![]() |
335 - يتحدثون هذه الايام عن جرائم قتل الاسرى وقت الحروب ، أسرى عاجزين يُقتلون ، والأسير عاجز مقيد اليدين والقدمين محجوز خلف جدران سميكة وقضبان حديدية ؟ الأسير غير السجين ، الأسير جندي يحارب انهزم وفقد سلاحه واقتنصه العدو . يخرج من صفوف الجيش ، يُلغى ، يُصبح بلا فائدة لا حول له ولا قوة ولا مكان . لا مكان له في جيشه أو في بلده أو في وطنه ، أسير ٌ حبيس ٌ في أرض الاعداء . يصوّر المزمور 137 حال الأسير في أرض أسره ، يقول : " عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا ، بَكَيْنَا أَيْضًا عِنْدَمَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ .عَلَى الصَّفْصَافِ فِي وَسَطِهَا عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا........ كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ الرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ ؟ إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورُشَلِيمُ ، تَنْسَى يَمِينِي " . الأسر ليس أسر الجسد فقط . الجسد إن غاب وقتا ً يأتي يومٌ ويعود . أسير الجسد أسير القلب حزين منكسر عاجز عن الفرح والغناء والراحة ، يعلّق عوده على الصفصاف ، يصمت العود ويخرس ، أوتاره ساكتة ٌ مشلولة ، وينظر الأسير الى بلده وأرضه بشوق ويصلي كل يوم ٍ طالبا ً العودة ، وينفطر القلب وتدمع العين وترتجف الشفتان بالحزن واللوعة في الأرض الغريبة . ويقف المسيح ويعلن : " رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ." ( لوقا 4 : 18 ، 19 ) . جاء المسيح الى العالم ليخلّص . اعلن ملاك الرب عن مولده للرعاة وللعالم : " فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ : أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. " ( لوقا 2 : 10 ، 11 ) . المخلّص المسيح مجيئه فرح ، فرح الخلاص ، الخلاص من الأسر ، أسر الخطية " كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ " ( يوحنا 8 : 34 ) . منسحق ومنكسر القلب . الخطية تسلب الحرية . الخطية تسلب الكرامة . الخاطي مسلوب الارادة ، مسلوب الراحة والسلام ، والمسيح يعرض على هؤلاء عمله ، مهمته ، سلامه وخلاصه ، تحريره . جاء ليحرر ويخلّص ويطهّر ويبرر " فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا. " ( يوحنا 8 : 36 ) . لن يتحرر الاسير للخطية الا بالخلاص بدم يسوع المسيح ، هو وحده الذي يحرر . الخطية تقيد العقل والقلب والفكر والارادة . قيود الخطية ثقيلة ٌ قاسية ، لو حاولت التخلّص منها لن تقدر فليست لديك القدرة على كسر قيودها . واحد ٌ فقط هو الذي يقدر ، ذاك الذي حمل خطايانا على الصليب . كل خطايا البشر أخذها معه وعلقها معه ودخل القبر بها وقام تاركا ً إياها . المسيح يعرض عليك الحرية الحقيقية ، الحرية من الخطية ومن سلطانها . حين تأتي اليه يمد يده ويكسر قيودك ويحررك من عبودية الخطية .
|
336 - فشل الاول وهو يندفع نحو اتباع المسيح دون تحسب للمستقبل وفشل الثاني وهو يتابطأ في اتباع المسيح لتحسبه واهتمامه بالمستقبل ، وجاء الثالث ولعله قد كان سمع ورأى ما تم لصاحبيه الاولين ، قال : " أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي . " ( لوقا 9 : 61 ) لم يندفع فلا يرى الا تحت قدميه ولم يتدبر بحرص ليرى ما وراء الافق لكن فكر بقلبه وقلبه ُ يميل لاتباع المسيح وبعقله وعقلهُ متعلق بمن في بيته . ائْذَنْ لِي فانت من اليوم سيدي لكن اولا ً اودع أهل بيتي . أنت يا رب ، لكنهم هم أيضا ً يا سيد . قبل أن آتي ورائك أودعهم ، طريقان يجذبانه ، رأيان يأسرانه ، " رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ." ( يعقوب 1 : 8 ) . قدمٌ تتجه يمينا ً والقدم الاخرى تتجه يسارا ً ، لا يمكن السير والاتباع هكذا . اتبعك يا رب ولكن ، كيف اعترف به ربا ً وأضع شروطا ً لاتباعه ، لكن الاعتذار أشرف ، التراجع أفضل أما امساك العصا من الوسط فهو خداع . وحينما نظرت امرأة لوط خلفها الى ما يجب ان تتركه ، تحولت الى عمود ملح . تمسكنا بما يجب ان نتركه يعوق تقدمه للامام في اتباع المسيح . نظرت امرأة لوط الى ما اراد الله ان يحرقه ويهلكه فتجمدت وهلكت .
حين ننظر الى ما يريد الله ان نتركه ونحمله معنا ونحن نتبعه ، نتثقل به . وإن تثقلنا بهموم العالم واهتمامه ، بأضواء العالم وكنوزه لا نستطيع التحرك . هل لديك ما تفضله عن اتباع المسيح ؟ هل يوجد ما يستحق أن تتشبث به ؟ ماذا يستحق أي مجد في العالم ، كل ما في العالم هالك زائل . اتباع المسيح مجدٌ باق ٍ أزلي . اتباع المسيح يقود الى الحياة الابدية . قد تبدو مطالب اتباع المسيح صعبة ، هي فعلا ً صعبة ، صعبة على من يتردد ويقارن ، صعبة على من لا يتحد بالمسيح ويرتبط به . التبعية مكلفة . التبعية قد تكلف كل شيء قد تكلفك كل ما لك في العالم . عدم التبعية لا يكلف شيئا ً ، قد لا يكلف شيئا ً الآن لكن فيما بعد يكلفك الحياة الابدية التي لا تنتهي وهذه تكلفة غالية ، غالية ٌ جدا ً . حين دعا الله النبي اليشع لكي يتبعه ذهب اليه ايليا النبي في حقله ، كان يحرث حقوله وابقاره ومواشيه أمامه وطرح ايليا ردائه عليه يدعوه للتبعية . طلب ان يقبّل اباه وامه لكن الدعوة أسَرتْه فترك الحقول والابقار وترك حقه في توديع والديه وأخذ البقر وذبحه للرب وتبع ايليا النبي . تكلفة ٌ كبيرة ثقيلة لكن مكافأة اتباع الله مجيدة عظيمة . وقال المسيح للرجل : " لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ".( لوقا 9 : 62 ) . |
337 - أيا ً كنت وكيفما كنت واينما كنت أود ان اخبرك عن شيء واحد وهو انك لا بد وأن تقابل الله . كلنا نعلم علم اليقين انك تؤمن بذلك ولا نتصور انك تنكر هذه الحقيقة ولكن هل انت تثق حقا ً انك كخاطئ لا بد ان تتقابل مع اله قدوس ويا لها من مقابلة ، ان كل صغيرة وكبيرة صدرت منك سوف تُكشف وتستعلن حينئذ ٍ بصورتها ، كل خفي سيظهر وكل شيء سيكون عريانا ُ ومكشوفا ُ لعيني الله الفاحصتين ، والآن هل تشعر بقلق اذا تصورت مقابلة الله ؟ هل ترغب ان تتحاشى هذه المقابلة باية وسيلة ؟ وهل ترتبك ان علمت ان وقت المقابلة قريب ؟ أم انك تستطيع ان تفكر في هذا الامر بلا خوف ؟ ان حقيقة الامر هي انك اذا كنت غير مخلّص فما ارهب تلك المقابلة وطالما ان الخلاص ميسور لك وفي متناولك بواسطة الايمان بدم الحمل فانه من واجبك ان تمتلك هذا الخلاص لكي لا تدعى لمقابلة الله وانت غير مخلّص وغير مغفورة لك خطاياك . ان الله قد قرر امرا ً لا ينقض ابدا ً وهو ان كل واحد لا بد ان يعطي حسابا ً عن نفسه امام المسيح أما المؤمن بيسوع فهو الآن بعيد عن الموت الابدي وعن الدينونة ، يا له من مركز مجيد يحصل عليه المؤمن بالنعمة كثمرة لعمل المسيح على الصليب . لقد تألم المسيح مرة لاجل الخطايا ، فكر في كلمة مرة أنه لن يتألم مرةً اخرى مهما صليت أو طلبت فإنه لن يأتي ليموت مرة اخرى على الجلجثة ، كلا فانه لم تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا . الا ترى ايها الشخص غير المؤمن ان العمل الذي به يمكن ان تخلص قد عُمل . ان صلواتك واصوامك واعمالك الصالحة لا يمكن لأي شيء منها أو جميعها مجتمعة أن تكمل ذلك العمل فأنه قد أُكمل . لقد سُر وشبع بمن اكمل هذا العمل ويسوع نفسه لك إن كنت تؤمن به . لقد أعطاك الله اياه فهل تقبل عطية الله التي لا يعبر عنها أم انت مُصر على رفضها .
|
338 - متى نتكلم مع الله ومتى نصمت أمامه ؟ اختبر كثيرون الحديث مع الله الذي نسميه الصلاة ولكن لا أدري كم منا قد اختبروا الصمت أمام الله . قال سليمان في سفر الجامعة 5 : 2 " لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ اللهِ ، لأَنَّ اللهَ فِي السَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ عَلَى الأَرْضِ ، فَلِذلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً." . عندما تركع أو تحني رأسك أمام الله لتصلي لا تتعجل ، اصمت قليلا ً ، تصور نفسك ساجدا ً أمام الاله القدير ورغم انه يحبك ويقبل منك أي كلام الا انه لا يليق بك أن تقول له كلاما ً تافها ً ، ثم من فينا يحسن الكلام أمام الله ؟ ولا واحد . اننا نحتاج الى الروح القدس الذي يرشدنا الى ما يجب أن نقوله في الصلاة . قال الرسول بولس في رسالته الى اهل رومية 8 : 26 " لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا." فقبل أن تبدأ في الصلاة انتظر ارشاد الروح القدس . ثم وانت تصلي لا ترص طلباتك رصا ً ، اسأل نفسك : هل فعلا ً تحتاج الى هذا الشيء الذي طلبته أم انك تطلب لمجرد الكلام ولا تنتظر ان يعطيك الله ما طلبت ؟. عندما تصلي من اجل مريض هل تعتقد فعلا ً ان الله يسمع صلاتك ويشفيه ؟ قال يسوع : " كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ ، فَيَكُونَ لَكُمْ " ( مرقس 11 : 24 ) . ليس هذا فقط ولكن بعد ان تنتهي من الصلاة اصمت قليلا ً واستمع الى صوت الرب . ان الصلاة ليست رسالة من طرف واحد فالطرف الآخر يريد أن يرد عليك فالله يريد ان يعطيك ما طلبت أو ان يخبرك كيف تحصل عليه أو ان يصحح لك خطأ في طلبك . لا تتعجل في الانصراف من أمام الله ، انتظر قليلا ً ، قال داود : " اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي " ( مزمور 40 : 1 ) إن كنت محتاج الى طبيب وذهبت اليه وشرحت له حالتك وكل ما يؤلمك فهل تكتفي بذلك وتشكره وتخرج ؟ أم تصمت وتصغي لتعليماته وارشاده لك وكيف تستعمل الدواء الذي سيصفه لك لهذا فالصلاة هي حوار مع الله ، انت تتكلم وتصمت ليتكلم هو وهذا طبعا ً لا يحصل ان لم تكن مملوءا ً من الروح القدس ، لذلك اطلب كل يوم الامتلاء من روح الله القدوس لتقضي فترة ممتعة في حضرة الرب وتأكد انك ستتلذذ بالرب .
|
339 - لا تجعل مركزك أو انشغالاتك تمنعك عن مساعدة الآخرين ، هذا العمل النبيل ، لا تتأخر عن تقديم المساعدة لكل محتاج وتذكّر مثلك الاعلى في ذلك . لقد قال الرب يسوع عن نفسه لتلاميذه : " أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ " ( متى 20 : 28 ) . عندما اراد المسيح ان يعلّم تلاميذه عن الخدمة بتواضع حسب انجيل يوحنا 13 " أَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا " ثم غسل أرجل جميعهم . إن كان هناك شخصا ً في الوجود يحق له أن لا يَخدم الناس بل أن يُخدم من الناس هو الرب يسوع المسيح ، لكنه فعل عكس ذلك وترك لنا اعظم وأنبل وارفع مثال ٍ لكي نقتدي ونقتفي آثاره المباركة .
|
340 - ينتظر الانسان الرب ، يدعوه وينتظره حتى يحل ببركته عليه . عاش داود النبي يرنم بانتظاره الرب ويدعو الجميع لينتظروه مثله يقول " انْتَظَرْتُكَ يَا رَبُّ. انْتَظَرَتْ نَفْسِي " الرب . " نَفْسِي تَنْتَظِرُ الرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ." ( مزمور 130 : 5 ، 4 ) . يرسل نظره ويصيغ بسمعه وينتظر الرب بخشوع ورجاء وأمل وايمان ودائما ً يأتي الرب ويكافئ منتظريه " اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي وَأَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ الْهَلاَكِ ، مِنْ طِينِ الْحَمْأَةِ ، وَأَقَامَ عَلَى صَخْرَةٍ رِجْلَيَّ . ثَبَّتَ خُطُوَاتِي ، وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً ، تَسْبِيحَةً لإِلهِنَا .... طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي جَعَلَ الرَّبَّ مُتَّكَلَهُ " ( مزمور 40 : 1 – 4 ) . ويعد الوحي المقدس في سفراشعياء النبي منتظري الرب بالقوة والبأس " اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا.وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ . يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ." (اشعياء 40 : 30 ، 31 ) . وليس نحن فقط الذين ننتظر ، الله نفسه أيضا ً ينتظر ، ينتظرنا ، الله ينتظر ليرحمنا ، الله ينتظر ليستجيب لنا ، الله ينتظر ليأتي الينا . يقول اشعياء النبي : " وَلِذلِكَ يَنْتَظِرُ الرَّبُّ لِيَتَرَاءَفَ عَلَيْكُمْ. وَلِذلِكَ يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهُ حَقّ. طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ." ( اشعياء 30 : 18 ) ونتسائل إن كنا ننتظره نحن وإن كان ينتظرنا هو فلماذا تأجيل الاستجابة ، اذا كان انتظارنا محمودا ً فلماذا انتظاره وهو القادر على كل شيء ؟ لله قصد ، لله توقيت ، لله تخطيط وترتيب . الله ينفذ في وقته . الله يعد الفرصة السانحة ليرحم ويترأف ويستجيب ويأتي . في حكمته ينتظر حتى تنضج الثمرة وتصبح صالحة ً للأكل ويحين وقت قطافها . في رحمته ينتظر فلا يأتي قبل الأوان ولا ينفذ حتى يحل الزمان المناسب تماما ً . لو قدم لنا الثمر قبل نضجه لكان فجا ً مالحا ً مرا ً ضارا ً يمرضنا ويضرس اسناننا . لو جاء الينا قبل ان نستعد للقائه لأحرجنا واخجلنا وأربكنا وآلمنا . ينتظر الربُ حتى نمر في أيام مظلمة وتجارب معتمة واختبارات متنوعة فنتقوى وتتقوى سواعدنا وتشدد نفوسنا ويتزكى ايماننا وتتضاعف بركاته لنا . الله ينتظر منك أن تنتظره ، في انتظارك ينتظر هو حتى يحل ملء الزمان فيجيء . انتظرته الأجيال وترقبته الانظار آلاف السنين ، وحل الموعد وجاء ملء الزمان وارسل الله ابنه لخلاص العالم . في وقته ، في حينه ، بعد انتظارك وانتظاره يأتي ، يأتي اليك بالخير والرحمة ، بالرأفة والبركة .
