![]() |
«الْبُغْضَةَ الَّتِي أَبْغَضَهَا إِيَّاهَا كَانَتْ أَشَدَّ مِنَ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَحَبَّهَا إِيَّاهَا» (صموئيل الثاني 15:13) كان أمنون يتَحرّق شهوة لأخته غير الشقيقة، ثامار. كانت جميلة وقد صمّم أن يأخذها لنفسه. كان مُحبَطاً لِعلمِه أن ما يريد فعله كان ممنوعاً بشكل واضح في ناموس ﷲ، لكن شهوته لها كانت تأكله لدرجة أنه لم تَتَبدّ له أية إعتبارات أخرى هامة، فادّعى أنه مريض وقام باستدراجها إلى غرفته وانتهك حُرمتها. لقد كان مستعداً أن يضحّي بكل شيء مقابل لحظة شهوة كهذه. لكن الشهوة تحولت إلى كراهية، وبعد أن كان قد استغلّها بأنانية، احتقرها وربما كان يود لو أنه لم يرها أبداً، فأمر بطردها خارجاً وإيصاد الباب خلفها. إن هذه المسرحية التاريخية تتكرر كل يوم في مجتمعنا الذي لا تضبطه ضوابط. لقد تم التخلي عن المعايير الأخلاقية إلى حد كبير. يتم قبول ممارسة الجنس قبل الزواج بشكل طبيعي، يعيش أزواج معاً دون مراسيم زواج، فلقد سُمح قانونياً بالدعارة، وأصبح الشذوذ الجنسي أسلوب حياة بديلة ومقبول. فالصغار والكبار على حد سواء يرون شخصاً ما فيحبونه ويستقرون على هذا، لا يقيمون أي إعتبار لقانون أعلى ولا يلتزمون بأي رادع ويصمّمون على الحصول على كل ما يريدون، يعارضون أي فكر عن ما هو صحيح وما هو خطأ ويدَّعون بأنهم لا يمكنهم العيش بأية طريقة أخرى، وهكذا ينغمسون، كما عمل أمنون، ويعتقدون أنهم قد حقّقوا إكتفاءً. لكن ما بدا جميلاً جداً فيما خُطط له، غالباً ما يبدو بشعاً جداً عند إستعادة الأحداث الماضية، فالشعور بالذنب أمر لا مفرَّ منه، مهما كان الإنكار شديدا. إن الخسارة المشتركة وفقدان إحترام الذات يؤديان إلى الإستياء، وهذا بدوره وفي كثير من الأحيان يتحول إلى شجار ساخن ومن ثم إلى كراهية، والشخص الذي كان لا يُستغنى عنه أبداً في السابق بدا الآن مثيراً للإشمئزاز، عندها تَسهُل الضربات والمعارك في المحاكم وحتى القتل. إن الشهوة هي أساس فاسد لبناء علاقة دائمة، ويتجاهل الناس قوانين الطهارة مما يعود عليهم بالخسارة والدمار. فقط نعمة ﷲ هي التي تأتي بالمغفرة والشفاء والإصلاح. |
«لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ الْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدهُ» (تيموثاوس الثانية4:2) لقد تم تجنيد المؤمن من قِبل الرَّب وهو في خدمة فعلية له، وعليه ألاّ يُربك نفسه بأعمال الحياة اليومية، والتشديد هنا على كلمة «يرتبك». إنه لا يمكنه فصل نفسه عن الأعمال الدنيوية، لا بد له من العمل من أجل توفير ضروريات الحياة لأسرته، فهناك مقدار معين من المشاركة في المصالح اليومية التي لا يمكن تجنبها، وإلاّ فإن عليه أن يخرج من العالم كما يذكّرنا بولس في كورنثوس الأولى10:5. ومع ذلك يجب عليه ألاّ يَسمح لنفسه أن يصير مرتبِكاً، بل أن يحتفظ بأولويّاته بدقة، حتى أن الأشياء الجيدة في حد ذاتها تصبح أحياناً عدواً للأفضل. يقول وليم كيلي؛ «إرتباك الشخص ذاته في أعمال الحياة هو في الحقيقة التنازل عن الإنفصال عن العالم باتخاذ دورٍ في الشئون العالمية كشريك جيد فيها». لقد أصبحت مرتبكاً عندما انشغلت بالسياسة العالمية في محاولة لحَلّ مشاكل البشر، وهذا يشبه إضاعة وقتي في إعادة ترتيب المقاعد على سطح سفينة التايتانيك الضخمة. ثم إني أرتبك عندما أشدد التركيز على الخدمة الإجتماعية مما على الإنجيل بوصفها علاجاً لعلل العالم، وقد أصُبِح مرتبكاً عندما يمسك بي العمل بقبضته لدرجة أنني أقدِّم أفضل مجهودي لربح المال؛ وبكسبي للمعيشة أخسر الحياة. أصبحُ مرتبكاً عندما لا يعود لملكوت ﷲ وبِرهُ المقام الأول في حياتي. أصبحُ مرتبكاً عندما أُحاصر بأشياء زهيدة جداً بالمقارنة مع إبن الحياة الأبدية، على غرار نقص المعادن في ثمار البندورة والحنطة، وعادات الظباء في الصيف، والمحتويات المجهرية في الملابس القطنية، وردود فعل البطاطا المقلية، أو حركة دوران عين الحمامة. كل هذه الدراسات والأبحاث مهمّة بحد ذاتها كوسيلة للمعيشة لكنها لا تستحق حب الحياة. |
«وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدهِ» (رومية28:8) هذه هي واحدة من الأعداد التي تُحيرنا جداً عندما تكون الأحوال صعبة. فما دامت الريح تهب برفق فلا مشكلة عندنا بأن نقول؛ «أومن يا رب»، لكن عندما تثور عواصف الحياة نقول؛ «أعِن يا رب عدم إيماني». ومع هذا فنحن نعرف أن هذه الآية صادقة، فاللّه يعمل كل الأشياء معاً للخير. نعلم ذلك لأن الكتاب المقدس يقول هذا، الإيمان يمنحنا هذا، حتى حينما لا نستطيع أن نرى أو نفهم. نحن نعلم أن هذا حقيقي بسبب طبيعة ﷲ. فإن كان هو إله المحبة اللانهائية، والحكمة اللامحدودة والقدرة اللامحدودة، فذلك يؤكد أنه يخطّط ويعمل لخيرنا المطلق. نحن نعرف أن هذا صحيح بسبب تجربة شعب ﷲ، فمن أفضل الإختبارات، تناقُل قصة ما تروي إختبار الناجيٍ الوحيد من تحطُّم سفينة حين قُذِف به على جزيرة غير مأهولة، فنجح في بناء كوخ لنفسه ووضع فيه كل ما جمعه من الحُطام. ثم صلى إلى الِلّه لكي ينقذه وكان يراقب الأفق كل يوم لعلّه يشاهد سفينة مارّة. وفي أحد الأيام أصابه الفزع عندما شاهد كوخه يشتعل بالنار، وأخذ الدخان يتصاعد ملتهماً كل ما كان عنده، لكن هذا الذي بدا له سوءاً كان في الحقيقة الأفضل، «رأينا إشارات دخّانك»، قال له قبطان السفينة التي جاءت لإنقاذه. دعونا نتذكّر أنه إن كانت حياتنا بين يدي الرَّب «فكل الأشياء تعمل معاً للخير». من المسلَّم به أن هناك أوقاتاً عندما يتعثَّر الإيمان، ويبدو الحِمل لا يُطاق والظلام لا يُحتمل، نسأل في يأسنا، «أي خير قد ينتج عن هذا؟» يوجد جواب، إن الخير الذي يتكلّم عنه ﷲ موجود في العدد التالي (رومية29:8)، إذ ينبغي أن «نكون مشابهين صورة إبنه»، فإنه كما يعمل إزميل النحّات متخلصاً من فضلات الرخام كي تظهر صورة الشخص، وكما أن ضربات الحياة التي تنزع كل ما لا يليق فينا لكي نتغيّر إلى شبهه المبارك. فإنك إن لم تجد أي خير آخر في أزمات الحياة، تذكّر هذا؛ التغيُّر إلى شبه المسيح. |
«…وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ.» (كولوسي10:2) خلافاً للرأي الشائع، فإنه لا توجد درجات لياقة لإستحقاق السماء، فإما أن يكون الشخص مناسباً تماماً أو أنه لا يصلح على الإطلاق، وهذا يتعارض مع الرأي الشائع أنه على رأس قائمة سِفْر اﷲ نرى أسماء أناس صالحين وأنقياء السيرة، وفي الأسفل اللصوص والمجرمين، وبين هؤلاء من هم بدرجات متفاوتة من اللياقة للسماء، هذا خطأٌ فادح، فنحن إما أن نكون ملائمين أو لا نكون، لأنه لا شيء في الوسط. في الواقع لا أحد منّا صالحٌ في ذاته، لأننا جميعنا خطأة مذنبون ونستحق العقاب الأبدي، لأننا جميعنا أخطأنا وأعوزنا مجد ﷲ، جميعنا ضَللنا ومِلنا كل واحد إلى طريقه. جميعنا نجسون، وأفضل أعمالنا مثل الخِرَق القذرة البالية. نحن لسنا غير صالحين للسماء على الإطلاق فقط، وأنه ليس هناك شيء يُمكننا القيام به من ذواتنا يجعلنا لائقين، وأن أعظم قراراتنا وأنبل مساعينا لا يمكنها أن تنفع لتُزيل خطايانا أو تزوّدنا بالبِرّ الذي يطلِبه اﷲ، لكنَّ الأخبار السارة هي أن محبة ﷲ أعدَّت ما يتطلَّبه بِرُّه، وهو إنما يقدّمه هبة مجانية، «…هُوَ عَطِيَّةُ اﷲِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس2: 8-9). إن ما يؤهلنا للسماء نجده في المسيح. فعندما يولد الخاطئ ثانيةً يقبل المسيح، فلا يعود يراه ﷲ فيما بعد كخاطئ في الجسد، بل يراه في المسيح ويقبله على هذا الأساس، «لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اﷲِ فِيهِ» (كورنثوس الثانية21:5). إذاً النتيجة لكل ذلك هي كالتالي: إما أن يكون لنا المسيح أو لا يكون، فإن كان لنا المسيح فنحن مؤهلون للسماء بمقدار ما يجعلنا اﷲ مؤهلين، ويصير صلاح المسيح لنا، فنصبح مستحقين بمقدار ما هو مستحق لأننّا فيه. من الناحية الأخرى، اذا لم يكن المسيح من نصيبنا فنحن هالكون بمقدار ما يمكننا أن نكون. وإن كنا بدونه فهذا هو النقص الفادح ولا يمكن لأي شيء أن يعوّض هذا النقص الأساسي. ينبغي أن يكون واضحاً أنه لا يوجد أي مؤمن مؤهّلٌ للسماء أكثر من مؤمن آخر. فلجميع المؤمنين نفس الحق لنيل المجد، وهذا الحق هو في المسيح. لا يوجد لمؤمن في المسيح حقٌ يفوق عن غيره، لذلك لا أحد ملائم للسماء أكثر من غيره. |
«لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً.» (كورنثوس الثانية10:5) بما أن ما رأيناه في الصفحة السابقة كان صحيحاً، بأنه ليس هناك درجات من اللياقة للسماء، فإنه من الصحيح أيضاً أنه ستكون هناك درجات للمكافآت في السماء. إن كرسي قضاء المسيح سيكون مكان المراجعة والمكافأة حيث يكافأ البعض أكثر من غيرهم. سيكون هناك أيضاً إختلاف في قدرات التمتع بأمجاد السماء، سيكون الجميع سُعداء، لكن سيكون للبعض نصيب أكبر من السعادة عن غيرهم وستمتلئ كؤوس الجميع ولكن سيكون للبعض كؤوس أكبر من غيرهم. يجب علينا أن نبتعد عن فكرة أن جميعنا سنكون في نفس الصورة تماماً عندما نصل إلى حالة المجد، والكتاب المقدس لا يعلِّم في أي مكان فيه ما يشير إلى تجانس باهت غير مقنع، بل بالحريّ يعلّم أن الأكاليل ستُمنح لحياة الأمانة والتقوى، وأنه بينما يُكافأ البعض يخسر الآخرون. ها هنا شابّان في نفس العمر وقد تجددا في نفس الوقت، أحدهما يخرج ويحيا الأربعين سنة التالية وهو يعطي أولوية قصوى لملكوت ﷲ وبرِّه، أما الآخر فيصرف أفضل سني حياته يجمع المال، يتحدث الأول بحماس عن أمور الرَّب بينما يتكلّم الآخر عن نشاط السوق، عند الأوّل مقدرة للتمتُّع بالرّب الآن وسيأخذ هذه المقدرة معه للسماء، أما الآخر وبينما هو أهلٌ للسماء بنفس المقدار، لكن شخص وعمل المسيح عنده مقلَّص روحياً وهو يأخذ هذا المقدار المقلَّص إلى السماء. إننا نقرّر يوماً بعد يوم في حياتنا مقدار المكافآت التي نحصل عليها وكذلك مقدار مُتعتِنا في بيتِنا الأبدي. نقرّر هذا بمعرفتنا لكلمة اﷲ وإطاعتنا لها، وبحياة الصلاة، وبشركتنا مع شعب اﷲ وبخدمتنا للرَّب وبأمانتنا للوكالة في كل ما أعطانا إياه اﷲ. وحالما ندرك أننّا نبني لأبديتّنا مع مرور كل يوم، فإنه ينبغي أن يكون لهذا تأثير عميق على الخيارات التي نتخذها والأولوّيات التي نضعها. |
