![]() |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
و ما زال المسيح عطشان بعد هذا رأى يسوع أن كل شيٍ قد كَمَل، فلكي يتم الكتاب قال: أناعطشان ) يو 28 :19) https://images.chjoy.com//uploads/im...99490d299a.jpg أولاً: إنه عطشان إلى النفوس الهالكة المائتة. فذاك الذي عطش ليرحمنا من العطش الأبدي، وبعمله هذا أدخل إلى قلوب الملايين من المؤمنين تعطشًا حقيقيًا إليه، ما زال متعطشًا إلى النفوس، يريد أن ينظر الكثيرون من المساكين والتعساء إلى صليبه فيغمرهم الارتواء الأبدي. وهو عين ما نقرأه في يوحنا4 يوم تقابله مع المرأة السامرية. فلقد قال لها أعطيني لأشرب. ونحن لا نقرأ في الأصحاح أنها أعطته الماء الحرفي، بل أعطته قلبها البائس وحياتها الضائعة ونفسها المُعذبة القلقة فأسعدها، وارتوى لما أرواها. إلى هذا ما زال المسيح عطشانًا. إنه عطشان لخلاص الخاطئ. فهل نبادر بأن نقدم تلك النفوس الغالية إليه؟ ! لا عَجَب أن المسيح يوم لقائه بالسامرية قال لتلاميذه: «ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضَّت للحصاد .. . لكي يفرح الزارع والحاصد معًا» ( يو 4: 35 ، 36) لكنه أيضًا عطشان إلى تكريس المؤمنين، أولئك الذين من أجلهم عطش وهو على الصليب. نعم، إنه ما زال عطشان إلى محبتهم وعبادتهم وخدمتهم له! أ فلا يستحق ذلك المجيد أن نشق لأجله محلة الأعداء، ونستقي له الماء ( 2صم 23: 15 ، 16)؟ وإن كان أبطال داود فعلوا ذلك قديمًا مع مليكهم، أفلا يستحق سيدنا أكثر؟ https://images.chjoy.com//uploads/im...915af5300e.jpg ليس ذلك فحسب، بل ويا للعجب، ففي يوم قادم سيسمع فريق من المؤمنين هذه العبارة من فم سيدنا «إني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني» وهم إذ يندهشون من هذه العبارات ويقولون له باستغراب: «يا رب، متى رأيناك جائعًا فأطعمناك، أو عطشانًا فسقيناك؟ ...» يُجيب عليهم قائلاً: «الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم» ( مت 25: 34 - 40). ومن هذا نتعلم أنه حيث إخوة للمسيح في حاجة إلى مد يد المعونة والإسعاف، لتخفيف آلامهم ولمساعدتهم على تحمل النوائب التي تحل بهم، فهناك يسوع في همساتهم الضعيفة المتهالكة يقول: أنا عطشان . وعطش، ومات وهو عطشان، ألا يستحق أن نأتي إليه بصادق الحب ونعطيه لا فضلة الحب بل أفضله |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإيمان الصحيح بربنا يسوع المسيح «فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن اللّـه الحي» (مت 16: 16) قال المهاتما غاندي المفكّر الهندي الشهير لمبشرين غربيين: «أريد مسيحكم لا مسيحيتكم» وطُلب إليه مرة ليلقي خطاباً في جمهور من الناس من مختلف الأديان والمذاهب، ففتح الإنجيل المقدس وقرأ موعظة الرب يسوع على الجبل، وصرّح بأنه يقرأها باستمرار. إن المهاتما غاندي ومن شابهه من قادة الفكر والشعوب، والفلاسفة والعلماء، غير المسيحيين الذين تعرّفوا على الرب يسوع عبر الأجيال، من خلال تعاليمه الإلهية الأدبية، وسيرته الطاهرة النقية، رأوا فيه نبياً عظيماً، ومصلحاً اجتماعياً كبيراً، ليس إلاّ، وبتبني هذه الآراء تورّط بعض المبتدعين المعاصرين والقدامى فحوّلوا بشارة الخلاص إلى إنجيل اجتماعي وانحطوا إلى درك الهرطقة، وضلوا طريق الحق، وتستّروا تحت الاسم المسيحي في نشر بدعهم الشنيعة، ومسيحيتهم زائفة والمسيح براء منهم وهم المعنيون بقوله: «كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم (يوم الدين) يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم إني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم»(مت7: 22و23) ويحذرنا الرب يسوع أيضاً من الضالين والمضلين قائلاً: «احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم»(مت7: 15و16). أما الرسول بولس ففي هذا الصدد يكتب إلى أهل الإيمان في غلاطية قائلاً: «غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح، ولكن إن بشّرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشّرناكم، فليكن أناثيما، كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضاً إن كان أحد يبشّركم في غير ما قبلتم فليكن أناثيما»(غلا1: 7 ـ 9). أجل لقد سما الرب يسوع بالإنسان إلى المُثل العليا، فأعطى الطوبى للمساكين بالروح ولأنقياء القلب، والودعاء وغيرهم من الأتقياء، وأبغض الخطية ودانها، ولكنه أحب الخاطئ ودعاه إلى التوبة، فلم يكتفِ بإدانة خطية الزنى مثلاً بل دان النظرة الشهوانية الشنيعة التي هي أصل هذه الخطية وبدؤها بقوله: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم»(مت5: 27 ـ 29) ووضع الرب يسوع القاعدة الذهبية في كيفية معاملة الإنسان أخاه الإنسان بقوله: «فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم بهم. لأنه هذا هو الناموس والأنبياء»(مت7: 12). وكانت حياة الرب يسوع على الأرض وفقاً لتعاليمه المقدسة، ولم يرَ العالم شخصاً تاريخياً أو حتى خيالياً تمثّلت فيه صفات الرب يسوع المسيح العجيبة وأخلاقه السامية ولن يرى. وقد أقام له المجد، من ذاته مثالاً صالحاً للبشر بسيرته الطاهرة وسريرته النقية مبرهناً بذلك على إمكانية تطبيق وصاياه الإلهية وتعاليمه السماوية التي تؤدي بحافظها إلى الكمال الإنجيلي، فليس ناموس الرب يسوع خيالياً لا يمكن العمل به، ولا هو عبء ثقيل يستحيل حمله، فنير الرب هيّن وحمله خفيف والرب يسوع يدعونا للاقتداء به قائلاً: «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن، وحملي خفيف» (مت11: 28 ـ 30). أجل إنه لأمر خطير جداً، وبعيد عن روح الإنجيل المقدس، أن نعتقد أن الرب يسوع مساو لموسى وإيليا وسائر الأنبياء، فهو ليس مجرد إنسان بار ونبي عظيم، بل هو معصوم من الخطأ حتى أنه تحدّى مرة أعداءه وأعلن أمامهم وأمام أتباعه قائلاً: «من منكم يبكّتني على خطية»(يو8: 46) وإن عصمة المسيح من الخطية تدل دلالة واضحة على أنه أسمى من إنسان وقد قال له المجد مرة: «ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله»(مت19: 17)، والرسول بولس يكشف النقاب عن ألوهته بقوله: «وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، اللّه ظهر في الجسد، تبرّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أُومِن به في العالم، رُفع في المجد»(1تي3: 16)، وآية الرسول بولس هذه هي خلاصة عقيدة التجسّد الإلهي. ويوضّح لنا الرسول يوحنا الغاية القصوى من كتابة الإنجيل المقدس بقوله: «وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن اللّه ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه»(يو20: 31). وقد وجّه الرب يسوع أنظار أتباعه بكل وضوح للتأمّل بشخصه الإلهي، فهو ابن اللّـه الوحيد، وقد جاء من السماء لخلاص البشرية قائلاً: «لأنه هكذا أحبّ اللّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية»(يو3: 16) كما أعلن الرب للملأ أنه هو نور العالم (يو8: 12 و9: 5) وأنه «الطريق والحق والحياة»(يو14: 6) وأنه «القيامة والحياة»(يو11: 25) «ومن آمن به ولو مات فسيحيا»(يو11: 25). وفي ضواحي قيصرية فيلبس لم يسأل يسوع تلاميذه عن رأيهم في تعاليمه السامية، ولا عن رأيهم في معجزاته الباهرات، ولكنه سألهم عمّا يقوله الناس عنه، ثم عمّا يقولون هم عن شخصه الإلهي قائلاً: «من تقول الناس عني أني أنا ابن الإنسان، فقالوا: قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء. فقال لهم: وأنتم من تقولون إني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن اللّـه الحي، فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يُونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (مت 16: 13 ـ 18) http://www.peregabriel.com/gm/albums...l_0820%7E0.jpg وقد أعطى الطوبى لسمعان بطرس لأن لحماً ودماً لم يعلنا له تلك الحقيقة الإلهية، والعقيدة الإيمانية السمحة بل السماء التي شهدت ليسوع على أثر عماده من يوحنا، إذ انشقّت السموات وهبط الروح القدس على هامة يسوع مثل حمامة ليميّزه عن الجمهور، وجاء صوت الآب من السموات قائلاً: «أنت ابني الحبيب الذي به سررت»(مت3: 17 ومر 1: 11 ولو3: 22). كما أعلن الآب السماوي شهادته عن ابنه ثانية يوم تجلّي الرب يسوع على الجبل أمام ثلاثة من تلاميذه وظهر معه موسى وإيليا قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا»(مت17: 5). فالمسيح يسوع ربنا أسس دينه المبين على العقيدة السمحة القائلة إنّه ابن اللّـه الوحيد. فقد جاء إلى العالم ليملأ قلوب الناس وأفكارهم بشخصه الإلهي فكل شخص لا يؤمن بأن يسوع المسيح هو ابن اللّـه الحي يعدّ غريباً عن المسيح، وكذلك فإن كل مؤسسة تدّعي بأنها في عداد كنائس المسيح ولا تؤمن بأن يسوع المسيح هو«اللّه ظهر في