منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كلمة الله تتعامل مع مشاعرك (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=45)
-   -   وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=25)

Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:30 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
أصل القداسة

https://images.chjoy.com//uploads/im...4ad057ecd7.jpg

  • السبب الرئيس الذي يَحْدو بالله أن يتعاطى مع الإنسان هو المحبة، المحبة موجودة بطريقة غير محدودة في كيانه الإلهي.


  • هذه المحبة، وهذه الطيبة غير المخلوقة، الموجودة في الله، هي ما تكّون قداسته السميا اللامتناهية ? والمزامير كلها لا تني تعلن هذه القداسة.


  • هذه القداسة لا يمكن لأي إنسان أن يطالها أو يفقهها ? لكن الله أظهرها في تجليات عديدة في العهد القديم ? عندما ظهر مثلاً كقدوس إسرائيل (أشعيا 10 / 20).


  • تعتبر القداسة مرادفة لاسم الله: "واسمه قدوس" (لوقا 1 / 49) (راجع مزمور 111 / 9).


  • لا يمكن للإنسان أن يكون قديساً إلا باشتراكه بقداسة الله. وهذه المشاركة هي عطية مجانية منه تعالى ? فالذي يختاره الرب هو يكون قديساً (عدد 16 / 11).


  • ليس الله ينبوع كل قداسة وحسب، إنه القدوس أصلاً. هو مثال القداسة وأنموذجها .. قداسته متطلبة ? هي لا ترضى بأقل من القداسة عند الخلائق: " كونوا قديسين لأني أنا قدوس". يقول الرب الإله (لاويين 11 / 45)? وكما أن ابن الله الذي دعاهم هو قدوس، فيجب أن تكونوا قديسين في كل مسيرتكم? (1بطرس 1/15).

لكن الله الذي يطلب إلينا أن نصير قديسين، هو نفسه الله المتعالي، والذي يسكن في نور لا يُطال، ولا كان لأحد من بني البشر أن رآه، أو يمكن أن يراه: (1تيم 6/16). "الذي له وحده الخلود، ومسكنه نور لا يُقترب منه، وهو الذي لم يره إنسان، ولا يستطيع أن يراه، له الإكرام والعزّة الأبدية. آمين".

فلا يمكن لأية خليقة أن تضاهي قداستها القداسة الإلهية. ما يمكن أن تصل إليه، هو أن تقتدي بشيء من هذه القداسة? وعندما نقول "الخلائق"، نعني لا فقط الخلائق التي وجدت إلى الآن، أو التي هي موجودة، بل أيضاً كل خليقة ممكنة.


Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:31 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
تنوع القداسة في شعب الله

https://images.chjoy.com//uploads/im...f2100b5640.gif

في تعالي الله هذا، وفي محدودية الخلائق تلك، يمكن إيجاد طرق متعددة للقداسة.

فَلأنَّ لا أحد يستطيع أن يمتلك كلياً القداسة الإلهية، وجب على الواحد أن يمتلك وجهاً منها، وعلى إنسان آخر وجهاً آخر.

فكل إنسان هو فريد من حيث الشخصية والكيان، ومن حيث الرسالة التي أعطيت له لكي يحققها ضمن تصميم الله.

ويمكن أن يقال عن تنوع القداسة، ما قال مار بولس عن تنوع المواهب في (1قور 12/7 ? 11). "فكلٌ يتلقّى ما يُظهر الروح لأجل الخير العام: فأحدهم يتلقى من الروح كلام حكمة، والآخر كلام معرفة وفقاً للروح عينه ? إلى ما هنالك ? فهذا كله يعمله الروح الواحد نفسه موزعاً على كل واحد ما يوافقه كما يشاء".

القداسة إذن هي في أن يحقق الإنسان كلمة الله، أو أن يحقق كلمة من كلام الله ? فلا يمكن لإنسان واحد أن يحقق كلام الله بأجمعه - لكننا نعلم أن من حقق "كلمة" فقد دخل في الكل، ودخل الكل فيه.


Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:32 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الدعوة إلى القداسة هي لكل المسيحيين

https://images.chjoy.com//uploads/im...bed0337da0.jpg

وفي ذلك يقول المجمع بإسهاب ( 1 ) :

"ولئن كان الجميع في الكنيسة لا يسلكون السبيل عينها فإن الجميع، مع ذلك مدعوون إلى القداسة، وقد نالوا إيماناً يجعلهم متساوين في برّ الله (2بطرس 1/1) ? وإن يكن البعض منهم قد أقيموا بإرادة المسيح، معلمين وخداماً للأسرار، ورعاةً لأجل خير الآخرين، فإن الجميع، مع ذلك متساوون حقاً في الكرامة وفي النشاط المشترك بين جميع المؤمنين في بنيان جسد المسيح ? وهكذا، ففي التنوع بالذات، يؤدّون كلهم الشهادة للوحدة العجيبة السائدة في جسد المسيح? لكي يتمِّم الجميع الوصية الجديدة، وصية المحبة ? وقد قال القديس أغوسطينوس في هذا الموضوع قولاً جميلاً جداً: "لَئِن هالني ما أنا لكم، فما أنا معكم يطمئنني: فَلَكُم، أنا أسقف، ومعكم أنا مسيحي، ذاك اسم للمهمة? وهذا اسم للنعمة? فذاك للتهلكة وهذا للخلاص" ( 2 ) .

أمّا الفكرة الواردة عن القداسة في الدستور المجمعي عن الكنيسة، فهي أنّ المسيحي لا يتقدس بالرغم من قيامه بواجباته اليومية الإلزامية? بل إنه يتقدس من خلال هذه الواجبات عينها?

وإذا كان مثال القداسة هو الاقتداء بالمسيح والتشبّه به، فإن عمل المسيحي اليومي، وبالتالي عمل الناس جميعهم، يجعلهم شبيهين بالمسيح الذي قال: " أبي يعمل وأنا أعمل أيضاً"? ولا ننسَ أن الرب يسوع في حياته على الأرض عمل بيديه أيضاً وأظهر بذلك أن الواجب اليومي، مهما كان نوعه هو مقدَّس ومقدِّس?


Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:33 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 

نميز في القداسة بين وجهين متكاملين. الوجه الأول: عمل الله القدوس في الكيان الإنساني? والوجه الثاني: تجاوب الإنسان مع هذا العمل التقديسي المهم - ونسمي الوجه الأول القداسة الكيانية والوجه الثاني القداسة الأدبية.

آ- القداسة الكيانية

ما هو مفهوم قداسة الكيان الإنساني؟ هل يعني أنه يمكن تبديل الكيان، كأن ينتقل الإنسان من كيان بشري إلى كيان ملائكي أو إلهي؟! كلا ! لا يمكن ذلك !

هل يمكن أن يقال أن الروح القدس هو نفسه يصبح في الإنسان "روح روحه"؟! كلا.
إذاً ماذا تعني قداسة الكيان الإنساني؟!?


إليكم بعض الاستنتاجات:



  • في المعمودية نكون "خليقة جديدة" (2 كور 5 /17).


  • "ذلك لأن المسيح أحب الكنيسة وجاد بنفسه من أجلها ليقدّسها مطهراً إياها بغسل الماء وكلمة تصحبه، فيزُفُّها إلى نفسه كنيسة سنيّة لا دنس فيها ولا غَضَن، ولا ما أشبه ذلك بل مقدسة بلا عيب" (أفسس 5/26-27).


  • القداسة ليست إذن شيئاً خارجياً بالنسبة للإنسان?

فالحياة الجديدة تنساب إلى النفس الذاتية (روما 6/4)، فتتحد مع المسيح وتصير على مثاله في موتٍ شبيه بموته، وبقيامة شبيهة بقيامته (روما 6/5-11)?و الإنسان المولود من الله، يحمل في شخصه زرع الله" (1 يوحنا 3/9).

والمعمدون هم مولودون من جديد، من جرم غير فاسد من كلمة الله الحي والأبدي (1 بطرس 1/23)? هذا الزرع الإلهي يسير طريقه فيما تتفجر حيويته الذاتية في قلب الإنسان.

فالحياة التي تغلي في عمق أعماق الكيان، لا يمكن إلا أن تتوافر فيه فتعطي أنواعاً عديدة من الأعمال الصالحة، وتنمي في الإنسان معرفة الله" (قولوسي 1/10).