|
341 - اختار الله جدعون لينقذ به شعبه من ظلم المديانيين واعتدائهم المتكرر عليهم ، وكان جدعون الأصغر في بيت ابيه وكانت عشيرته " هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى " ( قضاة 6 : 15 ) . وداهمه الشك ولم يصدق كلام الله وتردد في طاعته . وفي مواجهته لله قال له : إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي شعبك كَمَا تَكَلَّمْتَ فها انا اضع جزة الصوف فان كان طل عليها وجفاف على الارض حولها أصدق وترك جزة الصوف امام الله وفي الصباح وجد الجزة مبتلة والارض جافة ، لكن ذلك لم يجعله يؤمن فعاد يقول لله : " لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ " وكانت المرة الثانية وطلب من الله ان تكون الجزة الصوفية جافة والارض مبتلة وفي الصباح وجد الارض مبتلة بالطل والجزة جافة فآمن واطاع الله . الايمان مراحل . ايمان جدعون كان ايمانا ً حسيا ً ، آمن بعد أن تحسس الجزة ، مرتان ينتظر علامة ً من الله ، مرتان يطلب أن يؤكد الله قوله حتى يؤمن . الايمان الحسي ، ايمان جدعون وايمان توما ايمان حقيقي ولكنه ناقص لذلك قال المسيح لتوما بعد ما صاح " رَبِّي وَإِلهِي ...لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا " . هذا هو الايمان غير الحسي ، الايمان المجرّد . ونراه عندما كان بولس الرسول في السفينة وهاجمتها العاصفة بعنف وشدة حتى رموا كل حمولة السفينة ثم آثاثها ، ويقول بولس الرسول : " وَإِذْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ وَلاَ النُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّامًا كَثِيرَةً ، وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيل ، انْتُزِعَ أَخِيرًا كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا." ( اعمال الرسل 27 : 20 ) . وسط ذلك اليأس كله لا ضوء من الشمس نهارا ً ولا تظهر النجوم ليلا ً ، وسط ذلك كله يقول بولس الرسول " سُرُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ ، لأَنِّي أُومِنُ بِاللهِ " ( اعمال الرسل 27 : 25 ) . يؤمن بالله الذي له والذي يعبده والذي وعده بأن يخلّصه . برغم الظروف يؤمن بولس بالله ، وسط الظلام والعاصفة ، وسط خطر الموت يؤمن بدون ان يرى بارقة أمل ولا طريق خلاص ، يؤمن ايمانا ً مطلقا ً ، يؤمن بالله الذي بيده السفينة والعاصفة والشمس والنجوم ، يؤمن به ، هذا هو الايمان الحقيقي المجرّد المطلق الذي لا تهزه عاصفة ٌ أو خطر ، ايمان ٌ راسخ قوي لا تهزه اهتزازات السفينة تحت ضربات الامواج ، ايمان شامخ ٌ سام ٍلا تحنيه ضربات الزوابع ولا صخب الرعد ، هو الله وسط العاصفة ، هو الله في اعماق الظلام .
حين تهاجمك مخاطر الحياة لا تفزع ، انظر اليه بايمان ٍ حقيقي . حين يتخلى عنك الجميع ، حين تتصور نفسك وحيدا ً مُد يدك له بثقة . تمسّك بايمانك ، تمسك بالله ، أمسك يده فيده ممدودة لك دائما ً ، يده دائما ً في متناولك . |
342 - قال المسيح : " سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ . وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ : لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا.وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا . وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ .مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ. ( متى 5 : 38 – 42 ) . ويترجم البعض هذا انه دعوة للضعف والخنوع والاستسلام والجبن ، وهذا خطأ ، المسيح يدعو للسلام ، نعم لكن من موقع القوة . حين دعا أن نبتعد عن الشر فلم يقصد أن نكون جبناء . المسيح يدعو للحب ، الحب الواعي العاقل البالغ القوي . المؤمن ليس هو المسالم جدا ً المتقوقع على نفسه الذي يتنازل عن حقوقه ، لا فالمسيح قال في موضع آخر في الانجيل " مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا." ( متى 10 : 34 ) لا السلام المبني على الضعف والاستسلام والتخاذل بل السلام المبني على القوة . السلام الذي يصدر من انسان ٍ قوي ٍ قادر ٍ على اتخاذ القرارات الصعبة . المسيح يدعو الانسان ان يكون قادرا ً على الصراع مع الذات ومع العالم ومع الشيطان . المسيحي محارب يعيش صراعات ٍ وحروباً روحية تحتاج الى جبار بأس . السيف الذي يقدمه المسيح ليس سيف عدوان بل سيف حق ٍ وسلام . المسيح يرفض الانسان الضعيف الذي يتنازل عن الحق هربا ً من الحرب . المسيح يريد الانسان ان يكون ناضجا ً قادرا ً على الفصل بين الفكر والعاطفة . يريده انسانا ً ايجابيا ً لا سلبيا ً ، قويا ً لا مستكينا ً ، رأيه وتصرفه حاسمان كالسيف ، تحويل الخد والتنازل عن الرداء واعطاء السائل عمل ٌ ايجابي قوي . المسيحية لا تسعى للألم ولا تستعذب العذاب وتنادي بالاستسلام والاستشهاد ، لكنها تنادي باحتمال الألم وتحمّل العذاب وتقبّل الاستشهاد . الذي يبحث عن الحق والذي يسعى للعدالة والذي يدعو للسلام يقاسي ويتألم ، والذي يتبع الله ويعبده يواجه هجوم ابليس وجنده ويتعذب وقد يستشهد وهذا الألم يحتاج الى انسان ٍ قوي وهذا الاضطهاد لا يواجهه الا الابطال . صاحب الرأي يحارب لأجله والمنادي بالحق يواجه الموت في سبيل دعوته . المؤمن يموت عن اشياء يحبها . المسيحي يموت مع المسيح ليحيا أيضا ً معه . الانسان الذي يصارع ويتألم ويواجه الموت لاجل ايمانه ، قوي . المسيحي الذي يعيش ويحوّل الخد ولا يقاوم الشر بالشر مارد ٌ جبار ، ليس خانعا ً مستسلما ً قانطا ً بل محارب ٌ شجاع ومصارع ٌ عفي ، ليس صاحب العزيمة الهزيلة والاذرع المطوية العاجزة بل هو المسالم من موقع القوة والمتنازل من مكان القدرة .
|
343 - حياة الانسان تعب ، تعب ٌ وشقاء وجهاد وصراع ٌ وارهاق ، وفي كل ايامه يسعى الانسان ليستريح ، يبحث ُ دائما ً عن الراحة . الراحة ُ مطلب ٌ هام ، الله نفسه استراح ، استراح في اليوم السابع كقول الكتاب . يوم الرب راحة وفي بيت الرب نجد الراحة ، الراحة يوم الرب في بيت الرب . كثيرون يرون في عبادة الرب واجبا ً وطقسا ً وعملا ً صالحا ً يؤدونه له . الله يدعونا للراحة في بيته ، في حضرة الله راحة ، في وجودنا معه راحة . حين ندخل بيت الرب ، كنيسة الله تستريح نفوسنا وارواحنا واجسادنا . سار شعب الله في البرية يخبّون في الرمال يحملون الهموم والاثقال ، ساروا سنة وراء سنة ، اربعين سنة يسيرون في برية الصحراء ، وكان يدفعهم الى السير أمل الراحة في كنعان ، ارض الموعد ارض الراحة . والذين اطاعوا الله وعملوا وصاياه اراحهم وادخلهم الى ارض الراحة . أما الذين لم يطيعوه بل عصوه وعاندوه فاقسم ان لن يدخلوا راحته . فحين تدخل بيت الرب ، كنيسته ، في يوم الرب لتعبده تجد الراحة . راحة ُ عبادة الله راحة ٌ حقيقية للروح والنفس والجسد معا ً . ويقول المسيح الينا : " تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." ( متى 11 : 28 ) . عند المسيح وحده الراحة ، الراحة من التعب ، الراحة من الاحمال والاثقال . حين نأتي الى المسيح ، حين نُلقي بأنفسنا بين ذراعيه نجد راحة ً لنفوسنا . المؤمن بالمسيح مستريح النفس ومستريح الروح ، هذه راحة الخلاص . كما نجد الراحة في بيت الرب ونحن نترك على بابه اتعابنا واثقالنا هكذا نجد الراحة في حضن المسيح ونحن نلقي تحت قدميه خطايانا وآثامنا . المسيح وحده هو القادر ان يرفع عنا ذنوبنا ويريحنا منها راحة ً كاملة فلا يثقل قلوبنا ذنب ٌ ولا شعور ٌ بالذنب . راحة الخلاص تامة ٌ نهائية ، وراحة الخلاص وراحة التواجد في بيت الرب تقودنا الى الراحة الابدية في السماء . المؤمن يعيش على رجاء الوصول الى مكان الراحة حيث ينتهي التعب ، هناك لا يكون تعب ، لا تكون حروب ٌ ، لا يكون صراع ، لا يكون بكاء لأن الله نفسه هناك . يقول الرسول يوحنا في رؤياه " وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً لِي : اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ. نَعَمْ يَقُولُ الرُّوحُ: لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ ." ( رؤيا 14 : 13 ) . هل تسعى الى الراحة ؟ انا اسعى الى الراحة ، كلنا نبغي الراحة . إن كنت تريد الراحة الحقيقية تجدها في المسيح يسوع مصدر كل راحة وسوف تجدها قطعا ً في بيت الرب ، تجدها في بيت الرب مكان كل راحة ، انتظرها ، انتظر الراحة الابدية في السماء فهي الرجاء المبارك للراحة .
|
344 - يهاجمنا الشرير ويزعجنا ، يرسل سهامه علينا ويوجه طعناته الينا ونحن نعلم ذلك ونتوقعه فقد اعلن لنا ذلك الهنا وانذرنا وحذرنا ، قال : " لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ." ( يوحنا 15 : 19 ) . ويقول الرسول يوحنا : " لاَ تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ." ( 1 يوحنا 3 : 13 ) . ويقول بطرس الرسول : " إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ." ( 1 بطرس 5 : 8 ) . اعداء ٌ في كل مكان وكل زمان ، اعداء حولنا من كل اتجاه يستعدون للانقضاض ، لكن لا تخف الله معك ، الله حولك يحيط بك ويحميك ويحفظك . كما ان الجو والهواء يحيطان بك وأي سهم ٍ طائر طائش لا بد ان يخترقهما هكذا الله يحيط بك من كل جانب وأي شر موجه اليك سيمر به وقبل ان يصل اليك تتلقفه يده وتمنعه عنك وتحميك منه ويحول الله الشر خيرا ً لك ويبدل الله الخطر حماية ً وعونا ً ويخرج من الآكل أكلا ً ويجعل لك الجافي حلاوة ( قضاة 14 : 14 ) . فكن شاكرا ً له دائما ً . يقول بولس الرسول : " شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ " ( افسس 5 : 20 ) . نشكر وقت الخطر ووقت الأمان ، نشكر وقت الفشل ووقت النجاح ووسط الظلمة ووسط النور ، نشكر في اعماق الهاوية وفي اعلى القمة . كاتب الالحان الموسيقية يملأ صفحته بنقاط ٍ سوداء متفرقة غير مرتبة ثم يرسم خطوطا ً بين النقط السوداء ويضيف اشارات ٍ ويخرج لحن أغنية ٍ . كم من نقاط سوداء يسمح الله أن تمر في حياتك ، نقاط متفرقة غير مرتبة الا ان الله سرعان ما يمد يده ويرسم الخطوط والاشارات ، ليجعل حياتك نغما ً رائعا ً . لا تحزن لوجود بقع سوداء على صفحة حياتك ، لا تفزع ، اشكره ، انتظر في رجاء وايمان فاصابع لله ستضيف او تمحو ليخرج لحنا ً موسيقيا ً . اصابع البيانو بعضها اسود وبعضها أبيض متجاورة متلاصقة وتمتد يد العازف الحكيم الحاذق فتلمسها بترتيب معين لتعزف لحنا ً خالدا ً . اشكر على الاصابع السوداء كما تشكر على الاصابع البيضاء ، كلها منه ،ولكي يخرج اللحن جميلا ً يجب ان تتجاور وتتلاصق وتتتابع وتتلاحق . العذوبة في حياتك تجاور المرارة ، اشكر للعذوبة وللمرارة . النجاح والفرج في حياتك يرافق الفشل والضيق ، اشكر لأجلها جميعا ً . اشكر في كل حين على كل شيء في اسم المسيح .
|
345 - ارسل الله موسى عبده الى مصر َ ليحرر شعبه من العبودية ، ولاقى موسى المتاعب من فرعون وهو يعاند ويقاوم إرادة الله ، واستخدم الله قوته وارسل ضرباته المتلاحقة ليحقق مشيئته ، حوّل ماء النهر دما ً وملأ البيوت بالضفادع وجعل تراب الأرض بعوضا ً وملأ جو البلاد بالذباب وضرب المواشي بالوباء فماتت والناس بالبثور ، وتتابعت ضرباته بالبرد فأمات النبات والحيوان وأرسل الجراد يأكل كل عشب الأرض ، ثم أتى بظلام ٍ غلف كل الأرض ، وآخر ضرباته كانت قتل كل بكر ٍ في مصر . ورأى الشعب ذلك كله ولمسوا يد الله القوية وقدرته الخارقة وخرجوا الى البرية وساروا حسب أمر الله وقبلوا الظروف المريحة السهلة ورفضوا الظروف الصعبة . كانوا يصرخون في وجه موسى ويجدفون على الله . آمنوا بالله واطاعوه في اليسر وجحدوا به ورفضوه في أوقات العسر . كثيرون منا يعيشون حياة متقلبة حسب تقلبات الظروف وتغيراتها ، يرتفعون وقت الراحة ويهبطون وقت التعب . يؤمنون بالله في الرخاء ويصلّون ويسبحون ويقتربون منه بينما يرفضون الله في العناء ويحوّلون وجوههم وقلوبهم عنه . ايمانهم مرتبط بالظروف ، تابع للاحداث ، ناتج عن المواقف . هؤلاء يقولون : أرنا قوتك وقدرتك ، هات خيراتك وبركاتك فنؤمن بك . بينما الله يقول : آمنوا بي ترون قوتي وقدرتي وتحصلون على خيراتي وبركاتي . الايمان الحقيقي الفعلي يستمر وقت الجفاف كما هو وقت الامطار . حين عاش الشعب في البرية وايمانهم بالله يتذبذب حسب ظروف البرية ، عانوا وقاسوا ، تذمروا وصرخوا ، ضلوا وتاهوا في الصحراء اربعين عاما ً . يقول داود النبي عنهم : " فَآمَنُوا بِكَلاَمِهِ. غَنَّوْا بِتَسْبِيحِهِ. " لكنهم :" أَسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ. لَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ. بَلِ اشْتَهَوْا شَهْوَةً فِي الْبَرِّيَّةِ ، وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ. فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ ، وَأَرْسَلَ هُزَالاً فِي أَنْفُسِهِمْ. " ( مزمور 106 : 12- 15) هزالا ً مثل ايمانهم الهزيل .