الجسد»(1تي3: 16) على حد تعبير الرسول بولس، وهو مساو للآب في الجوهر، على حد تعبير قانون الإيمان النيقاوي، فتلك المؤسسة لا تمتّ إلى المسيح بصلة. والمسيح أزلي أبدي وقد صرّح بذلك بقوله: «قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن»(يو8: 58) وكلمة أنا كائن هي ذات الكلمة (اهيه) التي أطلقها اللّه تعالى على ذاته قائلاً لموسى: «هكذا تقول لبني اسرائيل أهْيهْ أرسلني إليكم»(خر3: 14). كما أن الرب يسوع صرّح بمساواته للّه الآب بقوله: «من رآني فقد رأى الآب»(يو14: 9) «كل ما للآب هولي»(يو16: 15) «ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي»(يو14: 6). وقال أيضاً: «وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حقّ لأني أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب»(يو8: 14) ولما نهج سرّ المعمودية المقدس وجعله باباً للدخول إلى حظيرته أي كنيسته المقدسة أظهر مساواته للآب والروح القدس، وبيّن عقيدة الثالوث الأقدس الإله الواحد بقوله لتلاميذه: «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس»(مت 28: 19). حقاً إن الإيمان الصحيح بربنا يسوع المسيح لخّصه مجمع نيقية المسكوني الأول (325م) في قانون الإيمان الذي وضعه مستنداً بذلك على قوانين الإيمان المختصرة الموضوعة من الرسل الأطهار وتلاميذهم الآباء القديسين، والتي كان يتلوها كل من يتقدّم لنيل سر المعمودية المقدس في بدء طقس هذا السر وقانون الإيمان النيقاوي هذا يتلوه المؤمنون صباح مساء وفي كل مرة يرفعون فيها الصلاة للّه وبه يعلنون إيمانهم بالرب يسوع المسيح المولود من الآب قبل كل الدهور، فهو ابن اللّـه الوحيد وقد وُلد بالجسد من الروح القدس ومن العذراء مريم، وخلّص العالم بآلامه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء، وسيأتي في اليوم الأخير ليدين الأحياء والأموات ذلك الذي ليس لملكه انقضاء. أجل إن التبشير بسيرة الرب يسوع الصالحة ومُثله الأدبية السامية دون إعلان حقيقة الإيمان بألوهته وبنوته الأزلية للآب السماوي هو انتقاص من قدره، وابتعاد عن ينابيع تعاليمه الإلهية وأوامره السماوية، بل نكرانه وهو القائل: «وأقول لكم كل من اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الإنسان قدّام ملائكة الله، ومن أنكرني قدام الناس يُنكَرُ قدام ملائكة اللّه»(لو12: 8 و9). فنحن في حال مواجهة مع ضمائرنا، وقلوبنا، وأفكارنا، فعلينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهمّاً جداً يقرر الجواب عليه مصيرنا الأبدي، فهل نحن نؤمن إيماناً صحيحاً بالمسيح يسوع ابن اللّـه الوحيد؟ وهل نقبله مخلّصاً لنا وللعالم؟ لقد شكّ الرسول توما مرة بقيامة الرب يسوع من بين الأموات، ولكنه لازم إخوته التلاميذ فتحنن عليه الرب يسوع وظهر له في اليوم الثامن من قيامته، وخاطبه بحنان وعاتبه عتاباً لطيفاً، فسجد توما أمامه «وقال له: ربّي وإلهي، قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت، طوبى للذين آمنوا ولم يروا»(يو20: 28 و29). أيها الأحباء: نحن لم نرَ الرب يسوع بعيوننا المجردة، ولكننا نراه بعيون الإيمان ونؤمن به بأنه ابن اللّه الوحيد ومخلّص العالم، كما علّمنا له المجد بإنجيله المقدّس، وكما تسلّمنا من الرسل الأطهار والآباء الأبرار. فلنسأله ليزيد إيماننا ويؤهّلنا كي نقرن الإيمان بالأعمال الصالحة فإن يعقوب الرسول يقول: «هكذا الإيمان أيضا إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته، لكن يقول قائل أنت لك إيمان وأنا لي أعمال، أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني، أنت تؤمن أن اللّـه واحد حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل إن الإيمان بدون أعمال ميت»(يع2: 17 ـ 20). ألم تعترف الشياطين به قائلةً: «ما لنا ولك يا يسوع ابن اللّـه أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا»(مت8: 29 ). أي قبل يوم الدينونة،???؟ ولكنه كان ينتهرها ويأمرها لتخرج من الناس. لننتهز أيها الأحباء فرصة قدوم الصوم الأربعيني المقدس فنجدّد عهدنا مع الرب يسوع ابن اللّـه الوحيد، ونحمل صليبه المقدس ونتبعه، كما فعل آباؤنا الذين ولدونا بالجسد، والذين ولدونا بالروح وقد كانوا جميعاً أبراراً عاملين بوصايا الرب ومتمسكين بفرائضه من صوم وصلاة وتوزيع الصدقات، وأن نبتعد عن الضالين والمضلّين المعاصرين الذين انحرفوا عن جادة الحق، وجددوا البدع والهرطقات القديمة التي حرمتها الكنيسة المقدسة منذ فجر وجودها، وعبر الدهور والأجيال، وأن نطلب إلى اللّـه ليزيدنا إيماناً، ويرسل إلينا روحه القدوس الذي قال الرب يسوع عنه: «وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم»(يو14: 26) ويقول الرسول بولس: «لذلك أعرفكم أن ليس أحد وهو يتكلّم بروح اللّـه يقول يسوع أناثيما. وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاّ بالروح القدس»(1كو 12: 3). وأخيراً علينا أن نقرن إيماننا الصحيح بربنا يسوع المسيح بقداسة السيرة لتكون مسيحيتنا نقيّة وحقيقية، غير مزيّفة، بل مرضية عنها لدى مسيحنا الذي أوصانا قائلاً: «فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات»(مت 5: 16) |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
افتح لي أبواب التوبة يستهل "أحد الفريسيّ والعشّار" الذي نحتفل به اليوم الفترة التريوديّة، يليه أحد الابن الشاطر، فأحد مرفع اللحم، فأحد مرفع الجبن، ثم يوم الاثنين أول أيام الصوم. سوف نعرض اليوم لمعاني الصوم عبر عرضنا للصلاة التي نتلوها في خدمة سحر آحاد الصوم: "افتح لي أبواب التوبة"، وهي تقع في ثلاثة أقسام. في القسم الأول يتوجه المُصلي إلى الرب قائلاً: "افتح لي أبواب التوبة يا واهب الحياة، لأن روحي تبتكر إلى هيكل قدسك آتياً بهيكل جسدي مدنّساً بجملته. لكن بما أنك متعطف نقّني بتحنّن مراحمك". "قد تمّ الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مرقس 1 : 15). والتوبة، لغةً، تعني "الندم على المعصية من حيث هي معصية مع عزم التائب أن لا يعود إليها إذا قدر عليها". وهي تعني أيضاً الرجوع عن المعصية والعودة ثانيةً إلى الله. ويسمى الله ب"التواب" لكثرة قبوله التوبة من العباد، و"التواب على مساوئ الناس" لقبوله توبتهم. كل هذه المحبة التي أظهرها الأب بعد أن بدّد ابنه العاق كل ثروته في الخلاعة، تدلّ على جهوزية الله الدائمة على احتفائه بكل خاطئ يتوب وبكلّ ضالّ يجد طريقه السويّ. من هنا الكلام في الصلاة عن التعطف والتحنّن اللذين يستجدهما المتضرع كي ينقّيه الله، كي ينقّي جسده من أدران الخطيئة، موازياً بين هيكلين، وأحدهما ينبغي أن يصير على مثال الآخر: قدس الأقداس وجسد الإنسان. الله يفضّل، بحسب هذه القراءة، أن يسكن في جسد نقيّ من الخطيئة على أن يسكن في هيكل من حجر. في القسم الثاني يتابع المرتّل ترنيمه متوجهاً إلى والدة الإله بالقول: http://www.peregabriel.com/gm/albums..._1912910_n.jpg "سهّلي مناهج الخلاص يا والدة الإله، فإني قد دنّستُ نفسي بخطايا سمجة، وأفنيتُ عمري كله بالتواني، لكن بشفاعاتك نقيني من كل رجاسة". تحضر مريم في كلّ صلواتنا بكونها الشفيعة الفضلى والمأثورة على قلوب المسيحيين، لذلك يطلب المصلي منها أن تُعينه على إيجاد مناهج الخلاص، أي السبل المؤدية إليه. ويأتي ذلك بعد أن يعترف بتدنيس نفسه، والمقصود جسده أيضاً، وأنه أفنى عمره بالتواني، أي بالبطالة أو بالكسل الذي يعتبره الآباء أشد الرذائل التي يمكن أن تسيطر على الإنسان. فالقديس أفرام السرياني، كاتب الصلاة الأخرى التي ترافق المؤمنين إبان الصوم الكبير، يَذكر الكسل بين الخطايا الأربع الكبرى التي ينبغي الشفاء منها، فيقول: "أيها الرب وسيد حياتي أعتقني من روح البطالة والفضول وحب الرئاسة والكلام البطال". هنا نتذكر موضوع الدينونة وارتباطه من ناحية بأفعالنا الرديئة ومن ناحية أخرى برحمة الله العظمى. والدينونة هي موضوع "أحد مرفع اللحم" الذي نقرأ فيه إنجيل الدينونة بحسب القديس متى، وفيه يتمّ الربط بين الدينونة والمحبة المطلوبة تجاه الآخر، فتكون المحبة هي معيار الحكم الأخير. وإن أمعنا النظر في نص القسم الأخير من الصلاة لوجدنا أن ثقة المصلي الكبرى بأنَّ الله رحيم وسيغفر له خطاياه، لا تجعله يبقى مطمئناً لأفعاله الرديئة بل تدفعه إلى الخوف من الدينونة، وتالياً إلى التوبة. بهذا المعنى لا يمكن استغلال رحمة الله لتبرير الاستمرار في الخطيئة. فالثقة تعني أول ما تعني الطاعة الكليّة، لا المخالفة والغلوّ في المخالفة. وذلك يعني أيضاً أن ينبغي للمؤمن أن يحيا دائماً على رجاء التوبة ورجاء أن الله، بواسع رحمته، يقبل التوبة. فمن الخطأ أن يفقد المرء رجاءه بالله، بل عليه بالمقابل الثقة بأن الله دائم الاستجابة لمن يناديه. يسعنا القول أن الصوم يساعد على التمرس بالتوبة. الصوم وسيلة هدفها العودة إلى صفاء الانتماء إلى الله وشعبه المصطفى. ليس يصوم الإنسان ليصوم، هو يصوم لهدف أسمى تّصوَّرْ معالمه صلوات الصوم، وبخاصة الصلاتان اللتان ذُكرتا في هذه العجالة. غاية الصوم هي طرد الخطيئة من قلوبنا كي تتنقى ويسكن فيها الرب كما على عرش. لا يمكن أن يسكن الرب يسوع والشياطين في مكان واحد، ولذلك قال لتلاميذه: "هذا الجنس (الشياطين) لا يمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم". الصوم ميدان حرب ضد الشياطين، فلنحمل سلاح الصلاة والصوم كي نبلغ إلى التوبة ، إلى القداسة، إلى الحياة الحقّ. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في حفظ الوصايا بقلم الأب/ نقولا مالك - لبنان ضرورةُ حِفظُ الوَصايا: مُنذُ القديم، كان اللهُ يُعطي الإنسانَ وَصايا، وَيَطلُبُ مِنهُ أن يَحفَظَها. فَفي الأصحاح العشرين مِن سِفرِ الخُرُوج يُعطي الوَصايا العَشْر. وَيَقُولُ في تَفسيرِ الوَصِيَّةِ الثّانية: «... وَأَصنَعُ إحسانًا إلى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحافِظِي وَصايايَ».(خر6:20)، قارنًا بَينَ مَحَبَّتِهِ وَحِفظِ وَصاياه. وكأنَّهُ يَقُولُ إِنَّ مَن يُحِبُّهُ يَحفَظُ وَصاياه. وَفي سِفرِ الأَمثالِ، يُعتَبَرُ قَبُولُ الوَصايا مِن سِماتِ الرَّجُلِ الحَكِيم: « حَكِيمُ القَلبِ يَقبَلُ الوَصايا».(أم 8:10). وَقَد صَرَّحَ الرَّبُّ يَسُوعُ بِالعَلاقةِ بَينَ مَحَبَّتِه وَحِفظِ وَصاياه: «إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونني فَاحفَظُوا وَصاياي».(يو 15:14). وَجَعَلَها مدخلاً إلى الحياة: "إذا أَرَدْتَ أَنْ تَدخُلَ الحَياةَ فَاحفَظِ الوَصايا" (مت 17:19). وَعندَما أرسَلَ تلاميذَهُ لِتَبشيرِ الأُمَمِ كافَّةً، قالَ لَهُم: « إذهَبُوا وَتَلمِذُوا... وَعَلِّمُوهُم أن يَحفظُوا جميعَ ما أوصَيتُكُم بِهِ».(مت 20:28). فَبِمَ أَوصاهُم؟ مَضمونُ الوَصايا: مِنَ الأُمُورِ الّتي أَوصانا بِها الرَّبّ: أ- أَلاّ نُهْمِلَ الوَصايا القديمة، بَلْ أن نحفظَها وَنَزِيدَ عَلَيها: "إِنْ لَم يَزِدْ بِرُّكُمْ على الكَتَبَةِ وَالفَرِّيسِيّينَ فَلَنْ تَدخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَوات" (مت 20:5). وَيُعَلِّقُ بُولُسُ الرَّسُولُ على الوَصِيَّةِ الرّابعة: بِقَولِه: « أَكْرِمْ أَباكَ وَأُمَّكَ. الّتي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ. لكي يَكونَ لَكُم خَيرٌ، وَتَكُونُوا طِوالَ الأعمارِ على الأرض».(أف 2:6-3). ب- أن يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا: « وَصِيَّةً جَدِيدَةً أنا أُعطِيكُمْ، أَنْ يُحِبَّ بَعضُكُمْ بَعضًا. كَما أَحبَبْتُكُمْ أنا تُحِبُّونَ أنتم أيضًا بَعضُكُم بَعضًا».(يو 34:13). وَيُوضِحُ التِّلميذُ الّذي كانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ هذا الكلامَ بِقَولِه: « مَن قالَ إنَّهُ في النُّورِ وَهُوَ يُبغِضُ أخاهُ فَهُوَ إلى الآنَ في الظُّلمة. مَنْ يُحِبَّ أخاهُ يَثبُتْ في النُّورِ وليسَ فيه عَثَرَةٌ. وأمّا مَنْ يُبغضُ أخاهُ فَهُوَ في الظُّلمةِ، وفي الظُّلمةِ يَسلُكُ، وَلا يَعلَمُ أينَ يَمضي، لأَنَّ الظُّلمةَ أَعْمَتْ عَينَيهِ».(1يو 9:2-11).وَيُوضِحُ بُولُسُ الرَّسُولُ أَنَّ المحَبَّةَ هِيَ غايةُ الوَصِيَّة: « وَأَمّا غايَةُ الوَصِيَّةِ فَهِيَ المَحَبَّةُ مِن قَلبٍ طاهِرٍ وَضَمِيرٍ صالحٍ وَإيمانٍ بِلا رِياء».(1تي 5:1). ج- أَن نَبتعدَ عَن حُبّ المال، لأنَّهُ يَصرِفُنا عَن مَحَبَّةِ الله: "لا تَستطيعونَ أن تخدموا اللهَ وَالمال" (مت 24:6). وَيُسهِبُ بُولُسُ في شَرحِ هذا المَبدأ، في سِياقِ إعطاءِ الوَصايا لِتلميذِهِ تيموثاوس: « لأَنَّ مَحَبَّةَ المالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُور، الّذي إِذِ ابتَغاهُ قَومٌ ضَلُّوا عَنِ الإيمانِ وَطَعَنُوا أَنفُسَهُم بِأَوجاعٍ كَثِيرَة. وَأمّا أنتَ يا إنسانَ اللهِ فَاهرُبْ مِن هذا واتبَعِ البِرَّ وَالتَّقوى وَالإيمانَ وَالمحبَّةَ والصَّبرَ وَالوَداعة. جاهِدِ الجِهادَ الحَسَنَ وَأَمسِكْ بِالحياةِ الأبديَّةِ الّتي إلَيها دُعِيتَ أيضًا وَاعتَرَفتَ الاعترافَ الحَسَنَ أمامَ شُهُودٍ كَثِيرِين. أُوصِيكَ أمامَ اللهِ الّذي يُحْيِي الكُلَّ وَالمسيحِ يَسُوعَ الّذي شَهِدَ لَدى بِيلاطُسَ البُنطِيِّ بِالاِعترافِ الحَسَن، أَنْ تَحفَظَ الوَصِيَّةَ بِلا دَنَسٍ وَلا لَومٍ إلى ظُهُورِ رَبِّنا يَسُوعَ المَسيح».(1تي 10:6-14). د- أن نَجمَعَ إلى مَحَبَّةِ الله مَحبَّةَ القَريب: «تُحِبُّ الرَّبَّ إلهَكَ مِن كُلِّ قَلبِكَ وَمِن كُلِّ نفسِكَ وَمِن كُلِّ فِكرِكَ. هذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولى وَالعُظمى. وَالثّانِيَةُ مِثلُها: تُحِبُّ قَريبَكَ كَنَفسِكَ. بِهاتَينِ الوَصِيَّتَينِ يَتَعَلَّقُ النّامُوسُ كُلُّهُ وَالأنبياءُ».(مت 37:22-40). الوَصايا يجب أن تُحفَظَ كُلُّها: أ- يُرِيدُنا الرَّبُّ أن نَحفَظَ الوَصايا كُلَّها دُونَ استثناءٍ وَدُونَ تَعديل: "فَمَنْ نَقَضَ إحدى هذهِ الوصايا الصُّغرى وَعَلَّمَ النّاسَ هكذا يُدعى أَصغَرَ في مَلَكُوتِ السَّموات، وأمّا مَن عَمِلَ وَعَلَّمَ فهذا يُدعى عظيمًا في مَلَكُوتِ السَّموات" (مت 19:5). وَيُرِيدُنا ألاّ نعتبرَ هذا إنجازًا ذا أهمّيّة: «هكذا أنتُم، إذا فَعَلْتُمْ كُلَّ ما أُمِرْتُمْ بِهِ، فَقُولُوا نحنُ عبيدٌ بَطّالُونَ، وَلَم نَفعَلْ إلاّ ما كانَ عَلَينا القِيامُ بِه».(لو 10:17).فَإذا كانَ تطبيقُ جميعِ الوَصايا غَيرَ كافٍ، فَكَم يَكُونَ عَدَمُ التّطبيقِ مُزْرِيًا؟! لِذا يَرتَفِعُ صَوتُ الرَّسُولِ بُطرُسَ مُحَذِّرًا مِن عَدَمِ التّطبيق، وَمِنَ التَّراجُع: «لأنَّهُ كانَ خَيرًا لَهُم لَو لَمْ يَعرِفُوا طريقَ البِرِّ مِن أنَّهُم بَعدَما عَرَفُوا يَرتَدُّونَ عَنِ الوَصِيَّةِ المُقَدَّسَةِ المُسَلَّمَةِ لَهُم».(2بط 21:2)؛ في حِينِ يُرَغِّبُ يُوحَنّا الحبيبُ بِحِفظِ الوَصايا مُوضِحًا أَنَّهُ يُسَبِّبُ دالَّةً عظيمةً لدى الله: «وَمَهما سَأَلْنا نَنالُ مِنهُ لأنّنا نَحفظُ وَصاياهُ وَنَعملُ الأعمالَ المَرْضِيَّةَ أمامَهُ».(1يو 21:3). يُعطي القدّيسُ باسيليوس الكبير تشبيهًا: "ما نَفْعُ الحِصْنِ إذا كانَ مَنيعًا وَمُحَصَّنًا مِن كُلِّ جِهة، ولكنْ في إحدى أركانِهِ أو أطرافِهِ بابٌ صغيرٌ مِنه يتسلَّلُ الأعداءُ إلى الدّاخلِ لِيُعمِلُوا في النّاسِ تنكيلاً وَقَتْلاً!" وكذلك القدّيسُ يوحنّا الذَّهبيُّ الفَم يقول: "إذا كُنتَ تَحفَظُ القليلَ مِنَ الوَصايا، فَقَليلاً أو ناقصًا تَكُون. وإذا كُنتَ فيها ناقصًا فأنتَ صغيرٌ في القيامةِ العامّة". إِلاّ أَنَّكَ، مِن جهةٍ أُخرى، إِذا أَخْلَصْتَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ لإحدى وَصايا الإنجيل، وَنَجَحتَ في تطبيقِها، سَتَجِدُ نفسَكَ تِلقائِيًّا تمشي في طريقِ تطبيقِ سائرِ الوَصايا. مَثَلاً، إذا طَبَّقتَ وصيّةَ المحبّةِ مِن كُلِّ قلبِك، وكرَّستَ لها فكرَكَ وضميرَكَ وَوَقتَكَ وَمالَكَ وذاتَك، فإنَّكَ تَجِدُ نفسَكَ تَسلُكُ بالوَداعةِ والاتِّضاعِ دونَ أن تشعر، كما تجدُ قلبَكَ دائمًا مرتفعًا إلى اللهِ بالشُّكرِ والتَّسبيحِ والصّلاة، وَنفسُكَ تصيرُ فَرِحَةً نشيطةً في حالةِ يَقَظَةٍ واستعدادٍ مستمرٍّ للعطاءِ والبَذْل. وهكذا تُتَمِّمُ وَصايا: الاتِّضاع، والصَّلاة، وَالسَّهَرِ الدّاخِلِيّ، والعَطاء، بِجِوارِ المَحَبّة. صعوبةالوَصايا: لا شَكَّ في أنَّ الوَصايا صَعبةٌ وَثَقيلة، الأمرُ الّذي جَعَلَ الرَّبَّ يُشَبِّهُها بِالنِّيرِ وَالحِمْلِ الثَّقيل. ولكنَّ العجيبَ أنَّهُ يَصِفُ هذا النِّيرَ بِالهَيِّنِ، وَهذا الحِمْلَ بِالخَفيف! فكيفَ ذلك؟! "تَعالَوا إِلَيَّ يا جَمِيعَ المُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمالِ وَأَنا أُرِيحُكُمْ. إحْمِلُوا نِيرِي عَلَيكُمْ، وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَواضِعُ القَلْبِ، فَتَجِدُوا راحةً لِنُفُوسِكُم. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفيف" (مت 28:11-30). تُعتَبَرُ الوَصايا صعبةً، لأَنَّ حِفظَها يَستَدعي تَعبًا وَجِهادًا، ولأنَّها مُرتَبِطَةٌ بِرَجاءِ الدَّهرِ الآتي وَالخَيراتِ الأَبَدِيّة. وَهِيَ صَعبةٌ بشكلٍ خاصٍّ على المُبْتَدِئِينَ، لا سِيَّما عندَ مَن أَلِفَ الشَّهَواتِ مُنذُ نُعُومَةِ أَظْفارِهِ. لِنَتأمَّلْ، مَثَلاً، في مَدى صُعُوبَةِ تطبيقِ وَصايا كَهذِه: - مَن أَرادَ أن يَتبَعَني فَلْيُنكِرْ نفسَهُ وَيَحمِلْ صليبَهُ وَيتبَعْني (مت 38:10). - مَن أَرادَ أن يُخاصِمَكَ وَيأخُذَ ثوبَكَ، فَاترُكْ لَهُ الرِّداءَ أيضًا (مت 40:5). - مَن سَخَّرَكَ مِيلاً فَامضِ مَعَهُ اثنَين (مت 41:5). - أَحِبُّوا أعداءَكُم. بارِكُوا لاعِنِيكُم. صَلُّوا لأجلِ الّذِينَ يُسيئُونَ إلَيكُم وَيَطرُدُونَكُم (لو 28:6). - مَن ضَرَبَكَ على خَدِّكَ الأَيمَنِ فَأَدِرْ لَهُ الآخَرَ أيضًا (لو 29:6). - لا تَكنِزُوا لَكُم كُنُوزًا على الأرض (مت 19:6). - لا تَخافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقتُلُونَ الجَسَد (مت 28:10). - إِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْها وَأَلْقِها عَنْكَ... وإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَينُكَ فَاقْلَعْها وَأَلْقِها عَنكَ (مت 8:18-9). إلاّ أَنَّ صُعُوبَةَ الوَصايا وَمَرارَتَها وَخُشُونَتَها ضَرورِيَّةٌ؛ لأَنَّها تَصُدُّ الَّذِينَ يُريدُونَ أن يَتَحايَلُوا على الإنجيلِ وَيَستَخدِمُوهُ للتّسليةِ دُونَ أن يُتعِبُوا أنفُسَهُم في تطبيقِه. وهذِهِ الصُّعُوبَةُ تَزُولُ وَتتحَوَّلُ إلى حَلاوَةٍ، عِندَ مَنْ يَقتاتُ بالإنجيلِ كُلَّ يَومٍ، وَيُحَوِّلُ وَصاياهُ إلى أعمالٍ، فَيَغلِبُ مَرارةَ الوَصِيَّةِ بِفَرَحِ الأَعمال. وَبالإجمال: يَهُونُ حَمْلُ الوَصايا إذا فَكَّرْنا بالخَيراتِ النّاجِمَةِ عَن تطبيقِها؛ وَيَهُونُ حَمْلُ |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هل الأرثوذكسية دين؟
الأب يوحنا رومانيدس http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_012.jpg نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي كثيرون هم أصحاب الرأي القائل بأنّ الأرثوذكسية هي واحدة من بين أديان كثيرة وأن اهتمامها الأول هو بتهيئة أعضاء الكنيسة للحياة بعد الموت، مؤمِّنَة مكاناً في الفردوس لكل أرثوذكسي. مسلّمٌ أن العقيدة الأرثوذكسية تقدّم بعض الضمان الإضافي لأنّها أرثوذكسية، وعدم الإيمان بالعقيدة الأرثوذكسية يراه البعض سبباً للذهاب إلى الجحيم، يُضاف إلى الخطايا الشخصية التي بحد ذاتها تقود إلى هناك. هؤلاء الأرثوذكس الذين يؤمنون بأن هذا هو وصف الأرثوذكسية قد ربطوها حصراً بالحياة بعد الموت. لكن هؤلاء لا يحققون الكثير في هذه الحياة. فهم ينتظرون الموت ليس إلا، مؤمنين بأنهم ذاهبون إلى الملكوت لأنهم، ببساطة، كانوا أرثوذكسيين في حياتهم. قسم آخر من الأرثوذكس الملتزمين والناشطين في الكنيسة، مهتمون لا بالحياة الآتية، بل بشكل أساسي بهذه الحياة هنا والآن. ما يهمهم هو كيف تساعدهم الأرثوذكسية على عيش حياة جيدة في الحاضر. هؤلاء الأرثوذكس يصلّون إلى الله، يطلبون صلوات الكهنة لهم ولمباركة منازلهم بالماء المقدس، ليقيموا التضرعات ويدهنوهم بالزيت، وغيرها من مثل هذه الممارسات، وكل هذا ليساعدهم الله ليتمتّعوا بالحياة حاضراً: حتى لا يمرضوا، حتى يجد أبناؤهم موقعهم في المجتمع، حتى يتأمّن لبناتهم مهراً جيداً وعريساً خيّراً، حتى يجد أبناؤهم بنات ملائمات ليتزوجوا، حتى يسير عملهم حسناً، حتى تنجح أعمالهم، وحتّى تسير التجارة حسناً، أو الصناعة التي يتعاملون بها، وغيرها. إذاً، نجد أن هؤلاء المسيحيين ليسوا مختلفين كثيراً عن غيرهم من الناس المنتمين إلى أديان أخرى ويعملون الأعمال نفسها. يمكننا أن نرى بوضوح، استناداً إلى ما ذكرنا، أن الأرثوذكسية تشترك مع الأديان الأخرى بنقطتين. الأولى، إنها تهيئ الؤمنين للحياة بعد الموت، حتى يذهبوا إلى الملكوت، كيفما تصوّروا ذلك. الثانية، الأرثوذكسية تحميهم في هذه الحياة حتى لا يختبروا الحزن، الصعوبات، الكوارث، المرض، الحرب، وما شابهها من الأمور. بتعبير آخر، حتى يهتمّ الله بكل احتياجاتهم ورغباتهم. إذاً، بالنسبة لهذا النوع الثاني من الأرثوذكس، يلعب الدين دوراً جوهرياً في الحياة الحاضرة بشكل يومي. لكن هل بين كل هؤلاء المسيحيين الذين وصفنا، مَن يهتمّ في أعماقه بوجود الله أو عدمه؟ مَن يتوق فعلياً ويسعى إليه؟ السؤال حول وجود الله غير مطروح، إذ من الواضح أن الأفضل لله هو أن يكون موجوداً، حتى نستغيث به ونطلب منه سدّ حاجاتنا، لكي يسير عملنا حسناً ونكون سعداء نوعاً ما في هذه الحياة. كما يمكننا أن نرى، لدى الكائنات البشرية قابلية قوية لأن يكون الله موجوداً وليؤمنوا بوجوده، لأن عندنا حاجة لأن يكون موجوداً فيتأمّن كل ما ذكرنا. بما أننا نحتاج أن يكون الله موجوداً، لذلك الله موجود. لو لم يكن الناس بحاجة لله ولو كان بمقدورهم تدبّر حاجيات حياتهم من خلال وسائل أخرى، فمَن يعلم ما هو عدد الذين يبقون على الإيمان بالله. هذا هو الواقع اليوم (ملاحظة: يضيف النص الأصلي عبارة "في اليونان" لكن أسقطناها لأن هذا الواقع ينطبق في كل العالم [المترجم]). نرى كثيرين ممن كانوا سابقاً غير مبالين بالدين يصيرون متدينين في أواخر حياتهم، ربّما بعد بعض الأحداث التي ترعبهم. هذا يصير لأنهم يحسّون بأنّهم لا يستطيعون العيش من بعد من دون اللجوء إلى إله ما للمساعدة، أي إن هذا التحول هو نتيجة الاعتقادات الخرافية. لهذه الأسباب، تشجّع الطبيعة البشرية الإنسانَ على أن يكون متديناً. هذا يصحّ ليس فقط على الأرثوذكس، بل أيضاً على كل المتدينين. الطبيعة البشرية هي نفسها في كل مكان. كنتيجة لسقوط الإنسان، نرى النفس البشرية مظلمة الآن، والبشر بطبيعتهم ميّالون نحو الخرافة. الآن، السؤال التالي هو: أين تتوقّف الخرافة ويبدأ الإيمان الحقيقي؟ نظرات الآباء وتعاليمهم حول هذه الأمور واضحة. تصوروا إنساناً يتبع أو يظنّ أنّه يتبع تعاليم المسيح، لمجرد أنه يقصد الكنيسة كل أحد، ويتناول بشكل دوري، ويباركه الكاهن بالماء، يمسحه بالزيت وغيرها من هذه الأمور، من دون تفحّصها بشكل دقيق. أيربح أيّ شيء من الأرثوذكسية هذا الذي يبقى عند الحرف من الناموس، لكنه لا يلِج إلى روحه؟ الآن تصوروا إنساناً يصلّي حصرياً للحياة الآتية، لنفسه وللآخرين، لكنّه غير مبالٍ بالكلية بهذه الحياة. أيضاً، ما هو النفع الذي يكسبه هذا الإنسان من الأرثوذكسية؟ الميل الأول نجده عند بعض كهنة الرعايا والذين يدورون في فلكهم في هذا الموقف الموصوف أعلاه. الموقف الأخير يمكن أن نراه عند بعض الآباء في الأديار، وبعض الأرشمندريتية المتقاعدين الذين ينتظرون الموت، وبعض الرهبان الذين يتبعونهم. بما أنّ التطهّر والاستنارة ليسا محط اهتمامهما الأّول، كلا الموقفان، من وجهة نظر الآباء، قد حددا لنفسيهما أهدافاً خاطئة. لكن بقدر ما يركّزا على الاستنارة والتطهر ويصير نسك الآباء الأرثوذكسي ممارَساً بهدف بلوغ الصلاة النوسية، عندها وعندها فقط يمكن أن تقوم كل الأمور على أساس ثابت. إن الموقفين هما مبالغة تعكس طرفين ولا يتقاسمان أي جوهر. لكن يوجد جوهر مشترك، بُنيَة تسير عبر الأرثوذكسية وتجمعهما معاً. عندما نأخذ بعين الاعتبار هذا الجوهر وهذه البنية الفريدة، يجد كل ما يتعلّق بالأرثوذكسية مكانه الملائم على أساس ثابت. هذا الجوهر هو التطهّر، الاستنارة والتألّه. مصير الإنسان بعد الموت لم يكن همّاً غامراً عند الآباء. كان همّهم الأساسي ما يكون عليه الإنسان في هذه الحياة. بعد الموت، لا يمكن علاج نوسه. يجب أن يبدأ العلاج في هذه الحياة، لأن "في الجحيم لا توبة". لهذا السبب، اللاهوت الأرثوذكسي ليس خارج العالم، ولا هو مستقبلي ولا أخروي، بل هو متجذّر بوضوح في هذا العالم، لأن تركيز الأرثوذكسية هو على الإنسان في هذا العالم وفي هذه الحياة وليس بعد الموت. ما حاجتنا إلى التطهر والاستنارة؟ أهي لكي نتمكن من الذهاب إلى الملكوت والهرب من الجحيم؟ ألهذا التطهر والاستنارة ضروريان؟ ما هي الاستنارة وما هو التطهر ولماذا يرغب الأرثوذكس ببلوغهما؟ لإيجاد السبب والإجابة على هذه الأسئلة، ينبغي معرفة ما يعتبره اللاهوت الأرثوذكسي مفتاحاً أساسياً لهذه القضايا. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكنيسة بيت الخطأة ! الأرشمندريت توما بيطار باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين. لذلك، علينا دائمًا أن نكون يقظين، أن نكون منتبهين، لأنّنا لا نعرف في أيّة ساعة يأتي ربّنا. علينا بالسّهر والانتباه. والإنسان يحتاج إلى أن يغتنم الفرصة، وإلاّ تضيع. يسوع يأتي في حياة كلّ واحد منّا ليعطي ذاته؛ فطوبى للّذي يلقاه مستيقظًا. "رأى [يسوع] لاوي بن حلفى": عين يسوع على كلّ واحد منّا، وهو لا ينظر كما ينظر الإنسان. الإنسان ينظر إلى العينين، أمّا الرّبّ الإله؛ فينظر إلى القلب. معرفة يسوع بنا هي معرفة في مستوى الكيان. كان لاوي "جالسًا عند مائدة الجباية"، أي كان عشّارًا، وكان منهمكًا بتحصيل المال؛ "فقال له يسوع: اتبعني". يسوع لا يتكلّم كثيرًا، لا يحبّ كثرة الكلام. كلّما عرف الواحد منّا الرّبّ يسوع، مال إلى الصّمت، وقلّ كلامه. في هذا الدّهر، الّذين يعرفون يتكلّمون قليلاً، والّذين لا يعرفون يتكلّمون كثيرًا. "فقام [لاوي] وتبعه". لاوي، كما نعرف، هو نفسه متّى. إثر سماعه الكلمة، كلمة يسوع، قام وتبعه. الإنسان قلب، والقلب لا يحتاج إلى الكثير ليميل إلى يسوع. يحتاج إلى كلمة مُشبَعة بالنّعمة، يحتاج إلى كلمة بركة، يحتاج إلى التِفاتَة. يسوع، حين يتكلّم، يبثّ في كلامه روحًا. والّذين يحبّون يسوع، متى تكلّموا، يبثّون روحًا من عند يسوع. "وفيما كان [يسوع] متّكئًا في [بيت لاوي] كان عشّارون وخطأة كثيرون متّكئين مع يسوع وتلاميذه". إذًا، الرّبّ يسوع دخل بيتَ لاوي. دخل، أوّلاً، قلبَه، ثمّ دخل بيتَه. المحبّة، دائمًا، تحتاج إلى تعبير. الإنسان لا يحبّ بالكلام فقط، بل بالفعل أيضًا. إذا كان الرّبّ يسوع قد قبل لاوي، فمن الطّبيعيّ أن يكون قد قبل دخولَ بيته. هذه ليست مسألة اجتماعيّة. عند النّاس، هذه تُعتبر زيارة. أمّا عند يسوع، فهذه ختم محبّة يسوع للاوي، وقبوله له. وطبعًا، لاوي، من حيث كان عشّارًا، كان العشّارون والخطأة هم رفقته. هؤلاء وُجدوا، إذًا، متّكئين مع يسوع وتلاميذه. بالنّسبة إلى لاوي، هو دعا العشّارين والخطأة إلى بيته من باب إكرام يسوع. النّاس يعبّرون بطرقهم الخاصّة. المهمّ أن نرى دائمًا، وراء تعبيرهم، حركة قلوبهم. لا نحكمنّ على النّاس بحسب الظّاهر! إذًا، هذا بالنّسبة إلى لاوي. أمّا بالنّسبة إلى يسوع، الّذي لا يبحث عن إكرام، فإنّ اتّكاءه مع العشّارين والخطأة كان من باب الامتداد صوبهم حتّى يخلصوا. همُّ يسوع الأوّل والأخير أن يخلّص النّاس. كلّ مناسبة، بالنّسبة إلى يسوع، هي مناسبة خلاص. http://www.peregabriel.com/gm/albums...ormal_0455.jpg "فلمّا رأى الكتبة والفرّيسيّون أنّه يأكل مع العشّارين والخطأة": الكتبة والفرّيسيّون كانت عينهم على يسوع. لّما رأوه يأكل مع العشّارين والخطأة طبعًا، رأوه من الخارج لم يدخلوا بيتَ متّى. والفرّيسيّون كانوا لا يخالطون الخطأة والعشّارين. إذًا، هم رأوا ما رأوه من خارج البيت. وقفوا خارجًا، وأخذوا يراقبون الدّاخلين والخارجين. وكان لهم همٌّ واحد: أن يوقعوا بيسوع. الفرّيسيّون كانوا يعتبرون أنّ الله معتزل، أي إنّه لا يخالط الخطّاة. الخطأة نصيبهم القطع، نصيبهم الفرز! الفكرة عندهم كانت أنّ الله سوف يقطع الخطأة ويحرّر العالم منهم. حتّى يوحنّا المعمدان، في ما يبدو، لم يكن خاليًا من فكرة قطع الخطأة؛ الفكرة كانت شائعة بين النّاس. عندما جاء الخطّاة إلى يوحنّا ليعتمدوا، قال: "الفأس وُضع على أصل الشّجر، وكلّ شجرة لا تصنع ثمرًا جيّدًا تُقطع وتُلقى في النّار". طبعًا، من الممكن أن يُفهم هذا الكلام باعتباره يشير إلى الدّينونة. ولكن، يمكن أيضًا أن يُفهم باعتباره يشير إلى قطع الخطأة منذ الآن. وثمّة مَن يظنّ أنّ هذا كان سبب تردّد يوحنّا، فيما بعد، في شأن يسوع. يسوع كان رحيمًا تجاه الخطّاة. أمّا الاتّجاه العامّ، فكان غير ذلك. إذًا، بالنّسبة إلى الكتبة والفرّيسيّين بصورة خاصّة، الإنسان البارّ لا يؤاكل الإنسان الخاطئ، ولا يجلس إليه، بل يقطعه، ويقطع كلّ علاقة به. عند الفرّيسيّين، لم يكن هناك تمييز بين الخاطئ والخطيئة. أمّا بالنّسبة إلى يسوع، فالخاطئ شيء، والخطيئة شيء آخر. لا بدّ من التّمييز بين الأمرين. كلّ واحد منّا، في الحقيقة، يدين الآخرين، لأنّهم يرتكبون إثمًا، أو ما يظنّه هو أنّه إثم. إذًا، كلّ إنسان يدين الآخرين على هذا الأساس يكون كالفرّيسيّين. نحن لا حقّ لنا في أن ندين أحدًا على الإطلاق. ولكن، لنا أن ندين الخطيئة في أنفسنا وفي الآخرين. الآخر ليس برسم الإدانة، بل برسم المحبّة، برسم الرّحمة. خطيئته برسم الإدانة، لا شكّ في ذلك. وطبعًا، إذا كنّا نحن لندين الخطيئة دون الخاطئ، فلا بدّ لنا من أن نوجَد مُحبّين للخاطئ. هذا ما يحدث تمامًا حين يكون إنسان مريضًا. الإنسان المريض نحبّه أكثر، لأنّه مريض، ولا نحبّه أقلّ. ولكن، نكره مرضه، ونسعى لشفائه منه. هذا إذا كان عندنا قلب، وإذا كنّا نحبّ. إذًا، كلّما استرسل الإنسان في إدانة النّاس، كانت محبّته محدودة، لا بل معدومة. وعلى العكس، كلّما وجّه الواحد منّا ناظرَيه إلى الخطيئة بالإدانة، وجد نفسه وقد تحرّك قلبه حبًّا للإنسان الخاطئ. هنا، في الحقيقة، يكمن الحدّ بين مَن هو ليسوع ومَن ليس ليسوع. مَن كان ليسوع فإنّه يحبّ الجميع، "لأنّ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله". إذ ذاك، إن نحن أحببنا، فإنّنا سنوجد بصورة تلقائيّة نكره الخطيئة في الآخرين وفي أنفسنا. وهذا أوّل الطّريق إلى التّحرّر من الخطيئة. إذًا، يسوع آكل العشّارين والخطأة لأنّه كان يحبّهم. ولأنّه كان يحبّهم، كان يهتمّ بشفائهم، ومساعدتهم. كان رحيمًا عليهم. هذا منطق آخر، هذا منطق إلهيّ. هذا هو المنطق الّذي علينا أن نقتنيه في كلّ حين، وفي كلّ حال. الكتبة والفرّيسيّون لاموا يسوع. وإذ لاموه، أدانوه، جعلوه خاطئًا؛ لأنّ الفرّيسيّين يعتبرون أنّ الطّيور على أشكالها تقع: الخطأة يعاشرون الخطأة! "قالوا لتلاميذه" وكأنّهم يحاولون أن يقلّبوا التّلاميذ على المعلّم "ما بال معلّمكم يأكل ويشرب مع العشّارين والخطأة"؟! التّلاميذ، إذًا، كانوا يتحرّكون من الدّاخل إلى الخارج. هنا، علينا أن نفهم أنّ التّلميذ لا يلوم معلّمه في شيء. التّلميذ الأصيل هو الّذي يعتبر نفسه تحت الحكم، لا فوق الحكم. في الحياة الرّهبانيّة، ليست خطيئة أسوأ من أن يدين الرّاهب رئيسه! هذه أسوأ الخطايا، لأنّها تذهب بالنّعمة الإلهيّة بصورة كاملة! التّلميذ الأصيل يقول: "أنا لست في وضع مَن يحكم على رئيسي. هو يحكم عليّ، وأنا لست أحكم عليه". "فلمّا سمع يسوع قال لهم": كيف سمع يسوع، وكيف قال لهم؟! يسوع يسمع الكلام حتّى قبل أن يُقال. هو كان في الدّاخل، وأغلب الظّنّ أنّهم هم كانوا في الخارج. هذا يعني أنّه خرج إليهم، فيما كانوا يحدّثون بعض التّلاميذ، وقال على مسمع من تلاميذه: "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب لكن ذوو الأسقام". هؤلاء الّذين يدّعون العافية، كالفرّيسيّين والكتبة، باقون في الخارج، ولا يريدون أن يدخلوا، ولا يريدون أن يكون لهم نصيب مع المعلّم؛ لأنّهم يعتبرون أنفسهم أصحّاء! هذه دينونتهم، أنّهم لا يعرفون حقيقة نفوسهم. حتّى بعدما قال لهم يسوع هذه الحقيقة، لم يقبلوها. يسوع لم يأتِ ليدعو صدّيقين بل خطأة إلى التّوبة. كأنّ البيت الّذي دخله يسوع، بيت لاوي، صار هو الكنيسة. والفرّيسيّون والكتبة قائمون في خارج البيت، لا نصيب لهم في كنيسة المسيح. أمّا الّذين هم في الدّاخل، فهم الّذين يعرفون أنفسهم أنّهم خطأة! هؤلاء لا يلوّثون يسوع بخطيئتهم، كما يظنّ الفرّيسيّون والكتبة، بل هو الّذي ينقّيهم بنعمته. هو أخذ خطيئتنا، وأعطانا أن نتنقّى منها. خلاصة القول، كلّ مَن ظنّ، بيننا، أنّ له فضيلة، وتصرّف على هذا الأساس، كانت فضيلته رذيلة؛ لأنّ مَن ظنّ نفسه أنّه صاحب فضيلة، فلا بدّ من أن يغزوَه الغرور والمجد الباطل، ولا بدّ من أن يجد نفسه ديّانًا للآخرين! الفضيلة الحقّ تأتي من معرفة الذّات، من أن يعرف الإنسان خطيئة نفسه. والفضيلة أيضًا تأتي، بعد أن نكون قد أخذنا في معرفة ذواتنا، من التّوبة. يسوع جاء من أجل الّذين يعرفون أنّهم خطأة ويطلبون التّوبة. فإذا ما سلكنا على هذا النّحو، يكون اجتياز يسوع بنا قد تتوّج بسكناه في حياتنا؛ فنصير له تلاميذ، |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إن ذكر الموت كثير النفع
القديس ديمتري روستوف https://images.chjoy.com//uploads/im...99360ebe1f.jpg نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد "في جميع أعمالك أذكر أواخرك فلن تخطأ إلى الأبد" (سيراخ 40:7). قد يدرك الموت الإنسانَ فجأة مع أن كلاً منا يعلم بأن الموت سيدركه. الموت أمر معلوم لدى كلّ منّا لأنّ العدالة الإلهية قررته كقصاص للجنس البشري كله عن الخطيئة الجسدية. لكن ساعة الموت غامضة لأن الله لم يكشف إرادته عن مدة الحياة لأحد الناس، بل أخفى هذا الأمر في أقداره السرية. كثيرون رقدوا ولن يستيقظوا. كثيرون استقبلوا النهار ولم يعِشوا ليروا الليل. قد أولَمَ بلتشصّر ملك الكلدانيين وليمة في المساء دون أن يفكّر في ساعة الموت القريبة، فظهرت يد مجهولة، وخطت حكم الموت عليه بكلمات سرية على الجدار. قد ظهر له الموت في نومه الحاضر والقبر في سريره الليلي. لقد رقد أليفانا القائد الأشوري في سريره في ساعة متأخرة من الليل ثملاً بالخمر، فتبدلت للحال ساعة الرقاد بساعة الموت. إن هذا القائد الذي كان يفاخر بأنه سيأخذ غداً عنوة بيت فلوى مدينة اليهود كطائر من عشه، يقع في شباك الموت كالطائر. والغني في الإنجيل اهتمّ لجمع غلته وفكَر بهدم أهرائه وتوسيعها ليؤمن لنفسه سنوات كثيرة يأكل فيها ويشرب ويفرح فيقول له الرب: "يا جاهل في هذه الليلة تُطلب نفسك منك" (لوقا 20:12). الحقّ أنّ لا شيء غامض مثل مجيء ساعة الموت، كما قال السيد يسوع المسيح في إنجيله الشريف: "إنكم لا تعلمون اليوم والساعة حيث يأتي ابن البشر الذي في يديه الموت والحياة ليأخذ النفس البشرية" (متى 13:25). نعم قد يفتح الموت أبواب الأبدية أمام الأرضي وتبتدئ هذه الأبدية كيفما كانت سعيدة أو تعيسة. أبواب الأبدية السعيدة أبواب الملكوت السماوي للأبرار، وأبواب العذاب الأبدي أبواب الجحيم للخطاة. لذلك، يجب ألا يبارحنا ذكر الموت نحن المائتين حتى نزجر نفوسنا عما يغضب الله، ونكون مستعدين لمغادرة هذه الحياة خائفين من غموض ساعة الموت. إن ذكر الموت ضروري للإنسان كضرورة الخبز له. لا حياة للإنسان من دون الخبز ولا قدرة له على التصرف بالحياة من دون ذكر الموت. يضعف الإنسان جسماً بلا خبز ويضعف روحاً بلا ذكر الموت. الخبز يشدّد قلب الإنسان والموت يشدد حياة الفضيلة. لو خاف كل منا الموت المفاجئ وهيأ نفسه بالتوبة لمغادرة هذه الحياة، لما كان الموت قاسياً، ولا ملأت النفوس الجحيم. لكن، ويل لتهاملنا! إننا نحيا كأننا خالدون ونتلذذ بهذا العالم دون أن نفكر في أن الآخرة على الباب، وأن منجل الموت فوق رؤوسنا، وأن يوم السيد لا يبطئ، وأننا نقع بغتة في أمراض الجحيم. فقد جاء في الكتاب المقدس: "أن الإنسان لا يعلم وقته فإنه كالأسماك التي تؤخذ بشبكة مهلكة وكالعصافير التي تصطاد بفخاخ كذلك يُقنَص بنو البشر في وقت السوء إذ يغشاهم بغتة" (الجامعة 12:9). وصوت المسيح كالبوق ينذرنا ويحذّرنا مبيناً لنا واجبات الموت: "فاسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أفي المساء أم في نصف الليل أم عند صياح الديك أم في الصباح لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً" (مرقس13: 35و36) ويقول الإنجيل: "قد يأتي سيد العبد الشرير الذي يأكل ويشرب مع السكارى ويضرب رفقاءه في يوم لا يظنه وساعة لا يعلمها ويفصله ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (متى51:23). فإذا كان الأبرار يهيئون ذواتهم لساعة الموت بالجهاد العظيم زمناً طويلاً من دون أن يعلموا بيوم وفاتهم، فالأجدر بنا نحن الخطاة أن نخاف تلك الساعة ونهيئ نفوسنا ونطهرها من أدران الخطيئة بدموع التوبة الحارة حتى لا يدركنا الموت ونحن ملطخون بأوحال الخطايا ولا نصير إلى العذاب الهائل. فإذا كنا نجهل يوم الممات وساعته ونتناسى خوف انتظاره ونتجاسر على ارتكاب الخطايا، فعلى أي شيء لا نتجاسر إذا علمنا بأن حياتنا طويلة، ويوم الأجل بعيد؟ إذاً بما أننا نجهل يوم المنية وساعتها، فيجب علينا إن نصرف أيامنا كلها كأننا ننتظر الموت دائماً مفكّرين به في كل صباح وقائلين: أليس هذا اليوم آخر يوم من حياتنا؟ وفي كل ليلة: أليست هذه الليلة الأخيرة من ليالينا بين الأحياء؟ وكذلك عند رقادنا لنتساءل هل سننهض أحياء من أسِرّتنا؟ وعند نهوضنا من النوم ترى سنحيا إلى مجيء الليل؟ فإذا فكرنا هكذا نصرف يومنا كأننا نستعد للموت وعندما نذهب للنوم نصلح ضميرنا كأننا مستعدون أن نسلم أرواحنا لله في تلك الليلة. https://images.chjoy.com//uploads/im...7e5178f79b.jpg إن من يرقد وهو في الخطيئة المميتة يكون نومه مهلكاً خطراً كرقاد من أحاطت بسريره الأرواح الشريرة المنتظرة الفرصة لاختطاف روحه إلى الجحيم. إنه سيءٌ جداً أن ينام الإنسان قبل أن يتصالح مع الله. إن كنا كدّرنا القريب في أمر ما فلنذكر أن القديس بولس الرسول يقول: "لا تغرب الشمس على غضبكم" (افسس 26:4). فجدير بمن أغضب الرب أن يهتم لكي لا تغرب الشمس على غضب الله وحتى لا يخطفه الموت وهو غير مستعد. لا تقل أيها الإنسان غداً سأتوب، غداً سأصلح ذاتي، لا تؤجل التفاتك إلى الرب وتوبتك إليه من يوم إلى آخر إذ لم يقل لك أحد أنك تعيش إلى الصباح أو إلى المساء بل قل مع رسول المسيح: "إني أموت كل يوم" (كورنثوس الأولى31:15). إن خوف الموت الشديد والخوف من العذاب يقودان النفس الجانحة إلى هوة الهلاك |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
آداب الخدمة القس دانيال نجيب "تمَسَّكْ بالأدَبِ، لا ترخِهِ. احفَظهُ فإنَّهُ هو حَياتُكَ" (أم4: 13).. إن الأدب نوعان: أدب أرضي، وأدب سماوي. الأدب الأرضي.. أرضي في لغة الأرض وفي روح العالم الفاني.. عالم الحياة الدنيا. الأدب السماوي.. سماوي في لغة السماء وروح الخلود.. عالم الحياة الأخرى.. حياة الأبد. وهذا إيضاح أن بالرغم من أن هناك آداب سماوية وآداب أرضية.. لكن "مَجدَ السماويّاتِ شَيءٌ، ومَجدَ الأرضيّاتِ آخَرُ" (1كو15: 40). إن آداب العالم لا تهدف إلى مجد الله.. بل إلى مجد العالم الفاني، ومجد الناس الباطل مثل الطبل الأجوف نسمع له دويًا ولا نرى له نتاجًا. ولهذا كثر بين ذوي الآداب العالمية المجردة من مخافة الرب الأنواع التالية: الوثنيون المُتعبدون للأصنام.. "وبَينَما بولُسُ يَنتَظِرُهُما في أثينا احتَدَّتْ روحُهُ فيهِ، إذ رأَى المدينةَ مَملؤَةً أصنامًا" (أع17: 16). المُسبِّحون لآلهة الذهب والفضة.. "كانوا يَشرَبونَ الخمرَ ويُسَبِّحونَ آلِهَةَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاسِ والحَديدِ والخَشَبِ والحَجَر" (دا5: 4). المُؤلهون للمال.. "لا يَقدِرُ أحَدٌ أنْ يَخدِمَ سيّدَينِ، لأنَّهُ إمّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ، أو يُلازِمَ الواحِدَ ويَحتَقِرَ الآخَرَ. لا تقدِرونَ أنْ تخدِموا اللهَ والمالَ" (مت6: 24). المذللون لعبودية الأهواء والشهوات.. "أجابَهُمْ يَسوعُ: الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ كُلَّ مَنْ يَعمَلُ الخَطيَّةَ هو عَبدٌ للخَطيَّةِ" (يو8: 34). فُجار القلب.. "أمّا فُجّارُ القَلبِ فيَذخَرونَ غَضَبًا. لا يَستَغيثونَ إذا هو قَيَّدَهُمْ. تموتُ نَفسُهُمْ في الصبا وحَياتُهُمْ بَينَ المأبونينَ" (أي36: 13-14). الذين ينوحون في أواخرهم عند فناء لحمهم وجسمهم.. "فتَنوحَ في أواخِرِكَ، عِندَ فناءِ لَحمِكَ وجِسمِكَ" (أم5: 11). أما الأدب السماوي.. فإن ينبوعه فائض على الدوام، لهذا فإن عناصره تُغذيه وتُشبع النفس البشرية شبعًا حقيقيًا، له دسامته التي تملأ النفس بهجة وسلامًا، في قوة تعني الوصول إلى المسيح.. "إلَى أنْ نَنتَهيَ جميعُنا إلَى وحدانيَّةِ الإيمانِ ومَعرِفَةِ ابنِ اللهِ. إلَى إنسانٍ كامِلٍ. إلَى قياسِ قامَةِ مِلءِ المَسيحِ" (أف4: 13). قد يستعير الناس ثيابًا أدبية لتزييف حياتهم، فيبدون كأبناء "يسى البيتلحمي".. طويلي القامة، حُسان المنظر، هيأت لهم آدابهم العالمية صيتًا عاليًا، لكن حقيقتهم كما قال الرب لصموئيل النبي: "لا تنظُرْ إلَى مَنظَرِهِ وطولِ قامَتِهِ لأني قد رَفَضتُهُ. لأنَّهُ ليس كما يَنظُرُ الإنسانُ. لأنَّ الإنسانَ يَنظُرُ إلَى العَينَينِ، وأمّا الرَّبُّ فإنَّهُ يَنظُرُ إلَى القَلبِ" (1صم16: 7). ومنذ تأسست التربية الكنسية على يد الأرشيدياكون "حبيب جرجس".. وأصبحت الخدمة لها نظام خاص بها، لدرجة أطلق عليها البعض أنها (رهبنة مصغرة): فكل دير له رئيس، وكذلك الخدمة لها أمين خدمة يخضع له بقية الخدام. ومن أهم مبادئ الرهبنة الطاعة.. وكذلك فإن الخادم المُطيع له سمات الخادم الروحي متشبهًا بسيده الذي "أطاعَ حتَّى الموتَ، موتَ الصَّليبِ" (في2: 8). ولذلك فخدمة التربية الكنسية أنجبت كثيرًا من الذين تكرسوا ووهبوا حياتهم لله، وبذلوا ذواتهم في الخدمة، وكانت حياتهم تُعلّم المخدومين أكثر من كلامهم.. فانطبق عليهم قول القديس بولس الرسول: "فقط عيشوا كما يَحِقُّ لإنجيلِ المَسيحِ... أسمَعُ أُمورَكُمْ أنَّكُمْ تثبُتونَ في روحٍ واحِدٍ، مُجاهِدينَ مَعًا بنَفسٍ واحِدَةٍ لإيمانِ الإنجيلِ" (في1: 27). وكما قال ذهبي الفم: "علّم الرسل بحياتهم أولاً، ثم بكلامهم، وكانت أعمالهم تعلن عن ذاتها بصوت عالٍ". فها نحن نرى الخادم الوديع، الخادم المُصلي، والخادم الغيور، الشبعان بالكتاب المقدس، المتفاعل..... وغيرها من صفات قد حصلوا عليها من ارتباطهم بالسيد المسيح لأنه دائمًا الأول في حياتهم. أخيرًا.. خادم التربية الكنسية.. هو إنسان يعيش مع المسيح، ارتبط به من كل قلبه، وصار لذته ولهجه النهار والليل.. "لكن في ناموسِ الرَّب مَسَرَّتُهُ، وفي ناموسِهِ يَلهَجُ نهارًا وليلاً" (مز1: 2)، فانطلق يُخبر الناس: "ذوقوا وانظُروا ما أطيَبَ الرَّبَّ!" (مز34: 8). فيكون.. "كشَجَرَةٍ مَغروسَةٍ عِندَ مَجاري المياهِ، التي تُعطي ثَمَرَها في أوانِهِ، ووَرَقُها لا يَذبُلُ. وكُلُّ ما يَصنَعُهُ يَنجَحُ" (مز1: 3). |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الرياء والصفاء في الدين المطران بولس يازجي "فأجاب رئيس المجمع وهو مغتاظ من إبراء يسوع في السبت..." الصورة التي تخرج إلينا من الحدث مدهشة! صورة تعكس اختلافاً عميقاً بين يسوع ورئيس المجمع، وذلك على أهمّ مواضيع الدين. خلاف إذن بين واضع الناموس وبين مفسّريه، وعلى معنى يوم السبت. وحفظ السبت هو أهمّ ما في الناموس. صورةٌ مؤثّرة لخلاف قاسٍ بين الدين في صفائه والدين في ريائه، بين الناموس في هدفه والناموس في حدوده، بين الدين في أصله والدين في تفاسيره، بين التقليد كنقل للإيمان ذاته وكتسليم له من جيل إلى جيل وبين التقاليد التي تضاف على جوهر الدين جيلاً بعد جيل! بعض النظريات في علوم الأديانتعتبر الدين صافياً في زمن مؤسّسيه فقط، وبعدها تدخل عليه من التفاسير، في نظرهم، إضافاتٌ ليست منه وليست فيه. لقد أعطى الناموس أهمية كبيرة لليوم السابع. لأن الله، في كتاب التكوين بعد أن خلق في ستة أيّام وخلق الإنسان في اليوم السادس، ورأى كلّ شيء ليس حسناً فقط بل حسناً جداً، استراح في اليوم السابع وقدّسه. وحفظ اليهود بدقة كبيرة عطلة يوم السبت لأن السبت للربّ. وكما قال رئيس المجمع: "لديكم ستة أيّام ينبغي العمل فيها..". "أبي يعمل وأنا أعمل حتّى الآن". لقد استراح الله في اليوم السابع، كما يروي سفر التكوين، وذلك لأنه بعد أن خلق الإنسان وأتمّ عمل الخلق ونظر ورأى كلّ شيء حسناً جداً استراح قلبه لو صحّ التعبير وسُرَّ. الربّ لا يستريح من الأعمال، لكنّه يستريح في حالة معينة للإنسان والعالم. لهذا قال لهم يسوع في موقع آخر "أَيحلّ عمل الخير في السبت أم لا"؟ هذه هي راحة الله، وهذا هو معنى السبت، أي العمل لما هو حصراً في خدمة العمل الإلهيّ، والاهتمام بما هو للإنسان بالجوهر، وليس بما للإنسان في المحيط. أيّام الأسبوع للعمل من أجل ما يحتاجه الإنسان، يوم السبت للعمل على ما لا يقوم دونه الإنسان، على علاقته مع الربّ. بحسب الكتاب، يختصّ بعمل الخير والاهتمام بما للربّ وليس بأمور الحياة اليوميّة. يوم الربّ إذن لنعمل به للإنسان، لنعمل الخير ولنمجّد الله. السبت يريح الله عندما يتفرّغ الإنسان لخدمة القريب وتسبحة الربّ. وفي هذا السبت يدخل يسوع المجمع ويشفي المنحنية، فيسبح الربّ ويخدم الإنسان، لكنّه يخرج من المجمع مداناً من رئيسه لأنه لم يحفظ شكلاً مزيّفاً فرضه رجال المجمع على السبت. هذا التردّي في تفسير الدين يعطي صورة واضحة عن خطر الشكليّات والتقاليد التي تصل بنا أحياناً لحدود إفساد الدين ذاته. وتلقي السؤال دائماً قوياً على مقدار توافق النواميس مع أديانها، ومقدار تعبير الشريعة عن إيمانها، وإن لم يكن بالعموم فبالخصوص، وإن لم يكن بالنظري فبالتطبيق! كلمات يسوع قوية ومدوية، قالها في حدث آخر، يومَ سبتٍ، عندما قطف من الزرع هو وتلاميذه وأكلوا: "السبت للإنسان وليس الإنسان للسبت". "الحرْف يقتل والروح يحيي" الحدث الإنجيليّ هنا يوقظ فينا رهافة الحس بالمحاسبة الدائمة "لأعمالنا الدينيّة"، لكي تكون بحسب الإيمان وليس بحسب الشكليات. لتكون العبادة بالروح والحقّ، وليس على جبل هنا أو جبل هناك، كما شرح يسوع للسامرية. لذا قال يسوع اسهروا وصلّوا، لا تكفي لا الصلاة وحدها ولا الصوم وحده... كلّ عمل لا يصل إلى غايته يصير رياءً. صفاء الممارسة هو تحقيق غايتها وهذا ما يريح الله. غاية الصلاة هي الدموع والتوبة، أما الشعور فيها بالفخر أو التبرير أو القيام بالواجب فهذا رياء. رياء الصوم حفظ الأطعمة دون انكسار القلب، وصفاؤه الفقر بالروح. رياء الإحسان الادعاء وصفاؤه الإنكسار والمشاركة مع كلّ معتاز، فحاجته حاجتي وألمه ألمي. رياء العلم الانتفاخ، وصفاء العلم خدمته. التخزين في الغنى رياء، والتبديد فيه صفاء... التضحية في الصداقة حب وصفاء، والاستغلال فيها كذب ورياء. مقياس كلّ عمل بين صفائه وريائه، هو تحقيق غايته التي وضع من أجلها. دليل تطبيقنا للناموس برياء أم بصفاء هو خلاصة الناموس، أي المحبّة. المحبّة غاية الناموس والأنبياء. تحتاج دائماً كلّ عبادة نقدمها وكلّ فضيلة مسيحيّة نمارسها لفحص، لكي لا نتعارض يوماً في ممارستها مع واضعها وغايتها، كما حدث مع رئيس المجمع تجاه يسوع! "الله روح، والساجدين له بالروح والحقّ يقبلهم". |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المعجزة والحياة الروحيّة
الأرشمندريت كاسيانوس عيناتي https://images.chjoy.com//uploads/im...7e5178f79b.jpg باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. http://www.peregabriel.com/gm/albums...ormal_1400.jpg "سينظرون إلى الذي طعنوا" يو 19:37 / زخريا 12:10. أقصد بالحياة الروحيّة الحياة في الكنيسة، بالأحرى الحياة مع المسيح في الكنيسة، إذ لا حياة نحياها تكون روحيّة إذا لم تكن مرتبطة بكنيسة المسيح. والحياة الروحيّة ليست رهناً بعدد من السجدات أو من الأصوام أو من القطع المقروءة في فروض يوميّة، بل من خلال كلّ ذلك إكتشافٌ فَرِحٌ للكلمة الإلهيّة الحاضرة والفاعلة في داخلنا، بالأحرى اكتشاف لملكوت الله الذي نصبهُ المسيح في داخلنا. "ملكوت الله في داخلكم". هذا الاكتشاف هو بحدّ ذاته المعجزة الكبرى التي تتمّ على الأرض. وهذه المعجزة لا تتمّ إلاّ بواسطة الكنيسة وعلى ضوء تعاليمها تثبت المعجزات وتكون حقيقيّة. إذ تبقى الكنيسة المعجزة الكبرى التي أقامها الربّ يسوع على الأرض. بواسطتها تكون المعجزات لأنّها تعبّر عن حقيقة أزليّتها. الكنيسة عالميّة وأزليّة، بعالميّتها تقودنا إلى أزليّتها. وبالرغم من أنّ المسيح قد قال: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو 19:36) ولكن نرى أنّ هذه المملكة قد تكون عالميّة والربّ يسوع نفسه يُظهر لنا ذلك من خلال أمثاله وعجائبه التي تحدث في العالم المنظور. "فعندما سأله تلاميذ يوحنا من هو، أجاب وقال لهم: إذهبوا وقولوا ليوحنا: العميان يُبصرون والصم... وطوبى لمن لا يشكّ فيّ" (متى 11:5-6). ولكن من عالميّتها تقودنا إلى أزليّتها. المعجزات حقيقيّة وليست وهماً ولا حالات نفسيّة، وإنّما هي حالات تفوق الطبيعة البشريّة والعقل والمنطق البشري. ولكنّها تدخل وتتجلّى في عالمنا البشري لترفعه إلى الأسمى، إلى العالم الروحي، إلى الحقيقة. لترفعه من الأرض إلى السماء. لقد اقترب ملكوت السموات، ويظهر ذلك من خلال العجائب التي تحدث للبرص، للعميان، للصمّ، لكلّ أحدٍ آمن بأنّ المسيح هو ابن الله. الكتاب المقدّس بكامله هو معجزة روحيّة كبرى. الخلق في سفر التكوين هو أولى عجائب الله الكبرى. وأسفار العهد القديم مليئة بالعجائب والأعمال الخارقة التي تفوق الإدراك والفهم والتي مهما فلسفنا الأمور ونقّبنا في التاريخ تبقى هذه كلّها عجائب من الله هدفها الأسمى والأوحد أن تقودنا إلى معرفة الله السامية، ونكتشف من خلالها حضور الله بيننا. لكي لا نعيش "وكأنّه لا يوجد إله أمامه" (مز 9:24). وهذه العجائب تقودنا إلى عجائب أخرى في العهد الجديد كلّمنا بواسطتها الرب وقادنا إلى الإيمان الحقيقي بابن الله الحيّ المعطي لنا الحياة الأبديّة. والهدف الحقيقي من العجائب، إن في العهد القديم أو في الجديد، أن ندرك ونؤمن ونتيقّن أنّ الله هو أبونا ومخلّصنا. "نحن شعبه وغنم مرعاه" (مز 99:3). الأعجوبة تُبهر وتثير الإعجاب، ولكن ليس هذا هو المطلوب ولا هو هدف المعلّم الإلهي. لم يأتِ ليُبهرنا بأعمال عظيمة وعلامات خارقة وإنّما رأى حاجتنا الماسّة إلى أعمال ينبغي أن يعملها، فعملها وقادنا من سطحيّتنا إلى اكتشاف الكنز الإلهي المُخبّأ فينا. وهكذا بعد كلّ عمل مُعجز وباهر، كان يؤكّد لنا الغاية السامية: وهي الإيمان به كإله والسعي إلى العيش معه كملك، والغاية السامية غفران الخطايا والحصول على الخلاص واستعادة حالة النعمة التي خُلقنا فيهاومنح ذلك بأعجوبة قيامته من بين الأموات. فالمخلّع، يقول القدّيس لوقا، "قام وحمل السرير ومضى إلى بيته ممجدّاً الله" (لو 5:25). هذا والذين معه أقبلوا إلى يسوع طالبين إشفاء رجل مخلّع، ولكن يسوع لم يشفِه جسدياً فقط وإنّما شفى المرض الأصعب من هذا فقال له "ثق يا بُنيّ مغفورةٌ لك خطاياك" (لو 5:20). وبعد ذلك أمره أن يحمل سريره ويمشي والعجيبة أيضاً امتدّت إلى الذين كانوا معه. فيقول القدّيس لوقا: "فأخذ الدهش جميعهم ومجّدوا الله وامتلأوا خوفاً وقالوا لقد رأينا اليوم عجائب" (لو 5:26). فالعجيبة الخارجيّة تأتي في المرحلة الثانية، هي العلامة المنظورة لغير المؤمنين، من أجل الكتبة الذين لم يستطيعوا أن يؤمنوا. قام المخلّع وحمل السرير ليستطيعوا أن يؤمنوا بأنّه هو ابن الله. وإنّما العجيبة الأهمّ وهي المرتكزة على إيمان الجماعة: وهي الشفاء الحقيقي من الخطيئة التي هي بالحقيقة الإعاقة الوحيدة والتشويه الوحيد للمؤمن. لذلك يقول لوقا: أنّ المعلّم عندما رأى إيمانهم قال له مباشرة مغفورة لك خطاياك. العجيبة العظيمة التي أتى المسيح من أجلها، هي شفاء الطبيعة البشرية من حالة الخطيئة والعودة إلى الحالة الأولى، أي استعادة الصورة الأصلية لنستطيع أن نحقق المثال بالفضيلة. نفهم أن شفاء المخلّع الخارجي جاء بعد غفران خطاياه. وهذا الشفاء أصبح علامة فارقة لغير المؤمنين، وهو علامة ورمز لهذا