منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=243242)

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:27 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
الله يهتم بالعمل الصغير

إنه لا ينسي كأس الماء البارد الذي تقدمه لعطشان.
وقد قال في ذلك: "من سقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ، فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره" (متي 10: 42، مر 9: 41).
مجرد كأس ماء بارد، لم تتعب فيه، ولم يكلفك شيئًا، هذا لا يضيع أجرة إذن لا تيأس إن كانت أعمالك.
هناك أعمال أنت تعملها وتنساها لضآلتها. والله لا ينساها.
حي إن كانت في نظرك بلا قيمة، هي عند الله لها قيمتها، ويكافئك عليها في اليوم الأخير. وحسن إنك نسيتها لتأخذ أجرها كاملًا هناك.
لقد مدح الرب ملكة التيمن لمجرد أنها زارت سليمان.
وقال: "ملكة التيمن ستقوم في (يوم) الدين مع هذا الجليل وتدينه، لأنها أنت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان , وهوذا أعظم من سليمان ههنا" (متي12: 42). وبنفس الوضع مدح أرملة صرفة صيدا لأنها استضافات إيليا النبي في وقت المجاعة (لو 4: 25، 26). ولم ينس الرب زيارة نيقوديموس، مع أنها لا كانت ليلًا وبخوف..
وسمح أن تسجل هذه الزيارة في الإنجيل (يو3). وهذا الإيمان الخائف المتخفي الذي كان لنيقوديموس، باركه الرب ونماه حتى سمح له أن يكفنه وصار نيقوديموس من مشاهير المسيحيين فيما بعد، وصار جنديًا صالحًا في ميدان الخدمة..

ولم ينس الرب لزكا مجرد صعوده علي الجميزة ليراه.
ربما لم يحس زكا أن هذا عمل كبير يكافأ عليه من الرب. ولكن الله الذي يهتم بكل عمل مهما كان صغيرًا، وقف ونادي زكا، ودخل بيته. وقال له: "اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم" (لو 19:9). هل كان يخطر علي بال زكا أن الرب سيقدر صعوده إلي الجميزة كل هذا التقدير؟! أم هو الرب الذي يهتم بالعمل مهما كان صغيرًا.
إنه لم ينس مطلقًا عبارة اتضاع تلفظت بها المرأة الكنعانية. وطوبها قائلًا لها "عظيم هو إيمانك. ليكن لك كما تريدين وشفي ابنتها في تلك الساعة" (متي 15: 28)، مع أنهم كانوا في البرية متذمرين وقساة القلوب. قال لشعبه:
"قد ذكرت لك.. ذهابك ورائي في البرية" (أر 2: 2).
قال هذا علي الرغم من أخطاء هذا الشعب في البرية، وعلي الرغم من تذمره وجحوده.. ولكن مجرد خروجه وراء الرب ليعبده في البرية لم ينسه الرب.
وقال لتلاميذه: "أنتم الذين لم تستطيعوا أن يسهروا معه ساعة واحدة (متي 26: 40) والبعض منهم خاف وهرب،ساعة القبض عليه، وبطرس أنكره ثلاث مرات، ولم يقف معه عند الصليب سوي واحد فقط هو يوحنا، إلا أن مجرد سيرهم وراءه وتمسكهم به كمعلم لهم، كل هذا الذي كان في نظرهم شيئًا بسيطًا لم ينسه الرب مطلقًا. وبنفس الأسلوب
وامتد الرب الذين جاءوا في الساعة الحادية عشرة.
مع أنهم جاءوا في آخر النهار، ولم يعملوا سوي ساعة واحدة. ولكنه مع ذلك قبل منهم هذه الساعة، وأعطاهم أجره كالباقين. ولم يرفض هذه الساعة، بل امتدحها. علي الأقل تدل علي أنهم مثمرون وقادرون علي العمل.
وكما قبل القليل من هؤلاء، قبل أيضًا فلسي الأرملة.
ومدحها، وقال إنها أعطت أكثر من الجميع، لأنها أعطت من أعوازها (مر 12: 44). وقد يكون الفلسان شيئًا تافهًا. ولكن الإعطاء من العوز هو شيء كبير جدًا عند الله أيًا كانت الكمية المعطاة.
لذلك إن صليت مجرد دقائق من أعوازك، يقلبها الله..
إن ضاق بك الوقت جدًا، ولم تجد -مرغمًا- سوي لحظات ترفع فيها قبلك إلي الله، فلا تصغر نفسك، ولا تفقد رجاءك إذ لم تستطيع أن تصلي كما ينبغي! إن الله يفحص القلب ويعرف ظروفك، وهل الأمر عن إهمال أو لا مبالاة أم أنك تعطي من أعوازك في الوقت.
كانت صلاة العشار قصيرة، جملة واحدة، وقبلها الله..
وخرج هذا العشار مبررًا دون الفريسي (لو 18: 9-14) لأنه كان يصلي من قلبه، وبانسحاق، ولا يجرؤ أن يرفع نظره إلي فوق. فكانت الجملة الواحدة التي قالها، هي عند الله كثيرة الثمن جدًا وغالية عليه. ولم يطالبه الله ببرنامج روحي طويل فوق مستواه، كما يفعل القديسون. بل اكتفي الرب بانسحاق العشار..
كذلك فإن الله قبل من اللص اليمين توبة قدمها في آخر ساعات حياته (لو 23: 43) ورضي من السامرية بما اعتبره اعترافًا، مع أنها لم تشرح كل شيء.. (يو 4). وطوب وكيل الظلم - علي الر غم من أخطائه - لمجرد اهتمامه بمستقبله (لو 16: 8).
لا تيأس إن كان عملك الروحي ضعيفًا وثمرك قليلًا.
لا تقل "لا فائدة. أنا لم أعمل شيئًا "وتيأس بسبب ذلك. واعلم أن الله لا ينبس أي عمل بسيط، ربما تكون أنت قد عملته ونسيته. إنه لم ينس لملكة التيمن أنها سافرت لتسمع حكمة سليمان. وبسبب هذا العمل الذي يبدو بسيطًا، قال إنها ستقوم في يوم الدين وتدين ذلك الجيل (متي 12: 42).
انظر في اهتمام الرب بالعمل الصغير، قول القديس ذهبي الفم:
إن الله يجول طاليًا سببًا لخلاصك، ولو دمعة واحدة..
حقًا إن الرب يرضي بالقليل مادام بروح طيبة، ومادام الإنسان اعجز من أن يفعل أكثر. ويأخذ الرب هذا القليل وينمه ويجعله كثيرًا. فلا تيأس، ولا تجعل الشيطان يحاربك قائلًا: ماذا فعلت؟! هوذا الله يطلب منك الكمال (متي 5: 48)!
نعم إن الله يطلب الكمال، ولكنه لا يطلب منك أكثر مما تقدر عليه.
إنه يضع في حسابه لك: إمكانياتك وظروفك. وهو يقبل منك التدرج... المهم أن تكون سائرًا في الطريق، وليس أن تكون وصلت إلي نهايته. وهو يعطيك فرصة ويطيل أناته عليك، لكي يقودك إلي التوبة.
ولكن طول أناة الله لا يجعلنا نتهاون ونتكاسل!
وثمرنا القليل لا يعني أن نرضي به ونكتفي! كلا وإنما نجاهد وننمو، ولكن في رجاء، غير يائسين، بل طالبين من الله أن يقوي ضعفنا، ويمنحنا النعمة والمعونة لكي نعمل في كل حين ما يرضيه..

