![]() |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في مناجاة المسيح للنفس المؤمنة 1 – التلميذ: ”أسمع ما يتكلم فيَّ الربُّ الإله" (مزمور84: 9). المسيح: طوبى للنفس التي تسمع الرب يتكلم فيها، وتقبل من فمه كلام التعزية! طوبى للآذان التي تقبل همس الإلهام الإلهي ولا تأبه البتة لمهامسات هذا العالم! أجل، طوبى للآذان المصغية، لا إلى صوت يطن في الخارج، بل إلى الحق الذي يعلم في الداخل! طوبى للعيون المغمضة عن الأمور الخارجية، الشاخصة إلى الداخلية! طوبى للذين يلجون الأمور الداخلية، ويجتهدون، بالتدرب اليومي، أن يستعدوا أكثر فأكثر، لإدراك الأسرار السماوية! طوبى للذين يتوقون إلى التفرغ لله، فيقصون عنهم كل عوائق هذا الدهر! التلميذ: تأملي، يا نفس، في هذه الأقوال، وأغلقي أبواب حواسك، لتستطيعي أن تسمعي ما يتكلم فيك الرب إلهك. 2 – المسيح: هذا ما يقول حبيبك: ”إني أنا خلاصك” (مزمور 34: 3) وسلامك وحياتك. أقيمي بقربي، تجدي السلام، أُتركي جميع الزائلات واطلبي الأبديات. وهل الزمنيات كلها سوى غرور؟ وماذا يفيدك الخلائق جميعها، إن هجرك الخالق؟ فاعتزلي إذن كل شيء، وكوني مرضيةً أمينةً لخالقك، لتستطيعي الحصول على السعادة الحقيقية. |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في أن الحق يتكلم في داخلنا بدون دوي كلام التلميذ: ”تكلم، يا رب، فإن عبدك يسمع″ (1ملوك 3: 9). “عبدك أنا، فهمني فأعرف شهاداتك″ (مزمور 118: 125). “أمل قلبي إلى كلام فيك، لتقطر كالندى مقالتك″ (مزمور 118: 36؛ تثنيه 32: 2). لقد قال بنو إسرائيل قديمًا لموسى:”كلمنا أنت، فنسمع، ولا يكلمنا الرب، لئلا نموت″ (خروج 20: 19). لست كذلك، يا رب، لست كذلك أطلب، بل بالحري أبتهل مع صموئيل النبي، بتواضعٍ واشتياق:”تكلم يا رب فإن عبدك يسمع″ (1ملوك 3: 9). لا يكلمني موسى أو أحدٌ من الأنبياء، بل بالحري، كلمني أنت أيها الرب الإله، ملهم جميع الأنبياء ومنيرهم، لأنك أنت وحدك قادرٌ، بدونهم، أن تفقهني تفقيهًا كاملًا؛ أما هم، فبدونك لا يفيدونني شيئًا. 2 – هم ينطقون بألفاظٍ رنانة، أما الروح فلا يستطيعون منحه. هم يجيدون الكلام، لكنهم لا يضرمون القلب إن أنت بقيت صامتًا. هم يسلمون الحرف، لكنك أنت تكشف المعنى. هم ينطقون بالأسرار، لكنك أنت تفض أختام فهمها. هم يعلنون الوصايا، لكنك أنت تساعد على حفظها. هم يرشدون إلى الطريق، لكنك أنت المشدد للسير فيها. هم يعملون في الخارج فقط، لكنك أنت تفقه القلوب وتنورها. هم يسقون في الخارج، لكنك أنت تولي الخصب. هم يجهرون بالكلام، لكنك أنت تهب الفهم للسماع. 