«لأَنَّهُ كَمَا شَعَرَ فِي نَفْسِهِ هَكَذَا هُوَ» (أمثال7:23) قال أ.ب جِيبْس: «أنتَ لست ما تفكّر به عن نفسك، لكن ما تفكِّر به، هذا هو أنتَ» وهذا يعني أنّ الذهن هو المنبع الذي يتدفق منه التصرف، سَيطِر على المصدر تكون قد سيطرت على التدفُّق الخارج منه. لذا فالسيطرة على حياة الفكر هو أمر أساسي، ولهذا قال سليمان، «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ إحْفَظْ قَلْبَكَ لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أمثال23:4)، وهنا إستُعمل القلب كمرادف للذهن. يذكّرنا يعقوب بأن الخطيئة تبدأ في الذهن (يعقوب1: 13-15)، فإذا ما أعملنا الفكر بأمر ما لوقت طويل فسنفعله في النهاية. إزرع فكرة تحصد عملاً. إزرع عملاً تحصد عادة. إزرع عادة تحصد ميزة. إزرع ميزة تحصد مصيراً. لقد شدّد الرَّب يسوع على أهمية حياة الفكر بتشبيهه الكراهية بالقتل (متى5:21-22) وبتشبيه النظرات الشهوانية بالزنى (متى28:5)، وعلَّم كذلك أن ليس ما يأكله الإنسان يتنجَّس به بل ما يفكِّر به (متى7: 14-23). نحن مسؤولون عما نفكِّر به لأنه لدينا القدرة على التحكُّم فيه، فيمكننا أن نفكّر برذيلة فيها إيحاء، أو فيما هو طاهر كالمسيح، فكل واحد منا وكأنه مَلِك، والإمبراطورية التي نحكمها هي حياتنا الفكرية، تلك الإمبراطورية لديها إمكانيات هائلة للخير وإمكانيات هائلة للشرّ. فنحن الذين نحدد المسار الذي سوف نسلكه. إليك بعض الإقتراحات الإيجابية على ما يمكننا القيام به. أولاً؛ خُذ الموضوع برمته إلى الرَّب في الصلاة قائلاً: «قَلْباً نَقِيّاً أخْلُقْ فيَّ يَا اﷲُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور10:51). ثانياً؛ أحكم على كل فكر كيف يمكن أن يظهر في حضرة المسيح (كورنثوس الثانية5:10). ثالثاً؛ إعترف فوراً بكل فكر شرير واطرده (أمثال13:28). ثم تجنب وجود فراغ فكري، واملأه بأفكار إيجابية تستحق أن تستحوذ على تفكيرك (فيلبي8:4). خامساً؛ مارس الإنضباط فيما تقرأ وتشاهد وتسمع، لا يمكنك أن تتوقّع حياة فكرية طاهرة إذا كنت تتغذى على القذارة والتلوُّث. أخيراً؛ إنشغل دائماً بما هو للرَّب لأنه عندما تُحوِّل ذهنك ليصبح محايداً عندها تطلب تخيّلاتك الحقيرة الدخول. |
«بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ …» (عبرانيين3:11) «بالإيمان نفهم…»، هاتان الكلمتان تُجسِّدان واحداً من أهم المبادىء الأساسية للحياة الروحية. نؤمن بكلمة اﷲ أولاً، ثم نفهمها، أما العالم فيقول «أومن حين أرى» بينما يقول ﷲ «آمن ترى»، وقال الرَّب يسوع لمرثا «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ…» (يوحنا40:11)، بعد ذلك قال كذلك لتوما «…طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يوحنا29:20)، وكتب الرسول يوحنا «كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِإسْمِ ابْنِ ﷲِ لِكَيْ تَعْلَمُوا…» (يوحنا الأولى13:5). فآمِن أوّلاً وستعرف لاحقاً. يحدّثنا بيلي جراهام كيف أتاه هذا المبدأ بطريقة حية في حياته، «في عام 1949 كان عندي شكوك كبيرة بشأن العديد من الأمور في الكتاب المقدس، ظننت أنني رأيت تناقضات واضحة في الكتاب المقدس، لم أستطع التوفيق بين بعض الأشياء بتفكيري المحدود عن اﷲ، وعندما وقفت لألقي موعظتي، كان ينقصني ميزة السلطة التي يملكها جميع الوعّاظ العظام، ومثل المئات من خرّيجي معاهد اللاهوت، كنت أخوض معركة حياتي الفكرية، والنتيجة كانت ستُقرّر خدمتي المستقبلية». في شهر آب من تلك السنة وُجِّهت إلي الدعوة للذهاب إلى فورست هوم، مركز المؤتمرات المشيخي الواقع عالياً فوق الجبال خارج مدينة لوس أنجلوس. أتذكر أنني كنت أمشي في أحد المسارات أطوف في الغابة، وتصارعت مع اﷲ قليلاً، كنت في مبارزة مع شكوكي، وبدا لي وكأن روحي عالقة في تبادل لإطلاق النار، أخيراً وفي يأسي، سلّمت إرادتي الِلّه الحي المُعلن في الكتاب المقدس، جثوت على ركبتي أمام الكتاب المقدس المفتوح وقلت: يا ربّ، يوجد الكثير من الأمور في هذا الكتاب لا أفهمها، ولكنك قلت «البار بالإيمان يحيا»، فكل ما استلمته منك، قبلته بالإيمان، والآن هنا وبالإيمان أعتبر الكتاب المقدس كلمتك أنت، وأقبلها كلها دون تحفظات، وحيث يوجد أشياء لا أستطيع أن أفهمها، سوف أمتنع عن الحكم فيها حتى أحصل على المزيد من النور، فإن كان هذا يرضيك فأعطني السُّلطة كلما أعلنتُ كلمتك، ومن خلال تلك السُّلطة بَكِّت الناس على الخطيئة وارجع الخطاة إلى المخلص. بعد ستة أسابيع بدأنا حملتنا التبشيرية في لوس أنجلوس التي أصبحت الآن تاريخاً، خلال تلك الحملة اكتشفت السر الذي غيَّر خدمتي، توقفت عن محاولاتي لإثبات أن الكتاب المقدس كان صحيحاً، وقد استقر في ذهني أنه صحيح، وتم نقل هذا الإيمان إلى الجمهور». |
«وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضاً فِي الْمَسِيحِ.» (أفسس32:4) هنالك نظام كتابي واضح يجب إتباعه فيما يتعلَّق بالمغفرة الكتابية، الذي إذا تبعناه فسننقذ أنفسنا من الكثير من الصداع وأوجاع القلب. إن أوّل شيء ينبغي فعله هو أنه عندما يُسيء إليك شخص ما فعليك أن تغفر له في قلبك. أنت لم تخبره بعد أنك قد غفرت له، ولكن بمغفرتك له في قلبك أنت تترك الأمر بينه وبين الرَّب، وهذا يمنع العُصارة المعوية من التحول إلى حمض الكبريتيك ويحفظك من الإضطرابات الرهيبة الأخرى، الجسدية والعاطفية. الخطوة التالية هي أن تذهب إلى ذلك الأخ وتعاتبه (لوقا3:17)، وبدل الثرثرة مع الآخرين عن كيف أُسيء إليك «فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا» (متى15:18) في محاوِلة لإحتواء المشكلة بقدر الإمكان، وهذا يعني أن تحافظ على سريتها كلما استطعت ذلك. فإن كان لا يعترف ويطلب الصفح، فاذهب إليه برفقة واحد أو إثنين من الشهود (متى16:18)، لأن هذا سيوفِّر شهادة كتابية واضحة بما يختص وموقف المذنب. فإذا كان لا يزال غير متنازل عن موقفه، أنقل الأمر إلى الكنيسة بمرافقة الشهود، وفي حالة رفض الإستماع لحُكم الكنيسة، عند ذلك، يُفصل بطبيعة الحال عن الشركة (متى17:18). لكن إذا كان قد تاب خلال هذه العملية فعليك أن تغفر له (لوقا 3:17)، خاصة وقد كنت قد غفرت له بالفعل في قلبك ولكنك الآن تعلن له عن ذلك. من المهم هنا عدم التعليق على الموضوع، لا تقول «كان كل شيء على ما يرام، أنت في الواقع لم تفعل أي شيء خطأ»، بل من الأفضل أن تقول «أسامحك بكل سرور، والآن تم الإغلاق على الموضوع برمته، دعنا ننحني ونصلّي معاً». إن الخجل من الإضطرار إلى الإعتراف والتوبة قد يردعانه عن الإساءة إليك مرة أخرى. لكن حتى لو عاد ليكرر خطيئته ثم تاب، فيجب أن تغفر له، وحتى لو عمل هذا سبع مّرات في يوم واحد وتاب سبع مراّت، فيجب أن تغفر له، بِغضّ النظر عما إذا كنت تعتقد أنه جِدّي أم لا (لوقا4:17). يجب علينا ألا ننسى أبداً أنّه قد غُفر لنا ملايين المرّات. ينبغي علينا ألا نتردّد في المغفرة للآخرين عن قليل من الإساءة (متى18: 23-35). |
«إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ هَلْ هُوَ مِنَ اللَّهِ أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي.» (يوحنا 17:7). يقول لنا هذا العدد «إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ…!» يا له من وعد رائع بأن الشخص الذي لديه رغبة صادقة في معرفة ﷲ يعرف، فاللّه سيظهرها له. عندما يَصِل الخاطئ إلى نهاية نفسه وعندما يُصلي من أعماق قلبه «يا اﷲ، أكشف لي عن نفسك»، فإن اﷲ يستجيب دائماً. هذه الصلاة لا تمر دون إستجابة. كان أحد المتشرّدين يسكن كهفاً في الجنوب الغربي للولايات المتحدة، كان مستعداً لإنهاء كل شيء، كان قد بحث عن إشباع ذاته في معاقرة الكحول والمخدّرات والجنس والسِّحر، لكن بقيت حياته فارغة، فارغة، فارغة، ولم يكن يرى وسيلة له للخروج من بؤسه. وفي أحد الأيام وبينما كان منكمشاً داخل الكهف، صرخ من أعماق قلبه «يا اﷲ، إذا كان هناك اﷲ، أظهِر لي ذاتك وإلاّ سأضع نهايةً لحياتي». في غضون عشر دقائق تصادف أن شاباً مؤمناً كان عابراً من تلك الناحية، أطل برأسه إلى الداخل من فتحة الكهف فرأى المتشرّد الناسك وقال: «مرحباً، أيمكنني أن أكلّمك عن يسوع؟» أتعرفون ما حدث! لقد أصغى المتشرّد لأخبار الخلاص السارة وبالإيمان في الرَّب يسوع المسيح أتى إلى المُخلّص ووجد المغفرة والقبول ونال الحياة الجديدة. كان قد صلّى من أعماقه، فاستمع ﷲ واستجاب له. لم أسمع أبداً أن أي شخص قد صلّى صلاة كهذه من دون أن يحصل على إعلان خاص من الرَّب لروحه. بطبيعة الحال، هذا الوعد صادق للمسيحيين أيضاً. فإذا رغب الإنسان رغبة صادقة في معرفة إرادة اﷲ لحياته، فسيُظهرها اﷲ له، وإن أراد أن يعرف المسار الصحيح بما يختص وشركته في الكنيسة، فإن اﷲ سيجعلها معروفة له بصرف النظر عمَّا تكون الحاجة، فإن اﷲ ملتزم بتسديدها إذا كنا نطلب إرادته فوق كل شيء. إن الشيء الذي يقف حائلاً بيننا وبين المعرفة الحقيقية لفكر اﷲ هو إفتقارنا للرغبة الشديدة لذلك. |
«وَلَكِنِّي قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ. قَدِ امْتَلَأْتُ إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ الأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ.» (فيلبي 18:4). لقد جاءت رسالة بولس إلى أهل فيلبي، في الحقيقة، كإعتراف لتقدمة كان قد تلقاها من المؤمنين هناك. ربما نكون صائبين في إفتراضنا أنها كانت تقدمة من المال، والشيء المدهش هو الطريقة التي يُعظِّم الرسول بها التقدمة، فهو يسمّيها «رائحة زكيَّة، ذبيحة مقبولة مَرْضِيّة عند ﷲ» كما جاء في أفسس2:5، وهو يستعمل تعبيراً مشابهاً لوصف ذبيحة المسيح العظيمة لنفسه على الصليب، فيقول عنها «قرباناً وذبيحة للّه رائحة طيبة». إنه وصف يحبس الأنفاس عندما نفكِّر أن تقدمةً ما أُعطيت لخدّام الرَّب تُحيا ذكراها بكلمات مشابهة لتلك التي وصفت العطيّة التي لا يُعبّر عنها. أخيراً يعلّق ج.ه. جويت على هذه النقطة بقوله: «ما أوسع مجال الكَرَم المحلّي البادي هنا، كنا نعتقد أننا نؤدّي خدمة لشخص فقير، لكن في الواقع كنا نتحدّث مع الملك، كنا نتخيّل أن العطر سيُحفظ في حيٍّ تافهٍ وحقير، لكن الرائحة الزكية تنبعِث إلى الكون بأكمله، كنا نظن أننا نتعامل مع بولس فقط، فاكتشفنا أننا نخدم مُخلّص وربّ بولس». عندما نفهم الطبيعة الحقيقية لروح العطاء في المسيحية ومدى تأثيرها، سنتخلّص من شعور العطاء على مَضَض أو عن بخل، نكون مُحصّنين إلى الأبد من حِيَل جامعي الأموال الذين يشجعون العطاء بإبتزاز أو بإثارة الشفقة أو الفكاهة،. سنكتشف أن العطاء هو شكل من أشكال الخدمة الكهنوتية، وليس نتيجة سَنّ قوانين. نحن نُعطي لأننا نحب، ونحب أن نُعطي. إن حقيقة أن عطيتّي الصغيرة للإله العظيم التي تملأ غرفة العرش الكونية بالرائحة العطرة يجب أن تدفعني للعبادة المتواضعة والعطاء بفرح، فالعطاء يوم الأحد صباحاً لن يكون فيما بعد جزءًا مُضجراً من خدمة العبادة، بل سيكون وسيلة للعطاء بشكل مباشر للرَّب يسوع كما لو كان حاضراً بالجسد. |
«لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ.» (عبرانيين12:4) كان طالب جامعة مسيحية يشهد لطالب يدرس في جامعة لاهوت متحرّرة. عندما اقتبس الطالب المؤمن آية من الكتاب المقدس، قال له طالب اللاهوت الآخر، «لا أومن بالكتاب المقدس»، إقتبس المؤمن آية آخرى فقط ليتلقى جواباً «قلت لك أنني لا أومن بالكتاب المقدس». وفي المرة الثالثة إقتبس المؤمن آية آخرى من الكتاب المقدس مما أثار غضب طالب اللاهوت فصاح، «لا تقتبس لي من الكتاب المقدس. لقد سبق وقلت لك أنني لا أومن به». عند ذلك أحس المؤمن بالإحباط الشديد والإنهزام، لقد اعتقد أنه فشل فشلاً ذريعاً في أن يكون رابح نفوس. لقد دعى الدكتور ه.أ. أيرونسايد ذلك المؤمن لتناول العشاء على مائدته، شارك الطالب المسيحي تجربته المخيبة مع طالب اللاهوت. ثم سأل الدكتور أيرونسايد، «عندما تحاول أن تشهد لشخص ما ويقول لك أنه لا يؤمن بالكتاب المقدس ماذا تفعل؟» أجابه الدكتور أيرونسايد بابتسامة عريضه «أقتبس له المزيد». إنها نصيحة ممتازة لمن يريدون أن يكونوا رابحي نفوس، فعندما يقول الناس أنهم لا يؤمنون بالكتاب المقدس، إقتبس المزيد منه. إن كلمة اﷲ حيّة وفعالة وتأثيرها قوي على الناس حتى لو كانوا لا يؤمنون بها. نفترض أن شخصين يتبارزان. يقول الواحد للآخر، «لا أومن أن سيفك مصنوع من فولاذ حقيقي»، ماذا يحدث؟ هل يلقي الرجل الآخر سيفه جانباً ويعترف بالهزيمة؟ أم هل يقدّم محاضرة علمية عن تداخل الكربون وطواعية المعدن؟ هذا أمر مثير للسخرية. إنه يُسدِّد لخصمه ضربة حادّة ويجعله يحسّ كيف أن سيفه حقيقي، هكذا الأمر مع الكتاب المقدس، فإن كلمة اﷲ هي سيف الروح ويجب أن يُستخدم للهجوم أكثر مما يستخدم للدفاع. تستطيع كلمة اﷲ أن تدافع عن نفسها بنفسها. أنا لا أُنكر أن هناك موضعاً للبراهين على وحي كلمة اﷲ، وهذه البراهين تخدم غرضاً قيماً في تأكيد إيمان كل هؤلاء الذين قد خلصوا، وفي بعض الحالات القليلة تساعد الناس على قبول الإيمان المُخلِّص، لكن لا يقتنع الناس عموماً بالأمر من خلال الفكر الإنساني أو الجدل، «إنسان يقتنع ضد إرادته لا يتنازل عن رأيه». يحتاج الإنسان لمواجهة مع كلمة اﷲ القوية، فإن عدداً واحداً من الكتاب المقدس يساوي ألف جدال. إن هذا يسلِّط الضوء على أهمية حفظ آيات الكتاب المقدس. فإذا لم أحفظ آيات في ذاكرتي، فلن يكون الروح قادراً على استرجاعها في الوقت المناسب، ولكن النقطة الأساسية هي أن اﷲ لم يَعِد بأن يُكرِم كلماتي، لكنه وعد أن يُكرم كلمته، وهكذا عندما أتعامل مع غير المخلّصين لا بد لي من استخدام سيف الروح بقوة وأراقبه كيف يأتي بالتبكيت والتجديد بمعجزة النعمة. |
«كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ.» (أشعياء7:53) لقد رأيتُ مرةً حملاً يموت وكان موته الأكثر إثارة وترويعاً للمشاعر. عندما جيء به إلى مكان الذبح بدا الحملُ وديعاً ومُحبَّباً بشكل خاص. قد يحب الأطفال معانقته، فكل أنواع صغار المخلوقات محبوبة، مثل القطط والجراء والصيصان والعجول والمهور، لكن للحَمَل جاذبية ذات طابع خاص. بينما وقف هناك مثَّل صورة للبراءة، وصوفه الناصع البياض عكس مظهراً للطهارة، كان وديعاً ولطيفاً وعاجزاً وغير قادرٍ على الدفاع عن نفسه، كانت عيناه تعبِّران بشكل خاص وتحدثان عن الخوف والشفقة والإنفعال المفرط، ولم يبدُ أن هنالك أي داعٍ بأن شيئاً صغيراً وجميلاً كهذا يجب أن يموت. رُبِطَت ساقيه، والحمل المثير للشفقة مستلقٍ على جنبه يتنفّس بصعوبة كما لو كان مدركاً موته الوشيك، وبحركة ماهرة واحدة مرّر الجزار سكينه على الحنجرة، فسالت الدماء على الأرض واهتز الجسم قليلاً من سكرات الموت، ثم بعد قليل سَكَنَ. لقد مات الحمل الوديع. أدار بعض المتفرّجين وجوههم عن هذا المنظر، إذ كان مشهداً محزناً جداً، ومسح آخرون دموعهم، ولم يشأ أحدٌ أن يتكلّم. بالإيمان أرى موت حملٍ آخر، حمل اﷲ، المشهد الأكثر بركة والأكثر رهبةً. هذا الحَمل الأبرع جمالاً والرئيس بين ربوات وأجمل من كل بني البشر، عندما جيءَ به إلى مكان الذبح، كان رئيس الحياة. إنه ليس بريئاً فقط، بل إنه قدّوس غير مؤذٍ وبلا نجاسة ومنفصل عن الخطاة وبلا عيب ولم يبدُ أن هنالك أي سبب يدعو لموت إنسان طاهر بهذا المقدار. لكن الجلّادين أخذوه وسمّروا يديه ورجليه على الصليب، وهناك تحمَّل عذاب ورهبة الهاوية كبديلٌ عن الخطاة، وخلال كل هذا كانت عيناه مليئتين محبة ومغفرة. إنتهى الآن وقت آلامه، واستودع روحه وتدلّت أطرافه على الصليب، طَعنَ جندي جنبه بحربة فتدفّق منه دمٌ وماء. لقد مات حمل اﷲ. قلبي إمتلأ، وانسابت دموعي دافئة، فأسقُط على ركبتَيَّ وأشكُرهُ وأسبِّحَه! بمجرَّد التفكير بأنه مات من أجلي! لن أتوقّف عن حُبِّه. |
«وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ.» (يوحنا الأولى27:2) للوهلة الأولى يطرح علينا هذا العدد مشكلة. إذا كُنا لا نحتاج إلى أي أحد أن يُعلِمُنا، فلماذا أعطانا ربّنا الحيّ معلّمين لبناء القدّيسين لعمل الخدمة؟ (أفسس4:11-12). لكي نفهم المعنى الذي قصده يوحنا، فإن معرفة خلفّية رسالته ستساعدنا. فعندما كتب رسالته كانت الكنيسة قد ابتُليت بمعلّمين كذبة يُعرَفون بإسم الغنوصيين (العارفين)، وكان هؤلاء الهراطقة قد أعلنوا مرة أنهم مؤمنون صادقون بالرَّب يسوع وكانوا أعضاء في شركة الإجتماع المحلي، لكن بعد ذلك قد تُركوا لكي ينشروا وجهات نظرهم الخاطئة فيما يتعلق بناسوت ولاهوت المسيح. لقد ادعوا أن لديهم معرفة فائقة، وبالتالي عُرفوا بإسمهم الغنوصيين، من الكلمة اليونانية غنوصيص «gnosis» أي «لتعرف»، وربما قالوا للمؤمنين شيئاً من هذا القبيل: «ما هو عندكم جيّد، لكن لدينا حقيقة إضافية، يمكننا أن نخرجكم عن التعاليم البسيطة ونُطلِعكم على أسرار جديدة وأكثر عمقاً، فإذا كنتم تنوون أن تكونوا كاملي النضوج والإمتلاء فإنكم تحتاجون لتعاليمنا». لكن يوحنا يحذّر المؤمنين أن كل ذلك ليس سوى خدعة، وأنهم لا يحتاجون إلى أي من هؤلاء الدجّالين لتعليمهم، لديهم الروح القدس ولديهم كلمة الحق، ولديهم معلّمين معينين من اﷲ، والروح القدس يُمكِّنُهم من التمييز بين الحق والضلال. لقد سُلِّم الإيمان المسيحي مّرة لجميع القدّيسين (يهوذا 3)، وكل ما يُدّّعى به إضافة للحق يكون تزويراً. هنالك حاجة لمعلّمين مسيحّيين كي يفسّروا الكتاب ويطبّقوه، على ألّا يتعدّوا ذلك بالذهاب إلى أبعد من الكتاب المقدس. إن يوحنا هو آخِر من ينكر الحاجة للمعلّمين في الكنيسة، لقد كان هو نفسه معلّماً متميزاً، لكنّه قال أنه سيكون أوّل من يُصر على أنّ الروح القدس هو السُّلطة المُطلقة وأنه يقود شعبه إلى كلّ الحق من خلال صفحات الكتاب المقدس، وعليه يجب أن يُمتَحَن كل تعليم في ضوء الكتاب المقدس، فإذا كان يدّعي بأنه إضافة على الكتاب أو يدعي بسلطان مساوٍ مع الكتاب أو إذا لم يتوافق معه، عندها يجب أن يُرفض. |
«فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ وَتَشَاوَرُوا وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: «قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ.» (متى28: 12-13) ما كاد الرَّب يسوع يقوم من بين الأموات، حتى بدأ أعداؤه يختلقون الأعذار لتفسير هذه العجيبة بعيداً عن الحقيقة، وأفضل تفسير باطل تمكنوا من تلفيقه في ذلك الوقت هو أنّ تلاميذه جاؤوا ليلاً وسرقوا جسده (أمّا نظرية الإغماء التي تقول بأن المسيح لم يمت بل أغمي عليه، فلم تظهر إلاّ بعد عّدة قرون)، وللأسف فإن نظرية السرقة وجميع النظريات الأخرى تثير أسئلة أكثر مما تعطي أجوبة، وعلى سبيل المثال: لماذا لم يشكك رؤساء الكهنة والشيوخ في التقرير الأصلي للحَرس بشأن القبر الفارغ؟ إنهم قبِلوه على أنه حقيقة وأسرعوا إلى إختلاق تفسيرٍ عن كيف حدث ذلك. لماذا كان الجنود نائمين عندما كان ينبغي أن يكونوا في الحراسة؟ كانت عقوبة الرومان الموت لمن ينام أثناء تأدية الواجب، ومع ذلك وُعدوا بالحَصانة من العقاب. لماذا؟ كيف يمكن للجنود أن يناموا جميعهم في نفس الوقت؟ إنه من السذاجة الظن بأن جميعهم خاطروا بعقوبة الموت من أجل القليل من النوم. كيف يمكن للتلاميذ إزاحة الحجر دون إيقاظ الحّراس؟ فقد كان الحجر كبيراً جداً ولا يمكن إزاحته دون إصدار ضجّة. ثم كيف وبأي حال استطاع التلاميذ إزاحة الحجر؟ كان القبر العادي في الفترة الهيرودية يُدحرج نحو فتحته حجر إلى أن يسقط في الأخدود الأسفل، وكان من الأسهل ختم قبر كهذا من فَتحِه، إلى جانب ذلك فقد عملت السُلطات الرومانية على تأمين القبر بقدر الإمكان. غير أنه من المرجَّح أن التلاميذ كانوا في الآونة الأخيرة خائفين جداً مما دعاهم للفرار حفاظاً على حياتهم، ولم تكن لديهم الشجاعة لمواجهة الحّراس الرومان وسرقة القبر، وأنهم يعرفون أن على مثل هذه الجريمة يُعاقبون عقاباً شديداً. فإذا كان جميع الجنود نائمين، فكيف عرفوا أنّ التلاميذ قد سَرقوا الجسد؟ إذا كان التلاميذ قد سرقوا الجسد، فلماذا عملوا متهملين على إزالة الأكفان وطي المناديل؟ (لوقا 12:24، يوحنا6:20، 7)، لماذا يريد التلاميذ سرقة الجسد؟ لم يكن هناك أي سبب، لقد فوجئوا في الواقع ثم شكّكوا عندما علموا بأنه قد قام. أخيراً، هل يُعقل أن التلاميذ، وقد كانوا رجالاً شرفاء، يذهبون ويبشّرون بالقيامة تحت خطر شخصي كبير لو كانوا يعلمون أن سرقة الجسد كذبة؟ يقول بول ليتيل: «لا يموت الناس لأمر يعلمون أنه كَذِب». لقد آمنوا وبكل إخلاص بأن يسوع قد قام. الرَّبّ قام حقاًّ قام. |
«فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئاً فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ.» (كورنثوس الأولى31:10) إن أحد أعظم إختبارات السلوك المسيحي هو ما إذا كان فيه أي تمجيد للّه. غالباً ما نفحص سلوكنا بالسؤال، «هل فيه أي ضرر؟» لكن ليس هذا هو السؤال، فالذي يجب أن نسأله هو «هل في ذلك أي تمجيدٍ اللّه؟» قبل الإنخراط في أي نشاط، ينبغي أن نكون قادرين على إحناء رؤوسنا لنطلب من الرَّبّ أن يمجّد نفسه فيما نحن بصدد القيام به. فإذا لم يكن بالإمكان أن يتمجّد ﷲ به فينبغي علينا الإمتناع عن القيام بذلك. ربما تكتفي ديانات أخرى بسلوك لا ضرر فيه، لكن المسيحية تذهب إلى ما أبعد من مجرَّد السلبيات إلى الإيجابيات الواضحة، ولهذا وكما قال كيث بروكس: «إن أردت أن تكون مسيحياً ناجحاً فأوقف البحث عن الأضرار الموجودة في الأشياء وابدأ بالبحث عن الصالح، وإذا كنت تريد أن تكون حياتك سعيدة، فألقِ قرعتك بين الأشخاص الذين يسألون عن الصالح وليس الضرر الموجود فيه». يمكن لبعض الأشياء أن تكون غير ضارّة بحد ذاتها ومع ذلك تكون ثِقَلاً مُعطِّلاً في السباق المسيحي. لا يوجد قانون يمنع متسابق في الألعاب الأولمبية من حمل كيس من البطاطا على كتفه في سباق 1500 متر، بالرغم من أنه يمكنه أن يحمل الوزن لكنه لا يستطيع الفوز بالسباق. وهكذا الشأن مع المسيحي، فقد تكون الأشياء غير ضارّة إلا أنها تشكِّل عائقاً. لكن عندما نتساءل عادة «هل هناك أي ضرر في ذلك؟» فإن سؤالنا ينمَّ عن شكٍّ مخفيّ، فنحن لا نسأل هذا السؤال حول الأنشطة المشروعة الواضحة مثل الصلاة ودرس الكلمة والعبادة والشهادة وعملنا اليومي. بالمناسبة، يمكن القيام بأي عمل شريف لمجد اﷲ، وهذا هو السبب في أن بعض ربّات البيوت يضعن هذا الشعار فوق مجلى المطبخ: «خدمات إلهيّة تجرى هنا ثلاث مرّات يومياً». وعليه فكلَّما يساورنا الشك، يمكننا أن نتبع هذه النصيحة من والدة جون ويسلي «إذا كنت ترغب في تحديد مشروعية المتعة، فاتبع هذا القانون: كل ما يُضعف تفكيرك، ويضعف شفافية ضميرك ويحجب إحساسك باللّه، أو يزيل فرح الأمور الروحية وكل ما يزيد من سلطان الجسد فوق فكرك، فهو خطيئة». |
«مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً.» (متى20: 26-27) ما هي العَظَمة الحقيقية؟ إن العظيم في ممالك العالم هو ذلك الرجل الذي يرتفع إلى مكانة الثروة والقوة، هو ذاك الذي لديه حاشية من الداعمين والمساعدين الذين يشترط عليهم أن يطيعوا أوامره، وهو ذلك الذي يُمنَح معاملة شخصية رفيعة ويلقى إمتيازات خاصة حيثما يذهب، ينظر الناس إليه باحترام ورهبة بسبب رتبته، لا ينحني للقيام بأي شيء وضيع إذ أن هنالك من يقوم عنه بذلك. لكن في ملكوت ربنا تختلف الأمور إختلافاً تاماً، هنا تُقاس العَظَمة بمدى ما نقدمه من خدمة بدل حجم الخدمة التي يقدمها الآخرون لنا. إن الرجل العظيم هو الذي يَنحني ليصبح عبداً للآخرين، فلا خدمة وضيعة في نظره، وهو لا يتوقُّع أية معاملة خاصة أو شكر. عندما رأى أحد رجال جورج واشنطن أنه يقوم بخدمة وضيعة، إعترض قائلاً «سيّدي الجنرال، أنت شخص كبير جداً وليس من المناسب أن تقوم بهذا العمل»، فأجابه جورج واشنطن، «كلاّ، بل أنا الحجم المناسب». في تعقيب له على لوقا 17: 7-10 يذكّرنا روي هيسون، «هنالك خمس علامات للعبد المملوك: (1) يجب أن يكون مستعداً أن يوضع عليه أمر فوق آخر دون أن يُحسب له أي اعتبار. (2) عند تنفيذ عمله يجب ألاّ يتوقع الشكر على ذلك. (3) بعد القيام بكل العمل يجب أن لا يَتَّهم سيده بالأنانية. (4) عليه أن يعترف بأنه عبد بطّال. (5) عليه الإقرار عندما يحَمْل عبء تنفيذ العمل بروح الوداعة والتواضع، أنه لم يقم بأكثر من واجبه». عندما ترك ربنا الأمجاد في الأعالي ليصير إنساناً على هذا الكوكب، كان «آخذاً صورة عبد» (فيلبي7:2)، لقد كان بيننا كالذي يَخدُِم (لوقا27:22)، وقال «كَمَا أَنَّ إبْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى28:20)، إتّزر بمنشفة، مئزر العبد، وغسل أرجل تلاميذه (يوحنا 13: 1-7). «لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّده» (يوحنا16:13). إن كان المسيح قد تواضع بهذا المقدار لكي يخدمنا، لماذا نعتقد أن خدمة الآخرين تقلّل من كرامتنا؟ كنت ربي وديعاً متواضعاً وهل دودة مثلي أنا ضعيف خاطئ ونجس أجرؤ رفع رأسي عالياً؟ |
«بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً.» (غلاطية13:5) لقد قال أحدهم: «تعتقد الذات أنها عظيمة فتُخدَم.أما المحبة تَخدُم وهي العظيمة». شَهِدَ مرنِّم مشهور لرجل يدعى فريد يجلس إلى جانبه في المطعم، وفرح عند قيادته لمعرفة المسيح، فقام في الأسابيع التالية بتلمذة المؤمن الجديد، بعد فترة أُصيب فريد بمرض سرطان غير قابل للعلاج نُقل على أثره إلى مستشفى النقاهة حيث كانت العناية، وللأسف، دون المستوى، فما كان من مرنم الإذاعة المشهور إلا أن بدأ يزور تلميذه بكل أمانة، ليرتّب فراشه ويقوم بغسله وإطعامه وبأعمال كثيرة أخرى كان من المفروض أن يقوم بها طاقم المستشفى. في الليلة التي مات فيها فريد، كان المرنّم المشهور يمسك بيد تلميذه ويهمس في أذنه آيات معزّية من الكتاب المقدس. «بالمحبة أُخدموا بعضكم بعضاً». لاحظ أحد معلّمي الكتاب المقدس الكبار أنّ غرفة الحمام عند ساعة الذِّروة الصباحية تكون مغمورة بالمياه، فكان يقوم بتنظيف المغاسل ويمسح الأرض ويجفّفها. لم يكن أفضل تعليمه ما علَّمه في غرفة الصف، بل قد تّعلم طلاّبه التواضع والإلهام من حذو مثال معلمهم المُتَّسِم بالإحترام في التنظيف خلفهم، «بالمحبة أخدموا بعضكم بعضاً». في نفس كلية الكتاب المقدس تلك كان أحد أعضاء فريق كرة السلة يمتلك قلب الخادم الحقيقي، فبعد كل مباراة، وعندما كان يهرع كل اللاعبين في التساؤل عمن يكون أول من يستحم، كان هو يتأخر بعدهم في قاعة اللعب ليتأكّد من أن كل شيء مرتّب وجاهز لليوم التالي، فقد «وجد في أنانية الآخرين فرصة ليتمثل من جديد بالرَّب كخادم للجميع»، «بالمحبة أخدموا بعضكم بعضاً». أُخِذَت أُمٌ مسيحية من ريف تركيا إلى لندن كي تتبرّع بكِليَةٍ لإبنها المريض. كانت تعتقد أنّ التَّبرع بكِليَتها سيكلِّفُها حياتها. عندما سألها الطبيب الإنجليزي إذا كانت متأكدة من إستعدادها أن تعطي كِليَة لإبنها، أجابت، «أنا مستعدة أن أعطي الكِليتَين»، «بالمحبة أخدموا بعضكم بعضاً». في عالم تسيطر فيه المصلحة الذاتية وطريق الأنانية سيطرة كبيرة، لن تلقى إزدحاماً نحو خدمات التضحية، ففي جميع الإتجاهات تلوح كل يوم فرصة تدعو إلى أعمال مبتكرة للخدمة. |
«كَمَائِتِينَ وَهَا نَحْنُ نَحْيَا.» (كورنثوس الثانية9:6) إن الكتاب المقدس مليء بالمفارقات، أي أن الحقائق تبدو على عكس ما كنا نفترضه عادة، أو حقائق تبدو مناقضة لبعضها البعض. وقد أكَّد ج.ك. تشسترتون، أن المفارقة هي حقيقة مقلوبة تقف على رأسها لتجتذب الإنتباه لنفسها. إليك بعض الأمثلة في المفارقات التي تحاول جذب إنتباهنا. نحن نُخلِّص أنفسنا بأن نُهلِكها؛ نُهلك حياتنا بمحبّتنا لها (مرقس35:8). نحن أقوياء عندما نكون ضعفاء (كورنثوس الثانية10:12)، عاجزين بقوتنا الذاتية (يوحنا5:15). نجد الحرية الكاملة عندما نكون عبيداً للمسيح، والعبودية عندما نكون أحراراً من نيره (رومية6: 17-20)، نجد المزيد من الفرح عندما نشارك بما عندنا أكثر مما نجده عندما نحصل على المزيد لأنفسنا، أو بكلمات ربَّنا نفسه «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال35:20)، نحن نزداد بواسطة ما نفرّقه ونفتقر حين نختزنه (أمثال24:11). لدينا الطبيعة الجديدة التي لا يمكنها أن تخطئ (يوحنا الأولى9:3)، ومع ذلك فكل ما نفعله ملطّخ بالخطيئة (يوحنا الأولى8:1). إننا ننتصر عندما نستسلم (تكوين32:24-28) ونختبر الهزيمة عندما نُقاتل (بطرس الأولى5:5ب)، إننا نوضَع عندما نَرفع أنفسنا، ولكن نَرتفع عندما نَضَع أنفسنا (لوقا11:14). في الضيق يُرحَّب لنا (مزمور1:4)، أما في الإزدهار فننكمش (إرميا11:48). نحن نملك كل شيء ومع ذلك لا شيء لنا، نحن فقراء ولكننا نُغني كثيرين (كورنثوس الثانية10:6)، عندما نكون حُكماء (في نظر الإنسان)، عندها نكون جهلاء (في نظر ﷲ)، لكن عندما نكون جُهَلاء لأجل المسيح، عندها نكون حكماء حقاًّ (كورنثوس الأولى 20:1،21). إن حياة الإيمان تجلب لنا الحرية من الهموم والقلق، وحياة البصيرة تجلب لنا الخوف من الخسارة بسبب السوس والصدأ والسارقين (متى19:6). يرى الشاعر أن الحياة المسيحية كلها مفارقات من البداية إلى النهاية فيقول: كم غريب هذا المسار الذي علينا أن نسير فيه، وكم مُحيِّر هذا الطريق الذي نتعامل معه، رجاء سعادة الإنسان ينبعث من الخوف، وحياته يستمدها من الموت، أفضل ذرائعه يجب مراجعتها كاملة، وأفضل قراراته أن يغضَّ عنها الطّرف لا يمكنه توقُّع الخلاص إلى أن يدرك بنفسه أنه هالك تماماً، عندما يكون كل ذلك قد تمّ وقلبه مطمئن بغفران كامل خطاياه، وعندما خُتم عفوه واشتُريَ سلامه، من هذه اللحظة يبدأ صراعه. |
«فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.» (متى8:23-9) لقد حَذّر الرَّب يسوع تلاميذه ضدَّ الألقاب الرنّانة التي تلبي إحتياجات الأنا وتضع الذات في مكان الثالوث. إن ﷲ هو أبونا والمسيح هو سيّدنا والروح القدس هو معلّمنا، فلا ينبغي أن ننتحل هذه الألقاب لأنفسنا في الإجتماع، لكن في العالم، لدينا أب أرضي وفي العمل لدينا مُعلِّم أو مُشغّل، وفي المدرسة عندنا معلّمون، ولكن في المجال الروحي يملأ أعضاء الثالوث هذه الأدوار جميعها وينبغي أن نُكرمهم حصراً على هذا النحو: إن ﷲ هو أبونا؛ بمعنى أنه هو مُعطي الحياة، والمسيح سيّدنا لأننا مُلكٌ له ونخضع لإرشاداته، أما الروح القدس فهو معلّمنا لأنه هو الذي أوحى بالكتاب وهو يُفسّره، وكل تعليمنا يجب أن يكون بقيادته. أما الغريب في الأمر فهو أن الكنائس تُطلِق ألقاب الشرف كما لو أن المسيح لم يحذّر ضد هذا الأمر. فيدعى كهنة وقُسس بإسم «أبونا» وأحياناً بإسم «سيد أو ربّ»، يستعمل رجال الدين وبانتظام ألقاب مثل «مهوب» وهي كلمة تستخدم في الكتاب المقدس لإسم ﷲ فقط «مهوب وقدّوس إسمه» (مزمور9:111)، أو لقب «دكتور» إذ تعني بالأصل اللاتيني «معلّم»، ويمكن أن يكون قد نال هذه الدرجة بالدراسة أو كدرجة شرف، وربما يكون قد نالها من وَكْر الكُفر بدل أن تأتي من صَرْح الإيمان المسيحي، ومع هذا فعندما يُقدَّم للإجتماع كَ«دكتور» فالمعنى الضمني هو أن كلماته تزداد سلطة بسبب درجته. هذا، بالطبع، لا أساس كتابي له البتة، فإن جامع قِمامة أحدب ممتلئ بالروح القدس قد يتحدّث بصدقٍ أكثر بوصفه وكيل ﷲ. هناك مكان للألقاب فيما يُسمّى بالعالم العلماني. فالمبدأ الذي يَنطَبق في هذا المجال هو «فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ» (رومية7:13)، لكن المبدأ الذي يُطبَّق في اجتماع الكنيسة وُضع بواسطة الرّب بكلماته: «وَأَنْتُمْ جَمِيعاً أخْوَةٌ» (متى8:23). |
«فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ…» (كورنثوس الأولى12:13) ليس سوى مرات قليلة في إختبارنا المسيحي يكون الأمر واضحاً حتى عندما نأتي إلى مائدة الرَّب لنتذكره في موته لأجلنا. «ننظر الآن في مرآة في لغز». يبدو أن هناك حِجاباً سميكاً لا يمكن إختراقه، نقف على جهة منه بكل إمكانياتنا المحدودة، وعلى الجهة الأخرى توجد أحداث فِداءنا؛ بيت لحم وجثسيماني وجباثا والجلجثة والقبر الفارغ ثم المسيح الممجّد عن يمين ﷲ الآب. نُدرك بأن هناك شيئاً هائلاً جداً ونحاول أن نفهمه، لكنّنا نشعر وكأنه كتل طينية أكثر منها كائنات حيّة. نحاول أن نفهم آلام المخلّص لأجل خطايانا، فنُرهِق أفكارنا لفهم رهبة تخلي ﷲ عنه، مع علمنا أنه تحمّل العذاب الذي كان يجب أن نتحمّله نحن طوال الأبدية، ومع هذا نُصاب بالإحباط عندما نُدرك أنه ما زال بعد الكثير مما يجب أن يُدرَك، فإننا نقف على شاطئ بحر لم يُكتشف بعد. نفكّر في المحبة التي أرسلت أفضل من في السماء إلى أسوأ من على الأرض، نتأثر عندما نتذكّر أن ﷲ أرسل إبنه الوحيد إلى غابة الخطيئة هذه كي يطلب ويُخلّص ما قد هلك، لكننا نتعامل هنا مع محبة تفوق كل فهم، نعرف القليل منها فقط، نرنِّم عن نعمة المخلّص الذي وهو الغني، إفتقر لأجلنا لكي نستغني نحن بفقره. تجهد عيوننا كي ترى أبعاد هذه النعمة العظيمة لكن عبثاً، فنحن محدودون بقِصر بصيرتنا البشرية. نحن ندرك أنه ينبغي علينا أن ننتصر بالتأمّل بتضحيته على الجلجثة، وياللغرابة، فغالباً ما نكون غير متأثرين، فإذا دخلنا فعلاً إلى ما يكمن وراء الحجاب، فإننا ننهار ذارفين الدموع. ومع ذلك علينا أن نعترف… آواه، أتساءل في نفسي أيها الحمل المُحِب الدامي حتى الموت لو أستطيع إستيعاب اللغز دون أن أتأثر بمشاعري، لأحبك أكثر وبكلمات شخص آخر علينا أن نسأل: هل أنا صخرة وليس إنساناً حتى أقف تحت صليبك أيها المسيح؟ وأُحصي دماءَك قطرة قطرة تسيل على الصليب، ولا أبكي؟ لقد أُمسِكت أعيننا مثل تلميذي عمواس، نشتاق بأعين متحرقة إلى ذلك الوقت عندما يُزاح الستار وندرك بشكل أفضل المعنى العظيم للخبز المكسور والخمر المسكوب. |
«كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ.» (يوحنا الأولى13:5) سوف يكون بعضنا شكوراً إلى الأبد من أجل هذا العدد لأنه علّمنا أن ضمان الخلاص يأتي أوّلاً وقبل كل شيء من خلال كلمة ﷲ وليس من خلال الشعور، وقد كُتب الكتاب المقدس من بين دوافع أخرى، حتى يعرف كل الذين يؤمنون باِسم إبن ﷲ أن لهم حياة أبدية. يمكننا أن نكون شاكرين لأن الضمان لا يأتي من خلال الشعور لأنه يتقلَّب مع كل يوم يَمرّ، فاللّه لا يطلب من النفس أن تقول «أشكر ﷲ لأني أشعر بحالة جيدة جداً»، لكنه يُوجِّه العين لإتجاه آخر نحو يسوع وكلمته. عندما سأل أحدهم مارتن لوثر «هل تشعر بأن خطاياك قد غُفرت؟» فأجاب «لا، لكنني متأكّد من ذلك تأكُّدي بأن ﷲ موجود في السماء»، لأن الشعور يأتي ويذهب، ولأن الشعور خدّاع أيضاً، فإن ضماني في كلمة ﷲ ولا من شيء آخر يستحق أن نؤمن به». يذكّرنا س.ي. سكوفيلد، أن «التبرير يحصل في ذهن ﷲ وليس في الجهاز العصبي للمؤمن»، وقد اعتاد ه.أ. أيرونسايد أن يقول «معرفتي أنني مخلَّص ليس لأنني أحسُّ بالسعادة، بل أحسُّ بالسعادة لأنني أعرف أنني مخلَّص» وهو يعرف أنه مخلّص من نصوص كلمة ﷲ. عندما نقرأ أن «اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ ﷲِ» (رومية16:8)، علينا أن نتذكّر بأن الروح يشهد لنا بصورة رئيسية من خلال الكتاب المقدس، فمثلاً نقرأ في يوحنا 47:6 «مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ»، نَعلم أننا آمنا بالمسيح لأجل خلاصنا الأبدي، إذاً فهو رجاؤنا الوحيد نحو السماء، لذلك يشهد لنا روح ﷲ من خلال هذا العدد أننا أولاد ﷲ. بالطبع، هناك وسائل أخرى للضمان. نحن نعرف أننّا مخلّصون لأننا نحب الإخوة، نكره الخطيئة، نمارس البرّ، نحب كلمة ﷲ ولدينا غريزة الصلاة، لكن الوسيلة الأولى والأساسية للضمان، وهي الأضمن والشيء الأكثر إعتماداً في الكون، هي كلمة ﷲ. لقد أحسن جورج كاتيل القول في إحدى النشرات التي لا تُنسى بإسم الأمان اليقين والبهجة، «الدم هو الذي يجعلنا آمنين، والكلمة هي التي تجعلنا متأكّدين». |
«فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً.» (رومية 6:11) عندما يتأسّس شخص ما في وقت مبكّر بعد إيمانه بعقيدة النعمة، فإنه يحفظ نفسه من مشاكل عديدة في حياته لاحقاً، وأمر أساسي أن نفهم بأن الخلاص هبة مجانية من نعمة ﷲ تُمنَح لأولئك الذين ليس فقط لا يستحقونها بل الذين في الواقع يستحقون عكس ذلك تماماً. لا يوجد أي شيء ذي استحقاق يمكن للشخص أن يفعله أو يَكونَه كي يكسب الحياة الأبدية، بل إن الحياة الأبدية تُمنح لأولئك الذين يتخلّون عن أي فكر يتعلق باستحقاقهم الشخصي، ولكنهم في هذه القضية يعتمدون على استحقاق المخلّص وحده. فإذا ما رأينا أن الخلاص كامل بالنعمة، عندها يمكن أن يكون لنا الضمان الكامل ويمكننا أن نعرف بأننا مُخلّصون، لكن إذا كان الخلاص يعتمد في درجة أدنى على ذواتنا وعلى تحصيلنا البائس فإننا لا يمكننا أن نعرف أننا مُخلَّصون على وجه اليقين، ولا نعرف ما إذا كنا قد عملنا ما يكفي من الأعمال الصالحة أو النوع المناسب منها، لكن عندما يتوقف الخلاص على عمل المسيح، عندها لا يكون أي داعٍ للشكوك المزعجة. نفس الشيء ينطبق على الضمان الأبدي، فلو كان استمرار أمنِك يعتمد بشكل من الأشكال على قدرتك في الصمود، عندئذ يمكن أن تخلُص اليوم وتهلك غداً، لكن طالما يعتمد أمُننا على مقدرة المخلّص ليحفظنا، فيمكننا عندها أن ندرك بأننا آمنون إلى الأبد، لأن هؤلاء الذين يعيشون تحت النعمة لن يكونوا رهينة للخطيئة. ليس للخطيئة سيطرةٌ على الذين هم تحت الناموس لأن الناموس يخبرهم ما عليهم أن يفعلوا لكنه لا يعطيهم القدرة ليفعلوه، أما النعمة فتعطي الإنسانَ مكانة مثالية أمام ﷲ، مُعلّمةً إياه أن يسلك باستحقاق دعوته، وتُمكّنه من القيام بذلك بواسطة الروح القدس الساكن فيه، وتجازيه لقيامِه بذلك. أما الخدمة تحت النعمة فتتَّسم بإمتياز بهيج وليس بعبودية قانونية لكي يكون دافع المؤمن المحبة وليس الخوف، وتكون ذكرى ما تألَّمَ به المخلّص ليُعدَّ الخلاص مبعث إلهام للخاطئ المُخلَّص كي يسكُب حياتَه في خدمة مكّرسة. إن النعمة تثري أيضاً الحياة بإلهامِها بالشكر والعبادة والتسبيح والمجد. إن معرفة من هو المخلصّ وما نحن عليه كخطأة بالطبيعة والممارسة، وكل ما عمله لأجلنا، تجعل قلوبنا تفيض بعبادة مَحَبةٍ له. لا شيء يضاهي نعمة ﷲ. إنها جوهرة تاج جميع صفاته. فتعمَّق أيها المؤمن مُؤسَساً في حقّ نعمة ﷲ السيادية وسوف تُغِّير شكل الحياة كلها. |
«لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ.» (لوقا 40:6) في هذا المقطع كان الرَّب يسوع يُذَكرِّ تلاميذه الإثني عشر بعد أن خرجوا لتلمذة الآخرين أنه لا يمكنهم أن يتوقّعوا من تلاميذهم مزيداً من التقدم في الحياة الروحية إلى أكثر ممّا وصلوا هم أنفسهم إليه. وبعبارة أخرى، يقتصر مدى تأثيرنا الإيجابي على الآخرين من خلال ما نحن عليه بأنفسنا. فقد قال و.ل. كلارك: «لا يمكنك أن تُعلِّم ما لا تَعلَمَه، ولا يمكنك أن تقود إلى حيث لم تذهب». ذهب المخلِّص إلى تعزيز الدرس بقصة القذى والخشبة. عندما كان رجل يسير قُرب بَيدرٍ فإذا بريح تهبُّ فجأة حاملة قشة صغيرة إلى داخل عينه، فبدأ يفرك عينه ويرفع جفنه الأعلى واضعاً إياه فوق الأسفل، محاولاً الإستعانة بنصائح أصدقائه عن كيفية إخراج القشة من عينه، ثم أمُرُّ أنا من هناك بينما عامود خشبي يبرز من عيني وأقول له، «يا صاحبي العزيز، دعني أساعدك لتخرج القذى من عينك»، فيدير رأسه جانباً وينظر إليّ بعينه الثانية ويقول «ألا تظن أنه يجدر بك أن تنزع العامود من عينك أنت أوّلاً؟» بالطبع! لا استطيع مساعدة شخص يعاني من الخطيئة التي تُحدِق به عندما أكون أنا نفسي مكبلاً أكثر منه بتلك الخطيئة عينها، ولا يمكنني الضغط عليه لإطاعة بعض الوصايا الكتابية البسيطة إن لم أطعها أنا نفسي، فكل فشل روحي في حياتي يسد شفتيَّ عن الحديث في هذا المجال بالذات. عندما يصبح تلميذي كاملاً، أي عندما أنتهي من تدريبه فلا يمكنني أن أتوقّع منه أن يكون حتى ولو سنتمتراً واحداً فوق قامتي الروحية، فقد ينمو حتى علو قامتي لكنني لا يمكنني أن أقوده إلى أبعد من ذلك. هذه كلها تؤكّد مجدداً أنه يجب أن نَتنبَّه لأنفسنا، وخدمتنا، إذ يجب أن تكون خدمة ذات سمعة جيدة، لأن ما في الداخل هو ما يُحسَب، فربما نكون ماهرين وأذكياء وسريعي الكلام، لكن إذا وُجِدت نقاط سوداء في حياتنا ومجالات مُهمَلة وعصيانٌ، فإن التلمذة تكون للآخرين كما لو كان أعمى يقود أعمى. |
«لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ.» (رومية9:10) تركّز هذه الآية الإنجيلية المفضَّلة على حقيقتين أساسيتين يصعُب جداً على الإنسان الساقط أن يقبلهما وهما؛ التجسّد والقيامة، فإنه لا يمكن أن يحصل خلاص دون قبول هاتين الحقيقتين وكل ما تعبِّران عنه. أوّلاً، يجب أن نعترف بفمنا أن يسوع المسيح هو ربّ، وهذا يعني، أن الذي وُلد في إسطبل بيت لحم هو ليس سوى ﷲ الظاهر في الجسد، فألوهية الرَّب يسوع جوهرية لخطة الخلاص بأكملها. ثانياً، يجب أن نؤمن بقلوبنا بأن ﷲ أقامه من الأموات، ولكن هذا يعني أكثر من مجرد حقيقة بسيطة بحدوث قيامة، إنها تتضمّن حقيقة أن الرَّب يسوع مات على الصليب بديلاً عنّا، دافعاً العقاب الذي تستحقّه خطايانا، وتحمَّل غضب ﷲ الذي كان ينبغي أن نتحمّله نحن إلى الأبد، وبعد ذلك وفي اليوم الثالث أقامه ﷲ من الأموات برهاناً عن رضاه الكامل عن ذبيحة المسيح لأجل خطايانا. فعندما نَقبله رباًّ ومخلّصاً، نخلص، كما يقول الكتاب المقدس. لكن قد يسأل أحدهم «لماذا وُضِعَ الإعتراف قبل الإيمان؟ ألا نؤمن أّولاً ثم نعترف؟» إن بولس يؤكد في العدد التاسع على التجسّد والقيامة، ويقدّم الترتيب التاريخي لحدوثهما، التجسُّد أوّلاً ثم القيامة بعد ثلاثة وثلاثين سنة، أما في العدد الذي يليه فهو يضع الإيمان قبل الإعتراف «لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ» فالترتيب هو ذلك الذي يَحدُث عندما نولد ثانية. أوّلاً نثِق بالمخلّص فنتبرّر، ومن ثَمَ نأتي لنعترف بالخلاص الذي سبق وقبلناه. في هذا العدد تكمن بساطة بريئة وعذوبة دائمة، فليس من المستغرب أن الأولاد يرنّموه: رومية تسعة عشرة، الآية المفضّلة لدي أعترف بالمسيح رباًّ، وأخلُص بنعمته الإلهية لأن هناك كلمات الوعد، تلمع بأحرف ذهبية رومية تسعة عشرة. |
«فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارهُ.» (عبرانيين13:13) إن أول ما نتعلمه من هذا العدد هو أن المسيح مركز تجمُّع شعبه، إننا لا نجتمع لطائفة أو كنيسة أو بناية أو واعظٍ عظيم، بل نجتمع إلى المسيح وحده «وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ» (تكوين 10:49) «إجْمَعُوا إِلَيَّ أَتْقِيَائِي الْقَاطِعِينَ عَهْدِي عَلَى ذَبِيحَةٍ» (مزمور5:50). الدرس الثاني الذي نتعلّمه هو أن نخرج إليه خارج المحلّة، والمحلّة هنا تعني «كل النظام الديني الأرضي الذي يتبنّاه الإنسان الطبيعي»، وهو المجال الديني الذي لا يُكرَم فيه المسيح بل يُنقَص من قدره. إنها البشاعة الوثنية المتنكرة اليوم بالمسيحية. «لهم صورة التقوى، لكنهم ينكرون قوّتها». إن المسيح موجود في الخارج فيجب أن نخرج إليه. نتعّلم أيضاً أن إجتماعنا للمسيح وحده خارج المحلة ينطوي على العار المرتبط بإطاعة الرَّب فيما يتعلّق بأمر شركة الكنيسة. في أكثر الأحيان يحمل الإرتباط بالكنيسة قدراً من الهيبة والمكانة، لكن كلّما اقتربنا إلى مثال العهد الجديد، كلما زاد الإحتمال بأن نشترك في عاره. فهل نحن مستعدّون لدفع الثمن؟ ناداني إليه الرجل ذو العباءة المصبوغة، عرفت صوته، ربّي المصلوب أظهر نفسه، أواه، لم أستطع البقاء، يجب أن أتبعه، يجب أن أُطيع نبذني العالم خارجاً عندما اكتشف أنني توَّجتُه في قلبي المتمرّد ذاك الذي رفضوه وطعنوه وقتلوه أقامه ﷲ كي يُملِّكَهُ بقوّة عجيبة وهكذا نكون خارج المحلّة، ربّي وأنا لكن أوأه، وجوده أحلى من أي إرتباط أرضي ذاك، حسِبتُه مرةًً أعظم من دعوته أنا خارج، ليس من العالم فقط، بل لأجل إسمه |
«إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدهُ اللهُ لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ.» (كورنثوس الأولى17:3) يشير هيكل ﷲ في هذا العدد إلى الإجتماع المحلي، فبولس لا يتكلم هنا لأفراد من المؤمنين إنما للجماعة معاً عندما يقول، «لأَنَّ هَيْكَلَ ﷲ… الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ» بالجمع، فكان القديسون في كورنثوس عبارة عن هيكل ﷲ، ومن صحيح أيضاً، بالطبع، أن المؤمنين كأفراد، يُشكِّل كل منهم هيكلاً للروح القدس، والرسول يأتينا بهذا الحق في كورنثوس الأولى19:6، حين يقول «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ ﷲِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟» إن روح قدس ﷲ يسكن في جسد كل إبنٍ للّه. لكن في النصّ الذي لدينا اليوم يتكلَّم بولس عن الإجتماع المحلي فيقول إنه إن كان أحد يُفسد الإجتماع فسيُفسده ﷲ، وهي نفس الكلمة التي تُرجمت «يُدنِّس» أو «يُفسِد» كما في هذا العدد، وتُستخَدم لتصف إفساد كنيسة محلية بأن يبعدها عن حالة حياة قداسة وطهارة التعليم الذي ينبغي أن تَثبت فيه، وعن العقوبة التي ينزلها ﷲ بتدمير المعتدي والمذنب بهذه الخطيئة، (و.ي. فاين). لذا يحذّرنا هذا العدد من أن العبث بالشركة المحلية هو أمرٌ خطير، وهذا في الواقع هو شكل من أشكال التدمير الذاتي، ومع ذلك كم يكون الناس في الأغلب غير واثقين من أنفسهم في هذا المجال بالذات، فهذا رجل لا ينجح في فرض طريقه في الكنيسة، أو يصبح متورطاً في نزاع شخصي مع أخ آخر، فبدلاً من أن يسعى لحل المشكلة بأسلوب كتابي، تجده يُجنِّد الناس ليقفوا إلى جانبه ويكوِّن تحزُّباً في الكنيسة، فتتدهور الأمور من سيّء إلى أسوأ حتى تصبح إنشقاقاً علنياً. أو ربما تقود أخت جسدية حملة من النميمة والطعن من الخلف ضد شخص آخر، ولسانها المفتري يَلسَع، إلى أن تعم المرارة والنزاع في الكنيسة. إنها لن تتوقّف عن تصرفها حتى تهدم تلك الكنيسة التي كانت مزدهرة ذات مرَّة. إن أناساً كهؤلاء يلعبون لعبة محفوفة بالمخاطر ولا يمكنهم الإفلات من العقاب، فإن إله الكون العظيم ملتزمٌ بأن يُفسد هؤلاء الذين يفسدون كنيسته. فليحذَر كل من عنده هذا المَيل! |
«لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَداً.» (يوحنا8:13) كان الرَّب يسوع قد طوَّق حقَوَيه بمنشفة وملأ مغسلاً بماء تمهيداً لغسل أرجل التلاميذ، وعندما جاء إلى بطرس، واجَه إعتراضاً شديداً، «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَداً». لماذا؟ لماذا لم يُرِد بطرس أن يخضع لهذه الخدمة الكريمة من الرَّب؟ من ناحية قد يكون هذا شعورٌ بعدم الإستحقاق، إذ لم يعتبر نفسه مستحقاً لقبول خدمة من الرَّب لكن ثمة إمكانية حقيقية بأن موقف بطرس كان شيئاً من الكبرياء والإستقلال ولم يُرِد أن يكون في موضع متلقّي الخدمة، أو الإعتماد على الغير لمساعدته. إن نفس هذا السلوك يُبعد الكثيرين عن الخلاص، إنهم يريدون أن يربحوا الخلاص أو يستحقّوه، لكن قبول الخلاص كهبة النعمة المجانية يقلّل من كرامتهم، فهم لا يريدون أن يشعروا بأنهم مديونون للّه. لكن، «لا يمكن لأحدٍ متكبرٍ جداً ومديون بلا حدود أن يكون مؤمناً في أي وقت من الأوقات» (جيمس س. ستيورات). هنالك درس آخر أيضاً لهؤلاء الذين هم مسيحيون حقاًّ، فلقد تعرّفنا جميعاً بمؤمنين معطائين بإلتزام، يعملون دائماً لصالح غيرهم، يسكبون حياتهم في خدمة ذويهم وجيرانهم، وكرمهم يستحق الثَّناء، لكن في العطر ذبابة، فهم لا يريدون أبداً أن يكونوا في الجانب المُتلقّي ولا يريدون لأحد أن يفعل أي شيء من أجلهم، تعلّموا كيفية العطاء بسخاء لكنهم لم يتعلّموا كيف يَقبَلون بإتضاع، يتمتّعون ببركات الخدمة للآخرين، لكنهم يمنعون نفس البركات عن غيرهم. لقد برهن بولس على تواضعه في قبول العطايا من أهل فيلبي، وعندما شكرهم قال: «لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ» (فيلبي17:4). لقد اعتقد أن مكافأتهم أعظم من حاجته الشخصية. يحدِّث ج. ساندرس «قيل عن الأسقف ويستكوت أنه قال في نهاية حياته أنه ارتكب خطأ كبيراً، لأنه بينما كان مستعداً أن يعمل لأجل الآخرين بكل طاقته، إلا أنه لم يكن مستعداً أن يسمح للآخرين بأن يعملوا شيئاً لأجله ونتيجة لذلك كان ينقصه بعض من عناصر الحلاوة والكمال. لم يسمح لنفسه بتعلُّم تلقّي الإحسانات التي لا يمكن ردُّها». |
«وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ.» (أعمال الرسل23:11) هنالك نزعة مقلقة عند بعض الأوساط المسيحية في تملُّق الناس لأنهم أهل عِلم، حتى وإن كانوا غير موالين لشخص المسيح. ها هنا رجل، على سبيل المثال، وهو كاتب لامِع، خبير في إستعمال التوضيحات ومفسرٌ ماهر في دراسة الكلمات، لكن هذا الإنسان يُنكر الميلاد العذراوي ويُنكر إمكانية عجائب ربّنا ويرفض القيامة الحرفية في الجسد للمخلِّص، يتكلم مناصراً يسوع كمن يجب أن يحتل مكانة في أي متحف لأبطال العالم. إن يسوع بالنسبة إليه ما هو إلا واحد من هؤلاء الأبطال، وهذا يرقى بالطبع إلى إدانة إبن ﷲ بمجدٍ واهٍ. هذا الرجل وبكل بساطة ليس أميناً للرَّب. إنها صدمة إذن أن تجد مسيحيين يدافعون عن شخص مثل هذا لمستواه الِعلِمي اللامع، وبلسان ناعم يمجدون قدراته الفكرية ويتغاضون بسهولة عن معاملته الهرطيقية للمسيح، يحبوّن إقتباس كلامه كمصدر محترم ويتحرّكون في نفس فَلَكه العلمي، وإذا ووجِهوا بتحدٍ بسبب تودّد لأحد أعداء صليب المسيح، فإنهم يستخدمون كلمات خبيثة للتخفيف من خطورة الجُرم، وليس من الغريب أنهم يهاجمون مؤمنين متمسكين بالكتاب لجرأتهم في الكلام ضد هرطيقي يُعتبر صاحب سُلطة معترف بها. لقد حان الوقت ليتمسّك المؤمنون بحس من الغضب البارّ عندما يرون خيانة مُخِلّصهم بادية في أروقة قاعات العلم، لأنه لا وقت للتساهل، فالحق المتعلق بشخصه وعمله لا يقبل المساومة. يجب أن نقف ويُحسَب لنا حساب. لم يتكّلم أي من أنبياء الكتاب المقدس بمساومة عندما كان حق ﷲ في خطر. كانوا من أشد الموالين للرَّب وانتقدوا بصرامة أولئك الذين تجرأوا على الإنكار أو التقليل من قيمته. لقد انبرى التلاميذ أيضاً ضد أيّة محاولة لسلب الرَّب من مجده واختاروا الولاء للمسيح على شهرة العالِم اللاهوتي، واختار الشهداء الموت بدلاً من المساومة على ولائهم لإبن ﷲ، كان يهمّهم رضى ﷲ بدل رضى البشر. إن مسؤوليتنا هي أن نكون مخلصين للرَّب يسوع في كل الأمور، وأن نتخذ موقفاً مناهضاً تجاه كل شخص أو شيء يحول دون إعطائه مكانته السامية. |
«اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ تَأْدِيبَ الأَبِ وَاصْغُوا لأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْفَهْمِ.» (أمثال1:4) في الأعداد الأربعة الأولى من سفر الأمثال والأصحاح الرابع يصِف سليمان كيف ينبغي أن تنتقل المشورة الحسنة من جيل إلى آخر ويروي لنا كيف عَلّمه والده ذلك، وبدوره يحثَّ إبنه ويوليه الإهتمام لمبدأ التعليم الصحيح والإرشاد السليم. فمن المنطقي أن يتعلم الشباب من والديهم الأرضيين بما يتعلّق بأمور الحياة العملية ما أمكنهم ذلك، ولكن من الصحيح أيضاً أن يكون لكل مؤمن جديد مرشده الروحي في هذا المجال، شخصٌ يمكنه اللجوء إليه بتساؤلاته، شخصٌ يمكن الثقة به، شخصٌ يشارك من مخزون خبراته، شخص يكون نزيهاً في تعامله مع مجالات الضرورة المقتضاة، فإذا كان أحد الوالدين قادراً أن يقوم بهذا الدور فذلك أفضل، لكن إذا لم يكن من الممكن ذلك فيجب إيجاد شخص آخر يقوم به. لقد تراكم عند المؤمنين الأتقياء الناضجين مقداراً كبيراً من الحكمة العملية، ولا شك في أنهم قد اختبروا الهزيمة، ولكنهم تعلّموا منها دروساً قيّمة وتعلمّوا كيف يتجنّبوها في المرة القادمة. فالمؤمنون الأكبر سناً غالباً ما يرون كثيراً من جوانب المشكلة التي قد يغفل عنها الشباب، وتعلّموا كيف يكونوا متزنين ويتجنبوا التطرف غير المعقول. إن مثال تيموثاوس، الشاب الحكيم سينمو إلى قامة بولس بمحاولته الإستفادة من حكمته ودرايته مما سيوَّفر على نفسه الإهانات والحماقات وذلك بأن يفحص الأمر أولاً مع شخصٍ قد مرَّ في تلك الظروف من قبل، وبدل أن يعامل كبار السن بالإزدراء سيكرم هؤلاء الذين عاركوا في الصراعات وحافظوا على سجل صالح. وبصفة عامة، فإن القديسين كبار السن لن يَفرضوا أنفسهم على الشباب، فهم يعرفون أن نصيحتهم غير مُرحَّب بها كنصيحة غير مطلوبة، لكن إذا طُلب منهم ذلك فسيكونون دائماً مسرورين كي يشاركوا بوجهات النظر التي تساعدهم في سيرهم على الطريق. إذاً إن كان شاب يتصارع والشهوة أو يريد أن يعرف كيف يجد إرشاد ﷲ أو يطلب إنشاء عائلة في مخافة الرَّب أو يتساءل ما إذا كان ﷲ يدعوه إلى حقل التبشير أو بحاجة إلى مساعدة في تدبير أمواله، أو يتشوَّق لحياة الصلاة بفعالية أكبر، فإنه سيكون من الحكمة السعي للحصول على مساعدة من مرشد روحي يستطيع أن يأتيه بنور من الكتاب المقدس ليسلّطه على المشكلة المعيّنة. تحت الشعر الأشيب غالباً ما يكون رصيد من الحكمة ينتظر استغلاله. لماذا تتعلّم الطريقة الصعبة عندما يمكنك الإستفادة من بصيرة وخبرة الآخرين في الماضي؟ |
««وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى» (عبرانيين1:11). إن الإيمان هو الثقة الضمنية بكلمة ﷲ، إنه أيضاً الإيمان بمصداقية ﷲ، والإقتناع بأن ما يقوله ﷲ صادق وما يَعِدُ به سيتحقق، إنه يتعامل بشكل رئيسي مع عالم المستقبل (أمور تُرجى) وعالم اللامرئيات (أمور لا تُرى). قال وايتير «إن خطوات الإيمان تقع على فراغ كما يبدو، فتجد الصخر تحتها»، لكن ليس الأمر كذلك، لأن الإيمان ليس قفزة في الظلام بل يتطلّب برهاناً أكيداً ويجد ذلك البرهان في كلمة ﷲ. لدى بعض الناس إعتقاد خاطئ وهو إنك إذا آمنت فقط بشيء بقوة كافية فسيحدث، لكن هذا سذاجة وليس إيماناً. يجب أن يتضمّن الإيمان إعلاناً من ﷲ نعتمد عليه، ووعداً من وعوده نتمسّك به، فإنه إن وَعَدَ بشيء فمن المؤكد أنه سيكون كما لو أنه قد حصل فعلاً، وإذا أخبر عن المستقبل فسيتحقق بالتأكيد، وبعبارة أخرى، يأتي الإيمان بالمستقبل في الحاضر ويجعل غير المنظور منظوراً. لا مخاطرة هنا بتصديق ﷲ لأن ﷲ لا يكذب ولا يخادع ولا يمكن خداعه. إن تصديق ﷲ هو أكثر شيء منطقي عقلاني ومعقول يقوم به الشخص. أيبدو شيءٌ أكثر تعقلاً من أن يُصدِّق المخلوق خالقه؟ لا يقتصر الإيمان على الإحتمالات الممكنة بل بغزو عالم المستحيلات. قال أحدهم: «يبدأ الإيمان حيث تنتهي الإحتمالات، فلو كان ذلك ممكناً فلا مجد فيه للّه، وإن كان مستحيلاً فيمكن تحقيقه». «الإيمان، وبالإيمان العظيم الوعدُ يُرى ويتطلّع إلى ﷲ وحده، يضحك من المستحيلات ويصرخ، سوف يتم». من المسلّم به أن هناك صعوبات ومشاكل في حياة الإيمان، فاللّه يمتحن إيماننا في بوتقة التجارب والمِحَن ليرى إن كان حقيقياً (بطرس الأولى7:1). في كثير من الأحيان علينا الإنتظار سنوات طويلة لنرى تحقيق وعوده، وأحياناً أخرى علينا الإنتظار حتى نصل إلى الجانب الآخر، لكن «الشدائد غذاء لتغذية الإيمان» (جورج مولر). «بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤهُ» (عبرانيين6:11). عندما نرفض الإيمان به، فكأننا نقول أنه كاذب (يوحنا الأولى10:5)، وكيف يمكن أن يُسرّ ﷲ بأناس يدعونه كاذباً؟ |
«إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ .» (يوحنا15:14) وصايا؟ وفي العهد الجديد؟ في كل مرة يسمع فيها الناس كلمة وصايا، يظنون على الفوَر أن الحديث يتعلق بالتقيُّد الحرفي بالناموس (ناموسية)، لكن الكلمات ليست مترادفة، لم يتكلم أحد عن الوصايا أكثر من الرَّب يسوع، لكن لم يكن أحدٌ أقل منه تقيُّداً بالناموس. ما هي الناموسية؟ مع أنه لا يمكن إيجاد هذه الكلمة في العهد الجديد، إلاّ أنها تصف جُهد الإنسان غير المنقطع لكسب أو إستحقاق رضى ﷲ، وتدل بشكل أساسي على محاولة الحصول على التبرير أو التقديس بحفظ الناموس وهذا هو المعنى الحقيقي. لكن اليوم يتم إستخدام الكلمة بمعنى أوسع لوصف ما يُعتقَد أنه ناموس أخلاقي متزمِّت، وأية محاولة لتصنيف بعض الممارسات المحظورة تُعتبر «ناموسيَّة»، وفي واقع الأمر، فإن كلمة ناموس تستعمل الآن كعصاً لصدّ أية قيود تقريباً للسلوك المسيحي أو أية سلبيات. كيف، إذاً، ينبغي على المسيحي التفكير من أجل تجنُّب الخطر المرتبط بالناموسية؟ بادىء ذي بدء، صحيح أن المؤمن قد تحرَّر من الناموس، لكن من المهم أن نضيف وبسرعة أنه ليس بلا ناموس، إنه مرتبط بناموس المسيح، وينبغي أن لا يفعل ما يحلو له بل كما يرضي المسيح. ثانياً، يجب أن نتذكّر بأن العهد الجديد مليء بالوصايا، بما في ذلك عدد لا بأس به من السلبيات، الفرق هو أن هذه الوصايا لم تُعط كناموس مرفقة بعقوبة، إنما أُعطيت كإرشادات للسلوك في البّرِ لشعب ﷲ. بالإضافة لذلك، يمكن أن تكون أموراً مسموحاً بها للمسيحي لكنها لا تكون نافعة، وقد تكون مشروعة، لكنها قد تكون أيضاً مُستَعبِدة (كورنثوس الأولى 12:6)، ومن الممكن أن يكون للمؤمن حرية لعمل شيء ما ولكنه مع ذلك قد يُعثِر شخصاً آخر في عمل هذا الشيء، وفي هذه الحالة يجب أن لاّ يفعل ذلك، وإذا وصفَ أحدهم المحظور على أنه ناموسية فهذا لا يعني أن المحظور سيّء. يستخدم الناس أيضاً كلمة «puritanical» (مُتطهِّر، أو متزمِّت) للتنديد بنمط معيّن من السلوك، لكن سلوك المُتطهِّرين كان أكثر تكريماً للمسيح من كثير ممن ينتقدونهم. في كثير من الأحيان عندما ينتقد المسيحيون أنماط سلوك التقوى المقبولة على أنها «ناموسية» فإن ذلك قد يكون إشارةً على أنهم هم أنفسهم أصبحوا أكثر تساهلاً وأنهم ينحرفون عن مرساتهم الأخلاقية، فهم يتصورون بسذاجة أنهم بقذفِهم الوَحْل على الذين يُدعَون ناموسيين أو متطهرين، قد يبدون هم أنفسهم أفضل. إن سلامتنا تكمن في البقاء على مقربة من تعاليم الكتاب بقدر الإمكان، وليس بمحاولة معرفة كم يمكننا الإقتراب من حافّة الهاوية. |
«إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ.» (يوحنا14:14) إن اﷲ يستجيب للصلاة، يستجيب لها تماماً وبنفس الطريقة تماماً مثلنا لو كانت لنا الحكمة المطلقة والمحبة والقدرة، فأحياناً يعطينا ما نريد، وفي بعض الأحيان يستجيب لصلواتنا بسرعة، وفي أحيان أخرى يعطينا ما هو أفضل لكنه دائماً يعطينا ما نحتاج إليه، وأحياناً يستجيب لصلاتنا بسرعة، وفي أحيانٍ أخرى يعلّمنا أن ننتظر بصبر. يستجيب اﷲ للصلاة عندما تكون القلوب ضعيفة أحياناً، ويعطي لأولاده العطايا التي يطلبونها بالضبط، لكن في كثير من الأحيان يجب على المؤمن أن يعرف سلاماً أعمق، ويثق بصمت اﷲ عندما لا يتكلم، لأن الذي إسمه محبة سيُرسل الأفضل. قد تنطفئ النجوم ولا تثبُت الجبال، لكن اﷲ حقٌ ووعوده أكيدة. على أن هناك شروط صلاة للذين يطلبون، فما يظهر غالباً على أنه صك مفتوح (كل ما تطلبون)، فهو مرتبطٌ بشرط (بإسمي). يجب النظر في وعود الصلاة الفردية في ضوء نصوص الكتاب المقدّس حول هذا الموضوع. هنالك أسرار للصلاة. من السهل التفكير في كل أنواع الأسئلة حول «لماذا» وبِ «حيثيات الأمور»، لكن بالنسبة لمعظمها تعتبر هذه الأسئلة غير بنّاءة، وعليه فمن الأفضل الصلاة ومراقبة كيف يعمل اﷲ من محاولة حل كل الأسرار المرتبطة بالصلاة. أُحِب ما قاله الأسقف تِمبل: «عندما أصلّي، تحدث المصادفات، وعندما لا أصلّي لا يحدث شيء». عندما نصلّي إلى الِلّه بإسم الرَّب يسوع، فإنها تكون تماماً كما لو أنه هو يقدّم تلك الطلبات إلى الآب مما يعطي أهمية وقوة لصلواتنا، وهذا هو السبب في أننا لا نستطيع أبداً الإقتراب أكثر من كُليّ القدرة مما عندما نصلّي. بطبيعة الحال، لن نكون كُليّي القدرة أبداً ولا حتى في الأبدية، لكن عندما نصلّي بإسم الرَّب يسوع، نتمسّك بالقوة الأبدية. إن أفضل صلاة تأتي من حاجة قوية في الداخل، هذا يعني أنه كلّما كنا معتمدين على الرَّب أكثر، كلما تكون حياة الصلاة فينا فعّالة أكثر. عندما نصلّي نرى أموراً تحدث، لن تحدث أبداً وفقاً لقوانين الصدفة أو الإحتمال، تجيش حياتنا بقوة خارقة فتصبح مُشعَّة بواسطة الروح القدس، وعندما نؤثر على حياة آخرين يحدث شيء لمجد اﷲ. يجب أن نكون مثل القدّيس الذي قال «أقيس تأثيري بعدد الذين يحتاجون إلى صلواتي وعدد الذين يصلّون من أجلي». |
«وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي الشَّعْبِ.» (متى23:4) ثمة مشكلة متكرِّرة بين المسيحيين وهي عدم الحفاظ على التوازن السليم فيما بين الكرازة والمشاركة الإجتماعية، فيُتَّهم الإنجيليون عادة باهتمامهم بنفوس الناس دون إبداء إهتمام كاف بأجسادهم، وبعبارة أخرى، أنهم لا يقضون وقتاً كافياً في إطعام الجياع وكسوة العُراة وتطبيب المرضى وتعليم الأميين. إن قول أي شيء ضدَّ أي من هذه الخدمات يكون مثل إنتقاد الأمومة. كان الرَّب يسوع بالتأكيد مهتماً بحاجات الإنسان الجسدية وعلّم تلاميذه بأن يهتموا هم أيضاً بها، وتاريخياً، كان المسيحيون دائماً في المقدّمة بتقديم أعمال الرحمة. ولكن كما هو الحال في مجالات أخرى عديدة من الحياة، فإنها مسألة أولويات. فما هو الأكثر أهمية، هل الزمني أم الأبدي؟ للحكم بحسب هذا الأساس فإن الإنجيل هو المرجع الرئيسي، وقد ألمَح يسوع إلى هذا عندما قال، «هذا هو عمل ﷲ، أن تؤمنوا..»، فالتعليم يأتي بالمشاركة الإجتماعية. إن بعض مشاكل الإنسان الإجتماعية الأكثر إلحاحاً ناتجة عن الديانة الزائفة، على سبيل المثال، هناك أناس يموتون من الجوع لأنهم لا يذبحون بقرة لإعتقادهم أن روح قريب قد تقمّصت في البقرة. وعندما ترسل شعوب أخرى شحنات هائلة من الحبوب فتأكل الجرذان منها أكثر ممّا يأكله الناس، لأنه لا أحد يقتل الجرذان، فهؤلاء الناس مُكبلون بديانة زائفة، والمسيح هو الحلّ الوحيد لمشاكلهم. في محاولة لتحقيق التوازن السليم بين الكرازة والخدمة الإجتماعية، هناك دائماً خطر أن نصبح منشغلين بتقديم «القهوة والكعك» فلن يعود هناك مجالٌ للإنجيل. إن تاريخ المؤسّسات المسيحية يمتلئ بأمثلة كهذه بحيث يصبح ما هو جيّد عدواً للأفضل. إن بعض أشكال المشاركة الإجتماعية مشكوكٌ فيها إن لم يكن في كلها، فالمسيحي ينبغي ألا يشترك أبداً في المحاولات الثورية أو الإنقلابية ضد الحكومة، فإنه من المشكوك فيه، عند اللجوء إلى الوسائل السياسية، أن يكون قادراً على تصحيح الظُّلم الإجتماعي. إن الرَّب لم يقم ولا الرُّسل بمثل هذا، إنما يمكن تحقيق الكثير بواسطة نشر الإنجيل مما يمكن تحقيقه عن طريق سن القوانين. إن المسيحي الذي يترك كل شيء كي يتبع المسيح، والذي يبيع كل شيء كي يعطي الفقراء، والذي يفتح قلبه ومحفظته كلما رأى إحتياجاً، لا يحتاج لتأنيب الضمير لأجل القضايا الإجتماعية. |
«لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَاداً.» (غلاطية8:6) لا أحد يستطيع أن يخطئ ويفلت من العقاب، ونتائج الخطيئة ليس فقط لا مفرَّ منها، بل إنها مريرة للغاية، وقد تبدو الخطيئة كقطةٍ غير مؤذية لكنها في النهاية كالأسد يفترس بلا رحمة. إن بريق الخطيئة المُفترض ينال تغطية واسعة، ونادراً ما نسمع الجانب الآخر منها، وقليلون هم الذين يتركون وصفاً لسقوطهم وبؤسهم اللاحق. هذا ما فعله أحد الكُتّاب الإيرلندييّن اللامعين، فلقد بدأ هذا الرجل ينشغل بالرذائل وأخذت رذيلة تقود إلى أخرى حتى أصبح متورطاً في دعاوى جنائية أوصلته أخيراً إلى السجن، فكتب ما يلي: «لقد أعطتني الآلهة كل شيء تقريباً. كان لي عبقرية واسمٌ مُتميّزٌ، مكانة إجتماعية مرموقة وذكاء وجرأة فكرية، جعلت الفنُ فلسفةً والفلسفةُ فناًّ، غيَّرتُ أفكار الناس ولون الأشياء ولم يكن هناك شيء قلته أو فعلته لم يجعل الناس يتساءلون، عاملت الفن كحقيقة سامية، والحياة كأنها نمط من الخيال، أيقظت مخيلة القَرن ليخلق أسطورة وخرافة من حولي، سخَّرت جميع الأنظمة في عبارة وكل الوجود في قصة ساخرة. وإلى جانب كل هذه الأشياء، كان لدي ما هو مختلف، فقد سمحت لنفسي بأن أُغرى بعمق لفترات طويلة بسهولة بالشهوة التي لا معنى لها، ألهَيت نفسي بالتأنّق كرجل من الطبقات العليا، جمعت حولي المزايا الزهيدة والعقول العادية، وأصبحتُ أنا المُبذّر لعبقرّيتي، وإضاعة شبابي للأبد أعطتني فرحاً غريباً، ولما تعبت من البقاء في القمم إنزلقت عمداً إلى الأسافل بحثاً عن أحاسيس جديدة، وما كان لي مفارقة في مجال الفكر، وقد أصبحت الدعارة متداخلة في مجال العاطفة، والشهوة في النهاية كانت هي الداء أو الجنون أو كليهما معاً، أصبحت لا أهتم بحياة الآخرين، ومارست المتعة كما يرضيني واستمريت على ذلك، نسيت أن كل عمل صغير في اليوم العادي يبني أو يهدم الشخصية، ولذلك ما كان قد عمله الشخص في غرفة سريّة سيُعلن يوماً ما من على السطوح… لقد انتهيت بخزي رهيب». المقالة التي كتبت هذا الإعتراف تحمل إسماً ملائماً «من الأعماق». |
«تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ.» (أمثال12:14) نتعلَّم من سِفر الأمثال، مرّتين (12:14و 25:16)، بأنه لا يمكن الإعتماد على حُكم الإنسان فيما يتعلّق والطريق الصواب، وما يبدو له صحيحاً ينتهي بكارثة وموت. لقد أعطت قيادة سلاح البحرية لطياريها، خلال الحرب العالمية الثانية، مثالاً حياً عن هذا، فقد أرادت أن تطبع في ذهنهم أنهم عندما يحلِّقون على علو مرتفع ولا يستخدمون الأكسجين فإنهم لا يمكنهم الوثوق بحواسهم، فقد طُلب من أحد الطيّارين دخول غرفة تخفيض الضغط لكي يجلس أمام طاولة وضِع عليها ورقة فيها مسائل حسابية، تم سحب الأكسجين من الغرفة لتبدو كما في الإرتفاعات العالية، وعندما قَلَّت كثافة الهواء، طُلب من الطيار أن يحل المسائل، وقيل له أيضاً أنه لم يستطع أحدٌ قبله أن يحلها حتى الآن. ألقى الطيار نظرة سريعة إلى المسائل مع أقصى قدر من الثقة وكأنه تغلَّب على النظام، بدت المسائل سهلة وكان لديه الثقة التامة بأنه سيحصل على العلامة الكاملة، ولم يكن عنده أدنى شك في ذلك. لكن عندما أُعيد ضخّ الأكسجين مرة أخرى إلى الغرفة وخرج ليتمم تصحيح ورقته، عَلِم أن مقدرته لحل المسائل قد هبطت بشكل خطير بسبب نقص الأكسجين الواصل إلى دماغه، وكان الدرس، بطبيعة الحال، أنه إذا حلّق على علو مرتفع دون إستخدام الأكسجين، فلن يكون قادراً على الثقة بحُكمه، وقد يتسبّب بحادث تحطُّم. لقد ضَعُفت مقدرة الإنسان على الحُكم، وبشكل خطير بسبب الخطيئة، فهو يشعر بأنه متأكّدٌ تماماً من أن الطريق إلى السماء هي من خلال القيام بأفضل ما يستطيع، فإذا قلت له أنّ لا أحد يَخلُص قطّ بأعماله الصالحة، فسيبقى عنده كل الثقة بأنه سيكون أول إنسان يتخَطّى هذا النظام، وأنه متأكدٌ من أن اﷲ سوف لا يَطرده عن أبواب السماء. لكن مما لا ريب فيه أنه مخطئ تماماً، وإذا أصرَّ على حاله من نقص في «الأكسجين الروحي» فسوف يهلك، فسلامته تكمن بالثقة في كلمة ﷲ بدلاً من حُكمه هو، فإذا ما أقرَّ بذلك فسيتوب عن خطاياه ويقبل الرَّب يسوع المسيح ربّاً ومخلّصاً له. ولأن كلمة اﷲ حقّ، فإن الذين يؤمنون بها يمكنهم الثقة بأنهم يتبعون الطريق الصحيح. |