أتكيف الظروف ايمانك حسب سهولتها أوصعوبتها ؟ احذر ... أتشكل المواقف ايمانك تلونه حسب الوانها المتعددة ؟ تنبه ... الله لا يُشمَخ عليه ، الله لا ينتظر ان تقبله يوما ً وترفضه يوما ً آخر . الله لا يرضى بالعرجة بين الفرقتين ( 1 ملوك 18 : 21 ) بعلاقة ٍ تحكمها الظروف . الايمان به يعتمد عليه هو لا على الظروف والاحداث والمواقف . الايمان به لنفسه ، لذاته ، لشخصه لا لأعماله وأفعاله معك . حين يمد يده بالخير هو الله وحين يحجب الخير عنك هو أيضا ً الله . الايمان هو ان نصدّق ما لا نرى ومكافأته هو أن نرى ما آمنا به . |
346 - هل اعطيت ؟ ماذا اعطيت ؟ وماذا ستعطي ؟ قال يسوع " أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ " ( لوقا 6 : 38 ) . للعطاء طعم ٌ خاص تشعر به عندما تُعطي لمن هو محتاج . جرب واختبر بركة العطاء " لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ." ( 2 كورنثوس 9 : 7 ) .
|
347 - شبه داود النبي في المزمور 1 الرجل الذي يجد في ناموس الرب مسرته يلهج فيه نهارا ً وليلا ً بشجرة ٍ مغروسة عند مجاري المياه ، قريبة من مصدر الحياة على ضفة النهر تمتد جذورها بسهولة في تربة ٍ طرية ٍ خصبة تُفسح الطريق امامها لتصل الى المياه ، وتنتشر الجذور وتتشعب وتنمو وتطول في كل الاتجاهات وتتأصل في الأرض . هكذا المؤمن ، المؤمن الذي يعيش على كلام الله ويلهج فيه طول النهار وطول الليل ، يحيى بقرب مجاري غنى الله وبركاته بقرب مصدر الحياة ، بقرب معطي الحياة . لا تتعب جذوره في البحث عن الطعام والشراب فالغذاء كله في متناول يديه ، وتمتد الجذور بيسر ٍ نحو مجاري المياه ترتشف محبة الله وتنهل من عطاياه ، وتنقل الجذور الثابتة المتأصلة في الارض الغذاء الى الاغصان والاوراق وتمتد الاغصان وتتكاثر الاوراق وتظهر الثمار كثيرة ًً في أوانها . هكذا المؤمن الذي تمسك جذوره بالله تمتد اغصانه وتظهر ثماره ، في حقل ٍ جيد على مياه ٍ كثيرة يكون كشجرة ٍ مغروسة تحمل ثمارا ً كثيرة ، يُصبح كرمة ً كبيرة واسعة أغصانها ممتدة الى بعيد اوراقها تصنع ظلا ً رطبا ً . وشبّه المسيح نفسه بالكرمة الحقيقية وشبه المؤمنين بأغصان الكرمة والغصن لن يأتي بثمر ان لم يثبت بالكرمة ويمسك بجذعها بقوة ، إن ثبت الغصن في الكرمة يأتي بثمر ، لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته . وإن لم يثبت الغصن في الكرمة يجف ويسقط ويُجمع ويُطرح في النار . الشجرة تتأصل في الأرض بجذورها والغصن يتأصل في الكرمة ويتمسك بها . لا تنفصل الجذور عن الأرض ، تتغلغل فيها وتمتد وتتشعب وتنتشر . لا تنفصل الاغصان عن الكرمة ، تتمسك بها ، تتغذى منها وتنمو وتُثمر . والمؤمن يمسك بالرب ويثبت في المسيح الاساس الراسخ ، حجر الزاوية . نحن رعيته مبنيين على اساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية . والشجرة المزروعة عند مجاري المياه ثابتة ٌ قوية صامدة ٌ متينة . والاغصان المثبتة في الكرمة الحقيقية ثابتة ٌ قوية ٌ صامدة ٌ متينة . والاحجار المبنية حول حجر الزاوية المسيح ثابتة ٌ قوية صامدة ٌ قوية . حين تأتي العواصف وتهب الرياح وتهاجم الاعاصير وتحل الزوابع يزداد تمسك الشجرة بالارض بجذورها الممتدة ويزداد تمسك الاغصان بالكرمة وتتقوى وتثبت ويزداد تمسك الاحجار بحجر الزاوية وترسخ وتصمد . أمسك به بكل قوتك تنتقل قوته اليك . اثبت فيه ، ارتكن عليه ، تأصل وتأسس فيه تُدرك محبته ، تعرف ما هو العرض والطول والعمق والعلو ، تعرف محبة المسيح الفائقة المعرفة .
|
348 - لكل واحد منا قصد عند الله ، خلقنا الله لهدف خاص ومهمة معينة ، " مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا." ( افسس 2 : 10 ) . لا يوجد انسان على الارض زائدا ً عن الحاجة أو خارج دائرة خطة الله للعالم ولا يوجد مؤمن بالمسيح يعيش في العالم الا وللرب عمل ٌ عنده قد أعده له . بعضنا في تواضع ٍ يتصور نفسه بلا قيمة ، وجوده وعدم وجوده سيان ، وبعضنا في تفاخر ٍ يتصور ان العالم قد خُلق له ، كل شيء ٍ يدور حوله . حين جاعت الجموع وهي تقضي اليوم تسمع ليسوع وهو يتكلم ويعلّم . حين بدأت أضواء النهار تخبو واخذت النجوم المبكرة تظهر في قبة السماء ، نصح التلاميذ المسيح أن يصرف الجمع ليمضوا الى القرى ويبتاعوا لأنفسهم طعاما ً ، لكن المسيح بادرهم بالقول : " لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا. أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا " ( متى 14 : 16 ) . ولم يكن لديهم شيء ، تلفت التلاميذ حولهم يفتشون عن أي قدر من الطعام ومد صبيٌ صغير ٌ يده بصرّة فيها خمسة أرغفة وسمكتان هي كل غذائه ، وكان هذا ما يحتاجه المسيح ، أخذها وبارك وكسر واعطى الجموع الجائعة وأكل الكل خبزا ً وسمكا ً ، خمسة الاف رجل ٍ عدا النساء والاطفال أكلوا وفاض منه . خمسة خبزات وسمكتان كانت قد أُعدت لكي تطعم كل هؤلاء الجياع . لا يوجد شيءٌ او شخص ٌ مهما صَغُر الا وله مكان ٌ ودور ٌ هام ٌ في خطة الله .ً
لله خطة ٌ وهدف ٌ وقصد ٌ لكل واحد ٍ من اولاده . كل واحد ٍ منا له دور ٌ هام بل أكثر من دور . منذ عرفت َ المسيح وقبلتهُ مخلّصا ً لك عند الصليب . من الصليب حيث سلمته حياتك واصبحت ابنا ً له حتى حافة نهر الحياة الصافي في السماء . كل هذا الطريق منذ ايمانك هنا على الارض وحتى تصل الى حيث الجالس على العرش يُعد الله لك اعمالا ً صالحة ً تسلك فيها . من قبل ان تتشكل في بطن امك أعدها الله لك . يقول الرب لك كما قال لإرميا النبي 1 : 5 " قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ." . عرفك ولم تكن لك صورة بعد في البطن وافرزك له واختار لك اعمالا ً وانت بعد في الرحم . انت على درجة كبيرة من الاهمية لخطة الله لتغيير العالم والانسان . |
349 - وصل المسيح الى بيت عنيا متأخرا ً ، وصل بعد ان كان لعازر قد مات . كان لعازر قد مات بعد ان كان مريضا ً لفترة ٍ طويلة وجاء المسيح بعد فوات الأوان ، استنجدت به مرثا ومريم وارسلتا تطلبانه لكنه جاء بعد ان مات لعازر . ولما أتى يسوع الى بيت عنيا وجد انه قد صار للعازر اربعة ايام ٍ في القبر ، وانسلت مرثا من بين المعزين الذين مَلَؤُوا البيت وخرجت تلقاه على الطريق . كان ما يزال على مشارف البلدة وسط تلاميذه ، قالت : " يَا سَيِّدُ ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي " ( يوحنا 11) . قال لها : " سَيَقُومُ أَخُوكِ ........أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا " وجائت مريم والمعزين جميعا ًخلفها وتأثر المسيح من البكاء والدموع حوله " بَكَى يَسُوعُ " وأتوا به الى القبر ، مغارة ٌ عليها حجر وكان لعازر مدفونا ً بالداخل ، قال يسوع " ارْفَعُوا الْحَجَرَ " . انزعجت مرثا هي وجميع من حولها ، وقت امامه وقالت : " يَاسَيِّدُ ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ." . نظر المسيح في وجهها وقال : " أَلَمْ أَقُلْ لَكِ : إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟ " وتباعدت الجموع وتقدم الشباب وتكاتفوا ورفعوا الحجر من على باب القبر " وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ ، وَقَالَ: أَيُّهَا الآبُ ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي " . سمع له وهل كان قد سمع ؟ لعازر لا يزال في القبر ، لا يزال لعازر ميتا ً . المألوف ان يشكر الانسان بعدما ينال طلبه ولم يكن المسيح قد طلب بعد ، لم تكن المعجزة قد حدثت بعد ، شكر المسيح على المعجزة قبل أن تحدث ، هنا المعجزة . شكر المسيح على ما سوف يحدث ، شكر المسيح على ما سوف يناله هو قبل نواله ، كان يعرف ويؤمن ويرى ما سيحدث ، رأى بالايمان قبل العيان ، رأى المعجزة تتم فشكر .
عجيب ان يتغنى الجيش بالنصر قبل خوض المعركة ، غريب ٌ ان يرقص الفلاح فرحا ً قبل الحصاد . لا أحد يشكر الله على ما سيناله منه قبل ان يحصل على مراده وطلبه منه . اعتدنا الشكر بعد الأخذ . الشكر ُ جزء ٌ من الطلب ، الشكر بعد الطلب . عرف المسيح ان طلبه سيجاب ، عرف ان الشكر يمهد الجو ويعد الطريق للمعجزة . " إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ " الايمان يأتي بمجد الله ، الايمان يتمم المعجزة . لا شيء يسر الله قدر الشكر له . لا شيء يرتب النفس الملهوفة اكثر من الشكر . وصرخ يسوع بصوت ٍ عظيم " «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا " وانتفض الجسد الراقد ميتا ً ، انتفض الميت واعتدل ووقف وتحرك وخرج من القبر وحوله اربطة تكفينه . الشكر قبل الحصول على ما نطلب مطلوب ٌ ، مرغوب ٌ من الله . اشكر فالشكر دليل ايمانك . اشكر فحسن هو الحمد للرب . |
350 - العالم مليء بخيانة الامانة . في كل مكان وكل مجتمع كثيرون يخونون الامانة . والعالم مليء بنقض العهود ، في كل مكان وكل مجتمع كثيرون ينقضون عهودهم . والانسان العاقل هو من لا يستأمن من ليسوا أهلا ً لأن يؤتمنوا ، ولا ان يطمئن الى عهد من لا يستطيع ان يحفظ كلمته ويفي بوعده . هذا جعل الناس يعيشون لا يطمئنون لبعضهم البعض ، يخافون ، ينامون بعين مغلقة واخرى مفتوحة حذرة كالثعالب الخائفة القلقة . وحين يكون لديك شيء ٌ تريد ان تسلمه لأحد تتردد وتفكر الف مرة . وحين يسلمك احد شيئا ً تظل حذرا ً متحفظا ً تفحص وتحصي ما استلمت وهذا ينعكس كثيرا ً على علاقتنا بالرب نتردد في ان نسلمه ما يطلبه منا ، يطلب منا ان نتبعه ونتلفت حولنا في شك ونتحرك في حذر . يطلب منا ان نصدّق كلامه ونطيعه فنفحص كل كلمة ٍ وندقق في كل امر . يسألنا ان نقدم اموالنا له فنقبض ايدينا ونغلق خزائننا عنه . يسألنا ان نقدم ذواتنا وحياتنا فنخشى ذلك لئلا نضيعها ونفقدها . الله أمين وإن كنا غير امناء فهو يبقى امينا ً لن يقدر ان ينكر نفسه . والله محب والمحب الامين لا يبدد ما نأتمنه عليه بل يزيد ويبارك . كيف لا نستأمن الله على حياتنا واموالنا وطريقنا وبيوتنا واهل بيتنا . حين نسلمه حياتنا يغنيها . حين نسلمه اموالنا يضاعفها ويكثرها . حين نسلمه طريقنا يرشدنا . حين نسلمه بيوتنا واهلنا يحفظنا ويباركنا . يقول بولس الرسول لنا : " فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ." ( رومية 12 : 1 ) . يريدنا ان نثق في الله فنحمل اجسادنا ونرفعها على مذبح الرب لنقدمها له . طلب الله من ابراهيم ان يقدم ابنه وحيده الذي يحبه ذبيحة له . لم يتردد ابراهيم فهو يعرف الله ويؤمن بوعوده وعهوده بجعله امة كبيرة ومع انه يعرف ان اسحق هو السبيل الوحيد ليصبح امة ً كبيرة ً كما وعده الله لكنه اخذ اسحق وسار به الى مكان ٍ بعيد وقيده ورفعه ووضعه على المذبح . آمن بالرب ووثق به ، لم يتردد ، لم يشك ، استأمنه على ابنه فأنقذه . ويقول الرسول : " قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ للهِ . " ( رومية 6 : 13 ) . هل تقدم ذاتك لله كحي ٍ من الموت ؟ هل تقدم اعضائك الات بر ٍ لله ؟ كيف تتردد ، كيف تخشى ، كيف تشك في امانة ذاك الذي مات لأجلك ؟ هو مات لأجلك ، قدم نفسه على الصليب ذبيحة لأجلك . أتحتاج لدليل ٍ آخر عن امانته ؟ سلمه ذاتك ، سلمه حياتك .
