح"(5).ـ (1)-(لو12: 33، 34). (2)- (لو18: 19- 24). (3)- (أع10: 4).ـ ـ (4)- (أف4: 8). (5)- (رو5: 17).ـ الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في بناء فضائل النفس و الانسجام فيما بينها القديس دورثاوس أسقف غزة 149. يقول الكتاب عن القابلات اللواتي كنّ يحـافظـن علـى حيـاة الذكـور الإسرائيليين: بمخافتهن لله صنعن بيوتاً (خر 1 : 21). هل هي بيوت مادية؟ وكيف يمكن لنا القول أنّهن بنين مثل هذه البيوت بمخافتهن لله؟ بينما يقال لنا على عكس ذلك، إنه من الأفضل لنا أن نتخلى بمخافة الله حتى عمّا نملكه (متى 19 : 29). إذاً ليست هي بيوتاً مادية، بل بيت النفس الذي نبنيه بحفظنا وصايا الله. بهذه الكلمة يعلمنا الكتاب أن مخافة الله هي التي تؤهل النفس أن تحفظ الوصايا، وبهذه الوصايا يُشيّد بيت النفس. لنسهر إذاً على أنفسنا أيها الإخوة، ونحن أيضاً لنتخذ مخافة الله، ونبن بيوتاً نجد فيها ملجأً في أوان الشدة، في الشتاء مع وجود برق ورعد، لأن الفصل الشديد يمسي شقاء كبيراً للذي لا منزلَ له. 150. ولكن كيف يشيّد بيت النفس؟ يمكن أن نتعلّم هذا بدقة من خلال البيت المادي. الذي يريد أن يبني هذا البيت عليه أن يؤمّن عليه من كل جانب، لذا يرفعه من الجوانب الأربعة، وليس من واحد فقط مهملاً الجوانب الثلاثة الأخرى. وإلا فإنه لا يستطيع أن يصل إلى شيء بل يضيع تعبه، ومصاريفه تصبح كلها باطلة. هكذا يحصل مع النفس. يجب على الإنسان أن لا يهمل أي عنصر من عناصر البناء، بل يهتم بإقامته بشكل متساوي الأطراف متناسق الجوانب. هذا ما يقوله الأب يوحنا: أود لو يأخذ الإنسان شيئاً من كل فضيلة، وأن لا يتمسّك كما يفعل البعض بفضيلة واحدة ويستقر عليها دون أن يمارس سواها مهملاً الفضائل الأخرى?. ويمكن لهم أن يتميّزوا بفضيلة واحدة ومن ثم لا يتضايقون من الهوى المعاكس لهذه الفضيلة. لكنّ الأهواء الأخرى تعتريهم، وتطغي عليهم، وهم لا يهتمون بها متصورين أن عندهم شيئاً كبيراً. يشبهون إنساناً بنى حائطاً وحيداً، ورفعه عالياً، ثم أخذ يتطلع إلى علوّه ظاناً أنه قد قام بعمل عظيم، دون أن يعلم أن أول ريح يمكنها أن تسقط البيت. وهذا لأنه يرتفع وحده دون أن يستند إلى جدران أخرى. ولا يصلح الحائط الوحيد أن يكون ملجأ لأننا سوف نجد أنفسنا في العراء من الجوانب الأخرى. لذا علينا أن لا نتصرف هكذا، بل من أراد يبني بيتاً يكون له ملجأ عليه أن يشيده و يؤمن مَن عليه من كل الجوانب. 151. وإليكم الطريقة: أوّلاً أن يضع الأساس وهو الإيمان لأنه بدون إيمان لا يمكن إرضاء الله(عبر 11 : 6). وعلى هذا الأساس يشيد بيتاً متناسقاً. هل له ظرف يطيع فيه؟ فليضع حجراً للطاعة. هل أغاظه أحد الإخوة؟ ليضع حجراً للصبر. هل له أن يمارس العفة؟ فليضع حجراً لها. هكذا أمام كل فضيلة تظهر أمامه، عليه أن يضع حجراً منها في بنائه، وهكذا يرتفع البناء من كل جانب بحجر الرأفة، بحجر قطع الإرادة، بحجر الوداعة وسواها من الحجارة . . . وعليه أن يهتم خاصة بالثبات والجرأة اللذين هما حجرا الزاوية: لأنها هي التي تجعل البناء متيناً، تجمع الجدران فيما بينها وتمنعها أن تُلوى وتتضعضع. بدونها لا نستطيع أن نتمم أية فضيلة. لأن النفس بدون أية جرأة (الشجاعة) لا تثبت، وبدون ثبات (المثابرة) لا يقوم أي شيء حسن. لذلك يقول السيّد: بثباتكم تقتنون نفوسكم (لوقا 21 : 19). وعلى الباني أن يضع كل حجر على الطين، لأنه إن وضع الحجارة على بعضها البعض بدون طين تتزعزع ويسقط البيت. والطين هو التواضع لأنه مصنوع من تراب يدوسه الجميع. فضيلة بدون تواضع ليست فضيلة. وكما يقول كتاب أقوال الآباء الشيوخ: كما لا نستطيع أن نشيد سفينة بدون مسامير هكذا لا نستطيع أن نخلص بدون تواضع. لذا علينا ــــــ إن فعلنا أمراً صالحاً ــــــ أن نفعله بتواضع لكي يتوطّد عن طريق التواضع. وعلى البيت أن تكون له وصلات، وهي التمييز (الحكمة والإفراز) الذي يقوّم البيت ويجمع الحجارة فيما بينها، يدعم البناء ويعطيه في آن واحد منظراً لائقاً. سقف البيت هو المحبة التي هي كمال الفضائل كما أن السقف هو كمال البيت (كولسي 3 : 14). بعد السقف يأتي سور السطح. ما هو هذا السور؟ لقد كُتب إذا بنيت بيتاً جديداً وشيدت له سطحاً فاصنع سوراً لسطحك لئلا يسقط عنه أحد من أولادك الصغار(تث 22 :8). السور هو التواضع الذي هو إكليل الفضائل وحافظها. كل فضيلة يجب أن ترافقها فضيلة التواضع. كما أن كل حجر كما قلنا موضوع على طين هكذا يحتاج كمال الفضيلة إلى التواضع. لأن القديسين استخدموه سبيلاً طبيعياً لكي يصلوا إلى التواضع. وأقول لكم دائماً: كلما اقترب الإنسان من الله عرف نفسه خاطئاً. أمّا هؤلاء الأطفال الذين قد يسقطون من سقف البيت فهم الأفكار الصالحة، التي تولد في النفس ويجب علينا أن نحافظ عليها بالتواضع، حتى لا تسقط من السطح أي من كمال الفضائل. 152. ها هو البيت قد اكتمل. عنده رباطات، عنده سقف وأخيراً عنده سور. هكذا أصبح البيت كاملاً. ترى ألم يعد ينقصه شيء؟ نعم لأننا نسينا شيئاً وما هو؟ أن يكون الباني حاذقاً. وإلا كان البناء غير مستقيم تماماً إلى أن يأتي يوم نراه فيه مهدماً على الأرض. الباني الحاذق هو الذي يعمل بمعرفة، يمكن لنا في الواقع أن نبدأ بعمل الفضيلة، ولكن كوننا لا نعملٍ بمعرفة يضيع تعبنا أو نبقى مشتتين لا نحظى بكيفية إتمام عملنا. نضع حجراً وننزعه أو أننا نضع حجراً واحداً وننزع اثنين. مثلاً يأتي أحد الإخوة ويقول لك كلمة غير لائقة أو مؤذية. وأنت تصمت وتعمل له مطانية (أي سجدة). هكذا فإنك تضع حجراً. وبعدها تقول لأخ آخر: أساء فلان إليَّ وقال لي كذا وكذا وأنا لم أكتف بالصمت بل فعلت له سجدة هكذا فإنك تكون قد وضعت حجراً، والآن أنت تنزع اثنين. ويمكن لنا أن نفعل مطانية رغبة في المديح وهكذا يقترن التواضع بالمجد الباطل. هذا ما يعني بالقول إننا وضعنا حجراً واحداً ونزعنا اثنين. الذي يعمل مطانية بمعرفة يؤمن حقاً أنه ارتكب خطأ. وهو مقتنع تماماً أنه هو سبب الشر. هذا ما يعني بالقول أننا قد صنعنا سجدة بمعرفة. وآخر يمارس الصمت ولكن بدون معرفة لأنه يعتقد أنه يعمل عملاً فاضلاً. لكنه لم يفعل شيئاً البتة. الذي يصمت بمعرفة يحسب نفسه غير مستحق للكلام كما يقول الآباء؛ وهذا هو الصمت الممارس بمعرفة. وآخر لا يعتبر نفسه كثيرٍاً، لكنه يعتقد أنه يفعل شيئاً عظيماً عندما يتواضع. أنه لا يعلم أنه لا يفعل شيئاً لأنه لا يتصرف بمعرفة. الذي لا يعتبر نفسه كثيراً بمعرفة هو الذي يحسب نفسه وكأنه لا شيء، غير مستحق أن يُعَدّ بين البشر كما كان الأب موسى يقول عن نفسه: يا عبد السوء أنت لست بإنسان فكيف تقيم بين الناس؟. 