3 – فلا يكلمني إذن موسى، بل أنت أيها الرب إلهي، الحق الأزلي، لئلا أموت وأصبح بغير ثمرة، إن لم أسمع النصح إلا في الخارج فقط. من غير أن أضطرم في الداخل؛ ولئلا تصبح لي سبب دينونة، تلك الكلمة التي سمعتها ولم أعمل بها، وعرفتها ولم أحببها، وآمنت بها ولم أحفظها. ”تكلم إذن يا رب، فإن عبدك يسمع″ (1ملوك 3: 9)، “لأن كلام الحياة الأبدية هو عندك″ (يوحنا 6: 69). كلمني لتعزية نفسي قليلًا، ولإصلاح حياتي كلها؛ وكلمني، خصوصًا، لأجل تسبيحك وتمجيدك وإكرامك على الدوام. |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في أنه من الواجب استماع كلام الله بتواضعٍ، وفي أن كثيرين لا يقدرونه 1 – المسيح: اسمع كلامي، يا بني، كلامي الجزيل العذوبة، فإنه يفوق علم جميع فلاسفة هذا الدهر وحكمائه. ”كلامي روحٌ وحياة“ (يوحنا 6: 64)، فلا يسوغ الحكم فيه بحسب العقل البشري. ولا يسوغ أن يجول للعجب الباطل، بل يجب استماعه بصمت وقبوله بتواضعٍ وحبٍ عظيم. 2 – التلميذ: لقد قلت:”طوبى لمن تفقهه يا رب، وتعلمه شريعتك، لتريحه من أيام السوء“ (مزمور 93: 12، 13)، فلا يستوحش على الأرض. 3 – المسيح: أنا علمت الأنبياء منذ البدء -يقول الرب- ولا أزال حتى الآن أُكلم الجميع، ولكن كثيرين قساةٌ يتصامّون عن صوتي. كثيرون يؤثرون الاستماع للعالم، على الاستماع لله، وينقادون لشهوات الجسد، بسهولةٍ أعظم مما لمرضاة الله. العالم يعد بخيراتٍ زمنيةٍ تافهة، ويخدم بنشاطٍ عظيم، وأنا أعد بالخيرات العظيمة الأبدية، وقلوب البشر تبقى جامدة! من ذا الذي يهتم بخدمتي وطاعتي في كل شيء، بمثل ما يهتم في خدمة العالم وأربابه؟ ”إخزي يا صيدون – يقول البحر ”(أشعيا 23:4). وإن سألت عن السبب فاسمع ما هو: لأجل مكسبٍ يسير، يقطع الناس مسافات شاسعة، أما لأجل الحياة الأبدية، فكثيرون لا يكادون يرفعون رجلهم عن الأرض، ليخطوا خطوةً واحدة. يتطلبون المكسب الخسيس، ولأجل فلسٍ واحد، يختصمون أحيانًا بما يوجب العار، وهم لا يخافون من التعب ليل نهار، لأجل شيءٍ باطلٍ ووعدٍ زهيد. أما الخير الذي لا بديل له، والثواب الذي لا يقدر، أما الكرامة السامية، والمجد الذي لا نهاية له، فيا للعار!… إنهم يتكاسلون ولو عن احتمال يسيرٍ من التعب في سبيله. 4 – فاخز إذن أيها العبد الكسول المتذمر، لأن أُولئك هم أشد سعيًا لإلى الهلاك، منك إلى الحياة. إنهم يرتاحون إلى الباطل، أكثر مما ترتاح أنت إلى الحق. هم كثيرًا ما تخيب آمالهم، أما أنا فمواعيدي لا تخدع أحدًا، ولا تخيب من توكل عليَّ. ما وعدت به فسأُعطيه، وما قلت فسأتمه، أللهم إن بقي الإنسان حتى المنتهى، أمينًا في محبتي. أنا مثبت الصالحين، والمؤيد القوي لجميع الأتقياء. 5 – أُكتب كلماتي في قلبك، وتأمل فيها بنشاط، فإنك ستحتاج إليها كثيرًا وقت التجربة. ما لا تدركه عند القراءة، فسوف تعلمه يوم الافتقاد. فإني على وجهين أفتقد، عادةً، مختاريَّ: بالمحنة والتعزية، وكل يومٍ أتلو عليهم درسين. بالواحد أُوبخهم على نقائصهم، وبالآخر أستحثهم على النمو في الفضائل. ”فمن كانت عنده أقوالي ونبذها، فإن له من يدينه في اليوم الأخير“ (يوحنا 12: 48). |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
