منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   بستان الرهبان | حكم وتعاليم آباء البرية وأباء الرهبنة (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=31)
-   -   كتاب بستان الرهبان كامل (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=515508)

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:20 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
وسُئل أيضاً: «كيف يقتني الاتضاعَ»؟ فقال: «بتذكارِ السقطاتِ، وانتظارِ قربِ الموتِ، واتخاذ لِباسٍ حقيرٍ؛ وأن يختارَ موضعاً هادئاً، ويكون له سكونٌ دائمٌ، ولا يُحبُّ ملاقاة الجموع، وليكن غيرَ معروفٍ وغيرَ محسوبٍ، ملازماً أموره بقدرٍ، مبغضاً لقاء الناسِ، والدالة والخلطة، غير محبٍ للأرباح، مانعاً عقله من لومِ أحدٍ، أو الإيقاع بإنسانٍ، فلا يعامل أحداً، ولا يعاشره، بل يكون متوحداً في ذاتِه، منفرداً، ولا يجعل له همًّا بأحدٍ من الخليقةِ غير نفسه، وباقتصار الغُربةِ والمسكنةِ والتصرف بانفرادٍ. فهذه كلها تولِّد الاتضاع، وتطهر القلبَ. والذين قد بلغوا الكمالَ، هذه هي دلائلهم وعلاماتهم، ولو أنهم يُسلَّمون كلَّ يومٍ عشرَ دفوعٍ للحريقِ من أجل محبةِ الناسِ، فلا يشبعون من حبهم».
سؤال: «ما السبب في أنَّ فعلَ الرجاءِ لذيذٌ، وتعبَه خفيفٌ»؟
الجواب: «ذلك لسببِ الاشتياقِ الطبيعي، الذي يستيقظُ في النفسِ، ويسقيها كأسَ الرجاءِ ويُسكرها، ومن تلك الساعةِ، لا يحس ذوو الرجاءِ بتعبٍ أبداً، بل يثبتون غير شاعرين بالضيقات، وفي كلِّ ما جرى في سيرتهم، يظنون كأنهم في الجوِ سائرون بغير أقدامٍ بشريةٍ، ولا تظهر لهم صعوباتُ الطريقِ وخشونتها، فلا يبدو أمامهم أن هناك أوديةً وروابي وتلال، بل حتى الوعر قدامهم يكون سهلاً، والمواضع الحرجة كأرضٍ لينةٍ، لأنهم في كلِّ وقتٍ ينظرون إلى حضنِ أبيهم، والأملُ يشير إليهم كمثلِ الإصبع، ويريهم الأشياءَ البعيدةَ غير المرئيةِ، كما لو كانت قريبةً، ملاحظين بعينِ الإيمانِ الخفيةِ، لأن جميعَ أجزاءِ النفسِ تسخن مثل النارِ بشوقِ الأمورِ العتيدةِ، وإلى هناك يمدون لواحظَ أفكارِهم ويسرعون على البلوغِ. وإذا ما دنوا من عملِ واحدةٍ من الفضائلِ، فإنهم لا يعملونها بالتدريجِ، بل بالتمام مرةً واحدةً، فإنهم في الطريق السلطانية، لا يسيرون مثل باقي الناس، لأنهم اختاروا سبلاً قاطعةً. إنهم أفرادٌ من الجبابرةِ والشجعانِ، أولئك الذين قدروا على السيِر فيها، لأن سعيَهم بالتجبرِ والحرصِ ينتهي، لأن الرجاءَ يُشعلهم مثلَ النارِ، فلا يقللون من سرعةِ جريهم بسبب فرحِهم. ويعرض لهم مثل ما قال إرميا النبي: إني قلتُ لا أعودُ أذكره، ولا أنطق باسمهِ، وصار في قلبي كمثل النارِ المتقدة، وأشعل عظامي. هكذا تكون قلوبُ الذين يَجْرُون برجاءِ اللهِ حتى يدركوا الحياةَ الأبديةِ».

