![]() |
295 - يقول سليمان الحكيم " اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ ، وَأَحِبَّاؤُهُ يَأْكُلُونَ ثَمَرَهُ." ( امثال 18 : 21 ) . اللسان اخطر عضو في الانسان ، صغير دقيق قصير لكنه هام جدا ً وخطير . كلمة منك قد تقودك الى المتاعب وتجلب عليك المشاكل وتجرك الى مواقف صعبة . كلمة في غير مكانها يُسرع اللسان بها ويرسلها ضد الآخرين توغر الصدور ضدك . لذلك يقول سليمان الحكيم " مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ وَلِسَانَهُ ، يَحْفَظُ مِنَ الضِّيقَاتِ نَفْسَهُ ." ( امثال 21 : 23 ) . وعلى الانسان العاقل ان يراقب لسانه ويحفظه فلا يدعه يتحرك برعونة . عليه ان يمسك بزمامه بقوة حتى لا يفلت ويجمح ويسبب المشاكل والمتاعب . قد تجد نفسك في موقف جاد جامد ممل فتريد ان تلطف الجو فتستظرف وينطق لسانك بكلمات الهذر وتسخر وتضحك وتستهزئ وترسل النكات ويتغير الجو لكنه قد يتكدر وترتفع الضحكات لكن البعض قد يُجرح فبعض الهذر جارح . يقول الحكيم : "يُوجَدُ مَنْ يَهْذُرُ مِثْلَ طَعْنِ السَّيْفِ " ( امثال 12 : 18 ) . وبدلا ً من أن تصفو الجلسة وتفرح القلوب ، إذا بالمرارة تتفشى والجروح تدمي ويؤكد سليمان ان : " أَمَّا لِسَانُ الْحُكَمَاءِ فَشِفَاءٌ " . بدلا ً من الجروح شفاء وهناء . الكلمة الرقيقة هادية وشافية . وقد تجد نفسك في موقف حرج تحتاج ان تخرج منه باستخدام لسانك ويترتب على كلامك نجاتك وترى في الكذب مخرجا ً سهلا ً ومهربا ً يسيرا ً ، ويتحرك لسانك داخل فمك ، يتأرجح يمنة نحو الصدق ويسرة نحو الكذب وقد تجد نفسك تكذب متصورا ً ان الكذب سوف يخرجك من المأزق نهائيا ً لكن " شَفَةُ الصِّدْقِ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ،، وَلِسَانُ الْكَذِبِ إِنَّمَا هُوَ إِلَى طَرْفَةِ الْعَيْنِ . " ( امثال 12 : 19 ) . لو اختفت الحقيقة فترة فلا بد ان تشرق الشمس فتظهرها وتكشفها وتدلو بها . لو نجوت بعض الوقت متسلقا ً كذبة فلا بد ان يأتي الوقت الذي ينفضح فيه كذبتك . واللسان هو مطيتك ، هو الذي يقودك الى المواقف الصعبة والضيقات . هو الذي يجعلك تجرح من حولك وتطعن مستمعيك فالكلام مثل طعن السيف وهو الذي يقودك الى السقوط في الكذب الذي ينكشف سريعا ً ويكشفك . لا تجعل اللسان يسيطر عليك ويجرك الى المشاكل . سيطر انت عليه ، اجعل زمامه في يدك وامسك زمامه بقوة وقدرة لتحركه كما تشاء ، ففي لسانك الموت وفيه ايضا ً الحياة . اجعله السبيل للحياة ولا تجعله سبيل الموت .
|
296 - ملكوت الله
نقول الكلمة في انجيل مرقس 1 : 15 " قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ " . بسبب تسلط الشر في عالمنا الحاضر وروح العصيان الذي يملأ القلوب وتساقط القنابل يوميا ً في اماكن كثيرة على كرتنا الارضية ناشرة الرعب والموت والدمار ، وحتى اختراعات الانسان التقنية التي طورها للاستفادة منها كثيرا ً ما نتج منها الضرر والموت ونتيجة لانتشار الشر اقتربت دينونة الله وهذا لم يكن ليتم لو ان الناس حفظوا ناموس الله دستورا ً لحياتهم فمن يفتح قلبه اذا ً لهدى وصايا الله ومن يخاف من القاضي القدوس ؟ كل البشر مذنبون امام شريعة الله ، لا احد منهم يستحق الدخول الى الملكوت الازلي ، كلنا مرفوضون ويعرف الاتقياء آثامهم وينوحون تائبين منكسرين ولكن الحمدلله فقد اتى المسيح منذ الفي سنة الى عالمنا واعلن محبة الله . هل درست حياة المسيح في الانجيل ؟ انه كلمة الله المتجسدة والمولود من الروح القدس . لم يرتكب اي خطيئة بل ثبت طاهرا ً قدوسا ً حتى ان الابالسة ارتجفت منه وخرجت هاربة من المسكونين حسب امره وكذلك سكنت العاصفة المهلكة في البحر بكلمته . هو الذي منح للعمي البصر وحل لسان الاخرس واقام امواتا ً بسلطانه واشبع 5000 جائع ، ولما تراكضت الجماهير المندهشة اليه لتجعله ملكا ً تركها الى البرية لانه لم يريد ان يبني ملكوت الله بقلوب مشتهية بل بتائبين متغيرين ومتبررين لان المستعبد لشهوة الجسد والنفس الشريرة ليس له حق في رعوية ملكوت الله . وقد علّم المسيح ان ملكوت الله في زمنه لا يمكن ان يأتي الى ارضنا لأن الخطية مالكة في جميع الناس وتسبب الشر في عالمنا ورغم ذلك فقد كان يسوع الملك الالهي المستتر واعلن سلطانه في كلمات حقه واعمال محبته . لم يبني رئيس السلام دولته على سلطة الاسلحة وجمع الجزية كما تعمل دول العالم الاخرى بل اسس ملكوت الله على برّه وقدرة الروح القدس وهكذا رفع بمحبته خطية كل الناس على كتفيه ومات عوضا ً عنا على الصليب في لهيب غضب الله ليصالحنا مع القاضي الازلي بموته الكفاري . ما اعظم الملك الذي لا يستعبد شعبه بل يبذل نفسه فدية عن كثيرين ، فالملك الازلي قدّس اولا ً اعضاء مملكته لكي يستطيعوا الدخول الى ملكوته والثبات فيه الى الابد . والمسيح لم يستكبر بمجده بل رحمنا نحن المساكين وحل بتلاميذه بالروح القدس حسب موعد الآب وملأهم بقوته ليحفظوا وصايا الله ويغفروا لاعدائهم ويعيشوا في طهارة وينطقوا بالصدق ، فتجديد القلوب هو اعظم انقلاب في تاريخ البشر لان به تحقق ملكوت الله على ارضنا ، والقرابة بين الملك الازلي واهل مملكته الروحية هي انهم جسده وهو رأسهم ، فيعلنون ارادته وهو يشعر بهم بكل ما يتحملونه من مصائب واحقاد ، فسر هذه الوحدة الالهية هي المحبة . هل فهمت كيف يبني المسيح اليوم ملكوت الله بين البشر ؟ هل تريد تطهير افكارك وتجديد قلبك ؟ تعال الى المسيح ملك المحبة واطلب منه تسامحا ً وغفرانا ً فيقدسك ويجعلك اهلا ً لمملكته . ان ملكوت الله اليوم حاضرا ً في العالم وجوهره حق وفرح وسلام ، صبر وقوة وتعفف ومحبة . تعال الى ملكوت الله فتعيش الى الابد بواسطة غفران المسيح وقوة روحه . والكثير من الناس وبكل اسف يسمعون كلمة المسيح ويبتسمون لها ولكنهم يرفضون دعوته فهم يفضلون المال والعنف والحرية على الحياة في الايمان والنتيجة هي الكبرياء والتعصب . هل ادركت انه الى جانب ملكوت الله تنتشر اليوم مملكة الشيطان بكل قذارتها ورجاستها وتجديفها ؟ افتح عينيك فترى دعايتها الوقحة في المجلات والافلام وكل وسائل الاعلام وروح الخراب يمتلك في كل اللذين لا يقبلون المسيح ربا ً ومخلصا ً فالى اي مملكة تنتمي انت ؟ هل انتسبت الى ملكوت محبة الله ؟ او اجتذبت الى مملكة خراب الشيطان ؟ هل قلبك يشتاق الى السلام مع الله ؟ تعال الى يسوع ربك ، انه ينتظرك ، يجعلك انسانا ً جديدا ً صالحا ً في ملكوت الله لانه " قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ " لتكونوا على استعداد عند رجوعه القريب . |
297 - يقول سليمان الحكيم " اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ ، وَأَحِبَّاؤُهُ يَأْكُلُونَ ثَمَرَهُ " ( امثال 18 : 21 ) . اللسان اخطر عضو في الانسان صغير دقيق قصير لكنه هام جدا ً وخطير . الشرير يستخدم لسانه في الغش والخداع والمرائاة والادعاء الكاذب . يتكلم كلاما ً معسولا ً ممتزجا ً بالسم القاتل الذي يخرج من قلبه الشرير . يقول ارميا النبي 9 : 8 " لِسَانُهُمْ سَهْمٌ قَتَّالٌ يَتَكَلَّمُ بِالْغِشِّ . بِفَمِهِ يُكَلِّمُ صَاحِبَهُ بِسَلاَمٍ ، وَفِي قَلْبِهِ يَضَعُ لَهُ كَمِينًا." . اللسان المنغمس في الغش كالسهم المطلي بالسم ، طعنته تُهلك . ينخدع الانسان بالقول المخادع واللسان الكاذب فيسقط في الشبكة وحين يحاول النجاة يجد نفسه مقيدا ً لا يستطيع الخروج من الهاوية ، وما اكثر المخادعين حولنا ، عيون مرحّبة ، شفاه مبتسمة ، لسان معسول . وفجأة تتكدر العيون وتتقد النظرات وتلتوي الشفاه ويطعن اللسان . لكن الصدّيقون يحيطون بنا أيضا ً . الصدّيقون ايضا ً يملأون الارض ويقول الحكيم " لِسَانُ الصِّدِّيقِ فِضَّةٌ مُخْتَارَةٌ. " ( امثال 10 : 20 ) .فضة لامعة مختارة . حين تنظر الى لسان الصدّيق تجده صافيا ً صالحا ً طاهرا ً ناصع السطح ينطق بما في داخل القلب ، يلونه الصدق بلون الفضة ويجعله ثمينا ُ غاليا ً . تسمع كلام الصدّيق فتسعد وكلماته ترطّب نفسك ، تفرح وتستريح . وبرغم خداع الشرير وغشه ، برغم السم الخفي داخل عسل اللسان لكن الله يكشف الخداع حتما ً وبسرعة فلا يستمر الخداع ويستمرئ الشرير ، وخاتمة الخداع معروفة ونهاية الغش محتومة وشمس الحق لا بد ان تشرق . مثل عشب الحقل الكثيف الذي سرعان ما يجف ويحترق عند ظهور الحق . ويملأ الصدّيقون الارض وتتلألأ السنتهم وتنير ظلام الحياة وتلون الجو حولنا وتضيئه بلون فضي بهي ناصع البياض شديد الصفاء . الله يزيد من اعداد الصدّيقين حولنا ، يتكاثرون ويتزايدون فالصدق يثبت الى الابد والكذب يختفي حالا ً .إن واجهت مخادعا ً معسول الكلام دقق النظر في لسانه ، افحص ، هل يبدو كسهم قتّال . هو يتكلم بسلام وقلبه عامر بالشر ، واحرص ان يكون لسانك لسان الصدّيقين فضة مختارة ففي لسانك الموت وفيه ايضا ً الحياة . اجعله السبيل للحياة ولا تجعله سبيل الموت .
|
298 - يقول سليمان الحكيم "اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ ، وَأَحِبَّاؤُهُ يَأْكُلُونَ ثَمَرَهُ. "( امثال 18 : 21 ) . اللسان اخطر عضو في الانسان صغير دقيق قصير لكنه هام جدا ً وخطير . قد تواجه هجوما ً شرسا ً من عدو قاس ٍ يريد النيل منك والاعتداء عليك . لا تقاوم الهجوم بالهجوم ولا تقارع السلاح بالسلاح ولا تدفع الشر عنك بقبضة اليد . اللسان يستطيع ان يكون سلاح الدفاع ، اللسان اللين يكسر العظم ويوصيك الرب ان لا تغلب الشر بالشر بل ان تغلب الشر بالخير . الجواب اللين يصرف الغضب واللسان اللين أقوى من اجمد العظم . حين تواجه حربا ً او ضربا ً او صراعا ً أو قتالا ً استخدم لسانك واجعله لينا ً . ويقول سليمان الحكيم ان" شَفَتَا الصِّدِّيقِ تَهْدِيَانِ كَثِيرِينَ " ( امثال 10 : 21 ) . فاللسان وسيلة لهداية الضالين ودعوة للبعيدين وخلاص للهالكين . بعد ان تمم المسيح الفداء بموته الكفاري على الصليب بعد ان مات وقام وبعد ان ظهر لتلاميذه ، دربهم واعدهم ليحملوا رسالة الخلاص للعالم ، وفي آخر وصية له آخر لقاء معهم على الارض ، اعطاهم الارسالية العظمى ، قال لهم : «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا " ( مرقس 16 : 15 ) . كلفهم بالذهاب للعالم والكرازة بالانجيل . كلفهم بتبليغ رسالته للجميع . وانت وانا وانت ِ وجميعنا مكلفون بهذه المهمة ، حمل الرسالة الى العالم . نتحدث ونكرز ونبلغ ونتكلم بكلام الحياة ليرجع الخطاة الى رب الحياة " لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. " ( يوحنا 3 : 16 ) .وتلك الحياة الابدية هي في الايمان بابن الله ، فعلينا جميعا ً بعد ان نلنا تلك الحياة ان نذهب ونتحدث بكم صنع الله بنا . الرسالة التي نحفظها في قلوبنا لا بد ان نبلغها بافواهنا والسنتنا ولهذا فان شفتي الصديق تهديان كثيرين الى الحق الى المسيح الى طريق الخلاص . ما دام في قلبك محبة الله ، ما دمت قد نلت الحياة الجديدة واختبرت اتبّاع المسيح ، ما دمت تعرف طريق الحياة والهداية ، ما دام لسانك قادرا ً على نقل الكلام فلا بد ان تتكلم وتبشر . قال بولس الرسول : " فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ." ( 1 كورنثوس 9 : 16 ) . ويقول الرب :" فَقَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا ......َ فَتَسْمَعُ الْكَلاَمَ مِنْ فَمِي ، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ قِبَلِي . " ( حزقيال 33 : 7 ) . انت مسؤول عن حمل رسالة الحياة للهالكين ولسانك يحمل اخبار الخلاص للاشرار والضالين . في لسانك الموت وفيه ايضا ً الحياة . اجعله سبيلا ً للحياة ولا تجعله سبيل الموت .