«…كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ.» (عبرانيين16:12) غالباً ما يكون من الممكن مقايضة أفضل قِيَم الحياة بلحظة إشباع لشهيَّة مادية. هذا ما عمله عيسو. فقد كان راجعاً من الحقل مُنهَكاً وجائعاً. في تلك اللحظة كان يعقوب يطبخ وعاءً من حساء العدس الأحمر، وعندما طلب عيسو قِصعَةً من «الشيء الأحمر»، قال يعقوب، في الواقع، «بالتأكيد، أعطيك بعضاً منه إذا بعتني بكورّيتك بالمقابل». لقد كانت البكورية عبارة عن إمتيازٍ قيِّمٍ يعود إلى الإبن البكر في العائلة، وكان الإمتياز قيِّماً لأنه يعطيه في نهاية المطاف مكانة الرئاسة للعائلة أو القبيلة ويعطيه الحق في حصّة مضاعفة من الميراث. لقد اعتبر عيسو أن البكورية ليست ذات قيمة، وفكَّر في نفسه، ما فائدة البكورية لرجل جائع مثلي؟ وقد بدا جوعه قاهراً حتى أنه كان على إستعداد لإعطاء أي شيء تقريباً ليشبع جوعه، ولكي يقضي شهية وقتية، كان مستعداً للتنازل عن شيء ذي قيمة باقية، وهكذا قام بهذه المقايضة الرهيبة. يجري إعادة تمثيل هذه الدراما يومياً تقريباً. ها هو إنسان قد حافظ على شهادته سنيناً طويلة، تمتع بمحبة عائلته الجميلة واحترام شركة المؤمنين، وعندما كان يتكلّم كانت كلماته تحمل سُلطة روحية، وخدمته قد باركها الله. فهو مؤمن مثالي. لكن تأتي لحظة عاطفة شديدة يبدو الحال فيها كما لو أنه هو الذي يتم حَرقه بنيران التجربة الجنسية القوية، وفجأة، يبدو أن لا شيء أكثر أهمية مثل إشباع هذه الرغبة الجسدية، فيتنازل عن مقدرته على التفكير المنطقي ويصبح مستعداً للتضحية بكل شيء في سبيل هذا الإتحاد غير الشرعي. وهكذا يغرق في الجنون! ويستبدل كرامة اﷲ وشهادته وتقدير عائلته واحترام أصدقائه وقوة صفاء صفاته المسيحية بلحظة شهوة، أو كما قال ألكسندر ماكلارين، «ينسى شوقه للِبرّ، ويرمي بعيداً فرح شركته الإلهية، تُظلِم نفسه وينتهي نجاحه ويهبط على رأسه غمراً من الكوارث لبقية حياته، ويجعل من إسمه ومن ديانته هدفاً للتهكُّمات الجارحة لكل أجيال الإستهزاء القادمة، وفي كلمات الكتاب التقليدية، إنه يبيع بُكوريته بخليط من الحساء». |
«حَتَّى مَتَى تَنُوحُ عَلَى شَاوُلَ, وَأَنَا قَدْ رَفَضْتُهُ عَنْ أَنْ يَمْلِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ.» (صموئيل الأول1:16) يأتي وقت في حياتنا حين يتعيَّن علينا التوقُّف عن النَّوح على الماضي ونواصل العمل الحاضر. كان ﷲ قد رفض أن يكون شاول ملكاً، وكان القرار نهائياً لا رجعة فيه. لكن كانت عند صموئيل صعوبة في قبول القرار، فقد ارتبط بشاول إرتباطاً وثيقاً وهو الآن يبكي لرؤية آماله تخيب، وواصل حزنه على الخسارة التي لا يمكن إعادتها البتّة، فقال اﷲ، في الواقع، «كفّ عن النَّوْح، واخرُج وامسَح خليفة لشاول. إن برنامجي لم يفشل، ولديّ رجل أفضل من شاول ليأتي على مسرح تاريخ إسرائيل». كنا نود التفكير بأن صموئيل لم يكن قد تعلّم الدرس لنفسه فقط، بل إنه نقله لداود الذي حلّ ملكاً مكان شاول. على أية حال، لقد أظهرَ داود أنه قد تعلّم الدرس جيداً، فطالما كان رضيعه على وشك الموت، صام وبكى على أمل أن يحفظ اﷲ إبنه، لكن عندما مات الرضيع، استحم وأبدل ثيابه وذهب إلى خيمة الإجتماع ليَعبُد ثم تناول وجبة طعام. قال لأولئك الذين شكَّكوا في واقعيته: «وَالآنَ قَدْ مَاتَ، فَلِمَاذَا أَصُومُ؟ هَلْ أَقْدِرُ أَنْ أَرُدهُ بَعْدُ؟ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ وَأَمَّا هُوَ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيَّ» (صموئيل الثاني23:12). يوجد في هذا ما يُكَّلم حياتنا المسيحية وخدماتنا، أحياناً قد يحدث أن تُنتَزع منا خدمة ما وتُعطى لشخص آخر، أو نحزن لنهاية إحدى مجالات الخدمة، وربما تُقطع صداقة أو شراكة، ونتيجة لذلك تبدو الحياة فارغة وراكدة. ربما نُصاب بخيبة أمل قاسية لموت عزيز علينا، ونبكي على موت صداقة قيِّمة، أو قد يكون ذلك تحطُّم حلم العمر أو إحباط لطموح ما، فنحن نبكي موتَ طموحٍ نبيلٍ أو رؤيا نبيلة. لا خطأ في الحزن، لكن ينبغي ألا يكون لفترات طويلة لدرجة أنه يشلَّ فعاليتنا في مجابهة تحديات الساعة. لقد قال ستانلي جونز أنه قرر «أن يسترد قواه في غضون ساعة من الحزن الذي يضرب الحياة»، ربما لا تكون ساعةٌ من الزمن بالوقت الكافي لمعظمنا، لكن يجب ألاّ نظلّ غير متقبِّلين للتعزية إلى الأبد على الظروف التي لا يمكن تغييرها. |
«مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ.» (بطرس الأولى7:5) يمتلئ الكتاب المقدس نسبياً برموز عناية اﷲ الرائعة لشعبه، فخلال رحلة الأربعين سنة التي قضاها بنو إسرائيل في البرية كانوا يأكلون طعاماً من السماء (خروج4:16)، وكانت إمدادات المياه لا تفتر (كورنثوس الأولى4:10)، وتزوّدوا بنِعال لا تبلى أبداً (تثنية 5:29). ينطبق نفس الشيء على رحلتنا البرية، ولإثبات ذلك، يُذكِّرنا ربُّنا بأن عنايته بنا تفوق بكثير عنايته بالطيور وبالأزهار والحيوانات، فهو على سبيل المثال يتكلّم عن العصافير، يزوّدهم بطعامهم (متى26:6) وليس واحد منها منسياً أمام اﷲ (لوقا6:12) ولا يسقط أي منها على الأرض بدون إذنه (متى29:10)، أو كما يقول ه.أ أيرونسايد «يحضُر اﷲ جنازة كل طير»، ومعنى القصة، في طبيعة الحال، هو أننا أكثر قيمة عنده من عصافير كثيرة (متى31:10). فإذا كان يُلبِس زنابق الحقل بأجمل ممّا لبِسَ سليمان، أليس بالحريّ جدًّا يلبسنا نحن؟ (متى 30:6)، وإذا كان يزوّد الثور بإحتياجه، فكم بالحرِّي يهتم بحاجاتنا؟ (كورنثوس الأولى9:9). إن الرَّب يسوع، كاهننا العظيم، يحمل أسماءنا على كتفه مكان القوة (خروج28: 9-12) وعلى صدره مكان العاطفة (خروج28: 15-21)، كما ونُقشت أسماؤنا في راحتي يديه (إشعياء16:49) وهذه حقيقة لا بد أنها تُذكّرنا بجراح المسامير التي تحمّلها لأجلنا في الجلجثة. إنه يعرف العدد الدقيق لشعور رؤوسنا (متى30:10)، يحصي كل حركاتنا في الليل ويحفظ عدد دموعنا في سفْره (مزمور8:56)، «لأَنَّهُ مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ» (زكريا8:2). «كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ» (إشعياء 17:54). بينما يحمل الوثنيوّن آلهتهم على أكتافهم (إشعياء7:46)، يحمل ربنا شعبه (إشعياء 4:46)، وإذا اجتزنا في المياه أو الأنهار أو النار، فهو يكون معنا (إشعياء2:43). في كل ضيقنا يتضايق (إشعياء 9:63). حارسنا لا ينعس ولا ينام (مزمور3:121، 4)، لقد دعا أحدهم صفة اﷲ هذه «الأرق الإلهي». إن الراعي الصالح الذي بذل حياته لأجلنا لن يمسك أيّ صلاح عنّا (يوحنا11:10، مزمور11:84، رومية32:8). إنه يعتني بنا من أول العام حتى نهايته (تثنية12:11)، وهو يحملنا حتى في شيخوختنا (إشعياء 4:46). إنه في الواقع لن يتركنا ولن يهملنا (عبرانيين5:13). إن اﷲ ليعتني بنا حقاً. |
«وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ.» (إشعياء3:45) عندما جعل ﷲ هذا الوعد لكورش، كان يتكّلم عن كنوز مادية من بلاد الظلمة التي قد يحتلّها كورش. لكننا لا نسيء إلى العدد عندما نأخذ به ونطبّقه بالمعنى الروحي. هناك كنوز قد اكتشفت في ليلة ظلماء في الحياة لم يُعثر عليها في الأيام الوضّاءة بالشمس. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يوحي اﷲ بترانيمَ في أحلك الليالي (أيوب10:31)، والتي ما كانت لترنّم أبداً لو كانت الحياة خالية تماماً من التجارب، وهذا هو السبب الذي دفع بالشاعر أن يكتب: كثيرٌ من إحتفالات جذْلة بين أبناء النور ستقول عن ترانيمها العذبة «لقد تعلمتها في الليل» وكثير من الأناشيد المتداولة التي تملأ بيت الآب بكَت أول تدريب لها في غرفة مظلمة هناك ظلام ما، وهذا ما يدعوه ج. ستورت هولدن «أسرار لا يمكن تفسيرها؛ المصائب، الكوارث، والتجارب المفاجئة غير المتوقّعة التي قد تأتي في الحياة والتي لم تكن كل تدابيرنا كافية لدرءها، والحياة مظلمة بسبب الحزن، الخسارة وخيبة الآمال والظلم وسوء فهم الدوافع، والإفتراء»، وعلى ذلك، غالباً ما تكون هذه الأشياء هي التي تجعل الحياة مظلمة. من الناحية الإنسانية، لا أحد منا يختار هذه الظلمة، ومع هذا فإن فوائدها لا تحصى. كتبت لِيزْلي وذيرهيد قائلة: «ككل الناس، أحب وأفضّل أيام الإختبارات المشمسة، عندما تزداد الصحة والسعادة والنجاح، لكنني تعلّمت عن اﷲ والحياة وعن نفسي في ظلام الخوف والفشل أكثر ممّا تعلّمت في أي وقت مضى في الشمس المشعَّه. هناك أشياء مثل كنوز الظلام، الظلام يمرُّ، الشكر للّه، على أن ما يتعلّمه الشخص في الظلام يمتلكه إلى الأبد». |
«الْجَارِيَةُ الَّتِي مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.» (ملوك الثاني4:5) ليس من الضروري أن يكون الشخص معروفاً بالإسم من أجل تحقيق مآثر عظيمة لأجل الرَّب. في الواقع، لم يتم تحديد هوية بعض الأشخاص بأسمائهم في الكتاب المقدس الذين حظيوا بشهرة خالدة. كان هناك ثلاثة رجال جلبوا المياه لداود من بئر بيت لحم (صموئيل الثاني23:13-17). إعتبر داود العمل تَفانٍ ملحوظاً لدرجة أنه لم يشرب الماء بل سكبه كتقدمة مقدسة، لكن الرجال لم تذكر أسماؤهم، فنحن لا نعرف إسم المرأة العظيمة من شونم (ملوك الثاني4:8-17) لكن سيكون دائماً لها ذِكر أنها شيَّدت غرفة للنبي أليشع. كانت جارية يهودية مجهولة تلك التي بنصيحتها أُرسِلَ نعمان إلى النبي أليشع ليُشفى من البرص (ملوك الثاني5:3-14) إن ﷲ يعرف إسمها وهذا هو المهم في الأمر. مَن كانت المرأة التي دهنت رأس يسوع بالزيت؟ (متى26: 6-13)، لم يكشف متّى عن إسمها، لكن أُعلنت شهرتها في قول ربّنا «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هَذهِ تَذْكَاراً لَهَا» (عدد13). إن الأرملة الفقيرة التي ألقت بفِلسَيها في الخزانة هي الأخرى من أتباع اﷲ «غير المعروفين» (لوقا2:21)، وهي توضِح الحقيقة بأنه لأمر رائعٍ كيف يمكنك أن تفعل الكثير لأجل اﷲ إذا كنت لا تهتم من الذي يحصل على الشكر. ثم، بالطبع، كان هناك الفتى الذي قدَّم أرغفته الخمسة وسمكتيه للرَّب ورآها تتكاثر لتطعم خمسة آلاف رجل بالإضافة إلى النساء والأولاد (يوحنا9:6)، إننا لا نعرف إسمه لكن ما فعله لن يُنسى أبداً. إليك توضيح أخير! لقد أرسل بولس إثنين من الأخوة إلى كورنثوس مع تيطس بما يتعلَّق والتقدمة المجموعة من أجل الفقراء القدّيسين في أورشليم. إنه لا يعطي إسميهما لكنه يمتدحهما كرسولَي الكنيسة ومجد المسيح (كورنثوس الثانية23:8). عندما نظر جِراي إلى شواهد قبور أناس مجهولين في مقبرة كنيسة ريفية، كتب: زهرات كثيرة تتفتح حُمرتها، تتبدّد حلاوتُها في نسيم الصحراء. ومع ذلك، لا شيء يضيع مع اﷲ، إنه يعرف أسماء جميع المجهولين الذين يخدمونه وهو سيكافؤهم بطريقة جديرة باستحقاقه. |
الساعة الآن 05:54 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025