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:21 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
وقال أيضاً: «يتقدمُ الآلامَ جميعَها، عزةُ النفسِ ومحبةُ الذاتِ، ويتقدم كلَّ الفضائلِ احتقارُ الإنسانِ للراحة. الذي يُغذي جسدَه بالراحةِ، فإنه في بلدِ السلامِ ينضغطُ بالضيقةِ، والذي يتنعم في شبابهِ، يكون عبداً في شيخوخته، وفي الآخرِ يتنهد. وكما أنه لا يتمكن مَن قد حَبَسَ رأسَه في بئرٍ عميقةٍ مملوءة ماءً، من استنشاق هواء هذا الجو المتدفق في الفضاءِ، هكذا من غَطَسَ ضميرُه باهتماماتِ الأمور الحاضرةِ، فإنه لا يمكن أن تقبلَ نفسُه استنشاق حُسن العالم الجديد. وكما أن رائحةَ السم المميت تُفسد مزاج الجسد، كذلك المناظر السمجة تخبط سلامة الضمير. وكما أنه لا يُستطاع أن تكون الصحةُ والمرضُ في جسدٍ واحدٍ، ولا يفسد أحدُهما من الآخر، هكذا لا يمكن للحب والبغضة أن يسكنا في إنسانٍ واحدٍ ولا يُفسد أحدُهما قريبَه. وكما أنه لا يثبت الزجاج في تقلبه مع الأحجار بل ينكسر، هكذا لا يمكن أن يكون أحدٌ طاهراً، وهو مداوم النظرَ والكلامَ مع النساءِ. وكما تنقلع الأشجارُ من شدةِ جريان الماءِ، كذلك محبة العالم تنقلع من القلبِ من حدة التجارب الحادثة على الجسدِ. وكما أن الأدويةَ المسهلةَ تنقي الكيموسات (أي الإفرازات) الرديئة من الأجسادِ، هكذا شدة الضيقات تقلع الآلام من القلبِ. وكما أنه لا يمكن أن يكونَ بغيرِ أذيةٍ ذاك الذي يُشفق على عدوِهِ المحارب له في صفوف القتالِ، هكذا لا يمكن أن يُشفِقَ المجاهدُ على جسدِه، وتنجو نفسُه من الهلاكِ. من اقتنى دموعاً في صلاتِه، فهو كإنسانٍ يُقدِّم قرباناً عظيماً للملكِ، وقد اقتنى عنده وجهاً بهجاً، كذلك الدموع قدام الله الملك العظيم تزيلُ كلَّ أنواع خطاياه ويقتني عنده وجهاً بهجاً. وكالنعجةِ التي تخرج من الدوّارِ وتمضي لتقيمَ في جحرِ الذئابِ، هكذا الراهب الذي يترك موافقة إخوته، ويداوم الطياشةَ والنظرَ في الخليقةِ. وكمثلِ من هو حاملٌ جوهرةً ثمينةً، ويمضي بها في طريقٍ، وتُشاع عنها أفكارٌ سمجةٌ، فيصبحَ في كلِّ وقتٍ مرعوباً من السالبِ، هكذا الذي قد اقتنى جوهرةَ العفةِ، ويسيرُ في العالمِ الذي هو طريق الأعداء فهذا ليس له رجاءٌ في أن يفلتَ من اللصوصِ السالبين، إلى أن يدخلَ منزلَ القبرِ (أي القلاية)، الذي هو بلد الثقةِ. وكما أنه لا يمكن لذاك أن لا يخاف، كذلك أيضاً ولا هذا؛ لأنه لا يعرف بأيِّ بلدٍ وبأيِّ وقتٍ يخرجون عليه بغتةً ويُفقرونه من جميعِ مالهِ، لأنه هناك من يُسلبُ في بابِ دارهِ، الذي هو زمانُ الشيخوخةِ».