التجديد الروحي للإنسان الداخلي الذي يستطيع المسيح وحده أن يفعله "لكي تعلموا أنّ ابن الإنسان له سلطانٌ على الأرض أن يغفر الخطايا" (متى 9:6) "ما الأيسر أن يُقال..." (مر 2:10). بالرغم من أنّ المعلّم يرى جيّداً، وقد رأى الإعاقة الجسديّة، وإنّما بالنسبة للمعلّم: الشفاء الصعب والأهمّ هو الشفاء من الخطيئة وبهذه الطريقة انتبه المخلّع إلى حقيقة مرضه ومن الآن وصاعداً يتعلّم كيف يُعالج هذا المرض. يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ: "بالمعجزة الخارجيّة، أي بالشفاء الجسدي، يريد المعلّم أن ينقلنا إلى أبعد من هذا، إلى الشفاء الداخلي، الشفاء الروحي". والقدّيس باسيليوس يقول: "الطبّ بكامله هو فنٌّ بشريّ تعاطاه المسيح والقدّيسون ليجسدوا فنّ الاعتناء بالنفوس". بالمعجزات التي أتمّها، رفعنا المسيح من الجسدانيات إلى الروحانيات. ليؤكّد لنا أن الجسد والروح (النفس) يرتبطان كلاهما ببعضهما البعض وأنّ إحساناته ليست فقط من ناحية واحدة ومن طرف واحد وإنّما من الطرفين. لذلك بعد أن شُفي الأبرص السامري عاد يُمجّد الله، وبعد أن شُفي الأعمى أيضاً مجّد الله، والسامري أرشد اليهود إلى الإيمان بابن الله: "أتريدون انتم أيضاً أن تؤمنوا به؟" (يو 9:27). وهكذا دوماً من الجسد إلى الروح، من المحسوس والمنظور إلى اللامنظور. يبدع القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ في وصف أعجوبة اللصّ على الصليب وعُمّال الساعة الحادية عشرة. وفي كلّ ذلك تظهر محبّة الله الغنيّة لنا. فكلّ غنى الله يُعطى لنا عندما نستطيع أن نؤمن وعندما نعبر إلى إنساننا الداخلي ونلتمس هناك الصورة الحقيقيّة التي صُوّرنا بها. يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ: اللصّ اكتشف ذاته وعرف مرضه وحاجته الماسّة إلى هذا الملكوت. عَبَر من خارجه إلى الداخل العميق. الأوّل كان يتطلّع بعينيه الحسيتين فيقول إن كنت ابن الله خلّص نفسك وإيانا وإلى آخره من الأقوال السطحية الخارجيّة. أمّا الثاني فقال: "أُذكرني في ملكوتك". اللصّ الثاني تطلّع بعينيّ نفسه فاكتشف الحقيقة. وصارت الأعجوبة. من حالة اللعنة، من حالة العذاب، من الشقاء، انتقل إلى الفردوس. انتقل بالنعمة الإلهيّة إلى الفردوس. امتلأ من الحضور الإلهيّ لأنّه أبصر في المسيح المصلوب المُهان المجروح العطشان، اكتشف فيه الإله الأزلي القادر على كلّ شيء. وملك اليهود تمجّد جدّاً بعينيّ اللصّ فاصبح ملك المجد لذلك قال له: "أذكرني في ملكوتك". هذا اللصّ لم يستمع إلى أقوال الناموس، لم يكن بين الرسل عندما كان المسيح يجترح العجائب معهم، لم يتعلّم أقوال الأنبياء. إذ إنّ الذين كانوا معه كلّ يوم ورأوا عجائبه واستفادوا من معجزاته وإحساناته قالوا عنه: "هو يُضلّ الشعب" (يو 7:12) وقالوا أيضاً http://www.peregabriel.com/gm/albums...l_JESHEAL3.JPG "إنّ به شيطاناً وقد جنّ". وأمّا اللص فقد رأى الربّ في إنسان مسمّر على الصليب جائع، خائر، مُهان، مُغطّى بالبصاق، ومُلطّخ بالقتل، على جسده آثار الجَلَدات وكلّ مظاهر الضعف البشري. بالرغم من كلّ ذلك، اخترقت عينا اللصّ كلّ الحواجز الخارجيّة، ومن منظره إلى الصميم الداخلي، فرآه إلهاً ملكاً حقيقياً، تفوق قدرته كلّ قدرات العالم. فعَبَر من العالم الحسّي إلى العالم الإلهي، إلى العالم الحقيقي فقال له: "أذكرني في ملكوتك". تصرّفٌ جديدٌ وغريبٌ يُعلّمنا إيّاه اللصّ: يرى صليباً فيتذكّر الملكوت. ماذا رأى ممّا جدير بالملك؟ إنسان مصلوب، ملطوم على وجهه، مُهان، مُدمى، مُغطّى بالبصاق، متروك وحيد؟ قل لي أيّها اللصّ، هل ما تَراه يدلّ على علامات ملكيّة؟ ولكن لتتأكّدوا أنّه تتطلّع إليه بعين الإيمان، "تطلّع إلى الذي طعنوه" ورآه بإيمانه، مجتازاً كلّ المظاهر الخارجيّة، رآه إلهاً. ولذلك عندما تطلّع بعينيه الداخليتين رآه الإله، لذا وبسرعة فائقة، دون أن ينتظر، لم ينظر إلى أعماله، لم يفحص أصوامه ولا تنهّداته، ولا تمزيق ثيابه ولا مسوحه ولا زهده ولا بساطة الكلمات التي قيلت. ولكن كما أنّ نظر اللصّ اخترق ودخل إلى الأعماق الإلهيّة، كذلك بالمقابل نظرُ الإله اخترق ونفذ إلى قلب اللصّ، فسمع هذا الأخير: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23:43). أرأيتم كيف أنّ المعجزة تتطلّب إيماناً؟ والمعجزة الحقيقيّة تقودنا إلى الإيمان بابن الله، وتقودنا إلى العيش معه، وإلاّ تكون سبباً للضلال. فملكوت السموات مليء بالمرضى والعرج والعميان والمخلّعين (لو 14:21). يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ في شرحه لحادثة الفتيان الثلاثة (دانيال 3) أنّه كان بمقدور الفتيان أن يكونوا أحراراً وأن يرضخوا لأمر الملك ويفرّوا من النار. من جهة ثانية "بإيمانهم كان الله قادراً أن يُطفئ سعير النار المُتأجّج، ولكنّه يريد أن يُظهر لنا أن بالرغم من قوّة النار وبالرغم من شدّة ألسنتها "زفت وزرجون" فهي لم تمسّهم البتّة. لقد فضّلوا أن يبقوا في الأتون مُستعبدين للنار الخارجيّة على أن يكونوا عبيداً للملك الوثني. النار لم تمسّهم بل كان هناك ندى يلفّهم فاستطاعوا أن يكونوا أحراراً في وسط الاستعباد. فهؤلاء يصدق فيهم قول الرسول بولس (1كو 7:20-22): "إن أمكنك أن تنال الحرية فالأحرى أن تغتنمها، لأنّه من دُعيَ في الربّ عبدٌ فهو مُعتق للربّ. وكذلك من دُعي وهو حرٌّ هو عبدٌ للمسيح". أستخلص من هذا العرض: في وسط الاستعباد نكتشف الحريّة. ينبغي أن لا تطلّبوا معجزات بمفهوم معيّن. الحياة الروحيّة هي المُعجزة الكبرى. والذين يعيشون بالروح، ببساطة الإيمان، يرون عجائب الله المنظورة والغير المنظورة في كلّ ساعة وفي كلّ لحظة وفي كلّ عمل وقول. صنع الله عجائب وما زال يصنع، ونحن نعيش في عالم عجائب الله. لكنّنا لا نستطيع أن نراها ولا أن نكتشفها بسبب عدم إيماننا، أو نقصانه. نتّكل على أفكارنا، نتّكل على وجودنا، نتّكل على قوّتنا أكثر ممّا نتّكل على نعمة الله. أفكارنا لا تكتمل ووجودنا لا يُصبح حقيقياً وقوّتنا باطلة بدون النعمة الإلهيّة. النعمة الإلهيّة تتعاون مع إرادتنا الصالحة وتتحوّل حياتنا إلى عجيبة كبرى. إلى حضور دائم لله وتجسّد لأعمال الله فينا. إذاً: العجائب والآيات التي من الله "تقودنا إلى يسوع الناصري الرجل الذي أُشير لكم إليه من الله بالقوّات والعجائب والآيات التي صنعها الله على يديه فيما بينكم كما تعلمون" (أعمال 2:22). والعجائب والآيات التي لا تقودنا إلى يسوع الناصري هي مؤدّية إلى الموت. وهي من الشيطان لأنّه "سيقوم مُسحاءٌ كذبة وأنبياء كذبة يعطون علامات وعجائب لكي يُضلّوا المختارين أيضاً إن أمكن" (متى 24:25). وأخيراً أُريد أن أقول لكم أنّ العجائب خارج الحياة الروحيّة قد يكون مصدرها إنسان الخطيئة ابن الهلاك كما يقول الرسول بولس (2تسا2:9)، يكون مجيئُه بعمل الشيطان، بكلّ قوّة وبالعلامات والعجائب الكاذبة، وبكلّ خُدعة ظلمٍ في الهالكين لأنّهم لم يقبلوا محبّة الحقّ ليخلُصوا. ولذلك يُرسل الله إليهم عمل الضلال حتى يُصدّقوا الكذب ويُدانوا... فإننا وإن نقلنا الجبال وغيّرنا مدار الشمس ولكن لم نصل بنظرنا إلى المسيح الإله المطعون على الصليب، فلن ننتفع شيئاً لأنّه وحده بتدبيره الخلاصي: تجسّده، صلبه، موته وقيامته وصعوده ومجيئه الثاني المجيد، إستطاع أن ينفعنا، فقَلَب بعجائبه حياة الذين آمنوا به وحوّلها من وقتيّة إلى أبديّة، ومن مائتة إلى أزليّة. وصيّتي إلى مُحبّي العجائب والطالبين علامات في حياتهم: إنّ كلمة روحيّة واحدة وبسيطة جدّاً تستطيع أن تُحقّق مُعجزة كبيرة. ولكن كيف سيكون هذا وقلوبنا نزرعها باشواك الشكّ والحشريّة وبكثافة الكلمات الباطلة؟ أفكارنا دنسة، نتخبّط بشهوات جسديّة تُعمي عيوننا وتُغلق علينا الباب للوصول إلى إنساننا الداخلي. نُصلّي عند الحاجة، وصلواتنا مُختصرة جدّاً، نؤدّيها بأفكار مُبلبلة، مُتهكّمين بأشياء وأشياء. نًُقبل إلى الأسرار الإلهيّة بدون استعداد ولا أيّ مُبادرة لتطهير عقولنا وقلوبنا، والحقيقة أننا لا نبتغي الإتحاد بالله بقدر ما نبتغي الإلتصاق بشخصنا. لذا اسمحوا لي بأن أصرُخ وإيّاكم إلى الربّ بدون انقطاع: "أيّها الربُّ ربُّنا عجِّب مراحمك للمتّكلين عليك، لنصير بعجائبك بكليّتنا إليك وأنت لنا". واسمحوا لي أن نصرخ مع الرسل: "يا ربّ زِد إيماننا" (لو 17:5). أُذكّركم بقول الرسول بولس "مرضى بأمراض صعبة ويموتون في المرض... لِعلمنا بأنّ الذي أقام الربّ يسوع سيُقيمنا نحن أيضاً مع يسوع ويجعلنا معكم... وإن كان إنساننا الظاهر ينهدم فإنساننا الباطن يتجدّد يوماً فيوماً... فإنّنا نعلم أنّه إذا نُقض بيتُ مسكنِنا الأرضي فلنا بناءٌ من الله بيتٌ لم تصنعهُ الأيدي، أبديّ في السموات" (2كور 4:16 ? 5:1) |
الساعة الآن 02:22 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025