|
351 - اختار الله شعبا ً له ، دعا اسمه عليهم وحل وسطهم واعطاهم شريعته . من العبودية القاسية في الارض الغريبة والضيق يحل بهم من كل جانب صرخوا واستغاثوا بالرب فاخرجهم من ارض العبودية بذراع ٍ قوية . واجهوا البحر وقد طاردهم جيش فرعون بكل خيوله ومركباته وفرسانه . ومد الله يده في عصا موسى فشق البحر وجعل لهم معبرا ً وسط المياه . وسط البرية الجافة والصحراء القاتلة أخرج لهم من الصخرة ِ ماء ً صافيا ً . في ظلمة الليل انار لهم عمودا ً من النار وفي شدة الحر ظلل عليهم بسحابته ، رتب لهم مائدة من طعام شهي وسط القفر ، منا ً وسلوى من السماء أنزل لهم . حين هاجمتهم الحيات وقتلت اطفالهم وافترست نسائهم وفتكت بشبابهم أقام لهم على سارية حية فداء ٍ نحاسية وانقذ كل نفس آمنت وتلفتت . كل الطريق قادهم وحافظ عليهم وجاء بهم الى ارض ٍ تفيض لبنا ً وعسلا ً . الله يقودك كل الطريق ، يسير امامك ويمهد السبيل لتعبر عليه بسلام . حين تتصور ان السماء مظلمة هو هناك وسط الظلام يُظهر لك نوره . حين تقسو عليك الشمس وتهدد حياتك ينزل اليك في سحابة ويظللك . حين تغلق السماوات كواها وترسل جفافها يفجر في وسط الجفاف ينابيع ماء . حين تجذب الارض ويختفي الطعام ويشح يُمطر من السماء ِ طعاما ًوشبعا ً . عندما يظلم سبيلك ويملأ الشك حياتك ، سلم قيادتك للرب الاله ، اطلب منه ان يفتح الطريق ويهبك الفرج الالهي تجد يده أمامك تفتح الابواب المغلقة ، يده التي تقودك الى اليقين والايمان . أو تجده يغلق ابواب الشك واليأس والفشل ويفتح بابا ً واحدا ً للأمل والرجاء لك . عندما تتعقد الحياة ، عندما تتشابك الظروف ، عندما تتفاقم المشاكل يُرسل الله لنا أحداثا ً صغيرة بسيطة تقود الى الحلول والفرج والنجاح . بينما قافلة حكماء المجوس تسير بحثا ً عن ملك اليهود وهي لا تعرف اين هو ، أرسل الله لهم نجما ً لامعا ً يقود طريقهم اليه ويوجههم . وساروا وراء النجم ووصلوا الى مكان ٍ لم يكن يتوقعو أن يولد الملك فيه . هكذا يفعل الله معك ، يقودك بحكمة ٍ ودقة الى ان تجد ما تصبو ان تعثر عليه . والله وهو يفعل ذلك يؤكد لك انه هو الطريق ، هو وحده الطريق ، ويفعل ذلك بحسب محبته لك وعنايته بك واهتمامه بكل حياتك . يقول الوحي المقدس على لسان داود النبي : " فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ ، وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ." ( مزمور 78 : 72 ) . الرب يرعاك ، يرعاك حسب قلبه الكامل نحوك ، حسب كمال قلبه . الرب يهديك الطريق بمهارة ٍ وحكمة ٍ وحنكة وفهم ٍ كامل ومعرفة . ادعوه يرعاك ، اطلبه يهديك
|
352 - جاء المسيح الى العالم في هدوء ، جاء والناس نيام ، أغلبهم كانوا نياما ً ، في وسط الليل ، في مكان ٍ ناء ٍ بعيد ، في مدينة ٍ صغيرة ، في سكون وُلد المسيح . لم تُنصب له انوار ، لم يُصدح لمجيئه بأبواق ، لم يُعلن عن مجيئه في وسائل الاعلام ، لم تُخبر به وكالات الانباء . في سكون الليل اعلنت الملائكة مجيئه لرعاة ٍ بسطاء ساهرين على رعيتهم . في ظلام السماء ظهر نجم ٌ لامع ٌ جذب معه المجوس حتى مكان مولده ، وشب صبيا ً هادئا ً يعمل في حانوت نجار وعاش حياة بسيطة هادئة عادية وقضى ايامه لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته " قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ ." ( اشعياء 42 : 3 ) . " ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ." ( اشعياء 53 : 7 ) . كان هادئا ً صامتا ً ساكنا ً ساكتا ً لا بضعف ٍ بل برحمة بعطف ٍ وحنان ، بحزم ٍ وبقوة ، بسلطان . لم يكن في صمته عاجزا ً ، كان قادرا ً ذا بأس . أمسكوه بسهولة ، أهانوه واستهزأوا به ، ضربوه وصفعوه لكنه أفزع بصمته بيلاطس ، أخاف بسكوته هيرودس ، هز قلوبهم ، هدوئه زلزل قلوبهم ، سكونه أزعجهم واربكهم ومزق كيانهم . الصراخ ليس دليل القوة ، الضجيج ليس تعبيرا ً عن الحق ، الصوت الهادئ الحازم يحمل قوة ٌ تحرك ميزان الباطل وتدحرها . الحق لا يحتاج الى ضجة ليعلن نفسه . الحق لا يصيح أو يرفع صوته . جاء المسيح بهدوء لكنه قلب العالم رأسا ً على عقب ، غير العالم وبدله . جاء المسيح ينادي بالسلام لكنه أيضا ً نادى بالسيف والحزم . في صحن الهيكل ثار وظفر سوطا ً وطرد الباعة والهب ظهور اللصوص وصرخ فيهم : " بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ" ( متى 21 : 13 ) . لم ينادي المسيح بالاستكانة للظلم ، لم ينادي بالخضوع والاستسلام . قال : " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا." ( متى 10 : 34 ) . سيف ٌ ضد الظلم ، سيف ٌ ضد الاستغلال ، سيف ٌ ضد الاستبداد . جاء المسيح بالصليب وجاء المسيح بالسيف ، صليب ٌ كالسيف وسيف ٌ كالصليب . جاء لا يكل ، لا ينكسر لكنه لا يقصف ايضا ً ولا يطفئ " قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ " القصبة الضعيفة المنكسرة لا يقصفها . " َفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ " الفتيلة المدخنة المتداعية لا يطفئها . الحق يخرج بهدوء . الحق يُعلن عن نفسه بوداعة . الصمت فيه قوة ، الصبر فيه قدرة . لا تُعلن عن حقك بصخب ، اعلن عن حقك بحب . الحق قوي أقوى من قوة أي مستبد . الرحمة ُ قادرة ٌ اقدر من طغيان أي جبار .
|
353 - لكل انسان في الحياة رسالة ، بأس الانسان الذي يحيا بلا رسالة . ولكل مؤمن في الحياة ارسالية ، المؤمن حين يؤمن يكلف بارسالية ، والانسان يختار رسالته حسب آماله وطموحاته تكون رسالته . والمؤمن يختار الله له ارساليته في الحياة حسب مشيئة الله وارادته تكون ارساليته ولا يعني هذا ان المؤمن ليس حرا ً مخيرا ً شأنه شأن الانسان ورسالته . إن كان الانسان يختار رسالته بحرية قد يجعلها رسالة خير او رسالة شر ، لكن الله يختار للمؤمنين ارسالية الخير ويترك لهم حرية اختيار السبيل لتحقيقها . قال المسيح : " لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ " ( يوحنا 15 : 16 ) . اختارنا المسيح لنأتي بثمر ، ثمر دائم ، ثمر جيد يشفي ويشبع العالم . وارسلنا المسيح الى العالم ، قال : " كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا " ( يوحنا 20 : 21 ) . جاء المسيح الى العالم ليخرج الحق للامم ، الى الامان يخرج الحق ، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الارض ، والمسيح هو الحق ، قال " أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ " ( 14 : 6 ) . لم يأتي المسيح برسالة ، كان هو الرسالة ، لم يأتي بالحق ، كان هو الحق . ونحن ارساليتنا هي ان نُخرج الحق للعالم ، نضع الحق في الارض ، لهذا أرسل الآب الإبن ولهذا يرسلنا الإبن لكي نُخرج الحق للعالم ، والمسيح الحق هو ارساليتنا للعالم " الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ " ( يوحنا 3 : 36 ) ارساليتنا ارسالية راحة وحياة للناس ، رسالة انقاذ ونجاة وخلاص وارساليتنا ايضا َ ارسالية عدالة وقضاء ودينونة للناسين والمستريحين غير المبالين . للمتعبين راحة ، للهالكين خلاص ، للموتى حياة ، للمستريحين عدالة ، للمعاندين القضاء ، للخطاة دينونة . المؤمن الذي جرب حياة الخطية وعاش في ظلمتها وعانى من قسوتها يعرف ثقل قيودها ومرارة الخضوع لها وقسوة الاستعباد لها ويعرف الطريق لتحطيم قيودها والسبيل للخلاص منها والتحرر من طغيانها ، في المسيح يسوع الذي ليس بأحد غيره الخلاص به وحده النجاة لذلك فهو يقبل ارساليته بفرح ، بفرح ان يذهب الى العالم اجمع ويكرز بالانجيل للخليقة كلها ، يذهب ويحدّث بكم صنع الرب به ورحمه . بعد ان ذقت طعم الحرية ، بعد ان انطلقت طائرا ً في آفاق مجد الله ، هل يلذ لك ان تعرف الحق وحدك ؟ هل تسعد بالطيران في جو الحرية وحيدا ً ؟ هل تسمع صوت الخطاة الهالكين ؟ هل ترى آلامهم ومعاناتهم ؟ الا يعكر ذلك صفو هنائك ؟ الا يلوث صراخهم جو سلامك ؟ اصغ السمع لارسالية الرب وتكليفه لك ان تُخرج هؤلاء .
|
354 - كثيرا ً ما نقترب من عرش نعمة الله ونحن مترددون خجلون متأزمون ، نقدم رجلا ً ونتراجع بالاخرى ، نعرف ونعترف بلا استحقاق نطلب وهذا طبيعي فنحن لسنا على مستوى مناسب يجعلنا نطلب بعيون مفتوحة ولو فكرنا اننا نطلب باستحقاق لنا لفضل ٍ عملناه أو خير ٍ صنعناه نُحجم عن الطلب . نحن لا نطلب من الله اجرا ً مقابل عمل ولا مكافأة ً على فعل الخير ، لو كان كذلك لأحضر الله ميزانا ً يزن فيه ما اعطينا وما نستحق عليه . هذا ليس حالنا حين نقترب من عرش نعمة الله نطلب ونسأل ونقرع ، بعكس ذلك يقول لنا الرب : " اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ " ( متى 7 : 7 ، 8 ) . ثم يلفت نظرنا الى سبب هذا القانون الذهبي الذي يجعل كل من يسأل يأخذ ، يقول : " أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا، يُعْطِيهِ حَجَرًا ؟ وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً ، يُعْطِيهِ حَيَّةً ؟ " هذا لا يحدث ابدا ً ، الأب يعطي ابنه ما يطلبه لا مقابل عمل ٍ قام به وواجب ٍ اداه بل بإستحقاق بنوة الإبن للأب ، فكم بالحري الآب الذي في السماوات . انت ابن الله ومن حقك كأبن ان تدخل على ابيك وتطلب ما تشاء . لا احد يدخل على أبيه مترددا ً ويطلب منه ما يريد على استحياء وخجل . انت تستحق كل ما تسأله وانت لا تستحق ذلك لما فعلت بل لما انت ، انت ابنه ، وانت ابن الملك وابن الملك له كل مال الملك والملك لا يرد لابنه طلبا ً . يقول داود النبي في مزاميره " أَنْتَ هُوَ مَلِكِي يَا اَللهُ ، فَأْمُرْ بِخَلاَصِ يَعْقُوبَ " ( مزمور 44 : 4 ) . الله ملكي وملكك ، الله نصرتي ونصرتك ، الله عزي وعزك ، الله لك . مات المسيح على الصليب عنك وعني . قام المسيح من الموت نصرة ً لك ونصرة ً لي . ما من عدو ٍ مهما تجبًر يقوى عليك الآن والله نفسه القوي القادر ملكك . ما من بركة ٍ وعطية ٍ مهما غلت وعظمت وندرت تغلو عليك والله الغني أبوك . لا تخشى شيئا ً ، لا تخف لا يفزعك عدو ليتشدد ويتشجع قلبك وانظر الى الرب الملك . لا ينخلع قلبك والاعداء تهاجمك ، النصر لك ، الغلبة من حقك اطلب تدخّل رب الجنود . لا تقلق على حياتك ، لا تهتم ، لا تحمل هما ً ، ارفع نظرك الى فوق ، انظر الى الله أبيك . لا تخشى جوعا ً أو عطشا ً أو فقرا ً ، الخير كله لك ، الخزائن من حقك . انت ابن الملك القوي ، ارفع رأسك شامخة ً يا ابن الملك ، ملك الملوك . انت ابن الله الغني ارفع صوتك بالشكر واملأ قلبك بالإطمئنان ولا تخشى الغد واجعل طلبتك عظيمة ً وسؤالك عميقا ً لا تصغّر طلبك ولا تقلل وتحجب حاجتك . الى الآن لم تطلب ، لم تطلب شيئا ً عظيما ً منه " اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً." ( يوحنا 16 : 24 ) .
|
355 - بعد ان صُلب المسيح على جبل الجلجثة ورآه عدد غفير من الناس يموت ، انتشر الخبر وذاع بين الناس . مات المسيح ، ضاع الرجاء ، انتهت القصة . هلّل اليهود ، فرح الكتبة ، استراح الفريسيون ، استرخى الجُند الروماني . لكن التلاميذ رأوه يقوم ويظهر لهم ويتحدث اليهم ويأكل معهم ، المسيح قام ، امتلئت قلوبهم بخبر القيامة فبدأوا يعلنونه . وقف بطرس مملوءا ً بالروح القدس . الذي انكر المسيح امام جارية بقوة الروح القدس وقف شامخا ً امام الوف الجموع . أعلن بقوة ٍ قيامة المسيح ودعا الناس أن يتوبوا ويؤمنوا به ويعتمدوا باسمه ، و تحرك الروح القدس في النفوس وقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم ثلاثة آلاف . وبطرس ويوحنا وهما داخلان الهيكل رأيا رجلا ً أعرج عند باب الهيكل يستعطي . مد بطرس يده وامسك به واقامه بإسم يسوع المسيح فقام وانطلق يسبّح الله . جُن ّ جنون الكهنة وأمروا جند الهيكل أن يقبضوا عليهما ويضعوهما في الحبس ، وعندما حاكموهما وجدوا انهما يتمتعان بقوة ٍ خارقة وعرفوا انهما كانا مع يسوع فهددوهما واطلقوهما فانضما الى باقي الرفاق وكانوا مجتمعين معا ً يصلّون . ارتفعت القلوب والاصوات تسبّح الله وتمجده وتهتف له وتطلب تعضيده وعونه . قالوا : انظر يا رب الى تهديداتهم وامنح عبيدك ان يتكلموا كلامك بكل مجاهرة ، ولما صلّوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بكل مجاهرة ، بلا خوف ، بلا تردد ، بلا فتور ، بلا ضعف .