|
299 - هل تشعر اليوم بفرح وسعادة وبهجة ؟ هل كل ما حولك جميل ؟ هل السماء صافية أم مزينة بالغيوم ؟ هل في حرارة الشمس دفء يبعث الحياة ؟ هل برودة الجو منعشة رطبة ؟ هل يداعب الريح شعرك ويلهو بملابسك ؟ حين تكون فرحا ً مبتهجا ً يُصبح كل شيء جميلا ً رائعا ً ممتعا ً ، كل شيء حولك يضحك ، عصف الريح وسط فروع الشجر يعزف الحانا ً ، انهمار المطر موسيقى شجية ، حرارة الشمس تربض على الوجوه بمودة ، جفاف الجو يحتضن الاجساد في محبة ، الفرح الداخلي يشع فيلوّن كل ما حولنا بالوان الطيف الزاهية الجميلة . يقول سليمان الحكيم " الْقَلْبُ الْفَرْحَانُ يُطَيِّبُ الْجِسْمَ " ( امثال 17 : 22 ) . فكل ما يحل به طيب . ويوصي بولس الرسول فيقول " اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ ، وَأَقُولُ أَيْضًا : افْرَحُوا ". ( فيلبي 4 : 4 ) .
وحين يحل ينبوع الفرح بالقلب يتفجر الفرح داخل الانسان وخارجه . عندما تقبل المسيح وتؤمن به تبتهج بفرح لا ينطق به ومجيد . ونحن نبتهج ونفرح بالرب ، يفرح جميع المتكلين عليه الى لابد ويهتفون . والبهجة تحرك اوتار القلب وتُخرج منه انغاما ً عذبة شجية فيرنم داود النبي ويقول " هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ ، نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا . نَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِحَمْدٍ ، وَبِتَرْنِيمَاتٍ نَهْتِفُ لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ عَظِيمٌ " ( مزمور 95 : 1 – 3 ) ، نحن الذين اختارنا وفدانا وحررنا وخلصنا نفرح ونبتهج ونترنم . الفرحة تجعلنا نفرح ونغني ونرنم ونهتف ، البهجة تمس اجسادنا فنرقص . يطرد الله الذي يملأ قلوبنا بفرحه كل حزن والم وخوف ومرض . بغطي بخلاصه كل شعور بالذنب . يطرد عزائه الابدي كل وجع بالقلب . تعلو اصواتنا بالترتيل وتصدح قلوبنا بالغناء والتهليل ونبدأ نعزف الحان النصرة وندرب اصواتنا على انغام المجد الى ان نلتقي به وننضم الى جوقة المرنمين حول عرشه ونبقى الى الابد الحان بهجة فرحة ضمن معزوفة الخلود المجيدة . افرح اليوم ففرح اليوم يقودك الى الفرح الابدي في السماء . رنم اليوم فترنيمة اليوم اول السلم الموسيقي للحن الخلود . افرح ايها الصدّيق بالرب . افرح بالرب ، افرح كل حين . ابتهج ايها المؤمن بالمسيح ، ابتهج به هو بهجة خلاصك . فرحك بالرب وبهجتك بمسيحه تجعل حياتك ضحكة دائمة ." اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ ، وَأَقُولُ أَيْضًا : افْرَحُوا " . |
300 - تنبؤات العام الجديد
في مستهل كل عام تطالعنا الصحف بطائفة من التنبؤات يقول اصحابها انها تكشف عن الاحداث التي يخبئها العام الجديد بين طياته ونرى الناس يتلهفون على هذه التنبؤات ويطالعونها بشغف اشباعا ً لغريزة حب الاستطلاع وتبديدا ً للمخاوف التي تنتابهم امام المجهول الذي ينتظرهم في عامهم الجديد والغريب ان الناس يزدادون تعلقا ً بها على مر السنين وبالرغم من ان كثير منها لم تثبت الايام صحته . هذا في وقت تجد فيه كثيرين لا يهتمون بما يحمله كتاب الحق الذي بأيديهم من تنبؤات صادقة قد شهدت الاجيال ولا زالت تشهد على صدقها . تأمل تلك النبوة المباركة التي يختتم بها النبي داود مزموره الاشهر ، المزمور 23 : 6 حيث يقول : "إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي " نعم صاحب الكنوز التي لا تنفذ يذخر خيرا ً ورحمة ً لكل يوم من ايام السنة لأن مراحمه لا تزول هي جديدة في كل صباح لذلك يرفع موسى رجل الله صلاته قائلا ً " أَشْبِعْنَا بِالْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ ، فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا." ( مزمور 90 : 14 ) . ولكن هل يعني هذا ان النبوة تبشر بايام كلها اشراق او طريق مفروش بالورود على الدوام ؟ لو كان الامر كذلك لما تضمنت الرحمة التي لا تفتقدها في الغالب الا في ظلام الايام وطريق الاشواك ولكن إذ تشملنا الرحمة يتبدد الظلام فنسعد حتى في طريق الاشواك وانما عليك انت يتوقف تحقيق هذه النبوة لانها تنتهي بالقول : " وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ." . اذا ً فالنبوة مشروطة بسيرك المستمر مع الرب بل بسيرك معه باستقامة لانه لا يمنع خيرا ً عن السالكين بالكمال . ويؤكد في مناسبة اخرى نبوته للصديقين قائلا ً " قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ! لأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ ." ( اشعياء 3 : 10 ) . مهما قابل بل رغما ً عن كل ما يقابل لان " كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ " ( رومية 8 : 28 ) . |
301 - كل شيء في الحياة يتجدد نبات وحيوان وانسان . النبات ينمو ويزهر ويثمر والحيوان يتطور ويتكاثر ويملأ الارض والانسان يستمر ويحيا ويعيش ويمتد بتجديد الرب وبركته . يقول داود النبي " تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ " ( مزمور 104 : 30 ) وكما نحتاج للطعام والشراب لتنمو اجسادنا وتتقوى وتقاوم الامراض هكذا نحتاج الى مائدة كلمة الله لتنمو ارواحنا وتتقوى وتتجدد وتنضج . وكما تشتاق الزهور الى قطرات الندى ترطب اوراقها وتظهر الوانها هكذا تشتاق نفوسنا الى فترات الصلاة ترطب حياتنا وتحفظ حيويتنا . وكما يرسل الله الريح ليقوي جذور الاشجار ويشدد اجنحة الطيور هكذا يسمح الله بالتجارب ليقوي ايماننا ويشدد قلوبنا وارواحنا . بهذا ننمو وننضج بحياتنا الروحية وعلاقتنا بالرب اله خلاصنا . ويقول الرب لك " لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكَ قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي . ..... لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ الْقَائِلُ لَكَ : لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ. " ( اشعياء 41 : 10 ، 13) . انا اعينك يقول الرب . وعلى مدى علاقتنا بالله وحياتنا معه يجددنا ويقوينا ويعضدنا . الله يحبك محبة ابدية . محبته دائمة ثابتة قوية وهو يريدك في احسن صورة . يريدك ان تتجدد يوما ً بعد يوم . مهما جفت بك الحياة انتظر المطر الذي سيأتيك من السماء . مهما قست عليك التجارب انتظر القوة التي ستحصل عليها منها .
|
302 - حين حل الجوع بارض كنعان وعلم يعقوب انه يوجد قمح في مصر ، ارسل اولاده الى مصر ليشتروا قمحا ً ودخلوا الى يوسف وسجدوا له ونظر يوسف الى اخوته وعرفهم ، عرف يوسف اخوته واما هم فلم يعرفوه . وتتوالى الاحداث وتتابع المواقف حتى يعلن يوسف نفسه لاخوته فيعرفونه . المسيح اخ لنا كما يعلن الكتاب المقدس والمسيح يعرفنا جيدا ً ، يعرف اخوته لكن الكثير منا لا يعرفونه والذين يعرفونه يريدون ان يعرفوه اكثر . نريد ان نعرف مشيئته وندرك ارادته ونكتشف خطته لحياتنا . هو يعرفنا جيدا ً ، يعرفنا اكثر مما نعرف نحن انفسنا . يقول داود النبي " يَا رَبُّ ، قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي .أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي . فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ....... عَجِيبَةٌ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ ، فَوْقِي ارْتَفَعَتْ ، لاَ أَسْتَطِيعُهَا...... لأَنَّكَ أَنْتَ....... نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي ...... رَأَتْ عَيْنَاكَ أَعْضَائِي وَفِي سِفْرِكَ كُلُّهَا كُتِبَتْ يَوْمَ تَصَوَّرَتْ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا." ( مزمور 139) . قبل ان نوجد في العالم اوجدنا في فكره وعلمه وقلبه ، عرفنا من البدء . حين كنا بعيدين عنه ، حين انحرفنا واخطأنا اليه وضللنا وعشنا وسط الخنازير . حين كنا اعداء له ، حين رفضناه وانكرناه وتنكرنا له وعاندناه وعصيناه تحرك قلبه بالمحبة والغفران لنا حين ندمنا وتبنا وطلبنا رحمته وعفوه ورضاه . لم ينسى ابدا ً خاصته التي عرفها واختارها واحبها وهي ما تزال في المجهول . وكما يقول بولس الرسول " يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ " ( 2 تيموثاوس 2 : 19 ) . يعرفهم جيدا ً ، يعرف خاصته . هو يعرفنا ، يعرف اخوته ، يعرفهم وهم مشوهون بالخطية وهم يحيون وسط الخنازير . هو يعرفك ، هل تعرفه انت . هل تعرف المسيح الاخ البكر الطاهر الاكبر . إن كنت ما تزال غارقا ً في جهلك وعنادك مبتعدا ً عنه لا تعرفه تحيا في الكورة البعيدة ، هو اختارك له قبل تأسيس العالم ، هو يناديك يوفر لك صلاحه ورحمته وغفرانه . السماء جائت الى الارض ، والارض لم تعرفه . جاء الى خاصته وخاصته لم تعرفه " إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ." ( يوحنا 1 : 11 ) .. أما الآن فقد جاء المسيح وهو يطرق باب قلبك ، اسمعه ، ادخله ، اعرفه . حين يدخل حياتك ويحل بقلبك ستراه عن قرب ٍ وتدركه وتعرف مشيئته . ستعرفه كما يعرفك ، ستحبه كما احبك فتحيا فيه كما يحيا فيك . وعندما يصعد بك الى السماء حين تقترب من باب الدخول سيعلن معرفته بك وتنفتح امامك الأبواب فانت لها وهو يعرفك وسيعرّف السماء بك وتكون مع الرب كل حين .
|
303 - في البدء كانت الظلمة ، ظلام يلف الارض ، ظلام على وجه الغمر ، لكن الله كان يرى النور ، الله ذاته نور لذلك رأى الله في الظلمة نورا ً . وفي وسط الظلمة " قَالَ اللهُ: لِيَكُنْ نُورٌ، فَكَانَ نُورٌ . وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ " ( تكوين 1 : 3 ، 4 ) انبثق النور من داخل الظلمة ، خرج النور من قلب الظلام . قال الله ليكن نور فكان نور ٌ ، هو النور والنور يضيء في الظلمة . حين تحتويك الظلمة ، حين يلتف حولك الظلام ، حين يكون كل شيء سواء ، حين لا ترى بصيص ضوء ، حين لا ترى النور ، الله يرى النور ، والتجربة حولك تخفي ضوء الشمس والصعوبات تمنع عنك الرؤيا . يرى الله النور وسط الظلام ، يشرق بوجهه فيشق النور الظلام حولك . في وسط الليل في اعماق الظلمة يبزغ نور الفجر فيمزق ظلام حياتك . ورأى الله النور انه حسن ، الله يريد لنا الحسن ، يريد لنا النور لكننا في جهالتنا نوقع انفسنا في المشاكل ، نبعد عن الله النور فيحل الظلام ونحاول ان نضيء لانفسنا الظلمة وكيف للظلمة ان تكون الا ظلمة . الظلام يلد ظلاما ً ، السواد ينتج سوادا ً ، الليل يبقى ليلا ً حتى ندرك ان الله نور فنسرع اليه فيطرد عنا كل ظلام . في وسط تجربتك وانت لا ترى شعاع نور ، شعاع امل ورجاء ، دقق بنظرك ، التفت اليه ، ادعوه يحل ويأتي اليك بالنور . قد يراك الناس حولك انسانا ً بسيطا ً عاديا ، واحدا ً وسط الجموع ، يقللون من شأنك ، يزدرون بك ، يخفضون قدرك ، لكن الله يرى النور الذي فيك ، نور الايمان به ، يرى الله النور ، يرى الله انه حسن ، الذي يتبع النور يحيا في النور وهذا حسن . الله يضع فيك نوره ، نوره فيك مهما حلت بك التجارب وتراكمت عليك الغيوم . الغيوم الداكنة السوداء لا تخفي نور الله فيك ، ابدا ً لا تخفيه ، والله الذي يرى نوره فيك يحفظه دائما ً ساطعا ً ، منيرا ً ظاهرا ً مبهرا ً . يضعه فيك ويحافظ عليه . انعكاس نوره عليك يبقى ويستمر . يستمر النور فيك ، يبقى ويشع حولك ، يضيء للناس وينير لك الى ان يحل اليوم الذي تعيش النور الخالد نفسه ، اليوم الذي تعاين فيه النور الابدي الذي لا ينتهي ، هناك لا ظلام ، لا آلام ، لا تجارب ولا دموع .