روح الله إلهنا (1 قور 6/11)، الذي يحتجب في أعماق كل المقدَّسين، يدفع بالنفس إلى أبعد ? وبما أن الروح يسكن في داخلهم (روما 8/9)، فإنه ينفحهم ويُنعشهم (روما 8/14)، ويدلهم إلى الغاية التي إليها يتوقون. (غلاطية 5/18)

هذه الغاية لا يعرفونها بعد، إنما لهم عنها وعود من قِبَل المسيح بالذات، ولهم بين إخوتهم نماذج عاشوا القداسة قبلهم ثم انتقلوا إلى الضفة الأخرى من الحياة في الله، وهم ما يزالون يثبّتون الكنيسة في القداسة. "ففيهم، كما يقول المجمع، يُظهر الله للناس في ضياء ساطع، سرَّ حضوره ووجَهَه?

وبهم يكلمنا الله نفسه، ويُرينا آية لملكوته، ويجذبنا إليه بشدة، بقوة تلك السحابة من الشهود التي تحيق بنا"(عبرا 12/1).

هذا ولن ننسى إخوتنا في الكنيسة المجاهدة، وكل الناس الطيبين? وجودهم، أفكارهم، أعمالهم، أنينهم، رجاؤهم، كل ذلك يشجعنا ويشدنا إلى أن نرتوي من ماوية جسد المسيح السري? ولا بد أننا اختبرنا يوماً كيف نحن محاطون بصلوات إخواننا القديسين (أحياءً و أمواتاً)، وأن مفعول هذه الصلوات يصل إلينا بنعمة الرب القدوسة ? التي لولاها لما كنا صمدنا في أزمة معيّنة أو لما كنا استطعنا أن نعود بالاهتداء أو التوبة إلى مسار جديد على طريق الإيمان والمودة الإلهية.

ب - القداسة الأدبية

يُعبِّر المسيحي عن حياته الداخلية ويعكسها في حياته الواقعية حيث يسير بالتطابق مع الروح القدس الذي يحيا فيه ويُحييه (غلاطية 5/25)، ويجعله مشعِّاً بنور فائق الطبيعة، كما يليق بأبناء النور" (أفسس 5/8).

بيد أنّ ميدان الحياة الأدبية مليء بالصراع، صراع داخلي ما بين الروح والجسد? وقد عبّر بولس الرسول عنه جلياً في الرسالة إلى أهل غلاطية عَبْر هذا المقطع الشهير:

"الجسد يشتهي ما يخالف الروح، والروح يشتهي ما يخالف الجسد: كلاهما يقاوم الآخر حتى أنكم تعملون ما لا تريدون. ولكن إذا كان الروح يقودكم (الروح القدس) فلستم بحكم الشريعة". "وأمّا أعمال الجسد فإنها ظاهرة، وهي الدعارة والزنى والفجور وعبادة الأوثان والسحر والعداوات والخصام والحسد والسُخْط والمنازعات والشِقاق والتشيّع والحسد والسُكْر والقصْف وما أشبه? أنبّهكم كما نبّهتكم من قبل، أن الذين يعملون مثل هذه الأعمال لا يرثون ملكوت الله.

أمّا ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكَرَم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف. وهذه الأشياء ما من شريعة تتعّرض لها.

إن الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الجسد وما فيه من أهواء وشهوات".

يبدو واضحاً من هذا النص، أن طريق القداسة يمر بأعمال الروح ? وهنا لا بد من التساؤل عن أي روح يتكلم النص ? هل عن روح الإنسان، أم عن روح الله، الروح القدس؟!? إنه يتكلم تارة عن روح الإنسان وتارة عن روح الله ? فروح الله أُعطي للإنسان لكي تتم الملاءمة بين الروحين، فيعملا معاً عمل الله.

فالقداسة هي الطريقة التي نعيش فيها روحية التبني الإلهي ? وكلمة "التبني" هي للتعبير بصيغة قانونية عن حالة البنوّة الإنسانية في الله، والتي تميزها عن بنوة ابن الله الوحيد يسوع المسيح. إنها تريد أن تُفصح عن حقيقة راهنة في الدين المسيحي وهي أن المؤمن المسيحي، وإن لم يكن مساوياً لابن الله في الطبيعة، فإن باستطاعته أن يعمل أعمال الله? وهذه ميزة تضاف إلى الميزات الإنسانية الأخرى كالفكر والمحبة وتزيدنا تبحّراً في سر الإنسان بالذات: "ما الإنسان حتى تذكره، وابن البشر حتى تفتقده، نقصتة عن الملائكة قليلاً، وكللته بالمجد والكرامة".(مزمور 8)

التبني الإلهي هو الذي يكّون فينا المجد والكرامة، وهو الذي يجعلنا نسمي الله أبانا الإلهي? "أيها الآب إذ لا يزال الروح يشهد مع أرواحنا أننا أبناء الله" (روما 8/15).

وهذه القداسة تسهم في المجتمع الأرضي بالذات، وفي أن تزيد أوضاع الوجود إنسانية? وإنه لمن الواضح أنه إذا كانت المحبة جِدّية، وإذا كانت الأخلاق سائرة بقوة الروح حسب تعاليم العظة على الجبل، فإن الناس يصلون بسرعة إلى نوعية حياة أكثر إنسانية.

فالنضوج الإنساني ليس من عمل الإنسان وحده، إنه أصلاً من عمل الروح? إذ لا نضوج من دون المحبة، والحال "إن محبة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا" (روما 5/5).

وحدها المحبة تقيس الإنسان تجاه ذاته وتجاه الآخرين، وتُريه مكانته عند الله. "تُقيس دون أن تُقيس"، لأنه كما يقول القديس يرنردوس: "مقياس المحبة أنها بلا مقياس".

لكن المحبة تتجلى أكثر ما تتجلى في حمل الصليب وراء المسيح، "إذ ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه" (يو3/16) عمل الروح إذن، يقودنا إلى التشبه بالمسيح. وفي هذا تكمن قداستنا. أن تكون حياتنا مطابقة لحياة المسيح وأخلاقنا لأخلاقه وتصرفاتنا لتصرفاته.

Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:34 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 

هناك تعبير في قاموس الحياة الروحية عنوانه: "اتباع يسوع المسيح" شدد عليه الآباء القديسون جميعهم. ولا يمكن التغاضي عنه عندما نتكلم عن القداسة، الطريقة الفضلى للتشبه بالمسيح. فما هو هذا الاتباع وكيف يكون؟! ففي ذلك يقول أحد الطوباويين:

"اتباع المسيح هو اللحاق به إلى حيث يذهب، والتمثل به في كل ما يعمل، وعدم مفارقته".



  • هو التوصل إلى ترداد ما قال القديس بولس: اقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح. (1 كور 11/1) إذ وهذا ما عناه ربنا المسيح لما قال لتلاميذه: "لقد جعلت لكم من نفسي قدوة" لتصنعوا أنتم أيضاً ما صنعت إليكم"(يوحنا 13/15).


  • اتباع يسوع المسيح، هو الذهاب معه إلى المغارة لنكون فقراء. ( 3 )


  • هو الهروب معه إلى مصر لنقاسمه منفاه وفقره.


  • هو البقاء معه في الناصرة، في الصمت والإمّحاء.


  • هو الخروج معه إلى الصحراء للصوم والصلاة.


  • هو العبور معه من قرية إلى قرية لتعليم الجهلة وتعزية المحزونين وشفاء المرضى والتبشير بالخلاص.


  • هو مناهضة العيوب، ومقاومة الشر بعزم وشجاعة.


  • هو السير وسط اضطهاد العالم وظلمه.


  • هو الصعود إلى الجلجلة للموت هناك.


  • هو الرضى بالتسمير على الصليب والتسمّر عليه إطاعة لله وخلاصاً للعالم.