بدون روح الله لا تستطيع ان تجاهر بكلام الله . بدون روح الله لا يكون لكلامك قوة . بدون روح الله لا تتلذذ ان تنادي بخلاص الله . بدون روح الله لا تجد في نفسك رغبة . أعدَّ الله روحه ليتكلم بنا ويتكلم فينا . لا نستطيع شيئا ً بدون الروح القدس " سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ "( أعمال الرسل 1 : 8 ) . كم من مرة ٍ يحل بك فتور فتجد أيديك مسترخية وركبك مخلّعة ، لا تقوى على السير لتحمل الاخبار السارة للعالم ولا على العمل على رفع العناء عن المعذبين . تتعثر الكلمات على لسانك وتتوه منك الافكار وتختلط الصور وتتداخل . لا تحاول ان تجمع شتات نفسك وتعمل على استعادة قوتك ، لن تستطيع ، كُف عن المحاولة وتوقف واختلي بالرب وارفع قلبك معترفا ً باسمه . تطهّر ، تخلّص من الشوائب التي تعوق روح الله ، انفض خطاياك عنك وتحرك واطلب من الله ان يملئك بالروح القدس ، اطلب منه ان تمتلئ بروح القوة من جديد ولا بد ان يسمع الله ويستجيب ، لا بد ان تمتلئ بالروح القدس وتعود الحيوية اليك . الله يعدنا بالروح القدس ويأمرنا بأن نمتلئ به فيقول : " امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ " ( افسس 5 : 18 ) . اطلب وهو يسمع لك . |
356 - تُلم بنا خطوب وتحل بنا متاعب وتواجهنا صعوبات وتصدمنا مصائب ونرتمي على الارض نندب حظنا ونبكي بؤسنا ونحزن ونشكو ونتذمر وقد نغضب فتعلو شكوانا في احتجاج على الله وصراخ ٍ وبكاء ، وحين نهدأ بعد الثورة ونسكن امام الله بعد الزمجرة وحين نسكت نسمع صوت الله ونرى وجه الله ونحس بيد الله توجهنا وتعلمنا ، يوضح لنا الله ان ما حل بنا لصالحنا وما الم ّ بنا لفائدتنا وما صدمنا هو لخيرنا ، ويشير الله باصبعه الى الاشجار العالية والرياح تتلاعب بها وهي تلطمها ، تصدم الرياح رؤوسها فتحنيها ، تهز الرياح قممها فتتلوى وتترنح تحت ضرباتها ونتصور انها ستموت وتفنى وتنكسر وتسقط ، عكس ذلك ما تحدثه الرياح بها ، الرياح تهز رؤوس الاشجار لتتطاير حبات الخصب منها وتنقلها لتملئها بالثمر . بدون قسوة الرياح ما انتقل الخصب وامتلأت الاشجار بالخير والثمار . ويوجه الله نظرنا الى الاشجار الضعيفة شجر العليق وشجر الطيب الصغير ونرى الرياح تهب وتهزها وتكاد تقتلع جذورها الرقيقة الصغيرة وننحني على الشجيرات بعطف فتملأ انوفنا رائحتها الجميلة التي تملأ الجو حولها ، حملت الرياح اطيب الروائح واجملها ونشرتها على الكون حولها ووزعتها . لو لم تكن الرياح لبقيت الروائح مستترة مختبئة ً في اخدارها مخفية غائبة ، وننظر الى اصبع الله يوجه ابصارنا وبصائرنا نحو الاحجار الجامدة الجافة ، تهب الرياح عليها فتخلخلها من اماكنها وتحركها من سكونها وتجعلها تهوي وتسقط ، وتتصادم الاحجار معا ً ، تتضارب وتتصارع ، تتلاطم وتتساقط لكننا نرى في تصادمها واحتكاكها وحركتها نارا ً تخلق ونورا ً يظهر .يغني شاعر نشيد الانشاد ويقول : " اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ هَبِّي عَلَى جَنَّتِي فَتَقْطُرَ أَطْيَابُهَا " ( نشيد 4 : 16 ) . يا لها من طلبة تبدو غريبة ً عجيبة لكنها حقيقة ٌ لامعة مبهرة ، ريح الشمال العنيفة ، ريح الجنوب القوية تهب وتضرب وتلطم وتصدم ، فتبعثر الجنة وتفتتها وتعصرها وتنشرها فتقطر روائحها واطيابها .
القلب المغلق على فضائله الذي يختزن الخير فيه ويغلق عليه ابوابه يحتاج الى ريح الشمال تهاجمه وريح الجنوب تفتح ابوابه على الخير الذي به . القلب الجامد الصلب القاسي الذي يبقى وحده منطويا ً على نفسه يحتاج الى ريح الشمال تصدمه وريح الجنوب تحتك به ويُخرج نارا ً ونورا ً . قد يحتاج قلبك انت ايضا ً الى الرياح لينشر ما بداخله من اطياب . قد يحتاج قلبك انت ايضا ً الى رياح تحتك به لتُظهر النور الذي بداخله . |
357 - احيانا ً يحل بارضنا جفاف ، لا تمطر السماء ويحل بارضنا قحط ٌ وبوار ، تمر الايام ثقيلة ً تجر خلفها فقرا ً وجوعا ً وحاجة ، وتخلو المخازن من الغلال . نتصور ان السماء قد نضبت مواردها ، جفت يانبيعها وانقطع خيرها . نتصور ان الله قد نسينا ، أغمض عينيه عنا . قبض يديه علينا ، ونحزن ونبكي ونكتئب ولا نجد حولنا الا اياما ً عجافا ً وخرابا ً وجفافا ً، ويطير فوق رؤوسنا عصفور ، عصفور ٌ دقيق صغير يشدو ويغني ويغرد ونتأمل جناحيه المصفقين ونسمع شدوه الفرح وقفزاته الراقصة على الغصن . هو لا يزرع ، لا يحرث ولا يروي ولا يلقي بالارض بذورا ً ، لا يزرع ولا يحصد . من أين يجيء طعامه ؟ من المخازن ؟ هو لا يجمع و يكوّم في المخازن ، ليس له شيء لكنه يأكل ويشبع ، يأكل يوما ً بيوم ، خبزه كفافه يأتي اليه حيث هو . ويصلي حبقوق النبي فيقول : " فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ . يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي .اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي ، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِل ِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي ." ( حبقوق 3 : 17 – 19 ) . وسط اليأس ، وسط الفقر التين لا يُزهر ، الكروم لا تُثمر ، الحقول جدباء لا تعطي طعام لا غنم ولا بقر ، وسط ذلك كله ايمان ورجاء ، انتظار للرب وثقة ٌ فيه ، ايمان ٌ قوي ٌ راسخ . لو فقدتُ كل غال ٍ وثمين ، لو هاجمني الجوع والعطش ، لو لم اجد ما اسد به رمقي ، لو اصبح بيتي خرابا ً ، لو زال عزي ومجدي وبهائي ، لو ضاعت اموالي وفقدتُ ثروتي ، لكنني افرح بالرب هو طعامي وشرابي ، هو عزي ومجدي ، هو غناي َ وكفايتي . في كربي وضيقي أهرع الى الرب وأجد عنده الفرج والراحة والسعادة . في ظلمتي وعسر حالي ارتمي على صدره وأجد عنده الفرح والمحبة والبهجة والنصرة . حين تمر وسط حقولك وتجدها جافة خربة ، حين لا تجد زرعا ً ولا ثمرا ً . حين تفرغ مخازنك ، حين يجف ماء ينبوعك تأمل طيور السماء وتعلّم . حين تسير في وادي الحزن ، حين يحاصرك الظلام ، حين تنهمر الدموع ، حين تحيط بك الخطوب ، حين تهاجمك الشدائد تأمل زنابق الحقل وتعلّم . حين يتركك الاصدقاء ويهجرك المحبون ، حين تجد نفسك وحيدا ً ، حين تجد الفراغ حولك حين لا تجد أحد بجوارك أنظر اليه هو قريب ٌ منك ، ابتهج بالرب هو قريب ٌ ويداه مملوئتان خيرا ً ، ابتهج بالرب هو معك يؤنس وحدتك .
|
358 - وصل الى علم المسيح وهو بين تلاميذه والجماهير ملتفة حوله خبر مرض لعازر وكانت مرثا ومريم هما اللتان ارسلتا الى يسوع تستنجدان به وتطلبانه ، ولم يهرع المسيح الى لعازر ، لم يترك الجموع والتلاميذ ويهرول الى بيت عنيا ، بعكس ذلك يكتب يوحنا البشير ويقول " فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ." ( يوحنا 11 : 6 ) . يومان كاملان مكثهما المسيح حيث كان برغم ما سمع عن مرض لعازر . يومان كاملان ترك فيهما مرثا ومريم تنتظران ويا له من انتظار ثقيل . سمع التلاميذ خبر مرض لعازر واندهشوا لتباطؤ المسيح وتأنيه في الذهاب الى لعازر ، وبقيت الاختان في البيت بجوار فراش المريض تراقبان حركة النهار وتنتظران . ويكتب يوحنا الرسول في بشارته قائلا ً " وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ." ( يوحنا 11 : 5 ) . التأخير ليس لنقص المحبة بالعكس نرى ان التأخير كان بدافع المحبة . الله في هذا يريد ان يعلّمنا ان كل معاملات الله معنا ترتكز على محبته لنا . حين تهاجمنا احزان ، حين تتحطم قلوبنا ، حين تدمع عيوننا ، حين تنكسر نفوسنا ، نجد الله في كل ذلك يحبنا ، يسمح بالحزن ان يحل بحياتنا لا لنقص محبة ٍ بل بدافع محبة . حين تواجهنا آلام وتنحني ظهورنا وتئن قلوبنا وتتحطم قوانا نجد الله يسمح بكل ذلك لأنه يحبنا ، يسمح بالالم والتعب والمشقة لا لنقص المحبة بل بدافع المحبة . حين تعكّر صفو حياتنا مصائب ، حين تنزل بنا نوازل ، حين تزلزل سلامنا زلازل نجد الله خلف ذلك كله لأنه يحبنا يسمح بالمصائب والمتاعب لا لنقص المحبة بل بدافع المحبة . الله يعرف ويسمح بما يحدث لمجده ولصالحنا ، الله يوجد في ذلك كله ويراقبه بدقة ، ولما سمع بخبر مرض لعازر قال : " هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ " ( يوحنا 11 : 4 ) . برغم انتظار الاختين القاسي ، برغم المرارة التي شعرتا بها والساعات تمر والموت يحل ، برغم ذلك لم تشكا بمحبة المسيح لهما ولاخيهما ، لم تشكا في مجيئه ، لم تيأسا . بعد ان اغمض لعازر عينيه ، بعد ان رحل عن الحياة ، بعد ان رحل وكفناه ، بعد ان حمله الرجال وذهبوا به خارج البيت ، بعد ان دفنوه ودحرجوا الحجر ، كانتا تنتظران يسوع ، كانتا تعرفان انه قادم لا محالة ، لا بد انه سيجيء . لكن المسيح لم يسرع الى بيت احبائه ليشفي المريض ويكفكف دموع الاختين ، لم يفعل ذلك بالعكس ، لما سمع انه مريض مكث في الموضع الذي كان فيه يومين ، هذه هي محبة الله التي تتأنى حتى في اشد ساعات الحياة خطرا ً ، انتظر ، انتظره فهو يحبك ، تأكد ، تأكد من مجيئه فهو يحبك .
|
359 - برغم معرفتنا اننا اولاد الله لنا كل الحق في بركات الحياة ومباهجها . برغم مكانتنا لدى الله ومكاننا في قلبه ، برغم معرفتنا بحبه الشديد لنا ، تفزع قلوبنا ويهتز يقيننا وترتجف نفوسنا حينما نمر في تجربة ٍ مظلمة . حين تغرب شمس النهار ، حين ينسحب النور ويتراجع امام جحافل الظلام نرتعب . لا احد يسعد بالظلام ، لا احد يحب الليل لكن في الليل تتجمع قطرات الندى الرطبة ، في الليل ، في السكون ، بعد رحيل الشمس واختفاء النور يصنع الله الندى . يرنم بنو قورح ويقولون " طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ . عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ . يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ . " ( مزمور 84 : 5 ) . في وادي البكاء يعبرون ، قطرات الدموع تتراكم وتتجمع وتصبح ينبوعا ً ، هكذا الله ، أبونا الذي يغزل من متاعب الحياة بساطا ً حريريا ً نعبر عليه ، الذي يحول الشوك الذي تحت اقدامنا كفوف راحة ترفعنا ، هو تعزيتنا ، هو عزنا ، نتعزى به ونفرح ونستريح وتبتهج قلوبنا ، يتحول انكسار القلب الى فرحة ، يتحول دمع العين الى ينبوع يتفجر بهجة ، يتحول الالم راحة والفشل نجاحا ً والهزيمة ُ نصرة ً والضعف قوة ، وحين نفرح نحمل بشارة الفرح للآخرين ، حين نتعزى نعزي الآخرين . نستطيع ان نعزي الآخرين بالتعزية التي بها نتعزى ، نتعزى ونعزي . في وسط النهار والشمس ترسل اشعتها تلسع الوجوه والابدان حملت المرأة السامرية جرتها وذهبت الى بئر الماء تستقي وتملأ الجرة . ارادت ان تهرب من انظار قومها العدوانية وتعليقاتهم القاسية لكنها وجدت غريبا ً جالسا ً على البئر ، لم يهاجمها أو يسيء اليها ، طلب منها ماء ً ليشرب وفي ترددها ودهشتها عرض عليها ماء ً حيا ً ، وفي لهفتها للحصول على ذلك الماء الحي نسيت كل الناس ، طلبته لنفسها فقط ، لكنها ما ان عرفت ان مصدر هذا الماء الحي هو المسيح الذي ينتظرونه ، ما ان عرفت ذلك حتى تركت جرتها وذهبت الى المدينة تصرخ في الناس ، صاحت فيهم : هلموا انظروا ، تعالوا معي الى المسيح مشتهى وانتظار الدهور . حملت لهم ما حصلت عليه ، آمنت وارادتهم ان يشاركوها في الايمان به . هل حصلت على الايمان الحي ؟ هل تذوقته ؟ هل ارتويت منه ؟ هل اكتفيت ومن حولك الا تريد ان يشاركوك الارتواء منه ؟ هل عبرت في وادي البكاء ؟ هل اختبرت الينبوع ، ينبوع الماء الحي ؟ إن كنت عبرت واختبرت إن كنت قد عرفت وذقت وجربت ، إن كنت قد تعزيت فعليك ان تعزي الآخرين بالتعزية التي بها تعزيت ، هذه مسؤوليتك . نحن لا نأخذ فقط ، نحن نعطي أيضا ً مما أخذنا . نحن لا نرتوي فقط ، نحن نقدم الارتواء .