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:21 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
«وكما أنه من بذارِ عرقِ الصومِ ينبتُ سنبلُ العفةِ، كذلك أيضاً يتولد من الشبعِ الفسقُ، ومن الامتلاءِ النجاسةُ، أما الأفكارُ المشاغبة (الشهوانية) فلا تجسر على البطنِ الجائعةِ المتذللة قط. كلُّ مأكولٍ يتحصل داخلنا يتسبب عنه زيادة كيموس الزرع الطبيعي المجتمع في جسدنا، وإذا امتلأت الأعضاءُ التي هي أواني الزرع من السائل الذي من جميع الجسدِ، فإنه يسيل إلى هناك، إذا عرضَ له أن ينظرَ جسداً ما، أو تحرَّك فيه ذِكرُ شيءٍ من غيرِ الإرادةِ مع ما يتحرك بالفكرِ في ساعتهِ من مادةٍ بلذةٍ، تتحرك من هناك وتنطلق في جميع الجسمِ، حتى ولو أن الفكرَ يكون شجاعاً جداً وعفيفاً ونقياً بحركاته، ولكن بسببِ ذلك الإحساس في الأعضاءِ، فلوقته يضطرب إفرازه، وعفة أفكاره النقية تتسخ وطهارته تتنجس، لأجل اضطراب تلك الآلام التي تتحرك في القلبِ من توقد الأعضاء، وفي الحالِ تذهب نصفُ قوته، ويوجد مغلوباً مخصوماً بغير قتالٍ. ولن يتعب عدوه في الجهاد معه لأنه غُلب تحت إرادة الجسد المشاغب، وهكذا يجمع أفكاراً متلبسة بأشكالٍ مشاغبة محيطة به، أثناء رقاده وحده، ويبقى سريره الطاهر فندقاً للزواني، وتتدنس أعضاؤه الطاهرة من غير أن تدنو منه امرأةٌ. أيُّ بحرٍ يضطربُ هكذا، ويتسجس من الراموز، مثل اضطراب العقل المتقن السديد، بقوة الأمواجِ الثائرة عليه في جسمهِ، من امتلاءِ البطنِ».
أيتها العفةُ، ما أنقى حسنك بالرقادِ على الأرضِ، وألم الجوع الذي يشتت النومَ عنه لأجل نشوف الجسد، وخلو البطن. من كلِّ مأكولٍ، تصدر داخلنا أشكالٌ مرذولةٌ، وصورٌ مشاغبةٌ تتشكل منه، فتخرج وتظهر لنا في بلدِ عقلنا الخفي، جاذبةً إيانا إلى مشاركتها بأفعال الفسق، أما خلو البطنِ فإنها تكون كمثل بريةٍ مقفرةٍ للضمير، هادئة من سجس الحسيات؛ والبطن الملآن، فهو بلد الفُرجات والمناظر، حتى نحن الذين في البريةِ والقفرِ، وجدنا الشبعَ يسبب الكثيرَ من أمثالِ ذلك».

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:21 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
قال شيخٌ: «إذا جلستَ في قلايتِك، فلا تكن مثلَ قبرٍ مملوءٍ من النجاسات، ولكن كن مثل إناءٍ مملوءٍ ذهباً كريماً، ولك حافظُك، حافظُ النهارِ والليلِ، التي هي قوةُ الربِّ، التي تحفظ عقلَك».
وقال أيضاً: «الذي يريدُ الاختصاصَ بالملكِ، لا يفعل أمورَ السوقةِ والعوام، ومن يختارُ المقامَ في معركةِ الأبطالِ، لا يفعل أمورَ الصبيانِ والأطفالِ».
وقال أيضاً: إذا مدحك الفكرُ قل له: «لماذا تمدحني؟ إنَّ السائرينَ في البحرِ، حتى ولو هدأ عنهم هيجانه، فما داموا بعد في اللجَّةِ، فإنهم يتوقعون رَجَفَاته وغرقه. كما لا يتنعمون بذلك الهدوء الذي كان له أولاً، لأنهم لا يطمئنون جملةً، حتى يصلوا إلى الميناءِ»، نعم لأن كثيرين كانوا على فمِ الميناءِ، ولكنهم عطبوا.
وقال أيضاً: «إذا نال إنسانٌ طِلبتَه، فلا يُعجب بنفسِه، بل يتضع بالأكثرِ، ويتعجب من رحمةِ اللهِ».
وقال كذلك: «إن الذي يلتقي بالناسِ، أما بوجهِهِ فيجبُ أن يكونَ باشاً، وأما بقلبهِ، فليتنهد».
قال شيخٌ بخصوصِ قبولِ الغرباءِ: «إن كنتَ نبياً وصدِّيقاً، ولا تقبل من يأتيك مثل نبيٍ وصديق، فليس لك أجرٌ، وإن لم تكن نبياً ولا صدِّيقاً، ولكنك قبلتَ من أتاك مثلَ نبيٍ وصديق، فأجرُ نبيٍ وصديقٍ تأخذ».