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:27 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
أعطانا وصايا في مستوي احتمالنا

تدرج معنا تدرجًا كبيرًا من وصايا العهد القديم إلي الكما ل العهد الجديد. وقد لام الكتبة والفريسيين لأنهم يحملون الناس أثقالًا عسرة الحمل، وهم لا يريدون أن يحركوها بأصابعهم وقال لهم أنهم في ذلك قد أغلقوا أبواب الملكوت، فما دخلوا ولا جعلوا الداخلين يدخلون (متي 23: 4: 13). وهكذا نري تلاميذ الرب في أول مجمع لهم في أورشليم الخاص بقبول الأمم يقولون "لا يثقل علي الراجعين إلي الله من الأمم، بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنى والمخنوق والدم" (أع 15: 19، 20) والقديس بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس:
"سقيتكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون" (1 كو 3: 2).
ومن رأفة الله وعطفه، إنه حينما يعطي معها قوة لتنفيذها، فترافقنا نعمته لكيما نستطيع ويعطينا روحه القدوس ليعمل فينا، لكي نستطيع أن نعمل. والله في رأفته يتراءف علي خليقته كلها، ليس الإنسان فحسب، بل حتى الحيوان والطبيعة.

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:29 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
حنو الله ورأفته علي الحيوان

أن الله الذي منح الإنسان راحة في السبت، أعطي ذلك للحيوان أيضًا، فقال "وأما اليوم السابع فسبت للرب إلهك.. لا تعمل فيه عملًا ما، أنت وأبنك وأبنتك وعبدك وأمتك، وثورك، وحمارك وكل بهائمك" (تث 5: 14).
ولم يهتم فقط براحه الحيوان بل براحة الأرض أيضًا.
فقال: ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها.. وأما في السابعة فتريحها وتتركها" (خر 23: 10، 11، لا 25: 3-5). وعلي الرغم من التشديد في حفظ السبت، وعدم العمل فيه، قال الرب "من منكم يسقط حماره أو ثورة في بئر، ولا ينشله حالًا في يوم السبت؟!" (لو 14: 5) وقال أيضًا "من منكم له خروف واحد. فإن سقط هذا في السبت في حفرة، أفما يمسكه ويقيمه؟!" (متى 12: 1) وقال كذلك لمن لامه علي إبراء المرأة المنحنية في يوم السبت، "يا مرائي، ألا يحل كل واحد منكم في السبت ثورة أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه" (لو 13: 5).
هكذا جعل إنقاذ أو إطعام ثور أو حمار أو خروف استثناء واجبًا من وصية عدم العمل في السبت.
ومن شفقته علي الحيوان أيضًا قال "لا تطبخ جديًا بلبن أمه" (خر 23: 19، ثت 14: 21) وقال أيضًا "لا تكم ثورًا دارِسًا" (1 كو 9: 9). وحتى الآن الثور أثناء الدراسة لا يكمم، بل يمد فمه ويأكل كيفما يشاء، ومن اهتمام الله بالعطف علي الحيوان، قال أيضًا:
"لا تحرث علي ثورك وحمار معًا" (تث22: 10).
ذلك لأنهما ليسا بقوة واحدة فإن أسرع الثور سيرهق الحمار والله يشفق علي هذا الحمار من الإرهاق. وهكذا عندما دخل السيد المسيح إلي أورشليم ركب علي أتان وجحش ابن أتان (متى 21: 5) حتى يريحهما في الطريق، إذ يستبدلهما، فيركب علي الواحد ويريح الآخر وظهرت شفقة الرب علي الحيوان بإشفاقه علي حمار بلعام وتوبيخه بلعام علي ضرب حماره ظلمًا" (عد 22: 32).
وظهرت شفقة الرب حتى علي العصافير: يحميها ويقيتها.
وهكذا يقول "أليس عصفوران يباعان بفلس، وواحد منهما لا يسقط علي الأرض بدون أبيكم؟" (متى 10: 29) أي بدون سماح منه لا يسقط عصفور.. ويقول أيضًا "انظروا إلي طيور السماء، إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلي مخازن وأبوكم السماوي يقوتها" (متى 6: 26) وليست هي فقط بل يقول المزمور:
"يعطي البهائم طعامها، وفراخ الغربان التي تدعوه" (مز 147: 9).

حتى فراخ الغربان يا رب؟! نعم. فالغربان أيضًا ذكرها الكتاب وكانت لها رسالة! إيليا النبي في وقت المجاعة، كانت الغربان تأتيه بطعام (1 مل 17: 4-6) وهكذا كان يحدث مع الأنبا بولا السائح، وكما اهتم الرب بالطيور، والعصافير والبهائم "اهتم أيضًا بالخروف الضال وبحث عنه حتى وجده" (لو 15).
واهتم الله بالحيوانات وبالطيور في فلك أبينا نوح!
ادخلها جميعها في الفلك، ولم يهمل أحدًا منها حتى الحشرات والهوام، استبقي لها حياة لتعيش، وكان أبونا نوح يقدم لها الطعام كل يوم.. إن في ذلك لعجبًا.. أقصد هذا العطف العجيب.
وكما يشفق الله علي الحيوان فيمنحه حماية من الطبيعة ومن الافتراس.
الدب القطبي، أو الثعلب القطبي، يعيش الواحد منهما في جو بارد جدًا، لذلك يمنحه الله فراء ثمينًا لتدفئته، تشتهيه النساء الثريات، وتدفع في شرائه ثمنًا وفيرًا، أما حيوانات البلاد الحارة فلا تحتاج إلي فراء فيعفيها الرب منه.. ولأن الجمل يعيش في الصحراء، لذلك يعطيه الله قوة عجيبة يتحمل بها العطش والجوع، ويعطي نفس القوة علي الاحتمال للنخلة في الصحراء.
وكما يعطي الحيوانات المفترسة مخالب وأنياب لتعيش كذلك يعطي الحيوانات الضعيفة وسيلة للهرب.
الأسد اقوي من الغزال، يستطيع أن يفترسه. ولكن الرب يعطي الغزال قوة عجيبة في الجري، يمكنه أن يهرب من الأسد، كذلك الكلب يستطيع أن يفترس القط. ولكن الرب يعطي القط القدرة التي يمكنه بها القفز علي الأشجار والجدران فينجو من الكلب.. وبنفس الطريقة يعطي العصافير خاصية الطيران فتنجو، كما يعطي الفأر القدرة علي الحفر والاختباء، فينجو.. ما أعجب شفقة الله.
أنظروا جمال الصوت الذي يعطيه الرب للبلابل وللطيور المغردة.. انظروا جمال الشكل الذي يعطيه الرب للطاووس، بل للفراشة، أنظروا جمال الرائحة التي يعطيها الرب للورود والفل والياسمين، والأزهار العطرة. تأملوا القدرات العجيبة التي يعطيها الله للنحلة في صنع بيوتها بهندسة دقيقة، وفي صنع الشهد من الرحيق، بل في صنع غذاء الملكات، كل ذلك الذي يأخذه البشر منها طعامًا ودواء، بل تأملوا النملة في نشاطها وحركتها الدائبة.. إن الله يعطي خليقته من هذه الصفات ما يكون أمثولة أمام الإنسان يشتهي أن يحاكيها.
وإن كان هذا عطف الله علي مخلوقاته، فكم بالأولي علي الإنسان.