صلاة لالتماس نعمة العبادة 6 – التلميذ: أيها الرب إلهي، أنت كل خيري. ومن أنا فأجسر على مخاطبتك؟ عبدك أنا، عبدٌ ذليلٌ بائسٌ جدًا، دويدةٌ منتبذة. إني أفقر وأذل، بكثير، مما أعلم وأجرؤ أن أقول. ولكن اذكر، يا رب، أنني لست بشيء، ولا أملك شيئًا ولا أقدر على شيء. أنت وحدك صالحٌ، عادلٌ، قدوس، أنت القدير على كل شيء، تهب كل شيء، وتملأ كل شيء، ما عدا الخاطئ: فإنك تتركه خاويًا. ”أُذكر مراحمك”(مزمور 24: 6) واملأ قلبي من نعمتك، فإنك لا ترضى أن تكون مصنوعاتك فارغة. 7 – كيف أستطيع احتمال نفسي في هذه الحياة الشقية، إن لم تقوني أنت برحمتك ونعمتك؟ ”لا تحول وجهك عني“ (مزمور 26: 2)، ولا تبطئ عن افتقادي، ولا تنزع مني تعزيتك، لئلا تصبح “نفسي أمامك كأرض مجدبة“ (مزمور 142: 6). يا رب “علمني أن أعمل مشيئتك”(مزمور 142: 10)، علمني أن أسلك أمامك بالتواضعٍ، وكما ينبغي، لأنك أنت حكمتي، يا من يعرفني حق المعرفة، ولقد عرفتني قبل أن يخلق العالم، وقبل أن أُولد أنا في العالم. |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في أنه يجب السلوك أمام الله بالحق والتواضع 1 – المسيح: يا بني، أسلك أمامي بالحق، وبسلامة قلبك التمسني على الدوام. من يسلك أمامي بالحق، يصن من هجمات الشر، والحق ينجيه من المضلين، ومن اغتيابات الأثمة. فإن حررك الحق، أصبحت في الحقيقة حرًا، لا تهمك أقوال الناس الباطلة. 2 – التلميذ: ربِّ، حقٌّ كلامك، فأسألك أن يصنع لي بحسب ما تقول: ليعلمني حقك ويصني، وليحفظني إلى نهايةٍ خلاصية. ليحررني من كل ميلٍ شريرٍ وحبٍ منحرف، فأسلك معك بحرية قلبٍ عظيمة. 3 – المسيح: أنا أُعلمك -يقول الحق- ما هو مستقيمٌ ومرضيٌّ أمامي. أُذكر خطاياك في كثيرٍ من الكراهية والغم، ولا تحسبن أبدًا أنك شيءٌ عظيم، من أجل أعمالك الصالحة. فما أنت، في الحقيقة، إلا خاطئٌ معرضٌ لأهواءٍ كثيرة، ومقتنصٌ في حبائلها. إنك من ذاتك، تنزع دائمًا إلى العدم، فتزل سريعًا، وتغلب سريعًا، وتضطرب سريعًا، وتنحل عزائمك سريعًا. ليس لك شيءٌ يمكنك أن تفتخر به، ولكن عندك أشياء كثيرةً توجب عليك احتقار نفسك، لأنك أضعف، بكثير، مما يمكنك أن تدرك. 4 – فلا تستعظمن إذن شيئًا من كل ما تفعل. ولا تحسبن شيئًا عظيمًا، ولا كريمًا، ولا عجيبًا، ولا جديرًا بالذكر، ولا ساميًا، ولا حميدًا أو شهيًا حقًا، إلا ما هو أبدي. لتكن مرضاتك، قبل كل شيء، في الحق الأزلي، ولتسوء أبدًا في عينيك حقارتك القصوى. لا تخش ولا تذم ولا تتجنب شيئًا، بمثل ما تخشى وتذم وتتجنب رذائلك وخطاياك، إذ من الواجب أن تغمك هذه، أكثر من أيّ خسارة. من الناس من لا يسلكون أمامي بإخلاص، بل ينقادون لشيءٍ من الفضول والصلف. فيريدون معرفة أسراري، وإدراك أعماق الله، وهم عن نفوسهم وشؤون خلاصهم غافلون. فهؤلاء، لكبريائهم وفضولهم، كثيرًا ما يجربون ويقعون في خطايا فظيعة، لأني أنا أُقاومهم. 