  • هو الانتقال معه إلى السماء لأنه وعد من يتبعه على الأرض بأن يكون معه في السماء. إنما لا يكفي في أي حال اتباع المسيح ظاهرياً بل يجب الامتلاء من روحه


Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:35 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 

هل من وسائل عملية لبلوغ القداسة؟

أننا بعد كل ما ذكرنا عن قدسية الواجب اليومي وتقديسه، وعن حمل الصليب والتشبه بالمسيح، وتقبل نعمة حضور الروح القدس، فهل يبقى من أمور يجب التشديد عليها؟

إذا طالعنا النص المجمعي في القداسة ( 4 ) نجد أن الآباء يذكرون سبع وسائل تساعد على بلوغ القداسة? لكننا قبل أن نبدأ بتعدادها نقول أن لا قيمة لهذه الوسائل إن لم تكن منتشية بالمحبة ومنتعشة بها (عنيت المحبة الإلهية). وإن لم تنطلق منها وتعود إليها وتقود ?

وهذه هي الوسائل السبع:

1- قراءة الكتاب المقدس.

2- تحقيق الإرادة الإلهية.

3- المشاركة بالأسرار.

4- الصلاة (الصلاة التأملية خاصة).

5- التخّلي (أو الكفر بالذات).

6- خدمة الآخرين خدمة أخوية وجدية.

7- ممارسة الفضائل.

إلى هذه الوسائل يتكلم المجمع عن المشورات الإنجيلية.

لسنا نتوقف على هذا كله إنما ندلي حوله بثلاث ملاحظات:

الأولى عن قراءة الكتاب المقدس

والثانية عن تحقيق الإرادة الإلهية

والثالثة عن المشورات الإنجيلية

1) قراءة الكتاب المقدس

إنها المرة الأولى التي توضع قراءة الكتاب المقدس في نص مجمعي رسمي وتُعرض كوسيلة تقديس ذاتية مميزة? والغاية من هذه القراءة المتواترة أن نستوحي الروح الذي أوحى الكلمات الكتابية ، وننظر إلى هذه بأنها حاملة حضوره الحي ومتحدثة عن عمله في قلب العالم والكنيسة? فكلمة الله هي مدرسة في القداسة والكتاب المقدس المفتوح أمامنا هو كالأيقونة الشرقية، تجعل الروح القدس فينا يخاطب الروح الذي أمامنا.

2) تحقيق الإرادة الإلهية

تحقيق إرادة الله هو خلاصة وملخَّص كل وسائل القداسة. والمسيحي يجب أن يصلي ويتخلّى ويمارس الفضائل لأن الله نفسه يريد منه ذلك? التفتيش عن إرادة الله هو المعيار لقراءة الكتاب المقدس والهدف الأول للمشاركة بالأسرار. تيمُّناً بالمسيح الذي قال حسب الرسالة إلى العبرانيين: "تقادم وذبائح لم تُرِدْ ? بل كوَّنتَ لي جسداً"، فقلت: "ها أنذا آت لأعمل بمشيئتك يا الله" (عبر : 10 / 7)

يبقى السؤال العادي: كيف يمكن أن نتعرف على إرادة الله حتى نحققها؟!? فعلى سبيل الاختصار نقدم جواب المسيح موجزاً بهذه الكلمة من إنجيل يوحنا: "من أحبني حفظ وصاياي".

آخذين بعين الاعتبار أن كلمة وصايا تؤخذ بمعنيين:

بالمعنى الشامل حيث أن كلمة الله تعني كل ما جاء به الله في الكتاب المقدس والكنيسة، وبالمعنى الحصري أي ما يطلبه الله منا، والذي يتلخص بالوصايا العشر ثم بالوصيتين الكبريين : محبة الله ومحبة القريب.

3) المشورات الإنجيلية

يعلّم المجمع أنه لا يكون كمال في القداسة إذا لم يراعِ الشخص روح المشورات الإنجيلية. وهذه المشورات على نوعين:

الأول: وهو الأعمال الحسنة بشكل عام? وعلى هذا المستوى قيمة المشورات تفوق قيمة الوصايا ?

والنوع الثاني: هو ما يسمى بالمشورات الإنجيلية بحصر المعنى وتُلخَّص بثلاث: التخلي عن الخيور وطهارة القلب والحواس والاتضاع.

هذه المشورات التي يَعِدُ الرهبانُ بأن يسيروا عليها من خلال قيامهم بالنذورات الثلاثة، تعتبر الطريق المؤدي إلى الكمال المسيحي? فالمسيحيون جميعهم مدعوون إلى الاقتراب من روحها وممارسة ما يمكن ممارسته، مع العلم أن أساس هذه الممارسة وحيويتها ليسا في عمل التقشف والإماتة بالذات، بل بالمحبة الدافعة إليهما والناتجة عنهما?
فإذا كان للعلمانيين المؤمنين بالمسيح دور ومسؤوليات في القضايا الزمنية على أنواعها فإن روح المشورات تساعدهم على أن يكون ما يقومون به هو حسب إرادة الله (الطاعة)، منزّهاً عن الأغراض الأنانية (العفة)، في سبيل الخير العام (الفقر).



Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:37 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
العمق الكنسى



نيافة الأنبا رافائيل

https://images.chjoy.com//uploads/im...1ef40c40af.jpg



كثيراً جداً
ما نرى الآن بعض من الناس يعيشون بسطحية وهذه السطحية تقودهم إلى التفاهة الفكرية والممارسة
السطحية الخاطئة وهذه تقريباً هى المشكلة التى نعانى منها الآن فى هذا الجيل.




فقد كان هناك
جيل قبل هذا ينقصه المعرفة، وناس بعيدة عن الكنيسة ولا تدخلها إلا فى المناسبات.. أما
الآن فقد حدث العكس فكثير من الناس يذهبون إلى الكنيسة، وأصبحت الكنائس ممتلئة بعدد
كبير من الناس ولكن ينقصهم العمق..




ودورنا نحن كخدام أن نتجه ناحية العمق والتعميق ولكى نكون فى حياة عمق
مع الله لابد أن يكون هناك ثلاث مستويات:




أ- الممارسة : أن نمارس بعمق، ولكى أمارس بعمق لابد
أن يكون هناك فهم.


ب- الفهم : أن نفهم ونعى الكنيسة ونعى الممارسة.

ج- الخدمة : أن أسلم هذه الممارسة للناس.



وهذه الثلاثة
أشياء (
الممارسة، الفهم، الخدمة) سوف تطبقها على أربع نقاط أساسية نود الحديث عنها:




1-
الكنيسة.
2-
الليتورجيا.
3-
الإنسان.
4-
الإنجيل.




1- الكنيسة :



كلنا نعرف
أن الكنيسة هى جسد المسيح، وعندما أقول هذا أفهم أننى عضو فى هذا الجسد وأن بقية الناس
أيضاً هم أعضاء فى هذا الجسد، وهذا يقودنا إلى مفهوم الشركة.




ومن الخطورة
أن أكون مدرك لهذا وفاهم ولا أستطيع أن أمارس. ويجب أن نفهم وندرك أن عضويتنا فى هذا
الجسد لا تلقى تميزنا ولكنها تبرزه، وتجعل كل إنسان يستطيع أن يقدم شخصيته من خلال
خدمته


وهذا لا يلغى
الخدام الآخرين، ولا يجعلنى أتكبر عليهم بل على العكس على أن أكون فرحان وسعيد أنم
جسد الكنيسة به عدد من الخدام الممتازين.




وإذا كنت
أفهم وأدرك معنى الكنيسة لابد وأنم أخدم بهذه الروح، وهذه سوف تلغى موضوع العزلة، أن
يكون الإنسان جالس فى برج عالى ولا يستطيع أحد الوصول إليه.




والذى يفهم
معنى الكنيسة يفرح جداً بالخدام وإمكانياتهم ويشعر أنها إضافة إليه ويفرح أن هناك إمكانية
جديدة أضيفت إلى الكنيسة.


وهكذا عندما
أفهم الكنيسة أستطيع أن أعيش حياة الشركة التى فيها وأفرح بجميع الخدام الذين حولى
ويخدمون معى.




فالكنيسة
بها الأسقف والكاهن والشماس والشعب، ولا يمكن أن تصبح كنيسة بدونهم.




وهذا لا يعنى
أن بها طبقات ولكن بها تمايز من أجل أن يمشى (يسير) العمل، فهذا هو قصد الله أن يكون
هناك تمايز وتنوع وتعدد فى الأعضاء من اجل بهاء الكنيسة وبهاء الجسد وتكامله.