|
304 - وانت تستقبل اول اضواء صباح هذا اليوم ماذا كان اول خاطر مر بك ؟ هل تمنيت ان يكون الجو صحوا ً ؟ السماء صافية والشمس رقيقة حانية حولك ؟ هل رجوت ان يكون الطريق ممهدا ً سهلا ً لا زحام لا صراع ولا تسابق او صدام ؟ ام فكرت في العمل الذي ستقوم به والجهد الذي سوف تبذله والعرق الذي ستنزفه ؟ أم عظّمت الله ومجدته وابتهجت روحك به ؟ اهكذا بدأت يومك ؟ .هذه كلمات صدرت من العذراء القديسة مريم ، الام المباركة ، افضل نساء العالمين . لو اقتربنا منها لرأينا وجهها تلفه هالة من النور وهي في زيارتها لاليصابات وسمعناها تقول " تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي " ( لوقا 1 : 46 ، 47 ) . لا اعظم ان نعظّم الرب لنعطي الرب عظمة ً فهو الاعظم ، هو العظيم ، بل نعترف بعظمته بسموه بجلاله ، هو فوق السماوات والارض ونبتهج به ، تبتهج ارواحنا به ، نبتهج به الها وربا ً عظيما ً ومخلّصا ً، كما تغنت العذراء المباركة تعظّم الله وتعلن بهجتها به ، هكذا نغني معظمين اياه معلنين بهجتنا به لانه صانع العظائم . قالت اعظم النساء : " لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ .أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ . أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ . " ( لوقا 1 : 49 – 53 ) . هو يستحق التعظيم . اعظم ما تستقبل به يومك ، اعظم شيء ٍ هو ان تعظّم الله وتهتف له ، ترفع صوتك بالحمد لله ، ترفع قلبك بالتسبيح باسمه العظيم الكريم . كل ما حولك يعظّم الله ، كل شيء ٍ يمجده ويعلّيه ويسبّح له ويرنّم . السماء فوقك تشدو ، الشمس ترنّم ، الطيور تغرّد ما اعظمك . الاشجار تعزف ، الازهار تنغّم ، كل شيء يغنّي ، ما اعظمك . اترك قلبك يفرح ويبتهج بالرب ، اطلقه يرتفع بهتاف التمجيد . الله العلي ، الله العظيم ، الله الولي ، الله المجيد يستحق التعظيم . كل الامم يأتون ويسجدون امامه ، كل الامم يمجّدون اسمه ، يمجّدونه لانه عظيم ، هو عظيم لانه صانع العجائب هو صانع العجائب هو الله . عظيم هو الرب ، حميد جدا ً ، ليس لعظمته استقصاء " تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي " .
|
305 - نحن نعيش في عالم يتقن العمليات الحسابية جدا ً ، التجارة والمحاسبة لها دور كبير به وللوصول الى الدقة وتفادي اي خطأ او خسارة تواترت الوسائل وتعددت . الاقتصاد اصبح يحكم العلاقات بين المؤسسات والشركات والهيئات والافراد وعلى من يريد ان يحيا يأخذ حقه ويعطي الآخرون حقوقهم ، أن يتقن فنون الاقتصاد واول المباديء للاضطراد وتفادي المشاكل ان تأخذ ما لك وتعطي ما عليك بدون زيادة او نقصان وان يكون التعامل بالمثل ، مقابلة الشيء بمثله أُعامَل كما أعامل ، أُحاسَب كما أحاسب وتُنفذ القاعدة المعروفة المألوفة : عين بعين وسن بسن ، العين بالعين والسن بالسن ، ومنذ القديم كانت المحاكم تأخذ بالاعتبار نوع الجريمة ليكون العقاب من نوعها ايضا ً . الشريعة اليهودية مثلا ً تقول : جرح بجرح ، جلدة بجلدة ، حياة بحياة ، يد بيد ، رجل برجل واغلب الشرائع تقول بذلك وقد تضيف اليها بأن تحدد أن الباديء أظلم . وجاء المسيح ليكمل الناموس بقوله " «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ : عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنّ ٍ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ : لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ . " ( متى 5 : 38 – 41 ) . مثالية جديدة ليست مألوفة في العالم ولا في اهل العالم يريدك المسيح ان تقيمها . هل تستطيع ؟ هل يمكن ان تحيا هذه المثالية ؟ هل تقدر ، هل تقدر على ذلك المبدأ السامي ؟ ويضيف المسيح " سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ : تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ . وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ : أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ . بَارِكُوا لاَعِنِيكُم ْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ " ( متى 5 : 43 ، 44 ) . وهذه تعاليم جديدة غريبة . لماذا قال المسيح ذلك لتلاميذه ولماذا يقوله لنا ؟ لماذا يقوله لك ؟ المسيح لم يتكلم بمنطق بشري ، كلام المسيح ليس كلاما ً بشريا ً ، كلامه كلام الهي ، منطقه منطق الهي ، نظرته نظرة الهية ، طبيعته طبيعة الهية لأنه هو الله . والمسيح يطلب منا ان نكون شركاء الطبيعة الالهية ، ان نكون مثله . إن تبعناه ، إن آمنا به ، إن أدخلناه حياتنا ، إن كان يحيا فينا نكون مثله فنسير بدل الميل الواحد ميلين ولا نتعامل عين بعين وسن بسن ولا نبغض العدو ونكرهه بل نحبه ونباركه ونحسن اليه ونصلي لأجله . هكذا يريدنا المسيح وهكذا يريدك أن تقابل الشر بالخير وأن تحب العدو وتستطيع ذلك إن شاركته طبيعته الالهية .
|
306 - الله يحب العمل والعاملين ، يريدنا ان نعمل ، ويريدنا ان نعمل حسنا ً ، ومن لا يعمل حسنا ً يخطئ . يقول يعقوب الرسول في رسالته 4 : 17 " فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ. العمل ليس لعنة ً كما يتصور البعض ، العمل والعرق ليس عقاب ٌ . لم يبدأ عمل الانسان بعد السقوط والخروج من الجنة . نعم حين أخطأ آدم ووقف أمام الله ليتلقى العقاب قال له الله " بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا " ( تكوين 3 : 19 ) . العقاب لم يكن العمل ، العقاب كان في لعنة الارض لتُخرج له شوكا ً وحسكا ً . بعكس ذلك حين كان آدم في الجنة قبل سقوطه في الخطية كان يعمل ، يقول الوحي " وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا." ( تكوين 2 : 15 ) . يعملها ويحفظها ، لم يكن عاطلا ً ، كان يعمل ولا بد انه كان يعمل مع الله . كان في علاقة وشركة بالله ، كان في علاقة عمل ممتعة مع الله . يقول سليمان الحكيم " اَلْعَامِلُ بِيَدٍ رَخْوَةٍ يَفْتَقِرُ، أَمَّا يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ فَتُغْنِي ." ( أمثال 10 : 4 ) . ويقول ايضا ً " مَنْ يَشْتَغِلُ بِحَقْلِهِ يَشْبَعُ خُبْزًا ، أَمَّا تَابعُ الْبَطَّالِينَ فَهُوَ عَدِيمُ الْفَهْمِ ." ( أمثال 12 : 11 ) . العمل في المفهوم المسيحي نعمة وبركة لا تعب وتذمر وعقاب والم . نحن لا نعمل لنأكل فقط فالله قادر ان يقيتنا ويوفر لنا طعامنا ولباسنا . طيور السماء لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وأبونا السماوي يقوتها وزنابق الحقل لا تتعب ولا تغزل لكن سليمان في كل مجده لم يكن يلبس كواحدة منها ( متى 6 : 26 ، 28 ، 29 ) . ونحن نعمل للرب . يقول بولس الرسول " وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ " ( كولوسي 3 : 23 ) . ما نعمله لا نعمله للناس ، نعمله للرب لذلك نعمله ببهجة وامانة وكفائة . ونحافظ على عملنا ونهتم بانجازه ونسعى للنجاح فيه لنرضي الله لا لنرضي الناس . ما اتعس الكسلان واشقاه . الكسل لا يتفق مع خطة الله لنا ولحياتنا . يوجه سليمان الحكيم انظارنا الى النملة لنقتدي بها ويطلب من الكسلان ان يتأملها " اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا." ( امثال 6 : 6 ) . تعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها ويقول " إِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ؟ مَتَى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِكَ؟ " ( أمثال 6 : 9 ) . " قَلِيلُ نَوْمٍ بَعْدُ قَلِيلُ نُعَاسٍ ، وَطَيُّ الْيَدَيْنِ..... فَيَأْتِي فَقْرُكَ كَسَاعٍ وَعَوَزُكَ كَغَاز ٍ ." ( امثال 6 : 10 ، 11 ) . انظر الى العمل الذي وضعه الله لك لتعمله وأفرح به . اشكر الله انك تقوم بعمل كلفك به ولا تعش حياة الكسل فالعمل نعمة ٌ ، العمل بركة ، العمل طاعة ، العمل خدمة . " كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ " ( جامعة 9 : 10 ) .
|
307 - كيف استيقظت هذا الصباح ؟ هل نمت نوما ً هادئا ً مريحا ً ؟ هل انتابتك احلام مزعجة ؟ كثيرون يشعرون بالخوف والقلق وهم يذهبون للنوم في فراشهم ليلا ً ، يخشون النوم والاحلام . في الليل وحدنا في الفراش وسط الظلام تنتاب البعض الافكار والهواجس والمخاوف . قد يكون الظلام يخفي لصا ً يعتدي علينا . قد يهاجمنا أرق يقلق مضاجعنا . قد يفاجئنا مرض ٌ أو تعب ٌ يمزق اجسادنا . قد تراودنا احلام مزعجة تطرد سلامنا . عندما ننام نكون في حالة ضعف واسترخاء يجعلانا عرضة لما يخيفنا ويطرد نومنا ، لكن الله يقول لك بلسان سليمان الحكيم " إِذَا اضْطَجَعْتَ فَلاَ تَخَافُ ، بَلْ تَضْطَجعُ وَيَلُذُّ نَوْمُكَ.لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفٍ بَاغِتٍ ، وَلاَ مِنْ خَرَابِ ... " ( امثال 3 : 24 ، 25 ) .ما اجمل هذا الوعد ، لا خوف وقت رقاد ، نوم هادئ واضطجاع لذيذ . هذا ما يعدنا به الله الذي يسهر علينا حين ننام لا ينعس هو ولا ينام ، حتى في المرض عند انحراف الصحة عندما يحتوينا الفراش ويحبسنا فيه وسط طعنات الالم ، وسط انين المعاناة ، وسط صرخات التعب يقول لك الله لا تخف ، نم في فراشك في أمان ، الله حولك ومعك . الملوك والقادة والرؤساء ينامون في قلق برغم الحراس الملتفين حولهم ، يخشون سهما ً يطير نحوهم يقتلهم يخشون رصاصة تنطلق تفتك بهم . أما نحن ، انتَ وانا وانت ِ فحولنا يد الله تحيط بنا تحفظنا وتحمينا . نم مطمئنا ً هادئا ً فالله يسهر عليك ، نم نوما ً لذيذا ً فالله معك ، وحين ينبلج نور الصباح تستيقظ نشطا ً قويا ً في صحة وعافية وحتى لو شاب نومك حلم مزعج ، كابوس ثقيل طرد الهدوء من نفسك فسوف تشرق الشمس ويأتي الفجر فيزيل آثاره ويمحوه من ذاكرتك . في السجن وسط الحراس ، ورجلاه مقيدتان بالسلاسل ويداه مربوطتان كان بطرس نائما ً غارقا ً في نوم ٍ عميق ٍ لذيذ ، حتى حين جاء الملاك وملأ نوره الساطع حجرة سجنه لم يستيقظ كان نومه عميقا ً لذيذا ً واضطر الملاك ليوقظه أن يضرب جنبه حتى يتنبه ( اعمال الرسل 12 ) . في اعماق السجن في غياهب الأسر ، في الظلام ، في القيود ، في انتظار الاعدام ، كان نائما ً نوما ً هادئا ً عميقا ً لذيذا ً . الله نفسه كان يحرسه وهو نائم وأمره الملاك ان يقوم وقام من النوم الهادئ وسقطت السلاسل وتكسرت وتمنطق ولبس نعليه ولبس ردائه وخرج من الابواب التي تفتحت أمامه . هكذا يفعل الله لك يعطيك نوما ً هادئا ً وسط المخاطر ويمد يده إن شاء ويطلقك من كل أسر ويخرجك ويحررك .
|
308 - كان شعب الله في حرب وهاجمهم العدو بقوة كبيرة ، خافوا جدا ً وارتعبوا . طلبوا من صموئيل النبي ان يصرخ من اجلهم للرب ، رجوه ان لا يكف عن الصراخ ، وامرهم صموئيل ان ينزعوا الالهة الغريبة من وسطهم ويعدوا قلوبهم للرب وحده ، ونزعوا الالهة الغريبة وعادوا للرب وعبدوه وحده ، تابوا وناحوا وندموا ونزلوا المعركة وبينما الاعداء يهاجمونهم ارعد الرب بصوت عظيم فارتعب العدو وهرب وانقذ الرب الشعب من يدي اعدائه واصعد صموئيل النبي محرقة للرب واخذ صموئيل حجرا ً ونصبه ودعى اسمه حجر المعونة " وَدَعَا اسْمَهُ حَجَرَ الْمَعُونَةِ وَقَالَ: إِلَى هُنَا أَعَانَنَا الرَّبُّ ".( 1 صموئيل 7 : 12 ) .