5 – اخش أحكام الله، وارهب غضب القدير. لا تستقص أعمال العلي، بل افحص، بدقةٍ، عن آثامك: كم اقترفت من الشرور، وكم أهملت من الصالحات. من الناس من يجعلون كل عبادتهم في الكتب، ومنهم في الصور، وغيرهم في الشعائر الخارجية والرموز. والبعض يحملونني في أفواههم، ولكن قلما يحملونني في قلوبهم. غير أن هناك آخرين، قد استنار عقلهم وطهرت أميالهم، فهم يتوقون دومًا إلى الأبديات، ويستثقلون سماع التحدث عن الأرضيات، ولا يقومون بمقتضيات الطبيعة إلا مكرهين، فهؤلاء يفهمون ما يتكلم روح الحق فيهم: لأنه يعلمهم ازدراء الأرضيات، وحب السماويات، وإهمال العالم، والتشوق إلى السماء ليل نهار. |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في مفاعيل الحب الإلهي العجيبة 1 – التلميذ: أُباركك، أيها الآب السماوي، أبو ربي يسوع المسيح، لأنك تنازلت فذكرتني أنا البائس. ”يا أبا المراحم وإله كل تعزية“ (2كورنثيين 1: 3)، شكرًا لك لأنك تنعشني أحيانًا بتعزيتك، أنا الذي لا يستحق شيئًا من التعزية. أُباركك على الدوام وأمجدك مع ابنك الوحيد والروح القدس المعزي، إلى دهر الدهور. آه! أيها الرب الإله، محبي القدوس، إن أحشائي جميعها تتهلل حينما تأتي أنت إلى قلبي. ”أنت مجدي“ (مزمور 3: 4)، ”أنت بهجة قلبي“ (مزمور 118: 111). ”أنت رجائي وملجأي في يوم ضيقي“ (مزمور 58:17). 2 – لكنني، إذ لا أزال ضعيفًا في الحب، غير كاملٍ في الفضيلة، فأنا في حاجةٍ إلى أن تقويني وتعزيني. فأكثر من افتقادي، وأدبني بتعاليمك القدوسة. أعتقني من الأهواء الشريرة، واشف قلبي من كل ميلٍ منحرف، حتى إذا شفيت وتطهرت جيدًا في داخلي أُصبح أهلًا لمحبتك، قويًا للاحتمال، حازمًا للثبات. 3 – إن الحب لشيءٌ عظيمٌ جدًا، وهو خيرٌ كل الخير، لأنه وحده يخفف كل ثقيل، ويحمل، على السواء، كل تقلبات الحياة. إنه يحمل العبء بغير تعب، ويصير كل مرٍ حلوًا لذيذًا. حب يسوع كريمٌ يرفع إلى عظائم الفعال، ويحث على الرغبة دومًا في الأكمل. الحب يتوق إلى العلاء، ويأبى أن يعيقه شيءٌ من أُمور الدنيا. الحب يود أن يكون حرًا، منزهًا عن كل هوىً عالمي، لئلا تتعطل بصيرته، فيصطاد بحبائل يسرٍ زمني، أو يفشل عند العسر. لا شيء أعذب من الحب، لا شيء أقوى ولا أسمى، ولا أوسع ولا أطيب، ولا أتم ولا أفضل، لا في السماء ولا على الأرض، لأن الحب وليد الله، ولا يستطيع أن يستريح إلاَّ في الله، فوق جميع الخلائق. 4 – المحب يطير ويعدو ويمرح، هو طليقٌ لا يقيده شيء، يبذل الكلَّ لأجل الكلّ، ويملك الكلَّ في الكلّ، لأنه يستريح، فوق كل شيء، في الخير الواحد الأسمى، الذي عنه يصدر ويفيض كل خير. الحب لا يستثقل شيئًا، ولا يبالي بتعب، يتوق إلى أكثر مما يستطيع، ولا يعتذر بعدم الإمكان، لأنه يعد كل شيءٍ ممكنًا وجائزًا له، فيستطيع كل شيء، ويباشر ويتم أعمالًا كثيرة، يفشل فيها ويتقاعد عنها من كان خاليًا من الحب. 5 – الحب ساهرٌ، وإن رقد لا ينام، إن تعب لم يهن، وإن ضيق عليه لم يتضايق، وإن روع لا يرتاع، بل كلهيب مضطرم، وكشعلةٍ متقدة، يشب إلى العلاء، وينفذ بلا عائق. من كان محبًا، فقد عرف ما تجهر به هذه الكلمة، فإنه لصراخٌ عظيمٌ في أُذني الله، اضطرام الشوق في النفس القائلة: إلهي وحبي! أنت كلك لي، وأنا كلي لك! 6 – اشرح قلبي بحبك، فأتعلم أن أتذوق، بفم قلبي الداخلي، ما أعذب الحب والذوبان والعوم في الحب! ليستول عليَّ الحب، فأرتفع فوق نفسي