153. إليكم مثلاً آخر: إنسان يخدم مريضاً ويرجو منه أجراً. هذا أيضاً ليس عملاً بمعرفة. إن حدث وحصل له إساءة يتخلى للحال عن عمله المحسن ولا يعود يتممه بخير، لأنه لم يكن يقيم عمله بمعرفة. على العكس الذي يخدم مريضاً بمعرفة، يعمل في سبيل الحصول على الرأفة وعلى أحضان الرحمة. إن كان له مثل هذا الهدف عند ذلك يمكن أن تأتيه تجربة من الخارج، أن لا يتحمله المريض مثلاً بينما هو يصبر عليه وبدون اضطراب منتبهاً إلى هدفه، وعالماً أن المريض يصنع له خيراً أكثر مما يصنعه هو بالمريض. الحق أقول لكم كل مَن خدم مريضاً بمعرفة يرتاح من الأهواء والتجارب. لقد عرفت أخاً يتعذب بسبب رغبة دنيئة وقد تحرّر من عذابه لأنه خدم مريضاً مصاباً بالديزنتارية. ويحدثنا إفاغريوس عن أخ يضطرب من جراء أوهام ليلية،وقد تحرّر منها بواسطة شيخ كبير أرشده إلى خدمة المرضى مقترنة بالصوم. وعندما سأله أحد الإخوة عن سبب ذلك أجاب: لا شيء يطفئ مثل هذه الأهواء أكثر من الرحمة. من يتنسك بدافع المجد الباطل، أو لأنه يُخيّل إليه أنه يمارس الفضيلة، ذاك أيضاً لا يعمل بمعرفة. من هنا ينتج أنه يبدأ في ازدراء أخيه معتبراً نفسه وكأنه شيء. لا لأنه يضع حجراً وينزع اثنين فقط بل لأنه بإدانته لأخيه يخشى أن يسقط الحائط بكاملة. الذي يتقشف بمعرفة، هذا لا يعتبر نفسه فاضلاً ولا يُفتّش أن يُمدح كناسك لكنه بالتقشف يرجو اكتساب الحكمة ومنها يتوصّل إلى التواضع، لأن طريق التواضع، كما يقول الآباء، تكمن في الأتعاب الجسدية المحققة بمعرفة . . . بكلمة، علينا أن نمارس كل فضيلة بشكل يسمح لنا باكتسابها وبتحويلها إلى عادة. عندئذ نكون ـــــ كما قلنا ـــــ كالباني الحاذق والجيد الذي يستطيع أن يبني بيته بنياناً متيناً. 154. كل من يريد أن يصل بمعونة الله إلى هذه الحالة من الكمال لا يقول: الفضائل عظيمة لكنني لا أستطيع أن أصل إليها?. الكلام هذا يشبه قول الذي لا يرجو معونة الله؛ ولا يود أن يعمل أي صلاح. تفحصوا في إحدى الفضائل، ترون أن إكتسابها يعود إلينا إن نحن أردنا. مثـلاً يقـول الكتـاب: أحبب قريبك كنفسك (لاويين 19 : 18) لا تتطلع كم أنت بعيد عن هذه الفضيلة و لا تخـشـى قائـلاً: كيف أستطيع أن أحب القريب كنفسي؟ كيف أهتم بآلامه وكأنها آلامي أنا، تلك التي هي مخفية في قلبه والتي لا أراها ولا أعرفها كما أعرف آلامي؟?. أقول لك لا تغذّي مثل هذه الأفكار، ولا تتصور أن الفضيلة صعبة المنال. ابدأ دائماً بالعمل وضع ثقتك بالله وبيّن له رغبتك ونشاطك وسوف ترى العون الذي سيوفر لك بغية النجاح. واليك هذا المثل: افترض أن لديك سلّميين، الواحدة منتصبة نحو السماء والأخرى هابطة نحو الجحيم. وأنت على الأرض بين الاثنين. لا تقل: كيف أطير عن الأرض وأصل دفعة واحدة على ما هو في أعلى السلّم؟. إن هذا القول لمستحيل، والله لا يطلبه منك. بل أنتبه هنا على الأقل من أن لا تنزل أسفل إلى تحت لا تؤذي قريبك، لا تجرحه، لا تتكلم ضدّه، لا تهنه، ولا تزدرٍه، ثم حاول أن تفعل شيئاً من الخير بتعزية أخيك بكلمة، بتحننك عليه ملبياً إحدى حاجيّاته. لأنه بقدر ما تساعد قريبك تتوصل إلى أعلى السلم، إلى العمل من أجل فائدته وصلاحه، كمثل فائدتك وصلاحك. وهذا هو تفسير القول: أحبب قريبك كنفسك. وإن طلبنا وجدنا وإن التجأنا إلي الله أنارنا. لأن السيد يقول في الإنجيل اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم (متى 7 : 7) (لوقا 11 : 9). يقول اسألوا لكي نتوسّل في الصلاة و اطلبوا أي ابحثوا عن كيفية الوصول إلى هذه الفضيلة، ترى ما الذي يجلبها إلينا، ماذا نعمل لاكتسابها؟. هذا الفحص اليومي هو الذي يحقق القول: اطلبوا تجدوا. أخيراً اقرعوا أي اعملوا الوصايا لأننا نقرع بأيدينا والأيدي تعني العمل بها. إذاً لا نكتفي بالسؤال بل علينا أن نطلـب ونعمـل مجتـهـدين في أن نكـون كمـا يقول الرسول: مستعدين لكل عمل صالح . . . (2 تيمو 3 : 17). إذاً ماذا نقول؟ إن أراد أحد أن يبني سفينة فهو يهيّئ كل ما هو بحاجة إليه من أصغر المسامير والقطع الخشبية حتى الزفت والكتان. كذلك إن أرادت المرأة أن تصنع مهارة ما، فهي تهيئ حتى الإبرة الصغيرة والخيط الرفيع. والاستعداد لكل عمل صالح، هذا هو بالضبط أن نعد كل ما هو ضروري للقيام بهذا العمل. 155. لكن نحن أيضاً مستعدين لكل عمل صالح، مستعدين بالكلية أن نتمم مشيئة الله بمعرفة كما يريد هو ويشاء وبحسب رغبته. يقول الرسول: كل ما يراه الله حسناً، كل ما يسرّه، كل ما هو كامل(رومية 12 : 2). ما معنى ذلك؟ كل شيء يحصل إمّا بسماح من الله وإمّا بمسرّته كما يقول النبي: أنا هو الله مبدع النور وخالق الظلمة (إشعياء 45 : 7)، وأيضاً: أيكون في المدينة شر ولم يفعله الرب(عاموس 3 : 6). والشر هنا هو المصائب كلها أي المصائب التي تحصل من أجل تأديبنا وبسبب خطيئتنا: الجوع، الطاعون، الجفاف، الأمراض، الحروب. هذه البلايا لا تحصل بموجب مسرّة الله بل بسماح منه. وهو يسمح أن نبلى بها من أجل فائدتنا. والله لا يريد أن نسعى وراءها ونساهم فيها. إن سمح الله مثلاً بهدم إحدى المدن فهو لا يريد أن نسرع ونشعل فيها النار ونحرقها. ولا أن نأخذ الفأس ونهدمها. إن سمح الله بعذاب أحد الإخوة أو بمرضه فهو لا يريد أن نعذبه بأنفسنا ونقول له: بما أن إرادة الله هي التي جعلته مريضاً فلا يجدر بنا أن نصنع له رحمة. الله لا يريد ذلك منا، لا يريدنا أن نساهم في إرادته عندما تكون على هذا المنوال. فهو يريد منا أن نكون صالحين، حينما يفعل شيئاً لا يريدنا أن نفعله. إذاً إلى أين يريد أن نوجه إرادتنا؟ إلى ما يريده من الصلاح، لكل ما يوافق مسرّته أي إرادته الحسنة، لكل ما يوافق إحدى الوصايا: أن نحب بعضنا بعضاً، أن نكون رحماء، أن نعمل الإحسان . . . هذا ما يفسّر القول: الله يريد كل شيء حسناً. وكيف نفهم أيضاً العبارة: كل ما يسرّه. حتى وإن عملنا عملاً صالحاً نحن لا نعمل بالضرورة ما يسرّ الله. وإليكم السبب. هناك إنسان مثلاً يلتقي بصبية يتيمة وجميلة. يعجب بجمالها. يأخذها ويربيها كيتيمة. هذا ما يريده الله وهو حسن. لكنه لا يسرّ الله. ما يسره هو الإحسان المعمول لا بفكر بشري بل من أجل الخير في حد ذاته وبدافع الرحمة هذا ما يسرّ الله. وأخيراً ما هو كامل هو الإحسان المعمول به بدون حساب، بدون تباطؤ وبرودة بل بكل قوة، ومن أعماق القلب. هو أن نعطي وكأننا نأخذ، نحسن وكأنه يُحسن إلينا. هذا هو المقصود بالعبـارة ?ما هو كامل?. نعمل كما يقول الرسول: كل ما يراه الله حسناً، كل ما يسره، كل ما هو كامل. وهكذا نكون قد عملنا بمعرفة. 156. علينا أن نعرف خير الإحسان وفضيلته. إنه عظيم وله حتى القدرة على رفع الخطايا حسب قول النبي: فداء نفس الإنسان غناه الخاص (أمثال 13 : 8). افتدِ خطاياك بالإحسان (دانيال 4 : 24). والرب قال: كونوا رحماء كما أن أباكم الذي في السماوات رحوم (لوقا 6 : 36). لم يقل صوموا كما يصوم أبوكم ولا كونوا فقراء كما أن أباكم فقير، بل قال: كونوا رحماء كما أن أباكم الذي في السماوات رحوم. هذه هي الفضيلة التي تتشبه بالله بصورة خاصة. هي شيء خاص بالله لذا علينا كما قلنا سابقاً أن نضع هذا الهدف نصب أعيننا وأن نعمل الإحسان بمعرفة. لأنه يوجد نوع كبير من المبررات في عمل الإحسان. الواحد يمارسه لكي يبارك حقله، والله يبارك الحقل . الثاني من أجل خلاص سفينته والله ينقذ سفينته. الآخر من أجل أولاده والله يحفظ كل واحد منهم. وآخر أيضا لتكريم نفسه والله يكرّمه. الله لا يرفض أحداً بل يعطي كل واحد ما يريد شرط أن لا يؤذي نفسه، لكن هؤلاء نالوا أجرتهم ولم يحفظوا شيئاً لدي الله. إذ إن الهدف المتوخي لم يكن صلاح النفس. لقد عملت الإحسان لكي يبارك حقلك؟ لقد باركه الله. وأنت فعلت الإحسان من أجل أولادك؟ لقد حفظهم الله. وأنت لكي تكرّم؟ فكرّمك الله. ماذا يبقى إذاً على الرب تجاهك؟ لقد دفع لك الأجرة التي كنت تطلبها. 157. وآخر يعمل الإحسان لكي ينجو من العقاب الآتي. هذا يعمل لصالح نفسه. يعمل بحسب الله لكن ليسٍ كما يريد الله. هو بعد في حالة العبد. لأن العبد لا يعمل إرادة سيّده طوعاً، بل لأنه يخشى العقاب. هكذا يعمل ذاك لكي ينجو من العقاب والله ينجيّه. والآخر يعمل الإحسان لكي ينال أجرة. هذا أفضل من الأوّل. لكنه هو أيضاً لا يعمل كما يريده الله. فهو ليس بعد في منزلة الابن. كما أن المرتزق لا يعمل إرادة سيده، إلا لكي يحصل على أجرة، هذا أيضاً يعمل من أجل المكافأة. هناك إذاً ثلاث حالات يمكن لنا أن نعمل فيها الخير كما يقول القديس باسيليوس. ولقد ذكرتها لكم سابقاً (المقطع 48). إما أن نعمله خوفاً من العقاب ونكون في منزلة العبد. وإمّا طلباً للمكافأة ونكون في منزلة الأجير أو نعمله من أجل الخير في حد ذاته فنكون في منزلة الابن. فالابن لا يعمل إرادة أبية بدافع الخوف. ولا بدافع الحصول على أجرة. بل لأنه يريد أن يخدمه ويكرّمه ويريحه. هكذا علينا أن نعمل الإحسان. من أجل الخير بحدّ ذاته، برأفة على بعضنا البعض كما لو كان لأعضائنا الخاصة. خادمين الآخرين كما لو كنا مخدومين من قبلهم، مُعطين إياهم وكأننا نأخذ منهم. هذا هو الإحسان المعمول بمعرفة، وهكذا كما قلنا، نوجد في مرتبة الابن. 158. لا يستطيع أحد أن يقول: ?أنا فقير ولا أقدر على الإحسان، لأنه حتى وإن لم تستطيع العطاء على مثال الأغنياء الذين كانوا يلقون نقودهم في الخزانة. (مر قس 12 : 41) ، (لوقا 21 : 3). أعطِ فلسين كالأرملة الفقيرة، والله سوف يتقبلهما أفضل من عطايا الأغنياء. أليس عندك هذان الفلسان؟ لديك على الأقل القوة لممارسة الرحمة في خدمة أخيك المريض. وإن عجزت عن هذا يمكنك توجيه كلمة تعزيه لأخيك. اعمل له رحمة عن طريق الكلام، واسمع مَن يقول: كلمة صالحة هي أفضل من العطاء(حكمة سيراخ 18 : 16). لنفترض أنك لا تقدر أن تعمل إحساناً لأخيك بكلمة، يمكنك أن تشفق عليه عندما يغضب تجاهك، واحتمله في غضبه. ذلك لأنك تراه مضطرباً بسبب العدوّ المشترك. فبدل أن تغيظه حافظ على الصمت وارحمه فتبعده عن عدوّه. وإن أخطأ إليك أخوك ارحمه واغفر خطيئته، حتى تحصل أنت بدورك على مغفرة الله. لأنه قيل: اغفروا يغفر لكم(لوقا 6 : 37). هكذا فإنك تعمل بالرحمة لفائدة نفس أخيك عندما تغفر له خطاياه التي ارتكبها. الله قد أعطانا القدرة ـــــ إن نحن أردنا ـــــ أن نغفر بعضنا لبعض خطايانا. إن لم يكن بمقدورك أن تعمل الرحمة من أجل جسد أخيك، فاعملها من أجل نفسه. وأية رحمة أعظم من رحمة النفس؟ لأنه في الواقع كما أن النفس أثمن من الجسد كذلك الرحمة بالنفس أرفع من الرحمة بالجسد. لا يستطيع إذاً أحد أن يقول: ?أنا لا أستطيع أن أعمل الرحمة. كل واحد يستطيع بحسب إمكاناته ووضعه، شرط أن يجتهد كل واحد في عمل الخير بمعرفة ويهتم به، كما أوضحناه بالنسبة لكل فضيلة، فالعامل بمعرفة هو الباني ذو الخبرة الذي يبني بيته بنياناً متيناً ويقول فيه الإنجيل: الرجل العاقل يبني بيته على الصخر (متى 7 : 24)، فلا يمكن أن يزعزعه شيء. ليعطينا الله المحب البشر أن نصغي إلى ما نسمعه ونعمل به حتى لا تكون هذه الكلمات دينونة لنا في وقت الحساب. له المجد إلى أبد الدهور. آمين. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مسامحة الإهانات القديس يوحنا الذهبي الفم نقلها إلى العربية المطران ابيفانيوس زائد "إنكم إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم وإن لم تغفروا للناس زلاتهم فأبوكم أيضاً لا يغفر لكم زلاتكم" (متى6: 14). إنّ طَلَب السيد يسوع المسيح مزدوج: أن نشعر بزلاتنا، وأن نسامح الآخرين. فمعرفة الإنسان بخطيئته ضرورية ليسهُل عليه مسامحة سواه، لأنه بنظره إلى خطيئته الخاصّة يسامح القريب إن سقط. يجب أن نسامح الآخرين ليس بالقول بل بالفعل ومن القلب حتى لا نحوّل السيف إلينا بواسطة الحقد. فالذي يهيننا لا يسبّب لنا الضرر بقدر ما نسبّبه لأنفسنا باندفاعنا إلى الغضب وتعريض ذواتنا للدينونة من الله. فإذا أحببنا الذين يهينوننا فإن شرَّهم يقع على رؤوسهم ويعانون الآلام بسبب هذا، وبالعكس إذا غضبنا نعاني الآلام وحدنا. لذلك، لا تقلْ إن فلاناً أهانَك وألحق بك شرّاً عظيماً. كلّما أكثرت الكلام، تبدّد بجلاءٍ إحسانَ عدوك إليك، لأنّه بتعديه يعطيك سبيلاً للتخلّص من خطاياك. فبمقدار ما تكون الإهانة عظيمة تكون سبباً لتطهير نفسك من الأعمال غير المشروعة. فلا أحد يقدر أن يهيننا إذا أردنا، لأن ألدّ أعدائنا يقدّم لنا المنفعة بعداوته. ولماذا نتكلم عن البشر؟ فإبليس يقدّم لنا الواسطة لنتمجّد أيضاً، كما رأينا هذا في أيوب المعذّب كثيراً، وإذا كان إبليس نفسه يسبّب لنا المجد، فلماذا نخاف العدو؟ لنوجّه انتباهنا إلى الخيرات التي نحصل عليها، إذا تحملّنا الإهانة بصبر. من لا تغضبه الإهانة، يفضّله محبوه. ومن يبتعد عن الغضب لا يكرهه مخالطوه. ومن لم يجرّب العداوة بنفسه لم يجرّب الحزن أيضاً. ومن لا يعادي القريب ليس له أعداء، ويحصل على رحمة الله. فإن أبغضنا الآخرين نقاصِص أنفسنا. وإن أحببناهم نحسنُ إلى أنفسنا. إذاً لا نضمر العداوة لأحد حتى نستحق محبة الله. وحتى إن كنا مدينين بوزنات عديدة يتحنن العلي ويرحمنا. وإن كنا خاطئين نحصل على تركِ خطايانا. وإن كنا أبراراً ندخل السماء بسهولة. هل أهانك القريب؟ تساهلْ معه ولا تضمر له البغض، اذرفْ الدموع وابكِ، لأنك لم تسخِط الله بل قريبَك. إنك بإحتمالِك الإهانة تعمل عملاً مبروراً، تذكّروا أن السيد المسيح لما كان ذاهباً ليموت على الصليب كان مسروراً وصلّى من أجل الذين صلبوه، فيجب على تابعيه أن يتشبّهوا به، لأن الإهانة الموجّهة إلينا تنفعنا، فلا ينبغي أن نحزن لأجلها. هل القريب افترى عليك أمام الآخرين؟ إنه بعمله هذا سبّب لنفسه القصاص وعرّض ذاته للمسؤولية، لا لأجل أعماله فحسب بل لأنه أدانك أيضاً. وإذا لم يقنعك هذا القول فتذكّر أنّ الشيطان نفسه قد افترى على الله وعلى البشر الذين خلقهم وأحبّهم كثيراً. إن ابن الله الوحيد نفسَه تحمّل الشتم والإهانة. ولذلك قال: "إذا كان ربّ البيت قد سمّوه بعلزبول فكيف بالأحرى أهل بيته" (متى25:10). والروح الشرير لم يشتم المسيح المخلّص فقط بل افترى عليه بجرائم عظيمة مسميّاً إياه مسكوناً ومرائياً وعدواً لله. أمّا القريب الذي أهانك أمام الجميع فقد ثلم شرفَه وشان عرضَه وأعدّ لك الأكاليل. فاحزنْ، إذاً، لأجل مَن أهانَك وافرحْ من أجل نفسك لأنك تمثّلت بالله الذي "يطلع شمسه على الأشرار والصالحين" (متى45:5). وإن كنت عاجزاً عن التشبّه بالله، وهذا لا يعسر على النشيطين الصالحين، فاقتدِ بيوسف العفيف الذي تحمّل المصائب الكثيرة من إخوته ثم أحسَنَ إليهم ولم يذكر سيئاتهم. انظر إلى موسى الذي رأى الله وكان يصلّي من أجل اليهود الذين سبّبوا له شروراً كثيرة. انظرْ إلى رسول الأمم الذي احتمل الإهانات والإضطهادات من اليهود ثم أراد أن يحمل عنهم اللعنة. اعتبر رئيس الشمامسة استيفانوس الذي رُجِم بالحجارة، ومع هذا فقد صلّى لمسامحة خطايا قاتليه. فليتذكرْ كلٌّ منا هذا وليكفّ عن بغضه حتى يتركَ الله لنا ما علينا بنعمة سيدنا يسوع المسيح المحبّ البشر الذي له مع الآب والروح القدس المجد والملك والشرف والسجود من الآن والى دهر الداهرين، آمين. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصدق مع الله https://upload.chjoy.com/uploads/135854745361.jpg ان الله يحب الصدق، لأنه هو صادق. والصدق من أولى صفاته تعالى. إن بولس الرسول يقول: فماذا ان كان بعضهم لم يؤمنوا؟ هل يُبطل عدم ايمانهم أمانة الله؟ حاشا! بل صَدق الله وكَِذب كلّ انسان كما هو مكتوب: "لكي تُبَرر في كلامك، وتغلب في قضائك" روم 3: 3-4. ان الله يحب الأمانة، والحقيقة، والصدق، على ما جاء في سفر المزامير: "الرب أمين في كل أقواله، وبارّ في جميع أعماله" مز 144: 13. والصدق هي الصفة التي ركّز عليها السيد المسيح عندما تكلّم عن ألله، أبيه السماوي، فقال: "من أرسلني هو حق، وأنتم لا تعرفونه". يو 7 :28 وكرّرها مرّة ثانية، مخافة ألاّ يكونوا قد أسأوا فهم ما قال: "لي كلام كثير أقوله فيكم وأدينكم. لكن الذي أرسلني صادق. وما سمعته منه، فهذا أقوله للعالم". وكذلك بولس الرسول شدّد على هذه الصفة النبيلة من صفات الله، فقال: "أمين هو الله! فان كلامنا اليكم لم يكن نعم ولا"، واذا كان أمينا، فهو صادق، لا يرضى بالمواربة، والخداع، والكذب وهذا ما عبّر عنه بولس الرسول في رسالته الى العبرانيين بقوله: "لما أراد الله أن يظهر لورثة الوعد ثبات ارادته، تعهّد لهم بقسم، ليكون لنا، نحن الملتجئين الى التمسّك بالرجاء المعدّ لنا، عزاءٌ قوي بالوعد والقسم، وهما امران ثابتان، يستحيل أن يكذب الله فيهما". والحقيقة والعدالة مرتبطتان ارتباطا وثيقا، على ما أوضح البابا بيوس الثاني عشر الذي قال: "ان العالم في حاجة الى الحقيقة التي هي العدالة، والى هذه العدالة التي هي الحقيقة". وعلٌق البابا يوحنا بولس الثاني على هذه العبارة بقوله: "ان عدالة الله وشريعة الله هما شعاع من الحياة الالهية. لكن العدالة البشرية عليها هي أيضا أن تبذل جهدها لكي تعكس الحقيقة بمشاطرتها تألّقها. يقول القديس توما الأكويني: "ان العدالة تُدعى أحيانا الحقيقة"، أي تألّق الشريعة.. ويجب أن تُمارس العدالة وفق الحقيقة، أي وفق العقل السليم، أي وفق الحقيقة... ويتابع قائلا: "ان محبة الحقيقة لا يمكن الاّ ان تُترجم بمحبة العدالة، وبالتالي بجهد لاحقاق الحقيقة في العلاقات في داخل المجتمع البشري". و"الله هو الطريق، والحق، والحياة" على ما يؤكّد الانجيلي يوحنا. ان بولس الرسول يقول: "لا بدّ للضمير من أن يستنير بالروح القدس". وأن لا يسلك بخداع، ولا يغشّ بكلمة الله، بل أن "يظهر الحق"... ولكنّنا ننبذ الأساليب الخفيّة المخجلة، ولا نسلك طريق المكر، ولا نزّور كلمة الله، بل اننا باظهار الحق نُظهر أنفسنا تجاه ضمير كل انسان، أمام الله". وكما أن الله هو الحق والحقيقة، فالمسيح ابن الله هو أيضا الحق والحقيقة على ما أكّد بقوله: "والكلمة صار جسدا وسكن بيننا، ورأينا مجده، مجد ابن وحيد آتٍ من الآب، ملآن نعمة وحقا". وعندما مثل أمام بيلاطس، وسأله هذا الأخير بنبرة تهكّم ساحق: "أملك أنت اذن؟ أجاب يسوع: أنت تقول اني ملك. اني لهذا وُلدت، ولهذا أتيت الى العالم، لكي أشهد للحق. فكل من هو من الحق، يسمع صوتي". وهذا ما سبق للعهد القديم أن أكّده، على ما ورد في كتاب آشعيا الذي قال: "فالذي يتبارك بهذا الاسم على الأرض، يتبارك باله الحق، والذي يُقسم به على الأرض، يقسم باله الحق، لأن المضايق الأولى قد نُسيت وسُترت عن عيني". وما دام الله هو الصدق بالذات، يجب أن نتصرّف معه بأمانة وصدق. وهذا طالما تذمّر منه الله بقوله بلسان آشعيا النبي: "ان هذا الشعب يتقرّب اليّ بفيه، ويكرمني بشفتيه، وقلبه بعيد مني، وانما مخافته لي وصيّة بشر تعلّموها". وما جلد المسيح نقيصة كالرياء والكذب، وهذا ما عاب به الكتبة والفريسيين بكلام من نار، فقال لهم: "الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراوْون! لأنكم تؤدّون عشور النعنع والشومار والكمّون، وقد أهملتم أهمّ ما في التوراة، أي العدل والرحمة والأمانة. وكان عليكم أن تعملوا بهذه ولا تهملوا تلك... وعاب عليهم تصفيتهم الماء من البعوضة، وابتلاعهم الجمل، وتطهيرهم خارج الكأس والاناء، وداخلهما مملؤ بما كسبوا بالنهب والطمع، وشبّههم بالقبور التي ظاهرها جميل، مزّين، وباطنها نتن، قبيح. وهذا يعني أن باطنهم غير ظاهرهم، فهم يتظاهرون بالبراءة، وهم في الواقع ذئاب مفترسة. وهل من كلام أشدّ وقعا من هذا الكلام على المسامع، بما فيه من توبيخ، وتقريع، وتقبيح؟ إذا كان الكلام لا يترجم ما في الضمائر من نيات، ويعبّر عما يختلج في قلب الانسان من مشاعر وأفكار، فهو تضليل وخداع. وهذا ما رذله السيد المسيح. فهو لا يتوقّف عند المظاهر، خاصة اذا كانت كاذبة، لكنه يريد الحقيقة والواقع، كما هما دون تزييف وتشويه. لذلك قال في كتابه العزيز: "يا بني أعطني قلبك، ولترعَ عيناك طرقي". يقول موجز تعليم الكنيسة اكاثوليكية: "ان كلا من الناس مدعو الى الشفافية والصدق في مسلكه وكلماته. وعلى كل منهم واجب البحث عن الحقيقة، واعتناقها، وتنظيم حياته وفقا لمقتضيات الحقيقة. في يسوع المسيح، ظهرت حقيقة الله بكاملها. فهو الحقيقة. ومن اتبعه عاش بروح الحق، وهرب من الازدواجية، والرياء، والخبث". وهذا ما تأمر به الوصية الثامنة التي تقول: "لا تشهد شهادة زور". وهي وصية تنهى عن تزييف الحقيقة في العلاقات مع الناس. وهذه "وصية أدبية تنبع من دعوة شعب الله ليكون شاهدا لربه الكائن، والذي يريد الحقيقة. وامتهان الحقيقة يعرب، بالكلام والأفعال، عن رفض لالتزام الاستقامة الأدبية: فهذه تُعتبر خيانة أساسية لله، وتخلخل نوعا ما، قواعد العهد"، المقطوع مع الله. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصدق مع الذات https://images.chjoy.com//uploads/im...e3004b968f.jpg من ليس صادقا مع الله، لا يمكنه أن يكون صادقا مع نفسه. واذا كان الانسان الذي يظنّ أنه بامكانه أن يخفي ما يريد اخفاءه عن نظر الله، "الذي يفحص الكلى والقلوب، فكيف بامكانه أن يوهم نفسه بانه صادق مع ذاته؟ يقول المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: "ان الانسان يتجّه من طبعه الى الحقيقة، وهو ملتزم اعلاء شأنها، والشهادة لها. ان جميع الناس، بما لهم من كرامة، ولأنهم أشخاص... وبدافع من طبيعتهم، مجبرون أدبيا على البحث عن الحقيقة، ويخاصة الحقيقة المتعلقة بالدين.. وهم مجبرون على اعتناق الحقيقة، ما ان يعرفوها، وعلى تنظيم حياتهم وفق مقتضيات الحقيقة". وعندما ينتحل الانسان صفة لينال ما ليس له حق به، وعندما يرتدي قناعا ليظهر للناس حقيقة غير حقيقته، وعندما يوهمهم بأنه صاحب مقام رفيع، وحول وطول، فهذا يُعتبر خروجا على الذات الحقيقية، وخداع لا يلبث أن يظهر ليجلب على صاحبه الخزي والعار. فالصدق مع الذات هو من أوجب واجبات الانسان تجاه نفسه، قبل أن يكون واجبا تجاه الناس. "فالحقيقة بوصفها استقامة في العمل والتعبير تدعى صدقا، واخلاصا، وصراحة. فالحقيقة أو الصدق هي فضيلة تقوم على الظهور بمظهر الصدق قولا، وعملا، ومجانبة للازدواجية، والرياء". وعلى تلامذة المسيح أن ينبذوا الكذب، وأن يكلّم كل واحد قريبه بالحق، لأننا أعضاء بعضنا لبعض". والكذب مرذول من طبعه. فهو انتهاك للكلام الذي تقوم وظيفته على ابلاغ الآخرين الحقيقة. والكلام المقصود الذي يراد منه خداع القريب، إنما هو كلام ينافي الحقيقة، ويشكّل خرقا للعدالة والمحبة. ويكون الخطأ جسيما، عندما يكون القصد من الكذب الخداع، الذي قد تكون له عواقب وخيمة على الذين ينحرفون عن الحقيقة. وعلى المرء، وبخاصة المؤمن، أن يعيش في ظل الحقيقة، وأن يشهد لها، وهذا ما فعله السيد المسيح أمام بيلاطس، فجاهر بأنه جاء ليشهد للحقيقة. ولا يخجل المسيحي من هذه الشهادة، على ما أشار اليه بولس الرسول في رسالته الثانية الى تلميذه تيموتاوس، بقوله له: "فلا تستحيِ بشهادة ربنا، ولا بي أنا أسيره". وهذه الشهادة هي فعل عدالة يُقرّ الحقيقة، أو يعمل على نشرها: "كل المسيحيين، حيثما يعيشون، من واجبهم أن يُظهروا، بمثل حياتهم، وشهادة كلمتهم، الانسان الجديد الذي لبسوه بالعماد، وقوة الروح القدس، الذي يقويّهم بواسطة التثبيت". ويبقى الاستشهاد أقصى وأسمى درجات الشهادة. فالشهيد يشهد للمسيح الذي مات وقام، والذي ارتبط به بالمحبة. فهو يشهد لحقيقة الايمان، والعقيدة المسيحية. ويواجه الموت بفعل قوّة، على ما يقول القديس اغناطيوس: "دعوني أصبح طعام الحيوانات، اني عبرها أصل الى الله. ويتابع قائلا: "لا نفع لي بجواذب العالم، ولا بممالك هذا الدهر. خير لي أن أموت، لاتحد بالمسيح يسوع، من أن أملك على أقاصي الأرض. اني أبحث عنه هو، الذي مات من أجلنا. هو الذي اريده، والذي قام من أجلنا". وتلاميذ المسيح، بعد أن "تخلّصوا من الكذب"، يجب أن ينبذوا عنهم كل شرّ، وكلّ غشّ، ورياء، وحسد، وكل نميمة". والرذائل التي تنافي الحقيقة كثيرة، ولا نعددّ منها إلاّ بعضها. منها: الشهادة الكاذبة، والحنث، والحكم الباطل، والنميمة، وهذه كلها تضرّ بصيت الغير. وكل ما يدلّ على المبالغة في الاطراء، واستدرار العطف، ويشجع على الثبات في الاعوجاج، والاعتداد بالذات، والمفاخرة المغالى فيها، والهزء بالغير، والكذب المقصود به قول الخطأ بنيّة الخداع، كل هذا تجب مجانبته. ان الرب يسوع رذل الكذب على أنه عمل شيطاني، فقال: "أنتم من أب هو ابليس، وتريدون أن تعملوا بشهوات أبيكم، ذاك الذي كان منذ البدء قاتل الناس، وما ثبت على الحق، لأنه لا حقّ فيه، عندما بتكلّم بالكذب، يتكلّم بما لديه، لأنه كذّاب وأبو الكذب". والكذب هو التجنّي المباشر على الحقيقة. ومن كذب قام بفعل ضد الحقيقة ليستدرج الغير إلى الوقوع في الخطأ. والكذب يجرح علاقة الانسان بالحقيقة، التي يشوّهها وفقا للظروف، ولنية الكذّاب، والضرر الذي يلحق بضحايا الكذب. واذا كان الكذب بحدّ ذاته لا يشكّل سوى خطيئة عرضية، فانه يصبح خطيئة مميتة عندما يسيء إساءة خطيرة إلى فضيلتي العدل والمحبة. ويسئ أيضا الى الحقيقة، وهذا ما شرحه البابا بولس السادس بقوله: "ان صحة العمل تعني انسجاما كاملا بين الفكرة والعمل. وبعبارة أخرى انها تقتضي بساطة روح، وشفافية بين داخل المسلك وخارجه، وصدقية تجتاز، بنور الروح، العاطفة، والكلمة، والأعمال، والعلامات، وكل ما يحدّد الانسان. القديس توما يتحدّث عن حقيقة معاشة. وعندما نصف عادة انسانا يمارس فضيلة الحقيقة في حياته، نتحدّث عن خلق، وعن شخصية صحيحة. وبولس الرسول يقول: "علينا أن نعيش الحقيقة في المحبة." والحقيقة والمحبة توأمان. وهما يحدّدان اجتماعيا الانسان المثالي، أي المسيحي، في أعلى الدرجات، أي القديس. ولكن المجاهرة الاجتماعية بالحقيقة الخاصة غالبا ما تحمل على التصلّب والتعصّب. والمجاهرة الاجتماعية بفعل الخير انطلاقا من مشاعر انسانية غير مؤمنة بالله، تفترض لامبالاة عقائدية غالبا ما تجعل ذلك غير قابل للمارسة، ولا سخيا ولا أمينا... ان الايمان دون محبة يمكنه، في العلاقات البشرية، أن يصبح أنانيا، والمحبة دون ايمان تفتقد دوافع تجعلها ثابتة وبطولية". والكذب منبوذ من طبعه. فهو تدنيس للكلمة التي تقوم وظيفتها على ابلاغ الحقيقة المعروفة الى الآخرين. والتصميم على استدراج القريب الى الضلال بكلمات تضاد الحقيقة، يشكّل انتقاصا من العدالة والمحبة، ويكون الخطأ أجسم، عندما يُحتمل أن يكون لنيّة الخداع عواقب وخيمة بالنسبة الى الذين يُحوّلون عمّا هو حق. والكذب (لأنه انتهاك لفضيلة الصدق) هو عنف يُمارس على القريب. فهو يناله في قدرته على المعرفة، التي هي شرط كل حكم وكل قرار. والكذب يخفي بذور الشقاق وانقسام الأفكار، وجميع المضار التي يتسبب بها. والكذب مسيء لكل مجتمع، وهو يخلخل الثقة بين الناس، ويمزّق نسيج العلاقات الاجتماعية. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصدق مع الناس https://images.chjoy.com//uploads/im...f545cfcedf.jpg وظيفة الكلام تقوم، على ما أشرنا اليه سابقا، على نقل الحقيقة. فاذا كان الكلام يدلّ على غير معناه، أو على عكسه، فيكون هناك خداع وتضليل. وهذا مسيء إلى الحقيقة والى القريب. وهذا يوقع البلبلة في المجتمع، فلا يعود الناس يفهمون ما يقال لهم. وهذه البلبلة غالبا ما نشهدها في وسائل الاعلام، فتطلق الخبر، ويأتي من يكّذبه، ثم من يؤكّده، ويعلّق عليه، ويسرد ظروفه، الى ما هنالك من أقاويل، حتى ليضيع القارئ، ولا يعود يعرف أين تكمن الحقيقة. وهذا هو الأذى بعينه. ومن طبع الحقيقة أن تشرق كالشمس. قال البابا يوحنا بولس الثاني في يوم الاعلام سنة 1988: "تنمو اليوم وسائل اعلام الجماهير نموّا مذهلا. والروابط التي تنسجها بين الشعوب والثقافات تمثّل أثمن ما تأتي به. ولكني أعلم انكم أنتم رجال الاعلام، تعون النتائج الوخيمة التي قد تشوّه هذه العلاقات بين الشعوب والثقافات: إعلاء شأن الذات، وبامكان احتقار المختلفين أو رفضهم، أن يزيد من مخاطر التوترات والانقسامات. ومثل هذه المواقف تولّد العنف، وتنحرف عن الاعلام الصحيح وتحطّمه، وتجعل كل علاقة أخوية مستحيلة. غير أن احترام الآخر، وحسّ االحوار، والعدالة، وأخلاق الحياة الشخصية والاجتماعية السليمة، والحرية، والمساواة، والسلام في الوحدة، والعمل على المحافظة على كرامة الانسان، والقدرة على المشاركة والتقاسم، كل هذه قيم لا بدّ منها في ممارسة دور الاعلام... واذا نظرنا الى فاعلية هذه الوسائل، فان القواعد الأخلاقية تفرض ذاتها على المسؤولين عنها لكي يقدّموا للأشخاص والجماعات صورا تشجّع على تداخل الثقافات، دونما تعصّب، وعنف، فيما هي تخدم الوحدة". ولا يكون الكذب بالكلام وحسب، بل غالبا ما يكون بالمواقف، وطريقة التصرّف، واللباس، والهندام، والقيافة، إلى ما سوى ذلك من أساليب الاخفاء والتنكّر لحقيقة الذات. "وكل خطأ يُقترف ضدّ العدالة والحقيقة، يستدعي واجب التعويض، ولو كان نال فاعله الصفح والمغفرة. وعندما يتعذّر التعويض عن خطأ بصورة علنية، يجب القيام به بطريقة سرّية. واذا كانت قد وقعت عليه خسارة لا يمكن التعويض عليه عنها، مباشرة، يجب ارضاؤه أدبيا، باسم المحبة. وواجب التعويض هذا يتعلقّ بالخطايا المقترفة بالنسبة إلى صيت القريب. وهذا التعويض، الأدبي، وأحيانا المادي، يجب أن يُقدّر على قدر الضرر الذي أصاب الغير. وهو لا بدّ منه ضميريا. ان القديس أغوسطينوس تحدّث عن الخيور الثلاثة: الحقيقة، والمحبة، والحرية. وهذه تسير معا.