الرب يعينك ، هو عون لك في كل ايام حياتك ، الى هنا اعانك الرب . انظر حولك كم من بركات حلت بحياتك ، كم من احسانات ، كم من انتصارات . وسط هجوم الاعداء يتقدم اليك وينقذك ، يمد يد العون لك ، مهما كانت سني حياتك عشرون ، ثلاثون ، خمسون سبعون ، الى هنا اعانك الرب . لو كنت في مقتبل العمر وقد اعانك فسوف يعينك ايضا حين يتقدم بك العمر ، في جلوسك ، في قيامك ، في قعودك ، في ترحالك ، في السقوط ، في النجاح ، في كل ذلك يعينك ، في قدرة الحياة وفي جفافها ، في سنوات الشبع وسنوات الجفاف . في كل ذلك يعينك . يعينك اليوم كما اعانك امس وكما سوف يعينك غدا ً . وانت في طريقك اليوم قد تشعر بالاعياء ، قد تعاني التعب والارهاق . قد يكون الطريق امامك طويلا ً ممتدا ً غير واضح لعينيك نهايته طويلا ً شاقا ً . القي نظرة الى الخلف ، الى ما انتهى من الطريق قد يكون اطول واشق ، الى هنا اعانك ، اعانك في كل الطريق خلفك وسوف يعينك في باقي الطريق امامك وحين تقترب ساعة الوصول ، حين تدنو نهاية الطريق ، حين ترى آخر الطريق ، ستراه هناك ينتظرك ، يده ممدودة نحوك ، ذراعه مفتوحة لك ، ينتظرك ، هو بنفسه يدخلك مجده لتتفرس في جمال بيته وتتمتع ببهاء هيكله وتحيا الى الابد معه في نور اعظم من نور الشمس ، في حضرة الرب الى الابد ، وسط الترانيم التي تصدح حولك وسط الهتاف والتهليل والعزف والترتيل ، ستسمع صوت الرب وهو يرحب بك ويده تعينك وتجذبك الى الداخل . الى هنا اعانك الرب والى هناك سوف يعينك ، معونته دائمة . لا تخف إن هاجمك التعب ، هو يعينك . لا تفشل إن حل بك الاعياء ، هو يعينك . ارفع له ترنيمة شكر ، قدم له ذبيحة حمد . |
309 - يوسف الصدّيق الصغير المدلل الرقيق ، أُلقي به في البئر وبيع كعبد ، ومن سيد الى سيد ، ومن موقف الى موقف حتى حلّ بالسجن . يقول داود النبي في مزاميره " بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا . آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ . فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ " ( مزمور 105 : 17 ، 18 ) .
اوقات عصيبة صعبة ، اُلقي الذي رأى آباه واخوته في حلم يسجدون له ، مسجّى ً في قاع البئر وسط الطين والوحل والروائح الكريهة القاتلة ، يصرخ وصوته مدفون معه ، يستعطف والقلوب مغلقة عنه ، وترفعه اذرع قاسية مسمومة ، ترفعه وتدفعه الى اغراب مقابل دراهم وينتهي به المطاف في السجن بعد تهمة كاذبة وادعاء ظالم ، وجرحت القيود الحديدية ساقيه ورجليه الرقيقتين ، أدمتهما وآذتهما ، وفي الحديد دخلت نفسه وفي نفسه دخل الحديد ، قسوة والم وحزن ولم يتقهقر ، لم يتخاذل ، لم يستسلم ، تمسك بالهه فاكرمه الله . وجد نعمة عند السجّان فأقامه على السجن ، ثم وجد نعمة عند فرعون فأقامه على مصر ، وجاء وقت الفرج ، حرره الله ، ارسل الملك فحله ، ارسل فرعون وأطلقه ثم أقامه سيدا ً على بيته وسيدا ً على مملكته وسيدا ً على ارض مصر جميعها . حين تحل بك التجارب ، حين تسقط في بئر موحلة ٍ عفنة ٍ من الآلام . حين تقيد رجليك النوازل حين تجرحك وتؤذيك وتؤلمك ، لا تنهزم ، لا تتقهقر ، لا تسقط ولا تفشل ، لا تيأس ، احتمل بصبر وهدوء وابتسام . ثق ان الله سوف يأتي اليك يرفعك من عمق البئر ويخرجك من قلب السجن ، لو دخلت في الحديد نفسك سوف يجعل نفسك كالحديد قوية صامدة تتحطم على سطحها التجارب تسقط كالامطار حولك وتذوب في الارض تحتك . الله يريد ان يجعل منك انسانا ً حديديا ً تقف في وجه كل المشاكل والمصاعب . الله يريد ان يرى قديسيه جميعا ً كالحديد في القوة والصلابة والصمود . يوسف خرج من السجن ملكا ً ، سيدا ً على كل مصر ، سيدا ً نبيلا ً مهابا ً . وانت سوف تخرج من التجربة منتصرا ً ، سيدا ً على العالم وعلى نفسك . لا تنقبض وسط التجربة ، لا تبتأس وسط الالم ، تمالك نفسك ، لا تخشى وعورة الطريق ، لا تخشى الاحجار ، لا تخف المسالك المقفرة ، لا تخف الظلام . الله يقودك الى ان تصل اليه ، الله يعدّك لتكون قويا ً حديديا ً . |
310 - كان يوحنا المعمدان خشنا ً في مظهره ، كان لباسه من وبر الابل وعلى حقويه منطقة من جلد ، وكان طعامه جرادا ً وعسلا ً بريا ً ، كان شعره أشعثا ً ونظراته حادة وملامحه جادة ، كان كلامه واضحا ً صريحا ً وإنذاره خطيرا ً " يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي ، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي ؟ " ( متى 3 : 7 ) . وقال للذين يعتمدون منه " قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ ." ( متى 3 : 10 ) . رأوه نبيا ً عظيما ً كبيرا ً لكنه قال : " نَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ " ( يوحنا 1 : 23 ) . " الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي ، ...... الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ " ( يوحنا 1 : 27 ) . وجاء المسيح بكل قوته وبكل جلاله ، بكل عظمته ، الله في الجسد ، لكنه كان وديعا ً ومتواضع القلب . هكذا كان المسيح وديعا ً متواضع القلب . المسيح الذي من عند الله خرج والى الله يمضي ." قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا ، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ " ( يوحنا 13 : 4 ، 5 ) . وقال انا اعطيتكم مثالا ً حتى انا كما صنعت بكم تصنعون انتم ايضا ان يغسل بعضكم ارجل بعض " لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ. " ( يوحنا 13 : 16 ، 17 ) . هكذا يعلّم المسيح . يقول " تَعَلَّمُوا مِنِّي ، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ " ( متى 11 : 29 ) . واراد المسيح من تلاميذه ان يكونوا متواضعي القلب . ما اخطر القلب المتكبر على المؤمن لأن" قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ " ( امثال 16 : 18 ) . إن ارتفع قلبك وتكبّر ، إن تعاليت وشمخت وتجبرت حالا ً تهوي وبسرعة تسقط وتنكسر فما طار طير وارتفع الا كما طار وقع . الصغير هو الذي يسعى لأن يتكبّر ، الكبير لا يتكبّر بل يضع نفسه . الصغير يرى نفسه صغيرا ً فيقف على اطراف اصابع قدميه ليبدو كبيرا ً ولا تحتمل اصابع قدميه ثَقل جسده فتخور وتتخاذل وتضعف ويعود صغيرا ً . الكبير لا يحتاج ان يشب الى اعلى فهو عال ٍ كبير شامخ مرتفع . يقول بولس الرسول " فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا : الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ . لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ . وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ . ...... لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ " ( فيلبي 2 : 5 : 10 ) .
احترس من التصاعد الى اعلى ما اراد الله لك . اياك ومحاولة امتطاء السحاب . لا ترفع نفسك ، دع الغير يرفعك ، يعرفك فيرفعك . احذر التكبر والتشامخ والاستعلاء على الآخرين |
311 - عندما لاح شبح الصليب واقتربت خطوات المسيح من الجلجثة وبعد ان تناول عشائه الاخير مع تلاميذه ، نظر حوله الى تلاميذه ، وجد وجوههم كالحة متعبة ونظراتهم زائغة متحيرة ، رآهم رعية ضائعة وتألم لمرآهم ، رأى الشك يغزوا قلوبهم ، تذكر المكتوب وشاركه معهم . قال لهم " كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ : أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ . " ( متى 26 : 31 ) . أنكروا ذلك وتنافسوا في إظهار ولائهم له واستعدادهم للموت معه واخذهم الى ضيعة جثسيماني ، الى البستان حيث الهدوء والخصوصية ودعاهم ان يجلسوا حتى يمضي هو ويصلي واختار ثلاثة منهم ليكونوا معه وبقي الثمانية الآخرون في مؤخرة البستان يستريحون ولا يعملون شيئا ً ، لا بد انهم تحيروا وتعجبوا لماذا أخذهم معه الى البستان ولماذا تركهم عاطلين ؟ كانوا مخلصين في رغبتهم ان يكونوا معه حتى النهاية ، كانوا يرغبون ان يساندوه . أي شيء يستطيعون ان يقدموا له ؟ كانت امامه مهمة صعبة ثقيلة ، كان الصليب أمامه ، كانت خطايا البشر جميعا ً على كتفيه ، كان القبر فاغرا ً فاه . ماذا يستطيعون أن يفعلوا . رأوه يبتعد عنهم بصحبة بطرس ويعقوب ويوحنا ، وماذا يستطيع هؤلاء ان يفعلوا ؟ بطرس كان مستعدا ً ان يموت معه ، هكذا قال ، لكن المسيح قال له عالما ً ما سوف يفعل : ستنكرني ثلاث مرات ( متى 26 : 34 ) . وجد التلاميذ انفسهم عاجزين عن العمل ، قلوبهم ثقيلة وايديهم عاطلة . لماذا ارادهم المسيح بجواره ؟ وهم لم يفعلوا شيئا ً ، لماذا جاء بهم الى هنا ؟ ليكونوا بقربه ، ها هو يحزن ويكتئب ، ها هو يعلن ان نفسه حزينة حتى الموت ( متى 26 : 38 ) لم يكن يحتاج لهم يتحركون و يجاهدون ويسعون ، ليس البستان مكان ذلك . الحركة والجهاد والسعي والعمل في الحقول اما البستان فهو مكان التأمل والصلاة . طلب منهم ان يمكثوا هناك ويسهروا معه . ارادهم ساهرين بجواره وتقدم وخر على وجهه وكان يصلي ، كان يصلي بلجاجة وحرارة وجهاد ، وعاد ليجدهم نياما ً ، لم يستطيعوا السهر ، لم يستطيعوا الصمود والتيقظ ، كانت عيونهم ثقيلة وكانت قلوبهم حزينة وكانت ارادتهم وقوتهم خائرة .
الله لا يريدك دائما ً تجري وتكافح وتعمل بنشاط وحماس ، احيانا ً يريدك هادئا ً ، يريدك ساهرا ً ، يريدك متيقظا ً ساكنا ً ، يريدك صامتا ً ساكنا ً ، اسهر ، صلي ، اصمت امام الله وتأمل ، هكذا يريدك معه وبجواره ساهرا ً ومصليا ً . |
312 - عصرنا عصر السرعة ، كل شيء ٍ يجري ، الناس حولنا تجري ، الأشياء تجري ، الاحداث تجري ، الكل يجري ، الكل يتسابق ، الكل يلهث ، الصدور ترتفع وتنخفض ، القلوب تنبض بعنف . الحياة تفرض على الجميع السرعة ، الارض تدور بسرعة ، الايام تمر بسرعة ، عقارب الساعة تلف بسرعة . ويجد الانسان نفسه وسط ذلك كله يجري بسرعة ، لو تباطأ تدوسه الاقدام ويسبقه الذين يجرون ، ويندفع في عمله يعمل بجد وجهد ، لو وقف ليلتقط انفاسه ، يضيع ويجد نفسه ملقى ً عاطلا ً . في علاقاته باخوته من البشر يتحرك بسرعة ، ما ان يلقي نظره على غيره حتى تتحول نظراته بسرعة ، ما أن يبدأ الحديث بعجل وكلمات قليلة مبتورة حتى يسرع بالابتعاد حتى قبل ان يسمع جواب . وفي السرعة والجري كثيرون لا يعرفون لماذا يجرون والى اين يذهبون ولماذا يتسابقون . قد يمر هذا السؤال في اذهانهم ، لماذا يجرون ، أين يذهبون ؟ لكن السرعة تقتل السؤال ، سيموت قبل ان يولد ، يموت السؤال جنينا ً في ذهن تدور تروسه في دوامة متعجلة ، ويفقد الانسان لذة التمتع بالحياة ، لا يرى الجمال حوله ، لا يتلقى نعمة الله وبركاته في خليقته . ارسل ابراهيم عبده ليبحث عن زوجة لاسحق ابنه في أرض آبائه ، وذهب العبد الى ناحور ، وقف عند البئر التي تستقي منها بنات آرام وصلى للرب ووضع علامة ليستدل على الفتاة التي يريدها الله لاسحق قال : " أَنَّ الْفَتَاةَ الَّتِي أَقُولُ لَهَا : أَمِيلِي جَرَّتَكِ لأَشْرَبَ ، فَتَقُولَ : اشْرَبْ وَأَنَا أَسْقِي جِمَالَكَ أَيْضًا " ، تكون هي المختارة ، وهكذا فعلت رفقة فدخل بيتها وخطبها من اسرتها وأخذها معه عائدا ً الى ارض سيده ، وكان اسحق ينتظر خرج في المساء ليتأمل في الحقل حين هدأ ضوء الشمس ، تأمل في الحقل . في هدوء وضوء النهار ينسحب نحو الأفق ويذوب في الليل والطيور تعود مغردة الى اعشاشها والاشجار ترخي اغصانها وتطوي فروعها والحيوان يزحف نحو بيته يُغمض عينيه وينام وقوافل العاملين بمواشيهم تسير في مواكب العودة الى الراحة بعد يوم عمل شاق ، خرج اسحق يتأمل ، يتأمل السماء وضوء الشمس الذهبي يخبو وأشعة القمر الفضية تظهر ، التقى اسحق برفقة هدية الله له وزوجته التي اختارها له وارسلها مع عبده .