لفرط الحرارة والذهول. هب لي أن أُنشد الحب، وأن أتبعك، يا حبيبي، إلى العلاء ليغش على نفسي في تسبيحك، متهللةً من الحب! اجعلني أُحبك أكثر من نفسي، ولا أُحب نفسي إلاَّ من أجلك، وأُحب فيك جميع الذين يحبونك حقًا، كما تأمر شريعة الحب المشرقة منك! 7 – المسيح: الحب نشيطٌ، مخلص، حنونٌ، عذبٌ وديع، قويٌ، صبور، حكيم، طويل الأناة، باسلٌ، لا يطلب ذاته أبدًا. فإنه حالما يطلب الإنسان نفسه، يسقط من الحب. الحب متحرزٌ، متواضعٌ، مستقيم، غير متراخٍ ولا طائش، ولا متشاعلٍ بالأُمور الباطلة، قنوعٌ، عفيف، ثابتٌ، مطمئن، متصونٌ في جميع الحواس. الحب خاضعٌ مطيعٌ للرؤساء، حقيرٌ ممتهنٌ في عيني نفسه، متقٍ لله شاكرٌ له. واثقٌ به ومتكلٌ أبدًا عليه، حتى إذا لم يتذوق عذوبته، إذ لا يحيا أحدٌ في الحب من غير ألم. 8 – من لم يكن مستعدًا لاحتمال كل شيء، ولامتثال إرادة الحبيب، فليس بأهلٍ أن يدعى محبًا. فالمحب عليه أن يعتنق، بفرح، كل صعبٍ ومرٍ، من أجل الحبيب، وألا يتخلى عنه في المحن التي تنتابه. |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في امتحان المحب الحقيقي 1 – المسيح: يا بني، إنك لست حتى الآن بمحبٍ قويٍ حكيم. التلميذ: ولم يا رب؟ المسيح: لأنك لمحنةٍ طفيفة، ترتد عما بدأت به، وتطلب التعزية بنهمٍ مفرط. المحب القوي يبقى ثابتًا في المحن، ولا يثق بوساوس العدو الخداعة، وكما يسر بي في الرخاء، كذلك لا يستاء مني في الشدائد. 2 – المحب الحكيم لا ينظر إلى عطية الحبيب، بمقدار ما ينظر إلى حب المعطي لأنه يلتفت إلى عاطفة المعطي، أكثر مما إلى قيمة العطية، ويرفع الحبيب فوق جميع العطايا. المحب الكريم لا يستريح في العطية، بل فيَّ أنا فوق كل عطية. فلا تحسبن كل شيءٍ قد ضاع، إن شعرت أحيانًا، نحوي ونحو قديسيَّ، بمحبةٍ أضعف مما تريد. فإن ما تشعر به أحيانًا من صادق المحبة العذبة، ما هو إلا مفعول النعمة الحاضرة، وتذوقٌ سابقٌ للوطن السماوي، فينبغي ألا تعتمده كثيرًا، لأنه يجيء ويذهب. أما مجاهدة الحركات الشريرة، الطَّارئة في النفس، واحتقار هواجس الشيطان فدليلٌ على فضيلةٍ واستحقاقٍ عظيمين. 3 – فلا تقلقنك التصورات الغريبة، أيًّا كان أصلها وموضوعها. حافظ بحزمٍ على قصدك ولتثبت نيتك موجهةً إلى الله باستقامة. ليس من الوهم أن تخطف أحيانًا في انجذابٍ بغتةً، ثم تعود في الحال إلى سخافات قلبك المعتادة. فهذه السخافات إنما أنت محتملها المكره، لا مسببها، وما دامت تسوءك وأنت تقاومها، فإنها لك سبب ثوابٍ لا هلاك. 4 – اعلم أن عدوك القديم، يسعى بكل جهده، أن يعيق رغبتك في الخير، وأن يصرفك عن كل رياضةٍ تقوية، أي عن تكريم القديسين وعن التأمل بتقوى في آلامي، وعن تذكر خطاياك النافع، وعن السهر على قلبك، والعزم الثابت على التقدم في الفضيلة. إنه يوسوس لك بشتى الأفكار الشريرة، ليسئمك ويروعك، ويصرفك عن الصلاة والقراءة المقدسة. يسوءه الاعتراف المقرون بالتواضعٍ، ولو أمكنه، لحملك على ترك التناول. فلا تصدقنه، ولا تأبهن له، وإن هو أكثر لك من