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:21 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
وقال أيضاً: «إذا تقدمتَ لأخذ القربان لا تفكر أنك أهلٌ لذلك، ولكن اعتبر أنك خاطئٌ، واجعل في نفسِك أن الخاطئَ إذا تقدم إلى المخلصِ بإيمانٍ، وتحفَّظَ كنحوِ قوَّتِه، استحق أن ينالَ مغفرةَ خطاياه. فتقدم بتوبةٍ، واعتقد في نفسِك أنك مريضٌ وغيرُ مستحقٍ، بل مثل مجروحٍ ومحتاجٍ إلى الشفاءِ، وآمن أنك تتقدَّس بأخذ القربان، إذا كنتَ على توبةٍ، لأن كلَّ الذين تقدموا إليه بإيمانٍ شُفوا».
قال القديس غريغوريوس: «إن كنتَ غيرَ مذنبٍ عند الإله، فلا تغفر للمذنبين إليكَ، وإن كنتَ تعلم أنك مذنبٌ، فَسَلِّف الرحمةَ وقدِّمها قدامك، فإن اللهَ يضاعف الرحمةَ للرحومين».
قال القديسُ فم الذهب: «إن أردتَ أن لا يتأتى لك حزنٌ فلا تُحزن إنساناً ما».
قال مار أفرام: «إنَّ أعظمَ الناسِ قدراً من لا يبالي بالدنيا، في يد من كانت؟».
وقال أيضاً: «ازهد في الدنيا فيحبك الله، وازهد فيما بين أيدي الناسِ، فيحبك الناسُ».
كما قال: «خبزٌ وملحٌ مع سكوتٍ وراحةٍ، أفضل من أطعمةٍ شريفةٍ مع همومٍ وأحزانٍ».

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:21 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
من أقوال مار إسحق بخصوص التوبةِ: «التوبةُ هي أمُّ الحياةِ، تفتح لنا بابَها بواسطة الفرارِ من الكلِّ. نعمةُ المعموديةِ التي ضيعناها بانحلال سيرتنا، تجددها فينا التوبةُ بواسطةِ إفرازِ العقلِ. من الماءِ والروحِ لبسنا المسيح ولم نحس بمجدِهِ، وبالتوبةِ ندخلُ نعيمَهُ، بنعمةِ الإفرازِ التي بنا تظهر. العادم من التوبةِ، خائبٌ من النعيمِ المزمع أن يكونَ. القريبُ من الكلِّ بعيدٌ من التعزيةِ، أما المبتعدُ من الكلِّ بإفرازٍ، فهو تائبٌ بحقٍّ. بدءُ التوبةِ هو الاتضاع الذي بلا ( ) ولا زيٍّ كاذبٍ مسجس. التوبةُ هي لِباس الثياب الحسنةِ الضوئية. طريقُ الحكمةِ هي ترتيب الأعضاء. طموحُ الجسدِ هو تخبط الحكمة.
الحكمةُ الحقيقيةُ هي النظرُ باللهِ، والنظر بالله هو صمتُ الأفكارِ. الإحساس بالله هو عمقُ الاتضاعِ. ثاؤرية تصور الحق، هي ميتوتة القلبِ. القلبُ الذي بالحقيقة مات عن العالمِ فباللهِ يتحركُ جميعُه، الذي يبني نفسَه أخْـيَر له من أن ينفعَ المسكونةَ جميعَها، أخْـيَر له أن يأخذَ هو الحياةَ، من أن يقسمَ الحياةَ لآخرين. من قد ماتت أعضاؤه الخارجية، فقد عاشت أعضاؤه الداخلية. التواضع بإفرازٍ هو بمعرفة الحقِ، ومعرفةُ الحقِ هي ينبوع الاتضاع. المتضعُ بقلبهِ متضعٌ بجسدهِ أيضاً، والمتوقح بجسدِهِ متوقحٌ كذلك بقلبهِ. والمضطرب بجسدِهِ، مضطربٌ أيضاً بقلبهِ، والمضطربُ بقلبهِ جاهلٌ بعقلهِ، ومن هو جاهلٌ بعقلهِ رديئةٌ هي طرقهُ، ومن كانت طرقهُ رديئةً فهو مائتٌ بالحياةِ.