لا تدع السرعة تجرفك معها وتحملك على جناحيها فيذوب نظرك ويتشتت . لا تسمح للجري ان يلهيك عن التأمل الهادئ في الله وفي بركاته لك . اختلي بالله ، اسكن ، اسكت ، اهدأ ، تأمل واسترح في حضرته . عش هدوءا ً رائعا ً مع الله ، وتمتع به . |
313 - كلف الله نبيه وعبده ايليا بمهام ٍ كبيرة خلال حكم الملك آخاب والملكة ايزابيل وقام ايليا بكل ما كلفه به الله خير قيام . عاقب الله آخاب فاغلق كوى السماء فلم تمطر ، وبعد ثلاث سنوات كلف الله ايليا ان يذهب ويترائى لآخاب فذهب وترائى له . ثم كانت المناظرة العظيمة على جبل الكرمل ، وقف ايليا امام الشعب وقال : " حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ " ( 1 ملوك 18 : 21 ) . حتى متى تعرجون بين الفرقتين ؟ ثم احضروا ثورين ، ثورا ً لأنبياء البعل الأربعمئة والخمسين يقدمونه ذبيحة لالههم البعل وثورا ً لايليا نبي الله الوحيد ليقدمه ذبيحة للرب . جاء بالحطب والذبيحة بدون نار للذبيحة وقال ايليا لانبياء البعل : قطعوا الثور وضعوه على المذبح والحطب وادعوا باسم الهكم . اطلبوا منه نار تنزل وتأكل الذبيحة وأنا ساقطع الثور واضعه على الحطب وادعو باسم الرب . وأخذ انبياء البعل الثور وقطعوه ووضعوه على الحطب وأخذوا يصرخون لالهتهم من اجل النار ، وعلى مدى نصف النهار صرخوا رفعوا اصواتهم ، مزقوا اجسادهم طالبين نارا ً من الالهة ولم تسمع الالهة طبعا ً ولم تستجب فقام ايليا وقطّع ثوره ورماه على الحطب امام مذبح الرب ووضع الثور عليه ورفع صلاة للرب قائلا ً : ايها الرب اله ابراهيم واسحق ويعقوب ليعلم الشعب انك انت الله استجبني يا رب فنزلت نار الرب واكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه ورأى الشعب ذلك وقالوا : " الرَّبُّ هُوَ اللهُ! الرَّبُّ هُوَ اللهُ " وأمسكوا بانبياء البعل وقتلهم ايليا ثم جاء مطر عظيم وصعد الملك آخاب في مركبته وجرى آخاب حتى وصل الى يزراعيل وتعب ايليا ، تعب جدا ً أحس بالارهاق ، ألم وتعب في كل جسده ، ارتمى تحت رتمة وارسل الله ملاكه اليه ومسه وقدم له طعاما ً وقال له " قُمْ وَكُلْ ، لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ " . في وسط التعب واليأس والاجهاد صرخ جسده بالالم وتمنى ايليا لنفسه الموت ولم يتركه الله . عمل عملا ً جليلا ً ، بذل جهدا ً كبيرا ً فارسل الله له الطعام والراحة . قدم الله له طعاما ً مغذيا ً واعطاه نوما ً مريحا ً منعشا ً ، لم يتركه في تعبه ويأسه . الله لا يترك خرافه متعبين مرهقين يائسين ، يتقدم حالا ً ويعينهم ويقويهم .
حين تشعر بمرض جسدي أو بضعف بدني لا بد ان يتدخل الله ويقدم العون . إن شعرت بقوتك الجسدية تخور سوف تسمع صوت الله : المسافة كثيرة عليك ، لا تخشى التعب هو يطرد التعب ، لا تخف الوهن هو يعضدك . |
314 - سار الرب وسط شعبه وهم وسط الصحراء المظلمة القاحلة الجرداء القاتلة ، لم يتركهم ، في النهار وسط حرارة الشمس غطى الله رؤوسهم بسحاب يظللهم وفي الليل الموحش المظلم بدد الله الظلمة بنار جعلها امامهم تنير وترشد . حين هاجمهم الجوع اسقط عليهم من السماء منا ً وسلوى أكلوا منها وشبعوا ، ووقت أن جف جوفهم من العطش فجّر الارض ينابيع وقدم الصخر ماء ً ليشربوا . حين هاجمهم الاعداء واعتدوا عليهم كان الرب السائر معهم يحارب عنهم فينتصرون . في البرية حملهم الرب الههم كما يحمل الاب ابنه في كل الطرق التي سلكوها حتى النهاية ، لكنهم تذمروا واشتكوا وقالوا ان الله اخرجهم من ارض مصر لكي يهلكهم في البرية . ولما دخل بعضهم ليروا الارض التي وعدهم الرب بها ، ارض الموعد ، عادوا خائفين ، عادوا يثيرون الخوف والشك بقولهم : ان الارض جيدة لكن اهلها جبابرة . انتشر الخوف واستشرى بين الجميع حتى تدخل يشوع وكالب ليعيدا القوة لقلوبهم . غضب الله على الجبناء الفاشلين ومن اتبعهم من الشعب وسُر بكَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ. وقال الله : " وَلَهُ أُعْطِي الأَرْضَ الَّتِي وَطِئَهَا ، وَلِبَنِيهِ ، لأَنَّهُ قَدِ اتَّبَعَ الرَّبَّ تَمَامًا. "( تثنية 1 : 36 ) . الله يسر بمن يقوم بعمله ويؤدي واجبه بقلب جسور وايمان ثابت لا يتزعزع مهما كان العمل شاقا ً ، مهما كان الواجب المطلوب ثقيلا ً ، مهما كان المسعى عسرا ً ، فعلينا ان نقوم بالعمل باذرع قوية ونؤدي الواجب بقلب راض ٍ ونفس مبتهجة . علينا ان نسير الطريق العسير باقدام ٍ ثابتة ٍ وننفذ الواجب بشكر ٍ وفرح ٍ وسعادة ٍ ورضى . المسيح سار الحياة بكل اتعابها قبلك . عبّد الطرق وسواها ومهدها امامك . مهما كانت وعورة الطريق ، مهما كانت مشقة المسير ، سر طريقك على مواطئ قدميه ، ضع قدمك مكان قدمه ، اعلم انه سار قبلك واتبّاعه سهل ميسور ، والمسيح قام بالعمل الذي اوكل اليه ، نفذ مشيئة الآب واطاع وتمم العمل فإن قمت بعملك كما هو مطلوب منك فسوف يعطيك الله الارض التي وطأتها قدميك ، الاشواك التي امامك سينزعها والاحجار المبعثرة سوف يرفعها ، المعارك التي ستدخلها سيحارب فيها عنك ويقودك من نصرة الى نصرة . كل حمل ثقيل ترفعه على ظهرك سيضع يده بجوار يدك ويحمله معك . كل مشقة تمر فيها ستجده يرافقك ويسير بجوارك ويشجعك ويعينك عليها . قم بالعمل فانت لا تعمل للناس بل لله . احمل اثقالك فهو يعرف ويقدّر ويعين ، واعرف ان مكافأة العمل تنتظرك وحصاد التعب جاهز في آخر الطريق .
|
315 - احيانا ً نجد انفسنا وحدنا ، لا احد حولنا وتهاجمنا الوحدة وتعتصرنا الوحشة ، نرسل النظر فيضيع في الظلام ، نحدق وندقق فلا نصل الا الى سواد مظلم . نصيغ اسماعنا فيملأ السكون آذاننا ، نكتم انفاسنا ونتسمع فلا نسمع الا الصمت . الظلام يزحف من خارج الى داخل نفوسنا فنظلم من الداخل كما يظلم الخارج . الصمت يلفنا والظلمة تغطينا ، يضعف صوت تنفسنا ويعلو نبض قلوبنا ، ونخاف ، نشعر بالخوف ، نخاف شرا ً يُحل بنا ، نخشى عدوا ً يعتدي علينا وحدنا ، ولا نجد منقذا ً أو مجيبا ً أو نصيرا ً ، الوحدة وحدها تُخيف ، الوحدة مفزعة ، الوحدة تعني ان الكل قد هجرنا ، الكل قد تركنا ، الكل ابتعد عنا . المسيحي لا يخاف الوحدة ، لا يخاف شرا ً يحل به ، ولا يكون وحده أبدا ً ، لا يدنو منه شرٌ فالله معه ، لا يتركه ولا يهمله ، الله دائما ً معه . قال المسيح لتلاميذه في أيامه الأخيرة على الأرض " . هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ ، وَقَدْ أَتَتِ الآنَ ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي . وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ الآبَ مَعِي." ( يوحنا 16 : 32 ) . قد تكون وحيدا ً لأنك في سبيل الايمان المسيحي قد تضحي بأهل أو اصدقاء لكن ذلك قد يقودك الى الرفعة والنصرة والتسامي عما هو ارضي الى ما هو سماوي . النسر ملك الطيور يطير منفردا ً ، يبتعد عن الارض ويصعد الى الاعالي لا يصحبه طائر ٌ آخر ولا نسر ٌ آخر ، يعلو ويسمو ويقترب من السحاب بعيدا ً عن التراب . المسيحي الذي يتركه الأصدقاء والزملاء يعلو ويرتفع ويتمتع بالرفقة الالهية . لا يستطيع الانسان ان يختبر بهاء الله وعظمته الا وهو على انفراد معه . ابراهيم كان وحده مع الله في حوريب . موسى اختلى بالله اربعين سنة في البرية . داود كان يختلي مع الله في الوديان . بولس انفرد بالله وحده في الصحراء العربية . عندما تخلو مع الله عندما تكون معه وحدك تنفرد به وتتعلم منه . عندما تختلي به ، عندما تجلس عند قدميه تسمع صوته جيدا ً ، تتدرب على يديه . حين تبتعد عن كل مساعدة بشرية تجد الكفاءة والكفاية في الله . حين تتقدم الى عرش الله وحدك دون وساطة او شفاعة تجده ينتظرك . تقدم بشجاعة وجرأة ، أخطو نحوه تقدم اليه تجده فاتحا ً ذراعيه لك . لا تخشى الوحدة ، الوحدة مع الله تعطي الكثير . في وحدة يعقوب مع الله رآه ونال بركته . في وحدة دانيال مع الله انفتحت بصيرته وتنبأ . في وحدة يوحنا مع الله كتب رؤياه في المنفى . أنت لست وحدك الله معك ، الله معك كل الايام والى انقضاء الدهر .
|
316 - المؤمن هدف هجمات ابليس يسعى دائما ً لأن يدمره ويحطمه ويهلكه ، لا يكل أو يتعب بل يداوم هجماته ويتابعها دون توقف او تعفف . هو يتفنن في هجماته ويستحدث الطرق وينوع انواع الهجوم ، قد يلقي في طريقك عوامل الفشل والخسارة والاحباط والسقوط وقد يصوب على جسدك سهام المرض والالم والجروح والعجز . وقد يملأ حياتك بخيانة الاصدقاء وغدر الزملاء وظلم الناس وقد يوجه اليك ضربات الاكتئاب والتشائم والحزن والانطواء . انظر الى الرب ، توجه اليه ، ادخل ابوابه استمد القوة والقدرة منه . الرب قادرا ً ان يجعلك تصد هجماته وتطفئ سهامه وتتغلب عليه وتهزمه . الله يجعل تلك التجارب طريقك الى النصرة وتلك الشدائد وسيلتك للرفعة . تأمل النسر وهو جاثم ٌ على صخرة وسط العاصفة يسمع صوت الريح وينتظر الرعد ويرى وميض البرق وما ان تشتد العاصفة حتى يفرد جناحيه ويطير معتليا ً العاصفة ويجعلها مطية ترفعه الى اعلى ، ترفعه الى فوق الى قمم الجبال يحمله الريح ويعود به الى عشه في رأس الجبل .