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:30 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
حنو الله الفائق علي الإنسان

يكفي أن الله أوجده بطبيعته ممتازة: له عقل وروح واردة. له العقل الذي استطاع أن يصل إلي الاختراع، ويصنع الأقمار الصناعية وسفن الفضاء ويصل إلي القمر، ويمشي في الجو في مناطق انعدام الوزن.. وأعطاه الإرادة الحرة التي يمكنه بها أن يفعل ما يشاء.. وأعطاه الذكاء لكي يفهم.. ولم يشأ الله أن ينزع الذكاء حتى من الأشرار الذين يعصونه.. وفوق المواهب الطبيعية، أعطي الله لبعض البشر مواهب فائقة للطبيعة وقدرة علي صنع المعجزات، بقوة منه.. ما أعجب ما قيل إن الإنسان خلق علي صورة الله ومثالة (تك 1).
ومنح الله للإنسان الخلود والحياة الأبدية.
منحه ان تكون له حياة دائمة في ملكوته بعد قيامة الجسد من الموت، ووعده بالنعيم الأبدي.
في عشرة الله وملائكته، في أورشليم السمائية "مسكن الله مع الناس" (رؤ 21: 3). وقال للأبرار "حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضًا (يو 13: 4) بل وعد الذين يحبونه بأن يتمتعوا بحياة عجيبة في الأبدية، يكفي أنها قيل عنها "ما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9).
ومن محبة الله للبشر أنه دعاهم أبناءه:
وفي هذا يقول القديس يوحنا الرسول "انظروا أيه محبة أعطانا الآب، أن ندعي أولاد الله" (1 يو 3: 1). وأعطانا أن نصلي له قائلين "أبانا الذي في السموات (متي 6) بل أنه يقول "لا أعود أسميكم عبيدًا.. بل سميتكم عبيدًا.. بل سميتكم أحباء" (يو 15: 15).
وهكذا جعل الله الرابطة التي تربطنا به هي رابطة الحب.

وقيل إنه "أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهي" (يو 13: 1). وشبه هذا الحب بمحبة الآب لبنيه، وهكذا قال داود النبي في المزمور: "كما يتراءف الآب علي البنين، يتراءف الرب علي خائفيه" (مز 103: 13) بل وصل الحب إلي أن لقبنا الله بعروس له، ووصف حبه لنا بطريقة رمزية في سفر نشيد الأناشيد.
ووصلت محبة الله للإنسان إلي حد البذل والفداء..
"هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16) وقال السيد المسيح "أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيتكم به"، "وليس لأحد أعظم من هذا، أن يضع احد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 14، 13) وبسبب هذا الحب والبذل والفداء، كان التجسد وإخلاء الذات (في 2: 7) وقيل عنه في فدائه لنا "كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلي طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعًا" (أش 53: 6).
ومن محبة الله لنا.. أعطانا طريق التوبة لمغفرة الخطايا.
فلم يمسكنا في خطايانا ليعاقبنا عليها، غنما فتح لنا طريقًا للخلاص بالتوبة. وقيل في الكتاب: "إن الله أعطي الأمم أيضًا التوبة للحياة" (أع 11: 18) بل قال أيضًا: "هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلي توبة.. إن الله يتوبنا فنتوب" (ار 31: 18) بل "يقودنا في موكب نصرته" (2 كو 2: 14).
ومن عطف الله علي الإنسان انه منحه الوحي الإلهي.
وهكذا "كلم الله الآباء بالأنبياء بأنواع وطرق شتي" (عب 1: 1) ومنح البشرية وصاياه وتكلم مع موسى النبي فمًا لأذن كما تكلم أيضًا مع إبراهيم.. وأعطانا الله الشريعة المكتوبة "تكلم بها أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2 بط 1: 21). وهكذا علمنا الرب طرقه، وفهمنها سبله وأنار بصائرنا حتى لا نضل الطريق.
بل جعل الله روحه فينا.. وجعلنا مسكنًا لروحه القدوس.
وفي هذا يقول القديس بولس الرسول "أما تعملون أنكم هيكل الله، وروح علي الناس وفي الناس صار روح الله يعمل فيهم، وصارت لهم ثمار الروح (غل 15: 22، 23) وصارت لهم ثمار الروح (غل 15: 22، 23) وصارت لهم أيضًا مواهب الروح المتعددة (1 كو 12) والدخول في شركة الروح القدس (2كو 13: 14) بل صاروا "شركاء الطبيعة الإلهية" (2 بط 1: 4) أي يشتركون معها في عمل الخلاص، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. شركاء في العمل، وليس في الجوهر أو الطبيعة طبعًا.
ومن عطف الله علي الإنسان أن منحه البركة والنعمة.
وبركات الله لا تحصي، أما نعمته فهي موضوع طويل، قد أحدثكم عنه باستفاضة فيما بعد. وبدأت بركة الله للإنسان منذ أن خلقه، وتتابعت البركة علي الآباء والأبرار، بل قيل لأبينا إبراهيم "أباركك.. وتكون بركة" (تك 12: 2) وهكذا سمعنا عن البركة التي منحها الآباء لأبنائها...
ومن عطف الله علي الإنسان الحفظ والتدبير وخدمة الملائكة.
جميع ومعز ما قيل. عن الملائكة "أليسوا جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14) وعمل الملائكة في إنقاذ البشرية الله في السماء" (متى 22: 30) وتسمي بعض البشر ملائكة (رؤ 2، 3) مثل يوحنا المعمدان (مر 1: 2) وما أجمل ما يقال عن الملاك الحارس.
ومن عطف الله معنا في التجارب.
لا يجربنا فوق ما نطيق، ويعطي مع التجربة الاحتمال، ويعطي معها المنفذ، وأكاليل وبركات المهم أن نقابل محبة الله وعطفه، بمحبة، ولا يقودنا عطفه إلي اللامبالاة.

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:33 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
من ردهم الرب إلي أرضهم؟