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:21 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
إن كنتَ محباً للتواضعِ فلا تكن محباً للزينةِ، لأن الإنسانَ الذي يحبُ الزينةَ، لا يقدر أن يحتملَ الازدراءَ، ولا يسرع إلى ممارسةِ الأعمالِ الحقيرةِ، ويصعب عليه جداً أن يخضعَ لمن هو دونه، ويخجل من ذلك. أما المتعبدُ للهِ، فإنه لا يزيِّن جسدَه. واعلم أنَّ كلَّ من يحبُ زينةَ الجسدِ فهو ضعيفٌ بفكرتِه، ولا تَرى له حسناتٍ. وكل من يحبُ الربحَ المنظورَ، لا يقدر أن يقتني محبةً حقيقيةً مع أحدٍ، وكل من يُسرع إلى الكرامةِ، فإنه متعبدٌ لهذا العالمِ، إن كنتَ تكره فاعلي هذا، فابعد عن فعلهم.
الاتضاع والعفة يتعاضدان بالمحقرةِ، والذي يحب الزينةَ والكرامةَ لا تسأله عن حقيقتهما. إن كنتَ محباً للعفةِ فلا تكن محباً للطياشةِ، لأن الملاقاة التي تعرض لك بواسطةِ الطياشةِ، لا تتركك أن تمسكَ العفةَ في نفسِك باحتراسٍ، لأن كلَّ من يحبُ الطياشةَ، لا يكون عفيفاً، وكلُّ من يشتبك بالعلمانيين، لا تصدق بأنه متواضعٌ، وكلُّ من هو محبٌ للهِ، فهو يحبُ الحبسَ والجلوسَ في القلايةِ، إنسانٌ طياشٌ لا يمكنه أن يحفظَ الحقَ في نفسِه من غيرِ دنسٍ.
التوبةُ كثيرون يَعِدُون ويتظاهرون بها، وليس من يقتنيها بتحقيقٍ إلا المحزون. وكثيرون يُسرعون نحو الحزنِ، فلا يجده في الحقيقةِ، إلا الذي قد اقتنى الصمتَ على الدوامِ، كلُّ من هو كثيرُ الكلام، ويخبر بأمورٍ عجيبةٍ، اعلم أنه فارغٌ من الداخلِ، الحزن الجواني هو لجامُ الحواسِ.
إن كنتَ محباً للحقِّ، فكن محباً للصمتِ، لأنه كمثلِ الشمسِ، يجعلك الصمتُ تنير باللهِ، ويخلِّصك من تخايل المعرفةِ، والسكوت يجعلك في عشرةٍ مع اللهِ. الذي يحبُ الحديثَ مع المسيحِ، يجبُ أن يكونَ وحده، والذي يريد أن يكونَ مع كثيرين فهو محبٌ لهذا العالمِ. إن كنتَ تحبُّ التوبةَ، فأحبَّ السكوتَ لأنه بدونهِ لن تَكْمُلَ التوبةُ، ومن يقاومك على هذا فلا تلاججه، لأنه لا يعرف ماذا يقول، لأنه لو كان يعرفُ ما هي التوبةُ، لكان يعرفُ أيضاً موضعها، إنها لا تَكْمُل في السجسِ. إنَّ من قد أحسَّ بخطاياه، لأخيرَ له من أن ينفعَ الخليقةَ بمنظره، والذي يتنهد على نفسِه كلَّ يومٍ، أخير له من أن يقيمَ الموتى بصلاتهِ، والذي أُهِّل لأن ينظرَ خطاياه، أخير ممن ينظر الملائكةَ، والذي بالنوحِ يطلبُ كلَّ يومٍ المسيحَ بالوحدةِ، أخير من الذي يمدحونه في المجامعِ».