هكذا عندما تتكاثر عليك الشدائد وتتراكم عليك المصائب ، حين يزيد ابليس في هجومه ويكثف طلقاته وضرباته وطعناته افرد جناحيك وسط الضربات وطر معتليا ً اياها منتصرا ً عليها . قل مع بولس الرسول " فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا . فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً ، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى ، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا." ( 8 : 37 – 39 ) . لا بد ان تحصل على غنيمة من الحرب التي يضعك ابليس فيها . كلما زادت الحرب كلما زاد الانتصار وكلما زادت الغنائم بعد الانتصار . سوف تخرج من وادي المرض والمحنة والالم اكثر اتكالا ً على الرب وعلى قدرة قوته . سوف تخرج من ساحة المعركة مهما كانت اكثر ثقة واقوى ايمانا ً واعظم اعتمادا ً . نازل العدو ، حاربه ، حوّل عواصف هجماته الى مطية ترتفع بها الى الاعالي . سوف يعينك الله حتى تغلب وحتى تنتصر وتتمتع بنعمته الغنية الكافية . بسبب الشوكة في جسد بولس نال نعمة . بسبب الحروب حولك ستنال نعمة متفاضلة . |
317 - خلق الله آدم على صورته وشبهه مملوءا ً بالبر والطهارة والقداسة ، ودخلت الخطية الانسان وشوهته وافسدته وملئته بالنجاسة ، وكان الله في خليقته الانسان قد وضع عنصرا ً جسديا ً وعنصرا ً روحيا ً : الجسد ترابٌ نجس ٌ أرضي ، والروح نفخة من الله طاهر ٌ مقدس الهي سماوي . وليعيد الله للانسان قداسته جاء متجسدا ً ومات عن خطايا العالم وقام ، قام هازما ً الموت محطما ً سلطان الخطية ، وقبل صعود المسيح نفخ في التلاميذ الروح القدس ( يوحنا 20 : 22 ) . أتاح لكل مؤمن أن يمتلئ بالروح القدس ، روح القداسة الكاملة . وقال بولس الرسول " وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ . وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ . أَمِينٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُوكُمُ الَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضًا. " ( 1 تسالونيكي 5 : 23 ، 24) . أصبحت القداسة في متناول يد الانسان بالروح القدس الذي اتاحه الله لكل من يطلبه بالايمان . الانسان بدون القداسة لا يرى الله وبالايمان بالمسيح يحصل على القداسة ويعاين الله . أنت مُخلّص ٌ من الخطية وانت مقدّس بالايمان . آمن تخلص من الخطية وتتقدس . حين تسلّم قلبك للرب يحل فيه وهو القدوس فيجعلك ايضا ً مقدسا ً به . الروح القدس يقدّس بالتمام . الروح القدس يطهّر من كل نجاسة وخطية . الروح القدس يملأ فراغ الحياة ويرشد ويوجه ويقوي وينمّي . تلمسك يد الله وتملئك بالقوة ، قوة تملأ الكيان كله وتستحوذ على المشاعر جميعها . قوة مقدسة تبتلع كل ما فيك من إثم وتنتشر في جوانب نفسك وحياتك وقلبك ، وحين تصل تلك القوة الى القلب حتى تطهّر الفكر والمشاعر والارادة والحياة ، وطوال وجود هذه القوة المقدسة في القلب فهي تعمل باستمرار ودون توقف لتقدسك . كلما اهتزت حياتك ودخلت الخطية قلبك فان الروح القدس فيك يكشفها لك ، وما ان تعترف بخطيتك حتى يغفرها الله الأمين لك ويطهّرك من كل إثم . القداسة طبيعةٌ الهية لطيفة ٌ هادئة تحل بالانسان فتحل فيه الطبيعة المقدسة ويمتلئ القلب بالنور والروح بالطهارة وتتحول النفس الى جنة جميلة رائعة بها كل ما لذ وطاب من ثمار ، كل ما يبهج العين من ورود وازهار . القداسة في متناول يدك ، الله يتيحها لك بالروح القدس ، ويوصي الله جميع البشر بالقداسة . يقول : " امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ " ( افسس 5 : 18 ) . هذه مشيئته . ويعد الله جميع البشر فيقول " إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا." (1 يوحنا 5 : 14 ) . فإن طلبت القداسة والامتلاء بالروح القدس فهو يسمع لك ويستجيب .
|
318 - الصلاة اتصال بالله ، حديث مع الله ، علاقة وشركة بالله . الصلاة ليست فرضا ً ، الصلاة ليست طقسا ً ، الصلاة ليست عملا ً صالحا ً . الفرض والطقس والعمل الصالح هدفه الحصول على رضا الله . لكننا نحتاج للصلاة ، نحن الذين نحتاج اليها لا الله ، نحتاج الى الصلاة لاننا نحتاج الى الله ، وكلما زادت اوقات الصلاة كلما زادت أوقات حضرتنا وشركتنا مع الله . يحدد البعض اوقاتا ً للصلاة ، يحددون عدد المرات وطول الصلوات . في انجيل لوقا 18 : 1 يوصينا السيد المسيح : " يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ " . ويقول داود النبي : " أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ " ( مزمور 109 : 4 ) . كلما صلينا كلما تدربنا على إتقان الصلاة ، وكلما تدربنا على الصلاة وعلى اتقان الصلاة كلما عرفنا كيف نقترب بها الى الله . الصلاة تغير الانسان وتغير العالم وتغير الحياة ، الصلاة تحرك يد الله . صلى النبي ايليا لله وحبس الله المطر ، أغلق كوى السماوات فلم ينزل مطر لثلاث سنوات وصلى ايليا ثانية لله وفتح الله كوى السماوات وانهمرت الامطار وملأت الارض بالمياه . صلى ابراهيم لله يطلب ابنا ً واستجاب الله ودبت الحياة في جسد سارة فحملت وولدت اسحق بعد ان شاخت وجفت . الصلاة تقتدر كثيرا ً في فعلها (طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا.) ، طلب التلاميذ من المسيح ان يعلمهم الصلاة ووضع امامهم نموذجا ً للصلاة ، كانوا قد رأوا يوحنا المعمدان يعلم تلامبذه الصلاة وارادوا ان يعلمهم المسيح الصلاة . قال لهم متى صليتم فقولوا :" أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ " لا صلاة عبد لمعبود بل طلبة ابن من أب ، صلاة خاصة شخصية عائلية ، ليست طلبات ذاتية محصورة في احتياجات الفرد واهتماماته ، بل صلاة عامة شاملة تطلب اشياء عظيمة جليلة سامية تشمل العالم كله ، قال : صلوا قائلين : " لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ ... خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ.... وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا .... وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ " . بدأ المسيح بتقديس اسم الله ، القداسة لله ثم بطلب ملكوت الله ، سيادة ملكوت الله على العالم وتنفيذ مشيئة الله وارادته في كل مكان ، ثم تحول الى الحاجات الشخصية : الطعام الكافي ، غفران الخطايا ، النجاة من الشر . على هذا النموذج يريدنا الله ان نصلي ونصلي دائما ً كل حين كل الوقت . اقترب الى الله ، التقي به ، عاينه واجلس في حضرته ، افتح قلبك له وتحدث اليه ، ارفع صوتك نحوه وكلمه يسمعك ، يسمع صوتك ويسمعك صوته ايضا ً .
|
319 - إذا ما تلفتنا الى العالم حولنا وجدنا الشر يملأ الارض والاشرار يسودون ، نرى الصدّيق مهضوم الحق ، مظلوما ً والشرير يتمادى في غيه ويفتري ويجور ، ويهتز البعض ويفقدون توازنهم ويغزو الشك قلوبهم ويتعثرون ، لكن النبي داود يسرع ويقول " لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ . اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ ...... سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ " ( مزمور 37 : 1 -5 ) الاتكال على الله اول مرحلة في حياة الايمان ، الاتكال على الله قلب المسيحية ، الاتكال على الله هو لغة القلب وهي تصدر عن قلب مؤمن ، حين نتكل على الله فنحن نعترف بوجوده ، الاتكال يكون على شخص موجود ونعترف بقوته وبقدرته فالاتكال يكون على القوي القادر العظيم الجبار . ونحن نسير في طريق مظلم حين لا يكون هناك بصيص نور يرشدنا للطريق ، نتكل على الله ننظر في الظلام فنراه ، نسمع صوت خطواته أمامنا فنتبعه . ونحن نرقد في فراش المرض حين يضعف الجسد وتصعب الحركة ويهزل الجسم ، نتكل على الله نمد أيدينا فنمسك بيده يرفعنا ويحملنا يقوينا ويشفينا . ونحن اسرى الحزن والهم حين تمتلأ العيون بالدموع ، حين ينكسر القلب ، نتكل على الله ، نرفع عيوننا الدامعة اليه يمسح الدموع ويجبر كسر القلوب . الاتكال على الله إرتماء عليه حتى ونحن لا نراه نعرف انه هنا فنلقي بانفسنا عليه ، نرتمي بين ذراعيه القويتين الحانيتين ، نسمع نبض قلبه ونلمس دفء حضنه . مهما كانت قوتك الآن سيأتي يوم ٌ تضعف فيه ، قوتك الذاتية لا تدوم ، مهما كان من تعتمد عليهم وتتكل على اصحاب سلطة ونفوذ وقوة يتخلون عنك وينتهون ، الله وحده متكلك ، الله وحده حامل اثقالك ، الله وحده يرفعك . وسط كل ما يحيط بك من هموم إتكل عليه يطرد همومك ويملأ قلبك بالإطمئنان . وسط الحروب التي تحاصرك إتكل عليه تصبح المعركة معركتك والنصرة فيها لك . حين يتركك الناس ويهملونك ، حين يتخلى عنك الاهل والاصدقاء ، حين تقف وحدك ، حين تمد يدك فتجد الفراغ ، حين تستند على الهواء إتكل عليه ، يملأ فراغ حياتك ويسندك ، الله كفايتك ، الله يحفظك ، الله يعتني بك ، الله لا يتركك ولا يهملك . كل ما حولك يزول ، ينتهي ويضيع . كل من حولك ينفض ، يختفي ويرحل . إن الله هو الذي تستطيع ان تتكل عليه . إتكل عليه وسلم له طريقك .
|
320 - يرنم داود النبي في مزموره 134: 1، 2 ويقول " هُوَذَا بَارِكُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ عَبِيدِ الرَّبِّ ، الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِاللَّيَالِي . ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ نَحْوَ الْقُدْسِ ، وَبَارِكُوا الرَّبَّ." . ارفعوا ايديكم وباركوا الرب يباركك الرب الصانع السماوات والارض . ينادي داود بأن نبارك الرب في الليالي . نعبد الرب ونباركه في سكون الليل وظلمته . في بيته نقف ليلا ً ونباركه . عادة ً العبادة في بيت الرب بالنهار ، في النور ، خلال اليوم . اما في الليل حين يظلم بيت الرب ، حين تسكن الاصوات ، الناس تترك بيت الرب ليلا ً . الذهاب الى بيت الرب في الليل دليل ايمان قوي . دخول بيت الرب ليلا ً ايمان . الانسان يعبد الرب وقت اليسر لا العسر . الانسان يعبد الله في وقت الخير . الانسان بطبعه يحب الفرح ويهرب من الحزن ، يحب النجاح ويهرب من الفشل ، يهرب من موضع الاحزان من مكان التعب والشقاء ، يبتعد عن الضعف والمرض . يجتمع الاصدقاء ويتلاقون وقت الغناء والطرب ويتفرقون وقت الحزن والكرب . الضيقات تمتحن صدق الصداقة . الصديق الباقي عند الضيق هو حقا ً صديق . عندما نتعبد في بيت الرب نهارا ً فقط فنحن نسعى الى اله نستفيد منه ونربح ، أما عندما نتعبد في بيت الرب ليلا ً فنحن نلتصق به ونبقى في حضرته لمحبتنا الدائمة له . حين كان المسيح يصنع المعجزات ويُطعم ويشفي ويعطي ويغفر ويهب ويبارك كان التلاميذ اقرب اليه من حبل الوريد ، كانو ملتفين حوله ، تابعين له ، فلما دخل جثسيماني ، لما دخل وسط الظلام ، لما بدأ الصراع والجهاد والعرق لم يصارعوا معه ، لم يشاركوه جهاده ، لم يسهروا ، ابتعدوا وانعزلوا وناموا . لما كان يقف وسط الجموع يعلّم ويتكلم بسلطان وقفوا معه بقربه وبجواره فلما وقف امام الكهنة يحاكمونه ويسخرون به ولما وقف امام بيلاطس مقيدا ً ، هربوا ، خانوه وانكروه وتركوا ملابسهم وفروا هاربين ، تركوه يذهب الى صليب الجلجثة وحده . حين كان يتنقل بين المدن يطرد الشياطين وينهر المرض ويقيم الموتى كانوا معه ، اما حين تسجّى على الصليب مجروحا ً مطعونا ً ، تفرقوا وتركوه .
هل تعبد الله وقت الفرج فقط ، في النهار وسط الانوار والافراح والنجاح فقط أم تعبده أيضا ً في الليل ، في الظلام ، في جثسيماني على الصليب وفي القبر . العبادة الصادقة تكون نهارا ً وليلا ً . العبادة الصادقة محبة لله المعطي لا للعطاء فقط . العبادة الحقة عبادة الله لشخصه ، لذاته لا لعطاياه وبركاته . هو هدف عبادتنا . |
321 - هل ابتسمت في وجه انسان مكروب حزين مؤخرا ً ؟ هل ابتسمت له مشجعا ً ؟ هل قابلت شخصا ً شاكيا ً متذمرا ً باكيا ً متضررا ً فتحدثت اليه بكلمة ؟ الابتسامة المشجعة قد تصب بردا ً وسلاما ً على قلب يحترق ونفس تئن وتتوجع . الكلمة اللطيفة قد تنقذ شخصا ً من الاحباط والفشل وترفعه من بالوعة اليأس . حولنا كثيرون حياتهم مرة صدأة يتمزقون ويتألمون ويتوجعون ويأنون . ابتسامتك أو كلمتك تنشلهم وتنقذهم وتجدد حيويتهم وآمالهم وحياتهم . يقول بولس الرسول " فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا ، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا " ( كولوسي 3 : 12 ، 13 ) . اللطف والوداعة وطول الاناة ثمار ٌ رائعة ٌ عظيمة ٌ من ثمار الروح القدس " وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ " ( غلاطية 5 : 22 ، 23 ) . كلمة لطيفة يمكن ان توقف صراعا ً و حربا ً وكراهية ً وحقدا ً ومرارة سوداء مقيتة . لمسة يد وديعة يمكن ان تبعث في القلب الممتلئ بالحقد نسمة رقيقة من التفاهم والتسامح . ابتسامتك التي تنير وجهك تنير الجو كله حولك وتفتح القلوب والابواب امامك . يوصي الرسول بولس ان نلبس كمختاري الله المحبوبين أحشاء رأفة ٍ ولطف ، فالرأفة واللطف من سمات اولاد الله المختارين لحمل اسمه علامة ً تميزهم ، ولكي نظهر محبة الله للعالم نحب العالم ، ولكي نبشر برأفة الله ولطفه نُظهر الرأفة واللطف . حين تسقط نظرتك الحنونة على شخص حزين تعيس يزول حزنه وتنتهي تعاسته . حين تصل كلماتك الرقيقة الى مسامع انسان قانط يائس ، يملأ الرجاء قلبه . لا تبخل بنظرات اللطف ولا بكلمات الرأفة ولا ابتسامات الوداعة فانت بها توزع التعزية وكثيرون حولك يحتاجون الى التعزية وينتظرون العون والتشجيع من مختاري الله امثالك . قد تلتقي بشخص ما مرة ً واحدة ، قد لا تكون تعرفه ولا تعرف ما يحصل في داخله من قلق . قد يكون في داخله حزن أو احباط أو فشل أو خوف ٌ وأنت لا تعرف ، قدم له وجها ًَ صبوحا ً ، قدم له ابتسامة ً مشجعة ، قدم له كلمة ً منعشة ، قدم له لمسة ً مشجعة . قد تغير بذلك حياته بعد الظلام قد تنعش قلبه بعد طول انتظار وتغمره سعادة وفرحة وراحة وسلام . لا نعلم الاحزان الكامنة في قلوب الناس التي تعيش حولنا لكننا نعلم ان كلمة حنان ورأفة لا بد ان تجلو الهموم وتطرد الاحزان .