يعقوب أبو الآباء، كان خارجًا من بيت أبيه، خائفًا من أخيه عيسو. وكان سائرًا في الطريق، ولا يعرف ماذا ينتظره. كل ما كان يعرفه، أنه وضع أمامه نصيحة أمه رفقة التي له: "هوذا عيسو أخوك متسل أخوك متسل من جهتك بأنه يقتلك.. قم أهرب إلي أخي لابان إلي حاران، وأقم عنده أيامًا قليلة، حتى يرتد سخط أخيك، حتى يرتد غضب أخيك، حتى يرتد غضب أخيك عنك.." (تك 27: 43، 45). وفيما هو هارب من أخيه المزمع أن يقتله، طمأنه الرب بقوله: "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض".
إنه حنو من الحفظ الإلهي.
إلهنا الحنون الطيب، يرافق إنسانًا في هربه، ليحفظه، حيثما يذهب، ويكون معه، ويرده إلي أرضه. ويظهر حنو الله وحفظة في هذه القصة، مما يأتي:
كان عمل الله رجاء مقدمًا لإنسان ضعيف عاجز:
· فأبونا يعقوب ما كان قادرًا أن يحمي نفسه.
· وكان أضعف من عيسو بكثير، وعدوه كان قادرًا علي قتله.
· وما كان يعقوب قادرًا أن يحفظ نفسه في الطريق، ولا أن يرجع بقوته إلي تلك الأرض.. وهنا تدخل الله، إله الضعفاء، ليحفظ ويحمي ويرد.
هناك عمل إلهي في حياة كل إنسان..
· عمل إلهي مصحوب بمواعيد، تعطي رجاء للنفس المتعبة.. وسنحاول أن نتتبع أمثلة لهذا العمل الإلهي، وهذا الحفظ الإلهي، كما يبدو قصص الكتاب المقدس.
· حينما أخذ شعب الله مسبيًا إلي بابل وإلي آشور، وكانوا هناك مستعبدين، أسري الحرب، عاجزين عن حماية أنفسهم.. وقد ملكتهم الكآبة، وعلقوا قيثاراتهم علي أشجار الصفصاف، ورددوا قول المزمور: "علي أنهار بابل هناك جلسنا، فبكينا حينما تذكرنا صهيون" (مز 136: 1). هنا تدخل الله، وهمس في إذن الشعب بكلمة رجاء، قال له فيها: "ها أنا معك. وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض".. وقد كان:
عادوا من المسبي، وبنوا أسوار أورشليم المهدمة، وأصلحوا أبوابها المحروقة بالنار، وردهم الرب إلي تلك الأرض..
· وقد شرح نحيما في فرح عظيم قصة هذا الرجوع، وعمل الله معه فيه. وكما نفذ الله وعده لفرد واحد هو يعقوب، نفذ أيضًا نفس الوعد لشعب بأكمله..
* هناك شخص آخر، كانت حالته أسوأ.. هو أبونا آدم:
· أخطأ أبونا آدم وكسر الوصية. وطرده الرب من الجنة. وقال له بالتعب تأكل من الأرض كل أيامك. ووضع الرب الكاروبيم بلهيب سيف متقلب لحماية شجرة الحياة، حتى لا يأكل منها آدم ولا حواء. وأغلقت أبواب الفردوس أمامها (تك 3).. وماذا بعد؟ وسط كل هذا المتعب، ومع هذه العقوبة وهذا الطرد، كان نفس الوعد الإلهي مقدمًا لأبينا آدم "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض".. ومتى رده الرب إلي الفردوس؟.. كان ذلك بعد أكثر من خمسة آلاف سنة؟.. ليكن..
· إن وعد الله قائم، مهما طالت الأيام عليه.. لقد مرت آلاف السنوات، انقضت واختفت. ولكن لم تمر أبدًا ولم تختف عن نظر أحد من الآباء، تلك العبارة المعزية "ها أنا معك.. وأردك إلي هذه الأرض".
ورقدوا جميعهم علي رجاء..
· يرتل كل منهم عبارة المزمور "وأنا أؤمن أني أعاين خيرات الرب في أرض الأحياء. انتظر الرب.." (مز 27: 13). إن عقوبة الله لم تستمر.. الله لا يغضب إلي الأبد، ولا يحقد إلي الدهر (مز 103: 9). لقد طرد آدم لأنه أخطأ. ولكنه مع الطرد، أعطاه الوعد بالخلاص.. وعندما سمر ربنا يسوع المسيح علي الصليب، وحمل جميع خطايانا، ودفع الثمن كاملًا للعدل الإلهي، ماذا حدث؟
· فتح الرب أبواب الفردوس، ورد آدم إلي تلك الأرض ورد معه جميع بنيه، الذين رقدوا علي رجاء، وكذلك اللص اليمين الذي مات علي رجاء الوعد الإلهي "اليوم تكون معي في الفردوس". ونحن نسبح الرب ونقول له:
صادقة يا رب هي مواعيدك. وحقيقي كل رجاء تقدمه.
حينما تقول لأحد "أردك إلي هذه الأرض، لابد أن ترده فعلًا.
يعقوب أبو الآباء، مرت عشرون سنة، ورددته إلي أرضه. والشعب المسبي، مرت سبعون سنة ورددته. إلي الفردوس. مواعيد الله لابد أن تنفذ. لا يهم بعد عشرين سنة، أو سبعين، أو خمسة آلاف.. المهم أن يحقق الله وعده، في الموعد الذي يحدده وفي محبة وقوة، يرد تلك النفس التي وعدها وهنا تظهر قوة العمل الإلهي في حياة الفرد، أو الجماعة،ونلاحظ ملاحظتين في هذه الأمثلة الثلاثة التي ذكرناها.
هذه الأمثلة الثلاثة تدور حول نفوس كانت عاجزة، وأيضًا خاطئة..
لا شك أن أبانا يعقوب كان عاجزًا عن رد نفسه إلي أرضه. وكذلك الشعب في السبي. وأيضًا آدم كان في عجز مطلق عن رد نفسه إلي الفردوس..
وهذه الأمثلة الثلاثة، تدور حول نفوس قد أخطأت إلي الرب، وبالتالي ما كانت مستحقة لوعوده..
آدم معروفة خطيته أو خطاياه العديدة (1).
ويعقوب خدع أباه الضرير، وأخذ البركة بالغش والاحتيال، كما سبق أن أخذ البكورية من أخيه باستغلال إعياء أخيه في جوعه. وشعب إسرائيل كان قد وقع في عبادة الأصنام، مع خطايا أخري كثيرة جدًا أغضب بها الرب، حتى دفعه إلي أيدي أعدائه.
ولكن الله لا يعطي مواعيده وحفظه للأبرار فقط..
حتى الخطاة أيضًا، لا يسقطهم الرب من رعايته وحفظه.. ولو كان الخطاة محرومين من عناية الله، ما خلص أحد.. ولكن الرب جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك.. وقد أعلن أن المرضي هم الذين يحتاجون إلي طيب، وليس الأصحاء. وأنه جاء ليدعو الخطاة -وليس الأبرار- إلي التوبة.
ما أكثر وعود الرب للخطاة، بردهم إلي تلك الأرض..
حتى في سقوط الإنسان وفي خطيئته، يقول له الرب: أنا معك، وأردك إلي هذه الأرض، أرض الأحياء.
الخروف الضال الذي خرج من الحظيرة وتاه، ولم يعرف يعيد نفسه إلي حظيرته، قال له الرب أيضًا: لا تخف، أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض". وفعلًا حمله علي منكبية فرحًا، وأعاده إلي حيث كان. والدرهم المفقود أيضًا، ما كان بقدرته أن يرجع إلي جيب صاحبه أو صندوقه ولكن الرب كان معه، وحفظه ورده إلي تلك الأرض.
ولنا مثل آخر، في قصة يونان النبي:
يونان بخطيئته القي في البحر، وبخطيئته ابتلعه الحوت.. وظل في بطن الحوت.
من الذي يقدر أن يخرجه؟! ولكنه في بطن الحوت، صلي إلي الدرب، لكي يعود فيري هيكل قدسه. ونظر الله إليه وهو في جوف الحوت وقال له: لا تخف. ها أنا معك، وأردك إلي تلك الأرض.. وقد كان..
عجيب هو الله. كل شيء مستطاع عنده..
حتى ما يبدو مستحيلًا أو غير مستطاع، عند الناس..
· هل كان يجول في ذهن الثلاثة فتية، وهو يلقون في أتون النار، أنهم سيعودون مرة أخري إلي بيوتهم؟! ولكن في وسط النار، كان الرب يهمس في أذن كل واحد منهم "أنا معك.. وأردك إلي هذه الأرض".
· ودانيال أيضًا، وهو في جب الأسود، ملقي في وسط الأسود الجائعة، يقول له الرب نفس العبارة.. وفعلًا، أخرج الله دانيال سالمًا من الجب وأخرج الثلاثة فتية من أتون النار كما سبق وأخرج يونان من جوف الحوت وردهم جميعًا.. حقًا عجيب هو الرب! عجيب في محبته، وفي حفظه، وعجيب في عمله الإلهي! عجيب في كل مرة قال فيها لأحد أحبائه: أنا معك، وأردك إلي هذه الأرض.