وهو يدعو الشبان إلى محبّة الجمال، وكان شغوفا به شديد الشغف. وليس فقط جمال الأجساد الذي قد يّنسي جمال الروح، ولا فقط جمال الفنّ، بل جمال الفضيلة الداخلي، وبخاصة جمال الله الأبدي، الذي يتأتّى منه كل جمال الأجساد، والفنّ، والفضيلة، الله الذي هو جمال كل جمال، وأساس خير كل الكائنات التي هي حسنة وجميلة، وهو جمالها، ومبدؤها، ومنظّمها. وبعد أن تذكّر السنوات التي سبقت ارتداده، انتحب بمرارة لأنه تأخر جدّا في محبة هذا الجمال الذي يدعوه "ممعنا في القدم والجدّة". وهو يريد في ذلك ألاّ يتبعه الشبان، بل أن يحبوا دائما وفوق كل شيء، كل جمال، ويحافظوا باستمرار على ما في شبابهم من تألّق داخلي". قول الحقيقة ونشرها أمر ملزم للمؤمن، وبخاصة الحقيقية الدينية، على ما أشارت اليه وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني: الحرية الدينية بقولها: "ان على التلميذ واجبا خطيرا تجاه المسيح المعلّم، ألا وهو أن يتعمّق يوما بعد يوم في فهم الحقيقة التي تلقاها منه، وأن يبّشر بها بأمانة، ويدافع عنها بشدّة، نابذا الوسائل المنافية لروح الانجيل. وان محبة المسيح لتدفعه أيضا الى التصرّف بالمحبة، والفطنة، والصبر، مع الناس الذين هم في الضلال، أو يجهلون الايمان". "ولا يمكن الناس أن يعيشوا معا، ان لم يكن لهم ثقة متبادلة ببعضهم، أي ان لم يظهروا الحقيقة بعضهم لبعض، على ما يقول القديس توما الأكويني. وفضيلة الحقيقة تعطي كل ذي حق حقه. والصدقية تبقى في منتصف الطريق بين ما يجب أن يُفصح عنه، والسرّ الذي تجب المحافظة عليه: وهذه تتضمن الاستقامة والدراية. ومن باب العدالة، يجب على المرء أن يعلن لمرء الحقيقة، يقول أيضا القديس توما الأكويني. ويرضى تلميذ المسيح بأن "يعيش في الحقيقة"، أي في بساطة حياة تتوافق ومثل المسيح، وتبقى في حقيقته. واذا قلنا اننا في شراكة معه، فيما نحن نسير في الظلام، نكون كاذبين، ولا نعمل الحق". وعلى المؤمن أن يشهد للحقيقة الإنجيلية في كل مجالات نشاطه العام والخاص، ولو كان ذلك على حساب تضحيته بحياته، اذا كان ذلك ضروريا. الحقيقة هي التي تحرّر، وتنقذ، وتحيي. قال السيد المسيح: "تعرفون الحق والحق يحرّركم". والمسيح هو الحق والحقيقة. وهو ملك ومملكته الحرية. وهو قد لا يعيب علينا ارتكاب الخطأ، بقدر ما يعيب علينا البقاء فيه، والاستمرار عليه. وهذا معناه العيش في الكذب، والاصرار على نوع من الكبرياء، والتشبث بحكمنا الذاتي، وعلى ما نتوهّمه حقا لنا: وهذه الطريقة تمنعنا من الدخول في مخطط الله، حتى ولو كنّا نعيش ظاهرا بصدق، ونجاهر بالايمان. وليس يسوع المسيح راية لفئة اجتماعية من الناس، سواء أكانت كاثوليكية أم غير كاثوليكية، يمكن استخدامها لمحاربة فئات أخرى. ان الذين يبحثون عن الحقيقة ينتمون اليها، أيا تكن أفكارهم، وربما أكثر من الذين يعيشون فيها. كان اليهود يعتقدون أن العالم قسمان: أبناء ابراهيم، أي هم والباقون. وكانوا يفاخرون بأجدادهم وينسون أن كل انسان هو من هو، بالنسبة الى الله. وقدّم يسوع ذاته لهم كشاهد للحقيقة، ومجرد وجوده يجبرهم على تفحّص ذواتهم. والحقيقة التي تحدّث عنها يسوع لم تكن عقيدة كان واجبا على تلاميذه أن يفرضوها بالقوّة. فهي لم تكن في حاجة الى مروّجين يتسلّحون بحجج واستشهادات كتابية، بل الى شهود يتحدّثون عن خبرتهم. قال يسوع: "الحق يحرّركم"، والحقيقة كذلك تحرّركم. والمؤمن الذي يعرف أن الله يحبّه، وهو يجتهد أن يكون صادقا، قد أصبح في الحقيقة، ولو احتفظ ببعض عادات عن محيطه، ولو انقاد، دون وعي منه، في طريقة حياته، الى أكاذيب أو أوهام. وتحدّث يسوع أيضا عن الحرية. والحقيقة والحرية يسيران معا، على ما سبق لنا أن قلنا. والأفراد كالأمم، لا يدّخرون وسعا لتحطيم قيودهم. وما ان يتحرّروا حتى يقعوا بسرعة في أنواع جديدة من العبودية، لأن أصل العبودية كائن فينا. وعندما نصنع الشرّ نكون شركاء ابليس، ونقع في شراكه، حتى دون ارادة منا. وتصعب بعدئذ مقاومة الأوهام والتأثيرات السيّئة التي يضع أبو الكذب بواسطتها العالم تحت سلطانه. وما دمنا نتحرّك دون أن نفكّر بحقيقة حالتنا، فنحن لسنا سوى عبيد، ولو تميّزنا بما لنا من ثروات، ومعارف، ومقام. اننا نضخّم صفوف العالم من أسفل، دائما بطريقة موقتة. وهناك أجيال من العبيد تتوالى وتعبر كموج البحر: العبيد يظلّون في البيت لوقت محدّد، أمّا المسيح فيُدخلنا منذ الآن في عالم آخر، عالم ما فوق، حيث كل شيء باق. ومنذ اللحظة الي نصير فيها أبناء، فان كل ما نصنعه يأتي بثمر للحياة الأبدية. "قبل أن كان ابراهيم، أنا كائن". وهذه سابع مرّة تظهر فيها "أنا كائن" في هذا الفصل الثامن من يوحنا، وفي هذه المرّة نأخذ هذه العبارة بمعناها الحقيقي الذي لا ينطبق الا على الله وحده. على ما كشف عن نفسه لموسى. يقول القديس توما الأكويني: "الحقيقة هي كمال العقل". الحقيقة التي نبحث عنها، ونحبها، وندافع عنها، والتي يجب أن تكون بمثابة روح كل جامعة، لأنها الحياة العميقة للعقل البشري. قال البابا يوحنا بولس الثاني في معرض حديثه عن الجامعة الكاثوليكية: "يجب أن تكون الجامعة: "وحدة حية" لأجهزة ترمي الى البحث عن الحقيقة، فيما يحيق بها خطر قائم، وهو أن تبقى مجموعة قطاعات معرفة لا رابط بينها، وفي النهاية، مستقلّة. واذا كان الأمر كذلك، وعندما يكون كذلك، فبامكانها أن تقدّم تربية مهنية جدّية: ولكن هذه تبقى قاصرة عن الهدف المطلوب، وهو تربية إنسانية شاملة وغنية... ولا بدّ من تطوير هذا الملخص السامي الذي بامكانه أن يطفئ العطش الى الحقيقة المحفور عميقا في قلب الانسان. يقول القديس اغوسطينوس: "الى ما تشتاق اليه نفس الانسان أكثر من الحقيقة؟ فيما كل المخلوقات موجودة دون أن تعرف سبب وجودها، بينما الانسان وحده يتجه بعقله، الى البحث باستمرار عن هذا السبب. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أين نحن من الصدق والحقيقة https://upload.chjoy.com/uploads/1358025560211.jpg الصدق في القول، وقول الحقيقة، هذه هي القاعدة المألوفة. والخروج على هذه القاعدة افساد للمجتمع وزرع البلبلة في صفوف أبنائه. والمجتمع الذي يفتقد الى الصدق والحقيقة يسير في طريق التفتت والانحلال. ولا تتوطّد العلاقات بين الدولة، وألافراد، والجماعات، إلا اذا قامت على أساس من الشفافية التامة، والحقيقة السافرة، والصدق الذي لا يشوبه غشّ أو خداع. يقول البابا يوحنا بولس الثاني: "ان الله وحده هو الحقيقة المطلقة. لكنه فتح قلب الانسان على الرغبة في الحقيقة، وهو من أعلنها بملئها في ابنه المتجسّد. وحيثما نزرع الكذب والخداع، يزهر الشك والانقسام. والفساد والتلاعب السياسي أو العقائدي، هما أيضا، يناقضان الحقيقة جوهريا، ويقوَضان أسس العيش المشترك، ويزعزعان امكانية العلاقات الاجتماعية السلمية". أفليست هذه هي حالنا؟ غير أننا قوم يؤمنون بالله وبعنايته الالهية، ونعرف، على ما أشار اليه قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في رسالته الأولى "الله محبة" أن "حكاية الحب بين الله والناس تقوم على واقع، وهو أن الشراكة في الارادة تكبر في شراكة الفكر والشعور، وهكذا تتطابق اكثر فأكثر ارادتنا وارادة الله: ليست ارادة الله بالنسبة اليّ ارادة غريبة، تفرضها عليّ الوصايا من الخارج، لكنها ارادتي الذاتية بالاستناد الى الاختبار الدالّ، في الواقع، على ان الله هو أقرب اليّ ممّا انا الى نفسي، واذاك يكبر استسلامي الى الله، ويصبح الله فرحنا". ويتابع قداسته مستشهدا بالقديس اغوسطينوس: "النظام العادل للمجتمع، والدولة، هو واجب الشأن السياسي الجوهري. وان دولة لا تدار بحسب العدالة، تصبح عصابة كبيرة من الشذّاذ... العدالة هي الهدف، وأيضا المقياس الداخلي لكل سياسة. والشأن السياسي هو أكثر من تقنية بسيطة لتحديد التنظيمات العامة: ان أصله وغايته نجدهما في العدالة. وهذا من طبيعة أخلاقية. وهكذا تجد الدولة ذاتها، اضطراريا، في مواجهة مع هذا السؤال: كيف أحقق العدالة هنا الآن؟ ولكن هذا السؤال يفترض سؤالا آخر أكثر جدية، وهو: ما هي العدالة؟ هذه مشكلة تتعلّق بالعقل العملي، ولكن لكي نعمل بطريقة مستقيمة، يجب تطهير العقل باستمرار، لأن عماه الأخلاقي، النابع من الوقوع في تجربة المصلحة والسلطة اللتين تلطّخانه، انما هو خطر لا يمكن القضاء عليه تماما". وضعنا الداخلي واذا عدنا الى وضعنا الداخلي، ماذا عسانا أن نرى؟ أفلا نرى التجاوزات، والانتهاكات، والارتكابات، وما أكثرها!. كم ارتُكبت عندنا من جرائم، ولم يعلم أحد، حتى اليوم، من كان الفاعلون. ولو اكتُشفوا ونالوا عقابهم بعد التشهير بهم، لما كان جرؤ غيرهم على ارتكاب ما ارتكبوا! كم حدث من سرقات في مؤسسات رسمية وغير رسمية، ولم يجرؤ أحد على اكتشافها، واعلان أسماء فاعليها، والسرقات ما زالت تتوالى، ويجهّل الفاعلون! كم من الموظّفين الذين تُسند اليهم وظائف ويتقاضون عنها رواتب، وهم لا يأتون عملا، فيما من لديهم الكفايات يُقصون عنها لرفضهم الاستزلام لهذا أو ذاك من النافذين! كم من الشبان من حملة الشهادات الجامعية العليا الذين يسافرون الى بلدان بعيدة للعمل، لأن بلدهم لبنان لا يعرف أن يستخدمّ طاقاتهم، وعلمهم، واستعدادهم للعمل باخلاص، ليأتي المسؤولون فيه بمن هم دونهم قدرة وشهادات علمية، ولا كفاية لهم سوى انتمائهم الى هذا أو ذاك من هؤلاء المسؤولين! كم من هدر يصيب مالية الدولة عندما يساهم أهل الحكم في انشاء شركات تستأجر مرافق الدولة بطرق تتجاوز القوانين، وبأجور بخسة، لأسباب أصبحت معروفة، فيما يُستبعد سواهم ممّن هم على استعداد لدفع الأجر العادل! كم من تجاوزات للقوانين لدى بعض المسؤولين الذين، على ما يقال، يجعلون الأسود أبيض، لقاء اكراميات، دون أن يطرف لهم جفن، أويخزهم ضمير، ولا مراقبة، ولا حساب! هذا فضلا عن المتاجرة بالنفوذ، وغضّ النظر عن هذه الجماعة أو تلك، عندما تمتنع عمّا يتوجب عليها من مستحقات لشركة الكهرباء والماء، وما سوى ذلك مما له صلة بالدولة. وقد نشرت بعض الصحف أن في نية الدولة أن تزيد الضرائب على المواطنين، لأنها في حاجة إلى المال، فيما الشعب أصبح بمجمله يشكو الفقر والعوز. أفما كان الأجدر بها أن تضبط الهدر والانفاق غير المجدي، بدلا من أرهاق الشعب الفقير بالضرائب؟ وهذه فرصة لها لتثبت أن الهدر لم تتسبّب به هي، بل سواها من الطارئين على الوطن. وأنى للبلدان، التي تريد أن تساعدنا لتحسين أوضاعنا المالية، أن تفعل، عندما ترانا نتقاعس عن ضبط نفقاتنا، ونرى الهدر حولنا، ولا نحرّك ساكنا لوضع حدّ له! هذا على صعيد الدولة. أما على صعيد العلاقات بين الأفراد والجماعات، فليس الوضع أحسن حالا. وغالبا ما يكون الصدق في معاطاتنا فيما بيننا ضحيتنا الكبرى، فنفعل غير ما نقول، ونقول غير ما نفعل. ويكون التكاذب أحيانا خير وسيلة للارضاء، غير أنه ارضاء عابر يترك بعده جراحا عميقة، لكيلا نقول حقدا دفينا. ولكننا، على الرغم من كل هذه الثغرات الكبيرة، نؤمن بوطننا، وبأنه قادر على القيام من محنته ليسلك سبيل الصدق والاستقامة، اذا توفّر له رجال يعملون في سبيل اعلاء شأنه، أكثر ممّا يعملون في سبيل تحسين وضعهم، ووضع من حولهم على حساب الوضع العام. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصوم
القمص ميخائيل جرجس صليب عندما سأل تلاميذ يوحنا السيد المسيح قائلين "لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون. فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا مادام العريس معهم. ولكن ستأتى أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون"(1).ـ وعندما تكلم عن شروط الصوم قال "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكى لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذى فى الخفاء فأبوك الذى فى الخفاء يجازيك علانية"(2). والمسيح له المجد صام عنا.. ويقول الإنجيل "ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً "(3). إننا نصوم لكى يغفر لنا الرب خطايانا ولكن المسيح صام عنا لكى يعلمنا الصوم ولكى نستعد للجهاد الروحى. وهناك صلة وطيدة بين الصوم والتذلل أمام الله فداود النبى يقول "أذللت بالصوم نفسى وصلاتى إلى حضنى ترجع"(4). وهناك صلة قوية بين الصوم والتذلل فى أيام الضيقات فيذكر لنا سفر الأعمال أن بولس وبرنابا بشرا فى دربة وتلمذا كثيرين "ثم رجعا إلى لسترة وأيقونية وأنطاكية يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا فى الإيمان .. وانتخبا لهم قسوساً فى كل كنيسة ثم صليا بأصوام ..."(5). وفى العهد القديم صـام الأنبياء.. فنحميا النبى أمر بصوم لجميع الشعب "وفى اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر اجتمع بنوا إسرائيل بالصوم وعليهم ـ (1)- (مت9: 14، 15). (2)- (مت6: 16- 18). (3)-(مت4: 1، 2).ـ ـ (4)- (مز35: 13). (5)- (أع14: 21- 23).ـ مسوح وتراب. وانفصل نسل إسرائيل من جميع بنى الغرباء ووقفوا واعترفـوا بخطاياهم ..."