|
322 - نتمسك أحيانا ً بوعد الله لنا بأن يحافظ علينا ويحمينا ويطرد الشرور من حولنا " اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ." ( مزمور 91 : 1 ) هناك نشعر بالامان والاسترخاء " لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ . بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي " ( مزمور 91 : 3 ، 4 ) ، ونتصور ان من حقنا أن نحيا في سلام وراحة وأمان لن يمسنا شر ٌ أبدا وأن الله يدافع عنا ، دائما ً " يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. ً " ( مزمور 91 : 7 ) . إتباع الله ليس طريقاً سهلا ً دائما ً ، ليس مفروشا ً بالزهور والورود . يقول المسيح : " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي. " ( مرقس 8 : 34 ) . يضع المسيح أمامنا صليبا ً نحمله ، لا بد أن نحمله ، لا نتكأ عليه بل نحمله . المسيحية ليست عكازا ً يحملنا بل صليبا ً نحمله ، هكذا يكون اتبّاع المسيح . قد يكون صليبك فقرا ً تعاني منه ، حاجة ً لطعام أو شراب أو كساء . قد يكون صليبك مرضا ً تقاسيه ، الما ً ومعاناة وتعبا ً وضعفا ً ووهنا ً . قد يكون صليبك عملا ً وضيعا ً تقوم به ، مقاما ً حقيرا ً وحياتا ً مزرية . قد يكون صليبك مواجهة إضطهاد ٍ ، مقاومة ظلم ٍ ، خيانة ً وغدرا ً وطعنات في الظهر . الصلبان كثيرة ٌ متعددة متنوعة جميعها ثقيلة ٌ خشنة قاسية ٌ مرهقة ، قد تجد نفسك غير قادر على حملها ، تئن تحتها وتتوجع وتسقط تحتها وتخور . حين يثقل عليك صليبك يتقدم الرب بنفسه اليك ويمد يده ويحمله معك ، يضع كتفه بجوار كتفك ويرفعه معك ، يخف ثقله وتقل خشونته ، الرب قريب منك ، سوف تحس به قريب جدا ً منك ، حين تعرف ذلك ستقنع بصليبك وترفعه راضيا ً صابرا ً صامدا ً سعيدا ً . الصليب الذي تحمله وسيلتك لاتباع المسيح والسير خلفه والمشي ورائه ، وحين تتبع المسيح يخف حملك ويسهل سيرك ، وحين تتبع المسيح تعرف قيمة الصليب وفرحة حمله وامتياز قبوله وتستطيع ان تعزي من يجد صليبه ثقيلا ً وتعين من يئن ويتوجع من حمله . صليب المسيح الذي حمله عنك كان ثقيلا ً جدا ً لا يستطيع حمله غيره ، سار طريق الآلام كله ، استلقى عليه وسُمرت يداه ورجلاه به . لم يحمله فقط ويحتمله بل رُفع عليه ومات مصلوبا ً عليه . حين تشعر بثقل صليبك انظر الى صليب المسيح . قبل ان تشكو وتتذمر تأمل وفكر في صليب المسيح ، تحمّل صليبك متعزيا ً فرحا ً مبتهجا ً منتصرا ً .
|
323 - ما اجمل استقبال اليوم بفرحة ٍ ورجاء ٍ وامل ٍ وبهجة ، اليوم كله يصبح مشرقا ً . فرحة القلب تشكّل وتلون كل ما حولك . القلب الفرحان يجد الشمس أكثر اشراقا ً . القلب الفرحان يجعل الطريق سهلا ً ممهدا ً يُظهر الأشجار أكثر اخضرارا ً . القلب الفرحان يطرد التعب والارهاق واثقال الواجبات والمسؤوليات والمهام . لا تدع الحزن يغزو قلبك ، إن دخل الحزن القلب سرى الى جميع جسمك . الحزن يثقل القلب ويجعله كتلة من الصخر داخل صدرك . الحزن يضغط على العقل ، يشوشه ، يفسده ، يعجّزه عن العمل بكفاءة ،. حين يدخل الحزن الى حياتك يجعل امام ناظريك حاجز اسود يلون كل شيء بالسواد . حين يدخل الحزن حياتك يهاجم حواسك ويضعفها ويعطل عملها . يقول داود النبي " لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي ؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ ؟ ( مزمور 42 : 5 ) . الله لم يخلقنا للحزن بالعكس خلقنا للفرح والبهجة والسعادة ، للسرور والضحك والتهليل ، خلقنا على صورته وشبهه ، هو نبع الفرح ونحن على شاكلته يجب ان نحيا فرحين . ودخلت الخطية ونشبت اظافرها فينا ونزف في داخلنا الحزن والالم والشقاء واللوعة وكل ما حولنا يبعث على الفرح ، نسمة الهواء الرقيقة التي تلثم وجهك وتربض على جبينك ، اشعة الشمس المضيئة التي تلوّن الطبيعة والاشياء حولك ترسم بريشتها جمالا ً وابداعا ً . قطرة الندى وهي تتأرجح على صفحة ورقة الشجر تعكس اشعة الشمس وضوء النهار ، المطر والثلج ، الرعد والبرق ، الحر والبرد ، الاعصار والعواصف تُظهر قوة الخالق . كل ذلك تعبيرات عن انك جزء ٌمن خليقة عظيمة رائعة جعلك الله سيدا ً عليها الا يملأ ذلك قلبك بالفخر والفرح ؟ لماذا تحيا حزينا ً ومخازن الله عامرة بالفرح . لا تنظر الى الجانب الاسود في الحياة فقط ، لا تستسلم للهم واليأس والتعاسة . الحياة جميلة جدا ً بسلبياتها وايجابياتها لأن يد الله صنعتها وترعاها وتحفظها وفوق ذلك كله هناك الله ، الله الذي يحبك الذي في محبته فداك " فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ " ( اشعياء 61 : 10 ) أفرحُ وابتهج به ، أفرح ُ دائما ً " افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ ." 1 تسالونيكي 5 : 16 ) . الله الهك حي ٌ دائما ً ، الله الهك قادر ، الله الهك معك لا يتركك ولا يهملك الى الأبد . كيف لا تفرح به ؟ كيف ؟ لا تبتأس ، لا ترتعب ، لا ترهب ولا تيأس ولا تحزن ، في المسيح لك رجاء ، في المسيح لك عزاء ، في المسيح لك فداء ، المسيح يسوع لك .
|
324 - " سلّم للربّ طريقك واتّكل عليه وهو يجري . ويخرج مثل النور برّك وحقّك مثل الظّهيرة " (مزمور 37 : 5 ، 6) . إذا كنت تشعر بأنك في مجتمع يظلمك وأن مواهبك وقدراتك مهمشة وأن الكثير من الذين يحيطون بك لا يقدرونك ، إعلم أنه يوجد إله يهتم بك بضعفك وبقوّتك ، عليك فقط أن تكون أمينا مع الذي أعطاك الغفران والخلاص المجاني .
|
325 - فى أوقات معينة ، حينما نسمع كلمة من الله ، نميل لاستخدام ذكائنا فى فهم ورسم صورة لما يريده منا ، بينما ما يريده الرب حقيقة هو ببساطة الطاعة والثقة فيه وبكل وسيلة ، درب إيمانك على تحريك الجبال ، ولتدرك أنه سيبقى الرب وحده هو الذى يحركها فعليا .
|
326 - إن اساس تخوفنا من عواصف الحياة واضطرابنا في اثنائها هو عدم استعدادنا لها . لا شك ان حياتنا معرضة كل يوم ٍ للعواصف والاعاصير فهل انت مستعد ؟ هل انت متحصن ٌ بقوة الايمان الذي يُعطي السلام ؟ ان الله بالنسبة الى المؤمن هو الملجأ الحصين ، لذا يقول كاتب المزامير : " اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا. لِذلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ." ( مزمور 46 : 1 ، 2 ) فلنسرع اذا ً الى هذا الملجأ العظيم لكي نحتمي به ولنضع كامل ثقتنا في شخصه الصالح والامين الذي وعدنا في كلمته : " أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ " ( رومية 8 : 28 ) .
ان الرب يسوع الذي يقول عنه الكتاب بأنه رئيس السلام يقول لنا : " سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا." ( يوحنا 14 : 27 ) . لا يمكننا ان نتمتع بالسلام وسط العواصف الا اذا فتحنا قلوبنا لرئيس السلام وطلبنا اليه ان يدخل ويتربع على عرش حياتنا . إن كنت تريد ان تستعد لعواصف الحياة التجأ الى المسيح بالايمان واطلب منه اولا ً أن يخلصك ويغفر لك خطاياك وبالتالي يضمك الى حظيرته لتكون واحدا ً من خرافه الذين يرعاهم ويقوتهم . |
327 - هل قرأت عن الساعة الغريبة التي صممها أحد علماء النبات ، هي ساعة بلا عقارب كما انها تختلف في فكرتها عن الساعة الرقمية الحديثة ، انها ساعة عجيبة تتحدث اليك عن طريق الزهور ، زهور مرتبة بنظام معين كل زهرة منها لها وقت معين من اليوم لتتفتح فيه بالتتابع واحدة وراء الاخرى فإذا نظرت اليها عرفت الوقت . الله اعد لك ساعة مثيلة من الزهور ، يفتح لك براعم بركاته ، بركة ً وراء الاخرى ليمتعك برحيق ارادته الصالحة الكاملة المرضية وبعسل محبته الرائع الحلاوة ، ايامنا تتتابع وتمتعنا ببركاته أكثر فاكثر ، هكذا تؤكد لنا كلمة الله قائلة : " أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِق ، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ. " ( امثال 4 : 18 ) وساعة الله تسير بمنتهى الدقة والنظام كل برعم له وقت مناسب تماما ً يتفتح فيه فلا تنزعج من اية سحابة قاتمة تراها الآن في أفق حياتك فسوف تهطل منها امطار غزيرة من البركة في الوقت الخاص الذي حدده لها المصمم الاعظم وهو دائما ً الوقت المناسب لك . الوحي الالهي يقول : ان الله " صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا " ( جامعة 3 : 11 ) هذه آية معبرة تؤكد اقتدار الله في عمله لكنها لو قُرأت هكذا بدون الكلمتين التاليتين لها فقدت الكثير من معناها ، فالآية كاملة ً تقول : ان الله " صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ " . نعم الله يصنع كل شيء حسنا ً ولكن في وقته ، في الوقت المناسب . الله اعد لك بركات كثيرة لكل يوم لكن لا تستعين بحيل بشرية لكي تعجّل من تمتعك بها ، لا تفعل هكذا حتى لا تخسر الوقت والمجهود كليهما معا ً ، لا تكن قلقا ً، إهدأ امام الله فشجرهُ لا يعطي ثمرا ً الا في اوانه . ثق ان الله لا يتوقف لحظة واحدة عن الاهتمام بك ، ساعته لا تتعطل أبدا ً .
سيدي المسيح علمني ان اهدأ دائما ً عند قدميك واضع ثقتي كاملة ً فيك . |
328 - لا يمكن ان يبقى القليل ُ قليلا ً عندما يوضع بين يدي الخالق . لا يمكن ان تبقى المشكلة بلا حل ٍ عندما تسلّم للمسيح . لا يمكن ان تبقى النفوس جائعة عندما تتلاقى مع خبز الحياة . تذكر ان الذي اشبع الآلاف من البشر بخمسة خبزات وسمكتين صغيرتين يستطيع وحده ان يشبعك وان يملأ كافة احتياجاتك عندما تلجأ اليه .
|
329 - في العالم احزان ٌ ثقيلة ٌ جدا ً ينوء بحملها اقوى الناس واشجعهم . أمٌ ارملة ٌ تفقد وحيدها الشاب وهو على اول عتبات الحياة في ريعان شبابه . فنان ٌ مبدع أخرجت ريشته اجمل اللوحات واروعها يفقد بصره في حادثة . لاعبةُ العاب قوى مشهورة نضرة الجسد والروح تسقط وتصاب بشلل تام . صبي في ربيع حياته ، يسقط البيت ويُدفن تحته كل افراد اسرته ، كلهم . ماذا تقول لهؤلاء لتعزيهم ؟ كيف نخفف آلامهم ونحاول ابعاد احزانهم ؟ لا يستطيع ان يعزي الحزين الا حزين مر بتجربة قاسية ونال عزاء الرب أو متأمل في رحمة الله ومحبته . الله ينظر الى اولئك ويقترب منهم ويقول : " تَكْفِيكَ نِعْمَتِي ، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ " ( 2 كونثوس 12 : 9 ) . تكفيك ، تكفيك الآن . تكفيك الآن وانت في وسط الحزن وأنت في اعماق الالم ، وانت تمر بالتجربة . الله يتدخل حالا ً أسرع من أي نجدة ، يُسرع ويقف معك الآن . يُسرع اليك الآن لا في الماضي ولا في المستقبل بل في الحاضر . تكفيك نعمتي ، نعمته تكفيك ، كم حجمها ، ما مقاييسها ، نعمته هو . نعمة ٌ غير محدودة كما هو غير محدود . نعمته عظيمة كما هو عظيم وهي ملكه هذه النعمة له يعطيها لك لتكون ملكك ، نعمة الله ملكك وقت الحزن والالم والضيق والمشقة والتجربة ، وهو يوجه القول لك ، يوجه النعمة لك ، يرسلها اليك أنت . الله يعدك بأن نعمته تكفيك ، هل تصدّقه ؟ هل تصدّق الله ؟ هذه هي التعزية الوحيدة ، وعد الله بأن نعمته تكفيك ، لهذا فالمؤمن بهذا الوعد الذي يصدّق الله يتعزى في محنته ، والسلام يغزو قلب المجرّب اذا ما تمسك بهذا الوعد وصدّقه . أحيانا ً ننظر الى وعود الله وعهوده على انها آمال ٌ بعيدة المنال . وعود الله حقائق صادقة ، جرّب قوة الله وهو يحققها لك . الله يعدك بالنعمة ، نعمته تكفيك ، نعمة تفوق اعنف التجارب . الله يعدك بالرحمة ، رحمة ٌ تغطيك ، رحمته أقوى من أعتى الطعنات . نعمته تغّلف التجربة وتفقدها حدتها وعنفها وقسوتها وسطوتها ، نعمة الله تكفيك " تَكْفِيكَ نِعْمَتِي ، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ " .
إذا ما دهاك البلى والخطر فيكفيك من نعمتي ما انسكب ولا توقع النار فيك الضرر فاني انقيك مثل الذهب تمتع بنعمة الله ففيها الكفاية . تناول قوة الله فهي في الضعف تُكمل . |
330 - هل يتعلّم الانسان من الاحداث التي تحدث حوله ؟ او بصيغة اخرى هل نتعظ ؟ كثيرا ً ما نودع قريبا ً أو صديقا ً الى الحياة الابدية ونفكر في الموت ونتذكر فجأة ً وكأننا لم نعرف من قبل أن أيامنا معدودة وان الابدية مهما بعُدت فهي قريبة وانه يليق بنا ان نستعد لها استعدادا ً افضل ، ويتملكنا هذا الشعور بضعة ساعات او ايام ولكننا سريعا ً ما ننسى ونغمر انفسنا في ما كانت مغمورة فيه ناسين ما تأثرنا به عن قصر الحياة وقلة أهميتها إذا ما قيست بالابدية . نذهب الى الكنيسة ونستمع الى مواعظ مؤثرة ونقرر انه لا بد ان نبدأ عهدا ً جديدا ً مع الله يخلو من كل آثار الحياة القديمة ونسير في الطريق أياما ً ، الا ان احداث الحياة تنسينا كل ما اعتزمناه وإذا بنا نعود مرة ً أخرى الى الاركان الضعيفة التي كنا مستعبدين لها من قبل . ولسنا في هذا وحدنا بل يشاركنا فيه العالم كله . كم مرة ً تكلم الله لبني اسرائيل كلاما ً مباشرا ً أو عن طريق الملوك والانبياء وتابوا وندموا ثم عادوا الى الشر ، كم مرة ضربهم الله وادبهم وتابوا ولكن التوبة لم تستمر . كم مرة ادبنا الله في حياتنا الخاصة بانواع تأديبات ٍ ادركناها إذا لم يدركها أحد غيرنا وتبنا الى الله ثم عدنا واخطأنا اليه . كم مرة احسن الله الينا على غير استحقاق وادركنا محبته ثم نسيناها بعد قليل . الحقيقة ان كل احداث العالم التي تحدث معنا والتي تحدث في البيئة المحيطة بنا لا يمكن ان تؤثر في احدنا تأثيرا ً دائما ً ً. ان التغيير الحقيقي الوحيد هو الذي يعمله الروح القدس عندما نسمح له بأن يسكن فينا ويملأ حياتنا ويرشدنا ويسيطر على كل قوانا ويوجهها التوجيه الصحيح في كل وقت وكل مجال . قال المسيح : " أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا." ( يوحنا 15 : 5 ) . وقال بولس الرسول : " لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ. " ( فيلبي 2 : 13 ) . " سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ " ( اعمال الرسل 1 : 8 ) .
لا تقل أنا قوي ، لا تقل انا غني ، لا تقل انا مكتفي ولست محتاج . تأكد انك ضعيف لكنك قوي بالمسيح ، وانك لا شيء ولكنك ذا قيمة عظيمة متى كنت في المسيح ، المسيح يحبك كيفما انت لهذا يدعوك ان تأتي اليه وتطلب الامتلاء من روحه القدوس فيحيا فيك فتصبح بطلا ً في المسيح فيغيرك بالكامل متى طلبت ان يسكن روحه فيك فينقيك ويطهرك ويرشدك ويعينك ويلبسك الانسان الجديد بثياب البر الطاهرة . تقدم اليه انه بانتظارك ، لا تفكر كثيرا ً ، لم يبقى من الوقت الا القليل " لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ " ( افسس 5 : 16 ) . سيأتي قريبا ً فاستعد للقائه لتحيا الى الابد معه . |
331 - لو شعرت ان كل الابواب مغلقة امامك فثق ان كل باب مغلق له مفتاح عند الله ، وإن احاطتك التجارب والضيقات من جميع الجهات فاعلم ان كل مشكلة لها الف حل عند الله ، وان كنت في حالة حزن ويأس فثق ان حزنك سيتحول الى فرح وكل سقوط لا بد ان يكون معه قيامة ونصرة وكل ظلمة سيأتي بعدها نور لأنه هناك رجاء . لا تيأس بل ثق أن هناك رجاء ، فما اجملها حياة الرجاء . مهما بدا لك ان جميع الابواب مغلقة ، لا تضعف ولا تخور . ومهما كان الامر عسير والتجارب محيطة بك من كل جانب اعلم ان عند الله للموت مخارج ، يقول لك الرب لن اتركك . تأكد ان هناك رجاء مهما تعقدت الامور فالله لا يتركك حتى ان تخلى عنك الجميع ، انه ينظر اليك في حنان الأب ويقول لك ثق يا ابني لن اتركك للفشل ، لن اتركك للضيق والحزن ، لن اتركك للعوز ، لن اتركك للظلم ، لن اتركك للتجارب والضيقات ، لن اتركك للسقطات فأنا اله المستحيلات . ثق انه سيأتي الوقت الذي سأحول فيه حزنك الى فرح . ثق يا أبني انني سانتهر الريح والعواصف واريحك في كل الأمور حتى وان شعرت ان الجميع تركوك في محنتك فأنا لن أتركك أبدا ً . لقد هلك يهوذا لأنه فقد رجاءه وشنق نفسه ، بينما رجاء القديس بطرس الرسول جعله يبكي مرا ً ويتوب عما فعله وبرجائه وتوبته أعاد له الرب رسوليته مرة اخرى في قوله : " أَتُحِبُّنِي ؟ " يا بطرس ثلاث مرات . فالرجاء يعطي القلب الفرح الدائم ، فلنصلي جميعا ً أن يعطينا الرب هذا الرجاء .
|
332 - حين نزلت بايوب النوازل ، حين ضاع كل ما له ومات كل ابنائه ، حين فقد كل شيء وانطرح في التراب مضروبا ً مقروحا ً مريضا ً عاجزا ً وهو محطم الجسد ، مكسور القلب حزين ، التف حوله بعض اصحابه يحاولون ان يعزوه بكلام كثير تعب منه وتضجر ورفع قلبه بشكواه الى الله يتسائل ويتباكى ، يتمزق بين اليأس والأمل ، أجابه الله من العاصفة وقال : " اُشْدُدِ الآنَ حَقْوَيْكَ كَرَجُل ، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي .أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الأَرْضَ ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا " ( ايوب 38 : 3 – 5 ) . كلمات اعادت الى ايوب رشده ، من هو من اعمال الله الجبارة ؟ أين هو فيها ؟ وجه الله نظره الى الارض والبحر والنجوم ، جعله يمعن النظر ويرى ويتعلم . كان حديث ايوب واصحابه يتسم بالتشاؤم والاحباط والفشل والضياع واراد الله ان يرفعه من تلك الحمأة ، اراد ان يعيد اليه الرجاء والتفاؤل والاتكال فقال : " أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ الثَّلْجِ ، أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ الْبَرَدِ ، الَّتِي أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ الضَّرِّ " ( ايوب 38 : 22 ، 23 ) الخزائن مملوءة بالثلج ، ثلج كثير لا حصر له ، المخازن عامرة بالبَرَد القاتل المهلك لكن الله لايخرج ما بها بلا وعي ٍ أو قصد أو حكمة ، يخرجها بقدر لنفعنا وصالحنا . التجارب والمشاكل والمتاعب التي تلم بنا أدوات في يد الله للبركة ، للرحمة ، للخير والمنفعة . لو نظرنا بعين الايمان للغيوم الداكنة السوداء لتحولت الى الوان قوس قزح جميل ، لو تأملنا في النوازل التي تنزل بنا بعين الاتكال على الله لاختبرنا فيها محبة الله ونعمته ، ولو استدعينا احداث الماضي القاسية التي اظلمت حياتنا ، لو تذكرنا ما مر بنا من الم وما احاط بنا من يأس وقنوط وخوف لكنا نرى كيف كانت يد الله معنا ، كيف التفت اصابعه حولنا تحمينا وتحفظنا ، كيف صار بجوارنا وامسك بايدينا الطريق كله ، يسمح بها ليهذب حياتنا ليشذبنا ، ليجذبنا اليه ، ليجعل منا ابناء صالحين له . حين نسقط في تجربة وسط اعماق الهاوية في الظلام نرى نوره يملا قلوبنا . حين تعتصرنا شدة ٌ وتضغط علينا وتبرك علينا بثقلها نجد يده ترفع وتحمل وتعين . نتصور حين نمر في ضيق ٍ ان كل ما في العالم من ضيق حل بنا ونزل ساحتنا . يخيل لنا حين نقع في مشكلة ان كل المشاكل تراكمت وتجمعت وهبت علينا . خزائن الله مملوءة ٌ وهو لا يسمح الا بما هو لصالحنا وخيرنا لبنائنا وصقلنا . مخازن الله عامرة وهو يحفظنا منها ويحفظها عنا ولا يمرر من بين اصابعه الا ما يريد . لا ترتعب حين يلم بك مرض ، لا تخف حين تسقط في فشل . الله يرفعك بكلتا يديه الى اعلى .
|
333 - ثروة لا تخضع للضرائب
ذهب أحد مأموري الضرائب على احد خدام الرب ليحاسبه على ارباحه فقال له الخادم : اني رجل غني . فاسرع رجل الضرائب واخرج قلمه وابتدأ بسؤاله : - حسنا ً وماذا تمتلك ؟ فأجابه الخادم : انا امتلك المخلّص الرب يسوع المسيح الذي احبني حتى الموت ووهب لي الحياة الابدية والذي اعد لي مكان في المدينة السماوية . - وماذا أيضا ً ؟ - عندي الكتاب المقدس فيه لي كل مشورة الله . - وماذا أيضا ً ؟ - عندي زوجة شجاعة وتقية وكما قال سليمان : " اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ." ( امثال 31 : 10 ) . - وتابع مأمور الضرائب : وماذا ايضا ً ؟ - فقال الخادم : اولادي مطيعين اتقياء يحبون الله . - وماذا أيضا ً ؟ - وقلب فرحان يساعدني على اجتياز مصاعب الحياة بسرور . - وماذا أيضا ً ؟ - اخوة لي في المسيح يحبونني ويصلون لأجلي ، ينصحونني ويساعدونني يسترون ضعفاتي . - وماذا بعد ؟ - هذا كل ما امتلكه . وعنئذ ٍ نهض رجل الضرائب بعد ان أغلق دفتره وقال له : انك بالحقيقة رجل ٌ غني غير ان ممتلكاتك لا تخضع للضرائب . |
334 - اللؤلؤة الثمينة
في ايام الاعياد يكثر البيع والشراء وتعلن بعض المحلات عن فرص لكسب كبير . وكثيرا ً ما يكون الاعلان كذبا ً وخداعا ً ، ولعل اغلب الناس يتأثرون بالحركة التجارية وما يختلط بها من انفاق ٍ وأخذ ٍ وعطاء ولا يرون الى جانب الهدايا شيئا ً مثيرا ً في العيد . يحدثنا المسيح عن انسان من هذا القبيل كان تاجر مجوهرات وقد اشترى وباع الكثير واكتسب خبرة كبيرة في القيم الصحيحة للمقتنيات وذات يوم ٍ وجد لؤلؤة واحدة كانت تختلف عن كل اللآلئ لم يرى مثلها من قبل وادرك قيمتها ورأى انه لن يبلغ غايته كتاجر محنك حتى يستحوذ على هذه الجوهرة فابتدأ يحصي ما عنده من مال إذا باع هذا وذاك حتى يشتري هذه اللؤلؤة الثمينة وادرك بعد حساب قليل انه لكي يملك هذه الدرة لا بد له ان يبيع كل ما يملك ويدفعه ثمنا ً للجوهرة الواحدة وهاله الامر فكل جوهرة ٍ كانت عزيزة عليه ، كيف يتخلى عنها واعاد هذا التاجر التأمل فيها وكانت جواهره كلها براقة جذابة ثم تركها جانبا ً وتطلع الى اللؤلؤة الفريدة ورأى فيها ما لم يره في أي مما اقتناه من قبل فمضى وباع كل ما كان له واشترى الجوهرة الواحدة ولم يندم . كلنا هذا التاجر تبهرنا أضواء كثيرة براقة في العالم حتى نأتي الى المسيح ونقارن بين ما يعطيه هو وما يعطيه العالم وإذا بكل المجوهرات التي تأخذ بالبابنا زجاج ٌ ملون تضغط عليه فينكسر ولا يصيبك منه الا جراح وآلام ، قارنه إذا شئت بجوهرة الحياة مع المسيح وما فيها من سلام وفرح وقوة وانتصار لا شك تندم على ما فاتك في جمع لآلئ مزيفة . ايها الشاب الغني يقول لك المسيح : اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي . فهل انت قادر ايها الغالي على قلب الرب الذي اعطاك كل شيء ان تترك كل ما يبهرك في هذا العالم وتضعه عند اقدام يسوع ؟ هل تقدر ان تبيع كل جواهرك التي اسرت قلبك وتشتري سلام وفرح وانتصار يسوع ولا تتهاون أو تتأنى . قدم كل شيء للرب يسوع فلن تندم ستربح الحياة الابدية |
الساعة الآن 11:03 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025