نصب أشراك الخداع. فإن وسوس لك بالأفكار الشريرة الدنسة. فردها عليه وقل له: اذهب أيها الروح النجس، واخز أيها الشقي! إنك لنجسٌ جدًا، إذ تلقي في أُذني مثل هذه الوساوس. إليك عني يا شر الخادعين! فليس لك فيَّ نصيبٌ البتة، لكن يسوع يكون معي كمحاربٍ عزيز، أما أنت فتقف في الخزي. إني أُوثر الموت واحتمال كل عذاب، على الرضى بهواجسك. ”أُصمت واخرس“ (مرقس 4: 39)! فإني لن أُصغي إليك من بعد، وإن عنيتني بعناءٍ أكثر. ”الرب نوري وخلاصي فممن أخاف“ (مزمور 26: 1)؟ ”إذا اصطف عليَّ عسكرٌ فلا يخاف قلبي“ (مزمور 26: 3)، ”الرب معيني وفاديَّ“ (مزمور 18: 15). 5 – جاهد كجنديٍّ باسل، وإن سقطت أحيانًا عن ضعف فاستعد قواك أعظم مما كانت، متوكلًا على نعمةٍ، من قبلي، أوفر، واحذر كثيرًا العجب الباطل والكبرياء. فإنه بسببها يضل كثيرون، ويقعون أحيانًا في عمى يكاد يستحيل علاجه. فليكن لك عبرةً للحذر والاستمرار على التواضعٍ، انهيار أُولئك المتكبرين، المعتمدين على أنفسهم في غباوة. |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في امتحان المحب الحقيقي 1 – المسيح: يا بني، إنك لست حتى الآن بمحبٍ قويٍ حكيم. التلميذ: ولم يا رب؟ المسيح: لأنك لمحنةٍ طفيفة، ترتد عما بدأت به، وتطلب التعزية بنهمٍ مفرط. المحب القوي يبقى ثابتًا في المحن، ولا يثق بوساوس العدو الخداعة، وكما يسر بي في الرخاء، كذلك لا يستاء مني في الشدائد. 2 – المحب الحكيم لا ينظر إلى عطية الحبيب، بمقدار ما ينظر إلى حب المعطي لأنه يلتفت إلى عاطفة المعطي، أكثر مما إلى قيمة العطية، ويرفع الحبيب فوق جميع العطايا. المحب الكريم لا يستريح في العطية، بل فيَّ أنا فوق كل عطية. فلا تحسبن كل شيءٍ قد ضاع، إن شعرت أحيانًا، نحوي ونحو قديسيَّ، بمحبةٍ أضعف مما تريد. فإن ما تشعر به أحيانًا من صادق المحبة العذبة، ما هو إلا مفعول النعمة الحاضرة، وتذوقٌ سابقٌ للوطن السماوي، فينبغي ألا تعتمده كثيرًا، لأنه يجيء ويذهب. أما مجاهدة الحركات الشريرة، الطَّارئة في النفس، واحتقار هواجس الشيطان فدليلٌ على فضيلةٍ واستحقاقٍ عظيمين. 3 – فلا تقلقنك التصورات الغريبة، أيًّا كان أصلها وموضوعها. حافظ بحزمٍ على قصدك ولتثبت نيتك موجهةً إلى الله باستقامة. ليس من الوهم أن تخطف أحيانًا في انجذابٍ بغتةً، ثم تعود في الحال إلى سخافات قلبك المعتادة. فهذه السخافات إنما أنت محتملها المكره، لا مسببها، وما دامت تسوءك وأنت تقاومها، فإنها لك سبب ثوابٍ لا هلاك. 4 – اعلم أن عدوك القديم، يسعى بكل جهده، أن يعيق رغبتك في الخير، وأن يصرفك عن كل رياضةٍ تقوية، أي عن تكريم القديسين وعن التأمل بتقوى في آلامي، وعن تذكر خطاياك النافع، وعن السهر على قلبك، والعزم الثابت على التقدم في الفضيلة. إنه يوسوس لك بشتى الأفكار الشريرة، ليسئمك ويروعك، ويصرفك عن الصلاة والقراءة المقدسة. يسوءه الاعتراف المقرون بالتواضعٍ، ولو أمكنه، لحملك على ترك التناول. فلا تصدقنه، ولا تأبهن له، وإن هو أكثر لك من نصب أشراك الخداع. فإن