(1). ويقول داود النبى "وأبكيت بصوم نفسى .. جعلت لباسى مسحاً وصرت لهم مثلاً"(2). ويقول أيضاً "ركبتاى ارتعشتا من الصوم، ولحمى هزل عن سمن"(3). ويقول عزرا النبى "وناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكى نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا"(4). ولكى نقتنى فضيلة الصوم حاول تطبيق التدريبات الآتية : ـ1- الصوم ضبط لشهوات الإنسان لكى لا تنحرف عن مسارها الطبيعى والتذلل أمام الله والتوبة عن الخطايا كما فعل أهل نينوى. ويقول الكتاب "فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً (تذللوا) من كبيرهم إلى صغيرهم. وبلغ الأمر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلـس على الرماد. وليتغـط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذى فى أيديهم. لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك. فلما رأى الله أعمالهم إنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذى تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه"(5). ـ2- الصوم أيضاً ضبط لحواس الإنسان، فليس هو مقصوراً على الجسد بل على الروح أيضاً كقول يوئيل النبى "قدسوا صوماً نادوا بإعتكاف إجمعوا الشيوخ جميع سكان الأرض إلى بيت الرب إلهكم واصرخوا إلى الرب"(6). ويقول أيضاً "يقول الرب ارجعوا إلىّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعـوا إلى الرب إلهـكم لأنـه رؤوف رحيم بطئ (1)- (نح9: 1، 2). (2)- (مز69: 10). (3)- (مز109: 1، 2). (4)- (عز8: 21). (5)- (يون3: 5- 10). (6)- (يوئيل1: 14). يونان النبى يعظ الشعب للتوبة والصوم الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر"(1). ـ 3- الصوم أيضاً يقترن بالعطف على الفقراء والمساكين كما يقول أشعياء النبى "أليس هذا صوماً أختاره حل قيود الشر فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجـائع خبزك وأن تدخـل المساكـين التائهين إلى بيتك إذا رأيت عرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك"(2). ـ4- الصوم فى العهد الجديد أى بعد مجئ المسيح له المجد نُظم بواسطة الكنيسة وبإرشاد الروح القدس بحيث يكون لمناسبات خاصة بالسيد المسيح، فصوم الميلاد لاستقبال بشارة الخلاص بميلاد السيد المسيح، والصوم الكبير لأن السيد المسيح صامه، وأسبوع الآلام لنتذكر آلام المسيح عنا وصوم الرسل لأن الرسل كانوا يصومون لأجل الخدمة .. يقول سفر الأعمال "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى ثم أطلقوهماـ ـ"(3). أما الأصوام الأخرى فهى لمناسبات معينة، فالثلاثة أيام التى تسبق صوم الميلاد فهى تذكار للمعجزة التى تمت بنقل جبل المقطم من مكانه إلى خارج القاهرة فى ذلك الوقت فى أيام المعز لدين الله الفاطمى والبابا ابرآم بن زرعة (4)، والقديس سمعان الخراز. وصوم أهل نينوى معروف أنه تذكار لنجاة أهل نينوى من الهلاك بعد توبتهم وصومهم ثلاثة أيام فى أيام يونان النبى(5). أما صوم العذراء فصامه الآباء الرسل لكى يتحققوا من صعود جسد العذراء إلى السماء بعد أن رآه توما وحده وأخبرهم بذلك. ففى نهاية المدة رأوا منظراً سمائياً لصعود جسد العذراء تحوطه الملائكة، فتأكدوا من الخبر. وهناك أصوام خاصة تُعلن عنها الكنيسة عند الحاجـة إليها .. عندما تقع فى ضيقة أو لحل أى مشكلة كبيرة تتعرض لها فيستجيب الله للطلبات. 5- هناك صلة وثيقة بين الصـلاة والصـوم، لذلك قال المسـيح له المجد (1)- (يو2: 12، 13). (2)- (أش58: 6، 7). (3)- (أع13: 2، 3). (4)- البطريرك رقم62 فى سلسلة الآباء البطاركة. (5)- (يون 3: 10). لتلاميذه " هـذا الجنـس (الشياطين) لا يمكن أن يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم"(1). وفى أيام أستير الملكة عندما ختم الملك الأمر بإبادة اليهود "شـق مردخاى (عم أستير) ثيابه ولبس مسحاً برماد، وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مُرة .. كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب"(2). ونفس الموضوع حدث فى أيام دانيال النبى فيقول "فوجهت وجهى إلى الله السيد طالباً بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد. وصليت إلى الـرب إلهى واعترفت وقلت أيها الرب الإلـه العظيم المهـوب حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظى وصاياه. أخطأنا وأثمنا وعملنا الشـر وتمـردنا وحـدنا عـن وصاياك وعن أحكامك ..."(3). ويروى لنا القديس لوقا عن نبية تدعى حَنَّة بنت فنوئيل من سبط أشير "وهى أرملة نحو أربعة وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً"(4) ـ 6- إن الأصوام الخاصة مفتوحة لكل إنسان يدخل فى ضيقة ويشعر أنه محتاج أن يصوم لكى تحل هذه المشكلة مع صلوات كثيرة وتذلل أمام الله فيستجيب الله فى الوقت المناسب، وتكون هذه الأصوام بإرشاد أب الاعتراف. ـ7- قسمت الكنيسة الأصوام إلى درجات حسب أهمية مناسبة الصوم، فالصوم الكبير، وأسبوع الآلام، وصومى الأربعاء والجمعة، وصوم أهل نينوى من الدرجة الأولى أن يصام فيها إلى الساعة الثالثة بعد الظهر ولا يؤكل فيها السمك أو منتجاته. أما أصوام الميلاد والرسل والعذراء، فيصام إلى الساعة 12 ظهراً، ومسموح فيها بأكل السمك ومشتقاته لأنها من الدرجة الثانية. هذا من ناحية الحد الأدنى للصوم الإنقطاعى، وكل شخص مع نفسه يستطيع أن يصوم أكثر إذا كانت ظروفه تسمح بذلك. (1)- (مر9: 29). (2)- (أش4: 1- 3). (3)- (دا 9: 3- 5). (4)- (لو2: 37). دانيال يتذلل أمام الله بالصوم والصلاة أما من ينذر أياماً للصوم زائدة فهى تحتاج إلى إرشاد أب الاعتراف ليقدر ما تحتاجه حسب إمكانياتك الروحية. وكما ذكرنا سابقاً أن الصوم ليس عن الطعام فقط فهناك صوم الحواس (النظر والفكر واللمس ... إلخ)، والصوم والصلاة .. مع التسامح والتواضع والمحبة ...إلخ، فما منفعة الصوم وأنت فى خصام مع أسرتك أو أصدقاءك ؟!ـ حتى فى الطعام النباتى لا يجب أن تأكل أكثر من صنف أو تكثر من الأكل .. فيجب أن تضع فى اعتبارك صنف واحد فقط وبقدر معقول حتى لا تكسر الصيام. ـ8- يجب أن تعلم أن الصوم النباتى لا يضعف الجسد، بل هو يضبطه لأن هناك أمهات كثيرات تمنع أولادهن من الصيام خوفاً عليهن من الضعف خصوصاً أيام الدراسة. وكثير من الأطباء يصرحون أن الصوم النباتى يجعل الذهن متقداً واعياً أكثر من الأكل ذو الدهون الكثيرة الذى قد يتعب القلب ويسد الشرايين ..إلخ. فلا تعثروا أولادكم وعودوهم على أن يأكلوا كل ما يقدم لهم، ويدربوا أنفسهم على الصوم. وممكن التدرج فى مدة الصوم ابتداء من فترة الدراسة الإبتدائى حتى يصل إلى كمال الصوم. ـ9- الكنيسة أعطت استثناءات من الصوم بالنسبة للسيدات الحوامل والمرضعات والشيوخ كبار السن وبعض المرضى (بالنسبة لفترة الانقطاع) ويمكن أخذ رأى أب الاعتراف فى هذه الموضوعات كل حالة على حدة. ـ10- الصوم بركة للإنسان، والله عندما أمر بالصوم كان لحكمة إلهية سامية لصالح الإنسان، والقديس يعقوب السروجى له تأمل فى ذلك فيقول [ إن العناصر الأربعة التى خلق منها الإنسان، وهى (الهواء والتراب والماء والنار) يحتاج الإنسان إلى عشرة أيام لضبط كل عنصر ـ 4 = 40 يوم، وهذه مدة الصوم الذى صامه موسى النبى وبعض الأنبياء5فيكون المجموع 10 ].ـ |
الساعة الآن 08:25 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025