وهذا شئ يسعدنى
أن تكون الكنيسة مثل الفردوس الملئ بعدة أنواع من الزهور والنباتات والتى تصنع فى النهاية
جنة حلوة.




2- الليتورجيا :



هى الصلوات
المشتركة التى تقوم بها معاً فنحن نقوم بالصلاة جماعياً (هذه وسيلة) وسيلة تحقق معنى
الكنيسة، فإذا كنا جسد واحد لابد أن نصلى أيضاً بلسان واحد، والليتورجيا تعبر عهن هذا
اللسان وسيلة لخدمة الناس،
ولها على أن أسأل نفسى أن هى من خدمتى؟




أخشى أن تكون
غير موجودة، فنحن فد نهتم بالترانيم والألحان والمهرجانات، وقد تأتى الليتورجيا فى
المركز الثانى ولكنها لابد أن تكون فى المركز الأول. فإذا بدأنا فى تسليم الليتورجيا
للمخدومين فسوف يعيشوا فى الكنيسة بلا انحرافات ونضمن أنه سوف يثبت فى الكنيسة ويرتبط
بها أكثر وأكثر.




(التسبحة، القداس، الاعتراف، التناول،
الأجبية
) كل هذه
تجعل الإنسان له أساسات عميقة.




والليتورجيا
هى التى تشبع الاحتياجات العميقة للإنسان.




وقد عاشت
الكنيسة حتى القرن ال 20 بالليتورجيا، ففى هذا القرن فقط أدخلنا (مدارس الأحد والتعليم)،
أى أنهم كانوا قديسين وأيضاً مستعدين للاستشهاد (أعلى درجة فى الروحيات) من خلال الليتورجيا
فقط.




فالذى يضع
الليتورجيا أساس لخدمته يضع يده على كنز، ويسلم هذا الكنز إلى جيل محظوظ لأنه بمنتهى
البساطة سيشربوا الإيمان وبمنتهى البراعة سيعبروا عنه وبمنتهى القوة سيثبتوا فيه إلى
المنتهى.




وسنجد فى
الليتورجيا حلاً للمشاكل اليومية للشباب، فإذا كان فى ضيقة مادية أو اقتصادية تجد أن
الكنيسة تصلى من أجل احتياجات الناس.




(من أجل الأرملة
واليتيم والضيف ومن أجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب أسمك القدوس) فكل الظروف اليومية
تعرضت لها الليتورجيا.




فهى (الليتورجيا)
وسيلة رائعة للخدمة، فكم من الناس رجعوا وتابوا بواسطة الليتورجيا.




فإذا كنت
أفهم هذا يجب أن أمارسه.




3- الإنسان :



الإنسان فى
نظر الأرثوذكسية محترم ومهم جداً. اللاهوت الأرثوذكسى يقوم على الاتحاد بين الله والإنسان،
أما اللاهوت الغربى فيفصل بين الطبعتين لأنه لا يستطيع أن يفهم أن الله يتحد بالإنسان
اتحاد كامل.


ونرى جميع
البدع والهرطقة فرقوا بين الله والإنسان وقالوا أن الله لا يستطيع أن يتحد بالإنسان
ونرى أنهم فى ذلك وقعوا فى أخطاء كبيرة عندما فرقوا بين اللاهوت والناسوت وقالوا أنه
لا يستطيع الناسوت أن يتحد بالاهوت بل هناك طبعتين.




وقالوا أنه
لا يستطيع الناسوت أن يتحد بالاهوت بل هناك طبيعتين.




ولكن الفكر
الأرثوذكسى (أثناسيوس، كيرلس) قال: ما الذى يستبعد أن الله يتحد بالإنسان؟ أهذا الإنسان
نكره؟




أنه محترم
جداً ومخلوق على صورة الله ومثاله.




فما الذى
يجعل الله يستنكر أن يتحد بالإنسان؟ أنه لا بد أن يتحد بالإنسان، لأن الإنسان محترم
فى نظر الله.




وعندما يتحد
الله بالإنسان لا يلغى إنسانيته، ونحن نجد فى المسيح إنسانية واضحة جداً، نجده يبكى
ويتحدث كثيراً عن نفسه ويقول "
ابن الإنسان" وهذه من أعز الألقاب لديه أبن الإنسان وهذا
لأنه يحبنا ويحترمنا جداً.




ونجد أن الله
أعطى دور للإنسان وهو الجهاد والله عليه دور وهو النعمة، فإذا أنا لغيت وأهملت دور
الإنسان، إذن فأنا أحتقره (وهذا هو الفكر البروتوستنتى) وهناك أيضاً من يعظم مكن دور
الإنسان جداً ويلغى دور الله (البلاجسيين).




وإذا كان
الله لا يحترم الإنسان وطبيعته البشرية، لما تجسد وأخذ صورة إنسان ليخلصنا ولو أن دور
الله منعدم والإنسان فقط بجهاده فما هى أهمية التجسد؟




كان كل إنسان
بجهاده يمكن أن تغفر له خطيته.




ولكن كان
لابد من التجسد الذى يبرهن على أن هناك دور هام لله وهذا الدور لا يقوم بدون مشاركة
الإنسان.




"فالله الذى خلقك بدونك، لن يخلصك بدونك" (أغسطينوس).



لابد من الشركة
بين الله والإنسان، وهذا معناه تعظيم وتقدير الله للإنسان.




فإذا كان
الإنسان محترم فى نظر الله فلابد أن يكون هذا المفهوم واضح عندى وعلى أن أنطلق فى خدمتى
من خلال هذا المفهوم، فلا يفقد شخص وأقول لا يهم.




"فالإنسان
هدف ولا ينبغى أن يفقد ظلف" (موسى النبى) فهذه هى الخدمة الحلوة.




4- الإنجيل :



ليس الإنجيل
تراث فكرى لليهود، ولا هو تسجيل للتاريخ، ولا هو كتاب للمعلومات العلمية والثقافية
والجغرافيا.




فهو ليس كتاب
علم ولكنه خطاب من الله للنفس البشرية.




فالنفس البشرية
العامة التى ليس لديها أى احساس بالله تمسك بالإنجيل وتقوم بتشريحه.


فقد نظر الآباء
إلى الإنجيل على أنه وجبة دسمة ولذيذة وبشارة مفرحة للقلب. فقد كان لديهم "الهذيذ"
بالكتاب أى قد يجلسوا ويقرأوا أية واحدة فقط طوال الليل ومن كثرة حلاوتها وجمالها لا
يستطيعوا أن يتركوها ويذهبوا إلى آية أخرى.




فقد كانوا
يأكلون الكتاب المقدس كان يهضم ويمتص ويحدث له تمثيل غذائى فى داخلهم ويدخل إلى نسيج
حياتهم.




وعندما أدرك
أن هذا هو شكل الكتاب المقدس سيصبح له معنى أخر ووضع أخر وتصبح له مكانته.




فمن المؤسف
أن يمضى يوم على الإنسان دون أن يقرأ فى الإنجيل وقراءة بشبع "لتسكن فيكم كلمة
المسيح بغنى".