|
360 - نعيش حياتنا كلها نواجه تحديات وتجارب واختبارات كثيرة متنوعة . والله لا يسمح ان نواجه ما لا نستطيع ان نواجهه او نجرَّب بما هو فوق طاقتنا ، وإن كانت التجربة كبيرة صعبة والاختبار شديدا ً يوفر لنا رجاء ً وقوة ً مناسبة ، تجربة ٌ تحتاج الى قوة وقوتنا غير كافية . نصارع وتبدأ مقاومتنا في التهاوي ، حيويتنا تخبو وارادتنا تتخاذل وايدينا تخور وركبنا تتخلع واقدامنا تترنح ، ويوفر لنا قدرته ، يمدنا بقوة ٍ من لدنه ، نرفع وجوهنا الى فوق ، اليه ، فندرك عظمة قدرته الفائقة ِ نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته ، ونتماسك ونجمع قوانا قبل ان تزول ونتشدد في شدة قدرته وقوته ونواجه التجربة ونصمد امامها ونصد هجماتها وبقوته ندحرها وننتصر ، تجربة ٌ تحتاج الى حكمة ، الى تعقل ٍ وفهم وادراك وحسن تصرف ذهني ، وتقف عقولنا عاجزة ً لا تفهم وادراكنا قاصرا ً لا يعي ولا يفطن ، وفي وسط حيرتنا وترددنا وتردينا في الظلام نرفع وجوهنا الى فوق ٍ اليه ، ويسرع الهنا ويعطينا روح الحكمة والاعلان في معرفته ِ وينير عيون اذهاننا ويقود عقولنا ويفتح عيون وعينا ونواجه التجربة بحسب غنى حكمته ، دائما ً وفي كل وقت يوفر لنا القوة ، يوفر لنا الحكمة بسخاء ٍ بلا حدود ، يوفر لنا القدرة والصحة والحيوية ، يوفر لنا الغنى بكثرة ٍ بلا حساب ، لا من قوته بل بحسب قوته ، لا من غناه بل بحسب غناه ، لا بقدر ما نحتاج من قوة ٍ لمواجهة التجربة ، قوة ٌ بقدر التجربة ، لا بقدر ما نحتاج من حكمة ٍ لمواجهة التجربة ، حكمة ٌ بقدر التجربة ، لا بقدر ما نحتاج من غِنى لمواجهة التجربة ، غِنى ً بقدر التجربة . قوة ٌ بحسب قدرته ، وحكمة ٌ بحسب حكمته ، وغٍنى ً بحسب غِنى مجده فهو يعطي بحسب ذاته هو ، يعطي ما يتفق وعظمته هو ، يُعطي بحسب غٍنى مجده ِ ويؤيدنا بروحه ، بالروح القدس ، " اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ " ( 2 تيموثاوس 1 : 7 ) . ويملئنا بروحه ، الروح القدس الذي ننال قوة كل القوة حين يحل الروح القدس علينا . حين يحل المسيح بالايمان في قلبك يحل فيك بكل ما بالمسيح من قدرات ، تحل فيك محبة المسيح ، تمتلئ بمحبته فتحب جميع الناس ، الاصدقاء والاعداء . تمتلئ بقوته فتحرك الجبال وتصنع المعجزات وتعمل ُ اعظم الاعمال . تمتلئ بحكمته فتتكلم كمن له سلطان ، تتكلم كلمات النعمة ، تمتلئ بملئه وتصل الى الكمال الى كل ملء الله . هل فيكَ روح الله ؟ هل يحل ُّ فيك َ المسيح ؟ فليحل المسيح بالايمان في قلبك الآن والى آخر الحياة .
|
361 - في وسط الهيكل رأى النبي اشعياء السيد الرب جالسا ً على كرسي عال ٍ ومرتفع ، رأى السرافيم يغطون أعينهم ووجوههم ويصرخون : قدوس قدوس قدوس ، وبالمقارنة رأى نفسه انسانا ً نجس الشفتين ساكنا ً بين شعب ٍ نجس الشفتين ، رأى الملك رب الجنود ، رأى السيد ، سيد كل الارض ، رأى القدوس سيد السماء ، فارتمى على وجهه يصرخ : " وَيْلٌ لِي إِنِّي هَلَكْتُ " ... شاول القوي صاحب السلطان لدى رؤساء الكهنة وهو يحمل رسائل الادانة ، رسائل حكم بالقتل على اتباع المسيح ، يسير بطريقه الى دمشق بكل قوة ، فوق جواده يسير في الطريق مختالا ً وبجواره حرس ٌ اشداء يصاحبونه ، في وسط الطريق ابرق حوله نور ، نور ٌ شديد قوي اسقطه على الارض . ارتمى وسط التراب ، طار من على كتفيه ردائه ، هوى على ركبتيه ، صفعته الكلمات : " شَاوُلُ ، شَاوُلُ ...... أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ " . ارتعب امام قوة الصوت وارتجف . من وسط التراب رفع وجهه وفي ترجي واستعطاف سأل : " يَارَبُّ ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ " . امام قوة الله ظهرت قوته ضعفا ً ، تبدد غروره ، سقط على ركبتيه امامه . وفي رسالته الى افسس يقول : " بِسَبَبِ هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ " . امام قداسة الله كل ُ قداسة الانسان نجاسة ، امام قوة الله كلُّ قوة الانسان ضعف . وهناك في البستان وسط الظلام بعيدا ً عن التلاميذ خرّ المسيح على وجه ( متى 26 : 39 ) بكل الخضوع والانكسار ، بكل التبجيل والاحترام ركع المسيح في البستان ، ركع وسجد واحنى ركبتيه امام ملك الملوك ورب الارباب سيد السماء والارض . أمام جلال المسيح المقام وهو في وسط التلاميذ يظهر لهم ويكشف يديه لتوما وصرخ التلميذ الامين من كل قلبه بكل ايمان ٍ وتصديق ٍ وقال " رَبِّي وَإِلهِي " . وانت ترى قدرة الله حولك في مخلوقاته التي صنعها بيده بكل القوة لا تمنع نفسك ان تحني قلبك وركبتيك وتصرخ بايمان : ربي والهي . وانت تمر في تجربة وترى الضغوط حولك تحاصرك وتتراكم فوقك ، يتقدم الله نحوك ويمد يده ويرفع الضغوط ويحمل الاثقال عنك فلا تمنع نفسك من ان تحني قلبك وركبتيك وتصرخ بايمان : ربي والهي . وانت تجد نفسك ناجحا ً في عملك رابحا ً في تجارتك سعيدا ً في اسرتك ، تجد قلبك ينحني وركبتيك تركعان وانت تصرخ بايمان : ربي والهي . هو يستحق كل التمجيد والتقديس والشكر والتكريم والخضوع والخشوع امامه . نحن نعبده حبا ً ، نسبّح له ونسجد اعترافا ً به ربا ً والها ً .
|
362 - قال الله لعبده ابراهيم : " أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ . سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً ، فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا ...... وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ " . ومرت السنوات متتابعة وما تزال سارة عاقرا ً وابراهيم ليس له ولد ، وشاخ ابراهيم وجف ينبوع سارة ولم ينسى ابراهيم عهد الله ومواعيده ، وحين حل الموعد ُ حقق الله وعده وولدت سارة اسحق ابن الموعد متمم عهد الله . ترك يعقوب بيته وهرب من وجه اخيه وفي وسط البرية توسد حجرا ً ونام ورأى حلما ً وسلما ً بين السماء والارض وملائكة الله صاعدة ً ونازلة ً عليه ، وقال الله لعبده يعقوب " أَنَا الرَّبُّ .... الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ ..... وَهَا أَنَا مَعَكَ ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ " . وتغرب يعقوب في في ارض خاله لابان وعاش سنوات طوال في خدمته ولم يشك في وعود الله ومواعيده وعاد الى الارض وتملكها هو واولاده . عند جبل حوريب ووراء البرية ظهر الله لعبده موسى وهو يرعى الغنم ، ظهر له في عليقة كنار ٍ مشتعلة ، العليقة لا تحترق ونادى الله موسى من العليقة ، امره ان يخلع حذائه لأن الموضع الذي يقف عليه ارض ٌ مقدسة فخلع حذائه وكلفه الله ان يذهب الى ارض مصر ليحرر شعبه من يد فرعون ومن عبوديته وقال موسى للرب : " لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ .... أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ . " فقال الرب لموسى : انا هو الرب " اذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ " وذهب موسى حسب وعد الله وتكلم مع فرعون واستطاع اخيرا ً ان يخرج الشعب من مصر . الله وهب لك ولي ولكل مؤمن ٍ به مواعيد عظمى وثمينة لنحيا عليها ونتمسك بها ، مواعيد وعهودا ً كبيرة عظيمة ، منذ صرنا اولاد الله ولنا هذه المواعيد نرتكز عليها . قد يبدو العالم حولك قاتما ً مظلما ً . قد ترتفع الحروب حولك وتحيط بك . قد تعلو الامواج وتلطم سفينة حياتك . قد ترعد السماء وتنهمر السيول . وسط ذلك كله تقف مواعيد الرب لك وعهوده ووعوده اطواق نجاة ، تمسك بها بكلتا يديك ، الق ِ بكل ثقلك عليها ، ضع كل ايمانك فيها ، لا تخف ، لا تهتز ولا تشك . الله وعد وهو يحفظ وعده لك . مواعيد الله العظمى والثمينة قد وهبها لنا بالمجد والفضيلة ، وهبها لنا لنحيا عليها ونعتمد بالكامل عليها لا لنعتبرها حلية ولعبة ً وتحفة . الله يعد ُ ويفي ، الله يقول وينفّذ ، الله يحافظ على كلامه ، اتخذه عونا ً لك ، اجعل مواعيده اسلحة ً تحارب بها الاعداء وتنتصر .
|
363 - الحياة مليئة بالهموم ونواجه متاعب وشدائد فيها ، منذ سقوط آدم والمتاعب تحل بنا ونحاول قدر استطاعتنا ان ننفض عنا تلك الهموم ونلقي بها بعيدا ً ونسعى لكي نتخلص من تلك المتاعب ونرميها من على اكتافنا بعيدا ً لكن البعض منها يظل ممسكا ً بنا او نظل نحن ممسكين به لا نتركه وبعد ان يستقر الهم في القلب او يستوي التعب و الشدة على الكتف تبدأ هموم ٌ اخرى تسقط على الهموم القديمة وتبدأ متاعب جديدة تستقر علينا ، وتتراكم الهموم وتتكاثر وتتزايد المتاعب وتتفاقم وتتضاعف وكلما حاولنا ان ننفض الهموم فشلنا وقد كثرت والمتاعب ايضا ً ثقلت فيهاجمنا اليأس ويغزو حياتنا الفشل وتزداد معيشتنا قسوة ً وشقاء وكثيرٌ من الناس يهربون من ذلك بالهروب من الحياة ، يقتلون انفسهم وينتحرون ، وبعض المهمومين تضغط الهموم على عقولهم فتضيع ويفقدون عقولهم ويجنّون . المؤمن المحروس بعناية الله يواجه الهموم المتراكمة بالايمان بالله والاعتماد عليه ، اذا فشل في نفضها عنه يأتي بها الى الله وانشاء الله رفعها عنه أو رفعه فوقها . قد يمد الله يده ويأخذ عنه اثقاله ويحملها او يضع يده تحت كتفه ويقويه على حملها . المؤمن لا يخشى سقوط الهموم عليه فهناك عند الله له مخرجا ً منها . يقول سليمان الحكيم في سفرالجامعة 11 : 3 " إِذَا امْتَلأَتِ السُّحُبُ مَطَرًا تُرِيقُهُ عَلَى الأَرْضِ ." .
قد لا يريد الله ان يحمل عنك همك ، قد يرى ان لا يرفع عنك ثقلك ، قد يسمح بأن تتساقط الهموم وتتجمع وقد لا يمانع في ان تكبر الاثقال وتتزايد وبعد ذلك يجعل من همومك سلما ً تصعد عليه الى مرتفعات البهجة وبعد ذلك يجعل من اثقالك رافعة ً ترفعك الى اعلى ، الى المجد والرفعة . كلما تكاثرت السحب ، كلما أسود ْ لونها ، كلما ثَقُلَ حملها اراقته مطرا ً . الذرات الثقيلة على عاتق السحب ، الذرات السوداء تسقط مطرا ً وخيرا ً ، تروي الارض ، تغذي الزرع ، تأتي بالزهور والورود والثمار . لا تخشى الهموم ، لا تخشى المتاعب والصعاب ، لا تخشى الغيوم السوداء . في طيات الهموم فرح ، في داخل المتاعب نصرة ، في قلب الغيوم مطر . ما اقرب الله لك وقت الحزن ، هو بجوارك دائما ً وقت الضيق . افحص الهموم والمتاعب التي تسقط في طريقك تجد يد الله تتحرك معها . كل غيم ٍ ينقشع ، كل سواد ٍ يبتعد ، كل هذا يختفي . الشمس الساطعة الدافئة هناك وراء السحب ، المطر الوفير المملوء بالخير دائما ً فوق الغيوم . |
364 - انظر حولك ، هل ترى الطبيعة حولك ؟ لوحة ٌ زاهية رائعة ُ اللون . اسمع الاصوات ، اتسمع معزوفة الطبيعة التي تصدح وتملأ الجو بالالحان ؟ ما اعظم خليقة الله ، ما اروعها " مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ." ( مزمور 104 : 24 ) " لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ . بِنُورِكَ نَرَى نُورًا." ( مزمور 36 : 9 ) . مهما كانت مشاعرك اليوم ، مهما كانت مشاغلك ، مهما كانت افكارك ، اذا نظرت حولك اذا اصغت السمع تدخل السعادة الى قلبك والبهجة ُ الى حياتك . كثيرون يسيرون مغمضي العيون ، مسدودي الاذان ، بؤساء مساكين . الله خلق العالم بفن ٍ وعمل الخلائق بحكمة وانشأ الوجود بجمال ٍ خارق . يقول غوته الشاعر الالماني : ان الطبيعة هي ثوب الله نسجته اصابع الله في منسج الزمن . العالم بشمسه ِ المشرقة ، العالم بنجومه المتألقة ، العالم باقماره اللامعة ، العالم باشجاره الباسقة ، العالم بزهوره الفائحة ، العالم بحدائقه الغنّاء ، العالم بجباله الشاهقة ، العالم ببحوره الممتدة ، العالم بوديانه الغائرة ، العالم هذا بكل ما فيه ، بكل من فيه ، العالم بكل خلائقه هو عالم الله . هذا العالم عالم الله " اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ." ( مزمور 19 : 1 ) . هذا العالم الجميل هو عالم الآب السماوي ، عالم ٌ خلقه الله للانسان ليتمتع به . واذا كانت الخطية والشر قد دخلا العالم وافسداه وجعلاه يُنبت شوكا ً وحسكا ً لكن الخليقة حسب وعد الله " سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ " ( رومية 8 : 21 ) . تفاعل مع الخليقة الجميلة حولك ، ابحث عن خليقة الله التي خلقها لك ، تمتع بها ، اجعلها تعيش داخلك طاهرة ً نقية جيدة ً صالحة جميلة . تعلّم منها ، تناسق معها ، حاكيها وقلّبها . كن رقيقا ً كالنسيم مثمرا ً كالكرمة . كن صافي القلب كالسماء متسع الرحمة كالبحر هادئا ً كالقمر وديعا ً كالطير . تناسق وتجاوب معها ، تعرف الله اكثر ، تحب الله اكثر ، تشكر الله اكثر . تأمل عطاء الوردة تعطي رائحتها لجميع من حولها ، رائحة ً دائمة ، يا لعطاء الله . تأمل عمق البحر ممتلئ دائم بالماء ، ازرق صاف ٍ عميق ، يا لعمق محبة الله . ابحث عن الخليقة حولك ، ابحث في خليقة الله التي ابدعتها يديه . تعلّم من الخليقة ، ذُب فيها تنبع داخلك ينابيع سعادة حية . انظر الى الطبيعة وانبهر بها . انصت اليها وهي تتكلم وتتحدث بصوت عال ٍ . اختبر مجد الله واعرف محبة الله وتعلّم عناية الله .