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:34 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
من ردهم إلي أرض الأحياء بالتوبة

علي أن هذه العبارة، يمكن أن تؤخذ بطريقة روحية أخري. ولنبدأ ببطرس الرسول كمثال.
· إنه بعد أن أنكر السيد المسيح، بكي بكاء مرًا، إذ شعر أنه قد أنفصل عن الرب وعن محبته. وانفصل عن باقي الرسل، وعن الخدمة وكل العمل الرعوي.. ولا شك أنه قد زنت في أذنيه عبارة الرب "من أنكرني قدام الناس، ينكر قدام ملائكة الله" (لو 12: 9). ولكن الرب عزاه بنفس العبارة، التي سبق فعزي بها أبانا يعقوب "أنا معك وأردك..". ولكن كيف رده الرب، ومتى؟ حينما ظهر له، وقال له في حنو "ارع غنمي. وارع خرافي" (يو 21: 15).. وحينئذ شعر بطرس أن الرب قد رده إلي جماعة الرسل..

· وداود النبي، حينما زني وقتل، وسقط من ذلك العلو العظيم الذي كان فيه. ولعله كانت في فكره عبارة أوريجانوس [أيها البرج العالي، كيف سقطت؟!] وبكي داود بكاء شديد مستمرًا، وفي كل ليلة كان يبلل فراشة بدموعه، ولكن إلهنا الحنون الطيب، لم يتركه وحيدًا في أحزانه، بل قال له: "أنا معك، وأردك إلي تلك الأرض"..
أردك إلي أرض التوبة والنقاوة، والمصالحة مع الله. واستطاع الرب أن يرد داود، وأن يغسله فيبيض أكثر من الثلج، وأن يرد له بهجة خلاصه (مز 51: 12).
وبنفس الوضع رد الرب شمشون بعد سقوطه..
ولعله بنفس الوضع أيضًا رد سليمان بن داود، الذي قال له عنه: "إن تعوج أؤدبه.. ولكن رحمتي لا تنزع منه، كما نزعتها من شاول" (2 صم 7: 14، 15).
لقد مر وقت علي داود، ظن أنه لا خلاص..
وهكذا صرخ إلي الرب قائلًا: "يا رب لماذا كثر الذين يحزنونني؟ كثيرون قاموا علي كثيرون يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه" (مز 3). ووسط هذه الأفكار التي يزرعها الشياطين، تبدو وعود الرب مملوءة رجاء "أنا معك، وأردك إلي هذه الأرض"..
هذه العبارات هي أقوي سلاح في التوبة والرجوع.. كثيرين أنهم يظنون بأنهم سيعودون إلي الله، بقوة إرادتهم، وبعزيمتهم، وبصدق عزمهم علي الرجوع، دون أن يضعوا العامل الإلهي في قصة عودتهم إلي الله!!
كلا، صدقوني.. فلو كان الإنسان الخاطئ هو الذي يعيد نفسه إلي الله، ما عاد أحد..
إنما الإنسان يصرخ إلي الله: توبني فأتوب، خلصني فأخلص (أر 17: 14). والسيد المسيح يقول في وضوح "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5). إن النفس الميالة إلي الخطية، وكذلك الإرادة الضعيفة، وحروب الشياطين والمعطلات الروحية.. كل هذه تصد الإنسان، وتحاول منعه عن الرجوع إلي الله. ولكن نعمة الله تقف أمام هذه المعطلات. وصوت الرب يقول في حنو للخاطئ: "لا تخف. أنا معك. أحفظك.. وأردك إلي تلك الأرض".
أنا أردك إلي تلك الأرض، مهما بعدت أنت وضللت..
ومهما كان يبدو لك أو لغيرك، أن الخلاص بعيد عنك أو مستحيل، أو أن التوبة غير ممكنة..
أنا معك، عندما يحاربك الشيطان باليأس..
حينما يحاربك عدو الخير، ويقول لك: أن الخطية لم تعد مجرد عادة عندك، بل صارت طبيعة فيك. ولن تقدر علي تركها. لقد صارت ملتصقة بك. أكثر من التصاق جلدك بلحمك. وصارت تسري فيك أكثر من سريان دمك في عروقك..!! لا تخف منه ومن أفكاره، بل قل له في ثقة:
أنا لن أرجع إلي الله وحدي، أو بقوتي..
هو الله الذي سيردني إليه، الله الذي قال: "أنا معك. وأحفظك. وأردك إلي تلك الأرض". مادام الله هو الذي يردني، إذن فغير المستطاع عند الناس، هو مستطاع عند الله (مر 10: 27).
إن الله يقول لنا في وعوده:
"أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم. وأنزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم. وأجعلكم تسلكون في طرقي وتحفظون أحكامي" (حز 36: 26، 27). ويقول أيضًا "هلم نتحاجج -يقول الرب- إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج" (إش 1: 18).
إنه الرب الذي يعمل العمل كله، ويردنا إليه..
بأنواع وطرق شتي، يردنا الرب إلي أرضه:
بالحب والحنان، يردنا الرب إلي تلك الأرض.. وإلا.. فبالشدة والعقوبة يردنا، أو بالتجارب والضيقات. أو بالتعليم والإرشاد.. أو بصبره علينا وطول أناته. بأيه الطرق.. بالوسيلة المناسبة لكل نفس علي حدة.. المهم، أنه يخلص علي كل حال قومًا. لأنه يريد أن الجميع يخلصون، وإلي معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4). وهو لا يسر بموت الخاطئ، بل بالحري أن يرجع ويحيا (حز 33: 11).
إنه الرب الراعي الشفوق، الذي يحافظ علي غنمه.. هو الذي يحنن عليك قلوب الناس.. وهو الذي يحنن عليك قلوب الناس.. وهو الذي من أجلك يربط الشيطان، فلا يستطيع أن يؤذيك،هو الذي يحوط حولك من كل ناحية، فتغني وتقول سبحي الرب يا أورشليم، سبحي إلهك يا صهيون لأنه قوي مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك الذي جعل تخومك في سلام، ويملآك من شحم الحنطة. الله هو الذي يقوي مغاليق أبوابك، ويجعل تخومك في سلام. ضع أمامك باستمرار، عمل الله في حياتك، وليس عملك أنت.
ما هو عمل الله في حياتك؟ ماذا عن يد الله معك، يمين الله التي صنعت قوة التي تمسك بك وتسندك.. ماذا يفعل الروح القدس من أجلك؟ وماذا تعمل قوة الله ونعمة ربنا يسوع المسيح من أجلك؟.. ماذا تفعل تشفعات الملائكة وصلوات القديسين من أجلك؟
أما عملك أنت، فله المكان الثاني، أو المكان الأخرى..
أما المكان الأول، والمكانة الأولي، فلعمل الله، ولوعد الله القائل: أنا معك. أحفظك، وأردك إلي تلك الأرض.
يا ليت هذا الوعد الإلهي، يكون ثابتًا في ذاكرتنا:
نضعه أمامنا باستمرار، فنتعزى ونتقوى.. كلما تيأس أنه لا خلاص، أو أنه لا فائدة من كل جهادك، تذكر هذه العبارة الإلهية.
كلما يضغط عليك الشيطان، ويقول أنت في قبضتي!
ويقول لك: لن أتركك، لقد وقعت في يدي! قل له: ما هي قضيتك؟ وما هي قوتك؟! أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية؟! (1 كو 15: 55). هناك الوعد الإلهي: "أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب".
حسن يا رب قولك. ولكن ماذا عن عيسو أخي؟
عيسو الشديد القاسي الذي يتهددني، الذي قال في غضبه "أقوم وأقتل يعقوب أخي "؟ يرد الرب ويقول: "لا تخف. أنا معك. أحفظك حيثما تذهب". مبارك أنت يا رب، ومبارك هو حنوك. ليكن لي كقولك.
ولتكن قويًا من الداخل، مهما أطبقت حولك الضيقات.. مهما تآمر عليك الأشرار، وماجت حولك المياه الكثيرة.. مهما تفكرت الشعوب بالباطل، تآمر الرؤساء معًا علي الرب وعلي مسيحه، قائلين: لنقطع أغلالهما، ولنطرح عنا نيرهما. لا تلتفت إلي كل هذا، بل ضع أمامك الوعد الإلهي: أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب..
حقًا، مادامت أنت يا رب معي، فالدنيا بأسرها كلا شيء قدامي.. هذه الدنيا كلها، كقبض الريح، كالهباء، بكل ما فيها من مؤامرات الناس الأشرار، وكل الهياج، وصوت المياه الكثيرة..
بما فيها من مكر لابان خالي، الذي غير أجرتي عشر مرات (تك 31: 7). وأعطاني ليئة بدلًا من راحيل (تك 29).. مادام وعدك يا رب قائمًا أمامي، فلن أخاف البحر الأحمر أن اعترض سبيلي. أنت قادر أن تشقه، وتمهد لي طريقًا في داخله، وتقول لي: امش فيه، وأنا معك، أحفظك حيثما تذهب.. حتى إن وقف أمامي جليات الجبار، وعيرني طول النهار، وهددني برمحه الذي مثل نول النساجين، وبسيفه وقوته وشماتته.. أقول له: أنت تأتيني بسيف ورمح ولكن الحرب للرب، فإنا لذلك أتيك ومعي الوعد الإلهي القائل: أنا معك، أحفظك حيثما تذهب..
لهذا كله، كان أولاد الله دائمًا فرحين ومطمئنين.
عاشوا بقلب مطمئن في جهادهم الروحي، وفي كل الحروب الروحية. ولم يتعبوا من حروب الشياطين، ومن صراعهم مع أجناد الشر، قوات هذا العالم المظلم. بل تركوا العالم يضطرب حولهم كما يشاء، وتمسكوا بالوعد الإلهي المملوء رجاء وعزاء. وأنت كذلك في كل حروبك الروحية، وفي كل ضيقاتك ومشاكلك، لا تنظر إلي القوي الخارجية التي تحاربك، ولا تفكر من سيقابلك في الطريق ويعترضك. بل ركز فكرك ومشاعرك في وعود الله، التي تشجعك وتسندك وتعزيك.
كم أنت حنون يا إلهي وطيب..
وكم هي معزية، وعودك التي ترافق أولادك طول مسيرتهم في غربة هذه الحياة... كم أنت تعمل، وقوتك الحافظة تعمل.. مفرحة هي أقوالك، التي تشجع بها أولادك.. لقد كثر الأعداء حول داود النبي، حتى قال ذات مرة "أكثر من شعر رأسي، الذين يبغضونني بلا سبب" (مز 69: 4). ومع ذلك نراه في كل ضيقاته، ومع كثرة أعدائي، ينسي كل هذا ويقول للرب: "ناموسك هو درسي" (شهاداتك هي تلاوتي) (مز 119).
أيه شهادات يا داود، تعزيك في كل ضيقاتك؟
يجيب: أنها كثيرة جدًا، ولكن تكفيني منها واحدة، وهي قول الرب: "أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض". لست أريد سوي هذه العبارة. ومادمت معي أيها الرب الإله، ومادامت وعودك في فكري، فلن أخاف شرًا، حتى إن سرت في وادي الموت، لأنك أنت معي (مز 23). ستجدني كلي شجاعة وإيمان، ورجاء، بموعدك الإلهي.. حقًا يا رب أنك عجيب. وحسن قولك لمنوح والد شمشون.
"لماذا تسأل عن أسمي، وهو عجيب" (قض 13: 18).
إنه منظر عجيب حقًا، أن نري أولاد الله سائرين في طريق الحياة، ونري الله ممسكًا بيد كل منهم، يقول له وهو يشجعه: ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب..
إن قوة المسيحية، في أنها لا تعتمد علي بشرية أو إنسانية أو ذاتية، إنما تعتمد علي الموعد الإلهي: أنا معك، وأحفظك..
أحفظك من الشياطين، ومن الناس الأشرار وأحفظك من نفسك..
أحفظك من كل سوء. احفظ نفسك. أحفظ دخولك وخروجك (مز 121). ويسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك (مز 91) "لا تخشي من خوف الليل، ولا من سهم يطير في النهار، ولا من أمر يسلك في الظلمة" (مز 91). وإن سرت في وادي ظل الموت، لا تخاف شرًا. لماذا؟

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:35 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
أردكم إلي الأرض الجديدة

إننا من عند الله خرجنا. نفخة قديسة خرجنا من فمه الإلهي، ودخلنا في هذا التراب، وعشنا فيه زمنًا.
وجودنا في التراب، هو فترة غربة، يصرخ فيها المرتل قائلًا في المزمور: "ويل لي، فإن غربتي قد طالت علي" (مز 120) وفيما نحن نعيش في هذا التراب، ونتعب من هذا الجسد الترابي، نصرخ مع القديس بولس الرسول: "من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 7: 24)، حينئذ يقول الله لكل منا "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض".
وما هي هذه الأرض؟
يقول القديس يوحنا الرائي: "أبصرت وإذا سماء جديدة وأرضًا جديدة. لأن السماء الأولي والأرض الأولي قد مضتا، والبحر لا يوجد فيما بعد" (رؤ 21:1). وينظر الإنسان مبهورًا إلي هذه الأرض الجديدة، التي بارئها وصانعها الرب (عب 11: 10)،الأرض المقدسة، التي لا توجد فيها خطية ولا موت. ولا تحتاج إلي شمس ولا إلي قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الرب ينيرها (رؤ 21: 23)
ويشير الله إلي هذه الأرض ويقول:
"ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض "ليكن اسم الرب مباركًا، من الآن وإلي الأبد، آمين.