فالكنيسة
والليتورجيا والإنسان والإنجيل أن أنا أدركتهم بطريقة صحيحة سوف أمارسهم بطريقة صحيحة
وأستطيع أيضاً أن أسلمهم بطريقة صحيحة

Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:38 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد، آمين.
نتوقف على أسئلة:
هل كان يسوع مستقلاّ؟ متى وكيف وأين ومع من؟
أوّلاَ:
أوّل إشارة إستقلال أظهرها يسوع في حياته كانت في عمر 12 سنة. أوّل كلام
ليسوع في إنجيل لوقا، هذا النطق الأوّل كان إشارة واضحة إلى الإستقلاليّة.
عندما أضاعه والداه وقالت له والدته أنّها وأباه أمضيا ثلاثة أيّام يبحثان
عنه فأجابها: ?ألا تعلمان أنّه يجب عليّ أن أكون عند أبي?.
إذاً أوّل عنصر في استقلاليّة يسوع كان بالنسبة لأهله.
بالنسبة لأهله كان يسوع مستقلاً مئة بالمئة لأنّه أعطى الأولويّة لأبيه
السماوي. ورداً على هذا الكلام يقول الإنجيلي لوقا: ?أمّا يوسف
ومريم فلم يفهما، لم يفهما ما قاله لهما? ما معنى لم يفهما؟ الفهم
هنا يعني أمرين. أوّلاً: هما فهما أنّهما وجداه بعدما أضاعاه على الصعيد
الجسدي، شاهداه في الهيكل، ولم يفهما على الصعيد اللاهوتي وعلى الصعيد
الذهني. فهموا الكلمات ولكن لم يفهموا المعنى. والدليل على ذلك أنّهم
عادوا. ولكن الإشارة إلى عدم الفهم هي أن يسوع أظهر استقلاليّته عنهم
إنطلاقاً من مسيحانيّته وكيانه، وارتبط مباشرة بأبيه السماوي مع كلّ الشكر
والحمد والعواطف ليوسف ومريم ولكنّه كان مستقلاً عنهما.
الإشارة الثالثة لاستقلاله عن أهله هي عندما كان مرّةً يعظ
وأتى أحدهم وقال له إنّ أمّك وأخوتك ينتظرون رؤيتك فقال: ?من هي
أمّي ومن هم إخوتي؟ أمّي وأخوتي هم الذين يعملون إرادة أبي الذي
أرسلني?. وبهذا أعطى يسوع الأمومة والأخوّة وكل الروابط الدمويّة
معنىً متسامياً جداً. لا علاقة لي بالقرابة الدموّية مع أبي وأمّي، قربي
وقرابتي هي مع ربّي. إذاَ الإشارة الأولى: ? كان يسوع مستقلاً
? كونه ابن الله- عن الروابط الدمويّة التي تربطه بأهله وبدأ
عنده هذا الاستقلال بعمر 12 سنة، أوّل كلام قاله هو: إستقلال. هذا واقع،
ونشاهده فقط عند لوقا وليس عند باقي الإنجيلين، لأنّه قيل أن العذراء
أخبرت لوقا بهذا ولكن هذا الكلام ليس بالمنزل أو بالعقيدة الكلاميّة.
ولكنّه الإشارة الأولى إلى استقلاليّة يسوع.
الإشارة الثانية
والأهم إلى استقلالية يسوع هي بالنسبة للشريعة القديمة. هناك إشارتان
مهمّتان وخطيرتان بالنسبة للشريعة قالهما يسوع في إنجيل متى الفصل 6 يقول:
?سمعتم أنّه قيل?، والصيغة الثانية هي: ?قيل
لكم?. ما معنى هذا الكلام؟ سمعتم أنّه قيل يعني أنّكم سمعتم قراءة
الشريعة، تقرأ في الهيكل قراءة إحتفالية وليتورجيّة علنية سمعتموها في
المجامع وتبدأ خاصة هذه القراءة العلنيّة بصلاة. ?سمعتم أنه
قيل?. ويعود ويقول لهم: ?قيل لكم? ماذا تعني ?قيل
لكم? قيل لكم في الشريعة القديمة: ?أمّا أنا? ?سمعتم أنّه قيل?? ?أنا? هذه كلمة أل ?أنا?. هنا الاستقلاليّة. ?أمّا أنا?
أمّا أنا تعني أن كلام يسوع المستقل عن كلّ الدنيا أهم من كلام الشريعة
وهذا دليل على دعوته المسيحانيّة لأن الآب مسحه وأرسله وأعطاه السلطان
والاستقلالية للتعليم والتبشير.
إذاً بالنسبة للشريعة القديمة على الرغم من أن الله هو تاج
الشريعة القديمة على الرغم من كلّ ذلك، يسوع ?الأنا? غلب كل
شيء. فهو يقول لهم على الرغم من أنّكم سمعتم في الشريعة وقالوا لكم
هكذا? مع كل الاحترام، ولكن القرار لي ?أنا? أنا
المستقل? أنا من يتكلّم? ومن هنا دلالة كبيرة على حريّة
شخصيّته وعلى استقلاليته وعلى منهجيته المستقل بها ولا يتبع أي رضوخ أو
مرجعيّة لأحد. تخطّى الشريعة القديمة بالشرعة الجديدة. في العهد القديم
هناك شريعة في العهد الجديد هناك شرعة. شريعة موسى وشرعة يسوع.
سوف نستعين ببعض الأمثلة الحياتّية المهمّة جداً ولكن بإيجاز:
عندما يقول يسوع :?قيل لكم العين بالعين?
انظروا ما معنى العين بالعين وما وراء هذه العبارة. نحن ما زلنا هنا في
إطار العهد القديم. كانت قديماً شريعة الإنتقام 70 مرّةً، أي فناء العائلة
فناء القبيلة وفناء الكلّ انتقاماً. وعمدوا بعدها إلى تخفيف الإنتقام
فأصبحت ?العين بالعين والسن بالسن?. قيل لكم العين بالعين.
إذاً يسوع في الشريعة الجديدة يقول ?لا تقاوموا?. هذا لا يعني
لا تقاوموا الشرّ إنّما لا تردّوا على الضرب بالضرب، لا تردّوا على
الإنتقام بالإنتقام. في شرعة يسوع المستقلّة يجب التخلّي عن كلّ حق
بالإنتقام وذلك من أجل ملكوت الغفران والمحبّة بدل الإنتقام. الشريعة
القديمة كانت انتقاماً وثأراً، بينما شريعة يسوع هي غفران ومسامحة. وإذا
طلب في العهد القديم سبعين مرّة للإنتقام، فيسوع نادى بالغفران سبعين مرّة
سبع مرّات. ومن ثمّ: ?من ضربك على خدّك الأيمن حوّل الخد
الآخر?. ليس المقصود من قبل يسوع موقف خنوع واستسلام، حوّل له
الأيسر، هذا لا يعني أنّك خاضع للآخر في عمليّة تخلّي عن الكرامة إنّما
العكس، المقصود تصرّف واعٍ لا يردّ على الشر بالشر، بل يحتمل الإهانة
بالإنتصار على الذات أوّلاً وإظهار الحق والمطالبة به ثانياً. كما فعل
يسوع عندما صفعه الجندي على خدّه فقال له: ?إن لم يكن كلامي خطأ
فلماذا تلطمني؟?. إذاً العمليّة هي في الإستقلاليّة، في أخلاق وآداب
يسوع L?indépendance dans la morale de Jésus، هي عدم
التخلّي عن الكرامة بل إظهار الحق. والحق يجب أن يظهر بالمسامحة والغفران.
أمر ثالث يختص بأخلاقيتنا هو: ?أحبب قريبك وأبغض
عدوّك?. قديماً كان القريب كلّ إسرائيل، والآخرون يُرذَلون. إذاً
الإسرائيلي هو القريب. كانت أعمال المحبّة تحصر بالصالحين والأبرار والذين
يحبّونهم. أمّا مع المسيح، وهنا الاستقلالية بالتعليم، تمتد المحبّة إلى
الأعداء والمضطَهِدين، إلى الأشرار والكفار، إلى العشارين والخطأة. عادة
أن يكون المرء مستقلاً بتعليمه هذا يعني أنه لا يجب أن يكون تابعاً لأحد
أو تعليمه مقتبساً عن أحد ولا يقلّد أحداً، وهنا أريد أن أوضح الفرق بين
الإقتداء والتقليد، وأرجو أن تفهموني بشكل صحيح، القداسة هي شعار كلّ
إنسان مسيحي، وكل إنسان مسيحي هو مدعو إلى القداسة. لكن هذه لا يجب أن
تكون عمليّة قهر وممارسات مضنية، نحن في العام 2002 أحياناً تُفرض علينا
صلوات مطبوعة وروحانيّات تخص هذا القديس وتلك القديسة? وأكبر خطر
نعاني منه نحن المسيحين حتى اليوم، هو عقدة الذنب. لم أستطع مواكبة القدسة
تريزيا? لم أتمكن من الذهاب إلى مار شربل الأسبوع الفائت?
فيعيش المرء باضطراب. ما أريد قوله لكم أنّه بمنهجيّة وتخطيط واستقلالية
يسوع لا وجود لكلّ هذا. عنوان يسوع الكبير بصلاته هو الحرّية. كان حراً
بصلاته. كان حراً بممارساته، حراً بمناجاة أبيه، يقول له الكلمات التي
يريدها. كلّ الإستعمار Imposition حتى في الصلاة يجب أن يكون
مرفوضاً. إذاً ومن فضلكم عليكم نزع فكرة الذنب من رؤوسكم، وأرجو ألاّ تكون
موجودة، ولكن هذا شيء نعاني منه نحن الشرقييّن، دائماً مضطربين غير
مقتنعين بصلاتنا، وهناك أحياناً مَن يقوم بنشر تفاهات وأوراق الصلاة خوفاً