|
365 - هل تعرف نفسك ؟ هل تعرف نفسك جيدا ً ؟ هل تعرف قيمة نفسك ؟ قد تزيد من قدر نفسك ، تتصور نفسك اكثر من واقعها فتتكبر وتتعالى وتتشامخ ، وقد تقلل من قدر نفسك ، تتصور نفسك اقل من واقعها فتتضع وتتدانى وتتصاغر . المقياس الحقيقي لنفسك ليس انت ولا الناس ، المقياس الحق هو الله . يقول داود النبي : إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ ، الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كَوَّنْتَهَا ، فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ ؟ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ " مزمور 8 : 3 –6 ) . الله ذكر الانسان ، ميزه عن كل الخلائق ، سلطه على كل ما عمله . وضع فيه العقل والارادة ، جعله موضوع حبه ، جاء لاجله ومات وقام . جعل الله في الانسان قدرات خارقة كامنة ، سلحهُ باسلحة ٍ خاصة جسدا ً وعقلا ً وروحا ً . الانسان الناجح هو الذي يسعى ليكتشف نفسه ويعرف ويستخدم قدراته . الطاقة ُ موجودة ٌ في العالم منذ ُ الخليقة وعاش الانسان عصورا ً في الظلام . لم يخلق الانسان الطاقة ليدير المحركات ويضيء الظلام ويغير ملامح الحياة ، لم يخلقها لكنه اكتشفها واستغلها لخدمته وراحته ورفاهيته وسعادته . كثيرون منا يعيشون تعساء ودواخلهم ينابيع من السعادة لم تنفجر بعد . يعيشون في ضعف ٍ وهزيمة وعجز ٍ وضعة ويداخلهم قوة ٌ وقدرة لم تظهر بعد . السعادة ُ موجودة ٌ داخل الانسان وضعها الله فيه منذ ان قال : كن ، فكان . الفرح والبهجة والانتصار والعزة ُ داخلك ، اكتشفها ثم استخدمها . الله يتيح لنا ذلك كله بالنسمة التي نفخها فينا ، نسمة الحياة التي جعلتنا احياء . كثيرا ً ما نركز لنعرف انفسنا على مظهرنا الخارجي ، على بنياننا الجسدي ، وهذا الشكل ُ المادي برغم اعجازه وصعوبة فهمه لكنه امام العلم معلوم ، اما الروح ، روح الله الذي بداخلنا فهذا هو الاحق بالفهم والادراك . وقف حزقيال النبي وسط واد ٍ سحيق مملوء ٌ بالعظام الجافة اليابسة وقال الله له : " يَا ابْنَ آدَمَ ، أَتَحْيَا هذِهِ الْعِظَامُ ؟ " وتحير حزقيال وقال الله : " تَنَبَّأْ عَلَى هذِهِ الْعِظَامِ " وتنبأ وارتعشت العظام وتقاربت وتجمعت واكتست بالعصب واللحم والجلد . ثم امره الله بأن يتنبأ ليحل فيها الروح فدخل فيها الروح وحيت وقامت جيشا ً عظيما ً . يقول الله : " هأَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحًا فَتَحْيَوْنَ." ( حزقيال 37 : 5 ) . نحن ُ نحيا بروح الله ، هذا الروح ، روح الله الذي يجعل لك قيمة ً ووزنا ً وقدرا ً . الروح القدس يحل في المؤمن بدخول المسيح في قلبه عند الولادة الجديدة . حين يحل الروح القدس في الانسان يصبح هيكلا ً لسكنى الله . نعم روح الله يسكن فيك فانت ابن الله ، ابن الله الحي .
|
366 - تمر بنا احداث تجلب الينا الاكتئاب والى قلوبنا الحزن والأسى ، وللاسف يطول الحزن ويستمر الاكتئاب ولا يتركنا بيسر ٍ وسهولة . كثيرون في بلادنا يصابون بعقدة الحزن ، نميل الى الحزن اكثر من الفرح ، يتصورون ان الجدية هي العبوس وان الابتسامة ُ خلاعة ٌ ومجون . افراحنا تتبخر بسرعة ، لا تطول ، احزاننا تستقر طويلا ً ، تركن وتبقى . نهتم بمجاملات الاحزان ، لا تفوتنا جنازة أو واجب عزاء ، نعيش ذكريات الحزن ، ولا نبالي كثيرا ً أو نحتفل ُ بمناسبات الافراح ، احيانا ً نبتعد عنها ونهرب منها ونتصور ان التدين عبوس الملامح ، مسوح ٌ وغطاء رأس ، كأبة ٌ وتقطيب وجه . الله انار لنا بالانجيل الحياة َ والخلود : " ثَمَرُ الرُّوحِ .... مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ ...... لُطْفٌ صَلاَحٌ " ( غلاطية 5 : 22 ) . يقول سليمان الحكيم في سفر الامثال 15 : 13 " اَلْقَلْبُ الْفَرْحَانُ يَجْعَلُ الْوَجْهَ طَلِقًا " مبتسما ً ضاحكا ً ، ويقول ايضا ً : " الْقَلْبُ الْفَرْحَانُ يُطَيِّبُ الْجِسْمَ ، وَالرُّوحُ الْمُنْسَحِقَةُ تُجَفِّفُ الْعَظْمَ " ( امثال 17 : 22 ) . الله يريدنا ان نفرح " افْرَحُوا بِالرَّبِّ وَابْتَهِجُوا يَا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ ، وَاهْتِفُوا يَا جَمِيعَ الْمُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ " ( مزمور 32 : 11 ) . " أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ افْرَحُوا. اِكْمَلُوا. تَعَزَّوْا. ....... عِيشُوا بِالسَّلاَمِ ، وَإِلهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ " ( 2 كورنثوس 13 : 11 ) . " اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ " ( مزمور 48 : 4 ) . " اعْبُدُوا الرَّبَّ بِفَرَحٍ . ادْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ " ( مزمور 100 : 2 ) . لكننا نبخل على انفسنا بالفرح والضحك والابتسام ، اغانينا وترانيمنا يشوبها حزن ٌ وشجن ، الحان افراحنا بطيئة ٌ باكية ، لماذا نحزن والله يطلب منا ان نكون فرحين في الرجاء . الابتسام يُسعد كل من حولك ويشع من وجهك نورا ً يضيء ويرطب ويفرح . البسمة ُ نسمة من السماء تحط على وجوه البشر لتسعدهم وتسعد العالم حولهم . البسمة ُ تعبير ٌ عما يكنه القلب من فرح . الفرح يحرك الوجه والشفتين فتبتسم . لا بد ان تجد في حياتك ما يُفرح . اطلق الفرحة َ التي بداخلك ، اخرجها من قلبك . هناك اشياء كثيرة تدعوك الى الابتسام والسرور ، فكر في ذلك وابتسم ، ابتسم فالبسمة ُ ستقودك الى الفرحة ، الى الصفاء ، الى الوجه الطلق . ينابيع السعادة داخلك دعها تنطلق وتخرج ، سوف تنسكب فرحا ً على كل من حولك . الابتسامة ُ لا تسعدك انت وحدك ، الابتسامة تسعد الآخرين حولك . الابتسامة لا تقف مكانها على وجهك بل تنطلق الى وجوه الآخرين فيبتسمون . العالم به ما يكفي من احزان ، لا تستسلم لاحزان العالم ، اسعى للفرح . العالم به من العبوس ما يكفي ، افرح واضحك وابتسم للدنيا تفرح وتضحك وتبتسم لك . ابتسم ، غني فالغيوم حالا ً تنقشع فغنائك الجميل يطرد الغيوم . ابتسم فالغيوم حالا ً تنقشع . ابتسامك الجميل يطرد الغيوم . هكذا يعم الفرح وينتشر الابتسام ويحل الابتهاج .
|
367 -
* هل خنقتك الحياة بهمومها ؟ هل فقدت الامل بفجر ٍ جديد ؟ لا تخف فوعد الرب لك : " هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ " ( اشعياء 43 : 19 ) . " لِذلِكَ قَوِّمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ " ( عبرانيين 12 : 12 ) ، ثبتوها لأن " الرَّبُّ إِلهُكِ فِي وَسَطِكِ جَبَّارٌ. يُخَلِّصُ " ( صفنيا 3 : 17 ) . * لا لم يتأخر الوقت بعد بدأ بطرس في الغرق الا انه في اللحظة الحرجة الاخيرة صرخ الى الرب مستغيثا ً : " يا رب نجني " . لا لم يتأخر الوقت بعد ، مد يسوع يده وامسك به . لا تقل لقد تعقدت الامور جدا ً وليس من امل للنجاة . لا تقل ان الاخطار عديدة ومن المستحيل ان انجو منها . لا تصدق ابليس ان قال لك : ليس لك رجاء . لا لم يتأخر الوقت ُ بعد . ارفع قلبك اليه واصرخ بكل ثقة : يا رب نجني ، حتما ً سترى يد الرب تمتد اليك وتصنع الانقاذ مثلما فعل لبطرس . لا لم يتأخر الوقت ُ بعد . * قال احد الحكماء : إن كنت َ ترد ُ الشر بالخير فأنت صاحب ُ صفةًٍ الهية ، وان كنت ترد ُ الخير َ بالخير فانت صاحب ُ صفةًٍ انسانية ، وان كنت َ ترد الشر بالشر فانت صاحب ُ صفة ٍ حيوانية ، وانت كنت َ ترد ُ الخير بالشر فانت صاحب ُ صفة ٍ شيطانية . وما اجمل ما قاله رسول المسيحية بولس : " لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ.إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ.لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ .لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ." ( رومية 12 : 17 – 21 ) . * اذا واجهتك مشكلة لا تقف محملقا ً فيها فهذا لن يحلها ولا حتى يخفف ثقلها . حول عينيك عنها لمن هو الاقدر عليها . انظر الى صليب يسوع وهو يحلها . * ايها الخاطئ : هل ما زلت ضالا ً بعيدا ً عن الراعي الصالح ؟ هل رجعت يوما ً الى نفسك وصممت ان تترك حياة البعد ِ عن الرب وتأتي اليه تائبا ً ومصمما ً على اتباعه وعلى طاعته . هل تعلم ان الرب يسوع يفتش عليك كما يفتش الراعي على خروفه الضال ؟ هل تعرف ان الرب رغم بغضه الشديد للخطية يحب الخاطئ محبة ً شديدة ويتوقع توبته ؟ هل تعرف ان توبتك انت تسبب فرحا ً عظيما ً في السماء ؟ هل تعرف انه عندما تعود الى الراعي الصالح لن يؤنبك بل سيحملك بكل رفق ٍ على منكبيه ثم يأتي بك الى حظيرته كي تتمتع بالسلام والامان ؟ هل تعرف ان الرب يسوع يفتش عنك بطرق ٍ متعددة فأرجو ان تتجاوب مع نداءات محبته وتُقبل اليه بكل قلبك . * لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. ( رومية 12 : 19 ) . مما لا شك فيه اننا جميعا ً معرضين لأن نحقد على كل من يحقد علينا ، هذه هي الطبيعة البشرية لكن كلمة الله تنبهنا بأن لا ننتقم نحن بل نسلم لمن يقضي بعدل . ان الرب يسوع علّم تعاليم لم يعلّمها أحد مثله ليس فقط لانه يختلف عن الآخرين بل لأنه يريد ايضا ً ان اتباعه أيضا ً يختلفون عن الآخرين لذا يقول لنا في انجيل متى 5 : 44 " وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُم ْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ . أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ " . إن تطبيق هذا التعليم الرفيع ليس صعبا ً فقط لكنه مستحيل بشريا ً لذلك يحتاج الانسان الى قوة الله والى عمل روحه القدوس في حياته . |
368 - اغلب المشاكل التي تحدث بين الافراد ترجع الى غياب الكلمة الحلوة . كثير من الخلافات التي تظهر بين افراد الاسرة سببها عدم وجود الكلمة الحلوة . يصور سليمان الحكيم ذلك بقوله : " اَلْكَلاَمُ الْحَسَنُ شَهْدُ عَسَل ، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَامِ " ( امثال 16 : 24 ) .الفرق بين الكلمة الحلوة والكلمة الخشنة كبير كالفرق بين الحياة والموت لذلك يقول الحكيم " اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ ، وَأَحِبَّاؤُهُ يَأْكُلُونَ ثَمَرَهُ " ( امثال 18 : 21 ) . هناك كلمات ٌ تطعن كالحربة ، تُدمي وتجرح وتمزق وتفتك وتقتل وهناك كلمات كشهد العسل تُشفي وتفرّح ، ترطب وتُسعد وتُحيي . الكلام الجيد مقبول ومحبوب . الكلام الجيد يجعل للحياة طعما ً جميلا ً . يقول بولس الرسول : " لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ ، مُصْلَحًا بِمِلْحٍ " ( كولوسي 4 : 6 ) . الطعام الخالي من الملح غير مستساغ يرفضه الفم وترفضه المعدة والطعام المملح طيب تنفتح له النفس ويشتهيه الانسان ويشبع منه . الكلمة الحلوة تسحر النفوس وتطيّب الخوطر وتسبي القلوب وتفتح الابواب . قد يكون لديك مطلب ٌ عند صاحب كلمة حلوة وقد لا تحصل على مطلبك لكنك تخرج من عنده سعيدا ً حتى بالرفض لأن كلامه الحلو أسعدك . كلماتك التي تنطق بها بذار ٌ تنثرها اينما حللت تنبت لك ما بذرت منها فإن بذرت شوكا ً أدمى قدميك وإن بذرت وردا ً تمتعت برائحته وفرحت .الذين يعيشون في خلافات وصراعات وقلاقل غالبا ً ما زرعوها بانفسهم . ما نسمعه من الفاظ حسنة ً كانت أم نابية هي صدى لما نطقناه نحن . الق ِ على الناس كلمة ً حلوة تعد اليك نسيما ً جميلا ً منعشا ً حلوا ً ينعش نفسك . القِ على الناس كلمة ً سيئة تعد اليك ريحا ً عاتية تجرح ُ مشاعرك . قال الحكيم : " لِلإِنْسَانِ فَرَحٌ بِجَوَابِ فَمِهِ " ( امثال 15 : 23 ) . الفرح نتاج الكلمة الحلوة . الكلام الحسن يفتح القلوب المغلقة وهو المدخل الى المشاعر النبيلة الجميلة . حين يتوتر الجو ويتأزم الموقف ويتراشق الكلام كالقنابل المدمرة ، الكلمة الحلوة تفك التوتر وتعيد السلام وتفتح ابواب الحب والرضا . قال سليمان الحكيم : " اَلْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ ، وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ يُهَيِّجُ السَّخَطَ " ( امثال 15 : 1 ) . حين يتصاعد الغضب ويزمجر ، حين يعلو الصوت وتخرج الكلمات الصاخبة ، الكلمة ُ الرقيقة تُطفئ الغضب ، الصوت الهادئ يغلب الصخب " اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا " ( 1 كورنثوس 13 : 8 ) . تنافست الشمس والريح عمن الاقوى واختارا رجلا ً بعباءة ٍ مجالا ً لتنافسهما ، الذي يجعله ينزع عبائته يكسب هاجت الر يح وزمجرت وعصفت بشدة فتمسك الرجل بعبائته . أخذت الشمس تُرسل اشعتها برفق ، دبّت الحرارة في اوصال الرجل فخلع عبائته وسار فرحا ً سعيدا ً بدفئها . الكلمة الحلوة تسري في الجسد فتملئه دفئا ً . الكلمة الحلوة تدخل النفس فتُشبعها حبا ً .