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:36 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
دون أن نطلب

لعل أحدكم يقول: كيف يكون لي رجاء، وأنا لا أصلي، ولا أطلب من الله نعمة ولا قوة ولا ملكوت الله وبره؟ هلي مثلي يكون له خلاص؟!
نعم، إن الخلاص للكل. وإن كنت أنت لا تطلب خلاصك، فإن السيد الرب قد قيل عنه إنه: "جاء لكي يخلص ما قد هلك" (لو 19: 10). إنه يسعي لخلاصك أكثر مما تسعي أنت إليه. وهو في كل مجال يعطينا دون أن نطلب.
إنه شيء مفرح أن يعطينا الله ما نطلب. ولكن عمق الفرح يظهر في أنه يعطينا دون أن نطلب..
هنا عمق المحبة الإلهية نحو البشر. بل هنا أبوة الله الحانية، التي تدرك تمامًا ما نحتاجه وما يلزمنا، فيعطينا من فيض محبته، وليس لمجرد استجابته لصلواتنا. وسأحاول يا أخوتي أن أثبت لكم هذه الحقيقة بأمثلة عديدة، حتى يكون لكم عمق الرجاء في عمل الله لأجلكم.
طبيعة الله الذي يعطي دون أن نطلب، ظهرت واضحة منذ البدء، من أول قصة الخليقة بل في عملية الخلق ذاتها.
إنه منحنا الوجود دون أن نطلب. ومنح الوجود لكل الكائنات التي خلقها العاقلة والجامدة، التي لها حياة والتي ليس لها، طبعًا دون أن تطلب. لقد خلقها كلها من العدم. والعدم ليس له كيان لكي يطلب.
وخلقنا الله علي صورته ومثاله دون أن نطلب..
حتى علي فرض المستحيل، لو كانت لنا الإمكانية أن نطلب الصورة التي نخلق عليها، ما كنا نطلب أن نخلق علي صورة الله ومثاله، كما شاء الله وتحنن (تك 1: 26، 27).
ودون أن نطلب خلق الله لنا هذه الطبيعة وسلطانا عليها.

أعد لنا كل شيء قبل أن نكون. بسط لنا السماء سقفًا، ومهد لنا الأرض كي نمشي عليها. وكما قال القديس غريغوريوس في قداسه: "لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك.. من أجلي أخضعت طبيعة الحيوان".. ومن أجلنا خلق الله الأشجار والأثمار، والعشب والبقول، والأزهار والأطيار. ومن أجلنا خلق النور، ووضع قوانين الفلك.. كل ذلك دون أن نطلب.. ولم يكتف بهذا وإنما قال لنا في حنوه "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض واخضعوها. وتسلطوا علي سمك البحر، وعلي طير السماء، وعلي كلي حيوان يدرب علي الأرض" (تك 1: 28).
وخلق الله حواء لآدم دون أن يطلب..
كان يعلم أن آدم لا يجد له معينًا نظيره، مثلما تجد باقي الكائنات (تك 2: 20). فخلق له حواء. وهكذا أمكن أن تنمو البشرية وتملأ الأرض وتعمرها، وكل ذلك دون أن نطلب.
إن هذه هي طريقة الله كأب محب وكراع صالح..
أنه لا ينتظر من أولاده ومن رعيته ومن خليقته أن يطلبوا فيعطيهم. بل هو من تلقاء ذاته يعرف ما يحتاجون إليه، فيعطيهم دون أن يطلبوا..
حقًا ماذا يدركه الطفل الصغير من احتياجاته حتى يطلبها؟!
ولكن أباه يعلم ويفهم ماذا يحتاج إليه ابنه، فيعطيه دون أن يطلب. هكذا نحن مع أبينا السماوي، أنه أدري بما نحتاج إليه. وهو كأب حنون يدبر احتياج كل إنسان، ويدبر احتياجات الأمم والشعوب والجماعات. ولا ينتظر من كل هؤلاء حتى يطلبوا.. وربما لا يطلبون ما يفيدهم وما يفيد غيرهم معهم.
إن كان الكاهن العادي يفتقد رعيته، ويوفي احتياجاتها دون أن تطلب فكم بالأولي الله رئيس الكهنة الأعظم وراعي الرعاة؟
نعم كم بالأولي الله: "راعي نفوسنا وأسقفها" (1 بط 2: 25) الذي قال في حنوه ط أنا أرعي غنمي وأربضها -يقول السيد الرب- وأطلب الضال، واسترد المطرود، وأجبر الكسير وأعصِب الجريح" (حز 34: 15، 16).
إنه يرعي شعبه، لأن هذا هو عمله، وهذا هو حبه.
ولا ينظر أن ينبهه احد إلي هذا. إنما نحن نطلب، لأن هذا الطلب يشعرنا ببنوتنا لله، ويعمق الدالة بيننا وبينه، ويعطينا فرحًا داخليًا حينما تُسْتَجَاب طلبتنا،.ولهذا قال الرب لتلاميذه:
"إلي الآن لم يطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو 16: 24).
فرح الاستجابة أو فرح الدالة، هو الذي يجعلنا نطلب.
ولكن الله يمنحنا كل شيء، حتى دون أن نطلب. وفي الكتاب المقدس توجد أمثلة عديدة، تثبت لنا هذه الحقيقة، فلنحاول أن نتأمل بعضها حتى يكون لنا من ذلك عزاء، وحتى يكون لنا رجاء باستمرار في يد الله الذي يعمل من أجل سعادتنا كأب وراع وخالق..
لوط: أنقذه الله مرتين دون أن يطلب..
مرة حينما سبي مع أهل سادوم في حرب أربعة ملوك مع خمسة ملوك التي وردت في (تك 14) ودون أن يطلب لوط، حرك الله قلب إبرآم عمه فجمع رجاله المدربين، وأنقذه من السبي، كما أنقذ أهله والمدينة كلها. والمرة الثانية حينما قرر الله حرق سادوم. ودون أن يطلب لوط أرسل الله له ملاكين، فأخذاه هو وأسرته بقوة، وكانا يدفعانه إلي الخارج دفعًا وهو متوان (تك 19: 16). وذلك لشفقة الرب عليه ورغبته الإلهية في إنقاذه.
أن الله لا ينتظر حتى يصرخ الإنسان إليه، وإنما.. من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم -يقول الرب- أصنع الخلاص علانية" (مز 11).
لم يقل "من أجل صلواتهم وطلباتهم"، وإنما من أجل حالتهم التي رآها، من أجل شقائهم وتنهدهم، يقوم الرب ويصنع الخلاص، سواء طلبوا أو لم يطلبوا لم يطلبوا.. وهكذا في كل مرة يري فيها الله مذلة شعبه (خر 3:7)، يرسل لهم مخلصًا يخلصهم، كما فعل أيام موسي وأيام جدعون (ضق 6). وأنقذ إسحق من الذبح، في اللحظة الأخيرة، والسكين فوق رقبته، دون أن يطلب (تك 22)..
والله يشبع كل حي من رضاه، دون أن يطلب.. يرسل المطر والشمس، ويعطي الطعام لكل ذي جسد، حتى للملحدين الذين لا يطلبون منه شيئًا. ويعطي جمالًا لزنابق الحقل. إنه يمنح الكل من أجل جوده وهو وخيريته، وليس بسبب استحقاق الناس ولا بسبب طلبهم

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:38 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
نعم الله العظيمة

خذوا مثالًا لذلك حبل السيدة العذراء بالله الكلمة.
هل تظنون أن العذراء كانت تطلب هذا الأمر ؟! محال طبعًا! وما كان حتى يخطر بذهنها، بل قد تعجبت له وقالت للملاك: "كيف يكون لي هذا؟!.." (لو 1:34).. ولكن الرب منحها هذه النعمة العظيمة، والقدير صنع بها عظائم (لو 1: 49) دون أن تطلب..