وسوس لك بالأفكار الشريرة الدنسة. فردها عليه وقل له: اذهب أيها الروح النجس، واخز أيها الشقي! إنك لنجسٌ جدًا، إذ تلقي في أُذني مثل هذه الوساوس. إليك عني يا شر الخادعين! فليس لك فيَّ نصيبٌ البتة، لكن يسوع يكون معي كمحاربٍ عزيز، أما أنت فتقف في الخزي. إني أُوثر الموت واحتمال كل عذاب، على الرضى بهواجسك. ”أُصمت واخرس“ (مرقس 4: 39)! فإني لن أُصغي إليك من بعد، وإن عنيتني بعناءٍ أكثر. ”الرب نوري وخلاصي فممن أخاف“ (مزمور 26: 1)؟ ”إذا اصطف عليَّ عسكرٌ فلا يخاف قلبي“ (مزمور 26: 3)، ”الرب معيني وفاديَّ“ (مزمور 18: 15). 5 – جاهد كجنديٍّ باسل، وإن سقطت أحيانًا عن ضعف فاستعد قواك أعظم مما كانت، متوكلًا على نعمةٍ، من قبلي، أوفر، واحذر كثيرًا العجب الباطل والكبرياء. فإنه بسببها يضل كثيرون، ويقعون أحيانًا في عمى يكاد يستحيل علاجه. فليكن لك عبرةً للحذر والاستمرار على التواضعٍ، انهيار أُولئك المتكبرين، المعتمدين على أنفسهم في غباوة. |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في إخفاء النعمة تحت حرز التواضع 1 – المسيح: يا بني، إنه لأفيد وآمن لك، أن تكتم نعمة العبادة، وأن لا تزهى بها، ولا تكثر من التحدث عنها، ولا تبالغ في تعظيمها، بل بالحري أن تحتقر ذاتك، وتخاف خوف من أُوتي النعمة عن غير ما استحقاق. لا يسوغ التشبث، بإفراطٍ، بهذه العواطف، فإنها قد تتحول سريعًا إلى عكسها. فكر، إبان النعمة، كم أنت، عادةً، مسكينٌ بائسٌ بدونها. إن تقدمك في الحياة الروحية، لا يقوم فقط بحصولك على نعمة التعزية، بل بالصبر على فقدانها بتواضعٍ واستسلامٍ وجلد، بحيث لا تتوانى حينئذٍ عن ممارسة الصلاة، ولا ترضى بإسقاط شيءٍ من سائر واجباتك المألوفة، بل تفعل بانشراحٍ ما في وسعك، على أفضل ما تستطيع وتدرك، ولا تهمل نفسك إهمالًا تامًا، لما تشعر به من اليبوسة وضيق النفس. 2 – فإن كثيرين، إن لم تجر الأُمور وفق مرامهم يجزعون، من ساعتهم، أو يتراخون. غير ”أن طريق الإنسان ليس دومًا في سلطانه″ (ارميا 10: 23). بل لله أن يمنح تعزيته متى شاء، وبقدر ما يشاء، ولمن يشاء، بحسب مرضاته ليس إلاَّ. إن البعض من قليلي التحفظ قد هلكوا بنعمة العبادة، لأنهم أرادوا أن يعملوا أكثر مما يقدرون، فلم يقيسوا مقدار ضعفهم، بل اتبعوا بالأولى، ميل القلب لا حكم العقل؛ ومن حيث إنهم ادعوا فوق ما يرضى به الله، فقد خسروا تلك النعمة سريعًا. لقد جعلوا عشهم في السماء! وها هم قد أصبحوا معوزين أذلاء، حتى يتعلموا، في الضعة والفقر، أن لا يطيروا بأجنحتهم،”بل يعتصموا تحت أجنحتي″ (مزمور 90: 4). فمن كان بعد حديث العهد، قليل الخبرة في سبل الله، فقد يضل وينحطم بسهولة، إن هو لم ينقد لرأي ذوي الفطنة. 