|
369 - غالبية الناس تشكو وتتذمر ، تتضجر من الاعمال التي يقومون بها ، البعض يرى ان اعمالهم مرهقة ، متعبة يبذلون فيها جهدا ً مضنيا ً ، والبعض يرى ان اعمالهم روتينية مملة تبعث على السأم كآلة تدور دائما ً ، وبعض الاعمال تُرهق ، ترهق والذهن والفكر والاعصاب بجوار الارهاق البدني طبعا ً ، وبعض الناس لا يجدون عملا ً ويعانون من البطالة ، الكل يشكو ، هكذا ألف الناس ان ينظروا الى العمل كمسؤولية ٍ ثقيلة ولعنة ٍ حلّت بهم . منذ آدم حين اصدر الله الحكم عليه وقال : " مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ . بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ . وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ . بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ " ( تكوين 3 : 17 – 19 ) . منذ ُ ذلك الوقت والعمل للبعض لعنة ، هذا لأن الانسان ينظر الى العمل كمصدر رزقه والطريق الى لقمة العيش . لقمة العيش سنحصل عليها فالله الذي يُطعم العصافير قادر ٌ أن يُطعمنا ايضا ً . العمل هو خطة الله للانسان ، لكل واحد منا رسالة اعدها الله لنا لنحملها ، والعمل رسالة ٌ لكل ٍ منا ، هد ف ٌ لوجودنا ومحقق ٌ لذواتنا وجزء ٌ من خطة الله للعالم ، ولكي تتلذذ بعملك وتُقبل عليه بحماس ٍ ونشاط إعلم ان لك دورا ً في قصد الله . أنت تعمل لا لنفسك فقط بل للغير ، للآخرين ، عملك يسدد احتياجات الغير و " مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ " ، مغبوط ٌ من يعمل لاجل الغير وانت تعمل لأجل الناس ، تعمل لتُرضي الله لا لترضي الناس . ارضاء الناس فقط ليس هدفنا كمسيحيين . هدفنا ارضاء الله كما يقول بولس الرسول : " لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ ، خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ ، لَيْسَ لِلنَّاسِ عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ " ( افسس 6 : 6 – 8 ) . مكافأة العمل من الرب ، انتظر الجزاء من الله هو صاحب العمل ، هو رب العمل ، اجرك من الرب . العمل كرامة ٌٌ للانسان ، الكسل خطية ، الكسل مرتع ٌ يصول فيه الشيطان ويجول . قال المسيح : " أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ " ( يوحنا 5 : 17 ) . العمل كرامة يحقق شخصية الانسان كي يخدم مجتمعه . في مثال الوزنات نرى السيد يوزع الوزنات على عبيده حسب طاقاتهم ، اعطى واحدا ً خمس وزنات والآخر وزنتين والثالث اعطاه وزنة ً واحدة وتاجر الأول وربح خمس وزنات اخرى والثاني ربح وزنتين اخريين اما الثالث فطمر وزنته ورقد فوقها وجاء السيد وأثاب الذين عملا وربحا اما العبد البطال فامرهم ان يطرحوه الى الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الاسنان . لذة العمل في الجهاد " لْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ " ( عبرانيين 12 : 1 ، 2 ) .
|
370 - بعد اجيال ٍ وقرون ٍ من حروب ٍ بين الامم وصراعات ٍ دامية ومعارك ، يصبو العالم الآن الى السلام ، الكل يسعى الى السلام ويتمنى حلوله . كم من قتلى ماتوا تحت سنابك الخيول ومن طلقات المدافع وانفجارات القنابل . كم من نساء ٍ ترملت وكم من اطفال تيتمت وكم من جنود قُطعت اجزاء من اجسادهم . بعد ان تنتهي الحروب يلعق ُ كل فريق ٍ جروحه ويدفن موتاه ويبكي على خرابه لذلك الدعوة الان في العالم للسلام على كل لسان وفي كل بلد ٍ ومكان . ونسمع ُ بين الحين والآخر عن شهيد ٍ يسقط في معركة العمل على تحقيق السلام ، انما عدد قتلى السعي للسلام اقل بكثير جدا ً من قتلى الحروب والخصام . يقول بطرس الرسول : " لأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ الْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّامًا صَالِحَةً ..........لِيُعْرِضْ عَنِ الشَّرِّ وَيَصْنَعِ الْخَيْرَ، لِيَطْلُبِ السَّلاَمَ وَيَجِدَّ فِي أَثَرِهِ " ( 1 بطرس 3 : 10 ، 11 ) . والحروب لا تدور في ساحات المعارك بين الدول والبلدان فقط ، هناك حروب ايضا ً داخل جدران البيوت والمجتمعات ، حروب ٌ داخلية ، حروب ٌ بين الافراد في العمل ، في البيت في الطريق ، في المقهى ، في كل مكان . الناس يتصارعون لاسباب قوية ولاسباب تافهة ، حروب ٌ وخصام . يقول سليمان الحكيم : " لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلاَمَةٌ ، خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ " ( امثال 17 : 1 ) . ولتحقيق السلام بين الناس نحتاج ان نسيطر على انفسنا وعلى غضبنا . يقول الحكيم : " اَلرَّجُلُ الْغَضُوبُ يُهَيِّجُ الْخُصُومَةَ ، وَبَطِيءُ الْغَضَبِ يُسَكِّنُ الْخِصَامَ " ( امثال 15 : 18 ) . الغضب حيوان ٌ مفترس اذا انطلق هائجا ً يقتل ويهلك ويطرد السلام . ويقول بولس الرسول : " لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا " ( افسس 4 : 26 ، 27 ) . السلام لا يكون بلا تنازلات بلا تضحية بلا انكار ذات ، بهذا يتم الصفاء ، ثم نتعلم الصفح والغفران . يقول الرسول بولس : " مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا " ( كولوسي 3 : 13 ) . بنفس درجة مغفرة المسيح ، اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن للآخرين ايضا ً ، هكذا نغفر . السلام الحقيقي هو الذي يصير داخل الانسان سلام الانسان المؤمن . يقول الوحي في سفر اشعياء : " أَمَّا الأَشْرَارُ فَكَالْبَحْرِ الْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِينًا . لَيْسَ سَلاَمٌ ، قَالَ إِلهِي ، لِلأَشْرَارِ " ( اشعياء 57 : 20 ، 21 ) . اساس السلام الداخلي هو الصفاء في العلاقة بينك وبين الله . السلام الداخلي يتم حين تعترف بخطاياك وتلقي بنفسك بين ذراعي الرب " فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ " ( رومية 5 : 1 ) هذا السلام الداخلي هو الطريق للسلام بين الناس وللسلام بين الشعوب . سلم نفسك له تنل السلام .
|
371 - في المحاكمة الطويلة للمسيح يسوع امام بيلاطس والتي تعتبر اكبر مهزلة ٍ في تاريخ القضاء ، اخذ بيلاطس المسيح وجلده وظفر الجند اكليل شوك ٍ ووضعوه على رأسه ، سخروا منه واستهزأوا به ، ولم يشكو المسيح او يصرخ او يحتج . احتار فيه بيلاطس وخرج الى الشعب وقال : " أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً " ( يوحنا 18 38 ) . لكن اليهود صرخوا طالبين ان يُصلب ، كانوا يصرخون : " اصْلِبْهُ اصْلِبْهُ " ( لوقا 23 : 21 ) . ومن خوفه سأل بيلاطس المسيح : " مِنْ أَيْنَ أَنْتَ ؟. وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا " . وقال له بيلاطس : " أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ ؟ " واجاب يسوع : " لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ " . لا سلطان لبيلاطس ولا سلطان لابليس ولا سلطان لأي شر ٍ الا بارادة الله . كل النوازل التي تنزل بنا ، كل النوائب والمتاعب ، كل المعاناة بسماح ٍ من الله . هذا لا يدعو الى الدهشة بل يدعو الى الاطمئنان ، لا شيء يحدث لنا الا بمشيئته ، لن يصيبنا شيء ٌ مهما كان الا بارادته ، إن اشتدت الاحوال ، إن تأزمت الامور هو يعرفها ، يعرف ابعادها وشدتها ويعرف ايضا ً قدرتنا على الاحتمال ويسيطر عليها ، يسوسها ويحركها ويحولها لصالحنا للبر وللنعمة والخير . الا تشعر بالاطمئنان والتعزية وانت تعلم ُ ان كل شيء ٍ في يد الأب المحب ؟ الا تشعر بالراحة وسط المصائب والشدائد فهوم يُمسك بالزمام بيده الحنونة ؟ " كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ " ( رومية 8 : 28 ) . حين جاء الجند واليهود الى بستان جثسيماني التفوا حول المسيح ليمسكوه ، استل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه اليمنى وقال يسوع لبطرس : " اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا ؟ " . التجربة التي يسمح بها الآب الا تحتملها ؟ الالم الذي يحدث لك الا ترحب به ؟ الشدائد لا تخيفنا ، الآب السماوي يراها يعرف قدرها ويعرف قدرتنا عليها . الآلام التي تلم بنا وتهاجمنا لا تحبطنا ولا تفشلنا فهو يرى ويعمل . هجمات ابليس مهما اشتدت يد الآب تمتد وتعيننا وتقوينا وهو القادر في عنايته ورحمته ومحبته ان يحولها الى خيرات وبركات لنا . يا يسوع انت معنا طالما نحن هنا فالآلام والبلايا كلها خير ٌ لنا ، ليس من يصغي الينا وسط الهم الشديد الا انت يا يسوع يا حبيبنا الوحيد . الكروب والشدائد والعذاب اصابتنا بارادتك تحولت جميعها يا معين الى خيرٌ من لدنك .
|
372 - كثيرون لا يعبأون بمشاكل الآخرين ولا يثير اهتمامهم احتياجات الناس وكثيرون لا يفكرون الا في ذواتهم ، يهربون من التضحية من اجل الغير يظنون ان الراحة تكمن في الابتعاد عن المتاعب التي تجلبها خدمة الآخرين ، كثيرون يعيشون لانفسهم فقط لا يكترثون بما يصيب غيرهم من آلام ، يكتفون بتحليل المواقف وابداء الرأي والنقد وربما ينطقون ببضعة كلمات للمشاركة التي لا تكلفهم شيئا ً لكن الذي عرف حقا ًحب الرب يسوع لا يقدر ان يظل واحدا ً من اولئك لقد عرف حب الرب يسوع وسمح له ان يهيمن على كل حياته وهو بالفعل شخص مختلف لا يعرف الا ان يبذل ويبذل ويبذل من اجل خير الناس وراحتهم ، الرب يسوع في مركز حياته يشع فيها من نوره ليعكس حبه للناس والروح القدس الذي يسكن فيه يُعطه القدرة على العطاء بسخاء . كل مشكلة تواجه الناس و نساهم في حلها تحمل لنا غمرا ً من الفرح وكل دمعة نمسحها من عين باكية تعود لنا بفيض جديد من البهجة وكلما زاد عطائنا زادت افراحنا بالملك الذي علّمنا طريق الحب لهذا يقول الرسول بولس في غلاطية 6 : 2 " اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ " . " بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ : أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا ، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ ....... لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ " ( 1 يوحنا 3 : 16 ، 18 ) .
|
373 - في هذه الحياة غالبا ً ما يعتمد شعورنا بالامان والنفوذ على مقدار ما لدينا من اموال فحينما نكون فقراء تجدنا نشعر بالضعف وحينما نكون اغنياء ترانا نشعر بالقوة لكن الثروة لا تجعلنا نتمتع بعلاقة صحيحة مع الله كما ان المال لايستطيع ان يشتري خلاصنا ولا ان يؤثر على مشيئة الله وحينما يأتي وقت الدينونة الاخيرة سوف نكتشف جميعنا بأن المال عديم القيمة . اذا كنت غنيا ً فاسأل الله ان يساعدك على ان تبقى متواضعا ً وان تستخدم ما لديك لمجده هو واذا كنت من الطبقة المتوسطة او الفقيرة فاسعى وراء القداسة عوضا ً عن السعي وراء الغنى فالقداسة هي الشيء الوحيد الذي يمكنك ان تأخذه حينما تموت .
|
374 - الفرح يفرض نفسه ، يفرد جناحيه ، تعلو موسيقاه ، يرفع صوته ، أما الحزن فينزوي ، ينحني ويلتف حول نفسه لا تخرج منه انغام ٌ بل حشرجات ، فرق ٌ شاسعٌ بينهما الفرح زاه ٍ بالوان ٍ متعددة تتلألأ وتتموج أما الحزن فلا لون له الا السواد ، لون ٌ داكن يُطفئ كل الالوان . الفرح عالي الصوت الحانه مرتفعة ٌ وموسيقاه صاخبة وضحكاته مزغردة أما الحزن فصوته ُ منكسر ٌ ونبراته منخفضة وصرخاته ُ مكتومة متقطعة . نور الفرح ِ كنور الشمس بهي قوي حار عفي يلون كل ما يسقط عليه ، اما نور الحزن إن كان له نور ٌ فكأشعة القمر التي تخترق الفضاء باستحياء ، والانسان يحب رفقة الفرح يتلذذ بصحبته ويصبو الى عشرته لكنه يرفض الحزن ، يتحاشاه ، يهرب منه يتباعد عنه وعن طريقه ، لا يلتقيان ، لا يتصلان ، لا يتصافيان ، لا يسيران معا ً أبدا ً ، لكن بولس الرسول يقول لاهل كورنثوس " كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ " ( 2 كورنثوس 6 : 10 ) . عجيب ٌ لقاء الضدان ، عجيب ٌ لقاء الأضداد لكن الرسول يجمعها معا ً ، يقول : " كَمَجْهُولِينَ وَنَحْنُ مَعْرُوفُونَ ، كَمَائِتِينَ وَهَا نَحْنُ نَحْيَا ، كَمُؤَدَّبِينَ وَنَحْنُ غَيْرُ مَقْتُولِينَ ، كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ " ( 2 كورنثوس 6 : 9 ، 10) . الذي يجمع ذلك كله معا ً هو ذاك الذي اعتلى الصليب ليموت عليه ، مات ليميت الموت ويخرج من قلبه الحياة ، اخرج من الموت حياة . حمل العار على كتفيه ليجعل العار مجدا ً والصليب الملعون فخرا ً . فزع جلادوه ، خاف محاكموه ، ارتعب وارتجف الذي امسكوا به وقيدوه ، جعل الظلمة َ نورا ً والنور ظلمة ، مزق الأحجبة واخترق القبر ، وبه ، به وحده نستطيع ان نجمع الاضداد ونحول الحزن فرحا ً ، إن متنا معه نقوم ، إن صُلبنا معه ننتصر ، إن اتحدنا به نحيا دائما ً ، فالحياة كشعاع القمر يتسلل في سكون ٍ حزين ٍ بين فروع الشجر واوراقه ويسقط على الارض وكأنه بركا ً فضية تمتد باردة ضعيفة هزيلة واهنة . إن سلمته حياتك يملأ بالقوة والدفء كل ايامك وتسقط اشعتك حارة تخترق جدران الظلام والحزن والكآبة وتصدح الحان البهجة والفرحة والقوة . تعلو التسابيح ويعم الهتاف وتتعالى الترانيم " كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ " . مهما ضغطت عليك المشقات والمتاعب والتجارب والاحزان لن تمنع الفرح الذي يملأ قلبك ، اله الفرح هناك .
|
الساعة الآن 08:41 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025