من الذي كُتِبَ فيها بواجب ارسالها كذا مرّة، ونربط هذا الخوف بأحداث
حياتنا.
إستقلالية وحرية يسوع يجعلون منّي قدّيساً حرّاً وملتزماً
حرّاً. أحببت قول هذا لأنه يدخل في نطاق يسوع. لا تفعلوا كلّ ما هو مفروض
عن غير اقتناع،وإذا كنتم مقتنعين به فهنيئاً لكل إنسان اقتنع والتزم. يوجد
صيغتان: أو أنّي أسير عالماً بما آمنت أي القليل من العبادات والتساعيات
والصلوات، أو أنّي أسير عالِماً بمن آمنت أي بيسوع المسيح. عليّ أن أختار
بين مجموعة عبادات أو عبادة واحدة ليسوع المسيح. إذا كانت هذه المجموعة
توصلني إلى الأصل والينبوع فهنيئاً لي، أما إذا كان الينبوع في جهّة وهذه
العبادات في جهّة أخرى، فهذا يعني أنّه هنالك شرخ في حياتنا المسيحيّة ومن
هنا عقدة الذنب.
فلأحاول إذاً ألاّ تكون القداسة ضاغطة عليّ أو أن تكون سبب
لعقدة ذنب. أكون عندها لم أستفد من سرّ التجسّد والفداء والقيامة وأكون قد
خسرته. إنطلاقا من هذا الأمر يريدني يسوع من خلال المحبّة إنساناً حراً،
شريعة يسوع المستقل تقول ?أحبوا كما أنا أحببت? أنا الحرّ أنا
المستقل هكذا أريدكم أن تحبّوا وانسوا التقليد. لأن المسيح لم يطلب أن
تقلّدوه بل أن تتبعوه قال اتبعوني. اتبعوني واطيعوني. هذا ما أراده
المسيح. وقلت لكم مرّة ان القديسة تيريزيا لم تصبح قدّيسة لأنها تبعت
الذخائر. وهي كانت أكثر واحدة متحررة ما بين القديسين والقدّيسات، لا تهتم
للعقيدة وللأمور الضخمة والفلسفات، بل فقط للأمور البسيطة، فأعطت الأمور
الصغيرة معنىً كبيراً إنطلاقاً من حريتها الروحيّة التي عاشتها واستمدّتها
من المسيح. إذاً في ما يختص بالمحبّة، العملية كلّها متوقّفة على، أحبوا كما أنا أحببتكم
وهنا البطولة لأن يسوع في برنامج محبّته كان مستقلاّ. لا أحد أحبّ مثل
يسوع. والمطلوب منّا أن نسير أيضاً في هذه المحبّة حتّى نتمكّن من
الإستفادة من استقلاليّة يسوع وتوظيفها في أعمال محبّة خيّرة وبنّاءة
انطلاقاً من التزامنا المسيحي. فأنا انطلاقاً من التزامي المسيحي هناك أمر
وحيد عليّ إظهاره للناس لأن الحياة المسيحية ليست مجموعة أمور. المحبّة
المسيحية هي عندما أترك مجالاً لنور المسيح أن يشعّ من خلالي. بقدر ما نور
الله يشع فيّ، بقدر ما أكون إنساناً مسيحياً. بتعبير أوضح، عندما لا يحيد
نظري عن نظر المسيح تلك هي القداسة. وإذا بعُدَت مسافة فعليّ إعادة
التركيز وإذا بقيت محافظاً وموجّهاً نظري دائماً إلى نظر المسيح، أكون
عندها أستفيد من الإستقلاليّة.
لا تزنِ: قيل لكم لا تزنِ. الأمر مختلف عند المسيح، فشريعة
يسوع شجبت الزنى حتّى في قلب الإنسان. هذه هي استقلالية وفرادة يسوع. لم
ينظر إلى الزنى كعملّية خارجّية إنمّا نظر إلى الداخل، وكان متصلّبا
ومتطلّباً أكثر. وشجب الزنى حتّى في قلب الإنسان لأنّ زنى القلب أخطر من
الزنى الجسدي الفعلي. ما هو جديد في استقلالية وفرادة يسوع في هذه
العمليّة؟. إنّه ساوى الشهوة بالفعل وهذا لم يكن موجوداً قبلاً. إذا لقد
كان يسوع مستقلا في أخلاقيّته الجنسيّة. وعندما أقول استقلالية أقولها بكل
ما للكلمة من معنى. لم يقتبس يسوع عن أحداّ بل تخطّى الأقدمين وتخطّى
الأخلاقيّة التقليديّة اليهوديّة وزاد عليها وأعطاها غزارة من الداخل.
والجديد أنّه لا تكفي الخيانة من الخارج فعمليّة الزنى هي من داخل وليس من
خارج. يسوع ساوى الشهوة بالفعل ?من اشتهى امرأةً فبها زنى?
ولكنّه بالمقابل حرّم (وهنا الاستقلالية أيضاّ) حرّم رجم الزانية ودعاها
إلى التوبة. فلو كان حقاً تابعاً للشريعة القديمة لكان وافق على رجمها
حتّى الموت، ولكنّه أعطى أخلاقيّة تحمي المرأة انطلاقاً من أخلاقيّته
المستقلّة، وأقول مستقلّة لأن هذا شيء جديد يخصّه وحده ومنبثق منه وحده.
وموضوع الطلاق أيضاً يسوع يحرّمه كلّياً، إلاّ أنّه يستثني
حالة الفحشاء بحسب إنجيل متّى. وهناك ثلاث شروحات لهذه الحالة، فقد يكون
عيب دون تحديد نوعه، أو خيانة زوجيّة، أو زواج غير شرعي أي مساكنة. إذاً
يسوع حرّم كلّ أنواع الطلاق وهذا هو جديده.
وأتكلّم أخيراً عن ?لا تقتل? وأتابع الحديث: في
الشرعية القديمة كان القاتل يعاقب بالقتل. أمّا مع المسيح فشريعته الجديدة
تجعل الغضب، أي غضب الإنسان على أخيه فمن قال لأخيه يا جاهل، تجعله
قاتلاً. فكلام اللسان البذيء هو أخطر قتلاً من القتل الجسدي. فالمسيح
انطلق إلى أعماق الإنسان ليحرّره وينّوره ويعطيه قيمة، مثلما أعطاه الله
قيمة في العهد القديم. فديانتنا كلّها بعهديْها القديم والجديد إنّما هي
من أجل شخص واحد هو الإنسان هو أنا، لتبقى كرامتي وقيمتي. بالمجد والكرامة
كللّته. من هو هذا الإنسان الذي أعطيته كلّ هذا؟
علينا النظر إلى ما وراء الشرح. فكلّ ما تمّ فعله في العهد
القديم والجديد، كان في البداية من أجل شعب صغير وفي العهد الجديد ومع
المسيح أصبح من أجل إنسانٍ صغير لكي يكبر فيصبح كبيراً في عينيّ الآخر كما
هو كبير في عينيّ الله. وهذا مرتبط باستقلالية يسوع وبأهميّة الإنسان في
حياة يسوع.
كل انجيل يسوع المسيح يُختصر بكلمة واحدة وهي: ?من أجل? الإنسان.
إذاً الذي يغضب على أخيه يستوجب المحاكمة أي أن الله يحاكمه ويعاقبه، وهذا
لا يعني أن الله لا يميّز بين القتل والغضب، لكنّه يدين الإنسان بحسب
نوايا قلبه.
لقد شاهدنا الإشارة الأولى والثانية بالنسبة لأهله وبالنسبة للشريعة.
ثالثاً:
بالنسبة للهيكل. يسوع يتخطّى الهيكل الحجري والهيكل المصنوع بالأيدي.
دائماً يهمّه الإنسان، فهو يريد الاّ يبقى الإنسان بتفكيره البشري على
الأرض، إنّما يريد أن يرفعه إلى فوق. هذه أهميّة وجديد يسوع. كلّ الأديان
والمنهجيّات السابقة وكل النظريّات التي رافقت حياة يسوع أو كانت موجودة
في أيّامه، لم تعطِ البعد الماورائي للإنسان. فبالنسبة ليسوع كلّ ما فعله،
هو أنّه نزل لأصعد أنا. هنا استقلاليّته بالتعليم. يسوع يهمّه أن نصل إلى
هيكله الوحيد المملوء مجداً وقيامة. وحقيقة هذه الآية: ?انقضوا هذا
الهيكل وأنا أبنيه في ثلاثة أيّام?، تنقلنا من الهيكل الذي استغرق
بناؤه 46 سنة إلى الهيكل الذي يجب أن نعبد ونسجد له بالروح والحقّ الذي هو
يسوع المسيح. فانظروا إلى الفرق. من بناء حجري مصنوع بأيدٍ بشريّة إلى
الإنحناء أمام إنسان يجب أن نسجد له بالروح والحق. إذاً انتقلنا من هيكل
الشريعة والعبادات الفرضيّة، إلى السجود بالعبادة بالروح والحق ليسوع
المسيح (أوّل بذور للسجود أمام يسوع المسيح في القربان، كانت للمجوس، بدأت
معهم أوّل براعم وأوّل بذور وظهور للسجود القرباني، ?أين هو ملك
اليهود لنسجد له? وهم ليسوا من اليهود إنّما من الوثنيّن). إنّه
انتقال من عالم الحجر إلى عالم الروح الذي تفرّد به يسوع. الأستقلايّة
بالنسبة للهيكل برزت بأن هذا الهيكل هو جسد يسوع المسيح ? من يستطيع
أن ينطق بهذا الكلام- المكوّن من الروح القدس في حشا مريم وممجّد من الآب
وممتد إلى المسكونة كلّها. أخيراً إنّ الهيكل الذي يرى فيه اليهود شرفهم
وعظمتهم وكرامتهم يتعارض مع طبيعة الهيكل الذي يريده، وهو يسوع المسيح.
رابعاً:
استقلاليّة بالنسبة للغير والآخرين (وعليكم الإنتباه هنا لأنّ