3 – فإن آثر اتباع آرائه الذاتية، على الإذعان للآخرين من ذوي الخبرة، فعاقبته تكون وبالًا عليه، إلاَّ إذا رضي بالرجوع عن أفكاره الشخصية. الحكماء عند أنفسهم، قلما ينقادون للآخرين بتواضعٍ. قليلٌ من العلم ويسيرٌ من الفهم مع التواضعٍ، خيرٌ من كنوز علمٍ عظيمةٍ مع العجب الباطل. خيرٌ لك أن تملك القليل، من أن تملك من الكثير ما يحملك على التكبر. ليس من الرصانة أن يستسلم المرء بكل قواه للمرح، ناسيًا فقره الماضي، ومخافة الله العفيفة، تلك التي تخشى فقدان ما وهبت من النعمة. وليس من الفضيلة أيضًا، أن يستسلم المرء ليأسٍ مفرط، إبان الضيق أو لدى أي مشقة، فيصبح، في أفكاره وعواطفه، أقل ثقةً بي مما ينبغي. 4 – ومن أراد التمادي في الطمأنينة إبان السلم، وجد نفسه في الغالب فشلًا شديد الهلع إبان الحرب. لو عرفت أن تبقى دائمًا متواضعًا صغيرًا في عيني نفسك، وأن تحسن ضبط روحك وتوجيهه، لما كنت تسقط سريعًا في الخطر والمعصية. من أصالة الرأي، إن كنت في اضطرام الروح، أن تفكر في ما تصير إليه عند انحجاب النور. فإذا حدث لك ذلك، فاذكر أن النور قد يعود ثانيةً، وأني إنما حجبته زمنًا، لتحذيرك وتمجيدي. 5 – إن مثل هذا الامتحان لأفيد لك، في الغالب، مما لو جرت الأُمور دومًا وفق إرادتك. لأن الاستحقاقات لا تقدر بكثرة الرؤى والتعزيات، ولا بالبراعة في الكتب المقدسة. ولا بسمو المرتبة، بل برسوخ الإنسان في التواضعٍ الحقيقي، وامتلائه من محبة الله: هل ينبغي دومًا، وفي كل شيء، إكرام الله بخلوص نية؟ وهل يحسب نفسه كلا شيء، ويحتقر ذاته حقًا؟ هل هو أكثر فرحًا بأن يحتقره الآخرون ويذلوه، مما أن يكرموه؟ |
رد: كتاب الاقتداء بالمسيح - الراهب توماس أكيمبيس
في احتقار الإنسان نفسه في عيني الله 1 – التلميذ: ”أتكلم إلى سيدي، وأنا ترابٌ ورماد" (تكوين 18: 27)! وإن حسبتني فوق ذلك، فها أنت تنتصب في وجهي، وآثامي تشهد عليَّ بالحق، ولا أستطيع الإنكار. ولكن، إن تذللت وتلاشيت، وتجردت من كل تقدير لنفسي، وعدت ترابًا كما أنا في الواقع، عطفت عليَّ نعمتك، واقترب نورك من قلبي، وغار واضمحل إلى الأبد، في وهدة عدمي، كل تقديرٍ لنفسي، مهما كان يسيرًا. هناك تريني ذاتي: أيُّ شيءٍ أنا؟ ماذا كنت وإلى أين بلغت؟ فإني عدمٌ ولم أعلم. إن تركت وشأني، فإني عدمٌ ومجرد وهن، فإذا نظرت إليَّ فجأةً، أتشدد في الحال، وأمتلئ فرحًا جديدًا. ومن العجيب جدًا أنك تنهضني بمثل هذه السرعة، وتضمني إليك بمثل هذا الحنو، أنا المائل أبدًا، بثقلي الذاتي، إلى الأرضيات. 2 – إن حبك هو الذي يفعل ذلك، إذ يبتدرني مجانًا، فيسد حاجاتي الكثيرة ويقيني من الأخطار العظيمة، وينقذني من شرورٍ لا عدد لها حقًا. عندما أسأت المحبة لنفسي، خسرت نفسي، وعندما طلبتك وأحببتك أنت وحدك بخلوص، وجدتك ووجدت نفسي معًا، وبسبب الحب زدت توغلًا في عدمي. لأنك أنت أيها الجزيل العذوبة، تعاملني بما يفوق كل استحقاق، وكل ما أرجو أو أطلب. 3 – تباركت يا إلهي، لأنك، وإن كنت أنا غير أهلٍ لشيءٍ من خيراتك، فكرمك وجودتك غير المتناهية، لا ينقطعان مع ذلك عن الإحسان، حتى إلى الذين كفروا بنعمتك، وارتدوا عنك مبتعدين. اهدينا إليك، فنصبح شكورين، متواضعين ورعين، لأنك أنت خلاصنا وقوتنا وعزنا. |
الساعة الآن 03:45 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025