وعملية الفداء والخلاص علي الصليب هل طلبها الإنسان؟!
إن أول وعد بالخلاص إنما منحه الله للإنسان دون أن يطلب، حينما قال إن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك 3: 15).. والخلاص بهذا الشكل، ما كان يفكر أو يحلم به أحد هل كان أحد يفكر أن الله يتجسد من أجلنا، ويخلي ذاته، ويتألم ويموت علي الصليب؟! أن بطرس الرسول لما سمع هذا الكلام من المسيح "ابتدأ ينتهره قائلًا حاشاك يا رب" (متى 16: 22). إذن هذا الأمر ما كان يطلبه أحد. ولكن الله منحنا هذا الخلاص دون أن نطلب..
وتظهر نعمة الله العظيمة في رفع إيليا وأخنوخ إلي السماء.
هل كان أخنوخ يحلم أو يفكر في أن يكون أول إنسان يرفعه الله إلي السماء ويأخذه إليه؟! (تك 5: 24). أو هل طلب إيليا أن يرفعه الله في مركبة نارية إلي السماء؟! (2 مل 2: 11). إنها نعم لا تخطر علي بال، ولذلك من المحال أن يطلبها إنسان. بل يعطيها الله لمن يشاء من أولاده دون أن يطلب..
ونفس الكلام نقوله أيضًا عن النعيم الأبدي.
هذا الذي يقول عنه الكتاب: "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9)،وطبعًا من المستحيل أن يطلب أحد ما لم يخطر علي بال إنسان. إننا قد نطلب نعيمًا. ولكن هذه الصورة بالذات، هي شيء فوق ما نطلب، كل ما فيه من تفاصيل لم ترها عين ولم تسمع بها إذن ننالها دون أن نطلب..
أكان بولس الرسول يطلب أن يصعد إلي السماء الثالثة..!
هذه التي رأي نفسه فيها، أفي الجسد ليس يعلم، أم خارج الجسد ليس يعلم.. أو كان يطلب أن يسمع هناك كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها..؟! من يطلب هذا؟! لا أحد طبعًا.
ولكن الله في كل إعلاناته للبشر، يعطي دون أن نطلب..

Mary Naeem 12 - 01 - 2014 07:40 AM

رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
 
الرؤى والظهورات

كلها، قد منحها الله للناس دون أن يطلبوا..
أكان أبونا يعقوب يطلب أن يري سلمًا واصلة بين السماء والأرض؟!
وكان يطلب أن يري ملائكة الله صاعده ونازلة علي هذا السلم، وصوت الله يناديه ويمنحه الطمأنينة والهدوء (تك 28: 12-15).. كل ذلك بعد أن خدع أباه وأخذ منه البركة بمكر..
أليس أن هذه الرؤيا جاءت ليعقوب دون أن يطلب؟!
وبنفس الوضع الرؤيا التي رآها القديس يوحنا في بطمس.
إنه لم يطلب مطلقًا في منفاه أن يري المسيح،" ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها، وعيناه كلهيب نار "بل أن يوحنا لم يحتمل هذا المنظر وسقط علي الأرض كميت (رؤ 1: 12 - 17). حيوانات غير المتجسدين، والملائكة السبعة أصحاب الأبواق، وأصحاب الجامات، وكل ما هو عتيد أن يكون.. وهو لم يطلب أن يري السماء مفتوحة، ويرى عرش الله، والأربعة والعشرين كاهنًا، والأربعة

وكيف يطلب شيئًا من هذا، وهو لا يعلمه. ونفس الكلام ينطبق علي رؤى دانيال، ورؤى حزقيال، وباقي الرؤى وكل الأحلام المقدسة، وكل النبوءات أيضًا. كل ذلك كشف إلهي، لا يعقل أن يطلبه أحد لأنه طبعًا لا يعرفه ولا يدور بذهنه..
أحلام يوسف الصديق عن مستقبل حياته، ما كانت تدور بذهنه.
ما كان يجول بذهنه -وهو صغير إخوته- أن يأتي إليه إخوته ويسجدوا له، وكذلك أبواه. لذلك فالحلم الخاص بسجود الشمس والقمر والأحد عشر كوكبًا له، ما كان يطلبه. ولا الحلم الخاص بسجود حزم إخوته لحزمته (تك 37). إنها رئاسة يمنحه الله إياها، ويعلنه بها، دون أن يطلب.
ونفس الكلام نقوله عن موهبة يوسف في تفسير الأحلام.
ونقول هذا عن كل موهبة أخري يمنحها الله لإنسان. مثل موهبة الموسيقي والمزامير التي وهبها الله لداود دون أن يطلب، ومثل موهبة القوة التي وهبها لشمشون دون أن يطلب. ومثل موهبة الجمال التي وهبها ليوسف (تك 39: 6) ولموسي (أع 7: 20) ولداود (1 صم 16: 15).
والأحلام المقدسة هي موهبة أخري من الله لأسباب روحية.
بعضها للمعرفة والبعض للإنقاذ، أو للتعزية أو للبشارة.. حلم ليوسف النجار لينقذه والعائلة من سيف هيرودس (متي 2: 13). وحلم آخر للمجوس (متي 2: 12). وأحلام لأبيمالك لإنقاذ سارة زوجة إبراهيم (تك 20: 3) وحلم لسليمان ليمنحه الرب بركة (1 مل 3: 5)،وحلم لنبوخذ نصر فسره له دانيال لكي يتضع ويتوب (دا 4: 4-27). وأحلام البشارة كثيرة مثل الحلم الذي ظهر ليوسف النجار يبشره بميلاد المسيح.
كل هذه الأحلام منحها الله لأصحابها دون أن يطلبوا..
وقد قدم الله الرؤى والأحلام كموهبة من روحه القدوس، مثلها مثل النبوءة وحينما قال في سفر يؤئيل النبي: "اسكب روحي علي كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلامًا ويري شبابكم رؤى" (يوء2: 28) وتكررت هذه العبارة في سفر أعمال الرسل (أع 2: 17).
النبوءات أيضًا منحها الله للأنبياء دون أن يطلبوا..
ومنحنا أيضًا هذه النبوءات لفائدتنا دون أن نطلب. وكل الذين أرسلهم الرب كأنبياء، ما كانوا سيرون هكذا. وإنما في لحفظة لا يعرفها أحد نسمع مثلًا أنه "كانت كلمة الرب إلي أرمياء النبي" (دا 9: 2) أو صارت كلمة الرب لحزقيال (حز 3: 16) أو "صارت كلمة الرب إلي صفنيا" (صف 1: 1).. كل ذلك دون أن يطلب واحد منهم..
واضح أن الرب يكلم البشر متى يشاء، دون أن يطلبوا..
أنه يقدم الحلم أو الرؤيا أو النبوءة، أو الموهبة، دون أن نطلب، وربما في وقت لا نتوقعه علي الإطلاق.
وإن كان هذا بصفة عامة، فبالأكثر مواهب العهد الجديد..


الساعة الآن 08:52 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025