الإستقلاليّة مبطّنة). هناك عبارة جميلة تقول: ?لم يسمح يسوع لأحد
باعتقاله قبل أن تأتي ساعته?. ممّا يعني أنّ لديه استقلاليّة وحريّة
وسلطان، الثلاثة معاً يتماشون مع يسوع المسيح. أي عندما أريد أنا، أسلمكم
ذاتي. في إنجيل يوحنّا يقول يسوع أجمل عبارة في الإستقلاليّة: ?ما
من أحد ينتزع نفسي منّي أنا أبذلها برضاي? وكلمة أنا رهيبة في إنجيل
يوحنّا، ففي كلّ مشاجرة مع الفريسين يقول يسوع أنا نور العالم? أنا
القيامة? أنا خبز الحياة? ال ?أنا? تملأ إنجيل
يوحنّا تأكيداً على استقلاليّة يسوع لا أكثر ولا أقلّ، تأكيداً على سلطانه
وحرّيته وقوّته وثقته بنفسه. يقول ?ما من أحد ينتزع نفسي منّي أنا
أبذلها برضاي? فلي القدرة على بذلها ولي القدرة على استرجاعها، أي
عندما أشاء أموت وعندما أشاء أقوم. يسوع مستقلّ ووضعه مرتاح. التنسيق بينه
وبين الآب رائع لأنّه ?هو والآب واحد? هذا
يفسّر الكلام في إنجيل يوحنّا، فهذه الجملة تعني أنني ساعة أريد يا كتبة
ويهود وفرّيسيّن أموت، ساعة أريد أبذل حياتي وأموت وتدفنوني وتفعلون ما
تريدونه، ولكن ساعة أريد أسترجع حياتي أيضاً. وبالإضافة، عندما أرتفع
وأسترجع نفسي أرفع معي أناس أيضاً. هذه هي ديانتنا وهذه مسيحيّتنا وهنا
تكمن روعة يسوع المسيح. نحن نمرّ على هذه الكلمات مجرّد مرور إلاّ أنّها
مليئة بالأمل والحريّة والكرامة والشرف. فمعنى هذا الكلام أنّه لا يقف عند
حدّ الموت بل يتخطّاه إلى القيامة. كما أن طاعة المسيح للآب في بذل ذاته
هي تحت علامة الحريّة والسلطان الذاتي أي الأستقلاليّة. بتعبير آخر، أن
يقدّم المسيح ذاته هذا فعل حرّ مستقلّ، هو يقرر ساعته لا أحد سواه. في
ذبيحته ميزتان: موت ارتضاه وحبّ تقوّى به. ليس موته خنوع، أي أنّهم كتبوا
له أن يموت أو حكم عليه ليموت، بل هذا الموت مفعم بالمحبّة. انتبهوا إذاً،
فهو لم يُكتب له ليمت ولو لم يمت ما كنّا ندري ماذا كان ليحدث?
صحيح أنّه ارتضى بالموت ولكنّ هذا الموت ليس يتيماً وإلاّ لا أجر ليسوع
المسيح، فهو مات لأنّه يحبّ. حرّيته تجاه الذين ينتزعون منه حياته ترتبط
بالرسالة والسلطان الذين أعطاه الله إيّاهما.
خامساً:
بالنسبة للبيئة الإجتماعيّة. وهنا أيضاً اسمعوا وعوا. يسوع كان إنساناً
حراً ومستقلاً، سيّد لنفسه وسيّد قراراته. تعاطى مع جميع فئات الشعب
بحرّية وعفويّة مطلقة. تعاطى مع الأغنياء وتفاهم مع الفقراء وتضامن مع
المهمّشين وسامح الخطأة. وكان تعاطيه منفتحاً. كما أنّ يسوع بأعماله
وشفاءاته شفى كلّ الناس، شفى من آل إسرائيل ومن الغرباء والوثنيّن
والسامريّن والقائد الروماني والمرأة الكنعانيّة، شفى الكلّ ممّا يدلّ على
عدم خوفه من أحد. هذا هو الإنسان صاحب الرأي المستقلّ، لست خائفاً من أحد،
أريد قول كلّ شيء، وأعمل كلّ شيء لأنّ قناعته مبنيّة على الحب، على حبّه
لأبيه وعلى حبّه للإنسان. ونجد هذا الشيء الأكثر عمليّ في حياتنا إذ أنّ
يسوع كان يملك قاعدة فريدة نفسيّة تربويّة. كان يدخل إلى قلوب الناس كلّ
فئات الناس من باب حالتهم. استطاع يسوع من خلال محبّته وعمق تفكيره
واستقلاليّة رأيه أن يدخل قلب الغني والفقير المهمّش والمسكين الروماني
والوثني من خلال حالتهم. دخل إلى قلب الخاطىء من باب خطيئته والأعرج
من باب عرجه والمريض من باب مرضه والوثني من باب وثنيّته. ولكن ما الهدف؟
هنا تكمن مسؤوليّتنا والتزامنا المسيحي، أن ندخل قلوب الناس من بابهم
ونخرجهم من بابنا. هذه الطريقة التي استعملها يسوع. فالمحبّة المسيحيّة هي
أن أترك مجالاً للمسيح لكيّ يأتي إليّ. هذا كلّ المطلوب، أن أترك له
مجالاً للمجيء إليّ، لأن الحواجز أصبحت كثيرة وهي كلّها موانع. وإذا بي
أزيل كلّ هذه الحواجز والموانع وأترك مجالاً للمسيح بالمجيء إليّ أكون
عندها أحيا فعلاً ديانتي المسيحيّة. إذاً الإشارة الخامسة باستقلاليّة
يسوع هي البئية الإجتماعيّة.
سادساً:
بالنسبة للسلطة. في هذا المجال يوجّه يسوع كلامَيْن لمسؤولَين إثنين هذا
عدا الويلات الكثيرة التي وجّهها للكتبة والفرّيسيّن. هذان الكلامان
مهمّان جداً ويعرفهما الجميع. الكلام الأوّل لبيلاطس: ?ما كان لك
عليّ من سلطان لو لم يعطَ لك من فوق أو من علو? ما معنى هذا الكلام؟
مار بولس هو من شرح لنا هذا الكلام إذ يعتبر أن كل من لديه سلطان سلطانه
هو من الله. وبيلاطس من الأساس لم يفهم ما معنى من علو، ولا معنى السلطة
العليا لأنّه سكران بسلطانه وكبريائه. بينما يسوع خضع له لأنّه يعرف مصدر
سلطته واحتراماً للذي أعطاه هذا السلطان وإكراماً لله. أمّا الكلام الجارح
في هذا الإطار هو عندما قالوا ليسوع أن هيرودس يطلب قتلك فقال لهم إذهبوا
وقولوا لهذا الثعلب?? أريد أن أشرح لكم ما معنى كلمة ثعلب.
لكلمة ثعلب معنيان، الأوّل ويعني محتال والثاني ويعني الذي لا قيمة له.
يقصد يسوع بكلامه الموجّه لهيرودس: ?إذهبوا وقولوا لهذا الثعلب إنّي
أطرد الشياطين وأجري الشفاء اليوم وغداً?? أن يظهره بلا قيمة
وأن يبيّن عدم خوفه من دهائه ومن كلّ كيانه، فهو متابع بطرد الشياطين
والشفاءات اليوم وغداً، أي أنّه يكمل عمليّته في أيّة ساعة يشاء. كما طلب
منهم أن يقولوا لهيرودس أنه ?في اليوم الثالث ينتهي أمره?
فأمامه القيامة ومدّته محدودة على هذه الأرض وطالما هو على هذه الأرض فهو
يملك الحرّية والإستقلاليّة التي لا يمكن لأحد أن ينتزعها منه. إذاً تفسير
الآية بمجملها: لن يخاف يسوع من هيرودس الذي لا يستطيع (على الرغم من
مكانته) أنّ يؤثّر على رسالة يسوع الإلهيّة لأنّها حرّة سيّدة ومستقلّة.
فالملتزم والمقتنع برسالته عليه متابعتها، وهنا يكمن أجره وبطولته، أنا
أريد المتابعة، ولن أخضع للتخويفات أّين كان مصدرها. هذا يفسّر معنى:
?قولوا لهذا الثعلب? أي أنّ كلّ إنسان على الرغم من أنّه يملك
السلطان والحكم لن يثنيني عن متابعة رسالتي لأنّي لست أجيراً أو عبداً بل
سيّداً وحراً.
سابعاً وأخيراً:
الإستقلاليّة بالنسبة لأبيه. أعلن يسوع بمناسبات عديدة حرّيته الكاملة
والمطلقة. كإبنٍ عاش في إرادة الآب. فجعل من هذه الإرادة والمشيئة تعامل
يومي، حتّى كان مستقلاً بخضوعه لأبيه. ?طعامي أن أعمل مشيئة من
أرسلني? أي غذائي ووجبتي التي تخصّني وحريّتي واستقلالي، أقبل بأن
تكون خاضعة لأبي، لأنني حين أنذر هذا التسليم أكون عندها حرّاً في قراري،
ولا يوجد هنا من تناقض إنّما يسوع المسيح بقراره الحرّ واستقلاليّته خضع
لأبيه. ?طعامي أن أعمل مشيئة من أرسلني?. فجعل من هذه المشيئة
تعامل يومي، ?ما أتيت لأعمل إرادتي إنّما إرادة من
أرسلني??، ?وصلّى عشيّة آلامه وموته إلى الآب لا تكن
مشيئتي??.
إذاً الفكرة الأخيرة: حريّة يسوع هي حرّية الله عينه، فهو إبن الله المساوي للآب وللروح القدس في الجوهر.
أكبر كنز لنا إذ أن مسيحنا مستقل. من الجميل أن يعيش المرء
استقلاليّته. بالمقابل الإستقلاليّة بحسب يسوع تتضمّن خضوع لسيّدنا
وخالقنا الأوّل، وكأنّ بيسوع يقول لي بأنه لا يوجد مستقلّ مئة بالمئة،
هنالك نوافذ وأبواب للحرّية والإستقلاليّة، ولكن بالمقابل باب واسع للخضوع
يتطلّب حرّية خاضعة لمشيئة الله.. وشكراً. أمين.


Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:41 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المسيح الخالق



المسيح هو كلمة الله.. والله خلق العالم بالكلمة "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3)، "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو1: 3 ،4)،



"الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل" (كو1: 17)، "الكل به وله قد خُلق" (كو1: 16)، "لأنك أنت خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت" (رؤ4: 11).







قصة الخلق هذه دُونت بتفاصيلها في سفر التكوين.. وكان واضحًا جدًّا أن الله الآب خلق العالم بالابن الكلمة.. إذ قيل في كل قصة خلق جديدة: "قال الله..".







+ "وقال الله: ليكن نور، فكان نور" (تك1: 3).







+ "وقال الله: ليكن جَلَد في وسط المياه" (تك1: 6).







+ "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء" (تك1: 9).







+ "وقال الله: لتُنبت الأرض" (تك1: 11).







+ "وقال الله: لتكن أنوار في جَلَد السماء" (تك1: 14).







+ "وقال الله: لتفضِ المياه زحافات" (تك1: 20).







+ "وقال الله: لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية" (تك1: 24).







+ "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26).







واضح أن كل الخليقة تكوّنت بكلمة الله.. "بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر" (عب11: 3)، "السماوات كانت منذ القديم، والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء" (2بط3: 5).







والمسيح هو كلمة الآب، وتكلّم في سفر الأمثال عن نفسه قائلاً: "منذ الأزل مُسحت.. لما ثبّت السماوات كنت هناك أنا.. كنت عنده صانعًا.." (أم8: 22-31).







كان المسيح منذ الأزل كائنًا، وفي بدء الزمان خالقًا، وفي ملء الزمان مخلصًا، وفي المجيء الثاني سيكون دائنًا.



Mary Naeem 28 - 08 - 2014 02:42 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
صورة الله




المسيح "الذي هو صورة الله" (2كو4: 4)، "الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة" (كو1: 15). وعندما خلق الله الإنسان أراد أن يخلقه على صورته ومثاله.





ما هي صورة الله؟.. إن الله الآب لا يُرى.. "الله لم يره أحد قط" (يو1: 18).





المسيح الابن هو فقط الذي يُرى "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18).


لذلك قال المسيح أيام تجسده: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). ففي أية صورة خلق الله الإنسان؟ إنه خلقه على صورة المسيح..





+ من جهة الروح: خلق الله روح الإنسان روحًا بسيطًا مقدسًا حكيمًا عاقلاً حرًا مريدًا.





+ ومن جهة الجسد: خلق الله جسد الإنسان على شكل الجسد الذي سوف يتجسد به في ملء الزمان. فالمسيح هو الأصل ونحن الصورة.





لقد أتى متجسدًا آخذًا شكلنا الذي هو في الأصل على صورته. "لأن الذين سبق فعرَفَهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29).





والآن نحن في جهادنا المسيحي نسعى أن نسترد مرة أخرى بهاء صورة المسيح فينا بعد أن تشوهت صورة آدم وورثناها مشوهة وفاسدة.. "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو3: 18)،


"إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو3: 9 ،10).





وستتحقق بالحقيقة في الأبدية أن نلبس صورة المسيح بدون عيوب.. "وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 49)، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في3: 21)، "ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2).








إذًا نلخص الفكرة كالتالي:





+ المسيح هو صورة الله غير المنظور.


+ الإنسان خُلق على شبه هذه الصورة.


+ هذه الصورة تشوهت فينا بسبب الخطية وفساد الطبيعة.


+ جاء المسيح صورة الآب الحقيقي ليعيد صياغة صورتنا لتكون على شكله مرة أخرى.


+ موضوع جهادنا الروحي الدائم أن ترتسم فينا ملامح صورة المسيح.


+ في الأبدية بالحقيقة ستنطبع فينا صورة المسيح ونكون مثله لأننا سنراه كما هو.







الساعة الآن 05:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025