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:21 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
وقال أيضاً: «إذا ما أفرزتَ نفسَك للتوبةِ، فكلُّ يومٍ لا تصادفُك فيه محقرةٌ لا يكون له حسابٌ عندك، وكلُّ يومٍ لا تجلس فيه ساعةً بينك وبين نفسِك، متفكراً بأيِّ الأشياءِ أخطأتَ، وبأيِّ أمرٍ سقطتَ، لتقوِّم ذاتَك فيه، فلا تحسبه من عِدادِ أيامِ حياتك. الويلُ لمن لا يبكي، ولا يتضايق، ولا ينقي عيوبَ نفسِه، مادام هناك وقتٌ للتوبةِ، لأنه هناك بغيرِ إرادته، بأمواجِ النارِ ينقيها، حتى يوفي آخرَ فلسٍ عليه، الذي هو الزلة الصغيرة.
الذي يتهاون بالصلاةِ ويظن أن هناك ثمة بابٍ آخر للتوبةِ، فهو محلٌ للشياطين، والذي لا يداومُ قراءةَ الكتبِ، ففي التيه سائرٌ، لأنه إذا أخطأ لا يحس. ومن هو متنسِّكٌ من المآكلِ وفي قلبهِ حقدٌ وأفكارٌ رديئةٌ على أخيه، فإنه آلةٌ وأرغن للشيطانِ. احذر من هذه الخِلةِ أن تكونَ جالساً وأنت تدينُ أخاكَ، لأن هذا يقلعُ جميعَ بُنيانِ برجِ الفضيلةِ العظيمِ.

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:22 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
مَن اقتنى الفضائلَ العظيمةَ، مثلَ الصومِ والسهرِ وخلافه، ولكنه لم يقتنِ حراسةَ القلبِ واللسانِ، فإنه في الباطلِ يتعبُ ويعملُ. إذا وضعتَ كلَّ أعمالِ التوبةِ في ناحيةٍ، والحفظ في ناحيةٍ أخرى، فإن الحفظَ يرجح، فإن المسيحَ وضع فأسَ الوصايا على أصلِ الأفكارِ القلبيةِ، وموسىً على الأعمالِ المحسوسةِ. الويلُ لمن له وقتٌ واستطاعةٌ، ويساعده جسده، ويتهاون بأعمالِ التوبةِ، لأنه يبكي وينتحب عندما ينتبه، ويطلب زمانَ الراحةِ فلا يجد. سمادُ وماءُ التوبةِ هما الضيقات والمحقرات والتجارب، وموتها حبُّ الأرباحِ والكرامةُ والراحةُ، لأنه من الضيقاتِ الخارجية تتولد الراحةُ الداخلية، ومن الحزنِ والكآبةِ اللذين من أجلِ اللهِ، يتولد الفرحُ وعزاءُ النفسِ، وبإيجازٍ فإن السلامةَ التي لم تتولد من هذه الأعمالِ، فهي ضلالةٌ.

sama smsma 18 - 10 - 2017 11:22 AM

رد: كتاب بستان الرهبان
 
أساس تدبير الوحدةِ، هو الصبرُ والاحتمالُ بالتغصبِ، وبها يبلغ الإنسانُ إلى كمالٍ تامٍ، وهي تُصلح قدامه سُلَّماً، يصعد به إلى السماء. رباطات النفس هي العوائد، التي بها يعتاد الإنسانُ، إن كانت بالجيد أو بالرديء».
سُئل شيخٌ: «بماذا تشبِّه رهبنةَ القدماءِ، ورهبنةَ زمانِنا هذا»؟ فأجاب قائلاً: «كان إنسانٌ غنياً وحكيماً، وكان يطلبُ المِسكَ الخالصَ، فلما لم يجد المسكَ الحقيقي الذي يريده، قطع المسافات براً وبحراً حتى وصل إلى الصينِ، حيث قدَّم هدايا للملكِ الذي هناك، وسأله أن يعطيه مِسكاً، وطلب إليه أن يقطعَه هو بيدِهِ، فلما أخذ المسكَ ورجع، أعطاه لأولادِهِ، وأولادُه بدورِهم أعطوه بعضُهم لبعضٍ، وقليلاً قليلاً غشُّوه وخلطوه بما يُشبه المسكَ الحقيقي في اللونِ، ويختلف عنه في الرائحةِ، ومع تمادي الزمن بقي الزَّغلُ (أي المغشوش) موضعَ المسكِ الحقيقي، وعدمت رائحتُه، وبقي الشكلُ والاسمُ فقط.


الساعة الآن 08:33 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025